يحتمل أن يقال بالصحة كلو اسْتَثْنَى الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْفَسَادِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَيَّزُ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الشَّجَرِ مَعَ الثَّمَرِ فانها مُتَمَيِّزَانِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْبَذْرَ وَجَمِيعَ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْمُشْتَرَى وَمِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا نتكرر ثَمَرَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا الْبُقُولُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ جَذِّهَا فَلَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ منها شئ ظَاهِرٌ يُقَالُ إنَّهُ لِلْبَائِعِ وَمَا فِي بَطْنِهَا مِنْ الْعُرُوقِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَالطُّرُقُ الْجَارِيَةُ فِيهِ وفي أصول البقول إذا كان منها شئ ظَاهِرٌ جَارِيَةٌ هُنَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَأَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْبَذْرِ وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا آنِفًا فَالْقِيَاسُ إجْرَاؤُهُمَا هُنَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ ثم شئ ظَاهِرٌ يَسْتَتْبِعُ مَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ.
(فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ أَشْجَارُ خِلَافٍ يُقْطَعُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ كُلَّ مُدَّةٍ قَالَ صَاحِبُ
التَّهْذِيبِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ حُكْمُهَا حُكْمُ الْقَصَبِ وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّانِي الَّذِي فَرَغْنَا مِنْهُ (أَمَّا) إذَا كَانَ فِيهَا جُذُوعُ خِلَافٍ عَلَيْهَا قَوَائِمُ فهى منزلة أَغْصَانِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَطْعِ فِيمَا كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ الْبُقُولِ (أَمَّا) عَلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ (أَمَّا) عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ ثُمَّ الرافعي عنه أنه لافرق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ قَدْ بَلَغَ أو ان الْجَذِّ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَأَطْلَقَا ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيعٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا الْوَجْهَ الثاني الذي ذكره الماوردي واستثنا مِنْ ذَلِكَ الْقَصَبَ فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ قَدْرًا يُنْتَفَعُ بِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُهُ وَتَحْوِيلُهُ إلَى وَقْتِ قَطْعِهِ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ زَمَانُ الشِّتَاءِ فَإِنَّهُ إنْ قُطِعَ قَبْلَ ذَلِكَ الوقت تلف ولا يصلح لشئ وَكَذَلِكَ الرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ قَالَا إنَّ الْبَائِعَ يُمَكَّنُ حَتَّى يَقْطَعَهُ إذَا جَاءَ وَقْتُهُ لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يُقْطَعُ فِيهِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إشْكَالًا عَلَى الرَّافِعِيِّ إنَّهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ يَجِبُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عاما فيما ينتفع به ومالا يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ عَامًّا فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهُ فِيمَا ينتفع به فلا وجه لاستثناء الغصب وحده بل كل مالا يُنْتَفَعُ بِهِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَعِيدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إنَّمَا يَجُوزُ بيعها بشرط(11/385)
الْقَطْعِ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) ذَاكَ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ شَرْطٌ فِي المبيع وَالْمَقْطُوعُ هُنَا غَيْرُ مَبِيعٍ (قُلْتُ) لَكِنَّهُ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ فَيَمْتَنِعُ شَرْطُهُ لِذَلِكَ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا يَجِبُ قَطْعُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَصْلِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهُ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ قَطْعِهِ وَفَوَاتُ مَالِيَّتِهِ مُقَابِلٌ لِمَا يَحْصُلُ لِلْبَائِعِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي اغْتِفَارِ ذَلِكَ بِإِزَائِهِ وَهَذَا الْإِشْكَالُ (الثَّانِي) بِعَيْنِهِ لَازِمٌ لِصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَالشَّيْخِ أبي حامد لكن الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِقَصْرِ ذَلِكَ عَلَى الْقَصَبِ فَلَعَلَّهُ يَقُولُ بِهِ في كل مالا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا قُطِعَ بِخِلَافِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّرْعِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي حامد المتقدم جواب عن ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ لِلْقَصَبِ وَقْتًا يُقْطَعُ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَشْبِيهَهُ بِالزَّرْعِ الَّذِي يَجِبُ إبْقَاؤُهُ لِمَا قَدَّمَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْفَرْقِ مِنْ الْمَعْنَى
أَنَّ لَهُ وَقْتَ نِهَايَةٍ وَالرَّطْبَةُ لَيْسَ لَهَا وَقْتُ نِهَايَةٍ لَكِنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّطْبَةِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ لَهُ وَقْتٌ يُؤْخَذُ فِيهِ فِي الْعَادَةِ وَيَزِيدُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الزُّرُوعِ الَّتِي بَعْدَ وَقْتِ أَخْذِهَا لَا تَزِيدُ شَيْئًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
مِنْ الْبُقُولِ مَا يَبْقَى أَصْلُهُ سِنِينَ وَهُوَ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْأَحْكَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَمِنْهُ مَا يَبْقَى سنة واحدة يجئ مُدَّةً بَعْدَ مُدَّةٍ فِي السَّنَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حُكْمُ هَذَا عِنْدِي حُكْمُ الزَّرْعِ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ فَهَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يُثْمِرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لَكِنْ فِي عَامٍّ وَاحِدٍ كَالْبِطِّيخِ وَالْخِيَارِ وَالْقِثَّاءِ ذَكَرَ فِيهَا وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّجَرِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ مِنْ ثَمَرَتِهِ مَا قَدْ ظَهَرَ وَلِلْمُشْتَرِي الْأَصْلُ وَمَا يَظْهَرُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الزَّرْعِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أَصْلُهُ وَثَمَرُهُ لِأَنَّهُ زَرْعُ عَامٍ وَاحِدٍ وَإِنْ تَفَرَّقَ لِقَاطُ ثَمَرِهِ وَالشَّجَرُ مَا بَقِيَ أَعْوَامًا وَأُلْحِقَ بِهِ مَا بَقِيَ أَعْوَامًا كَالْعَلَفِ وَلَمْ يُلْحَقْ بِهِ مَا بَقِيَ عَامًا وَاحِدًا وَالرُّويَانِيُّ جَزَمَ الْقَوْلَ فِيمَا يُجَذُّ دَفْعَةً بَعْدَ أُخْرَى بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا يَبْقَى مُدَّةً يَسِيرَةً كَالْهِنْدَبَا وَالْجِرْجِيرِ وَمَا يَبْقَى سِنِينَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَحَكَى مَعَ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
ظَهَرَ لَكَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَقْسَامَ فِيمَا لَا يُؤْخَذُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ) أَصْلٌ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ وأصله يبقى سنين في الارض (الثاني) أَصْلٌ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ يَبْقَى عَامًا وَاحِدًا (الثَّالِثُ) أَصْلٌ(11/386)
لَهُ ثَمَرَةٌ لَكِنَّهُ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَيَبْقَى أَصْلُهُ سِنِينَ فِي الْأَرْضِ (الرَّابِعُ) أَصْلٌ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْخِلَافِ يَأْتِي فِيهِ إذْ لافرق بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَبِذَلِكَ تُعْرَفُ مَرَاتِبُ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَالْبَنَفْسَجُ وَالنَّرْجِسُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَالنُّعْنُعُ وَالْهُنْدَبَا وَالرَّطْبَةُ مِنْهُ مَا يَبْقَى سِنِينَ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَمِنْهُ مَا يَبْقَى سَنَةً وَاحِدَةً كَقُرْطِ بِلَادِنَا وَكَثِيرٍ مِنْ بُقُولِهَا فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ
وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْمَوْزُ أَصْلُهُ لَا يَحْمِلُ إلَّا سَنَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَكَانَهُ فَرْخًا يَحْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا شَجَرُ مَوْزٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ ثَمَرٌ يَكُونُ الثَّمَرُ لِلْبَائِعِ فَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْكَلَامُ هَهُنَا فِي أن أصل الموزنفسه هَلْ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا يَدْخُلُ الشجر أولا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ عَدَّهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ الْأُصُولَ تُدْرَجُ عَلَى أَصَحِّ الطُّرُقِ كَالشَّجَرِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ اسْمَ الشَّجَرِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ أَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْأَصْلَ الْمَوْجُودَ وَقْتَ العقد لايدخل فِي الْبَيْعِ كَالزَّرْعِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ سَنَةٍ وَالْفَرْخُ الَّذِي يُسْتَخْلَفُ كَالشَّجَرِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ إنَّ الْفَرْخَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إنْ فُرِضَ فِي فَرْخٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا مَعْنَى لِتَشْبِيهِهِ بِالشَّجَرِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ دَخَلَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بَلْ ذَلِكَ كَسَائِرِ مَا يَحْدُثُ يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحُكْمِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ فُرِضَ فِي فَرْخٍ يَكُونُ حَاصِلًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ يقال ينبغي على قوله أن لايدخل لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ كَالزَّرْعِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذِكْرِ بَيْعِ الْأَرْضِ وَفِيهَا الْقَصَبُ إذَا بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا مَوْزٌ قَدْ خَرَجَ فَلَهُ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَوْزِ قَبْلَ بَيْعِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَا خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ الشَّجَرِ الَّذِي تَحْتَ الْمَوْزِ وَذَلِكَ أَنَّ شَجَرَ الْمَوْزِ عِنْدَنَا يَحْمِلُ مَرَّةً وَيَنْبُتُ إلَى جَنْبِهَا أَرْبَعٌ فَيُقْطَعُ وَيَخْرُجُ فِي الَّذِي حَوْلَهَا وَهَذَا الْكَلَامُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ ثَمَرَ الْمَوْزِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا صَحِيحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنْ سَأَلْتَ عَنْ حُكْمِ الشَّجَرَةِ نَفْسِهَا عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ(11/387)
يَكُونَ مُرَادُهُ بِهِ الشَّجَرَةَ نَفْسَهَا وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَمَا نَبَتَ مِنْ فِرَاخِهَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدِي هَذَا الِاحْتِمَالُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْفَرْخَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي لِقَوْلِهِ إنَّ مَا خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى لَيْسَ لِلْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْفَرْخَ فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ثَمَرَتَهُ فَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الثَّمَرَةِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ لَهُ وهذا لاشك فِيهِ فِي أَنَّ الْفَرْخَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ
أَصْلَ شَجَرِ الْمَوْزِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي الْأَرْضِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا لِأَنَّ الْفَرْخَ الَّذِي حكمنا بكونه للمشترى يثبت مِنْهُ (وَأَمَّا) الْفَرْخُ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُهُمَا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ فَلَهُ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَوْزِ قَبْلَ بَيْعِهِ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الثَّمَرَةَ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الشَّجَرَةَ نَفْسَهَا فَيَشْمَلُ الْأُمَّ وَفِرَاخَهَا وكلام الجوزي يَشْهَدُ لِلتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَعْرِضِ نَقْلِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ بَاعَهُ أَرْضًا وَفِيهَا موز للبائع ما خرج من الموز وليس له مايخرج بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا مَا لَا تُخْرِجُ أَوْلَادُهُ الَّتِي إلَى جَنْبِهِ فَقَوْلُهُ وَلَا مَا تُخْرِجُ أَوْلَادُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الثَّمَرَةِ فان الحقنا ذلك بالرطبة اقتضى أن لايدخل شئ بما ظَهَرَ فِي الْبَيْعِ لَا الْأُمُّ وَلَا فِرَاخُهَا كَمَا ذَلِكَ مُقْتَضَى هَذَا الِاحْتِمَالِ وَلِذَلِكَ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ جَزْمًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ وَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِالشَّجَرِ اقْتَضَى دُخُولَهُمَا وَقَدْ يُقَالُ تَلْحَقُ الْأُمُّ بِالرَّطْبَةِ لِقُرْبِ قَطْعِهَا وَأَمَّا الْفَرْخُ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بَقَاؤُهُ حَتَّى تُقْطَعَ الْأُمُّ وَيَكْبُرَ وَتَحْدُثَ ثَمَرَتُهُ بَعْدَ ذلك فكذلك يقول ان الفرخ يدخل لشبه بِالشَّجَرِ فِي كَوْنِهِ مَقْصُودَ الْبَقَاءِ وَالْأُمُّ لَا تَدْخُلُ كَمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ فَنَظَرْتُ في هذه الاحتمالات الثلاث أيها أرجح فوجنت أَرْجَحَهَا عَلَى مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ الْأُمُّ وَالْفِرَاخُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنَّ الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَالِ الْمَوْزِ مِمَّنْ لَهُ فِيهِ مَعْرِفَةٌ يُخَالِفُ حَالَ الرَّطْبَةِ فَإِنَّ شَجَرَةَ الْمَوْزِ يَنْبُتُ إلَى جَانِبِهَا مِنْ أَصْلِهَا فِرَاخٌ فَإِذَا تَكَامَلَ حَمْلُ الشَّجَرَةِ الْأَصْلِيَّةِ قُطِعَ عُرْجُونُ الْمَوْزِ مع شئ مِنْ رَأْسِ الشَّجَرَةِ وَيَبْقَى بَقِيَّتُهَا لِأَجْلِ تَرْبِيَةِ الْفَرْخِ وَإِنَّهُ مَتَى قُطِعَتْ كُلُّهَا يَمُوتُ الْفَرْخُ فَتُبْقَى لِأَجَلِهِ حَتَّى يَتَكَامَلَ الْفَرْخُ وَتَجِفَّ هِيَ وَتَتَسَاقَطَ بِنَفْسِهَا إلَى الْأَرْضِ فَيَخْلُفَهَا ذَلِكَ الْفَرْخُ ويطرح الموز وهكذا على الترتيب لابد من بقاء الام لتربية أولادها ولا يبقون من أولادها الا واحدا وَيُقْطَعُ الْبَاقِي لِئَلَّا يَضُرَّ بِأُمِّهِ وَيَشْرَبَ مَاءَهَا.
فإذا علمت(11/388)
أَنَّ شَجَرَةَ الْمَوْزِ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا مِنْ أَصْلِهَا لِإِفْسَادِ فَرْخِهَا وَأَنَّ فَرْخَهَا لَا يُنْتِجُ بِدُونِهَا ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّطْبَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قُلْنَا لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْطَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَوْزِ وَيُبْقِي الْجَذْرَ فِي الْأَرْضِ وحده لم ينبت بعد ذلك منه شئ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بعدم دخولها في البيع لذلك لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الْأُمِّ وَدُخُولِ الْفَرْخِ لِأَنَّهُ كَأَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ قَطْعُ الام فيتلف الفرخ فلا بدمن
إبْقَائِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْفَرْخِ الَّذِي يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ تَوَسُّعًا فِي الْعِبَارَةِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْفَرْخَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ سَنَةً بَلْ تَارَةً تَكُونُ إقَامَتُهُ شَهْرَيْنِ وَتَارَةً أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَعَلَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالسَّنَةِ الْمُدَّةُ الَّتِي تَبْقَى فِيهَا كَمَا يُقَالُ سنة الزرع وان كان لايراد حود كَامِلٌ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمَوْزَ نَوْعٌ غَرِيبٌ لَمْ يَشْمَلْهُ التَّقْسِيمُ لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا ثَابِتًا ولا يحمل الامرة ويستمر جذره في الارض سنين ولايجذ كَالرَّطْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ جَزَرٌ أَوْ سِلْقٌ أَوْ ثُومٌ أَوْ فجل أو بصل قال صاحب التهذيب لايدخل شئ مِنْهَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ يَعْنِي وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ التَّقْسِيمِ الَّذِي سَيَأْتِي وَهُوَ الزَّرْعُ الذي لا يحمل الامرة وَكَذَلِكَ الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْبَصَلَ وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا جَزَرٌ أَوْ فُجْلٌ بِجَزَرِهَا وَفُجْلِهَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْإِفْصَاحِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
لَا يَجُوزُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ تَبَعًا.
(فَرْعٌ)
هَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا فِيمَا إذَا أَطْلَقَ الْبَيْعَ أَمَّا لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ وَشَرَطَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَحْصُدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْبُقُولِ فَلِلْمُشْتَرِي الْفُرُوعُ وَالْعُرُوقُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ حَيْثُ يَقُولُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لايدخل مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَبَيْنَ الشَّجَرِ بِأَنَّ هَذِهِ لاتراد لِلدَّوَامِ وَهِيَ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ فَصَارَتْ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَالشَّجَرَةُ تُرَادُ لِلدَّوَامِ فَاسْتَوَى فَرْعُهَا وَأَصْلُهَا وَصَارَ الْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ التَّقْسِيمِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا ما لا يحمل الامرة كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْبَاقِلَا وَالْكَتَّانَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْأَرْضِ إلَّا بِالشَّرْطِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالطَّلْعُ الْمُؤَبَّرُ الَّذِي جَعَلَهُ مَقِيسًا عَلَيْهِ ثَبَتَ حُكْمُهُ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) (1) وَقَوْلُهُ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ احْتِرَازٌ مِنْ الطلع الذي لم يؤبر (وقوله) لايراد لِلْبَقَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ الْغِرَاسِ إذَا قُلْنَا يَدْخُلُ في بيع الارض على ظاهر المذهب
__________
(1) بياض بالاصل(11/389)
وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) الثَّمَرَةُ قبل التأبير مستبقاة لكامل المنفعة لم تجنى وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ فَهَلَّا كَانَ الزَّرْعُ مِثْلَهَا (قِيلَ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّمَرَةَ حَادِثَةٌ مِنْ خِلْقَةِ
الْأَصْلِ الْمَبِيعِ وَالزَّرْعُ مُسْتَوْدَعٌ فِي الْأَرْضِ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَرْضَ يَدْخُلُ فِيهَا الْمَعْدِنُ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا الرِّكَازُ لِأَنَّهُ مُسْتَوْدَعٌ فِيهَا
* وَاعْلَمْ أَنَّ التَّرْجَمَةَ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ تَشْمَلُ الموز لانه نبات لا يحمل الامرة وَاحِدَةً لَكِنْ لَا قَائِلَ بِأَنَّ جَذْرَهُ الثَّابِتَ في الارض لايدخل بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ بِهَذَا الْقِسْمِ مالا يحمل الامرة ولس لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ الْمَوْزُ فَإِنَّ لَهُ أَصْلًا ثَابِتًا مِنْهُ تَنْبُتُ الْفِرَاخُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي القسيم الْحَاضِرِ النَّبَاتُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ ثابت في الارض أولا فَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَحْمِلُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْمَوْزِ أَوْ مَرَّاتٍ فَأَمَّا فِي عَامٍ وَاحِدٍ كَالْبِطِّيخِ أَوْ فِي أَكْثَرَ كَالرَّطْبَةِ وَسَائِرِ مَا يجذ ويثمر مرات والذي لابقاء لاصله هو الزرع كالحنطة وَالشَّعِيرُ وَشِبْهُهُمَا أَوْ نَقُولُ النَّابِتُ إمَّا أَنْ يُثْمِرَ وَيُجَذَّ مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَالْأَوَّلُ إمَّا فِي عَامٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَعْوَامٍ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَبْقَى أَصْلُهُ كَالْمَوْزِ أَوْ لا يبقى كالحنطة والشعير..قال المصنف رحمه الله.
(وفي بيع الارض طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ لانها في يد البائع إلى إلى ان يحصد الزرع فكان في بيعها قولان كالارض المستأجرة ومنهم من قال يصح بيع الارض قولا واحدا لان المبيع في يد المشترى وانما يدخل البئع للسقي أو الحصاد فجاز بيعه قولا واحدا كالامة المزوجة) .
(الشَّرْحُ) الطَّرِيقَانِ مَشْهُورَانِ وَالْأُولَى مَنْسُوبَةٌ إلَى أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الَّتِي صَحَّحَهَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَاسُوهَا عَلَى بَيْعِ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِأَمْتِعَةِ الْبَائِعِ وَعَلَى بَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجَرِ حَائِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَجَّرَ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ بَاعَهَا صَحَّ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّقُوا بِفَرْقَيْنِ آخَرَيْنِ لَا يتصحان لَمْ نَذْكُرْهُمَا وَرَدَّ الْجُمْهُورُ طَرِيقَةَ التَّخْرِيجِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَعْنَى تِلْكَ الصُّورَةِ لَوَجَبَ الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ لِأَنَّ مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ مَجْهُولَةٌ أَلَا تَرَى أَنْ بَيْعَ الدَّارِ الَّتِي اسْتَحَقَّتْ الْمُعْتَدَّةُ سُكْنَاهَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مَعْلُومَةً كَالْأَشْهُرِ فِيهَا قَوْلَانِ وَإِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً كَالْحَمْلِ وَالْإِقْرَاءِ بَطَلَ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ سُؤَالًا قَدْ يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى هَذَا وهو أن لابي إسحق(11/390)
أَنْ يَقُولَ مُدَّةُ الزَّرْعِ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ يَقِينًا فَالْعُرْفُ الْغَالِبُ يَضْبِطُهَا فَإِنْ فُرِضَ مُخَالِفٌ فَنَادِرٌ وَزَمَنُهُ يَسِيرٌ مُغْتَفَرٌ وَالْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لَيْسَ لِمَا ذُكِرَ بَلْ لِأَنَّهَا قَدْ تَمُوتُ فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ عَائِدَةً لِلْمُشْتَرِي وَلِهَذَا نَقُولُ عَلَى طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ وَهَذَا السُّؤَالُ مُنْدَفِعٌ بِمَنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ فِي الْأَقْرَاءِ وَالْحَمْلِ فانه لا يصح بيع الدار التي اسحتقت سُكْنَاهَا لِلْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَضْبِطُهَا فَلَمَّا لَمْ يُغْتَفَرْ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَا يُغْتَفَرُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ الزَّرْعِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لَيْسَ لِمَا ذُكِرَ إلَى آخِرِهِ لَا يَحْسُنُ فَإِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هو في القطع بالفساد ولايجوز أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ وَإِلَّا لَقَطَعْنَا بِالْفَسَادِ فِي دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فمستند القطع بالفساد في دار المعتدة الاقراء وَالْحَمْلِ وَعَدَمِ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الجهالة (أما) قَوْلُهُ إنَّ الْمَنَافِعَ تَكُونُ عَائِدَةً لِلْمُشْتَرِي فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي تَوْجِيهِ الطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ الْمُعْتَدِّ فِيهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَتْ كَانَتْ مَنَافِعُهَا لِلزَّوْجِ فَيَكُونُ إذَا بَاعَهَا كَمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَالظَّاهِرُ فِيهِ الْبُطْلَانُ وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ إذَا صَحَّحْنَا بَيْعَهَا أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ مُطَلِّقًا أَوْ وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا فَإِذَا مَاتَتْ الْمُعْتَدَّةُ بَقِيَتْ مَنَافِعُ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ مِنْ الْأَشْهُرِ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ وَرَثَتِهِ وَلَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لَوْ نَزَّلْنَا اسْتِحْقَاقَ الْمُعْتَدَّةِ مَنْزِلَةَ اسْتِحْقَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ فحينئذ يجئ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إذَا عَرَضَ مَا يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ هَلْ تَكُونُ مَنْفَعَةُ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَإِنْ قُلْتَ) إلْحَاقُ بَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ بِالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِإِمْكَانِ الِاشْتِغَالِ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَوُجُوبُ ذَلِكَ فَالْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ مُدَّةِ بَقَاءِ الزَّرْعِ وَإِلْحَاقُهَا بِالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَّجَهٍ لان الامة المزوجة يمكن تسليما الْآنَ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ فَإِنَّ التَّخْلِيَةَ التَّامَّةَ مَعَ وُجُوبِ إبْقَاءِ الزَّرْعِ غير حاصلة فوجب اما القطع بالبطلان الحاقا بِدَارِ الْمُعْتَدَّةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِمَّا إجْرَاءُ الْخِلَافِ إلْحَاقًا بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ (قُلْتُ) شَرْطُ إلْحَاقِ مَسْأَلَةٍ بِأُخْرَى اشْتِرَاكُهُمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ الْفَارِقِ وَلَا يَكْفِي الِاشْتِرَاكُ فِيمَا لَيْسَ مَنَاطَ الْحُكْمِ فِي الاصل ولاشك أَنَّ بَيْنَ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا مِنْ جِهَةِ عَدَمِ حُصُولِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُشْتَرِي عَقِيبَ العقد ولما(11/391)
اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ دَلَّ على أن ذلك غير مقتضى لِإِبْطَالِ الْبَيْعِ وَأَنْ مَأْخَذَ الْبُطْلَانِ لَيْسَ هُوَ عَدَمَ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُشْتَرِي بَلْ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَيْنِ لِثُبُوتِ يَدِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْمُسْتَأْجِرِ الحائلتين بين المشترى وبينها وأما الارض المرزوعة وَالدَّارُ الْمَشْحُونَةُ وَالْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ فَثَلَاثَتُهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي انه لايد حَائِلَةٌ فَالْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ إذًا أُجْرِيَ فِيهِ لِعَدَمِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَالْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ لَهَا شَبَهٌ مِنْ كُلٍّ مِنْ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ وَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ تُشْبِهُ الدَّارَ الْمَشْحُونَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَمَدًا يُنْتَظَرُ وَيَفْتَرِقَانِ فِي الِاشْتِغَالِ بِالتَّسْلِيمِ عَقِيبَ الْبَيْعِ فِي الدَّارِ دُونَ الْأَرْضِ وَتُشْبِهُ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ فِي أَنْ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ اسْتِيفَاءُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَجِبُ إزَالَتُهَا عَقِيبَ الْعَقْدِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ الزَّرْعَ لَهُ غَايَةٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ قِيَاسُهَا عَلَيْهَا وَقِيَاسُهَا عَلَى الْأَمَةِ أَرْجَحُ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ فِي مُدَّةِ التَّفْرِيغِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ تَفْرِيغُهَا فَلَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْأَرْضِ المزوعة فان منفعتها غَيْرُ مُسْتَحَقَّتَيْنِ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَائِهِمَا وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا حَكَى فِي صِحَّةِ بَيْعِ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ خِلَافًا وَذَكَرُوا الطَّرِيقِينَ فِي الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ قال الامام ولاشك أن القياس يقتضى التسوية بينهما اذلا فَرْقَ وَيُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِالْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ وَحَكَى الْإِمَامُ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ الدَّارَ مَشْحُونَةٌ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَجْهَانِ وَالْمَذْهَبُ ثُبُوتُهُ أَمَّا الْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ جَزْمًا عِنْدَ الْجَهْلِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ تَسْلِيمَهَا يُمْكِنُ أَمْ لَا لِعَدَمِ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْبَائِعُ قَلْعَ الزَّرْعِ وَيَكُونُ غَيْرَ ضَارٍّ بِالْأَرْضِ فَلَا خِيَارَ كَمَا سَيَأْتِي الْوَجْهُ الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ وَأَنَّ الغاصب فِي الْعَادَةِ اشْتِمَالُ الدَّارِ عَلَى أَمْتِعَةٍ ثُمَّ إنَّهَا تُفَرَّغُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(التَّفْرِيعُ) بَائِعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَحْكُمُ بِصَيْرُورَتِهَا فِي يَدِهِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ كَالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ نَعَمْ لِحُصُولِ التَّسْلِيمِ فِي الرَّقَبَةِ وَهِيَ الْمَبِيعَةُ وَأَمَّا الدَّارُ الْمَشْحُونَةُ فَالتَّسْلِيمُ فِيهَا مُتَأَتٍّ فِي الْحَالِ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُوَ إلَى التَّخْلِيَةِ قَبْلَهُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَوْرَدَ فيها وجهان أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ(11/392)
وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ وَادَّعَى أَنَّ ظاهر المذهب ثبوت اليد فيهما وَحَكَاهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَيْضًا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي البسيط وجهان ان اليد ثثبت فِي الدَّارِ وَلَا تَثْبُتُ فِي الْأَرْضِ فَيَجْتَمِعُ مِنْ نَقْلِهِ وَنَقْلِ الْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ فِي الْبَسِيطِ أَنَّ التشاغل بالتفريغ ممكن فنزل الممكن الذي لاعسر فِيهِ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ هُوَ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ فَلَا يَصِحُّ إبْطَالُ مَذْهَبِهِ يَعْنِي فِي الْبَيْعِ إلَّا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ الْقَبْضِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ يُؤْخَذَانِ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي تعليل الطريقة الاولى أنه فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِي تَعْلِيلِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ يَقُولُ الْفَقِيهُ هَذَانِ التَّعْلِيلَانِ مُتَصَادِمَانِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ إذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ زِيَادَةٌ كَمَا في هذه السورة فَإِنَّ فِي تَعْلِيلِ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ مَا يُنَبِّهُ عَلَى دَفْعِ خَيَالِ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْعَيْنُ وَالْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَدُخُولُ الْبَائِعِ لِأَجْلِ السَّقْيِ وَالْحَصَادِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بالزرع خاصة لايمنع ثُبُوتَ الْيَدِ عَلَى الْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) من قال بصحة تسليمها مزروعة لاشك أَنَّهُ يَقُولُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ بِتَخْرِيجِهَا عَلَى الْعَيْنِ المستأجرة كما قال أبو إسحق وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْزِمَ بِالصِّحَّةِ وَيُفَرَّقُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ عَلَيْهَا يَدٌ حَائِلَةٌ والارض المزورعة فِي يَدِ بَائِعِهَا لَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الزَّرْعُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَهُوَ مُسْتَحَقُّ الْإِبْقَاءِ فَيُسَاوِي يَدَ الْإِجَارَةِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ انْقَلَعَ الزَّرْعُ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِحَاجَةٍ أَوْ جَذَّهُ الْبَائِعُ قَبْلَ وَقْتِ حَصَادِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِبْقَاءُ الْأَرْضِ مَا بَقِيَ مُدَّةَ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يستحق من الارض ما كان صلاحا لِذَلِكَ الزَّرْعِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا لَوْ جُذَّ قَبْلَ حَصَادِهِ قَوِيَ أَصْلُهُ وَاسْتَخْلَفَ وَفَرَّخَ كَالدُّخْنِ(11/393)
فَجَذَّهُ قَبْلَ حَصَادِهِ كَانَ لَهُ اسْتِبْقَاءُ الْأَصْلِ الْبَاقِي إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الزَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاءُ مَا اسْتَخْلَفَ فرخ بَعْدَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ الزَّرْعِ وَعَلَى الْبَائِعِ قَلْعُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي كَمَا يَمْلِكُ أَصْلَ الْقَتِّ الَّذِي يُجَذُّ مَرَّةً لِأَنَّ الْقَتَّ أَصْلٌ ثَابِتٌ وَالزَّرْعَ فَرْعٌ زَائِلٌ وَاسْتِخْلَافُ بَعْضِهِ نَادِرٌ
قَالَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ كل زرع لايدخل في البيع لايدخل وان قال بعث الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا يُحْكَى ذَلِكَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُهُ لِمَنْصُورٍ التَّمِيمِيِّ فِي الْمُسْتَعْمَلِ أَيْضًا (قُلْتُ) وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِمَزَارِعِهَا دَخَلَتْ الْمَزَارِعُ وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا لَمْ تَدْخُلْ الْمَزَارِعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) فِي الْأَرْضِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِيهَا.
(فَرْعٌ)
عِنْدَنَا لَا يُؤْمَرُ الْبَائِعُ بقطع الزرع الذي لَهُ إبْقَاؤُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعِنْدَهُ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْقَطْعَ وَعِنْدَنَا هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْبَائِعِ فَلِذَلِكَ لَمْ نُوجِبْهُ وَأَوْجَبْنَا الْإِبْقَاءَ وعند وقت الحصاد يؤمر بالقطع والتفريغ ويحبر البائع عليه وعليه تسوية الارض وعليه قلع الْعُرُوقِ الَّتِي يَضُرُّ بَقَاؤُهَا بِالْأَرْضِ كَعُرُوقِ الذُّرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ المبيعة أمتعة لايستع لَهَا بَابُ الدَّارِ يُنْقَضُ وَعَلَى الْبَائِعِ ضَمَانُهُ هكذا ذَكَرُوهُ وَجَزَمُوا بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَسَيَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا (وَأَمَّا) ضَمَانُ النُّقْصَانِ فِي بَابِ الدَّارِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَوْضِعِ الْحِجَارَةِ إنْ أَمْكَنَ تَقْوِيمُ مَا نقص من قمية مَا انْهَدَمَ لَزِمَ الْبَائِعَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ حَلْقَةِ الْبَابِ وَقَالَ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ بِنَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ.
(فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالزَّرْعِ بِأَنْ كَانَ رَأَى الْأَرْضَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَبِهَا زَرْعٌ وَلَمْ يَرَهَا حِينَ الْعَقْدِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الزَّرْعَ عَيْبٌ يَمْنَعُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَرَّ فَلِلْبَائِعِ تَرْكُ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إلَى وَقْتِ حَصَادِهِ كَمَا نَقُولُهُ فِي الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى فلو رضى البائع بتسليم الزرع فَلَا خِيَارَ لَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَطْرَأْ مَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَ الزَّرْعِ عَنْ وَقْتِ الْحَصَادِ الْمُعْتَادِ وَلَوْ طَرَأَ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَفِيهِ كَلَامٌ أَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ.(11/394)
(فَرْعٌ)
فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا
فَلَا أُجْرَةَ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَوَجْهَانِ عَنْ رِوَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُعْظَمُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ وَتَقَعُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مُسْتَثْنَاةً كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَقْمِشَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْأُجْرَةَ لِمُدَّةِ التَّفْرِيغِ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَخِلَافُهُ (والاظهر) عند الغزالي والجرجاني والوجوب وجعل الامام محل الخلاف فِيمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّمَا تجب الاجرة إذا زرعها بقعد الْإِجَارَةِ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ثُمَّ هَهُنَا كَلَامَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ هذا الخلاف هل محله إذا كتفينا بالتخيلة وجعلناها قبضا أراد الم نَكْتَفِ بِهَا أَوْ هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ قَالَ ولاشبه أَنْ يُقَالَ إنْ اكْتَفَيْنَا بِهَا فَالْخِلَافُ مُتَوَجِّهٌ وَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِهَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ أَوْ اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ قُلْنَا) تَجِبُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا انْتَفَعَ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ إقْبَاضِهِ هَلْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ أَمْ لَا وَفِيهِ خِلَافٌ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا لَمْ تَجِبْ هُنَا (وَإِنْ قُلْنَا) نَعَمْ وَجَبَتْ وَلَا نَنْظُرُ إلَى أَنَّهُ ثَمَّ مُتَعَدٍّ وَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُ هَهُنَا لِأَنَّ بَابَ الضَّمَانِ لَا يَخْتَلِفُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ لَوْلَا تَعْلِيلُ الْإِمَامِ يَعْنِي تَعْلِيلَهُ وَجْهَ عدم إيجاب الاجرة بقدرة المشترى عل الْفَسْخِ لَوْلَا هَذَا التَّعْلِيلُ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ الوجهان في الرجوع بالاجرة إنما هو قبل التخيلة أَوْ بَعْدَهَا وَقُلْنَا إنَّهَا لَا تَكْفِي وَيَكُونَانِ مبنبين عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ فَإِنْ قُلْنَا كَالْأَجْنَبِيِّ ضَمِنَ الْأُجْرَةَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْإِمَامُ وَلِلْخِلَافِ نَظَائِرُ فِي الْحِجَارَةِ (قُلْتُ) وَالْأَشْبَهَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مُطْلَقٌ فِيمَا إذَا اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَفِيمَا إذَا لَمْ نَكْتَفِ بِهَا وَمَأْخَذُهُ أَنَّ تَفْوِيتَ الْمَنَافِعِ هَلْ هُوَ كَالْعَيْبِ أَمْ لَا بَلْ الْمَنَافِعُ مُسْتَقِلَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَبِيعِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْلِيلُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَجْهَ الْوُجُوبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي ضَمِنَا مطلقا ولا أثر للاجازة فِي إسْقَاطِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أن نقول يكتفي بالتخلية أولا وَهَذَا يُوَافِقُ الْوَجْهُ الَّذِي يَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ جعلنا تفويت المنافع بمنزلة التعبيب اكْتَفَتْ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ أَوْ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ (إنْ قُلْنَا) كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ ضَمِنَهَا مُطْلَقًا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَجَعَلْنَاهَا قَبْضًا أَوْ إذَا لَمْ نكتف به أَوْ هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ فَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِهَا فَكَذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَا يُوجِبُ(11/395)
الْأُجْرَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مُطْلَقًا وَإِنْ اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الزَّرْعَ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ حَاصِلٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِالْإِجَارَةِ رَضِيَ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ له أجرة كما ورضى بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ فَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ جَارٍ مُطْلَقًا إمَّا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا إذَا لَمْ يُكْتَفَ بِهَا فَمَأْخَذُ الْوُجُوبِ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
إلْحَاقُ الْبَائِعِ بِالْأَجْنَبِيِّ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَقْصُودِ فَلَيْسَ تَفْوِيتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَمَأْخَذُ عَدَمِ الْوُجُوبِ جَعْلَهَا عَيْبًا وَإِلْحَاقُ تَعْيِيبِ الْبَائِعِ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ (وَأَمَّا) بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهَا فَمَأْخَذُ الْوُجُوبُ أَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ إلْحَاقُ الْبَائِعِ بِالْأَجْنَبِيِّ وَمَأْخَذُ الْإِسْقَاطِ جَعْلُ تَعْيِيبِ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فَإِذَا أَجَازَ الْمُشْتَرِي سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ كَذَلِكَ هُنَا إذَا أَجَازَ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَقَدِّمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مُقْتَضَى مَا ذَكَرْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ عَدَمَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ وَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ يَخْرُجُ عَلَى جِنَايَتِهِ إنْ جَعَلْنَاهَا كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ تَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَتْ فَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الاصح في مسألتنا أنه لا يجب الاجرة لافي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ وَلَا فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَعَدَمُ وُجُوبِهَا قَبْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا (قُلْتُ) أَمَّا الْغَزَالِيُّ فَإِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ تَصْحِيحُهُ هُنَا الْوُجُوبَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُوَافِقٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ (وَأَمَّا) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مِنْ تَصْحِيحِ الْوُجُوبِ بَعْدَ الْقَبْضِ دُونَ مَا قَبْلَهُ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنَّهُ هُنَا إذَا رَضِيَ بِالزَّرْعِ يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ فَالرِّضَا بِالزَّرْعِ رِضًا بِالْإِبْقَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ (وَأَمَّا) الْحِجَارَةُ فَإِنَّهُ إذَا رَضِيَ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهَا بَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَلْعِهَا لَكِنْ لَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ مُدَّةَ الْقَلْعِ أَيْضًا قَدْ رَضِيَ بِهَا كَمَا أَنْ مُدَّةَ قَلْعِ الزَّرْعِ عِنْدَ أَوَانِهِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ رِضَاهُ وَإِنْ كَانَ الْقَلْعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاجِبًا فكان ينبغي أن لا تحب لَهَا أُجْرَةٌ إلَّا إذَا زَادَ وَأَخَّرَ الْبَائِعُ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) مَا حَكَيْتُهُ فِي مَأْخَذِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ مِنْ أَنَّ الْمَنَافِعَ متميزة(11/396)
عن المعقود عليه كذلك قاله الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا انْتَفَعَ بِالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْرِيجٍ عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كجناية الاجنبي أولا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ طَرِيقَةُ التَّخْرِيجِ خَاصَّةً وَمَا ذَكَرُوهُ هَهُنَا يَقْتَضِي طَرِيقَةً أُخْرَى كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ وَالْكَلَامَ فِيهَا مَحَلُّهُ إذَا وَرَدَ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ مِنْ جُزْءٍ أَوْ صِفَةٍ (أَمَّا) الْمَنَافِعُ فَلِلتَّرَدُّدِ فِي إلْحَاقِهَا بِجُزْءِ المبيع أو صفته مجال ظَاهِرٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِي اسْتِعْمَالِ البائع المبيع طريقان
(أحدهما)
وجوب الاجرة (والثانية) تَخْرِيجُهَا عَلَى جِنَايَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
وَهُوَ الْكَلَامُ الثَّانِي تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ جَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ (أَمَّا) فِي حَالَةِ الْعِلْمِ فَلَا تَجِبُ قَطْعًا وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي الْخِيَارِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي حَالَةِ الْجَهْلِ (أَمَّا) فِي حَالَةِ الْعِلْمِ فَلَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَطْرَأْ أَمْرٌ يَقْتَضِي تَأَخُّرَ الزَّرْعِ عَنْ وَقْتِ حَصَادِهِ الْمُعْتَادِ فَإِنَّ التَّبْقِيَةَ إنَّمَا وَطَنَ الْمُشْتَرِي نَفْسُهُ عَلَيْهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ (أَمَّا) إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَيَكُونُ إذَا أَجَازَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ الْخِلَافُ السَّالِفُ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ عَيْبًا بِالْمَبِيعِ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ فَلَا خِيَارَ فَلَوْ زَادَ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَاطَلَاقُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْتَضِي تَرْكَهُ إلَى الْحَصَادِ سَوَاءٌ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ أَمْ لَمْ يَتَأَخَّرْ ومراده بالحصاد أول أوقاته لاحقيقة الْحَصَادِ.
(فَرْعٌ)
مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْإِبْقَاءِ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ اشْتِرَاطِ التَّبْقِيَةِ إلَيْهِ فَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ قَلْعَ الزَّرْعِ وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُنَا فَفِي وُجُوبُ الْبَقَاءِ بِهَذَا الشَّرْطِ تَرَدُّدٌ حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ وَوَجْهُ وُجُوبِ الْوَفَاءِ ظَاهِرٌ (وَأَمَّا) وَجْهُ عَدَمِ الْوُجُوبِ (1) (فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ تَقَدُّمُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعَقْدِ فَإِنَّ مَوْضِعَ مَنَابِتِ الزَّرْعِ غَيْرُ مَرْئِيٍّ حَالَةَ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ قِيلَ فِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ أَنْ يَكُونَ رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا أَدْرَكَ الزَّرْعَ فَعَلَيْهِ الْحَصْدُ وَالنَّقْلُ إلَى مَكَان آخَرَ فَإِنْ
أَرَادَ أَنْ يَدْرُسَ الزَّرْعَ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَيُنَقِّيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِالرِّضَا وَإِنْ كَانَ تَلْحَقُهُ بِالنَّقْلِ إلَى مَكَان مَشَقَّةٌ والله أعلم.
__________
(1) بياض بالاصل(11/397)
(فَرْعٌ)
إذَا شُرِطَ دُخُولُ الزَّرْعِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ بَقْلًا أَوْ قَصِيلًا لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ الْحَصَادِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَلَا يَلْزَمُ فِي الزَّرْعِ شَرْطُ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَصَارَ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا إذَا بِيعَتْ مَعَ مَحَلِّهَا وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الثِّمَارِ وَفِيهَا بَحْثٌ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ اشْتَدَّ وَاسْتَحْصَدَ فَإِنْ كَانَ مُشَاهَدَ الْحَبِّ كَالشَّعِيرِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاهَدٍ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فَفِي بَيْعِهِ مُفْرَدًا قَوْلَانِ فَإِنْ جَوَّزْنَا فَبَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ أَوْلَى وَإِنْ مَنَعْنَا فَفِي بَيْعِهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ كَأَسَاسِ الْبُنْيَانِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فَإِذَا بطل ففي بطلانه في الارض قولا واحدا لِلْجَهْلِ بِالْحِصَّةِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي تَعْلِيلِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى أَرْضًا رَآهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَرَهَا حِينَ الْبَيْعِ فَوَجَدَ فِيهَا زَرْعًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ (تَنْبِيهٌ) مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ بِزَرْعٍ يُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَهِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا أَمَّا الْمَزْرُوعَةُ بِزَرْعٍ يُحْصَدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْبُقُولِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ قولا واحدا قاله صاحب التتمة وهو اظهر لِأَنَّهَا كَالشَّجَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ لِذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ ذِكْرَ الْمُصَنِّفِ لَهَا بَعْدَ تَقَدُّمِ الْقِسْمَيْنِ مُقْتَضٍ لِشُمُولِ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَوْلُهُ حَتَّى يُحْصِدَ يُقَالُ أَحَصَدَ الزَّرْعُ أَيْ بَلَغَ أَوَانَ الْحَصَادِ فَقَالَ ابْنُ دَاوُد فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ فَهُوَ لِلْبَائِعِ حَتَّى يُحْصِدَ بِكَسْرِ الصَّادِ وَقَالَ إنَّهُ أَفْصَحُ وَأَصَحُّ فِي الْمَعْنَى مِنْ فَتْحِهَا لِأَنَّهُ إذا بلغ أو ان الْحَصَادِ جُذَّ (1) عَلَى حَصْدِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا والحكم ببقاء مللك الْبَائِعِ مُسْتَمِرٌّ إلَى وُجُودِ الْحَصَادِ فَيَصِحُّ أَنْ يقال بضم الياء وفتح الصاد ويصح بفنح الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَيْ حِينَ يَحْصُدَ الْبَائِعُ الزَّرْعَ وَلَا يَصِحُّ حَتَّى يُحْصِدَ
بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ هُنَا أَيْ حَتَّى يَبْلُغَ أَوَانَ الحصاد لان يده لاتزول بِذَلِكَ فَالْيَدُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْبَائِعِ إلَى إحْصَادِ الزَّرْعِ وَيَدُ الْبَائِعِ ثَابِتَةٌ إلَى الْحَصَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
__________
(1) بياض بالاصل(11/398)
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بَاعَ أرضا فيها بذر لم يدخل البذر في البيع لانه مودع في الارض فلم يدخل في بيعها كالركاز فان باع الارض مع البذر ففيه وجهان أحدهما أنه يصح تبعا للارض والثاني لا يصح وهو المذهب لانه لا يجوز بينه منفردا فلم يجز بيعه مع الارض) .
(الشَّرْحُ) فَصَّلَ الْأَصْحَابُ فِي الْبَذْرِ مِثْلَ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي النَّبَاتِ فَقَالُوا الْبَذْرُ الَّذِي لَا تفاوت لنباته ويوجد دفعة واحدة لايدخل في بيع الارض ويبقى إلى أو ان الحصاد وللمشترى الخياران كَانَ جَاهِلًا بِهِ فَإِنْ أَجَازَ أَخَذَ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ النَّقْصَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ بِتَرْكِ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ لَا يُقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَإِنْ تَرَكَهُ الْبَائِعُ لَهُ سَقَطَ خِيَارَهُ وَعَلَيْهِ الْقَبُولُ وَلَوْ قَالَ آخُذُهُ وَأُفَرِّغُ الْأَرْضَ سَقَطَ خِيَارُهُ أَيْضًا إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَفَعَلَهُ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ الْأَرْضَ وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالْبَذْرِ فلا خيار له وعليه ترك إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ وَالْبَذْرُ الَّذِي يَدُومُ نَبَاتُهُ كَنَوَى النَّخْلِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَبَذْرِ الْكُرَّاثِ وَالرَّطْبَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبُقُولِ حُكْمُهُ فِي الدُّخُولِ تَحْتَ بَيْعِ الْأَرْضِ حُكْمُ الْأَشْجَارِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رحمه اللَّهُ وَغَيْرُهُمْ وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْبَذْرَ الَّذِي يدوم حكمه حكم الشجر (فان قلنا) الشجر لايدخل صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ بَذْرِ الزَّرْعِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالَةِ الْجَهْلِ وَالْعِلْمِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَلْعُهُ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَلَا خيار وان كان مصرا أَوْ يَمْضِي فِيهِ مُدَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تملك بعد بذلك بيحث يَكُونُ غَرْسُهَا نَقْصًا فِيهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ أَمَّا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ الْبَذْرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَذْرِ الَّذِي حَكَمْنَا بِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَانَ تَأْكِيدًا وَلَك أَنْ تَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ
الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ البذر الذي لايدخل وَهُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أحدهما)
يصح في تبعا كالحمل وَادَّعَى هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ فَقَالَ لَوْ بَاعَ زَرْعًا مَعَ أَرْضٍ خَرَجَ أولم يَخْرُجْ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ فِي الْبَذْرِ لِلْجَهَالَةِ وَلِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ كَالرِّكَازِ وَيُخَالِفُ الْحَمْلَ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الام في المطلق وهولاء أَوَّلُوا نَصَّهُ فِي التَّفْلِيسِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ خرج السنبل أولم يَخْرُجْ فَعَلَى هَذَا إذَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي البذر ففي بطلانه في الارض طريقان (احدهما) أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ(11/399)
الصَّفْقَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِي إيرَادُ الْمَاوَرْدِيُّ تَرْجِيحَهَا وَجَزَمَ بِهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّهُ يختر بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْأَرْضِ وَيَقْتَضِي إيرَادُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ تَرْجِيحَهَا وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ وَهِيَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ في أنه يختر بِالْقِسْطِ وَجَعَلَ الرُّويَانِيُّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَجْهَلْ جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ فَإِنْ جَهِلَهُمَا لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجْرِي مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ فَعِلَّةُ الْخِلَافِ هُنَا مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ أَبَا الْفُتُوحِ الْعِجْلِيَّ أَفَادَ أَنْ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِالصِّحَّةِ هَهُنَا وَإِنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَيَكُونُ مَحَلُّ الْخِلَافِ تَفْرِيعًا عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ (أَمَّا) عَلَى تَجْوِيزِ بَيْعِ الْغَائِبِ قَالَ فَلَا يَبْعُدُ الْحُكْمُ بصحة البيع (قلت) ولابد فِيهِ مِنْ مُلَاحَظَةِ التَّبَعِيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الْبَذْرَ وَحْدَهُ وَهُوَ مُسْتَتِرٌ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَكَذَا بَعْضُ مَنْ أَجَازَهُ وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَكَلَّمُوا فِي بَيْعِ الثِّمَارِ الْمُسْتَتِرَةِ وَالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْمَنْعَ فيها مفرع عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ (أَمَّا) إذَا جَوَّزْنَاهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَحَمَلَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ الْوَجِيزِ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْفَتَاوَى فِي السُّؤَالِ التاسع والعشرين في بيع السلجم والجرز فِي الْأَرْضِ قَالَ إنَّهُ إنْ قَضَى بِبُطْلَانِ بيع الغائب فلا شك الْبُطْلَانِ وَإِنْ قَضَى بِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ اتَّجَهَ ظَاهِرًا إبْطَالُ هَذَا لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ الا بتقليب الارض وهو تغير لعين المبيع فيضا هي بَيْعَ الْجِلْدِ قَبْلَ السَّلْخِ لِيُسَلَّمَ بِالسَّلْخِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعَلَّلَ بِأَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ يُمْكِنُ رَدُّ الْمَبِيعِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِصِفَتِهِ وَهَهُنَا لَا يُمْكِنُ وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّ إطْلَاقَ المصنف مراده منه البذر الذي لانبات لِأَصْلِهِ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الامام أَطْلَقَ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَمُرَادُهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِمَّا يُصْرَمُ فَصَرَمَهُ الْبَائِعُ كَانَ للمشترى اصله ولم يكن للبائع قعله وَلَا قَطْعُهُ وَإِنْ عَجَّلَ الْبَائِعُ فَقَلَعَهُ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهُ لِيَسْتَخْلِفَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَحْثٌ فِي الْغِرَاسِ الَّذِي يَشْتَدُّ وَهُوَ يَعُودُ هَهُنَا فِي الْبَذْرِ الَّذِي وُضِعَ لِذَلِكَ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ الدَّوَامُ فِي مَحَلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَاعَ الْبَذْرَ وحده جزم صاحب التتمة بالبطلان
* قال المصنف رحمه الله.
(إذا باع أصلا وعليه ثمرة للبائع لم يكلف قطع الثمرة إلى أوان الجذاذ فان كان مما يقطع بسرا كالبسر الحيسواني والقرشي لم يكلف قطعه إلى أن يصيرا بسرا وان كان مما لا يقطع الا رطبا لم(11/400)
يكلف قعطه إلى أن يصير رطبا لان نقل المبيع على حسب العادة ولهذا إذا اشترى بالليل متاعا لم يكلف نقله حتى يصبح وان اشتراه في المطر لم يكلف نقله حتى يسكن المطر والعادة في قطع الثمار ما ذكرناه فلا يكلف القطع قبله.
(الشَّرْحُ) الْأَصْلُ الْمُرَادُ بِهِ الشَّجَرَةُ وَالْجِذَاذُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا حَكَاهُمَا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَأَوَانُ الْجِذَاذِ بِكَسْرِ الْجِيمِ زَمَانُ صَرْمِ النَّخِيلِ إذَا يَبِسَ ثَمَرُهَا وَالْجِذَاذُ الْقَطْعُ يُقَال الْجِذَاذُ وَالصِّرَامُ فِي النخل القطاف فِي الْكَرْمِ وَاللُّقَاطُ فِيمَا يَتَنَاثَرُ كَالْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى وَغَيْرِهِ فَيُلْتَقَطُ وَالْجِيسْوَانُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيَاءٌ تَحْتَهَا نقطنان وَآخِرُهُ نُونٌ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ قَالَ ابْنُ بَاطِيشٍ وَابْنُ التُّودِيِّ جِنْسٌ مِنْ الْبُسْرِ أَسْوَدُ اللَّوْنِ وَالْقُرَشِ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ قَالَ ابْنُ بَاطِيشٍ هُوَ الْأَحْمَرُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَا يُقْطَعُ إلَّا بُسْرًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا اشْتَرَى نَخْلًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ أَوْ كُرْسُفًا وَعَلَيْهِ قُطْنٌ لِلْبَائِعِ أَوْ شَجَرًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ أَوْ وَرْدًا أَوْ رَدَّ لِلْبَائِعِ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ لِلْبَائِعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَطْعِ الثَّمَرَةِ وَالْوِرْدِ وَالزَّرْعِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَالْحَصَادِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ تَبْقِيَتُهَا فَإِنْ كَانَ غَيْبًا فَعَلَيْهِ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَنْ يَسْوَدَّ وَتَدُورَ الْحَلَاوَةُ فِيهِ وَيُقْطَعُ فِي الْعَادَةِ (فَأَمَّا) إذَا عَقَدَ وَحَصَلَ فِيهِ قَلِيلُ حَلَاوَةٍ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِقَطْعِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَإِنْ كَانَ رُطَبًا فَعَلَيْهِ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَنْ يَرْطُبَ وَيَتَكَامَلَ نُضْجُهُ ثُمَّ يُقْطَعَ وَإِنْ كَانَ بُسْرًا فَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ بُسْرًا طُولِبَ بِقَطْعِهِ بُسْرًا بَعْدَ نُضْجِهِ وَاسْتِكْمَالِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ
أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ حَتَّى يَتَكَامَلَ ويستحكم لكون ذلك اصلح له فيأخذه شيا فشيا كَمَا إذَا بَاعَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ هِيَ أحرز لَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي تَرْكُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي السَّقْيُ لِأَجْلِ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ تَرْكُهَا وَالْبَائِعُ يَسْقِي وَحُكْمُ جَمِيعِ الثِّمَارِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ ثَمَرَةِ النَّخِيلِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ قَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ الله في الكافي وكذلك الورد يعني بترك إلَى أَوَانِ أَخْذِهِ وَوَافَقَنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الْقَطْعُ وَيَجُوزُ لَهُ التَّبْقِيَةُ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فِي الْحَالِ.
دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَكَذَا لَوْ زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ فَاسْتَحَقَّهَا الشَّفِيعُ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَى قَطْعِ الزَّرْعِ وَنَقْلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ أَوَانَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْعَادَةِ فِي نَقْلِهِ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِمَنْ جَذَّ ثَمَرَةً وَتَرَكَهَا فِي الْأَرْضِ تُشَمِّسُهَا ثُمَّ بَاعَ الْأَرْضَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نَقْلُهَا قَبْلَ جَفَافِهَا وَإِنْ كَانَتْ العادة نقلها بعد جفافها (قلنا) لاعادة لذلك(11/401)
فِي أَرْضٍ بِعَيْنِهَا بَلْ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهَا فِي غَيْرِهَا كَمَا نَقُولُ فِي الزَّرْعِ لَا يَجِبُ نَقْلُهُ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ وَلَوْ حَصَدَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ بَاعَهَا وَجَبَ نَقْلُهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ نَقْلَ الْمَبِيعِ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ إنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ وَرَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ وَإِنَّ إبْقَاءَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ انْتِفَاعٌ بِالنَّخْلِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَادَةِ وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى دَارًا مَمْلُوءَةً طَعَامًا إنَّمَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ نَقْلُهُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْمَعَ الْآنَ كُلَّ حَمَّالٍ فِي الْبَلَدِ وَيَنْقُلَ الطَّعَامَ عَنْهَا وَأَجَابُوا عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ انْتِفَاعًا بِالنَّخْلِ وان يُشْبِهُ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ إنَّمَا يَبْطُلُ إذَا وَقَعَ بِالشَّرْطِ أَمَّا مَا وَقَعَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عُرْفًا فَلَا بِدَلِيلِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِبْقَاءَ إذا بقيت الثمرة للبائع بالتأبير اما إذ صَارَتْ لَهُ بِالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَعَلَى الْبَائِعِ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا شَرَطْنَا الْقَطْعَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ وَأَيَّدَ بَعْضُهُمْ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِالشَّرْطِ مُبْطِلٌ بِخِلَافِهِ بِالشَّرْعِ وَهَذَا التَّأْيِيدُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا إنَّمَا اقْتَضَى بَقَاءَ الثَّمَرَةِ لِلْبَائِعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا وَاسْتَثْنَى الْبِنَاءَ الَّذِي فِيهَا كَانَ لَهُ إبْقَاؤُهُ بِالشَّرْعِ وَلَا نَقُولُ إنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا حَصَدَ الزَّرْعَ فَإِنْ بَقِيَ لَهُ أُصُولٌ لَا تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَأُصُولِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لم يلزمه نقلها لانه لاضرر عَلَى الْمُشْتَرِي فِي تَرْكِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَعُرُوقِ الذُّرَةِ وَالْقُطْنِ لَزِمَهُ نَقْلُهَا مِنْ الْأَرْضِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبَ مُطْلَقًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَإِذَا نَقَلَهَا فَإِنْ حَصَلَ فِي الْأَرْضِ بِنَقْلِهَا حُفَرٌ لَزِمَهُ تَسْوِيَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ فَنَقَلَهَا وَيُخَالِفُ مَنْ غَصَبَ فَصِيلًا وَأَدْخَلَهُ دَارًا ثُمَّ كَبِرَ الْفَصِيلُ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الْبَابِ لَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْفَصِيلِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُتَعَدٍّ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ حَبٌّ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ إلَّا بِأَنْ يوسع الباب بنقض شئ مِنْ الْحَائِطِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا نَقَصَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ بِنَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ هَهُنَا وَقَدْ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِنَاءُ ذَلِكَ وَرَدُّهُ إلَى حَالَتِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ دَارًا وَفِيهَا قُمَاشٌ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِنَقْضِ الْبَابِ(11/402)
وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِطَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُمْ يَخْتَارُونَ وُجُوبَ إعَادَةِ الْجِدَارِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ هُنَا كُلُّ مَنْ حَصَلَ مِلْكُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَاحْتِيجَ فِي تَخْلِيصِهِ إلَى مُؤْنَةٍ فَإِنْ كَانَ حَصَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِ الْمِلْكِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى من يتخلص ملكه مثل مسألة الزرع والحب والخابية والصدوق فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِ الْمِلْكِ مِثْلُ أَنْ يَغْصِبَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى حَبٍّ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْبَابِ أَوْ عَلَى عِجْلٍ صَغِيرٍ فَكَبِرَ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهِ إلَّا بِهَدْمِ الْبَابِ فَإِنَّ الْبَابَ يُهْدَمُ وَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الْمَتَاعِ بِنَاؤُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إذَا هَرَبَتْ دَابَّتُهُ فَدَخَلَتْ دَارَ رَجُلٍ ولا يمكن إخراجها إلا بنقض شئ من الدار يغرم النقص صاحب الدابة قاله الرُّويَانِيُّ وَإِذَا وَقَعَ دِينَارٌ فِي مَحْبَرَةٍ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِكَسْرِهَا كُسِرَتْ وَيَجِبُ ضَمَانُهَا عَلَى صَاحِبِ الدِّينَارِ نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ أَصَابَتْ الثِّمَارَ آفَةٌ وَصَارَتْ بِحَيْثُ لَا تَنْمُو فَهَلْ لِلْبَائِعِ تَبْقِيَتُهَا وَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي تَبْقِيَتِهَا أَمْ لِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عَلَى قَطْعِهَا.
قَالَ الْإِمَامُ ذَكَرَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَوْلَيْنِ وَلَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ شَيْئًا مِنْهُمَا وَقَالَ ابن الرافعة إنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهُ قَوْلُ الْإِجْبَارِ لِأَنَّهُ انْكَشَفَ الْحَالُ عَمَّا لَوْ قَارَنَ الْعَقْدَ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّبْقِيَةَ لِأَجْلِهِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الشَّجَرَ بَعْدَ حُصُولِ الْآفَةِ بِالثِّمَارِ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّبْقِيَةَ قَالَ
لَكِنَّ نَصَّهُ فِي الْأُمِّ على خلافه ولو انقطع الماء فلا شئ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا أُصِيبَ بِهِ الْبَائِعُ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَقَلَهُ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ بُشْرَى.
(فرع)
لايمنع الْبَائِعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحَائِطِ لِلسَّقْيِ فَإِنْ لم يأمنه المشترى يصنب الْحَاكِمُ أَمِينًا يَسْقِيهَا وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْبَائِعِ.
قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَكَلَامُ الْخُوَارِزْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَةَ لَا تَصِيرُ مُسَلَّمَةً حَتَّى تُفَرَّغَ مِنْ الثَّمَرَةِ قَالَ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ مَمْلُوءَةً بِالْأَثْقَالِ لَا يَجْرِي تَفْرِيغُهَا حَتَّى تَبْلُغَ الشَّطَّ وَمُرَادُهُ بِهَذَا أَنَّ التَّسْلِيمَ يَكُونُ عَلَى الْعَادَةِ.
(فَرْعٌ)
وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أُجْرَةَ الْأَرْضِ فِي مُدَّةِ إقَامَةِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَرْضَ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ فِي تلك المدة فلا يستحق لما أُجْرَةً.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ النَّخْلَةَ وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُصَرِّحُ بِالْجَوَازِ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ لَكِنَّ الْإِمَامَ حَكَى فِي بَابِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً بِشَرْطِ قَطْعِ الزَّرْعِ(11/403)
تَرَدُّدًا فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ وَيَجِبُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ طَرْدُ التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ فِي الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا لِأَنَّ فِيهِ تَنْقِيصَ مَالِيَّتِهَا لَمْ يَبْعُدْ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(فَإِنْ أَصَابَ النخل عطش وخاف أن تشرب الثمرة الماء من أصل النخل فيهلك ففيه قولان
(أحدهما)
لا يكلف البائع قطع الثمرة لان المشترى دخل في العقد على أن يترك الثمار إلى الجذاذ فلزمه تركه (والثاني) أنه يكلف قطعه لان المشترى إنما رضى بذلك إذا لم يضر به فإذا أضر به لم يلزمه تركه فان احتاج أحدهما إلى سقى ماله وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ جَازَ لَهُ أن يسقيه لان اصلاح لما له من غير اضرار باحد فجاز وان كان على الآخر ضرر في السقي وتشاحا ففيه وجهان.
قال أبو إسحق يفسخ العقد لانه ليس أحدهما بأولى من الآخر في الاضرار فوجب أن يفسخ.
وقال أبو على بن أبي هريرة يجبر الممتنع منهما لانه حين دخل في العقد رضى بدخول الضرر عليه لانه يعلم أنه لابد من السقى ويجب أجرة السقى على من يسقى لان منفعته تحصل له) .
(الشَّرْحُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا بَقِيَتْ لِلْبَائِعِ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَهَا إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَمِنْ ضَرُورَةِ
ذَلِكَ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ سَقْيِهَا فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَمْكِينُهُ وَقَدْ لَا يَسْقِي الْبَائِعُ فَيَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي الضَّرَرُ وَقَدْ يَحْصُلُ الضَّرَرُ مِنْ السَّقْيِ أَيْضًا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا عَطِشَتْ النخل وكان قد باعها وهى مؤبرة وبقينا الثِّمَارَ لِلْبَائِعِ فَعَطِشَتْ النَّخِيلُ وَانْقَطَعَ الْمَاءُ وَلَمْ يتمكن من سقيها وكان تركها عل الْأُصُولِ يَضُرُّ بِالْأُصُولِ وَلَا يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ فَإِنْ كان الضرر ويسيرا أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطيب وغيره ونص عليه الشافعي فرضى اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِأَنْ كَانَ يُخَافُ عَلَى الْأُصُولِ الْجَفَافُ أَوْ نُقْصَانُ حَمْلِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ فِي الْأُمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَحَكَاهُمَا الْأَصْحَابُ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ نَقْلًا وَتَعْلِيلًا وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَفِيهَا قَوْلَانِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْإِجْبَارِ وَلَمْ أَرَهُ ذَكَرَ الْقَوْلَ الْآخَرَ فَتَأَمَّلْتُ كَلَامَهُ إلَى آخِرِهِ تَأَمُّلًا كَثِيرًا فَلَمْ أَفْهَمْ الثَّانِيَ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ إمَّا لِوُضُوحِهِ أَوْ لِضَعْفِهِ (وَالْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ) الثَّانِي الْقَائِلُ بِالْإِجْبَارِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالنَّوَوِيُّ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّ ضَرَرَ الْأُصُولِ أَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ(11/404)
مَسْأَلَةَ السَّقْيِ وَقَسَّمَهَا تَقْسِيمًا حَسَنًا وَهِيَ أَنَّ السَّقْيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا أَوْ مُتَعَذِّرًا فَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا فَإِمَّا لِإِعْوَازِ الْمَاءِ أَوْ لِفَسَادِ آلَتِهِ فَإِنْ كَانَ لِإِعْوَازِ الْمَاءِ سَقَطَ حُكْمُ السَّقْيِ ثُمَّ نَزَّلَ الثَّمَرَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَالنَّخْلِ جَمِيعًا فَقَطْعُ الثَّمَرَةِ وَاجِبٌ وَلِصَاحِبِ النَّخْلِ إجْبَارُهُ لِأَنَّ تَرْكَهَا مَضَرَّةٌ لِلنَّخْلِ بِلَا مَنْفَعَةٍ لَهُ (الثاني) أَنْ لَا يَضُرَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَلَهُ تَرْكُ الثَّمَرَةِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ (الثَّالِثُ) أَنْ يَضُرَّ بِالثَّمَرَةِ دُونَ النَّخْلِ الْمُثْمِرَةِ فَالْخِيَارُ (الرَّابِعُ) أَنْ يَضُرَّ بِالنَّخْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ فَقَوْلَانِ وَهَذَا الضَّرْبُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَإِنْ كَانَ تَعَذُّرُ السَّقْيِ لِفَسَادِ الْآلَةِ أَوْ الْمَجَارِي أَوْ طَمِّ الْآبَارِ فَأَيُّهُمَا لَحِقَهُ بِتَأْخِيرِ السَّقْيِ ضَرَرٌ كَانَ لَهُ إصْلَاحُ مَا يُوصِلُهُ إلَى الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِالنَّخْلِ وَجَبَ عَلَى مُشْتَرِي النَّخْلِ أَنْ يُزِيلَ الضَّرَرَ عَنْ نَخْلِهِ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الثَّمَرَةِ عَلَى قَطْعِ ثَمَرَتِهِ وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِالثَّمَرَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ أَوْ يَقْطَعُهَا وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِهِمَا جَمِيعًا لَزِمَ صَاحِبَ الثَّمَرَةِ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ إلَى قَطْعِ ثَمَرَتِهِ فَيَسْقُطَ عَنْهُ (وَأَمَّا) إنْ كَانَ السَّقْيُ مُمْكِنًا فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ نَافِعًا لَهُمَا (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ ضَارًّا لَهُمَا (وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ ضَارًّا لِأَحَدِهِمَا
دُونَ الْآخَرِ ونذكر ذَلِكَ مُفَصَّلًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا احْتَاجَ أَحَدُهُمَا إلى سقى ماله وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِيهَا صُورَتَانِ (احدهما) أن يكون المحتاج البائع (الثانية) أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَاجُ الْمُشْتَرِيَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ لَهُ نَفْعٌ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ ذَكَرَا مَا إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَفْعٌ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ السَّقْيِ عَلَى السَّقْيِ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَسْقِيَ وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْقِيَ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُمَكِّنَهُ وَمُؤْنَةُ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ لِمَا فِيهِ من صلاح ثمرته وان كان لنخل المتشرى فِيهِ صَلَاحٌ إلَّا أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِ السَّقْيِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَالنَّخْلُ تَبَعٌ فَلَوْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ السَّقْيِ لَمْ يُجْبَرْ وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَرَدْتَ سَقْيَ نَخْلِكَ فَاسْقِهِ وَلَا نُجْبِرَك عَلَيْهِ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَشْمَلُ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ واحد لا يختلف وانما يختلف التصوير فيجئ صُوَرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثًا أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَائِعُ وَلَا يَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْتَفِعَ أَوْ يَنْتَفِعَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ وَلَا يَنْتَفِعَ أَوْ يَنْتَفِعَا جَمِيعًا وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ لَا يُجْبَرُ عَلَى السَّقْيِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَقْسَامِ الَّتِي أَطْلَقُوهَا أَمَّا إذَا كَانَ السَّقْيُ نَافِعًا لَهُمَا وَكَانَ تَرْكُهُ ضَارًّا بالمشترى(11/405)
لِامْتِصَاصِ الثِّمَارِ رُطُوبَةَ الْأَشْجَارِ وَقَدْ جَزَمَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي حَالِ إمْكَانِ السَّقْيِ بِأَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَسْقِيَ وَإِمَّا أَنْ يَقْطَعَ الثِّمَارَ إذَا كَانَ يَضُرُّ بَقَاؤُهَا وَجَعَلَ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا فِيمَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُتَعَذِّرًا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَ الثَّمَرَةِ بِأَنَّهَا تُنْتَفَعُ بِالتَّبْقِيَةِ وَإِنَّمَا عَلَى الْبَائِعِ أَنْ لَا يترك مجهودا يقدر عليه فإذا انْقَطَعَ الْمَاءُ فَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَحَقُّ التَّبْقِيَةِ قائم له وهذا قَالَهُ الْإِمَامُ حَسَنٌ يَجِبُ تَنْزِيلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْقَوْلَيْنِ يُشِيرَانِ إلَى أَنَّ الْمُرَاعَى جَانِبُ الْبَائِعِ أَوْ جَانِبُ الْمُشْتَرِي قَالَ وَلَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لِاسْتِوَاءِ الْحَقَّيْنِ يَعْنِي كَمَا يقوله أبو إسحق فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ كما سيأتي قال ولابد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ مُوجَبُ اسْتِوَاءِ الْحَقَّيْنِ الْفَسْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ مَنَعَهُ أُجْبِرَ عَلَى تَمْكِينِهِ وَهَذَا مُرَادُ الرُّويَانِيِّ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَنْفَعُهُمَا فَأَيَّهُمَا طَلَبَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ
مِنْ الامتناع فِيمَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ أَيْ أُجْبِرَ عَلَى التمكين منه لاعلى أَنْ يَسْقِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا احْتَاجَ أَحَدُهُمَا إلَى السَّقْيِ وَكَانَ عَلَى الْآخَرِ ضرر وفيها صورتان (أحداهما) أَنْ يَكُونَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالنَّخْلِ وَيَنْفَعُ الثَّمَرَةَ فاراد البائع السقى فوجهان قال أبو إسحق يقال للشمترى اسْمَحْ لِلْبَائِعِ بِالسَّقْيِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِلَّا قُلْنَا لِلْبَائِعِ اسْمَحْ بِتَرْكِ السَّقْيِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِنْ أَبَى فَسَخْنَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْقِيَ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا ثَالِثًا بِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ أُلْزِمَ تَسْلِيمَ الشَّجَرَةِ عَلَى كَمَالِهَا قَالَ وحقيقة الاوجه تؤول إلَى أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَرْعَى جَانِبَ الْمُشْتَرِي وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْعَى جَانِبَ الْبَائِعِ وَأَبُو إسحق لَا يُقَدِّمُ أَحَدَ الْحَقَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَيَنْفَعُ الشجرة فاراد المشترى السقي قال أبو إسحق يُقَالُ لِلْبَائِعِ اسْمَحْ فِي أَنْ يَسْقِيَ الْمُشْتَرِي فان سمح فذاك والا قلنا لِلْمُشْتَرِي اسْمَحْ فِي تَرْكِ الْبَائِعِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِنْ أَبَى فَسَخْنَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ وَأَوْجَبَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ عَلَى أَنْ لَا يَضُرَّ بِغَيْرِهِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ وَيَكُونُ بَيِّنًا لِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْبَائِعِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى السَّقْيِ أَوْ تَرْكِهِ جَازَ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يَخُصُّ الْمُصَنِّفُ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَى مَنْ يَسْقِي مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا مُرَادُهُ بِمَنْ يَسْقِي الْبَائِعُ(11/406)
فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَتَجِبُ أُجْرَةُ السَّقْيِ عَلَى مَنْ يَسْقِي كَلَامًا مُبْتَدَأً غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي حَيْثُ أَوْجَبْنَا السَّقْيَ فهو على من ينتفع له لاكمن بَاعَ ثَمَرَةً بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ يَسْقِي وَالْمَنْفَعَةُ لِلْمُشْتَرِي وَيَشْمَلُ ذَلِكَ مَا إذَا سَقَى الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا جَمِيعًا فَتَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَلَّذِي يَسْقِي فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ الْمُطَالَبُ الَّذِي أَجْبَرْنَا الْمُمْتَنِعَ لِأَجْلِهِ وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ إجْبَارُهُ عَلَى تَمْكِينِ الْآخَرِ مِنْ السَّقْيِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السَّقْيِ تَحْصُلُ لَهُ تَعْلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي الطَّرَفَيْنِ وَقَدْ فَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ إنَّ لِصَاحِبِ الثَّمَرَةِ مَنْعَهُ فَإِذَا مَنَعَهُ كَانَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ فَسْخُ الْبَيْعِ فَفَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا آخَرَ قَالَ وَبِذَلِكَ يَكْمُلُ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) إنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَسَخَهُ الْحَاكِمُ
(وَرَابِعُهَا) الْأَمْرُ كذلك إلا أن المتولي الفسخ الْبَائِعُ إنْ أَرَادَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَتَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهَا وَلَا خِلَافَ فِيهَا وَهِيَ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَالنَّخْلِ جَمِيعًا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ الضَّرَرَ عَلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ فَهُوَ سَفَهٌ وَتَضْيِيعٌ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ النَّخْلِ (أَمَّا) النَّخْلُ فَيَنْفَعُهُ السَّقْيُ أَبَدًا فَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّمَرَةِ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ الْمَاءَ الَّذِي كُنْتُ أَسْتَحِقُّهُ لِسَقْيِ ثَمَرَتِي فَأَسْقِيَ بِهِ غَيْرَهَا مِنْ الثِّمَارِ أَوْ الزُّرُوعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَهَكَذَا لَوْ أَخَذَ ثَمَرَتَهُ قَبْلَ وَقْتِ جِذَاذِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ إلَى وَقْتِ الْجِذَاذِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْمَاءِ مَا فِيهِ صَلَاحُ تِلْكَ الثَّمَرَةِ دُونَ غَيْرِهَا فَقَدْ كَمَلَتْ الْمَسَائِلُ الَّتِي فِي أَحْوَالِ السَّقْيِ سِتًّا شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خَمْسًا وَتَرَكَ وَاحِدَةً وَمَسَائِلُ تَرْكِ السَّقْيِ سَبْعًا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَاحِدَةً وَتَرَكَ سِتًّا وَكُلُّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا هَلَّا قُلْتُمْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ السَّقْيُ عَلَى الْمُشْتَرِي (1) صَاحِبُ الشَّجَرَةِ كَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً منفردة على الاصل بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَرَةِ كَامِلَةً وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالسَّقْيِ وَهَهُنَا الْوَاجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ النَّخْلِ وَقَدْ سَلَّمَهَا وَلَمْ يَمْلِكْ الثَّمَرَةَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ بِخِلَافِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ نَقُولُ بِإِجْبَارِ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ أَيْ فِي حَالِ انْتِفَاعِ الثمرة بالسقى.(11/407)
(فَرْعٌ)
حَيْثُ جَعَلْنَا لِلْبَائِعِ السَّقْيَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَسْقِيَ الْقَدْرَ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ أَكْثَرَ مِنْ الْمَعْهُودِ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ النَّخْلِ فَإِنَّهُ كَمَا يَحْصُلُ الضَّرَرُ بِالْعَطَشِ الْمُفْرِطِ يَحْصُلُ بِالرَّيِّ الْمُفْرِطِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ سَقْيَةٌ وَقَالَ الْبَائِعُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَيَّامٍ سَقْيَةٌ فَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِ السَّقْيِ بَلْ تُسَلَّمُ الثَّمَرَةُ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ غَيْرَ أَنَّهَا لَوْ سُقِيَتْ لَظَهَرَتْ زِيَادَةٌ عَظِيمَةٌ وَالشَّجَرُ يَتَضَرَّرُ بِهَا قَالَ الْإِمَامُ فَهَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ عِنْدِي يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُمْنَعُ الْبَائِعُ فَإِنَّ الزِّيَادَاتِ لَا تَنْضَبِطُ فَالْمَرْعِيُّ الِاقْتِصَادُ وَيَجُوزُ أَنْ يقال له أَنْ يَسْقِيَ لِمَكَانِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُرَاعِي جَانِبَهُ وَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ المتقدم عن أبي اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ أَحَدَهُمَا فِعْلُهُ
وَيَضُرُّ الْآخَرَ تَرْكُهُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَتَعَارَضْ ضَرَرَانِ وَإِنَّمَا ضَرَرٌ وَزِيَادَةُ نَفْعٍ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُ اجْتِنَابِ الضَّرَرِ وَمَنْعُ الْبَائِعِ مِنْ السَّقْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ احْتِمَالَ الْإِمَامِ مَتَى كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِوَاحِدٍ وَتَرْكُهُ يَمْنَعُ حُصُولَ زِيَادَةٍ لِلْآخَرِ وَذَلِكَ يَشْمَلُ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ وَعَكْسَهَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا هَلْ يَلْحَقُ ذَلِكَ بِتَقَابُلِ الضَّرَرِ فِيهِ احْتِمَالَانِ وَلَمْ أَرَهُمَا فِي النِّهَايَةِ إلَّا فِي الْحَالَةِ الْوَاحِدَةِ وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَجْهَيْنِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ على أحد الاحتمالين بأتي الخلاف السابق بين أبي اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ يَتَعَيَّنُ السَّقْيُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ أَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هَلْ مَحِلُّهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُتَعَذِّرًا أَوْ مُطْلَقًا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَالْإِمَامِ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَجَزَمَ فِي حَالَةِ الْإِمْكَانِ بِوُجُوبِ السَّقْيِ أَوْ الْقَطْعِ عَلَى الْبَائِعِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الثَّانِيَ لَكِنَّهُ فِي حَالَةِ انْقِطَاعِ الْمَاءِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَامَكَانِ غَيْرِهِ وَرَأَى ابْنُ الرِّفْعَةِ كَذَلِكَ تَنْزِيلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى حَالَةِ إمْكَانِ السَّقْيِ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ الْمُعْتَادِ وَتَنْزِيلَ الْجَزْمِ بِوُجُوبِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُمْكِنًا بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ أَخَذَ صَاحِبُهُ بِقَطْعِهِ إلَّا أَنْ يَسْقِيَهُ مُتَطَوِّعًا أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ إمْكَانِ السَّقْيِ الْقَطْعُ عَيْنًا وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِالسَّقْيِ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمَوْلَى فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ السَّقْيُ بِحَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ تَعَيَّنَ وُجُوبُ الْقَطْعِ لانه لامسقط له ولاجرم كَانَ هُوَ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ(11/408)
فِيمَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ نَفْعٌ فِي تَرْكِ الثَّمَرَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ الْقَطْعُ قَوْلًا وَاحِدًا كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ.
(فَرْعٌ)
ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجِبُ السَّقْيُ بِالْمَاءِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَسْقِي مِنْهُ تِلْكَ الْأَشْجَارَ وَلَوْ كَانَ مِلْكَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ كَانَ مِنْ بِئْرٍ دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ وَقُلْنَا بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَاءَهَا كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَمَّا كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْبَائِعِ لِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ اُغْتُفِرَ بخلاف مالو شَرَطَ لِنَفْسِهِ انْتِفَاعًا بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ السَّقْيِ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ وَشَرَطَهَا الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّ شَرْطَهُ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِنَفْسِهِ يُصَيِّرُهَا بِمَنْزِلَةِ
الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ وجوب السقى بالشرع ووجوب الْإِبْقَاءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا إذَا شَرَطَ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَمِنْ كَوْنِ السَّقْيِ وَاجِبًا مِنْ الْمَاءِ الْمُعْتَادِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي يُسْتَفَادُ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَجِبُ أُجْرَةُ السَّقْيِ عَلَى من يسقي ولم يقل وتجب مُؤْنَةُ السَّقْيِ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْنَةِ وَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْقِي بِهَا الْأُجْرَةُ فِي نَقْلِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ نَعَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الآلات التى يستقى بها المشترى وانما يلزم بالتمكين مِنْ الْمَاءِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
أَمَّا الْأَرْجَحُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ قَوْلَ الفسخ كما هو قول أبى اسحق وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا كَانَ لَا يُصْلِحُهَا إلَّا السَّقْيُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَخْلِيَةُ الْبَائِعِ وَمَا يَكْفِي مِنْ السَّقْيِ فَهَذَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُوَافِقٌ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي إجْبَارِ الْمُشْتَرِي فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَكْسِهَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَقُولُ بِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْبَائِعِ مُطْلَقًا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الوجيز.
قال المصنف رحمه الله.
(لا يجوز بيع الثمار والزرع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو وصلاحها وروى ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع ثمرة النخل حتى تزهى والسنبل والزرع حتى يبيض ويأمن العاهة وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا يُنْقَلُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ ولهذا لو اشترى بالليل متاعا لم يكلف نقله حتى يصبح والعادة في الثمار تركها(11/409)
إلى أوان الجذاذ فإذا باعها قبل بدو الصلاح لم يأمن أن يصيبها عاهة فتتلف وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ وان باعها بشرط القطع جاز لانه يأخذ قبل أن يتلف فيأمن الغرر وإن باع الثمرة مع الاصل والزرع مع الارض قبل بدو الصلاح جاز لان حكم الغرر يسقط مع الاصل كَالْغَرَرِ فِي الْحَمْلِ يُسْقِطُ حُكْمَهُ إذَا بِيعَ مع الاصل وان باع الثمرة ممن يملك الاصل أو الزرع ممن يملك الارض ففيه وجهان أحدهما يصح لانه يحصل لمالك الاصل فجاز كما لو باعها مع الشجر والارض والثاني لا يصح لانه افرده بالبيع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع فاشبه إذا باعها من غير مالك الاصل) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْأَوَّلُ رَوَاهُ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ الثَّمَرَةُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا) زَادَ مُسْلِمٌ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الرَّاوِي فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ مَتَى ذَلِكَ قَالَ طُلُوعُ الثُّرَيَّا وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ الْمَذْكُورُ (وَمِنْهَا) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهُوَ قَالَ الرَّاوِي فَقُلْنَا لانس مازهوها قَالَ تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ قَالَ أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ الله الثمرة بم يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ كَثُرَ الزَّهْوُ فِي الْحَدِيثِ يُقَالُ زَهَا النَّخْلُ يَزْهُو قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ يَزْهُوَ وَالصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُزْهِي وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ اللُّغَتَيْنِ قَدْ جَاءَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ زَهَا النَّخْلُ إذَا طَالَ واكتهل وهذا القول مخلف لما جاء في الحديث من تقسير أَنَسٍ الْعَارِفِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الشَّافِعِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِي قَالَ حَتَّى تَحْمَرَّ) وَالزَّهْوُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَذَكَرَ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ يَضُمُّونَ الزَّايَ وَهُوَ غَرِيبٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَلَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَ بِالثَّمَرِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ يَبْدُوَ أَيْ يَظْهَرَ يُقَالُ بَدَا يَبْدُو مِثْلَ دَعَا يَدْعُو فَأَمَّا بَدَأَ يَبْدَأُ بِالْهَمْزِ فَمِنْ الِابْتِدَاءِ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى يُشْقَحَ قِيلَ وَمَا يُشْقَحُ قَالَ تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ ويؤكل منها) رواه البخاري(11/410)
مسلم رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ يُشْقَحُ بِضَمِّ الْيَاءِ المثناة من تحت واسكان الشين المعجة وَبَعْدَ الْقَافِ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَيُرْوَى بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ يُقَالُ أَشْقَحَ وَشَقِحَ وَرُوِيَ يُشْقَهُ بِإِبْدَالِ الْحَاءِ هَاءً وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ وَالْإِشْقَاهُ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى يُطْعَمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يَطِيبَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيع النخل يَأْكُلَ مِنْهُ أَوْ يُؤْكَلَ وَحَتَّى يُوزَنَ قَالَ فَقُلْتُ مَا يُوزَنُ فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرَزَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَبُّ الطَّعَامُ وَاشْتِدَادُهُ قُوَّتُهُ وَصَلَابَتُهُ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ مِنْ رِوَايَةِ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَعَنْ عَمْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَلْفَاظُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُخْتَلِفَةٌ وَمَعَانِيهَا مُتَّفِقَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَنَقَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرُّوَاةِ مَا سَمِعَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَفْظًا فِي وَقْتٍ وَنَقَلَهُ الرُّوَاةُ بِالْمَعْنَى وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ فَإِذَا جَذَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيَهُمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ إنَّهُ أَصَابَ الثمر الذمان أصابه مراص أَصَابَهُ قُشَامٌ عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ (إمَّا لَا فَلَا تبايعوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ الذَّمَانُ بِفَتْحِ الذَّالِ وتخفيف الميم عفن يصيب النخل فيسود فينشق أول ما يبدو فيها مِنْ عَفَنٍ وَسَوَادٍ وَالْمُرَاضُ بِضَمِّ الْمِيمِ دَاءٌ يقع في المثرة فَتَهْلِكُ وَالْقُشَامُ بِضَمِّ الْقَافِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَنْ يُنْتَقَصَ ثَمَرُ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ بَلَحًا (وَقَوْلُهُ) إمَّا لَا أَيْ إنْ لَمْ تَفْعَلُوا هَذَا فَلْيَكُنْ هَذَا وَأَصْلُهَا إنْ الشَّرْطِيَّةُ زِيدَتْ عليها ما وأدغمت فيها وأذخلت عَلَى لَا النَّافِيَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ حَدِيثَ زيد هذا يدل على أن النَّهْيَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا لَا وَلِقَوْلِ الرَّاوِي كَالْمَشُورَةِ لَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يدل على أنه ليس بمحتم وَالتَّمَسُّكُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاوِي كَالْمَشُورَةِ لَيْسَ بالقوى فان كل أوامره صلى االه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَوَاهِيهِ لِمَصَالِحِهِمْ الْأُخْرَوِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَأَمَّا التمسك بقوله اما لا فلانه يقتضى أَنَّ النَّهْيَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ وَهُوَ الَّذِي نقدره محذوفا والذي نقدره محذوفا وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ(11/411)
إن لا ترجعوا عَنْ الْخُصُومَةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُ صُورَةَ التَّعْلِيقِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّعْلِيقَ فَإِنَّ رُجُوعَهُمْ عَنْ الْخُصُومَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لَا يُعْلَمُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى الْحُكْمُ مَوْقُوفًا على ذلك فالمراد والله أعلم أنه أَنْشَأَ النَّهْيَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى إذْ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِلتَّعْلِيلِ وَمِمَّا يُرْشِدُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ حَتْمٌ قَوْلُهُ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ فَإِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِلْمَنْعِ وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ القشيرى أكثر الامة على أن هذا النَّهْيَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ (أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَةَ فَبِمَ بأخذ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ بَيَانُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ والدراوردي وَخَالَفَهُمَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ فَجَعَلَاهُ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ وَإِتْقَانُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَضَبْطُهُ مَعَ كَوْنِهِ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبكون أَنَسٌ قَالَهُ مِنْ كَلَامِهِ لَمْ يَأْتِ فِيهِ بِالرَّفْعِ وَأَنَّ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَى عَنْهُ كَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَيَثْبُتُ كَوْنُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ شَارِحِي التَّنْبِيهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْفَرَدَ عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ بِرَفْعِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ وَرَوَاهُ مَعَ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ كَمَا رَأَيْتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ قَسَّمَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بَيْعَ الثَّمَرَةِ إلَى قِسْمَيْنِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تُبَاعَ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ الْأَشْجَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَبَيْعُ الثَّمَرَةِ حِينَئِذٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أقسام وهذ التَّقْسِيمُ أَحْسَنُ وَإِنْ شِئْتَ تَقُولُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تُبَاعَ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (الثَّانِي) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ بِالْقَطْعِ يَزُولُ الْمَحْذُورُ مِنْ الْآفَةِ وَالْعَاهَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ في كتابه المحكى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى مَنْعَ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا جُمْلَةً لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ جَوَازَ بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) كَذَلِكَ قَالَ فِي الْأُمِّ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ(11/412)
الَّتِي تُقْطَعُ لِآفَةٍ تَأَتِّي عَلَيْهَا فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مَا يُتْرَكُ مُدَّةً تَكُونَ فِيهَا الْآفَةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا هَذِهِ العلة فمنصوصة ولاشك أن استفادة التعليل منه هَذَا الْكَلَامِ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى دَرَجَاتِ الْإِيمَاءِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَدِلَّةِ الْعِلَّةِ وَلَعَلَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحِمَهُ
اللَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ فَلَعَلَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ لَكِنْ فِي الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (مِنْهَا) قَوْلُهُ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ (وَمِنْهَا) قَوْلُهُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا يَعْنِي أَنَّهَا بَعْدَ الصَّلَاحِ تَأْمَنُ مِنْ الْعَاهَاتِ وَالْجَوَائِحِ غَالِبًا لِكِبَرِهَا وَغِلَظِ نَوَاهَا وَقَبْلَ الصَّلَاحِ تُسْرِعُ إلَيْهَا الْعَاهَاتُ لِضَعْفِهَا فَإِذَا تَلِفَتْ لم يبق شئ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ فَإِذَا شَرَطَ الْقَطْعَ عُرِفَ أَنَّ غَرَضَهُ هُوَ الْحِصْرِمُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَقِيلَ مَعْنًى آخَرُ ضَعِيفٌ نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَهُوَ أَنَّهَا قَبْلَ بدو الصلاح (1) أجزائها كِبَرًا ظَاهِرًا مِنْ أَجْزَاءِ الشَّجَرَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ فَلَوْ سَمَحَ الْبَائِعُ بَعْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ عَلَى المشترى بترك الثمرة إلى بد والصلاح جاز لو طَالَبَهُ بِالْقَطْعِ لَزِمَهُ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ كَكِبَرِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَتَعُودُ الثَّمَرَةُ إلَى الْبَائِعِ وَقَدْ يَقْوَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَرَرَ إنَّمَا يَنْتَفِي بِأَخْذِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ قَبْلَ أَنْ يَتْلَفَ فَمَتَى لَمْ يُؤْخَذْ وَإِنْ كَانَ بِتَرَاضِيهِمَا فَالْغَرَرُ بَاقٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى عَدَمِ شَرْطِ الْقَطْعِ لَمْ يَصِحَّ وَطَرِيقُ الِانْفِصَالِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْمَحْذُورَ آفَةٌ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَأْمُونٌ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ الْمُسْتَحَقَّ فِيهَا التَّسْلِيمُ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى إبْقَائِهَا وَحَصَلَتْ آفَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مَانِعَةً مِنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ شَرَطَ التَّبْقِيَةَ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ المستحق بالعقد هو وقت الجذاذ فالآفة الحاصلة قَبْلَهُ مَانِعَةٌ مِنْهُ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ المتقدمين ما يشبه قولنا يحيى ابن أَبِي كَثِيرٍ الْيَمَانِيُّ التَّابِعِيُّ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ لِلْعَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ إذَا كَانَ يَحْصُدُهُ مِنْ مكانه فان عفل عَنْهُ حَتَّى يَصِيرَ طَعَامًا فَلَا بَأْسَ بِهِ.
__________
(1) بياض بالاصل(11/413)
(فَرْعٌ)
قَالَ فِي التَّتِمَّةِ إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ كالحصرم واللوز والبلح والمشمش فاما مالا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَالْجَوْزِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْكُمَّثْرَى فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ
أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ فَرَّعَ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ فَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالْقَطْعِ فَلَمْ يَقْطَعْ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ.
(فَرْعٌ)
التَّسْلِيمُ فِي ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا هُوَ تَسْلِيمُ الثِّمَارِ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْقَطْعِ عَلَى المشترى اولا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْقَطْعِ عَلَى الْبَائِعِ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ الثَّانِي وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا لَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَطْعِهَا هَلْ يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ وَضْعِ الْجَوَائِحِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ للاحاديث وبه قال مالك وأحمد وإسحق وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ البيع جائز صحيح ويؤخذ الْمُشْتَرِي بِقَطْعِهَا فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي الْقَطْعَ لِأَنَّ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ التَّسْلِيمَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَالتَّسْلِيمُ لايتم إلَّا بِالْقَطْعِ وَعِنْدَنَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ فَنَحْنُ نُخَالِفُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْأَصْلِ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التبقية لابعد الصَّلَاحِ وَلَا قَبْلَهُ وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِيهِمَا والاطلاق كشرط القذع وَنَحْنُ نَقُولُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِي الْحَالَيْنِ وبشرط التبقية يصح بعده ولا يصح وَالْإِطْلَاقُ كَشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ حَمْلَ الْعَقْدِ على الصحة اولى فينبغي ان تَنْزِيلُهُ عَلَى الْقَطْعِ لِيَصِحَّ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهَا وَعَلَى مَا شُرِطَ قَطْعُهَا وَعَلَى رَهْنِهَا وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ مُطْلَقًا فلا يكون تنزيلا على شرط التبقية لا طلاقه وَلَا عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لِلْإِجْمَاعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْخَصْمِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَأَيْضًا أَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَالْمَعْهُودُ مِنْ الْبَيْعِ إطْلَاقُ الْعَقْدِ دُونَ تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ فَصَارَ النَّهْيُ بِالْعُرْفِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الثِّمَارِ أَنْ تُؤْخَذَ وَقْتَ الْجِذَاذِ فَصَارَ الْمُطْلَقُ كَالْمَشْرُوطِ التَّبْقِيَةُ وَالتَّسْلِيمُ الْوَاجِبُ فِي الْعَقْدِ فِي كُلِّ شئ بِحَسَبِهِ وَلَيْسَ التَّسْلِيمُ بِالْقَطْعِ وَالتَّحْوِيلِ وَإِنَّمَا هُوَ بِرَفْعِ الْيَدِ وَالتَّمْكِينِ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَقْدِ وَحَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ ثُمَّ يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَقَدْ يَتَقَيَّدُ الْمُطْلَقُ إذَا كَانَ هُنَاكَ عُرْفٌ يُقَيِّدُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ الْقَيْدُ إمَّا فِي التَّصْحِيحِ وَإِمَّا فِي الْإِفْسَادِ(11/414)
وَلَيْسَ ذَلِكَ سَعْيًا فِي التَّصْحِيحِ وَلَا فِي الْإِفْسَادِ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَيْدِ (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهَا فَلَا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ يَدْفَعُ النَّصَّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ مَا بَدَا صَلَاحُهُ يُخَامِرُ الْعَاهَةَ وَالْقِيَاسُ
عَلَى الْمَشْرُوطِ الْقَطْعُ مَرْدُودٌ بِتَقْدِيرِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ وَالْقِيَاسَ عَلَى الرَّهْنِ فَجَوَابُهُ أَنَّ لَنَا فِي رَهْنِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ قَوْلَيْنِ فان جوزنا فلان الرهن والهبة والوصية لاضرر في عقدها قبل بدو الصلاح لانه لاعوض فِي مُقَابَلَتِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا إذَا تَلِفَتْ ضَاعَ الثَّمَنُ ثُمَّ اعْتَرَضُوا بِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ راوية زيد ابن ثَابِتٍ وَقَوْلِهِ إنَّ النَّهْيَ كَانَ كَالْمَشُورَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ تَأْوِيلَ الرَّاوِي مَرْجُوعٌ إلَيْهِ إذَا احْتَمَلَ الْخَبَرُ أَمْرَيْنِ وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كتفسير التفرق في خيار المتبايعين وكقوله إلاها وَهَا تَفْسِيرُ عُمَرَ لَهُ (أَمَّا) فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ فَلَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ ظَاهِرَ راوية زَيْدٍ وَقَوْلِهِ إنَّهُ حَضَرَ تَقَاضِيَهُمْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَقَعَ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَلَا يُقَالُ وقت التقاضى بعد مدة إذَا كَانَ مَشْرُوطًا وَهَذَا الظَّاهِرُ مَشْرُوطٌ بِالْإِجْمَاعِ لانه متى شرط التبقية بطل ثم لاوجة لِتَمَسُّكِ الْحَنَفِيَّةِ بِهِ لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ شَرْطَ التَّبْقِيَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ كَمَا يَمْنَعُونَهُ قَبْلَهُ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَحَمَلَ الْغَزَالِيُّ فِي التَّحْصِينِ الْمَشُورَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى تَعَرُّفِ أَحْوَالِ الثَّمَرَةِ وَنَجَاتِهَا مِنْ الْعَاهَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالزَّهْوِ فَلَمَّا عَرَفَ الْعِلَّةَ بِالْمَشُورَةِ أَثْبَتَ حُكْمَ الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ كَمَا قَالَ لِلسَّائِلِ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ) وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَالَةَ الِاحْتِيَاجِ قَالَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ أَخْذِ الْمَالِ مَعَ تَوَقُّعِ الْهَلَاكِ على قُرْبٍ (قُلْتُ) وَقَدْ قَدَّمْتُ مَا يُرَجِّحُ تَأْوِيلَهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَمْوَالِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا فَيَتَبَيَّنَ الْأَحْمَرَ مِنْ الْأَصْفَرِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْ الثَّمَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ لِأَنَّهَا الْمُعْتَادُ فَلَوْ كَانَ فِي البلاد الشديدة الْبَرْدِ كَرْمٌ لَا تَنْتَهِي ثِمَارُهَا إلَى الْحَلَاوَةِ وَاعْتَادَ أَهْلُهَا قَطْعَ الْحِصْرِمِ فَفِي بَيْعِهَا وَجْهَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غير شرط القطع تنزيلا لعادتهم الْخَاصَّةِ مَنْزِلَةَ الْعَادَاتِ الْعَامَّةِ فَيَكُونُ الْمَعْهُودُ كَالْمَشْرُوطِ وَامْتَنَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَوْا تَوَاطُؤَ قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ بِمَثَابَةِ الْعَادَاتِ الْعَامَّةِ وَهَذَا الْخِلَافُ يجرى فيما(11/415)
إذَا جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ بِانْتِفَاعِ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ وَالْقَفَّالُ يَرَى اطِّرَادَ الْعَادَةِ فِيهِ كَشَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ فَيَفْسُدُ
الرَّهْنُ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى تَخْرِيجِ ذَلِكَ عَلَى مَهْرِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ إعْمَالَ التَّوَاطُؤِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ إلْغَاءُ صَرِيحِ اللُّغَةِ الثَّابِتَةِ فَقَدْ لَا يُحْتَمَلُ وَمِنْ نَظَائِرِ ذلك ما إذا جَرَتْ عَادَةُ شَخْصٍ بِأَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ مِمَّا اسْتَقْرَضَ فَالْمَذْهَبُ جَوَازُ إقْرَاضِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَهَذِهِ مَسَائِلُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةُ الْمَأْخَذِ وَالْمُخَالِفُ فِي بَعْضِهَا لعله يخلف فِي الْبَاقِي وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُ فِي نَقْلِ مَسْأَلَةِ الْحِصْرِمِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَمَسْأَلَةِ الرَّهْنِ على الْقَفَّالِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالرَّافِعِيُّ نَقَلَ مَسْأَلَةَ الْحِصْرِمِ عَنْ الْقَفَّالِ (فَإِمَّا) لِنِسْبَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَيْهِ (وَإِمَّا) لِنَقْلٍ خَاصٍّ عِنْدَهُ وَفِي الْوَسِيطِ نَسَبَهُ إلَى الْمَنْعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْقَفَّالِ ونسبه إلى ابْنُ أَبِي الدَّمِ إلَى الْخَلَلِ وَالتَّهَافُتِ (أَمَّا) الْخَلَلُ فَلِمَا ذَكَرْتُهُ (وَأَمَّا) التَّهَافُتُ فَفِي قَوْلِهِ الْمَنْعُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ خَالَفَ مَنْ أَبْطَلَ فِي مسألة الحصرم وخالف من صحيح فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مُبَايِنٌ لِكَلَامِ الْقَفَّالِ لِأَنَّ الْقَفَّالَ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ وَحْدَهَا وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ لَا يَنْتَهِي إلى الحلاوة فقد يحتمل ذلك حالة كما له حَتَّى لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِقَطْعِ الْعِنَبِ الَّذِي يجئ مِنْهُ عِنَبٌ حِصْرِمٌ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَفَّالِ بِدُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَمِنْ ذَلِكَ يَخْرُجُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِصْرِمِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ النَّاقِلِينَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْعَادَةَ وَإِنَّمَا فَرَضْنَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعْتَادُ قَطْعُهُ حِصْرِمًا (أَمَّا) أَنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ فِي الْحُكْمِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ وَمَنْعُ الْقَفَّالِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَنْعِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَمَنْعِ وُجُوبِ التَّبْقِيَةِ فِي الْحِصْرِمِ وَحَمْلِ الْحِصْرِمِ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهُ لِقَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ إنَّ الْحِصْرِمَ أَوَّلُ الْعِنَبِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا حَمْلٌ حَسَنٌ أَيْضًا لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّ الْحِصْرِمَ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ مَعْنَاهُ أَوَّلُ الثَّمَرَةِ الَّتِي نِهَايَتُهَا عِنَبٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا أُمُورًا أَرْبَعَةً يَجِبُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهَا (أَحَدُهَا) الْعُرْفُ (وَالثَّانِي) الْعَادَةُ وَيَنْقَسِمُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ وَالْعُرْفُ غَيْرُ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعُرْفِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَبَادُرِ الذِّهْنِ مِنْ لَفْظٍ إلَى مَعْنًى مِنْ اللَّفْظِ كَمَا تَقُولُ الدَّابَّةُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ عَامَّةٌ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْجَوْهَرُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ خَاصَّةٌ فِي الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَادَةِ مَا هُوَ مَأْلُوفٌ مِنْ الْأَفْعَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَهَذَانِ قِسْمَانِ مُتَغَايِرَانِ الْعَادَةُ وَالْعُرْفُ وَقَدْ تُجْعَلُ الْعَادَةُ أَعَمُّ وَتُقْسَمُ إلَى عَادَةٍ قَوْلِيَّةٍ وَهِيَ مَا سَمَّيْنَاهُ بِالْعُرْفِ وَعَادَةٍ فِعْلِيَّةٍ وَهِيَ مُقَابِلُهُ وَقَدْ يُطْلَقُ الْعُرْفُ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْأَمْرَانِ الْآخَرَانِ(11/416)
(أَحَدُهُمَا)
الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُطْلَقُ فِي الْعُقُودِ وَفِي تَقْيِيدِ مُطْلَقِهَا وَتَفْسِيرِ مُجْمَلِهَا (وَالثَّانِي) مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُجْعَلُ كَأَنَّهَا شُرِطَتْ فِي الْعَقْدِ وَهَذَانِ أَمْرَانِ مُغَايِرَانِ أَيْضًا فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ إلَى تَنْزِيلِ لَفْظٍ مُطْلَقٍ جَرَى فِي الْعَقْدِ عَلَى مَعْنًى كَحَمْلِ الدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ الْمُتَعَارَفِ فِي الْبَلَدِ وَحَمْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى السَّلِيمِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دُونَ الْمَعِيبِ وَالثَّانِي يَرْجِعُ إلَى تقدير شرط مضموم إلَى الْعَقْدِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَاعْتِبَارُ الْعُرْفِ الْعَامِّ لاشك فِيهِ فِي تَقْيِيدِ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي دَابَّةً لَمْ يَشْتَرِ إلَّا ذَوَاتَ الْأَرْبَعِ وَالْعُرْفُ الْخَاصُّ كَالِاصْطِلَاحِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ أَلْفَيْنِ فِي مَهْرِ السِّرِّ وَمَهْرِ الْعَلَانِيَةِ (وَأَمَّا) الْعَوَائِدُ الْفِعْلِيَّةُ فَإِنْ كَانَتْ خَاصَّةً فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَإِنْ عَمَّتْ وَاطَّرَدَتْ فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اعْتِمَادِهَا وَذَكَرُوا لَهَا أَمْثِلَةً (مِنْهَا) تَنْزِيلُ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فِي الْعُقُودِ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ وَهَذَا إنْ قَدَّمْتُهُ فِي قِسْمِ الْعُرْفِ فان هذه العادة أوجب اطاردها فَهْمُ أَهْلِ الْعُرْفِ ذَلِكَ النَّقْدَ مِنْ اللَّفْظِ فَالرُّجُوعِ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْعَادَةِ (وَمِنْهَا) أَنَّا لَا نُخْرِجُ الْمُتَكَارِسَ إلَى ذِكْرِ الْمَنَازِلِ وَتَفْصِيلِ كَيْفِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَهَذَا مِثَالٌ صَحِيحٌ وَهِيَ مِنْ قِسْمِ مَا يَرْجِعُ إلَى تَقْدِيرِ شَرْطٍ مَضْمُومٍ إلَى الْعَقْدِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَحْوَالِ الْعُقُودِ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ كَالتَّسْلِيمِ وَالْقَطْعِ وَالتَّبْقِيَةِ كَبَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْبَهِيمَةِ الْمُكْرَاةِ وَالْمِقْدَارِ الَّذِي يُطْوَى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَوُجُوبِ تَسْلِيمِ الْإِكَافِ وَالثَّفْرُ وَاللِّجَامِ وَجَمِيعِ الادوات عند استئجار الدابة وضابطه لما غَلَبَ عَلَى وَجْهٍ يَسْبِقُ مُقْتَضَاهُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْفَهْمِ سَبَقَ الْمَنْطُوقَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يُعَدُّ التَّعَرُّضُ لَهُ مُسْتَقْصِيًا مُشْتَغِلًا بِمَا لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ وَكَثِيرًا مَا يُسَمِّي الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ عُرْفًا لِعُمُومِهِ وَلِأَنَّ فَهْمَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ صَارَ فِي الْعُرْفِ لِمَفْهُومِ اللَّفْظِ فَالْتَحَقَ بِالْعَادَةِ الْقَوْلِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ وَكُلُّ مَا يَتَّضِحُ فِيهِ اطِّرَادُ الْعَادَةِ فَهُوَ الْحُكْمُ وَمُضْمَرُهُ كَالْمَذْكُورِ صَرِيحًا وَكُلُّ مَا يَتَعَارَضُ لِلظُّنُونِ بَعْضَ التَّعَارُضِ فِي حُكْمِ الْعَادَةِ فِيهِ فَهُوَ مَثَارُ الْخِلَافِ يَعْنِي ما تتعارض الظنون في اطراده واما مالا يَطَّرِدُ جَزْمًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَدْ أَطْلَقَ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ الْعَادَةَ الْفِعْلِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فَلَا تُخَصِّصُ عاما ولا تفيد مُطْلَقًا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ الْكَتَّانِ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا الْقَمْحَ وَلَا يَلْبَسَ إلَّا الْحَرِيرَ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ وَنَاقِلٌ لِلَّفْظِ وَالْفِعْلُ لَا يُنْقَلُ وَلَا ينسخ(11/417)
وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّغَةِ وَإِطْلَاقُهُمْ فِي ذلك صحيح وَمَا قَدَّمْنَاهُ غَيْرُ مُعَارِضٍ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَشَارَ الْإِمَامُ أَيْضًا إلَى تَخْرِيجِ مَسْأَلَةِ قَطْعِ الْعِنَبِ حِصْرِمًا عَلَى خِلَافِ الاصحاب في أن الشئ النَّادِرَ إذَا اطَّرَدَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ فِي بَعْضِ الْأَصْقَاعِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ الْعَامِّ فَيُعْفَى عَنْهُ وَقَطْفُ الْعِنَبِ حِصْرِمًا فِي غَايَةِ النُّدُورِ فَإِنْ فرط اطِّرَادُ عَادَةِ بُقْعَةٍ بِهِ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ النُّدُورِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صلاحها على شجرة مقلوعة
* قال الروياني لانص فِيهِ (قَالَ) وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا مِنْ دُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهَا لَا تَنْمُو وَلَا تَأْخُذُ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّجَرَةِ لَوْ بَقِيَتْ عَلَيْهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا (قُلْتُ) وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَاسْتَضْعَفْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ لَا يُخْشَى عَلَيْهَا الْعَاهَةُ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ لِأَجْلِهَا فَإِنَّ هَذِهِ لَا يَجِبُ تَبْقِيَتُهَا عَلَى الشَّجَرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِي.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَجِبُ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا الْخُوَارِزْمِيُّ وَعَلَّلَهُ بان العقد يحمل على العادة فِيهِ الْقَطْعُ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا بِيعَتْ الثِّمَارُ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَشْجَارِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَقَطَعَ مِنْهَا شيئا قال الشافعي فيما نقله أحمد ابن بُشْرَى مِنْ نُصُوصِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ رده ولا أعلم له مِثْلًا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيمَتُهُ (قُلْتُ) وَمِنْ هُنَا أُسْنِدَتْ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ أَنَّ الْمَبِيعَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَالَ إنَّهُ يضمن بالقيمة واطلاق صاحب التنبيه يقتضيه فهذا النَّصِّ اسْتَفَدْنَا أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى ذَلِكَ بِشَرْطِ الْقَطْعَ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ حَتَّى بَدَا الصَّلَاحُ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَلِلْبَائِعِ الْإِجْبَارُ عَلَى الْقَطْعِ كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ تَجِبُ فِيهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لايجاب إلَى ذَلِكَ بَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ بِمُجَرَّدِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِهَا وَبَطَلَ الْبَيْعُ رَوَاهُ الْقَفَّالُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَانْهَالَتْ عَلَيْهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ وَهُوَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَلْيَكُنْ الْبُطْلَانُ إنْ قِيلَ بِهِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ قَالَ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا فَضَلَ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ يَجِبُ قَطْعُهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ فِيهِ(11/418)
وَهُوَ لَا يُمْكِنُ فَلِذَلِكَ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ بَعْضِ الثِّمَارِ مَشَاعًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِمَا في ذلك من تعيير عَيْنِ الْمَبِيعِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إذَا بِيعَتْ الثِّمَارُ مَعَ الْأَشْجَارِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقَلَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّهِ فِي الرِّسَالَةِ وَقَدْ رَأَيْتُهَا فِي الْأُمِّ أَيْضًا فِي بَابِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ بَيْعَ الثَّمَرَةِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا مَعَ الْحَائِطِ وَجَعَلْتُمْ لَهَا حصة من الثمن ولم يجيزوها عَلَى الِانْفِرَادِ (قِيلَ) بِمَا وَصَفْنَا مِنْ السُّنَّةِ وَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِالسُّنَّةِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لان أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَوَازَ بَيْعِ الدَّارِ بِطُرُقِهَا ومسيل مأنها وَأَفْنِيَتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثمرة التي لم يبد صلاحها تتبع في البيع ولو بيع شئ مِنْ هَذَا عَلَى الِانْفِرَادِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يُبَاعُ بِجُمْلَةِ جَوَارِحِهِ وَلَوْ أُفْرِدَ بَعْضُهَا لَمْ يَجُزْ فَوَافَقَ فِي هَذَا وَخَالَفَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ بَعْضِ جَوَارِحِهِ مَعَ الْقَطْعِ أَيْضًا.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ يَعْنِي فِي الثَّمَرَةِ إذَا بِيعَتْ مَعَ الْأَصْلِ شَرْطًا لَقَالَ يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ الْقَطْعَ وَفِيهِ مَعْنًى وَهُوَ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ فَعُفِيَ عَنْ الْغَرَرِ فِيهَا كَأَسَاسَاتِ الدَّارِ وَأُصُولِ الْجُذُوعِ وَطَيِّ الْآبَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَيْضًا وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْأَصْلَ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَاهَةِ وَالثَّمَرَةُ تَابِعَةٌ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَدَلَ عَنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى الْحَمْلِ وَكَأَنَّهُ لَحَظَ فِي ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ أَجْزَاءٌ مِنْ الْمَبِيعِ حَقِيقَةً وَالثَّمَرَةُ وَالْحَمْلُ كُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِجُزْءٍ حَقِيقِيٍّ فَكَانَ قِيَاسُهَا عَلَيْهِ أَوْلَى وَلَكَ أَنْ تَقُولَ أَمَّا قِيَاسُهَا عَلَى الْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا إذَا بِيعَتْ الْأُمُّ وَدَخَلَ الْحَمْلُ تَبَعًا فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا إذَا صَرَّحَ بِدُخُولِهِ حَتَّى يَكُونَ كَمَسْأَلَتِنَا هُنَا فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الصِّحَّةُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ أَنَّ قَوْلَ الصِّحَّةِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ لِلْحَمْلِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ(11/419)
قِسْطٌ (وَأَمَّا) قِيَاسُهَا عَلَى الْأَسَاسِ فَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَأَسَاسِهَا لَكِنَّهُمْ أَجْرَوْا خِلَافًا فِي بَيْعِ الْجُبَّةِ وَحَشْوِهَا فَطَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَطَرِيقَةٌ مُجْرِيَةٌ لِلْخِلَافِ فَهَلَّا جَرَى فِي الثَّمَرَةِ مِثْلُ هَاتَيْنِ الطَّرِيقِينَ (فَإِنْ قُلْتَ) مَأْخَذُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ وَحَمْلِهَا وَالْجُبَّةِ وَحَشْوِهَا أَنَّهُ جَعَلَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا مَعَ الْمَعْلُومِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَمْلِ وَالْحَشْوِ يَمْتَنِعُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَالثَّمَرَةُ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَلَكِنْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ هَذَا الشَّرْطِ عِنْدَمَا تُبَاعُ وَحْدَهَا إيجَابُهُ إذَا بِيعَتْ مَعَ غَيْرِهَا وَلَا مِنْ الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ في مسألة الحمل الجبة الْقَوْلُ بِهِ هُنَا (قُلْتُ) يَرُدُّ ذَلِكَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا بِجَوَازِ بَيْعِ الدَّارِ بِطُرُقِهَا وَمَسِيلِ مَائِهَا وَأَفْنِيَتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثَّمَرَةِ التي لم يبد صلاحها تتبع في البيع فَهَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي الْجَمِيعِ وَأَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا يَصِحُّ وَهُوَ رَأْيُ أَبِي زَيْدٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذَا امْتَنَعَ الْبَيْعُ فِيهَا مُطْلَقًا وَهِيَ مُنْفَرِدَةٌ صَارَتْ غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلْبَيْعِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَقْصُودًا مَعَ غَيْرِهِ كَالْحَمْلِ وَكَيْفَمَا قَدَرَ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ عَلَى الْحَمْلِ إلَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا (وَالْمَشْهُورُ) خِلَافُهُ فَكَيْفَ سَاغَ لِلْمُصَنَّفِ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ.
وَمِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْحَمْلِ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْإِشْكَالُ عَلَيْهِ أَشَدُّ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ بَيْعَ الْأُمِّ وَحَمْلَهَا لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ (وَأَمَّا) الْمُصَنِّفُ فَلَعَلَّهُ يَرَى الصِّحَّةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ قَالَ إنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا وَالْجُبَّةِ وَقُطْنِهَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْحَشْوَ قُطْنٌ وَقَالَ إنَّ مَسْأَلَةَ الْحَمْلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ لَا يَعْنِي إنْ قُلْنَا لَهُ قِسْطٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ وَيَتَّفِقُ وُجُودُهُ وَاسْتَشْهَدَ لِلصِّحَّةِ فِي بيع الشاة ولبها بِبَيْعِ الدَّارِ وَحُقُوقِهَا وَالْجَوْزِ وَلُبِّهِ وَالرُّمَّانِ وَحَبِّهِ عَلَى أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إنَّهُ يَجُوزُ تَخْرِيجُهُمَا أَعَنَى الْجَوْزَ وَلُبَّهُ وَالرُّمَّانَ وَحَبَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فَبِالْجُمْلَةِ الرَّافِعِيُّ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الْحَمْلِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ مِمَّنْ يَرَى الصِّحَّةَ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ يَعْضُدُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ وَيُقَوِّي الْإِشْكَالَ عَلَى الْقِيَاس عَلَيْهِ وَقَدْ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ(11/420)
لِخَفَاءِ مَأْخَذِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ انْتِفَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ الْإِمَامِ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَهُوَ امْتِصَاصُهَا مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِيمَا إذَا بَاعَهَا مَعَهَا أَوْ نَقُولُ بِأَنَّهَا إذَا بَاعَهَا مَعَ الشجر حَصَلَ تَسْلِيمُهَا تَامًّا فَحَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ الْعَاهَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِكُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِ بَيْعِهَا وَحْدَهَا مَعْقُودٌ فِي بَيْعِهَا مَعَ الشَّجَرَةِ فَتَعْلِيلُ الصِّحَّةِ بِهَذَا الْمَأْخَذِ أَسْلَمُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِمَا عَرَفْتَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُ مَا حَكَيْتُهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِمَسِيلِهَا وَأَفْنِيَتِهَا وَطُرُقِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَكَيْفَ يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى أَمَاكِنَ لَمْ يَرَهَا الْعَاقِدُ (قُلْتُ) يُغْتَفَرُ ذَلِكَ تَبَعًا كَالْأَسَاسِ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ مَا دَخَلَ فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ وَكَانَ جزأ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مَعَهُ كَحَشْوِ الْجُبَّةِ وَالْأَسَاسِ وَمَا كَانَ خَارِجًا عَنْ مُسَمَّاهُ وَلَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْهُ ظَاهِرُ النَّصِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَسِيلَ وَالطُّرُقَ خَارِجَةٌ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَالْحَمْلُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَالْجُزْءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ فِيهِ وَإِنْ صَحَّ في تبلك تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ وَلِهَذَا قال الشافعي في كتاب الصرف ولاخير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط عقابها هَذَا كُلُّهُ إذَا جَعَلَهُ مَقْصُودًا بِأَنْ قَالَ بعنك النَّخْلَةَ وَثَمَرَتَهَا أَوْ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) مَا ادَّعَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ النَّخْلَةَ بِشَرْطِ أَنَّ ثَمَرَتَهَا لَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ صحيح لاشك فيه للحديث ما إذَا أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ النَّخْلَةَ وَثَمَرَتَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ المالكية لكن مذهب مالك أنه لاحصة لِلثَّمَرَةِ مِنْ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ مَذْهَبُهُ إذَا اشْتَرَاهَا مُشْتَرِي النَّخْلَةِ بَعْدَ شِرَاءِ النَّخْلَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مَعَ الْأُصُولِ وَلَا فِيهَا إلَّا بِالِاشْتِرَاطِ فَقَطْ أَخْذًا بِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَلِلْأَوَّلِينَ أَنْ يَقُولُوا إنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِدْخَالِهَا بِالشَّرْطِ إلَّا إدْخَالُهَا فِي الْبَيْعِ وَإِلَّا فَهِيَ لَا تَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَمَتَى أَدْخَلَهَا فِي الْبَيْعِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ فَقَدْ صَارَتْ مَبِيعَةً مَعَ الشَّجَرِ نَعَمْ هل تقابل بقسط من الثمن أولا جَزَمَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ هُنَا بِأَنَّهَا تُقَابَلُ بِقِسْطٍ وَقَالَ فِي الْحَمْلِ هُنَا إنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يقابل أيضا.(11/421)
(فَرْعٌ)
هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ القطع لا خلاف في المذهب فيه أَعْلَمْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ وَسَبَقَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ إنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ بَطَلَ (قُلْتُ) يُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَصْلَ فَإِنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِيهِ حَجْرٌ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ يُعَيِّنُ مَا قَالَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وُجُوبُهُ وَعَلَّلَ الْخُوَارِزْمِيُّ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ يَضُرُّ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ مُقْتَضَاهُ الْإِبْقَاءُ ثُمَّ استشكله بأن ما يحمل على مُطْلَقُ الْعَقْدِ مِنْ الْعَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَصِيرُ قَضِيَّةً لَازِمَةً كَالْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْحُلُولِ وَالنَّقْدِ الْغَالِبِ ثُمَّ لَوْ عَيَّنَ نَقْدًا لَا أَجَلًا صَحَّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِيمَا إذَا شَرَطَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ أَنْ لَا يَكْسُوَهُ إلَّا كَذَا أَنْ يَصِحَّ وَيُلْغَى الشَّرْطُ وَهَهُنَا الْقَبْضُ بِالتَّخْلِيَةِ بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ تَحْصُلُ فِي الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ مَعًا إذْ الثَّمَرَةُ تَابِعَةٌ لِلشَّجَرَةِ فِي التَّسْلِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ بَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يشمل مااذا بَدَتْ مِنْ أَكْمَامِهَا وَكَانَتْ مَرْئِيَّةً وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَفْتُ عَلَى كلامهم من الاصحاب أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِمَسِيلِهَا وَطُرُقِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّلْعِ فِي قِشْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (أَمَّا) إذَا مَنَعْنَاهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا تَبَعًا كَمَا سَقَطَ شرط القطع ويحتمل أن لاكما لَوْ بَاعَهَا مَعَهَا بَعْدَ الصَّلَاحِ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا مِنْ مَالِكِ الْأَشْجَارِ بِأَنْ كَانَ يَمْلِكُ أَصْلَهَا بِبَيْعٍ مُتَقَدِّمٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى لَهُ بِثَمَرَةٍ وَمَاتَ الْمُوصِي فَمَلَكَهَا وَبَقِيَتْ الْأُصُولُ لِلْوَرَثَةِ إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ مَالِكِ الْأُصُولِ هَلْ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَادَّعَى ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى تَرْجِيحِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ ثِمَارَ نَفْسِهِ عَنْ أَشْجَارِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ شُرَطَ الْقَطْعُ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزُّرُوعِ وَاعْتَرَضَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذكره المصنف بالفرق بانه إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ مُتَوَقَّعَةً(11/422)
مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (وَأَمَّا) إذَا بَاعَهَا مَعَ الشَّجَرَةِ فَعَلَى تَقْدِيرِ تَلَفِ الثَّمَرَةِ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالْجُمْهُورِ عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذا جمعها عقد واحد أن العقد إذا جمعها كَانَتْ الثَّمَرَةُ تَابِعَةً مُعْفًى عَنْ الْغَرَرِ فِيهَا كَالْأَسَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُفْرِدَتْ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ مَعَ تَصْحِيحِهِ لِهَذَا الْوَجْهِ إنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ المذهب وقال في أيجابه ان أَعْنِي أَظْهَرَ الْقَوْلَيْنِ (1) هُوَ الْقِيَاسُ وَفِي هَذَا الكلام أن الخلاف قولان لاوجهان.
(فَرْعٌ)
عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي تَعْلِيلِهِ (2) وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ وَأَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ نَظَرًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُمْكِنُ بِنَاءُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ فِي مَنْعِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إنْ عَلَّلَ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَخْذُ الثَّمَرَةِ بِتَقْدِيرِ التَّلَفِ بِغَيْرِ عِوَضٍ اقْتَضَى الْبُطْلَانَ هُنَا وَإِنْ عَلَّلَ بِأَنَّ توقع التلف قبل الجذاذ يمنع تحقق التَّسْلِيمِ اقْتَضَى الصِّحَّةَ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُتَحَقِّقٌ فَإِنَّ الاصل في ملك المشترى فلا علقة لِغَيْرِهِ فِي الْمَبِيعِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْوَجْهِ إنَّ سَبَبَ التَّصْحِيحِ فِي بَيْعِهِمَا مَعًا أَنَّ الْأَصْلَ الشَّجَرُ وَالثِّمَارُ فِيهَا وَإِنْ ذُكِرَتْ تَابِعَةً لَهَا فَلَا يَضُرُّ تَعَرُّضُ الْعَاهَةِ لَهَا وَلَا كَذَلِكَ إذَا بِيعَتْ مُنْفَرِدَةً قَالَ وَهَذَا الْقَائِلُ تَخَيَّرَ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّسْلِيمَ لَا يحصل بذلك والالم يَصِحَّ لَهُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّوْجِيهِ وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إنَّ مَنْ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ وَنَحْوُهَا إذَا ابْتَاعَهَا وَوَفَّرَ الثمن لابد مِنْ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ لِيَحْصُلَ الْقَبْضُ وَفَارَقَ مَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ النَّخْلِ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّخْلِ شَمِلَهُمَا وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيِّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَقْيَسُ وَمَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْقِيَاسِ فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلْنَرْجِعْ إلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ) وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ شَمِلَ قِسْمَيْنِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ الْمُجْمَعُ عَلَى بُطْلَانِهِ وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ الَّذِي خَالَفَنَا فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْقِسْمَيْنِ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا يُنْقَلُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ إلَى قَوْلِهِ وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ فِي ذكر حججنا وحجج
*
__________
(1 و 2) بياض
بالاصل(11/423)
الْخَصْمِ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ هُوَ الْقِسْمُ الَّذِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ ثَانِيًا وَادَّعَى جَمَاعَةٌ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَتَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) لابد يأخذه قبل أن يتلف يَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ وَإِلَّا فَقَدْ يَتَرَاضَيَانِ عَلَى بَقَائِهِ وقد تقدم ان يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَنَا (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَمْ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّ حُكْمَ الْغَرَرِ يُسْقِطُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْغَرَرَ لَا يَنْتَفِي وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ شَرْعًا (وَقَوْلُهُ) كَالْغَرَرِ فِي الْحَمْلِ يُسْقِطُ حُكْمَهُ إذَا بِيعَ مَعَ الْأَصْلِ ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَارُ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (وَالْأَصَحُّ) فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَصْلَ إلَى آخِرِهِ هُوَ هَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي شَرَحْتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي الْقِسْمُ الْآخَرُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ بَيْعِ الثِّمَارِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَأَطْلَقَ ثُمَّ بَاعَ مِنْ مُشْتَرِيهَا النَّخْلَ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ بَيْعُهُ النَّخْلَ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بَلْ هُوَ مُقِرٌّ عَلَى بُطْلَانِهِ وَأَبْدَى الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ تَخْرِيجَ وَجْهٍ فِيهِ مِمَّا إذَا زَارَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ بَيْنَ النَّخِيلِ ثُمَّ سَاقَاهُ عَلَيْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَبَيَّنُ بِالْمُسَاقَاةِ بَعْدَهَا صِحَّةُ الْمُزَارَعَةِ عَلَى بُعْدٍ مِنْ اسْتِبْعَادِهِ لِهَذَا الْوَجْهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْوَجْهِ صِحَّةٌ وَثُبُوتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ طَرْدِهِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ إذا تقدمت واستأجر عَنْهُ بَيْعَ الْأَشْجَارِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الثِّمَارِ (وَأَمَّا) الزُّرُوعُ فَقَدْ أَدْرَجَهَا الْمُصَنِّفُ مَعَ الثمار وأجراهما مجرى واحد وَالْأَقْسَامُ الَّتِي فِي الثِّمَارِ عَائِدَةٌ بِعَيْنِهَا فِي الزُّرُوعِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُفْرَدَةً عَنْ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَرْضِ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ فَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ مُطْلَقًا بَطَلَ للحديث وهو قوله (وعن السنبل حيت يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ) وَقِيَاسُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَجْوِيزِهِ الْبَيْعَ فِي الثِّمَارِ مُطْلَقًا أَنْ يُجَوِّزَهُ فِي الزُّرُوعِ أَيْضًا وَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثِّمَارِ وَخَالَفَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى كَمَا خَالَفَا هُنَاكَ فَقَالَا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءُ الْمَشْهُورُونَ وَسُفْيَانُ وابن أبي ليلى أيضا على أنه لافرق في الزرع في
السنبل والفصيل يمتنع بيع الفصيل مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ الظاهري فجوزوه تمسكا(11/424)
بِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ السُّنْبُلِ قَالَ ولم يأت في منع بيع الزرع مذ يَنْبُتُ إلَى أَنْ يُسَنْبِلَ نَصٌّ أَصْلًا وَرُوِيَ عن أبي إسحق الشَّيْبَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ عَنْ بَيْعِ الْقَصِيلِ فَقَالَ لَا بَأْسَ فَقُلْتُ إنَّهُ سُنْبُلٌ فَكَرِهَهُ قَالَ وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ حُكْمَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ مَعَ الْمُصَنِّفِ فِي الزَّرْعِ الماوردى والرافعي وغيرهما.
ولو باع الفت أَوْ الْقَصِيلَ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَرْعَى دَوَابَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْعَلُ هَذَا كَشَرْطِ الْقَطْعِ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ.
(وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى اشْتِرَاطِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ (أَمَّا) الْبَقْلُ إنْ بِيعَ مَعَ الْأُصُولِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ وَإِنْ بِيعَ دُونَ الْأُصُولِ يَنْزِلُ عَلَى الْقَطْعِ قَالَ ابن أبي الدم يريد به أنه لابد من شرط القطع قال الامام لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ يحيى في محيطه إنه لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْبَسِيطِ فِي الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ فِي الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يُشْتَرَطُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي هَذَا بَلْ مَتَى أطلق نزل العقد على شرط القطع خوف مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ وَلَفْظُ الشَّيْخِ فِي الْوَسِيطِ يُشْعِرُ بِهِ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ مَا ذَكَرْتُهُ هَذَا كَلَامُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْأَشْبَهَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذلك لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي يُجَذُّ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ أَنْ يَنْتَهِيَ فَيَجُوزُ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وعليه ويحمل كَلَامُ الْغَزَالِيِّ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ مَا بَدَا صَلَاحُهُ فَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا لا يجوز أن يباع لقرط الاجذة وَاحِدَةً عِنْد بُلُوغِ الْجِذَاذِ وَيَأْخُذُ صَاحِبُهُ فِي جذاذ عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ وَقَالَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنَّهُ إذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ أَيَّامًا وَقَطْعُهُ مُمْكِنٌ فِي أَوَّلٍ مِنْهَا كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَدَعَ الْفَضْلَ الَّذِي لَهُ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ (قُلْتُ) وَهَذَا حَمْلٌ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَمُرَادُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ مَا سَيَأْتِي عَنْهُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَأَنَّهُ جَعَلَ لِذَلِكَ النَّوْعِ حَالَةَ إصْلَاحٍ وَلَكِنَّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي اعْتَضَدَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ تَرْكَهُ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَاطٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ يَكُونُ هَذَا نَوْعًا مِمَّا بَدَا صَلَاحُهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ التَّبْقِيَةِ وَيَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ
الْقَطْعِ وَالْإِطْلَاقِ لَكِنْ يَكُونُ هَذَا فِيمَا يُعْتَادُ جَذُّهُ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ صَلَاحًا فِيهِ (أَمَّا) الزَّرْعُ الَّذِي يُعْتَادُ إبْقَاؤُهُ فَمَتَى بَاعَهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَسَدَ سَوَاءٌ كَانَ بَقْلًا أَوْ قَصِيلًا أَوْ سُنْبُلًا مَا لَمْ يَشْتَدَّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ(11/425)
أيضا لا يجوز بيع القصيل الاعلى أَنْ يَقْطَعَ مَكَانَهُ مِمَّا يَسْتَخْلِفُ أَوْ لَا يستخلف ولا يزيد وهذا الص يُحْمَلُ عَلَى مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَلَا ينافي ماقاله ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فيه هنا (وأما) الول الَّذِي يَكُونُ وَصَلَ إلَى حَالَةِ صَلَاحٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي بَيْعِ مَا بَدَا صَلَاحُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ لَا يُبَاعَ الزَّرْعُ مَعَ الْأَرْضِ فَيَجُوزَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فِي الثِّمَارِ مَعَ الْأَشْجَارِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَبَقِيَّةُ لاصحاب وَالْمَبَاحِثُ الْمُتَقَدِّمَةُ هُنَاكَ عَائِدَةٌ هُنَا (تَنْبِيهٌ) إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ بَيْعِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ مَعَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يَتَسَنْبَلْ بَعْدُ أَوْ تَسَنْبَلَ وَلَمْ يَشْتَدَّ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْحَبُّ الَّذِي فِي السُّنْبُلِ غَيْرِ الْمُشْتَدِّ مَرْئِيًّا كَالشَّعِيرِ أَوْ غَيْرَ مَرْئِيٍّ كَالْحِنْطَةِ وَإِنَّمَا فَصَلُوا بَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فان كانت التبعية تَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ فِي ذَلِكَ فَيَنْبَغِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الثِّمَارِ أَيْضًا (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) إذَا بَاعَ الزَّرْعَ وَحْدَهُ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَهُوَ كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِالْجَوَازِ وَذَكَرَ هَهُنَا الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الزَّرْعِ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالرُّويَانِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَمُقْتَضَى نَصِّهِ الَّذِي نَقَلُوهُ عَنْ الرَّهْنِ أَيْضًا يَدُلُّ لَهُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَقْتَصِرُونَ عَلَى حُكْمِ الثِّمَارِ وَكَأَنَّهُمْ مُكْتَفُونَ بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ حُكْمِ الزَّرْعِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فَعَلَى قَوْلِنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لَوْ شَرَطَ فِيهِ الْقَطْعَ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي.
(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا إذَا بَاعَ الزَّرْعَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَرْضَ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ فَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ الْمَالِكُ فَلَوْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مُسْتَأْجَرِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ يُفْرَضُ فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا وَبَاعَ الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَرَاضَيَا عَلَى إبْقَائِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مُطْلَقًا هَلْ يَكُونُ
كَالْمَالِكِ أَوْ لَوْ كَانَ الْمَالِكُ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلْمَنْفَعَةِ بِأَنْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً مَثَلًا هَلْ يَسْتَمِرُّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمَالِكَ فِي هذا الوقت لايد لَهُ وَلَا مَنْفَعَةَ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَأَمَّا) الثَّمَرَةُ فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْبَابِ.(11/426)
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ بالارض لانه يَصِحُّ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُ الْقَطْعِ قَالَهُ الْقَاضِي حسين وصاحب التتمة الخوارزمي وَهُوَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَعَلَى قِيَاسِهِ إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ بِالشَّجَرَةِ.
(فَرْعٌ)
قَدْ تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي المنع عن بيع الثمار قيل بُدُوِّ الصَّلَاحِ (وَمِنْهَا) مَا هُوَ مُطْلَقٌ (وَمِنْهَا) مَا هُوَ وَارِدٌ فِي النَّخْلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ جَمِيعَ الثِّمَارِ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ وَأَنَّهُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَطَابَ أَوَّلُهُ حَلَّ بيعه.
(فرع)
لافرق فِي الثِّمَارِ بَيْنَ مَا يُجَذُّ كَالْبَلَحِ وَالْبُسْرِ أَوْ يُقْطَفُ كَالْحِصْرِمِ وَالْعِنَبِ أَوْ يُجْمَعُ كَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَكَذَلِكَ التُّفَّاحُ وَالْكُمَّثْرَى وَالْخَوْخُ والجوز واللوز والرانج كلها تجرى فِيهَا الْأَقْسَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْآتِيَةُ فِي بَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَعْدَهُ وَمُنْفَرِدَةً وَتَابِعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْفُجْلُ الْمَغْرُوسُ فِي الْأَرْضِ وَالسَّلْجَمُ وَالْجَزَرُ وَالسَّلْقُ إذَا اشْتَرَى وَرَقَهُ فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ جَازَ أَوْ التَّبْقِيَةَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ اشْتَرَى أَصْلَهُ الْمَغْرُوسَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ قُلْنَا بَيْعُ الْغَائِبِ بَاطِلٌ أَوْ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ عَلَى صِفَتِهِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا بَاعَ أَصْلَ الْكُرَّاثِ مَعَ الْكُرَّاثِ صَحَّ الْعَقْدُ وَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَلَوْ بَاعَ الْعُرُوقَ بِدُونِ الْكُرَّاثِ لَمْ يَصِحَّ وَيَكُونُ بَيْعَ الْغَائِبِ وَبَيْعَ الْمَجْهُولِ وَلَوْ بَاعَ الْقَصَبَ الْفَارِسِيَّ وَمَا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْكُرَّاثِ وَقَالَ فِي الْجَوْزِ وَنَحْوِهِ إذا كان الارض ويكن بعضه ظاهر مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالصُّبْرَةِ إذَا رَأَى ظَاهِرَهَا دُونَ بَاطِنِهَا وَسَيَأْتِي عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْبُقُولَ الَّتِي تَتَزَايَدُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ لَهَا حَالَةُ كَمَالِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ في المولدات باع نصف ثمرة على رؤس النَّخْلِ قَبْلَ زُهُوِّ الثَّمَرَةِ فَالْبَيْعُ
بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْسَمَ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ نِصْفَ زَرْعِهِ بَقْلًا وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزَّرْعِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ جَمِيعًا وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ آخِرَ مَسْأَلَةٍ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَفْتَقِرُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ مُشَاعًا إلَّا بِقَطْعِ(11/427)
الْكُلِّ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِنُقْصَانِ عَيْنِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ مااذا بَاعَ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ سَيْفٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ وَعَلَيْهَا سَقْفُ دَارٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِهَدْمِ الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ قَطْعَ النِّصْفِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِقَطْعِ الْكُلِّ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ بِتَقْدِيرِ دَوَامِ الْإِشَاعَةِ وَامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ (أَمَّا) إذَا جَوَّزْنَا قِسْمَةَ الثِّمَارِ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إفْرَازٌ فَيُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْكُلِّ بِأَنْ يُقْسَمَ أولا فَلْيَكُنْ مَنْعُ الْقَوْلِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ لَا مُطْلَقًا وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ ابن الحداد قال القاضي أبو الطيب وهو الصَّحِيحُ (قُلْتُ) قَدْ قَدَّمْتُ فِي بَابِ الرِّبَا فِي جَوَازِ قِسْمَةِ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لَا يَجُوزُ قَطْعًا وَفِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَهِيَ الَّتِي رَجَّحَهَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازٌ (وَالثَّانِي) تَخْرِيجُهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بيع ومحل الطرق الثلاث على مانبه عَلَيْهِ الْمَحَامِلِيُّ مَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (أَمَّا) قبل بدو لاصلاح فَلَا يَجُوزُ جَزْمًا وَإِنْ كَانَ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا وَفُتِيَا ابْنِ الْحَدَّادِ هُنَا وَمَنْ وَافَقَهُ صَحِيحَةٌ فِي غَيْرِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ جَزْمًا وَفِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ إمَّا جَزْمًا عَلَى مَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِمَّا عَلَى الْأَصَحِّ إذَا جَعَلْنَا الْخِلَافَ مُطْلَقًا وَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ تَخْرِيجِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا أَمَّا الْأَصَحُّ عِنْدَهُ فِي الْقِسْمَةِ وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ قِسْمَةَ ذَلِكَ تبع فيكون الاصح عنده على متقضي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهَا وَإِنْ كَانَ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ حَكَى اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِي قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى مَا أَفْهَمَهُ نَقْلُ الرَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ مِنْ آخِرِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي ادَّعَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْبُطْلَانِ وَأَنَّ ابْنَ الْحَدَّادِ عَلَّلَهُ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ فِي التَّعْلِيلِ وَأَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ
الصَّحِيحُ مَا عَلَّلَ بِهِ ابْنُ الْحَدَّادِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ فَالتَّصْحِيحُ حِينَئِذٍ فِي التَّعْلِيلِ وَلَا خِلَافَ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ بيع الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ إنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ القوم حائط فيه التمر لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَأَرَادُوا اقْتِسَامَهُ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالثَّمَرَةِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لَوْ بَدَا صَلَاحُهَا لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لِلنَّخْلِ وَالْأَرْضِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ وَلِلثَّمَرَةِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ فتقع الثمرة مجهوله لابخرص وَلَا تَبَعٍ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ إلَّا أَنْ يَقْتَسِمَا الْأَصْلَ وَتَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا إنْ كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ أَوْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ(11/428)
غَيْرَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِالْخَرْصِ قَسْمًا مُنْفَرِدًا وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَقْتَسِمَا الثَّمَرَةَ مَعَ النَّخْلِ اقْتَسَمَاهَا بِبَيْعٍ مِنْ الْبُيُوعِ فَيُقَوِّمَا كُلَّ سَهْمٍ بِأَرْضِهِ وَشَجَرِهِ وَثَمَرِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهَذَا الْبَيْعِ لَا بِقُرْعَةٍ وَإِذَا اخْتَلَفَ فَكَانَ نَخْلًا وَكَرْمًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يقسم احداهما بِالْآخَرِ وَفِيهِمَا ثَمَرَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَفَاضُلِ الثمرة بالمثرة تُخَالِفُهَا رِبًا فِي يَدٍ بِيَدٍ انْتَهَى فَهَذَا نَصٌّ فِي امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَأَوَّلُهُ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَيْضًا لَكِنَّ قَوْلَهُ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِالْخَرْصِ قَسْمًا مُنْفَرِدًا يَقْتَضِي جَوَازَ قَسْمِهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَاعْلَمْ) أَنَّ ابْنَ الْحَدَّادِ عَلَّلَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ كَمَا رَأَيْتَ وَغَلَّطَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي التَّعْلِيلِ وَقَالَ لَيْسَ الْعِلَّةُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِسْمَتُهَا فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ قُلْنَا قِسْمَتُهَا صَحِيحَةٌ وَإِنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَطْعِ لَا يَصِحُّ فِيهَا لِأَنَّ نِصْفَهَا مُشَاعًا لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالتَّعْلِيلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ كَذَلِكَ قَالَ فِي الصُّلْحِ لَوْ كَانَ الزَّرْعُ بين الرجلين وصالح أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الزَّرْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ أَخْضَرَ وَلَا يُجْبِرُ شَرِيكَهُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ منه شيئا ومتقضى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ عِلَّةَ ابْنِ الْحَدَّادِ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَأَنَّ الْقَائِلَ الْآخَرَ خَالَفَهُ فِي التَّعْلِيلِ وَعَمَّمَ الْحُكْمَ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الثِّمَارِ صَحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِيهِ فَيَبِيعُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ أو نصف الزرع بشرط القطع لم يُطَالِبُهُ بِالْقِسْمَةِ فِي الْحَالِ فَيُقَاسِمُهُ ثُمَّ يَقْطَعُهُ (وَأَمَّا) إذَا قُلْنَا لَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ فَبَاعَ نِصْفَهَا بِشَرْطِ قَطْعِ الْجَمِيعِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَطْعِ مَا لَمْ يَبِعْ وَالشَّرْطُ فِيهِ لَا يَصِحُّ وَلَا
يُمْكِنُ قَطْعُ الْمَبِيعِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ مُشَاعٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ امْتِنَاعُ الْقِسْمَةِ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الثِّمَارَ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهَا وَكَفَى بِهَذَا النَّصِّ الَّذِي فِي الصُّلْحِ دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِجَوَازِ بَيْعِهَا غَيْرَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَمَا أَفْهَمُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ التَّمَسُّكُ بِمَفْهُومِ ذَلِكَ عَلَى إثْبَاتِ خِلَافٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ والجزم بامتناع البيع ههنا وكيف ما قَدَرَ فَالْمَنْعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَّا(11/429)
أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحَ أَوْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِهِ وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ بِمُجَرَّدِهِ وَمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا جَوَّزْنَا قِسْمَةَ الثِّمَارِ الرَّطْبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إفْرَازٌ وَمَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ تَخْرِيجَهَا عَلَى ذَلِكَ هو الصحيح وفي ذهنك أن قسمته الْمُمَاثِلَاتِ إفْرَازٌ تَوَهَّمْتَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيحَ الْجَوَازُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الزَّرْعُ لَا يَجُوزُ جَزْمًا لِأَنَّهُ لَا تجوز قمسته خرصا جزما الثمار غَيْرُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبُ كَذَلِكَ وَالرُّطَبُ وَالْعِنَبُ يَجْرِي فِيهِمَا الْخَرْصُ وَفِي قِسْمَتِهِمَا خَرْصًا خِلَافٌ الْمَنْقُولُ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ الْجَوَازُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهَا بَيْعٌ فَيَكُونُ الْأَظْهَرُ امْتِنَاعَ الْبَيْعِ فِي ذلك العجب مِنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ كَيْفَ صَرَّحَ هُنَا يبيع الزَّرْعِ عَلَى قِسْمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ خَرْصًا وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ تَجُوزُ قِسْمَتُهُ خَرْصًا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ لَنَا وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّ الْخَرْصَ يَجْرِي فِي غَيْرِ الرطب والعنب فيجئ عَلَى مُقْتَضَاهُ خِلَافٌ فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ خَرْصًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْأَصْحَابُ قَالُوا فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ إنَّ بِيعَ بَعْضِ الثِّمَارِ مُشَاعًا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ (قُلْتُ) صَحِيحٌ لِأَنَّ التَّبْقِيَةَ تَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ تَبْقِيَةَ الْبَاقِي إذَا لم تجز القمسة بِالْخَرْصِ وَلَيْسَ فِيهَا تَغْيِيرُ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَوْ بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مَعَ نِصْفِ النَّخْلِ صَحَّ وَكَانَتْ الثِّمَارُ تَابِعَةٌ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا إذَا بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مَعَ جَمِيعِ الشَّجَرَةِ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فَلَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ فِي ذَلِكَ اُحْتُمِلَ
أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُهُ فِي بَيْعِ كُلِّ الثَّمَرَةِ مَعَ كُلِّ الْأَصْلِ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى بِالْفَسَادِ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ أو الارض لواحد والثمرة أو الرزع لِآخَرَ فَبَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ النَّخْلِ أَوْ نِصْفَ الزَّرْعِ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزَّرْعِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الثَّمَرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وان الاصح الاشتراط فيجئ عيه أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الثِّمَارُ وَالْأَشْجَارُ أَوْ الزُّرُوعُ وَالْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ لَمْ يَصِحَّ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ إنْ اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ لَا مُطْلَقًا وَلَا بِشَرْطِ القطع على أالاصح فَأَشْعَرَ بِخِلَافٍ وَلَعَلَّهُ الَّذِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَيْعِ نِصْفِ(11/430)
الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ مَشَاعًا عَلَى قَوْلِنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ وَلَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَوْ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنْ بَاعَهُ مُطْلَقًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ لِأَنَّ جُمْلَةَ الثِّمَارِ أَوْ الزَّرْعِ تَصِيرُ لِلْمُشْتَرِي وَجُمْلَةَ الشَّجَرِ أَوْ الْأَرْضِ تَصِيرُ لِلْآخَرِ وَعَلَى مُشْتَرِي الثَّمَرَةِ أَوْ الزَّرْعِ قَطْعُ الْكُلِّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ قَطْعَ النِّصْفِ الْمُشْتَرَى بِالشَّرْطِ وَالْتَزَمَ تَفْرِيغَ الْأَشْجَارِ وَالْأَرْضِ لِصَاحِبِهِ وَبَيْعُ الشَّجَرَةِ أَوْ الْأَرْضِ عَلَى أَنْ يُفَرِّغَهَا لِلْمُشْتَرِي جَائِزٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزُّرُوعِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الثِّمَارِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ أَوْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالثَّمَرَةُ أَوْ الزَّرْعُ لِاثْنَيْنِ فَاشْتَرَى صَاحِبُ الشَّجَرَةِ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ بِنِصْفِ الشَّجَرَةِ أَوْ اشْتَرَى صَاحِبُ الْأَرْضِ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنِصْفِ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ إذَا بَاعَ الْكُلَّ مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَأَمَّا إذَا بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ أَوْ نِصْفَ الزَّرْعِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَرْضِ فَيُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي لَوْ كَانَ الزَّرْعُ لَهُمَا وَالْأَرْضُ لاحدهما فباع أحدهما نصيبه من الزرع البقل مِنْ صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ لَا مُطْلَقًا وَلَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِاثْنَيْنِ وَالزَّرْعُ لِوَاحِدٍ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَالْحُكْمُ وَاضِحٌ وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَيُخَرَّجُ
عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ بَاعَ الْكُلَّ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ بَاعَ النِّصْفَ مِنْ أَحَدِهِمَا يُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إنْ قُلْنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ لِوَاحِدٍ وَالْأَرْضُ لِآخَرَ فَبَاعَ الزَّرْعَ بِالْأَرْضِ فَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَوْ بَاعَ صَاحِبُ الزَّرْعِ زَرْعَهُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِنِصْفِ أَرْضِهِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ إذَا بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مَالِكِ الارض بشرط القطع فالقعد صَحِيحٌ وَيُشْتَرَطُ الْقَطْعُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ كُلَّ الزَّرْعِ مَبِيعٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِي النِّصْفِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ وَلَا يُمْكِنُ إفْرَازُ النِّصْفِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ لان النصف لايعرف إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَلَوْ اشْتَرَى جَمِيعَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الزَّرْعِ فِيهَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَإِطْلَاقُ صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ نِصْفِ الزَّرْعِ مَشَاعًا يَشْمَلُهُ وَلَوْ بَاعَ جَمِيعَ الزَّرْعِ مَعَ نِصْفِ الْأَرْضِ قَالَ فِي التَّتِمَّة لَا يَجُوزُ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي هُوَ مَبِيعٌ مَعَ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ فِيهِ وَالنِّصْفَ الَّذِي هُوَ مَبِيعٌ دُونَ(11/431)
الارض لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَشَرْطُ الْقَطْعِ فِي النِّصْفِ لَا يُمْكِنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ اسْتَثْنَى نِصْفَ الثمرة غير المؤبرة فقد فِي مَوْضِعِهِ.
(فَرْعٌ)
رَأَيْتُ فِي الْمُطَارَحَاتِ لِابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ إنْ بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ مَشَاعًا مَعَ جَمِيعِ الْأَرْضِ جَازَ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ بَعْضِ الْأَرْضِ أَوْ دُونَ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ.
(فَرْعٌ)
فِي رَهْنِ الثَّمَرَةِ وَهِبَتِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ خِلَافٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ إنْ يَسَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ.
(فَرْعٌ)
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ نَصِّهِ وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ نِصْفِ الثَّمَرَةِ جُزَافًا قَالَ أَحْمَدُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.
(فَرْعٌ)
الْبِطِّيخُ لَهُ أَحْوَالٌ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يبيعه مع الارض فيتسغني عَنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَتَكُونَ الْأَرْضُ كَالشَّجَرَةِ (وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُفْرِدَ أُصُولَ الْبِطِّيخِ بِالْبَيْعِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمْ يَجُوزُ وَلَا حَاجَةَ إلَى شرط القطع إذ لَمْ يَخَفْ الِاخْتِلَاطَ ثُمَّ الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ يَبْقَى لِلْبَائِعِ وَمَا يَحْدُثُ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ عَلَى مَا إذَا أَطْلَعَتْ النَّخْلَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَانَ بَعْضُ ثَمَرَتِهَا مُؤَبَّرَةً حِينَ الْبَيْعِ لِأَجْلِ
أَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ حَمْلًا وَاحِدًا وَهَذِهِ بُطُونٌ وَإِنْ خِيفَ اخْتِلَاطُ الْحَمْلَيْنِ فلابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنْ شُرِطَ فَلَمْ يُتَّفَقْ حتى وقع الاختلاط فطريقان سنذكر هما فِي نَظِيرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ باع الاصول قبل خروج الحمل فلابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ الْقَلْعِ كَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَإِذَا شَرَطَهُ ثُمَّ اتَّفَقَ بَقَاؤُهُ حَتَّى خَرَجَ الْحَمْلُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ الِانْتِفَاعُ الْمَقْصُودُ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَبِيعَ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَرْضِ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الصحة وقال الامام والغزالي والمتولي لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ مُتَعَرِّضٌ لِلْعَاهَةِ بِخِلَافِ الشَّجَرِ مَعَ الثَّمَرَةِ وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ هَذَا مِنْ تَفَقُّهِ الْإِمَامِ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ وَاعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى فَهْمِهِ لِكَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرَّافِعِيُّ أَبْدَى ذَلِكَ تَخْرِيجًا فَقَالَ قَضِيَّةُ مَا نَقَلْنَاهُ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَحْدَهَا إذَا لَمْ يَخَفْ الِاخْتِلَاطَ انه لا حاجة لشرط الفطع فَلْيُعْلَمْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مُتَعَيِّنٌ إمَّا أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْ بِالْمَنْعِ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) مُقْتَضَى(11/432)
كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْفُورَانِيِّ وَالْإِمَامِ يَلْزَمُهُ الْفَرْقُ بين بيع الاصول وحدها وبيع الْأُصُولِ وَحْدَهَا وَبَيْعِ الْأُصُولِ مَعَ الْبِطِّيخِ حَيْثُ قَالَ بِالصِّحَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَمَنَعَ فِي الثَّانِي وكيف ما قُدِّرَ فَالصَّحِيحُ مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ من اطلاق الصحة في المواضعين وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي ذَلِكَ (الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) أَنَّ يَبِيعَ الْبِطِّيخَ وَحْدَهُ دُونَ أُصُولِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ بَدَا الصَّلَاحُ فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ يُخَافُ خُرُوجُ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ من شرط القطع فان شرط فلم يطقع فَفِي الِانْفِسَاخِ لِلْبَيْعِ قَوْلَانِ يَأْتِي نَظِيرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الِاخْتِلَاطَ إذَا حَصَلَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَبْطُلُ فَيَصِحُّ هَهُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ تَوَقُّعِ التَّلَفِ أَنَّ الْمَالِيَّةَ هُنَاكَ تَذْهَبُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهَا الْخَبَرُ وَلَا كَذَلِكَ هَهُنَا وَإِنْ كَانَ لَا يُخَافُ خُرُوجُ غَيْرِهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَالْبَاذِنْجَانُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَنَحْوُهُ كَالْبِطِّيخِ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بدا صلاحها جاز بيعها بشرط القطع لحديث ابن عمر رضى الله عنه ولانه إذا جاز بيعه
بشرط القطع قبل بدو الصلاح فلان يجوز بعد بدو الصلاح أولى ويجوز بيعها مطلقا للخبر ولانه أمن من العاهة فجاز بيعتها مطلقا كسائر الاموال ويجوز بيعها بشرط التبقية إلى الجذاذ للخبر ولان اطلاق البيع يقتضي التبقية إلى أوان الجذاذ فإذا شرط التبقية فقد شرط ما يقتضيه الاطلاق فجاز) .
(الشَّرْحُ) الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ الثَّانِي أَنْ يَبِيعَ الثِّمَارِ بَعْدَ(11/433)
بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَسَّمَهُ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَالتَّبْقِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ إلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ لِأَحْكَامٍ تَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَهَذَا جَائِزٌ إجْمَاعًا وَمِمَّنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُسْتَنَدُهُ أَمَّا مَفْهُومُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَشِبْهِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَإِنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهَا عِنْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَأَمَّا زَوَالُ الْحَالَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّحْرِيمِ فَيَرْجِعُ إلَى أَصْلِ حِلِّ الْبَيْعِ عِنْدَ مَنْ لَا يقول بالمفهوم وهذا لابد مِنْ الِاعْتِضَادِ بِهِ فَإِنَّ فِي التَّمَسُّكِ بِالْمَفْهُومِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بَحْثًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ المفهوم له عموم أولا قَالَ شَارِحُ الْبُرْهَانُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إنْ اسْتَنَدَ الْمَفْهُومُ إلَى طَلَبِ فَوَائِدِ التَّخْصِيصِ لَمْ يَعُمَّ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ عَمَّ وَعَزَى الْأَوَّلَ إلَى الشَّافِعِيِّ لَكِنَّا قَدَّمْنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنْ صَحَّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ اُتُّجِهَ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْخَبَرِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَلَا احْتِيَاجَ إلَى الِاعْتِضَادِ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَلْ إذَا شُرِطَ الْقَطْعُ يَجِبُ قَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَجِبُ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى التَّرْكِ جَازَ وَكَذَلِكَ يَأْتِي هَهُنَا بطريق أولى قال الامام ولاشك ان هذه يَعْنِي جَوَازَ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطَّرِدٌ فِي ابْتِيَاعِ الشَّجَرَةِ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ الْمَغْرِسِ وَابْتِيَاعُ الْبِنَاءِ كَذَلِكَ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُطْلَقًا فَيَجُوزَ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِلْخَبَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ وَبِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ الله عنه(11/434)
وَالْأَصْحَابُ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْمُشْتَرِي تَرْكُهَا إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجِبُ عَلَى
الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ وَإِطْلَاقُهُ عِنْدَنَا يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ بِالْعُرْفِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ مُطْلَقًا يُوجِبُ تَبْقِيَتَهَا إلَى أَوَانِ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ لَمْ تَكُنْ تُعَرَّضُ لِلْجَائِحَةِ والتلف وقال الحنيفة إنَّ هَذَا كَمَنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ ولم يتعرض لدراهم ولا لدنانير وكانت قميته فِي الْعُرْفِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْعُرْفُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَاقِدَ لَا يَشْتَرِيهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَمَعَ ذَلِكَ الْعَقْدُ بَاطِلٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ فِي الْعُرْفِ من أطلق الالف اتكالا على العرف يُنْسَبُ إلَى الْجَهْلِ وَمَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِبْقَاءِ وَطَمِعَ فِي الْإِبْقَاءِ لَا يُنْسَبُ إلَى الْجَهْلِ وَلَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا بِتَرْكِهِ (الْحَالَةُ الثالة) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَيَصِحَّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ تَمَسُّكًا بِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي مُقْتَضَى هذا العقد الخاص التبقية وَعَنْ الثَّانِي بِمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلِلْبَائِعِ فِيهَا مَتَاعٌ فَإِنَّهُ يَنْقُلُهُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ وَتَمَسَّكَ الْمُصَنِّفُ وَأَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ وَمَفْهُومِ الاغية فيه وقد تقدم ما في ذلك لاسيما وَأَبُو حَنِيفَةَ يُنْكِرُ مَفْهُومَ الْغَايَةِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْكَرِينَ لِلْمَفْهُومِ وَالتَّمَسُّكُ بِالْقِيَاسِ مَبْنِيٌّ عَلَى اقْتِضَاءِ الْعُرْفِ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا جَازَ بَيْعُهَا وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَنْعَ الذي كان(11/435)
قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَرْتَفِعُ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَوَاضِعِهَا فَالشَّعِيرُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ فِي سُنْبُلِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَمَرَةٍ بَارِزَةٍ كَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى أَوْ زَرْعٍ بَارِزٍ حَبُّهُ فِي غَيْرِ كِمَامٍ كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مَسْتُورًا بِقِشْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَصْلَحَتُهُ فِي بَقَائِهِ فِيهَا كَالرُّمَّانِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْأُرْزِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ قِشْرَةٌ يَتَحَفَّظُ بِغَيْرِهَا كالقطن والسمسم والعدس أو قشرتان أو كَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَالْجَوْزِ وَإِمَّا كَالْبَاقِلَّاءِ وَاللَّوْزِ وَالرُّطَبِ فَلَا يَجُوزُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْعَ الْبَاقِلَاءِ وَبَيْعَ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ شَرْحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى بِقَوْلِي إنَّ الْمَنْعَ الْأَوَّلَ ارْتَفَعَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ جَوَابٌ عَلَى تَمَسُّكِ الْخَصْمِ بالمفهوم ون قُلْنَا إنَّ لَهُ عُمُومًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي
ارْتِفَاعَ ذَلِكَ النَّهْيِ أَمَّا ارْتِفَاعُ النَّهْيِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا كَقَوْلِهِ (أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ) فَهِيَ إذَا وَضَعَتْ يَرْتَفِعُ النَّهْيُ الَّذِي لاجل النسب يبقى النَّهْيُ لِأَجْلِ الْأَذَى حَتَّى تَغْتَسِلَ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْعُ الزَّرْعِ وَحْدَهُ إنْ كَانَ بَذْرًا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَصِيلًا جَازَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ بَارِزًا كَانَ كالشعير والجاروش وَالدُّخْنِ أَوْ مُتَسَنْبِلًا فِي كِمَامٍ فَقَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنْ بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ فَإِنْ كَانَ أَخْضَرَ صَحَّ فِيهِمَا أَوْ مُشْتَدَّ الْحَبَّاتِ بَارِزًا فَكَذَلِكَ أَوْ مُسْتَتِرًا فَإِنْ أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ فِيهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ بَطَلَ هَهُنَا فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ صَحَّحْنَا فِيهِ مفردا وَلَكِنْ نُثْبِتُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فَهَهُنَا قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ.
(فَرْعٌ)
قَصَبُ السُّكْرِ صَلَاحُهُ فِي بَقَائِهِ فِي قِشْرِهِ كَالْجَوْزِ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ وَقَدْ صَرَّحَ(11/436)
الْمَاوَرْدِيُّ بِجِوَازِ بَيْعِهِ إذَا بَدَتْ فِيهِ الْحَلَاوَةُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْلَا جَوَازُ بَيْعِهِ فِي قِشْرِهِ لَمَا جَازَ بَيْعُهُ عِنْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَيَبْقَى إلَى أَوَانِ قَطْعِهِ.
(فَرْعٌ)
الْكَتَّانُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ لِأَنَّ مَا يُغْزَلُ مِنْهُ ظَاهِرٌ مَرْئِيٌّ وَالشَّاشُ فِي بَاطِنِهِ كَالنَّوَى فِي التَّمْرَ وَنَحْوِهِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالنَّوَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْبَقْلُ إذَا بِيعَ مَعَ الْأُصُولِ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يشترط القطع فان لَا يَتَعَرَّضُ لِعَاهَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَتِّ وَالْبُقُولِ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ الْقَطْعِ سَوَاءٌ كان مما يجذ مرار أو لا يجذ الامرة وَاحِدَةً غَيْرَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَا يُجَذُّ مِرَارًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَا يَجُوزُ قَلْعُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْأَصْلَ وَمَا لَمْ يُجَذَّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَجُوزُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا بَاعَ أَصْلَ الْكُرَّاثِ مَعَ الْكُرَّاثِ صَحَّ وَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَلَوْ بَاعَ الْعُرُوقَ بِدُونِ الْكُرَّاثِ لَمْ يَصِحَّ وَيَكُونُ بَيْعَ الْغَائِبِ وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ الَّتِي فِيهَا الْكُرَّاثُ أَوْ الرَّطْبَةُ فَأُصُولُهَا تَدْخُلُ في العقد كالصول الاشجار وما ظهر لايدخل وَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِجَذِّهِ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ الْقَصَبُ الفارسي وما يتكرر قطعه حكمه حكم الكراث وَالْفَرْقُ عَلَى رَأْيِ الْغَزَالِيِّ بَيْنَ الْبَقْلِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأُصُولِهِ إلَّا بِدُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَبَيْنَ
الْبِطِّيخِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ أُصُولِهِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ أُصُولِ الْبِطِّيخِ هُوَ الَّذِي تَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ دُونَ مَا بَطَنَ مِنْ عُرُوقِهِ وَلِهَذَا إذَا قُطِعَ الظَّاهِرُ لَمْ يُخَلِّفْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْآفَةُ مُتَعَرِّضَةٌ لما(11/437)
* ظَهَرَ مِنْ أُصُولِهِ كَتَعَرُّضِهَا لِنَفْسِ الْبِطِّيخِ وَلِهَذَا يؤثر فيها الحر والصقيع ونحوها كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْبِطِّيخِ فَلِذَلِكَ اسْتَوَيَا فِي الحم وَلَا كَذَلِكَ مَا يُخَلِّفُ مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ الَّذِي فِي الْأَرْضِ وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ تِلْكَ الْآفَاتِ الَّتِي تُخْشَى عَلَى أُصُولِ الْبِطِّيخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ بِيعَ الْبَقْلُ دُونَ الْأُصُولِ قَالَ الْغَزَالِيُّ يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ يَعْنِي لان العرف يقتضيه ولايحتاج إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَإِنَّ الْعُرْفَ فِيهِ الْإِبْقَاءُ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَطْعُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ رَأَى التَّسْوِيَةَ فِي ذَلِكَ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي كَلَامِهِ بِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي يُجَذُّ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ انْتَهَى جَازَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
(فَرْعٌ)
فَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مَعَ الْأُصُولِ وَالزَّرْعَ بَعْدَ أَنْ اشْتَدَّ حَبُّهُ مَعَ الْأَرْضِ نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ ظَاهِرَةً أَوْ كَانَ الزَّرْعُ كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَنَحْوِهَا وَالْقُطْنِ إذَا ظَهَرَ جَمِيعُهُ جَازَ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مُشَاهَدٌ وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ فِي قِشْرِهِ وَكَانَ الْحَبُّ غَيْرَ ظَاهِرٍ كَالْحِنْطَةِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَمَا أَشْبَهَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ بَيْعُهَا مُفْرَدًا جَازَ مَعَ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجُوزُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِيهَا لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَجْهُولٌ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الشَّجَرَةِ وَالْأَرْضِ يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تُفَرَّقُ أَوْ تُفَرَّقُ ولكن يجوز بالقسط بطل في الجميع (وَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ بِكُلِّ الثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَمْسِكَ الْأَصْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ مَا دَفَعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا التَّفْصِيلُ كُلُّهُ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ.(11/438)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَافَقَنَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ فَأَشْبَهَ اشْتِرَاطَ تَرْكِ الْقُمَاشِ فِي الدَّارِ
(قُلْنَا) الشَّجَرَةُ لَا تؤجر ولا أجرة لها بخلاف الدار.
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ أَنْ يَطِيبَ أَكْلُهَا فان كان رطبا بان يحمر أو يصفر وإن كان عنبا أسود بان يتموه وإن كان أبيض بأن يرق ويحلو وان كان زرعا بان يشتد وان كان بطيخا بأن يبدو فيه النضج وان كان قثاء بأن يكبر بحيث يؤخذ ويؤكل والدليل عليه ماروى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (نهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى بسود وعن الثمرة حتى تزهي) (وروى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْي عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تطعم)) .
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَرِ النَّخْلِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْهُ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا يَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْجَمِيعَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ قَدَّمَ ذِكْرَ الثَّمَرَةِ عَلَى الْحَبِّ وَالْعِنَبِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَفْظُهُمَا عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطِيبَ وَعِنْدَهُمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشْقَحَ فَقِيلَ وَمَا تُشْقَحُ قَالَ تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْهَا) وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ (وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُطْعَمَ) كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فإذا أردت عز وحديث جَابِرٍ الَّذِي فِي الْكِتَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قُلْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ يَتَمَوَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي(11/439)
عَصْرُونٍ يَدُورُ فِيهَا الْمَاءُ الْحُلْوُ وَيَصْفُو لَوْنُهَا وَقَوْلُهُ يَشْتَدُّ أَيْ يَصْلُبُ وَيَقْوَى وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ حَتَّى يُطْعِمَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَبَطَهُ ابْنُ الْبَدْرِيِّ أَنَّهُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ أَيْضًا وَهِيَ خَطَأٌ قَالَ مَعْنَاهُ حَتَّى تَصِيرَ طُعْمًا وَقِيلَ تَبْلُغُ حِينَ تُطْعَمُ وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ) وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ لِأَنَّ وَقْتَ اشْتِدَادِهِ وَقْتُ مَبَادِي بَيَاضِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرِ بِطُلُوعِ الثُّرَيَّا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ أَنْ يُوجَدَ فِي الثَّمَرَةِ مَا يُؤْكَلُ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّ بُدُوَّ
الصَّلَاحِ بِقُوَّةِ الثَّمَرَةِ وَاشْتِدَادِهَا وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ مُحَقَّقٍ يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَكَانَ ابْنُ عمر نما أَطْلَقَ طُلُوعَ الثُّرَيَّا لِأَنَّهُ أَوَانُ طِيبِ الثَّمَرَةِ غَالِبًا عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَبَايُنُ الْأَلْفَاظِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ اخْتِلَافٍ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ يَرْجِعُ إلَى تَغَيُّرِ صِفَةٍ فِي الثَّمَرَةِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ وَهُوَ عَلَى اختلافه راجع إلى شئ وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ طِيبُ الْأَكْلِ وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ اعْتَبَرَ الِاشْتِدَادَ فِي الْحَبِّ وَالِاسْوِدَادَ فِي الْعِنَبِ وَالزَّهْوَ فِي الثَّمَرَةِ وَحَدِيثَ جَابِرٍ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الطَّعْمِ فِي الثَّمَرَةِ وَهِيَ تَشْمَلُ الْعِنَبَ وَغَيْرَهُ فَيَكُونُ اعْتِبَارَ الِاسْوِدَادِ وَشَبَهِهِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلطَّعْمِ لَا لِعَيْنِهِ فَلِذَلِكَ(11/440)
قَالَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى تَطِيبَ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَا يَصِحُّ ضَبْطُهُ بِطُلُوعِ الثُّرَيَّا لِأَنَّ مِنْ الْبِلَادِ مَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرِ أَوْ يَتَقَدَّمُ بَلْ الْبَلَدُ الْوَاحِدُ قَدْ يَتَعَجَّلُ فِي عَامٍ لِاشْتِدَادِ الْحَرِّ وَدَوَامِهِ وَيَتَأَخَّرُ فِي آخَرَ لِاشْتِدَادِ الْبَرْدِ وَدَوَامِهِ وَطُلُوعُ الثُّرَيَّا لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّهَا تَطْلُعُ بَعْدَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ بشنس قالوا وكذلك اعتباره بالا كل لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ثِمَارَ النَّخْلِ تُؤْكَلُ طَلْعًا وبلحا والكرم يؤكل حصر ما وليس ذلك صلا حاله وَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ بِالْقُوَّةِ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ صَلَاحِهَا وَإِذَا صَلُحَتْ لَانَتْ وَنَضِجَتْ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى اخْتِلَافِ بدو الصلاح في اجناس الثمار بقوله.
وللحرير نُضْجٌ كَنُضْجِ الرُّطَبِ فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ فِيهِ حل بيع حريره.
وَالْقِثَّاءُ تُؤْكَلُ صِغَارًا طَيِّبًا فَبُدُوِّ صَلَاحِهِ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ أَوْ عِظَمُ بَعْضِهِ (وَاعْتَرَضَ) عَلَيْهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ أَنْ يعلمنا أنه يحب القصاء فَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ أَوْ أَنْ يُعْلِمَنَا المحسوسات ولايجوز أَنْ يُعْلِمَ النَّاسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ ضَرُورَةً (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَصَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا طَعْمُهُ فِي الِابْتِدَاءِ مُخَالِفٌ لِمَا يَكُونُ فِي النِّهَايَةِ وَأَنَّ الْقِثَّاءَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي ابْتِدَائِهِ وَصِغَرِهِ طَعْمُهُ كَطَعْمِهِ فِي حَالِ كِبَرِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الثِّمَارِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي ابْتِدَائِهَا حَامِضَةً أَوْ مُرَّةً ثم تصير حلو وأكثر الاصحاب ل يذكروا البدو الصَّلَاحِ ضَابِطًا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ بَلْ جَعَلُوهُ مُخْتَلِفًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وجلمة الثِّمَارِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا يَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ بِاللَّوْنِ وَذَلِكَ فِي النَّخْلِ بالاحمرار والاصفرار وفي الكرم
بالحمرة أالسواد أو الصفاء وَالْبَيَاضِ (وَأَمَّا) الْفَوَاكِهُ الْمُتَلَوِّنَةُ (فَمِنْهَا) مَا يَكُونُ صَلَاحُهُ بِالصُّفْرَةِ كَالْمِشْمِشِ (وَمِنْهَا)(11/441)
مَا يَكُونُ بِالْبَيَاضِ كَالتُّفَّاحِ (قُلْت) وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا يَتَلَوَّنُ عِنْدَ الْإِدْرَاكِ بِلَوْنٍ يُخَالِفُ اللَّوْنَ السَّابِقَ وَجَعَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَوْعًا مِنْ التُّفَّاحِ يَكُونُ أَخْضَرَ فِي حَالِ كَمَالِهِ كَمَا يَكُونُ فِي صِغَرِهِ قَالَ فَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ بِطِيبِ طَعْمِهِ وَحَلَاوَتِهِ وَكَذَلِكَ جَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْعِنَبَ الْأَبْيَضَ وَمَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِالطَّعْمِ فَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْحَلَاوَةِ كَقَصَبِ السُّكَّرِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْحُمُوضَةِ كَالرُّمَّانِ فَإِذَا زَالَتْ الْمَرَارَةُ بِالْحُمُوضَةِ أَوْ الْحَلَاوَةُ فَقَدْ بَدَا صَلَاحُهُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا بدو صلاحه بالنضج كلنين والبطبخ فإذا لانت صلاحبته بَدَا صَلَاحُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ طيب أو الحلاوة العبارات الثَّلَاثُ مُتَقَارِبَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي البطيخ الخيار والباذنجان حكمهما حم البطيخ الا في شئ واد وَهُوَ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِيهِمَا لَيْسَ أَنْ يكبر ويتناهي لانهما لا يؤكلان في تبلك الْحَالَةِ وَلَكِنْ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْحَدِّ الَّذِي يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِذَا كَانَ فِي جُمْلَةِ الصَّفْقَةِ وَاحِدَةٌ قَدْ بَلَغَتْ الْحَدَّ فَهُوَ وَقْتُ إبَاحَةِ بَيْعِهِ (الرابع) ما بدا صَلَاحِهِ بِالْقُوَّةِ وَالِاشْتِدَادِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَإِذَا بَدَتْ قوته واشتد بدا صلاحه (الخامس) ما بدا صلاحه بالطول والامتلاء كالعلف والبقول القصب فَإِذَا تَنَاهَى طُولُهُ وَامْتِلَاؤُهُ إلَى الْحَدِّ الَّذِي يُجَذُّ عَلَيْهِ بَدَا صَلَاحُهُ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وسنذكر في آخر الكلام في عا عَنْ الْإِمَامِ فِي الْقُرْطِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْبُقُولِ يُخَالِفُ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْلَى لِمَا سَنَذْكُرُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي إجَازَتِهِ بَيْعَ الْبُقُولِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ تابع للصميمرى وقال ابن الرفعة متعذرا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ إنَّ(11/442)
الْقَصَبَ إذَا انْتَهَى إلَى تِلْكَ الْحَالِ لَا يَبْقَى عُرْفًا بَلْ الْعُرْفُ قَطْعُهُ فَاكْتَفَى بِهِ كما اكتفى به في التبيقة فِي الثَّمَرَةِ لِعَدَمٍ (1) وَهَذَا الِاعْتِذَارُ يَقْتَضِي أَنَّ القطع واجب وانا يُتْرَكُ شَرْطُهُ اكْتِفَاءً بِالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ انْتَهَى بَعْضُهُ إلَى هَذَا الْحَالِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَاسْتَحَقَّ التَّبْقِيَةَ فِي الْبَاقِي إلَى أَوَانِ قَطْعِهِ (السَّادِسُ) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِالْعِظَمِ والكبر كالفثاء وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ (السَّابِعُ) مَا بُدُوُّ
صَلَاحِهِ بِانْشِقَاقِ كِمَامِهِ كَالْقُطْنِ وَالْجَوْزِ فَإِذَا تَشَقَّقَ جَوْزُ الْقُطْنِ وَسَقَطَتْ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا عَنْ جَوْزِ الْأَكْلِ بَدَا صَلَاحُهُ وَمَقْصُودُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا تشقق بعضه جاز بيع المشقق مِنْهُ وَغَيْرِ الْمُشَقِّقِ إذَا نَظَمَهُمَا الْعَقْدُ وَغَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ قَبْلَ التَّشَقُّقِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِانْتِشَارِهِ وَإِنَّمَا سَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ (الثاني) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِانْفِتَاحِهِ وَانْتِشَارِهِ كَالْوَرْدِ وَالنَّيْلُوفَرِ فإذا تفتح المنضم منه واتشر فَقَدْ بَدَا صَلَاحُهُ وَوَرَقُ التُّوتِ بُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَصِيرَ كَأَرْجُلِ الْبَطِّ هَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَنْ تَنْتَهِيَ الثَّمَرَةُ أَوْ بَعْضُهَا إلَى أَدْنَى أَحْوَالِ كما لها هَكَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا مَا فِي ضِمْنِهِ مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا نَقَلَهُ فِي وَرَقِ التُّوتِ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ بَيْعَ أَوْرَاقِ الْفِرْصَادِ قَبْلَ تَنَاهِيهَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَلِذَلِكَ رَأَى الرَّافِعِيُّ أَنْ يَضْبِطَ حَالَةَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِصَيْرُورَتِهَا إلَى الصِّفَةِ الَّتِي تُطْلَبُ غَالِبًا لِكَوْنِهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلضَّابِطِ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ أَسْلَمُ مِنْ ضَابِطِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الْكَمَالَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الرِّبَا لَيْسَ مُرَادًا هَهُنَا وَاعْتِبَارُ الْمَاوَرْدِيُّ أَدْنَى الْأَحْوَالِ أحسن
__________
(1) بياض بالاصل(11/443)
مِنْ عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَكُونُ الصِّفَةُ المقصودة منه قالبا نِهَايَةَ تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ وَسَطَهَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا أَوَّلُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ هَذَا اللَّفْظُ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ لِيَصِيرَ الضابط أو وضح مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ بِدُونِهَا فَإِنَّ اللَّفْظَ مُنَزَّلٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي جَامِعِهِ قَدْ قِيلَ وَرَقُ التُّوتِ يُبَاعُ إذَا خَرَجَ مِنْ كِمَامِهِ وَبِهِ يَبْدُو صَلَاحُهُ ثُمَّ نَقَلَ قَوْلَ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ أَنْ يَطِيبَ أَكْلُهَا غَيْرُ شَامِلٍ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَرَقِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ مُصَرِّحٌ بِاعْتِبَارِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الْحِنَّاءِ وَالْكُرْسُفِ وَالْقَصَبِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَرِدُ عَلَيْهِ الْقِثَّاءُ وَنَحْوُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ ابْتِدَاءُ أَكْلِهِ الْمُعْتَادِ (فَإِنْ قِيلَ) الْبُسْرُ لَيْسَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُؤْكَلَ فِي أَوَّلِ احْمِرَارِهِ أَوْ اصْفِرَارِهِ بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى تَنَاهِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ أَنْ يَحْمَرَّ وَيَصْفَرَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَيْنَ الْإِدْرَاكِ وَأَوَانِ الْقِطَافِ
قَرِيبٌ مِنْ شَهْرَيْنِ يَعْنِي فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْغَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ فِي الطِّيبِ (فَالْجَوَابُ) مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ مَا الَّذِي أَوْجَبَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقِثَّاءِ وَالثِّمَارِ وَأَجَابَ بِأَنْ لافرق فَإِنَّ الزَّهْوَ إذَا ابْتَدَأَ النَّاسُ فِي الْأَكْلِ وَقَدْ يَعْقُبُ تَأَخُّرَ الْمَطْعَمِ إلَى تَمَامِ الْإِدْرَاكِ كَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْقِثَّاءِ فَإِنَّ الصِّغَارَ مِنْهُ تُبْتَدَرُ وَلَكِنَّ عُمُومَ الْأَكْلِ يَتَأَخَّرُ وَاَلَّذِي يَتَنَاهَى صِغَرُهُ لَا يُؤْكَلُ قَصْدًا إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى شُذُوذٍ فَرَجَعَ الْحَاصِلُ إلَى طِيبِ الْأَكْلِ وَابْتِدَاءِ الِاعْتِيَادِ فِيهِ فَعَلَامَةُ ذَلِكَ فِي الْمُتَلَوِّنَاتِ التَّلَوُّنُ إلَى جِهَةِ الْإِدْرَاكِ وَفِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ الْقُوَّةُ وَجَرَيَانُ الْحَلَاوَةِ فَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ أَصْلًا كَالْقِثَّاءِ فِي حَالِ تَنَاهِي صِغَرِهِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ والذي(11/444)
يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ بَدَا صَلَاحُهُ وَلِلْأَكْلِ فِي الْعَادَةِ مَرَاتِبُ ابْتِدَاءٌ وَوَسَطٌ وَانْتِهَاءٌ وَالْمُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْبُسْرِ بِالِاحْمِرَارِ دُونَ الْقِثَّاءِ في صغره وداخال الْمُصَنِّفِ الزَّرْعَ فِي أَصْنَافِ الثَّمَرِ يَشْهَدُ لَهُ قوله اللَّهِ تَعَالَى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حقه يوم حصاده) وكل ما ذكره الْمُصَنِّفُ وَاضِحٌ مِمَّا ذَكَرْتُهُ إلَّا قَوْلَهُ إنَّ صَلَاحَ الْعِنَبِ الْأَسْوَدِ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَاَلَّذِي حَكَيْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ صَلَاحَ الْعِنَبِ الْأَسْوَدِ بِاسْوِدَادِهِ وَفِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي الْكَرْمِ بِالتَّمَوُّهِ إلَى الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقِثَّاءِ حَيْثُ يُؤْخَذُ وَيُؤْكَلُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ إمْكَانَ الْأَكْلِ مَوْجُودٌ فِيهِ مِنْ قَبْلُ وَلَكِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ للا كل فِي الْعَادَةِ وَفِي مَعْنَى الْقِثَّاءِ الْخِيَارُ وَالْبَاذِنْجَانُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَفِي الرُّمَّانِ بِالْحُمُوضَةِ أَوْ الْحَلَاوَةِ وَزَوَالِ الْمَرَارَةِ وَفِي الْوَرْدِ الِانْفِتَاحُ وَالِانْتِشَارُ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ أَوْرَاقَ الْفِرْصَادِ مَعَ الْأَغْصَانِ فَإِنْ بَلَغَ نِهَايَتَهُ جَازَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَقَاطِعُ مَعْلُومَةً فذاك والا بان يترك على الشحر سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْقَطْعِ وَيُعَلِّمْ عَلَيْهِ عَلَامَةً وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْأَوْرَاقَ وَحْدَهَا قَبْلَ نِهَايَتِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَكِنْ لَا تُقْطَعُ الْأَغْصَانُ مَعَهَا قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذا بدا صلاح ما خرج ما الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ وَوَجَبَ إفْرَادُ الْعَقْدِ بِالْمَوْجُودِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ لِأَنَّ(11/445)
الْحَادِثَ يَخْتَلِطُ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى بَيْعِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ تَبَعًا وَهِيَ دَعْوَى مَمْنُوعَةٌ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَطَرِيقُ تَحْصِيلِ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ هَذَا الشَّجَرَ مَعَ ثَمَرَتِهِ وَبِدُونِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَيَسْتَأْجِرَ مِنْهُ الْأَرْضَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَلَا يَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ بِالْقَطْعِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنه ولا يجوز ان يستثني من الثَّمَرَةَ مُدًّا وَقَسَمَ الْأَصْحَابُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْبَيْعِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعْلُومًا وَالْمَبِيعُ بَعْدَهُ مَعْلُومًا وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ مشاع ومحرز فالمحرز بعنك ثَمَرَةَ هَذِهِ الْحَائِطِ إلَّا ثَمَرَةَ هَذِهِ النَّخَلَاتِ الْعَشْرِ بِعَيْنِهَا فَهَذَا جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمَشَاعُ بِعْتُكَ ثمرة هذه الحائط الاربعها صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمَبِيعُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا مَشَاعًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ عَلَى شَرْطِ الشَّرِكَةِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَجْهُولًا والمبيع بعده مجهولا وهو ضربان مشاع ومخدود فالمشاع كقوله بعنك هذا الثمرة الاقوت سَنَتِي أَوْ قُوتَ غِلْمَانِي بَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَمَا ورد من ذلك على ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا وَالْمُحَدَّدُ كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ إلَّا عَشْرَ نَخَلَاتٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ قدر ثالث الثَّمَرَةِ فَمَا دُونَ جَازَ وَكَانَ لَهُ عَشْرُ نخلات وسط (والقسم الثالث) ان يكون الاستثاء مَعْلُومًا وَالْمَبِيعُ بَعْدَهُ مَجْهُولًا كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ الثَّمَرَةَ إلَّا صَاعًا مِنْهَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ مَالِكٌ جَائِزٌ (وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَجْهُولًا وَالْمَبِيعُ مَعْلُومًا كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الثَّمَرَةِ مِائَةَ صَاعٍ وَالْبَاقِي لِي فَإِنْ عَلِمَا أَنَّ فِيهَا مِائَةَ صَاعٍ فَصَاعِدًا صَحَّ إنْ أَمْكَنَ كَيْلُ الثَّمَرَةِ وَبَطَلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْ كَيْلُهَا وَلَا يَصِحُّ الْخَرْصُ فِيهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْخَرْصِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ(11/446)
تَخْمِينٌ وَحَدْسٌ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الْمَسَاكِينَ لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ فِي الْعَرَايَا أَنَّهُ لا يختص بامساكين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ مِائَةَ صَاعٍ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِلْجَهْلِ بِوُجُودِ الْمَبِيعِ فَلَوْ كِيلَتْ مِنْ بَعْدُ فَكَانَتْ مِائَةَ صَاعٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بَعْدَ فساده قال ذلك المارودى وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ الْفَرْعَ وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبُوا هَذِهِ الْأَقْسَامَ مَبْسُوطَةً كَاسْتِيعَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ ثَمَرَةَ حَائِطٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا مِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ
يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا لِأَنَّ مَا يَخُصُّ أَلْفًا مِنْهَا هُوَ رُبُعُ الثَّمَرَةِ فَإِنْ قَالَ إلَّا مَا يَخُصُّ قِيمَةَ أَلْفٍ مِنْهَا بِسِعْرِ الْيَوْمِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ هَكَذَا فَرَضَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْمَسْأَلَةَ وَهُوَ غير ظاهر وقال الْمَاوَرْدِيُّ فِيهَا إنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِسِعْرِ مَا بَاعَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِهِ لَمْ يَجُزْ وَمُرَادُهُ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَكَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ أَبْيَنُ وَأَحْسَنُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ إلَّا مَكُّوكًا جاز لانهما معلومان قاله الرويانى.
(فرع)
قالف بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا النَّخْلِ إلَّا النَّوْعَ الْمَعْقِلِيَّ فان شاهد المعقلى المستثني وعلم قدره صتح البيع وان جهلاه فسد قاله المارودى.
(فَرْعٌ)
بَاعَ شَاهً وَاسْتَثْنَى سَوَاقِطَهَا قَالَ فِي الصرف لا يصح وكذا إذَا قَالَ إلَّا رَأْسَهَا وَيَدَيْهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ لِمُسَافِرٍ أَوْ لِحَاضِرٍ أَوْ يَكُونَا حَاضِرَيْنِ أَوْ مُسَافِرَيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ يَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.(11/447)
(فرع)
باع قطنا واستثنى حبه أوسمسما وَاسْتَثْنَى كُسْبَهُ أَوْ شَاةً وَاسْتَثْنَى جِلْدَهَا كَانَ الْبَيْعُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فرع)
بيع الثمرة وفيها قدر مذكور في (1) وَلَكِنْ يُذْكَرُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَكَانِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الثَّمَرَةَ إلَّا مِقْدَارَ الزَّكَاةِ يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ نَذْكُرَ قَدْرَ الزَّكَاةِ فِي الْبَيْعِ أَهُوَ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْتَفَى بِالْعِلْمِ بِهِ شَرْعًا عَنْ ذِكْرِهِ وَرَدَّهُ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يدفع قدر الزكاة من غير بلك الثَّمَرَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحِلُّ مَحَلَّ الْبَائِعِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ رُطَبًا فَفِيمَا يُطْلَبُ بِهِ مِنْ حَقِّ الزَّكَاةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْعُشْرُ تَمْرًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجْبُرُ لَهُ دَفْعُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ ضَمَانًا لِعُشْرِهَا تَمْرًا
(وَالثَّانِي)
يُطَالَبُ بِقِيمَةِ عُشْرِهَا رُطَبًا عَلَى الْوَجْهِ الذى يمنع الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا إنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ عُشْرِهَا رُطَبًا عَنْ قِيمَةِ عُشْرِهَا تَمْرًا فَفِي الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ يُفْصَلُ مَا بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ
فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُرْجَعُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ لِزَوَالِ يَدِهِ عَنْ عَيْنٍ قَالَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا أَمَرَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
الزَّرْعُ الَّذِي يُخَلِّفُ كَالْقُرْطِ وَمَا فِي معناه من البقول يكون متزايدا أبدا لاوقوف لَهُ فَإِذَا بِيعَ مِنْهُ جَذَّةٌ فَلَا بُدَّ من الْقَطْعِ وَلَا يُنْظَرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ إلَى ما يقع في زمن العاهات دون
__________
(1) بياض بالاصل(11/448)
وَلَا إلَى طِيبِ الْأَكْلِ لِأَجْلِ الِاخْتِلَاطِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ مَا يُخَالِفُهُ وقول الامام انها لا تزال لتزايده يُمْنَعُ فَإِنْ فَرَضَ كَذَلِكَ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ الَّذِي يُعْلَمُ اخْتِلَاطُهَا.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ الَّذِي لَا يُخَلِّفُ إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصلاح وإما قبله شرط القطع وقد ضننث تَبْقِيَتَهُ إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَإِمَّا قَبْلَهُ بِاتِّفَاقِهِمَا فَالزِّيَادَةُ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الزَّرْعِ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ كَنُمُوِّ الثَّمَرَةِ إلَى وَقْتِ اتِّفَاقِ الْقَطْعِ وَلَيْسَتْ كَزِيَادَةِ الزَّرْعِ الْمُخَلِّفِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَالزَّرْعُ الَّذِي لَا يُخَلِّفُ لَوْ قُطِعَ يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي ظَاهِرَهُ وَعُرُوقَهُ الْمُسْتَتِرَةَ بِالْأَرْضِ قَالَهُ الْإِمَامُ (قُلْتُ) فيجئ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حُصِدَ وَكَانَتْ عُرُوقُهُ تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَالذُّرَةِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُهَا وَتَسْوِيَةُ الْحُفَرِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ إذَا اشْتَرَى الْأَرْضَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ لَمْ يَجِبْ كما تقدم أيضا وسنذكر في مسألتة اخْتِلَاطِ الرَّطْبَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ مَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ هُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى
.
(فان وجديد والصلاح في بعض الجنس من حائط جاز بيع الجنس كله في ذلك الحائط لانا لو قلنا لا يجوز(11/449)
الافيما بدا صلاحه فيه أدى إلى المشقة والضرر بسوء المشاركة وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ فيه الصلاح من جنس آخر ولا ما لم يبد فيه الصلاح في ذلك الجنس من حائط آخر لان المنع من ذلك لا يؤدي إلى الضرر بسوء المشاركة فان بدا الصلاح في بعض الجنس في حائط فباع منه ما لم يبد فيه الصلاح
مفردا من غير شرط القطع ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز لانا جعلناه في حكم ما بدا فيه الصلاح فجاز افراده بالبيع (والثاني) لا يجوز لانه انما جعل في حكم ما بدا فيه الصلاح تبعا لما بدا فيه الصلاح وما أجيز بيعه تبعا لغيره لم بجز افراده بالبيع كالحمل) .
(الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ ثَلَاثُ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الثَّمَرَةِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بان الثمار لاتطيب دَفْعَةً وَاحِدَةً رِفْقًا بِالْعِبَادِ فَإِنَّهَا لَوْ طَابَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يَكْمُلْ تَفَكُّهُهُمْ بِهَا وَإِنَّمَا تَطِيبُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَوْ اُشْتُرِطَ فِي كُلِّ مَا يُبَاعُ طِيبُهُ فِي نَفْسِهِ لَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَإِنَّ الْعَذْقَ الْوَاحِدَ يَطِيبُ بَعْضُهُ دُونَ بعض وإلى ان الاخير بتساقط الْأَوَّلُ فَكَانَ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يُبَاعَ وَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ حَبَّةً حَبَّةً وَفِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السمحة) وذكر(11/450)
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْحَائِطِ تَكُونُ فِيهِ النَّخْلَةُ فَتُزْهِي والحائط بلخ قال حسبه إذا كل منه فلبيع ولا أعلم؟ ؟ العلماء خلافا في انه لاشتراط الصَّلَاحُ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مقدار ما يضبطونه به ومذهبنا ان يَكْفِي بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ فِي بُسْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ غَيْرَ النَّخْلِ مِنْ الشَّجَرِ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّخْلِ.
إذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الثَّمَرَةِ دُونَ بَعْضٍ نُظِرَ إنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَمْ يَكُنْ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ صَلَاحًا فِي الْجِنْسِ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي الْجِنْسِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ فِيهِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَجُوزُ وَيَكُونُ ذَلِكَ صَلَاحًا لِجَمِيعِ أَجْنَاسِ الثِّمَارِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ.
وان اتجد الْجِنْسُ وَالنَّوْعُ وَالْبُسْتَانُ وَالصَّفْقَةُ وَالْمِلْكُ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اختلف شئ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَفِيهِ صُوَرٌ (الْأُولَى) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ كَالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ فَيَبِيعَ النَّوْعَ الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ وَالنَّوْعَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ جِنْسِهِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ كَالْوَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ فِي التَّأْبِيرِ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ التَّبَعِيَّةُ وَأَنَّ حُكْمَهُ وَحُكْمَ التَّأْبِيرِ(11/451)
وَاحِدٌ وَذَلِكَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْهُمَا وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَا حَكَاهُ أَحْمَدُ بْنُ بُشْرَى عَنْ الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ إذَا كَانَ فِي حَائِطٍ بَرْنِيُّ وَعَجْوَةٌ وصيحاني فبدا صلاح جنس جَازَ بَيْعُ الْجَمِيعِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فِي الصَّرْفِ فان كان نخلا وعنبا أو غيره وبد اصلاح صِنْفٍ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِحَالِهِ فَلَا يُنَافِيهِ فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا يُفْرِدَهُ بِالْبَيْعِ وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَ الْأَصْنَافَ جملة فهذا النَّصُّ الْمَنْقُولُ عَنْ الْإِمْلَاءِ صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ إنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي الْجَامِعِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ أَنَّ الصَّلَاحَ إذَا بَدَا في الثمرة الصينية فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بُدُوًّا لَهُ فِي الثَّمَرَةِ الشَّتْوِيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي النَّوْعَيْنِ مِثْلُهُ سَوَاءٌ (قُلْتُ) ولا حجة في هذان لِأَنَّ الثَّمَرَةَ الشَّتْوِيَّةَ وَالصَّيْفِيَّةَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْوَقْتِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا بَعِيدًا وَالنَّوْعَانِ مِنْ الثَّمَرَةِ الْوَاحِدَةِ متقاربان غالبا نهم إنْ فُرِضَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا شَتْوِيٌّ وَالْآخَرُ صَيْفِيٌّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّا إنَّمَا نَعْتَبِرُ بُدُوَّ الصَّلَاحِ لِكَوْنِهِ وَقْتًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِيهِ أَمْنُهَا من العاهة ولاشك أَنَّ بَيْنَ صَلَاحِ الشِّتْوِيَّةِ وَالصَّيْفِيَّةِ مِنْ الزَّمَانِ مالا(11/452)
يُوثَقُ بِذَلِكَ فِيهِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَالَهُ قَالَ وَصَلَاحُ الثَّمَرَةِ إذَا احْمَرَّتْ أَوْ اصْفَرَّتْ فِي الْحَائِطِ نَخْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ شِتْوِيًّا وَبَعْضُهُ صَيْفِيًّا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حياله وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى الْجِنْسَيْنِ فَبَعِيدٌ وَإِذَا كَانَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَلَا وَجْهَ حِينَئِذٍ بِأَنْ يُقَالَ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ تَابِعٌ لِبَعْضٍ وَإِنْ كان بعضها شتويا وبعضها صيفيا لمختلفة نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ شَاهِدٌ لِأَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ يُؤَثِّرُ فِي قَطْعِ التَّبَعِيَّةِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُفَرَّقُ فِي الْأَنْوَاعِ بَيْنَ مَا يَتَقَارَبُ إدْرَاكُهَا فَيُحْكَمُ فِيهَا بِالتَّبَعِيَّةِ وَبَيْنَ مَا يَتَأَخَّرُ فَلَا يُحْكَمُ بَلْ لَا يُنْظَرُ إلَى اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ بَلْ إلَى تَفَاوُتِ الزَّمَانِ حَتَّى لَوْ كَانَ نَوْعٌ وَاحِدٌ مَعْقِلِيٌّ مَثَلًا مِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الصَّيْفِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ لَا يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ فِي الصَّلَاحِ فَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ
الْمَذْكُورِ وَالْمَعْنَى وَالْفِقْهُ يَقْتَضِيهِ كَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا الْأَمْنَ مِنْ الْعَاهَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَنْوَاعِ لَا أثر له وان اختلف الزمن مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِلْحَاقُهُ بِالتَّأْبِيرِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِاخْتِلَافِ الْمُدْرَكِ فِي التَّأْبِيرِ وَالْقَوْلُ بان اختلاف الانواع مؤبر مُطْلَقًا مُخَالِفٌ لِنَصِّهِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِمْلَاءِ وَهَذَا الَّذِي قُلْتُهُ يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا ثَالِثًا وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ النُّصُوصِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيُمْكِنُ(11/453)
أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّيْفِيِّ وَالشِّتْوِيِّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَدْفَعُهُ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَإِذَا كَانَ في البستان جنسان يتباعد ادراكهما كالصبفي والشتوى وبدا صلاح السبقي لَا يَتْبَعُهُ الشِّتْوِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ اخْتَارَ فِيمَا إذَا أُبِّرَ بَعْضُ الْأَنْوَاعِ دُونَ بَعْضٍ أَنَّ غَيْرَ المؤبر لايتبع الْمُؤَبَّرَ وَاخْتَارَ أَنَّ النَّوْعَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ يَتْبَعُ الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَدْ قَدَّمْتُ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّأْبِيرِ وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاخْتِلَافِ مَأْخَذَيْهِمَا فَلِذَلِكَ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي مَسْأَلَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ تُضَمُّ إل مَا بَدَا صَلَاحُهُ فِي الزَّكَاةِ فَمَتَى وُجِدَ مِنْهَا وَسْقَانِ وَنِصْفٌ وَمِنْ هَذِهِ الَّتِي بَدَا صَلَاحُهَا وَسْقَانِ وَنِصْفٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ يُنْتَقَضُ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الثَّمَرَةِ الشِّتْوِيَّةِ مَعَ الصيفية فانها لاتتبعها فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَإِنْ كَانَتْ تُضَمُّ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ فَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى يقتضي أنه لافرق بين أن يختلف النوع أولا ولا فرق بين أن يختلف الزمان أولا وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ فِيهِ الصَّلَاحُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ قَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَأَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ خَالَفَ فِيهِ وَرَدُّوا عليه بأنه(11/454)
يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يَسْوَدَّ وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ البستان كما إذا بدل الصلاح في جنس في بُسْتَانٌ آخَرُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لَمْ يَبْدُ فِيهِ الصَّلَاحُ فَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَأَنَّ صَلَاحَ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ صَلَاحًا لِلْآخَرِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمِيعُ الْعِرَاقِيِّينَ وَمَالَ الْإِمَامُ إلَى خِلَافِ مَا قَالُوهُ
سِيَّمَا إذَا لَمْ يَتَبَاعَدْ وليس بينهما الاجدار وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَثْبَتَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ أَخْذًا مِنْ تَفَقُّهِ الْإِمَامِ وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ نص الشافعي يشهد لما قاله العرقيون فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ وَالْحَوَائِطُ تَخْتَلِفُ بِتِهَامَةَ وجد وَالسَّقِيفِ فَيَسْتَأْخِرُ إبَارُ كُلِّ بَلَدٍ بِقَدْرِ حَرِّهَا وَبَرْدِهَا وَمَا قَدَّرَ اللَّهُ مِنْ إبَانِهَا فَمَنْ بَاعَ حَائِطًا مِنْهَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَثَمَرَتُهُ لِلْمُبْتَاعِ وَإِنْ أُبِّرَ غَيْرُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِهِ لَا بغيره ولذلك لا يباع منها شئ حتى يبدو صلاحه وان بد اصلاح غيره وسواء كان نخل المؤجل قليلا أم كثيرا إذا كان في خطار واحدة وبقعة واحدة في غير خطار فبد اصلاح وَاحِدَةٍ مِنْهُ حَلَّ بَيْعُهُ وَلَوْ كَانَ إلَى جَنْبِهِ حَائِطٌ آخَرُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَبَدَا صلاح حائط غيره الذي هوالى جَنْبِهِ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِ حَائِطِهِ بِحُلُولِ بَيْعِ الَّذِي إلَى جَنْبِهِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ صَرِيحٌ بِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ إذَا اخْتَلَفَ الْبُسْتَانُ وَالْمِلْكُ وَظَاهِرٌ فِي عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْبُسْتَانِ وَحْدَهُ وَإِنْ(11/455)
كَانَ قَدْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ حَائِطُ غَيْرِهِ ففي كلامه المذكور موضع تُرْشِدُ إلَى اطِّرَادِ الْحُكْمِ فِي حَائِطِهِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ فَبَاعَهَا فَيَجِبُ اشتراعها فَيَجِبُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَإِنْ بَاعَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَفِي الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَأَمَّا إذَا أَفْرَدَ الْبُسْتَانَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِالْبَيْعِ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي الَّذِي إلَى جَانِبِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْتَضِي جَرَيَانَ خِلَافٍ فِيهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِالْجَزْمِ بِخِلَافِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ رَأَى الطُّرُقَ مُتَّفِقَةً عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ اعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ (الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ تَخْتَلِفَ الصَّفْقَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي كَمَا إذَا بَدَا الصلاح في نوع فباع مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ القطع ففيه وجهان مشهوران في طريقتي العرقيين وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَرَتَّبَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا جَمَعَ النَّوْعَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً (وَإِنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يَسْتَتْبِعُ فَهَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ وَجْهَانِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا وَهَذَا بِكَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ نَظَرًا لِتَفْصِيلِ الثمن(11/456)
وَجَوَّزَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَجْهٌ بِالْجَزْمِ بِالصِّحَّةِ كَمَا هُوَ وَجْهٌ أَيْضًا فِيمَا إذا قال بعت هذا بدرهم أجرتك هذا بآخر فقال المخاطب قبلتهما نظار إلَى الْجَمْعِ فِي الْقَبُولِ (الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْمِلْكُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْبُسْتَانِ قِيلَ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَبْدُ الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ لِأَجْلِ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ فَإِنَّ طِبَاعَهُ وَاحِدَةٌ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ لَا يَجُوزُ نَظَرًا إلَيْهِ فِي نَفْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَدْ عَلِمْتَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَجْلِ إفْرَادِ ما لم يبد صلاحه بالمبيع والمالك واحد فههنا أولى بعد الصِّحَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيَاسُ ذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ هَهُنَا عِنْدَ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ وَاخْتِلَافِ الْمِلْكِ أَنْ يَكُونَا فِي التَّأْبِيرِ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اتِّحَادُ الْمِلْكِ (الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالنَّوْعُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ ولم أره لغيره وكيف ما كَانَ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبُسْتَانِ فَعِنْدَ تَعَدُّدِ الْبُسْتَانِ وَالنَّوْعِ أَوْلَى (الصُّورَةُ السَّادِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالنَّوْعُ وَالصَّفْقَةُ فَيُفْرَدُ النَّوْعُ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ أَحَدِ الْبُسْتَانَيْنِ اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ مِنْ الْبُسْتَانِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْهُ(11/457)
فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إثْبَاتُ خِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عُلَمَاؤُنَا فِيهِ فَلَا يقال الوقت وقت بد الصلاح فتجعل الثمار المبيعة كأنها مزهبة هذا الا قَائِلَ بِهِ وَكَأَنَّهُ أَوْجَبُ لِلرَّافِعِيِّ ذَلِكَ إجْمَالُ الْكَلَامِ وَعَدَمُ إفْرَادِ كُلِّ صُورَةٍ بِالذِّكْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الصُّورَةُ السَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَتَتَعَدَّدَ الصَّفْقَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي آخِرِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَهَذِهِ سَبْعُ صُوَرٍ وَقَبْلَهَا صُورَتَانِ وَإِذَا اتَّحَدَ الْجَمِيعُ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ فتصير تسعا (وأعلم) ان الصورة الممكنة من الاختلاف في ذلك ستة عشر هَذِهِ التِّسْعُ الْمَذْكُورَةُ وَسَبْعٌ أُخْرَى وَهِيَ الْعَاشِرَةُ (الاولى) ان يتحد الجميع (الثانية) ان يخلف الْجِنْسُ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ (الرَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ (الْخَامِسَةُ) أَنْ تَخْتَلِفَ الصَّفْقَةُ (السَّادِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْمِلْكُ (السَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالْبُسْتَانُ وَهَذِهِ السَّبْعُ تَقَدَّمَتْ (الثَّامِنَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالصَّفْقَةُ فَيَبِيعُ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ نَوْعًا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُنْفَرِدًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ عِنْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَحْدَهَا عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ فَهَهُنَا أَوْلَى وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْرَى فِيهَا خِلَافٌ إذَا جَعَلْنَا النَّوْعَيْنِ كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْفُورَانِيَّ جَزَمَ بِأَنَّهُ(11/458)
لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُؤَبَّرِ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التأبير بحث في اثبات الخلاف فلينظر هُنَاكَ (التَّاسِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالْمِلْكُ مَعَ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ كَمَا إذَا بَاعَ عَنْ نَفْسِهِ نَوْعًا وَعَنْ مُوَكِّلِهِ نَوْعًا فِي بُسْتَانٍ وَاحِدٍ بَدَا صَلَاحُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُ الْآخَرِ وقلنا ان الصفقة لاتعدد وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَبِيعٌ يَصِحُّ فهل يصح من غغير شَرْطِ الْقَطْعِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ أولا اعْتِمَادًا عَلَى تَعَدُّدِ الْمِلْكِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا (الْعَاشِرَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالصَّفْقَةُ فَيُفْرِدُ الشَّخْصُ مِنْ بُسْتَانٍ لَهُ بَيْعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ بُسْتَانٍ لَهُ آخَرَ وَقَدْ نقدم (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالْمِلْكُ فَيَبِيعَ شَخْصٌ عَنْ نَفْسِهِ نَوْعًا مِنْ بُسْتَانِهِ وَعَنْ مُوَكِّلِهِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ بُسْتَانٍ آخَرَ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرَ وَفَرَّعْنَا عَلَى صِحَّةِ مِثْلِ هَذَا الْبَيْعِ فَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) أَنْ تخلف الصَّفْقَةُ وَالْمِلْكُ فَيَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ اعتمادا على بدو الصلاح في ملك غره مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ النَّوْعُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ فَيُفْرِدَ نَوْعًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ بستان غيره(11/459)
فَإِنْ صَحَّ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي إفْرَادِ أَحَدِ الْبُسْتَانَيْنِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ الْبُسْتَانُ مَعَ اخْتِلَافِ الثالاثة فَيَبِيعَ نَوْعًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ البستان ولا يبعد مجئ خِلَافٍ فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) أَنْ تَتَّحِدَ الصَّفْقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ الْمِلْكُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ أَرَ فِيهِمَا نَقْلًا وَلَا يَخْفَى تَخْرِيجُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَذْهَبُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ إلَّا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْجَمِيعُ فَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ أَوْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ فَقَطْ وَفِي التَّصْحِيحِ خِلَافٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَقِيَّةُ الصور كلها لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ إمَّا جَزْمًا أَوْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا هَلْ هُوَ لِسُوءِ الْمُشَارَكَةِ أَوْ لِعُسْرِ التَّمْيِيزِ كَلَامُ الجمهور يقتضي الاول ولافرق فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إذَا تَكَلَّمُوا إنَّمَا يَذْكُرُونَ الْبُسْتَانَ وَالثِّمَارَ فَلَيْسَ إلَّا عَلَى جِهَةِ ذِكْرِ
بَعْضِ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ إنَّهُ إذَا اشْتَدَّ بَعْضُ السَّنَابِلِ كَانَ كَالثِّمَارِ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِهَا لَكِنَّهُ فَرَضَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا تسنبل جميع الحب والظاهران ذَلِكَ مِنْهُ لَيْسَ عَلَى(11/460)
سبيل الاشتراط فانه لوتسنبل بَعْضُ الْحَبّ وَاشْتَدَّ وَبَعْضُهُ إلَى الْآنَ بَقْلٌ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَبِيعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الْبَيْعِ هَلْ يَبِيعُ الْمُؤَبَّرَ حَالَةَ الْبَيْعِ.
وَلَوْ بَاعَ الْبِطِّيخَ عَلَى أُصُولِهِ بَعْدَ بُدُوِّ النُّضْجِ وَالْإِدْرَاكِ جَازَ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ كَالثِّمَارِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ بِطِّيخَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي زَرَعَ فِيهَا الْبِطِّيخَ وَبَاعَ الْجَمِيعَ جَازَ وَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ كُلُّ مَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ ثَمَرِهِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَلْتَحِقَ الصِّغَارُ بِالْكِبَارِ قاله صاحب التتمة.
ولايجوز بَيْعُ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ فِي الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِهِ وَجَهَالَتِهِ وَيُخَالِفُ الْغَائِبَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْقَلْعِ وَذَلِكَ عَيْبٌ فِيهِ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَيَصِحُّ بَيْعُ القبيط فِي الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ الْحَدَّ الَّذِي يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ فِيهِ وَإِنْ بلغه فيجوز مطلقا وبشرط التبقية يترك حتى تلتحق الصغار الكبار كَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا الْمُسْتَتِرُ بِالْأَرْضِ عُرُوقُهُ وَهِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ.
وَالسَّلْجَمُ إنْ كَانَ المعظم منه ظاهر افكالقبيط وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ فَكَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ أَيْضًا.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ ثَمَرَةِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا عَنْ(11/461)
الْأَصْلِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ الْجِنْسِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي ذَلِكَ الْقَدَّاحِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حكمها قاله في الاسنقصاء.
(فرع)
ولايجوز في شئ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ مَا ظَهَرَ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الْوَرْدِ وَمَا يَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ في سننه وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ يجوز.
(فرع)
لا خلاف انه لابد من وجود الصلاح في شئ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وَقْتَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ كَافٍ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ في اقامة وقت التأبير مقام التأبير ونهت عَلَى ذَلِكَ
لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ الْوَقْتِ انه لا يشترط وجو الصَّلَاحِ بَعْدَ حُضُورِ وَقْتِهِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِأَنَّ الْعَادَةَ ان الوقت إذا حضر فلابد أَنْ يُوجَدَ فِي بَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.(11/462)
(فَرْعٌ)
إذَا كَانَ بُسْتَانَانِ فِيهِمَا زَرْعٌ وَاحِدٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ صَلَاحًا فِي الْآخَرِ وَيَصِحُّ إفْرَادُ هذا بالبيع دُونَ الْآخَرِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ هَذَا قَوْلُ الْعَبْدَرِيِّ فِي الْكِفَايَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ بَيَانًا لِحُكْمٍ مِثْلِهِ فِي النَّخْلِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّخْلَ أَيْضًا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمُوَافِقُ لِطَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي الزَّرْعِ بِخُصُوصِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى فرق والله أعلم.
(فرع)
قد تَفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ وَقْتِ التَّأْبِيرِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ التَّأْبِيرِ نَفْسِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اتَّحَدَ النَّوْعُ وَاخْتَلَفَتْ الصَّفْقَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ مَعَ حُصُولِ التَّأْبِيرِ فِي الْجُمْلَةِ أَمَّا اعْتِبَارُ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ تَأْبِيرٍ أَصْلًا فَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَكَذَلِكَ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(إذا ابتاع زرعا أو ثمرة بعد بدو الصلاح لم يكلف قطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ لان العادة فيها تركها إلى الحصاد والجذاذ فلم يكلف نقله قبله كما نقول فيمن اشترى متاعا بالليل أنه لا يكلف نقله الا بالنهار فان احتاجت الثمرة أو الزرع إلى السقى يلزم البائع ذلك لانه يجب عليه تسليمها في حال الجذاذ والحصاد وذلك لا يحصل الا بالسقي فلزمه) .(11/463)
(الشَّرْحُ) اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ التَّخْلِيَةُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ فِي الزُّرُوعِ والجذاذ في الثمر وَالْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ مُطْلَقًا يَنْزِلُ عَلَى الْقَطْعِ وَيَجِبُ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ قَرِيبًا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبَيَّنَّا أَيْضًا فِيمَا تَقَدَّمَ مَا يُعْتَبَرُ من العادة مالا يُعْتَبَرُ مِنْ الْعَادَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِمَّا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ هُنَا أَنَّ مُوجَبَ الشَّرْعِ تَفْرِيغُ مِلْكِ الْبَائِعِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ أَصْلَ التَّفْرِيغِ مَقُولٌ بِهِ وَكَيْفِيَّتُهُ تُتَلَقَّى مِنْ الْعُرْفِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا أَوْ مَتَاعًا بِاللَّيْلِ لَا يُكَلَّفُ نَقْلَهُ إلَّا فِي النَّهَارِ وَأَمَّا السَّقْيُ فَجُمْهُورُ
جَمَاعَاتِ الْأَصْحَابِ أَوْجَبَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَجَعَلُوهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَقَطَعَ بِذَلِكَ جَمَاعَاتٌ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ (وَالثَّانِي) على البائع لان مُتَّصِلٌ بِمِلْكِهِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ وجهان بناء على مالو أَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ (إنْ قُلْنَا) يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَالسَّقْيُ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَالسَّقْيُ عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَكَذَلِكَ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ وَجَعَلَ أَصْلَهُمَا الْقَوْلَيْنِ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْجَدِيدَ أَنَّهَا مِنْ ضمان المشترى(11/464)
والمذهب ان السقى عل الْبَائِعِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلْقَدِيمِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ وُجُوبَ السَّقْيِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذَا بَاعَهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ (أَمَّا) إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ بَعْدَ الصَّلَاحِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ حَكَوْا طَرِيقَةً قَاطِعَةً عَنْ الْقَفَّالِ فِيمَا إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَالُوا إذْ لَا يجب السقى على الْبَائِعِ هُنَا فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا وَعَدَمُ رَدِّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ لَكِنْ لَنَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى هُنَاكَ قَاطِعَةٌ بِأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَطَرِيقَةٌ وَهِيَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ أَنَّهَا عَلَى الفولين فيحتمل ان يكون أصحاب هاتين الطريقين يُوجِبُونَ السَّقْيَ أَيْضًا وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ الْإِبْقَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صُورَةُ شَرْطِ الْقَطْعِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ وُجُوبِ السَّقْيِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ بِهَذَا لِأَنَّهُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَطْعِ فَكَيْفَ نُوجِبُ عَلَيْهِ السَّقْيُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّقْيُ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْقَطْعِ إذَا خِيفَ مِنْ تَرْكِهِ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ وَهَذَا بَعِيدٌ أَيْضًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى حَيَوَانًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ طَلَبِهِ بِالتَّسْلِيمِ الْقِيَامُ بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ نَصْبُ النَّاطُورِ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ.
(فَرْعٌ)
إلَى مَتَى يَنْتَهِي الزَّمَانُ الَّذِي يَجِبُ فيه السقي يجئ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِمَا على ما سنحكيه في مسألة وضع الحوائح ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ (وَالثَّانِي) يَتَأَخَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا لَا يُنْسَبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إلَى تَوَانٍ بِتَرْكِ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ (وَالثَّالِثُ) بِنَفْسِ الْجُذَاذِ وَهَذَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِي السَّقْيِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مُبَيَّنًا هُنَاكَ.(11/465)
(فَرْعٌ)
لَوْ شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّ السَّقْيَ مَجْهُولٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ السَّقْيَ مَجْهُولٌ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ مَعْلُومًا ابطلناه أيضا من قبل انه بيع وجارة فِي أَوْلَى قَوْلَيْهِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ عِلَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ وَالْجُذَاذُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ (قُلْتُ) وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ يُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي نِهَايَةِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ هَلْ هُوَ بِوَقْتِ الْجُذَاذِ أَوْ بِنَفْسِ الْجُذَاذِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَعَلَى البائع لانها لا تصير مسلم إلَّا بِهِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ في السلسة إذا اشترى ثمرة علي رؤس الشجر بعد بدو الصلاح فتركها عليها لى أَوَانِ الْجُذَاذِ فَانْقَطَعَ مَاءُ الْوَادِي فَإِنْ ضَرَّ بَقَاءُ الثَّمَرَةِ بِالشَّجَرَةِ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ الشَّجَرَةِ عَلَى تَرْكِ الثَّمَرَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَشْجَارِ ضَرَرٌ فِي التَّبْقِيَةِ وَلَا لِلثِّمَارِ نَفْعٌ فِي التَّبْقِيَةِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الثِّمَارِ بِالْقَطْعِ وَلَوْ تُرِكَتْ عَلَى الْأَشْجَارِ لَمْ تَزِدْ عَلَى حَالِهَا وَلَوْ قُطِعَتْ لَمْ يُنْقِصْ الْقَطْعُ شَيْئًا مِنْ قِيمَتِهَا فَطَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِقَطْعِهَا فهل يجبر على القطع فعلى قولين بنبنيان على ما إذا أسلم في شئ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَجَاءَ بِهِ قَبْلَ الْمَحَلِّ وليس في قبضه مزية فهل يجبر عل قَبُولِهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَطْعِ الثمرة هنا والا فيجبر وهذ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ وَعَلَى مَا إذَا عَلِمَ عَدَمَ عَوْدِ الْمَاءِ وَعَدَمَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ (أَمَّا) إذَا تَوَقَّعَ النَّفْعَ فَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى القطع ومن(11/466)
هُنَا أَيْضًا نَأْخُذُ أَنَّ مُجَرَّدَ انْقِطَاعٍ مِنْ غير حصول عيب ولاضرر لَا يُثْبِتُ خِيَارًا لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّ مَا سَيَأْتِي من كلا الصيد لاني فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا بَاعَ أَصْلًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةً لِلْبَائِعِ.
(فَرْعٌ)
قَرِيبُ مِنْ هَذَا فِيمَا إذا أصابت الثمار آفة بحيث لانمو أَوْ لَا فَائِدَةَ فِي تَبْقِيَتِهَا هَلْ لِلْبَائِعِ تَبْقِيَتُهَا.
(فَرْعٌ)
بَاعَ الْجَمْدَ فِي الْمُجْمِدِ وَكَانَ طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَعُمْقُهُ مَعْلُومًا صَحَّ وَيُسَلَّمُ بِحَسْبِ الامكان وفيه
وجه ان يلزمه تسليما عَلَى الْعَادَةِ بِأَخْذِ الْجَمْدِ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ وَقْرًا أَوْ وَقْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَقَاسَهُ عَلَى الدَّارِ وَالسَّفِينَةِ الْمَشْحُونَتَيْنِ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ (الْأَصَحُّ) عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَفْرِيغُهَا فِي الْحَالِ بَلْ عَلَى مَرِّ الايام على عادة تفريغ المجامد فعلى ماقاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَدْ يُورِدُ هَذَا الْفَرْعُ اعْتِرَاضًا عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْقَاضِي وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى حِمْلَ حَطَبٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي موضع البيع ولا يلزمه حمله لاى بَيْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ قَدْ تَقْضِي بِذَلِكَ.
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وإذا اشترى ثمرة علي الشجر فلم يأخذ حتى حدث ثمرة أخرى واخنلطت ولم تتميز أو اشترى حنطة فلم يقبض حتى انثالت عليها حنطة أخري ففيه قولان (أحدهمام) ينفسخ البيع وهو الصحيح لانه تعذر التسليم المستحق بالعقد فان البائع لا يلزمه تسليم ما اختلط به من ماله فان رضى البائع بتسليم ماله لم يلزم المشترى قبوله وإذا تعذر تسليم المعقود عليه بطل العقد كما لو تلف المبيع (والثاني) لا ينفسخ لان المبيع باق وانما انضاف إليه زيادة فصار كما لو باع عبدا فسن أو شجرة فكبرت فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ قُلْنَا لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ فسخ العقد) .(11/467)
(الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِحُكْمِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ اخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ عَلَى مَرَاتِبَ (الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى) وَعَلَيْهَا اقْتَصَرْتُ فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ كَلَامِ المصنف ان تكون الثمرة مبيعة فنخلط بغيرها وذلك اما فيما يحمل حملا واحد أو كان قَدْ اشْتَرَى مَا ظَهَرَ مِنْهَا إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ ثُمَّ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى فَإِنَّ الثَّمَرَةَ الْحَادِثَةَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَلْقُطَ الْمُشْتَرِي ثَمَرَهُ وَاخْتَلَطَتْ الْحَادِثَةُ بِالثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ فَإِنْ كَانَتْ تَتَمَيَّزُ بِالْكِبَرِ والصغر أو نحو هما فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي الْمُتَقَدِّمَةَ وَلِلْبَائِعِ الْحَادِثَةَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ والخراسانيين.
وان لم تتميز أو اشريت حِنْطَةً فَلَمْ تُقْبَضْ حَتَّى انْثَالَتْ عَلَيْهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غَيْرَ مَعْلُومَةِ الْقَدْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَفِيهِ قَوْلَانِ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى حِكَايَتِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لما ذكره المصنف والمراد بالتسليم الستحق مَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ وَأَمَّا التَّسْلِيمُ فِي ضِمْنِ الْجَمِيعِ فَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ وَلَوْ سَمَحَ بِهِ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهَا كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ وَعَيَّنَ أُخْرَى وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُشْتَرِي لَا يُجْبِرُ الْمُبْتَاعَ عَلَى الْقَبْضِ نَقُولُ الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا أَسْمَحُ بِحَقِّي فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَالْقَوْلُ (الثَّانِي) نَقَلَهُ الرَّبِيعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَكَذَلِكَ الْجُرْجَانِيُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فَإِذَا سَمَحَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِهِ كَانَ كَزَوَالِ الْعَيْبِ فَيَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي قَالَ هَؤُلَاءِ وَالتَّسْلِيمُ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ فَإِنَّهُ يَقْبِضُهُ أَكْمَلَ مَا كَانَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ جَيِّدٍ فاعطى أجود مما ذكروه وارادأ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ قَبُولُهُ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ فِي الْعَيْنِ الْمَضْمُومَةِ إلَى الْمَبِيعِ إذَا كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ان الصحيح(11/468)
الْأَوَّلُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ وابن ألي عَصْرُونٍ وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ حِكَايَةُ قَوْلٍ ثَالِثٍ ان العقد لا ينفسخ ولاخيار وَيُجْعَلُ الِاخْتِلَاطُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالِاخْتِلَاطِ بَعْدَهُ وَاسْتَبْعَدَهُ الامام وحكاه الجوزي عن أبي سلمة والمروزي وَحَكَى الرُّويَانِيُّ طَرِيقَةً أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَهَا دَلِيلَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ قَالَ وَهَذَا أَوَضَحُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيلِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقَبْضَ فِي الثِّمَارِ بِالتَّخْلِيَةِ لَكِنْ وَإِنْ قُلْنَا قَبْضُهَا بِالتَّخْلِيَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَبْضٍ تَامٍّ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَجِبُ عَلَيْهِ سَقْيُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَالتَّسْلِيمُ التَّامُّ إنَّمَا هُوَ حِينَ الْجُذَاذِ وَشَبَّهَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ رِضَى الْبَائِعِ بِتَرْكِ حقه بالاعراض عَنْ النَّعْلِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى دَابَّةً وَنَعَلَهَا ثما اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَالَ الْإِمَامُ وَمَسْأَلَةُ النَّعْلِ لَيْسَتْ خَالِيَةً عَنْ خِلَافٍ وَهَذِهِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا أَوْلَى بِالْخِلَافِ مِنْ تِلْكَ فَإِنَّ إلْزَامَ الْمُشْتَرِي بِطَوْقِ مِنَّةِ الْبَائِعِ فِيهِ بُعْدٌ وَفِي هبة المجهول غوائل فالمسألة إذا مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَإِنْ أَجْبَرْنَا الْمُشْتَرِيَ سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى تَخَيُّرِهِ وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فيما إذا انسالت حِنْطَةٌ عَلَى الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ وَسَلَّمَ الْبَائِعُ الْكُلَّ إلَى الْمُشْتَرِي وَجْهَيْنِ فِي إجْبَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَبُولِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِمُسَاعَدَةِ الْإِمَامِ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ وَمَعَ حِكَايَتِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِجْبَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ قَالَ انه لاخيار لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا كَلَامٌ مَتِيحٌ وَالصَّوَابُ أَنَّا إذَا لَمْ نُجْبِرْ الْمُشْتَرِيَ
عَلَى الْقَبُولِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ وانه لافرق فِي ذَلِكَ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالْحِنْطَةِ وَقَدْ صَرَّحَ الامام في باب الخراج بالظمان بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْإِجْبَارِ فِي هِبَةِ الضَّمَانِ وَقَالَ إنَّ الْأَقْيَسَ عَدَمُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقَبُولِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوَجْهَيْنِ هُنَا وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ سُقُوطُ خِيَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الثَّمَرَةِ فَلَمْ يَأْخُذْ وَفِي الْحِنْطَةِ فَلَمْ يَقْبِضْ لَهُ مَعْنَى أُنَبِّهُ عَلَيْهِ عَنْ قُرْبٍ وَقَوْلُهُ حَتَّى انْثَالَتْ عليها(11/469)
حِنْطَةٌ أُخْرَى هُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كانا معلومي القدر اولا لَكِنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُونَا مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي فَرْعٍ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ قُلْنَا للبائع إن سمحت بحقك أقرى الْعَقْدُ وَأَجْبَرْنَا الْمُشْتَرِيَ عَلَى الْقَبُولِ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ مَا فِيهِ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ الْبَائِعُ فُسِخَ الْعَقْدُ أَيْ يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ولايقال لِلْمُشْتَرِي هَهُنَا أَنْكِرْ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ جَمِيعًا إلَى الْبَائِعِ لِئَلَّا يَفُوزَ الْبَائِعُ بِالْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وما ذكره المصنف من انفسخ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ بَيْنَهُمَا بِالتَّدَاعِي وَهُوَ يُوَافِقُ ما تقدم عن صاحب التقريب.
(فرع)
لوانثال عَلَى الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ بَعْدَ قَبْضِهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَهُمَا مَالَانِ اخْتَلَطَا فَإِنْ اصْطَلَحَا على شئ كان القول قول من الشئ فِي يَدِهِ فِي قَدْرِ مَا لِصَاحِبِهِ قَالَ أبو إسحق وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي تَرَكَ الطَّعَامَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَاخْتَلَطَ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ فَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ اخْتَلَطَتْ الْحَادِثَةُ بِالْخَارِجَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ أَمْ قَبْلَهُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِيهِمَا قَوْلًا وَاحِدًا وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَفَرَّقَ هُوَ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا قُبِضَ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَالثَّمَرَةُ إنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْجَدِيدِ إنَّهَا مِنْ ضَمَانِهِ فَإِنَّ كَمَالَ الْقَبْضِ فِيهَا عَلَى الْبَائِعِ بِدَلِيلِ أَنَّ عَلَيْهِ السَّقْيَ وَبِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ عَطِشَتْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ (قُلْتُ) وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّمَرَةِ فَلَمْ يَأْخُذْ وَفِي الْحِنْطَةِ فَلَمْ يَقْبِضْ فَلَمْ يَأْتِ فِي الثَّمَرَةِ بِلَفْظِ الْقَبْضِ بَلْ بِلَفْظِ الْأَخْذِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَخْذُهَا مِنْ عَلَى الشَّجَرَةِ وَأَمَّا الْقَبْضُ فَمُتَقَدِّمٌ عَلَى ذَلِكَ(11/470)
وَإِنْ اخْتَلَطَتْ الثِّمَارُ بَعْدَ الْجُذَاذِ أَوْ فِي الْجَرِينِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَمْ يَسْتَقِرَّ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا عَطِشَتْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ السَّقْيِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا بِالْعَيْبِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يجب على البائع السقى وقد حكمي الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْحَاجَةَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَرِيبٌ فِي النَّقْلِ وَمِثْلُهُ فِي الْغَرَابَةِ مَا ارْتَضَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى وَضْعِ الْجَوَائِحِ (فَإِنْ قُلْنَا) تُوضَعُ كان كما قبل القبض والا فيتفاصلان بالخصومة أو الاصطلاح فَعَلَى ذَلِكَ لَا يَأْتِي عَلَى الْجَدِيدِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَهُوَ خِلَافُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ العراقيون فقد تلخص في اختلاط الثمار اه إنْ كَانَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ جَرَى الْقَوْلَانِ بِاتِّفَاقِ الطُّرُقِ وَقِيَاسُ الطَّرِيقَةِ الَّتِي قَالَهَا الرُّويَانِيُّ فِي الْحِنْطَةِ أَنْ يُقَالَ هُنَا إنَّهُ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْجُذَاذِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ فالمشهور وهو طريقة العراقيين جريان القولين كما قبل التخلية واختار المزني والامام الغزالي عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّهُ كَمَا بَعْدَ الْجُذَاذِ فَالْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَمِمَّنْ اخْتَارَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَدْ أَغْرَبَ الْمُتَوَلِّي فَحَكَى فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ لافرق فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَيَلْزَمُهُ طَرْدُ ذَلِكَ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ الْجُذَاذِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ مِنْهُ مُكَايَلَةً وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ جُزَافًا ثُمَّ اخْتَلَطَتْ بِحِنْطَةٍ لِلْبَائِعِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (فَائِدَةٌ) إذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الْخُصُومَةِ وَقَبُولِ قَوْلِ ذِي الْيَدِ قَالَ الْإِمَامُ سَبِيلُهُ فِي الْخُصُومَةِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى بَيْعًا في الصاعين فسينكره البائع ثم برجع الكلام إلَى اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ.(11/471)
(فَرْعٌ)
الْيَدُ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَقَبْلَ القطاف للبائع أو للمشترى أولهما ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ نَقَلَهَا الْإِمَامُ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّا مَتَى جَعَلْنَا الثِّمَارَ فِي يَدِ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا
فِي يَدِهِمَا فَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ وَلَا الْغَزَالِيُّ مَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الْوَجْهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُقْسَمَ الْقَدْرُ الْمُتَنَازَعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ صَاحِبِهِ وَفِي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي عَيْنٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَدَّعِي جَمِيعَهَا
(أَحَدُهُمَا)
يَحْلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ الَّذِي يُسَلَّمُ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْكُلَّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الدَّعَاوَى.
(فَرْعٌ)
قَدْ تقدم حكاية الخلاف في التصحيح فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ الْغَزَالِيَّ وَالرَّافِعِيَّ قَالَا إنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا يُوَافِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ الَّتِي يَغْلِبُ تَلَاحُقُهَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ فَإِنْ كَانَ التَّلَاحُقُ الطَّارِئُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ التَّسْلِيمِ بَلْ هُوَ عَيْبٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ بِطَرَيَانِهِ وَإِنْ كَانَ مَانِعًا مِنْ التَّسْلِيمِ فَيَنْبَغِي إذَا طَرَأَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ.
(فَرْعٌ)
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَكَذَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ إنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَا إنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَسْمَحُ فَفِي سقوط خيار المشتر وَجْهَانِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ إذا لم يسمح البائع فالمشترى يفسح وَقَدْ قَدَّمْتُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْفَاسِخَ هُوَ الْحَاكِمُ وَأَيْضًا قِيَاسُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ ان ذلك من باب العيون فَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا أَنْ(11/472)
يُسْقِطَهُ الْبَائِعُ بِتَرْكِ حَقِّهِ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَخَّرَ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ سَقَطَ حَقُّهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ اعْتَرَفَا وَالِاخْتِلَاطُ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالِالْتِبَاسِ وَرَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ رَجَعَ الْكَلَامُ إلَى الْوَقْفِ وَالِاصْطِلَاحِ فَقَوْلُهُ وَرَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ التَّامِّ فَلَا خِيَارَ وَلَا يُفْسَخُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ فَعِنْدَهُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَأْتِي هَذَا الْكَلَامُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ إذَا قُلْنَا بعدم الانفساخ فيحنئذ إذَا رَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ يَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الِاصْطِلَاحِ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ.
(فَرْعٌ)
هَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ الْبَاذِنْجَانِ فِي شَجَرِهِ إذَا بَلَغَ نِهَايَتَهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ صِغَارًا وَالْبَعْضُ كِبَارًا فانه يترك حتى يتلا حق فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَوْ بَاعَ فِي الْحَالَتَيْنِ ثُمَّ
ظهر شى آخر واختلط بالمبيع جرى القولان وكذلك الخر بر وهو البطيخ وهكذا القثاء والخيار وكل ماله حَمْلٌ بَعْدَ حَمْلٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ والاصحاب فلو كان المبيع شجر الباذنجان فيسأتي فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا.(11/473)
(فَرْعٌ)
فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
لَوْ اخْتَلَطَ الطَّعَامُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَذَلِكَ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أوجه (اما) ان يكون كلامنهما مَعْلُومَ الْكَيْلِ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِنْهُمَا مَعْلُومًا فَيُعْلَمُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ كَيْلِ الْمَبِيعِ قَدْرُ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا فَيُعْلَمُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ كَيْلِ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ قَدْرُ الْمَبِيعَ فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَقَدْ صار مختلط العين متميز القدر وتميز والقدر يمنع من الجهل وهو أقى الْمَقْصُودَيْنِ فَصَحَّ الْبَيْعُ وَاخْتِلَاطُ الْعَيْنِ مُغَيِّرٌ لِلصِّفَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَجْزَاءِ فَصَارَ عَيْبًا يُوجِبُ الْخِيَارَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَامَ صَارَ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ عَلَى قَدْرِ الْحِصَّتَيْنِ.
وَإِنْ كَانَ الطعام مُتَمَاثِلَيْ الْقِيمَةِ تَقَاسَمَاهُ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفَ الْقِيمَةِ بِيعَ وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فِي ثَمَنِهِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الطَّعَامَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِقِسْمَةِ ذلك كيلا على الحصص دون القمية فَيَجُوزُ.
ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ بِكَمَالِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الِانْفِسَاخِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْمِقْدَارِ وَلِذَلِكَ قَيَّدْتُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَذَلِكَ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَأَمَّا الثِّمَارُ فَلَا تَكُونُ إلَّا مَجْهُولَةَ الْمِقْدَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.(11/474)
* (فَرْعٌ)
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ اخْتِلَاطُ الطَّعَامِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَالْعَقْدُ صحيح بحاله وكذلك الثمر إذَا كَانَ بَعْدَ الْجُذَاذِ فَإِنْ كَانَ قَدْرُ الطعام أو الثمر مَعْلُومًا بِأَحَدِ الْأَوْجُهِ الَّتِي مَضَتْ تَقَاسَمَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ قَدْرُ الطَّعَامِ مَجْهُولًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وإن تراضيا على شئ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ جَازَ وَاقْتَسَمَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ كَانَتْ صُبْرَةُ الْمُشْتَرِي قَدْ انْثَالَتْ عَلَى صُبْرَةِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي قدر ماله مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ صُبْرَةُ الْبَائِعِ انْثَالَتْ عَلَى صُبْرَةِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قول المشترى في قدر ماله مِنْ مَالِ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ كَانَتْ عَلَى الطَّعَامَيْنِ مَعًا وَكَانَ أَعْرَفَ بِقَدْرِهِمَا مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُسْتَحْدَثِ الْيَدِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا خَطَأٌ
لِأَنَّ مَا وَجَبَ اعْتِبَارُ الْيَدِ فِيهِ كَانَتْ الْيَدُ الثَّانِيَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُعْتَبَرَةً مِنْ الْيَدِ الْمُرْتَفِعَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (قُلْتُ) وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُخْتَصَرًا وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ التَّصْوِيرِ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُزَنِيّ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ لِلْبَائِعِ فَقَدْ تَكُونُ صُبْرَتُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
لَوْ صَدَرَ الْخَلْطُ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عَنْ قَصْدٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ.(11/475)
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الِانْفِسَاخِ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِغَيْرِهَا يَنْبَنِيَانِ عَلَى تَلَفِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلِأَيِّ مَعْنًى يَنْفَسِخُ فِيهِ مَعْنَيَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ (وَالثَّانِي) لِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ التَّسْلِيمِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ هَهُنَا (وَإِلَّا) فَلَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْكُلِّ قَالَ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) إذَا بَاعَ دُرَّةً وَوَقَعَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ يَنْفَسِخُ العقد لوجود المعنين وان وقعت في وادى إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا (وَمِنْهَا) لَوْ بَاعَ عُصْفُورًا ثُمَّ اخْتَلَطَ بِعَصَافِيرِ الْبَائِعِ قبل القبض أو حنطة فانثالت فيها حِنْطَةٌ أُخْرَى لِلْبَائِعِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا (وَمِنْهَا) إذَا بَاعَ عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لا ينفسخ وقال أبو يعقوب كل الابيوردى ينفسخ قال القاضي ويكن تَخْرِيجُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَكَذَا لَوْ نَهَبَهُ التُّرْكُمَانُ أَوْ غَارُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قُلْتُ) وَفِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَالْحِنْطَةِ وَشَبَهِهَا لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ وَبَيْنَ الْيَأْسِ مِنْهُ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ وَحْدَهُ متميزا فهو متعذر ومأيوس مِنْهُ وَإِنْ أُرِيدَ تَسْلِيمُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَيْسَ بمتعذر ولا مأيوس مِنْهُ (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْعُصْفُورِ فَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ لَوْ بَاعَ شَاةً فَاخْتَلَطَتْ بِقَطِيعٍ لَا تَتَمَيَّزُ(11/476)
فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَالَ وَتُفَارِقُ الْحِنْطَةَ لا ان هُنَاكَ الْإِشَاعَةَ لَمْ تَمْنَعْ الْبَيْعَ وَهَهُنَا الِاشْتِبَاهُ مَانِعٌ مِنْ الْعَقْدِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ بِأَنْ يَقْبِضَ الْكُلَّ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حكم من اختلطت شاته بقطيع الانسان قَالَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي القبض ان يتسلط به على المقبول وَيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ
وَهَذَا لَا يُوجَدُ بِقَبْضِ الْجُمْلَةِ (قُلْتُ) قَوْلُهُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ إنْ أَرَادَ التَّرْجِيحَ فِي الْجُمْلَةِ فَالْحِنْطَةُ وَالثَّمَرَةُ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَبْطُلُ قَطْعًا بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالثَّمَرَةِ لِمَا لَحَظَهُ مِنْ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ وَالِاشْتِبَاهِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ لان الخلط ههنا لو اقتضى الا شاعة كَمَا يَقُولُهُ فِي بَابِ الْفَلَسِ وَغَيْرِهِ لَكَانَ الْمَذْهَبُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِالِاخْتِلَاطِ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ هُنَاكَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرَكًا وَأَيْضًا فَكَانَ يَفْصِلُ هُنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بالمثل والاردأ أو بالوجود كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ هُنَاكَ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ هَهُنَا أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَمْ يَفْصِلْ أَحَدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بِالْأَجْوَدِ أَوْ بِالْمِثْلِ فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّ الْخَلْطَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِشَاعَةَ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَالْمِلْكُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَيَتَأَثَّرُ بِالْخَلْطِ وَلَا يُحْكَمُ بِالْإِشَاعَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ يُوَافِقُ وَجْهًا فِي الْفَلَسِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَرْجِعُ فِي الْمَبِيعِ إذَا خُلِطَ مُطْلَقًا وَهُوَ مُؤَيَّدٌ هُنَاكَ بِمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَاطِ هُنَا وَالْمَذْهَبُ هُنَاكَ خِلَافُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ كان قول(11/477)
* الْإِشَاعَةِ مُلَاحَظًا فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ وَالْحِنْطَةِ لَكُنَّا نَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ هَهُنَا فِيمَا أَعْلَمُ وَإِنَّمَا القائل بعد الِانْفِسَاخِ يَقُولُ بِالتَّخْيِيرِ نَعَمْ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ يَجِبُ أَنْ يُلَاحَظَ إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْحِنْطَةِ وَبَعْدَ الْجُذَاذِ فِي الثَّمَرَةِ وَكَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِشَاعَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ وَبَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ الَّذِي لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُشْتَرَكًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمِقْدَارُ مَعْلُومًا وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الِاخْتِلَاطِ الْمَذْكُورِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ وَفِي الْمِثْلِيَّاتِ بِحُكْمِ الْإِشَاعَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْفَلَسِ وَالْغَصْبِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ اشْتَرَى شجرة عليها حمل للبائع فلم يأخذه حتى حدث حمل للمشترى واختلطت ولم تتميز ففيه طريقان قال أبو على بن خيران وأبو علي الطبري لا ينفسخ العقد قولا واحدا بل يقال إن سمح أحد كما بترك حقه من الثمرة أقر العقد لان المبيع هو الشجر ولم يختلط الشجر بغيره وإنما اختلط ما عليها من الثمرة والثمرة غير مبيعة فلم ينفسخ البيع كما لو اشترى دارا وفيها طعام للبائع وطعام للمشترى(11/478)
فاختلط أحد الطعامين بالآخر فان البيع لا ينفسخ في الدار وقال المزني وأكثر أصحابنا أنها على قولين كالمسألة قبلها لان المقصود بالشجر هو الثمرة فكان اختلاطها كاختلاط المبيع وإن اشترى رطبة بشرط القطع فلم يقطع حتى زادت وطالت ففيه طريقان
(أحدهما)
أنه لا يبطل البيع قولا واحدا بل يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وان لم تسمح فسخ العقد لانه لم يختلط المبيع بغيره وانما زاد المبيع في نفسه فصار كما لو اشترى عبدا صغيرا فكبر أو هزيلا فسمن الثاني وهو الصحيح أنه على قولين أحدهما لا ينفسخ البيع والثاني ينفسخ ويخالف السمن والكبر في العقد فان تلك الزيادة لاحكم لها ولهذا يجبر البائع على تسليم العقد مع السمن والكبر لهذه الزيادة حكم ولهذا لا يجبر البائع على تسليمها فدل على الفرق بينهما) .
(الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ هُمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْمَرَاتِبِ الَّتِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا مِنْ مَسَائِلِ الِاخْتِلَاطِ (إحداها) وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً أَوْ أَرْضًا فِيهَا شَجَرَةٌ وَعَلَى الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ الداخلة في البيع من الثمرة حمل.
إذ اشترى شجر وَعَلَيْهَا حَمْلٌ لِلْبَائِعِ بِأَنْ كَانَ مُؤَبَّرًا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ فَلَمْ يَأْخُذْهَا الْبَائِعُ حَتَّى حَدَثَ حَمْلُ الْمُشْتَرِي وَاخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ أَمَّا مَا يَحْمِلُ مَرَّةً فِي الْعَامِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ متى كان على النخلة شئ مُؤَبَّرٌ كَانَ جَمِيعُ ثَمَرَةِ ذَلِكَ الْعَامِ لِلْبَائِعِ.
إذَا عُرِفَ ذَلِكَ قَالَ الْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ الْحَادِثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ الْأَوَّلِ كَانَ الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ حَالَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ وَالْحَمْلُ الْحَادِثُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى(11/479)
وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (إحْدَاهُمَا) طَرِيقَةُ ابْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نَصَّ عليها ولا تجئ عَلَى مَذْهَبِهِ أَيْضًا بَلْ الْبَيْعُ صَحِيحٌ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ وَقَدْ نَكَّتَ ابْنُ خَيْرَانَ وَمَا قَصَّرَ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِيهِ مَيْلٌ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وكذلك الماوردى قال ان ماقاله ابْنُ خَيْرَانَ أَصَحُّ جَوَابًا وَتَعْلِيلًا وَإِنْ كَانَ نَقْلُ الْمُزَنِيِّ صَحِيحًا
قَالَ وَالْإِذْعَانُ لِلْحَقِّ أَوْلَى مِنْ نُصْرَةِ مَا سِوَاهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ وَالطَّبَرِيِّ إنَّهُمَا قَالَا إنَّ الَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ نَقْلُهُ فِي الْأُمِّ فَوَقَعَ الْغَلَطُ فِي النَّقْلِ مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ إلَى مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَاحْتَجَّ الْمُنْتَصِرُونَ لِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَيْسَ فِي المبيع فصار كما لو اشترى رجل ثمار أو تجددت ثِمَارٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَتَعَيَّبَتْ الثِّمَارُ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا خِيَارَ بِعَيْبِ الثِّمَارِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي لَا يَسُوغُ غَيْرُهُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الكافي (والطريقة الثانية) وبها قال المزني وأبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَنَسَبَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا نَسَبَهَا الْمُصَنِّفُ إلَى أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ هَؤُلَاءِ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ نَصَّهُ عليها فان المزني ثقة فما نقله عنه وفي المسألة مالا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ فِيهَا يُقَالُ لِلْمُبْتَاعِ أَتَسْمَحُ فَإِنْ سَمَحَ وَإِلَّا قِيلَ للبائع اتسمح فلولا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ نَفْسُ الشَّجَرِ لَمَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَتَسْمَحُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ قَالَ تَكُونُ الْخَارِجَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحَادِثَةُ لِلْمُشْتَرِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الشَّجَرُ ثُمَّ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الشَّجَرَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الثَّمَرَةُ فَإِذَا اخْتَلَطَتْ(11/480)
الْخَارِجَةُ بِالْحَادِثَةِ فَقَدْ اخْتَلَطَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا قَرِيبٌ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ أَسْقَطَ الْمَسْأَلَةَ بِالْأَصَالَةِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ إنَّ فِيهَا مالا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ (قُلْتُ) الْمُرَادُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ وَأَمَّا إسْقَاطُ ابْنِ خَيْرَانَ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُزَنِيَّ ثِقَةٌ وَقَدْ نَقَلَهَا فَلَمْ يبق لابن خيران متعلق الان أَنْ تَقُولَ إنَّ الْمُزَنِيَّ أَخْطَأَ فِيهَا وَجَوَابُهُ بِمَا أَبْدَاهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ ينفي الجزم بخطائها وَاعْلَمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ عَلَى جَلَالَتِهِمْ وَاطِّلَاعِهِمْ بَيْنَ مُنْكِرٍ لِمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَمُقَلِّدٍ لَهُ فِيهِ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِمَا لَا يتحمل التَّأْوِيلَ إلَّا بِتَعَسُّفٍ عَظِيمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخر باب تمر الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ وَمَا أَثْمَرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَبِيعَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهَا فَإِذَا انْقَضَتْ فَمَا خَرَجَ بَعْدَهَا مِمَّا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَلِمُشْتَرِي الْأَصْلِ وَصِنْفٌ من الثمرة مكان يخرج منه الشئ بعد الشئ حَتَّى لَا يَنْفَصِلُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَهُوَ فِي شَجَرِهِ فَكَانَ لِلْبَائِعِ مَا لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي مَا حَدَثَ فَإِنْ اخْتَلَطَ مَا اشْتَرَى بِمَا لَمْ يَشْتَرِ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ فَفِيهَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فَيَكُونَ قَدْ أَوْفَاهُ حَقَّهُ وَزِيَادَةً أَوْ يَتْرُكَ الْمُشْتَرِي لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةَ فَيَكُونَ قَدْ تَرَكَ لَهُ حَقَّهُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي)
أَنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ صَحِيحًا فَقَدْ اخْتَلَطَ حَتَّى لَا يَتَمَيَّزَ الصَّحِيحُ مِنْهُ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ البيع ما لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ وَقَدْ تَكَلَّفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا بَاعَ شَجَرَةَ التِّينِ مَثَلًا بَعْدَ أَنْ نَتَجَتْ الْأَغْصَانُ وَلَمْ تَبْرُزْ الثَّمَرَةُ فَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ تِلْكَ الْأَغْصَانِ فَإِنَّهُ كَالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ إذَا شَرَطَهَا الْبَائِعُ لنفسه فيشترط فيها القطع على النص فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَبِيعَ قَدْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ وَهَذَا تَكَلُّفٌ(11/481)
بَعِيدٌ وَقَدْ أَحْسَنَ الْمَحَامِلِيُّ فَاعْتَرَفَ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأُمِّ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ خَيْرَانَ مَذْهَبًا وَحِجَاجًا وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ صُورَةِ الِاخْتِلَاطِ وَبَيْنَ تَعَيُّبِ الثِّمَارِ الْمُتَّحِدَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ سَبَبُهُ بَقَاءُ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْأَشْجَارِ وَعَلَى الْبَائِعِ فِي الْجُمْلَةِ تَخْلِيَةُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فَقَدْ حَصَلَ الاختلاط بسبب ما استقاه الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ وَقَرُبَ ذَلِكَ مِنْ نَقْلِ الْأَحْجَارِ الْمُودَعَةِ فِي الْأَرْضِ وَمِنْ قَلْعِ بَابِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ لِنَقْلِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ تَأَوَّلَ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ عَلَى مَا إذَا ابْتَاعَ الشَّجَرَةَ وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ اشْتَرَى الْمُشْتَرِي ثَانِيًا الثَّمَرَةَ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْحَادِثَةُ فَاخْتَلَطَتْ بِهَا وَهُنَا يَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَوْلَيْنِ وَغَلَّطَهُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ بِأَنَّ هُنَا وَإِنْ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّ كُلَّهُ لِلْمُشْتَرِي وَاخْتَلَطَ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا أَعْرِفُ شَجَرَةً تَحْمِلُ حَمْلَيْنِ يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا التين فانه يحمل النور وذى ثُمَّ يَحْمِلُ بَعْدَهُ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ قَالَ(11/482)
غَيْرُهُ إنَّ النَّارِنْجَ وَالْأُتْرُجَّ وَالرَّانِجَ أَيْضًا يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَوْعٍ مِنْ التُّفَّاحِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَنَحْوِهَا كَالتِّينِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ كَوْنِنَا لَمْ نَجْعَلْ الْحَادِثَةَ تَابِعَةً لِلْخَارِجَةِ كَمَا فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ حَيْثُ جَعَلْنَا الطَّلْعَ الْحَادِثَ تَابِعًا عَلَى الصَّحِيحِ بِأَنَّ الْعَادَةَ فِي النَّخْلِ أَنَّهُ يَحْمِلُ حَمْلًا وَاحِدًا فَإِذَا كَانَ بَعْضُ حَمْلِهِ لِلْبَائِعِ كَانَتْ ثَمَرَةُ ذَلِكَ الْعَامِ كُلِّهِ لَهُ وَالتِّينُ يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ فَالثَّانِي كَثَمَرَةِ النَّخْلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (قُلْتُ) وَالْآخَرُ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي شَجَرٍ بِعَيْنِهِ وَلَا نَقُولُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ مُطْلَقًا إنَّ ثَمَرَةَ الْعَامِ كُلَّهَا لِلْبَائِعِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ نَخْلَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ تَحْمِلُ فِي
السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فَالْمُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ بِالْحَمْلِ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْحَمْلَيْنِ مُنْفَصِلًا عَنْ الْآخَرِ انْفِصَالًا بَيِّنًا غَيْرَ مُتَلَاحِقٍ لَمْ يَتْبَعْ الثَّانِي الْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ الَّتِي قَدَّمْتُهَا تَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْعَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ عَلَى ذَلِكَ سُؤَالٌ قَالَ الْأَصْحَابُ (إنْ قِيلَ) هَلَّا قُلْتُمْ الْحَمْلُ الثَّانِي تَابِعٌ لِلْأَوَّلِ كَمَا إذَا بَاعَ نَخْلَةً مُؤَبَّرَةً فَإِنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ (فَالْجَوَابُ) إنَّ في لطلع وجهين(11/483)
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الطَّلْعِ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا حَمْلٌ وَاحِدٌ يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُ وَيَتَأَخَّرُ بَعْضُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَمْلُ الثَّانِي مَعَ الْحَمْلِ الْأَوَّلِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ عَدَمَ الِانْفِسَاخِ هُوَ الصَّحِيحُ يَعْنِي مِنْ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِغَيْرِهَا لَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ الْقَوْلُ بِالِانْفِسَاخِ كَمَا صَحَّحَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَلَا تفريع عليه (وان قلنا) يَنْفَسِخُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَمَنْ سَمَحَ مِنْهُمَا أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَإِنْ امْتَنَعَا فَسَخَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ ابْنِ خَيْرَانَ إنْ تَرَاضَيَا وَاتَّفَقَا عَلَى قَدْرِ الْحَادِثَةِ مِنْ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ وَلَا ينفسخ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ لِمَا حَدَثَ تَأْثِيرًا فِي الْبَيْعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَحْسَنُ وَأَدْخَلُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَحَظَهُ ابْنُ خَيْرَانَ لان الاختلاط في غير(11/484)
المبيع لاأثر لَهُ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ بِعِبَارَةٍ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ فَإِنَّهُ قَالَ وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ إنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ وَلَكِنْ يُقَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمَحْ بِتَرْكِ ثَمَرَتِكَ فَإِنْ سَمَحَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ نُظِرَ فان كان الشَّجَرَةُ وَالثَّمَرَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ قَالَ إنَّهُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَرُبَّمَا يُظَنُّ بَيْنَ كَلَامِ هَؤُلَاءِ وَكَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مُنَافَاةٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ بَيَّنَ الرُّويَانِيُّ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْقَوْلَ بِالْفَسْخِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَعَنْ
ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَحْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ فِي يَدِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ مِنْ قَوْلَيْ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْإِمَامُ تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خيران فقط فكلام أبي الطيب لايراد عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ أَطْلَقَ ذَلِكَ على قول عدم الانقساخ وهو مشترك بين قول ابن خيران وحد قولى طريقة الخلاف وكلام المصنف الا يراد(11/485)
عَلَيْهِ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ نَقَلَ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُقَالُ مَنْ سَمَحَ مِنْكُمَا أُقِرَّ الْعَقْدُ فَأَفْهَمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَحْ واحد منهما لايقر الْعَقْدُ وَيُفْسَخُ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ وَلَوْ أَخَّرَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بَعْدَ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ وقالها تفريعا على عدم الانقساخ كان يتعذر عَنْهُ بِمَا اُعْتُذِرَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا مُشِيرٌ إلى انه لامزية فِي غَرَضِ تَرْكِ الْحَقِّ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْبَائِعِ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي الْبُدَاءَةِ بِالْمُشْتَرِي وَالْأَقْرَبُ التَّسْوِيَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَأَنَّ مَنْ بَدَأَ بِالْقَوْلِ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُتَحَتِّمٌ بَلْ عَلَى جِهَةِ الْمِثَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَالْبُدَاءَةِ فِي التَّسْلِيمِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَقْصُودٌ يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
أَوْرَدَ عَلَى إلْزَامِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ قَبُولَ مَا بُذِلَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ لِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ مَا إذَا سَمَحَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ بِتَقْدِيمِهِ بِتَمَامِ الثَّمَنِ لِيَسْتَمِرَّ عَقْدُ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ وَفِيهِ(11/486)
نَظَرٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الْأُخْرَى.
إذَا اشْتَرَى رَطْبَةً فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ أَصْلِهَا فَلَمْ يَقْلَعْ فَمَا حَدَثَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَأْخُذْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى طَالَتْ وَعَلَتْ فَقَدْ عَطَفَ الْمُزَنِيّ هَذِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ فَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْبَيْعُ صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا (1) وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى هذا أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وجهور أصحابنا والامام الرويانى وَالشَّاشِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَلَّطَ الشَّيْخُ أبو حامد القائل والاول وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ
الْقَائِلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ وصيرورة البلح بسر أو ما أشبه ذلك ليست بِعَيْنٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِي أَطْرَافِهِ وَلَا فِي عَدَدِهِ وَالرَّطْبَةُ إذَا طَالَتْ تَفَرَّعَ لها أغصان وحدثت أعيان لتكن فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى سَوَاءٌ وَحَسَّنَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الجواب بقوله ان تلك الزيادة لاحكم لها فلم يقال إنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ فَإِنَّهَا عَيْنٌ قَطْعًا وَلِهَذَا احْتَاجَ الْأَوَّلُونَ يُفَسِّرُونَ ذَلِكَ بِعَدَمِ زِيَادَةِ أَطْرَافِهِ وعدده لكنها وان كانت
__________
(1) كذا بالاصل(11/487)
عَيْنًا فَلَا حُكْمَ لَهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ مَعَهَا فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَسْلَمُ عَنْ الْمُشَاحَحَةِ وَقَدْ يُفْرَضُ طُولُ الرَّطْبَةِ مِنْ غَيْرِ تفرع أغصان وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الرَّطْبَةَ وَطُولُهَا ذِرَاعٌ فَأُجْبِرَ فِي نِصْفِ طُولِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ السِّمَنِ فَإِنَّهُ لَوْ هَزَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لم يسقط شى وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرطبة حَدَثَتْ فِي الْأُصُولِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ حُدُوثِ حَمْلٍ آخَرَ مِنْ الثَّمَرَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهَا عَيْنٌ مُتَمَيِّزَةٌ بِخِلَافِ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُتَمَيِّزًا (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفِقَتَانِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الرَّطْبَةِ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَتْ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ والشيخ أبو حامد قبلها وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي حِكَايَةِ الطَّرِيقَةِ الْجَازِمَةِ بِالصِّحَّةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّ الْأَصَحَّ مِنْ قَوْلَيْ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ الِانْفِسَاخُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَسْخٌ أَيْ يَفْسَخَهُ الْحَاكِمُ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْ الْقَوْلَيْنِ فِي(11/488)
اخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الرَّطْبَةِ وَمَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ فُسِخَ الْبَيْعُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ ولايقال للمشترى ان سمحت بحق أُقِرَّ الْعَقْدُ وَفِي مَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ وَاخْتَلَطَتْ الثِّمَارُ الْمَوْجُودَةُ بِالْحَادِثَةِ يُقَال لِكُلٍّ مِنْهُمَا إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَالْفَرْقُ أَنَّ في المسألتين الا ولتين إذَا تَرَكَ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ فَازَ الْبَائِعُ بِالْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ.
(فَرْعٌ)
بَاعَ شَجَرَةَ الْبَاذِنْجَانِ إنْ بَلَغَ نِهَايَتَهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْخَرِيفِ لَا يَحْتَاجُ إلى شرط
القطع والا فيشرط القطع فان كان عليه نور فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَهُوَ لِلْبَائِعِ كَمَا فِي سَائِرِ الثِّمَارِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْعَقْدِ إلَّا بِالشَّرْطِ فَلَوْ ظَهَرَ بَاذِنْجَانٌ آخَرُ وَاخْتَلَطَ بِالْأَوَّلِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَكَذَا فِي الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي هَذَا الْفَرْعِ إنْ بَاعَ الْأَصْلَ مَعَ الثَّمَرَةِ لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنَّ شَجَرَ الْخِرْبِزِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْقِثَّاءِ زَرْعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُخَالِفُهُ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ إنْ بَاعَ الْأُصُولَ قَبْلَ خُرُوجِ حَمْلِهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ بَاعَ بَعْدَ خُرُوجِ حَمْلِهَا فَإِنْ بَاعَهَا مَعَ الْحَمْلِ جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ بَاعَهَا دُونَ الْحَمْلِ أَوْ مُطْلَقًا فَالْحَمْلُ الْمَوْجُودُ لِلْبَائِعِ والحادث(11/489)
لِلْمُشْتَرِي وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ الَّذِي حَكَيْتُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ أفقه منه يَعْنِي مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ يَعْنِي كَلَامًا عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا (فَائِدَةٌ) إنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ تَأْخِيرِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ عَنْ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ فَهِيَ أَشْبَهُ بِالْمَسْأَلَةِ الاولى (قلت) المرتبتان الاولتان الِاخْتِلَاطُ فِيهِمَا ظَاهِرٌ إمَّا اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ في الرتبة الْأُولَى وَإِمَّا اخْتِلَاطُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِغَيْرِهِ فِي الرتبة الثَّانِيَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْقَائِلُ الْأَوَّلُ يَقُولُ لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاطٌ وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ الْمَبِيعِ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لَأُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّطْبَةِ بِكَمَالِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَالنِّزَاعُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمُخْتَلَطِ فِيهَا هَلْ هُوَ كَالْمُخْتَلَطِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى أولا وَالنِّزَاعُ فِي الِاخْتِلَاطِ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ الِاخْتِلَاطِ أَوْ لَا فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الِاخْتِلَاطَ الْمُحَقَّقَ بِقِسْمَيْهِ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْهُ ذَكَرَ مَا يَقْبَلُ النزاع في كونه اختلاطا أولا لكن اجراء القولين هنا أَظُنُّهُ أَوْلَى مِنْ إجْرَائِهِمَا فِي(11/490)
الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ حَقِيقِيٌّ وَإِنْكَارُ مَا فِيهِ ارْتِكَابُ ضَرْبٍ فِي الْمَجَازِ أَوْ الْقِيَاسِ وَكَوْنُ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ قُلْتُ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْأُخْرَى وَلَمْ أَقُلْ الثَّالِثَةُ وَذَلِكَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ كَأَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ اخْتَارُوا إجْرَاءَ الْقَوْلَيْنِ هُنَا دُونَ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ.
وَلَوْ اشْتَرَى وَدِيًّا فَكَبُرَ فَإِنَّهُ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ غَيْرُ مُمَيَّزَةٍ قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ الْقَاضِي
حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَاعِدَةً عَامَّةً أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً وَتَرَكَهَا حَتَّى تَكْبُرَ وَتَطُولَ وَتَزْدَادَ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ مِثْلَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ وَأَنْوَاعِهِ فَيَكُونُ الْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ مِثْلَ الْخِلَافِ وَالْقَصَبِ يُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَفِي الْفَتَاوَى الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ تُقْطَعْ حَتَّى نَمَا وَكَبُرَ إطْلَاقُ الْقَوْلَيْنِ فِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ ثُمَّ قَالَ جَامِعُهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَتْ عَنْ القاضي وانه ينبغي ان تكون لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَصْلَهَا كَالثَّمَرَةِ ثُمَّ قَالَ وَرَأَيْتُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمَعَالِي أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا لَا يُخَلِّفُ فَلِلْمُشْتَرِي كَالصَّنَوْبَرِ وَالنَّخْلِ وَإِنْ كَانَ يُخَلِّفُ كَالْقَتِّ فَقَوْلَانِ (قُلْتُ) وَسَنَذْكُرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ أُصُولَهُ وَأَنَّهَا لِلْبَائِعِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَأَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهَا كَاخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ(11/491)
بِغَيْرِهِ فَيُجْرَى الْقَوْلَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ بَاقِي الْفَتَاوَى وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي التَّعْلِيقَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا فانه فيما لا يسخلف لايجتاج إلى شرط الْقَطْعِ وَتَكُونُ أُصُولُهُ لِلْمُشْتَرِي (فَائِدَةٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُنَبِّهُكَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اشْتَرَى جُذَّةً مِنْ الرَّطْبَةِ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا إلَّا الظَّاهِرَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي أَنَّ الْجُذَّةَ الْمُرَادُ بِهَا الظَّاهِرُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِجَذِّهِ وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ كَلَامِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عين في فرض هذه المسألة ان لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْبَاطِنِ.
(فَرْعٌ)
الزُّرُوعُ الَّتِي تُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَأَخَّرَ الْقَطْعُ حَتَّى زَادَ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ الرَّطْبَةِ وَاخْتِلَاطِهَا قَالَ حَتَّى لَوْ تَسَنْبَلَ تَكُونُ السَّنَابِلُ لِلْبَائِعِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَأَخَّرَ الْقَطْعُ حَتَّى زَادَ فَتَكُونُ الزَّوَائِدُ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أُصُولَ الزَّرْعِ الَّتِي مِنْهَا تَحْصُلُ الزيادة هكذ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحُكْمُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَاطِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَسَنْبَلَ تَكُونُ السَّنَابِلُ لِلْبَائِعِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السَّنَابِلَ لَيْسَتْ حَادِثَةً مِنْ خَاصِّ مِلْكِهِ بَلْ هِيَ مِنْهَا(11/492)
عَلَى رَأْيِهِ وَجَعْلُهَا لِلْمُشْتَرِي أَقْرَبُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ فَهَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي النُّسْخَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ (وَالصَّوَابُ) الْقَلْعُ بِاللَّامِ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ من أصوله كانت الاصول ملكه فكلما حَدَثَ مِنْهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ زِيَادَةُ مِلْكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ إذَا بَاعَ الْقُرْطَ بِشَرْطِ الْقَلْعِ فَلَمْ يُقْلَعْ حَتَّى ازْدَادَ يَكُونُ مَا حَدَثَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَلَكَ أَصْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى أُصُولَ الْبِطِّيخِ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَوْ الْقَلْعِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أُصُولَ النَّبَاتِ بِشَرْطِ الْقَلْعِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ أَوْ اسْتَعَارَ وَلَمْ تَبْلُغْ الْأُصُولُ فَمَا يَحْدُثُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ لِأَنَّهُ فَرْعُ أصل مملوك وهذا من صاحب التتمة بناء عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَا يَمْلِكُ أُصُولَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الطَّرِيقَ إلَى مِلْكِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْبِطِّيخِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأُصُولَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَيَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ بل لابد مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَلْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَجْزُومًا بِهِ لِأَنَّ الْبِطِّيخَ مِمَّا يَسْتَخْلِفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَاعَ أُصُولَ النَّبَاتِ(11/493)
مطلقا قال المتولي لايدخل الْبِطِّيخُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ حَتَّى ان الذي هو يرى ولم ينعقد لايتبع الْأُصُولَ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تَظْهَرْ تَتْبَعُ الشَّجَرَةَ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ أَصْلٌ مَقْصُودٌ وَالنَّمَاءُ تَبَعٌ لَهُ فَجُعِلَ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ النَّمَاءِ تَبَعًا لَهُ وَأَمَّا هُنَا أَصْلُ النَّبْتِ لَيْسَ بمقصود وانما المقصود المثار فَلَا يُجْعَلُ الْمَقْصُودُ تَبَعًا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَصِيلِ إلَّا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مَكَانَهُ مِمَّا يستخلف أولا يَسْتَخْلِفُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ اشْتَرَاهُ لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ بغير شرطه وَقَطَعَهُ بِمَكِنَةٍ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي تَرْكِ الْقَصِيلِ أَوْ نَقْضِ الْبَيْعِ فَهَذَا النَّصُّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا اسْتَخْلَفَ خَاصَّةً فَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ نَقَلَهُمَا الْأَصْحَابُ وَإِنْ كان شاملا لما يستخلف ولما يَسْتَخْلِفُ وَلِمَا لَا يَسْتَخْلِفُ فَفِيهِ مُوَافَقَةٌ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الزَّرْعِ الَّذِي لَا يَسْتَخْلِفُ لِلْبَائِعِ وَمُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ لَوْ بَاعَ الْقَصِيلَ أَوْ الشَّجَرَ الْمُخَلِّفَ كَالْخِلَافِ وَالْقَصَبِ أَوْ وَرَقِ الْفِرْصَادِ فِي أَوَّلِ خُرُوجِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي ذَلِكَ
كُلِّهِ فَلَمْ يَقْطَعْ حَتَّى زَادَ فَفِي انْفِسَاخِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ كَالْقَتِّ قَالَ وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ الْمَقَاطِعُ مَعْلُومَةً مِثْلَ أَغْصَانِ الْفَرَاصِيدِ يُبَيِّنُ مُقَاطِعَهَا فَمَا يَحْدُثُ مِنْ الْأَوْرَاقِ وفوق المقطع والطول يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الْقَتِّ وَالْكُرَّاثِ إنَّمَا يَنْفَسِخُ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ أَصْلِهِ الَّذِي لَمْ يبع غير متميز عما باع لانه لايعرف مَقَاطِعُهَا بَعْدَ الزِّيَادَةِ.(11/494)
(فَرْعٌ)
فِي زِيَادَاتِ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ إذَا اشْتَرَى وَرَقَ الْفِرْصَادِ مَعَ أَغْصَانِهِ فَتَرَاخَى الْقَطْعُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ فَلَهُ الْقَطْعُ وَإِنْ اشْتَرَى الْوَرَقَ فَقَطْ فَتَأَخَّرَ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي قَوْلٍ لانه اختلط المبيع بغيره.
(فرع)
مالا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالرَّطْبَةِ وَالْقَصِيلِ وَالْقَصَبِ وَالطُّرَفَاءِ وَالْخَشَبِ وَالْبَرْدِيِّ فِي خَرَابِزِهِ ذَكَرَهُ ابن خيران في اللطيف.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ كَانَ له شجرة تحمل حملين فباع أحد الحملين بعد بدو الصلاح وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَمْلَ الْآخَرَ وَيَخْتَلِطُ به ولا يتميز فالبيع باطل وقال الربيع فيه قول آخر أن البيع يصح ولعله أخذه من أحد القولين فيمن باع جذة من الرطبة فلم يأخذ حتى حدث شئ آخر أن البيع يصح في أحد القولين والصحيح هو الاول لانه باع ما لا يقدر على تسليمه لان العادة فيها الترك فإذا ترك اختلط به غيره فتعذر التسليم بخلاف الرطبة فانه باعها بشرط القطع فلا يتعذر التسليم) (الشَّرْحُ) ضَبَطَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ حَمْلَيْنِ بِفَتْحِ الْحَاء قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَقَالَ غَيْرُهُ الْحَمْلُ بِالْفَتْحِ مَا كَانَ فِي بَطْنٍ أَوْ عَلَى رَأْسِ شَجَرَةٍ وَبِالْكَسْرِ مَا كَانَ عَلَى رَأْسٍ أَوْ ظَهْرٍ وَحَمْلُ الشَّجَرَةِ مَرَّتَيْنِ(11/495)
يقال ان ذلك التِّينِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ وَالْأُتْرُجِّ تَحْمِلُ حَمْلَيْنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالتَّقْيِيدِ لِمَا تَقَدَّمَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْكَلَامِ فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ إنَّمَا مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَاطُ غَالِبًا أَوْ كَانَ غَالِبًا وَلَكِنْ شُرِطَ الْقَطْعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَتَّفِقْ حَتَّى وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ أَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ غَالِبًا وَلَمْ يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ قَالَ الرَّبِيعُ هُنَاكَ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي مِثْلِ هَذَا قَوْلٌ أَنَّهُ إنْ شَاءَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا زَادَ مِنْ الثَّمَرَةِ الَّتِي اخْتَلَطَتْ بِثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي صَحَّ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَهَذَا
لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ الرَّبِيعُ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ جُذَّةً مِنْ الرَّطْبَةِ فَلَمْ يجذه المشترى حتى حدثت أعيان أخرفان الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَخَرَّجَ الرَّبِيعُ قَوْلًا آخَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى تِلْكَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَلِطَ فِي هَذَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّطْبَةَ إنَّمَا تُبَاعُ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ فَالْمَبِيعُ مَعْلُومٌ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَإِنَّمَا يُخَافُ تَعَذُّرُ التَّسْلِيمِ بِمَعْنًى رُبَّمَا حَدَثَ وَرُبَّمَا لَمْ يَحْدُثْ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَهَهُنَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي تَبْقِيَتَهَا إلَى وَقْتِ الْجُذَاذِ فَإِذَا(11/496)
عُلِمَ اخْتِلَاطُهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَقَدْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَا يُعْلَمُ تَعَذُّرُ تَسْلِيمِهِ حَالَ اسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمِ انْتَهَى وَشَبَّهُوهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَقَدْ أَطْبَقَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بالفساد ورد ماقاله الرَّبِيعُ قَالُوا وَإِنَّمَا وِزَانُ مَسْأَلَةِ الرَّطْبَةِ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ قَوْلَ الرَّبِيعِ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ وَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلًا بَعِيدًا أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ سَمَحَ الْبَائِعُ بِبَذْلِ حَقِّهِ تَبَيَّنَّا انْعِقَادَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فِي أَصْلِهِ وَهَذَا قَوْلٌ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ بِمَثَابَةِ الْمَصِيرِ إلَى وَقْفِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ عَلَى تَقْدِيرِ فَرْضِ الِاقْتِدَارِ عَلَيْهِ وِفَاقًا فَإِنْ طَرَدُوا هَذَا فَهُوَ عَلَى فَسَادٍ مُطَّرِدٌ وَمَا أَرَاهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَأَرَادَ الْإِمَامُ بِالْقَوْلِ الَّذِي نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الرَّبِيعِ لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ وَقْفِ الْعُقُودِ بَلْ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ فِي حِكَايَةِ(11/497)
هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ اسْمَحْ بِتَرْكِ حقك فان سمح والافسخ الْعَقْدُ وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الرَّبِيعِ فِي الْأُمِّ الَّتِي حَكَيْتُ بَعْضَهَا فِي صَدْرِ كَلَامِي مُحْتَمِلَةٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مِنْ وَقْفِ الْعُقُودِ وَلَا يَتَبَيَّنُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ أَوْ عَدَمَ انْعِقَادِهِ وَأَمَّا إلْزَامُهُمْ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ وَلَا كَذَلِكَ الْآبِقُ لَكِنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فَإِنَّ الرَّطْبَةَ لِأَجْلِ شَرْطِ الْقَطْعِ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا وَهَهُنَا الْإِبْقَاءُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُسْتَحَقٌّ فَلَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ وَكَوْنُهُ تَسْلِيمُهُ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ لَا يَكْفِي لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ الَّذِي لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْجَمِيعِ وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ اذفا لا أن الاختلاط
بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لَا يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ أَنْ يَقُولَا بِالصِّحَّةِ هَهُنَا فَإِنَّ التَّسْلِيمَ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ وَلِلْبَائِعِ إجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عَنْ عُهْدَةِ الضَّمَانِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمَنْقُولِ(11/498)
وَحِينَئِذٍ تُسَاوِي مَسْأَلَةَ الرَّطْبَةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ التَّسْلِيمُ لَا يُمْكِنُ فِي حَالٍ إلَّا مَعَ الاختلاط لم يصح ذلك وذلك في جمة البئر إذا أفردت بالبيع وقلنا الماء يملك وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْوَافِي أَنَّهُ إذَا عَلِمَ حُدُوثَ مَا تَخْتَلِطُ بِهِ الثَّمَرَةُ الْمَبِيعَةُ إذَا تَرَكَهَا فينبغي أن يجب القطع للمعذر الْمُفْضِي إلَى إبْطَالِ الْبَيْعِ فَيَصِحُّ نَقْلُ الرَّبِيعِ (قُلْتُ) وَإِيجَابُ الْقَطْعِ بِدُونِ شَرْطِهِ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يرجع إلى أن المتوقع كالواقع أولا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ وَلِهَذَا مَنَعُوا الاب من نكاح جارية ابن إذَا قُلْنَا لَوْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَشَاهِدُهُ مِنْ السُّنَّةِ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ) وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا فِي إلْزَامِهِمْ الْعِرَاقِيِّينَ طَرْدَهُ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ أَنَّهُ أَبْدَى فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ احْتِمَالًا فِي جَوَازِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمُنْقَطِعِ الْخَبَرُ مَعَ عَدَمِ اتِّصَالِ الرِّفَاقِ وَعَدَمُ إجْزَاءِ عِتْقِهِ(11/499)
عَنْ الْكَفَّارَةِ ظَاهِرٌ ثُمَّ قَالَ وَمِمَّا يَجِبُ ذِكْرُهُ أَنَّا إذَا مَنَعْنَا الْبَيْعَ فَلَوْ تَبَيَّنَ بَقَاءُ الْعَبْدِ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي نُفُوذُ الْبَيْعِ وَإِنْ كان يلتفت على الوقف وَلَكِنْ إذَا بَانَ الْأَمْرُ مِنْ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَظَنُّ التَّعَذُّرِ لَا يَبْقَى أَثَرُهُ مَعَ تَبَيُّنِ خِلَافِهِ وَكَانَ فِي الْمُعَامَلَاتِ يُضَاهِي صَلَاةَ الْخَوْفِ مَعَ سَوَادٍ يَحْسِبَهُ عَدُوًّا ثُمَّ بَانَ خِلَافَهُ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى الشَّجَرَةَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ ظُهُورِ أَحَدِ الْحَمْلَيْنِ وَتَأْبِيرِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَمْلَ الْآخَرَ وَيَخْتَلِطُ بِهِ فَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ إلَّا بِشَرْطِ القطع وقال انه يجئ فِيهِ الْخِلَافُ يَعْنِي خِلَافُ الرَّبِيعِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خَيْرَانَ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ وَيَنْبَغِي عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خَيْرَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِالصِّحَّةِ الْحُكْمُ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِلَافِ يَكُونُ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَ الْحَمْلَيْنِ فَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(1) إذا بَاعَ شَجَرَةً وَاسْتَثْنَى ثَمَرَتَهَا الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ
__________
(1) بياض الاصل فحرر(11/500)
فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ عَلَى الصَّحِيحِ (1) وَإِذَا بَاعَ شَجَرَةً وَبَقِيَتْ ثَمَرَتُهَا الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهَا جَزْمًا (2) وَإِذَا بَاعَ ثَمَرَةً بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَعَلِمَ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا قَبْلَ الْجُذَاذِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ وَاخْتَلَطَتْ بِثَمَرَةٍ أُخْرَى فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ (3) وَلَوْ بَاعَ رَطْبَةً أَوْ شَبَهَهَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ هُنَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ (4) وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا رَطْبَةٌ تَبْقَى لِلْبَائِعِ وَيَعْلَمُ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ يَعْلَمُ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَدَّمْتُهُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَظَهَرَ لَكَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِيمَا إذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ بِالشَّرْطِ أَوْ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِالْعَقْدِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذا لم يكن تلاحق المثار غَالِبًا أَمَّا لَوْ كَانَ غَالِبًا فَمُقْتَضَى مَا تقرر بطلانه كما إذا باع
__________
(من 1 إلى 4) بياض بالاصلل فليحرر(11/501)
ثَمَرَةً يَعْلَمُ تَلَاحُقَهَا بِغَيْرِهَا وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُفَرِّقَ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ هُنَاكَ مَبِيعَةٌ فَتَعَذُّرُ تَسْلِيمِهَا مُوجِبٌ لِلْبُطْلَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَتْ لِلْبَائِعِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي لَحَظَهُ ابْنُ خَيْرَانَ فِيمَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ فَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا وَقَدْ أَبْطَلَهُ الْأَصْحَابُ هُنَاكَ وَلَوْ بَاعَ شَجَرَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَاسْتَثْنَاهَا الْبَائِعُ إمَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ إنْ شَرَطْنَاهُ أَوْ بِدُونِهِ فَحَدَثَ طَلْعٌ آخَرُ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ مَا إذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ وَحَدَثَ طَلْعٌ آخَرُ فَيُجْرَى فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الطَّلْعَ يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ نَقُولُ هُنَا إنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ إنَّمَا بَقِيَتْ بِالشَّرْطِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ الطَّلَبُ الْحَادِثَ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الطَّلْعَ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِلثَّمَرَةِ فَلَا كَلَامَ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَالِبُ تَلَاحُقَهُ فَهَلْ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ يعلم اختلاطها(11/502)
بِغَيْرِهَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيهَا الْبُطْلَانُ وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةَ الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مَعَ ثَمَرَتِهَا اُشْتُرِطَ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ كَالزَّرْعِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَّفِقْ القطع حتى خرج شئ آخَرُ فَالْخَارِجُ وَالْمَوْجُودُ كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَحْصِيلِ كُلِّ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَغَيْرِهَا لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ أَرَادَ الْخَلَاصَ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِالْقَطْعِ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ الْأَرْضَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَنْفَعَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الارض مطالبته بالقطع قاله الروياني وغيره.
بعون الله تعالى قد تم طبع الجزء الحادي عشر..(11/503)
المجموع شرح المهذب
للامام ابي زكريا محي الدين بن شرف النووي
المتوفى سنة 676 هـ
الجزء الثاني عشر
دار الفكر(12/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
* (باب بيع المصرات والرد بالعيب)
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (إذا اشترى ناقة أو شاة أو بقرة مصراة ولم يعلم بأنها مصراة ثم علم أنها مصراة فهو بالخيار بين أن(12/2)
يسك وبين أن يرد لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال " لا تصروا الابل والغنم للبيع فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بعد أن يحلبها ثلاثا إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر " وروى أن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من ابتاع محفلة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ معها مثل أو مثلى لبنها قمحا)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ رَوَاهُ الائمة مالك في الموطأ والشافعي عنه والبخاري ومسلم في صحيحيهما وأبو دواد والترمذي والنسائي وابن ماجه وليس في شئ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِمَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ اللَّفْظُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ الْمَشْهُورُ بِصِحَّتِهِ وَلَفْظُهُ لَا تُصِرُّوا الْإِبِلِ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخَطهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأبو دواد وَلَيْسَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَفِيهَا زِيَادَةٌ لَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ كَذَلِكَ رَوَاهُ الْمُزَنِيّ عَنْهُ وَقِيلَ إنَّ الْمُزَنِيَّ انْفَرَدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله (وَأَمَّا)
الرَّبِيعُ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ كَمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَمِنْ الرُّوَاةِ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ ردها رد معها صاعا(12/3)
من طعام " لامراء في رواته مِنْ طَرِيقِهِ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وصاعا من تمر " لامراء (1) رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
* وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ بَعْضَ ذَلِكَ وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ " مَنْ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شاء أمسكها وإن شاء ردها مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* (قَالَ) البخاري قال
__________
(1) بياض بالاصل(12/4)
بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا
* وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا والتمر أكتراها كَلَامُ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُوسَى بْنُ يَسَارٍ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فلينفلت بها فليحلبها وان رَضِيَ حِلَابَهَا أَمْسَكَهَا وَإِلَّا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبُو صَالِحٍ وَلَفْظُهُ " مَنْ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَلَفْظُهُ " إذَا مَا أَحَدُكُمْ اشْتَرَى نَعْجَةً مُصَرَّاةً أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يحلبها إما هي والا فليردها وصاع تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الرَّدِّ بِغَيْرِ أَرْشٍ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَابِتٌ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد (وَقَالَ) بَعْضُهُمْ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاعَ التَّمْرِ فِي مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ وَأَنَّهُ أَخَذَ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ
* وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الشَّعْبِيُّ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى مِنْكُمْ مُحَفَّلَةً فَكَرِهَهَا فَلْيَرُدَّهَا وَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ " رَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَفِي لَفْظٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ " مَنْ اشترى نعجة مصراة أو شاة مصراة فحليها فَهُوَ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَإِنَاءً
مِنْ طَعَامٍ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ
* وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَرْفُوعَةٌ إلَى(12/5)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذِهِ رِوَايَاتُ أبى هريرة ليس في شئ مِنْهَا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِتَمَامِهِ بَلْ طَرِيقُ الْأَعْرَجِ جَمَعَتْ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ التَّصْرِيَةِ وَبَيَانِ حُكْمِهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الثَّلَاثِ
* وَطَرِيقُ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي صَالِحٍ فِيهَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ وَهِيَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ وَلَيْسَا حَدِيثًا وَاحِدًا حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ تُضَافَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ إلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى بَلْ وَالْمَعْنَى أَيْضًا مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي صَالِحٍ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ (فَالْأَوَّلُ) يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ ابْتِدَائِهِ
(وَالثَّانِي)
يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مُدَّتِهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْكِتَابِ يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بِحُكْمٍ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ فِي شئ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ بَعْدَ الْحَلْبِ ثَلَاثًا فَالثَّلَاثُ إمَّا رَاجِعَةٌ لِلْخِيَارِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ حَلْبِهَا ثَلَاثًا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَكُلُّ واحد من الامرين لم يدل عليه شئ مِنْ الرِّوَايَاتِ صَرِيحًا (وَأَمَّا الثَّانِي) فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ أَصْلًا لَا صَرِيحًا وَلَا ظَاهِرًا وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءً الْعَبْدَرِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي التَّهْذِيبِ
* وَقَالَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمَا أَصْلَ الحديث لان ذَلِكَ اللَّفْظَ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ حَدِيثُ(12/6)
مختصر المزني والمنصف تَبِعَ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ فِي ذَلِكَ وَالْمَوْجُودُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ لَيْسَ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ أَيْضًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ عَلَى الصَّوَابِ وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَعْلِيقِهِ بِلَفْظٍ قَرِيبٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْخِيَارُ ثَلَاثًا وَلَيْسَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا وَهُوَ مُصَدَّرٌ بِالنَّهْيِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ فِي الْغَرَابَةِ كَاللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَذَكَرَهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ ثَابِتٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ وثبوته من حديث أبى هريرة رواه عن الْأَعْرَجُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَثَابِتٌ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُمْ وَمُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ وَرِوَايَاتُهُ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ بِقَرِيبٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَمُوسَى بْنُ يَسَارٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو إسحق ويزيد
ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ وَرَوَاهُ عَنْ هؤلاء وعن من بَعْدَهُمْ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ صَارَ إلَى التَّوَاتُرِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ ثَابِتٌ صَحِيحٌ لَا يَدْفَعُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ باللفظ الذى ذكر الْمُصَنِّفُ
* قَالَ الْخَطَّابِيُّ(12/7)
وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ (قَالَ) الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَإِنَّ جُمَيْعَ بْنَ عُمَيْرٍ قَالَ ابن بهير هو مِنْ أَكْذِبْ النَّاسِ (وَقَالَ) ابْنُ حِبَّانَ كَانَ رافضا يضع الحديث (قلت) وجميع بن عمير هو الذى له عن ابن عمر هذا الكلام عن ابن بهير وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ أَشَدِّ مَا قِيلَ فِيهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ فَقَالَ مِنْ عِتْقِ الشِّيعَةِ وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ صَادِقُ الْحَدِيثِ كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ (وَقَالَ) الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ فِيهِ نَظَرٌ (وَقَالَ) الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ قَوِيَّةٍ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ تَفَرَّدَ بِهِ جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْأَحْكَامِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لحال جميع ابن عمير هذا وانما أعله بِصَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ الرَّاوِي عَنْ جُمَيْعٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا بِمَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رفعا الحديث (قال) لا يبيع حاضر لباد ولا تلقوا السلع بأفواه الطريق وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَسُمْ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَرُدَّ وَلَا تَسَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أختها لتكتفي مَا فِي صَحْفَتِهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا كُتِبَ لَهَا وَلَا تَبِيعُوا الْمُصَرَّاةَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَمَنْ اشْتَرَاهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَالرَّهْنُ مَرْكُوبٌ(12/8)
وَمَحْلُوبٌ " وَلَيْثٌ الْمَذْكُورُ فِي سَنَدِهِ هُوَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا حلب ولا جنب ولا إعراض ولا يبيع حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ إذَا حَلَبَهَا بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخَطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " وَكَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا (قَالَ) الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ
الْكَذِبِ (وَقَالَ) ابْنُ حِبَّانَ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ (قَالَ) الدَّارَقُطْنِيّ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ تَابَعَهُ عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْمُصَرَّاةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ الثِّقَةِ الْمَشْهُورِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ نهى أَنْ تُتَلَقَّى الْأَجْلَابُ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَمَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ فَإِنْ حَلَبَهَا وَرَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا شَكًّا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَقَالَ صَاعًا مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ ذَاكَ لَا أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي هَذَا الْبَابِ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَإِنَّ(12/9)
لِصَاحِبِهَا أَنْ يَحْتَلِبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا فَلْيُمْسِكْهَا وَإِلَّا فليردها وصاعا من تمر " اسماعيل بن ابراهيم مُسْلِمٍ مَتْرُوكٌ وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التميمي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا " رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي خلف التيمى لَكِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مَوْقُوفًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي أَحْكَامِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ (وَقَالَ) ابْنُ الْأَثِيرِ فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ هِشَامٍ (وَقَالَ) الْإِسْمَاعِيلِيُّ إنَّ أَبَا خَالِدٍ رَفَعَهُ وَإِنَّ ابْنَ المبارك وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَابْنَ أَبِي عَدِيٍّ وَيَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ وَهِشَامًا وَجَرِيرًا وَغَيْرَهُمْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى شرط البخاري وزاد " من تمر ماله " الاسناد وَالْحُكْمُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ شَرْطٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْوَقْفِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ (أَمَّا) عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ فَيَنْبَغِي الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ وان أبا خالد وهو سليم بْنُ حِبَّانَ الْأَحْمَرُ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ ومن رفع معه زيادة مَنْ وَقَفَ وَالْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْكُمُ بِصِحَّةِ مِثْلِ ذَلِكَ فَقَدْ تَلَخَّصَتْ رِوَايَاتُ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ جَدِّ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَسِ من مالك وابن مسعود(12/10)
رضى الله عنهم (وأصحهما) رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرِوَايَةُ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ سَنَدُهَا جَيِّدٌ وَرِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ ضَعِيفَةٌ فِي رَفْعِهَا وتجب عَلَى طَرِيقَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ التَّمَسُّكُ بِهَا وَتَرْجِيحُ الْحُكْمِ بِالْمَرْفُوعِ وَلَا أَرَى التَّمَسُّكَ بِمِثْلِ هذا لمنصف فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ قُوَّةِ الظَّنِّ بِالْوَقْفِ لِرُجْحَانِ رُوَاتِهِ كَثْرَةً وَجَلَالَةً نَعَمْ ذَكَرَ الماوردي أن الشافعي رواه أعنى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ التَّيْمِيِّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ وَكَانَ الرَّفْعُ فِيهِ مُحَقَّقًا تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ مِمَّنْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَيَكُون عَنْهُ رِوَايَتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) اللُّغَةُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَرُّوا - فَهُوَ بِضَمِّ التَّاء الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقَ وَفَتْحِ الصَّادِ وَبَعْدَ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَاوٌ وَفَتْحُ لَامِ الْإِبِلِ عَلَى - مِثَالِ تَرَكُوا (قَالَ) الْقَاضِي عِيَاضٌ كَذَا صَحِيحُ الرِّوَايَةِ مِنْ صَرَّى إذَا جُمِعَ مُثَقَّلٌ وَمُخَفَّفٌ وَهُوَ تَفْسِيرُ مَالِكٍ لَهُ وَالْكَافَّةُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ وَبَعْضِ الرُّوَاةِ تَحْذِفُ وَاوَ الْجَمْعِ وَتَضُمُّ لَامَ الْإِبِلِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يصير - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الصَّادِ وَإِثْبَاتِ وَاوِ الْجَمْعِ وَنَصْبِ لَامِ الْإِبِلِ - وَخَطَّأَ الْقَاضِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ (وَقَالَ) إنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ إلَّا عَلَى تَفْسِيرِ مَنْ فَسَّرَ بِالرَّبْطِ وَالشَّدِّ مِنْ صَرَّ يَصِرُّ (وَقَالَ) فِيهِ الْمَصْرُورَةُ وَهُوَ تَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ كَأَنَّهُ يَحْبِسُهُ بِرَبْطِ أَخْلَافِهَا وَشَدِّهَا لِذَلِكَ وَخَطَّأَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْوَجْهَ الْأَخِيرَ وَجَعَلَهُ وهما محتجا بأنه لو كان كذلك مصروة قال وهذا(12/11)
لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَهُوَ مِثْلُ الْوَجْهِ الْأَخِيرِ وَقَيَّدَهُ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَجْهِ الثَّانِي وَابْنُ مَعْنٍ شَارِحُ الْمُهَذَّبِ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ وَالْفَارِقِيُّ أَقَلُّ عُذْرًا لِأَنَّ الْوَاوَ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَنُسَخِ الْمُهَذَّبِ (قَالَ) الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ فِي الْمُصَرَّاةِ وَمِنْ أَيْنَ أُخِذَتْ وَاشْتُقَّتْ (فَقَالَ) الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ التَّصْرِيَةُ أَنْ تُرْبَطَ أَخْلَافُ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ وَتُتْرَكَ مِنْ الْحَلْبِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا لَبَنٌ فَيَرَاهُ مُشْتَرِيهَا كَثِيرًا فَيَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا فَإِذَا تُرِكَتْ بعد تلك الحلبة حلبة أو اثنين عُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَبَنِهَا (قَالَ) أَبُو عُبَيْدٍ الْمُصَرَّاةُ النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ أَوْ الشَّاةُ التي قد صرى اللبن في ضرعها معنى حُقِنَ فِيهِ أَيَّامًا فَلَمْ يُحْلَبْ وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ وَجَمْعِهِ
يُقَالُ مِنْهُ صَرَيْتُ الْمَاءَ وَيُقَالُ إنَّمَا سُمِّيَتْ الْمُصَرَّاةُ لِأَنَّهَا مِيَاهٌ اجْتَمَعَتْ قال أبو عبيدة وَلَوْ كَانَ مِنْ الرَّبْطِ لَكَانَ مَصْرُورَةً أَوْ مُصَرَّرَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الرَّدَّ عَلَى الشَّافِعِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ حَسَنٌ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ وَالْعَرَبُ تُصِرُّ ضُرُوعَ الحلوبات إذا أرسلتها تسرح ويسمون ذلك الرباط صرارا فان رَاحَتْ حَلَّتْ تِلْكَ الْأَصِرَّةَ وَحَلَبَتْ وَاسْتُدِلَّ لِصِحَّةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِ الْعَرَبِ (الْعَبْدُ لَا يُحْسِنُ الكر والفر انما تحسن الحلب والصر) ويقول مالك بْنُ نُوَيْرَةَ فَقُلْتُ لِقَوْمِي هَذِهِ صَدَقَاتُكُمْ مُصَرَّرَةٌ اخلاقها لَمْ تُجَدَّدْ
* قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَصْلَ الْمُصَرَّاةِ مُصَرَّرَةٌ أُبْدِلَتْ إحْدَى الرَّاءَيْنِ يَاءً وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ(12/12)
فِي كَلَامِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ جَائِزٌ أَنْ تكون سميت مصراة من صرا خلافها كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ مُصَرَّاةً مِنْ الصَّرْيِ وَهُوَ الْجَمْعُ (يُقَالُ) صَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إذَا جَمَعْتَهُ (وَيُقَالُ) كَذَلِكَ الْمَاءُ صَرَى (وَقَالَ) عُبَيْدٌ
* يَا رُبَّ مَاءٍ صَرًى وَرَدْتُهُ
* سَبِيلَهُ خَائِفٌ حَدَثٌ
* وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ الصَّرِّ قَالَ كَانَتْ الْمُصَرَّاةُ في الاصل مصرورة فاجتمعت ثلاث راآت فقلبت إحداها ياء كما قالوا تظمنت من الظن وكما قال العجاج
* بمضي الْبَازُ إذْ الْبَازِي كُسِرَ
* هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَذْكُورُ وهو فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَنْ النَّجْشِ وَالتَّصْرِيَةِ " قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ لِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ يَعْنِي لِلضَّبْطِ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) الِاشْتِقَاقُ وَالْمَعْنَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لَهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ إبْدَالِ الرَّاءِ يَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ الصَّرِّ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ وَمَدْلُولُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فَسَّرَ التَّصْرِيَةَ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِهِ مِنْ الرَّبْطِ وَالتَّرْكِ مِنْ الْحَلْبِ حَتَّى يَجْتَمِعَ اللَّبَنُ وَالشَّكُّ أَنَّ ذَلِكَ فِيهِ مَعْنَى الرَّبْطِ وَالْجَمْعِ مَعًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ بِذَلِكَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ وَذَكَرَ الرَّبْطَ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ(12/13)
فِي احْتِبَاسِ اللَّبَنِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مُخَالَفَةٌ لِغَيْرِهِ إلَّا زِيَادَةٌ تبيين مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلَهُ مِنْ رَبْطِ أَخْلَافِ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ
لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الصَّرِّ وَالرَّبْطِ وَحِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ الشافعي اعلم باللغة منا نقله عن الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَرَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ حجة في اللغة قال الربيع وكان ابن هشام بمصر كالأصمعي بالعراق وقالا أَبُو عُبَيْدٍ الشَّافِعِيُّ مِمَّنْ يُؤْخَذُ عَنْهُ اللُّغَةُ أَوْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الشَّكُّ مِنْ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَقَالَ الْمَازِنِيُّ الشَّافِعِيُّ عِنْدنَا حُجَّةٌ فِي النَّحْوِ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ الْجَارُودِ إنَّ لِلشَّافِعِيِّ لُغَةً جَيِّدَةً يُحْتَجُّ بِهَا كَمَا يُحْتَجُّ بِالْبَطْنِ مِنْ الْعَرَبِ وَقَالَ ثَعْلَبٌ إنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْتِ اللُّغَةِ يَجِبُ أن تؤخذ عَنْهُ وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ خُذُوا عَنْ الشَّافِعِيِّ اللُّغَةَ وَقَالَ ثَعْلَبٌ أَيْضًا إنَّمَا يُؤْخَذُ الشَّافِعِيُّ بِاللُّغَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هذه الاقول كُلَّهَا لِيَتَبَيَّنَ قَدْرُ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّصْرِيَةَ أَنْ يُرْبَطَ أَخْلَافُ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ وَأَخْلَافٌ جَمْعُ خِلْفٍ - بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ - (قَالَ) ابْنُ قُتَيْبَةَ الْخِلْفُ لِكُلِّ ذَاتِ خُفِّ والطى للسباع وذوات الحافر وجمع أَطْيَاءُ وَالضَّرْعُ لِكُلِّ ذَاتِ ظِلْفٍ قَالَ وَقَدْ يجعل الضرع أيضا لذوات الخف والخلف لِذَوَاتِ الظِّلْفِ وَالثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ(12/14)
(قُلْتُ) فَإِطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ أَخْلَافَ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ (إمَّا) أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ غَلَّبْنَا النَّاقَةَ عَلَى الشَّاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَفِي التَّصْرِيَةِ لُغَةُ التَّصْوِيَةِ بَدَلُ الرَّاءِ وَاوٌ قَالَ الْهَرَوِيُّ التَّصْوِيَةُ وَالتَّصْرِيَةُ واحد وهو أن تصرى الشاة أي تجفل قَالَ يُوسُفُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ابن أَبِي الْحَجَّاجِ الْمَقْدِسِيِّ فِيمَا عَلَّقَهُ مِنْ كِتَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى تَصْحِيفِ أَبِي عُبَيْدٍ الْهَرَوِيِّ فِي كِتَابِ الْغَرِيبَيْنِ تَخْرِيجُ ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ الْحَافِظُ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ يُصَرُّ الشَّاةَ بِغَيْرِ يَاءٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يُصَرِّيَ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ بَعْدَ الرَّاءِ مِنْ حَدِيثِ النَّاقَةِ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ أَنْ يُصَرَّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَشُدَّ وَذَلِكَ يَجُوزُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْتُ) وَلَمْ أَرَهُ فِي الْغَرِيبَيْنِ إلَّا بِالرَّاءِ وَالْيَاءِ كَمَا نَقَلْتُهُ فَلَعَلَّ النُّسَخَ الَّتِي وَقَعَتْ لِابْنِ نَاصِرٍ كَانَتْ مُصَحَّفَةً وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ النُّسَخِ لَكَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ الْمَعْنَى الْمَنْسُوبِ لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَرِدْ عَنْ الصَّرِّ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ الصَّرِّ
وَالتَّصْرِيَةِ حَرَامٌ إذَا قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ وَجَائِزٌ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ خَدِيعَةٌ وَلَا ضَرَرٌ بِالْحَيَوَانِ لَكِنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ مِنْ الرَّدِّ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالَةٍ يَحْصُلُ فِيهَا اجْتِمَاعُ اللَّبَنِ لَا فِي الصَّرِّ الْمُجَرَّدِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاللِّقْحَةُ - بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَجَمْعُهَا لِقَحٌ مِثْلَ قِرْبَةٌ وَقِرَبٌ(12/15)
وَهِيَ النَّاقَةُ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدُ بِالْوِلَادَةِ نَحْوَ شَهْرَيْنِ أو ثلاثة والمحفلة هي التى جفل اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا وَهِيَ الْمُصَرَّاةُ (وَقَوْلُهُ) بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ هُوَ إمْسَاكُ الْمَبِيعِ أَوْ يَرُدُّهُ أَيُّهُمَا كَانَ خَيْرًا لَهُ فَعَلَهُ (وَالْحِلَابُ) هُوَ الْإِنَاءُ يملاه قَدْرُ حَلْبَةِ نَاقَةٍ وَيُقَالُ لَهُ الْمَحْلَبُ أَيْضًا وَبَعْضُهُمْ يُطْلِقُ فَيَقُولُ الْحِلَابُ الْإِنَاءُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ الْأَلْبَانُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَحْلُوبِ وَهُوَ اللَّبَنُ كَالْحِرَافِ لِمَا يُحْتَرَفُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ إنَّمَا يُقَالُ فِي اللَّبَنِ الْإِحْلَابَةُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِلَابِ فِي الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ الْحَلْبَةُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ اللَّبَنُ نَفْسُهُ وَمِنْ الظَّاهِرِيَّةِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَرَأَوْا أَنَّ هذا من المجاز للذى لَمْ يَدُلَّ نَصٌّ عَلَى إرَادَتِهِ وَسَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَدَلُ اللَّبَنِ والتمر الحنطة وَالطَّعَامُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَالْمُرَادُ بِهِ التَّمْرُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَطْعِمَتِهِمْ (وَالثَّانِي) لِأَنَّ مُعْظَمَ رِوَايَاتِ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا جَاءَتْ " وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ وَهُوَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْغَالِبَ وَلَا أَنْ يَتَرَجَّحَ رِوَايَتُهُ هَذَا مَا فِي حَدِيثِ الْكِتَابِ وَطُرُقِهِ مِنْ اللُّغَةِ وَتَبْوِيبُ الْمُصَنِّفِ الْمَقْصُودُ بِهِ ذِكْرُ الْأَسْبَابِ الْمُثْبِتَةِ لِخِيَارِ النَّقِيصَةِ وَهُوَ مَا ثَبَتَتْ بِفَوَاتِ أَمْرٍ مَظْنُونٍ يَنْشَأُ الظن فيه من(12/16)
تَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ كَالتَّصْرِيَةِ أَوْ نَصٍّ عُرْفِيٍّ كَالْعَيْبِ فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ أَوْ الْتِزَامٍ شَرْطِيٍّ كَشَرْطِ الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهِ إذَا خَرَجَ بِخِلَافِهِ وَقَدْ ضَمَّنَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ على هذا الترتيب وقدم التصرية لانها هي الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَاسَهُ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَقَدْ ورد فِيهِ حَدِيثًا نَصًّا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثم ذكره بَعْدَهُ خِيَارَ الْخُلْفِ الَّذِي يَثْبُتُ بِفَوَاتِ الِالْتِزَامِ الشَّرْطِيِّ وَجُعِلَ مُؤَخَّرًا عَنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (إمَّا) لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ أَيْضًا أَعْنِي الرَّدَّ
بِالْعَيْبِ (وَإِمَّا) لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ أَكْثَرُ وُقُوعًا وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا ثَبَتَا بِالْقِيَاسِ عَلَى التَّصْرِيَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْلَا التَّصْرِيَةُ وَرَدَ فِيهَا النَّصُّ لَكَانَ يَقْتَضِي أَنْ يُقَدَّمَ الِالْتِزَامُ الشَّرْطِيُّ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ بِالشَّرْطِ أَوْكَدُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مِنْ الْمُلْتَزَمِ بِالْعُرْفِ أَوْ بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّ الِالْتِزَامَ الشَّرْطِيَّ هُوَ الْأَصْلُ وَمَا عَدَاهُ مُلْحَقٌ بِهِ يُشِيرُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فَكَانَ ذَلِكَ كَنَصٍّ فِي فَرْعٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَصْلٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ حُكْمُ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ مَأْخُوذٌ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوصًا وَهَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى فَرْعٍ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (وَأَمَّا) اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسُكُوتُهُ عَلَى خِيَارِ الْخُلْفِ وَإِنْ كَانَ الْخُلْفُ لَيْسَ بِعَيْبٍ ولكنه فوات فضيلة فلاجل استوائهما فِي النَّقْصِ فِيهِ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلِأَنَّ التَّصْرِيَةَ وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَرْعَانِ لِأَصْلٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي لَحَظَهُ الْغَزَالِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فَذِكْرُهُمَا فِي التَّرْجَمَةِ مُنَبِّهٌ عَلَى أَصْلِهِمَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَوَضَعَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ لِأَنَّهُ فَرْعٌ مِنْ الْأَبْوَابِ الْمُتَضَمِّنَةِ شُرُوطَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشُرُوطُهُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَبَيْعِ الثِّمَارِ أَخْذٌ فِي أَسْبَابِ الْفَسْخِ وَاسْتِدْرَاكُ مَا يَقَعُ فِي المبيع مِنْ الْعَيْبِ بِالْفَسْخِ أَوْ بِالْأَرْشِ " وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ بَقَرَةً " لِيَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَقْصُورٍ على الابل والغنم اللذين تضمنهما الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ بَلْ هُوَ شَامِلٌ إمَّا بالقياس إذا اقتصر على الحديث الذى أوره الْمُصَنِّفُ وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى لِأَنَّ لَبَنَ الْبَقَرِ أَغْزَرُ وَأَكْثَرُ بَيْعًا مِنْ لَبَنِ الْإِبِلِ(12/17)
وَإِمَّا بِالنَّصِّ فَإِنَّ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " (وَقَالَ) بَعْضُ شَارِحِي التنبيه إن ذلك للرد علي الظاهريين اللذين خَصُّوا الْحُكْمَ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الظَّاهِرِيِّينَ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ دَاوُد فصرح ابن المعلس وابن حزم الظاهريان بأن شمول الحكم تمسكا بِالنَّصِّ الْعَامِّ وَهُوَ قَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " وَلَمْ يَحْكِيَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَهُوَ اللَّائِقُ بمذهبهم أخذ بِعُمُومِ الْخَبَرِ وَلَا يَجِبُ تَقْيِيدُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ بِالْآخَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُطْلَقِ وَالْخَبَرُ هَهُنَا عَامٌّ لِصِيغَةِ مَنْ لَكِنْ يَعْرِضُ هَهُنَا بَحْثَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ
رِوَايَتِهِ أَيْضًا " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مصراة " وهذه الرواية فيها زيادة ليس فِي الْأُولَى وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا وَعَدَمُ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ وَمُخْرِجَهُ وَاحِدٌ وَوَجْهُ إدْرَاكِ الصَّوَابِ فِي هَذَا الْبَحْثِ أَنَّا نَظَرْنَا الرِّوَايَةَ الْعَامَّةَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا الزِّيَادَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " فَوَجَدْنَاهَا مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ وَمِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَذَلِكَ فِي ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَمِنْ رِوَايَةِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَذَلِكَ فِي التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ومن رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ فِي التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَمِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ فِي النَّسَائِيّ وَنَظَرْنَا الزِّيَادَةَ فَوَجَدْنَاهَا مِنْ طُرُقٍ (مِنْهَا) عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ وَفِيهَا " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ " وَهَذَا اخْتِلَافٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سُفْيَانَ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَالرَّاوِي عَنْهُمَا شَخْصٌ واحد وهو العدلى (وَمِنْهَا) قُرَّةُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَفِيهَا " مَنْ اشترى شاة مصراة " وهذا اختلاف عن ترك أَيْضًا وَكَذَلِكَ مُوسَى بْنُ يَسَارٍ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَكِلَا السَّنَدَيْنِ إلَيْهِ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ فَلَمَّا رَأَيْنَا هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَالِاخْتِلَافَ نَظَرْنَا مَا يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ فَقُلْنَا جَمِيعُ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ هَهُنَا اُخْتُلِفَ(12/18)
عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ والشعبى فانه لم يختلف عنهما فِيمَا عَلِمْنَا وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُمَا إلَّا الصِّيغَةُ الْعَامَّةُ وَإِلَّا ثَابِتُ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يرد عنه إلا الطريق المثبتة للزيادة وَهِيَ قَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً " (فَقَدْ) يُقَالُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَجَلُّ مِنْ ثَابِتٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَجَلُّ وَأَحْفَظُ وَأَتْقَنُ مِمَّنْ خَالَفَهُ فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الْعُمُومِ لِذَلِكَ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّ جَانِبَ الزِّيَادَةِ هُنَا وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ وَاحْتِمَالُ النَّقْصِ فِي رِوَايَةِ الْمُثْبَتِ الْمُتْقَنِ أَوْلَى مِنْ احْتِمَالِ الْخَطَأِ وَالْوَهْمِ بِالزِّيَادَةِ فِي حَقِّ الثِّقَةِ وَاَلَّذِي أَقُولهُ إنَّ الْحُكْمَ بِالْخَطَأِ عَلَى رَاوِي الزِّيَادَةِ هَهُنَا بَعِيدٌ (فَالْأَقْرَبُ) أَنْ تُجْعَلَ الرِّوَايَتَانِ ثَابِتَتَيْنِ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهِمَا مَرَّتَيْنِ فَرَوَاهُمَا أَبُو هُرَيْرَةَ كَذَلِكَ وَيَكُونُ ذِكْرُ الْغَنَمِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ لَمَا ذُكِرَ فِي الْإِبِلِ وَقَدْ صَحَّ فِي الْإِبِلِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هريرة (والبحث الثاني) إذا ثبتت الروايات في كَلَامِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَفْهُومُ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا التَّقْيِيدُ لِمَ لَا يُخَصُّ بِهِ عُمُومُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَمَا مَثَّلَهُ فِي قَوْلِهِ " إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ " مَعَ قَوْلِهِ " مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ " حَيْثُ خَصُّوا عُمُومَ الثَّانِي بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِغَيْرِ الْإِفْضَاءِ الَّذِي هُوَ الْمَسُّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَذَلِكَ هَهُنَا (إمَّا) مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ لِقَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى " (وَإِمَّا) مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ " وَكِلَا الْمَفْهُومَيْنِ حُجَّةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ (مِنْهُمْ) الشَّافِعِيُّ وَالْمَفْهُومُ يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَسِّ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّ جَانِبَ الْمَفْهُومِ هَهُنَا ضَعُفَ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْإِبِلِ صَرِيحًا بِحَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُفْهَمُ الْمَعْنَى مِنْ ذلك بخلاف الاحداث فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّعَبُّدِ فَهَذَانِ الْأَمْرَانِ أَضْعَفَا اعْتِبَارَ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً " وَقَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ " وَالثَّانِي وَحْدَهُ يُضْعِفُ اعْتِبَارَ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ " إذَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ نَعْجَةً أَوْ شَاةً " (وَأَمَّا) الظَّاهِرِيَّةُ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ قَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَيَحْتَجُّونَ بالعموم لثبوته على ما تقدم والله أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُصَرَّاةً) شرط لابد مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ(12/19)
الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ مَشْهُورٌ فِي الْمَذْهَبِ إنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ حِينَ الْعَقْدِ وَيُعَبَّرُ عَنْ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ هَذَا الْخِيَارَ هَلْ هُوَ خِيَارُ عَيْبٍ أَوْ خِيَارٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ وَبَنَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الخيار يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ ثَبَتَ مَعَ الْعِلْمِ وَإِلَّا فَلَا وَسَيَأْتِي الْوَجْهَانِ فِي كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ فَالْبِنَاءُ حينئذ متجه (والمختار) أنه يَمْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَقْرِيرُهُ وَالْجُمْهُورُ هَهُنَا أَنَّ مَتَى عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالتَّصْرِيَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَأَنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَبَتَ لِأَجْلِ النَّقْصِ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الظَّاهِرِيَّةَ لَمْ يُثْبِتُوا الْخِيَارَ هَهُنَا فِي حَالَةِ الْعِلْمِ وَيَحْتَاجُونَ إلَى دَلِيلٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّفْظَ مُتَأَوَّلٌ وَمَا ادَّعَيْنَا نَحْنُ مِنْ ظُهُورِ الْمَعْنَى وَفَهْمِهِ هُمْ لَا يعتبرونه (وقوله) فهو بالخيار إلى آخره هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ (وَمِمَّنْ) قَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ فُتْيَاهُ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ الْقَوْلَ بِهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ (وَمِمَّنْ) قَالَ
بِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أبى ليلى وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ (وَاتَّفَقَ) جَمِيعُ أَصْحَابِنَا عَلَى ذَلِكَ تَبَعًا لِإِمَامِهِمْ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَرُوِيَتْ رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ بِذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ ذَكَرَ العتبى من سماع أشهب بن مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ ابْتَاعَ مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " فَقَالَ سَمِعْتُ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِالثَّابِتِ وَلَا الْمُوَطَّأِ عَلَيْهِ وَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إنَّ لَهُ اللَّبَنَ بِمَا عَلَفَ وَضَمِنَ (قِيلَ) لَهُ نراك تضعف الحديث (فقال) كل شئ يوضع موضع وَلَيْسَ بِالْمُوَطَّأِ وَلَا الثَّابِتِ وَقَدْ سَمِعْتُهُ (قَالَ) ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ رِوَايَةٌ اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا عَنْ مَالِكٍ وَمَا رَوَاهَا عَنْهُ إلَّا ثِقَةٌ وَلَكِنَّهُ عِنْدِي اخْتِلَافٌ مِنْ رَأْيِهِ (قُلْتُ) وَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ(12/20)
الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَوَّلَ قَوْلُهُ " لَيْسَ بِالثَّابِتِ " عَلَى الْحُكْمِ لَا عَلَى الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَهُ بِلَا إشْكَالٍ وَقَدْ أَوْدَعَهُ الْمُوَطَّأَ الْمَشْهُورَ عَنْهُ خِلَافَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَالْقَوْلُ بمقتضى الحديث (قال) ابن القاسم (قلت) لمالك أنأخذ بِهَذَا الْحَدِيثِ (قَالَ) نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ أَوَ لِأَحَدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَأْيٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا أَخَذْتُهُ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لى أرى لاهل البلدان إذا نزل بِهِمْ هَذَا أَنْ يُعْطُوا الصَّاعَ مِنْ عَيْشِهِمْ (قَالَ) وَأَهْلُ مِصْرَ عَيْشُهُمْ الْحِنْطَةُ (وَقَالَ) ابْنُ عبد البرقى التَّمْهِيدِ إنَّ الصَّحِيحَ عَنْ مَالِكٍ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنَّ رِوَايَةَ أَشْهَبَ مُنْكَرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الِاسْتِدْلَال فَدَلِيلُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخْبَارُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي الْمَقْصُودِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مُسْتَقِيمٌ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْأُصُولِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُ فِي أَجْوِبَةِ الْمُخَالِفِينَ إنْ شاء الله تعالى
* ومن القياس علي مالو باع طاحونة حبس ماءها زَمَانًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ حَالَةَ الْبَيْعِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَبَدًا كَذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ (وَاعْتَمَدَ) الْمُخَالِفُونَ فِي الِاعْتِذَارِ عن الحديث أموار ضعيفة ترجع إلى طريقين طَرِيقَةُ الرَّدِّ وَطَرِيقَةُ التَّأْوِيلِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ مُخَالِفٌ لِقِيَاسٍ مِنْ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْعَمَلُ بِهِ إما كونه مخالف لقياس الاصول المعلومة فمن وجوه
(أحدهما)
أَنَّهُ أَوْجَبَ غُرْمَ اللَّبَنِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهِ (وَثَانِيهَا) أَنَّهُ أَوْجَبَ غُرْمَ قِيمَتِهِ مَعَ وُجُودِ مثله (وثلثهما) أَنَّهُ جَعَلَ الْقِيمَةَ تَمْرًا وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا (وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ جَعَلَهَا مُقَدَّرَةً لَا تَزِيدُ بِزِيَادَةِ اللَّبَنِ
وَلَا تَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ وَمِنْ حُكْمِ الضَّمَانِ أَنْ يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْمَضْمُونِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (وَخَامِسُهَا) أَنَّ اللَّبَنَ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ ذَهَبَ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ حَادِثًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُهُ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَطًا فَمَا كَانَ مَوْجُودًا مَنَعَ الرَّدَّ وَمَا حَدَثَ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ (وَسَادِسُهَا) إثْبَاتُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مُخَالِفٍ لِلْأُصُولِ فَإِنَّ الْخِيَارَاتِ الثَّابِتَةَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا تُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ (وَسَابِعُهَا) يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِظَاهِرِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ لِلْبَائِعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ(12/21)
مَعَ الصَّاعِ الَّذِي هُوَ مِقْدَارُ ثَمَنِهَا (وَثَامِنُهَا) أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ الرِّبَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى شَاةً بِصَاعٍ فَإِذَا اسْتَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَقَدْ اسْتَرْجَعَ الصَّاعَ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ شَاةً وَصَاعًا بِصَاعٍ وَذَلِكَ خِلَافُ قَاعِدَةِ الرِّبَا عِنْدَكُمْ فَإِنَّكُمْ تَمْنَعُونَ مِثْلَ ذَلِكَ (وَتَاسِعُهَا) أَنَّهُ أَثْبَتَ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَلَا شَرْطٍ لِأَنَّ نُقْصَانَ اللَّبَنِ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَا الرَّدُّ بِهِ بِدُونِ التَّصْرِيَةِ (وَعَاشِرُهَا) أَنَّ اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ لَا يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا لَجَازَ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ كَالثَّمَنِ وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ لَا يَضْمَنُ (وَأَمَّا) الْمَقَامُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ مُخَالِفًا لِقِيَاسِ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ فَلِأَنَّ الْأُصُولَ الْمَعْلُومَةَ مَقْطُوعٌ بِهَا وَخَبَرُ الواح مَظْنُونٌ وَالْمَظْنُونُ لَا يُعَارِضُ الْمَعْلُومَ (الْعُذْرُ الثَّانِي لهم) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَخْبَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ مِنْ أَخْبَارِهِ مَا فِيهِ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ (وَأَمَّا) فِي الْأَحْكَامِ فَلَا يُقْبَلُ وَتَارَةً يَقُولُونَ إنَّهُ غَيْرُ فَقِيهٍ وَالْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ وَالصَّحَابَةُ يَنْقُلُونَ بِالْمَعْنَى وَلَا ثِقَةَ بِرِوَايَةِ غَيْرِ الْفَقِيهِ (الْعُذْرُ الثَّالِثُ) دَعْوَى النَّسْخِ فِي هذا الحديث وأنه يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ جَائِزَةً (الْعُذْرُ الرَّابِعُ) أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ لَمَّا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَلْفَاظِهِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ لِتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ (الْعُذْرُ الْخَامِسُ) فِي مُخَالَفَتِهِمْ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِتَأْوِيلِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَاهَا فَشَرَطَ أَنَّهَا تَحْلُبُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ مَثَلًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إسْقَاطِهِ فِي مُدَّةِ الخيار صح الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا بَطَلَ (وَأَمَّا) رَدُّ الصَّاعِ فَلِأَنَّهُ كَانَ قِيمَةَ اللَّبَنِ فِي ذَلِكَ الوقت (والجواب) عن ذَلِكَ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَبِالظَّنِّ فِي الْمَقَامَيْنِ جَمِيعًا (أَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّهُ
مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ وَمُخَالَفَةِ قِيَاسِ الْأُصُولِ وَخَصَّ الرَّدَّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُخَالِفِ لِلْأُصُولِ لَا الْمُخَالِفِ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ وَهَذَا الْخَبَرُ إنَّمَا يُخَالِفُ قِيَاسَ الْأُصُولِ وَقِيَاسُ الْأُصُولِ يُتْرَكُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ الْقِيَاسَ أن(12/22)
الْأَكْلَ نَاسِيًا يُفْطِرُ وَلَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ " وَقَبِلَ أَبُو حنيفة خبر أبى فرارة في جواز التوضى بالنبيذ وخبر زادان في إبطال طهارة المصلى بالقهقهة لانهما إنَّمَا خَالَفَا قِيَاسَ الْأُصُولِ وَرَدَّ خَبَرَ التَّصْرِيَةِ وَبَيْعَ الْعَرِيَّةِ لِأَنَّهُمَا خَالَفَا أُصُولَ الْقِيَاسِ عِنْدَهُ وصاحب هذه الطريق يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ كَالْأَوَّلِ وَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ يُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ لَا يُسَلِّمُ أَنَّ مخالفة الاصول أيضا قادحة ويقول أن كل مَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ فَهُوَ أَصْلٌ بِذَاتِهِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مُوَافَقَةُ الْأُصُولِ كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ إبْطَالُ أَصْلٍ لِمُخَالَفَتِهِ أُصُولًا أُخْرَى بِأَوْلَى مِنْ إبْطَالِ تِلْكَ الْأُصُولِ لِمُخَالَفَتِهَا ذَلِكَ الْأَصْلَ (وَالصَّوَابُ) الْعَمَلُ بِهَا جَمِيعًا وَيُعْتَبَرُ كُلٌّ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَصَاحِبُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَقُولُ إنَّهُ لَا فَرْقَ بين مخالفة قياس الاصول ومخالة الْأُصُولِ وَكِلَاهُمَا لَا يُوجِبُ الرَّدَّ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذكروها في النصرية وَالْقَهْقَهَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ خَبَرَ التَّصْرِيَةِ أَصَحُّ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأُصُولَ الْمُخْتَلَفَ فِي رَدِّ الْخَبَرِ بِهَا هِيَ الْمُسْتَنْبَطَةُ الَّتِي تكون في نفسها متحملة (أَمَّا) الْأُصُولُ الْمَقْطُوعُ بِهَا فَنَصُّ الْكِتَابِ وَالتَّوَاتُرُ والاجماع أو الاوصول الَّتِي فِي مَعْنَاهَا كَتَحْرِيمِ الضَّرْبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ فَإِذَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِخِلَافِهِ رُدَّ وَيُعْتَقَدُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُولُ مَا يُخَالِفُ ذلك هكذا قاله الاستاذ أبو إسحق الاسفراينى فَهَذَانِ جَوَابَانِ إجْمَالِيَّانِ عَنْ دَعْوَى مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ سَلَكَ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ طريق التفصيل وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُخَالِفًا لِقِيَاسِ الْأُصُولِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا بَلْ فِي الْأُصُولِ مَا يَشْهَدُ لَهُ وَيُعَاضِدُهُ (أَمَّا) غُرْمُ الْقِيمَةِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ فَإِنَّ رَدَّ اللَّبَنِ فِي التَّصْرِيَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
نَقْصُ قِيمَتِهِ وَذَهَابُ كَثِيرٍ مِنْ مَنَافِعِهِ بِطُولِ الْمُكْثِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ لَبَنَ التَّصْرِيَةِ قَدْ خَالَطَهُ مَا حَدَثَ فِي الضَّرْعِ بَعْدَهُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ مَعَ الْجَهْلِ بِمَا خَالَطَهُ
(وَعَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ) وَهُوَ غَرَامَةُ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ وَكَوْنُهُ تَمْرًا وَكَوْنُهُ مُقَدَّرًا مَعَ اختلاف(12/23)
قَدْرِهِ إنْ كَانَ مَجْهُولَ الْقَدْرِ مَجْهُولَ الْوَصْفِ جاز الرجوع فيه إلى بدل مقدور فِي الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ مِثْلٍ وَلَا تَقْوِيمٍ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ (مِنْهَا) الْحُرُّ يُضْمَنُ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ (وَمِنْهَا) الْجَنِينُ يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى (وَمِنْهَا) الْمُقَدَّرَاتُ من جهة الشرع في الشجاع كَالْمُوضِحَةِ مَعَ اخْتِلَافِهَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ (وَمِنْهَا) جَزَاءُ الصَّيْدِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَلَا مِنْ شَرْطِ الْمِثْلِيِّ أَنْ يُضْمَنَ بِالْمِثْلِ وَالْعُدُولُ فِي الامور التى لا تنضبط إلى شئ مَعْدُودٍ وَلَا يَخْتَلِفُ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرْعِ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالتَّشَاجُرِ وَهَذِهِ الْمَصْلَحَةُ تُقَدَّرُ عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ وَالتَّمْرُ غَالِبُ أَقْوَاتِهِمْ كَمَا قُدِّرَتْ الدية بالابل لانها غلب أَمْوَالِهِمْ (وَعَنْ الْخَامِسِ) وَهُوَ إيجَابُ الرَّدِّ مَعَ مَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ النَّقْصِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ النَّقْصَ حَادِثٌ فِي اللَّبَنِ دُونَ الشَّاةِ وَهُوَ إنَّمَا يَرُدُّ الشَّاةَ دُونَ اللَّبَنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ النَّقْصَ الْحَادِثَ الَّذِي لَا يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ إلَّا بِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ كَاَلَّذِي يَكُونُ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ إذَا كُسِرَ (وَعَنْ السَّادِسِ) وَهُوَ أَنَّ خِيَارَ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِهِ مُخَالِفٌ للاصول بأن الشئ إنَّمَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مُمَاثِلًا له وخولف في حكمه وههنا هذه الصُّورَةُ انْفَرَدَتْ عَنْ غَيْرِهَا بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ هِيَ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا لَبَنُ الحبلة الْمُجْتَمِعِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَاللَّبَنُ الْمُجْتَمِعُ بِالتَّدْلِيسِ فَهِيَ مُدَّةٌ يُتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ عَلَيْهَا غَالِبًا بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فِيهِمَا وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ لَيْسَ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبٍ وَعَلَى أَنَّ لَنَا فِي تَقْيِيدِ خِيَارِ الْمُصَرَّاةِ خِلَافًا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَإِنَّمَا جَاءَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالْوَجْهِ الْمُوَافِقِ لَهُ (وَعَنْ السَّابِعِ) وَهُوَ لُزُومُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ صَاعَ التَّمْرِ بَدَلٌ عَنْ اللَّبَنِ لَا عَنْ الشَّاةِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ العوض والعوض (الثَّانِي) أَنَّ الْحَدِيثَ وَارِدٌ عَلَى الْعَادَةِ وَالْعَادَةُ أَنْ لَا تُبَاعَ شَاةٌ بِصَاعٍ (الثَّالِثُ) أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ كَمَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بعبد قيمة(12/24)
كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ ثُمَّ زَادَ الْعَبْدُ وَبَلَغَتْ قيمته ألفين ووجد المشترى بالسلعة عيبا فردها ويسترجع العبد
وقيمته ألفان وذلك قيمة الثمن وَالْمُثَمَّنِ (وَعَنْ الثَّامِنِ) وَهُوَ مُخَالَفَتُهُ لِقَاعِدَةِ الرِّبَا أَنَّ الرِّبَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْعُقُودِ لَا فِي الْفُسُوخِ وَلَا فِي ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ (وَعَنْ التَّاسِعِ) وَهُوَ إثْبَاتُ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَلَا شَرْطِ أَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ بِالتَّدْلِيسِ كَمَا لَوْ بَاعَ رَحًى دَائِرَةً بِمَاءٍ قَدْ جَمَعَهُ لَهَا وَكَمَا لَوْ سَوَّدَ الشَّعْرَ فَإِنَّ الْعَيْبَ إنَّمَا أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ الثَّمَنُ بِهِ وَالتَّدْلِيسُ كَذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ هَذَا التَّدْلِيسَ نَفْسَهُ عَيْبٌ (وَعَنْ الْعَاشِرِ) وَهُوَ كَوْنُ اللَّبَنِ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ بِالْمَبِيعِ وَأَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ كَاللَّبَنِ فِي الْإِنَاءِ (وَقَوْلُهُمْ) لَوْ قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَجَازَ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ مَنْقُوضٌ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَأَطْرَافُ الْخَشَبِ الَّتِي فِي الْبِنَاءِ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا وَيَدْخُلُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيْعِ وَيُقَابِلُهَا قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ (وَأَمَّا) الْحَمْلُ قُلْنَا فِيهِ قَوْلَانِ (فَعَلَى) قَوْلِنَا بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ قِسْطًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ مِنْ الْأُمِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْمِ الْمَخْلُوقِ فِي الْجَوْفِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ دَافِعَةٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ (وَلَئِنْ) سَلَّمْنَا مُخَالَفَتَهُ لِذَلِكَ (فَالْجَوَابُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لَا تَضُرُّ لِمَا تَقَدَّمَ (وَقَوْلُهُمْ) إنَّ تَقْدِيمَ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ فِيهِ تَقْدِيمُ الْمَظْنُونِ عَلَى الْمَقْطُوعِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ تَنَاوُلَ تِلْكَ الْأُصُولِ لِمَحَلِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ مَحَلِّ الْخَبَرِ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأُصُولَ عَامَّةٌ وَالْخَبَرُ خَاصُّ وَالْمَظْنُونُ يُخَصِّصُ الْمَعْلُومَ (وَأَمَّا الْعُذْرُ الثَّانِي) وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَوْلَا ذِكْرُهُ فِي الْكُتُبِ وَالِاحْتِيَاجِ إلَى الْجَوَابِ لكنا نستحي مِنْ ذِكْرِهِ وَنُجِلُّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ أَوْ نَسْمَعَهُ فِي أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ ثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَحِفْظِهِ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَحَلِّ الْمَعْلُومِ وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَبِّبَهُ اللَّهُ وَأُمَّهُ إلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ(12/25)
ومؤمنة وروى عن عثمان أنه قال حِينَ رَوَى لَهُمْ " اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ " حَفِظَ اللَّهُ عَلَيْكَ دِينَكَ كَمَا حَفِظْتَ عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضَائِلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ وَالْمُخَالِفُونَ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يَتَعَلَّلُونَ بِظَنِّهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيُوَلِّيَ غَيْرَ فَقِيهٍ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ أَتُرَى كَانَ يَحْكُمُ بِغَيْرِ فِقْهٍ؟ وَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ فَتَاوَى وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ
عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ وَعِنْدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابن عباس احدى المعطلات يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاحِدَةٌ تثبتها وثلاث تُحَرِّمُهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ زَيَّنْتَهَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَوْ قَالَ نَوَّرْتَهَا أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا يَعْنِي أَصَابَ فَفُتْيَاهُ بِحُضُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى فِقْهِهِ وَلَوْ فَرَضْنَا وَحَاشَ لِلَّهِ أَنَّهُ غَيْرُ فقيه فاشترط الْفِقْهِ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مَعَ عَدَالَةِ الرَّاوِي وَضَبْطِهِ وَفَهْمِهِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ إحَالَةِ الْمَعْنَى ثُمَّ إنَّ الْمُخَالِفَ قَبِلَ خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ جُمْلَتِهَا فِي النَّهْيِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا وَلَمْ يُرْوَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ فَقَبِلُوا خَبَرَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعُمُومِ الْكِتَابِ قَوْله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) فَأَيُّهُمَا أَعْظَمُ مُخَالَفَتُهُ لِعُمُومِ الْكِتَابِ أَوْ مُخَالَفَتُهُ لِقَوَاعِدَ مُتَنَازَعٍ فِي عُمُومِهَا وَمُخَالَفَتُهُ لِلْقِيَاسِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْكِتَابِ بِمَرَاتِبَ ثُمَّ إنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ جُمْلَتِهَا طَرِيقٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ الْإِمَامِ الْمُجْمَعِ عَلَى فِقْهِهِ وَعِلْمِهِ وَإِنْ كُنَّا قَدْ رَجَّحْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّ طَرِيقَ الرَّفْعِ أَيْضًا جَيِّدَةٌ وَعَلَى طريقه(12/26)
كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ غَيْرِ الْمُحَدِّثِينَ لَا يَبْعُدُ تَصْحِيحُهَا وَقَدْ رُوِيَ رَفْعُهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الاسماعيلي المتقدمة ذكر الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ إذَا صَحَّ فِيهَا الرَّفْعُ طَرِيقٌ قَوِيَّةٌ جِدًّا هَذَا مَعَ مُتَابَعَةِ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُبَيِّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْقِيَاسِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ طَرِيقُ الرَّفْعِ فِي رِوَايَةٍ فَكَوْنُهُ مِنْ كَلَامِهِ صَحِيحٌ بِلَا إشْكَالٍ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُمْ حجة لاسيما ابْنَ مَسْعُودٍ وَطَرِيقُ فِقْهِهِمْ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَهُنَا حُجَّةٌ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَاضِدًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى زَعْمِهِمْ (وَأَمَّا) نَحْنُ فَلَا نَقُولُ إنَّ الْحَدِيثَ يحتاج إلى شئ يَعْضُدُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ الثَّالِثُ) وَهُوَ دَعْوَى النَّسْخِ فَذَلِكَ مِنْ أَضْعَفِ الِاعْتِذَارَاتِ لِأَنَّهُ دَعْوَى نَسْخٍ بِالِاحْتِمَالِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ (وَأَمَّا الاعتذار الرابع) بالاضطراب فان الالفظ الْمُخْتَلِفَةَ الَّتِي وَرَدَتْ مِنْهَا مَا سَنَدُهُ ضَعِيفٌ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ لَا مُنَافَاةَ فِيهِ وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي صَحَّتْ كُلُّهَا
لا تناقض فيها بل الجمع بينهما مُمْكِنٌ ظَاهِرًا (وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ الْخَامِسُ) وَاسْتِعْمَالُهُمْ لِلْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ فَذَلِكَ لَا يَصِحُّ لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّصْرِيَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مَعَهُ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالتَّصْرِيَةِ وَمَا اسْتَعْمَلُوهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ فَصَارَ ذِكْرُ التَّصْرِيَةِ لَغْوًا (الثَّانِي) أَنَّهُ جَعَلَ الرَّدَّ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الشَّرْطِ لَكَانَ لَهُمَا لِأَنَّ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ يَكُونُ فَاسِدًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا شُرِطَ فِي الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ أَنَّهَا تَحْلُبُ مِقْدَارًا فَنَقَصَتْ عَنْهُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الرَّدُّ لِلْمُشْتَرِي لَا لِلْبَائِعِ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ (وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ جَعَلَ الرِّضَا مُوجِبًا لِلْإِمْضَاءِ وَالسَّخَطَ مُوجِبًا لِلْفَسْخِ وَالرَّدِّ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُتَعَلِّقًا بِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ رَدَّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَإِسْقَاطُ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ رَدَّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ قَالَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ(12/27)
الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَقْوَاهَا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ لِكَمَالِهِ هو وغيره فَقَدْ بَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى صِحَّةُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَانْدَفَعَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخَصْمُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ (وَأَمَّا) أَنَّ الْقِيَاسَ هَلْ هُوَ مُعَاضِدٌ لِلْحَدِيثِ فَجَمَاعَةٌ يَدَّعُونَ ذَلِكَ وَيُثْبِتُونَهُ بِمَا عُلِمَ فِي الْأَجْوِبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَعْضُهُمْ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَرْوِي الِاسْتِنَادَ فِي ذَلِكَ إلَى الْحَدِيثِ وَيَجْعَلُ الْأَجْوِبَةَ الْمَذْكُورَةَ لِدَفْعِ الِاعْتِرَاضَاتِ فَقَطْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَآخِذِ وَالْإِنْصَافُ أَوْلَى مِنْ الْعِنَادِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ لَوْ لَمْ يَرِدْ لَكُنَّا لَا نُثْبِتُ الْخِيَارَ وقد سلم ما وجد حلة الْعَقْدِ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ إلَّا مَنْفَعَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْحَدِيثِ وَهُوَ صَرِيحٌ لَا تَأْوِيلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ الْحَدِيثُ لَكُنَّا لَا نُثْبِتُ الْخِيَارَ لَا يَضُرُّنَا فِيمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّا قَدْ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَنَدَّعِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ كَالْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَلَوْ سَلَّمْنَا فَحَيْثُ وَرَدَ الْحَدِيثُ فَهُوَ الْعُمْدَةُ مَعَ فَهْمِ الْمَعْنَى فِيهِ وَأَنَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ خَالَفَ فِيهِ الْإِمَامَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّ قَاعِدَةَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ وَذَكَرَ بَيَانَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ تَجْعِيدِ الشَّعْرِ وَتَلْطِيخِ الثَّوْبِ بالمداد وشبه ذلك وسنذكر ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) رَدُّ الصَّاعِ فَالْإِمَامُ مُوَافِقٌ عَلَى أَنَّهُ خَارِجٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى
بِالْحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ نَاظَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَاحْتَجَجْتُ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أيما رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ " فَقَالَ هَذَا مِنْ أَخْبَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَانَ مَا هَرَبَ إلَيْهِ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِمَّا هَرَبَ مِنْهُ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنْ قَالَ يَعْنِي الَّذِي رَدَّهُ إنَّهُ يُكْثِرُ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ قَبُولَهُ وَيُؤَكِّدُ لُزُومَهُ وَغَزَارَةَ حِفْظِهِ وَسَعَةَ عِلْمِهِ وَكَانَ الشيخ أبو محمد اليافى يُجِيبُ عَنْهُ بِقَوْلِ الْبُحْتُرِيِّ
*(12/28)
إذَا مَحَاسِنِيَّ اللَّاتِي أَدِلُّ بِهَا
* صَارَتْ ذُنُوبِي فَقُلْ لِي كَيْفَ أَعْتَذِرُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ نَفْسُهُ قَدْ أَجَابَ عَنْ إكْثَارِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِفْظِ
*
* (فَرْعٌ)
* فِي عِلَّةِ هَذَا الْخِيَارِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
التَّدْلِيسُ الصَّادِرُ مِنْ الْبَائِعِ
(وَالثَّانِي)
الضَّرَرُ الْحَاصِلُ لِلْمُشْتَرِي بِإِخْلَافِ مَا وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ صَرَّهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ ثُبُوتُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وقطع الغزالي بخلافه في الوجيز فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَفِي الْوَسِيطِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ وَجَعَلَ الْأَوْلَى عَدَمَ الثُّبُوتِ وَحَقِيقَةُ الْوَجْهَيْنِ تَرْجِعُ إلَى إلْحَاقِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ أَوْ بِخِيَارِ الْخُلْفِ الْمُجْمَعِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (فَرَجَّحَ) الْبَغَوِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ الْأَوَّلَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْعِرَاقِيِّينَ مِمَّنْ صَرَّحُوا أَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ (فَإِذَا حَلَبَهَا ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ) وَقَالَ أَيْضًا (فَإِنْ رَضِيَ الَّذِي ابْتَاعَ الْمُصَرَّاةَ أَنْ يُمْسِكَهَا بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ) (وَرَجَّحَ) الْغَزَالِيُّ الثَّانِيَ وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيُّ فِي حاويه (والمراد) بتحلفها بِنَفْسِهَا أَنْ يَتْرُكَ صَاحِبُهَا حَلْبَهَا أَيَّامًا مِنْ غَيْرِ شَدٍّ لَا عَنْ قَصْدٍ بَلْ نِسْيَانًا أَوْ لِشُغْلٍ عَرَضَ فَإِنَّ اللَّبَنَ يَجْتَمِعُ فِي ضَرْعِهَا إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَلَدُهَا أَوْ تنفق شَدُّ أَخْلَافِهَا لِحَرَكَتِهَا بِنَفْسِهَا لَا بِصُنْعٍ آدَمِيٍّ وَلَوْ تَرَكَ صَاحِبُهَا حَلْبَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ شَدِّ الْأَخْلَافِ لِقَصْدِ غَزَارَةِ اللَّبَنِ لِيَرَاهُ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي مَعْنَى الشَّدِّ بِلَا خِلَافٍ (قَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ وَلَيْسَ شَدُّ الْأَخْلَافِ شَرْطًا بَلْ هُوَ الْغَالِبُ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَتْرُكَ حَلْبَهَا قَصْدًا (قُلْتُ) وَذَاكَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْحَدِيثِ عَلَى تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ وَاَلَّتِي صَرَّاهَا أَجْنَبِيٌّ(12/29)
بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ لَا شَكَّ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ اسْمِ الْمُصَرَّاةِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُصَرَّاةِ عَلَيْهَا فَهِيَ كَهِيَ فِي الْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ الظَّنِّ النَّاشِئِ مِنْ رُؤْيَتِهَا فَظَنَّ السَّلَامَةَ فِي غَيْرِهَا (وَأَمَّا) إلْحَاقُ ذَلِكَ بِالْخُلْفِ جَعَلَ ذَلِكَ كَالِالْتِزَامِ فَبَعِيدٌ وَلَوْ صَرَّاهَا لَا لِأَجْلِ الْخَدِيعَةِ ثُمَّ نَسِيَهَا فَقَدْ حَكَى الشيخ أو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ الْمَشْهُورُ بِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ خِلَافًا وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي كلامهم صريحا لكنه يتخرج على أناهل نَنْظُرُ إلَى أَنَّ الْمَأْخَذَ التَّدْلِيسُ أَوْ ظَنُّ الْمُشْتَرِي (فَعَلَى) الْأَوَّلِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْخَدِيعَةَ وَالتَّدْلِيسَ (وَعَلَى) الثَّانِي يَثْبُتُ لِحُصُولِ الظَّنِّ (وَالرَّاجِحُ) مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى وَفَوَاتِ مَا ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ شَدَّ أَخْلَافَهَا قَصْدًا لِصِيَانَةِ لَبَنِهَا عَنْ وَلَدِهَا فَقَطْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ كَمَا لَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا (قُلْتُ) وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ عَنْ أَصْحَابِنَا لَكِنْ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ النِّسْيَانُ وَهُوَ ليس بشرط فانه إذا كان العقد صَحِيحًا لَمْ يَحْصُلْ تَدْلِيسٌ وَخَدِيعَةٌ وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّدْلِيسَ حَاصِلٌ بِعَدَمِ تَبْيِينِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَبَاعَهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالْحَالِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وابن لرفعة سَقَطَ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْقُشَيْرِيِّ فَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ عنه على أَنَّهُ صَرَّاهَا لِأَجْلِ الْخَدِيعَةِ ثُمَّ نَسِيَهَا ثُمَّ اعترض بأنه ينبغى أن تكون هَذِهِ مِنْ صُوَرِ الْوِفَاقِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا نَقَلَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ حَصَلَ التَّدْلِيسُ وَالظَّنُّ وَلَا يُفِيدُ توسط النسيان فإذا الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ وَخَرَّجَهَا عَلَى مَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْقُشَيْرِيُّ وَاحِدَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقُشَيْرِيِّ بِحَسْبِ النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ غَلَطًا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِالْخِيَارِ فِيهَا فَلِذَلِكَ ذَكَرْتُ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَوْجَبْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ صَرِيحًا فِيمَا عَلِمْتُ وَاَللَّهُ أعلم
*(12/30)
* (فرع)
* لا خلاف أن فعل التصربة بِهَذَا الْقَصْدِ حَرَامٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ وَالْخِدَاعُ مُحَرَّمٌ فِي الشَّرِيعَةِ قَطْعًا وَهَلْ يختص اثم فاعله بحاله علم التحريم أولا لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَفْسَدَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا فِي النَّجْشِ (قُلْتُ) وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ فِي النَّجْشِ تَخْصِيصُ
مَعْصِيَةِ النَّاجِشِ مِمَّنْ عَرَفَ التَّحْرِيمَ بِعُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِ التَّصْرِيَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَهُ ولو حصلت التصرية لغير قصد البيع قد رَأَيْتُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا حَرَامٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ تَضُرُّ بِالْحَيَوَانِ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ بِالْحَيَوَانِ وَلَا يَلْتَبِسُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا مَعْنَى لِلتَّحْرِيمِ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ الَّذِي أَشَرْتُ إلَيْهِ هُوَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي إلْبَاسِ الْعَبْدِ ثَوْبَ الْكَتَّانِ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النصرية (قَالَ) إلْبَاسُ ثَوْبِ الْكَتَّانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْبَيْعِ مَمْنُوعٌ بِالشَّرْعِ بَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُلْبِسَ عَبْدَهُ كُلَّ مَا يَحِلُّ لُبْسُهُ (وَأَمَّا) تَرْكُ حَلْبِ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ اللَّبَنِ مَمْنُوعٌ عَنْهُ بِالشَّرْعِ وَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذكرته * قال المصنف رحمه الله
*
* (واختلف أصحابنا في وقت الرد فمنهم من قال يتقدر الخيار بثلاثة أيام فان علم بالتصرية فيما دون الثلاثة كان له الخيار في بقية الثلاث للسنة (ومنهم) من قال إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور فان لم يرده سقط خياره لانه خيار ثبت لنقص فكان على الفور كخيار الرد بالعيب)
*
*
* (الشرح)
* الذى قال بتقدر الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ هُوَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ فِي الْجُزْءِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الْأُمِّ (قَالَ)(12/31)
مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُصَرَّاةَ قَدْ تُعْرَفُ تَصْرِيَتُهَا بَعْدَ أَوَّلِ حَلْبَةٍ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِي يَوْمَيْنِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِيهَا فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ إنَّمَا هُوَ لِيَعْلَمَ اسْتِبَانَةَ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ أَشْبَهَ أَنْ يُقَالَ الْخِيَارُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ كَمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْعَيْبِ إذَا عَلِمَهُ بِلَا وَقْتٍ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن نصه في الاملاء أيضا ونقله الجوزى وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ صَرِيحًا وَلَمْ يذكر الجوزى غَيْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ وَيَقْتَضِي إيرَادُ الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ وَابْنِ سُرَاقَةَ فِي بَيَانِ مالا يشع جَهْلُهُ وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ تَرْجِيحَهُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَطَعَ بِهِ الْقُشَيْرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ مَعَ احْتِمَالٍ فِي كَلَامِهِ وَالْخِيَارُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ خِيَارَ تَرْوِيَةٍ كَخِيَارِ الشُّفْعَةِ عَلَى قَوْلٍ
وَكَخِيَارِ الشَّرْطِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ أَنَّهُ على الفور على قول أبى على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ (وَقَالَ) الرويانى في الحيلة إنَّهُ الْقِيَاسُ وَالِاخْتِيَارُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى جواز الرد إذا اطلع على النصرية فِي الثَّلَاثِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي كَوْنِهِمَا عَلَى الْفَوْرِ أَوْ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ وَلَا بَعْدَهَا أَيْضًا وَإِنَّمَا لَهُ الرَّدُّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ وَهَكَذَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيرِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ اشْتِرَاكًا وَافْتِرَاقًا وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ يَشْتَرِكَانِ فِي اعْتِبَارِ الثَّلَاثِ فِي التَّصْرِيَةِ فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَيَفْتَرِقَانِ فَأَبُو إِسْحَاقَ يَقُولُ الْمَقْصُودُ بِهَا الْوُقُوفُ عَلَى عَيْبِ التَّصْرِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ بِحَلْبَةٍ وَلَا بِحَلْبَتَيْنِ فَإِذَا حَصَلَتْ الْحَلْبَةُ الثَّالِثَةُ عُرِفَ الْحَالُ وَكَانَ له حِينَئِذٍ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ(12/32)
وَأَبُو حَامِدٍ يَجْعَلُ الْخِيَارَ فِي الثَّلَاثِ كَالْخِيَارِ الثَّابِتِ بِالشَّرْطِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " جَعَلَ الثلاثة ظرفا للخيار وهو مخالف لما يقوله أَبُو إِسْحَاقَ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ مُبَايِنٌ لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّ الْخِيَارَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّصْرِيَةُ مُوجِبَةٌ لِلْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهَا عَيْبٌ مِنْ الْعُيُوبِ فَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ اشْتِرَاكٌ فِي جَعْلِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ خِيَارَ عَيْبٍ ثَبَتَ عَلَى الْفَوْرِ وَافْتِرَاقٌ فِي أَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَعْتَبِرُ الثَّلَاثَ عِنْدَ عَدَمِ الشرط أصلا وأبو إسحاق يعتبرها ولذلك أنه إذَا اطَّلَعَ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي هريرة ولا يثبت عن أَبِي إِسْحَاقَ وَتَأْوِيلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَوْلُ أَبِي حامد وابن أبى هريرة متباعدان جدا لكن بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ وَاحِدٌ فِي جَعْلِ الْخِيَارِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي صُورَةِ الشَّرْطِ وَتَلْخِيصُ هَذَا أَنَّ خِيَارَ التَّصْرِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ خِيَارُ شَرْعٍ وَعِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ خِيَارُ عَيْبٍ وَخِيَارُ الثَّلَاثِ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ بِالشَّرْعِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالشَّرْطِ وَعِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ بِالْعَيْبِ (وَأَصَحُّهُمَا وَأَوْفَقُهُمَا)
لِلْحَدِيثِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ نَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِيهِ كَمَا حَكَاهُ وَقَدْ قَدَّمْتُ مَنْ حَكَاهُ أَيْضًا وَلِأَجْلِ ذَلِكَ صَحَّحْتُ هَذَا الْقَوْلَ وَخَالَفْتُ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّصْحِيحِ فَإِنِّي رَأَيْتُ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ لَمْ يصح شَيْئًا وَاَلَّذِينَ صَحَّحُوا قَدْ ذَكَرْتُهُمْ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي التَّصْحِيحِ وَلَيْسَ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الآخرة بكثرة(12/33)
وَالرَّافِعِيُّ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْبَغَوِيَّ وَهُوَ مُعَارَضٌ بالصيمرى والجوزي وَمَعْنَاهُ الدَّلِيلُ مِنْ الْحَدِيثِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَاعْتَذَرَ الْبَغَوِيّ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى التَّصْرِيَةِ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيُحْمَلُ نُقْصَانُ اللَّبَنِ فِي الْيَوْمَيْنِ عَلَى تَبَدُّلِ الْمَكَانِ وَتَفَاوُتِ الْعَلَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا الِاعْتِذَارُ يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ (وَأَمَّا) مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّهُ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ إذَا اطَّلَعَ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ فَلَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ عَلَى الْغَالِبِ لَقَالَ " فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثلاثة أيام " فإذا هذا العذر مع تصحيح هَذَا الْوَجْهِ لَا يَجْتَمِعَانِ اجْتِمَاعًا ظَاهِرًا لَكِنْ هَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ (إحْدَاهَا) مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مستندا لابي إسحق وابن أبى هريرة (أما) أبو إسحق فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ الْحَدِيثَ بِاللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِهِمْ الْفِقْهِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ " فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا ثَلَاثًا " فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا ثَلَاثَ حَلَبَاتٍ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَلَا يَمْتَدُّ بَعْدَ الثَّلَاثِ بَلْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا دَلَّ عَلَى مُطْلَقِ الْخِيَارِ حِينَئِذٍ فَلَا يَمْتَدُّ لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
عَدَمُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ الْمَلْزُومُ
(وَالثَّانِي)
الْقِيَاسُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْعُيُوبِ لَكِنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الرواية لم تصح ولا رأيتها في شئ مِنْ الرِّوَايَاتِ فَتَعَذَّرَ هَذَا الْبَحْثُ وَبِتَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا مُتَعَلِّقٌ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ وَيَكُونُ الْحَلْبُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالثَّلَاثِ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا لَكِنِّي سَأُنَبِّهُ فِي التَّنْبِيهِ(12/34)
الثَّانِي عَلَى زِيَادَةٍ فِي ذَلِكَ فَلْيَكُنْ الْمُسْتَنَدُ فِي رَدِّ ذَلِكَ عَدَمَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ
فَمُسْتَنَدُهُ أَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ وَخِيَارُ الْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ فَيُحْمَلُ وُرُودُ الثَّلَاثِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ ثَلَاثًا وَهَذَا مِنْهُ يُشْبِهُ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي بَعْضِ اعْتِذَارَاتِهِمْ عَنْ الْحَدِيثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا فِيمَا ذَكَرُوهُ فِي رَدِّ الصَّاعِ وَقُوَّةُ الْحَدِيثِ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالتَّصْرِيَةِ لَا بِالشَّرْطِ ثُمَّ يُقَالُ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنْتَ مِنْ الْمُوَافِقِينَ عَلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ فَلْيَكُنْ مَعْمُولًا بِهِ فِي أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُقَاسُ عَلَى مَا سِوَاهُ من العيوب فان هذا الليل أَخَصُّ مِنْ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ يَقْتَضِي الْفَوْرَ فَاللَّائِقُ أَنْ يُجْعَلَ الْخِيَارُ فِيهِ ثَلَاثًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا النَّصُّ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فَهُوَ عَامٌّ وَهَذَا خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ فَلَا مُسْتَنَدَ حِينَئِذٍ لِهَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَا لِقَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الَّذِي قَبْلَهُ وَالصَّوَابُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيِّ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَشْهَدُ له من جهة المذهب شئ وَهُوَ أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ ثَلَاثًا فِي الْبُيُوعِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ خِيَارَ الْمُصَرَّاةِ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَيْفَ كَانَ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ جَوَازُ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا فِي الْبُيُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْعِ مَعَ عَدَمِ الْجَهَالَةِ فِيهِ مُسَوِّغٌ لِاشْتِرَاطِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلشَّرْطِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) أَنَّ الْحَدِيثَ(12/35)
بِاللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْمُقَابِلِ لِمَا أَبْدَيْتُهُ فِي مَأْخَذِ أَبِي إِسْحَاقَ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ابْتِدَاؤُهَا بَعْدَ الْحَلْبِ وَهَذَا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ لَا أَبَا حَامِدٍ وَلَا غَيْرَهُ إلَّا أبا بكر ابن الْمُنْذِرِ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ خِيَارُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْحَلْبِ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهَا مِنْ آثَارِ الْعَقْدِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَصِحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَلْفَاظَ الصَّحِيحَةَ فِي الْحَدِيثِ وَرَدَ فِيهَا " فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا " وَفِي الْأَلْفَاظِ الصَّحِيحَةِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " فَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِيَارَ بَعْدَ الْحَلْبِ وَاللَّفْظُ الثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَيَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْحَلْبِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ بِهِ غَيْرَ ابْنِ الْمُنْذِرِ (وَأَمَّا) أَنْ يُعْمَلَ بِالْحَدِيثَيْنِ وَيُجْعَلَ أَحَدُهُمَا مُبَيِّنًا لِلْآخَرِ فَيَلْزَمُ هَذَا الَّذِي لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ غَيْرُ ابْنِ الْمُنْذِرِ (وَأَمَّا) أَنْ يُجْعَلَا مُتَعَارِضَيْنِ فَتَقِفُ الدَّلَالَةُ عَلَى تَرْجِيحِ أَنَّ الْخِيَارَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ " فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا " مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الرضى وَالسُّخْطَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْحَلْبِ وَتَبَيُّنِ الْحَالِ وَالْحَلْبُ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الثَّلَاثَةِ فَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اقْتَضَى زِيَادَةً عَلَى مَا اقتضاه قوله " بعد أن يحلبها " فعملنا بِالزَّائِدِ الْمُبَيِّنِ وَحَمَلْنَا الْآخَرَ عَلَى الْغَالِبِ وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَأْبَاهُ اللَّفْظُ بِخِلَافِ حَمْلِ قَوْلِهِ " فهو بالخيار ثلاثة " عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهُ يَأْبَاهُ اللَّفْظُ وَاللَّائِقُ بِإِرَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَنْ تَقُولَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَعْدَ ثَلَاثٍ (التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْأَصْحَابَ يُعَبِّرُونَ عَنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْخِيَارَ هَلْ هو خيار(12/36)
شَرْعٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ بِأَنَّهُ هَلْ هُوَ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ عَلِمْتَ مَعْنَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يُوَافِقُ أَبَا إِسْحَاقَ فِي أَصْلِ الْخِيَارِ خِيَارُ عَيْبٍ وَالثَّلَاثَةُ عِنْدَهُ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْطِ لَا لِأَجْلِ التَّصْرِيَةِ بَلْ بِشَرْطِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْخِيَارَ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَيْبِ وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ فُرُوعًا سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا بِالتَّسْلِيمِ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْفَوْرِ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَدَّمْتُهُ فِي جَوَابِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ تَوَجَّهَ ذَلِكَ الْمَنْعُ لِذَلِكَ فَإِنَّا نَقُولُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّرْعُ جَعَلَ خِيَارَ هَذَا الْعَيْبِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ غَالِبًا إنَّمَا يَظْهَرُ فِيهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ لَهُ مَعْنَى فَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى اتِّبَاعِ النُّصُوصِ وَالْمَعَانِي وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ إنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ يَرُدُّ بِهَا الْمُشْتَرِي إلَى مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَظَاهِرُ هَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ جَعْلِهَا عَيْبًا أَوْ امْتِدَادُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا لَكِنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِيمَا أَقُولُهُ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْتَدَّا بِهِ أَيَّ وَقْتٍ ظَهَرَ لَهُ التَّصْرِيَةُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ يَرُدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَرُدُّ بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَلِذَلِكَ لَمْ أُورِدْهُ وَلَمْ أَرْوِهِ ولذك لَمْ أَذْكُرْهُ مَعَ الْمُوَافِقِينَ لِشَيْخِهِ الصَّيْمَرِيِّ فِي إثْبَاتِ الثَّلَاثَةِ لِأَجْلِ
هَذَا الِاحْتِمَالِ كَمَا قَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ وَقَدْ يَظْهَرُ لِهَذَا الْبَحْثِ أَثَرٌ فِي التَّفْرِيعِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ) أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ التَّرَدُّدُ فِي إلْحَاقِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ(12/37)
أَوْ بِخِيَارِ الْخُلْفِ وَهَهُنَا فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ جَعَلْنَاهَا رَاجِعَةً إلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ خِيَارُ شَرْعٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُلْفَ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَخِيَارَ الْخُلْفِ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِيمَا لَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْبَائِعِ كَتَحَفُّلِ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا هَلْ يُثْبِتُ أَصْلَ الْخِيَارِ أَوْ لَا يُثْبِتُ فَاَلَّذِي يَقُولُ هَهُنَا بِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ لَا يَخْتَلِفُ نَظَرُهُ وَكَانَ التَّعْبِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِالْعَيْبِ وَبِالْخُلْفِ سَوَاءً (التَّنْبِيهُ السَّادِسُ) أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَتَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْعَيْبِ وَذَلِكَ مُسْتَمِرُّ عَلَى صَحِيحِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ هُنَا أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ (وَأَمَّا) عَلَى مَا صَحَّحْتُهُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ أَنَّ الْخِيَارَ بِالشَّرْعِ فهل يكون الحكم ثبوت الْخِيَارِ ثَلَاثًا مُسْتَمِرًّا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ مُسْتَمِرًّا فَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَشْمَلْ إلَّا الَّتِي صُرِّيَتْ وَإِلْحَاقُهُ بِالْعَيْبِ لَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ الثَّلَاثِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ خِيَارً أصلا كان ذلك مخافة لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مُوَافَقَتُهُ هُنَاكَ وَإِنْ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ كَانَ ذَلِكَ مُوَافَقَةً له هنا فأخذ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ (إمَّا) مُخَالَفَةُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ هُنَاكَ (وَإِمَّا) مُوَافَقَتُهُ هُنَا (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَثْبُتُ لِأَجْلِهِ فِي مَحَلِّ النَّصِّ مَوْجُودٌ هُنَا وَهُوَ فَوَاتُ الظَّنِّ وَكَوْنُهُ مِنْ بَابِ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ إثْبَاتَ الثلاث لم تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى إثْبَاتِ الثَّلَاثِ هُنَا أَخَصُّ مِنْ الدَّلِيلِ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْعُيُوبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُوَافَقَةِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ هُنَاكَ لِوُجُودِ(12/38)
مَعْنَى الْحَدِيثِ مُوَافَقَتُهُ هَهُنَا فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الثَّلَاثِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ ظَاهِرِ الحديث (التنبية السابع) أن قول أبى اسحق الْمَذْكُورَ وَقَعَ فِي نَقْلِهِ مَا يَنْبَغِي التَّثَبُّتُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ كَمَا حَكَيْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَبَعْدَهَا وَإِنَّمَا لَهُ الرَّدُّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ صَرَّحَ بِذَلِكَ
الرُّويَانِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ إذَا أُخِذَ عَلَى إطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ قبل الثلاث باقرار البائع أو نيته وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِسَبَبِهِ فَفِيهِ بُعْدٌ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ عِنْدَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ قَائِلِهَا فَقَالَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ خِيَارُ التَّصْرِيَةِ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهَا حَتَّى لَوْ عَلِمَ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ فِي الْحَالِ بِأَنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ شَهِدَ لَهُ الْبَيِّنَةُ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ لِلتَّرْوِيَةِ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ فِي قَوْلٍ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ثَلَاثًا لِأَنَّ خِيَارَ التَّصْرِيَةِ خِيَارُ عَيْبٍ وَنَقِيصَةٍ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ انْتَهَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) فِي كَلَامِهِ هُوَ قول أبى حامد المروروذى (الثالث) هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ - والله أعلم - قول أبى اسحق وَقَدْ صَرَّحَ عَلَيْهِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ إذَا عَلِمَ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَمْ يَحْكِ إلَّا قَوْلَ أَبِي حامد وقول أبى إسحق صرح على قول أبي إسحق بأنه إذا علم التصرية بأقرار أو ببينة وَأَخَّرَ الْفَسْخَ بَطَلَ خِيَارُهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ حَكَى الْمَنْعَ عَنْ أَبِي اسحق كَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ إذَا ظَهَرَ لَهُ التَّصْرِيَةُ بِحَلْبَةٍ أَوْ حَلْبَتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يكون بخلل في العلف(12/39)
أو لتبدل الْأَيْدِي (أَمَّا) إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي هَذَا مُوَافَقَةٌ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى الْفَوْرِ إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ إذَا حَصَلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَأَبُو إِسْحَاقَ لَا يُثْبِتُهُ عَلَى مَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِذَلِكَ بِمُوَافَقَةٍ وَلَا مُخَالَفَةٍ مَعَ أَنَّ مَنْعَ الرَّدِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْعَيْبِ بَعِيدٌ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي اسحق أَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ إلَّا بَيْنَ أَبِي حَامِدٍ وأبى اسحق قال ثبت عن أبى اسحق مَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَالْخِلَافُ بين أبى هريرة وأبى اسحق متحقق وان كان أبو إسحق يَقُولُ بِالرَّدِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَبْلَهَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَحِينَئِذٍ يَتَّحِدُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنَّ الشيخ أبو حَامِدٍ مُصَرِّحٌ بِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَلَمْ يَحْكِ
الخلاف الا بين أبى اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو حَامِدٍ لَا يُرَدُّ نَقْلُهُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مُحَقَّقَةٍ وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا أَرْبَعَةٌ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ ما قاله الرويانى عن أبى اسحق مِنْ امْتِنَاعِ الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَبِمَا حَكَاهُ القاضى حسين ولم ينسبه فيكون ذلك قَوْلًا مُغَايِرًا لِلثَّلَاثَةِ وَبِهِ تَصِيرُ أَرْبَعَةً هَذَا بَعِيدٌ لَا يَنْبَغِي الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلِاخْتِلَافِ فِي النَّقْلِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَتَنْبِيهِ كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَلَوْلَا تَصْرِيحُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ بِالْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ(12/40)
لكنت أقول أن كلاهما يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ مُقَابِلٌ لِوَجْهِ أَبِي حَامِدٍ وَهُمَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ مُطْبِقُونَ عَلَى ذِكْرِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (التَّنْبِيهُ الثَّامِنُ) أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَيُحْتَمَلُ مُطْلَقًا (فَإِنْ) كَانَ الْمُرَادُ الثَّانِيَ فَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ الْقَائِلُ بِجَوَازِ الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَبَعْدَهَا عَلَى الْفَوْرِ وَيَكُونُ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ حِينَئِذٍ قَوْلًا ثَالِثًا فِي الْمَسْأَلَةِ لَمْ يتعرض المصنف رحمه الله لِحِكَايَتِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ وَإِنْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الثَّلَاثِ خَاصَّةً فَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِاتِّفَاقِ النَّاقِلِينَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ يُوَافِقُ عَلَى الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إلَّا وَجْهَانِ وَتَكُونُ مَسْأَلَةُ الْعِلْمِ بَعْدَ الثَّلَاثِ مَسْكُوتًا عَنْهَا وَفِيهَا أَيْضًا وَجْهَانِ بَيْنَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ فهما متفقان قبل الثلاث ويوافق أبا اسحق فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ بَعْدَهَا (التَّنْبِيهُ التَّاسِعُ) أَنَّ اتِّفَاقَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ عَلَى جَوَازِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ قَبْلَ الثَّلَاثِ إذَا حصل العلم باقرار البائع وبنيته ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ لَا يَعْتَبِرُ الْعِلْمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ظُهُورِ التَّصْرِيَةِ بِالْحَلْبَةِ وَالْحَلْبَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَمْ يُصَرِّحُوا عَنْهُ في ذلك بشئ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِأَبِي إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِإِحَالَةِ تَنَاقُصِ اللَّبَنِ عَلَى التصرية مع(12/41)
احْتِمَالِ إحَالَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعَلَفِ وَتَبَدُّلِ الْأَيْدِي غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخَالِفًا لِأَبِي إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ ويكتفي في جواز الرد بظهور ذلك بِالْحَلْبَةِ وَالْحَلْبَتَيْنِ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ لِذَلِكَ كَمَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الثَّلَاثِ فَيَكُونُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ مُخْتَلِفَيْنِ قَبْلَ الثَّلَاثِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ بَعْضٍ (التَّنْبِيهُ الْعَاشِرُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " إذَا عَلِمَ " يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَذَلِكَ يُسَمَّى عِلْمًا فِي الْحُكْمِ وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ بين أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ فِي جَوَازِ الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مُطْلَقَ الْإِطْلَاقِ وَلَوْ بِدَلَالَةِ الْحَلْبِ فَيَعُودُ فِيهِ الْكَلَامُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ الْآنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (التَّفْرِيعُ)
* لَوْ اطَّلَعَ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ (فَعَلَى) قَوْلِ أَبِي حَامِدٍ قَالُوا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِلتَّرَوِّي كَخِيَارِ الشَّرْطِ فَيَفُوتُ بِانْقِضَاءِ الثَّلَاثِ (وَعَلَى) قَوْلِ ابْنِ أَبِي هريرة وأبى اسحق قد تقدم حكمه (وقال) الجوزى إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَلَهُ الرَّدُّ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَإِنَّمَا جَعَلَ الثَّلَاثَ فُسْحَةً لَهُ إذا علم في أولى يَوْمٍ بِالتَّصْرِيَةِ أَوْ فِي الثَّانِي أَنْ يُؤَخِّرَ الرَّدَّ إلَى الثَّلَاثِ وَيَنْقَطِعَ بِآخَرَ الرَّدُّ بَعْدَ ثَلَاثٍ (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَهَذَا حَسَنٌ وَيُوَافِقُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْإِبَانَةِ وَالْوَسِيطِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّصْرِيَةِ فعلى قول من ابن أبي هريرة وأبى اسحق لا يثبت كسائر العيوب الا أبى حَامِدٍ قَالُوا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ خِيَارُ شَرْعٍ وَشَبَّهُوهُ بِمَا إذَا تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا عَالِمَةً بِعُنَّتِهِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي اسحق لَا يَثْبُتُ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الرَّدِّ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَثُبُوتِهِ إذَا اشْتَرَاهَا عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ مَيْلٌ إلى(12/42)
جَانِبِ التَّعَبُّدِ وَكُلُّ الْمُفَرِّعِينَ ذَكَرُوا ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَامِدٍ حَتَّى الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ نَبَّهْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ اثبات الثلاثة وَجَعْلِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْعَيْبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْأُمِّ بِأَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحِكَايَةِ عَنْ نَصِّهِ أَنَّ الْخِيَارَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ يَقْتَضِي مَا قُلْتُهُ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الثَّلَاثِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ مَعَ قَوْلِنَا إنَّ الْخِيَارَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ الزَّمَنُ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّرْعُ لِلْخِيَارِ عَلَى سَبِيلِ التَّرَوِّي قَدْ مَضَى كَمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ بِعَيْبٍ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ
خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ يَتَّفِقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْفُلُ عَنْ مُلَاحَظَتِهَا فِي مُدَّةِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بِأَنْ يَكُونَ فِي يَدِ وَكِيلِهِ أَوْ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِمَا ثُمَّ يَطَّلِعُ بَعْدَ الثَّلَاثِ على التصرية وتناقص اللَّبَنِ فِي الْحَلْبَاتِ الْمَاضِيَةِ (وَأَمَّا) إذَا اشْتَرَاهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّصْرِيَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعَ كَوْنِهِ عَيْبًا لِأَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي الْعَادَةِ إلَّا بِالثَّلَاثِ فَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِكَوْنِهَا مُصَرَّاةً حَتَّى يَحْلُبَهَا ثَلَاثًا فَحِينَئِذٍ يَعْلَمُ مِقْدَارَ لَبَنِهَا الْأَصْلِيِّ وَقَبْلَ ذَلِكَ يَكُونُ رِضًا بِأَمْرٍ مَجْهُولٍ كَمَا يَقُولُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ إذَا قُلْنَا بِصِحَّتِهِ أَنَّهُ يَنْفُذُ فَسْخُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَنْفُذُ إجَازَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى قَوْلِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَفِي ذَلِكَ تَمَسُّكٌ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَمُرَاعَاةُ الْمَعْنَى وَبِهِ يَتَّجِهُ إثْبَاتُ الْخِيَارِ مَعَ الْعِلْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إسْقَاطُ الْخِيَارِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَمِمَّا يُرْشِدُ إلَى الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ " بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خِلَابَةٌ وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ " رُوِيَ(12/43)
ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مسعود والوقف أصح والرفع ضعيف ولكن يستأنس بِذَلِكَ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ يُرْشِدُ إلَى إلْحَاقِ هَذَا الْخِيَارِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ كَمَا أَنَّ مَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلِمَ عَيْبَهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ فَقَدْ حَصَلَتْ مِنْهُ الْخِلَابَةُ (وَهِيَ الْخَدِيعَةُ) وَأَمَّا الَّذِي يَشْتَرِطُ وَصْفًا فِي الْمَبِيعِ بِحَيْثُ إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ لَيْسَ حَالُهُ حَالَ الْمُخَادِعِ فَأَفَادَنَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ أَنَّ الْخَدِيعَةَ فِي الْبَيْعِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَأَنَّ التَّصْرِيَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْبَائِعِ تُثْبِتُ الْخِيَارَ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ مُخَادِعٌ كَمَا أَنَّ بَائِعَ الْعَيْنِ الْمَعِيبَةِ مُخَادِعٌ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَيْسَ مِنْهُ فَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ أَيَّ وَقْتٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ
* ثُمَّ فِي الْمُصَرَّاةِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهَا فِي الْعَادَةِ إلَّا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَزِيدَ فِيهَا هَذَا الْحُكْمُ وَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعِلْمِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْعُيُوبِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّصْرِيَةِ لَا يُفِيدُ الْغَرَضَ وَيَنْخَرِمُ بِهِ الْخَدْشُ عَلَى مِقْدَارِ اللَّبَنِ الْأَصْلِيِّ فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ثَلَاثًا مَعَ الْعِلْمِ وَيَثْبُتُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِ التَّصْرِيَةِ بَعْدَ ثلاث على الفور وقد قدمت عن الجوزى القول بذلك وابن المنذور لَمَّا نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِمُشْتَرِيهِ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَالَ) وَفِي مَذْهَبِ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ لَهُ الْخِيَارُ مَتَى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ أَنْ يَرُدَّهَا (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ
خَرَّجَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ لَا خِيَارَ لَهُ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذا توهما أَوْ أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ لَا يَثِقُ بِخَبَرِهِ ثُمَّ تَحَقَّقَ ذَلِكَ عِنْدَهُ (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ ثُمَّ لَمْ يَدُمْ اللَّبَنُ بَلْ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّصْرِيَةِ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا الْكَلَامُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ دَامَ عَلَى مَا أَشْعَرَتْ بِهِ التَّصْرِيَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ وَأَنَّ الْخِلَافَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا إذَا رَجَعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ قَدْ شَبَّهُوا ذَلِكَ بِمَا إذَا تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا عَنْ غَيْرِهَا عَلَى رَجَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ عِنِّينًا عَنْهَا فَإِذَا تَحَقَّقَتْ عُنَّتُهُ عَنْهَا أَيْضًا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَنَّ عَنْهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ لَكِنَّ الْخِلَافَ(12/44)
فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ مُطْلَقٌ لِأَنَّ مَأْخَذَ إثْبَاتِ الْخِيَارِ أَنَّهُ خِيَارُ شَرْعٍ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ جَعَلْنَا الْخِيَارَ خِيَارَ شَرْعٍ فَيَثْبُتُ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ بِالتَّصْرِيَةِ سَوَاءٌ دَامَ اللَّبَنُ أَوْ لَمْ يَدُمْ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ خِيَارَ عَيْبٍ فَيَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَلِلْمَأْخَذِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْإِلْحَاقِ بِمَسْأَلَةِ الْعِنِّينِ (وَفِي) الْإِبَانَةِ وَالْوَسِيطِ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ فَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ يُؤْخَذُ منها أنه علي حد الْوَجْهَيْنِ يَمْتَدُّ الْخِيَارُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ بَعْدَ الثَّلَاثِ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ اخْتِيَارِي لَهُ لَكِنِّي لَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ الْمَذْكُورُ يُقَوِّي التَّمَسُّكَ بِهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ قَالَ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرْتُ عَلَى قَوْلِ الْفُورَانِيِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ قبله وكان الاولى التَّرْتِيبِ فِي الصِّنْفِ خِلَافَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَجْهٌ بِذَلِكَ فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا اخْتَرْته وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِهِ عَنْ غَيْرِهِ بَلْ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ وَحْدَهُ يَكُونُ فِي إثْبَاتِ طَرِيقَةٍ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْجَزْمِ بِالْفَوْرِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَالتَّرَدُّدِ قَبْلَهَا وَمِنْ ذَلِكَ يَخْرُجُ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ الْخِيَارُ لِلتَّدْلِيسِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهَلْ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ أَوْ مِنْ التَّفَرُّقِ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ الْعَقْدِ (وقد) قال الجوزى هنا أن الاصح أن أول وَقْتُ
الثَّلَاثِ مِنْ التَّفَرُّقِ قَالَ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ تُبِيحُ لَهُ التَّبَسُّطُ بِالْحَلْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ لَهُمَا جَمِيعًا وَإِذَا تَفَرَّقَا بَطَلَ خِيَارُ الْبَائِعِ وَحَصَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الثَّلَاثِ (وَفِي) الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ ابْتِدَاءَ الثَّلَاثِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَرْوَزِيِّ التَّفَرُّقُ (وَعَلَى) مَذْهَبِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ على وجهين
*(12/45)
* (فَرْعٌ)
* لَوْ اشْتَرَطَ خِيَارَ الثَّلَاثِ لِلْبَائِعِ فِي المصراة قال الجوزى لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْحَلْبِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفِ وَتَرْكُ الْحَلْبِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الشَّاةِ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِالشَّاةِ هَكَذَا قَالَهُ الجوزى وَوَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَسَكَتَ عَنْهُ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ لِمَ يكن الْحَلْبُ وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ لِمَنْ الْمِلْكُ لَهُ فَإِنْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فَلَهُ الْحَلْبُ وَإِلَا فَلِلْمُشْتَرِي وَلَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ إضْرَارٌ بِالشَّاةِ نَعَمْ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى مَحْظُورٍ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِأَنَّ اللَّبَنَ الحادث يكون له تَبَعًا لِلْمِلْكِ وَإِنْ تَمَّ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ فَاللَّبَنُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ لِلْمُشْتَرِي لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ وَاخْتِلَاطُهُمَا مَعْلُومٌ فَلَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحُكِمَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فِي اللَّبَنِ الْحَادِثِ لَلَزِمَ هَذَا الْمَحْذُورُ فَيُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّ مُدَّتَهُ قَصِيرَةٌ غَالِبًا وَأَيْضًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّ مَا عَلَّلَ به الجوزى صَحِيحٌ وَإِنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي جُزْئِهِ وَإِنْ حَكَمْنَا بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ مُمْتَنِعٌ وَإِنْ كَانَ إذَا تَصَرَّفَ يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ (وَأَمَّا) الْحِلُّ فَلَمْ يَذْكُرُوهُ فَإِنْ ثَبَتَ تَحْرِيمٌ عَلَى التَّصَرُّفِ لَزِمَ ما قاله الجوزى لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْحَلْبِ تَصَرُّفٌ فِي الْمَبِيعِ وَإِذَا مَنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ أَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالشَّاةِ كَمَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ اُشْتُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ فِي التَّصَرُّفِ مِنْ انْقِضَاءِ خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي إذَا قُلْنَا عِنْدَ فَقْدِهِ أَنَّهُ مِنْ انْقِضَاءِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ حَذَرًا مِنْ اجْتِمَاعِ مُتَجَانِسَيْنِ كَالْأَجَلِ ذَلِكَ قُلْنَا إنَّ ابْتِدَاءَ خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ (قُلْتُ) وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ التَّصْرِيَةَ تَتَبَيَّنُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى فَإِثْبَاتُ ثَلَاثَةٍ أُخْرَى لَا وَجْهَ لَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ نَقُولَ عَلَى هَذَا
الْقَوْلِ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ فَكَانَ كَمَا لَوْ شَرَطَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ فان(12/46)
ذَلِكَ لَغْوٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ صَحَّ) ذَلِكَ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (وَأَمَّا) شَرْطُهُ لَهُمَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يمنع أيضا أخذا مما قاله الجوزى وَمِمَّا قُلْتُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ وَلَا يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ بِالْحَلْبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ وَمِنْهُ ثبتا في الصورة التي ذكرها الجوزى نَظَرٌ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بِالشَّرْعِ لِأَجْلِ التَّصْرِيَةِ فَلَوْ صَحَّحْنَا اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ مَعَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ هَلْ يَكُونُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُمَا بِهَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ كَثُبُوتِهِ بِالشَّرْطِ حَتَّى لَا يحكم بالملك حينئذ أو لَا لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا اشْتَرَاهَا وَهِيَ مُصَرَّاةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَتَّى ثَبَتَ لَبَنُهَا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أشعرت به التصرية وصار ذلك عَادَةً بِتَغَيُّرِ الْمَرْعَى فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ الخيار لتدليس
(وَالثَّانِي)
لَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (قُلْتُ) وَهَذَا عَلَى رَأْيِهِ فِي أَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ وَشَبَّهُوا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بِالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ إلا بعد زواله وبالقولين فيما إذا عنقت الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ عِتْقَهَا حَتَّى عَتَقَ الزَّوْجُ وَفِي تَعْلِيقٍ سَلِيمٍ عَنْ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الشَّيْخُ أَمَّا الْقَوْلَانِ فَعَلَى مَا قَالَ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْعَيْبِ (فَأَمَّا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَلَا أَعْرِفُ لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ وَجْهًا لِأَنَّ نُقْصَانَ اللَّبَنِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْجَمْعِ وَقَدْ اسْتَدَامَ لَهُ ذَلِكَ (قُلْتُ) وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ لَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْعَارِضَةَ عَلَى خِلَافِ الْجِبِلَّةِ لَا يُوثَقُ بِدَوَامِهَا بِخِلَافِ اللَّبَنِ الْمُعْتَادِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْفَرْعِ إذَا جَعَلْنَا لَهُ الرَّدَّ مِنْ بَابِ الْعَيْبِ (أَمَّا) مَنْ يَجْعَلُ الْخِيَارَ بِالشَّرْعِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ فَلَهُ الرَّدُّ بِلَا إشْكَالٍ وَبَنَى الْجُرْجَانِيُّ الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ هَلْ هُوَ خِيَارُ خُلْفٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ خِيَارَ خُلْفٍ فَلَا يَثْبُتُ هَهُنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِفْ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ خِيَارَ عَيْبٍ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَبِهَا عَيْبٌ فَلَمْ يُعْرَفْ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ هل يثبت له الخيار
*(12/47)
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (فان اختار رد المصراة رد بدل اللبن الذى أخذه واختلفت الرواية فيه فروي أبو هريرة " صاعا من تمر " وروى أبن عمر " مثل أو مثلى لبنها قمحا " واختلف أصحابنا فيه (فقال) أبو العباس ابن سريج يرد في كل بلد من غالب قوته وحمل حديث أبى هريرة على من قوت بلده التمر وحديث ابن عمر علي من قوت بلده القمح كما قال في زكاة الفطر " صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ " وأراد التمر لمن قوته التمر والشعير لمن قوته الشعير (وقال) أبو إسحق الواجب صاع من التمر لحديث ابى هريرة وتأول حديث ابن عمر عليه إذا كان مثل لبنها من القمح أكثر قيمة من صاع من التمر فتطوع به)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا وَأَنَّ الرِّوَايَةَ إلَى ابْنِ عُمَرَ غَيْرُ قَوِيَّةٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَالْمُشْتَرِي لِلْمُصَرَّاةِ إمَّا أَنْ يَخْتَارَ إمْسَاكَهَا وَإِمَّا أَنْ يَخْتَارَ رَدَّهَا وَإِذَا اخْتَارَ الرَّدَّ فَإِمَّا قَبْلَ الْحَلْبِ وَإِمَّا بَعْدَهُ وَإِذَا كَانَ بَعْدَهُ فَإِمَّا مَعَ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَإِمَّا بَعْدَ تَلَفِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحَالَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ لِسُهُولَةِ الْأَمْرِ فِيهِمَا وذكر الحالتين الاخرتين احداها فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ الْفَصْلِ وَالْأُخْرَى فِي الْقِطْعَةِ الَّتِي سَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ إنْ شَاءَ الله تعالى فلنذكر الاحوال الثلاث ونقدم الصورة الَّتِي فَرَضَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَا إذَا أَرَادَ رَدَّهَا (وَصُورَةُ) الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَلْبِ وَكَانَ اللَّبَنُ تَالِفًا فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ رَدِّهَا وَرَدِّ بَدَلِ اللَّبَنِ وَلَا يُخَرَّجُ رَدُّهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِتَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اللَّبَنُ اتِّبَاعًا لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْبَابِ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ عَلَى رَأْيٍ لَا يُقَابِلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَسَيَأْتِي فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ تَحْقِيقُ النَّقْلِ فِي هَذَا الرَّأْي وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَكَى خِلَافًا فِي جَوَازِ الرَّدِّ إلَّا ابْنَ أَبِي الدَّمِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ إذَا حَلَبَ اللَّبَنَ فَتَلِفَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ رَدُّ الشَّاةِ قِيَاسًا عَلَى رَدِّ الْعَبْدِ الْقَائِمِ بَعْدَ تَلَفِ الْآخَرِ وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْوَجْهِ مَعَ الْحَدِيثِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْوَجْهُ لَمْ أَقِفْ(12/48)
عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ بِالْوَجْهِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ إذَا رَدَّهَا بِعَيْبٍ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ قَالَ ذَلِكَ الْوَجْهَ فِي النِّهَايَةِ أَمَّا هَهُنَا فَلَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَضْمُومِ إلى المصراة في الرَّدُّ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ
لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ (أَمَّا) الْجِنْسُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا نَسَبَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا عَلَّقَ سُلَيْمٌ عَنْهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ غَالِبُ قُوتِهَا وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَنَسَبَهُ الرُّويَانِيُّ إلَيْهِمَا وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَنَسَبَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ عَنْهُ إلَى ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ غَرِيبٌ ونسبه الجوزى لَمَّا تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ إلَى ابْنِ سَلَمَةَ قَالَ فَكَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ سَلَمَةَ يَرُدَّانِهَا مَعَ صَاعٍ مِنْ أَقْرَبِ قُوتِ الْبَلَدِ فان صحت هذه النقول فَلَعَلَّهُمْ الْأَرْبَعَةَ قَائِلُونَ بِهَذَا الْوَجْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ النَّاقِلِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا الوجه النمر إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا أَوْ يَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ الْقُوتِ الْوَاجِبِ في زكاة الفطر وفيه خلاف والجوزي جَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَلِمَ الثَّمَنَ فَحَكَى فِيهِ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُعْتَبَرُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ إلَّا التَّمْرُ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ إنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ التَّمْرَ جَازَ وَأَنَّهُ لَوْ رَدَّ بدله شيئا آخر كالحنطة أو الشعير فيه وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولُ غَيْرِهِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ بَدَلَهُ صَاعًا مِنْ قُوتِهِ وَكِلَا هَذَيْنِ المصنفين يُخَالِفُ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْأَوَّلَيْنِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوَافِقُ كَلَامَ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ صَوَّرَ كَلَامَهُ بِأَنَّهُ يَرُدُّ التَّمْرَ ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ فِي تَعَيُّنِهِ وَقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهِ أَمَّا عِنْدَ التَّرَاضِي فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى فإذا جمعت ما قاله الجوزى وصاحب التتمة مع ما اقتضاه كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ حَصَلَ لَكَ فِي رَدِّ الْغَالِبِ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ (وَالثَّالِثُ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ مَوْجُودًا فَيَمْتَنِعَ(12/49)
أَوْ مَعْدُومًا فَيَجُوزَ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ هُوَ الْوَاجِبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مُحَقَّقَةٍ مِنْ قَائِلِينَ مُخْتَلِفِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافًا فِي تَحْقِيقِ قَوْلٍ وَاحِدٍ (أَمَّا) عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ كَابْنِ سُرَيْجٍ أَوْ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَمَا اقتضاه اطلاق الجوزى قَوْلَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَكَ أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى ذَلِكَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الثَّلَاثِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهَا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ نَقَلَ
الْأَئِمَّةُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ جَعَلَ اخْتِلَافَ الْأَحَادِيثِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفَ لَفْظُهُ لِذَلِكَ فَقَالَ " صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّ غَالِبَ قُوتِهَا التَّمْرُ وَكَانَتْ الْحِنْطَةُ بِهَا عَزِيزَةً وَقَالَ " صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ " حَيْثُ يَكُونُ الْغَالِبُ مِنْ الْقُوتِ الشَّعِيرَ أَوْ الذُّرَةَ أَوْ الْأَرُزَّ وَقَالَ " مِثْلُ لَبَنِهَا قَمْحًا " وَأَرَادَ بِهِ الصَّاعَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ مِثْلُ اللَّبَنِ الَّذِي فِي الضَّرْعِ وَقَصَدَ بِهِ اللبن الذى يكون غالب قوته ووراء هذه الاوجه الثلاث غَيْرِ الْقَوْلِ بِتَعَيُّنِ التَّمْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ يَرُدُّ صَاعًا مِنْ أَيِّ الْأَقْوَاتِ الْمُزَكَّاةِ شَاءَ مِنْ تَمْرٍ أَوْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْهُ للوجه الاول والله أعلم (قال) الْمَاوَرْدِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ (وَقَوْلُهُ) " مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا " لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ صَاعًا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْغَنَمِ أَنْ تَكُونَ الْحَلْبَةُ نِصْفَ صَاعٍ يَعْنِي وَيَكُونُ تَرَدُّدُ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى التَّنْوِيعِ مِثْلُ لَبَنِهَا إنْ كان كثيرا قدر لبنها ان كان كثيرا قَدْرَ صَاعٍ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا إنْ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى الشِّيَاهِ فِي بِلَادِهِمْ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْوَجْهِ أَبُو بَكْرٍ احمد بن ابراهيم بْنُ إسْمَاعِيلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي قَوْلِهِ " صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْمَقْصُودُ لَا الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِنَوْعٍ مَعْرُوفٍ (وَقَوْلُهُ) سَمْرَاءَ لَوْ كَانَ نَوْعُ التَّمْرِ هُوَ الْمَقْصُودُ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ لَا سَمْرَاءَ مَعْنًى فَثَبَتَ أَنَّ المعنى التمر وما قام مقامه لا يكلف سَمْرَاءَ (قُلْتُ) وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَلَيْسَتْ (لَا) مُتَعَيَّنَةً فِي الْإِخْرَاجِ وَإِنَّمَا هِيَ هُنَا عَاطِفَةٌ مِثْلُهَا فِي قَوْلِكَ جَاءَنِي رَجُلٌ لَا امْرَأَةٌ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ نَفْيُ تَوَهُّمِ أَنْ تَكُونَ السمراء(12/50)
مُجْزِئَةً فَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ مُشْتَرِكَةٌ فِي أَنَّ التَّمْرَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ بَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ غَيْرُهُ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ قَصَرُوا ذَلِكَ عَلَى الْأَقْوَاتِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَهُنَا فِي التَّخْيِيرِ أَوْ فِي اعْتِبَارِ الْغَالِبِ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّمْرِ قَالَ الْإِمَامُ لَكِنْ لَا نَتَعَدَّى هُنَا إلَى الْأَقِطِ بِخِلَافِ مَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِلْخَبَرِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ يُوَافِقُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ في نقل قوله التَّخْيِيرِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَقْوَاتِ الْمُزَكَّاةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَطْلَقَ النَّقْلَ فِي قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ وَوَرَاءَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّمْرَ لَا يَتَعَيَّنُ وَجْهٌ خَامِسٌ عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ
وَاخْتُلِفَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ (فَقَالَ) وَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ ذَكَرَ شَيْخِي مَسْلَكًا غَرِيبًا زَائِدًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ فَقَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُجْرَى فِي اللَّبَنِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ فَإِنْ بَقِيَ عَيْنُهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ رَدَّهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ غَيْرِهِ وَإِنْ تَغَيَّرَ رد مِثْلُهُ فَإِنَّ اللَّبَنَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلَ فَالرُّجُوعُ إلَى الْقِيمَةِ وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَلَمْ يُصَرِّحْ وَهَذَا عِنْدِي غَلَطٌ صَرِيحٌ وَتَرْكٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بل هو جيد عَنْ مَأْخَذِ مَذْهَبِهِ وَيَبْطُلُ عَلَيْهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْخِيَارُ فَإِنْ اعْتَمَدْنَا فِيهِ الْخَبَرَ لَمْ يَبْعُدْ مِنْ الْخَصْمِ حَمْلُهُ عَلَى شَرْطِ الْغَزَارَةِ مَعَ تَأْكِيدِ الشرط بالتحفيل فهو إذا هَفْوَةٌ غَيْرُ مَعْدُودَةٍ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا عَوْدَ إلَيْهَا هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمُرَادِ وَالِدِهِ وَالْأَمْرُ فِي تَضْعِيفِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُجَانِبٌ لِلْحَدِيثِ وَالْمَذْهَبِ وَيَقْتَضِي أَنَّ التَّمْرَ لَيْسَ الْوَاجِبَ أَصْلًا وَأَنَّهُ عِنْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ الْوَاجِبِ رَدُّ مِثْلِهِ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ صَدَّرَ كَلَامَهُ بِأَنَّهُ يُرَدُّ التَّمْرُ ثُمَّ جَعَلَ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ التَّمْرِ غَيْرُهُ حَتَّى لَوْ عَدَلَ إلَى مِثْلِ اللَّبَنِ أَوْ إلَى قِيمَتِهِ عِنْدَ إعْوَازِ الْمِثْلِ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ وَفِي هَذَا تَأْوِيلٌ لِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ لله وَأَنَّ إيرَادَهُ يَرُدُّهُ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّهُ حَتْمًا وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى وَجْهٍ عَلَى قَبُولِ اللَّبَنِ إذَا كَانَ باقيا ومال ابن الرافعة إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَقَالَ إنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ أبى محمد رحمه الله(12/51)
في السلسة يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ لَكِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يَأْبَاهُ ظَاهِرُ حِكَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) إنَّهُ يُجْرَى فِي اللَّبَنِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَجْهَ الَّذِي سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَالْإِمَامُ وان كان كلامه عن الشيخ أبى حامد فِي حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ أَيْضًا لَكِنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ نَعَمْ وَأَيْضًا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ التَّلَفِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ عَلَى بُعْدِهِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ التَّمْرُ وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ إلَى مِثْلِهِ فَعَلَى بُعْدِهِ لَيْسَ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ عَنْهُ وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْحَالَتَيْنِ أَعْنِي حَالَةَ تَلَفِ اللَّبَنِ وَحَالَةَ بَقَائِهِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ فَفِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْمُصَادَمَةِ لِلْحَدِيثِ وَالْمَذْهَبِ
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنْ لَهُ وَجْهٌ فَإِنَّ اللَّبَنَ الْكَائِنَ فِي الضَّرْعِ قَبْلَ الْحَلْبِ يَسِيرٌ لَا يُتَمَوَّلُ فَصَارَ تَابِعًا لِمَا فِي الضَّرْعِ كَمَا إذا اختلط بالثمرة المبيعة ونحوها شئ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي وَلِهَذَا حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى رَطْبَةً فَلَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى طَالَتْ أَنَّ الزِّيَادَةَ تكون للمشترى لكبر الثَّمَرَةِ وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ شيخ فِيمَا إذَا بَاعَ صَاعًا مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي فِي الضَّرْعِ وَقَدْ رَأَى مِنْهُ أُنْمُوذَجًا فَقَالَ وَكَأَنَّ شَيْخِي سَابِقٌ فِي التَّصْوِيرِ وَيَقُولُ إذَا ابْتَدَرَ حَلْبَهُ وَاللَّبَنُ عَلَى كَمَالِ الدَّرَّةِ لَمْ يظهر اختلاط شئ بِهِ لَهُ قَدْرٌ بِهِ سَأَلَاهُ وَإِنْ فُرِضَ شئ عَلَى نُدُورٍ لِمِثْلِهِ مُحْتَمَلٌ كَمَا إذَا بَاعَ جزة من قرط قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْخَبَرُ عَلَى هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّدَّ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَاللَّبَنُ إذْ ذَاكَ يَكُونُ تَالِفًا فِي الْغَالِبِ نَعَمْ الْمُشْكِلُ قَوْلُهُ عِنْدَ تَعْيِينِ اللَّبَنِ يَعْنِي بِالْحُمُوضَةِ بِوُجُوبِ رَدِّ مِثْلِهِ والخبر إذا أخرج مَخْرَجِ الْغَالِبِ يُوجِبُ رَدَّ غَيْرِهِ فَالْغَرَابَةُ فِي هَذَا لَكِنَّهُ قِيَاسُ إيجَابِ رَدِّ اللَّبَنِ عِنْدَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ نَظَرًا إلَى جَعْلِ زِيَادَةِ اللَّبَنِ بِالْحَلْبِ تَابِعَةً وَإِذَا وَجَبَ رَدُّ الْمِثْلِ فَتَعَذَّرَ كان الواجب قيمته (قلت) وهذا التكليف عَلَى طُولِهِ لَيْسَ فِيهِ مُحَافَظَةٌ عَلَى ظَاهِرِ مَا نُقِلَ عَنْ(12/52)
الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مِنْ الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُقْتَصِرٌ عَلَى حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى الْغَالِبِ ثُمَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَجُوزَ الرَّدُّ قَبْلَ ثَلَاثٍ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ إبْدَاءُ وَجْهٍ مِنْ الْقِيَاسِ لِرَدِّ اللَّبَنِ وَنَحْنُ لَا نَذْكُرُ أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْمُتَّبَعَ فِي ذَلِكَ الحديث وهو عمدة المذهب في ذلك فَالْعُدُولُ عَنْهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ مُقْتَصِرٌ بِظَاهِرِهِ عَلَى حَالَةِ التَّلَفِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي حِكَايَةِ الْوَجْهِ لِلْمُشْتَرِي جَبْرُ الْبَائِعِ عَلَى قَبُولِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ الْمِثْلُ مَوْجُودًا وَإِلَّا عَدَلَ إلَى الدَّرَاهِمِ كسائر المتلفات والله أَعْلَمُ
* فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ الْأَوْجَهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَجْمَعُهَا الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّمْرَ لَا يَتَعَيَّنُ وَعَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى مُشْتَرِكَةٌ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الْخَامِسُ لَا يُشَارِكُهَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رَدُّ اللَّبَنِ أَوْ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ عَلَى الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَيُقَابِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْوَجْهُ الثَّانِي الذى ذكره المصنف عن أبى اسحق المروزى اتباعا لحديث
أبى هريرة رضى الله عنه وممن صَحَّحَ هَذَا الْوَجْهَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَمِمَّنْ نَسَبَهُ إلَى أَبِي اسحق كَمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ لِهَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِ التَّمْرِ وَلَوْ أَعْوَزَ التَّمْرَ أَعْطَى قِيمَتَهُ وَفِي قِيمَتِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
قِيمَتُهُ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إنَّهُ إنْ عَدَلَ إلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ جَازَ وَإِنْ عَدَلَ إلَى مَا هُوَ دُونَهُ لا يجوز الا برضى الْبَائِعِ هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَدَلَ(12/53)
إلى الاعلى جاز من غير رضى الْبَائِعِ وَكَلَامُ الْبَغَوِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْحِنْطَةَ أَعْلَى مِنْ التَّمْرِ وَكَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَعْلَى وَقَدْ تَكُونُ أَدْوَنَ وَكَأَنَّهُ رَاعَى فِي ذَلِكَ الْقِيمَةَ وَكَأَنَّ الْبَغَوِيَّ رَاعَى فِي ذَلِكَ الِاقْتِيَاتَ فَحَصَلَ مِنْ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ عن أبى اسحق وجهان والعجب أن الرافعى رحمه الله عمد به التهذيب ولم يحك عن أبى اسحق مَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِيهِ وَإِنَّمَا حَكَى عَنْ أبى اسحق مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ نَقْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يَحْكِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا عِنْدَ الْإِعْوَازِ إلَّا اعْتِبَارَ قِيمَةِ الْمَدِينَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُنْطَبِقٌ عَلَى مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي جِنْسِ الْمَرْدُودِ مَعَ الْمُصَرَّاةِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ وَلَكَ فِي تَرْتِيبِهَا طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ تَقُولَ فِي الْوَاجِبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ عَلَى ظَاهِرِ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ
(وَالثَّانِي)
التَّمْرُ (وَالثَّالِثُ) جِنْسُ الْأَقْوَاتِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّمْرِ فَهَلْ نَعْدِلُ إلَى أَعْلَى مِنْهُ أَوْ إلَى غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يكون التمر موجودا فيتعين أَوْ مَعْدُومًا فَيُعْدَلُ إلَى الْغَالِبِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَقْوَاتِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْغَالِبُ أَوْ يَتَخَيَّرُ وَجْهَانِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ نَقُولَ الْوَاجِبُ التَّمْرُ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ وَجْهَانِ (فَإِنَّ قُلْنَا) يَتَعَيَّنُ فَهَلْ يُعْدَلُ إلَى أَعْلَى مِنْهُ وَجْهَانِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَتَعَيَّنُ فَهَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ الْأَقْوَاتُ أَوْ الْأَقْوَاتُ وَغَيْرُهَا وَجْهَانِ (الثَّانِي) قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ (وَإِنْ قُلْنَا) الْأَقْوَاتُ وَحْدَهَا فَهَلْ يَتَخَيَّرُ أَوْ يَتَعَيَّنُ الْغَالِبُ وَجْهَانِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُقْتَضَى تَرْتِيبِ الرَّافِعِيِّ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رحمه الله لا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَلَمْ يَحْكِ وَجْهَ الْعُدُولِ إلَى الْأَعْلَى وَلَا التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا وَلَا وَجْهَ الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ عَلَى ظَاهِرِ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إثْبَاتَ وَجْهٍ ثَامِنٍ جَمْعًا بَيْنَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ
فِي النَّقْلِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي فَهْمِ كَلَامِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا يصح(12/54)
إثْبَاتُ وَجْهَيْنِ لَوْ ثَبَتَا جَمِيعًا عَنْهُ أَوْ قَائِلِينَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ هَهُنَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا ذَكَرْتَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ سَكَتَ عَنْهُ مِمَّا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَنْ أَبِي اسحق قَدْ شَمِلَهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الِاعْتِبَارَ بِغَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ يَعْنِي فِي الْقِيَامِ مَقَامَ التَّمْرِ فَهَذَا هُوَ الْعُدُولُ مِنْ التَّمْرِ إلَى أَعْلَى مِنْهُ (قُلْتُ) لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ أَعْلَى مِنْ التَّمْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا فِي الِاقْتِيَاتِ وَلَا فِي القيمة فقد يكون بلد غالب قوتها قُوتٌ هُوَ أَدْنَى مِنْ التَّمْرِ قُوتًا وَقِيمَةً وقد نقل الاصحاب عن أبى إسحق أَنَّهُ جَعَلَ تَرْتِيبَ الْأَخْبَارِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ كَمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَيْهِ فَصَرَّحَ بِالتَّمْرِ فِي حَدِيثٍ وَفِي آخَرَ قَالَ " مِنْ طَعَامٍ " وَأَرَادَ التَّمْرَ وَفِي آخَرَ قَالَ " قَمْحًا " وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَمْحُ أَعَزَّ وَرَضِيَ بِذَلِكَ وَحَيْثُ قَالَ " مِثْلُ " أَوْ " مِثْلَيْ لَبَنِهَا " أَرَادَ إذَا كَانَ قَدْرُ ذَلِكَ صَاعًا وَهَذَا التَّرْتِيبُ يُوَافِقُ مَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَنْهُ (وَأَمَّا) مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَلَا يُوَافِقُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ غَيْرِ التَّمْرِ أَصْلًا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا الصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْرُ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ مُصَرِّحَةٌ بِالتَّمْرِ وَاَلَّتِي فِيهَا الطَّعَامُ مُطْلَقًا مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فِيهِ الْقَمْحُ فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ضَعْفِ طَرِيقِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ما تأوله ابن سريج وأبو إسحق عَلَيْهِ فَيَكُونُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْرُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لَكِنْ هَلْ يَتَعَيَّنُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي اسحق أَوْ يَقُومُ مَقَامَهُ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ الْبَاقُونَ هَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الشَّيْخِ(12/55)
أَبِي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ التَّمْرُ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ وَلَمْ يَحْكِ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي اسحق غَيْرَ ذَلِكَ وَظَاهِرُ ذَلِكَ تَصْحِيحٌ لِمَا نَقَلَهُ الماوردى وأن غير التمر لا يجوز وكذلك هُوَ فِي الْمُحَرَّرِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يكون ذلك برضى الْبَائِعِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذَا التَّصْحِيحِ لِأَمْرَيْنِ
(أحدهما)
أن حكاية الاكثرين عن أبى اسحق أَنَّهُ
يَجُوزُ الْعُدُولَ إلَى الْأَعْلَى كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَكَثْرَةُ الْقَائِلِينَ لِذَلِكَ عَنْ أبى اسحق يقتضي على ما نقله الماوردى عنه وتبين مراد أبى اسحق وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَنَاوَلَ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ لِيُوَافِقَ كَلَامَ الْأَكْثَرِينَ وَإِذَا لم نتحقق هذا الوجه عن أبى إسحق وَلَيْسَ مَنْقُولًا عَنْ غَيْرِهِ فَكَيْفَ نَقْضِي بِصِحَّتِهِ (الثَّانِي) أَنَّ الْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولَ عَنْ الْقُوتِ الْوَاجِبِ إلَى قُوتٍ أَعْلَى مِنْهُ فَإِذَا عُدِلَ عَنْ التَّمْرِ إلَى مَا هُوَ أَعْلَى يَنْبَغِي أَنْ يجوز (والاصح) أن الاعتبار بزيادة الاقنيات وَالْقَمْحُ أَعْلَى بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَخِيرِ فَقَدْ يَكُونُ الْقَمْحُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ التَّمْرِ فَلَوْ كَانَ التَّمْرُ فِي الْمُصَرَّاةِ مُتَعَيَّنًا حَتَّى لَا يَجُوزَ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى (فَالْجَوَابُ) أَمَّا اختلاف النقل عن أبى اسحق وَكَوْنُ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ فِي نِسْبَةِ هَذَا الْقَوْلِ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَحَقِّقًا فَهُوَ بَحْثٌ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْرُ بِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ أَنْ يَرُدَّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَقَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ ثَمَنٌ وَاحِدٌ وَقَّتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ نَصُّ الْحَدِيثِ وَنَصُّ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ يَقْتَضِي ان(12/56)
بدل اللبن هو التمر فتمكن المشترى من إعطاء بدله بغير رضى مستحقه على خلاف القواعد لا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَيَكْفِي التَّمَسُّكُ فِي الصَّحِيحِ بِنَصِّ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ الْمُسْتَنِدِ إلَى دَلِيلٍ وَأَمَّا مَنْ يَشْتَرِطُ فِي التَّصْحِيحِ مُوَافَقَةَ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ هَهُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ أَقِفْ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَا عَلَى نِسْبَةِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ إلَى غَيْرِ أَبِي إِسْحَاقَ نَعَمْ الْإِمَامُ قَالَ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ التَّمْرُ فَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ يوافق ما نقله الماوردى عن أبى اسحق فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْإِمَامِ بِالذَّاهِبِينَ أَبَا إسحق وَمُتَابِعِيهِ وَيَعُودُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جِهَةِ اخْتِلَافِ النَّقْلِ عَنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَمُسْتَنَدُ مَنْ لَمْ يَقُلْ من الاصحاب على كثرتهم يتعين التمر اختلاف الرواية ومجئ الْقَمْحِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ ذَلِكَ الَّذِي مَهَّدَ لِأَصْحَابِ الْقُوتِ مَذْهَبَهُمْ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ الِاتِّبَاعُ وَأَنْتَ إذَا وَقَفْتَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَةِ الْقَمْحِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي أُطْلِقَ فِيهَا الطَّعَامُ تَارَةً وَذُكِرَ التَّمْرُ أُخْرَى لَمْ تُبَالِ بِمُخَالَفَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ إذَا اتَّبَعْتَ
الْحَدِيثَ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولَ إلَى الْأَعْلَى فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ سَدُّ خُلَّةِ الْمَسَاكِينِ وَالْحَقُّ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ التَّنَازُعِ وَالْخُصُومَةِ مَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ مَقْصُودَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهَا لِلْآدَمِيِّ مَقْصُودُ الشَّارِعِ فِيهَا قَطْعُ النِّزَاعِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ ضَرْبِ تعبد فَقَدْ بَانَ وَوَضَحَ لَكَ أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ التَّمْرِ وَتَعْيِينُهُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَى أَوْ أَدْنَى إلَّا برضى الْبَائِعِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَهَذَا الصَّحِيحُ خِلَافُ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ لِمَا تَبَيَّنَ لَكَ أن مراده عن أبى إسحق أَنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الْأَعْلَى وَصَحَّحَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا الْكَلَامُ فِي جِنْسِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا مِقْدَارُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ الْوَاجِبَ صَاعٌ قل اللبن أو كثر(12/57)
وإن رادت قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ الصَّاعِ أَمْ نَقَصَتْ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَهَذَا الَّذِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجُزْءِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الْأُمِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْمَعْنَى فِيهِ قَطْعُ النِّزَاعِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذر التميز فَتَوَلَّى الشَّرْعُ تَعْيِينَ بَدَلِهِ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهِ الرَّابِعِ مِنْ أَسْئِلَةِ الْحَنَفِيَّةِ الَّتِي ادَّعَوْا فِيهَا خُرُوجَ الحديث عن القياس (والثاني) أن الواجب يقدر بِقَدْرِ اللَّبَنِ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ الَّتِي فِيهَا مثل أو مثلى لبنها وعلى هذ فَقَدْ يَزْدَادُ الْوَاجِبُ عَلَى الصَّاعِ وَقَدْ يَنْقُصُ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّاعِ كَانَ فِي وَقْتٍ عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ مِقْدَارَ اللَّبَنِ فَإِذَا زَادَ زِدْنَا وَإِذَا نَقَصَ نَقَصْنَا وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِنَصِّ الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَعْفُ الرِّوَايَةِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا وَهَذَانِ الوجهان حكماهما الفورانى والقاضى حسين والشيخ أبو محمد غيرهم مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ هَكَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أنا ننظر إلى قيمة اللبن وتؤدى بِقَدْرِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا زَادَ لَبَنُ التَّصْرِيَةِ عَلَى قِيمَةِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ وَالْأَمْرُ كَمَا قال كَلَامَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ يُصَرِّحُ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ قَالَ رُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ كَثُرَ اللَّبَنُ أَوْ قَلَّ كَانَ قِيمَتَهُ أَوْ أقل من قيمته لان ذلك شئ وَقَّتَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَلِفَةُ
الْكَثْرَةِ وَالْأَثْمَانِ فَإِنَّ أَلْبَانَ كُلِّ الْإِبِلِ وَكُلِّ الْغَنَمِ مُخْتَلِفَةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيصَ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّبَنِ لَفَاوَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَلَمَّا لَمْ يُفَاوِتْ بَيْنَهُمَا وَأَوْجَبَ فِيهِمَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عُلِمَ قَطْعًا بُطْلَانُ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ أَرَ لِهَذَا الْوَجْهِ ذِكْرًا فِي طريق العراق عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا فِي كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَالْغَزَالِيِّ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى قِيمَةِ نِصْفِ الشَّاةِ أو كلها كما سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْلَا أَنَّ الرَّافِعِيَّ(12/58)
اعْتَدَّ بِهَذَا الْخِلَافِ وَحَكَاهُ وَتَصْرِيحُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ لَكُنْتُ أَقُولُ إنَّهُ يَجِبُ تنزيله على ما في كتب العراقيين لكن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ ذَكَرُوهُ صَرِيحًا وَالرَّافِعِيُّ حَكَى الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ إنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ وَقَطَعَ بِوُجُوبِ الصَّاعِ فِيمَا إذَا نَقَصَتْ عَنْ النِّصْفِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَهُ إطْلَاقًا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هَذَا مَا يُؤَيِّدُ تَنْزِيلَ هَذَا الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا فِي كُتُبِ العراقيين لكن مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ صَرِيحٌ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ كَشْفُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ الصَّاعُ أَوْ يَجِبُ مِنْ التَّمْرِ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الصَّاعَ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ بِقَدْرِ الشَّاةِ أَوْ أَكْثَرَ فَفِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ فَجَعَلَ حِكَايَةَ الْعِرَاقِيِّينَ الْوَجْهَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى اعْتِبَارِ الصَّاعِ وَأَفَادَ كَلَامُهُ حُصُولَ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ (أَحَدُهَا) وُجُوبُ الصَّاعِ مُطْلَقًا
(وَالثَّانِي)
وُجُوبُ قَدْرِ قِيمَةِ اللَّبَنِ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةَ الشاة أولا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِقِيمَةِ الشَّاةِ وَجَبَ الصَّاعُ وَإِلَّا وَجَبَ بِالتَّعْدِيلِ وَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْدُودَ هُوَ التَّمْرُ إمَّا صَاعٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا يُخَالِفُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ بِاعْتِبَارِ التَّعْدِيلِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمُهَذَّبِ المجموعة من الذخاير وَغَيْرِهَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عمر ثم قال قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ أَرَادَ الْخَبَرَ أَنَّهُ يَجِبُ الْمِثْلُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ صَاعًا وَيَجِبُ مِثْلَاهُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ نِصْفَ صَاعٍ وَهَذَا يَجِبُ حَمْلُهُ على ما قاله الشيخ أبو محمد رحمه الله وَغَيْرُهُ مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ الصَّاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ صَاعًا كَمَا
هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْوَجْهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحَدِيثِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ أَيْضًا ابْنُ دَاوُد فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا ضَمَمْتَ الْخِلَافَ فِي المقدار(12/59)
إلَى الْخِلَافِ فِي الْجِنْسِ زَادَتْ الْأَوْجُهُ فِيمَا يَرُدُّهُ بَدَلَ اللَّبَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَسَأَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي فَرْعٍ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا زَادَ الصَّاعُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ فَأَمَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى غَيْرِ التَّمْرِ مِنْ قُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ المجلوب عِنْدَ بَقَائِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُ الْقَاضِيَ ابْنَ كَجٍّ حَكَى وَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ إبْدَالِ التَّمْرِ بِالْبُرِّ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ مَكَانَ التَّمْرِ غَيْرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَنْعُ مِنْ الِاعْتِيَاضِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ السُّنَّةِ فِي الْخِيَارِ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ حال من غير بيع فلا بأس أنه يَأْخُذَ بِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ إذَا تَقَابَضَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَاحْتَرَزَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْحَالِّ عَنْ الْمُؤَجَّلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا فِي الِاعْتِيَاضِ عَنْ الطَّعَامِ الْمُؤَجَّلِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى مَنْعِهِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لَهُ هُنَاكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ كَجٍّ مُوَافِقَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الطَّعَامِ مُطْلَقًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَرْبٍ مِنْ الْبُعْدِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ مُطْلَقًا وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَمَا حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ الْمَنْعُ فِي اعْتِيَاضِ الْبُرِّ عَنْ التَّمْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعَدَّى ذَلِكَ إلَى كُلِّ مَطْعُومٍ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَوْلًا فَارِقًا بَيْنَ الْمَطْعُومِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونَ قَوْلًا ثَالِثًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يُعَمِّمُ الْمَنْعَ فِي الْجَمِيعِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونَ قَدْ وَافَقَ ابْنَ الْمُنْذِرِ فِي الْحُكْمِ وَخَالَفَهُ فِي الْمَأْخَذِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لَهُ فِي الْحُكْمِ وَالْمَأْخَذِ مَعًا وَيَمْنَعُ الِاعْتِيَاضَ عَنْ الطَّعَامِ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَهُوَ خِلَافُ(12/60)
نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ نَفْيُ الْخِلَافِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى يُسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ كُلُّ خِلَافٍ وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى خِلَافِ الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي قول ابن سريج وقول أبى اسحق رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا ذِكْرُ الْقُوتِ وَإِنَّمَا ذكر الذهب والفضة ومالا يُقْتَاتُ وَرَدَّ اللَّبَنَ وَأَمَّا حِكَايَتُهُ وَحِكَايَةُ الرَّافِعِيِّ عنه الاتفاق على جواز اللَّبَنِ عِنْدَ بَقَائِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صُورَةُ ذَلِكَ إذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِهِ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ هَذَا إذَا جَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ كَمَا تَقَدَّمَ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الرَّدِّ فَهَلْ يَكْفِي لانهما تراضيا عليه فيرد الرد عليهما أولا يَكْفِي لِأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرَّدِّ عَلَى صُورَةِ الْفَسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَنَتَعَرَّضُ لَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي فَرْعٍ الْآنَ فلنبنيه لَهُ
*
* (فَرْعٌ)
* التَّمْرُ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ نَوْعٌ مِنْهُ أَوْ ذَلِكَ إلَى خِيَرَةِ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا قَالَ أَحْمَدُ بن سرى فِيمَا نَقَلَهُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ صاغا مِنْ تَمْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ تَمْرٌ وَسَطٌ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُعْطِي تَمْرًا دُونَ تَمْرِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ سَلِيمًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَلَا اعْتَدَّ بِهِ لَا هُنَا وَلَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ والذى اقتضاه النص من تعين تمر البلد يشهد له ما ذكر في الشاة لواجبة عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ قِيمَةِ الْبَلَدِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمَا ذُكِرَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَأْخُوذَةِ فِي الْجُبْرَانِ فِي الصُّعُودِ أَوْ النُّزُولِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ نَقْدُ الْبَلَدِ قَطْعًا فَإِذَا ثَبَتَ التَّعَيُّنَ هَهُنَا فَالتَّعْيِينُ فِي زكاة؟ ؟ ؟ ؟ ؟ أَوْلَى لِأَنَّ أَطْمَاعَ الْفُقَرَاءِ تَمْتَدُّ إلَى قُوتِ البلد ونوع (نَعَمْ) إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَنْوَاعٌ فَقَدْ ذكروا في الشاة لمخرجة عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْجُهًا نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ به صاحب المهذب بتعين غالب البلد وأصحهما عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ أي النوعين شَاءَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ هَهُنَا ذَلِكَ الْخِلَافُ بِعَيْنِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رحمه الله انه إذا أعوز التمر أو أخرج قيمته(12/61)
بِالْمَدِينَةِ عَلَى وَجْهٍ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ عَلَى حِكَايَتِهِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى قول أبى اسحق فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى الشَّاةِ وَاعْتِبَارُ قِيمَةِ الْحِجَازِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَمْرُ الْحِجَازِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنْهُ فَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ تَمْرَ الْبَلَدِ لَأَخْرَجَ قِيمَتَهُ (قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ هُنَا مِنْ تَعَيُّنِ تَمْرِ الْبَلَدِ
وَتَأَيَّدَ بِالنَّظَائِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ عِنْدَ إعْوَازِ التَّمْرِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَةُ الْحِجَازِ فَذَلِكَ إنَّمَا قَالُوهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ يَكُونُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يُوَافِقُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ النَّصُّ من تعين تمر الْبَلَدِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ يُوَافِقُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ الْوُجُودِ تَمْرُ الْبَلَدِ فَإِنْ أَعْوَزَ رَجَعَ إلَى قِيمَةِ الْحِجَازِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِكَايَةِ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ قِيمَةَ الْحِجَازِ عِنْدَ الْإِعْوَازِ عَلَى الْمَذْهَبِ ولا شك أن مقتضى قول أبى اسحق اعْتِبَارُهَا فَإِنَّهُ إذَا اعْتَبَرَهَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِعْوَازِ فَفِي حَالَةِ الْإِعْوَازِ أَوْلَى فَتَخَلَّصَ أَنَّ التَّمْرَ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ هُوَ تَمْرُ الْبَلَدِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ وَفِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي اسحق مَا ذَكَرْتُهُ وَإِذَا أَوْجَبْنَا تَمْرًا فَعَدَلَ إلَى تَمْرٍ أَعْلَى مِنْهُ جَازَ كَمَا قَالُوهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَفِي الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ عَنْ الْإِبِلِ وَلَوْ عَدَلَ إلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجِزْهُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّاةِ هَذَا عِنْدَ الْوُجُودِ وَعِنْدَ الْإِعْوَازِ الْوَاجِبُ قِيمَتُهُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَقِيلَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا عَدَلَ عِنْدَ الْوُجُودِ إلَى نَوْعٍ أَعْلَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْعُدُولِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ كَمَا قِيلَ بِمِثْلِهِ فِي السَّلَمِ إنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ هَهُنَا بِغَيْرِ التَّرَاضِي وَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لان هذا يجوز الاعتياض عنه على لاصح كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَأَمَّا) الْعُدُولُ إلَى نَوْعٍ أَدْنَى فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي إلَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ وَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ إذَا وَجَبَتْ(12/62)
عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِنْ نَوْعٍ لَمْ يَعْدِلْ إلَى نَوْعٍ دُونَهُ إلَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ فَفِيهِ خلاف وكذا لا يخرج عن الكرام إلَّا كَرِيمَةً
*
* (فَرْعٌ)
* الصَّاعُ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ بَدَلَ اللَّبَنِ هَلْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَيْنِ الْأُخْرَى الَّذِي شَمِلَهَا الْعَقْدُ حَتَّى أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى رَدِّهِ مَعَ الشَّاةِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ يَرُدُّ الشَّاةَ وَيَبْقَى بَدَلُ اللَّبَنِ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ أَقِفْ فِي ذَلِكَ عَلَى نَقْلٍ (وَقَوْلُهُ) في الحديث رد معها صَاعًا مِنْ تَمْرٍ يُشْعِرُ بِالْأَوَّلِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ إفْرَادَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ بِالرَّدِّ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ فَجُعِلَ التَّمْرُ قَائِمًا مَقَامَ اللبن لرد عَلَيْهِمَا أَقْرَبُ إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَخْذِ بَدَلِ التَّمْرِ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى لَفْظٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ التَّمْرَ لَا ثُبُوتَ لَهُ
فِي الذِّمَّةِ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ وَإِنَّمَا يُقَامُ مَقَامَ اللَّبَنِ لِيَرِدَ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا وَيُشْكِلُ أَخْذُ بَدَلِهِ لَا لِأَجْلِ التَّعْلِيلِ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَلْ لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا الَّذِي وَعَدْتُ بِهِ فَلْتَتَنَبَّهْ لَهُ (نَعَمْ) اتِّفَاقُهُمَا عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ وَاضِحٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى اعْتِيَاضٍ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا عُدِلَ إلَى التَّمْرِ خَوْفًا مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ وَوَرَدَ الرد عليهما ويحصل الفسخ في جميع الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ وَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقُهُمَا علي بدل آخر غيره لا يعد ولا غَيْرِهِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِمَجْمُوعِ هَذَا فليتنبه لِهَذِهِ الدَّقَائِقَ
*
* (فَرْعٌ)
* يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إذَا جَعَلْنَا التَّمْرَ قَائِمًا مَقَامَ اللَّبَنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ وَتَرَاضَيَا عَلَى رَدِّ الشَّاةِ وَأَنْ يَبْقَى التَّمْرُ فِي ذِمَّتِهِ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي الشُّفْعَةِ حَيْثُ يُكْتَفَى بِرِضَا الْمُشْتَرِي بِذِمَّةِ الشَّفِيعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَكْفِي ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَمَلُّكٌ جَدِيدٌ وَهَهُنَا رَدٌّ وَالرَّدُّ يَعْتَمِدُ الْمَرْدُودَ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ يَسْتَمِرُّ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْ أَخْذِ الْبَدَلِ عَنْ التَّمْرِ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي الذِّمَّةِ فَيَأْخُذُ عَنْهُ مَا يَقَعُ الِاتِّفَاقُ مِنْ مِقْدَارِ غَيْرِهِ وَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَتَعْلِيلُهُ وَعَلَى(12/63)
الِاحْتِمَالِ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ رَدُّ التَّمْرِ أَوْ اللَّبَنِ بِاتِّفَاقِهِمَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ إقَامَةٌ لِغَيْرِ الْمَبِيعِ مَقَامَ الْمَبِيعِ فِي حُكْمِ الرَّدِّ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ
*
* (فَرْعٌ)
* وَلَوْ كَانَتْ الْمُصَرَّاةُ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ هَلْ يَرِدُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ بِذَلِكَ لَمْ أَقِفْ لِأَصْحَابِنَا عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ لَكِنْ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْحَنْبَلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَ كُلِّ مُصَرَّاةِ صَاعًا لِقَوْلِهِ مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا (قُلْتُ) وَمِمَّنْ ذهب إلى ذلك ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَزَعَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (قَالَ) وَمَا أَظُنُّ أَصْحَابَنَا يَسْمَحُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لم يقف في ذلك على نُقِلَ وَكَذَلِكَ أَنَا لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ إلَّا مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ نَقْلِ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ فِي لَبَنِ شِيَاهٍ عِدَّةٍ أَوْ بَقَرَاتٍ عِدَّةٍ إلَّا الصَّاعُ عِبَادَةً وَتَسْلِيمًا
*
* (فَرْعٌ)
* اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّ مِثْلِ اللَّبَنِ التَّالِفِ
لِأَنَّ الصَّاعَ بَدَلُ اللَّبَنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ وَيُفْهَمُ الْمَعْنَى وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ مَعَ التَّمْرِ إنْ كَانَ تَالِفًا وعينه ان كان باقيا وذلك فِي اللَّبَنِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْحَلْبَةَ مَصْدَرٌ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَحْلُوبِ مَجَازٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ اللَّبَنِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ بِلَفْظٍ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَكَانَ بِمَا احْتَلَبَ مِنْ لَبَنِهَا وهو يدل على أنه بدل المحلوب لكن فِي سَنَدِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ
*
* (فَرْعٌ)
* فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مَعَهَا قِيمَةَ اللَّبَنِ هَكَذَا نَقَلَ عَنْهُمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ صَاعٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يُؤَدِّي أَهْلُ بلد(12/64)
صَاعًا مِنْ أَغْلَبِ عِيشَتِهِمْ وَهَكَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ تَالِفًا لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا لَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا رَدَّهُ وَلَا يَرُدُّ معها صاع تمر ولا شيأ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْهُ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا حَلَبَهَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَنَقَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا حَلَبَهَا سَقَطَ خِيَارُهُ وَتَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْأَرْشِ وَهَذَا خِلَافُ الْحَدِيثِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يرد معها شيأ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَخْتَارَ الرَّدَّ قَبْلَ حَلْبِ اللَّبَنِ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ فَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ قَبْلَ الْحَلْبِ رَدَّهَا ولا شئ عَلَيْهِ وِفَاقًا فَإِنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ سَخَطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ الْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَ بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ طُرُقِ الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَأَيْضًا الْمَعْنَى يُرْشِدُ إلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا يُعَكِّرُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الْحَلْبِ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَخْتَارَ إمْسَاكَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَضِيَ بِإِمْسَاكِهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا غَيْرَ التَّصْرِيَةِ فَلَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ وَيَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ الْمَوْجُودِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَعَلَى رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَجْهٌ أَنَّهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ رَدَّ الْآخَرِ فَيُخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ كَثِيرُونَ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ الْإِمَامُ قَطَعَ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ
التَّقْرِيبِ وَالصَّيْدَلَانِيُّ أَجْوِبَتَهُمْ بِذَلِكَ وَعُنِيَ بِالْإِمَامِ وَالِدَهُ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ بِأَنَّ الْمَعْنَى يُرْشِدُ إلَى أَنَّ الصَّاعَ بَدَلٌ عَنْ اللَّبَنِ وَالْبَهِيمَةِ مَعَ اللَّبَنِ فِي ضَرْعِهَا كَالشَّجَرَةِ مَعَ ثَمَرَتِهَا فَإِذَا بَلَغَتْ الثَّمَرَةُ وَأَرَادَ رَدَّ الشَّجَرَةِ دَخَلَ هَذَا فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَالَ هَكَذَا حُكْمُ الْقِيَاسِ وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمِيعَ الْأَصْحَابِ حَكَمُوا بِمَا ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي مِنْ عَدَمِ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (قَالَ) وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فِي مَعْنَى الرَّدِّ بِالْخُلْفِ قَطْعًا وَاللَّبَنُ فِي الْوَاقِعَتَيْنِ عَلَى قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ فَرَأَى الشَّافِعِيُّ إلْحَاقَ الْوَاقِعَةِ بِالْوَاقِعَةِ كَمَا رَأَى إلْحَاقَ الْأَمَةِ بِالْعَبَدِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " مَنْ اشْتَرَى شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ " وَذَكَرَ(12/65)
الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَدَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى مُوجَبِ الْقِيَاسِ وَخَرَّجَهَا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (قُلْتُ) وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ يَقْتَضِي أَنَّ رَدَّ التَّمْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْحَدِيثِ لَا بِالْقِيَاسِ لَكِنْ مُرَادُ الْإِمَامِ بِالْإِلْحَاقِ الْإِلْحَاقُ فِي أَصْلِ الرَّدِّ لَا فِي ضَمَانِ بَدَلِ اللَّبَنِ وَاعْتَذَرَ الْغَزَالِيُّ عَنْ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي حَالَةِ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ بِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ وَصْفٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ زَوَالَهُ عَيْبُ الْبَاقِي بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ (فَإِنْ قُلْنَا) يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا وَجْهَ لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ فَلْنُؤَيِّدْ به جواز تفريق الصفقة فانه المختار لاسيما فِي الدَّوَامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ فِي لَبَنِ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ تَخْرِيجًا عَلَى الْحَمْلِ فَقَالَ الْوَجْهُ أَنْ تجعل اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ فِي لَبَنِ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ تَخْرِيجًا عَلَى الْحَمْلِ فَقَالَ الْوَجْهُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ هُنَا فِي الْمُصَرَّاةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَبَنُ الْمُصَرَّاةِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ إذْ هُوَ مَقْصُودٌ فِيهَا بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهَا وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله انه إذا رَدَّ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ بِعَيْبٍ لَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِذَلِكَ فِي الْمُصَرَّاةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْغَزَالِيَّ أَثْبَتَ احْتِمَالَ الْإِمَامِ وَجْهًا وَنَقَلَهُ إلَى لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ عَمَّا ذَكَرَهُ إنَّهُ إنْ قَالَهُ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِلَّا فَفِيهِ تَعْضِيدٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ (قُلْتُ) وَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ مَفْرُوضٌ فِي الْمُصَرَّاةِ لَكِنْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا وَهِيَ مَا إذَا اخْتَارَ إمْسَاكَهَا ثُمَّ أَرَادَ الرَّدَّ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ
فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ بِالتَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مُصَادِمًا لِلْحَدِيثِ وَإِذَا كَانَ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ مَفْرُوضًا فِي الْمُصَرَّاةِ كَانَ مُسْتَنِدًا لِمَا نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُصَرَّاةِ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيٍ وَإِلَّا لَمْ يُخَرَّجْ عَلَى تَفْرِيقِ الصفقة عند ارداته الرَّدَّ بِعَيْبٍ آخَرَ وَأَمَّا امْتِنَاعُ التَّخْرِيجِ عِنْدَ إرَادَةِ الرَّدِّ بِالتَّصْرِيَةِ فَيَصُدَّ عَنْهُ الْحَدِيثُ فَلِذَلِكَ لم يصر(12/66)
إلَيْهِ صَائِرٌ وَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فَلَيْسَ مَا نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ خَارِجًا عَمَّا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ مِنْ التَّخْرِيجِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ الْقِيَاسُ بِأَنَّا إنَّمَا نُخَرِّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ كُلُّهُ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّبَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَالشَّاةِ بَلْ هِيَ الْمَقْصُودَةُ وَاللَّبَنُ إنْ قُصِدَ فَتَابِعٌ وَلِهَذَا اُغْتُفِرَتْ الْجَهَالَةُ فِيهِ وَالتَّوَابِعُ إذَا فاتت لا تحلق بِالْمَتْبُوعَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا ظَهَرَ عَيْبُهُ وَامْتَنَعَ رَدُّهُ لَا نَقُولُ يُخَرَّجُ الْقَوْلُ فِي الْبَاقِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ كَانَتْ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَقْصُودَةً لَكِنَّهَا تَابِعَةٌ لَا تُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَاللَّبَنِ مِثْلُهَا (قُلْتُ) وَهَذَا أَمْيَلُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ إنْكَارِهِ لَهُ وَإِلَّا فَمُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ أَنَّهُ إذا رد بتفريق الصفقة يرده وقد حكي الجوزى قَوْلًا يُوَافِقُ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ وَيُخَالِفُهُ فِي الْمَأْخَذِ فَقَالَ إنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبِ التَّصْرِيَةِ فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ بَعْدَ مُدَّةٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَرُدُّ كَمَا لَا يَرُدُّ سِلْعَةً اشْتَرَاهَا فَظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ فَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ آخَرَ لِأَنَّهُ رَضِيَهَا مَعِيبَةً (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يَرُدُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّلَعِ أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا بَدَلًا لِلَبَنِ الْمُصَرَّاةِ فَكَأَنَّهُ يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ وَاحِدٍ وَسَائِرُ السِّلَعِ لَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا وكان قد رضيه فلا شئ له قال الجوزى قد يجئ فِي السِّلَعِ أَنَّهُ يَرُدُّ الْمُصَرَّاةَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِعَيْبٍ وَاحِدٍ دُونَ الْآخَرِ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الذى قاله الجوزى هو القياس ولا يلزم من الرضى بعيب الرضى بِجَمِيعِ الْعُيُوبِ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ سَائِرَ السِّلَعِ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ إذَا ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى عيب آخر أنه يمتنع الرد بعيد ولا وَجْهَ لَهُ وَمَا أَظُنُّ الْأَصْحَابَ يُسَاعِدُونَهُ عَلَى ذلك كما حكاه الجوزى مِنْ الْقَوْلَيْنِ بَلْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا
بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ مَنْ رَضِيَ بِعَيْبٍ ثُمَّ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ الرِّضَا بِمَا عَلِمَ مِنْ الرَّدِّ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ وَجَعَلُوا ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الرَّدِّ هَهُنَا لَكِنِّي رَأَيْتُ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يُوَافِقُهُ(12/67)
فانه قال في ذلك منزلته منزلة للمشترى سِلْعَةً فَوَجَدَ بِهَا عَيْبَيْنِ فَرَضِيَ بِأَحَدِهِمَا كَانَ له أنى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ الثَّانِي وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الثَّانِي قَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَقَدْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُصَرَّاةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ بُشْرَى فِي مَنْصُوصَاتِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقد حكى ابن الرفعة عن الجوزى هَذَا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَقَالَ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِي رَدِّهِ إبْطَالَ عَفْوِهِ عَنْ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَجُزْ وَلِهَذَا نَظَرٌ يَأْتِي في الجنايات وما حكاه الجوزى مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُصَرَّاةِ قَدْ وُجِّهَ هَذَا الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ السِّلَعِ وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ إمَّا جَزْمًا وَإِمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ وَلَئِنْ سَلَّمَ (فَالْفَرْقُ) مَا ذَكَرَهُ وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مَأْخَذَ الْقَوْلِ بالمنع الذى حكاه الجوزى غَيْرُ مَأْخَذِ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالْحَدِيثُ يَصُدُّ عنه غير أن القول الذى حكاه الجوزى عَلَى غَرَابَتِهِ وَضَعْفِهِ يُعْتَضَدُ بِهِ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَأْخَذِ لِتَوَارُدِهِمَا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ وَكِلَاهُمَا شَاهِدٌ لِلرَّأْيِ الَّذِي حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ إلَّا اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ اللَّبَنُ مُقَابَلًا بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَجَبَ أَنْ لَا يَرُدَّ بَدَلَهُ وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى رَدِّ الْبَدَلِ وَلِذَلِكَ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْثَرُ الاصحاب بأنه مقابل بقسط وقعطوا بِذَلِكَ فِي بَابِ الرِّبَا وَاسْتَدَلُّوا لَهُ هُنَاكَ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الشيخ أبو على والجوزي فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ من مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ تَابِعًا تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَلَيْسَ أَوْصَافُ السَّلَامَةِ يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهَا حَتَّى إذَا فَاتَ بَعْضُهَا يَتَخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ يُوَافِقُ عَلَى أَنَّهُ يُقَابِلُهُ قسط من الثمن وكون الشئ مُقَابَلًا بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ أَخَصُّ مِنْ كَوْنِهِ مَقْصُودًا هَذَا مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَفَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ
إنْ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ وَرَضِيَ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ فَلَهُ الرَّدُّ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَيَرُدُّ(12/68)
مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَإِنْ كَانَ عِلْمُهُ بِالتَّصْرِيَةِ مَعَ الْعَقْدِ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ فَوَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَتَحَصَّلْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ وَفِي الرَّوْنَقِ جَزَمَ بِرَدِّهَا وَحَكَى فِي رَدِّ الصَّاعِ التَّمْرِ مَعَهَا قَوْلَيْنِ وَهَذِهِ طريقة رابعة غريبة فهذه الاحوال الثلاثة اللَّاتِي تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِذَكَرِهِنَّ وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* إذا قلنا بأنه لايرد تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّهُ لَا تُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فَلَهُ الْأَرْشُ قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيَاسُهُ أَنْ يأتي هنا
* (فائدة)
* قال الجوزى: إنْ قَالَ قَائِلٌ إذَا كَانَ الصَّاعُ إنَّمَا يرده به لا لِلَبَنِ التَّصْرِيَةِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ فَقَدْ رُدَّتْ الْعَيْنُ مَعَ قِيمَةِ النَّقْصِ فَهَلَّا كَانَ هَذَا أَصْلًا لِكُلِّ نَقْصٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَقِيمَةَ النَّقْصِ (قِيلَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الشَّاةِ عَيْنُهَا وَاللَّبَنُ تَابِعٌ فَقَدْ رَدَّ الْعَيْنَ بِكَمَالِهَا وَرَدَّ قِيمَةَ التَّالِفِ وَإِذَا أَرَادَ شَيْئًا نَقَصَتْ عَيْنُهُ لَمْ يَرُدَّ الْعَيْنَ بِكَمَالِهَا لِأَنَّ الْكُلَّ مَقْصُودٌ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَرُدَّهَا وَقِيمَةَ النَّقْصِ لَجَازَ أَنْ يَرُدَّ قِيمَتَهَا كُلَّهَا إذَا تَلِفَتْ (فان قيل) كذا نفعل برد قِيمَتَهَا كُلَّهَا وَإِنْ تَلِفَتْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ (قُلْنَا) هَذَا تَدْفَعُهُ السُّنَّةُ لِأَنَّهُ قِيلَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِيهَا إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَإِنَّمَا جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ فِي قِيمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّصْرِيَةِ إلَّا بَعْدَ تَلَفِ الشَّاةِ تَعَيَّنَ الْأَرْشُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْآنَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَتَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَائِدَةٌ)
* قَوْلُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فَهُوَ فِي حُكْمِ وَصْفٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ زَوَالَهُ عَيْبُ الْبَاقِي بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ إنَّهُ كَذَلِكَ وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ أحد العبدين الباقين فَإِنَّ مَوْتَ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ فِي الْبَاقِي عَيْبًا وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَلَيْسَ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ هَهُنَا حَدَثٌ بَلْ الْعَيْبُ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ قَالَ وَلِمُتَكَلِّفٍ أَنْ يَتَكَلَّفَ تَصْحِيحَ كَلَامِهِ بِجَوَابٍ بَعِيدٍ فَيَقُولَ مُرَادُهُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ الْحَاصِلُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ بَعْدَ تَلَفِ الْعَيْنِ الْأُخْرَى وَهَذَا تَكَلُّفٌ بَعِيدٌ انْتَهَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابن الرفعة لهذا السؤال
*(12/69)
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَانَ قيمة الصاع بقيمة الشاة أو أكثر ففيه وجهان (قال) أبو إسحق يجب عليه قيمة صاع بالحجاز لانا لو أوجبنا صاعا بقيمة الشاة حصل للبائع الشاة وبدلها فوجب قيمة الصاع بالحجاز لانه هو الاصل ومن أصحابنا من قال يلزمه الصاع وان كان بقيمة الشاة أو أكثر ولا يؤدى إلى الجمع بين الشاة وبدلها لان الصاع ليس ببدل عن الشاة وانما هو بدل عن اللبن فجاز كما لو غصب عبدا فخصاه فانه يرد العبد مع قيمته ولا يكون ذلك جمعا بين العبد وقيمته لان القيمة بدل عن العضو المتلف)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا أَرَادَ رَدَّ الْمُصَرَّاةَ بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ وَتَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ فِي جِنْسِ الْوَاجِبِ وَبَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي مِقْدَارِهِ وَأَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَطْلَقَ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي تَفَاوُتِ الْمِقْدَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ فَمِنْ الْمُخَصِّصِينَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا ذَكَرَهُ هُنَا وَهُوَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ الْوَاجِبِ قَدْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ أَكْثَرَ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا كَذَلِكَ مِثْلُ مَا حَكَى الْمُصَنِّفُ شَيْخُهُ الْقَاضِي أبو الطيب لكنا فَرَضَ فِيمَا إذَا كَانَ التَّمْرُ يَأْتِي عَلَى ثَمَنِ الشَّاةِ أَوْ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْهُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ وَلَكِنَّهُ يَأْتِي عَلَى أَكْثَرِهَا أَنَّهُ يُجْرَى الْوَجْهَانِ وَجَوَّزْت أَنْ يَكُونَ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ فِيهَا زِيَادَةً لَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ ابن الصباع فِي الشَّامِلِ وَهُوَ كَثِيرُ الِاتِّبَاعِ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ الشَّاةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا فَحَصَلَ الْوُقُوفُ بِمَا فِي تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الشَّاةِ هُوَ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى نصف قيمة الشاة وقطع بِوُجُوبِ الصَّاعِ إذَا نَقَصَتْ عَنْ النِّصْفِ هَكَذَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَهَذِهِ النُّقُولُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ قَائِلٌ بِذَلِكَ فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ وَقَدْ حَكَى(12/70)
الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْوَجْهَيْنِ وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا لَوْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ قِيمَةَ الشَّاةِ أَوْ زَادَتْ وَذَلِكَ يُوَافِقُ مَا حَكَاهُ
الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ حَكَى عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى مِثْلِ نِصْفِ قيمة الشاة فالوجهان جاريان وليس في شئ مِنْ ذَلِكَ مُنَافَاةٌ فَإِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَاكِتٌ عَنْ حُكْمِ مَا إذَا زَادَتْ عن النصف ونقصت عن الشاة وكلام أبو الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِيهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ أَنَّ الخلاف فيها أيضا والقطع فيما إذَا نَقَصَ عَنْ النِّصْفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ إطْلَاقُ حِكَايَةَ الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ مِثْلَ نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ أَقَلَّ وَجَبَ رَدُّهُ عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ سُلَيْمٌ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ مِنْ طَرِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْمُجَرَّدِ مِنْهَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي النِّصْفِ كَالْأَكْثَرِ وَذَكَرَ الْعِجْلِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ وَجْهًا بِالتَّعْدِيلِ أَبَدًا أَيْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ في ذكرهم الخلاف عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي تَفَاوُتِ ذَلِكَ بِتَفَاوُتِ اللَّبَنِ وَزِيَادَةُ قِيمَةِ التَّمْرِ عَلَى الشَّاةِ أَوْ نِصْفِهَا فَرَضُوهُ فِي بِلَادٍ يَكُونُ التَّمْرُ بِهَا عَزِيزًا كَخُرَاسَانَ وَالْوَجْهَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا غَيْرُهُمْ إلَّا مَنْ حَكَاهُمَا عَنْهُمْ كَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَذِكْرُهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يُعْرَفُ إلَّا فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْفَرْضِ الَّذِي فَرَضَهُ هُوَ لَا فِيمَا فَرَضَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَمُوَافِقُوهُ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ الصُّورَةِ الَّتِي فَرَضَهَا أَبُو الطَّيِّبِ لِذَلِكَ حَتَّى يَصِحَّ استدلاله وفى كلام الامام تعليله بمعنى يكون اطِّرَادُهُ فِيهِمَا فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ نَصَّ عَلَى الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ فَقَدْ أَفْهَمْنَا أَنَّهُ مَبْذُولٌ فِي مقابلة شئ فَائِتٍ مِنْ الْمَبِيعِ يَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعَ التَّابِعِ مِنْ الْمَتْبُوعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَدَّى عَلَى هذا حد التابع والغلو في كل شئ مَذْمُومٌ وَقَدْ يَغْلُو الْمَبِيعُ لِلَفْظِ الشَّارِعِ فَيَقَعُ فِي مَسْلَكِ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ وَوَجْهُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ بِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدَّرَهُ بِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَرِيبًا مِنْ قِيمَةِ اللَّبَنِ الْمُجْتَمِعِ فِي الضَّرْعِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُضْبَطَ ذلك بنصف(12/71)
قِيمَةِ الشَّاةِ وَإِنَّا إذَا عَلِمْنَا زِيَادَةَ قِيمَةِ الصَّاعِ عَلَى مَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ نُوجِبْهُ وَعِلَّةُ الْعِرَاقِيِّينَ سالمة عن هذا السؤال لكن هذا يوافق الوجه الذاهب بأن الواجب مِنْ التَّمْرِ بِمِقْدَارِ قِيمَةِ اللَّبَنِ مُطْلَقًا
وَسَيَأْتِي فِي التَّفْرِيعِ إيضَاحٌ لِهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ نَسَبَ هَذَا الْوَجْهَ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ كَمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ شَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَسُلَيْمٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ سُلَيْمٌ إنَّهُ أَصَحُّ وَهَذَا الْوَجْهُ يَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَسَنَذْكُرُ فِي التَّفْرِيعِ حَقِيقَةَ مَا يُوجِبُهُ وَنَتَعَرَّضُ فِيهِ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْوَجْهُ الثَّانِي حَكَوْهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّاعَ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ لِلْحَدِيثِ وَإِطْلَاقُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُصَرِّحٍ بِهِ إنَّمَا صَرَّحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْثُرَ اللَّبَنُ أَوْ يَقِلَّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ وَقِيمَةُ اللَّبَنِ سَوَاءً أَوْ مُتَفَاوِتَةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ (وَأَمَّا) قِيمَةُ الصَّاعِ مَعَ قِيمَةِ الشَّاةِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لها في ذلك الكلام لكن إطْلَاقَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ أَيْضًا وَلِأَنَّ الصاع يدل عَنْ اللَّبَنِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لَهُ فَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فَقَدَّمَ اعْتِبَارَ مُسَاوَاتِهِ لِلشَّاةِ أَوْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ مَالَ إلى ذلك القول فلعله الْمُرَادُ بِبَعْضِ الْأَصْحَابِ هُنَا وَقَدْ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ بِمَا ذَكَرَهُ وهو حق والمسألة التي استشهر بها فيما إذا غضب الْعَبْدَ وَخَصَاهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ أَنَّ جراح العبد يتقدر مِنْ قِيمَتِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ وَعَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ فَالْوَاجِبُ مَا نقص من القيمة فان لم ينقص شئ فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ نَقَصَ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ النَّقْصُ وَهَذَا مُبَيَّنٌ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَقَدْ يَكُونُ النُّقْصَانُ زَائِدًا عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَنَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ أَكْثَرَ من النصف فانه على القديم صح الِاسْتِشْهَادُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَرُدُّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ يَسْتَشْهِدْ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا اسْتَشْهَدَ بِمَا إذَا بَاعَ سلعة العبد وقيمة كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ ثُمَّ يَزِيدُ الْعَبْدُ فَتَبْلُغُ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ وَيَجِدُ الْمُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ عَيْبًا فيردها ويسترجع العبد وقيمته ألفان وذلك قيمة الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَا(12/72)
فِي الْقِيمَةِ فَقَطْ وَالْعَيْنُ الْمُسْتَرَدَّةُ وَاحِدَةٌ لَمْ يَسْتَرْجِعْ مَعَهَا شَيْئًا آخَرَ وَمَسْأَلَةُ الْغَصْبِ اسْتَرْجَعَ مَعَ الْعَبْدِ النَّاقِصِ قِيمَتَهُ فَكَانَ نَظِيرَ اسْتِرْجَاعِ الشَّاةِ الَّتِي ذَهَبَ لَبَنُهَا مَعَ صَاعٍ يُسَاوِي قِيمَتَهَا وَقَدْ يَقُولُ الْمُنْتَصِرُ
لِأَبِي إِسْحَاقَ إنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُصَرَّاةِ ضَمَانُ اللَّبَنِ التَّالِفِ بِبَدَلِهِ علي قياس المتلفات لكن الشَّارِعَ جَعَلَ الصَّاعَ بَدَلًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ النِّزَاعِ مَعَ قُرْبِ قِيمَةِ الصَّاعِ مِنْ قِيمَةِ اللَّبَنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَالِبًا فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةً مُفْرِطَةً فَبَعْدَ إقَامَتِهِ بَدَلًا عَنْ لَبَنٍ لَا يُسَاوِي جُزْءًا مِنْهُ يَقَعُ مَوْقِعًا بِخِلَافِ ضَمَانِ مَا فَاتَ مِنْ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ مُتَأَصِّلٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ فِي لَبَنِ الْغَنَمِ وَلَبَنِ الْإِبِلِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَفَاوُتِهِمَا تَفَاوُتًا ظَاهِرًا بَدَلًا وَاحِدًا عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ بَدَلٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالشَّرْعُ إذا أناط الامور المضطربة بشئ مُنْضَبِطٍ لَا يَنْظُرُ إلَى مَا قَدْ يَقَعُ نَادِرًا وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ النَّادِرُ لَا يُلْتَفَتُ إليه بل يجرى على الضابط الشرعي لاسيما والمشترى ههنا متمكن من الامساك فأن أراد الرد فَسَبِيلُهُ رَدُّ مَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ بَدَلًا (وَقَوْلُ) الْإِمَامِ إنَّ الْغُلُوَّ مَذْمُومٌ (جَوَابُهُ) أَنَّ الْمَعْنَى إذَا ظَهَرَ وَسَلِمَ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ وَجَبَ اتِّبَاعُ اللَّفْظِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ غُلُوًّا مَذْمُومًا وَالْمُخْتَصُّ بِأَهْلِ الظَّاهِرِ الَّذِي ذَمُّوا بِهِ هُوَ التَّمَسُّكُ بِاللَّفْظِ مَعَ ظُهُورِ الْمَعْنَى وَصِحَّتِهِ بِخِلَافِهِ وَالْعَالِمُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْوَافِي فِيمَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ بِأَنَّ الصَّاعَ وَإِنْ كَانَ قِيمَةَ اللَّبَنِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الْمَتْبُوعِ الَّذِي هُوَ الشَّاةُ وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ قَطَعَ جَوَابَهُ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْوَسَطِ فِي صُورَةِ الْوَجْهَيْنِ
*
* (التَّفْرِيعُ)
* إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَوُجُوبِ الصَّاعِ لِلِاتِّبَاعِ فَلَا إشكال (وان قلنا) بالوجه الاول وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ صَاعٍ بِالْحِجَازِ وَهَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ يقوم بقيمة(12/73)
الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَخَصُّ فَإِنَّ الْحِجَازَ يَشْمَلُ مَكَّةَ والمدينة واليمامة ومحاليفها كَمَا فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُيَسِّرَ عَلَيْنَا الْوُصُولَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ (وَقَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ مَنْ أَطْلَقَ الْحِجَازَ أَرَادَ الْمَدِينَةَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِيهَا وَيُوَافِقُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِعْوَازِ يُرْجَعُ إلَى قِيمَةِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَلَى قول أبى إسحق (وَأَمَّا) الْإِمَامُ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ نَرَ إيجَابَ الصَّاعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ الْوَسَطَ لِلتَّمْرِ بِالْحِجَازِ وَاعْتَبَرْنَا بِحَسَبِ ذَلِكَ قِيمَةَ مِثْلِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ اللَّبُونِ بِالْحِجَازِ وَإِذَا نَحْنُ فَعَلْنَا هَكَذَا جَرَى الْأَمْرُ فِي الْمَبْذُولِ عَلَى الْحَدِّ الْمَطْلُوبِ وَهَكَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ فِيهِ إجْمَالٌ (وَقَالَ) الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَلَى هَذَا الوجه يعدل بالقيمة فنقول قيمة شاة وَسَطٌ وَقِيمَةُ صَاعٍ وَسَطٌ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ (فَإِنْ قِيلَ) هُوَ عُشْرُ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ التَّمْرِ مَا هُوَ قِيمَةُ عُشْرِ الشَّاةِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي اخْتِصَارِهِ لِلنِّهَايَةِ إنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ تِلْكَ الْمُصَرَّاةِ بِالْحِجَازِ والقيمة المتوسطة للتمر بالحجاز فتجب مِنْ التَّمْرِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ الْمَذْكُورُ كَالظَّاهِرِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَتَنْزِيلُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى نَقْلِهِ يَتَفَرَّعَانِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الصَّاعُ وَأَمَّا الْوَجْهُ الْآخَرُ الَّذِي حَكَاهُ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ مِقْدَارُ قِيمَةِ اللَّبَنِ مِنْ التَّمْرِ كَيْفَ كَانَ فَلَمْ نَذْكُرْهُ هُنَا لِأَنَّهُ قَسِيمُ الْوَجْهِ الذى عليه يفرغ فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ هُنَا إلَّا وَجْهَ التَّعْدِيلِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي لَبَنِ الْجَارِيَةِ الْمُصَرَّاةِ قَدْرُ قِيمَةِ اللَّبَنِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الْقُوتِ لَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِهِ الْوَجْهُ المذكور هناك في صدر كلامه ولا يجئ عَلَيْهِ قَوْلُ التَّعْدِيلِ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ إذَا قِيلَ هُوَ عُشْرُ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ التَّمْرِ مَا هُوَ قِيمَةُ عُشْرِ الشَّاةِ مُرَادُهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِالشَّاةِ الْأُولَى الشَّاةُ الْوَسَطِ وَبِالشَّاةِ الثَّانِيَةِ الشَّاةُ الْمُصَرَّاةُ الْمَبِيعَةُ مِثَالُهُ إذَا قِيلَ قِيمَةُ الصَّاعِ الْوَسَطِ فِي الْغَالِبِ دِرْهَمٌ وَقِيمَةُ شَاةٍ وَسَطٍ فِي الْغَالِبِ عَشَرَةٌ وَقِيمَةُ الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ خَمْسَةٌ فَإِنَّا نُوجِبُ مِنْ الصَّاعِ نِصْفَ عُشْرِ مَا يُسَاوِي عُشْرَ قِيمَةِ(12/74)
الشَّاةِ كَمَا إذَا كَانَ الصَّاعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَثَلًا بِخَمْسَةٍ فَنُوجِبُ مِنْهُ عَشَرَةً وَهُوَ يُسَاوِي نِصْفَ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ الصَّاعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يُسَاوِي ثَلَاثَةً فَوَجَبَ سُدُسُهُ لِأَنَّهُ يُسَاوِي عُشْرَ قِيمَةِ هَذِهِ الشَّاةِ وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ الْوَسَطَ لِلتَّمْرِ بِالْحِجَازِ وَقِيمَةَ مِثْلِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ بِالْحِجَازِ فَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ عُشْرَ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ الصَّاعِ عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ وَلَمْ أَرَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا مَا حَكَيْتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ إجْمَالٌ وَنَسَبْت الْكَلَامَ الَّذِي فِيهِ إجْمَالٌ إلَيَّ وَالْكَلَامَ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الْجَارِيَةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ مُنَزَّلٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَبَيْنَ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ اخْتِلَافٌ فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ
يَنْسُبُ قِيمَةَ الصَّاعِ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الصَّاعِ عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْجَبَ عُشْرَ الصَّاعِ وَأَوَّلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لَكِنَّ آخِرَهُ يَقْتَضِي نِسْبَةَ اللَّبَنِ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ عُشْرَ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ الصَّاعِ عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ وَاللَّبَنُ لَمْ يَجْرِ لَهُ وَلَا لِتَقْوِيمِهِ ذِكْرٌ وَإِنَّمَا ذُكِرَ التَّمْرُ فَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا كَانَ التَّمْرُ وَقَدْ جَوَّزْتُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ اللَّبَنِ بَدَلَ التَّمْرِ سَهْوًا مِنْ نَاسِخٍ لَكِنَّهُ هَكَذَا فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ وَفِي نسخ الروضة أيضا فأول كلام الرافعى رضى الله عنه وآخره لا يلتئمان التآما ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ التَّمْرَ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ وَذَلِكَ تَعَسُّفٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالْآخَرِ فَقَطْ بِأَنْ يُقَوَّمَ اللَّبَنُ وَتُقَوَّمَ الشَّاةُ وَيُنْسَبَ قِيمَةُ اللَّبَنِ مِنْهَا لَكِنَّ صَدْرَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَكَلَامِ الْإِمَامِ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَقْتَضِي تَقْوِيمَ التَّمْرِ وَأَيْضًا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ بِتَقْوِيمِ اللَّبَنِ ثُمَّ ان كلام الرافعى والغزالي رحمهم اللَّهُ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّا بَعْدَ النِّسْبَةِ نُوجِبُ مِنْ الصَّاعِ مَا اقْتَضَتْهُ النِّسْبَةُ فَنُوجِبُ فِي المثال المذكور أن يرد من الصاع ما يُسَاوِي عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ جَمِيعُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْمَرْدُودَ فِيهِ الصَّاعُ بِالْحِجَازِ وَبَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَفَاوُتٌ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ التَّمْرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بمذهب أبى اسحق فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ الصَّاعَ مِنْ التَّمْرِ أَصْلٌ لِأَجْلِ الْخَبَرِ كَيْفَ كَانَ الْحَالُ وَأَنَّهُ الْوَاجِبُ وَمَا يُوجَدُ يَكُونُ بَدَلًا عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ أن يجعل بعض صاع بدلا عن صاع
*(12/75)
* (فَرْعٌ)
* هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ
* اشْتَرَى شَاةً بِصَاعِ تَمْرٍ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْأَصَحُّ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا وَلَا اعْتِبَارَ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَنَقْصِهِ كَمَا لَا اعْتِبَارَ بِقِلَّةِ اللَّبَنِ وَكَثْرَتِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رِبًا لِأَنَّ الرِّبَا فِي الْعُقُودِ لَا فِي الْفُسُوخِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إلَّا أَنَّ ذلك سوء تدبير منه في المالك فَيَقْتَضِي الْحَجْرَ (قُلْتُ) وَمَتَى فَرَضَ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي امْتِنَاعُ الرَّدِّ لِأَنَّهُ سَفَهٌ كَمَا تَقَدَّمَ لَنَا فِيمَا إذَا صَارَفَهُ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ عَلَى عَيْنِهَا وَخَرَجَ بِبَعْضِهَا عَيْبٌ كَخُشُونَةِ الْفِضَّةِ وَقُلْنَا بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْإِجَازَةُ بِكُلِّ الثَّمَنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَظٌّ فِي رَدِّ الْمَعِيبِ لِأَنَّهُ سَفَهٌ فَنُبْقِيهِ عَلَى مِلْكِهِ أَصْلَحُ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَأَنَّ غَيْرَ أَبِي الطَّيِّبِ يُشْعِرُ
كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْعُدُولُ إلَى قَوْلِ الْإِجَازَةِ بِالْقِسْطِ قِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى امْتِنَاعِ الرَّدِّ وَرُدَّ الصَّاعُ ثُمَّ إمَّا أَنْ يُمْنَعَ الرَّدُّ مُطْلَقًا وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ وَإِمَّا أَنْ يُرْجَعَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الَّذِي سَيَأْتِي وَهُوَ قِيَاسُ الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ فَرَاجِعْهُ هُنَاكَ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) فِي هَذَا الْفَرْعِ أَنَّهُ يَرُدُّ بِقَدْرِ نَقْصِ التَّصْرِيَةِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الرَّدَّ لِاسْتِدْرَاكِ النَّقْصِ فَعَلَى هَذَا يُقَوِّمُ الشَّاةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُصَرَّاةٌ فَإِذَا قِيلَ عَشَرَةٌ قُوِّمَتْ مُصَرَّاةً فَإِذَا قِيلَ ثَمَانِيَةٌ عُلِمَ أَنَّ نَقْصَ التَّصْرِيَةِ هُوَ الْخَمْسُ فَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي مَعَهَا خُمُسَ الصَّاعِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَتَأَيَّدَ مَا قَالَاهُ بِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا لِأَنَّ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِيمَا إذَا سَاوَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ قِيمَةَ الشَّاةِ لَا الثَّمَنَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذَا سَاوَى الصَّاعُ الثَّمَنَ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ التمر قد يكون قدر قِيمَةِ الشَّاةِ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْهَا وَقَدْ يَكُونُ أَقَلَّ نَعَمْ الْغَالِبُ مُقَارَبَةُ الثَّمَنِ لِلْقِيمَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَائِلُهُ نَاظِرٌ فِيهِ إلَى الْغَلَبَةِ وَمَعَ هَذَا يَصِحُّ أَنْ تَعْضُدَ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ بِهِ وَفِي هَذَا الْفَرْعِ وَجْهٌ ثالث ذكره الجوزى أَنَّهُ يَرُدُّ الشَّاةَ وَقِيمَةَ اللَّبَنِ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا اشْتَرَى حُلِيًّا بِمِثْلِهِ مِنْ الذَّهَبِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَحَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَوَجْهٌ رَابِعٌ مَجْزُومٌ بِهِ في تعليق الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا ولا شئ عليه
*(12/76)
* (فَرْعٌ)
* هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ الْحِجَازِ أَوْ الْمَدِينَةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذَا أُعْوِزَ التَّمْرُ حِكَايَةُ وَجْهٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَةَ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْوَزَ التَّمْرُ وَبَيْنَ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الْقِيمَةِ فَإِذَا ضَمَمْتَ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَصَلَ لَكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ أربع أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وُجُوبُ الصَّاعِ (الثَّانِي) وُجُوبُ قِيمَتِهِ بِالْمَدِينَةِ (الثَّالِثُ) وُجُوبُ قِيمَتِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ (الرَّابِعُ) وُجُوبُ بَعْضِ صَاعٍ لِمُقْتَضَى التَّوْزِيعِ لَيْسَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا عِنْدَ إمْكَانِ رَدِّ التَّمْرِ وَمَا حَكَيْنَاهُ عن الجوزى وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا إنْ أُعْوِزَ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا أَوْجَبْنَا رَدَّ الصَّاعِ التَّمْرِ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهَا بِتَمْرٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَوْ أَنَّهُ رَضِيَ بِهَا ثُمَّ أَرَادَ
الْإِقَالَةَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ قُلْنَا الْإِقَالَةُ عَقْدٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ بَدَلَ اللَّبَنِ تَمْرًا فَكَأَنَّهُ بَاعَ شَاةً وَصَاعَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ (وَإِنْ قُلْنَا) الْإِقَالَةُ فَسْخٌ جَازَ لِأَنَّ الْفُسُوخَ لَا رِبَا فِيهَا (قُلْتُ) وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْإِقَالَةِ يَأْتِي عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وأما الذى حكاه الجوزى أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ اللَّبَنِ نَقْدًا فَيَجُوزُ سَوَاءٌ قُلْنَا الْإِقَالَةُ بَيْعٌ أَوْ فَسْخٌ
*
* (فَرْعٌ)
* عَنْ البندنيجى أنه يعتبر قيمة يوم الرَّدِّ كَرَجُلٍ أَقْرَضَ رَجُلًا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِالْحِجَازِ وَلَقِيَهُ بِخُرَاسَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِقِيمَةِ الْحِجَازِ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالتَّمْرِ كَذَا هَهُنَا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ (قُلْتُ) فَلَوْ فَرَضْنَا قِيمَةَ التَّمْرِ يَوْمَ الرَّدِّ بِالْحِجَازِ كَثِيرَةً تَزِيدُ عَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ لِغَلَاءِ سِعْرِ التَّمْرِ وَرُخْصِ الشَّاةِ فَكَيْفَ الْحَالُ فِي ذَلِكَ (يُمْكِنُ) أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْقَرْضِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَتَعَيَّنُ التَّمْرُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلَا فَائِدَةَ فِي الْعُدُولِ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ الْوَسَطَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْوَسَطِ مِنْ الْأَنْوَاعِ حَتَّى يَكُونَ مُوَافِقًا لِكَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ لَكِنَّ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ ظَاهِرٌ بِخِلَافِهِ وَأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ وَقْتَ الرَّدِّ وَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَقَلُّ
*(12/77)
* (فرع)
* الذى يقول بأيجاب شئ مِنْ التَّمْرِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَاةً بِصَاعِ تَمْرٍ وَرَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ بِمُقْتَضَى التَّوْزِيعِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُ عِنْدَ فَقْدِ التمر فليته قال والظاهر أنه يقول برد مَا اقْتَضَاهُ التَّوْزِيعُ مِنْ الْقِيمَةِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ يَكُونُ الْوَاجِبُ قِيمَةَ صَاعٍ مِنْ تَمْرِ الْحِجَازِ كَمَا سَلَفَ وَتَقَدَّمَ وَجْهٌ آخَرُ عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ صَاعِ تَمْرٍ بِأَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ (قُلْتُ) وَمَا قَالَهُ أَنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) إيجَابُ قِيمَةِ بَعْضِ الصَّاعِ بِالْمَدِينَةِ
(وَالثَّانِي)
قِيمَةُ الصَّاعِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ (وَالثَّالِثُ) إيجَابُ قِيمَةِ بَعْضِ الصَّاعِ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ التَّوْزِيعُ (وَالرَّابِعُ) إيجَابُ بَعْضِ قِيمَةِ صَاعٍ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وقد تقدم ما ذكره الجوزى وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ
* (فَائِدَةٌ)
* قَوْلُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ أَيْ لِأَنَّ التَّمْرَ هُوَ الْأَصْلُ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ صَاعَ التَّمْرِ بِالْحِجَازِ هُوَ الْأَصْلُ فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ رَجَعْنَا إلَى قِيمَتِهِ بِالْحِجَازِ كَمَنْ أَقْرَضَ تَمْرًا بِالْحِجَازِ وَلَقِيَهُ بِخُرَاسَانَ فَطَالَبَهُ بِقِيمَةِ الْحِجَازِ
** (فَرْعٌ)
* رَأَيْتُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ قِيمَةَ الصَّاعِ فَإِنَّا نُوجِبُ فِيهِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِالْحِجَازِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِي النُّسْخَةِ تَصْحِيفٌ وَلَعَلَّهُ يُوجِبُ قِيمَةَ صَاعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* تَقَدَّمَ فِي جِنْسِ الْوَاجِبِ رَدُّهُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ وَفِي مِقْدَارِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) صَاعُ تَمْرٍ
(وَالثَّانِي)
بِقَدْرِ قِيمَةِ التَّمْرِ (وَالثَّالِثُ) إنْ زَادَ الصَّاعُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ التَّعْدِيلُ وَإِلَّا وَجَبَ الصَّاعُ (وَالرَّابِعُ) إنْ زَادَ فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ بِالْحِجَازِ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الصَّاعُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا أَعْلَمُهُ إنَّهُ إنْ زَادَ الصَّاعُ فَالْوَاجِبُ قِيمَةُ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ وَإِلَّا وَجَبَ التَّمْرُ فَإِذَا خَلَطْت الْأَوْجُهَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَجَمَعْتَهَا حَصَلَ لَكَ فِيمَا تَرُدُّهُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِي سِتَّةٍ (وَأَمَّا) السَّابِعُ وَهُوَ مَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَلَا يَأْتِي خِلَافٌ فِي الْمِقْدَارِ فِيهِ وَتَرْتِيبُهَا هَكَذَا (أَصَحُّهَا) أَنَّ الْوَاجِبَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ مُطْلَقًا كَثُرَ اللَّبَنُ أَوْ قَلَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ (الثَّانِي) صَاعٌ مِنْ الْقُوتِ الْغَالِبِ (الثَّالِثُ) صَاعٌ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ مَا عَدَا(12/78)
الاقط (الرابع) التمر أو ما هو أعلى مِنْهُ (الْخَامِسُ) التَّمْرُ أَوْ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ (السَّادِسُ) لَوْ كَانَ التَّمْرُ مَوْجُودًا فَصَاعٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَصَاعٌ مِنْ الْغَالِبِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ وَمِثْلُهَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا صَارَتْ اثْنَيْ عَشَرَ وَسِتَّةً إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى الشَّاةِ أَوْ نَصْفِهَا فَالْوَاجِبُ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْدِيلُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَزِدْ فَالْوَاجِبُ الصَّاعُ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَسِتَّةٌ أَنَّهُ إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ فَالْوَاجِبُ قِيمَتُهُ وَإِلَّا فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ السِّتَّةُ عَلَى الْخِلَافِ وَالْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا وَلَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مَعَ الْأَرْبَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* فَإِنْ كَانَ بَاعَ الشَّاةَ المصراة بصاع من تمر فيجئ فِيهَا بِمُقْتَضَى التَّرْكِيبِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَالْعِشْرُونَ الْمَذْكُورَةُ وَثَلَاثَةٌ أُخْرَى (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الصَّاعِ بِقَدْرِ نَقْصِ التَّصْرِيَةِ مِنْ التَّمْرِ
(وَالثَّانِي)
يَرُدُّ قِيمَةَ اللَّبَنِ ذَهَبًا أَوْ فضة (والثالث) يردها ولا شئ عَلَيْهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ
* وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْكِيبَ هَذِهِ الْوُجُوهِ ذُكِرَ لِتُسْتَفَادَ وَيُعْرَفَ كَيْفِيَّةُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ إثْبَاتَهَا لِذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ قَائِلٌ بِالْوُجُوهِ الَّتِي تَرَكَّبَ مَعَهَا حَتَّى يَصِحَّ التَّرْكِيبُ وَقَدْ فَعَلَ الْأَصْحَابُ
مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وان كان ما حلب من اللبن باقيا فأراد رده ففيه وجهان (قال) أبو إسحق لا يجبر البائع على أخذه لانه صار بالحلب ناقصا لانه يسرع إليه التغير فلا يجبر على أخذه (ومن) أصحابنا من قال يجبر لان نقصانه حصل لمعني يستعلم به العيب فلم يمنع الرد ولانه لو لم يجز رده لنقصانه بالحلب لم يجز إفراد الشاة بالرد لانه افراد بعض المعقود عليه بالرد فلما جاز ذلك ههنا - وان لم يجز في سائر المواضع - جاز رد اللبن هنا مع نقصانه - بالحلب وان لم يجز في سائر المواضع -)
*(12/79)
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ أَحْوَالِ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ وَهِيَ إذَا أَرَادَ رَدَّهَا بَعْدَ الْحَلْبِ وَاللَّبَنُ بَاقٍ وَهَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ قَدْ حَمَضَ وَتَغَيَّرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يُكَلَّفُ أَخْذَهُ (وَالثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ وَهِيَ صُورَةُ الْكِتَابِ فَفِيهَا وَجْهَانِ (أصحهما) وهو قول أبى إسحق أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَخْذُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ بَلْ لَوْ كَانَ عَقِبَ الْحَلْبِ لَمْ يَجِبْ أَخْذُهُ لِأَنَّهُ صَارَ يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغْيِيرُ فَنَقَصَ عَمَّا كَانَ فِي الضَّرْعِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ تَأْكِيدٌ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَوَّلًا وَيُمْكِنُ تَعْلِيلُ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا بِأَنَّ اللَّبَنَ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الْعَقْدِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ اخْتَلَطَ بِاللَّبَنِ الْحَادِثِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُشْتَرِي فَإِذَا سَمَحَ بِهِ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهِ وَهَذَا قَدْ يَخْدِشُهُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَخْبَارِ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَمَسْأَلَةِ النَّعْلِ وَمَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ فَيَكُونُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى أَوْلَى (وَقَدْ يُقَالُ) إنَّهُ لَا يُصَارُ إلَى الْأَخْبَارِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّعْلَ إذَا لَمْ يَكُنْ نَزَعَهُ مَعِيبًا فَلَمْ يَنْزِعْهُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَهَهُنَا لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى قَبُولِ اللَّبَنِ لِإِمْكَانِ رَدِّ التَّمْرِ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّرْعُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا الْوَجْهَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالِاعْتِذَارُ بِكَوْنِ ذَلِكَ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تلك المسألة كأنه إذَا كَسَرَ مِنْهُ قَدْرَ مَا يُفَرِّقُ بِهِ العيب يرده قَهْرًا وَقَاسُوهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ هَذَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ
بِمَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ الَّتِي قَاسُوا عَلَيْهَا رَدَّ الشَّاةِ بِدُونِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ جائز قولا واحد مَعَ النُّقْصَانِ الَّذِي حَصَلَ فِيهَا بِالْحَلْبِ لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِ الشَّاةِ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ مَسْأَلَةَ اللَّبَنِ الَّتِي فِيهَا إذْ لَا يَحْسُنُ تَخْرِيجُ قَوْلٍ عَلَى وَجْهٍ وَحِينَئِذٍ فَمَسْأَلَةُ اللَّبَنِ هَذِهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمُسْنَدَةِ إلَى رَدِّ الْمُصَرَّاةِ بَعْدَ نَقْصِهَا بِالْحَلْبِ (الثَّانِي) أَنَّهُ إذَا كَانَ النَّقْصُ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِهِ الْعَيْبُ غَيْرَ مَانِعٍ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَبِلَا خِلَافٍ فِي رَدِّ الشَّاةِ نَفْسِهَا بَعْدَ الْحَلْبِ فَلِمَ لَا كَانَ هُنَا فِي رَدِّ اللَّبَنِ كَذَلِكَ؟ وَلِمَ حَكَمَ الجمهور(12/80)
بِأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الْإِجْبَارِ؟ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ اللَّبَنَ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ يَقْتَضِي رَدَّهُ بِخِلَافِ الشَّاةِ وَمَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ بِسَبَبِهِ يُرَدُّ فَنَقَصَهُ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِهِ وَاللَّبَنُ نَقَصَهُ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِ غَيْرِهِ وَهُوَ الشَّاةُ وَإِلْحَاقُهُ بِمَا نَقَصَهُ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِهِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ كَافٍ فِي الْفَرْقِ (وَأَيْضًا) النَّقْصُ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُمْنَعُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَأَدَّى إلَى بُطْلَانِ رَدِّ المعيب وَهَهُنَا لَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ اللَّبَنَ بَدَلًا يَرُدُّهُ مَعَ الشَّاةِ الْمَعِيبَةِ وَاللَّبَنُ لَيْسَ بِمَعِيبٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اغْتِفَارِهِ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ اغْتِفَارُهُ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ (الثَّالِثُ) أَنَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّدِّ فِيمَا نَقَصَتْ قيمته بكسره نقول بأنه يغرم الْأَرْشُ عَلَى قَوْلٍ وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ خِلَافَهُ وَأَمَّا هَهُنَا عَلَى الْوَجْهِ بِأَنَّ لَهُ رَدَّ اللَّبَنِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْرَمُ مَعَ ذَلِكَ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَقِيمَتِهِ مَحْلُوبًا وَهَذَا يُحَرِّكُ لَنَا بَحْثًا وَهُوَ أَنَّ التَّمْرَ يَتَقَسَّطُ عَلَى الشَّاةِ وَاللَّبَنُ الَّذِي فِي ضَرْعِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ قِيمَتَيْهِمَا فَهَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ أَوْ بَعْدَ الْحَلْبِ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّهُ فِي الضَّرْعِ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ لَكِنَّا إذَا كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ بَعْدَ الْحَلْبِ أَنْقَصُ مِمَّا فِي الضَّرْعِ وَحِينَ الْمُقَابَلَةِ كَانَ فِي الضَّرْعِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّقْسِيطِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَهَذَا الْبَحْثُ حَرَّكْتُهُ لِنَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ فِي الضَّرْعِ وَبِالْحَلْبِ يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ قِيَاسُ ذَلِكَ الْوَجْهِ إيجَابَ الْأَرْشِ وَلَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْحَلْبِ فَلَا نَقْصَ حِينَئِذٍ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَعْتَذِرَ بِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ (الرَّابِعُ) أَنَّا إذَا قُلْنَا بِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي رَدَّ اللَّبَنِ فَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ وَرَدُّ الشَّاةِ (قَالَ) صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ كَانَ قَدْ أَمْسَكَهَا زَمَانًا يَحْدُثُ فِي مِثْلِهِ لَبَنٌ لَا يُكَلَّفُ الرَّدَّ لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ مِلْكُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَإِنْ حَلَبَ عَقِيبَ الشِّرَاءِ وَقُلْنَا عَلَى
الْبَائِعِ قَبُولُ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ عَيَّنَ حَقَّهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهُ إذَا أَرَادَ الْفَسْخَ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَدَلِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي يَدِهِ (الْخَامِسُ) أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ لَهُ هَهُنَا أَنْ يَرُدَّ اللَّبَنَ هَلْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنَيْنِ فَوَجَدَ بِإِحْدَاهُمَا عَيْبًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ إمْسَاكَ اللَّبَنِ وَرَدَّ الشَّاةِ يُجْرَى فِيهَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُفْرِدَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ بِالرَّدِّ فَعَلَى قَوْلٍ يَمْتَنِعُ عليها(12/81)
الْإِفْرَادُ بِالرَّدِّ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ عِنْدَ عَدَمِ اخْتِلَاطِ اللَّبَنِ بِلَبَنٍ جَدِيدٍ وَعَلَى قَوْلٍ لَا يَمْتَنِعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ فَبِمَاذَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قبول وَحَقُّهُ فِي التَّمْرِ وَاللَّبَنِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْوَجْهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوجِبَ رَدَّ اللَّبَنِ عِنْدَ بَقَائِهِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ (السَّادِسُ) أَنَّ رَدَّ اللَّبَنِ هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ إذَا قُلْنَا الْخِيَارُ فِيهَا عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى إذَا أَخَّرَ بَطَلَ إجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ وَيُقْتَصَرُ عَلَى رَدِّ الشَّاةِ أَوْ نَقُولُ رَدَّ الشَّاةَ عَلَى الْفَوْرِ وَاللَّبَنَ إلَى خِيَرَةِ الْمُشْتَرِي لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَهُوَ يَلْتَفِتُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ فِي أَنَّ ذَلِكَ هل هو بطريق الفسخ أولا فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَكُلُّ هَذِهِ التَّفْرِيعَاتِ الْمُضْطَرِبَةِ سَبَبُهَا ضَعْفُ هَذَا الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّ لَهُ رَدَّ اللَّبَنِ قَهْرًا (السَّابِعُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ إلَى آخِرِهِ هُوَ الدَّلِيلُ الثَّانِي فِي كَلَامِهِ الَّذِي وَعَدْتُ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ غَيْرُ نَاظِرٍ إلَى أَنَّ النقصان لاجل الاستعلام أولا وَبِهَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ المسألة ومسألة مالا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ جَمِيعًا يَرْجِعَانِ إلَى مَسْأَلَةِ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ مَعَ نَقْصِهَا بِالْحَلْبِ وَهَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ امْتِنَاعَ رَدِّ اللَّبَنِ مُسْتَلْزِمًا لِامْتِنَاعِ إفْرَادِ الشَّاةِ بِالرَّدِّ وَعَلَّلَ الْأَوَّلَ بالنقص بالحلب والثانى بأنه إفراد بعض المعقود عَلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ النَّقْصِ بِالْحَلْبِ فَلَمْ يَحْصُلْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِهِ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ قِيَاسُ النُّقْصَانِ بِالْحَلْبِ عَلَى النُّقْصَانِ بِالْإِفْرَادِ فَإِنَّ إفْرَادَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ نَقْصٌ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ وَلِذِكْرِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى عَيْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ إمَّا جَزْمًا إذَا كَانَ الْعَيْبُ بِهِمَا أَوْ عَلَى الْأَظْهَرِ إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا وَإِذَا كَانَ إفْرَادُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ نَقْصًا فَلَوْ امْتَنَعَ رَدُّ اللَّبَنِ بِنُقْصَانِهِ بِالْحَلْبِ لَامْتَنَعَ إفْرَادُ الشَّاةِ لِنُقْصَانِهَا بِالْإِفْرَادِ
وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقُ النُّقْصَانِ فَلَمَّا جَازَ رَدُّ الشَّاةِ هَهُنَا وَإِفْرَادُهَا عَنْ اللَّبَنِ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَجْعَلْ النُّقْصَانَ بِالْإِفْرَادِ مَانِعًا - وَإِنْ كَانَ مَانِعًا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ - وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ رَدُّ اللَّبَنِ وَلَا يُجْعَلُ النُّقْصَانُ بِالْحَلْبِ مَانِعًا - وَإِنْ كَانَ مَانِعًا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ - هَذَا تقرير هذا الدليل ولابد مِنْ الْجَوَابِ عَنْهُ إذْ الْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ (وَطَرِيقُ) الْجَوَابِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ النَّقْصَ مَانِعٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ فِي مَوْضِعٍ مُخَالَفَتُهُ فِي كُلِّ(12/82)
مَوْضِعٍ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَثْنَى لِأَجْلِهِ نُقْصَانَ إفْرَادِ الشَّاةِ بِالرَّدِّ عَنْ سَائِرِ مَوَاضِعِ الْإِفْرَادِ مَوْجُودٌ فِي النُّقْصَانِ بِالْحَلْبِ هَهُنَا حَتَّى يُسْتَثْنَى عَنْ سَائِرِ مَوَاضِعِ النَّقْصِ وَصِحَّةُ الْقِيَاسِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ بَيِّنٍ (الثَّامِنُ) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْبَقُوا عَلَى حِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ يَقْتَضِي حِكَايَةَ الْوَجْهَيْنِ عن أبى اسحق ولذلك الرويانى قال أن أبا اسحق أَشَارَ فِي الشَّرْحِ إلَى وَجْهَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ جَعَلَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ قَوْلَ أَبِي اسحق وَكَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَلِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يجبر عليه ذكره أبو إسحق فِي الشَّرْحِ وَقَالَ لِأَنَّهُ صَارَ مَعِيبًا وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَبَقِيَّةُ الْأَصْحَابِ يَذْكُرُونَ الْوَجْهَيْنِ غَيْرَ مَنْسُوبَيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ أن أبا اسحق ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ الْوَجْهَ الَّذِي اخْتَارَهُ وَالْوَجْهَ الْآخَرَ (التَّاسِعُ) أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي رَدِّهِ علي جهة القهر أما لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ جَازَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَبَّهْتُ هُنَاكَ أَنَّهُ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ أَوْ مِنْ بَابِ الرَّدِّ بِالْفَسْخِ وَأَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ خَالَفَ فِيهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ الْمُخَالَفَةُ هَهُنَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ وَأَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ وَذَكَرْتُ بَحْثًا هُنَاكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ يجوز فلينظر ذلك البحث هناك فِي فَرْعٍ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ أجاز رد المصراة رد بَدَلَ اللَّبَنِ "
*
* (فَرْعٌ)
* قَسَّمَ الْمَرْعَشِيُّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي إلَى قِسْمَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمُصَرَّاةُ يَرُدُّهَا نَاقِصَةً عَمَّا أُخِذَتْ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ فِي ضَرْعِهَا وَمَا سِوَى الْمُصَرَّاةِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أحدها) يرد قولا واحدا كالعنت وَالْخِيَارِ يَغْمِزُهُ بِعُودٍ أَوْ حَدِيدَةٍ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مر
(والثانى)
فيه قولا كَالثَّوْبِ يُقْطَعُ ثُمَّ يُعْلَمُ عَيْبُهُ
(وَالثَّالِثُ) ثَلَاثَةُ أقوال إذا كسرنا لَا نُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفِيهِ تَوَقُّفٌ نَذْكُرهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا اشْتَرَى شَاةً وَجَزَّ صُوفَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا إنْ كَانَ الْجَزُّ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ لَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ وَجَرَى مجرى الحلب
*(12/83)
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَى جارية مصراة ففيه أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا صاعا لانه يقصد لبنها فثبت بالتدليس له فيه الخيار والصاع كالشاة
(والثانى)
أنه يردها لان لبنها يقصد لتربية الولد وَلَمْ يُسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ فَثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ ولا يرد بدله لانه لا يباع ولا يقصد بالعوض (والثالث) لا يردها لان الجارية لا يقصد في العادة إلا عينها دون لبنها (والرابع) لا يردها ويرجع بالارش لانه لا يمكن ردها مع عوض اللبن لانه ليس للبنها عوض مقصود ولا يمكن ردها من غير عوض لانه يؤدي إلى إسقاط حق البائع من لبنها من غير بدل ولا يمكن إجبار المبتاع على إمساكها بالثمن المسمى لانه لم يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِيَسْلَمَ لَهُ مَا دُلِّسَ به من اللبن فوجب أن يرجع على البائع بالارش كما لو وجد بالمبيع عيبا وحدث عنده عيب)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْل وَالْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حُكْمُ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ (وَكَثِيرٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ يَجْعَلُونَ حُكْمَ الْبَقَرِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْ النَّصِّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي لَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " فَإِنَّهُ عَامٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَاتَّفَقُوا عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْبَقَرِ إمَّا بِالنَّصِّ وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِيهَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهَا أَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ كَالْجَارِيَةِ وَالْأَتَانِ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِمَا أَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَعَقَدَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْفَصْلَ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ لِلْكَلَامِ فِيهِمَا وَاَلَّذِي تُجْرَى أَحْكَامُ الْمُصَرَّاةِ عَلَيْهِمَا فَطَرِيقُهُ
فِي ذَلِكَ إمَّا الْقِيَاسُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي الجلاء والظهور كالاولى وَإِمَّا إدْرَاجُهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " وَاَلَّذِي لَا تَجْرِي عَلَيْهِمَا أَحْكَامُ الْمُصَرَّاةِ طَرِيقُهُ قَطْعُ الْقِيَاسِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُمَا غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ مُصَرَّاةً (إمَّا) بِأَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ صَادِقٍ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَإِمَّا) بِإِخْرَاجِهِمَا مِنْ اللَّفْظِ بِدَلِيلٍ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّ(12/84)
مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إخْرَاجِ الْجَارِيَةِ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ " بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا " فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي قَصْرُ الْحُكْمِ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَلْبِ وَفِي إطْلَاقِ الْحَلْبِ عَلَى الْجَارِيَةِ نَظَرٌ (وَاعْلَمْ) أَنَّ قَاعِدَةَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ يَدُلُّ أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُسَوِّغُ إلْحَاقَ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْمَنْصُوصِ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَمْ يَذْكُرُوا الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ صِيغَةُ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا النَّصَّ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَكَانَ مَا سِوَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى قِسْمَيْنِ (قِسْمٌ) التَّصْرِيَةُ مَوْجُودَةٌ فِيهِ فِي غَيْرِ الابل والغنم (وقسم) فيه معني بشبه التَّصْرِيَةَ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَارِيَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَالْأَتَانَ فِي الَّذِي بَعْدَهُ لِأَنَّهُمَا مُلْحَقَانِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْإِلْحَاقِ بِالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ لِشُمُولِ التَّصْرِيَةِ بِالْجَمِيعِ وَذَلِكَ بَعْدَ تَجْعِيدِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَلِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالتَّصْرِيَةِ فَلِذَلِكَ أَخَّرَهُ وَلَهُ مَرَاتِبُ فِي الظُّهُورِ كَتَجْعِيدِ الشَّعْرِ فَيُلْحَقُ وَالْخَفَاءِ كَنُقْطَةٍ مِنْ الْمِدَادِ عَلَى ثَوْبِ الْعَبْدِ فَلَا يلحق وبين ذلك ففيه خلاف ونذكره هَذِهِ الْمَرَاتِبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَجْعِيدِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ فِي التَّصْرِيَةِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أنها ليست بعيب
(والثانى)
وهو قول البغدايين أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي كُلِّ الْحَيَوَانِ عَيْبٌ (وَأَمَّا) تَصْرِيَةُ الْجَارِيَةِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْخِلَافَ فِيهِ لَيْسَ مِنْ النَّمَطِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ التَّلْبِيسَ بِالتَّصْرِيَةِ فِي الْجَارِيَةِ كَالتَّلْبِيسِ بِالتَّصْرِيَةِ فِي الْبَهِيمَةِ وَإِنَّمَا نَشَأَ الْخِلَافُ مِنْ أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي خِيَارِ الْخُلْفِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الشَّرْطِ والفعل الموهم الْمُدَلِّسِ الْخُلْفُ بِالشَّرْطِ وَهُوَ دُونَهُ وَيَقْوَى أَثَرُهُ فيما يظهر توجه القصد إليه فاما مالا يَتَوَجَّهُ الْقَصْدُ إلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ التَّلْبِيسُ فِيهِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا مَعَ التَّقْرِيبِ يلتحق بما قدمناه من مواقع الحلاف يَعْنِي مِنْ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي بَيْنَ الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ كما أشرنا إليه من قبل فان الشئ إذَا كَانَ لَا يُقْصَدُ مِمَّا يُجْرَى مِنْ تلبيس فيه وفاقا لا توهم وَيُمْكِنُ أَنْ يَقْرُبَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ
آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الضَّرْعَ وَالْإِخْلَافَ يُعْتَادُ مُعَايَنَتُهَا وَيُدْرَكُ الْفَرْقُ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّدْيُ فِي بَنَاتِ آدَمَ فَإِنَّ الْمُشَاهَدَةَ لَا تَتَعَلَّقُ غَالِبًا بِهِ وَغَرَضُنَا تَخْرِيجُ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ عَلَى أُصُولٍ ضابطة انتهى ومقصود(12/85)
الامام بذلك أَنَّ الثَّدْيَ إذَا كَانَ لَا يُرَى غَالِبًا وَلَا يَحْصُلُ فِيهِ قَصْدُ التَّغْرِيرِ غَالِبًا فَلَمْ يتحقق كضرع الناقة والشاة الذى هو مرئ الْغَالِبِ وَمَقْصُودُهُ بِمَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ لَبَنَ الْجَارِيَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ أَيْ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ إلَّا عَلَى نُدُورٍ لِأَجْلِ الْحَضَانَةِ فَلَا يُلْتَحَقُ بِمَا هُوَ مَقْصُودٌ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُغْتَرَّ بِرُؤْيَةِ الْحَلَمَةِ وَهُوَ الثَّدْيُ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَهَلْ التَّصْرِيَةُ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهَا عَيْبٌ لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
الرَّغْبَةُ فِي رَضَاعِ الْوَلَدِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ كَثْرَةَ اللَّبَنِ تُحَسِّنُ الثَّدْيَ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يَسْتَرْسِلُ هَكَذَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَلَكِنَّ غَيْرَهُ مُصَرِّحٌ بِالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَشَبَّهُوهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَبَانَتْ اخته فلا خيار لان الوطئ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ غَيْرُ مَقْصُودٍ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ أَصْلُهَا وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سريج وابن سلمة فيما حكاه الجوزى (وَالْآخَرُ) يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ فِي الْغَالِبِ وَإِنْ كَانَ متقوما وهذا معني الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْعِوَضِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ بَيْعِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْحَاوِي وَفِيمَا عَلَّقَهُ سُلَيْمٌ عَنْ أَبِي حَامِدٍ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وهذا قول أبى حفص ابن الوكيل على ما يقتضيه كلام الجوزى وَعَلَى هَذَا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ أي ولا شئ لَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْوَجْهُ لَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ (وَالْآخَرُ) وَهُوَ الرَّابِعُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الرَّدِّ وَاخْتُلِفَ فِي مَأْخَذِهِ فَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ذَكَرَهُ فِيمَا عَلَّقَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ لا خلاف في أنها عيب إلى مُسْتَدِلًّا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ حَسَنٌ وَاسْتَدَلَّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ بِأَنَّهَا نَقَصَتْ عِنْدَهُ
فَهَذَا الْوَجْهُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ مَعَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثَلَاثَتُهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي ذَلِكَ عَيْبٌ(12/86)
وَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مُفَرَّقَةً فِي التَّعْلِيقَيْنِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَغَلَّطَهُ قَالَ لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ مَنَعَ الرَّدَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَقَدَّرَ الدَّارَكِيُّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ لِأَنَّ الْحَلْبَ عَيْبٌ حَادِثٌ فَقَالَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ (قُلْتُ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الدَّارِمِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُغَلَّطُ وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ فَرَّعَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ (وَقَالَ) الْإِمَامُ إذَا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ بِتَصْرِيَةِ الْجَارِيَةِ وَإِنْ قَدَّرْنَا التَّمْرَ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ فَلَمْ يَكُنْ للبن الجارية قيمة لم يجب شئ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الصَّاعَ فَهَهُنَا وَجْهَانِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّبَنُ مُتَقَوِّمًا وَإِنْ كَانَ لَهُ قيمة فلابد مِنْ بَدَلِهِ وَهَلْ يُبْدَلُ بِالصَّاعِ أَوْ بِقِيمَتِهِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ قُوتٍ آخَرَ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا التَّخْرِيجُ حَسَنٌ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ عند الرافعى وصاحب التهذيب أنه لا يَرُدُّ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَهُوَ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَقْرَبُ عِنْدِي (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا بِمَنْزِلَةِ تَصْرِيَةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ (وَقَالَ) ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّهُ الْأَقْيَسُ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَضْرَمِيَّ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَمَةً ذَاتَ لَبَنٍ بِلَبَنِ آدَمِيَّةٍ جَازَ وَهُوَ رَدُّ مَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّبَنُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ وَيُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَمَا صَحَّ بَيْعُهَا بلبن ادمية كمالا يَصِحُّ بَيْعُ شَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ غنم وعلى ما تقدم من تخريج رَجَعَ النَّظَرُ إلَى تَحْقِيقِ مَنَاطٍ وَهُوَ أَنَّ لبن الجارية هل له قيمة أولا فَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ بَدَلِهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ (قَالَ) لِأَنَّ نَفْيَ الْبَدَلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يَقْتَضِيهِ خَبَرٌ وَلَا يُوجِبُهُ قِيَاسٌ
*
* (فَرْعٌ)
* حُكْمُ الْخَيْلِ حُكْمُ الجارية ذكره الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْجَارِيَةِ الثَّلَاثَةَ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ لَنَا فِي تَصْرِيَةِ لَبَنِ الْجَارِيَةِ قَوْلَانِ وَفِي الْأَتَانِ وَجْهَانِ فَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَارِيَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ رَدَدْتُ الْقَوْلَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(12/87)
* (فَرْعٌ)
* مِنْ جُمْلَةِ الْعُلَمَاءِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ حُكْمَ التَّصْرِيَةِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَبْوِيبِهِ بَابُ النَّهْيِ " لِلْبَائِعِ أَنْ لَا يُحَفِّلَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ وَالْمُصَرَّاةُ الَّتِي صُرِّيَ لَبَنُهَا وَحُقِنَ فِيهِ وَجُمِعَ فَلَمْ تُحْلَبْ أَيَّامًا " وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ حَدِيثًا فِيهِ صِيغَةٌ عَامَّةٌ بِنَعْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* حَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَا يَرُدُّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يَرُدُّ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ فَالثَّانِي في التنبيه هو الثاني في المهذب والاولى فِي الثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الثَّالِثَ فِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهَا وَلَا شئ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّابِعَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الرَّدِّ الَّذِي هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ مُفَرَّعًا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ (وَقَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي قَوْلِ التَّنْبِيهِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ أَيْ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَقَالَ إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ هُوَ مَا ظَنَّ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ (قُلْتُ) وَأَمَّا تَفْسِيرُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِكَلَامِ الشيخ فممنوع لما تقدم وأما كلام لبن يُونُسَ فَمُحْتَمَلٌ لِأَنَّهُ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعْلَهُمَا مُفَرَّعَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ وَهُوَ الِاحْتِمَالُ الَّذِي قُلْتُ إنَّهُ الْأَوْلَى وَحِينَئِذٍ لَا يُنْسَبُ إلَى ابْنِ يُونُسَ حُمِلَ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَى أتانا مصراة فان قلنا بقول الاصطخرى أن لبنها طاهر ردها ورد معها بدل اللبن كالشاة (وان قلنا) بالمنصوص أنه نجس ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ لَا قيمة له فلا يقابل ببدل
(والثانى)
يمسكها ويأخذ الارش لانه لا يمكن ردها مع البدل لانه لا بدل له ولا ردها من غير بدل لما فيه من إسقاط حق البائع من لبنها ولا إمساكها بالثمن لانه لَمْ يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهُ الْأَتَانُ مع اللبن ولم تسلم فوجب أن تمسك ويأخذ الارش)
*(12/88)
* (الشَّرْحُ)
* الْأَتَانُ الْأُنْثَى مِنْ الْحُمُرِ وَقَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ رحمه الله بطهارة لبنها معروف مشهور
وهوى يَقُولُ بِطَهَارَتِهِ وَحِلِّ تَنَاوُلِهِ وَعَدَّهُ الْإِمَامُ مِنْ هَفَوَاتِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ وَحَكَى الْإِمَامُ أَنَّ مِنْ أصحابنا من حكم بطهارة لبنها وجزمه وَهَذَا بَعِيدٌ وَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَصْرِيَةَ الْأَتَانِ هَلْ هِيَ عَيْبٌ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا عَيْبٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْجَارِيَةِ إذَا عُرِفَ ذلك ففى حكم تصرية الاتان طرق (احداهما) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا بِطَهَارَةِ لَبَنِهَا رَدَّهَا وَرَدَّ بَدَلَ اللَّبَنِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِنَجَاسَتِهِ فَقِيلَ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا وَقِيلَ يُمْسِكُهَا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الَّتِي ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حسين من الخراسانيين أنه هل يرد أولا يَرُدُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِنَجَاسَةِ لَبَنِهَا رَدَّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِطَهَارَةِ لَبَنِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ فَهَلْ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى وَجْهَيْنِ كالجارية وأناث الخيل وهذا عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ) الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْجَزْمُ بِرَدِّهَا وَتَخْرِيجُ رَدِّ بَدَلِ اللَّبَنِ عَلَى الْخِلَافِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِطَهَارَتِهِ رَدَّ بَدَلَهُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِنَجَاسَتِهِ لَا يَرُدُّ لِأَنَّ النَّجِسَ لَا بَدَلَ لَهُ وَلَا قِيمَةَ وَهَذِهِ تُخَالِفُ طَرِيقَةَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الْمَاوَرْدِيُّ يَتَرَدَّدُ فِي رَدِّ بَدَلِ اللَّبَنِ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ وَأَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ جَازِمَانِ بِهِ وَتُخَالِفُ طَرِيقَةَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ يُمْسِكُهَا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَقَدْ نَقَلَ الشَّاشِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ الْأَوْجُهَ الَّتِي فِي الْجَارِيَةِ فِي الْأَتَانِ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ فَهَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضُهَا فِي كَلَامِ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ) الَّتِي ارْتَضَاهَا الْإِمَامُ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا اللبن نجس فلا يقابل بشئ وَلَكِنْ لَا يَبْعُدُ إثْبَاتُ الْخِيَارِ إذْ قَدْ يَقْصِدُ غَزَارَةَ لَبَنِهَا لِمَكَانِ الْجَحْشِ فَيَلْتَحِقَ هَذَا الْخِيَارُ بِقَبُولِ التَّرَدُّدِ وَإِنْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَكَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّبَنَ الْمُحَرَّمُ لَا يُتَقَوَّمُ وَإِنْ حَكَمْنَا بِحِلِّهِ فَالْقَوْلُ فِي تَصْرِيَةِ الْأَتَانِ كَالْقَوْلِ فِي تَصْرِيَةِ الْجَارِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ(12/89)
كَلَامُهُ فِي الْجَارِيَةِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ تُوَافِقُ طَرِيقَةَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي إلْحَاقِهَا بِالْجَارِيَةِ عَلَى قَوْلِ طَهَارَةِ اللَّبَنِ وَحِلِّهِ وَتُخَالِفُهَا فِي أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ لَمْ يَحْكِ الْقَوْلَ بِتَحْرِيمِ اللَّبَنِ مَعَ طَهَارَتِهِ وَلَا التَّفْرِيعَ عَلَيْهِ وَفِي أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ لَمْ يَبْنِ الْخِلَافَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْخِلَافِ فِي النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ فِي الرَّدِّ وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرَ
الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِشُمُولِ الْحُكْمِ لِلْجَمِيعِ فَالْمَاوَرْدِيُّ جَازِمٌ عَلَى قَوْلِنَا بنجاسة اللبن يرد الاتان ولا شئ مَعَهَا وَالْإِمَامُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ التَّرَدُّدُ فِي رَدِّهَا وَطَرِيقَةُ الْإِمَامِ تُخَالِفُ طَرِيقَةَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِمْسَاكِهَا بِالْأَرْشِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِطَهَارَةِ اللَّبَنِ مَعَ تَحْرِيمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي اخْتِصَارِ النِّهَايَةِ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ من التردد في ثبوت الخيار فتلخص مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يردها ويرد معها بدل اللبن (الثاني) أنه يردها ولا يرد معها شيأ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّنْبِيهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ (الرَّابِعُ) الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَنَّهُ لا يردها ولا شئ لَهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ وَمُرَادُهُ بِهِ إلْحَاقُهُ بِالْمَرْتَبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَيَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَجْعِيدِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَقْتَضِي كَلَامُ الْإِمَامِ الْمَذْكُورُ إثْبَاتَ وَجْهٍ كَمَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ حَيْثُ أَلْحَقَ الْأَتَانَ بِالْجَارِيَةِ وَحَيْثُ حَكَى الْخِلَافَ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ وَالْبَغْدَادِيِّينَ فِي أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِيهَا عَيْبٌ أَوْ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ وَكَلَامُ غَيْرِهِ أَيْضًا وَهَذَا الْوَجْهُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِ أَنْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا عَيْبٌ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْخِيَارِ مُسْتَمَدٌّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فَيُجَوِّزُونَ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ وَهِيَ نَظِيرُ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ(12/90)
الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَارِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَآخِذُ مُخْتَلِفَةٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَقَوْلُهُمْ فِي التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ إنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَ بَدَلِ لَبَنِ الشَّاةِ قَالَ وَعِنْدِي يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ الْأَرْشَ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَا يُسَاوِي لَبَنَ الْأَنْعَامِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ فِي تَقْدِيرِ بَدَلِهِ كَمَا أَنَّ جَنِينَ الْبَهِيمَةِ لَمَّا لم يساوى جنين الآدمية ضمن بها يقضى مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَوْ ثَبَتَ كَانَ زَائِدًا عَلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ وَجَعْلِهِ مِمَّا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ لَا يُفَارِقُ لَبَنَ الْأَنْعَامِ وَإِنْ كان أَنْقَصَ قِيمَةً مِنْهَا فَإِنَّ بَعْضَ الْأَنْعَامِ لَبَنُهَا أَنْقُصُ قِيمَةً مِنْ بَعْضٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِذَلِكَ فِي الْجَارِيَةِ
وَلَمْ يَقُلْ بِهِ هُنَاكَ بَلْ قَالَ إنَّ الْأَقْيَسَ أَنَّهُ يَجِبُ رَدَّ بَدَلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* قَوْلُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ " لَمْ يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهُ الْأَتَانُ مَعَ اللَّبَنِ " وَكَذَا قوله فيما تقدم في الجارية " لم يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِيَسْلَمَ لَهُ مَا دُلِّسَ بِهِ مِنْ اللَّبَنِ " رَأَيْتُهَا مَضْبُوطَةً فِي بَعْضِ النُّسَخِ - بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ - وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقْرَأَ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ - فَإِنَّ الْبَائِعَ سَلَّمَ الْأَتَانَ مَعَ اللَّبَنِ وَلَكِنْ حَصَلَتْ فِي ذَلِكَ السَّلَامَةُ لِلْمُشْتَرِي
*
* (فَرْعٌ)
* جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُ يَرُدُّ الْأَتَانَ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَتَرَدَّدَ فِي رَدِّ الْجَارِيَةِ مَعَ الْجَزْمِ فِيهَا بأنه لا يرد بدله اللَّبَنِ فَأَمَّا جَزْمُهُ بِرَدِّ الْأَتَانِ وَتَرَدُّدِهِ فِي رَدِّ الْجَارِيَةِ فَلِأَنَّ لَبَنَ الْأَتَانِ مَقْصُودٌ وَلَا يُسَاوِيهِ لَبَنُ الْجَارِيَةِ فِي ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُهَذَّبِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ إنَّهُ يأخذ الْأَرْشِ يَكُونُ اللَّبَنُ فِي الْأَتَانِ مَقْصُودًا فَلَمْ يَتَرَدَّدْ قَوْلُهُ لَا فِي الْمُهَذَّبِ وَلَا فِي التنبيه في أن لبن الاتان مقصود لكن امْتِنَاعَ رَدِّ بَدَلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَجْلِ نَجَاسَتِهِ وَإِنْ كُنَّا قَدْ حَكَيْنَا عَنْ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهًا رَابِعًا بِعَدَمِ الرَّدِّ مُطْلَقًا وَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ (أما) جَزْمُهُ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ بَدَلَ لَبَنِ الْأَتَانِ فَإِنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي نَجَاسَتِهِ وَزَعَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ أَوْ بِطَهَارَتِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِصْطَخْرِيُّ قَالَ وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ يَجِبُ الصَّاعُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِنْ كان الخلاف(12/91)
ثَابِتًا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنْ لَا يَحْسُنُ أَنْ نَشْرَحَ بِهِ كَلَامَ التَّنْبِيهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ فِي الْمُهَذَّبِ جَازِمٌ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ فَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِذَلِكَ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الطَّرِيقَانِ حَتَّى يُحْمَلَ كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى طَرِيقَةٍ وَكَلَامُهُ فِي الْمُهَذَّبِ عَلَى طَرِيقَةٍ أُخْرَى وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكَ الطُّرُقُ المذكورة في ذلك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (إذا ابتاع شاة بشرط أن تحلب كل يوم خمسة أرطال ففيه وجهان بناء على القولين فيمن باع شاة وشرط حملها
(أحدهما)
لا يصح لانه شرط مجهول فلم يصح
(والثانى)
أنه يصح لانه يعلم بالعادة فصح شرطه فعلى هذا إذا لم تحلب المشروط فهو بالخيار بين الامساك والرد)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِيهَا بِعَدَمِ صحة المبيع
وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَطْعًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْضَبِطُ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ وَرَقَاتٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ لِلْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ التَّصْرِيَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَجَزَمَ فِيهَا بِالْبُطْلَانِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ صَرَّحَ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنَّهَا لَبُونٌ فَإِنْ كَانَتْ تُدِرُّ لَبَنًا وَإِنْ قَلَّ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ أَصْلًا فَلَهُ الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُ وَنَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَقُولُ بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ أَيْضًا وَلَوْ شَرَطَ أنها غزيرة اللبن فتبين نزارته فله الرد قاله الرويانى وكلتا المسئلتين لا إشكال فيه بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ حِكَايَةَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ وَحِكَايَةَ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا عَنْ التَّتِمَّةِ وَلَمْ أَرَهُمَا فِيهَا بَلْ الَّذِي رَأَيْتُ فِيهَا الْبُطْلَانُ وَالْمُصَنِّفُ الْمَذْكُورُ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي عصرون وذلك وهم مِنْهُ وَلَعَلَّهُ جَاءَ يَكْتُبُ الْمُهَذَّبَ كَتَبَ التَّتِمَّةِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَوْ اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا تَحْلِبُ كُلَّ يَوْمٍ(12/92)
كَذَا وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نَقْلٌ خَارِجٌ وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ الْعُمْرَانِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِلْمُصَنِّفِ وَكَذَلِكَ حَكَاهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّ الشَّاةَ تَضَعُ لِرَأْسِ الشَّهْرِ مثلا والمشهور في المسئلتين الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ وَلَمْ أَرَ الْخِلَافَ إلَّا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالرُّويَانِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحْدَهُ كَافٍ فِي النَّقْلِ فَهُوَ الثِّقَةُ الْأَمِينُ وَلَا يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ من جهة الْمَعْنَى فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ فَإِنَّ الشَّاةَ الَّتِي خَبِرَهَا الْبَائِعُ وَجَرَّبَهَا دَائِمًا وَهِيَ تُدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ مِقْدَارًا مَعْلُومًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهَذَا الْعَقْدُ الَّذِي جَرَّبَ وُجُودَهُ مِنْهَا فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ دَوَامُهُ أَمَّا وَضْعُ الْحَمْلِ لِرَأْسِ الشَّهْرِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْعُمْرَانِيِّ فَذَلِكَ بَعِيدٌ إلَّا عَلَى إرَادَةِ التَّقْرِيبِ الْكَثِيرِ نَعَمْ هَهُنَا كَلَامَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ اشْتِرَاطِ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ اللَّبَنِ وَاشْتِرَاطُ الْحَمْلِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا حَامِلًا نَظِيرُهُ اشْتِرَاطُ مِقْدَارٍ مِنْ اللَّبَنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَاشْتِرَاطِ مِقْدَارٍ أَوْ وَصْفٍ
فِي الْحَمْلِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ به (واعلم) أن ههنا ثلاثة مَرَاتِبَ (إحْدَاهَا) يُشْتَرَطُ مِقْدَارٌ أَوْ وَصْفٌ فِي الْحَمْلِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى عِلْمِهِ وَلَا ظَنِّهِ (الثَّانِيَةُ) اشْتِرَاطُ أَصْلِ الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَهَذَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ لانه معلوم موجود عليه أمارات ظاهرة (الثَّالِثَةُ) اشْتِرَاطُ مِقْدَارٍ مِنْ اللَّبَنِ فَهَذَا قَدْرٌ يَقُومُ عَلَيْهِ أَمَارَةٌ لِعَادَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَنَحْوِهَا وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَشْبَهَ الْحَمْلَ وَيُفَارِقُهُ مِنْ جِهَةِ أنه متعلق بأمر مستقبل يخرج كثيرا فللذلك جرى التردد فيه (الثاني) أن بناء المصنف الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ الْحَبَلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ صِحَّةَ الشَّرْطِ هَهُنَا لِأَنَّ الشَّرْطَ صِحَّةُ اشْتِرَاطِ الْحَبَلِ لَكِنَّ ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ مِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى حكاية الخلاف صحح الْبُطْلَانَ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَطَعُوا بِهِ وَالْفَرْقُ مَا قَدَّمْتُهُ وَجَعَلْتُهُ مِنْ رُتْبَةٍ مُنْحَطَّةٍ غَيْرِ رُتْبَةِ أَصْلِ الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(12/93)
* (التَّفْرِيعُ)
* إذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ فَأَخْلَفَ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ كَالْمُصَرَّاةِ بَلْ أَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا بِشَرْطٍ صَرِيحٍ وَذَاكَ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ التَّغْرِيرِ وَمُقْتَضَى إلْحَاقِهَا بِالْمُصَرَّاةِ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ الْخُلْفُ قَبْلَ الثَّلَاثِ يُجْرَى فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُصَرَّاةِ فِي أَنَّهُ يَمْتَدُّ الْخِيَارُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ انْقِضَاءِ الثلاث على الاوجه السابقة فلو ظهر الخف بَعْدَ الثَّلَاثِ فَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ كَالْمُصَرَّاةِ وَلَا يَأْتِي هَهُنَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ إنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بَعْدَ الثَّلَاثِ لِأَنَّ هُنَاكَ مَأْخَذَهُ أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ وَهَهُنَا ثَابِتٌ بِالشَّرْطِ وَأَيْضًا الْخِيَارُ فِي التَّصْرِيَةِ خِيَارُ عَيْبٍ عَلَى قَوْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا هُنَا فَخِيَارُ خُلْفٍ لَيْسَ إلَّا نَعَمْ لَوْ ظَهَرَ نَقْصُ اللَّبَنِ ههنا بعد مدة فان كان ذلك بطريان حَادِثٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ سَبَبَهُ مَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَالُهُ بِحَالٍ نَقَصَ اللَّبَنُ عَلَيْهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَا أَثَرَ لِلنَّقْصِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا دَامَ اللَّبَنُ وَثَبَتَ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْطِ حَصَلَ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ وَعُلِمَ بِذَلِكَ مِزَاجُ الْحَيَوَانِ وَالنَّقْصُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى تَغَيُّرٍ طَرَأَ وَكَذَلِكَ فِي الْمُصَرَّاةِ لِدَوَامِ اللَّبَنِ مُدَّةً ثُمَّ حَصَلَ نَقْصٌ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِذَلِكَ وُجُودُ التَّصْرِيَةِ بَلْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى نَقْصٍ حَادِثٍ وَإِنَّمَا يَبْقَى ثُبُوتُ الْخِيَارِ
حِينَئِذٍ إذَا اعْتَرَفَ الْبَائِعُ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَرَّاهَا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ مُتَعَيِّنٌ (وَأَمَّا) مِقْدَارُ الْمُدَّةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إذَا حَلَبَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ واللبن على حاله لم يتغير فنغيره بعد ذلك لا يؤثر وتكون الثلاث ضَابِطًا لِذَلِكَ لِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ إيَّاهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُضْبَطَ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ شَاهِدِ الْحَالِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ النَّقْصَ لِأَمْرٍ أَصْلِيٍّ أَوْ طَارِئٍ والله سبحانه أعلم
*(12/94)
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (إذا ابتاع جَارِيَةً قَدْ جَعَّدَ شَعْرَهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا سبطة أو سود شعرها ثُمَّ بَانَ بَيَاضُ شَعْرِهَا أَوْ حَمَّرَ وَجْهَهَا ثم بان صفرة وجهها ثبت له الرد لانه تدليس بما يختلف به الثمن فثبت به الخيار كالتصرية وان سبط شعرها ثم بان انها جعدة ففيه وجهان
(أحدهما)
لا خيار له لان الجعدة أكمل وأكثر ثمنا
(والثانى)
أنه يثبت له الخيار لانه قد تكون السبطة أحب إليه وأحسن عنده وهذا لا يصح لانه لا اعتبار به وانما الاعتبار بما يزيد في الثمن والجعدة أكثر ثمنا من السبطة وان ابتاع صبرة ثم بان انها كانت عَلَى صَخْرَةٍ أَوْ بَانَ أَنَّ بَاطِنَهَا دُونَ ظاهرها في الجودة ثبت له الرد لما ذكرناه من العلة في المسألة قبلها)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْفَصْلُ يَتَضَمَّنُ مَسَائِلَ مِنْ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ مُلْحَقَةً بِالْمُصَرَّاةِ إمَّا بِلَا خِلَافٍ وَإِمَّا عَلَى وَجْهٍ وَقَدْ كُنْتُ أَشَرْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ وَوَعَدْت بِذَكَرِهَا هَهُنَا وَلْنَجْعَلْ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً عَلَى مَسَائِلِ الْفَصْلِ قَالَ الْإِمَامُ إنَّ أَئِمَّةَ الْمَذْهَبِ نَصُّوا بِأَنَّ كُلَّ تَلْبِيسٍ حَالٌّ مَحَلَّ التَّصْرِيَةِ مِنْ الْبَهِيمَةِ إذَا فُرِضَ اخْتِلَافٌ فِيهِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فَلَوْ جَعَّدَ الرَّجُلُ شَعْرًا تَجْعِيدًا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ تَجْعِيدِ الْخِلْقَةِ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَنَزَّلُوا التَّجْعِيدَ مَنْزِلَةَ اشْتِرَاطِ الْجُعُودَةِ وَقَدْ طَرَدْت فِي هَذَا مَسْلَكًا فِي الْأَسَالِيبِ وَإِذَا جَرَى الحالف بشئ لَا ظُهُورَ لَهُ فَلَا مُبَالَاةَ بِهِ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى ثَوْبِ الْعَبْدِ نُقْطَةٌ مِنْ مِدَادٍ فَهَذَا لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا وَلَوْ كَانَ وَقَعَ الْمِدَادُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مِنْ مَنْزِلَةِ أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى الْكِتَابَةَ فَإِذَا أَخْلَفَ الظَّنَّ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وجهان وإذا بني الامر على ظهور شئ فِي الْعَادَةِ فَمَا تَنَاهَى ظُهُورُهُ يَتَأَصَّلُ فِي الباب ومالا يَظْهَرُ يَخْرُجُ عَنْهُ وَمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ
فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَهُوَ منبه على المراتب الثلاثة الَّتِي يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيهَا جَزْمًا وَاَلَّتِي لَا يَثْبُتُ جَزْمًا وَاَلَّتِي(12/95)
يَتَرَدَّدُ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمَرْتَبَةَ الَّتِي يُجْزَمُ بِعَدَمِ الْخِيَارِ فِيهَا اقْتِصَارًا مِنْهُ عَلَى مَا يُلْحَقُ بِالتَّصْرِيَةِ جَزْمًا أَوْ عَلَى وَجْهٍ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى أَمْثِلَةً (مِنْهَا) إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ جَعَّدَ شَعْرَهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا سَبْطَةٌ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ قِيَاسًا عَلَى الْمُصَرَّاةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِالْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ (وَأَيْضًا) الْجُعُودَةُ قِيلَ إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْجَسَدِ وَالسُّبُوطَةُ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ وَلِلْمَسْأَلَةِ شَرْطَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَأَى الشعر فلو لم يرده فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيَكُونُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ الصِّحَّةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ وَعَلَى الثَّانِي إذَا لَمْ يَرَهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إلَّا إذَا شَرَطَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا جَعْدَةً فَوَجَدَهَا سَبْطَةً فَلَهُ الرَّدُّ فَالْأَكْثَرُونَ حَمَلُوهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَدْ جَعَّدَ شَعْرَهَا بِنَاءً عَلَى الصحيح عندهم أنه لابد من رؤية الشعر وعلى وجه الثَّانِي يُحْتَمَلُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا جَعْدَةٌ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ حَمْلِهِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الشَّعْرَ قَدْ يرد وَلَا يُعْرَفُ جُعُودُهُ وَسُبُوطَتُهُ لِعُرُوضِ مَا يَسْتَوِي الْحَالَتَانِ عِنْدَهُ مِنْ الِابْتِلَالِ وَقُرْبِ الْعَهْدِ بِالتَّسْرِيحِ وَنَحْوِهِمَا فَفِي كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ مَنْصُوصَةً لِلشَّافِعِيِّ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي رُؤْيَةِ الشَّعْرِ نَشَأَ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ اشْتَرَاهَا جَعْدَةً فَوَجَدَهَا سَبْطَةً فَلَهُ الرَّدُّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الشَّرْطِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ إذَا جَعَّدَ شَعْرَهَا بِالتَّدْلِيسِ (الشَّرْطُ الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ التَّجْعِيدَ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يتيمز عَنْ تَجْعِيدِ الْخِلْقَةِ وَالْأَكْثَرُونَ سَاكِتُونَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّجْعِيدُ يَسِيرًا بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِغَالِبِ النَّاسِ أَنَّهُ مَصْنُوعٌ فَالْمُشْتَرِي مَنْسُوبٌ إلَى تَفْرِيطٍ أَمَّا إذَا كَانَ التَّجْعِيدُ بِحَيْثُ يُوهِمُ كَوْنَهُ خُلُقِيًّا فَهَذَا هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْخِيَارِ وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ (وَشَرْطٌ ثَالِثٌ) فِيهِ نِزَاعٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَجْعِيدَ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَلَوْ تَجَعَّدَ بِنَفْسِهِ جَزَمَ الْفُورَانِيُّ في الابانة بعدم الخيار(12/96)
والاشبه يخرجه علي ما إذا تحلفت الشَّاةُ بِنَفْسِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا وَفِي الصَّحِيحِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ ثُبُوتُهُ هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ وَكَلَامُ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ نَظَرَ إلَى شَعْرِهَا فَرَآهُ جَعْدًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَانَ أَنَّهُ سَبِطٌ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ بِعُمُومِهَا تَشْمَلُ مَا إذَا تَجَعَّدَ بِنَفْسِهِ وَمَا إذَا جَعَّدَهُ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْفُورَانِيُّ أَيْضًا فِي الْعُمْدَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَجَعُّدِ الشَّعْرِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ أَنْ تُحَفَّلَ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ مِثْلَ مَا نَصُّوا عَلَى تَحَفُّلِ الشَّاةِ لِأَنَّ تَحَفُّلَ الشَّاةَ بِنَفْسِهَا قَدْ يَقَعُ كَثِيرًا (وَأَمَّا) تَجَعُّدُ الشَّعْرِ بِنَفْسِهِ فَبَعِيدٌ لَا يَتَأَتَّى فِي الْعَادَةِ فَأُفْرِضَ وقوعه فهو كتحفل الشَّاةِ بِنَفْسِهَا وَلَعَلَّ الْفُورَانِيَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا كَمَا رَأَى الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ فَيَكُونُ جَزْمُهُ فِي تَجْعِيدِ الشَّعْرِ بِنَفْسِهِ عَلَى ذَلِكَ
* (تَنْبِيهٌ)
* الْمُرَادُ بِالتَّجْعِيدِ مَا يُخْرِجُ الشَّعْرَ عَنْ السُّبُوطَةِ المكروهة عند العرب وهو ما يظهر إذَا أُرْسِلَ مِنْ التَّكْسِيرِ وَالتَّقَبُّضِ وَالِالْتِوَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَبْلُغَ الْجَعْدَ الْقَطَطَ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا وَأَحْسَنُ الشَّعْرِ مَا كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي وَصْفِ شَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ شَعْرًا رَجْلًا لَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " لَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ كَانَ جَعْدًا رَجْلًا " (وَقَوْلُهُ) سَبْطٌ هُوَ - بِفَتْحِ السِّينِ وَبِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا - أَيْ مُسْتَرْسِلَةُ الشَّعْرِ مِنْ غَيْرِ تَقَبُّضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى إذَا سَوَّدَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ بَيَاضُ شَعْرِهَا أَوْ حَمَّرَ وَجْهَهَا ثُمَّ بَانَ صُفْرَةُ وَجْهِهَا ثَبَتَ الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا إذَا جَعَّدَ شَعْرَهَا حَرْفًا بِحَرْفٍ وَقِيَاسُ مَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فِيمَا إذَا حَصَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَنْ يَأْتِيَ هَهُنَا وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَالْخَدَّيْنِ يَكُونُ بِالدِّمَامِ وَهُوَ (الْكُلْكُونُ) قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْإِحْدَادِ وَهِيَ - بِكَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ لَامٍ مشددة مفتوحة أيضا ثم كاف ثانية مضمونة ثُمَّ وَاوٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ -(12/97)
وَأَصْلُهُ كُلْكُونُ - بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ - وَ (الْكُلُّ) الْوَرْدُ وَ (الْكَوْنُ) اللَّوْنُ أَيْ لَوْنُ الْوَرْدِ وَهِيَ لَفْظَةٌ عَجَمِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ هَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّهْذِيبِ وَمِنْ مَسَائِلِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ إذَا بَيَّضَ وَجْهَهَا بِالطِّلَاءِ ثُمَّ اسْمَرَّ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ والطلاوة بياض وذلك إذا صغ الْحِمَارَ حَتَّى حَسُنَ لَوْنُهُ أَوْ نَفَخَ فِيهِ حتى صار بالنفخ كأنها دَابَّةٌ سَمِينَةٌ قَالَهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَوْ دَهَنَ شَعْرَ الدَّابَّةِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ رَحًى قَلِيلَةُ الْمَاءِ فَأَرَادَ العرض على البيع والاجازة أَرْسَلَ ذَلِكَ الْمَاءَ الْمَحْبُوسَ حَتَّى ظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ الرَّحَى كَثِيرَةُ الْمَاءِ شَدِيدَةُ الدَّوْرَانِ ثُمَّ ظهر أن الماء قليل اتفق الاصحاب عليهم وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَافَقَ عَلَيْهَا وكذلك إذَا حَبَسَ مَاءَ الْقَنَاةِ ثُمَّ أَطْلَقَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَعْنِي إجَارَةَ الْأَرْضِ فَكَذَا إذَا أَرْسَلَ الزُّنْبُورَ فِي وَجْهِ الْجَارِيَةِ فَانْتَفَخَ وَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي سَمِينَةً ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ أَوْ لَوَّنَ جَوْهَرًا بِلَوْنِ الْبَلْخَشِ أَوْ الْعَقِيقِ أَوْ الْيَاقُوتِ فَظَنَّهُ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ ثُمَّ بَانَ زُجَاجًا لَهُ قِيمَةٌ بِحَيْثُ يَصِحُّ بَيْعُهُ صَحَّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَوْلُهُ) بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ يُحْتَرَزُ بِهِ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ كَالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إذَا سَبِطَهُ فَبَانَ جَعْدًا فَإِنَّ الثَّمَنَ يَزِيدُ بِهِ وما أشبهها ممالا يَنْقُصُ الثَّمَنُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُخَضِّبْ الشَّعْرَ وَلَا شَرَطَ سَوَادَهُ وَلَكِنْ بَاعَهَا مُطْلَقًا فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي بَيْضَاءَ الشَّعْرِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَلَوْ لَمْ يُلَوِّنْ الْجَوْهَرَ وَبَاعَهُ مُطْلَقًا وَالْمُشْتَرِي يَظُنُّهُ عَقِيقًا أَوْ فَيْرُوزَجًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَا خِيَارَ لَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً وَقَدْ عَظُمَ بَطْنُهَا فَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي حَامِلًا وَلَمْ تَكُنْ فَلَا خِيَارَ ولك أن تقول إذ ظَنَّ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى أَمْرٍ صحيح الجزم بعد الْخِيَارِ (وَأَمَّا) إذَا عَظُمَ بَطْنُ الْبَهِيمَةِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْبَائِعِ وَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَوْ أَكْثَرَ عَلْفَهَا حَتَّى صَارَتْ كَذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى وَجْهٍ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا إذَا تَحَفَّلَتْ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا فَيُجْرَى فِيهَا ذَلِكَ الْخِلَافُ وَكَذَلِكَ إذَا تَلَوَّنَ الْجَوْهَرُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْبَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حَكَمَ الشَّاةِ إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا لِأَنَّ الظَّنَّ فِيهِ قَوِيٌّ بِخِلَافِ انْتِفَاخِ الْبَطْنِ (الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) مَا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا خِلَافٌ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهُ مَا مَثَارُ الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ ضَعْفِ الظَّنِّ وَمِنْهُ مَا مَثَارُ الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ خُرُوجِهِ عَلَى أَكْمَلِ مِمَّا ظَنَّهُ وَلْنُقَدِّمْ الْكَلَامَ فِي هَذَا فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه(12/98)
اللَّهُ إذَا سَبَطَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا جَعْدَةُ الشَّعْرِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَعْدَ أَشْرَفُ وَقَدْ يَكُونُ السَّبْطُ أَشْهَى إلَى بَعْضِ الناس ففى المسألة طريقان (إحْدَاهُمَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَارْتَضَاهُ الْإِمَامُ وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ عَلَيْهَا
أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ أَنَّهَا سَبْطَةُ الشَّعْرِ فَبَانَتْ جَعْدَةً فَفِي الْخِيَارِ بِالْخُلْفِ فِي هَذَا الشَّرْطِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا (أَصَحُّهُمَا) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لا خيار ولذي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي شَرْطِ السُّبُوطَةِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي التَّدْلِيسِ بِالسُّبُوطَةِ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِنْ ثَبَتَ فِي الْخُلْفِ بِاشْتِرَاطِهَا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجَعَلَ ذَلِكَ ضَابِطًا عَامًا إنَّ كُلَّ مَا لَوْ كَانَ مَشْرُوطًا وَاتَّصَلَ الْخُلْفُ بِهِ اقْتَضَى خِيَارًا وَجْهًا وَاحِدًا فَالتَّدْلِيسُ الظَّاهِرُ فِيهِ كَالشَّرْطِ فَإِذَا جَعَّدَ شَعْرَ الْمَمْلُوكِ ثُمَّ بَانَ سَبْطًا ثَبَتَ الْخِيَارُ وَكُلُّ مَا لَوْ فُرِضَ مَشْهُورًا وَصُوِّرَ الْخُلْفُ فِيهِ فَكَانَ فِي الْخِيَارِ وَجْهَانِ فَإِذَا فُرِضَ التدليس فيه ثم تترتب عَلَيْهِ خُلْفُ الظَّنِّ قَالَ لَا خِيَارَ وَجْهًا وَاحِدًا لِضَعْفِ الْمَظْنُونِ أَوَّلًا وَقُصُورِ الْفِعْلِ فِي الْبَابِ عَنْ الْقَوْلِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ وَالتَّدْلِيسُ فِي ظَاهِرِ الْفِعْلِ كالقول في محال الْوِفَاقِ وَالْخِلَافُ عَلَى الِاطِّرَادِ وَالِاسْتِوَاءِ فَإِذَا سَبَطَ الرَّجُلُ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّ شَعْرَهَا جَعْدٌ فَفِي الْخِيَارِ الْوَجْهَانِ عِنْدَنَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَكَ أَنْ تَعْجَبَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ تَحَكُّمٌ عَجَبًا ظَاهِرًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَأْخَذَ إثْبَاتِ الْخِيَارِ عِنْدَ التَّغْرِيرِ بِالْفِعْلِ التَّصْرِيَةُ بِلَا نِزَاعٍ وَقَدْ حَكَى أَنَّ مَأْخَذَ إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إلْحَاقُ ذَلِكَ بِالْعَيْبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْسُنْ إثْبَاتُهُ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ أَجْوَدَ مِمَّا رَآهُ لِأَنَّهُ لَا عَيْبَ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي قَطْعِهِ نَاظِرًا لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَلَعَلَّهُ هُوَ قَائِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ قَائِلُهُ اسْتَفَدْنَا مِنْ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ (قُلْتُ) وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الصَّيْدَلَانِيَّ إنَّمَا عَلَّلَ انْتِفَاءَ الْخِيَارِ لِضَعْفِ الظَّنِّ وَقُصُورِ الْفِعْلِ عَنْ الْقَوْلِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ وَالظَّنُّ مُعْتَبَرًا(12/99)
فِي الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي الْأَوَّلِ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ قِيلَ بِمُسَاوَاةِ ذَلِكَ الْقَوْلِ فَيَثْبُتُ فِيهِمَا وَإِنْ قِيلَ بِاعْتِبَارِهِ مَعَ انْحِطَاطِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْقَوْلِ حَتَّى يُجْرَى الْخِلَافُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الْأُولَى قَطْعًا كَالْقَوْلِ وَعَدَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ قَطْعًا لا وجه وَلَوْ كَانَ الصَّيْدَلَانِيُّ سَكَتَ عَنْ التَّعْلِيلِ لَأَمْكَنَ تَحَمُّلُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ فِي الْأُولَى بِالْعَيْبِ وَمُنْتَفٍ فِي الثَّانِيَةِ لِعَدَمِ الْعَيْبِ لَكِنَّ كَلَامَهُ نَاصٌّ عَلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ كَالشَّرْطِ فِي الصورة الاولى وعلى أن انْتِفَاءِ الثَّانِيَةِ
لِضَعْفِ الظَّنِّ وَقُصُورِ الْفِعْلِ فَلَا جَرَمَ قَالَ الْإِمَامُ إنَّ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ (الثَّانِي) أَنَّ الْقَائِلِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ فِي التَّصْرِيَةِ مَأْخَذُهُ الْإِلْحَاقُ بِالْعَيْبِ مَعْنَاهُ الِاكْتِفَاءُ فِي ثُبُوتِهِ بِفَوَاتِ الَّذِي وَطَّنَ الْمُشْتَرِي نَفْسَهُ عَلَيْهِ بِرُؤْيَتِهِ لِلْمَبِيعِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا وَمُقَابَلَةُ الْقَوْلِ الَّذِي يَلْحَقُ ذَلِكَ بِخِيَارِ الْخُلْفِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْخِيَارُ إلَّا إذَا كَانَ حَاصِلًا بِتَدْلِيسٍ مِنْ الْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ هَهُنَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى السُّبُوطَةِ لَمَّا رَآهَا وَقَدْ يَكُونُ لَهُ فِيهَا غَرَضٌ فَلَيْسَ مَعْنَى إلْحَاقِ ذَلِكَ بِالْعَيْبِ إلَّا جَعْلَ دَلَالَةِ الرُّؤْيَةِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ كَدَلَالَةِ الْغَلَبَةِ عَلَى وَصْفِ السَّلَامَةِ فَخُرُوجُهَا عَلَى غَيْرِ الْوَصْفِ الَّذِي رَآهُ هُوَ الْعَيْبُ وَلَيْسَ الْوَصْفُ الَّذِي رَآهُ مِنْ السُّبُوطَةِ أَوْ كِبَرِ الضَّرْعَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالتَّصْرِيَةِ عَيْبًا وَاَلَّذِي يَقُولُ بِأَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِالشَّعْرِ السَّبْطِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَجْعَلَ خُرُوجَهُ جَعْدًا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ إذَا كَانَ الْغَرَضُ قَدْ تَعَلَّقَ بِسُبُوطَتِهِ بِاشْتِرَاطٍ أَوْ بِرُؤْيَةٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَدُلُّكَ عَلَى هَذَا أَنَّ الصَّحِيحَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْعَيْبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَلِذَلِكَ كَانَ الصَّحِيحُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا (وَالطَّرِيقَةُ) الصَّحِيحَةُ هَهُنَا جريان الوجهين لو كَانَ الْمَأْخَذُ فِي ذَلِكَ إلْحَاقُهُ بِالْعَيْبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَقَطَعُوا بِعَدَمِ الْخِيَارِ هَهُنَا وَأَمَّا كون الصحيح من الوجهين ههنا أنه لاخيار فَلِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَخْلَفَ الشَّرْطَ لِصِفَةٍ أَكْمَلَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُتَّفَقٌ عَلَى إلْحَاقِهِ بِالتَّصْرِيَةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّدِّ بِحُكْمِ ذَلِكَ فَعَلَى وَجْهٍ يُرَدُّ كَمَا فِي التَّصْرِيَةِ وَعَلَى الصَّحِيحِ لَا يُرَدُّ لِخُرُوجِهِ أَكْمَلَ وَهُوَ لَوْ شَرَطَ وَصْفًا فَخَرَجَ أَكْمَلَ لَمْ يرد(12/100)
عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَلَا يَكُونُ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ فِي الْجُمْلَةِ نَعَمْ كَلَامُ الصَّيْدَلَانِيِّ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ ضَعْفِ الظَّنِّ وَتَصَوُّرِ الْفِعْلِ يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ فِي إلْحَاقِهِ بِالتَّصْرِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَدَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ أَيْ لَا اعْتِبَارَ بِغَرَضِ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ لِعُمُومِ النَّاسِ وَهَذَا سَيَأْتِي مِثْلُهُ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ السُّبُوطَةِ فَخَرَجَتْ جَعْدَةً
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَجْلِ التَّصْرِيحِ وَقِيلَ فيه وجهان فحصل في كل من المسئلتين طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ فِيهِمَا) إجْرَاءُ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ فِي المسألة الشرط يثبت قطعا وقيل في المسألة التَّدْلِيسِ لَا يَثْبُتُ قَطْعًا (الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ) الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ ما يضعف الظن فيه الخلاف فِي هَذَا الْقِسْمِ فِي إلْحَاقِهِ بِالتَّصْرِيَةِ لِأَجْلِ التَّغْرِيرِ وَالظَّنِّ أَوَّلًا لِضَعْفِ الظَّنِّ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَقُصُورِهِ عَلَى الشَّرْطِ وَالظَّنِّ الْمُسْنَدِ إلَى أَمْرٍ غَالِبٍ فَمِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ هذا يقرب استكشافه وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ بِخِلَافِ تَسْوِيدِ الشَّعْرِ وَنَحْوِهِ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي هَذَا الْقِسْمِ فَمِنْ ذَلِكَ لَوْ لَطَخَ ثَوْبَ الْعَبْدِ بِالْمِدَادِ أَوْ أَلْبَسَهُ ثَوْبَ الْكَتَبَةِ وَالْخَبَّازِينَ أَوْ سَوَّدَ أَنَامِلَهُ وَخُيِّلَ كَوْنُهُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا فَبَانَ خِلَافَهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلتَّلْبِيسِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وغيره لاخيار وَبِهِ جَزَمَ الْجُرْجَانِيُّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَلْبِسُ ثَوْبَ غَيْرِهِ عَارِيَّةً فَالذَّنْبُ لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ اغْتَرَّ بِمَا لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ تَغْرِيرٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَلْبَسَهُ ثَوْبَ الْأَتْرَاكِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمَمْلُوكَ تُرْكِيٌّ وَكَانَ رُومِيًّا فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْثَرَ عَلْفَ الْبَهِيمَةِ حَتَّى انْتَفَخَ بَطْنُهَا فَتَخَيَّلَ الْمُشْتَرِي كَوْنَهَا حَامِلًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي قَوْلًا عَنْ الاصحاب والرافعي وكذلك لَوْ أَرْسَلَ الزُّنْبُورَ فِي ضَرْعِهَا حَتَّى انْتَفَخَ وَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي لَبُونًا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكَادُ يَلْتَبِسُ عَلَى الْخَبِيرِ وَمَعْرِفَةُ اللَّبَنِ مُتَيَسِّرَةٌ بِعَصْرِ الثَّدْيِ بِخِلَافِ صُورَةِ التصرية وكثرة(12/101)
اللَّبَنِ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا وَقِيلَ إثْبَاتُ الْخِيَارِ فِي مَسْأَلَةِ تَحَمُّلِ الْحَمْلِ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ فِي الدَّوَابِّ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَمَا هُوَ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَالْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَيْبٌ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ فِي التَّهْذِيبِ فَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا إذَا سَبَطَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا جَعْدَةٌ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَعُدُّهُ وَصْفَ كَمَالٍ وَقَدْ أَسْلَفْتُ مَا فِيهِ (قُلْتُ) وَكَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ عَلَى طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ بِعَدَمِ الْخِيَارِ كَمَا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ هُنَاكَ وَانْتَصَرَ لَهُ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ بَيَّنْتُ هُنَاكَ مَا يَرُدُّهُ مِنْ كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ أَمَّا هَهُنَا فَلَا يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ بِكَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْحَمْلُ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا فَقَدْ يقصده بعض العقلاء ويتعلق العرض بِهِ وَلِهَذَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ فِي الْجَارِيَةِ
عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا فِيهَا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِعَدَمِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ (وَالطَّرِيقَةُ الصَّحِيحَةُ) إجْرَاءُ الْقَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ حَمْلِ الْجَارِيَةِ وَالطَّرِيقَةُ الْقَاطِعَةُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا لِأَجْلِ أَنَّ الْحَمْلَ فِي الْآدَمِيَّاتِ عَيْبٌ وَأَنَّ شَرْطَهُ إعْلَامٌ بِالْعَيْبِ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَمْلَ فِي الْجَارِيَةِ وَالْبَهِيمَةِ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ فَلَيْسَ نَقْصًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى يَكُونَ عَدَمُهُ كَعَدَمِ الْعَيْبِ بَلْ عَدَمُهُ يَفُوتُ بِهِ مَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ إنَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَيْبٌ فَأَخْلَفَ فَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ سَارِقٌ فَخَرَجَ غَيْرَ سَارِقٍ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةً لَيْسَتْ الْمَذْهَبَ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا الْحَمْلُ عَيْبٌ وَنَقْصٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ وَيَرْغَبُ فِيهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِأَغْرَاضٍ صَحِيحَةٍ بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْمَحْضِ (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) الَّتِي لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ قَطْعًا وَهُوَ إذَا جَرَى الخلف بشئ لَا ظُهُورَ لَهُ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى ثَوْبِ الْعَبْدِ نُقْطَةٌ مِنْ مِدَادٍ فَهَذَا لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذكرناهما في المرتبة الثانية أما إذَا كَانَ وَقَعَ الْمِدَادُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مِنْ مِثْلِهِ أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى الْكِتَابَةَ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ(12/102)
عَلَى الثَّوْبِ أَثَرُ مِدَادٍ فَظَنَّهُ كَاتِبًا طَرِيقَيْنِ
(أحدهما)
فِيهِ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَعَارَ ثَوْبًا فَقَدْ ظَنَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرُّويَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ فِي مَحَلٍّ وَالْخِلَافُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقَانِ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ (وَالْأَفْقَهُ) التَّفْصِيلُ المتقوم وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ الاخيرة ولا شيأ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ سُبُوطَةِ الشَّعْرِ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى أَنَّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ فِي الرَّدِّ فَلَيْسَ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي إلْحَاقِهِ بِالْمُصَرَّاةِ بَلْ لِأَجْلِ خُرُوجِهَا عَلَى الْوَصْفِ الْأَكْمَلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ إلَّا ذِكْرُ الْمُصَرَّاةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا وَلِذَلِكَ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَسْأَلَةً هِيَ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى الَّتِي لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا وَهِيَ إذَا اشْتَرَى صُبْرَةً ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا عَلَى صَخْرَةٍ أَوْ بَانَ أَنَّ بَاطِنَهَا دُونَ ظَاهِرِهَا فِي الْجَوْدَةِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ جَيِّدًا لَا عَيْبَ فِيهِ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصُّبْرَةِ إذَا بَانَ أَنَّهَا عَلَى صَخْرَةٍ وَكَانَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْعَقْدِ يَظُنُّ أَنَّهَا عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَرْضِ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ
الْعَقْدِ فيه وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا وَلَكِنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَنْزِيلًا لِمَا ظَهَرَ مَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ السُّنَّةِ فِي الْخِيَارِ فِي الْجُزْءِ السَّابِعِ مِنْ الْأُمِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ (قُلْتُ) وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَبْلَ بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِأَنَّا بَنَيْنَا بِالْآخِرَةِ أَنَّ الْعِيَانَ لَمْ يُفِدْ عِلْمًا هَذَا إذَا ظَنَّهَا مُسْتَوِيَةَ الْأَرْضِ أَمَّا لو علم بالحال فثلاث طرق (أصحهما) أَنَّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَى بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَوَقْتُ الْخِيَارِ هُنَا مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الصُّبْرَةِ أَوْ التَّمَكُّنَ مِنْ تَخْمِينِهِ بِرُؤْيَةِ ما تحتها والوجهان في حالة ظن الِاسْتِوَاءُ مُفَرَّعَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ هَهُنَا وَأَمَّا إذَا بَانَ أَنَّ بَاطِنَهَا دُونَ ظَاهِرَهَا فِي الْجَوْدَةِ فَالتَّلْبِيسُ حَاصِلٌ كَمَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ وَتَجْعِيدِ(12/103)
الشَّعْرِ وَشِبْهِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَجْزُومِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا وَلَمْ أَرَهَا فِي غَيْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله وتبعه ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ إذَا وَجَدَ بَاطِنَهَا عَفِنًا أَوْ نَدِيًّا أَوْ مَعِيبًا أَمَّا إذَا وَجَدَهُ دُونَ ظَاهِرِهَا فِي الْجَوْدَةِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ فَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ لَكِنْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مَا يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ إنْ نَقَلَهَا فَوَجَدَ أَرْضَهَا مُسْتَوِيَةً وَبَاطِنَ الطَّعَامِ كَظَاهِرِهِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى دَكَّةٍ أَوْ خَرَجَ الطَّعَامُ مُتَغَيِّرًا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ فَهَذَا الْكَلَامُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحُكْمُ فِيهِ وَاضِحٌ لِلتَّدْلِيسِ وَهَذَا فَرْعٌ عَنْ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَلَوْ كَانَ بَاطِنُ الصُّبْرَةِ يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا فَحِفْظِي عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ غَائِبٍ وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ عِنْدِي وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ مَسْأَلَةِ تَسْبِيطِ الشَّعْرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا حَتَّى يَجْعَلَ تَسْبِيطَ الشَّعْرِ بَعْدَ تَجْعِيدِهِ وَالْخِلَافُ فِيهَا لِغَيْرِ إلْحَاقِهَا بِالْمُصَرَّاةِ كَمَا تَقَدَّمَ التنبيه عليه والله أَعْلَمُ
* وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْعِلْمَ بِبَاطِنِ الصُّبْرَةِ مِمَّا يَسْهُلُ اسْتِكْشَافُهُ بِإِدْخَالِ يَدِهِ فِيهَا وَنَحْوِهِ فَهَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَعَلْفِ الْبَهِيمَةِ وَإِرْسَالِ الزُّنْبُورِ وَأَخَوَاتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا لِسُهُولَةِ الِاسْتِكْشَافِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِظَاهِرِ الصُّبْرَةِ عَلَى بَاطِنِهَا أَمْرٌ مُعْتَادٌ لَا يُنْسَبُ
صَاحِبُهُ إلَى تَفْرِيطٍ وَيَشُقُّ تَقْلِيبَ الصُّبْرَةِ بِكَمَالِهَا وَأَمَّا انْتِفَاخُ بَطْنِ الْبَهِيمَةِ وَضَرْعِهَا وَأَخَوَاتِهَا فَلَا يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَالْمُكْتَفَى بِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَدَلَالَةُ تَلَطُّخِ الثَّوْبِ بِالْمِدَادِ عَلَى الْكِتَابَةِ مَنْسُوبٌ إلَى تَفْرِيطٍ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ بُشْرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ خَلَطَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ ثُمَّ جَعَلَ أَعْلَاهَا حِنْطَةً لَمْ يَجُزْ وَإِنْ خَلَطَهُمَا أَوْ حِنْطَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَرْفَعُ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا إذَا كَانَ ظَاهِرُهُ وباطنه واحدا فالتقييد بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَعَلَ ظَاهِرَهَا أَجْوَدَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ وَالْغِشُّ الْمُحَرَّمُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ
*
* (فُرُوعٌ)
* إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي جَارِيَةٍ جَعْدَةٍ فَسَلَّمَ إلَيْهِ جَعْدَةً فَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قاله(12/104)
الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّ شَعْرَهَا أَبْيَضُ فَكَانَ أَسْوَدَ فَفِي الرَّدِّ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا شَاهَدَ شَعْرَهَا أَبْيَضَ فَبَانَ أَسْوَدَ كَمَا فِي السُّبُوطَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لَكِنَّهُ فِي نُسْخَةٍ سَقِيمَةٍ لَمْ أَثِقْ بِهَا الْخِيَارُ فِي تَلَقِّي الرُّكْبَانِ مُسْتَنَدُهُ التَّغْرِيرُ كَالتَّصْرِيَةِ وَكَذَا خِيَارُ النَّجْشِ إنْ أَثْبَتْنَاهُ وَمِنْ التَّدْلِيسِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ أَنْ يَقُولَ كَاذِبًا طَلَبَ هَذَا الشئ مِنِّي بِكَذَا أَوْ اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْتَرُّ بِمَا يَقُولُهُ وَيَزِيدُ فِي الثَّمَنِ بِسَبَبِهِ قاله القاضى حسين وغيره والله أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* غَيْرُ الْمُصَرَّاةِ إذَا حَلَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ ذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ هَذَا الْفَرْعَ فِي مُنَاظَرَةٍ جَرَتْ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بَعْضُهُمْ عَنْ الْإِمْلَاءِ وَبَعْضُهُمْ عَنْ الْقَدِيمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فما تقولون فيما إذا اشتزى شَاةً لَيْسَتْ بِمُصَرَّاةٍ وَلَكِنْ فِيهَا لَبَنٌ فَحَلَبَهَا زَمَانًا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا أَلَهُ الرَّدُّ؟ (قُلْتُ) نَعَمْ فَقَالَ إذَا رَدَّ أَيَرُدُّ شَيْئًا لِأَجْلِ اللَّبَنِ (قُلْتُ) لَا هَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ قَالَ وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَبَنَ الْمُصَرَّاةِ مُتَحَقِّقٌ فَوُجُودُهُ حَالَةَ الْعَقْدِ يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ بَعْضُ الثَّمَنِ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ تَلَفِهِ وَغَيْرُ الْمُصَرَّاةِ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ لَبَنِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَقَسَّطْ عليه شئ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَجِبْ رَدُّ قِيمَتِهِ (وَاعْتَرَضَ) الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّا إذَا كُنَّا نُرَدِّدُ الْقَوْلَ فِي أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ يُعْلَمُ فَاللَّبَنُ مَعْلُومٌ فِي الضَّرْعِ قَالَ وَكَيْفَ لَا وَقَدْ تَتَكَامَلُ الدَّرَّةُ وَيَأْخُذُ الضَّرْعُ فِي التَّقْطِيرِ وَلَكِنَّ الْوَجْهَ أَنْ نَجْعَلَ اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ فِي مُقَابَلَتِهِ بِقِسْطٍ
مِنْ الثَّمَنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ فَالْجَوَابُ مَا حَكَوْهُ (وَإِنْ قُلْنَا) يُقَابَلُ فَالْوَجْهُ أَنْ يَرُدَّ بِسَبَبِ اللَّبَنِ شَيْئًا وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وما حكاه(12/105)
أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ وَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ عَنْ التَّخْرِيجِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَخْذُ وَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى تَرْجِيحِ طَرِيقَةِ الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقَةِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ النَّصِّ وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ لَهُ الرَّدَّ وَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِ اللَّبَنِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ صَاعٍ لِأَنَّ الصَّاعَ عِوَضُ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فَهَذِهِ أَرْبَعُ طُرُقٍ وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَفِي هَذَا مُوَافَقَةٌ لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الَّتِي بِخَطِّ سَلِيمٍ وتعليق القاضى أبى الطيب وغيرهما تفصيل لابد مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ هُنَاكَ رد اللبن المحلوب ولا رد شئ لِأَجْلِهِ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي حَالَةِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا حَدَثَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كان قد ينتج في تلك الحالة شئ فَذَلِكَ يَسِيرٌ لَا حُكْمَ لَهُ وَمَا حَدَثَ فِي مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ بَدَلًا كَغَلَّةِ الْعَبْدِ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُمْكِنُ الْخِلَافُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ الْعَقْدِ لَبَنٌ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِيجَابُ الْبَدَلِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنًى وَلَا يُفِيدُ أَنَّ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ مُجْتَمِعٌ لَبَنُ الْعَادَةِ لَا لَبَنُ التَّصْرِيَةِ فَحَلَبَهَا ثُمَّ عَلِمَ بِهَا عَيْبًا فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ تَالِفًا فَلَا رَدَّ لانه تناوله لاستعلام العيب فلا يكن لَهُ رَدُّ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَهُ رَدُّ الشَّاةِ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ لِأَنَّ لَبَنَ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ يَسِيرٌ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَإِذَا ضَمَمْتَ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ إلَى مَا اخْتَارَهُ هُوَ لَاجْتَمَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ خَمْسُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) امْتِنَاعُ الرَّدِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا
(وَالثَّانِي)
الرَّدُّ فَلَا يرد بدل اللبن شيأ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَالرَّافِعِيُّ نَقَلَهُ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي حَامِدٍ وَلَمْ أَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ صَرِيحًا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُطْلَقًا وَأَمَّا أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ كَمَا ذَكَرْتُ (الطَّرِيقُ الثَّالِثُ) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ إنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ (الرَّابِعُ) قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَلَا يَرُدُّ الصَّاعَ (الْخَامِسُ) قَوْلُ الْإِمَامِ التَّخْرِيجُ عَلَى(12/106)
مُقَابَلَتِهِ بِالْقِسْطِ وَالْأَصَحُّ الْمُقَابَلَةُ فَيَلْزَمُ رَدُّ بَدَلِهِ لَكِنْ مَاذَا يَرُدُّ هَلْ هُوَ التَّمْرُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا قَالَ الماوردى لم يصرح الامام في ذلك بشئ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا فَعِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا يَنْبَنِي عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِيمَا لَوْ كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ (إنْ قلنا) يرده رَدَّهُ وَرَدَّهَا بِالْعَيْبِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْإِمَامُ وَالْمَاوَرْدِيُّ لِحَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ بِخُصُوصِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ الْقَائِلُ يَرُدُّ بِهِ الصَّاعَ التَّمْرَ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ عِنْدَهُ بَيْنَ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَتَلَفِهِ كَالْمُصَرَّاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِمِقْدَارِ اللَّبَنِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى رَدِّهِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُحْتَمِلٌ لِكَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَكَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فَعَلَى هَذَا يَأْتِي فِي حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ أَيْضًا سِتُّ طُرُقٍ (امْتِنَاعُ الرَّدِّ) (أَوْ الرَّدُّ) (وَلَا يَرُدُّ) معها شيأ (وَالرَّدُّ) مَعَ رَدِّ اللَّبَنِ (أَوْ الرَّدُّ) مَعَ رَدِّ التَّمْرِ (أَوْ الرَّدُّ) مَعَ رَدِّ الْبَدَلِ غَيْرِ التَّمْرِ (أَوْ التَّخْرِيجُ) عَلَى الْمُقَابَلَةِ بِالْقِسْطِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قُلْنَا بِرَدِّ الشَّاةِ مع اللبن فعند مقابلة شئ لَيْسَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ وَهُوَ أَنَّا هُنَاكَ نَقُولُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ وَلِلْمُشْتَرِي مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَرُدَّ اللَّبَنَ وَيَرُدَّ الشَّاةَ وَحْدَهَا مَعَ التَّمْرِ وَأَمَّا هُنَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّا نَقُولُ إمَّا أَنْ يَرُدَّ اللَّبَنَ وَالشَّاةَ واما أن لا يرد شيأ وَلَا نَقُولُ إنَّ لَهُ رَدَّ التَّمْرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَالِفًا لَمْ يَرُدَّ التَّمْرَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَاقِيًا وَاللَّبَنُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ لِعَيْنٍ أُخْرَى وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فِي غَيْرِ التَّصْرِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (تَنْبِيهٌ)
* اعْلَمْ أَنَّ كل من قال بالرد ورد شئ بَدَلَ اللَّبَنِ يَقُولُ بِأَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَمَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ أَصْلًا يَقُولُ بِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِسْطِ فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ إطْلَاقَاتُهُمْ مُخَرَّجَةً عَلَى ذَلِكَ لَا أَنْ تَكُونَ طَرِيقَةً مُخَالِفَةً وَحِينَئِذٍ تَعُودُ الطَّرِيقُ إلَى القسم الاول إلى أربعة في الثَّانِي إلَى خَمْسَةٍ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ طَرِيقَةَ الْإِمَامِ معهم لمغايرتها في ظاهر العبارة والله تعالى أَعْلَمُ
* وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلِمْتَ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ إمَّا امْتِنَاعُ الرَّدِّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ الْأَقْيَسُ وَذَلِكَ لِأَنَّ(12/107)
الصَّحِيحَ أَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ غَيْرِ رَدِّ بَدَلِهِ وَلَا مَعَ بَدَلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ
تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَرَدِّ الشَّاةِ بَعْدَ تَعَيُّبِهَا بِمَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُقُوفِ عَلَى الْعَيْبِ وَلِأَنَّ الصَّاعَ الَّذِي جُعِلَ بَدَلًا عَنْ اللَّبَنِ وَرَدَ فِي الْمُصَرَّاةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي لِأَنَّهُمْ بَنَوْهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي رَدِّ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ عِنْدَ بَقَائِهِ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولُهُ وَمُقْتَضَى الْبِنَاءِ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَأَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْقِسْمَيْنِ إذَا قُلْنَا بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ سَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا أَوْ تالفا وان سكنوا عَنْهُ فَالصَّحِيحُ حِينَئِذٍ امْتِنَاعُ الرَّدِّ مُطْلَقًا فِي الْقِسْمَيْنِ (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ إنَّهُ يَرُدُّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ مُطْلَقًا فِي الْقِسْمَيْنِ فَفِيهِ بُعْدٌ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْمُصَرَّاةِ إنْ صَحَّ قِيَاسُ هَذِهِ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَرُدَّ التَّمْرَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهَا عَلَى الْمُصَرَّاةِ وَجَبَ أَنْ يُجْرَى فِيهَا عَلَى حُكْمِ الْقِيَاسِ فَيَمْتَنِعَ الرَّدُّ كما قاله أبو الطيب ومن وافقه فقول الْمَاوَرْدِيُّ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَحْسَنُهَا أحد قولين (إمَّا) قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ (وَإِمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُرَجَّحٌ (أَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ مِنْ الشَّارِعِ فِي الْمُصَرَّاةِ أَنَّ بَدَلَ اللَّبَنِ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بدلا له في المصراة في غيرها لاسيما وَالْمَعْنَى الَّذِي ثَبَتَ لِأَجْلِهِ مِنْ قَطْعِ التَّنَازُعِ مَوْجُودٌ هَهُنَا فَيَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا فَيُرَجِّحُهُ الْجَرَيَانُ عَلَى الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ وَقَصْرُ الْحُكْمِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ فَلَا يَتَعَدَّى بِهِ مَحَلَّهُ وَالْمُخْتَارُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَكْثَرُ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إنَّهُ ظَاهِرُ المذهب وعندي في الترجيح بين القولين نظران قَوِيَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُصَرَّاةِ يَتَرَجَّحُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَإِلَّا يُرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ وَمَنْ وَافَقَهُ يُجِيبُونَ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ بِأَنَّ الْمُصَرَّاةَ حَلْبُهَا لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ هَذِهِ وَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ أَمْيَلُ مِنْهُ إلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا وَلَا حَكَاهُ هَذَا إذا كان عند العذر لَبَنٌ مَوْجُودٌ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ(12/108)
كَذَلِكَ جَازَ رَدُّ الشَّاةِ وَحْدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وذلك مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ إطْلَاقَ النَّصِّ يَقْتَضِي أَيْضًا مُخَالَفَةَ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَقَوْلِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا يرد معها شيأ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْقَدِيمَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ نَقْلُهُمْ لَهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا
كَانَ لَبَنٌ يَسِيرٌ أَمَّا اللَّبَنُ الْكَثِيرُ فَهُوَ مُقَابَلٌ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَحَكَيْنَاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالرَّدِّ بِدُونِ رَدِّ بَدَلِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَّا إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه لا يرد شيأ لِأَجْلِ اللَّبَنِ أَيْ اللَّبَنُ الْحَادِثُ فَإِنَّ فِي نَصِّهِ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ بُشْرَى قَالَ " وَإِذَا اشْتَرَى شَاةً غَيْرَ مُصَرَّاةٍ فَاحْتَلَبَهَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ دَلَّسَ لَهُ فيها ردها ولم يرد معها شيأ " وَقُوَّةُ هَذَا الْكَلَامِ تُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يرد معها شيأ عَنْ ذَلِكَ الَّذِي احْتَلَبَهُ طُولَ الشَّهْرِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَابِعٌ للقاضى حسين فانه سئل عَنْهَا فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا كَانَتْ الشَّاةُ غَيْرَ مُصَرَّاةٍ وَشَكَكْنَا هَلْ كَانَ فِي ضرعها حين البيع لبن له قيمة أولا لم يرد معها شيأ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ الْمُصَرَّاةِ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ لَبَنِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَقَسَّطْ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَلَمْ يَجِبْ رَدُّ قِيمَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* الْكَلَامُ إلَى هُنَا فِي بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَمِنْ الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُزَنِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَعَلُوا ذَلِكَ بَابَيْنِ فَتَرْجَمُوا الْأَوَّلَ بِبَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَتَرْجَمُوا الثَّانِيَ بِبَابِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَالرَّدِّ بِالْعُيُوبِ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ بَابًا وَاحِدًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَمَنْ مَلَكَ عَيْنًا وَعَلِمَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَجُزْ أن يبيعها حتى يبين عيبها لما رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ المسلم أخو المسلم فلا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا يعلم فيه عيبا(12/109)
إلا بينه له " فان عَلِمَ غَيْرُ الْمَالِكِ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ ذلك لمن يشتريه لما روى أبو سباع قال " اشتريت ناقة من دار وائلة بن الاسقع فلما خرجت بها أدركنا عقبة بن عامر فقال هل بين لك ما فيها قلت وما فيها إنها لسمينة ظاهرة الصحة فقال أردت بها سفرا أم أردت بها لحما قلت أردت عليها الحج قال إن بخفها نقبا قال صاحبها أصلحك الله ما تريد إلى هذا تفسد على قال إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لا يحل لاحد يبيع شيأ إلا بين ما فيه ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بينه " فان باع ولم يبين العيب
صح البيع لان النبي صلى الله عليه وسلم صحح البيع في المصراة مع التدليس بالتصرية)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ هَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ فَأَمَّا حُكْمُهُ بِصِحَّتِهِ فَصَحِيحٌ لِأَنَّ رُوَاتَهُ كلهم ثقاة مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ عِلَّةٌ مَانِعَةٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي رُوَاتِهِ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ وَهُوَ الْغَافِقِيُّ وَشَيْخُ شَيْخِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن سماسة وَكِلَاهُمَا لَمْ يَرْوِ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَإِنَّمَا هُمَا من أفراد مسلم وللحاكم شئ كَثِيرٌ مِثْلُ هَذَا وَذَلِكَ مَحْمُولٌ مِنْهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّ الرِّجَالَ الْمَذْكُورِينَ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا تَقْصُرُ رُتْبَتُهُمْ عَنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِمْ وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ صَعْبٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَيْرِ جَمِيعِ أَحْوَالِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَالْمُوَازَنَةُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَأَتَّى ذَلِكَ فِي النَّادِرِ فَإِنَّهُ يَصْعُبُ فِي الْأَكْثَرِ وَلَعَلَّ عِنْدَ البخاري شيأ مِنْ حَالِ الشَّخْصِ الَّذِي لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ لَا نَطَّلِعُ نَحْنُ عَلَيْهِ فَدَعْوَى أَنَّهُ عَلَى شَرْطِهِ فِيهَا مَا عَلِمْتَ نَعَمْ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَخْرَجَ لَهُمَا مُسْلِمٌ وَالْبَاقِينَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّحِيحِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ كَلَامِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَقَالَ فِي بَابِ إذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا وَنَصَحَا وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ " لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يَبِيعُ سلعة يعلم بها داء إلا أخبره أو زده هَكَذَا مُعَلَّقًا وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا وَعُقْبَةُ أَفْتَى بِذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ كُلٍّ مِنْ ابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ مُخَالَفَةً يَسِيرَةً فِي اللَّفْظِ لِمَا ذَكَرَهُ(12/110)
الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّ لَفْظَ ابْنِ مَاجَهْ " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ لِأَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ " وَلَفْظُ الْحَاكِمِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إنْ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ ان لا يبينه له " ليس في شئ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ التَّقْيِيدُ بِالْعِلْمِ كَمَا فِي كَلَامِ المصنف رحمه الله وان كان العلم لابد مِنْهُ فِي التَّكْلِيفِ وَلَكِنْ تَرْكُ ذِكْرِهِ كَمَا في الرواية أبلغ في الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ وَأَدْعَى إلَى الِاحْتِيَاطِ وَالِاحْتِرَازِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ وَلَكِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَلَوْ بَحَثَ عَنْهُ وَاسْتَكْشَفَهُ لَعَلِمَهُ فَإِهْمَالُهُ لِذَلِكَ وَتَرْكُهُ الِاسْتِكْشَافَ مَعَ تَجْوِيزِهِ لَهُ تَفْرِيطٌ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ تَعَرُّضَهُ لِلْإِثْمِ بِسَبَبِهِ نَعَمْ التَّقْيِيدُ بِالْعِلْمِ مَذْكُورٌ فِي الْأَثَرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ كَلَامِ عُقْبَةَ وَبَقِيَّةُ الْمُخَالَفَةِ
فِي اللَّفْظِ يَسِيرَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَعْنًى وَكُلُّ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي لَا يَحِلُّ هُوَ الْكِتْمَانُ لَا الْبَيْعُ وَمَعْرِفَةُ هَذَا هُنَا نَافِعَةٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْفَصْلِ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْسٍ - بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مِنْ تَحْتِ سَاكِنَةٍ - الْجُهَنِيُّ وَفِي نَسَبِهِ وَكُنْيَتِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَالْأَصَحُّ فِي كُنْيَتِهِ أَبُو حَمَّادٍ سَكَنَ مِصْرَ وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهَا وَتُوُفِّيَ بها في آخر خلافة معاوية وروى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَخَلْقٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَسَنَدُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ إلَيْهِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ(12/111)
مصريون وقبر عقبة معرف مشهور بالقرافة وحديث وائلة بْنِ الْأَسْقَعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سِبَاعٍ الْمَذْكُورِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَفِي حُكْمِهِ بِصِحَّتِهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ من رواته أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مالك عن أبى السباع وأبى جعفر الرازي وهو عيسى ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ التَّمِيمِيُّ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ جماعة قال الغلاس سئ الْحِفْظِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ يَهِمُ كَثِيرًا وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ مَرَّةً مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ وَقَالَ مَرَّةً صَالِحُ الْحَدِيثِ وَعَنْ السَّاجِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَدُوقٌ لَيْسَ بِمُتْقِنٍ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ يَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ لَا يُعْجِبُنِي الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ إلَّا فِيمَا يُوَافِقُ الثقاة ولا يجوز الاعتبار بروايته فيما لم يخالف الاثبات وأما يزيد ابن أبى مالك فقال يعقوب النسوي في حديث ليس كاتبه خالد هذا ما قاله النسوي وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ وَهُوَ ثقة وسئل أَبُو زُرْعَةَ عَنْهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ وَاثِلَةُ نَفْسُهُ وَمَا قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ فِيهِ أَوْلَى مِمَّا قاله النسوي وَأَمَّا أَبُو سِبَاعٍ فَشَامِيٌّ تَابِعِيٌّ لَمْ أَعْلَمْ من حاله غير ذلك وواثله ابن الْأَسْقَعِ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الصَّحَابَةِ الْمَشْهُورِينَ وَهُوَ مِنْ بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ وَاخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِ إلَى لَيْثٍ وَلَا خِلَاف أَنَّهُ مِنْ بَنِي لَيْثٍ أَسْلَمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّزُ إلَى تَبُوكَ وَيُقَالُ إنَّهُ خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إسْلَامُهُ قَبْلَ تَبُوكِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ ثَلَاثَ سِنِينَ كَوَامِلَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ سَكَنَ الشَّامَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا الْبَلَاطُ على ثلاث فَرَاسِخَ مِنْ دِمَشْقَ وَشَهِدَ الْمَغَازِيَ بِدِمَشْقَ وَحِمْصَ ثُمَّ تَحَوَّلَ
إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَاتَ بِهَا وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَخَمْسِ سِنِينَ كَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الكبير ورواه في الصغير عن ابن عباس وَهُوَ إسْمَاعِيلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ وَقِيلَ بَلْ تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ قَالَ(12/112)
أَبُو مِسْهَرٍ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً يُكَنَّى أَبَا الْأَسْقَعِ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو قِرْصَافَةَ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كُنْيَتِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ إنَّهُ وَهْمٌ وَقِيلَ أَبُو الْخَطَّابِ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمِهِ وَالصَّحِيحُ فِي نَسَبِهِ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عبد ياليل بن باسب بن غبرة ابن سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ وَالْأَسْقَعُ بِقَافٍ وَغَيْرُهُ - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتِ مَفْتُوحَةٍ - وَمِنْ فَضَائِلِهِ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) فَقَالَ وَأَنَا مِنْ أَهْلِكَ فَقَالَ وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي قَالَ فَهَذَا أَرَجَا مَا أَرْتَجِي وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَقُولُونَ فِيهِ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ هُوَ وَاثِلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَبُو السِّبَاعِ شَامِيٌّ تَابِعِيٌّ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ الْحَاكِمِ وأبى بكر الحرى مَعًا بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا فِيهِ فَلَمَّا خَرَجْتُ بِهَا أَدْرَكَنِي وَاثِلَةُ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ اشْتَرَيْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بَيَّنَ لَكَ مَا فِيهَا وَالْبَاقِي سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ عُقْبَةَ وَوَاثِلَةَ مُتَّفِقَانِ عَلَى تَحْرِيمِ كِتْمَانِ الْبَائِعِ الْعَيْبَ وَيَزِيدُ حَدِيثُ وَاثِلَةَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْبَائِعِ أَيْضًا إذَا عَلِمَهُ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي الْمَعْنَى غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الصَّحِيحِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَقَالَ كَيْفَ تَبِيعُ فَأَخْبَرَهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ الْعَدَّاءِ
- بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا أَلِفٌ مَمْدُودَةٌ - ابْنِ خَالِدٍ قَالَ كَتَبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَذَا(12/113)
مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْعَدَّاءِ بن خالد بيع المسلم المسلم لاداء وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ وَقَالَ قَتَادَةُ الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَهَكَذَا هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ العداء بن خالد والخبثة ما كان من غَيْرَ طَيِّبِ الْكَسْبِ وَسَأَلَ الْأَصْمَعِيُّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْهَا فَقَالَ بَيْعُ أَهْلِ عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهِيَ - بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ - فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَا مرض ولا حرام ولا شئ يقوله أَيْ بِمِلْكِهِ مِنْ إبَاقٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مُتَّصِلًا كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بشال عن عتاد بْنِ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هودة " أَلَا أُقْرِؤُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ بَلَى فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خالد بن هودة مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا داء ولا عليلة وَلَا خِبْثَةَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى كِلَيْهِمَا عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَنْ بَاعَ عَيْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ وَلَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ عُمَيْرِ ابن سَعِيدٍ عَنْ عَمِّهِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ النَّخَعِيُّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إلَى الْبَقِيعِ فَرَأَى طَعَامًا يُبَاعُ فِي غَرَائِرَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ شَيْئًا كَرِهَهُ فَقَالَ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ بِجَنَبَاتِ رَجُلٍ عِنْدَهُ طَعَامٌ فِي وِعَاءٍ فَأَدْخَلَ يده فيه فقال لعلك غشيته مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْأَحَادِيثُ فِي تَحْرِيمِ الْغِشِّ وَوُجُوبِ النَّصِيحَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَحُكْمُهَا مَعْلُومٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَكِتْمَانُ الْعَيْبِ غش وفى حديث حكيم ابن حِزَامٍ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا " وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ " وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ(12/114)
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ أَمَّا اللُّغَةُ فَالْعَيْبُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْعَيْبُ وَالْعَيْبَةُ وَالْعَابُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ تَقُولُ عَابَ الْمَتَاعَ إذَا صَارَ ذَا عَيْبٍ وَعَيَّبْتُهُ أَنَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى فَهُوَ مَعِيبٌ وَمَعْيُوبٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصْلِ فَيَقُولُ مَا فِيهِ مَعَابَةٌ وَمَعَابٌ أَيْ عَيْبٌ والمعاب المعيوب وعيبه نسبه إلى العيب وعنه جَعَلَهُ ذَا عَيْبٍ وَتَعَيَّبَهُ مِثْلُهُ وَقَالَ ابْنُ فارس العيب في الشئ مَعْرُوفٌ وَقَدْ قَسَّمَ أَصْحَابُنَا الْعَيْبَ وَأَوْضَحُوهُ وَبَيَّنُوهُ بَيَانًا شَافِيًا وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْعَيْبُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ عَيْبًا وَالنَّقَبُ - بِفَتْحِ النُّونِ وَالْقَافِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ مَصْدَرُ نَقِبَ بِكَسْرِ الْقَافِ يَنْقُبُ بِفَتْحِهَا - يُقَالُ نَقِبَ خُفُّ الْبَعِيرِ إذَا رَقَّ وَحَفِيَ وَنَقِبَ الْخُفُّ إذَا تَخَرَّقَ وَيُقَالُ نَقَبَ الْبَيْطَارُ - بِفَتْحِ الْقَافِ - سُرَّةَ الدَّابَّةِ لِيُخْرِجَ مِنْهَا مَاءً وَتِلْكَ الْحَدِيدَةُ مِنْقَبٌ وَذَلِكَ الْمَكَانُ مِنْقَبٌ وَقَوْلُهُ بِخُفِّهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخُفُّ لِلْبَعِيرِ وَالْحَافِرُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَمَا لَيْسَ بِمُنْشَقِّ الْقَائِمِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالظِّلْفُ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ وَكُلُّ حَافِرٍ مُنْشَقُّ مُنْقَسِمٌ وَالتَّدْلِيسُ الْمُرَادُ بِهِ إخْفَاءُ الْعَيْبِ مأخوذ من الدلسة وهى الظلمة قال الْأَزْهَرِيُّ التَّدْلِيسُ أَنْ يَكُونَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبٌ بَاطِنٌ ولا يخبر البائع المشترى لهم بِذَلِكَ الْعَيْبِ الْبَاطِنِ وَيَكْتُمُهُ إيَّاهُ فَإِذَا كَتَمَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ وَلَمْ يُخْبِرْ بِهِ فَقَدْ دَلَّسَ ويقال فلان لا يدالس وَلَا يُوَاكِسُ أَيْ لَا يُخَادِعُ وَمَا فِي فلان دلس ولا دكس أَيْ مَا فِيهِ خُبْثٌ وَلَا مَكْرٌ وَلَا خِيَانَةٌ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْأَزْهَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (أما) لاحكام فَقَدْ تَضَمَّنَ الْفَصْلُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ الْأُولَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ عَيْنًا وَعَلِمَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُبَيِّنَ عَيْبَهَا وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِلنُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في آخر باب الخراج بالضمان في الْمُخْتَصَرِ وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) ما قاله الجرجاني في الشافعي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ سِلْعَةٌ وَبِهَا عَيْبٌ يَعْلَمُهُ وَأَرَادَ بَيْعَهَا استحب له إظهاره لعبارة رديئة موهما لان ذلك غير واجب لذلك لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ لَهُ عِلْمٌ وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله بالعلم قد تقدم شئ من الكلام وَإِنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ مُطْلَقٌ بِخِلَافِ مَا أَوْرَدَهُ المصنف(12/115)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي التَّنْبِيهِ وَمَنْ عَلِمَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُبَيِّنَ عَيْبَهَا وَذَلِكَ يَشْمَلُ الْمَالِكَ وَالْوَكِيلَ وَالْوَلِيَّ وَعِبَارَتُهُ هُنَا مُخْتَصَّةٌ بِالْمَالِكِ لَكِنَّ الْوَكِيلَ وَالْوَلِيَّ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِهِ هُنَا وَإِنْ عَلِمَ غَيْرُ
الْمَالِكِ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَ كِتْمَانِ الْعَيْبِ مُحَرَّمٌ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ تَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ كِتْمَانِ الْعَيْبِ وَوُجُوبِ بَيَانِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبَيْعِ وَكَذَلِكَ أَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ أَشَرْتُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ حَرَامٌ وَحُرْمَتُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ فَالتَّدْلِيسُ حَرَامٌ بِالْقَصْدِ فِي نَفْسِهِ وَالْبَيْعُ لَيْسَ حراما لذاته ولكن حرام لغيره وهو كتمان العيب وَضَبْطُ هَذَا نَافِعٌ فِيمَا سَيَأْتِي فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْبَائِعُ الْعَالِمُ بِالْعَيْبِ أَنْ يَقُولَ هُوَ مَعِيبٌ أَوْ يَبِيعَهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ أَوْ يَقُولَ إنَّ بِهِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ أَوْ إنَّهُ لَا يَضْمَنُ غَيْرَ الْحَلِّ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ بفعل ذلك بل لابد من بيان العيب المعلم بعينه والعبارات الاول كلها فيها إجمال لابيان وَقَدْ يَظُنُّ الْمُشْتَرِي سَلَامَتَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ حَذَرًا مِنْ الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَّ لَهُ عَلَى الْعَيْبِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابِ وَالشَّافِعِيِّ حُرْمَةَ التَّدْلِيسِ وَوُجُوبَ الْبَيَانِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَلَفْظُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذُكِرَتْ وَاسْتَدَلَّ بِهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا تَدُلُّ علي المسلم للمسلم وهذا كما وَرَدَ فِي الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَالسَّوْمِ على سومه وجمهور أصحابنا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بن حربوتة مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْخِطْبَةِ أَنَّ الْمَنْعَ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا أَمَّا الذِّمِّيُّ فَتَجُوزُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَتِهِ قَالَ وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ فِي السَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ (قُلْتُ) فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَطَّرِدَ ذَلِكَ هُنَا أَيْضًا وَيُجْعَلَ تَحْرِيمُ الْكِتْمَانِ خَاصًّا بِمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا وَيُوَافِقُهُ مَا تقدم في الحديث ببيع المسلم المسلم لاداء ولا خبثة وفسر سعيد ابن أبى عروبة(12/116)
الْخِبْثَةَ بَيْعُ أَهْلِ الْعَهْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يطرد ابن حربوتة مَذْهَبُهُ هُنَا وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْخِطْبَةَ عَلَى الْخِطْبَةِ وَالسَّوْمَ عَلَى السَّوْمِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إيغَارُ الصُّدُورِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ (وَأَمَّا) كِتْمَانُ الْعَيْبِ فَفِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وأخذ المالك الَّذِي بَذَلَهُ الْمُشْتَرِي ثَمَنًا عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَلَهُ اسْتِرْجَاعُهُ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِإِبَاحَةِ ذلك على مالا يظن بأحد من العلماء لقول به على أن قول ابن حربوتة فِي الْخِطْبَةِ
عَلَى الْخِطْبَةِ وَالسَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ قَالُوا تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْكَافِرِ أَيْضًا وَمِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ حربوتة فِي الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ الْأَوْزَاعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا هُنَا لِلْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ وَمِنْ الْحُجَّةِ عَلَى تَعْمِيمِ الْحُكْمِ فِي مسألتنا وفى مسألة الخطبة والسوم والبيع عَلَى الْبَيْعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ " (وَأَمَّا) التَّقْيِيدُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهُ خَرَجَ على الغالب ولا يكون له مفهوم أرأن الْمَقْصُودَ التَّهْيِيجُ وَالتَّنْفِيرُ عَنْ فِعْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْآخِرَةِ وَيَثْبُتُ عُمُومُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ ان عَلِمَ غَيْرُ الْمَالِكِ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشْتَرِيهِ لِلْحَدِيثِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زِيَادَاتِهِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا أَظُنُّ فِيهِ خِلَافًا لِوُجُوبِ النَّصِيحَةِ وَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ الْمَالِكِ الْبَائِعِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ الَّذِي دَلَّ كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْبَائِعِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِمَا إلَّا أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا كما في قصة واثلة الْأَسْقَعِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْلَمَ الْمُشْتَرِيَ بِذَلِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِإِعْلَامِ الْبَائِعِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَوْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَعْلَمْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَلِقِصَّةِ وَاثِلَةَ فَإِنَّهُ اسْتَفْسَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي هَلْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَازِمًا بِعَدَمِ إعْلَامِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النُّصْحِ لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ التَّوَهُّمُ بِمُحْتَمَلِهِ فَلَوْ وَثِقَ بِالْبَائِعِ لِدِينِهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُعْلِمُ الْمُشْتَرِيَ بِهِ وَهِيَ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ فَيُحْتَمَلُ أن(12/117)
يُقَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ فِي هَذِهِ الحالة لظاهر حال البائع وخشية من التعر ض لا يغار صَدْرِهِ وَالْبَائِعُ يَتَوَهَّمُهُ أَنَّهُ أَسَاءَ الظَّنَّ بِهِ ويحتمل أن يقال انه يجب الاستفسا كَمَا فَعَلَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْلَامِ وَلَا يَجِدُونَ فِي الِاسْتِفْسَارِ مَعَ عموم الحديث في وجوب التببين هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ عَالِمًا بِهِ وَحْدَهُ وَجَبَ عليه البيان بكل (وَأَمَّا) وَقْتُ الْإِعْلَامِ فَفِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِ إعْلَامٍ عَصَى كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْبَيْعِ أيضا عد الْحَاجَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ بَعْدَهُ لِيُرَدَّ بِالْعَيْبِ كَمَا فَعَلَ
وَاثِلَةُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ ذَلِكَ عَنْ وَقْتِ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* قَالَ الْإِمَامُ الضَّابِطُ فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ علم شيئا يثبت الخيار فأخفاه أو (1) يَنْبَغِي فِي تَدْلِيسٍ فِيهِ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا فان لم يكن السبب سببا لِلْخِيَارِ فَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ لَا يَكُونُ مِنْ التَّدْلِيسِ الْمُحَرَّمِ وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْغَبْنَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِهِ خِيَارٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إنْ بَاعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْعَيْبَ صَحَّ الْبَيْعُ مَعَ الْمَعْصِيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْبَيْعُ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا بَاعَ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ فِيهَا عَيْبًا (فَإِمَّا) أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهَا السَّلَامَةَ مُطْلَقًا أَوْ عَنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ (وَإِمَّا) أَنْ يُطْلِقَ فَإِنْ أَطْلَقَ وَاقْتَصَرَ عَلَى كِتْمَانِ الْعَيْبِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَمَذْهَبُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُغَلِّسِ عَنْ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مُشْتَرِيَ الْمُصَرَّاةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَعَ التَّدْلِيسِ الْحَاصِلِ مِنْ الْبَائِعِ بِالتَّصْرِيَةِ وَهِيَ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ بِالْعَيْبِ وَكِتْمَانِهِ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَبِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي الْعَاقِدِ وَالنَّهْيُ إذًا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْعَاقِدِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ النَّهْيُ إذَا تَوَجَّهَ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالنَّهْيِ عَنْ الملامسة
__________
(1) بياض بالاصل(12/118)
والمنابذة ألا ترى أن النهى عن البيع وَقْتَ النِّدَاءِ لَمَّا لَمْ يَرْجِعْ إلَى ذَاتِ الْعَقْدِ لَمْ يَقْتَضِ الْفَسَادَ بَلْ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ النِّدَاءِ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّلًا بِأَمْرٍ خَارِجٍ (وأما) هنا وفى الْمُصَرَّاةِ فَلَمْ يَرِدْ النَّهْيُ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنَّمَا وَرَدَ هُنَا عَلَى كِتْمَانِ الْعَيْبِ كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمُصَرَّاةِ عَلَى التَّصْرِيَةِ فَلَيْسَ الْبَيْعُ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَصْلًا بَلْ هُوَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُبَاحٌ وَالْحَرَامُ هُوَ الْكِتْمَانُ وَالْبَيْعُ وَقْتَ الْجُمُعَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى التَّفْوِيتِ فَلْتَفْهَمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ اسْتِدْلَالِ الظَّاهِرِيَّةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " فَنَقُولُ التَّدْلِيسُ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْعَيْبَ حَرَامٌ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِثْلُ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْهُ بِالصِّحَّةِ (قُلْتُ) لَا شك أن المراتب ثلاثة (الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى) وَهِيَ أَعْلَاهَا مَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِمَعْنًى فِيهِ كَبَيْعِ الْمُلَامَسَةِ (الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) ما كان منهبا عَنْهُ لَا لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَلْ لِاسْتِلْزَامِهِ أَمْرًا مَمْنُوعًا كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّفْوِيتِ الْمَمْنُوعِ أَوْ هُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّفْوِيتُ وَالْمُتَضَمِّنُ أَوْ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْمَمْنُوعِ مَمْنُوعٌ (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) وَهِيَ أَدْنَاهَا مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ أَصْلًا وَلَكِنْ بِهِ يَتَحَقَّقُ مَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَهَذَا لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّرْعُ عَنْ قِسْمِ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ كسائر المباحات إذا استلزم شئ مِنْهَا مُحَرَّمًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا نَقُولُ إنَّهُ يَنْقَلِبُ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ وَيُوَضِّحُ لَكَ هَذَا أَنَّهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ إذَا اشْتَغَلَ بِالْبَيْعِ وَفَوَّتَ السَّعْيَ لِلْجُمُعَةِ يَأْثَمُ إثْمَيْنِ إثْمٌ لِلْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِثْمٌ لِتَفْوِيتِ الْوَاجِبِ وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَا يَأْثَمُ إلَّا إثْمًا وَاحِدًا عَلَى الْغِشِّ وَكِتْمَانِ الْعَيْبِ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا يَأْثَمُ عَلَى الْبَيْعِ إثْمًا آخَرَ وَإِذَا حَكَمْنَا عَلَى الْبَيْعِ الْمُقَارِنِ لِلْغِشِّ بِالتَّحْرِيمِ كَذَلِكَ حُكِمَ عَلَى الْمَجْمُوعِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْغِشِّ الْمُحَرَّمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ حَرَامٌ ثَمَّ أَيْ لَيْسَ الْبَيْعُ أَصْلًا فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ مُسْتَلْزِمًا لِلْكِتْمَانِ لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يُمْكِنُ أَنْ يُخْبَرَ مَعَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَى الْبَيْعِ بِالتَّحْرِيمِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنْتُهُ إذْ يُرَادُ تَحْرِيمُ الْمَجْمُوعِ أَعْنِي الْبَيْعَ مَعَ الْغِشِّ فَلَيْسَ الْبَيْعُ وَحْدَهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَلَا بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ وَقَدْ وَافَقَ الظَّاهِرِيُّونَ أَوْ مَنْ وَافَقَ مِنْهُمْ عَلَى تَصْحِيحِ الْبَيْعِ مَعَ النَّجْشِ قَالُوا لِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ النَّجْشِ وَذَلِكَ يُوَافِقُ مَا قُلْنَاهُ هُنَا وَوَافَقُوا عَلَى تصحيح(12/119)
الْبَيْعِ مَعَ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَنَصُّ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا هُنَا أَيْضًا وَالظَّاهِرِيَّةُ فِي الْمُصَرَّاةِ وَنَحْوِهَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ خَارِجًا بِالنَّصِّ وَيَتَمَسَّكُونَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ بِمَا ذَكَرُوهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ صِحَّةِ الْبَيْعِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّدْلِيسُ حَدِيثًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى إبِلًا هِيمًا مِنْ شَرِيكٍ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ نُوَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَخْبَرَ نُوَاسٌ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ شَيْخِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ وَيْلَكَ فَجَاءَ نُوَاسٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ إنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إبِلًا هِيمًا وَلَمْ يعرفك قال فاستقها إذا فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَسْتَاقَهَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ دَعْهَا رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عدوى والله تعالى أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ قَبْلَ بَابِ لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
فِي ثَمَنِ التدليس حرام لاثمن الْمَبِيعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا مَاتَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِأَرْشِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَهَذَا شئ عَجِيبٌ كَيْفَ يَكُونُ الثَّمَنُ حَرَامًا وَالْبَيْعُ صَحِيحًا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِخْبَارِ بِالزِّيَادَةِ وَلَعَلَّ مُرَادَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُنَا أَنَّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ بِسَبَبِ التَّدْلِيسِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ اسْتِرْجَاعَهُ عِنْدَ فَوَاتِ الْمَبِيعِ هُوَ الْمُحَرَّمُ لَا جُمْلَةُ الثَّمَنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ اسْتَقَرَّ مِلْكُ الْبَائِعِ عَلَى الثَّمَنِ كُلِّهِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ اسْتَرْجَعَهُ كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ عَدَمُ اسْتِقْرَارِهِ موجبا للوصف بالتحريم فليكن جميعه حراما أولا فلا يكون شئ مِنْهُ حَرَامًا
*
* (فَرْعٌ)
* هَذَا كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا بَاعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ السَّلَامَةَ فكانت معينة أَوْ شَرَطَ وَصْفًا وَأَخْلَفَ فَالْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ كَحَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّ الْخُلْفَ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الظَّاهِرِيَّةِ وَهُمْ قَائِلُونَ بِذَلِكَ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُ هَذَا الْقَوْلِ الْغَرِيبِ هُنَاكَ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْغَرَضِ بِالْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ لَفْظًا أَقْوَى وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْعَقْدُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُتَعَيَّنِ وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فَهَذَا فَرْقٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ حَتَّى لَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ ضَعِيفًا لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْمُعَيَّنُ مَعَ الشَّرْطِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أعلم
*(12/120)
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ لَمْ يعلم بالعيب واشتراه ثم علم بالعيب فهو بالخيار بين أن يمسك وبين أن يرد لانه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم ولم يسلم له ذلك فثبت له الرجوع بالثمن كما قلنا في المصراة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْمُشْتَرِي لِلْعَيْنِ الْمَعِيبَةِ تَارَةً يَكُونُ عَالِمًا بِعَيْبِهَا وَتَارَةً لَا يَكُونُ (الْحَالَةُ الْأُولَى) إنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمُصَرَّاةِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَنَدَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ هُنَاكَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ التَّعَبُّدُ وَإِنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ هَهُنَا كَذَلِكَ وَهَذِهِ الْحَالَةُ تُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ شَرَطَ
فِي الْخِلَافِ عَدَمَ الْعِلْمِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ عِنْدَ الْعِلْمِ لَا خِيَارَ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ لَهُ الْبَائِعُ بِعَيْبٍ فِيهِ وَحَدَّ مِقْدَارَهُ وَوَقَفَهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي جِسْمِ الْمَبِيعِ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ وَإِلَّا رَدَّ لَهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ
*
* (فَرْعٌ)
* فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ عَلِمَ بِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَيْبٌ يُوكِسُ الثَّمَنَ وَيُوجِبُ الْفَسْخَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا رَدَّ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ حُكْمٌ وَالْجَهْلُ بِالْأَحْكَامِ لَا يُسْقِطُهَا قَالَ فَلَوْ كَانَ شَاهَدَ الْعَيْبَ قَدِيمًا وَقَالَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ زَالَ فَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعَيْبِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ وَهِيَ مَنْطُوقُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى الْمُصَرَّاةِ إنْ كَانَتْ التَّصْرِيَةُ عَيْبًا ظاهر بِالْقِيَاسِ وَالْجَامِعُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ تكن التصربة عَيْبًا فَمِنْ بَابِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا(12/121)
ثَبَتَ بِالتَّدْلِيسِ بِمَا لَيْسَ بِعَيْبٍ فَثُبُوتُهُ بِالتَّدْلِيسِ بِالْعَيْبِ الْمُحَقَّقِ أَوْلَى هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي يَقُولُ بِالتَّصْرِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ يَجْعَلُهَا كَالشَّرْطِ وَيُلْحَقُ الْخِيَارُ فِيهَا بِخِيَارِ الْخُلْفِ وَحِينَئِذٍ قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ التَّصْرِيَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِ الْبَائِعِ كَالشَّرْطِ جَعْلُ التَّدْلِيسِ بِالْعَيْبِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَئِنْ جَعَلْنَا التَّدْلِيسَ بِالْعَيْبِ كَذَلِكَ فَالْعَيْبُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى ذَلِكَ فِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ الْخِيَارُ ثَابِتٌ بِهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَوْلَى فِي الِاسْتِدْلَالِ وَأَسْلَمُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ نَعَمْ هُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ إنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي رَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ أَنَّ الْخِيَارَ فِيهَا مُلْحَقٌ بِخِيَارِ الْخُلْفِ فَلَا لِأَنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا إخْلَافُ الشَّرْطِ الْمُلْتَزَمِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ جَعَلَ الْجَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَدَمَ حُصُولِ الْمَبِيعِ السَّلِيمِ فَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ لَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ مَقِيسًا عَلَى الِالْتِزَامِ الشَّرْطِيِّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ هُوَ فِي الْوَسِيطِ تَنْزِيلًا لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ مَنْزِلَةَ الِاشْتِرَاطِ ثُمَّ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ الِالْتِزَامَ الشَّرْطِيَّ أَصْلًا يُكْتَفَى بِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الْوَسِيطِ وَلَكَ أَنْ تَرُدَّهُ إلَى التَّصْرِيَةِ لِوُرُودِ النَّصِّ
فِيهَا وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْقِيَاسِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ وَإِجْمَاعٌ أَمَّا الْحَدِيثُ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا بِفَصْلٍ فِي الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ خَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَنَّهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ " وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْإِجْمَاعُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شيئا ولم يبين له البائع لعيب فِيهِ وَلَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي سَلَامَةً وَلَا اشْتَرَطَ الْإِخْلَاءَ بِهِ وَلَا بَيْعَ مِنْهُ بِبَرَاءَةٍ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَكَانَ ذَلِكَ الْعَيْبُ يُمْكِنُ الْبَائِعَ مَعْرِفَتُهُ وَكَانَ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ حَطًّا لَا يَتَغَابَنْ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ(12/122)
يَعْنِي وَقْتَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَلَمْ يُتْلِفْ عَيْنَ المعيب وَلَا نَقَصَهَا وَلَا تَغَيَّرَ اسْمُهُ وَلَا تَغَيَّرَ سُوقُهُ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي كُلُّهُ وَلَا بَعْضُهُ وَلَا أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِيهِ شَيْئًا وَلَا وَطْئًا وَلَا غَيْرَهُ وَلَا ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْعَيْبُ وَكَانَ الْبَائِعُ قَدْ نَقَدَ فِيهِ جَمِيعَ الثَّمَنِ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ مَا أَعْطَى فِيهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ إنْ أَحَبَّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ بِمَا لَا سَبِيلَ إلَى ضَبْطِهِ بِإِجْمَاعٍ جَازَ انْتَهَى وَادَّعَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْغَاشِّ الْخَائِنِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقِيَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَدِيثَ وَالْإِجْمَاعَ لِأَنَّ الحديث فيه انه رَدٌّ بِعَيْبٍ وَذَلِكَ حِكَايَةُ حَالٍ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْعُمُومِ وَلَا إجْمَاعَ مُقَيَّدٌ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِالْقِيَاسِ أَشْمَلَ وَبِالْجُمْلَةِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فِي الْجُمْلَةِ لَا شُبْهَةَ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ (أَمَّا) لو وجد العيب وزال الْقَبْضِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ زَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ
*
* (فَرْعٌ)
* وَلِيُّ الطِّفْلِ إذَا اشْتَرَى لَهُ شَيْئًا فَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ نَفَذَ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ فَإِنْ اشْتَرَى سَلِيمًا فَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي الْإِمْسَاكِ أَمْسَكَ أَوْ فِي الرَّدِّ رَدَّ فَإِنْ تَرَكَ الرَّدَّ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ انْقَلَبَ إلَيْهِ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَالِ الطِّفْلِ بَطَلَ الْعَقْدُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
** (فَإِنْ ابتاع شيئا ولا عيب فيه ثم حدث به عيب في ملكه نظرت فان كان حدث قبل القبض ثبت له الرد لان المبيع مضمون على البائع فثبت له الرد يحدث فيه من العيب كما قبل العقد(12/123)
وان حدث العيب بعد القبض نظرت فان لم يستند إلى سبب قبل القبض لم يثبت له الرد لانه دخل المبيع في ضمانه فلم يرد بالعيب الحادث وان استند إلى ما قبل القبض بأن كان عبدا فسرق أو قطع يدا قبل القبض فقطعت يده بعد القبض ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه يرد وهو قول أبى اسحق لانه قطع بسبب كان قبل القبض فصار كما لو قطع قبل القبض (والثاني) أنه لا يرد وهو قول أبى علي ابن أبى هريرة لان القطع وجد في يد المشتري فلم يرد كما لو لم يستند إلى سبب قبله)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْكَلَامُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِي الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ وَقَدْ قَسَّمَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى الْبَائِعِ بِجُمْلَتِهِ فَكَذَا أَجْزَاؤُهُ وَضَمَانُ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ فَأَثْبَتْ الْخِيَارَ وَالْمُصَنَّفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَغْنَى عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِجَعْلِهِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا قَبْلَ الْعَقْدِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِ الْمَبِيعِ فِيهِمَا مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا تَلِفَ تَلِفَ مِنْ كَسْبِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَأَنَّ الْعَيْبَ الطَّارِئَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ وَذَلِكَ مِنْهُمْ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ بُطْلَانِ عَقْدِ الصَّرْفِ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الرِّبَا وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَهَلَاكِ الْمَبِيعِ وَسَنَشْرَحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَمَانَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الْمَجْزُومِ بِهَا هُنَا إذَا كَانَ حُدُوثُ الْعَيْبِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (أَمَّا) إذَا حَصَلَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ(12/124)
الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عِنْدَ
تَقْسِيمِ تَلَفِ الْمَبِيعِ إلَى الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ وَهُنَاكَ أَسْتَوْعِبُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَيْسِيرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمُلَخَّصُ مَا هُنَاكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَكَانِ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْعَيْبُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ جَزْمًا وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ أَثَرُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ مَذْكُورٍ هُنَاكَ وَمِنْ جُمْلَتِهِ مَا إذَا كَانَ الْقَاطِعُ ابْنَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَوَرِثَهُ الِابْنُ ذكره صاحب البحر هناك وهنا أَذْكُرهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَتَى حَصَلَ الْعَيْبُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ إتْلَافَهُ قَبْضٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ (وَأَمَّا) مَنْ يَقُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي كَمَا يَقُولُهُ أَبُو ثَوْرٍ مُطْلَقًا وَمَالِكٌ فِي الْمَبِيعِ جُزَافًا فَقِيَاسُهُ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا أَثَرَ لَهُ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَذْهَبِنَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ كَوْنِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْعَيْبِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ هو المشهور الذى لا يكاد يُعْرَفُ بَلْ لَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ أَمْرَانِ غَرِيبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي الرَّهْنِ الْكَبِيرِ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَلَى الاجنبين وَلَوْ بِيعَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ وَلَمْ يَتَفَرَّقْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي حَتَّى جَنَى كَانَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بِهِ وَلَهُ رَدُّهُ بِلَا عَيْبٍ وَلَوْ جَنَى ثُمَّ بِيعَ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ بِجِنَايَتِهِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ دَلَّسَهُ وَلَوْ بِيعَ وَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَخْبَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَاخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ ثُمَّ جَنَى كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَرُدَّ الْبَيْعَ لِأَنَّ هَذَا حادث في ملكه بعد تَمَامِ الْبَيْعِ بِكُلِّ حَالٍ لَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَهُوَ يَقْتَضِي بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَهُ وَالْعِلَّةُ تُرْشِدُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ مِلْكُهُ عَلَيْهِ تَامٌّ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ إلَّا بِالْقَبْضِ (قَالَ) وَهَذَا إنْ صَحَّ(12/125)
يَقْتَضِي أَنَّ الْجِنَايَةَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ تَمَامِ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ بِهَا لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ وَإِنْ أَثْبَتَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ لَا يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَجَنَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ غَيْرُهُ جِنَايَةَ حَرْقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَا دُونَ النَّفْسِ أَوْ النَّفْسِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَبْدِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَخَذَ الْجَانِي بِجِنَايَتِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ كَانَ مُخَيَّرًا أَنْ يَأْخُذَهُ أَوْ يَدَعَهُ وَلَيْسَ لَهُ النَّقْصُ إذَا كَانَ مِنْ السَّمَاءِ كَمَا
لَوْ مَاتَ وَقَدْ قِيلَ يَأْخُذُهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا نَقَصَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِهُزَالٍ فِي يَدَيْهِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ كَانَ مُخَيَّرًا وَقَدْ قِيلَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ فَالْبَيْعُ مُنْفَسِخٌ انْتَهَى وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْبُوَيْطِيُّ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ مَعْرُوفَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْغَرِيبُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ ويسقط عنه حتصه مِنْ الثَّمَنِ وَكَلَامُهُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ التَّقْسِيطُ عَلَيْهِ كَالْيَدِ وَنَحْوِهَا لَا كَالْهُزَالِ وَشَبَهِهِ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ نِسْبَتُهُ إلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ الله ولا شئ مِنْ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مِنْ حِكَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ كُلُّهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَنِسْبَتُهُ إلَى أَبِي يَعْقُوبَ فَلَعَلَّهُ حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا وُجِدَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَكِنْ سبب مُتَقَدِّمٍ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ عَالِمًا بِهِ فَقَطَعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بِكْرًا مُزَوَّجَةً فَأَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَتَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلْ تَكُونُ كَعَيْبٍ حَدَثَ فَيُرَدُّ بِهَا كَمَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مُرْتَدًّا فقتل قبل القبض ينفسخ العقد أو لالان رضاه لسببه رضى بِهِ وَالْخِيَارُ لَا يَثْبُتُ مَعَ الرِّضَا بِخِلَافِ الانفساخ بالتلف لم أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَالْأَقْرَبُ(12/126)
القطع بأنه لا يوجب الرد للرضى بِسَبَبِهِ وَلَكِنْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَطْلَقَ أَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَمِثْلُ هَذَا الْإِطْلَاقِ لَا يُوجَدُ مِنْهُ نقل في خصوص المزوجة ووطئ الزَّوْجِ بِهَا (الْقِسْمُ الثَّانِي) إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ إلَى سَبَبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالتَّفَرُّقِ أَمَّا لَوْ قَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ التفرق والتخاير فالوجه في وذلك بِنَاؤُهُ عَلَى تَلَفِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي في مدة الخيار وفيه طرق (احداهما) وَهِيَ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْغَزَالِيُّ وَارْتَضَاهَا الْإِمَامُ وَاقْتَضَى إيرَادُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهَا (أَمَّا) إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ لَزِمَ الثَّمَنُ لِأَنَّ الْقَبْضَ وُجِدَ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَتْ عَلَقَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مُكَايَلَةً فَقَبَضَ جُزَافًا أَوْ غُصِبَ الْمَبِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَالَ هَذَا التَّعْلِيلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ
(وَالثَّانِي)
يَنْفَسِخُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَمَا بَعْدَ الْخِيَارِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ
وَأَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَهَذِهِ مَنْسُوبَةٌ لِلشَّيْخِ أبى حامد (الطريقة الثالثة) مثلها إلَّا أَنَّا (إذَا قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَحَصَلَ إمْضَاءُ الْبَائِعِ ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ وَهَذِهِ حَكَاهَا الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلِذَلِكَ نَسَبَهَا الْعِمْرَانِيُّ إلَيْهِ (الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ) طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ التَّلَفُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ انْفَسَخَ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُ بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ أَوْ مَوْقُوفٌ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ ضَامِنٌ بِالْقِيمَةِ دُونَ الثَّمَنِ
(وَالثَّانِي)
وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى (الطَّرِيقَةُ الْخَامِسَةُ) ما دل(12/127)
عَلَيْهَا كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ انْفَسَخَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ فَوَجْهَانِ وَإِلَّا لَمْ يَنْفَسِخْ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَاَلَّذِي قَالَ مِنْ الثَّمَنِ لَيْسَ بِثَابِتٍ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أراد بالثمن القيمة لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يُعَبِّرُ عَنْ الْقِيمَةِ بِالثَّمَنِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا تَقَدَّمَ وَادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ أَكْثَرَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ عَلَى الِانْفِسَاخِ وَذَكَرَ نُصُوصًا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْجُزْءِ الثَّامِنِ وَالْعَاشِرِ مِنْ بَابِ الدَّعْوَى فِي الْمَبِيعِ وَمِنْ بَابِ دَعْوَى الْوَلَدِ فِيهِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا فِي الْجُزْءِ الْخَامِسَ عَشَرَ أيضا أنه إذ بَاعَ الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ وَقَبَضَهُ فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ وَإِنْ مَنَعْنَا أَنْ نُضَمِّنَهُ ثَمَنَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ حَكَى عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ زَمَنَ الْخِيَارِ يَلْزَمُهُ الثمن وبذلك قال المتولي حصل قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ تَابِعٌ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالنَّصُّ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِانْفِسَاخَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَهَذِهِ خَمْسُ طُرُقٍ وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَفْقَهُ وَلَكِنَّ تَصْحِيحَ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا فِيهِ
نَظَرٌ وَالنُّصُوصُ الَّتِي لِلشَّافِعِيِّ لَيْسَ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْهَا مَا فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالِانْفِسَاخِ وَلَا بِعَدَمِهِ بَلْ الْأَكْثَرُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ فِيهِ إيجَابُ الْقِيمَةِ وَالنَّصُّ الْمُعَارِضُ لَهُ فِيهِ إيجَابُ الثَّمَنِ فَأَكْثَرُ النُّصُوصِ تَدُلُّ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ (إمَّا) الْقَوْلُ بِالِانْفِسَاخِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى كَمَا ادَّعَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَإِمَّا) الطَّرِيقَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ (وَقُلْتُ) إنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ(12/128)
الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ فَالتَّمَسُّكُ بِذَلِكَ لِلِانْفِسَاخِ عَيْبًا كَمَا ادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ وترجيح عدم الانفساخ ولزوم الثمن موافق للنصف المتقضى لِوُجُوبِ الثَّمَنِ وَمُخَالِفٌ لِأَكْثَرِ النُّصُوصِ لَكِنْ إذَا ثَبَتَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الثَّمَنَ عَلَى الْقِيمَةِ وما نقله من النصوص في كتبه بترجح القول بالانفساخ لاسيما مع ما أشعر به كلام القاضى أبو حَامِدٍ أَنَّ ذِكْرَ الثَّمَنِ لَيْسَ بِثَابِتٍ إذَا عَرَفَ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ يَتَعَيَّنُ بِنَاؤُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَحَيْثُ نَقُولُ بِالِانْفِسَاخِ إمَّا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى وَظَاهِرِ أَكْثَرِ النُّصُوصِ أَوْ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَاوَرْدِيُّ والقاضى أبى الطيب على ما فيهما مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْبِنَاءِ فَحُدُوثُ الْعَيْبِ حِينَئِذٍ كَحُدُوثِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ قَالَ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنَّ الْمَقْبُوضَ فِي خِيَارِ الثَّلَاثِ يَسْتَحِقُّ رَدَّهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ الْعُيُوبِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ تَامًّا وَجَبَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ مِنْ وَجْهَيْ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى وَعَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَوْ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَلَى طَرِيقَتَيْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَلَى مُقْتَضَى النَّصِّ الْمَحْكِيِّ فِي ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَلَا جُرْمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى سَبَبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ أَنَّ الْقَبْضَ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ
*
* (فَرْعٌ)
* لَا فَرْقَ بَيْنَ يَدِ الْمُشْتَرِي وَيَدِ نَائِبِهِ وَلَوْ كَانَتْ يَدُ الْبَائِعِ كَمَا لَوْ قبض المبيع وأودعه
اياه بعد القبض نص عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ أَوْدَعَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا لَا يَسْقُطُ حق الحبس بالايداع فَتَلِفَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَالِمَةٌ عَنْ ذَلِكَ فِي الطَّرَفَيْنِ لِاعْتِبَارِهِ الْقَبْضَ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَوَّلِ مَفْقُودٌ فِي الثَّانِي
*(12/129)
* (فَرْعٌ)
* هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْقَبْضِ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ إلَى سَبَبٍ قَبْلَهُ لَا يُرَدُّ بِهِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ بِذَلِكَ إلَّا فِي الرَّقِيقِ فَإِنَّهُ قَالَ مَا أَصَابَ الرَّقِيقَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ إبَاقٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فمن ضامن الْبَائِعِ فَإِذَا انْقَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ بَرِئَ الْبَائِعُ إلَّا مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ فَإِنَّ هَذِهِ الادواء الثلاثة إن أصاب شئ مِنْهَا الْمَبِيعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ سَنَةٍ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِذَلِكَ قَالَ وَلَا يُقْضَى بِذَلِكَ إلَّا فِي الْبِلَادِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهَا بِالْحُكْمِ بِهَا فِيهَا (وَأَمَّا) الْبِلَادُ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَةُ أَهْلِهَا بِالْحُكْمِ بِذَلِكَ فِيهَا فَلَا نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ قَالَ وَمَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ بَطَلَ عَنْهُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا بَاعَ السُّلْطَانُ لِغَرِيمٍ أَوْ مِنْ مَالِ يَتِيمٍ وَلَا عُهْدَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ عَيْبًا فكنمه وَقَالَ قَتَادَةُ إنْ رَأَى عَيْبًا فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ رَدَّهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَإِنْ رَأَى عَيْبًا بَعْدَ ثَلَاثٍ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثُ لَيَالٍ " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَرْبَعُ لَيَالٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ قَالَ قَتَادَةُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ ثَلَاثًا قَالَ سَعِيدٌ قُلْتُ لِعُبَادَةَ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا قَالَ إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا بِالسِّلْعَةِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَلَا يُسْأَلُ الْبَيِّنَةَ وَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ أَيَّامٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا وَذَلِكَ الْعَيْبُ بِهَا وَإِلَّا فَيَمِينُ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ وَيَرُدُّ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثٌ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَقَالَ هَؤُلَاءِ إنَّمَا قَضَى بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ لِأَجْلِ حُمَّى الرِّبْعِ فَإِنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هُوَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَانَ ابن عثمان وهشام بن اسماعيل بن هشام يذكر ان فِي خُطْبَتِهِمَا عُهْدَةُ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ
يَشْتَرِي الْعَبْدَانِ الْوَلِيدَةَ وَعُهْدَةُ السَّنَةِ وَيَأْمُرَانِ بِذَلِكَ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَضَى فِي عَبْدٍ اُشْتُرِيَ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فَجَعَلَهُ عُمَرُ مِنْ الَّذِي بَاعَهُ وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ الْقُضَاةُ مُنْذُ أَدْرَكْنَا يَقْضُونَ فِي الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ سَنَةً قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَسَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ الْعُهْدَةُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ(12/130)
نَحْوِ الْجُذَامِ وَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمْ تَزَلْ الْوُلَاةُ بِالْمَدِينَةِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ يَقْضُونَ فِي الرَّقِيقِ بِعُهْدَةِ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ والبرص ان ظهر بالمملوك شئ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ وَيَقْضُونَ فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ وَقَدْ أَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُقْبَةَ شَيْئًا وَلَا سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْحُفَّاظِ فَرِوَايَتُهُ فِي هَذَا مُنْقَطِعَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ المديني لم يسمع الحسن من عقبة ابن عَامِرٍ شَيْئًا وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سَمُرَةَ فِي ذَلِكَ إنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ (قُلْتُ) وَقَدْ حَفِظْتُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا النظر في سماع الحسن بن سَمُرَةَ وَأَيْضًا فَفِيهِ عَنْعَنَةُ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ مَعَ الِانْقِطَاعِ وَالِاضْطِرَابِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أُعِلَّ بِهِ أَنَّهُ وَرَدَ عَنْ الْحَسَنِ عَلَى الشَّكِّ بَيْنَ عُقْبَةَ وَسَمُرَةَ وَهُمَا وَإِنْ كَانَا صَحَابِيَّيْنِ فَهُوَ اضْطِرَابٌ وَقَدْ سَأَلَ الْأَثْرَمُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الْعُهْدَةِ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْعُهْدَةِ حَدِيثٌ نَتَثَبَّتُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ إنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى الْإِرْسَالِ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُقْبَةَ وَالرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَضَائِهِ بِذَلِكَ ضَعِيفَةٌ وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَبَقِيَّةِ مَا ذَكَرُوهُ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ عَطَاءٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى عُهْدَةٌ فِي الْأَرْضِ لَا مِنْ هُيَامٍ وَلَا مِنْ جُذَامٍ ولا شئ وَبِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ عُهْدَةِ السَّنَةِ وَعُهْدَةِ الثَّلَاثِ فَقَالَ مَا عَلِمْتُ فِيهَا أَمْرًا سَالِفًا وَعَنْ ابْنِ طاووس أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْعُهْدَةَ شَيْئًا لَا ثلاثا ولا أقل ولا أكثر وما أشار واليه مِنْ أَنَّ ظُهُورَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِهِ مَمْنُوعٌ فَقَدْ يَحْدُثُ الْإِبَاقُ وَشِبْهُهُ وَلَوْ سُلِّمَ لَهُمْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ مَا يُوجَدُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَيَكُونُ سَبَبُهُ مُتَقَدِّمًا لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ
ذَلِكَ إنَّ الدَّاءَ الْكَامِنَ لا عتبار به وانما النقض بما يظهر لاما كَمَنَ وَفِيمَا قَالَهُ بُعْدٌ لِأَنَّ الْكَامِنَ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَعُلِمَ بِهِ صَارَ كَالظَّاهِرِ وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ(12/131)
عَنْهُمَا سُئِلَا عَنْ الْعُهْدَةِ فَقَالَا لَا نَجِدُ أمثل من حديث حبان بن معداد كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَجَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَلُ الْجَارِيَةِ بِهَا الْجُذَامُ سَنَةٌ فَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ عن عمرو ابن الزُّبَيْرِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ رد ولم يعفد ذَلِكَ بِعَيْبٍ وَلَا فِي الرَّقِيقِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْخَبَرُ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل لحبان بن سعد عُهْدَةً بِثَلَاثٍ خَاصٌّ وَمَا ذَكَرُوهُ عَنْ عَلِيٍّ لَا يُنَافِيهِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا أَدْرَكْتَ الصَّفْقَةَ حَيًّا مَجْمُوعًا فَمِنْ الْمُبْتَاعِ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَاسْتَثْنَتْ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا الثِّمَارَ لِقَوْلِهِمْ فِيهَا بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وَسَنَذْكُرُ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَهُمْ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ فِي آخِرِ بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) الْعَيْبُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا أُسْنِدَ إلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا مَثَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا بَعْدَ الْقَبْضِ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَطْعٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّ بَيْعَ مَنْ وَجَبَ قَطْعُهُ بِقِصَاصٍ أَوْ سَرِقَةٍ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا قُطِعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ السَّبَبِ السَّابِقِ عَلَى الْعَقْدِ أَوْ عَلَى الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحَالِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالسَّرِقَةِ أَوْ الْقَطْعِ حَتَّى قُطِعَ وَهِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قول أبى اسحق وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِطْلَاقُ نَصِّهِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ بُشْرَى يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَيَسْتَرْجِعَ جَمِيعَ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ قُطِعَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَوْ قُطِعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ قَطْعًا وَهَذَا الْقَائِلُ يَجْعَلُهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ وَلَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ فَالنَّظَرُ فِي الْأَرْشِ إلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْعَبْدِ سَلِيمًا وَأَقْطَعَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا حَكَاهُ الْأَكْثَرُونَ والقاضى أبو الطيب ونقله ابن بشرى عن من نَقَلَهُ
عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَمَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رحمهما اللَّهُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ(12/132)
الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَحِقٌّ الْقَطْعَ وَغَيْرُ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ وَحُمِلَ النَّصُّ الْأَوَّلُ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ هَذَا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِالسَّبَبِ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَا الْأَرْشُ قَطْعًا لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى بَصِيرَةٍ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ لِاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ وَإِمْسَاكِهِ إنْ كَانَ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ ولا يجئ ههنا الوجه المحكي عن أبى اسحق فِي الْقَتْلِ يَعْنَى سَابِقًا وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ على رأى أبى اسحق كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ وَأَنَّ مُرَادَهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّهُ قَالَ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَقُطِعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ بشئ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ وَجْهَ أَبِي اسحق يَأْتِي هَهُنَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ
*
* (فَرْعٌ)
* عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَوَافَقَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي سَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْجَمِيعِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَمَنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مُزَوَّجَةً وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهَا حَتَّى وطئها الزوج بعد القبض فان كان ثَيِّبًا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَنَقَصَ الافتفضاض مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ الْوَجْهَانِ ان جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِكَوْنِهَا مزوجة فان تعذر الرد بسبب رجع الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَمُزَوَّجَةً مُفْتَرَعَةٍ مِنْ الثَّمَنِ (وَإِنْ) جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَهُ الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَبِكْرًا مُزَوَّجَةً مِنْ الثَّمَنِ هَكَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ الَّتِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَفِي بعض نسخا سَقْطٌ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ إلَى غَيْرِ مُزَوَّجَةٍ فَصَارَ هَكَذَا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَبِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ غَلَطٌ فِي الْحُكْمِ وَتَرْكٌ لِلتَّفْرِيعِ مِنْ جَعْلِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ عَلَى ضَمَانِ الْبَائِعِ الْإِفْرَاعُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ يُقَدَّرُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ الْمَضْمُونُ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا سَلَامَتُهَا عَلَى التَّزْوِيجِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي تَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ وَأَنَّهُ يُقَدَّرُ عَلَى قَوْلِ ضَمَانِ الْبَائِعِ سَلِيمًا وَأَقْطَعَ لِأَنَّ الْقَطْعَ مضمون(12/133)
عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِقَدْرٍ مُسْتَحِقِّ الْقَطْعِ وَغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَيْهِ سَلَامَتُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الْقَطْعِ وَقَدْ وَافَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا فِي الرَّوْضَةِ السَّقِيمَةِ مِنْ الْغَلَطِ فِي الْحُكْمِ وَجَعَلَ الْأَرْشَ عَلَى قَوْلِ ضَمَانِ الْبَائِعِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا مُزَوَّجَةً وَبِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ (وَإِنْ) كَانَ عَالِمًا بِزَوَاجِهَا أَوْ عَلِمَ وَرَضِيَ فَلَا رَدَّ لَهُ فَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا بَعْدَ مَا اُفْتُضَّتْ فِي يَدِهِ فَلَهُ الرَّدُّ إنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَخَالَفَهُمْ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ لَا رَدَّ وَهُوَ الرَّاجِحُ لِمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ) جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مُزَوَّجَةً ثَيِّبًا سَلِيمَةً وَمِثْلِهَا مَعِيبَةً هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مُزَوَّجَةً بِكْرًا سَلِيمَةً وَمِثْلِهَا مَعِيبَةً فَإِنَّ الْقِيمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ قِيمَةُ يَوْمِ الْعَقْدِ عَلَى قَوْلٍ وَيَوْمِ الْقَبْضِ عَلَى قَوْلٍ وَأَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ تُقَدَّرُ هُنَا بِكْرًا لِأَنَّهَا بِكْرٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ الثُّيُوبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْبِكْرِ السَّلِيمَةِ مِنْ الْمَعِيبَةِ كَنِسْبَةِ الثَّيِّبِ السَّلِيمَةِ مِنْ الْمَعِيبَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَعْتَدَّ فِي كَلَامِهِ بِالثَّيِّبِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مزوجة سليما وَمِثْلِهَا مَعِيبَةً وَهَكَذَا عِبَارَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ ثَيِّبًا حَشْوٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إنْ كان ذلك لَا يَخْتَلِفُ أَوْ زِيَادَةٌ مُفْسِدَةٌ إنْ اخْتَلَفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَالنَّظَرُ فِي الْأَرْشِ يُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ الْآنَ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا مُزَوَّجَةً سَلِيمَةً وَثَيِّبًا مُزَوَّجَةً مَعِيبَةً لِأَنَّ النَّقْصَ الْحَاصِلَ بِالثُّيُوبَةِ رَضِيَ بِهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْمَسْأَلَةِ فَقَالَ إنْ قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ كَوْنِهَا بِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَبِكْرًا مُزَوَّجَةً نَقِيضُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَيَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ كَوْنِهَا بِكْرًا مُزَوَّجَةً وَغَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَفِي قَوْلِهِ بِكْرًا مُزَوَّجَةً نَقِيضُهُ نَظَرٌ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّهْذِيبِ نَظِيرَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى سَارِقًا عَالِمًا بِسَرِقَتِهِ فَقُطِعَ فِي يَدِهِ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا قَالَ لَهُ الرَّدُّ إنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا غَيْرَ مَقْطُوعٍ مَعِيبًا وَغَيْرَ مَعِيبٍ فَقَوْلُهُ غَيْرَ مَقْطُوعٍ نَظِيرُهُ هُنَا أَنْ تقوم بِكْرًا وَهُوَ خِلَافُ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِ(12/134)
وَعِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ هُنَا
* ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ الله يقتضى أن الرضى بِالْعَيْبِ لَا يُبْطِلُ أَثَرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يُسْقِطُ الرَّدَّ بِهِ وَبِمَا هُوَ مِنْ سَبَبِهِ وَيَصِيرُ الْوَاقِعُ بِسَبَبِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْوَاقِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي عَدَمِ الْمَبِيعِ مِنْ الرَّدِّ وَهَذَا إنَّمَا يتجه على قول أبى اسحق الْقَائِلِ بِأَنَّ الْقَتْلَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالرِّدَّةِ السَّابِقَةِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ إلَى الثَّمَنِ إنْ صَحَّ جَرَيَانُ هَذَا الْوَجْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ وَشَبَهِهَا وَقَدْ أَنْكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ (أَمَّا) عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ إذَا قُتِلَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَانَ عَالِمًا بِرِدَّتِهِ لَا يرجع بشئ وَكَذَلِكَ فِي الْقَطْعِ وَزَوَالِ الْبَكَارَةِ جَزْمًا كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ وَزَوَالُ الْبَكَارَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَعَيْبٍ جَدِيدٍ مَانِعٍ مِنْ الرَّدِّ بِعَيْبٍ آخَرَ (فَإِنْ قُلْتَ) جَعْلُهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ عَلَى الصَّحِيحِ يُوجِبُ مُسَاوَاتَهُ لِمَا وُجِدَ قبل القبض لكن لَا يُرَدُّ بِهِ لِرِضَاهُ بِسَبَبِهِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ كَمَا لَوْ كَانَ عَيْبًا قَدِيمًا رَضِيَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ لا يرد به (قلت) لو جعلناه مَا بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ بِالْقَتْلِ بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَ الْجَهْلِ أَمَّا عِنْدَ الْعِلْمِ فَلَا فإذا رضى بالعيب أبطل أثره وكلما وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَثَرِهِ فَلَيْسَ مَنْسُوبًا إلَى الْبَائِعِ بَلْ هُوَ حَادِثٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي نَاشِئٌ مِمَّا رَضِيَ بِهِ وَلَيْسَ إحَالَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِرِضَاهُ بِسَبَبِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَعَلَّ كَلَامَ الْقَاضِي وَالرَّافِعِيِّ وَالْبَغَوِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ فرعوا ذلك على قول أبى اسحق (قُلْت) لَا لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا قول أبى اسحق فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَعَ الْعِلْمِ بَلْ كَلَامُهُمْ وَكَلَامُ غَيْرِهِمْ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِعَدَمِ جَرَيَانِهِ هُنَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَقَدَّمُوا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ هَذَا الْبَحْثُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً حَامِلًا وَنَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ وَعَلِمَ بِهَا عَيْبًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* زَوَالُ الْبَكَارَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ عَيْبٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مِمَّا يُظَنُّ بَكَارَتُهَا فِي الْعَادَةِ لِصِغَرِ سِنِّهَا أَمْ لَا لِأَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُسَلَّمُ لَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا كَاتِبًا أَوْ مُتَّصِفًا بصفة تريد فِي ثَمَنِهِ ثُمَّ زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ بِنِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَوَاتُهَا عَيْبًا قَبْلَ وُجُودِهَا
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا لَا شَكَّ فيه
*(12/135)
* (فَرْعٌ)
* إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا وَرَضِيَ بِحَمْلِهَا ثُمَّ وَضَعَتْ فِي يَدِهِ وَنَقَصَتْ بِسَبَبِ الْوَضْعِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ بِهَا فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجَارِيَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَنْ لَا يَكُونَ نُقْصَانُهَا بِالْوِلَادَةِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى فِيمَا إذَا أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ جَارِيَةً حَامِلًا فَحَمَلَتْ فِي يَدِهِ وَوَضَعَتْ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ أَوْ إلَيْهَا فيه وجهان وفى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَشَرْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَعَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَوْ بَعْضِهَا مَسَائِلَ تُشَارِكُهَا فِي حُصُولِ عَيْبٍ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ الْقَبْضِ وَيُوجَدُ أَثَرُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْقَتْلِ بِرِدَّةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ أَوْ بِجِنَايَةِ عَمْدٍ سَابِقَةٍ أَوْ الْمَوْتِ بِمَرَضٍ سَابِقٍ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَفْرَدَ لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ فَصْلًا فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ سَبَبُهُ مُتَقَدِّمًا وَالْحَادِثُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ تَلَفٌ يُثْبِتُ الِانْفِسَاخَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَا عَيْبَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ فَلْنُؤَخِّرْ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَى الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ الْمُصَنِّفُ لَهَا فَلِلْمُشَارَكَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِأَنَّ التَّلَفَ فِي ذَلِكَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعَيْبِ حَتَّى يَرْجِعَ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْأَرْشِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِالتَّلَفِ وَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فُصُولِ الرَّدِّ بالعيب كما سيأتي إن شاء الله وَلِفِعْلِ الْأَوَّلِينَ مُرَجِّحٌ سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَاعْلَمْ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ هُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى الْقَطْعِ تَلَفٌ (أَمَّا) لَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (تَنْبِيهٌ) جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَطْعِ الْيَدِ بِالسَّرِقَةِ وَبِالْقِصَاصِ وَكَذَلِكَ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ فِي الْقِصَاصَ لَا يُرَدُّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْقَوَدَ لَا يَتَحَتَّمُ وَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ (تَنْبِيهٌ آخر) نظرا لاصحاب الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِالْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا علق العتق فِي حَالِ الصِّحَّةِ بِصِفَةٍ ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ هَلْ يُعْتَبَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الثُّلُثِ (تَنْبِيهٌ آخَرُ) كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ ذَكَرُوا
مَسْأَلَةَ الْقَطْعِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِالْجِنَايَةِ وَأَخَوَاتِهَا وَلِذَلِكَ قَدَّمُوا الْكَلَامَ فِيهَا وَقَدَّمُوا مَسْأَلَةَ الْقَطْعِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ أَخَّرَ مَسْأَلَةَ الْجِنَايَةِ وَحَكَى الْخِلَافَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ وترجح(12/136)
فِعْلُ الْأَوَّلِينَ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْقَطْعِ غَيْرُ مَنْصُوصَةٍ لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمَسْأَلَةُ الْجِنَايَةِ مَنْصُوصٌ عَلَى أَصْلِهَا وَأَبُو الطَّيِّبِ يَقُولُ إنَّ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ فِيهَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَسَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ وَافَقَهُمْ عَلَى الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِيهِ إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ قَالَ إذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَا يُرَدُّ بَلْ يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا مَقْطُوعًا وَقِيمَتِهِ غَيْرَ مَقْطُوعٍ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ وَهَذَا ضَعِيفٌ (قُلْتُ) وَمُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعَبَّرَ الرُّويَانِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَكِنْ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَكَادُ يُفْهَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا رضى بالقطع واطلع على عيب آخر قديم فَلَهُ الرَّدُّ إنْ جَعَلْنَا الْقَطْعَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَدٌّ بِالسِّيَاطِ فَاسْتُوْفِيَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ مَاتَ فَالْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ وَإِنْ سَلَّمَ فَالْحُكْمُ كَمَا مَرَّ فِي السَّابِقِ فَاسْتِحْقَاقُ الْحَدِّ بِالسِّيَاطِ كَاسْتِحْقَاقِ الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ وَالْقِصَاصِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ
*
* (فَرْعٌ)
* عَبْدٌ عَلِيلٌ بِهِ أَثَرُ السَّفَرِ فَقَالَ سَيِّدُهُ لِرَجُلٍ اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ فَإِنَّ مَرَضَهُ مِنْ تَعَبِ السَّفَرِ وَيَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ فَاشْتَرَاهُ فَازْدَادَ مَرَضُهُ وَلَمْ يَزُلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الفتاوى ليس له المراد لانه غرر بنفسه وما غره الْبَائِعُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا وُجِدَتْ إزَالَةُ الْبَكَارَةِ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ قَطْعُ الْيَدِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَانَ قَدْ رَضِيَ بِالزَّوْجَةِ وَالْجِنَايَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنِّي لَمْ أَرَ نَقْلًا فِي جَوَازِ الرَّدِّ بِذَلِكَ والاقرب القطع بأنه لا يوجب الرد فله وُجِدَ مَعَ ذَلِكَ عَيْبٌ لَمْ يَرْضَ بِهِ هَلْ يَكُونُ زَوَالُ الْبَكَارَةِ وَقَطْعُ الْيَدِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْآخَرِ لِرِضَاهُ بِالسَّبَبِ أَمْ لَا؟ الَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ (إنْ) جَعَلْنَا وُجُودَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ غَيْرَ مَانِعٍ مَعَ الْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ
بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ) جَعَلْنَاهُ مَانِعًا وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فَهَهُنَا احْتِمَالَانِ مَأْخَذُهُمَا(12/137)
أَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَجْلِ وُقُوعِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ لِأَجْلِ الْعِلْمِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ لَمْ يَمْتَنِعْ هُنَا لِوُقُوعِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي امْتَنَعَ لِوُجُودِ الْعِلْمِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (وَالْأَظْهَرُ) أَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَجْلِ حُدُوثِهِ فِي يَدِ المشترى مع العلم بسببه وهذا المجموع منتف قبل القبض فلا يمتنع الرَّدَّ وَإِنْ عَلِمَ بِالسَّبَبِ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ زَائِدٌ عَلَى مَا عَلِمَهُ وَلِهَذَا أَقُولُ إنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ هُنَا وَإِنْ كُنْتُ اسْتَشْكَلْتُ عَدَمَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَوَافَقَ فِي مَسَائِلِ التَّلَفِ الَّتِي سَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بالجميع لانه من ضمان المشترى
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (إذا وجد المشترى بالمبيع عيبا لم يخل أما أن يكون المبيع باقيا على جهته أو زاد أو نقص فان كان باقيا على جهته وأراد الرد لم يؤخره فان أخره من غير عذر سقط الخيار لانه خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ فكان على الفور كخيار الشفعة)
*
*
* (الشَّرْحُ) لِلْمَبِيعِ الْمَعِيبِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى جِهَتِهِ أَوْ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا مِنْ وَجْهٍ وَنَاقِصًا مِنْ وَجْهٍ أَوْ تَالِفًا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى وَعَقَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا فَصْلًا وَذَكَرَ الْخَامِسَةَ فِي فَصْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْقِسْمِ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ وُجِدَ الْعَيْبُ بِالْمَبِيعِ بَعْدَ تَلَفِهِ وَهُوَ يُقْسِمُ فِيمَا إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عيبا ولو أريد بوجد الْعِلْمِيَّةُ الَّتِي تَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ صَحَّ إطْلَاقُهَا بَعْدَ التَّلَفِ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا مِنْ وُجْدَانِ الضَّالَّةِ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي مَوْجُودًا وَأَمَّا الزَّائِدُ مِنْ وَجْهٍ وَالنَّاقِصُ مِنْ وَجْهٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو عَنْ ذلك فالقسمة حينئذ حاصرة وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُعْلَمُ من التسمين وَقَلَّمَا يَقَعُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَعَطْفُهُ بِأَوْ عَلَى أَمَّا غَيْرُ مُتَّضِحٍ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَوْ زَادَ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ زَائِدًا عَطْفًا عَلَى مَا هُنَا (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ الَّذِي ظَهَرَ بِهِ الْعَيْبُ بَاقِيًا بِحَالِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَرَدِّهِ فَإِنْ(12/138)
أَرَادَ رَدَّهُ فَخِيَارُ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَكُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ ابْنَ الْمُنْذِرِ نَقَلَ عن أبى أنه لا يكون الرضى إلَّا بِالْكَلَامِ أَوْ يَأْتِي مِنْ الْفِعْلِ مَا يَكُونُ فِي الْمَعْقُولِ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ رِضًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُهُ وَيَسْتَمِعَ لانه ملكه وكذلك نقل ابن حزم فانه قَالَ لَا يَسْقُطُ الرَّدُّ إلَّا بِإِحْدَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ مُطْبِقَةٌ بِالرِّضَا أَوْ خُرُوجُهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ إيلَادُ الْأَمَةِ أَوْ موته أو ذهاب عين الشئ أَوْ بَعْضِهِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى وَمَنْ يَعُدُّ أَقْوَالَ أَبِي ثَوْرٍ وُجُوهًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا وَجْهًا مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَتَاوَى محتملة لان لا يَكُونَ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَمُحْتَمِلَةً لِخِلَافِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ أَذْكُرْهَا وَلَعَلِّي أَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا فِي تَفْصِيلِ الْأَشْيَاءِ الْمُبْطِلَةِ لِلْخِيَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِكَوْنِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ بِدَلِيلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْ الدَّلِيلِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ " وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ واحد منهما فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي لُزُومَ الْعَقْدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ ثُمَّ إنَّا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ بِالْعَيْبِ بِالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ وَالْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْ الْإِجْمَاعِ ثُبُوتُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ فَيَجْرِي فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى اللُّزُومِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَتَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ مَا أَمْكَنَ وَلِأَنَّ الضَّرَرَ الَّذِي شُرِعَ الرَّدُّ لِأَجْلِهِ يَنْدَفِعُ بِالْبِدَارِ وَهُوَ مُمْكِنٌ فَالتَّأْخِيرُ تَقْصِيرٌ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ اللُّزُومِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ (الدَّلِيلُ الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى خِيَارِ الشُّفْعَةِ وَفِيهِ احْتِرَازَاتٌ قَالَ ابْنُ مَعْنٍ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ وَبِقَوْلِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ عَنْ خِيَارِ الْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ (إذَا قُلْنَا) لَيْسَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ وَمِنْ خِيَارِ الْمَرْأَةِ بِالْمُطَالَبَةِ بِالْعُنَّةِ أَوْ الطَّلَاقِ فِي الْإِيلَاءِ وَمِنْ الْخِيَارِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَقَدْ أَجَادَ فِي ذَلِكَ وَزَادَ غَيْرُهُ خِيَارَ الْعُنَّةِ أَيْضًا كَخِيَارِ الْأَمَةِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَلَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَهَذَا النَّقْضُ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ ثَبَتَ رِفْقًا بِهِمَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّرَوِّي وَالنَّظَرِ فِي الْمَصْلَحَةِ لَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُحَقَّقِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ ثَمَّ ضَرَرٌ أَصْلًا وَلَا يَسْتَنِدُ إلَى(12/139)
ظُهُورِ وَصْفٍ فِي الْمَبِيعِ وَبَعْدَ أَنْ كَتَبْتُ هَذَا رَأَيْتُ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الصَّعْبِيِّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي سَمَّاهُ غَايَةُ الْمُفِيدِ وَنِهَايَةُ الْمُسْتَفِيدِ وَجَعَلَ قَوْلَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ احْتِرَازًا مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ لِلِارْتِيَاءِ وَالنَّظَرِ وَقَدْ يرد عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ خِيَارَ التَّصْرِيَةِ عَلَى قول أبى حامد المروروزى كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ أَبَا حَامِدٍ يَجْعَلُ ثُبُوتَهُ ثَلَاثًا بِالْحَدِيثِ وَلَا يَجْعَلُهُ لِكَوْنِهِ عَيْبًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُثْبِتُهُ مَعَ الْعِلْمِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَقَدْ يُورِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا الْخِيَارَ الَّذِي أَثْبَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ فَإِنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَهُوَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَيُجَابُ عَنْ كُلٍّ مِنْ هَذَا وَخِيَارِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَامِدٍ بِأَنَّهُمَا خَارِجَانِ مِنْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَبْقَى فِيمَا سِوَاهُمَا عَلَى مُقْتَضَاهُ وَقَدْ يُورِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَاسَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَهُنَا قَاسَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى الشُّفْعَةِ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ قِيَاسَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الشُّفْعَةِ وُرُودُ الْخَبَرِ فِيهَا وَقِيَاسُ الشُّفْعَةِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَرَدَّدَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمُهَذَّبِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ الْمُصَنَّفِ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ حَكَمْتَ بِعَدَمِ صِحَّةِ السُّؤَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْجَدِيدِ الصحيح اسْتَدَلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا إنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ سَقَطَ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَسَقَطَ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَإِنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِالتَّأْخِيرِ هُوَ الْمَقِيسُ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهُوَ غَيْرُ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ وَهَهُنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْمَقْصُودُ إثْبَاتُ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الشُّفْعَةِ فَالْمَقِيسُ هُنَاكَ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ غَيْرُ الْمَقِيسِ هُنَا عَلَى الشُّفْعَةِ فَلَا سُؤَالَ وَلَا إشْكَالَ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنْ لَكَ أَنْ تَقُولَ إنْ كَانَ السُّقُوطُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ظَاهِرِ اللُّزُومِ لِكَوْنِ الْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا(12/140)
حَاجَةَ فِي الشُّفْعَةِ إلَى قِيَاسِهِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَكْفِي الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لِثُبُوتِهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الشُّفْعَةِ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ خَطَرَ لِي فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَالِاعْتِذَارِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي جَعْلِهِ سُقُوطَ الشُّفْعَةِ بِالتَّأْخِيرِ بَعْدَ تَقْرِيرِ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ مُنْشِئًا عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَسْأَلَةٌ غَرِيبَةٌ نَقَلَهَا أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ عَنْ تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ قَالَ وَلَوْ عَفَا عَنْ الشُّفْعَةِ ثُمَّ تَرَكَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فأراد المطالبة بها كان له مادام فِي الْمَجْلِسِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَفْوَ تَقْرِيرٌ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي لِجِهَةِ الْمُعَارَضَةِ فَيُعْقَبُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَالشِّرَاءِ وَعَكْسُهُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ تَقْرِيرَ مِلْكٍ فِي غَيْرِهِ (قُلْتُ) فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ اطَّلَعَ عَلَى هَذَا النَّصِّ الْقَائِلِ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تبطل بالعفو مادام فِي الْمَجْلِسِ عَلَى قَوْلِ الْفَوْرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّأْخِيرَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَذَا يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَنْهُ عَلَى أَنِّي نَظَرْتُ بَابَ الشُّفْعَةِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ نَظَرَ الْعَجِلِ فَلَمْ أَرَ هَذَا النَّصَّ فِيهِ وَهُوَ غَرِيبٌ مُشْكِلٌ وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ أَحْمَدَ بْنِ بُشْرَى الَّذِي جَمَعَ فِيهِ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ مَا يُوَافِقُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ أَنْ يَقُولَ سَلَّمْتُ شُفْعَتِي أَوْ تَرَكْتُهَا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ ثُمَّ يُفَارِقُ الشُّهُودَ الَّذِينَ قَالَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَدْ سَلَّمْتُ شُفْعَتِي فَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهُمْ حَتَّى يَقُولَ أَنَا عَلَى شُفْعَتِي فَذَلِكَ لَهُ وَهَذَا هُوَ ذَاكَ النَّصُّ بِعَيْنِهِ وَأَيْضًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي الشُّفْعَةِ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فِي الْمَجْلِسِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْفَوْرِ فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَدْفَعُهُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَخَّرَ الرَّدَّ بَعْدَ الْعِلْمِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جَامِعِ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ
*
* (فَرْعٌ)
* أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُسْقِطُ الْخِيَارَ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يُبَادِرَ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْوِ وَالرَّكْضِ لِيَرُدَّ وَلَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِصَلَاةٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ قضاء حاجة(12/141)
فَلَهُ الْخِيَارُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ وَكَذَا لَوْ اطَّلَعَ حِينَ دَخَلَ وَقْتُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَاشْتَغَلَ بِهَا فَلَا بَأْسَ وَكَذَا لَوْ
لَبِسَ ثَوْبًا وَأَغْلَقَ بَابًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ لَيْلًا فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يُصْبِحَ وقال الهروي في الاسراف إلَى ضَوْءِ النَّهَارِ وَهُمَا رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ هَكَذَا أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ جَازِمًا بِذَلِكَ اعتبار بالعرف وقال صاحب التتمة إذا اطلق بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَا مِنْ اسْتِحْضَارِ الشُّهُودِ لِيَفْسَخَ بِحَضْرَتِهِمْ وَلَا مِنْ إخْبَارِ الْبَائِعِ بِذَلِكَ فَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا قَالُوا لابد أَنْ يَقُولَ فِي الْوَقْتِ فَسَخْتُ وَإِلَّا سَقَطَ حَقُّهُ وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ لَا يَبْطُلُ بَلْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ أَوْ الشُّهُودُ أَوْ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ التَّتِمَّةِ يُطْرِدُ هَذَا الْخِلَافَ فِي تَأَخُّرِ الْفَسْخِ بِالْعُذْرِ مُطْلَقًا وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الصُّوَرَ الْمُتَقَدِّمَةَ مِنْ الْأَكْلِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَحْوِهِ وَيَكُونُ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَعْذَارِ المتقدمة على ما ذكر إنَّمَا تَسْتَمِرُّ عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون ذلك مختص بِاللَّيْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّأْخِيرِ كَمَا يَقُولُهُ فِي الْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ أَنَّهَا الْأَعْذَارُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَلَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ تَأْخِيرًا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْفَقُ لِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَاشْتِرَاطُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ عَدَمَ التَّمَكُّنِ فِي اللَّيْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَتَى تَمَكَّنَ فِيهِ كَانَ كَالنَّهَارِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْمَسِيرِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ (أَمَّا) إذَا كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى الصَّبَاحِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَالْفِقْهُ يَقْتَضِيهِ فَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ لِغَيْرِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّهُ فِي اللَّيْلِ لَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْفَسْخِ وَلَا الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِالرَّدِّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي أشار إليه يسلكه ملك الْغَيْبَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ لَقِيَ الْبَائِعَ فَرَدَّ عَلَيْهِ قَبْلَ سَلَامِهِ صَحَّ وَلَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْدَ سَلَامِهِ صَحَّ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ لِلتَّنْبِيهِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي كَوْنِ السَّلَامِ عُذْرًا هُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَالَ فِي الشُّفْعَةِ إنَّ مَنْ عَدَّهُ فِي اشْتِرَاطِ قَطْعِ مَا هُوَ مَشْغُولٌ بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَشْتَرِطَ تَرْكَ الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ وَلَوْ عَلِمَ بِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِعَتَهٍ أَوْ مَرَضٍ كَانَ عَلَى حَقِّهِ إلَى أَنْ يَزُولَ الْمَنْعُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَيَأْتِي كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي حَالَةِ الْغَيْبَةِ لَوْ لَمْ يَتِمَّ الْغَرَضُ إلَّا بِاسْتِيفَائِهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا أَعْذَارٌ احْتَرَزَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ إنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُبَادَرَةِ وَمَا يَكُونُ تَقْصِيرًا ومالا يَكُونُ مَحَلُّهُ كِتَابَ الشُّفْعَةِ وَأَحَالُوا الْكَلَامَ هُنَا عَلَيْهِ وَقَدْ حَكَوْا هُنَاكَ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى الشُّفْعَةِ قَطْعُ(12/142)
مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ وَالْخُرُوجُ مِنْ الحمام والنافلة ونحو ذلك تَحْقِيقًا لِلْبِدَارِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمِثْلُهُ لَا يَبْعُدُ جَرَيَانُهُ هَهُنَا لِأَنَّهُمَا فِي قَرْنٍ وَعَدَّ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ الْأَعْذَارِ إبَاقُ الْعَبْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَأَخَّرَ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بَلْ لَوْ صَرَّحَ بِإِسْقَاطِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَلَى الصَّحِيحِ (قُلْتُ) وَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ مُتَجَدِّدٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا يَحْصُلُ حَقِيقَةُ التَّأْخِيرِ فَلَا يَحْسُنُ عَدُّهُ فِي جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ
*
* (فَرْعٌ)
* وَأَمَّا الَّذِي لَا يَكُونُ عُذْرًا فَكَثِيرٌ (مِنْهَا) لَوْ بَادَرَ حِينَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَلَقِيَ الْبَائِعَ فَأَخَذَ فِي مُحَادَثَتِهِ ثُمَّ أَرَادَ الرَّدَّ فَلَا رَدَّ لَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ أَخَّرَ الرَّدَّ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ قَالَ أَخَّرْتُ لِأَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي حَقَّ الرَّدِّ فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ فِي بَرِيَّةٍ لَا يَعْرِفُونَ الْأَحْكَامَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَمُكِّنَ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْ الْفُرُوعِ حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ كَالْأَمَةِ إذَا ادَّعَتْ الْجَهَالَةَ بِالْحُكْمِ وَلَوْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ قُبِلَ قَوْلُهُ لانه مما تخفى عَلَى الْعَوَامّ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى الْفَوْرِ وَقَوْلُ الشَّفِيعِ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ بِهَذَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ (قُلْت) وَفِي الْإِطْلَاقَيْنِ نَظَرٌ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَالَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ أَمَّا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ وَحَيْثُ بطل حق الرد بالتقصير حَقُّ الْأَرْشِ أَيْضًا
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ تَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ عَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ إلَى الْقَبْضِ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَدَوَامُ الْعَيْبِ عَيْبٌ
* (فَرْعٌ)
* فِيهِ تَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي الْفَوْرِ وَكَيْفِيَّةِ الرَّدِّ وَحَالِ الْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ إنَّ عَلَيْهِ الْفَسْخَ عَلَى الْفَوْرِ وَعَنْ الشَّيْخِ وَهُوَ الْقَفَّالُ إنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ إلَى حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَرَادَ أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ فِي النَّقْلِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى الْقَفَّالِ وَقَالَ سَبِيلُهُ أَنْ يُفْسَخَ الْوَاقِعُ مِنْهُ لِتَيَسُّرِ الْإِثْبَاتِ لَهُ وَيَقْرَبُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَنَقَلَ عَنْ عَامَّةِ(12/143)
الاصحاب في الليل أنه لابد مِنْ تَلَفُّظِهِ بِالْفَسْخِ وَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى وُجُودِ الْبَائِعِ أَوْ الشُّهُودِ أَوْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَالَ الْإِمَامُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ بَيْنَ يَدَيْ قَاضٍ فَلَا عُذْرَ فِي التَّأْخِيرِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ خَصْمُهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِشْهَادِ فَلْيَبْتَدِرْ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ تَقْصِيرًا فِي الْعُرْفِ وَلَا يَلْزَمُهُ النُّطْقُ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الْحُضُورِ فَإِنْ رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ مَعَ حُضُورِ الْخَصْمِ بَطَلَ حَقُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْغَرِيمَ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالرَّدِّ وَيَشْهَدَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَوَجْهَانِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إنْ نَهَضَ إلَى الْبَائِعِ كَمَا اطَّلَعَ لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَلَيْسَ مُقَصِّرًا وَإِنْ فَسَخَ فِي بَيْتِهِ وَأَشْهَدَ فَلَيْسَ مُقَصِّرًا وَإِنْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ بَطَلَ حَقُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغَرِيمُ حَاضِرًا وَأَمْكَنَ الْإِشْهَادُ فَلَمْ يُشْهِدْ وَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَوَجْهَانِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْإِمَامِ وَجَزْمُهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي لَيْسَ مُقَصِّرًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْإِشْهَادُ جَمْعًا بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْغَرِيمِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَالْإِشْهَادُ أَوْ يَكْتَفِي بِالْحَاكِمِ وَجْهَانِ فَعَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْغَرِيمُ ثُمَّ الْإِشْهَادُ ثُمَّ الْحَاكِمُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ الْغَرِيمُ ثُمَّ الْإِشْهَادُ أَوْ الْحَاكِمُ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ كَمَا قَدَّمَهُ الْإِمَامُ وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ إنْ كَانَ الْعَاقِدُ حَاضِرًا فَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلْيُشْهِدْ عَلَى الرَّدِّ اثْنَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَحْضُرْ مَجْلِسَ الْقَاضِي فَإِنْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي وَالْخَصْمُ حَاضِرٌ فَمُقَصِّرٌ وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ حُضُورًا فَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَوَجْهَانِ إذْ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقَاضِي مَزِيدُ تَأْكِيدٍ فَاقْتَضَى هَذَا التَّرْتِيبُ الْغَرِيمَ ثُمَّ الْإِشْهَادَ ثُمَّ الْحَاكِمَ وَقِيلَ الْغَرِيمُ ثُمَّ الْإِشْهَادُ أَوْ الْحَاكِمُ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ فِي الوجيز يرد عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ حَاضِرَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْقَاضِي فَوَافَقَ مَا فِي الْوَسِيطِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ إشْكَالٌ يَعْنِي الَّذِي فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ قَالَ لِأَنَّ الْحُضُورَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إمَّا أَنْ يَعْنِي بِهِ الِاجْتِمَاعَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ الْكَوْنَ فِي الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ عِنْدَهُ وَلَا وَجَدَ الشُّهُودَ وَلَمْ يَسْعَ إلَى الْقَاضِي وَلَا سَعَى إلَى الْبَائِعِ وَاللَّائِقُ لِمَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى الْقَاضِي إذَا وَجَدَ الْبَائِعَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهَا(12/144)
إذَا أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَقُولَ شَاهِدَيْنِ حَاضِرَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغَائِبَ عَنْ الْبَلَدِ لَا يُمْكِنُ إشْهَادُهُ ثُمَّ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ فَكَوْنُ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ مَشْرُوطًا بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِشْهَادِ بَعِيدًا أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَدْ يَكُونُ أَسْهَلَ عَلَيْهِ مِنْ إحْضَارِ مَنْ يُشْهِدُهُ أَوْ الْحُضُورُ عِنْدَهُ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ وَهُوَ حَاضِرٌ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ يَنْفُذُ فَسْخُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فَظَهَرَ أَنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ غَيْرُ مَرْعِيٍّ انْتَهَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى هَذَا الْإِشْكَالِ وَقَالَ إنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ مُشْكِلٌ خِلَافَ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الَّذِي فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَائِعَ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ رد عليه بنفسه أو بوكيله وكذا لَوْ كَانَ وَكِيلُهُ حَاضِرًا وَلَا حَاجَةَ إلَى الْمُرَافَقَةِ فَلَوْ تَرَكَهُ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَهُوَ زِيَادَةُ تَوْكِيدٍ وَحَاصِلُ هَذَا تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ دَفَعَ الْأَمْرَ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَإِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْخَصْمِ أَوْ الْقَاضِي فِي الْحَالَيْنِ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ هَلْ يَلْزَمُهُ (وَجْهَانِ) قَطَعَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ بِاللُّزُومِ وَيَجْرِي مَجْرَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَخَّرَ بِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ عَجَزَ فِي الْحَالِ عَنْ الْإِشْهَادِ فَهَلْ عَلَيْهِ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مخالف لماله لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي كَوْنِ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الْخَصْمِ مُبْطِلًا كَمَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ وَعِنْدَ الرَّافِعِيِّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَمُخَالِفٌ لَهُ أَيْضًا فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْإِشْهَادِ عَنْ الْحُضُورِ إلَى الْحَاكِمِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ وَصَدْرُ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ جَزْمًا وَلَا يَجُوزُ التَّشَاغُلُ بِهِ عَنْ الْحَاكِمِ وَزَائِدٌ عَلَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ بِلُزُومِ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْخَصْمِ أَوْ الْقَاضِي فِي الْحَالَيْنِ عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ إنْ صَحَّ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ قَاصِرٌ عَلَى الْحَاكِمِ دُونَ الْخَصْمِ فَهَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي كلام الامام(12/145)
زِيَادَةُ بَيَانٍ أَنَّهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ بَيْنَ يَدَيْ قَاضٍ فَلَا عُذْرَ فِي التَّأْخِيرِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى
الْجَمِيعِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ فَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ إنْ أَرَادَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الاطلاق وَهُوَ الظَّاهِرُ فَبَقِيَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحَالَةُ لَمْ يذكرها وان ارد مُطْلَقًا اقْتَضَى أَنَّهُ مِنْ الْحَاكِمِ وَيَذْهَبُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ يَتْرُكُ الْبَائِعَ فِي الْمَجْلِسِ وَيَذْهَبُ إلَى الْحَاكِمِ وَسَنَذْكُرُ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ مَا فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ عِنْدَ الْعَجْزِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَنَقَلَهُ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَمُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَفَّالِ وَفِيمَا ذكره الرافعي من التخيير بحيث لابد مِنْ مَعْرِفَتِهِ سَأُفْرِدُ لَهُ فَرْعًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِيرَادِ عَلَى الْغَزَالِيِّ إنَّ الْإِمَامَ ذَكَرَ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ ابْتَدَرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَهُوَ فَوْقَ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي وَحَكَيَا مَعًا وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْإِشْهَادِ وَتَرَكَهُ وَدَفَعَ إلَى الْقَاضِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُضِيَّ إلَى الْقَاضِي أَقْوَى مِنْ لِقَاءِ الْخَصْمِ وَأَنَّ الْإِشْهَادَ أَقْوَى مِنْ الْمُضِيِّ إلَى الْقَاضِي هَكَذَا كَلَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ إنَّ مُرَادَ الْغَزَالِيِّ هُنَا فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ بِالْحُضُورِ الْحُضُورُ فِي الْبَلَدِ وَكَذَلِكَ مُرَادُهُ فِي الْبَسِيطِ هُنَا وَيَظْهَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الْخَصْمِ فِي الْبَلَدِ لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ بَلْ هُوَ فَوْقَهُ لِاحْتِمَالِ الْمُنَازَعَةِ (وَأَمَّا) الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الشُّهُودِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَجِبُ الْفَسْخُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ طَالِبٌ لِلرَّدِّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالشُّفْعَةِ وَمِنْ ذَلِكَ إنْ صَحَّ يَنْتَظِمُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا الْإِشْهَادُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ تَيَسُّرِهِ عَلَى طَلَبِ الرَّدِّ لَا عَلَى نَفْسِ الرَّدِّ (قُلْتُ) وَالصَّحِيحُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِ الرَّدِّ (وَأَمَّا) الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّهُ طَالِبٌ الرد ولا يكفى فانه ههنا بمكنة إنْشَاءُ الرَّدِّ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَفِي الشُّفْعَةِ لَا يمكنه الاخذ إلا بأمور هي مقصودة إذا ذَاكَ فَلَيْسَ الْمَقْدُورُ فِي حَقِّهِ إلَّا الْإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ ثُمَّ اعْتَرَضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ فِي الْبَسِيطِ قَالَا فِي الشُّفْعَةِ إنَّ الشَّفِيعَ إذَا تَرَكَ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْحُضُورِ وَابْتَدَرَ الْحَاكِمَ فَهُوَ فَوْقَ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا الْمَعْنَى يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي حَالَةِ حُضُورِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَلَدِ وَحُضُورُهُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الشُّفْعَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِي الْحَالَيْنِ(12/146)
فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَجَابَ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الشُّفْعَةِ عَلَى حَالَةِ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي عَنْ مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ
عَلَيْهَا لِأَنَّ فِي حَالَةِ الحضور لا حلف عَلَى الشَّرِيكِ فِي قَوْلِهِ أَنَا طَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ تَمَلَّكْتُ بِهَا أَوْ وَجَدَ بَدَلَ الْمَالِ فَإِنْ نَازَعَهُ الْمُشْتَرِي إذْ ذَاكَ رَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَفِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي عَنْ مَجْلِسِ الاطلاع لابد من المضى إماله أو للحاكم فكان مخيرا بينهما أحوط وهذا لَا تَبَايُنَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ قَالَ وَهَذَا قُلْتُهُ بِنَاءً عَلَى مَا صَارَ إلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَمِنَ الرَّدَّ عَلَى (1) لَا يُعْذَرُ بِطَلَبِ الْحَاكِمِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِمَا صَارَ إلَيْهِ الْقَفَّالُ فِيمَا حَكَى الْقَاضِي عَنْهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الطَّلَبِ إلَى وَقْتِ الْحُضُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي كما ذَلِكَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ عَنْهُ وَلَا جُرْمَ قَالَ الْإِمَامُ مُشِيرًا إلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ كَانَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ حَاضِرًا فَابْتَدَرَ الْقَاضِيَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ لَكِنَّ حِكَايَةَ الْهَرَوِيِّ عَنْ الْقَفَّالِ لَا تَدْخُلُ حَالَةَ قُصُورِهِ مَعَ الْبَائِعِ بَلْ حَالَ غَيْبَتِهِ وَتَمَكُّنِهِ فِيهَا مِنْ الْإِشْهَادِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ظَهَرَ صِحَّةُ مَا قَالَ الْغَزَالِيُّ مِنْ الْجَزْمِ بِأَنَّهُ يُقَصِّرُ يَعْنِي إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي وَالْخَصْمُ حَاضِرٌ أَيْ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ (قُلْتُ) مَا حَكَى الْهَرَوِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي وَالطَّلَبَ مِنْهُ أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ تَطْوِيلٌ يُبْطِلُ الْحَقَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَدْ يَنْحَلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا يَخْتَارُهُ مَنْ فَهِمَ كَلَامَ الْوَسِيطِ اتِّبَاعًا لِمَا فِي الْوَجِيزِ أَنَّ تَأْخِيرَ الرَّدِّ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي قَدْ جَمَعَهُمَا مَجْلِسُ الِاطِّلَاعِ تَقْصِيرٌ جَزْمًا وَكَذَا تَأْخِيرُهُ إذَا اجْتَمَعَ هُوَ وَالْمَالِكُ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ وَفِيهِ مَا سَلَفَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَدْ عَرَفْتَ انْدِفَاعَهُ وَعِنْدَ عَدَمِ حُضُورِ الْبَائِعِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ لَكِنَّهُ حَاضِرٌ فِي الْبَلَدِ هَلْ يُجْعَلُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَيْهِ مُقَصِّرًا وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ وَتَرَكَ الْإِشْهَادَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْقَاضِي الْمَفْهُومُ مِنْهُمَا فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِشْهَادِ فِي حَالِ حُضُورِ الْبَائِعِ فِي الْبَلَدِ أَوْ غَيْبَتِهِ عَنْهَا فَلَا تَقْصِيرَ إلَّا بِإِهْمَالِ طَلَبِ الْبَائِعِ أَوْ الْقَاضِي وَهَلْ يَكُونُ طَلَبُ الْقَاضِي تَقْصِيرًا فِي حَالِ حُضُورِ الْبَائِعِ فِي الْبَلَدِ وَتَيَسَّرَ طَلَبُهُ قَبْلَ طَلَبِ الْقَاضِي فِيهِ الْوَجْهَانِ عن القفال
__________
(1) بياض بالاصل(12/147)
وَغَيْرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْغَزَالِيِّ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيمَا يَظُنُّهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ حَضَرَ الْبَائِعُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ رَدَّ جَزْمًا وَإِنْ حضر الْبَائِعُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَكَذَلِكَ
لَا عَلَى مَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنْ النَّقْلِ عَنْ الْقَفَّالِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مِنْهُمَا مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ وَحَضَرَ فِي الْبَلَدِ فَعَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْحَاكِمِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْوَجْهَانِ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي فَيَكُونُ التَّخْيِيرُ عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ خَاصَّةً وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ وَلَيْسَ الصحيح لِأَنَّهُ قَدْ وَافَقَ عِنْدَ تَأْوِيلِ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْحَاكِمِ أَحْوَطُ فَهَذِهِ مُنَاقَشَةٌ فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وأيضا مناقشة ثانية وهى أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ جَعَلَ الْحُضُورَ إلَى الْقَاضِي عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الشُّهُودِ وَذَلِكَ يُوهِمُ الِاكْتِفَاءَ بِالشُّهُودِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا عَلِمْتُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَاضِي أَوْ الْبَائِعِ وَمُنَاقَشَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَدْفَعُ اعْتِرَاضَ الرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَسْعَ إلَى الْقَاضِي وَلَا يَسْعَى إلَى الْبَائِعِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ (وَقَوْلُهُ) إنَّ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَدْ يَكُونُ أَسْهَلَ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ فَيَكُونُ الْحُضُورُ إلَى الْقَاضِي مشروطا بالعجز عن الشهود كما يقتضيه كلام الغزالي بعيد ما ادَّعَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ إرَادَةِ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ سُؤَالَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ إشْكَالَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ بَاقٍ بِحَالِهِ فَإِنْ اتَّضَحَ بَعْضُ مُرَادِهِ وَتَلْخِيصُ الْحُكْمِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْحَالَتَيْنِ يَجِبُ الْإِشْهَادُ إذَا تَيَسَّرَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَجِبُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَلْخِيصُهُ بِأَيْسَرَ مِنْ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَسَأُفْرِدُ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فَرْعًا وَلَكَ أَنْ تُعَبِّرَ بِعِبَارَةٍ مُخْتَصَرَةٍ فنقول تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَإِنْ مَرَّ فِي طَرِيقِهِ إلَى أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَلَقِيَ شُهُودًا وَجَبَ إشْهَادُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وإذا أردت تمييز المراتب فاعم أن الرتبة (الْأُولَى) أَنْ يَحْضُرَ مَعَ الْحَاكِمِ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ فَيُبَادِرَ وَلَا يُؤَخِّرَ قَطْعًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ (الثَّانِيَةُ)(12/148)
أَنْ يَحْضُرَ الْبَائِعُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَكَذَلِكَ لَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نَقْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى حُضُورِ مَجْلِسِ الحكم حذرا من إنكاره الْبَائِعِ (الثَّالِثَةُ) حُضُورُ الشُّهُودِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ لِإِمْكَانِ الْإِثْبَاتِ بِهِمْ وَلَمْ أَرَ تَصْرِيحًا بِنَقْلِهَا إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِشْهَادُ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْحَاكِمِ وَالْبَائِعِ إنْ أَمْكَنَ عَلَى الْأَصَحِّ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَجْهُ هُنَا أَيْضًا
وَقَدْ قَدَّمْتُ مَا فِيهِ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ مَتَى أَخَّرَ عَنْ مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ بَطَل حَقُّهُ إمَّا جَزْمًا أَوْ عَلَى الْأَصَحِّ وَظَاهِرُ هَذَا الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ أَبْعَدَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ أَقْرَبَ وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كَانَ يَمُرُّ فِي مُضِيِّهِ إلَى أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ يُعْذَرُ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ عَنْهُ إلَى أَنْ يتنهى إلَى الْآخَرِ وَقَدْ قَدَّمْتُ ذَلِكَ أَيْضًا وَسَنُعِيدُ الْكَلَامَ فِيهِ (الْخَامِسَةُ) أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُودُ فِي الْبَلَدِ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَمَّا الْحَاكِمُ أَوْ الْبَائِعُ فلا شك في تعينه (السَّادِسَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الْبَلَدِ تَعَيَّنَ الْإِشْهَادُ (السَّابِعَةُ) إذَا كَانَ الشُّهُودُ فِي الْبَلَدِ وَتَيَسَّرَ الِاجْتِمَاعُ بِهِمْ قَبْلَ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الشُّفْعَةِ إنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ (الثَّامِنَةُ) إذَا كَانَ الشُّهُودُ فِي الْبَلَدِ وَلَا تَيَسَّرَ بِهِمْ الِاجْتِمَاعُ قَبْلَ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَلَا يَجِبُ الْمُضِيُّ إلَيْهِمْ جَزْمًا (التَّاسِعَةُ) إذَا كَانَ الشُّهُودُ فِي الْبَلَدِ تَيَسَّرَ الِاجْتِمَاعُ بِهِمْ قَبْلَ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَكْفِي جَزْمًا (الْعَاشِرَةُ) إذَا لم يكن في البلد شئ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالْفَسْخِ يَأْتِي فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي حَالَةِ الْعَجْزِ عَنْ الْإِشْهَادِ الْأَصَحُّ عَدَمُ الْوُجُوبِ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ يَدَّعِي قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ يَدَّعِي شراء ذلك الشئ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَنَّهُ أَقَبَضَهُ الثَّمَنَ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ وَأَنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فِي وَجْهٍ مُسَخَّرٍ يَنْصِبُهُ الْقَاضِي وَيُحَلِّفُهُ الْقَاضِي مَعَ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ مِنْهُ وَيَضَعُهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَالثَّمَنُ يَبْقَى دَيْنًا على الغائب فيقبضه القاضى من(12/149)
مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ سِوَى الْمَبِيعِ بَاعَهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَقَوْلُهُ فِي الدَّعْوَى إنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ إنَّمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي تَفْرِيعًا عَلَى رَأْيِهِ فِي أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ الْفَسْخَ حَتَّى يَحْضُرَ إلَى الْحَاكِمِ بَلْ يَفْسَخُ عِنْدَ الشُّهُودِ أَوْ وَحْدَهُ وَأَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشُّهُودُ وَحَضَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْشِئُ الفسخ عنده وتكون الدعوى التى تقيم الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا بِالشِّرَاءِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَظُهُورِ الْعَيْبِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ يَنْصِبُ مُسَخَّرًا تَفْرِيعٌ عَلَى رَأْيِهِ أَيْضًا فِي الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فِي الدَّعَاوَى وَالْأَصَحُّ عِنْدَ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ نَصْبُ الْمُسَخَّرِ وَتَحْلِيفُهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ المذهب في الدعوى على
الغائب وقيل يستجب وَقَوْلُهُ يَقْضِيهِ الْقَاضِي مِنْ مَالِهِ يَشْمَلُ النَّقْدَ وَغَيْرَهُ وَهُوَ فِي النَّقْدِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا غَيْرُ النَّقْدِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِثْلُ الْبَيْعِ فيتخير القاضي في بيع ما شاء منهما وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ بَيْعُ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الْبَائِعِ فَإِنْ عَجَزَ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ لِيُكْمِلَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ غَرَضٌ فِي أَخْذِ الثَّمَنِ مِنْ الْمَبِيعِ دُونَ غَيْرِهِ بَلْ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُحْمَلَ عَلَى مَالِهِ سِوَى الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* فَأَمَّا إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فِي حَالِ حُضُورِ الْخَصْمِ فِي الْبَلَدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ أَوْ كَانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حِينَئِذٍ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْحَاكِمِ جَزْمًا فالظاهر أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ إلَّا إعْلَامُ الْحَاكِمِ بِالْفَسْخِ وَطَلَبَ غَرِيمَهُ لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَالِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْإِشْهَادِ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ أَمَّا إذَا مَنَعْنَا من القضاة بِالْعِلْمِ فَلَا يُفِيدُهُ إخْبَارُ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ وَحْدَهُ قبل مجئ الْغَرِيمِ وَإِذَا جَاءَ الْغَرِيمُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ الْآنَ كَمَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ لِيُقَدِّمَ اعْتِرَافَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ في قوله الفسخ في ذلك الْوَقْتِ وَلَا يُمْكِنُ الْحَاكِمُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِهِ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ فَيَقِفُ وهذا يحسن أن يكون مأخذ التقديم الاشهاد(12/150)
وَأَنَّهُ لَا يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَلَى الْإِشْهَادِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْوَسِيطِ لكن ذلك يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ عَلَى النُّهُوضِ إلَى الْبَائِعِ أَيْضًا وَقَدْ عُرِفَ بِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ عِلْمِ الْحَاكِمِ بتقدم عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ وَعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِعِلْمِهِ بِالْفَسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* الْخَصْمُ الَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَيُّنِ أَوْ التَّخَيُّرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاكِمِ مَنْ هُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ سَاكِتٌ عَنْ ذَلِكَ وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ الْبَائِعُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عقد لنفسه أو لغيره قال ابن الرافعة وَفِي الثَّانِيَةِ نَظَرٌ (إذَا قُلْنَا) لَا عُهْدَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ (قُلْتُ) وَالْكَلَامُ فِي الْعُهْدَةِ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ الْإِطْلَاقُ هَهُنَا مُحَالًا عَلَى الْبَيَانِ ثُمَّ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ عَلَى الْوَكِيلِ وَعَلَى الْوَصِيِّ يَعْنِي
إذَا بَاشَرَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَشِرَاءِ جَارِيَةٍ بِثَمَنِهِ وَإِعْتَاقِهَا فَفَعَلَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا بالعبد قال الْوَصِيُّ بِبَيْعِ الْعَبْدِ الْمَرْدُودِ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي قَالَ وَلَوْ فُرِضَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْوَكِيلِ فَهَلْ لِلْوَكِيلِ بَيْعُهُ ثَانِيًا فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَالْوَصِيِّ لِيُتِمَّ الْبَيْعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّهُ امْتَثَلَ الْمَأْمُورَ وَهَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ فَيَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ وَيُخَالِفُ الْإِيصَاءَ فَإِنَّهُ تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَبِيعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) مِلْكُ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ فَلَهُ بَيْعُهُ ثَانِيًا (وَإِنْ قُلْنَا) زَالَ وَعَادَ فَهُوَ كَالرَّدِّ بِالْعَبْدِ ثُمَّ إذَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ ثَانِيًا فَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَالنُّقْصَانُ عَلَى الْوَصِيِّ أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمُوصِي فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ كَمَا رَدَّ غَرِمَ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الاول انه لِزِيَادَةِ قِيمَةٍ أَوْ رَاغِبٍ دَفَعَ قَدْرَ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ بَانَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لِلْعَيْنِ وَيَقَعُ عِتْقُ الْجَارِيَةِ عَنْ الْوَصِيِّ إنْ اشْتَرَاهَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ ثَمَنِ الْعَبْدِ لَمْ ينفذ الشراء(12/151)
وَلَا الْإِعْتَاقُ وَعَلَيْهِ شِرَاءُ جَارِيَةٍ أُخْرَى وَإِعْتَاقُهَا بِهَذَا الثَّمَنِ عَلَى الْمُوصِي هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ ولابد فِيهِ مِنْ تَقْيِيدٍ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِالْعَيْنِ وَتَسْلِيمَهُ عَنْ عِلْمِهِ بِالْحَالِ حِكَايَةٌ يَنْعَزِلُ بِهَا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ شِرَاءِ جَارِيَةٍ أُخْرَى هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ الصُّورَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ (وَأَمَّا) قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ في العهدة فيهما جميعا فالصحيح مطالبتها جَمِيعًا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ وَقِيلَ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَقِيلَ الْمُوَكِّلُ دُونَ الْوَكِيلِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّحَالُفِ وَذَكَرُوا خِلَافًا فِيهِ وَفِي وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا بَاشَرَ الْعَقْدَ فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا شَكَّ فِي اتِّجَاهِ رَدِّ الْإِتْلَافِ هُنَا كَمَا قُلْنَا مِنْ الْعُهْدَةِ (وَأَمَّا) وَلِيُّ الْمَحْجُورِ فَفِيهِ الْجَزْمُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَكَيْفَ الْخَلَاصُ مِنْ رَفْعِ الْجَزْمِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ إلَى الظُّلَامَةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَنَائِبُهُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ (وَأَمَّا) الْوَارِثُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَقَدْ جَزَمَ أَصْحَابُنَا بِجَرَيَانِ التَّحَالُفِ مَعَهُ (وَأَمَّا) الرَّدُّ بِالْعَيْبِ هُنَا فَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا وَأَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْوَكِيلِ أَيْ جَوَازًا وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي فَرَّعَهَا ابْنُ سريج على الجامع الصغير لمحمد
ابن الْحَسَنِ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ السِّلْعَةَ مَتَى عَادَتْ إلَى الْوَكِيلِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَهُ رَدُّهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَمَتَى عَادَتْ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا فَإِنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ كَانَ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَالْوَكِيلُ يَرُدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْقَبْضِ فَقَبِلَهُ الْوَكِيلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ احتمل فان أقام المشترى بينة القول قَوْلُ الْوَكِيلِ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ الرَّدُّ وَإِلَّا رُدَّتْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ حَلَفَ وَرَدَّ عَلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَرُدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ صَدَّقَهُ وَقَالَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ إنْ قُلْنَا رَدُّ الثَّمَنِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي يَعْنِي لِأَنَّهَا لَا تَتَعَدَّى إلَى ثَالِثٍ
*
* (فَرْعٌ)
* الْإِشْهَادُ الْوَاجِبُ أَطْلَقَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ يُشْهِدُ اثْنَيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَذَلِكَ(12/152)
عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مَعَ الْيَمِينِ كَافٍ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ
*
* (فَرْعٌ)
* تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَصْمُ غَائِبًا مِنْ الْبَلَدِ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَالْغَيْبَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَهَلْ تَكْفِي مَسَافَةُ الْعَدْوَى قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِعْدَاءِ وَقَبُولِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالدُّعَاءِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ وَقَدْ يُقَالُ غَيْبَتُهُ عَنْ الْبَلَدِ وَإِنْ قَلَّتْ الْمَسَافَةُ كَالْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ كَمَا ذُكِرَ وَجْهٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ السَّالِفَةِ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ الْخُرُوجِ عَنْهَا مَشَقَّةً لَا تَلِيقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ قَالَ وَهَذَا مَا يُفْهِمُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ الْجَزْمُ بِهِ (قُلْتُ) وَالْجَزْمُ بِذَلِكَ هو الظاهر وإن كَانَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ لَا يَقْتَضِيهِ إلَّا بِإِطْلَاقِ الْغَيْبَةِ فَإِنْ جَزَمَ الْأَصْحَابُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ عِنْدَ حُضُورِ الْحَاكِمِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ يَبْعُدُ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ فَيَجُوزُ تَرْكُهُ وَالْمُضِيُّ إلَى الْبَائِعِ فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مُطْلَقُ الْغَيْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْبَائِعِ خَارِجَ الْبَلَدِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْ مَوْضِعِ الْحَاكِمِ فِي الْبَلَدِ فَفِيهِ نَظَرٌ
*
* (فَرْعٌ)
* تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْحَاكِمِ وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يجد أحدهما ويعدل عنه إلى الآخر لاسيما قَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ إنْ تَرَكَ الْبَائِعَ وَرَفَعَ إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَكِنْ هَذَا يَرُدُّهُ تَصْرِيحُهُمْ مَتَى كَانَ الْحَاكِمُ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ لَا يَجُوزُ التَّأَخُّرُ لِلْبَائِعِ وَبِالْعَكْسِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَى مَا سِوَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الذَّهَابُ إلَى
الْآخَرِ إذَا لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ لِقَاءُ الْآخَرِ قَبْلَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مَوْضِعُ الْحَاكِمِ وَالْبَائِعِ متساويين في القرب والبعد فيظهر التَّخَيُّرُ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ بِهِ بِأَنْ يَكُونَا فِي جِهَتَيْنِ فَهَلْ نُوجِبُ الْمُضِيَّ إلَى الْأَقْرَبِ مِنْهُمَا أَوْ يَكُونُ التَّخْيِيرُ مُسْتَمِرًّا إطْلَاقُ كَلَامِهِمْ يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي وَهَذَا الْفَرْعُ هُوَ الَّذِي وَعَدْتُ بِهِ وَلِأَجْلِ مَا فِيهِ قُلْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّهُ إذَا مَرَّ فِي طَرِيقِهِ بِأَحَدِهِمَا لَا يُعْذَرُ فِي مُجَاوَزَتِهِ إلَى الْآخَرِ
*(12/153)
* (فَرْعٌ)
* وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ جَارِيَةً فَقِيلَ لَهُ إنَّ لَهَا زَوْجًا فَأَرْسَلَ إلَى زَوْجِهَا فَقَالَ لَهُ طَلِّقْهَا فَأَبَى فَجَعَلَ لَهُ مِائَتَيْنِ فَأَبَى فَجَعَلَ لَهُ خَمْسَمِائَةٍ فَأَبَى فَأَرْسَلَ إلَى مَوْلَاهَا أَنَّهُ قَدْ أَبَى أَنْ يُطَلِّقَ فَاقْبَلُوا جَارِيَتَكُمْ تَمَسَّكَ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا الْأَثَرِ وَالْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا يَرَى الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِمِثْلِ هَذَا التَّأْخِيرِ وَلَيْسَ فِي الْأَثَرِ أَنَّهُ رَدَّ جَبْرًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَالِكَهَا رَضِيَ بِرَدِّهَا وَإِنْ سَقَطَ بِالتَّأْخِيرِ فَيَكُونُ إقَالَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ
*
* (فَرْعٌ)
* مَحَلُّ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْفَوْرِ فِي شِرَاءِ الْأَعْيَانِ أَمَّا الْمَوْصُوفُ الْمَقْبُوضُ إذَا وُجِدَ مَعِيبًا (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالرِّضَا فَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّدَّ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْفَوْرِ وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ في باب الكتابة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ كَانَ المبيع دابة فساقها ليردها فركبها في الطريق أو علفها أو سقاها لم يسقط حقه من الرد لانه لم يرض بالعيب ولم يوجد منه أكثر من الركوب والعلف والسقى وذلك حق له إلى أن يرد فلم يمنع الرد
*
* (الشرح)
* الانتفاع بالمبيع قبل العلم بالبيع إنْ لَزِمَ مِنْهُ تَأْخِيرٌ أَوْ دَفَعَ فِي زَمَنٍ لَوْ سَكَتَ فِيهِ أَبْطَلَ خِيَارَهُ فَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِ الرَّدِّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي اشْتِرَاطِ الْمُبَادَرَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُبَادَرَةِ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ وَالْقَاضِي وَحِينَئِذٍ أَقُولُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرُّكُوبِ وَالْعَلْفِ وَالسَّقْيِ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ فَرَّعَهُ فِي جُمْلَةِ مَسَائِلَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَذَكَرَهُ هَكَذَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَقَالَ إنَّ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ الرد أَمْرَيْنِ حُدُوثُ نَقْصٍ بِالْمَبِيعِ أَوْ تَرْكُ(12/154)
الرَّدِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ وَذَلِكَ مِمَّا قَدْ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمُهَذَّبَ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَمِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ أَصْحَابُنَا كَذَلِكَ إذَا حَلَبَهَا فِي طَرِيقِهِ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ فِي حَالِ الرَّدِّ جَازَ كَمَنَافِعِهَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فِي حَالِ الرَّدِّ بِالنَّقْلِ عَنْ الْأَصْحَابِ وممن وافق على نقل ذلك عن الْأَصْحَابِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَنَقَلَ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ قَالَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا وَهُوَ حَامِلٌ لَهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ الرَّدِّ وَمُرَادُهُ بِأَنَّهُ حَامِلٌ لها حتى لا يحصل بالوطئ تَأْخِيرٌ فَلَوْ فُرِضَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ الْمَسِيرُ فِيهِ كَاللَّيْلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُضْطَرُّ وَذَلِكَ فِيهِ وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ الْحِكَايَةَ عَنْهُ أنه يجوز وطئ الثَّيِّبِ وَصَرَّحَ الْجُرْجَانِيُّ مَعَ مُوَافَقَتِهِ الْمُصَنِّفَ بِأَنَّهُ لا يجوز وطئ الْجَارِيَةِ وَلَا لُبْسُ الثَّوْبِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَأَفْهَمَ كَلَامُ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ الْمُبْطِلَ لِلرَّدِّ الِاشْتِغَالُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ جَوَازِ كُلِّ الِانْتِفَاعَاتِ نَقْلُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ خَاصَّةً وَذَهَبَ هُوَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الَّذِينَ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِمْ إلَى خِلَافِهِ وَهَا أَنَا أَذْكُرُ مَا ذَكَرُوهُ (فَأَقُولُ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْمِفْتَاحِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حسين والمتولي والامام الغزالي وَالْبَغَوِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ والخوارزمي في الكافي والرافعي والنوى انه يشترط في الرد بالعيب مع الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ الْمَبِيعَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ وَكَانَ رَقِيقًا وَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ دَارًا فَسَكَنَهَا بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ مَعًا لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يُنَافِي الرَّدَّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا جَرَتْ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ في غير ملكه كقوله اسقيني أَوْ نَاوِلْنِي الثَّوْبَ أَوْ أَغْلِقْ الْبَابَ فَفِي هَذَا وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ وَجْهٌ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا والذى قاله القاضى حسين
والامام وقال الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ وَنَقَلَ عَنْ الْقَفَّالِ(12/155)
في شرح التلخيص أنه لو جاء الْعَبْدُ بِكُوزِ مَاءٍ فَأَخَذَ الْكُوزَ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ وَضْعَ الْكُوزِ فِي يَدِهِ كَوَضْعِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنْ شَرِبَ وَرَدَّ الْكُوزَ إلَيْهِ فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فَإِنْ رَكِبَهَا لَا لِلرَّدِّ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِنْ رَكِبَهَا لِلرَّدِّ أَوْ السَّقْيِ فَإِنْ كَانَتْ جَمُوحًا يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الرُّكُوبِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمُوحًا وَلَكِنَّهُ رَكِبَهَا فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَنَسَبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى ابن سريج وصحح ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ وَيَسْتَدِلُّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بأن الركوب أعجل لَهُ فِي الرَّدِّ وَأَصْلَحُ لِلدَّابَّةِ مِنْ الْقَوْدِ قَالَ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ لِيَرُدَّهُ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ هَذَا اللُّبْسُ مَانِعًا مِنْ الرد لان العادة لم تجر به ولانه لَا مَصْلَحَةَ لِلثَّوْبِ فِي لُبْسِهِ وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَلِيلًا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَادَةِ وَالْمَصْلَحَةِ فَارِقٌ وَلَوْ كَانَ لَابِسًا لِلثَّوْبِ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ فِي الطَّرِيقِ فَتَوَجَّهَ لِيَرُدَّهُ لَمْ يَنْزِعْ فَهُوَ مَعْذُورٌ لِأَنَّ نَزْعَ الثَّوْبِ فِي الطَّرِيقِ لَا يُعْتَادُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَلَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لِلِانْتِفَاعِ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهَا لَمْ يَجُزْ اسْتِدَامَةُ الرُّكُوبِ وَإِنْ تَوَجَّهَ لِلرَّدِّ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَلَوْ كَانَ حَمَلَ عَلَيْهَا سَرْجًا أَوْ إكَافًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ فَتَرَكَهُمَا عَلَيْهَا بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ وَانْتِفَاعٌ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّلْخِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاحْتَاجَ إلَى حَمْلٍ أَوْ تَحْمِيلٍ أَيْ فَتَرْكُهُمَا يُوَفِّرُ عَلَيْهِ كُلْفَةَ الْحَمْلِ وَالتَّحَمُّلِ فَهِيَ انْتِفَاعٌ فَيُمْنَعُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِنَزْعِهِ ضَرَرٌ بِالدَّابَّةِ فَإِذَا حَصَلَ أَوْ خِيفَ مِنْهُ كَمَا إذَا كَانَتْ عَرِقَتْ وَخِيفَ مِنْ نَزْعِهِ أَنْ تَهْوَى فَلَا يَكُونُ نَزْعُهُ فِي هَذِهِ الحالة تقصيرا إذ هو بعيبها فَيَكُونُ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ (قُلْتُ) وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِفُّ بِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالنَّعْلِ إلَى أَنْ يَجِفَّ الْعَرَقُ وَيَكُونُ نَزْعُهُ مِنْ مَصْلَحَتِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ الْعِذَارِ وَاللِّجَامِ لِأَنَّهُمَا خَفِيفَانِ لَا يُعَدُّ تَعْلِيقُهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ انتفاعا ولان العقود يعسر دونهما(12/156)
وَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي جَوَازَ تَعْلِيقِهِمَا ابْتِدَاءً فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ أَنَعْلَهَا فِي الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ إنْ كَانَتْ تَمْشِي بِلَا نَعْلٍ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ أَنَعْلَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَنَزَعَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تَخْرِيجًا وَعَلَّلَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ نَزْعَهُ يَعِيبُ الدَّابَّةَ بِالنَّقْبِ الذى يبقى قال فان كانت النقة مَوْجُودَةً عِنْدَ الْبَائِعِ فَأَنْعَلَهَا الْمُشْتَرِي فَالنَّزْعُ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ مِنْ الرَّدِّ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللِّجَامَ وَالْعِذَارَ وَالرَّسَنَ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَنَزْعُهُ وَالنَّعْلُ لَا يَجُوزُ نَزْعُهُ إلَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا الْبَغَوِيّ فَكَاللِّجَامِ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَنَزْعُهُ وَالْإِكَافُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَنَقَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ الِاسْتِخْدَامِ وَرَدَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ إذَا رَكِبَهَا اسْتِعْمَالًا فَإِذَا رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ أَوْ كَانَتْ جَمُوحًا لَا تَسِيرُ بِنَفْسِهَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْ الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَتْ ذَلُولًا لَا تَحْتَاجُ فِي سَيْرِهَا إلَى الرُّكُوبِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الْفَسْخِ كَمَا لَوْ قَصَدَ بِهِ الِانْتِفَاعَ بِرُكُوبِهَا وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ الشَّافِعِيِّ بِإِطْلَاقِهِ وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ بِتَفْصِيلِهِ مُخَالِفٌ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ جَوَازِ الرُّكُوبِ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا تَقَدَّمَ قال ابن الرفعة ولعل عنه وجهان أَوْ أَنَّ هَذَا مِنْ تَأْوِيلِهِ لِلنَّصِّ فَيَكُونُ مذهبا للشافعي رحمه الله عنده وذاك مِنْ تَخْرِيجِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ وَجَزَمَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَمُخَالِفٌ لِمَا نَسَبُوهُ إلَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَوْلَا هَذَا النَّصُّ الَّذِي نَقَلُوهُ لَكُنْتُ أُرَجِّحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لموافقة ابن الصباغ والجرجاني له لاسيما نَقْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَلَعَلَّ طَرِيقَةَ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِخِلَافِهِ أَكْثَرُهُمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَأَصْلُهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَلَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِيهِ وَفِي الْمِفْتَاحِ وَابْنِ خَيْرَانَ الْأَخِيرِ على أن أبا الخيرين جَمَاعَةَ الْمَقْدِسِيَّ شَارِحَ الْمِفْتَاحِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ رُكُوبَ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ(12/157)
كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْعُرْفُ فَيَنْبَغِي أن لا يحكم على شئ مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ بِقَطْعِ الْخِيَارِ إلَّا إذَا دَلَّ دلالة ظاهرة على الرضا كالوطئ ولبس
الثوب والقرض على البيع وشبه أما مالا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ يَتَرَدَّدُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ نَسْتَلْزِمَ مَعَهُ أَصْلَ الْخِيَارِ وَلَا نَحْكُمَ بِالرِّضَا بِغَيْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ خِيَارَ الرَّدِّ ثَبَتَ قَطْعًا وَالْمُبَادَرَةُ حَصَلَتْ وَاَلَّذِي قَارَنَهَا مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ فَالْحُكْمُ بِالرِّضَا إذْ ذَاكَ يَكُونُ حُكْمًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ حَالَةَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَمَّا إذَا أَوْجَبْنَاهُ لَا تَأَتَّى الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّهُ إنْ تَلَفَّظَ بِهِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِعْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ بَطَلَ الرَّدُّ بِالتَّأْخِيرِ وَلَمَّا كَانَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَرَى وُجُوبَ الْمُبَادَرَةِ إلَى التَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ لَا جَرَمَ هُوَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ وَالِاسْتِخْدَامَ يُبْطِلُ الرَّدَّ وَالْمُبْطِلُ عِنْدَهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ التَّأْخِيرُ لَا خُصُوصُ الِاسْتِعْمَالِ فَيَجِبُ التنبه لِذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ حُسَيْنٌ رَأْسُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِهِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالْفَسْخِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بَاقٍ فِي زَمَنِ الرَّدِّ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْ تَصَرُّفٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ وَنَحْوِهَا وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الرُّكُوبَ مُبْطِلٌ يَقُولُونَ إنَّهُ لَوْ كَانَ رَاكِبًا فَاطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ يَنْزِلُ عَلَى الْفَوْرِ فَلَوْ اسْتَدَامَ بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الرُّكُوبِ رُكُوبٌ (أَمَّا) الْعَلْفُ وَالسَّقْيُ فَلَا يَضُرُّ هَكَذَا جَزَمُوا بِهِ وَلَا أظنه يجئ فِيهِ خِلَافٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ خَالِصَةٌ لِلدَّابَّةِ لَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّهَا يَقْتَضِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الرُّكُوبِ (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْحَلْبِ فَكَذَلِكَ جَزَمُوا بِهَا وَنَسَبَهَا بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ إلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ ويبغى التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ تَرْكُ الْحَلْبِ يَضُرُّ بِهَا لكثرة اللبن في ضرعها فلا يجئ فِيهِ خِلَافٌ كَالْعَلْفِ وَالسَّقْيِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ كَالرُّكُوبِ لِلِانْتِفَاعِ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ وَافَقَهُ يَجُوزُ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَمْتَنِعُ وَنَسَبَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ جَوَازَ الْحَلْبِ إلَى أَصْحَابِنَا وَقَيَّدَهُ بِأَنْ تَكُونَ سائرة فلو وقفها للحالب بطل الرد
*(12/158)
* (فَرْعٌ)
* إذَا كَانَ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ مُؤْنَةٌ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ قال لان المبيع مَضْمُونٌ فِي يَدِهِ وَالْمَالُ إذَا كَانَ مَضْمُونَ الْعَيْنِ كَانَ مَضْمُونَ الرَّدِّ (قُلْتُ) وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْفَسْخِ أَمَّا إذَا تَلَفَّظَ بِهِ حَيْثُ أَمَرْنَاهُ أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الشُّهُودِ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَمَّا وَحْدَهُ عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَبِالْفَسْخِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ بَعْدَ الْفَسْخِ عَلَى الْمُشْتَرِي
وَصَرَّحَ هُوَ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ لَكِنْ لَيْسَتْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَحُكْمُ الْمُؤْنَةِ فِي زَمَنِ الرَّدِّ حُكْمُهَا فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا أن أصل هذه اليد الضمان فيستصحب حمكها كَالْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ إذَا انْقَضَتْ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَإِنَّهَا كَانَتْ أَمَانَةً وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ جُمْلَةً مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (مِنْهَا) إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ بِالْعَيْبِ أَوْ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الْإِفْلَاسِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْتَرِي وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْقَيِّمُ إذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ أَوْ عُزِلَ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ إذَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْقَيِّمِ وَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ فَعَلَى الصَّبِيِّ وَيَرُدُّ مُسَلِّمُ الْمُوصَى إلَى الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ عَلَى الْمَالِكِ يَعْنِي عَلَى خِلَافٍ فِيهِ فَالصَّدَاقُ إلَى الزَّوْجِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ فُسِخَ النِّكَاحُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهَا هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ طَرِيقُ الْمَرَاوِزَةِ وَطَرِيقُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهِيَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا (وَمِنْهَا أَيْضًا) مَسْأَلَةٌ ابْتَدَأَ بِهَا الْقَاضِي هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَهِيَ إذَا سُلِّمَ السيد الْعَبْدُ الْجَانِي وَاحْتِيجَ إلَى بَيْعِ رَقَبَتِهِ فِي أَرْشِ جِنَايَتِهِ فَمُؤْنَةُ الْبَيْعِ مِنْ أُجْرَةِ الدَّلَّالِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَنْ أَجَابَ يُحَاصُّ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ الْجَانِي لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَدْرُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (قُلْتُ) فَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تَسْتَغْرِقُ ثَمَنَ الْعَبْدِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْقَاضِي لَهَا وَقَدْ رَأَيْتُ فِي شرح المهذب لابي إسحق العراقى فيما إذا كسر مالا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ قَالَ إذَا احْتَاجَ فِي رَدِّهِ إلَى مُؤْنَةٍ (فَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ كَانَتْ مُؤْنَةُ رَدِّهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ الرَّدُّ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ عَادَ إلى ملكه وهذا كلام عجيب وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُ وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ
*
* (فَرْعٌ)
* اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَفَصَدَهُ وَقَالَ ظَنَنْتُ أَنِّي لَوْ فَصَدْتُهُ أَوْ حَجَمْتُهُ زَالَ عَنْهُ(12/159)
ذَلِكَ الْعَيْبُ فَفَصَدَهُ فَلَمْ يَزُلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ لان فصده رضى مِنْهُ بِالْعَيْبِ فَإِنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ ظُلَامَتِهِ يَفْسَخُ أَوَّلًا ثُمَّ يَفْصِدُ فَإِنْ هَلَكَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ (قُلْتُ) وَفِي جَوَازِ فَصْدِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَهُوَ لَيْسَ بِمِلْكِهِ إشْكَالٌ قَالَ جَامِعُ الْفَتَاوَى إنَّهُ عَلَى هَذَا عِنْدِي
إذَا فَسَخَ بَيْنَ يَدَيْ الْبَائِعِ أَوْ فَسَخَ واشتغل بطلبه (أما) إذا فسخ مع غَيْبَتِهِ وَالْتَوَانِي فِي رَدِّهِ بَطَلَ حَقُّهُ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ قُلْتُ الْإِشْكَالُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي جَوَازِ الْفَصْدِ بَاقٍ وَزَادَ فِي هَذَا الْكَلَامِ إشْكَالًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَسْخِ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالتَّوَانِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَسْخِ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ عَنْهُ وَلَا يَبْقَى إلَّا الْمُنَازَعَةُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ أَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ فَلَا يَضُرُّهُ الْتَوَانِي وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُبَادَرَةُ عِنْدَ مَنْ يَرَى التَّلَفُّظَ بِالْفَسْخِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَجْلِ إنْكَارِ الْمُشْتَرِي فَلْيُتَأَمَّلْ كُلٌّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وله أن يرد بغير رضى البائع ومن غير حضوره لانه رفع عقد جعل إليه فلا يعتبر فيه رضى صاحبه ولا حضوره كالطلاق)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمُبَادَرَةُ وَأَمَّا الْفَسْخُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ فِي حُضُورِ الْبَائِعِ وَفِي غَيْبَتِهِ مَعَ رِضَاهُ وَمَعَ عَدَمِهِ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ وَلَا إلَى الْحَاكِمِ وسواء كان قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَهُ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِحُضُورِهِ وَرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَهَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ هُنَاكَ رِضَاهُ فَالْمَسَائِلُ ثَلَاثَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِيَارُ الشَّرْطِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُضُورُ لَا الرضى وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ مِثْلُ الْقَبْضِ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الحضور لا الرضى وَبَعْدَ الْقَبْضِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا أَوْ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَدَلِيلُنَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إطْلَاقُ حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الْقَاضِي(12/160)
أَبُو الطَّيِّبِ النُّكْتَةُ فِيهَا أَنَّ مَنْ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ فِي رَفْعِ الْعَقْدِ لَا يُعْتَبَرُ حُضُورُهُ كَالْمَرْأَةِ فِي الطَّلَاقِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلِأَنَّهُ رَدٌّ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَيْبِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رِضَا الْبَائِعِ كَمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله لا يعتبر فيه رضى صَاحِبِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا حُضُورُهُ إشَارَةٌ إلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ تَنْبِيهًا عَلَى مَحَلِّ الْخِلَافِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَدْ قَابَلَ فِي النُّكَتِ لَفْظَ الرَّفْعِ بِالْقَطْعِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَاطِعٌ لَا رَافِعٌ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ أن الخصم لا يسلم أن الرد قطع بل هو رفع لاسيما عَلَى قَوْلِهِ وَقَوْلٌ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَرْفَعُ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَقَاسَ فِي النُّكَتِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ جُعِلَ إلَيْهِ
احْتِرَازًا مِنْ الْإِقَالَةِ فَإِنَّهَا إلَيْهِمَا لَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُهُمَا وَلَا يَرِدُ اللِّعَانُ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ حُضُورُ المرأة رضى لِلْقَاضِي مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى لِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى لِعَانِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِهِ رَفْعٌ لِأَنَّ الرَّافِعَ الشَّرْعُ لَا هُوَ وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ هُوَ الْفَاسِخُ بِاخْتِيَارِهِ وَقَصْدُهُ الرَّفْعُ وَاسْتَدَلَّ أصحابنا أيضا بالقياس على الرجعة والوديعة فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ فِي غَيْبَةِ الْمُودِعِ حَتَّى إذَا عَلِمَ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ لَا يَضْمَنُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ وَيَجِبَ عَلَيْهِ طَلَبُ صَاحِبِهَا لِيُسَلِّمَهَا إلَيْهِ أَوْ الْحَاكِمِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ جُعِلَ إلَيْهِ ظَاهِرٌ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لا يشترط فيه رضى الْبَائِعِ (وَأَمَّا) بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ بِاشْتِرَاطِ رِضَاهُ يُمْنَعُ أَنَّ الرَّفْعَ حِينَئِذٍ جُعِلَ للمشترى لتوقفه عَلَى رِضَا الْبَائِعِ مُنْدَفِعٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جُعِلَ إلَيْهِ أَنَّهُ صَادِرٌ مِنْهُ وَحْدَهُ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُمَا وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ وَإِنْ اشْتَرَطَ الْخَصْمُ فِيهِ شَرْطًا آخَرَ وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ بِعَيْبٍ فلا ينفرد به كالرد بالعنة وأجلب أَصْحَابُنَا بِأَنَّ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى إقْرَارِ الزَّوْجِ بالعجز وَإِلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ بِخِلَافِ هَذَا وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى جَوَازِ انْفِرَادِهِ بِالْفَسْخِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا هَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ فَإِنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ثَابِتٌ لِأَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(12/161)
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ اشْتَرَى ثوبا بجارية فوجد بالثوب عيبا فوطئ الجارية ففيه وجهان
(أحدهما)
ينفسخ البيع كما ينفسخ البيع في مدة خيار الشرط بالوطئ
(والثانى)
لا ينفسخ لان الملك قد استقر للمشترى فلا يجوز فسخه إلا بالقول)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَبَنَى الْوَجْهَيْنِ فِيهَا عَلَى الْوَجِيزِ فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِثَمَنٍ ثُمَّ أَفْلَسَ وَثَبَتَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ فِيهَا فَوَطِئَهَا هَلْ يَكُونُ فَسْخًا فِيهِ وَجْهَانِ
(أحدهما)
نعم كالوطئ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ إذَا صَدَرَ مِنْ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لَهُ أَوَّلُهُمَا كَانَ فَسْخًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ
أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقَاوِيلِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ رَدٌّ لِلْمِلْكِ وَفَسْخٌ لِلْبَيْعِ وَالْمِلْكُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ والفعل ولا فرق في الوطئ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ بَيْنَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ قَدْ يُقَالُ إنَّ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ بَاقٍ وَالْعَقْدُ أَضْعَفُ وَذَلِكَ أَيُعَيَّنُ رَأْسَ الْمَالِ وَالْغَرَضُ فِي الصَّرْفِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ وَلِأَجْلِهِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنَّ الْحَطَّ وَالزِّيَادَةَ يُلْحَقَانِ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ اللُّحُوقَ فيهما فإذا كان الانفساخ بالوطئ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَفِي الْمَجْلِسِ أَوْلَى فَلِذَلِكَ خَصَّهُ الْمُصَنِّفُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى خِيَارِ الرَّدِّ الطَّارِئِ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْعَقْدِ لَكِنْ لَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ هَذَا الْقِيَاسَ إنَّمَا يَتِمُّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْإِمَامِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ فَإِنَّهُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي (والوجه الثاني) لا ينفسخ بالوطئ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ حيث نقول ينفسخ بالوطئ وَإِنْ انْتَقَلَ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ ضَعِيفٌ وَالْمِلْكَ فِي الْمَعِيبِ قَدْ اسْتَقَرَّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْمِلْكِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ فَلِذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَوْلُ وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ المصنف وههنا(12/162)
أُمُورٌ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا قُلْنَا بِالْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ (الثَّانِي) مَا الْأَصَحُّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَالْمِلْكُ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ يَقْتَضِي أَنْ نَقُولَ هُنَا بِأَنَّ الْأَصَحَّ الْوَجْهُ الثَّانِي عَدَمُ الِانْفِسَاخِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى زَمَانِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ لَا يَحْسُنُ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِزَوَالِهِ فَلَمْ يُشْبِهْ الْمَعِيبَ وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ وطئ الْبَائِعِ فَسْخٌ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ بِالْقَوْلِ فَعَدَمُ مِلْكِهِ بِالْفِعْلِ أَوْلَى فَعَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا عَدَمَ الِانْفِسَاخِ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُوَافِقُوهُ مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلْيَكُنْ الْأَصَحُّ أَيْضًا عَدَمَ الِانْفِسَاخِ (الثَّالِثُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمِلْكُ قَدْ اسْتَقَرَّ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي فِي كَلَامِهِ مُشْتَرِي الثَّوْبِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ مِلْكَ الثَّوْبِ قَدْ اسْتَقِرَّ لَهُ فَلَا يَجُوزُ فسخه بوطئ الْجَارِيَةِ
الَّتِي هِيَ ثَمَنٌ عَنْهُ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْفَلَسِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى الْجَارِيَةِ وَهَذَا يُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ هُنَا لِأَنَّ الْبَائِعَ اسْتَقَرَّ عَلَى الْجَارِيَةِ لِأَنَّ الرَّاجِعَ فِي الْفَلَسِ هُوَ الْبَائِعُ وَالرَّاجِعَ فِي الْعَيْبِ هُوَ الْمُشْتَرِي وَلَا شَكَّ أَنَّ تَمَلُّكَ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُسْتَقِرٌّ وَكُلٌّ مِنْ الْمَأْخَذَيْنِ صَحِيحٌ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مُشْتَرِيَ الثَّوْبِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ فَحَقُّهُ فِي رَدِّهِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ فِيهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ انْفِسَاخُهُ فِي مُقَابِلِهِ فَاَلَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ هُوَ الثَّوْبُ لَا الْجَارِيَةُ وَكَانَ التَّعْلِيلُ بِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهِ أَوْلَى وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ افْتِرَاقُ هَذِهِ مَعَ الْمَبِيعِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ وَفِي هَذَا الْمَأْخَذِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفَسْخَ هُنَاكَ وَارِدٌ عَلَى الْجَارِيَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَهَهُنَا بواسطة رد الثوب (الرابع) أن الوطئ حَرَامٌ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَحْصُلُ بِهِ الْفَسْخُ (الْخَامِسُ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ فِي هذا انا قصدنا بالوطئ الْفَسْخَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْفَسْخَ لَمْ يَكُنْ فَسْخًا قَوْلًا وَاحِدًا وَيَجِبُ الْمَهْرُ ولا حد عليه ونظير ذلك وطئ الْوَالِدِ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ وَإِنْ وَطِئَهَا بِقَصْدِ الِاسْتِرْجَاعِ فعلي الوجهين وان لم يقصد كان الوطئ مُحَرَّمًا وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ (السَّادِسُ) في(12/163)
جُمْلَةٍ مِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا يُجْعَلُ الْفِعْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَمِنْهَا التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ هَلْ يُجْعَلُ كَقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ هَدْيًا فِيهِ خِلَافٌ وَمِنْهَا لَوْ لَبَّدَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ وَعَقَصَهُ وَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْعَازِمُ عَلَى الْحَلْقِ فَهَلْ يَتَنَزَّلُ الْحَلْقُ عَلَى قَوْلَيْنِ (الْجَدِيدُ) لَا (وَأَمَّا) الْمُعَاطَاةُ وَنَحْوُهَا فذلك لقرينة لا للفعل
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (فان زال العيب قبل الرد ففيه وجهان بناء على القولين في الامة إذا أعتقت تحت عبد ثم أعتق العبد قبل أن تختار الامة الفسخ
(أحدهما)
يسقط الخيار لان الخيار ثبت لدفع الضرر وقد زال الضرر (والثاني) لا يسقط لان الخيار ثبت بوجود العيب فلا يسقط من غير رضاه)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالرَّافِعِيُّ حَكَاهُمَا أَيْضًا فِي بَابِ التَّصْرِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ اسْتِمْرَارِ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى كَثْرَتِهِ وَلَكِنَّهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ جَزَمَ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ تبعا لصاحب التهذيب وقال ان مَهْمَا زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْعِلْمِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّدِّ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَهُمَا
طَرِيقَانِ فِي الْمَذْهَبِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ (إحْدَاهُمَا) حِكَايَةُ الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بسقوط الخيار قال وهذا الْمَذْهَبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خِيَارِ الْعِتْقِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى قَوْلٍ فَلَمْ يَبْطُلْ بِارْتِفَاعِ السَّبَبِ الْمُثْبِتِ لَهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْخِيَارَانِ فِي الْأَصْلِ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ وَالْبَقَاءِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ السَّبَبِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا غَنَاءَ فِيهِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ الصَّحِيحُ السُّقُوطُ وَكَذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَمَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ السُّقُوطِ هُنَا وَإِنْ قِيلَ فِي الْأَمَةِ لِأَنَّ خِيَارَهَا مُقَيَّدٌ بِمَا يَنَالُهَا مِنْ الضَّرَرِ بِالْإِقَامَةِ يَجِبُ الْفَرْقُ وَقَدْ زَالَتْ الْعِلَّةُ وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي مُعَلَّلٌ بِغَيْرِ الْبَائِعِ لَهُ وَأَنَّهُ بَذَلَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ مَا ظَنَّهُ سَلِيمًا واخلف وزوال العيب في يد المشترى مَعَهُ حَاصِلَةٌ لَهُ وَلَكِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَالْإِمَامُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ضعف الوجه في المسئلتين جدا وصحح السقوط في المسئلتين وَقَالَ إنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا يُبْتَنَى عَلَى قَاعِدَةٍ ذَكَرَهَا فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا لَمْ يَشْعُرْ بِهَا حَتَّى بَاعَ مِلْكَهُ الَّذِي اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ هَذَا لِأَنَّهُ(12/164)
حَكَى الْخِلَافَ فِي الشُّفْعَةِ قَوْلَيْنِ وَالْأَكْثَرُونَ حَكَوْهُمَا وجهين فالوجه أن تكون ممسألة الْعَيْبِ وَمَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ كِلْتَاهُمَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ وَالْأَصَحُّ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ السُّقُوطُ وَمَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ وَخِيَارُ الْأَمَةِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الِاحْتِمَالِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا عَلِمْتُ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُلَاحَظُ فِيهِ موجودا في كلا منهم وَأَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ يَحْكُونَ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَجْهَيْنِ إلَّا صَاحِبُ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ زَالَ الْعَيْبُ سَقَطَ الرَّدُّ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فرق بين أن يكون زوال المعيب قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ وَقَبْلَ الرَّدِّ بِأَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ وَالْقَاضِي وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَدْ يُقَالُ الزَّائِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ مِنْ الزَّائِدِ بَعْدَهُ وَكَلَامُ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ فِي الْأَشْرَافِ جَازِمٌ بِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ لَكِنَّهُ أَطْلَقَ فِيمَا يُوجَدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ فَبَقِيَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ ذَكَرَ الْإِمَامُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ
** (فَرْعٌ)
* اشْتَرَى جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزِلَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ سَمِنَتْ فَرَدَّهَا هَلْ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ غَصَبَ شَاةً سَمِينَةً فَهَزِلَتْ ثُمَّ رَدَّهَا هَلْ يَجِبُ ضَمَانُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ يَتَخَيَّرُ بِالثَّانِي (إنْ قُلْنَا) يَتَخَيَّرُ وَلَا يَفْسَخُ وَإِلَّا فَلَهُ الْفَسْخُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَذَلِكَ بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ بِأَنَّ زَوَالَ الْعَيْبِ يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ مِنْ الطَّرِيقَةِ الاخرى فانه يفسخ وَلَوْ قُلْنَا يَتَخَيَّرُ فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ هَكَذَا (إنْ قُلْنَا) لَا يَنْجَبِرُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي فُسِخَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ زَالَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَلَكِنْ حَدَثَ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ فَعَلَى الْأَصَحِّ لَا أَرْشَ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْأَرْشُ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَإِلَيْهِ صَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِعَدَمِ الْأَرْشِ وَذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى جَزْمِهِ فِي هَذَا الْبَابِ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْوَجْهَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ جَرَيَانُهُمَا هُنَا وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ فِي زَوَالِ الْعَيْبِ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِهِ فِي آخِرِ الفصل الثاني لهذا
*(12/165)
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (وإن قال البائع أنا أزيل العيب مثل أن يبيع أرضا فيها حجارة مدفونة يضر تركها بالارض فقال البائع أنا أقلع ذلك في مدة لا أجرة لمثلها سقط حق المشترى من الرد لان ضرر العيب يزول من غير إضرار)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَضُرَّ تَرْكُهَا وَلَا يَضُرَّ قَلْعُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ وَيَسْقُطُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ هُنَاكَ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِالْقَلْعِ وَالنَّقْلِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ثُمَّ يَسْقُطُ وَكَلَامُهُمْ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُ قَاسُوا ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ اشترى دارا يلحق سَقْفَهَا خَلَلٌ يَسِيرٌ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فِي الْحَالِ أَوْ كَانَتْ مُنْسَدَّةَ الْبَالُوعَةِ فَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أُصْلِحُهُ وَأَبِيعُهَا لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فَهَذَا الْكَلَامُ نَاطِقٌ بِأَنَّ عَدَمَ الْخِيَارِ مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا فِيمَا لَوْ بَادَرَ الْمُشْتَرِي وَفَسَخَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَعَلَى مَا قُلْتُهُ يَنْفُذُ
فَسْخُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَيْضًا السُّقُوطَ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَنَا أَقْلَعُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا قَلَعَ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ فَسُقُوطُ الْخِيَارِ بِهِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِبَقَاءِ الْعَيْبِ وَالْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَيَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْإِمَامِ هُنَا أَيْضًا أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ إلَّا إذا بادر المكترى إلى الاصلاح هذا كَانَ اشْتِمَالُ الْأَرْضِ عَلَى الْحِجَارَةِ الْمَذْكُورَةِ مُنْقِصًا لَهَا وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ ذِكْرُهُمْ لِذَلِكَ فِي الْعُيُوبِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْحِجَارَةَ الْمَذْكُورَةَ لِقُرْبِ زَمَانِ نَقْلِهَا لَا يُعَدُّ اشْتِمَالُ الْأَرْضِ عَلَيْهَا عَيْبًا صَحَّ إطْلَاقُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ وَيُلْزِمُ الْبَائِعَ بِنَقْلِهَا وَلَكِنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ وَأَيْضًا لَا يَبْقَى حِينَئِذٍ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَنَا أَقْلَعُ أَثَرٌ لِأَنَّهُ يُلْزَمُ بِهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فَالصَّوَابُ مَا يُوَافِقُ عِبَارَاتِهِمْ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ إلَّا إذَا بَادَرَ الْبَائِعُ إلَى الْقَلْعِ فِي مُدَّةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهَا وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْعِلَّةُ أَنَّ ضَرَرَ الْعَيْبِ زَالَ وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يَزُولُ فَيُنَاسِبُ عَدَمَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ أَصْلًا وَهُوَ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَلَا يُنَحَّى عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ بَقَاءَ الْأَحْجَارِ مَعَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ قَلْعِهَا عَيْبٌ وَبِدُونِ امْتِنَاعِهِ لَيْسَ(12/166)
بِعَيْبٍ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ يُقَالُ إنَّ إشْغَالَ الْأَرْضِ بِالْحِجَارَةِ مَانِعٌ مِنْ كَمَالِ صِفَةِ الْقَبْضِ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فَامْتِنَاعُ الْحِجَارَةِ مَعَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ قَلْعِهَا كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ هُنَا إلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ مَعَ مُبَادَرَةِ الْبَائِعِ إلَى الْقَلْعِ أَخْذًا مِنْ أَنَّ وُجُودَ الْأَحْجَارِ فِي الْأَرْضِ عَيْبٌ وَزَوَالُهَا بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِفِعْلِهِ كَزَوَالِ الْعَيْبِ قَبْلَ الرَّدِّ وَفِيهِ وَجْهٌ كما تقدم وكان الفرق ضعيف الْخِيَارِ هَهُنَا لِكَوْنِ الْبَائِعِ مُسَلَّطًا عَلَى إسْقَاطِهِ أَوْ لِأَنَّهُ زَالَ قَبْلَ كَمَالِ الْقَبْضِ وَلَيْسَ كَالْعَيْبِ الزَّائِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ لِأَنَّ هَذَا الزَّوَالَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَفِيهِ اسْتِدْرَاكٌ لِلظُّلَامَةِ بِخِلَافِ الزَّوَالِ بِنَفْسِهِ وَبَعْدَ أَنْ كَتَبْتُ ذَلِكَ رَأَيْتُ ابْنَ مَعْنٍ أَوْرَدَهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ تَنَاقَضَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَفِي الْإِجَارَةِ مِنْ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حِكَايَتِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي زَوَالِ الْعَيْبِ قَبْلَ الرَّدِّ وَادَّعَى الْأَوْلَوِيَّةَ فِي طَرْدِ الْوَجْهَيْنِ هُنَا وَكَذَلِكَ ابْنُ الرَّدِيِّ قَالَ أَرَى أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَلَى وَجْهَيْنِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْدَ رَدِّ الْعَيْبِ وَجْهَانِ فَمَعَ بَقَائِهِ أَوْلَى وَمَا ذَكَرْتُهُ جَوَابٌ عَنْهُ وَلَيْسَ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ لا أجرة لمثلها قيد لابد مِنْهُ لِيَتَحَقَّقَ عَدَمُ الْإِضْرَارِ وَلَوْ كَانَتْ الْحِجَارَةُ يَضُرُّ قَلْعُهَا أَوْ قَلْعُهَا وَتَرْكُهَا
فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِيمَا لَا يَضُرُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَقَوْلُهُ مَدْفُونَةٌ يَحْتَرِزُ عَنْ الْمَخْلُوقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا وَمَنْ الْوَاضِحَاتِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي حَالَةِ جَهْلِ الْمُشْتَرِي بالحجارة
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (وان قال البائع أمسك المبيع وأنا أعطيك أرش العيب لم يجبر المشترى على قبوله لانه لم يرض إلا بمبيع سليم بجميع الثمن فلم يجبر على امساك معيب ببعض الثمن وإن قال المشترى أعطني الارش لامسك المبيع لم يجبر البائع على دفع الارش لانه لم يبذل المبيع إلا بجميع الثمن فلم يجبر علي تسليمه ببعض الثمن)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْمَسْأَلَتَانِ وَاضِحَتَانِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وجب له شئ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِغَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ إلَى غَيْرِهِ وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْقِصَاصُ إذا عقا عَنْهُ يَجِبُ الْمَالُ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ الْقَوَدَ عَيْنًا وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَخْذَ الْأَرْشِ
*(12/167)
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (فان تراضيا على دفع الارش لاسقاط الخيار ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز وهو قول أبى العباس لان خِيَارَ الرَّدِّ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ إلَى الْمَالِ وهو إذا حدث عند المشترى عيب فجاز إسقاطه إلى المال بالتراضى كالخيار في القصاص
(والثانى)
لا يجوز وهو المذهب لانه خيار فسخ فلم يجز إسقاطه بمال كخيار الشرط وخيار الشفعة فان تراضيا علي ذلك (وقلنا) انه لا يجوز فهل يسقط خياره فيه وجهان
(أحدهما)
أنه يسقط لانه رضى بامساك العين مع العيب
(والثانى)
لا يسقط وهو المذهب لانه رضى باسقاط الخيار بعوض ولم يسلم له العوض فبقى الخيار)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْوَجْهَانِ فِي جَوَازِ التَّرَاضِي عَلَى إسْقَاطِ الخيار إلى بدل سواء كان ذَلِكَ الْبَدَلُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ أَمْ غَيْرَهُ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى حِكَايَتِهَا وَالْجَوَابُ مَنْسُوبٌ إلَى أبى العباس ابن سُرَيْجٍ وَعَنْهُ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْمَنْعُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَالْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ تَابِعٌ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ أَنَّ هَهُنَا يَأْخُذُ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَةِ مَا فَاتَ مِنْ الْمَالِ وَيَسْقُطُ إلَى مَالٍ كَمَا
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
فَهَذَانِ مَعْنَيَانِ لَيْسَا فِي خِيَارِ الشُّفْعَةِ وَالشَّرْطِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَلَا تَأَخُّرٌ مُسْقِطٌ إمَّا بِأَنْ يَجْهَلَا فَوْرِيَّةَ الْخِيَارِ أَوْ يَكُونَ فِي خِيَارِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِدَادِهِ أَوْ أَنَّ التَّشَاغُلَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَرْشِ لَا يُعَدُّ إعْرَاضًا عَنْ الرَّدِّ وَنَظَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِحَقِّ الشُّفْعَةِ لَا تَصِحُّ الْمُصَالَحَةُ عَنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي إسحق الْمَرْوَزِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ قَالَ الْقَاضِي حسين وقال أبو إسحق ثَلَاثُ مَسَائِلَ أُخَالِفُ فِيهَا أَصْحَابِي حَدُّ الْقَذْفِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ وَمَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ أُجَوِّزُ الصُّلْحَ عَنْهَا وَمَنَعَهَا سَائِرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَمَّا هُوَ مَالٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ حَقًّا مُجَرَّدًا(12/168)
فَلَا انْتَهَى
* وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ جَوَازَ الْمُصَالَحَةِ هُنَا أَوْلَى مِنْ جَوَازِهَا فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَلِذَلِكَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَمْ يُنْقَلْ عنه موافقة أبى إسحق إذَا خَالَفَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ يُخَالِفُ فِي حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أو للرد بالعيب أولى كما قدم وَاكْتَفَوْا بِنِسْبَةِ الْخِلَافِ هُنَا إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ (وَإِنَّمَا) قُلْتُ إنَّ الْمُصَالَحَةَ هُنَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ خِيَارَ الرَّدِّ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ إلَى الْمَالِ فِي حَالٍ وَلَا كَذَلِكَ الْحُقُوقُ الثَّلَاثَةُ وَلِأَنَّ الْأَرْشَ مَأْخُوذٌ فِي مُقَابَلَةِ حَالٍ نَائِبٍ وَلَا جُرْمَ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُنَا إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمُصَالَحَةُ عَنْ الشُّفْعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَ أَبِي إِسْحَاقَ مَعَ حِكَايَتِهِ لِلْخِلَافِ هُنَا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ المصنف رحمه الله هُنَا فَإِنَّهُ جَعَلَ الشُّفْعَةَ أَصْلًا مَقِيسًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ الثَّانِي خِيَارُ فَسْخٍ يَحْتَرِزُ بِالْفَسْخِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْوَصْفُ حَاصِلٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ فَإِنَّ فِيهِمَا فَسْخَ البيع وَإِبْطَالَ حَقِّ الْمُشْتَرِي لِلتَّنَقُّصِ لَكِنَّ هَذَا الْقِيَاسَ لَا يَكْفِي بِدُونِ إلْغَاءِ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّم وَالْأَصْحَابُ يَقُولُونَ الْأَرْضُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الثَّابِتِ كَمَا سَيَأْتِي وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ وَالْمُصَالَحَةُ عَنْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ مُجَرَّدٍ وَلَا سُلْطَةِ الرَّدِّ وَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ حُدُوثِ عَيْبٍ جَدِيدٍ
** (التَّفْرِيعُ)
* وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ (إنْ قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِبُطْلَانِ الْمُصَالَحَةِ بَطَلَ حَقُّهُ قَطْعًا وَإِنْ ظَنَّ صِحَّتَهَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (فَوَجْهَانِ) وحكاهما الْإِمَامُ عَنْ نَقْلِ الْعِرَاقِيِّينَ وَتَعْلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ السُّقُوطِ كَمَا قَالَ (وَمِمَّنْ) صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَمِنْ التَّفْرِيعِ أَيْضًا أَنَّا (إنْ قُلْنَا) بِجَوَازِ الْمُصَالَحَةِ سَقَطَ الْخِيَارُ وَيَثْبُتُ الْأَرْشُ أَوْ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْعَيْبِ عَلَى مَالٍ وَجَوَّزْنَا فَزَالَ الْعَيْبُ لَا يَجِبُ رَدُّ(12/169)
الْمَالِ لِأَنَّهُ أُخِذَ عَلَى جِهَةِ الْمُعَاوَضَةِ قَالَهُ البغوي لا فَرْقَ فِي جَوَازِ الْمُصَالَحَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ ذَهَبًا فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أو حالا أو مؤجلا قاله الجوزى
*
* (فَائِدَةٌ)
* الْأَرْشُ فِي اللُّغَةِ.
أَصْلُهُ الْهَرْشُ أُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً وَأَرْشُ الْجِرَاحَةِ دِيَتُهَا وَذَلِكَ لِمَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ الْمُنَازَعَةِ وَأَرَشْت الْجُرْبَ وَالنَّارَ إذا أورثتهما وَالنَّارُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ الْإِفْسَادُ بَيْنَهُمْ (وَأَمَّا) فِي الشَّرْعِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الشئ الْمُقَدَّرِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْجَبْرُ عَنْ الْفَائِتِ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ هُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا يَنْقُصُ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ
*
* (فَرْعٌ)
* لَنَا صُورَةٌ يَرْضَى الْمُشْتَرِي فِيهَا بِالْعَيْبِ وَلَا يَكُونُ لَهُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ إذَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا تَنْقَطِعُ مُطَالَبَةُ الْوَرَثَةِ عَنْ الْبَائِعِ عَلَى أَحَدِ الوجهين وسنذكر عند الكلام في الارش
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ أَرَادَ أن يرد بعضه لم يجز لان على البائع ضررا في تبعيض الصفقة عليه فلم يجز من غير رضاه وإن اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا فهل له أن يفرده بالرد فيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز لانه تبعيض صفقة علي البائع فلم يجز من غير رضاه
(والثانى)
يجوز لان العيب اختص بأحدهما فجاز أن يفرده بالرد
* وإن ابتاع اثنان عبدا فاراد أحدهما أن يمسك حصته وأراد الآخر أن يرد حصته جاز لان البائع فرق الملك في الايجاب لهما فجاز أن يرد علة أحدهما دون الآخر كما لو باع منهما
في صفقتين)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْأُولَى إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ كانت كلها بَاقِيَةً فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَهَا بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ لِمَعْنَيَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ فَإِذَا رَدَّ النِّصْفَ كَانَ مَعِيبًا وَلَا يَجُوزُ رَدُّ الْعَيْنِ إذَا حَدَثَ فِيهَا(12/170)
عَيْبٌ وَالْمَنْعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ وَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ (قَالَ) الْإِمَامُ وَرَأَيْتُ لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ طَرْدَ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ وَهُوَ خَطَأٌ غَيْرُ بَعِيدٍ وَهَذَا الْخِلَافُ نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ النِّصْفَ وَمَعَ ذَلِكَ غَلَّطَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَ بَعْضَ الْعَيْنِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَقَالَ) الْمَاوَرْدِيُّ إنْ جَوَّزْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ فَلَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ وَاسْتِرْجَاعُ حِصَّتِهِ وَالتَّوَقُّفُ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يؤول إلَيْهِ حَالُهُ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ نَقْلِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَغَلَّطَهُ وَلَمْ يُطْرِدْ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا فِي حَالِ بَقَاءِ الْجَمِيعِ فِي مِلْكه بَلْ جَزَمَ بِالْمَنْعِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِجَوَازِ الرَّدِّ فَذَاكَ وَيَسْتَرْجِعُ قِسْطَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ (قَالَ) الْإِمَامُ إذْ لَوْ قُلْنَا يَسْتَرْجِعُ الْجَمِيعَ وَبَاقِي الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ فَكَانَ مُضِيًّا إلَى إثْبَاتِ شئ مِنْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لِمَ لَا يُقَالُ يَبْقَى الْبَاقِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَسْتَرْجِعُ شَيْئًا وَيَكُونُ الْمَرْدُودُ كَالتَّالِفِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَكُونُ فَائِدَةُ الرَّدِّ التَّخَلُّصَ عَنْ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ كَمَا قاله القاضى حسين فيما إذا أبرأ مِنْ الثَّمَنِ قُلْتُ فَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَافَقَ الْإِمَامَ عَلَى مَا قَالَ وَعَلَّلَ بِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الرَّدِّ لَوْ قُلْنَا يُمْسِكُ الْجَمِيعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرَّدُّ فَفِي حَالَةِ بَقَائِهِ كُلِّهِ فِي مِلْكِهِ لَا أَرْشَ لَهُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّ الْجَمِيعِ وَفِي حَالَةِ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ إنْ كَانَ بِالْمَبِيعِ فَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ وَجْهَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَسَنَذْكُرُهُمَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بيع الجميع بعد ثلاث فُصُولٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيمَا إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ بِالْوَقْفِ رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَبِالْعِتْقِ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ يَسْرِي إلَى الْبَاقِي وَبِالْهِبَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي خروج الجمع فَإِنَّ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ فِي النَّقْصِ وَالْعَجْزِ عَنْ رَدِّ الْجَمِيعِ يَكُونُ الْكَلَامُ فِي الْأَرْشِ كَالْكَلَامِ فِي تَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي
الْجَمِيعِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَالصَّحِيحُ فِيمَا إذَا خَرَجَ بَعْضُهُ بِالْبَيْعِ هُنَا أَنَّهُ لَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ (قَالَ) الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ كان باعها أو بعضها ثم عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ على البائع بشئ ولا من(12/171)
قِيمَتِهِ مِنْ الْعَيْبِ (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أَوْ الثَّوْبَ أَوْ السِّلْعَةَ فَبَاعَ نِصْفَهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ دَلَّهُ لَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعَ عليه بشئ مِنْ نَقْصِ الْعَيْبِ مِنْ أَصْلِ الثَّمَنِ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَلَامًا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَأَذْكُرُهُ عِنْدَ بَيْعِ الْجَمِيعِ فَإِنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ لَمْ يَأْنَسْ مِنْ الرَّدِّ وَهُنَاكَ أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ جَازَ وَلَنَا فِي إفْرَادِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ بِالرَّدِّ بِرِضَاءِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ فَلْيَكُنْ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ جَارِيًا عَلَى الْأَصَحِّ (إذَا قُلْنَا) بِذَلِكَ فَلَوْ بَذَلَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ نُقْصَانِ النَّقِيضِ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ وَطَلَبَ الْآخَرُ الْإِمْسَاكَ وَغَرَامَةَ الْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْنَا) يُجَابُ الْمُشْتَرِي أَجَبْنَاهُ وَأَجْبَرْنَا الْبَائِعَ وَمِنْ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) امْتِنَاعُ الرَّدِّ إلَّا بِرِضَاءِ الْبَائِعِ
(وَالثَّانِي)
الِامْتِنَاعُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) الْجَوَازُ مَعَ أَرْشِ التَّبْعِيضِ (وَالرَّابِعُ) مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْوَجْهَانِ بَعِيدَانِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْقَطْعِ بِخِلَافِهِمَا وَقَدْ أَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْحُكْمَ وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ التَّبْعِيضِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يَظْهَرُ فِي الْمُتَقَوِّمِ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (أَمَّا) الْمِثْلِيُّ فَالْحِنْطَةُ وَنَحْوُهَا إذَا اشْتَرَى صُبْرَةَ حِنْطَةٍ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّ بَعْضِهَا قَالَ صَاحِبُ التتمة (ان قلنا) في العبدين يجوز فيها هنا كَذَلِكَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَدَّ الْبَعْضِ لَا يُؤَدِّي إلَى تَجْهِيلِ الثَّمَنِ قُلْتُ وَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُمَا عَلَى خِلَافٍ سَيَأْتِي أَنَّ الْمَانِعَ الضَّرَرُ أو اتحاد الصفقة ا (ن قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ جَازَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَالصَّفْقَةُ مُتَّحِدَةٌ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ أَوْ لَا فَعَلَى (الْأَوَّلِ) يَجُوزُ وَعَلَى (الثَّانِي) يَمْتَنِعُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ التَّفْرِيقِ هُنَا اخْتِيَارِيًّا لِكَوْنِهِ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَقَدْ رَأَيْتُ الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا فِي البويطى في آخر باب الصرف قال ومن اشترى من رجل متاعا
جملة مالا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ جَمِيعًا أَوْ يَأْخُذُهُ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يكال ويوزن(12/172)
فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَيِّدَ بِحِصَّتِهِ وَرَدَّ مَا بَقِيَ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ وَدَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاعَى الضَّرَرُ وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي لِلْمُشْتَرِي بَعْضَ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ وَجَدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا (قَالَ) الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَبْعِيضُ الْمِلْكِ عَلَى الْبَائِعِ وَقِيلَ لَا يَرُدُّهُ (قُلْتُ) وَيَنْبَغِي بِنَاءُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ الضَّرَرُ أَوْ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَلَهُ الرَّدُّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَتَخَرَّجَ عَلَى التَّفْرِيقِ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَقِيَّةِ هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَخَلَّفَ وَارِثَيْنِ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا رَدُّ نَصِيبِهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهُ لَوْ سلم أحد الابنين نِصْفَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ إلَيْهِ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَجِبُ لَهُ الْأَرْشُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) إنْ أَيِسَ عَلَى الرَّدِّ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عندما إذَا اشْتَرَى وَكِيلٌ عَنْ رَجُلَيْنِ وَسَأَذْكُرُ مَا قَالَهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِرَدِّ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَالِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْبَائِعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَبِيعِ وَيُعْطِيَ نِصْفَ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ نِصْفَ الْأَرْشِ وَيُخَيَّرُ الَّذِي يُرِيدُ الرَّدَّ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الْعِمْرَانِيُّ أَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ فِي شَرْحِ الْمُوَلَّدَاتِ
*
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
* إذَا اشْتَرَى عَيْنَيْنِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَلَهَا صُوَرٌ (إحْدَاهَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَجِدَ الْعَيْبَ بِإِحْدَاهُمَا وَهُمَا بَاقِيَانِ فِي يَدِهِ فَهَلْ لَهُ إفْرَادُ الْمَعِيبَةِ بِالرَّدِّ فِيهِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بل(12/173)
يردهما جميعا أو يمسكهما جميعا سواء كان ذلك قبل القبض أم بعده وسواء كان مِمَّا يَتَسَاوَى قِيمَتُهُ كَالْكُرَّيْنِ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ يَخْتَلِفُ كَالْعَبْدَيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ
أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مِمَّا يُكَالُ وَيُوزَنُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّبْعِيضُ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ إفْرَادُ أَحَدِ الْكُرَّيْنِ بِالرَّدِّ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) الْجَوَازُ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْقَوْلَانِ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ مَبْنِيَّانِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (إنْ قُلْنَا) يُفَرَّقُ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَكِنْ قِيَاسُ هَذَا الْبِنَاءِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ التَّجْوِيزِ أَظْهَرَ وَأَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ مُجْتَمِعَةً وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَفْرِيقِهَا فَلَا يُفَرَّقُ يَعْنِي وَلَيْسَ كَمَا إذَا جَمَعْتَ حَلَالًا وَحَرَامًا أَوْ حَلَالَيْنِ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ التَّفْرِيقَ هُنَاكَ لَيْسَ اخْتِيَارِيًّا وَحَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إثْبَاتَ قَوْلٍ يَمْنَعُ إفْرَادَ الْمَعِيبِ بالرد (وان قلنا) بجواز تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَذَكَرَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الصُّلْحِ مَا يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ لَهُ لِأَنَّهُ عَلَّلَ الْمَنْعَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرَرِ بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فَلَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَهَذَا الْكَلَامُ يُشْعِرُ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الصفقة إذا رضى فالراجح أن لا يجعل الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بَلْ مُرَتَّبَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ إنْ مَنَعْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ مَنَعْنَا هُنَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَالتَّرْتِيبُ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَطْلَقُوا الْبِنَاءَ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ الْبِنَاءُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَيَبْعُدُ جَعْلُهُمَا قَوْلَيْنِ بِرَأْسِهِمَا أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ عَلَّلَ قَوْلَ الْجَوَازِ بِأَنَّ الْعَيْبَ أَخَصُّ بِأَحَدِهِمَا وَهَذَا يَقْتَضِي بِمَفْهُومِهِ أَنَّ العيب إذا لم يختص وَكَانَ فِيهِمَا لَا يَجُوزُ الْإِفْرَادُ مَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَأَفَادَ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَآخِرُهُ أَنَّ لَنَا قَوْلًا بِالْمَنْعِ وَإِنْ جَوَّزْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ وَقَوْلًا بِالْجَوَازِ وَمَنَعْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قُلْتُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ الْقَهْرِيُّ لَا يُمْكِنُ القول(12/174)
بِالْجَوَازِ مَعَ مَنْعِهِ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ يَسْتَحِيلُ شَرْعًا (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ الِاخْتِيَارِيُّ بِرَدِّ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرَّعَانِ عَلَى مَنْعِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَعَلَى تَجْوِيزِ التَّفْرِيقِ الْقَهْرِيِّ فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّفْرِيقِ الْقَهْرِيِّ فَالتَّرْتِيبُ صَحِيحٌ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ أُرِيدَ التَّفْرِيقُ الِاخْتِيَارِيُّ فَلَا تَرْتِيبَ فَلَا بِنَاءَ وَهُمَا الْقَوْلَانِ بِعَيْنِهِمَا وَعِلَّةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي عَدَمَ جَرَيَانِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَعِيبُ فِيهِمَا وَسَأَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إنَّ النَّصَّ الْمَذْكُورَ عَنْ الصُّلْحِ يَدُلُّ دَلَالَةً قَوِيَّةً عَلَى الْمَنْعِ مَعَ الْقَوْلِ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَمْ أَذْكُرْ لَفْظُهُ خَشْيَةَ التَّطْوِيلِ مَعَ ظُهُورِهِ فهو يرد التحريج عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَنَا
نَصٌّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى الْجَوَازِ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَةِ إفْرَادِ الْمَعِيبِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِالْمَنْعِ وَاَلَّذِي يَقُولُ بِالْجَوَازِ هُنَا يَقُولُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شِقْصَيْ دَارَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وقد يحتمل ذلك في شقص دَارٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُ وَيَدَعَ بَعْضَهُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقَوْلَانِ مَفْرُوضَانِ في العبدين وفى كل شئ لَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (فَأَمَّا) فِي زَوْجَيْ خُفٍّ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَجُوزُ الْإِفْرَادُ بِحَالٍ وَارْتَكَبَ بَعْضُهُمْ طَرْدَ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ (قُلْتُ) وَجَعَلَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مُرَتَّبًا (إنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يَجُوزُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَصْلٍ أَشَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا غَصَبَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَةُ الزَّوْجِ عَشَرَةٌ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَرَجَّعَ قِيمَةَ الْآخَرِ إلَى دِرْهَمَيْنِ هَلْ يَضْمَنُ خَمْسَةً أَوْ ثَمَانِيَةً (إنْ قُلْنَا) خَمْسَةً جَازَ لَهُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ (وَإِنْ قُلْنَا) ثَمَانِيَةً فَلَا (وَإِذَا قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الافراد فقال المشترى وردت الْمَعِيبَ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا لَهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا بَلْ هُوَ لَغْوٌ وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِإِفْرَادِهِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ هَكَذَا أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ الْخِلَافَ وَيَنْبَغِي(12/175)
(إذَا قُلْنَا) بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنْ يَجُوزَ قَطْعًا لِأَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ لِضَرَرِ الْبَائِعِ وَقَدْ رَضِيَ (أَمَّا) إذَا مَنَعْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ فَيَمْتَنِعُ وَإِنْ رَضِيَ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهُ أَقْيَسُ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا رَضِيَ الْمَنْعُ قَالَ لِأَنَّ اسْتِحَالَةَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِالتَّرَاضِي وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّهُ الْأَقْيَسُ جَارٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْبِنَاءِ وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مُرَتَّبًا فَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ إذَا رَضِيَ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَالْمُشْكِلُ طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُ قَطَعَ بِالْجَوَازِ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ مَعَ بِنَائِهِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ السَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ مَعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمَانِعِ مِنْ الْإِفْرَادِ جَازَ قَالَ الْإِمَامُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْمُجَوِّزِ لِلْإِفْرَادِ (الْأَصَحُّ) الْجَوَازُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُمَا إلَّا إذَا كَانَا مَعِيبَيْنِ وَضَعَّفَهُ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ قَالَ (إذَا قُلْنَا) لَا يَرُدُّ يُطَالَبُ بِالْأَرْشِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَاعْتَرَضَ النَّاسُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوَسِيطِ إلَّا فِيمَا إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ وَالْأَرْشُ يَتَعَيَّنُ فِي مَسْأَلَةِ التَّلَفِ بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ يُمْكِنُ (قُلْتُ) وهو كذلك ولا اتجاد لِمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ نَعَمْ لَوْ كَانَ
صَاحِبُ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ الَّذِي يَقُولُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُمَا إلَّا إذَا كَانَا مَعِيبَيْنِ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ اتَّجَهَ عِنْدَهُ طَلَبُ الْأَرْشِ لَكِنَّهُ يَنْفِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا مَنَعْنَا الْإِفْرَادَ إنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ رَدِّ الْجَمِيعِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهُ الَّذِي فِي الْوَسِيطِ بِمَنْعِ رَدِّهِمَا تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ رَدِّ أَحَدِهِمَا وَحِينَئِذٍ لَا وَجْهَ لِطَلَبِ الْأَرْشِ لِإِمْكَانِ الرَّدِّ وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ السَّلِيمِ وَحْدَهُ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ (وَقَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا وَقَدْ فُقِدَتْ التَّبَعِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا جَوَّزْنَا الْإِفْرَادَ فَرَدَّهُ اشْتَرَطَ قِسْطَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْإِمَامِ تَعْلِيلُهُ وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ
*(12/176)
* (فَرْعٌ)
* قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْجَوَازِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَوَافَقَ فِيمَا قَبْلَهُ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِمَا وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِسَبَبِ الْخِيَارِ وَثَبَتَ فِيهِ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَاشْتَرَطَ فِي أَحَدِهِمَا خِيَارَ الثَّلَاثِ وَنَقَضَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ وَجَدَ الْعَيْبَ فِيهِمَا أَوْ كَانَا مِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ أَوْ مما تتساوى أجزؤه مِثْلَ كُرَّيْنِ مِنْ طَعَامٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ مثل ما قلناه (والجواب) عن شَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ وُجُوهٍ بِالنَّقْضِ بِالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَبِأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ رَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ لِمَا شَرَطَ وَبِأَنَّ وَصْفَ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي شَرَطَ فِيهِ الْخِيَارَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فَهَذَا الْكَلَامُ فِي ظُهُورِ الْعَيْبِ بِإِحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَهُمَا بَاقِيَتَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْمَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ وَالصُّورَةَ الثَّالِثَةَ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا وَهِيَ إذَا كَانَ السَّلِيمُ تَالِفًا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الظَّاهِرُ (فَالْأَظْهَرُ) مِنْ قَوْلَيْ الْكِتَابِ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِفْرَادُ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي (1) الْأَوْلَى الْمَنْعُ وَفِي الثَّالِثَةِ الْجَوَازُ كَمَا (2) وَيُرَجَّحُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعُمُومِ (3) الْقَوْلَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْقَاضِيَ (4) فِي حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ بَيَّنَ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي أَحَدِهِمَا وَمَا إذَا كَانَ فِيهِمَا وَأَحَدُهُمَا تَالِفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّرْتِيبَ (5) سَنَذْكُرُهُ (6)
* (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ)
* وَجَدَ الْعَيْبَ بِهِمَا جَمِيعًا وَهُمَا بَاقِيَانِ فَلَهُ رَدُّهُمَا قَطْعًا وَفِي إفْرَادِ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي
حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ الْقَطْعَ بِالْمَنْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ سَاكِتًا عَنْ التَّصْرِيحِ بِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْطَعُ هَذَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ إجْمَاعًا كَالطَّعَامِ الْوَاحِدِ (قُلْتُ) وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَنَّهُ يَرُدُّ بَعْضَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ فَأَوْلَى بِالْجَوَازِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِمَا فَمَنْ جَوَّزَ هُنَاكَ فَهَهُنَا أَوْلَى وَمَنْ مَنَعَ هُنَاكَ إمَّا قَطْعًا كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ حِكَايَةَ الْقَوْلَيْنِ وَبَنَوْهُمَا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (إنْ قُلْنَا) يُفَرَّقُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَالْبِنَاءُ هُنَا ظَاهِرٌ وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِيقِ الْمَبْنِيُّ عَلَى التَّفْرِيقِ الْقَهْرِيِّ إنْ مَنَعْنَاهُ امْتَنَعَ هُنَا وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ جَازَ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْبِنَاءِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْجَوَازِ هُنَا أَظْهَرَ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اقْتَصَرَ فِي بَابِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى تَرْتِيبِ الْخِلَافِ وَأَوَّلُوا بِهِ الْجَوَازَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بَيَانُ الْأَصَحِّ وَأَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ رد الباقي هل يجوز
__________
(1) إلى (6) بياض بالاصل فحرر(12/177)
أولا وَبِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّرْتِيبِ يُعْرَفُ أَنَّ الْأَظْهَرَ الْجَوَازُ لَكِنَّ النَّصَّ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ والنص الذى سنذكره عن اختلاف العرقيين كِلَاهُمَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ مَا يَقْتَضِي كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ امْتِنَاعُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْمُرَادُ بِالتَّلَفِ إمَّا حِسًّا وَإِمَّا شَرْعًا فَإِنْ جَوَّزْنَا الْإِفْرَادَ رَدَّ الْبَاقِيَ وَاسْتَرَدَّ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّتَهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْلِيلُهُ عَنْ الْإِمَامِ وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِطَرِيقِ التَّوْزِيعِ بِتَقْدِيرِ الْعَبْدَيْنِ سَلِيمَيْنِ وَتَقْوِيمِهِمَا وَيَسْقُطُ الْمُسَمَّى عَلَى الْقِيمَتَيْنِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي مَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الرُّجُوعِ عَلَى مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْبَائِعُ (فَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ (إمَّا) بِثَمَنِ مِلْكِهِ فَلَا يُرَدُّ مِنْهُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ نَسَبَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ إلَى نصفه فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ تَلِفَ فِي يَدِهِ فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ مَعَ الْمَالِكِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْغَاصِبِ الَّذِي حَصَلَ إهْلَاكٌ فِي يَدِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي
اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ أَيْضًا وَقَدْ رَأَيْتُهُمَا فِيهِ وَلَكِنْ هَلْ هُمَا تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ أَوْ عَلَى مَنْعِهِ فِيهِ نَظَرٌ سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَالِاعْتِمَادُ فِي حِكَايَتِهِمَا هُنَا عَلَى نَقْلِ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ عَلَى اسْتِرْجَاعِ حصة المردود من الثمن ولم يتعرضوا لشئ آخَرَ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّالِفَ إذَا كَانَ مَعِيبًا أَيْضًا يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ كَمَا يَجِبُ الْأَرْشُ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ وَتَبَيَّنَ عَيْبُهُ وَإِنَّمَا سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ إحَالَةً لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَاقْتِصَارًا عَلَى الْقَدْرِ الْمُخْتَصِّ بِهَذَا الْمَكَانِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الْإِفْرَادُ فَقَوْلَانِ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَطَائِفَةٌ (وَوَجْهَانِ) فِيمَا حَكَاهُ آخَرُونَ وَاقْتَضَى إيرَادُ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ تَرْجِيحَهُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا لَا فَسْخَ لَهُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ أَعْظَمُ مِنْ الْعَيْبِ وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّبِيعُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ فَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ عَادَ الْقَوْلَانِ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ يَرُدُّ بَعْضَ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ يَرُدُّ حِصَّةَ الْبَاقِي وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَرُدُّ أَرْشَ الْعَيْبِ وَهَلْ النَّظَرُ فِي قِيمَةِ التَّالِفِ فِي الصُّورَتَيْنِ إلَى يَوْمِ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمِ الْقَبْضِ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِمَعْرِفَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْأَصَحُّ مِنْهُ) اعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَضُمُّ قِيمَةَ التَّالِفِ إلَى الْبَاقِي وَيَرُدُّهُمَا وَيَفْسَخُ الْعَقْدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ(12/178)
صلى الله عليه وسلم أمر في الْمُصَرَّاةَ بِرَدِّ الشَّاةِ بَدَلَ اللَّبَنِ الْهَالِكِ (قُلْتُ) وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ بَلْ الَّذِي فِيهَا أَنَّا (إذَا قُلْنَا) لَا يَرُدُّ رَجَعَ بِالْأَرْشِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَأَنَّا (إنْ قُلْنَا) لَهُ رَدُّهُ فَيَرُدُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ خُرَاسَانَ الْعَقْدُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِيهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ وَيَسْتَرْجِعُ كَمَا فِي الْمُصَرَّاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا خَطَأٌ وَيُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ لانه نص على ذلك في اختلاف العرقيين وَقَالَ يَرْجِعُ إلَى حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ فرع عليه وذكر الاختلاف فالعجب من الرفعى رحمه الله إلا أن يكون القاضى أبى الطَّيِّبِ نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَمَا رَأَيْتُ لَكِنَّهُ جَعَلَهُ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّدِّ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِ الْمَنْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فَعَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّ
أَبَا الطَّيِّبِ يَقُولُ (إنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّهُ أَيْ أَصْلًا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَرُدُّهُ فَهَلْ يُفْرِدُهُ أَوْ يَضُمُّ مَعَهُ قِيمَةَ التَّالِفِ فِيهِ (وَجْهَانِ) وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ (إنْ قُلْنَا) يُفْرِدُهُ اسْتَرَدَّ الْقِسْطَ وَإِلَّا فَهَلْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ أَوْ يَضُمُّ مَعَهُ قِيمَةَ التَّالِفِ (فِيهِ وَجْهَانِ) فَالْكَلَامَانِ رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي نِسْبَةِ الرَّافِعِيِّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ إلَى اخْتِيَارِ أَبِي الطَّيِّبِ وَوَافَقَ الرَّافِعِيَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَزَادَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ أَعْنِي فِي ضمن قيمة التالف إلى الموجود كما حكاهما لامام وَغَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الشَّامِلِ بَلْ رَأَيْتُ فِيهِ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبَ الوهم لذى عَرَضَ لِلرَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ هُوَ عَلَيْهِ فِي النَّقْلِ عن أبى الطيب فان ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ حَكَى أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ بَعْضِ أَهْل خُرَاسَانَ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ قَالَ وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ فَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ طلع ذَلِكَ وَظَنَّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَالَ لِأَبِي الطَّيِّبِ وَإِنَّمَا هُوَ لِبَعْضِ أَهْلِ خُرَاسَانَ يُبَيِّنُهُ ما في تعليقة أَبِي الطَّيِّبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّافِعِيَّ فِي ذَلِكَ العمرانى فينقل الْمَسْأَلَةَ فِي الزَّوَائِدِ مِنْ الشَّامِلِ وَزَادَ فَقَالَ وَقَالَ الْقَاضِي هَذَا هُوَ السُّنَّةُ قَالَ ابْنُ الصباغ وهذا ليس بصحيح هُوَ الْقَاضِي وَابْنُ الصَّبَّاغِ نَاقِلٌ عَنْهُ أَوْ موافق له وبالجملة ولقول مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِأَنَّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَبَضَهُمَا فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا وَأَصَابَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْقَائِمَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ وَيَرْجِعَ بِأَصْلِ الثمن لذى أَعْطَاهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قَدْ لزم المشترى وهو يريد اسقاط الشئ عَنْهُ لِمَا يَدَّعِي مِنْ كَثْرَةِ قِيمَةِ الْغَائِبِ وَلَا أَقْبَلُ دَعْوَاهُ قَالَ الرَّبِيعُ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَلَكَ وَاحِدٌ وَأَصَابَ بِالْآخَرِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَى الرَّدِّ سَبِيلٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ كان له أن يرد الشئ كما أخذ(12/179)
فَلَمَّا لَمْ يَرُدَّهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ كَانَ لَا رَدَّ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ عَلَيْهِ مَا اشْتَرَى مِنْهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ فِي الثَّوْبِ الْبَاقِي فَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ يَقْتَضِي إثْبَاتَ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَضُمُّ قِيمَةَ التَّالِفِ إلَى الْبَاقِي وَيَرُدُّهُمَا
(وَالثَّانِي)
يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُمَا هَذَانِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ فَرَّعْنَاهُمَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْإِفْرَادِ فَهُمَا مُتَعَاضِدَانِ فِي مَنْعِ الْإِفْرَادِ كَمَا قَدَّمْتُ لَكَ أَوَّلًا وَقَدْ تَأَمَّلْتُ نَصَّهُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ فَلَمْ أَجِدْهُ صَرِيحًا فِي الرَّدِّ وَاسْتِرْجَاعِ الْقِسْطِ وَإِنَّمَا قَالَ إذَا اشْتَرَى
ثَوْبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَوَجَدَ بِالثَّانِي عَيْبًا وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ الثَّوْبَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قَدْ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَالْمُشْتَرِي إنْ أَرَادَ رَدَّ الثَّوْبِ يَرُدُّهُ بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ أَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِهِ بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ ولا نعطيه بقوله لزيادة قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الثَّمَنُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ فِي صَفْقَةٍ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَلَيْسَ إلَى الرَّدِّ سَبِيلٌ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُمَا صَفْقَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ مَعْنَى مَا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ إلَّا الْقَوْلُ الْآخَرُ الَّذِي حَكَاهُ الرَّبِيعُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَآخِرُ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الرَّدِّ وَأَوَّلُ كَلَامِهِ فِيهِ احْتِمَالٌ لِمَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَمَا قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَإِنَّمَا احْتَجْتُ إلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إنَّهُ قَالَ يَرْجِعُ إلَى حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ مَنْعِ التَّفْرِيقِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَقَلَهُ عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ صَرِيحٍ فِي التَّفْرِيقِ فَلَعَلَّ لَهُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ نَصًّا آخَرَ وَأَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا حَكَى عَنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ نَظَرًا مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّا نُفَرِّعُ عَلَى مَنْعِ التَّفْرِيقِ فَالنَّصُّ مُصَرِّحٌ بِالتَّفْرِيقِ فَكَيْفَ يُرَدُّ بِهِ وَهَذَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِنَاءً عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ ابن الرفعة عن ابن الصباغ اعترضا عَلَيْهِ لَكِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ فِيهِ النَّصَّ بِلَفْظٍ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالتَّفْرِيقِ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْعُذْرُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى(12/180)
مَنْعِ التَّفْرِيقِ حَتَّى يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ بَلْ إنَّمَا قَالَ إذَا جَوَّزْنَا الرَّدَّ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْهُ فَإِذَا نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ مَعَ الرَّدِّ يَسْتَرْجِعُ الْقِسْطَ يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ لا يسترجع القسط بل يضم القيمة على التَّالِفِ وَيَسْتَرْجِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ رَدًّا ظَاهِرًا وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) مِنْ اعْتِرَاضِ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ اخْتِلَافَ الْعِرَاقِيِّينَ قِيلَ إنَّهُ مِنْ الْقَدِيمِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَأَنَّهُ يَضُمُّ قِيمَةَ التَّالِفِ إلَى الْبَاقِي وَيَرُدُّهَا فَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ حصل التالف فِي يَدِهِ وَهُوَ الْغَارِمُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حسين مع حكاية القولين في الصورتين الاولتين قَالَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْغَارِمُ هُوَ
الْمُشْتَرِيَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْغَارِمُ هُوَ الْبَائِعَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ وَفِي التَّتِمَّةِ حِكَايَةُ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يريد ازلة يَدِهِ عَنْ الثَّمَنِ الْمَمْلُوكِ لَهُ وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ شَاذٌّ (قُلْتُ) فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ بَعْدَ أَنْ قَالَ إنَّهُ يَرُدُّ الْقَائِمَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ (قَالَ) فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قد لزم المشترى وهو يريد إسقاط الشئ عَنْهُ لِمَا يَدَّعِي مِنْ كَثْرَةِ قِيمَةِ الْفَائِتِ ولا أقبل دعواه وهذا يدل للوجه الَّذِي قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ بَلْ هُوَ هُوَ وَالْقِيمَةُ هُنَا مَعْرُوفَةٌ وَاعْتِبَارُهَا بِيَوْمِ التَّلَفِ عَلَى الاصح وليس كما تقدم على القول الْآخَرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي بَابِ التَّخَالُفِ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا ظَهَرَ الْعَيْبُ بِالتَّالِفِ فَقَطْ لَمْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ قَطْعًا وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ التَّالِفِ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بِأَحَدِهِمَا أَوْ بِهِمَا بَعْدَ بَيْعِ أَحَدِهِمَا فَقَدْ جَمَعَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ ما إذا كان أحدهما تالفا وجزم الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُنَا أَيْضًا بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ مِنْ الرَّدِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا وَخَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ مِلْكِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ امْتِنَاعُ رَدِّ الْبَاقِي فَاشْتَرَكَتْ صُورَةُ التَّلَفِ وَصُورَةُ الْبَيْعِ فِي التَّرْتِيبِ عَلَى مَا إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ(12/181)
لَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأُولَى الْجَوَازُ وَفِي الثَّانِيَةِ المنع وهذا الذى ذكرناه إذ بَاعَ أَحَدَهُمَا وَكَانَا مَعِيبَيْنِ أَوْ بَاعَ الصَّحِيحَ وَبَقِيَ الْمَعِيبُ (أَمَّا) لَوْ بَاعَ الْمَعِيبَ وَبَقِيَ الصحيح فلا يرد الباقي لآن قَطْعًا وَالْكَلَامُ فِي الْأَرْشِ عَلَى مَا مَرَّ وَتَحْقِيقُ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْقِيقِ الْعِلَّةِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْبَعْضَ هَلْ هُوَ عَدَمُ الْيَأْسِ أَوْ غَيْرُهُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ فُصُولٍ
*
* (فَرْعٌ)
* اسْتَثْنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنْ وُجُوبِ الْأَرْشِ عَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ الْإِفْرَادِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً وَهِيَ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاعَ أَحَدَهُمَا قَالَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يُدَلِّسْ فِيهِ بِعَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا فَفِي هَذَا الْمَوْجُودِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ (1) وَالْآخَرُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ (قُلْتُ) لَعَلَّ مُرَادَهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ صَحِيحًا مِنْ عَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُدَلِّسْ فِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي (الثَّانِي) لشئ حَدَثَ عِنْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ لِعَدَمِ الْيَأْسِ مِنْ رُجُوعِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ وَيَرُدُّهُمَا مَعًا وَذَلِكَ يُوَافِقُ
مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وهو يجئ عَلَى الْمَذْهَبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا بِعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ فَفِي رُجُوعِهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ فِي الثَّانِي قَوْلَانِ كَمَا لَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَعْتَقَهُ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
*
* (فَرْعٌ)
* بِمَا ذَكَرْنَاهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ وَلَكِنَّهَا مَرَاتِبُ فَفِي الْعَبْدَيْنِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا تَالِفًا الْجَوَازُ قَوِيٌّ جِدًّا وَدُونَهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا وَالْخِلَافُ فِيهِ قَوِيٌّ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا الْمَنْعَ وَدُونَهُ إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ فِي مِلْكِهِ وَالْعَيْبُ بِأَحَدِهِمَا وَدُونَهُ إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ وَالْعَيْبُ بِهِمَا وَدُونَهُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ إذَا بَاعَ بَعْضَهُ وَدُونَهُ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ كُلُّهُ بَاقِيًا فِي مِلْكِهِ فَهَذِهِ سِتُّ مَرَاتِبَ لَا يُرَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا فِي الْأُولَى
*
* (فَرْعٌ)
* حُكْمُ نَقْصِ أَحَدِهِمَا حُكْمُ تَلَفِهِ وَعِتْقِهِ وَبَيْعِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِأَحَدِهِمَا مَعَ النَّقْصِ الْحَادِثِ فَيَصِيرَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ نَقْصٌ
* (فَائِدَةٌ)
* أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يُطْلِقُونَ تَوْزِيعَ الثَّمَنِ عَلَى الْعَبْدَيْنِ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا وَالرَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قبل باعتبار قيمتهما إلى سليمتين وَلَا يَتَأَتَّى غَيْرُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ الثَّمَنَ عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَلَوْ وَزَّعْنَا الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْبِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى خَبْطٍ وَفَسَادٍ دَلَّ عَلَيْهِ الِامْتِحَانُ فَالصَّوَابُ تَقْدِيرُ السَّلَامَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا وَهِيَ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ نَافِعَةٌ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) فِي الشفعة حيث يأخذ الشقص بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ (وَمِنْهَا) فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا وُزِّعَ الثَّمَنُ فَيُجْبَرُ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ(12/182)
بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَيُجْبَرُ بِالْعَيْبِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْبِ (وَمِنْهَا) مَسْأَلَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي الرِّبَا فِي الصَّرْفِ إذَا بَاعَ دِينَارَيْنِ بِدِينَارَيْنِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا اخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةً الْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ الصِّحَّةَ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَانْتَدَبْت لَهُ مَأْخَذًا بَعِيدًا وَبِهَذِهِ الْفَائِدَةِ هُنَا يَتَرَجَّحُ فَظَهَرَ مَأْخَذٌ حَسَنٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُتَمَسَّكُ بِهِ فِيهِ وَيَقْوَى على أبى طَالِبٍ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ مِنْ جِهَةِ التَّوْزِيعِ وَالتَّوْزِيعُ هَهُنَا لَا يَقْتَضِي المفاصلة إذا وزع باعتبار السلامة وانما يقتضي المفاضلة إذَا وُزِّعَ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ الْعَيْبِ (وَمِنْهَا) فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَمِنْهَا) فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا تَخْفَى الْفُرُوعُ بَعْدَ بَيَانِ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا وَمُلَاحَظَتُهَا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فِي أَبْوَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ
*
* (فَرْعٌ)
* لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بِالتَّالِفِ وَحْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ التَّالِفَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ مَقْصُودًا أَوْ مُسَوِّغًا وَإِنَّمَا صَحَّ الْفَسْخُ فِي التَّالِفِ تَبَعًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ بَقَاءَ السَّلِيمِ مُسَوِّغٌ لِوُرُودِ الرَّدِّ عَلَى الْمَعِيبِ فِي الصَّفْقَةِ الَّتِي شَمِلَتْهُ وَلَيْسَ لِتَكَلُّفِ الْمَبِيعِ جُمْلَةً إذْ لَا مَوْرِدَ أَصْلًا فَلِذَلِكَ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ
*
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْكِتَابِ)
* إذَا اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ عَيْنًا وَوَجَدَا بِهَا عَيْبًا وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إمْسَاكَ حِصَّتِهِ وَالْآخَرُ رَدَّ حِصَّتِهِ جَازَ عَلَى الْقَوْلِ الظَّاهِرِ الْمَنْقُولِ عَنْ نَصِّهِ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَمُعْظَمِ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو يوسف ومحمد وابن أبى ليلى ومنه أخذ الصفقة تتعدد بتعدى الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ ما ملك مجارا كالمشترى الواحد قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ أَصَابَ الْمُشْتَرِيَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ رَجُلٍ بِجَارِيَةٍ عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ فَذَلِكَ لَهُمَا لِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي شِرَاءِ الِاثْنَيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِي النِّصْفِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ انْتَهَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَيُحْكَى عَنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ الْقَدِيمِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد إنَّهُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة إنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالرَّدِّ لِأَنَّ الْعَبْدَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ كَامِلًا وَالْآنَ يَعُودُ إلَيْهِ بعضه وبعض الشئ لَا يُشْتَرَى بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ لَوْ بِيعَ كُلُّهُ وَرُبَّمَا أَوْرَدُوا ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ مُجْتَمِعًا أَوْ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَمِنْ هَذَا الْقَوْلِ أُخِذَ أَنَّ الصَّفْقَةَ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي مُتَّحِدَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَعَدِّدَةٌ وَبِذَلِكَ مَنَعُوا مَنْ قَالَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ(12/183)
صَفْقَةً وَمَنَعُوا أَيْضًا مَنْ قَالَ خَرَجَ مُجْتَمِعًا بما أشار إليه الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اسْتِدْلَالِهِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْبَائِعَ فَرَّقَ الْمِلْكَ فِي الْإِيجَابِ أَيْ فَلَمْ يَخْرُجَ مُجْتَمِعًا وَأَمَّا مَنْ قَالَ كَلَامُكَ إنْ أُرِيدَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَهِيَ مَعْنًى وَإِنْ أُرِيدَ التَّأْكِيدُ فَلَا يُفِيدُ وَمَنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَازِمٌ بِأَنَّ الصَّفْقَةَ متعددة واعترض القائلون باتحادهما وَامْتِنَاعِ الِانْفِرَادِ بِالرَّدِّ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْتُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَبِمَا إذَا أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ الثَّمَنِ وَأَرَادَ إجْبَارَ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ نِصْفِ الْعَبْدِ وَبِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ عِنْدَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْبَيْعُ في حقه سواء قبل صاحبه أم رَدَّهُ وَقِيلَ إنَّ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصًّا فِي الْخُلْعِ يَشْهَدُ لَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ الْأَظْهَرُ فِي الْقِيَاسِ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي النَّقْلِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ لَا يَصِحُّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّعَدُّدِ فَإِنَّ صِيغَةَ إيجَابِ الْبَائِعِ تَقْتَضِي جَوَابَهُمَا فَكَأَنَّهَا مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ يُجِيبَاهُ مَعًا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ عُرْفًا وَفِي هَذَا نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَعَنْ (الثَّانِي) أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ نَصِيبِهِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ اختلاف التبايعين إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ (الثَّالِثِ) بِأَنَّ الْبَائِعَ هَذَا الَّذِي شَرَطَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْعَيْبُ حَادِثًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ عَرَفْتَ بِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَسُّ بِكَلَامِ الْمُخَالِفِ مِنْ اسْتِدْلَالِ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ مَا مَلَكَ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ صَحِيحًا وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْهُمَا فِي صَفْقَتَيْنِ أَيْ مُتَعَدِّدَتَيْنِ لَفْظًا فَإِنَّ هَذِهِ مُتَعَدِّدَةٌ حُكْمًا لَا لَفْظًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الاولى أن نفرض الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ وَالْبَائِعُ وَارِثُهُ أَوْ عَادَ إلَى الْبَائِعِ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بالبيع أو بالهبة كي يسقط حل كَلَامِهِمْ أَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ شِقْصًا مِنْ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِالشُّفْعَةِ وَهَذَا الَّذِي الْتَزَمَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَعَدِّدٌ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ أَبُو الظفر بْنُ السَّمْعَانِيِّ إنَّ هَذِهِ طَرِيقٌ سَقِيمَةٌ لَا يُمْكِنُ تَمْشِيَتُهَا وَمَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فَلِضَعْفِهِ فِي المعاني لان قوله بعث مِنْكُمَا فِي جَانِبِهِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ نَعَمْ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ وَلَوْ جَازَ أَنْ نَجْعَلَ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي لَجَازَ ذَلِكَ لتعدد الجمع وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ الصَّفْقَةَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَكِنْ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لَهُمَا وَهُوَ حَقٌّ مَشْرُوعٌ فَيُمْكِنُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتٍ وَإِسْقَاطٍ بِعَدَمِ مُسَاعَدَةِ الْآخَرِ لَهُ وَأَجَابَ عَنْ كَوْنِ الشَّرِكَةِ عَيْبًا بِأَنَّ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ قَدْ زَالَتْ وَاَلَّتِي وُجِدَتْ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا(12/184)
وُجِدَتْ بِعَدَمِ الرَّدِّ وَالرَّدُّ لَا يَعِيبُ الْمَبِيعَ لَكِنْ يُعِيدُهُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ثُمَّ الشَّرِكَةُ تَثْبُتُ بِاخْتِلَافِ الْمِلْكِ فَلَا يَكُونُ الْعَيْبُ الَّذِي هُوَ مَعْلُولُ الرَّدِّ سَابِقًا لِعِلَّتِهِ وَمَا قَالَهُ أَوَّلًا لَا يُمْكِنُ تَمْشِيَتُهُ فَإِنَّ مِنْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ أَخْذَ الْوَارِثِينَ لِمُشْتَرِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مُسْتَقِلٌّ بِالرَّدِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا قَالَهُ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّا إنْ قُلْنَا بِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ مَنَعْنَا انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّعَدُّدِ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمَنْعُ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ هَذَا إذَا نَظَرْتَ إلَى التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ أَوَّلًا فَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقَوْلَيْنِ أَوَّلًا فِي الِانْفِرَادِ فَأَحْرَزْنَا فَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَجْوِيزُ التَّفْرِيقِ وَإِنْ مَنَعْنَا الِانْفِرَادَ هَلْ ذَلِكَ لِحُكْمِنَا بِالِاتِّحَادِ أَوْ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ وَإِنْ كانت الصفقة متعددة فيه وَجْهَانِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَوْفَقُ لِكَلَامِهِمْ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي لِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ
* التَّفْرِيعُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ إنْ جَوَّزْنَا الِانْفِرَادَ فَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا فَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا وَيَخْلُصُ لِلْمُمْسِكِ مَا أَمْسَكَ وَلِلرَّادِّ مَا اسْتَرَدَّ أَوْ تَبْقَى الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِيمَا أَمْسَكَهُ الْمُمْسِكُ وَاسْتَرَدَّهُ الرَّادُّ حَكَى الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا قُلْتُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي بَعِيدٌ جِدًّا وَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ الَّذِي أَمْسَكَهُ الْمُمْسِكُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّادِّ وَالرَّادُّ لَمْ يبقى عَلَى مُلْكِهِ شَيْئًا وَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ نِصْفَ الثَّمَنِ الَّذِي اسْتَرْجَعَهُ الرَّادُّ يَأْخُذُ الْمُمْسِكُ نِصْفَهُ وَهُوَ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا وَوَجَّهَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنُهُمَا قِسْمَةٌ وَهَذَا تَوْجِيهٌ ضَعِيفٌ لان ذلك إنما يَكُونُ فِي الْمُعَيَّنِ لَا فِي الْمُشَاعِ فَإِنَّ النصف المشاع المردود مختص الراد قطعا وحمله ابن لرفعة عَلَى مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَهَذَا الْحَمْلُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَصِحُّ مَعَهُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمُسْتَرَدِّ مِنْ الثَّمَنِ أَمَّا بَقَاءُ الشَّرِكَةِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ الْبَاقِي فَلَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِي الْمُسْتَرَدِّ مِنْ الثَّمَنِ أَيْضًا لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مَلَكَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ انْتَقَضَ مِلْكُهُ فِي نصفه الشائع المختص بالراد حكم رَدِّهِ وَيَقْسِمُهُ الرَّادُّ وَالْبَائِعُ وَهُوَ قِسْمَةٌ جَدِيدَةٌ وَارِدَةٌ عَلَى مِلْكَيْهِمَا وَلَيْسَ لِلْمُمْسِكِ فِيهَا حَظٌّ ونصفه الشائع لم ينقض الملك في شئ مِنْهُ فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْوَجْهِ أَصْلًا
* نَعَمْ قَدْ تَقَدَّمَ لَنَا عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ شُذُوذٌ فِي جَوَازِ رَدِّ بَعْضِ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ فَعَلَى ذَلِكَ إذَا قَالَ الرَّادُّ رَدَدْتُ النِّصْفَ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ نِصْفُهُ وَقُلْنَا بِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُحْمَلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ كَمَا هُوَ فِي الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَيَصِحُّ الرَّدُّ فِي نِصْفِ نَصِيبِهِ وَلَكِنْ لَا يَبْقَى نَصِيبُ الْمُمْسِكِ مُشْتَرَكًا وَلَا الْمُسْتَرَدُّ مِنْ الثَّمَنِ مُشْتَرَكًا لِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّدِّ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بَلْ يَبْقَى لِلرَّادِّ رُبُعُ الْعَبْدِ وَلِلْمُمْسِكِ نِصْفُهُ وَيَسْتَرِدُّ الرَّادُّ رُبُعَ الثَّمَنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْوَجْهُ إلَى(12/185)
الْغَلَطِ أَقْرَبُ وَمَنْ التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الرَّادَّ ضَمُّ أَرْشِ التَّبْعِيضِ إلى ما يرده لِأَنَّ الْبَائِعَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ قَالَهُ الْإِمَامُ
* وَإِنْ مَنَعْنَا الِانْفِرَادَ فَذَاكَ فِيمَا يَنْقُصُ بِالتَّبْعِيضِ (أما) مالا يَنْقُصُ كَالْحُبُوبِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ ضَرَرُ التَّبْعِيضِ أَوْ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَعَلَى الثَّانِي يَمْتَنِعُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ يَمْنَعُ أحد اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَالْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ بَيَانُهُمَا حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْمُشْتَرِي الْوَاحِدِ فَفِي الْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْلَى وَلِذَلِكَ أَصْلَحَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ نُسَخِ التَّنْبِيهِ وَجَعَلَ إنْ اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدًا وَلَفْظُ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ شَاهِدٌ لَهُ وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُخْتَصَرِ سِلْعَةً مَكَانَ جَارِيَةٍ فَيَكُونُ شَاهِدًا لِلنُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ وَيَكُونُ كَلَامُ الْبُوَيْطِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ مُفِيدًا لِذَلِكَ
* وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْسِمَاهُ فَإِنْ اقْتَسَمَاهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِيهِ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ وَبَنَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِسْمَةِ إنْ قُلْنَا إفْرَازٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَكَمَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ بَيْعِ بَعْضِهِ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي وَلَمْ أَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ هَكَذَا لَكِنَّهُ لَوْ قَالَ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى مُشَاعًا كَنِصْفِ عَرْصَةٍ ثُمَّ قَاسَمَ الْمَبِيعَ ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا قَدِيمًا إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لَهُ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ بَاعَ بَعْضَ الْمَبِيعِ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ (قُلْتُ) أَمَّا الْبِنَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ أَوْ بَيْعٌ فَمُتَّجَهٌ مُتَعَيَّنٌ (وَأَمَّا) مَنْعُ الرَّدِّ إذَا قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ فِيمَا إذَا قَاسَمَ الْبَائِعَ فَمُشْكِلٌ عَلَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ فِيمَا إذَا بَاعَ بَعْضَ الْعَيْنِ مِنْ الْبَائِعِ أَنَّهُ يَرُدُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا الصَّحِيحُ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ إذَا قَاسَمَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْفَتَاوَى إذَا اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ رُبُعٍ وَقَاسَمَ شَرِيكَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَالَ (إنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ لَهُ الرَّدُّ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَهُوَ بَاعَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ فَيَرُدُّ النِّصْفَ الَّذِي يَمْلِكُ مِنْ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ فَإِذَا رَدَّ يَعُودُ إلَيْهِ النصف الذى يملك منه الشريك ثم رد الْكُلَّ بِالْعَيْبِ وَإِلَّا يَبْطُلُ حَقُّهُ لِأَنَّ الرَّدَّ يَعْقُبُهُ فَسْخُ الْعَقْدِ لِاخْتِلَافِ الْمِلْكِ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِدَرَاهِمَ وَبَاعَهُ بِثَوْبٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا فَرَدَّهُ وَاسْتَرَدَّ الْعَبْدَ وَبِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِهِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَهُ أَنْ يَرُدَّ لِأَنَّهُ قَصَدَ رَدَّ الثَّوْبِ وَالْعَبْدُ غاد لَا بِاخْتِيَارِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ لانه يرد الثَّوْبِ اخْتَارَ مِلْكَ الْعَبْدِ مَعِيبًا قُلْتُ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عَلَى رَأْيِهِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِيمَا إذَا بَاعَ الْمَعِيبَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالصَّحِيحُ خلافه ولو أرد الْمَمْنُوعُ مِنْ الرَّدِّ الْأَرْشَ قَالَ الْإِمَامُ إنْ حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ إمْكَانِ رَدِّ نَصِيبِ الْآخَرِ(12/186)
بِأَنْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ نَظَرٌ إنْ رَضِيَ صَاحِبُهُ بِالْعَيْبِ فَيُبْنَى عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ صاحبه وضمنه إلَى نَصِيبِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ وَيَرْجِعَ بنصف الثمن هل يجبر على قوله كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ وَفِيهِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) لَا أَخَذَ الْأَرْشَ (وَإِنْ قُلْنَا) نَعَمْ فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ تَوَقُّعٌ بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَائِبًا لَا يَعْرِفُ الْحَالَ فَفِي الْأَرْشِ وَجْهَانِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ مِنْ جِهَةِ الْحَيْلُولَةِ النَّاجِزَةِ
* وَقَدْ بَقِيَ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ (مِنْهَا) إذا تعدد البائع كما لو اشترى واحد عَيْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَهُ رَدُّ نِصْفِ الْمَبِيعِ على أحد البائعين قاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ قَطْعًا وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ شِقْصَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَهَلْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ لِلتَّعَدُّدِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِلضَّرُورَةِ قال أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُهُ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الشُّفْعَةِ عَلَى عَكْسِ مَذْهَبِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَمِنْهَا) إذَا تعدد العاقدان بأن اشترى رجلان عَيْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ فِي حُكْمِ أَرْبَعَةِ عُقُودٍ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اشْتَرَى رُبُعَ الْمَبِيعِ مِنْ هَذَا وَالرُّبُعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ وَكَذَلِكَ لِصَاحِبِهِ قاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَلَوْ اشْتَرَى ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ عَبْدًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَرُدَّ بَيْعَ الْعَبْدِ عَلَى كُلِّ واحد من البائعين الثلاثة لان حكمهما حُكْمُ الْعُقُودِ التِّسْعَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَمِنْهَا) إذَا تَعَدَّدَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْعَاقِدُ مَعًا بِأَنْ اشْتَرَى رَجُلَانِ عَبْدَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعَيْنِ وَهَلْ لَهُ رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّدِّ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ أَيْضًا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِعَيْنِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ هَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ النِّصْفِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ وَكَأَنَّهَا غلط والصواب أن يقال على البائعين بأسقاط أحد فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ اشْتَرَى النِّصْفَ مِنْ الْبَائِعَيْنِ لَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا رَدُّ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْبَائِعَيْنِ قَطْعًا وَرَدُّ نِصْفِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ قَطْعًا وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا رَدُّ نِصْفِهِمَا عَلَى الْبَائِعَيْنِ أَوْ رُبُعِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ عَلَى قَوْلَيْ التَّفْرِيقِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ هَذَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْعَبْدَيْنِ مُشَاعًا بَيْنَ الْبَائِعَيْنِ (وَمِنْهَا) إذَا كان أحد العبدين لهذا ولآخر لِذَاكَ وَجَمَعَا بَيْنَهُمَا فِي الصَّفْقَةِ(12/187)
وَجَوَّزْنَاهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَهَلْ لَهُ رَدُّ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ بِالْعَيْبِ إنْ جَوَّزْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَا لِوَاحِدٍ فَهَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا مَلَكَ مِنْ جِهَتِهِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَرُدُّ نِصْفَ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فَالْقَوْلُ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ بَعِيدٌ (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى أَحَدِهِمَا نِصْفَيْ الْعَبْدَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَيْ الْعَبْدَيْنِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ نِصْفِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَعَلَى قَوْلَيْنِ وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ رُبُعِ الْعَبْدَيْنِ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ قَالَهُ الْقَاضِي الحسين قَالَ وَالْحَدُّ فِيهَا أَنَّ فِيمَا هُوَ الْخَيْرُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَفِيمَا هُوَ الشَّرُّ وَجْهَانِ (وَمِنْهَا) اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَحُكْمُهُمَا ظَاهِرٌ فيما تقدم لهما رَدُّ الْعَبْدَيْنِ قَطْعًا وَلِأَحَدِهِمَا رَدُّ حِصَّتِهِ مِنْهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ كَأَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ الْوَاحِدَ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ نِصْفِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ عَلَى الْأَصَحِّ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ مَعَ الْمُشْتَرِي الْوَاحِدِ وَلَمْ أَرَهَا مَسْطُورَةً
*
* (فَرْعٌ)
* جُمْلَةُ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ تَرْجِعُ إلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَمِيعُ أَوْ يَتَعَدَّدَ الْمَبِيعُ فَقَطْ أَوْ الْمُشْتَرِي فَقَطْ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ أَوْ يَتَعَدَّدَ الْبَائِعُ فَقَطْ أَوْ الْبَائِعُ وَالْمَبِيعُ أَوْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الْمَبِيعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ يَتَعَدَّدَ الْجَمِيعُ وَوَجْهٌ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ الْجَمِيعُ أَوْ يَتَّحِدَ الْجَمِيعُ أَوْ يَتَّحِدَ وَاحِدٌ فَقَطْ أَوْ يَتَعَدَّدَ وَاحِدٌ فَقَطْ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ ثَلَاثَةٌ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَاحِدًا فِي صَفْقَتَيْنِ نِصْفُهُ بِصَفْقَةٍ وَنِصْفُهُ بِصَفْقَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ رَدُّ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ بِالْعَيْبِ دُونَ الثَّانِي بِلَا خِلَافٍ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ
** (فَرْعٌ)
* هَذَا كُلُّهُ إذَا تَوَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَانَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَكِيلٌ وَاحِدٌ (أَمَّا) إذَا عَقَدَ بالوكالة وحصول التعدد في الوكيل أو في الوكل فَهَلْ الِاعْتِبَارُ فِي تَعَدُّدِ الْعَقْدِ وَاتِّحَادِهِ بِالْعَاقِدِ أَوْ الْمَعْقُودِ لَهُ فِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ يَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَيُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ دُونَ رُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ (وَالثَّانِي) الِاعْتِبَارُ بِالْمَعْقُودِ لَهُ وهو الموكل قاله ابو زيد والحصري وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إلَى أَئِمَّةِ الْعِرَاقِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْوَجِيزِ (وَالثَّالِثُ) الِاعْتِبَارُ فِي طَرَفِ الْبَيْعِ بِالْمَعْقُودِ لَهُ وَفِي الشِّرَاءِ بِالْعَاقِدِ قَالَهُ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَنَسَبَهُ الرُّويَانِيُّ إلَى الْقَفَّالِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ فِي الشِّرَاءِ بِالْمُبَاشِرِ دُونَ الْمَعْقُودِ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْمَعْقُودُ لَهُ الْإِذْنَ في المباشرة وقع العقد للمباشرة بِخِلَافِ طَرَفِ الْبَيْعِ قَالَ الْإِمَامُ(12/188)
رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْفَرْقُ فِيمَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ فِي الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ كَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ (وَالرَّابِعُ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ الِاعْتِبَارُ فِي جَانِبِ الشِّرَاءِ بِالْمُوَكِّلِ وَفِي الْبَيْعِ بِهِمَا جَمِيعًا فَأَيُّهُمَا تَعَدَّدَ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ اعْتِبَارًا بِالشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْوَاحِدُ شِقْصًا لِاثْنَيْنِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا بِالْفَلَسِ وَلَوْ اشْتَرَى وَكِيلَانِ شِقْصًا لِوَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ بَعْضِهِ وَفِي جَانِبِ الْبَيْعِ حُكْمُ تَعَدُّدِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلُ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ بَاعَ وَكِيلُ رَجُلَيْنِ شِقْصًا مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ بَعْضِهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ ثَبَتَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَهَذَا أَبْعَدُ الطُّرُقِ لِأَنَّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا أَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ أَضَرَّ بِهِ وَهَهُنَا يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ فَإِذَا تَعَدَّدَ الْبَائِعُ وَرَدَّ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا كَانَ لَهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا وَإِذَا تَعَدَّدَ الْوَكِيلُ وَاتَّحَدَ الْبَائِعُ فَرَدَّ عَلَيْهِ نِصْفَ مَالِهِ تَضَمَّنَ ضَرَرًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ صَحِيحٌ وَمُدْرَكُ الشُّفْعَةِ غَيْرُ مُدْرَكِ هَذَا الْبَابِ وَلِذَلِكَ نَقُولُ فِي الشُّفْعَةِ إنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي جَزْمًا وَفِي الْبَائِعِ خِلَافٌ عَكْسُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ فَفِي كُلِّ بَابٍ يُنْظَرُ إلَى الْمَعْنَى الْمُخْتَصِّ بِذَلِكَ الْبَابِ (وَالْخَامِسُ) إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فَالْعِبْرَةُ بِالْمُوَكِّلِ (وَإِنْ) كَانَ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَالْعِبْرَةُ بِالْعَاقِدِ وَهَذَا بِالْعَكْسِ مِمَّا قَالَهُ أبو إسحق حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ في تعدد الصفقة واتحادهما إذَا جَرَتْ بِوَكَالَةٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ الْقَفَّالِ فِيمَا إذَا وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فَاشْتَرَى لَهُمَا عَبْدًا قَالَ وَقَالَ الْقَفَّالُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَكِيلُ رَجُلَيْنِ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِوَاحِدٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ وَهَذَا لَيْسَ وَجْهًا سَادِسًا فِي التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ بَلْ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَدُّدِ وَهَكَذَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا مَأْخَذُهُ رِضَا الْبَائِعِ بِالتَّبْعِيضِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرَّهْنِ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ لَهُ وَلِشَرِيكِهِ عَبْدًا وَرَهَنَ الثَّمَنَ عَيْنًا مُشْتَرَكَةً ثُمَّ وَفَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ انْفَكَّ نَصِيبُهُ مِنْ الرَّهْنِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بِخُرُوجِ بَعْضِ الرَّهْنِ عَنْ يَدِهِ قَبْلَ كَمَالِ حَقِّهِ (قَالَ) الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِأَنَّهُ مُشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ وَلِشَرِيكِهِ وَأَنَّ الرَّهْنَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ عَلَى الْخُصُوصِ أَوْ لِشَرِيكِهِ وَأَنَّ الرَّهْنَ لِوَاحِدٍ فَلَهُ الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَفَّالَ يَقُولُ بالتعدد(12/189)
لِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ وَلَا يُخَالِفُهُ كَمَا تقدمت الحكاية عنه في موافقة أبى إسحق وَلَكِنَّ مَأْخَذَهُ مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ مَا قاله مع الاوجه في تعدد الصفقة واتحادهما لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَكَانِ إذْ الْمَقْصُودُ هَهُنَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ من الفروع في الرد ولابد من التفريع عليه وقد يجئ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ بِسَبَبِهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ وَضَعَّفَ القاضى حسين قول أبى اسحق وَرَأَى أَنَّ الصَّحِيحَ مَأْخَذُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَمَأْخَذُ أبى زيد وأن أصلهما أَنَّ وَكِيلَ الشِّرَاءِ هَلْ يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ وَوَكِيلُ الْبَيْعِ هَلْ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ
*
* (فُرُوعٌ)
* عَلَى هَذَا الْأَصْلِ (مِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى وَكِيلٌ لِرَجُلٍ شَيْئًا فَخَرَجَ مَعِيبًا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَهُوَ اعتبار العاقد مطلقا أو لقول أبى اسحق فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَاسَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى مَا لَوْ اشْتَرَى وَمَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ وَخَرَجَ مَعِيبًا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَهَلْ لِأَحَدِ الموكلين والاثنين أحد الْأَرْشِ سَيَقَعُ التَّعَرُّضُ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَةَ الِاثْنَيْنِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذَا إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ويوافقه هنا قول أبى اسحق وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ أَبِي زَيْدٍ جَازَ لِكُلٍّ مِنْ الْمُوَكِّلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَكَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ يُفَرِّقُ بَيْنَ عِلْمِ الْبَائِعِ وَجَهْلِهِ إنْ عَلِمَ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ وَإِنْ جَهِلَ فَلَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَبْعِيضِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَلَمْ يُعَيِّنَا قَائِلَهُ فَحَصَلَ فِي هَذَا الْفَرْعِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رجلان رجلا بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُمَا أَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ فَبَاعَ الْكُلَّ ثُمَّ خَرَجَ مَعِيبًا هَلْ الْأَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ لَا يَجُوزُ للمتشرى رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَوْجُهِ الْأُخَرِ يَجُوزُ وَعَلَى الْخَامِسِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الْوَجْهَيْنِ هُنَا مَعَ قَطْعِهِ بِالْمَنْعِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ يُخَالِفُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ يَقْتَضِي طَرِيقَةً بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي جَانِبِ الشِّرَاءِ بِالْعَاقِدِ وَفِي جَانِبِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ ولذلك أبديت فما تَقَدَّمَ نَظَرًا فِي قَوْلِ مَنْ نَسَبَ قَوْلَ أبى زيد إلى أئمة العراق (ومنها) ولو وَكَّلَ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ لِرَجُلٍ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ الْأُخَرِ لَا يَجُوزُ (وَمِنْهَا) عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَوْ وَكَّلَ رجلان رجلا(12/190)
فِي شِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ وَلِنَفْسِهِ فَفَعَلَ وَخَرَجَ الْعَبْدُ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ ليس للمؤكلين إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَعَلَى الثَّانِي وَالرَّابِعِ يَجُوزُ وَقَالَ الْقَفَّالُ إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لهما فلاحدهما رد نصيبه لرضى الْبَائِعِ بِالتَّبْعِيضِ وَإِنْ جَهِلَهُ قُلْتُ وَهَذَا الْفَرْعُ هُوَ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَأَظُنُّ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ كَمَا هُوَ هُنَا وَذَكَرَ الْحُكْمَ فِيهِ بِالرَّدِّ ثُمَّ أَعَادَهُ لِأَجْلِ الْكَلَامِ فِي الْأَرْشِ وَغَيَّرَ عِبَارَتَهُ فَقَالَ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ بِوَكَالَةِ رَجُلَيْنِ لَهُمَا شَيْئًا فَذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ بِالْعِبَارَتَيْنِ وَقَدَّمَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ وَذَكَرَ حُكْمَ الرَّدِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَكَانَ يَسْتَغْنِي بِالْأَوَّلِ عَنْ الثَّانِي وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
*
* نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا الْفَرْعَ الْمُتَقَدِّمَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْعَقْدِ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالرَّدِّ فِيهِ وَجْهَانِ وَاخْتِيَارُ أبى إسحق لَا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَعَمْ لِأَنَّهُمَا بِالذِّكْرِ صَارَا كَمَا لَوْ بَاشَرَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ
* قُلْتُ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هُنَا (وَالْأَصَحُّ) مَا ذَكَرُوهُ هُنَا لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْوَكِيلَ مُطَالَبٌ بِالْعُهْدَةِ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْمُبَاشَرَةِ (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَرَجُلَانِ رجلا في شراء فنبايع الْوَكِيلَانِ فَخَرَجَ مَعِيبًا فَعَلَى الْأَوْجُهِ (الْأَوَّلِ) لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى (الثَّانِي) وَ (الرَّابِعِ) يَجُوزُ فَلَهُمَا أَنْ يَرُدَّا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ نِصْفَ الْعَبْدِ وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ عَلَيْهِمَا وَلَهُ رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى (الثَّالِثِ) فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي مُتَّحِدٌ دُونَ الْبَائِعِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَاحِدِ يَشْتَرِي مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَهُمَا أَنْ يَرُدَّا نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى (الْخَامِسِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ عَكْسَ الثَّالِثِ فَلِكُلٍّ مِنْ الْمُوَكِّلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ رَدُّ حِصَّتِهِ بِكَمَالِهَا وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ نِصْفِهَا عَلَى أَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ حَكَى فِيهِ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكِ الْوَجْهَ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْوَجْهَ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ عَنْهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي هَذَا الْفَرْعِ أَنَّهُ يَتَّجِهُ التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ وعلى الثاني كما قدمت وأما الرافعى رحمه الله انه اخْتَصَرَ جِدًّا وَقَالَ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَجُوزُ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ الْوَجْهُ(12/191)
الْآخَرُ وَالْمُرَادُ بِهِ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ وَيَكُونُ قَدْ يَدُلُّ التَّفْرِيعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الرَّوْضَةِ وَبَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأُخَرِ يَجُوزُ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فَأَمَّا جَوَازُهُ عَلَى الثَّانِي وَالرَّابِعِ فَصَحِيحٌ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا عَلَى الثَّالِثِ فَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَمِنْهَا) وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَوَكَّلَ رَجُلٌ آخَرَيْنِ فِي شِرَاهُ فَتَبَايَعَ الْوُكَلَاءُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَعَلَى الْوُجُوهِ الْأُخَرِ لَا يَجُوزُ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مُطْلَقًا وَأَمَّا عَلَى الثَّالِثِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ وَعَلَى الرَّابِعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَلَى الْخَامِسِ كَذَلِكَ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْوَجْهَ الْخَامِسَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَحَصَلَ فِي هَذَا الْفَرْعِ أَرْبَعُ طُرُقٍ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ الْخَمْسَةُ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَقَدَّمَهُ بِذَكَرِهَا جَمَاعَةٌ وَهِيَ فِي الرافعي والروضة ستة للتكرار الذى تقدم لتنبيه عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) وَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ لَوْ وَكَّلَ الْوَاحِدُ رَجُلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَعَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَالشَّيْخِ أبي إسحق لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ وَعَلَى طَرِيقَةِ أَبِي يزيد لَيْسَ لَهُ رَدُّ النِّصْفِ قُلْتُ وَعَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَا يَأْتِي هُنَا الْوَجْهَانِ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ بِالْوَكَالَةِ فَذَلِكَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ قِسْمًا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَّحِدَ وَكِيلُ الْبَيْعِ وَوَكِيلُ الشِّرَاءِ وَمُوَكِّلَاهُمَا وَإِمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ الْجَمِيعُ وَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ وَاحِدٌ فَقَطْ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَإِمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ وَاحِدٌ فَقَطْ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَإِمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ اثْنَانِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَقَدَّمَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ السِّتَّةَ عشر ستة في الفروع السنة الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ إذَا تَعَدَّدَ وَاحِدٌ فَقَطْ بِصُورَةِ الْأَرْبَعَةِ وَقِسْمَانِ مِنْ تَعَدُّدِ الِاثْنَيْنِ وَهُمَا تَعَدُّدُ الْوَكِيلَيْنِ وَتَعَدُّدُ الْمُوَكِّلَيْنِ وَبَقِيَتْ عَشَرَةٌ مِنْهَا اتِّحَادُ الْجَمِيعِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا وَالتِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ لَا يَخْفَى تَدَبُّرُهَا وَتَفْرِيعُهَا عَلَى الْفَقِيهِ وَإِذَا أَخَذَ مَعَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ تَعَدُّدَ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ وَاتِّحَادِهَا كَانَتْ الْأَقْسَامُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَرْعًا وَيَحْتَاجُ الْفَقِيهُ فِي حُكْمِ كُلٍّ مِنْهَا وَتَفْرِيعِهِ إلَى تَيَقُّظٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* فَأَمَّا إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِوَكَالَةٍ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَقَطْ فَسِتَّةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً لِأَنَّ الْعَاقِدَ لِنَفْسِهِ إمَّا وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْوَكِيلُ مَعَ مُوَكِّلِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ صَارَتْ ثَمَانِيَةً مَضْرُوبَةً فِي تَعَدُّدِ الْمَبِيعِ وَاتِّحَادِهِ فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فِي الْبَائِعِ وَمِثْلُهَا فِي الْمُشْتَرِي وَقَبْلَهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَقَبْلَهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ ثَمَانِيَةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَفْصِلَ فِيهِ الثَّمَنَ أولا وَلَوْلَا التَّطْوِيلُ لَذَكَرْت كُلَّ صُورَةٍ مِنْ ذَلِكَ وحكمها(12/192)
وَمَا يَقْتَضِيهِ التَّفْرِيعُ فِيهَا وَلَكِنَّ مَعْرِفَةَ الْأَصْلِ كَافِيَةٌ لِلتَّبْيِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ تَعَدُّدَ الْمَبِيعِ وَاتِّحَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* هَذَا كُلُّهُ إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ جَرَى بِصِيغَتَيْنِ فلكل منهما حكمهما وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى كُلٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فان مات من له الخيار انتقل إلى وارثه لانه حق لازم يختص بالمبيع فانتقل بالموت إلى الوارث كحبس المبيع إلى أن يحضر الثمن)
*
** (الشَّرْحُ)
* قَوْلُهُ لَازِمٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْحُقُوقِ الْجَائِزَةِ الَّتِي تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَخِيَارِ الْقَبُولِ وَخِيَارِ الْإِقَالَةِ وَخِيَارِ الْمُكَاتَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) يَخْتَصُّ بِالْمَبِيعِ احْتِرَازٌ مِنْ خِيَارِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْعَيْبِ فِي الْمَنْكُوحَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى الْمُهَذَّبِ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَجَعَلَهُ احْتِرَازًا مِنْ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ وَالْأَعْيَانُ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ وقبل التمكن من الرد أو بحدث الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي وَيُقَدِّرُ ثُبُوتَهُ لِلْمَيِّتِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّةِ وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ كَوْنِ خِيَارِ الْعَيْبِ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَلَّ مَنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا وَلَكِنْ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ حَيْثُ يَذْكُرُونَ الْخِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ يَقِيسُونَهُ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ
*
* (قَاعِدَةٌ)
* الْحُقُوقُ فِي الْمُهَذَّبِ (مِنْهَا) مَا يُورَثُ قَطْعًا (وَمِنْهَا) مالا يُورَثُ قَطْعًا (وَمِنْهَا) مَا فِيهِ خِلَافٌ وَجُمْلَةُ مَا يَحْضُرُنِي مِنْ الْحُقُوقِ الْآنَ خِيَارُ الرَّدِّ بالعيب وخيار الشفعة وخيار الفاس وَحَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَخِيَارُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَخِيَارُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْعِتْقِ وَخِيَارُ الْخُلْفِ وَحَقُّ الْحَجْرِ وَحَقُّ اللُّقَطَةِ وَحَقُّ الْمُرُورِ وَالِاخْتِصَاصُ بِالْكَلْبِ وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِمَا وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ وَقَبُولُ الوصية وحق القصاص وحد القذف والتعذير وخيار الرؤية إذا أثبتناه والتحالف والعارية والوديعة وَالْوَكَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْوَقْفُ وَالْوَلَاءُ وَالْخِيَارُ فِي النِّكَاحِ خِيَارُ الْقَبُولِ وَخِيَارُ الْإِقَالَةِ وَخِيَارُ(12/193)
الْوَكِيلِ وَحَقُّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَحَقُّ الْأَجَلِ وَالتَّعْيِينِ وَالتَّبْيِينِ فِي إبْهَامِ الطَّلَاقِ وَفِي نِكَاحِ المشرك وتفسير الاقرار بالمجمل والله أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ قَطَعَ ابْنُ الْمُشْتَرِي يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَانْتَقَلَ الْإِرْثُ إلَى الِابْنِ الْقَاطِعِ هَلْ لَهُ الْخِيَارُ بِحَقِّ الْإِرْثِ قَالَ الرُّويَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْخِيَارَ عَنْ الْمُوَرَّثِ لَا عَنْ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فِي حَيَاةِ الْمُوَرَّثِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِذَا صَحَّ هَذَا فَإِنْ اخْتَارَ إجَازَةَ الْبَيْعِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا لِلْقَطْعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَإِنْ فَسَخَ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَيَسْتَرْجِعُ الثَّمَنَ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يَغْرَمُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ الحاقا للمماليك بالاموال
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ كَانَ له وارثان فاختار أحدهما أن يرد نصيبه دون الآخر لم يجز لانه تبعيض صفقة في الرد فلم يجز من غير رضا البائع كما لو أراد المشترى أن يرد بعض المبيع)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّ أَحَدَ الِاثْنَيْنِ لَوْ سَلَّمَ نِصْفَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ إلَيْهِ وَبِأَنَّهُمَا قَائِمَانِ مَقَامَ الْمُوَرَّثِ وَلَمْ يُكْرَهْ لَهُ التَّبْعِيضُ وَهَذَا هُوَ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله واحترز بقول تَبْعِيضُ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ وَبِقَوْلِهِ الصَّفْقَةُ أَيْ الْوَاحِدَةُ عَنْ الْمُشْتَرِينَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْوَارِثِينَ بِرَدِّ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَالِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْعِرَاقِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ مُحْتَجًّا بِالصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا وَرِثَهُ اثْنَانِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ وَنَظَرَهُ ابْنُ الرفعة بقول فِي الرَّاهِنِ إذَا مَاتَ وَخَلَّفَ اثْنَيْنِ فَوَفَّى أَحَدَهُمَا مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ أَنَّهُ يَنْفُذُ نَصِيبُهُ وَبِالْجُمْلَةِ هَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ (وَإِذَا قُلْنَا) بِهِ فَلَا أَرْشَ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَجِبُ الْأَرْشُ لِلَّذِي مَنَعْنَاهُ مِنْ الرَّدِّ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ وَنَسَبَهُ الرُّويَانِيُّ إلَى ابْنِ الْحَدَّادِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ كَمَا بِالتَّلَفِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجِبُ لِعَدَمِ الْيَأْسِ فَإِنَّهُ يَرْجُو مُوَافَقَةَ صَاحِبِهِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْأَصَحُّ التَّفْصِيلُ إنْ حَصَلَ الْيَأْسُ بِأَنْ عَلِمَ الْآخَرُ بِالْعَيْبِ وَأَبْطَلَ حَقَّهُ أَوْ تَوَانَى مَعَ الْإِنْكَارِ رَجَعَ هَذَا بِالْأَرْشِ وَإِنْ كَانَ يَرْجُو مُوَافَقَةَ صَاحِبِهِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ حُضُورِهِ مَعَ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ فَلَا وَهَذَا مِنْ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا يَجِبُ(12/194)
الْأَرْشُ مُطْلَقًا وَإِنْ حَصَلَ الْيَأْسُ لَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَجَزَمُوا بِهِ وُجُوبُ الْأَرْشِ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلْيَكُنْ قَوْلُ الْقَاضِي مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ تَنْزِيلَ الْوَجْهَيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَعِلَّتُهُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي تُرْشِدُ إلَى أَنْ مَحَلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْيَأْسِ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلَ الرَّدِّ وَقَوْلَ أَخْذِ الْأَرْشِ وَقَوْلَ التَّفْصِيلِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَنَسَبَهُ إلَى الْقَفَّالِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَطَعَ حَالَةَ الْيَأْسِ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ حَالَةَ عَدَمِ الْيَأْسِ لِوُجُودِ التَّعَذُّرِ وَالْكَلَامُ فِي الْوَارِثِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ أَجَازَ تَعْيِينَهُ فِيمَا إذَا وَكَّلَ اثْنَانِ وَاحِدًا بِالشِّرَاءِ وَمَنَعْنَا كُلًّا مِنْ الْمُوَكِّلَيْنِ مِنْ الِانْفِرَادِ بِرَدِّ نَصِيبِهِ فَهَلْ لَهُ الْأَرْشُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعَ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في مسألة الوارثين ثلاثة أوجه
(أصحهما) لَا يَرُدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ إنْ أَيِسَ
(وَالثَّانِي) لَا يَرُدُّ الْأَرْشَ
(وَالثَّالِثُ) يَرُدُّ وَقَوْلُنَا هُنَا عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ أَيْ هَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ أَوْ لِلْبَائِعِ أَنْ يسقطه بالرضي بالرد لذى ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَكَذَلِكَ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَارِثِينَ بِأَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطَى نِصْفَ الْأَرْشِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ هُوَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ أَيْ إنْ لَمْ يُوَافِقْ الْبَائِعُ عَلَى الرَّدِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ عَيْنًا رَضِيَ الْبَائِعُ أَوْ سَخِطَ وَيُعَضِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ مَنْسُوبٌ إلَى ابْنِ الْحَدَّادِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَائِلٌ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ إنَّهُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ الْأَرْشَ يُجْبَرُ الْبَائِعُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا إذا رَضِيَ الْبَائِعُ بِالرَّدِّ وَسَقَطَ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَرْشِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ حَتَّى يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ مُطْبِقًا عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّا إنْ جَعَلْنَا الْمَانِعَ كَوْنَ الصَّفْقَةِ مُتَّحِدَةً وَلَا يُقْبَلُ التَّفْرِيقُ شَرْعًا فَيَمْتَنِعُ وَيَجِبُ الْأَرْشُ عينا وليس للبائع الرضى بِالرَّدِّ وَإِسْقَاطِ حَقِّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَرْشِ (وَإِنْ) جَعَلْنَا الْمَانِعَ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ لِلْبَائِعِ بِالتَّبْعِيضِ فَإِذَا رَضِيَ بِالرَّدِّ فَقَدْ رَضِيَ بِحُصُولِ الضَّرَرِ لَهُ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَرْشِ (وَأَمَّا) الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِي مَسْأَلَةِ الِاثْنَيْنِ وَالْمُوَكِّلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ إذَا مَنَعْنَا أَحَدَهُمَا عَنْ الِانْفِرَادِ أَنَّهُ حَصَلَ الْيَأْسُ عِنْدَ رَدِّ الْآخَرِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَجَبَ الْأَرْشُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَكَذَلِكَ عَلَى الاصح فاما جزمه بالارش عند(12/195)
اليائس الْحَقِيقِيِّ فَجَيِّدٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي يُوهِمُ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ وَتَأْوِيلَهُ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْيَأْسَ عَنْ رَدِّ الْآخَرِ بِأَنْ رَضِيَ بِهِ وَجَبَ الْأَرْشُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَلِذَلِكَ يَحْصُلُ برضى الْآخَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُوَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَدَّمْته عَنْهُ أَنَّ الْيَأْسَ بِإِعْتَاقِ الْآخَرِ وَهُوَ مُعْسِرٌ (وَأَمَّا) الرِّضَا فَإِنَّهُ قَدَّمَ فِيهِ خِلَافًا عَنْ الْإِمَامِ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ صاحبه وضمه إلى نصيبه وأراد رَدَّهُ وَالرُّجُوعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهِ (إنْ قُلْنَا) لَا وَجَبَ الْأَرْشُ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ فَقَطْعُهُ هُنَا بِأَنَّ الرِّضَا يَحْصُلُ بِهِ الْيَأْسُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ هُنَاكَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ الْأَرْشِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ الرِّضَا فَهُوَ فِيهِ مُوَافِقٌ لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ التَّصْحِيحَيْنِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَأْخَذِ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ وَهَلْ هُوَ الْيَأْسُ أولا وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ الله عنه وسأذكره عندما إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا أَوْجَبْنَا الْأَرْشَ لِلْمَمْنُوعِ مِنْ الرَّدِّ فَهَلْ هُوَ أَرْشُ النِّصْفِ أَوْ نِصْفُ الْأَرْشِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الِاثْنَيْنِ (الثَّانِي) وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ وَأَحَدُ الْوَارِثَيْنِ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ مَا كَانَ الْمَيِّتُ يَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ الْأَرْشَ كَامِلًا فَيَسْتَحِقُّ أَحَدُ وَارِثِيهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ نِصْفَهُ (وَأَمَّا) أَحَدُ الْمُوَكِّلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ فَمِنْ حَيْثُ كَوْنُ الصَّفْقَةِ وَاحِدَةً اعْتِبَارًا بِالْوَكِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ لنسبة مسألة لاثنين وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمَا لَا يَتَلَقَّيَانِ اسْتِحْقَاقَ الْأَرْشِ مِنْ غَيْرِهِمَا حَتَّى يَنْقَسِمَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْشُ نُقْصَانِ مِلْكِهِ وَقَدْ يَكُونُ أَرْشُ النِّصْفِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْأَرْشِ لِأَنَّا نُثْبِتُهُ مِنْ قِيمَةِ النِّصْفِ وَقِيمَةُ النصف أقل من نصف القيمة
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ وُجِدَ العيب وقد زاد المبيع نظرت فان كانت لزيادة لا تتميز كالسمن واختار الرد رد مع الزيادة لانها لا تنفرد عن الاصل في الملك فلا يجوز أن ترد دونها
*
* (الشَّرْحُ)
* الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ كَالسِّمَنِ وتعلم العبد الحرفة والقرآن وكبر الشجر وكثرة أغصانها نابعة يرد الاصل ولا شئ عَلَى الْبَائِعِ بِسَبَبِهَا وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ الْعَيْنِ زَائِدَةً وَأَوْرَاقُ(12/196)
شَجَرَةِ الْفِرْصَادِ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّهَا كَالْأَغْصَانِ أَوْ كَالثِّمَارِ وَأَوْرَاقُ سَائِرِ الْأَشْجَارِ كَالْأَغْصَانِ قَالَهُمَا الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ اشْتَرَى غَزْلًا فَنَسَجَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ حَكَى ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَنْ النَّسِيجِ وَبَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ لِأَنَّ النِّسَاجَةَ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْبَائِعَ إنْ بَذَلَ الْأُجْرَةَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مَنْسُوجًا وَإِنْ امْتَنَعَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّ النِّسَاجَةَ زِيَادَةُ عَمَلٍ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إمْسَاكِ الْمُشْتَرِي وَطَلَبِ الْأَرْشِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ قَوْلًا ثَانِيًا بَلْ يَتَحَرَّرُ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ نَقُولَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ الرَّدِّ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَبَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ فَإِنْ اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ كَانَ لِلْبَائِعِ دَفْعُ أُجْرَةِ النَّسْجِ وَالرَّدِّ فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى دَفْعِ الْأَرْشِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لَوْ زَادَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ شيئا بصنعه بِأَنْ كَانَتْ دَارًا فَعَمَرَهَا أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ إنْ أَمْكَنَهُ نَزْعُ الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ نَزَعَهَا وَرَدَّ الْأَصْلَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَنْ يَرُدَّهُ وَيَبْقَى شَرِيكًا فِي الزِّيَادَةِ رَدَّ وَإِنْ امْتَنَعَ أَمْسَكَهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ وَسَيَأْتِي فَرْعٌ طَوِيلٌ فِي الصَّبْغِ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ هُنَا أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عند الكلام فيما إذا نقص المبيع
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَانَتْ زيادة منفصلة كاكساب العبد فله أن يرد ويمسك الكسب لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ رجلا ابتاع غلاما فاقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورد عليه فقال الرجل يا رسول الله قد استغل غلامي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخراج بالضمان ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا مُطَوَّلًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُخْتَصَرًا فَالْمُطَوَّلُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزنجي شيخ الشافعي عن هشام ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ كَذَلِكَ رَوَاهُ الشافعي في الام ورواه الائمة المذكورة وَقَدْ وَثَّقَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ يَسْأَلُهُ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ فَقَالَ ثِقَةٌ وَكَذَلِكَ قَالَهُ فِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ عَنْهُ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ عنه(12/197)
إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد عَقِبَ رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ هَذَا إسْنَادٌ لَيْسَ بِذَاكَ (وَأَمَّا) الْمُخْتَصَرُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقِصَّةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ " رَوَاهُ أَيْضًا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عن هشام رواه عَنْهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَتَابَعَ مُسْلِمًا عَلَى رِوَايَتِهِ هَكَذَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ رواه الترمذي عن أبي سملة يحيى بن خلف الحويارى وَهُوَ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ وَهَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلِذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَقَدْ رُوِيَ مُخْتَصَرًا أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ هِيَ أَشْهَرُ مِنْ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ أحسن وأصح عن مخلد بن حبان عَنْ عُرْوَةَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ رواه المختصر عن من لَا يُتَّهَمُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَفِي الام عن سعيد بن سالم عن ابن أَبِي ذُؤَيْبٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وَالنَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ جِهَةِ جماعة عن ابن أَبِي ذُؤَيْبٍ عَنْ مَخْلَدٍ وَعَنْ مَخْلَدٍ قَالَ ابْتَعْتُ غُلَامًا فَاسْتَغْلَيْتُهُ ثُمَّ ظَهَرْتُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ فَخَاصَمَتْهُ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز فقضي له برده وقضى على بِرَدِّهِ وَقَضَى عَلَيَّ بِرَدِّ غَلَّتِهِ فَأَتَيْتُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَرُوحُ إلَيْهِ الْعَشِيَّةَ فَأُخْبِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَعَجِلْتُ إلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ مَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ فَقَالَ عُمَرُ فَمَا أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ قَضَاءٍ قَضَيْتُهُ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ إلَّا الْحَقَّ فَبَلَغَنِي فِيهِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَاحَ إلَيْهِ عُرْوَةُ فَقَضَى لَهُ أَنْ أَخْذَ الْخَرَاجِ مِنْ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيَّ لَهُ وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي مَخْلَدٍ وَإِسْنَادِهِ هَذَا فَقَالَ الْأَزْدِيُّ مَخْلَدُ بْنُ خُفَافٍ ضَعِيفٌ وَسَيِّدُ أَبُو حَاتِمٍ عنه فقال لم يرد عَنْهُ غَيْرَ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَلَيْسَ هَذَا إسنادا يقوم بِهِ الْحُجَّةُ يَعْنِي الْحَدِيثَ وَعَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَلَا أَعْرِفُ لِمَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَقُلْتُ لَهُ فَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ هشان ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فقال انما رواه مسلم ابن خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ وَهُوَ رَاهِبُ الْحَدِيثِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بعد روية المقدمي استغرب محمد ابن إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ قُلْتُ يَرَاهُ تَدْلِيسًا قَالَ لَا وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَضَيْتَ بِالصِّحَّةِ عَلَى الْحَدِيثِ كرواية المقدمى لاسيما وَقَدْ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِانْتِفَاءِ التَّدْلِيسِ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ غَرِيبَةً وَقَضَاءُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهَذَا كَانَ فِي زَمَنِ إمْرَتِهِ عَلَى(12/198)
الْمَدِينَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَتَفْسِيرُ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ هُوَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ فَيَسْتَغِلُّهُ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا فَيَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَنَحْوُ هَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ يَكُونُ فِيهِ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْخَرَاجُ الْغَلَّةُ يُقَالُ خَارَجْت غلامي إذا واقفته على شئ وَغَلَّةٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَيَكُونُ مخل بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَسْبِهِ وَعَمَلِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمِنْهُ خَرَاجُ السَّوَادِ لِأَنَّ الْفَلَّاحِينَ كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ عَنْ الْأَرْضِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخَرَاجُ اسْمٌ لِمَا خَرَجَ من الشئ مِنْ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْخَرَاجُ اسْمٌ لِلْغَلَّةِ وَالْفَائِدَةِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْمَبِيعِ وَيُقَالُ لِلْعَبْدِ الَّذِي ضُرِبَ عَلَيْهِ مِقْدَارٌ مِنْ الْكَسْبِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلِّ شَهْرٍ مُخَارَجٌ قَالَ وَقَوْلُنَا الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَرَاجَ لِمَنْ يَكُونُ الْمَالُ يَتْلَفُ مِنْ مِلْكِهِ فَلَمَّا كَانَ الْمَبِيعُ يَتْلَفُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الضَّمَانَ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالْقَبْضِ كَانَ الْخَرَاجُ لَهُ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ مَضْمُونًا عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَلَفُهُ مِنْ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ تَلَفُهُ مِنْ مَالِهِ كَانَ خَرَاجُهُ لَهُ وَوِزَانُهُ أَنْ يَكُونَ خَرَاجُ الْمَغْصُوبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ وَتَلَفَهُ مِنْهَا مِنْ مَالِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ اعْتَذَرَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَفِي ذَلِكَ الموضع كان الشئ مِلْكًا لَهُ وَقَدْ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ مِلْكًا وَالضَّمَانُ مِنْهُ تَكُونُ الْغَلَّةُ له والمغصوب والمستعار والوديعة إذَا تَعَدَّى فِيهَا كُلَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا مِلْكَ فَلَمْ تَكُنْ الْغَلَّةُ لَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ أَنَّ الْخَرَاجَ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ وَالضَّمَانُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ عَدَمَ الْمِلْكِ لَا يَكُونُ الْخَرَاجُ لَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْأَزْهَرِيِّ عَلَى أَلْفَاظِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَاسْتَغَلَّهُ أَوْ اشْتَرَاهُ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ فَاسْتَغَلَّهُ زَمَانًا ثُمَّ عَثَرَ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ فَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّ الْغَلَّةَ الَّتِي اسْتَغَلَّهَا مِنْ الْعَبْدِ وَهِيَ الْخَرَاجُ طَيِّبَةٌ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ مَاتَ مَاتَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ضَمَانِهِ فَهَذَا مَعْنَى الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ غَلَطٌ لَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِنَا
* (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا حَكَيْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الْخَرَاجِ شَامِلٌ لِلْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ بِالنَّصِّ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرِّسَالَةِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَاسَ مَا خَرَجَ مِنْ تَمْرِ حَائِطٍ وَوَلَدٍ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَنَّ الشَّاةَ المصراة إذا(12/199)
رَضِيَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ بِهَا بَعْدَ شَهْرٍ رَدَّهَا وَرَدَّ بَدَلَ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ مَعَهَا صَاعًا وَأَمْسَكَ اللَّبَنَ الْحَادِثَ قِيَاسًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ سريج وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وأبو إسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ مَالِكٌ فِي أَصْوَافِ الْمَاشِيَةِ وَالشُّعُورِ كَذَلِكَ وَقَالَ فِي أَوْلَادِ الْمَاشِيَةِ يَرُدُّهَا مَعَ الْأُمَّهَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُمْ نَاقَضُوا فَقَالَ فِي الْمُشْتَرَى إذَا كَانَتْ مَاشِيَةً فَحَلَبَهَا أَوْ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيَرْجِعَ بِالْأَرْشِ وَقَالَ فِي الدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَالْغُلَامِ الْغَلَّةُ لَهُ وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ قُلْتُ قَسَّمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْحَاصِلَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَوَلِّدٍ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ مُتَوَلِّدًا مِنْهُمَا فَالْأَوَّلُ إمَّا مَنَافِعُ كَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَتِجَارَتِهِ وَمَا اعْتَادَ اصطياده واحتطابه واحتشاشه وقبوله الهدية والوصية ووجد أنه رِكَازًا أَوْ لُقَطَةً وَمَهْرِ الْجَارِيَةِ إذَا وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ وَأُجْرَةِ الْمَبِيعِ إذَا أَجَّرَهُ وَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَكُلُّ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ نَادِرًا كَانَ أَوْ مُعْتَادًا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِهِ وَيُمْسِكَهُ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ وَحْدَهُ وَيَسْتَرْجِعَ جَمِيعَ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ هَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَعَنْ الرَّافِعِيِّ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قبل القبض أن الوهوب وَالْمُوصَى بِهِ وَالرِّكَازَ وَالْكَسْبَ(12/200)
عَلَى الْخِلَافِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مَا يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ عند التلف وقد حكى عن عثمان الليثى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ غَلَّةِ الْعَبْدِ حَقَّهُ
* وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَيَرُدُّ الْهِبَةَ الَّتِي وُهِبَهَا أَيْضًا وَكَانَ شُبْهَتُهُمَا أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَسَيَظْهَرُ الْجَوَابُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ رَدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ رَدَّ الْكَسْبَ وَالْغَلَّةَ وَجَمِيعَ مَا لَيْسَ مِنْ غَيْرِ الاصل مع
الاصل وإن رد بعد الْقَبْضِ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ أُجْرَةِ اسْتِخْدَامِهِ لِلْعَبْدِ وَتِجَارَتِهِ لَهُ وَسُكْنَى الدَّارِ وَمَرْكُوبِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هِيَ مَنَافِعُ مَحْضَةٌ لَا أَعْيَانَ فِيهَا
* وَلَوْ قَالَ إنَّ الْفَسْخَ برفع العقد من أصله ووجه الاعتذار عن ذَلِكَ لَعَلَّهُ يَتَعَرَّضُ لَهُ فِيمَا بَعْدُ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا الْأَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فائدة لآخر)
* الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ قَدْ اسْتَعْمَلَ غُلَامَيْنِ - بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ - وَضَبَطَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ - بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَمِيمٍ بَعْدَهَا وَتَخْفِيفِ اللام - وكل ما ذكره في العبد فمثله في الامة إلا الوطئ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِلَى هذا القسم أشار المصنف رحمه الله بقول اكْتِسَابُ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ سُكْنَى وَرُكُوبُ الدَّابَّةِ كُلُّ ذَلِكَ أَدْخَلَهُ الْأَصْحَابُ فِي اسْمِ الْغَلَّةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ لَا يَشْمَلُهُ اسْمُ الزَّوَائِدِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وأما المتولد من الغير فسيأتي حكمه في كلام المصنف
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَانَ المبيع بهيمة فحملت عنده وولدت أو شجرة فأثمرت عنده رد الاصل وأمسك الولد والثمرة لانه نماء منفصل حدث في ملكه فجاز أن يمسكه ويرد الاصل كغلة العبد)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْفَوَائِدُ الْحَاصِلَةُ أَعْيَانًا مُتَوَلَّدَةً مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَأَوْرَاقِ الْفِرْصَادِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ (مَذْهَبُنَا) أَنَّهُ يُمْسِكُ الثِّمَارَ وَالْفَوَائِدَ الْحَاصِلَةَ وَيَرُدُّ الْأَصْلَ بِالْعَيْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ نَقَصَ بِذَلِكَ يَعْنِي فَلَا يُغَيِّرُهُ وَبِهِ قَالَ أحمد (وقال) أبو حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ (وَقَالَ) مَالِكٌ يَرُدُّ مَعَ الْأَصْلِ الزِّيَادَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَهِيَ الْوَلَدُ وَلَا يَرُدُّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالثَّمَرَةِ بَلْ يَرُدُّ الْأَصْلَ وَحْدَهُ فَوَافَقْنَا عَلَى الرَّدِّ وخالفنا في(12/201)
إمساك النتائج
* وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خَالَفَنَا فِي الرَّدِّ وَمُعْتَمَدُنَا فِي جَوَازِ الرَّدِّ وُجُودُ الْعَيْبِ
* وَفِي إمْسَاكِ الْفَوَائِدِ الْحَدِيثُ فَإِنَّ الْخَرَاجَ يَشْمَلُ كُلَّ مَا خَرَجَ عَيْنًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً وَقَدْ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةُ تَشْمَلُ الثَّمَرَةَ وَغَيْرَهَا
* وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ الدَّلِيلَ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسَ عَلَى غَلَّةِ الْعَبْدِ
الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا
* وَأَبُو حَنِيفَةَ يُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِيهَا مُطْلَقًا وَمُعْتَمَدُ الْمُخَالِفِينَ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ يَنْبَنِي عَلَيْهَا فُرُوعُ هَذَا الْفَصْلِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا وَالْمَذْهَبُ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ العقد لا ينعلف حُكْمُهُ عَلَى مَا مَضَى فَكَذَلِكَ الْفَسْخُ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَلَوْ انْفَسَخَ مِنْ الْأَصْلِ لَسَقَطَتْ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدَ الْجَارِيَةِ فَأَعْتَقَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ بِهِ وَلَوْ كَانَ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ لَبَطَلَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ
* وَفِيهِ وَجْهَانِ آخَرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ إنْ اتَّفَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ضَعِيفٌ بَعْدُ فَإِذَا فُسِخَ فَكَأَنَّهُ لَا عَقْدَ يُخَالِفُ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ أَوْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ كَيْفَ يَتَقَدَّمُ عَلَى سَبَبِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ مُلْحَقٌ بِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ فِي الضَّمَانِ وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ مُطْلَقًا تَخْرِيجًا مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا فُسِخَ النِّكَاحُ بِعَيْبٍ حَدَثَ بَعْدَ الْمُنْتَبَشِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ هَكَذَا وَهُوَ فِي التَّتِمَّةِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا وَمُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِالْإِطْلَاقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ (وَأَمَّا) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَيْبِ الْمُقَارِنِ وَالطَّارِئِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَفِي التَّتِمَّةِ تَوْجِيهُ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَارَنَ الْعَقْدَ وَهُوَ الْعَيْبُ فَيَسْتَنِدُ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ جَمَعَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا مِنْ كَلَامٍ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِالْعَيْبِ الْمُقَارِنِ وَفِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ يَعْنِي قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا فَسَخَ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ الْفَسْخُ تَفْرِيعًا عَلَيْهَا إلَى وَقْتِ حُدُوثِ الْعَيْبِ لَا إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ (قُلْتُ) وَهَذَا جَوَابُهُ مَا قَدَّمَهُ هُوَ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا قَبْلَ الْعَقْدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعَيْبِ الْمُقَارِنِ وَالطَّارِئِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ قَبْلَ الْقَبْضِ(12/202)
فَعَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي حَكَاهَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَكُونُ كَذَلِكَ وَلَوْ ثَبَتَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ لَزِمَ إثْبَاتُ وَجْهٍ بِاسْتِنَادِ الْفَسْخِ إلَى حَالَةِ حُدُوثِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ حَصَلَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ
أَمْ بَعْدَهُ ولا نعلم من قال به في شئ مِنْ الْحَالَتَيْنِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من أصله وأما بعد القبض فان كَانَ بِالتَّرَاضِي فَيَرْفَعُهُ مِنْ حِينِهِ وَإِنْ كَانَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَيَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَسْتَنِدُ إلَى الْأَصْلِ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ
* وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَجَعَلُوا الرَّدَّ فِي كَوْنِهِ رَافِعًا مِنْ حِينِهِ مَقِيسًا عَلَى الْإِقَالَةِ ثُمَّ قَالُوا لَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لَأَبْطَلَ حَقَّ الشَّفِيعِ وَهُوَ لَا يُبْطِلُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ قَطْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ
* إذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ فَنَحْنُ نَقُولُ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ فَلِذَلِكَ تَكُونُ الزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَهُ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ كَالْإِقَالَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَمَّا كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ جَبْرٌ لَهُ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّ النَّمَاءَ الْحَادِثَ لَكِنَّا أَجْمَعْنَا أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ النَّمَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ وَأَيْضًا قَالُوا لَا يَجُوزُ رَدُّهُ بِدُونِ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ كَالْمُتَّصِلِ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْرِي قَوْلَهُ فِي رَدِّ الْوَلَدِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَكِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الزَّوَائِدِ وَالثَّمَرَةُ أَوْلَى بِالرَّدِّ إذَا كَانَتْ مؤجرة حِينَ الرَّدِّ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ وَالْوَلَدُ مُنْفَصِلٌ فَلَمَّا وَافَقَ عَلَى عَدَمِ رَدِّهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي النِّتَاجِ
* وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْكَسْبِ الْحَاصِلِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ وَالنِّتَاجِ وَالثَّمَرَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ يَجُوزُ الرَّدُّ وَبَقِيَّةُ الْأَكْسَابِ لَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ دُونَ مَا قَبْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ هُنَا يُمْنَعُ الرَّدُّ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ بَلْ كان اللائق بأصله أن يستوى بَيْنَ الْجَمِيعِ وَأَنْ يَجُوزَ الرَّدُّ وَيَرُدَّ الزَّوَائِدَ كُلَّهَا (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ مَبِيعَةٌ تَبَعًا لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْمِلْكِ فِيهَا إلَّا سِرَايَةُ الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ إلَيْهَا وَالْأَصْلُ مَبِيعٌ فَيَسْرِي حُكْمُهُ إلَيْهَا عَلَى صِفَتِهِ وَمَعَ هَذَا الْأَصْلِ لَا يُحْتَاجُ فِي رَدِّ الْفَوَائِدِ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ يَرِدُ الْفَسْخُ عَلَى الْوَلَدِ مَعَ الْأَصْلِ وَهَذَا قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَبِهِ تَتَمَسَّكُ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ سِرَايَةَ الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ إلَيْهَا وَالْأَصْلُ مَبِيعٌ فَيَسْرِي حُكْمُهُ إلَيْهِ (1) حَاصِلَةٌ وَلَكِنَّ سِرَايَةَ الْعَقْدِ لَا مَعْنَى لَهَا فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَرْجِعُ إلَى وَصْفِ الْمَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ الا كونه مقابلا بالثمن بحكم صيغة العقد وهذه
__________
(1) بياض بالاصل فحرر(12/203)
الْمُقَابَلَةُ لَمْ تُحَصِّلْ الزِّيَادَةَ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ مَسَائِلُ الْأَوْلَادِ فِي الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ أَمَّا ولد المرهونة فليس مرهون عِنْدَنَا فَإِنَّ التَّوَثُّقَ بِالْمَرْهُونِ لَا يَرْجِعُ إلَى صِفَةٍ فِيهِ وَوَلَدُ الْمَرْهُونَةِ لَيْسَ مَرْهُونًا بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى حَقَّ الرُّجُوعِ إلَيْهِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ سُلْطَةٌ لِلْمُنْعِمِ فِيمَا أَنْعَمَ بِهِ وَلَمْ يُنْعِمْ إلَّا بِالْأُمِّ وَالْوَلَدُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ الْمَوْهُوبِ يَسْرِي إلَيْهِ مِلْكُ الْهِبَةِ لَا عَقْدُ الْهِبَةِ وَوَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَعِيبَةِ وَوَلَدُ الْمُسْتَوْلَدَةِ كَأُمِّهِمَا لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ نَقَصَ بِالِاسْتِيلَادِ وَصَارَ ذَلِكَ وَصْفًا لَهَا وَالشَّاةُ صَارَتْ كَالْمُسْلَمَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وَجْهٍ وَكَالنَّاقَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا رَاجِعٌ لِصِفَتِهَا وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ فِيهِمَا اختلاف قول ومنشأه التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ نُقْصَانَ الْمِلْكِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ هَلْ يُضَاهِي النُّقْصَانَ فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ أَمْ يُقَالُ الْكِتَابَةُ حَجْرٌ لَازِمٌ كَالْحَجْرِ فِي الْمَرْهُونِ
* فَتَبَيَّنَ بهذا أنه انما يسرى لى الْوَلَدِ مَا كَانَ وَصْفًا لِلْأُمِّ وَالْخَصْمُ يَرُدُّ ذلك في الراهن والبيع إلى صفة في المحل ويزعم أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ كَالتَّضْحِيَةِ وَالِاسْتِيلَادِ
* فَهَذَا فصل مقيد فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ وَالنَّظَرُ فِي الْفَرْقِ وَالْجَمْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دَقِيقٌ وَالطَّرِيقُ فِيهِ مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَإِذَا تَمَهَّدَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مَبِيعَةً بَطَلَ الْقَوْلُ بِرَدِّ النِّتَاجِ وَالْأَكْسَابِ وَبَطَلَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا وَبَطَلَ مَنْعُ الرَّدِّ بِسَبَبِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَبِيعَةً فَالْبَيْعُ هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ رَدِّ مَا اشْتَرَى كَمَا اشْتَرَى فَلْيَجُزْ لَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ كَمَا إذَا هَلَكَتْ هَذِهِ الزَّوَائِدُ
* ثُمَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ مَزِيدُ إشْكَالٍ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَبِيعًا فَلْيَرُدَّ الاصل معها كما قاله مالك وكما قاله أَبُو حَنِيفَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبِيعًا فَامْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِهِ لَا مَعْنَى لَهُ
* وَعِنْدَ هَذَا قَدْ تَمَّ النَّظَرُ فِي مَذْهَبِنَا
* هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَأْخَذِ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَوْلَادِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَهِيَ وَلَدُ الْمَرْهُونَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ والمدبرة والمعنقة بصفة والاضحية والمدبرة والجانية والضامنة والشاهدة والوديعة وَالْعَارِيَّةُ وَالْمُسْتَأْجَرَة وَالْمَغْصُوبَةُ وَالْمَأْخُوذَةُ بِالسَّوْمِ وَالْمُوصَى بِهَا وَالزَّكَاةُ وَإِنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوُصُولِ إلَى الرَّهْنِ أَذْكُرُ تَفْصِيلَهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ أُكْمِلُ
* وَهَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ (أَحَدُهَا) أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الرَّدَّ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ وَذَلِكَ يدل علي أحد أمرين إما ضعف الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ وَإِمَّا أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَحْثِ مع أبى حنيفة وكلام الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مَا يُشْعِرُ بِالْمُلَازَمَةِ(12/204)
بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ طَرْدِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ يُضْعِفُهُ (الثَّانِي) أَنَّ مُقْتَضَى الْقَوْلِ بِرَفْعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَنْ يَرُدَّ الزَّوَائِدَ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ حَكَوْا قَوْلَيْنِ فِي رَدِّ الزَّوَائِدِ إنْ كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَنَوْهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَرُدُّ وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يَرُدُّ (أَمَّا) إذَا كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا يَقُولُ بِرَدِّ الزَّوَائِدِ وَمُقْتَضَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي نَقَلَهَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنْ يُجْرَى الْخِلَافُ فِيهَا أَيْضًا وَابْنُ الرِّفْعَةِ اعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَعَلَّ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنْ أَطْلَقَهُ يُرِيدُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ حَيْثُ تَكَلَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فِيهِ وَفِي الصَّدَاقِ وَهُوَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى حِينِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الرَّدِّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ بَلْ جَزَمُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ بِأَنَّ الزَّوَائِدَ لِلْبَائِعِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الَّذِي أَحْوَجَهُمْ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ اسْتِقْرَارُ الْعَقْدِ وَالِاسْتِقْرَارُ مَعْقُودٌ قَبْلَهُ (الثَّالِثُ) أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ جَازِمٌ بِعَدَمِ رَدِّ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِيهِ الْخِلَافُ كَمَا تَقَدَّمَ لكن طَرِيقَةَ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْقَطْعِ بِعَدَمِ رَدِّ الزَّوَائِدِ وَأَنَّ الرَّدَّ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي طَرِيقَةِ غَيْرِهِمْ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ غَيْرِهِمْ أَيْضًا كَمَا جَزَمُوا بِهِ (الرَّابِعُ) قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّدَّ إذَا وُجِدَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَرُدُّ مَعَهُ الزَّوَائِدَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الزَّوَائِدِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَاَلَّتِي حَصَلَتْ قَبْلَهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الزَّوَائِدِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْوَجِيزِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ يُسَلِّمُ الزَّوَائِدَ لِلْمُشْتَرِي إنْ حَصَلَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَصَلَتْ قَبْلَهُ عَلَى أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ وَحَمَلُوا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ طُغْيَانُ قَلَمٍ بِزِيَادَةِ التَّاءِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ حَصَلَ أَيْ الرَّدُّ وَيَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ (الْخَامِسُ) فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ وَقِيلَ مِنْ أَصْلِهِ وَفِي عِبَارَةِ آخَرِينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ أَنَّ الرَّدَّ قَطْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ وَلَا يستند ارتفاع العقد لى ما تقدم وفى عبارة الماوردى شئ مِنْهُ وَيُعْرَضُ فِي ذَلِكَ بَحْثَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَلْ الرفع من حينه والقطع بمعنى واحدا أولا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ أَصْلِهِ هَلْ مَعْنَاهُ تَبَيُّنُ عَدَمِ الْعَقْدِ أَوْ الْمِلْكِ أَمْ لَا (وَالْجَوَابُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَالرَّفْعُ(12/205)
وَالْقَطْعُ لَيْسَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَإِنَّ الْقَطْعَ صَادِقٌ عَلَى قَطْعِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ وَقَطْعِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وكثير من أسباب الانتقالات ولا يسمى شئ مِنْ ذَلِكَ رَفْعًا وَالرَّفْعُ مِنْ حِينِهِ يُسَمَّى قَطْعًا لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِهِ الْمِلْكُ حَقِيقَةً فَالرَّفْعُ مِنْ حِينِهِ أَخَصُّ مِنْ الْقَطْعِ فَكُلُّ رَفْعٍ مِنْ حِينِهِ قَطْعٌ وَلَيْسَ كُلُّ قَطْعٍ رَفْعًا ولذلك وقع في كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَاوَرْدِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَسْمِيَتُهُ بِالْقَطْعِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالْقَطْعِ الَّذِي لَيْسَ بِرَفْعٍ أَنَّ الرَّفْعَ مَعْنَاهُ إبْطَالُ أَثَرِ الْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ وَاسْتِصْحَابُ مَا كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى إنَّ الْمِلْكَ الْعَائِدَ بَعْدَ الْفَسْخِ مِنْ آثَارِ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ وَلَيْسَ مِلْكًا جَدِيدًا بِالْفَسْخِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَسَائِرُ أَسْبَابِ الِانْتِقَالَاتِ فَإِنَّهَا مُقْتَضِيَةٌ مِلْكًا جَدِيدًا هُوَ مِنْ آثَارِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَلَيْسَ أَثَرُ السَّبَبِ سَابِقًا وَلَا بطل الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى هَذَا انْتِقَالٌ بَلْ هَذَا الِانْتِقَالُ بِالْبَيْعِ هُوَ مِنْ آثَارِ الشِّرَاءِ السَّابِقِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اشْتَرَى عَيْنًا فَكُلُّ تَصَرُّفٍ يَصْدُرُ مِنْهُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ شِرَائِهِ (وَأَمَّا) الْفَسْخُ فانه نقض لِشِرَائِهِ وَإِبْطَالٌ لَهُ (وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّ الْفَسْخَ مِنْ الْأَصْلِ هَلْ مَعْنَاهُ تَبَيُّنُ عَدَمِ الْمِلْكِ فَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ لَا بِمَعْنَى أَنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجَدْ فان العقد موجود حسا بل بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ ارْتِفَاعُ أَثَرِهِ وَأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَحْصُلْ وَهَذَا بِهَذَا التَّأْوِيلِ فِي نِهَايَةِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ السَّبَبَ الرَّافِعَ لِلْعَقْدِ هُوَ الْفَسْخُ فَكَيْفَ يَتَقَدَّمُ الْمُسَبَّبُ عَلَى سَبَبِهِ وَلَا يَخْلُصُ من ذلك أن نقول إنه بطريق التبين لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ قَدْ وجد مستجعا لِشَرَائِطِهِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ أَثَرُهُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ مِنْ شَرْطِهِ عَدَمَ طَرَيَانِ الْفَسْخِ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا غَايَةَ لَهُ وَلَا يَرْتَبِطُ الْحُكْمُ بِهِ وَلَا يَشُكُّ أَنَّ الْمِلْكَ حَاصِلٌ الْآنَ إذَا جُمِعَتْ شُرُوطُهُ وَلَا يُوقَفُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ عَدَمُ الْمِلْكِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ رَدُّ أُجْرَةِ لاستخدام وَسُكْنَى الدَّارِ وَرُكُوبُ الدَّابَّةِ بَلْ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي أُجْرَةُ مِلْكِ الْمُدَّةِ الَّتِي أَقَامَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِهِ سَوَاءٌ فَوَّتَهَا أَمْ فَاتَتْ بِنَفْسِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَقَدْ أَبَاحَهُ لَهُ الْبَائِعُ لَكِنَّا نَقُولُ إنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَهُ وَأَذِنَ فِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ هَذَا وَالْعَقْدُ هُوَ الْمُتَضَمِّنُ لِلْإِبَاحَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَ ارْتَفَعَتْ وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْهِبَةِ الَّتِي وُهِبَتْ لَهُ إذَا اشْتَرَطَا إذْنَ
السَّيِّدِ فِي الْقَبُولِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ وَأَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ إذَا وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الْوَاطِئِ وَأَمَّا قَبْضُهُ الْمُشْتَرَى مِنْهُ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ صَيْدٍ وَحَطَبٍ وَحَشِيشٍ وَاسْتَهْلَكَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْبَائِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الزَّوَائِدَ الْهَالِكَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ(12/206)
الرَّدِّ وَأَنَّ امْتِنَاعَ بَقَاءِ الْوَلَدِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الرَّدِّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَبِيعًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهَذَا يُفْهِمُ أَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْ الْقَوْلِ بَقَاءُ الْوَلَدِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لَا سَبَبَ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لَيْسَ هُوَ بِطَرِيقِ السله بَلْ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ أَوْ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ بِالْإِضَافَةِ أَوْ إلَى حِينِهِ أَيْ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِحُكْمِ ارْتِفَاعِ جُمْلَةِ آثَارِ الْعَقْدِ وَمِنْ جُمْلَةِ آثَارِهِ مِلْكُ النِّتَاجِ وَالْكَسْبِ الْمَوْجُودِ فَيَرْتَفِعُ الْمِلْكُ فِيهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَيَعُودُ إلَى الْبَائِعِ فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ ارْتِفَاعُ جُمْلَةِ آثَارِهِ مِنْ الْآنَ وَالْمُرَادُ بِارْتِفَاعِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَرْتَفِعُ آثَارُهُ وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ فَقَطْ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لَا يَسْبِقُ الذِّهْنُ إلَيْهِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الزَّوَائِدَ الْهَالِكَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَأَنَّ قَبُولَهُ الْهِبَةَ وَتَصَرُّفَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي صَحِيحٌ وَقَبْضُ الْمُشْتَرِي لِمَهْرِ الشُّبْهَةِ صَحِيحٌ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَحِينَئِذٍ لَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ عَدَمُ وُجُوبِ أُجْرَةِ الِاسْتِخْدَامِ وَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ وَلَمْ أَجِدْ الْأَصْحَابَ صَرَّحُوا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بشئ بَلْ كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي كَالصَّرِيحِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أُجْرَةُ الِاسْتِخْدَامِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَكْسَابِ وَالْأَعْيَانِ الْحَادِثَةِ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ
* وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ الِاكْتِسَابُ وَالصَّيْدُ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ بَلْ بِالْيَدِ فَلَا يُمْنَعُ الرَّدُّ عِنْدَهُمْ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الِاسْتِخْدَامِ وَنَحْوِهَا لَا تَجِبُ عَلَى أَصْلِهِمْ وَلَكِنْ إنْ وَافَقُونَا عَلَى عَدَمِ لُزُومِ قِيمَةِ الْوَلَدِ الْهَالِكِ وَالْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ احْتَاجُوا إلَى الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ كَمَا احْتَجْنَا إلَيْهِ
* وَنَحْنُ إلَيْهِ أَحْوَجُ لِأَجْلِ عَدَمِ لُزُومِ أُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا تَمْنَعُ الزِّيَادَةُ الرَّدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا إذَا كَانَتْ حَادِثَةً مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ رَدُّ مَهْرِ الشُّبْهَةِ الَّذِي قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مَعَهَا (السَّادِسُ) أن مقتضى قوله الخراج بالضمان تبيعة الْخَرَاجِ لِلضَّمَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الزَّوَائِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ الْعَقْدُ أَوْ الْفَسْخُ وَالْأَوَّلُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَالثَّانِي لَمْ يُقَلْ بِهِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهِيَ مَا إذَا حَصَلَ الرَّدُّ قَبْلَ القبض فما وجه تعطيب دَلَالَةِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَالْعَمَلُ
بِهَا فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي (وَالْجَوَابُ) أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا حَصَلَ فَسْخٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ من ألفاظ الاحاديث لاسيما قَوْلُهُ قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَيَكُونُ الْخَرَاجُ مُعَلَّلًا بِالضَّمَانِ فِي الْمِلْكِ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْبَائِعِ وَفِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ
* فَإِنْ قُلْتَ الْمَحَلُّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِعُ الضَّمَانُ فَيَجِبُ أَنْ يَدُورَ الْحُكْمُ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا فَيَكُونُ الْخَرَاجُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ نَقْضٌ لِلْعِلَّةِ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَوُجُودُ الْحُكْمِ بِدُونِهَا فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي
* قُلْتُ قَالَ الْغَزَالِيُّ(12/207)
رَحِمَهُ اللَّهُ ذِكْرُ هَذِهِ الْعِلَّةِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِقَطْعِ اسْتِبْعَادِ السَّائِلِ كَوْنَ الْخَرَاجِ لِلْمُشْتَرِي وَقَبْلَ الْقَبْضِ مُعَلَّلٌ بِعِلَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الزَّوَائِدَ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ وَالْحُكْمُ قَدْ يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ يَعْنِي فَاقْتَصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالضَّمَانِ لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَقْطَعَ لِطَلَبِهِ فَإِنَّ الْغُنْمَ فِي مُقَابَلَةِ الْغُرْمِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْأُخْرَى وَهِيَ الْمِلْكُ حَاصِلَةً وَلَكِنَّ نَفْسَ الْبَائِعِ تَنْقَادُ لِلْأُولَى أَكْثَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّابِعُ) أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي رَفْعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ هل هو خاص بالرد بالعيب أو علم فِي سَائِرِ الْفُسُوخِ حَتَّى يُجْرَى فِي الْإِقَالَةِ والفسخ بالتحالف وَالْفَسْخُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطُ وَالِانْفِسَاخُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قبل القبض
* والجواب أن المشهور في هذه الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ هُنَا اخْتِصَاصُهُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَنَّهُ لَا يُجْرَى فِي الْإِقَالَةِ وَلِذَلِكَ يَقِيسُونَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْإِقَالَةِ فِي كَوْنِهَا رَفْعًا لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ هُنَا بِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ مُرَادَهُ الْفَسْخُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَهُوَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ حُكْمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَجْهَيْنِ فِي الِانْفِسَاخِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالزَّوَائِدُ مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ قَالَ وَطَرَدَهُمَا طَارِدُونَ فِي الْإِقَالَةِ إذَا جَعَلْنَاهَا فَسْخًا وَخَرَّجُوا عَلَيْهِمَا الزَّوَائِدَ
* قُلْتُ وَذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ فَلَعَلَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا هُنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْخِلَافَ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَحَمْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا وَعَلَى تَلَفِ الْمَبِيعِ في يد المشترى في زمن الخيار (إن قُلْنَا) يَنْفَسِخُ ارْتَفَعَ هَهُنَا وَإِلَّا فَالْوَلَدُ هُنَا للمشترى وأما التحالف فمقتضى كلام صاحب التتمة في باب التحالف جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ أَيْضًا فَإِنْ خَرَجَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ إذَا جَرَى التَّخَالُفُ
بَعْدَ الْهَلَاكِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي طَرْدِ الْخِلَافِ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَإِنَّ فَرْضَ التَّخَالُفِ كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ لا نرد الزَّوَائِدُ جَزْمًا كَمَا لَا تُرَدُّ هَهُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ لَكِنَّ الْقَوْلَ بِالِانْفِسَاخِ مِنْ أَصْلِهِ بِالتَّخَالُفِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّخَالُفِ كَمَا هُوَ فِي التَّتِمَّةِ وَالنِّهَايَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِنْشَاءِ الْفَسْخِ وَالْقِيَاسُ جَرَيَانُهُ وَأَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي بَابِهِ أَنَّهُ إذَا فُسِخَ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَكْسَابَ تَبْقَى لَهُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ بِأَنَّهُ مِنْ أَصْلِهِ يُجْرَى فِيهِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ(12/208)
وَأَوْلَاهَا بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ زَمَانُ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَلْزَمْ وَأَبْعَدُهَا الْإِقَالَةُ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ أَمْرٍ جَدِيدٍ وَلَيْسَتْ جَبْرًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ
* وَبَقِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ انْفِسَاخُ عَقْدِ الصَّرْفِ بِالتَّفْرِيقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ هَلْ نَقُولُ انْفَسَخَ مِنْ أَصْلِهِ قطعا لِأَنَّ التَّقَابُضَ شَرْطٌ أَوْ نَقُولُ حُكْمُهُ حُكْمُ تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ فِيهِ نَعَمْ عُقِدَ السَّلَمُ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ جَارِيَةً مَثَلًا وَكَانَتْ مَعِيبَةً وَحَبِلَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَوَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَهَلْ نَقُولُ إنَّهُ فُسِخَ مِنْ حِينِهِ حَتَّى يُسَلَّمَ الْوَلَدُ للمسلم إلَيْهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْبَائِعِ قَطْعًا وَالْأَشْبَهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَنْبَطَ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ عَقْدِ الصَّرْفِ إذَا تَفَرَّقَا وَلَمْ يَتَقَابَضَا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الرِّبَا (الثَّامِنُ) أَنَّ الطَّرِيقَةَ الْمَشْهُورَةَ هُنَا الْجَزْمُ بِعَدَمِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ بَلْ يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ رَفْعًا مِنْ حِينِهِ قَطْعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْجَازِمِينَ فِيمَا إذَا رَدَّ المسلم فيه بعيب وَكَانَ عَبْدًا اسْتَكْسَبَهُ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ رَدُّ الْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرُدُّ الْكَسْبَ مَعَهُ فَمُقْتَضَاهُ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ فِيهِ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الضَّعِيفَةِ بِارْتِفَاعِهِ مِنْ الْأَصْلِ وَالْخِلَافُ فِي السَّلَمِ مَشْهُورٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ فِي بَابِ الرِّبَا
* (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي السَّلَمِ مَأْخَذُهُ أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ على أحد القولين في المسلم فيه مشروط بالرضا أو بعدم الرَّدِّ فَإِذَا رُدَّ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَحْصُلْ أَصْلًا فَهَذَا
هُوَ الْقَائِلُ بِرَدِّ الْأَكْسَابِ وَالْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لَهُ أَنَّ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ ثُمَّ انْتَقَضَ بِالرَّدِّ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَرَدِّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَرُدُّ الْأَكْسَابَ وَهُوَ رَفْعٌ لِلْمِلْكِ مِنْ حِينِهِ عَلَى الطريقة المشهورة ويجئ فِيهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ رَدِّ الْكَسْبِ فَافْهَمْ تَرْتِيبَ هَذَا التَّفْرِيعِ فَإِنَّهُ مِنْ مَحَاسِنِ الْكَلَامِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ ذَكَرَا وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا رُدَّ الْمُسْلَمُ بِعَيْبٍ هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ وَمُرَادُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ الْخِلَافُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَالتَّحْقِيقُ مَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاقْتَضَى إشْكَالًا عَلَى الْإِمَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِمَّنْ قَطَعَ هُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ بِأَنَّهُ مِنْ حِينِهِ وَاقْتَضَى إشْكَالًا عَلَى جَمِيعِ الْأَصْحَابِ فِي قَطْعِهِمْ هُنَا بِأَنَّ الْأَكْسَابَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا تَرْجِعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعُ) الزِّيَادَاتُ الَّتِي وَقَعَ الْكَلَامُ فِيهَا مَشْرُوطَةٌ بِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ حَصَلَ بِسَبَبِهَا نَقْصٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ حَادِثَةً بَعْدَ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ فَلَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً كَالْحَمْلِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ(12/209)
فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَقِيَّةِ الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالثَّالِثَةُ) أَنْ تَكُونَ انْفَصَلَتْ قَبْلَ الرَّدِّ كَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ الْمَجْزُوزِ وَاللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ أَوْ صَارَتْ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ كَالثَّمَرَةِ إذَا أُبِّرَتْ أَمَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ كَمَا إذَا رَدَّهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِحَمْلٍ حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ نَقُولُ إنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِعَيْبٍ أَوْ رَدَّ الشَّجَرَةَ وَقَدْ أَطْلَعَتْ طَلْعًا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ أَوْ الشَّاةَ وَقَدْ اشْتَرَاهَا وَلَا صوف عليها وهي مستفرغة الصوف فحدث عليها صوف لم يجذ أَوْ حَدَثَ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَلَمْ يُحْلَبْ فَمَا حُكْمُهُ (أَمَّا) مَسْأَلَةُ الْحَمْلِ فَنَقَلَ الْإِمَامُ فِيهَا قَوْلَيْنِ كَالْفَلَسِ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا بِرَدِّهَا لِذَلِكَ وَلَا يُسْلَمُ لَهُ الْحَمْلُ إنْ كَانَتْ عَلِقَتْ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَهُوَ كَالثَّمَنِ وَعَلَى ذَلِكَ يَنْزِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ فحبلت عنده ولدت فَجَعَلَ الْوِلَادَةَ شَرْطًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ (إنْ قُلْنَا) يَأْخُذُ قِسْطًا بَقِيَ لِلْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُهُ إذَا انْفَصَلَ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي وَجْهٍ أنه للبائع لاتصاله عند لرد (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَأْخُذُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَمَا ذكره القاضى حسين والقاضي أبو حَامِدٍ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْفَلَسِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ رَجَّحُوهُ فِي رُجُوعِ غَرِيمِ الْفَلَسِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا مُوَافِقٌ لِلطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ هُنَاكَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُقَابِلُهُ
قسط أولا لَكِنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ ذَلِكَ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَأْخَذِ لِأَجْلِ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ بِتَبَعِيَّةِ الْحَمْلِ إلَى الرُّجُوعِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ هُنَا بِالتَّبَعِيَّةِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَوْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَسْأَلَةِ الْفَلَسِ وَمَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ رَجَّحَ فِي الْفَلَسِ تَبَعِيَّةَ الثَّمَرَةِ وَالْحَمْلِ وَجَعَلَهُمَا سَوَاءً وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ أَوْلَى بِالِاسْتِقْلَالِ لِأَجْلِ أَنَّهُمَا تَابِعَانِ فِي الْبَيْعِ مُتَتَبَّعَانِ فِي الْفَسْخِ وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَوْ صَحَّ النَّظَرُ إلَى الْمُقَابَلَةِ بِالْقِسْطِ لَزِمَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الرُّجُوعُ فِي الْفَلَسِ إلَى الثَّمَرَةِ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْقِسْطِ قَطْعًا عَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَدَعْوَى الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا أَنَّ الْحَمْلَ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّ الثَّمَرَةَ فِي أَخْذِهَا قِسْطًا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْحَمْلِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُ أَنَّهَا تَبْقَى لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَمْلَ نَقَصَ لِأَنَّهُ فِي الْجَارِيَةِ يَقِلُّ النَّشَاطُ وَالْجَمَالُ وَفِي الْبَهِيمَةِ يَنْقُصُ اللَّحْمُ وَيُخِلُّ بِالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ (فَإِذَا قُلْنَا) هَذَا أَوْ لَمْ نَقُلْ بِهِ وَلَكِنْ حَصَلَ بِالْحَمْلِ نَقْصٌ رَجَعَ بِالْأَرْشِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حامد وهل(12/210)
لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُهَا حَتَّى تَضَعَ وَيَرُدَّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ تَنْقُصُهَا الْوِلَادَةُ نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الرَّدَّ فَحَبَسَهَا حَتَّى تَضَعَ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَمْلُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ حَبَسَهَا لِأَخْذِ مِلْكِهِ مِنْهَا (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْحَمْلَ لِلْبَائِعِ مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ قَالَهُ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
* وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَإِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَضَعَ وَرَدُّهَا فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ إنْ رَدَّهَا وَهِيَ حَامِلٌ كَانَ الْحَمْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ اخْتَارَ تَرْكَ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ فَرْقٌ الْجَرْيُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِالْحَمْلِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأُمَّ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مَرْدُودًا مَعَهَا لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتْبَعُ وَمِمَّنْ بَنَى الْحَمْلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُقَابَلَةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ
* وَحَكَى مَعَ ذَلِكَ وَجْهًا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ لِاتِّصَالِهِ بِالْأُمِّ عِنْدَ الرَّدِّ هَذَا حُكْمُ الْحَمْلِ وَأَمَّا الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ فَفِيهَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرُدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ وَلَا يُمْسِكُ
(وَالثَّانِي)
يُمْسِكُهَا أَوْ يَرُدُّ الْأَصْلَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَمْلِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَوَازُ إفْرَادِهَا بِالْبَيْعِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ شَيْئًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا اقْتَضَاهُ تَخْرِيجُهُ لِلثَّمَرَةِ عَلَى الْحَمْلِ فَالْبَحْثُ مَعَهُ
فِيهِمَا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ هُنَا أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنْ يَرُدَّهَا مَعَ الْأَصْلِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الْأَظْهَرُ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ فِي رُجُوعِ الْبَائِعِ فِي عَيْنِ مَالِهِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ وَالرَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَارَ الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَلِذَلِكَ قَالَ فَأَثْمَرَتْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِقَطْعٍ وَلَا تَأْبِيرٍ وَفِي الْفَلَسِ حَكَى الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ
* وَأَمَّا اللَّبَنُ الْحَادِثُ فِي الضَّرْعِ أو الصوف الذى حدث بجزأيهما للمشترى وذكر القاضى هذه المسائل الاربعة فِي تَعْلِيقِهِ مُفَرَّقَةً فِي مَوْضِعَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنَّهُ يُرَدُّ الصُّوفُ تَبَعًا وَهُوَ مُقْتَضَى مَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى وَفِي كُلٍّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ نَظَرٌ وَالصَّحِيحُ مَا سَأَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْحَمْلَ يَنْدَرِجُ في المعاوضة قَوْلًا وَاحِدًا وَفِيمَا عَدَاهَا مِنْ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ قَوْلَانِ (فَالْأَظْهَرُ) فِي الرَّهْنِ الِانْدِرَاجُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ قِسْطًا وَفِي الْهِبَةِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالِانْدِرَاجِ وَالْإِمَامُ قَالَ إنَّ الْجَدِيدَ عَدَمُهُ وَفِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَنَاهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى الْمُقَابَلَةِ كَمَا فَعَلَ بِهَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الِانْدِرَاجِ فَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَلَكَ طَرِيقَةَ الْبِنَاءِ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا إلَّا فِي الْفَلَسِ لَمَّا وَجَدَ مَيْلَ الْأَكْثَرِينَ وَنَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ(12/211)
فِيهِ إلَى خِلَافِهَا وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ جَرَى فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْفَلَسِ عَلَى قَاعِدَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّهُ سَلَكَ طَرِيقَةَ الْبِنَاءِ فِي انْدِرَاجِ الْحَمْلِ فِي الرَّهْنِ وَهَذِهِ أُمُورٌ مُضْطَرِبَةٌ فَالْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَجْرَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ جَرَيَانَهُ فِي الرَّهْنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِكَوْنِهِ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَهُوَ يُشْكِلُ عَلَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ (إمَّا) أَنْ نَقُولَ إنَّ عَهْدَ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَسْتَتْبِعُ الحمل لقوته وَفَسْخِهِ لِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يَسْتَمِرُّ نَصُّهُ الْمَنْقُولُ فِي الْفَلَسِ عَلَى الِاسْتِتْبَاعِ فِي الرُّجُوعِ (وَالْجَدِيدُ) الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي الْهِبَةِ وَعَلَى مُقْتَضَاهُ يَكُونُ الْأَصَحُّ الِاسْتِتْبَاعُ فِي الرَّهْنِ (وَإِمَّا) أَنْ نَقُولَ بِأَنَّ الْحَمْلَ يَتْبَعُ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا لِكَوْنِهِ جزءا أولا (وَأَمَّا) الصُّوفُ وَاللَّبَنُ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُمَا كَالْحَمْلِ فَيَنْدَرِجَانِ لانهما جزآن وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَصْلُهُمَا الْآنَ لِعَدَمِ صِحَّةِ إفْرَادِهِمَا بِالْبَيْعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلَا فِي الرَّهْنِ على الصحيح لاقتضاه الْعُرْفِ جَزَّ الْمَرْهُونِ وَحَلْبِهِ نَعَمْ إذَا جُزَّ الصُّوفُ أَوْ حُلِبَ اللَّبَنُ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْبَائِعِ لِلرَّدِّ بِحَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ تَأْخِيرٌ وَلَا تَعَيُّبٌ فَإِنَّهُ
حِينَئِذٍ لَا يُصَادِفُ الرَّدَّ فَلَا تَتْبَعُ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الرَّدُّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ جَزَّ الصُّوفَ ثم ردها بطل خياره لاشتغاله بالجز بعدما عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةٍ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ إلَى التَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا إنْ رَدَّهَا مَعَ الصُّوفِ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ وَهَذَا يَتَّجِهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَنَّ الصُّوفَ تَابِعٌ أَمَّا عَلَى رَأْيِهِ فِي أَنَّ الصُّوفَ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي فَإِجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى الْقَبُولِ إذَا رَدَّهَا مَعَ الصُّوفِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا فِي رَدِّ الْبَهِيمَةِ مَعَ النَّعْلِ إنْ كَانَ الْجَزُّ غَيْرَ مُعَيِّبٍ لَهَا فَإِذَا لَمْ يَجُزَّ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ الْقَبُولُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي النَّعْلِ وَإِنْ كَانَ مُعَيِّبًا لَهَا فَيَصِحُّ الْقَوْلُ بِالْإِجْبَارِ ولكن ينبغى أن يأتي فيه الحلاف فِي أَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ أَوْ أَعْرَاضٌ وَالْأَشْبَهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ الثَّانِي فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ حَتَّى إذَا جَزَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ كَانَ لِلْمُشْتَرِي
* وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ يَرُدُّ الصُّوفَ
* وَأَمَّا الثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ بِعَدَمِ الِانْدِرَاجِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِيهَا طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا الِانْدِرَاجُ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مُتَعَلِّقَةً بِهَذَا الْكَلَامِ فِي التَّأْبِيرِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا رَدَّ لَا يَبْقَى الصُّوفُ لَهُ فَصَحِيحٌ عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى الرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْحَمْلَ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْحَمْلَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ أَوْلَى بِالتَّبَعِيَّةِ وَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ عند الرافعى(12/212)
دُخُولُهُ فِي الرَّهْنِ وَعَدَمُ دُخُولِ الصُّوفِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَا يَجُوزُ جَزُّهُ وَفِيهِ نَظَرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ جَوَازِ الْحَلْبِ وَالرُّكُوبِ فِي طَرِيقِ الرَّدِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ جَوَازُهُ وَمِنْ الرَّافِعِيِّ مَنْعُهُ وَتَبَيَّنَ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَسْأَلَةَ اللَّبَنِ وَهَلْ تَتْبَعُ فِي الرَّدِّ أولا وَهُوَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِئْجَارِ كَالْحَمْلِ وَمِنْ جِهَةِ قرب التناول كالصوف وكيف ما كَانَ فَالْأَصَحُّ التَّبَعِيَّةُ وَعَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ لِأَنَّهُ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ كَالْحَمْلِ
*
* (فَرْعٌ)
* مِنْ تتمة الكلام في الحمل جزم الجوزى بِأَنَّ الْحَمْلَ يَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ بالعيب سواء كان حُدُوثُ الْحَمْلِ عِنْدَ الْبَائِعِ أَمْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَمْلَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثمن
قال لانها إذا جعلت عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَلِدَ ثُمَّ يَرُدَّهَا فَإِذَا اخْتَارَ رَدَّهَا حَامِلًا فَكَأَنَّهُ اخْتَارَ تَرْكَ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِثْنَاءُ الْوَلَدِ ثُمَّ اعْتَرَضَ بِالْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِحَمْلِهَا إذَا بِيعَتْ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْحَمْلِ وَرَدَّهَا بِعَيْبٍ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مَرْدُودًا
* وَأَجَابَ أَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ حُكْمُ الْأُمِّ مَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَى الْوَلَدِ عقد أو وصية أو هبة
*
* (فروع)
* لَوْ اشْتَرَاهَا وَعَلَيْهَا صُوفٌ وَفِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ فَطَالَ الصُّوفُ وَكَثُرَ اللَّبَنُ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْجَزِّ وَالْحَلْبِ وَقُلْنَا بِأَنَّ الصُّوفَ تَابِعٌ فِي الرَّدِّ فَلَا إشْكَالَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ مِنْ أَنَّ الصُّوفَ وَاللَّبَنَ الْحَادِثَيْنِ لِلْمُشْتَرِي فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَإِنْ اتَّفَقَا فَذَاكَ وإلا فصلت الخصومة بطريقها لَكِنَّ الَّذِي فِي فَتَاوِيهِ كَمَا سَيَحْكِيهِ خِلَافُ ذلك
* ولو جز الصوف ثم أراد بِالْعَيْبِ وَكَانَ اشْتَرَاهَا وَلَا صُوفَ عَلَيْهَا فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَبَقَاءِ الصُّوفِ لَهُ عَلَى مَا مَرَّ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صُوفٌ حِينَ الشِّرَاءِ فَجَزَّهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ أَرَادَ الرَّدَّ بِعَيْبٍ رَدَّ الصُّوفَ الْمَجْزُوزَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ التَّوَصُّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ مِنْ غَيْرِ جَزِّ الصُّوفِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَإِنْ جَزَّهُ ثَانِيًا فَالْمَجْزُوزُ ثَانِيًا لَهُ مُخْتَصٌّ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجُزَّهُ حَتَّى رُدَّ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا صُوفٌ حِينَ الْعَقْدِ ثُمَّ حَدَثَ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَرَّحَ بِهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ يَرُدُّهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَثِّ وَالْكُرَّاثِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَهُوَ فِي ظَاهِرِهِ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَيْتُهُ عَنْ تَعْلِيقِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي فِي الْفَتَاوَى مِنْ كَلَامِ جَامِعِهَا وَهُوَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ جز الصوف الذى كان عليها بَعْدَ أَنْ طَالَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَيَزْدَادُ هُنَا أَنَّهُ يَصِيرُ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ فِي الصرف وَقَدْ يَحْصُلُ نِزَاعٌ فِي(12/213)
مِقْدَارِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَذَلِكَ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ
* وَلَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ اللَّبَنِ إذَا كَانَ مِنْهُ شئ موجود عند العقد فيلتفت على أَنَّهُ هَلْ يَرُدُّ الثَّمَنَ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فِي التَّصْرِيَةِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا وَبِهَا أُصُولُ الْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ وَأَدْخَلْنَاهَا فِي الْبَيْعِ فَنَبَتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ بِهَا عَيْبًا يَرُدُّهَا وَيَبْقَى الثابت لِلْمُشْتَرِي هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصُّوفِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءَ من الْأَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَهَذَا الْفَرْقُ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ
*
* (فَرْعٌ آخَرُ)
* إذَا قُلْنَا الزِّيَادَةُ تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ مَا حَدَثَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الزَّوَائِدِ لِأَجْلِ الثَّمَنِ فِي صُورَةٍ غَيْرِ الْفَسْخِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّهَا تَرْجِعُ بِالْفَسْخِ إلَى الْبَائِعِ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَهُ حَبْسُهَا إلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَالْإِمَامُ أَطْلَقَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ حَبْسِهَا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ ثُمَّ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى حُكْمِ حَبْسِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَإِنَّمَا يَنْقَدِحُ الِاخْتِلَافُ فِيهِ قَبْلَ تَعَرُّضِ الْعَقْدِ لِلِانْفِسَاخِ وَالْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَاحَظَ ذَلِكَ فَعَلَّلَ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ التَّعَلُّقَ بِهَا لَكِنَّهُ قَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّهُ يَحْبِسُهَا لِلثَّمَنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ الْغَزَالِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَهُ حَبْسُهَا لَا لِلثَّمَنِ قُلْتُ أَوْ يُقَالُ بِأَنَّهُ لَمَّا تَوَقَّعَ عَوْدَهَا إلَيْهِ صارت كالاصل فيجرى عليها حكمه في الحبس بالثمرة مادام الْأَصْلُ نِصْفَهُ يَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ فَلَوْ زَالَ ذَلِكَ بِأَنْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوْ بِتَبَرُّعِ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ حَقُّ الزَّوَائِدِ لِسُقُوطِ حَبْسِ أَصْلِهَا وَأَمَّا مُجَرَّدُ تَوَقُّعُ عَوْدِهَا إلَيْهِ فَكَيْفَ يَقْتَضِي جَوَازَ حَبْسِهَا وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَلَامِ الْإِمَامِ وَكَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَيْسَ عَلَى حُكْمِ حَبْسِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ لَعَلَّ مُرَادُهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مُقَابَلًا بِهِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ اشْتَرَى حَامِلًا فَمَخَضَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْوَلَدِ(12/214)
لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْوَلَدُ الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شئ مِنْ الثَّمَنِ قَطْعًا وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ الَّذِي كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهَلْ يَكُونُ مِثْلَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَهَلْ نَقُولُ فِي الْحَادِثِ إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ أَوْ التَّمْكِينُ مِنْهُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي احْتِجَاجِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْمَبِيعِ وَإِنَّمَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ بِحَقِّ الْمَالِ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّسْلِيمِ
* وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْكِينُ وَقَدْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالْأَمَانَاتِ الشرعية حتى إذا هلك فعل التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ لَا يَضْمَنُهُ وَإِلَّا ضَمِنَهُ إنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ
** (فَرْعٌ آخَرُ)
* عَنْ الْمُزَنِيِّ فِي مَسَائِلِهِ الْمَنْشُورَةِ اشْتَرَى غَنَمًا بِعَشَرَةِ أَقْسَاطٍ مِنْ لَبَنٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَمَدٍ فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى حَلَبَ الْبَائِعُ مِنْهَا عَشَرَةَ أَقْسَاطِ لَبَنٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْغَنَمُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ مِنْ الْبَائِعِ مَا حَلَبَ مِنْ اللَّبَنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ مِلْكِ النَّمَاءِ (قُلْتُ) وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ
* أَمَّا إذَا قُلْنَا تَلَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرْفَعُ الْبَيْعَ مِنْ أَصْلِهِ وَأَنَّ الزَّوَائِدَ تَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ فَلَا يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ شَيْئًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَمْلَ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّ حَمْلَ الْجَارِيَةِ سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَانَ المبيع جارية فحملت عنده وولدت ثم علم بالعيب ردها وأمسك الولد لما ذكرناه ومن أصحابنا من قال لا يرد الام بل يرجع بالارش لان التفريق بين الام والولد فيما دون سبع سنين لا يجوز وهذا لا يصح لان التفريق بينهما يجوز عند الضرورة ولهذا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ انها تباع دون الولد)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ حَبِلَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَوَلَدَتْ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْعَيْبِ حَتَّى بَلَغَ الْوَلَدُ سَبْعَ سِنِينَ إذا أطلع على الْعَيْبَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَهِيمَةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ عَلَى ما تقدم بلا خلاف وقرض الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَكُونَ حَصَلَ لَهَا نَقْصٌ بِالْوِلَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَلَوْ حَصَلَ نَقْصٌ مُنِعَ مِنْ الرَّدِّ وَوَجَبَ الْأَرْشُ وَأَمَّا إذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ وَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَدِ سَبْعَ سِنِينَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي جَوَازِ الرَّدِّ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَجَّحَهُ(12/215)
الْجَوَازُ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ هُنَا وَقَالَ إنَّهُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ وَنَسَبَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ نَقَلَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَارِيَةَ وَيُمْسِكَ الْوَلَدَ إذَا لَمْ تَكُنْ نَقَصَتْ بالحمل أو بالوطئ وَلَيْسَ مُرَادُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْقَدِيمِ الْمُخَالِفِ لِلْجَدِيدِ وَلَكِنَّ
نَقْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ تُوجَدْ مَنْصُوصَةً لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا فِي الْقَدِيمِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ فَرَّعَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ ذَكَر فِيهَا وَجْهَيْنِ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَدَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنَّ الرُّويَانِيَّ فِي الْبَحْرِ مَعَ قَوْلِهِ عَنْ الْأَوَّلِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ إنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَقْيَسُ وَجَزَمَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ وَسَنَذْكُرُ نَظِيرَهُ فِي الرَّهْنِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرَّهْنِ إذَا رُهِنَتْ الْأُمُّ دُونَ الْوَلَدِ إنْ صَحَّ أَنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ جَمِيعًا وَإِلَّا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ وَافَقَهُ عَلَى تَصْحِيحِ هَذَا فِي الرَّهْنِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ مِنْ تَعْلِيقَةِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ قَائِلِينَ بَيْنَ قَاطِعٍ وَمُرَجِّحٍ بِأَنَّهُمَا يُبَاعَانِ مَعًا وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ ضَرُورِيًّا مُسَوِّغًا لِلتَّفْرِيقِ فَيَنْبَغِي هَهُنَا كَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا امْتِنَاعُ التَّفْرِيقِ وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ وَافَقَهُ بَيْنَ الْبَيْعِ فِي الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسَأَذْكُرُ لَهُ فَرْقًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يقال أنه لو جاز التفريق فينبغي أَنْ يَمْتَنِعَ الرَّدُّ هُنَا لِأَنَّ رُجُوعَ الْجَارِيَةِ بِدُونِ وَلَدِهَا عَيْبٌ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَيْبٍ جَدِيدٍ يُمْنَعُ بِسَبَبِهِ الرَّدُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَعُدُّونَ ذَلِكَ عَيْبًا وَتَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِيمَنْ يَكُونُ لَهَا وَلَدٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا وَطَرِيقُ الْجَوَابِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُفْرَضَ فِيمَا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِرَدِّهَا كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرَّدُّ أَوْ يَرْضَى بِهَا مَعِيبَةً وَلَا يَكُونُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ وَمَتَى لَمْ نَفْرِضْ الْمَسْأَلَةَ كَذَلِكَ تَعَيَّنَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ ثُمَّ هَهُنَا كَلَامَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ فِيهِ تَابِعٌ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَهُ هَكَذَا(12/216)
حَرْفًا بِحَرْفٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ نَصَّانِ فِي الْمُخْتَصَرِ
(أَحَدُهُمَا)
قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الْجَارِيَةَ وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْرِقَةٍ وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يُوجِبُ تَفْرِيقًا ثُمَّ مَا يَتَّفِقُ مِنْ بَيْعٍ وَتَفْرِيقٍ فَهُوَ مِنْ ضَرُورَةِ إلْجَاءِ الرَّهْنِ إلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ جَوَّزُوا
بَيْعَ الْمَرْهُونَةِ وَحْدَهَا وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا لَكِنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَفْرِقَةَ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا التَّفْرِقَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَحِينَئِذٍ يُبَاعَانِ مَعًا وَيُحَذِّرُ مِنْ التَّفْرِيقِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ هَذَا النَّصَّ فَالْأَصْحَابُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَفْسِيرِهِ كَمَا رَأَيْتَ وَالتَّفْسِيرُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى مَحْذُورٍ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا تُبَاعُ دُونَ الْوَلَدِ كَمَا فِي لَفْظَةِ الْكِتَابِ وَالنَّصُّ الثَّانِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْضًا قبل ذلك فيما إذا وَطِئَ الرَّاهِنُ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ أَحَبْلهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا لَمْ تُبَعْ مَا كَانَتْ حَامِلًا فَإِذَا وَلَدَتْ بِيعَتْ دُونَ وَلَدِهَا وَهَذَا النَّصُّ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنَّهُ يُبْعِدُ إرَادَتَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ هَهُنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُرٌّ لِأَنَّهُ ابْنُ الرَّاهِنِ الْمَالِكِ فَالتَّفْرِقَةُ ضَرُورِيَّةٌ وَبِهَذَا فَرَّقَ جَمَاعَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَالصُّورَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُنَاكَ مَمْلُوكٌ وَهُنَا حُرٌّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَمْلُوكٌ وَهَذَا لا يخفى عن من هُوَ دُونَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَإِنْ أراد نصا آخر فلم أعلمه والله تعالى أَعْلَمُ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَأَبَا حَامِدٍ أَرَادَا هَذَا النَّصَّ الثَّانِيَ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الرَّدُّ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ إذَا حَبِلَتْ لَمْ تُبَعْ مَا دَامَتْ حَامِلًا فَإِذَا وَلَدَتْ بِيعَتْ دُونَ وَلَدِهَا وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا كَانَتْ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ حُرًّا يُبَاعُ الرَّهْنُ دُونَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَتِهِ
* وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَالْمَرْهُونَةِ إذَا عَلِقَتْ بِوَلَدٍ حُرٍّ
* وَالْجَارِيَةُ الْجَانِيَةُ إذَا كَانَ لها ولد حر بَيْعُهَا دُونَ الْوَلَدِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ هَذَا التَّفْرِيقُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ إذَا وَلَدَتْ حُرًّا تُبَاعُ الْأُمُّ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ دُونَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَتِهِ فِي الْأُمِّ فَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا رَدُّوا عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا النَّصِّ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الولد الحر يجوز بيع أمه سواء كانت مَرْهُونَةً أَمْ غَيْرَ مَرْهُونَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ مَعَهَا أَصْلًا لِضَرُورَةٍ فِيهِ مُحَقَّقَةٍ وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ الرَّقِيقِ وَطَرِيقُ حَمْلِ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ الضَّرُورَةُ(12/217)
وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ هُنَا رَقِيقًا وَهُنَاكَ حُرًّا فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ هَهُنَا أَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ وَيُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْمَحْذُورَ هُوَ التَّفْرِيقُ فِي الْمِلْكِ وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا الْفُرْقَةُ حَاصِلَةٌ فَلَا تَفْرِيقَ
بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا هُنَا فَإِنَّ الرَّدَّ يُوجِبُ التَّفْرِيقَ فِي الْمِلْكِ وَقِيَاسُ التَّفْرِيقِ عَلَى مَا لَيْسَ بِتَفْرِيقٍ لَا يَظْهَرُ (الْكَلَامُ الثَّانِي) فِي تَخَيُّلِ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِي الرَّهْنِ
* قَدْ يُقَالُ انْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هُنَا أَمْرَيْنِ مُسَوِّغَيْنِ لِلتَّفْرِيقِ
(أَحَدُهُمَا)
الضَّرُورَةُ وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ وَإِلْزَامِهِ أَخْذَ الْأَرْشِ وَبَقَاءَ الْمَعِيبِ فِي عَقْدٍ عَسِرٍ فَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الرَّدُّ وَأَمَّا الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَفَاءُ دَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ مَالَ غَيْرِهِ وَفَّيْنَا مِنْهُ وَلَمْ يَبِعْ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَاكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ وَالشَّارِعُ مَنَعَ مِنْ التَّفْرِيقِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ يُحِيطُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَإِنَّا نَبِيعُهُمَا تَوَصُّلًا إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي الْتَزَمَهُ وَحَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَحْدَهُ كَافٍ فِي الْفَرْقِ وَمُصَحِّحٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (وَالْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ بِالْفَسْخِ وَقَدْ اغْتَفَرُوا فِي الْفَسْخِ مَا لَمْ يَغْتَفِرُوا فِي إنْشَاءِ الْعُقُودِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْحَابَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالُوا لَوْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا بِثَوْبٍ ثُمَّ وجد بالثوب عيبا لَهُ اسْتِرْدَادَ الْعَبْدِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ وَجَدَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ بِهِ عَيْبًا فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ
(وَالثَّانِي)
عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ تَقَابَلَا حَيْثُ لَا عَيْبَ وَقُلْنَا الْإِقَالَةُ فَسْخٌ فَعَلَى الوجهين فهذه المسائل الثلاث اغْتَفَرُوا فِيهَا حُصُولَ مِلْكِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ بالفسخ وان كانوا لم يغتفروه بِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِأَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي الرَّدِّ إمَّا عَوْدُ الْعِوَضِ إلَيْهِ فَهُوَ قَهْرِيٌّ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَرَأَى أَنَّ الْأَصْوَبَ في توجيه أَنَّ الْفَسْخَ يَقْطَعُ الْعَقْدَ فَيَكُونُ نَازِلًا مَنْزِلَةَ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ وَالْإِمَامُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الرَّدَّ يَرِدُ عَلَى الْعَقْدِ وَارْتِدَادُ الْعَبْدِ يَتَرَتَّبُ عَلَى انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَلَهُ فِي رَدِّ الثَّوْبِ غَرَضٌ سِوَى تَمَلُّكِ الْعَبْدِ أَيْ وَهُوَ التَّخَلُّصُ مِنْ عَيْبِهِ وَهَذَا الْغَرَضُ وَهُوَ التَّخَلُّصُ مِنْ الْعَيْبِ حَاصِلٌ فِي الْجَارِيَةِ إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا غَرَضَ إلَّا التَّوَصُّلُ إلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ وَالرَّاهِنُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بذلك وملاحظة الضرورة لابد مِنْهَا (وَأَمَّا) الْفَسْخُ وَحْدَهُ فَلَيْسَ بِكَافٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ جَزَمُوا فِي الْفَلَسِ بِعَدَمِ التَّفْرِيقِ لما كان مال المفلس كله ميبعا وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى التَّفْرِيقِ وَإِنْ كَانَ الرافعى(12/218)
رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ بِاحْتِمَالِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ الَّذِي فِي الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِيهِ وَأَنَّ جَزْمَهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
عَلَى الْأَصَحِّ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا يُوَافِقُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي التَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ مُلَاحَظَةُ الفسخ لابد مِنْهَا وَالضَّرُورَةُ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي أَلَا تَرَى أَنَّ فِي رُجُوعِ الزَّوْجِ فِي شَطْرِ الصَّدَاقِ لَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ لِأَجْلِ حَقِّ الزَّوْجِ بَلْ نَقَلُوهُ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ اسْتِرْجَاعَ الشَّطْرِ تَمَلُّكٌ جَدِيدٌ
* هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْوِيَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى مَا فِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ يحتاج إلى ملاحظة ما تقدم التنبيه على فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِالرَّدِّ أَوْ نَفْرِضُ أَنَّ ذَلِكَ لَا تَنْقُصُ بِهِ قِيمَتُهَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (التَّفْرِيعُ)
* إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ الرَّدِّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فَذَاكَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ وكذلك قاله الجرجاني والرافعي علله الجرجاني بأن الرد كالميؤس مِنْهُ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّهُ يُمْكِنُ بِأَنْ يَعْتِقَ الْوَلَدُ أَوْ يَمُوتَ أَوْ يَصِلَ سِنَّ التَّفْرِيقِ وَقَدْ يَكُونُ بَقِيَ مِنْهُ زَمَنٌ قَلِيلٌ أو كثير الا أنه قد تَقَدَّمَ لَنَا وَجْهَانِ عَنْ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ بَعِيدًا حَكَيْنَاهُ فِيمَا إذَا رَضِيَ أحد المشتريين بِالْعَيْبِ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الِاسْتِقْلَالِ بِالرَّدِّ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فَلْيَكُنْ الْوَجْهُ الْآخَرُ جَارِيًا هنا لكنه ضعيف مفرع على ضعفه
* لنا خلاف هناك أنه لورد أَحَدُهُمَا الْجَمِيعَ عِنْدَ حُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ وَأَرَادَ اسْتِرْجَاعَ نِصْفَ الثَّمَنِ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْإِجْبَارِ فَهَهُنَا أَنْ يُرَدَّ الْوَلَدُ مَعَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَتَعَيَّنَ الْأَرْشُ وَلَا يُعْقَلُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا عَنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذا لم يحدث عيب جديد
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (فان اشتراها وهى حامل فولدت عنده (فان قلنا) ان الحمل له حكم رد الجميع (وان قلنا) لا حكم للحمل رد الام دون الولد)
*
*
* (لشرح)
* هَذَا بِنَاءٌ صَحِيحٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ حُكْمًا وَيُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَيَحْبِسُهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ (فَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَرُدُّ الْجَمِيعَ وَعَلَى (الثَّانِي) يَكُونُ الْوَلَدُ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ فيأتى فيه(12/219)
* الْخِلَافُ فِي الرَّدِّ قَبْلَ بُلُوغِهِ سِنَّ التَّفْرِيقِ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَأْتِي فِيهِ
أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَلَدِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ حَصَلَتْ الْوِلَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْخِلَافِ فِي حَبْسِهِ بِالثَّمَنِ وَرُجُوعُهُ إلَى الْبَائِعِ عِنْدَ اتِّفَاقٍ فَسْخٌ أَوْ انْفِسَاخٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَسَوَاءٌ قُلْنَا لَهُ رد الجميع على الصحيح أم رَدُّ الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فشرطه على ما قاله الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُ ابن الصباغ أن لا يَكُونَ حَصَلَ لَهَا بِالْوَضْعِ نَقْصٌ فَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ فَلَا رَدَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ قِيَاسُهُ أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي فِي الْعَيْبِ الَّذِي تَقَدَّمَ سَبَبُهُ هَلْ يكون مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَنْبَغِي عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُرَدَّ وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ وايد ذلك بِمَا إذَا أَصْدَقَهَا جَارِيَةً حَائِلًا ثُمَّ حَمَلَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ وَضَعَتْ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَكَى فِي نِسْبَةِ النَّقْصِ الْحَاصِلِ إلَيْهِ أَوْ إلَيْهَا وَجْهَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَوِيٌّ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُرَدُّ وَلَكِنَّ الْمَاوَرْدِيُّ وابن الصباغ حزما بِخِلَافِ ذَلِكَ
* وَاعْلَمْ أَنِّي قَدَّمْتُ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ في كون ذلك مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي جَارٍ مَعَ الْعِلْمِ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ يَرُدُّ الْجَارِيَةَ بَعْدَ زَوَالِ الْبَكَارَةِ وَالْعَبْدَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ بِعَيْبٍ آخَرَ قَدِيمٍ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّزَوُّجِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اسْتَشْكَلَهُ هُنَاكَ وَقُلْتُ ينبغى أن يكون الرضى بالعيب قاطعا لِأَثَرِهِ حَتَّى يَكُونَ مَا يُوجَدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ مِنْ سَبَبِهِ مَنْسُوبًا إلَى يَدِ الْمُشْتَرِي لِرِضَاهُ لِسَبَبِهِ دُونَ الْبَائِعِ وَلَمْ أَرَ مَنْ اعْتَضَدَ بِهِ فِي ذَلِكَ النَّقْلِ وَلَا مَا يَرُدُّهُ إلَّا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّفْرِيعِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتُ فَقَدْ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ هُنَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ عَالِمٌ بِالْحَمْلِ فَكَذَلِكَ النُّقْصَانُ الْحَادِثُ عِنْدَهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وقد وجدت بعد ذلك بِآخِرِ التَّتِمَّةِ صَرَّحَ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ إذَا عَلِمَ بِالزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ أَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَتَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا آخَرَ وَقَدْ أَلْحَقْتُهُ هُنَاكَ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ نَعَمْ لَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِالْحَمْلِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَلَا يُمْنَعُ الرَّدُّ حِينَئِذٍ وَلَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ الرَّافِعِيِّ لِتَصْرِيحِهِ بِالْحُكْمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ(12/220)
رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَالَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَعَلَّهُ ذَكَرَ التَّفْرِيعَ هُنَا عَلَى مَا مَالَ إلَيْهِ هُنَاكَ فلا يرد عليه شئ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمَنْ تَبِعَهُ وَأَنَّ الْحَادِثَ الَّذِي
تَقَدَّمَ سَبَبُهُ مَنْسُوبٌ إلَى الْبَائِعِ فِي عَدَمِ مَنْعِ الرَّدِّ بِغَيْرِهِ مَعَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُرَدُّ بِهِ فَطَرِيقُ الْجَوَابِ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَاَلَّذِي خَطَرَ لِي الْآنَ أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْعُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى حَالَةٍ يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ الْوِلَادَةِ نُقْصَانٌ عَنْ قِيمَتِهَا مَعَ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ رَضِيَ بِهَا حَامِلًا فَالْغَالِبُ أَنَّهَا بِالْوِلَادَةِ تَزِيدُ قِيمَتُهَا عَنْ حَالَةِ الْحَمْلِ فَإِنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ فإذا انقضت بِالْوِلَادَةِ عَنْ قِيمَتِهَا حَامِلًا كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا جَدِيدًا مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ حُصُولُهُ بِسَبَبِ الْحَمْلِ وَاَلَّذِي لَا يَغْلِبُ حُصُولُهُ مِنْ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ تَبْعُدُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَكُون مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِعَيْبٍ آخَرَ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّدَاقِ فَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ النُّقْصَانُ عَنْ حَالَةِ الْخِيَارِ وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِصْدَاقِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَالنَّقْصُ بِالْحَمْلِ قَدْ زَالَ بِالْوَضْعِ وَبَقِيَ النَّقْصُ الْآخَرُ عَنْ حَالَةِ الْحِبَالِ فَالْوِلَادَةُ فِي يد لزوجة وسببها في يد لزوج وَهُوَ مِمَّا فَعَلَتْ وَلَا يَنْدُرُ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فَإِنْ فُرِضَ نَقْصٌ بِالْوِلَادَةِ عَنْ حَالَةِ الْحَمْلِ الْحَاصِلِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ نَقْصٌ جَدِيدٌ يَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجَةِ كَمَا فِي الْمُشْتَرِي هَهُنَا هَذَا مَا خَطَرَ لِي فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اشْتِرَاطَ عَدَمِ النَّقْصِ بِالْوِلَادَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَمَا قَبْلَهُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَرَضَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوِلَادَةُ عند المشترى كما فرض المصنف رحمه لله وَلَا شَكَّ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَحْصُلْ نَقْصٌ تُرَدُّ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عيب آخر وأما إذَا حَصَلَ نَقْصٌ فَقَدْ قَدَّمْتُ كَلَامًا فِي أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا اسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ سَابِقٍ عَلِمَ الْمُشْتَرِي هَلْ يَكُونُ موجبا للرد أولا وهل يكون مانعا من الرد بغير أولا وَاَلَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُوجِبًا وَلَا مَانِعًا وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً عَالِمًا بِتَزْوِيجِهَا فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا قَبْلَ القبض ثم اطلع على عيب بها فله الرد هَذَا مَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ الله والله أعلم
*(12/221)
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَانَ المبيع جارية ثيبا فوطئها ثم علم بالعيب فله أن يردها لانه انتفاع لا يتضمن نقصا فلم يمنع الرد كالاستخدام)
*
** (الشرح)
* هذه مسألذ مَشْهُورَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يرد معها شيأ وَهُوَ مَذْهَبُنَا الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِيمَا قِيلَ وَعُثْمَانُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قبله ولا يكون بالوطئ قَابِضًا لَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إنْ سَلِمَتْ وَقَبَضَهَا فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِلْبَائِعِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أصله أو من حينه الصحيح لَا مَهْرَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ المردود عليه ممن تحرم عليه بوطئ المشترى كأب وابنه اولا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ قول أبى حنيفة والثوري وأبو يُوسُفَ وَإِسْحَاقَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَشُرَيْحٍ فِي رِوَايَةٍ وَقِيلَ إنَّهُ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْمَهْرُ فِي قَوْلِ ابْنِ أبى ليلى ياخذ العشر من قيمتها ونصف فَيَجْعَلُ الْمَهْرَ نِصْفَ ذَلِكَ يَعْنِي يَكُونُ الْمَهْرُ ثلاث أَرْبَاعِ عُشْرِ قِيمَتِهَا بِذَلِكَ صَرَّحَ عَنْهُ غَيْرُهُ (الرابع) بردها وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وعبد الله بن حسن (وَالْخَامِسُ) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا نِصْفَ عُشْرِ ثَمَنِهَا وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ (وَالسَّادِسُ) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا حُكُومَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ (وَالسَّابِعُ) أَنَّهَا لَازِمَةٌ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَا يَرُدُّهَا وَلَا يَرْجِعُ بشئ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (وَالثَّامِنُ) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا عُشْرَ ثَمَنِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ يَرُدُّ مَعَهَا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ عُشْرَ ثَمَنِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ أَعُدَّهُ مَذْهَبًا آخَرَ دُونَ تَحْقِيقٍ
* هَذَا فِي وطئ السبب وأما البكر فسيأتي الكلام فيها فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْتُهَا مَا وَرَدَتْ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ لِثَيِّبٍ وَلَا بِكْرٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ الثَّمَانِيَةُ تَرْجِعُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ يَرُدُّهَا ولا شئ مَعَهَا كَمَذْهَبِنَا أَوْ بِامْتِنَاعِ رَدِّهَا وَالرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ كمذهب(12/222)
أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ بِامْتِنَاعِ رَدِّهَا وَلَا يَرْجِعُ بشئ كَمَذْهَبِ الْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ يردها ويرد معها
شيأ كمذهب الباقين
* فاما من يقول يردها ورد شئ مَعَهَا فَالْوَجْهُ تَأْخِيرُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيمُ الْكَلَامِ على المذهبين عليه الاولين الثَّالِثُ يُشَارِكُ الثَّانِي فِي الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ فَلْيُجْعَلْ الْكَلَامُ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَامْتِنَاعِهِ وَمُعْتَمَدُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ وطئ السيب شئ لَا يَنْقُصُ مِنْ عَيْنِهَا وَلَا مِنْ قِيمَتِهَا ولا يتضمن الرضا بعينها فوجب أن لا يمنع مِنْ رَدِّهَا بِالِاسْتِخْدَامِ وَقَوْلُنَا لَا يَنْقُصُ مِنْ عَيْنِهَا احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ الطَّرَفِ وَمِنْ قِيمَتِهَا احْتِرَازٌ مِنْ حُدُوثِ عَيْبٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وقلنا وَلَا يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِعَيْنِهَا احْتِرَازٌ مِنْ وَطْئِهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِعَيْبِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الرِّضَا وَهَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتِدْلَالُ الشافعي رضى الله عنه بأن الوطئ أقل ضررا من الخدمة يعنى أن الوطئ يمتع ويلذ ويطرب والخدمة تلذ وتزيب وَتُتْعِبُ فَإِذَا لَمْ تَمْنَعْ الْخِدْمَةُ مِنْ الرَّدِّ فالوطئ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ فَهَذَا الدَّلِيلُ هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنْ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى وَأَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى وطئ الزَّوْجِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرد ولذلك إذا اكرهها انسان على الوطئ فان كان وطئ الثيب يقتضي وجوب أن يقع وطئ الزَّوْجَةِ وَالْمُكْرَهَةِ: فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ وَجَبَ أَنْ لا يمنع وطئ السَّيِّدِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إذَا غَصَبَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَوَطِئَهَا ثُمَّ رَدَّهَا حَتَّى يُوفِيَهُ الثَّمَنَ فَلَمَّا وَفَّاهُ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَإِنْ اعتذروا عن وطئ الزوج بأنه مستحق فوطئ المشترى مستحق وأيضا يبطل بوطئ الزوج للبكر فَإِنَّهُ مُسْتَحَقٌّ وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا بِامْتِنَاعِ رَدِّهَا فان اعتذورا بِأَنَّ مَنَافِعَ بُضْعِ الزَّوْجَةِ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ بِالشِّرَاءِ وانما يمتنع الرد بوطئ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ حَبَسَ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فلذلك منع وطئ السيد ولم يمنع وطئ لزوج الثَّيِّبَ وَأَمَّا الْبِكْرُ فَجِلْدَةُ الْبَكَارَةِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا عَيْنٌ حَقِيقَةً وَالنِّكَاحُ مَحَلُّ الْمَنَافِعِ إلَّا أَنَّ تِلْكَ الْجِلْدَةَ تَتْلَفُ لِلضَّرُورَةِ وَإِذَا كَانَتْ مستحقة بالبيع فاتلفها لزوج امتع الرَّدُّ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمَبِيعِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ مَمْلُوكَةٌ بِالشِّرَاءِ لِلسَّيِّدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ طَلَّقَ كَانَتْ لَهُ وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ استحق المهر وكون جلدة البكارة جزء مِنْ الْمَبِيعِ مَعَ كَوْنِهَا مُسْتَحِقَّةَ الْإِزَالَةِ لِلزَّوْجِ لا يفيد لانه مأذون له فِيهَا شَرْعًا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِلنَّقْصِ لَمَا مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ وَقَدْ تَعَلَّقَ الْمُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(وَالثَّانِي)
يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا الْمَهْرَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا شئ مَعَهَا إحْدَاثُ
قَوْلٍ ثَالِثٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَوْرَدَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالْغَزَالِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْهُمْ فَقَالُوا إنَّ عَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ(12/223)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا لَا يَرُدُّهَا وَعُمَرُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا وَإِيرَادُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْأَشْهَرُ وَأَقْرَبُ فِي النَّقْلِ والجواب عنه من وجوه
(أحدهما)
مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ بَحَثَ مَعَ مَنْ خَالَفَهُ وَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الشَّافِعِيُّ قُلْتُ أَفْتَيْتَ عَنْ عَلِيٍّ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ لَا فَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ يَرُدُّهَا وَذَكَرَ عَشْرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ قُلْتُ أَوَ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ لَا قُلْتُ وَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِمَا لَا يَثْبُتُ وَأَنْتَ تُخَالِفُ عُمَرَ لَوْ كَانَ قَالَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَلَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى الْأَسَانِيدِ وَوُرُودِ ذَلِكَ عَنْهُمَا فَرَأَيْتُهَا ضَعِيفَةً وَأَمْثَلُهَا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهَا وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَلَمْ يُدْرِكْ جَدَّهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ صَحِيحَةً فَإِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عِنَانٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَعَلَّ حَفْصَ بْنَ عِنَانٍ أَوْ مَسْلَمَةَ مِمَّنْ كَانَ حَاضِرًا مُنَاظَرَةَ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قاضى الكوفة حنفيا جليلا ثقة ونقلها البهيقى مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ عَنْ جَعْفَرٍ وَرُوِيَتْ مُتَّصِلَةً بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ لَا يَثْبُتُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذلك شئ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ سَقَطَ التَّمَسُّكُ الَّذِي ذَكَرُوهُ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْتُهُ وَرَأَيْتُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ وَلَا يُعْلَمُ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ وَلَا عَنْ عَلِيٍّ وَلَا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ خِلَافَ هَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ بن السمعاني قد جهدت غاية أَنْ أَجِدَ مَا قَالُوهُ فِي كِتَابٍ فَلَمْ أجده وإنما هي حكاية أخذه العلم من التعليق وسعى السواد على البياض ولم يرد عليه واحد من الصحابة شئ سِوَى عَلِيٍّ (الثَّانِي) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِثْلُ مَذْهَبِنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي مَسَائِلِهِ الْكَثِيرَةِ فِيمَا نَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وحكى لنا ذلك يعنى لرواية عن زيد أبو الحسن الماسرخسى وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْقِيَاسِ لَكِنَّ أَبَا الْمُظَفَّرِ
ابن السَّمْعَانِيِّ قَالَ إنَّ هَذَا النَّقْلَ عَنْ زَيْدٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيَّيْنِ لَمْ يُعْلَمْ انْتِشَارُهُ وَالْقِيَاسُ بِخِلَافِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ (الرَّابِعُ) أَنَّ مَذْهَبَنَا مُوَافِقٌ لِعُمَرَ فَإِنَّهُ أَثْبَتَ الرَّدَّ فَوَافَقْنَاهُ فِي أَصْلِ الرَّدِّ وَالِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ في أنه يرد معها شيئا أولا اخْتِلَافٌ فِي كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ (الْخَامِسُ) أَنَّ إحْدَاثَ القول الثالث(12/224)
فِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْنُ هُنَا وَافَقْنَا بَعْضَهُمْ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَبَعْضَهُمْ فِي إسْقَاطِ الْمَهْرِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) مِمَّا تَعَلَّقُوا بِهِ القياس على وطئ الْبِكْرِ لِأَنَّ كُلًّا مِمَّا يُقَرِّرُ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ وَعَلَى مَا إذَا زَنَتْ وَبِأَنَّهُ يَنَالُهَا فِي ذَلِكَ ابْتِذَالٌ وَيَنْقُصُهَا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي أَبَا الْبَائِعِ أَوْ ابْنَهُ فَيَحْرُمُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ فَمَنَعَ الرَّدَّ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَتَعَلَّقُوا أَيْضًا بأن الوطئ جِنَايَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ فِي الْغَالِبِ وَلَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ فَأَشْبَهَ الْقَطْعَ وَالرَّدُّ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَوْ ردها لكان الوطئ حَاصِلًا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ لان الوطئ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَهْرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ الْمَهْرَ وَلَا أَنْ يَرُدَّهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَبَطَل الرَّدُّ وَرُبَّمَا قَالُوا فِي هَذَا إنَّهُ إذَا كَانَ وَاقِعًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَانَ عَيْبًا فَيُمْنَعُ الْفَسْخُ فَلَوْ نَفَذَ الْفَسْخُ لِمَا بَعْدُ وَنَقَلُوا عَنْ مُحَمَّدِ بن الحسن أن الوطئ لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمِلْكِ وَقَدْ انْتَفَيَا عَنْ المشترى بالاجماع فلو فسخ لا يَبْقَى الْمِلْكُ مِنْ أَصْلِهِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَقَوْلُهُ إنَّهُ انْتَفَيَا عَنْ الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَوَّلَ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِ إيجَابُ الْمَهْرِ وَبِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ فِي حُكْمِ الْأَجْزَاءِ وَالْمُشْتَرِي أَتْلَفَهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْوَلَدُ وَالزَّوَائِدُ وَيَعُودُ البحث في مسألة لزوائد وإنما استدلوا به على أن الوطئ تنقيص للملك صرف مَهْرِ الْجَارِيَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِالشُّبْهَةِ إلَى سَيِّدِهَا فَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ لِصِيَانَةِ الْبُضْعِ فَقَطْ لَوَجَبَ لِلَّهِ كالكفارة فلما صرف السَّيِّدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ كَالْأَجْزَاءِ وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ كَيَدِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ يُصْرَفُ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ الْمَالِيَّةُ بِمَنْفَعَةِ البضع الحكم في حكم لاجزاء وَفَوَاتِ الْأَجْزَاءِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَجْزَاءِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَيُمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ فِي الشَّرْعِ مُحْتَرَمَةٌ مُشَرَّفَةٌ لِأَنَّهَا سَبَبُ النسل في العامل فَلِشَرَفِهَا وَحُرْمَتِهَا الْتَحَقَتْ بِالْأَجْزَاءِ شَرْعًا (وَالْجَوَابُ) أَنَّ وطئ الْبِكْرِ وَالزِّنَا مُنْقِصَانِ لِلْقِيمَةِ بَلْ زَوَالُ الْبَكَارَةِ وحدها بغير وطئ مُنْقِصٌ وَالِابْتِذَالُ
إنْ سَلِمَهُ كَالِاسْتِخْدَامِ وَكَوْنُ الْمُشْتَرِي أَبَا الْبَائِعِ أَوْ ابْنَهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي مَعْيُوبِ شَخْصٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ مَا ينقص قيمة الشئ ولا يؤثر إلا ماله أَثَرٌ فِي الْمَالِيَّةِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ جِنَايَةٌ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تُنْقِصُ الْقِيمَةَ وَهَذَا بِخِلَافِهِ وَلَوْ كَانَ جِنَايَةً لَمُنِعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا وَطِئَ مُكْرَهَةً وَمِنْ الزَّوْجِ وَقَوْلُهُمْ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ ينتقض بما دون الوطئ هَكَذَا نَقَضَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِمْ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ ان ما دون الوطئ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ مَانِعٌ الرَّدَّ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا لَا يَتَوَجَّهُ النَّقْضُ وَعَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَخْلُو عَنْ مَالٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَخْلُو مِنْ الْمَالِ وَالْعُقُوبَةِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا وَعَنْ قَوْلِهِمْ الرَّدُّ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ(12/225)
تَقَدَّمَ ثُمَّ أَثَرُ ذَلِكَ إنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْأَعْيَانِ
* أَمَّا الْمَنَافِعُ الْبَعْضِيَّةُ فَلَا
* ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لَمَا جَازَ الرَّدُّ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ وَهُوَ جَائِزٌ وَإِيجَابُ الْمَهْرِ فِي الْبُضْعِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَالسَّيِّدُ يَسْتَحِقُّهَا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَقْدِيرِهَا جُزْءًا وَتَقْدِيرُ الْمَهْرِ بَعِيدٌ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَلَا يَسْقُطُ به قبل القبض من الثمن شئ وَلَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّ فِيهِ إدْخَالَ ذُلٍّ على الاسلام والوطئ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ سَلَّمَهُ فَلِأَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْخِيَارِ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا فَهَهُنَا وَطِئَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْخِيَارِ وَاعْتَذَرَ أَبُو زَيْدٍ عن الوطئ قبل القبض بأنه وقع في حكم مالك البائع لانه تصرف ولا يتنقل التَّصَرُّفُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ جِنَايَةً وَهَذَا ضَعِيفٌ فَهَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَاحَظَ غَرَضَ الْبَائِعِ وَمَا يَحْصُلُ له من النقرة وَالتَّغَيُّرِ وَالْأَنَفَةِ وَالشَّافِعِيَّ لَاحَظَ الْأَمْرَ الْعَامَّ وَأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ إذَا عَلِمُوا أَنَّ الْجَارِيَةَ ثَيِّبٌ لَا يُبَالُونَ بِقِلَّةِ الْوَطْئَاتِ وَكَثْرَتِهَا وَلَا يَنْقُصُ من قيمتها شيئا فان فرض وطئ ينقص القيمة فليس فرض المسألة والله عز وجل أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الرَّدَّ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا هُنَا عَلَى جَوَازِ الرَّدِّ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ إلَّا مَا سَنَحْكِيهِ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَهَذَا الِاتِّفَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَثَرَ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَعْيَانِ أَمَّا الْمَنَافِعُ فَلَا وَهُوَ يُقَوِّي مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَوْ أَثْبَتْنَا عَدَمَ الْمِلْكِ كَانَ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمَهْرِ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا إذَا وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ
الْمَبِيعَةَ الثَّيِّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَتْ أَنَّهُ هَلْ يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الْمَهْرَ عَلَى وَجْهَيْنِ (إنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ مِنْ الْأَصْلِ غَرِمَ وَإِلَّا فَلَا وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَمْ أَرَهُمْ ذَكَرُوهُ وَبِتَقْرِيرِ ثُبُوتِهِ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِضَعْفِهِ مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَبَقَاءِ عُلْقَةِ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ طَرْدُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الضَّعِيفَةِ الطَّارِدَةِ لِلْقَوْلَيْنِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَفِيهِ نَظَرٌ
* هذا ما يتعلق بمن يَقُولُ بِمَنْعِ الرَّدِّ (وَأَمَّا) الْمَذَاهِبُ النَّافِيَةُ فَمَذْهَبُ ابن شبرمة أقربها لانه يقول يردها مَعَ مَهْرِ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ تَخْرِيجًا ظَاهِرًا (وَجَوَابُهُ) مَا تَقَدَّمَ وأما من قال يردها ويرد شييئا يَتَقَدَّرُ مَعَهَا فَتَحَكُّمَاتٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَأَمَّا من قال بامتناع ردها ولا يرجع بشئ فَبَعِيدٌ فَإِنَّ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ يَجِبُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِهِ إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَطْرُدَ الْجُزْءُ مَذْهَبَهُ وَيُمْنَعَ مِنْ أَخْذِ الْأَرْشِ وَاَللَّهُ أعلم
*(12/226)
* (فرع)
* هذا كله في وطئ الْمُشْتَرِي فَلَوْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ القبض بشبهة فهو كوطئ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَارَةً فَهُوَ زِنًا وَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ زَانِيَةً فَعَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةً أَوْ مُكْرَهَةً فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَيَجِبُ الْمَهْرُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِلْمُشْتَرِي وَأَمَّا الْبَائِعُ فَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (إنْ قُلْنَا) كَآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الِانْتِفَاعِ بالمبيع قبل القبض فان ماتت بعد وطئ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقُلْنَا الْعَقْدُ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْمَهْرَ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ مَاتَتْ بعد وطئ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ فَالْمَهْرُ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَلِلْمُشْتَرِي قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْبَائِعِ إذَا وَطِئَهَا جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ وَجْهَانِ فِي التَّتِمَّةِ
* هَذَا فِي الثَّيِّبِ أَمَّا فِي الْبِكْرِ فَفِيهَا زِيَادَةُ أَحْكَامٍ سَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أن الوطئ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الزِّنَا عَيْبٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ اسْتَثْنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْهُ مَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهَا بِالزِّنَا بِأَنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالزِّنَا وَاشْتَرَاهَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ بِهِ الرَّدُّ
ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي جَوَابِهِ عَنْ اعْتِرَاضِ الْحَنَفِيَّةِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَطَرَدَهُ فِي الْإِبَاحَةِ وَالسَّرِقَةِ إذَا حَدَثَتْ وَلَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةَ قَالَ لِأَنَّهَا عَيْبٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ يَعْنِي بِخِلَافِ الْبَرَصِ وَنَحْوِهِ إذَا زَادَ فَإِنَّهُ عيب من حيث المشاهدة
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ وُجِدَ العيب وقد نقص المبيع نظرت فان كان النقص بمعنى لا يقف استعلام العيب على جنسه كوطئ البكر وقطع الثوب وتزويج الامة لم يجز له الرد بالعيب لانه أخذه من البائع وبه عيب فلا يجوز رده وبه عيبان من غير رضاه وينتقل حقه إلى الارش لانه فات جزء من المبيع وتعذر الفسخ بالرد فوجب أن يرجع إلى بدل الجزء الفائت وهو الارش)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* النَّقْصُ الْحَاصِلُ لِرُخْصِ السِّعْرِ وَنَحْوِهِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ الْمَعْنَى أَيْ حَاصِلٌ فِي الْمَبِيعِ وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ فِي افْتِضَاضِ الْبِكْرِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ وَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَبَبٌ سَابِقٌ وَلَا ضُمَّ مَعَهَا الْأَرْشُ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا عُيُوبٌ حَادِثَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ رَدَّهُ وَبِهِ عَيْبَانِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي وطئ البكر مذاهب السلف قال ابن سريج وَالنَّخَعِيُّ يَرُدُّهَا وَنِصْفَ(12/227)
عشر ثمنها وتقدم في وطئ الثيب حكاية ثلاثة مذاهب مطلقة في الوطئ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُطَّرِدَةٌ فِي الْبِكْرِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاتَّفَقُوا فِي الْبِكْرِ عَلَى أَنَّهَا بَعْدَ الِافْتِضَاضِ لَا تُرَدُّ مَجَّانًا لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلَيْنِ (إمَّا) امْتِنَاعِ الرَّدِّ (وَإِمَّا) الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِثَالًا لِامْتِنَاعِ إحْدَاثِ الْقَوْلِ الثالث كما هو رأى أكثر الاصوليين ولاسيما هُنَا فَإِنَّ فِيهِ دَفْعَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى افْتِضَاضِ الْبِكْرِ فَقَالَ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَافْتَضَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا نَاقِصَةً بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَمَعِيبَةً مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ تَكَلَّمَ بَعْدُ عَنْ مَسَائِلَ تَكَلَّمَ عَنْ حُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ فَإِنْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ كَانَ لَهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَهَا نَاقِصَةً فَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُشْتَرِي حَبْسَهَا وَلَا يَرْجِعُ بشئ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا عَلَى كُلٍّ من المسألتين وحدها وحزموا في وطئ الْبِكْرِ أَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَيْبِ إنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِهِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ
عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ أَبْطَلَ الْآخِرُ الْأَوَّلَ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا قُلْنَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَنْعِ الرَّدِّ وَلَا يرجع بشئ وذهب حماد ابن أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّ السِّلْعَةَ وَأَرْشَ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ قِيَاسًا عَلَى الْمُصَرَّاةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ أَبَا ثَوْرٍ رَوَى ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْوَجْهِ الْمَشْهُورِ الَّذِي فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيمَا إذَا طلب المشترى الرد مع الارش والبائع اعطاء الْأَرْشَ وَبَقَاءَ الْعَقْدِ وَبِالْعَكْسِ مِنْ إيجَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَرْعَشِيُّ قَطْعُ الثَّوْبِ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرُدُّهُ وَأَرْشَ الْقَطْعِ
(وَالثَّانِي)
يَأْخُذُ الْأَرْشَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَلَكِنْ هَلْ نَقُولُ الْوَاجِبُ لَهُ ابْتِدَاءً لَهُ الرَّدُّ مَعَ بَدَلِ الْأَرْشِ أَوْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ طَلَبِ الْأَرْشِ أَوْ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الارش الا أن يختار البائع الرد كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ
* فِيهِ بَحْثٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى لرد وبدل الارش أولا (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ وَجَبَ (وَإِنْ) قُلْنَا بِالثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ لَمْ يَجِبْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتِمَالٌ رَابِعٌ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَقُّهُ أَوَّلًا فِي الرَّدِّ وَحْدَهُ فَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ جَاءَتْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَهَلْ ذَلِكَ جَارٍ في وطئ البكر أولا الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَإِطْلَاقُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِيهِ وَإِنَّمَا أَفْرَدْتُ مسألة وطئ البكر وحدها لانهم ذكروه عقب وطئ الثَّيِّبِ وَالْبَحْثُ فِيهَا مَعَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّا نُوَافِقُهُمْ على أن وطئ الْبِكْرِ مَانِعٌ وَيَحْتَمِلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يُقَالَ(12/228)
هما مسألتان فوطئ الْبِكْرِ وَشِبْهُهُ مِمَّا فِيهِ فَوَاتُ جُزْءٍ كَالْخِصَاءِ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِهِ أَوْ قَطْعِ إصْبَعٍ زَائِدَةٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَيَنْتَقِلُ إلَى الْأَرْشِ جَزْمًا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِالرَّدِّ وَالْعُيُوبُ الَّتِي تَنْقُصُ الْقِيمَةَ فَقَطْ يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ أَبِي ثَوْرٍ وَالْوُجُوهُ الَّتِي سَتَأْتِي فَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ بِإِجَابَةِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ بَلْ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ بَاقٍ مَعَ إعْطَاءِ الْأَرْشِ إمَّا عَلَى التَّعْيِينِ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ الْأَرْشِ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي إذَا اتَّبَعْنَا رَأْيَ الْمُشْتَرِي وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ إذَا قُطِعَ طَرَفٌ مِنْ أَطْرَافِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له رده
ووضع الشافعي والمصنف من في الخلاف كابن المنذر وغيره مسألة الوطئ وَحْدَهَا وَمَسْأَلَةَ حُدُوثِ الْعَيْبِ وَحْدَهَا وَمَا تَقَدَّمَ عن الشعبى عامة قال في الجارية توطئ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا حُكُومَةً وَفِي الْجَارِيَةِ يَحْدُثُ بِهَا عَيْبٌ مُبْطِلٌ لِلْعَيْبِ الْأَوَّلِ وَهَذَا يَقْتَضِي التَّغَايُرَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَوْفَقُ لِإِطْلَاقِهِمْ وَلِعُمُومِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَلِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فانه سوى بين وطئ الْبِكْرِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ وَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَلَيْسَ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَوَاتُ جُزْءٍ وَلَا يَنْحَلُّ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مُشْتَرَكَةٌ فِي أَنَّهَا صَادِرَةٌ مِنْ الشترى فتكون محل الجزم ويخص الخلاف بما لم يكن من جهة المشترى لنقل أبى الطيب الاجماع في قطع الطرف فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْعُيُوبَ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي مَنْعِ الرَّدِّ الَّذِي لَمْ يَضُمَّ مَعَهُ الْأَرْشَ أَمَّا إذَا ضَمَّ مَعَهُ الْأَرْشَ فَعَلَى مَا سَيَأْتِي وَعَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا سَيَأْتِي يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا إلَّا برضى البائع لانه يجاب من طلب تقدير الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلِذَلِكَ صَحَّ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَمَحَلُّ الِاتِّفَاقِ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ الْحَادِثُ لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ فَلَا يُمْنَعُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ مَبْحَثُ حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مالا سَبَبَ لَهُ مُتَقَدِّمًا وَمَنْ ذَلِكَ مَا إذَا اشترى بكرا مزوجة جاهلا فافتضها لزوج وَقَدْ تَقَدَّمَ
* وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَتَقَدَّمَ فِيهِ بَحْثٌ وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ وطئ الْبِكْرِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ قِيلَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وافق في وطئ الْبِكْرِ وَخَالَفَ فِي قَطْعِ الثَّوْبِ فَفِيهِ قِيَاسُ أحدهما على الآخر وقوله وطئ الْبِكْرِ مَحْمُولٌ عَلَى افْتِضَاضِهَا فَلَوْ كَانَتْ غَوْرَاءَ فوطئها ولم تزل بكارتها فهو كوطئ الثيب فيما يَظْهَرُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ يُفْرَضُ عَلَى وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَحْكَامِ سَأُفْرِدُ لَهَا فَرْعًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ مُفْهِمٌ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِالرَّدِّ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ نَقْصُ الْمَبِيعِ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ النَّقْصِ وَالنَّقْصُ قَدْ يَكُونُ نَقْصَ صِفَةٍ مَخْفِيَّةٍ كَقَطْعِ الثَّوْبِ وَالتَّزْوِيجِ وَقَدْ يَكُونُ نُقْصَانَ عَيْنٍ وَلَكِنَّهَا فِي حكم الوصف(12/229)
كزوال البكارة فان جلد الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا لَكِنَّهَا لَا تُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ مِنْ الثمن بزوالها قبل القبض شئ وَقَدْ يَكُونُ نُقْصَانَ عَيْنٍ مُقَابَلَةٍ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ كَاحْتِرَاقِ بَعْضِ الثَّوْبِ فَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ فَجَوَازُ الرَّدِّ إذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا إذَا
رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ الْمَبِيعِ (وَالْأَصَحُّ) جَوَازُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
* إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَشَرْطُ النَّقْصِ الْمَانِعُ مِنْ الرَّدِّ بِالِاتِّفَاقِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ فَلَوْ كَانَ قَرِيبَ الزَّوَالِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ سَأَذْكُرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى الْأَرْشِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ لَا عَلَى التَّعْيِينِ وَلَا عَلَى التَّخْيِيرِ وَهُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَسَنُعِيدُ الْكَلَامَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ فَاتَ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا فِيهِ نُقْصَانُ صِفَةٍ مَحْضَةٍ فَلَا إلَّا أَنْ يُتَجَوَّزَ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَيْهَا وَيَدُلُّكَ قَوْلُهُ بَدَلَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ لَكِنَّهُ هَهُنَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ شَرْعًا بِدَلِيلِ جَبْرِهِ بِالْأَرْشِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْجُزْءِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَتِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا حَقِيقِيًّا والا لزم أن يسقط من الثمن شئ فِي مُقَابَلَتِهِ وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالرَّدِّ وَأَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعٌ أَصْلًا حَتَّى يَحْصُرَ الْأَوْصَافَ الَّتِي يَجِبُ الْأَرْشُ بِفَوَاتِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى الْأَرْشِ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ هُوَ الْخِصَاءَ وَلَمْ تَنْقُصْ بِهِ الْقِيمَةُ فَإِنَّهُ لَا أَرْشَ لَهُ وَسَأَذْكُرُ قَرِيبًا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا سَيَأْتِي وَيُؤْخَذُ مِنْ قول المصنف أن الارش يدل عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَيَكُونُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ فَلَيْسَ عُرْفًا جَدِيدًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ
* (تَنْبِيهٌ)
* هَلْ يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ بِإِعْلَامِ الْبَائِعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يُعْلِمُ الْبَائِعَ بِالْحَالِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرُدَّهُ وَإِمَّا أَنْ تَقْنَعَ بِهِ معيبا ولا شئ لك وان لم ترض فلابد من ضم الارش وصرح الرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ بَعْدُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْإِعْلَامَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرد والارش إلا أن يكون العيب حادث قَرِيبَ الزَّوَالِ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي (قُلْتُ) وَمَا ذَكَرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ حَقَّهُ أَوَّلًا ثَابِتٌ فِي الرَّدِّ فَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ انْتَقَلَ إلَى الْأَرْشِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَمَا حَكَيْتُهُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي الْأَرْشِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ مَعِيبًا وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ أَرْبَعَةٌ بِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ هُنَا وَكَلَامُ الْإِمَامِ فِي بَابِ السَّلَمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ وَجْهَانِ فِي ذَلِكَ أَرْجَحُهُمَا عنده أنه لا يثبت(12/230)
الارش الا الطالب الْجَازِمُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَيْبُ قَرِيبَ الزَّوَالِ كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى وَالرَّمَدِ وَالْعِدَّةِ الَّتِي لَزِمَتْهَا مِنْ وطئ شُبْهَةٍ فَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ مذكوران في طريقة الخراسانيين عبر عنها الْبَغَوِيّ بِقَوْلَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ بِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُعْذَرُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَهُ انْتِظَارُ زَوَالِهِ لِيَرُدَّهُ سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ
(وَالثَّانِي)
لَا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ بِقُدْرَتِهِ عَلَى طَلَبِ الْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ فِيمَا لَيْسَ قَرِيبَ الزَّوَالِ لَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ قَطْعًا وَيَكُونُ الْإِعْلَامُ لِطَلَبِ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قُلْتُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ لَهُ الرَّدَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي تَأْخِيرِ الرَّدِّ أَمْ لَا فَإِنْ جَعَلْنَاهُ عُذْرًا كَانَ بَعْدَ زَوَالِهِ الرَّدُّ وَاسْتِرْجَاعُ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ نَجْعَلْهُ عُذْرًا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْأَرْشِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَعَلَيْهِ جَرَى الرَّافِعِيُّ فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ صَرَّحَ عَلَى قَوْلِنَا أَنْ لَا يعذر أنه أبطل حقه وظاهر ذلك بطل حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ جَمِيعًا فَيَقْتَضِي أَنَّ طَلَبَ الْأَرْشِ عَلَى الْفَوْرِ فَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي تَأْخِيرِ طَلَبِ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ مَعَ بَدَلِ الْأَرْشِ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ لَا يَبْعُدُ جَرَيَانُ مِثْلِهِمَا فِيمَا إذَا قُلْنَا إنَّ حَقَّهُ فِي طَلَبِ الْأَرْشِ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَأَخَّرَ طَلَبَهُ إلَى زَوَالِ الْحَادِثِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الشَّامِلِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ عَيْبَ الْجَارِيَةِ بَعْدَمَا حَمَلَتْ والحمل ينقصها يرجع لارش وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي أَمْسِكْهَا حَتَّى تَضَعَ وَيَرُدَّهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي أَفْهَمَهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَاحِدَةٌ مَتَى وُجِدَ عَيْبٌ قَدِيمٌ وَعَيْبٌ جَدِيدٌ مُنْتَظَرُ الزَّوَالِ جَرَى الْوَجْهَانِ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَى الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ أَوْ طَلَبِ الْأَرْشِ الْآنَ لَكِنْ هَلْ تَتَعَيَّنُ الْفَوْرِيَّةُ فِي طَلَبِهِ أولا فِيهِ مَا سَلَفَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ مِنْ وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ وَعَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ عَدَمِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ طَلَبِ الرَّدِّ مَعَ بَدَلِ الْأَرْشِ وَبَيْنَ طَلَبِ الْأَرْشِ بِخِلَافِ مَا أَفْهَمَ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ
* نَعَمْ يَلْتَفُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَحْثِ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ هَلْ حَقُّ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا فِي الرَّدِّ أَوْ فِي طَلَبِ الْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ يَظْهَرُ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ التَّأْخِيرِ بِهَذَا السَّبَبِ عُذْرًا اولا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي يَظْهَرُ سُقُوطُ حَقِّهِ مِنْ الرد ويعين الارش الا برضى الْبَائِعِ وَلَا تُشْتَرَطُ الْفَوْرِيَّةُ هَذَا مَا يَتَّضِحُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ
* وَالْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ طَلَبَ الْأَرْشِ وَيَرُدُّ بَعْدَ الْوَضْعِ وَأَمَّا تَأْخِيرُ طَلَبِ الْأَرْشِ وَحْدَهُ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ الرَّدِّ فَجَائِزٌ قَطْعًا وَلَا يَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى أَخْذِ
الْأَرْشِ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّ أَخْذَ الْأَرْشِ لَا يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ مَتَى شَاءَ أَخَذَ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ
*(12/231)
* (فَرْعٌ)
* زَوَالُ الْبَكَارَةِ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فهو مانع من الرد سواء كان بوطئ المشترى أو البائع أو أجنبي سواء كان بِآلَةِ الِافْتِضَاضِ أَوْ بِغَيْرِهَا كَإِصْبَعٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ ظُفُرِهِ أَوْ وَثْبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ (1) إلَّا إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ بوطئ لزوج فَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ وَجْهَانِ وَهُمَا يَثْبُتَانِ هُنَا فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنَّهُ مَانِعٌ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ دُونَ الْجَهْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْبَكَارَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الزوج فان جهل المشترى الزوجية فلا شكال فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَانِعٍ وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الزَّوْجِيَّةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي موضعين على كونه موجب لِلرَّدِّ بِسَبَبِهِ أَوْ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِهِ أولا وَاَلَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ وَلَا مَانِعٍ وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَا قُلْتُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ جِنَايَةٌ على المبيع قبل القبض سواء كانت مكرهة أو مطاوعة وسواء كان الْوَاطِئُ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا وَالتَّفْصِيلُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ آلَةِ الِافْتِضَاضِ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا وَإِنْ افْتَضَّهَا بِآلَتِهِ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ أَوْ يُفْرَدُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أوجه (أصحهما) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ هُنَا يَدْخُلُ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا
(وَالثَّانِي)
يُفْرَدُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا ثَيِّبًا (وَالثَّالِثُ) يَجِبُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَالرَّافِعِيُّ هُنَاكَ أَيْضًا ثُمَّ الْمُشْتَرِي إنْ أَجَازَ الْعَقْدَ فَالْجَمِيعُ لَهُ هَكَذَا أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ تَمَّ الْعَقْدُ اما إنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَرْشُ الْبَكَارَةِ لِلْبَائِعِ وَجْهًا وَاحِدًا كَمَا لَوْ قَطَعَ أَجْنَبِيٌّ يَدَهَا ثُمَّ مَاتَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَرْشُ الْقَطْعِ لِلْبَائِعِ وَفِي مَهْرِ مِثْلِ الثَّيِّبِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ مِنْ أَصْلِهِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَلِلْمُشْتَرِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مُتَعَيَّنٌ وَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَقَدْرُ أَرْشِ الْبَكَارَةِ لِلْبَائِعِ لِعَوْدِهَا إلَيْهِ نَاقِصَةً وَالْبَاقِي لِلْمُشْتَرِي فَأَمَّا قَوْلُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ لِلْبَائِعِ فَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ الثَّانِي
لِلْمُشْتَرِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنْ حِينِهِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا يَنْفَسِخُ مِنْ حِينِهِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ لِلْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِنْدَ التَّلَفِ (وَأَمَّا) إذَا افْتَضَّهَا الْبَائِعُ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي فَلَا شئ عَلَى الْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) جِنَايَتُهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ (وَإِنْ قُلْنَا) كَالْأَجْنَبِيِّ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَاخْتَلَفَ جَوَابُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِيهَا فَمَرَّةً قَالَ كَذَلِكَ وَهُوَ آخِرُ قوليه ومرة قال فيما إذا كان
__________
(1) بياض بالاصل(12/232)
بِغَيْرِ آلَةِ الِافْتِضَاضِ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ مَا بَيْنَ كَوْنِهَا بِكْرًا وَثَيِّبًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَا لَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَانْدَمَلَ وَقُلْنَا جِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ أَوْ نِصْفُهَا قَالَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَشَرَةَ آصُعٍ حِنْطَةٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَتْلَفَ الْبَائِعُ صَاعًا مِنْهَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي عُشْرُ الثَّمَنِ وَلَا يَقُولُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ مِثْلُهُ لِأَنَّهُ عَامِدٌ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي وَدَعْوَاهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَمْنُوعَةٌ أَيْضًا بَلْ مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْمُشْتَرِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا إذَا وَطِئَهَا الْبَائِعُ وَافْتَضَّهَا وَجَعَلْنَا جِنَايَتَهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَجَازَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا أَرْشُ الْبَكَارَةِ يَنْفَرِدُ يُنْظَرُ كَمْ نَقَصَ ذَهَابُ الْبَكَارَةِ مِنْ قِيمَتِهَا فَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الثَّمَنِ يَسْقُطُ إنْ نَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهَا سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ عُشْرُهُ وَيَجِبُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ثَيِّبًا إنْ جَعَلْنَاهُ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَإِنْ قُلْنَا) أَرْشُ الْبَكَارَةِ لَا يُفْرَدُ فَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا مَثَلًا مِائَةً وَثَيِّبًا ثَمَانِينَ فَخُمْسُ مَهْرِهَا بِكْرًا أش الْبَكَارَةِ إنْ جَعَلْنَاهَا كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ وَفِي أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ وَجْهَانِ فان مايت فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ افْتِضَاضِهِ سَقَطَ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَقَدْرُ مَا يُقَابِلُ أَرْشَ الْبَكَارَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَهَلْ يَغْرَمُ مَهْرَ مِثْلِهَا ثَيِّبًا (إنْ قُلْنَا) الْفَسْخُ رَفْعٌ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يَغْرَمْ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ وَجِنَايَةُ الْبَائِعِ كَالْأَجْنَبِيِّ غَرِمَ
* هَذَا التَّفْرِيعُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّعْ إلَّا عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وفيه مخالة كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي إلْحَاقِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا وَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ فَسْخُ أرش البكارة وهل عليه مهر ثيبا ان افتضى بِآلَتِهِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لم يَجِبُ أَمْ لَا وَهَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّا إنْ قُلْنَا كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ يَجِبْ وَهُوَ صَحِيحٌ (وَإِنْ قُلْنَا) كَالْأَجْنَبِيِّ وَجَبَ وَيَنْبَغِي إذَا قُلْنَا إنَّ جِنَايَتَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيُخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ
مِنْ حِينِهِ (إنْ قُلْنَا) مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يجب أيضا والا وجب في هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ زَوَالُ الْبَكَارَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَلْ هَذَا عَيْبٌ آخَرُ مُثْبِتٌ لِلرَّدِّ وَأَمَّا إذَا افْتَضَّهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَسْتَشْعِرُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا وَهُوَ تَعْيِيبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَإِنْ سَلِمَتْ حَتَّى قَبَضَهَا فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ نَقْصِ الِافْتِضَاضِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَلْ عَلَيْهِ مَهْرُ ثَيِّبٍ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ هَكَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا إن ارش البكارة يفرد على الْمَهْرِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُفْرَدُ(12/233)
قَالَ فَيَتَقَرَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا يُقَابِلُهُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَفِي الْبَاقِي مِنْ الْمَهْرِ الْوَجْهَانِ وَبَيْنَ التَّقْدِيرَيْنِ اخْتِلَافٌ فَإِنَّا إذَا أَفْرَدْنَا أَرْشَ الْبَكَارَةِ وَكَانَ عِشْرِينَ مَثَلًا وَهُوَ عُشْرُ قِيمَتِهَا قَرَّرْنَا عُشْرَ الثَّمَنِ وَإِذَا لَمْ يفرد وكان مهرها بكرا مائة أو ثيب ثَمَانِينَ فَأَرْشُ الْبَكَارَةِ الْخُمُسُ فَيَتَقَدَّرُ خُمُسُ الثَّمَنِ ولنفرض القيمة واحدة في المثالين فإذا ما ذكره الرافعى انما يجئ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ أَرْشَ الْبَكَارَةِ يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لم نجعل وطئ المشترى كوطئ الأجنبي وهو للصحيح وَهَذَا التَّقْرِيرُ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالرَّافِعِيِّ هُنَا وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالرَّافِعِيِّ فِي بَابِ فَسَادِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَجِبُ مهر بكرا وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مُتَعَيَّنٌ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ وَفِي وجه افتضتاض الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَافْتِضَاضِ الْأَجْنَبِيِّ وَفَرَّقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ بِالشَّرْعِ فَرُوعِيَ فِيهِ وَاجِبُ الشَّرْعِ وَهَذَا ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ فَرُوعِيَ فِيهِ مُوجَبُ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ اقْتَضَى التَّقْسِيطَ عَلَى الْأَجْزَاءِ فَلِذَا قَالَ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ تَكَلَّمْتُ يَوْمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَلْقَةِ الدَّامَغَانِيِّ قَاضِي القضاء وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ فَقُلْتُ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَحَقُّ الرَّدِّ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَحْدُثْ عِنْدَهُ عَيْبٌ لِأَنَّهُ بَذَلَ الثَّمَنَ لِيَحْصُلَ عَلَى مَبِيعٍ سَلِيمٍ فَلَمَّا فَاتَ أَثْبَتْنَا لَهُ الرَّدَّ جَبْرًا لِحَقِّهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ الَّذِي بَذَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ السَّلِيمِ وَجُعِلَ عَلَى الْمَعِيبِ فَكَانَ إخْلَالًا بِالنَّظَرِ وَتَرْكَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَلِذَلِكَ إذَا حَدَثَ عِنْدَهُ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ عَلَيْهِ الرَّدُّ لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا لَهُ ذَلِكَ أَفْضَى إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمَنَافِعِ لِأَنَّهُ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ سَلِيمًا فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَيْهِ مَعِيبًا تَسْوِيَةً بَيْنَ جَانِبِهِ وَجَانِبِ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِي هَذَا بَيَانُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا
وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ فَلِمَ رَجَّحْتَ جَانِبَ الْبَائِعِ عَلَى جَانِبِ الْمُشْتَرِي حَتَّى أَلْزَمْتَ الْمُشْتَرِيَ الْمَعِيبَ فَقُلْتُ هَذَا فِي قَضِيَّةِ النَّظَرِ لَا يَلْزَمُنِي لِأَنَّ مَقْصُودِي بَيَانُ امْتِنَاعِ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْتَرِي وذلك يحصل بالمعاوضة لمراعات حَقِّ الْبَائِعِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ التَّرْجِيحِ ثُمَّ أَشْرَعُ بِبَيَانِهِ (فَأَقُولُ) إنَّمَا رَجَّحْتُ جَانِبَ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَلْزَمْنَاهُ أَخْذَ الْمَبِيعِ بِعَيْبَيْنِ عَظُمَ الضَّرَرُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ سَلِيمًا مِنْ هَذَا الْعَيْبِ لِحُدُوثِهِ فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنْ مِلْكِهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لَهُ وَالْمُشْتَرِي لم يكن في ملكه شئ ففات عليه وانما قصد تحصيل شئ عَلَى صِفَةٍ فَلَمْ يَحْصُلْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وليس الضرر في حق من فاته شئ كَانَ لَهُ حَاصِلًا كَالضَّرَرِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا قَصَدَهُ (قُلْتُ) قَوْلُهُ إنَّهَا مِنْ مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ رَوَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيُوَافِقُهُ أَحَدُ الْأَوْجُهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ مالك أيضا عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَهُ
*(12/234)
* (فَرْعٌ)
* أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَيَطْرُقُهُ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّا سَنَحْكِي حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّ التزويج بِعَيْبٍ وَقِيَاسُ ذَلِكَ يَطَّرِدُ هَهُنَا (الثَّانِي) لَوْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا إنْ رَدَّكِ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ (الْأَظْهَرُ) عِنْدِي أَنَّ لَهُ الرَّدَّ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ عَقِبَ الرَّدِّ بِلَا فَصْلٍ وَلَا يَخْلُفُ النِّكَاحَ عِنْدَهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِمُقَارَنَةِ الْعَيْبِ الرَّدَّ وَعَلَى ذِهْنِي مِنْ كَلَامِ الْغَيْرِ مَا يُعَضِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ ثُمَّ عَيَّبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ لِوُجُودِ الْعَيْبِ الْآنَ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَدْ تَرَتَّبَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ أَوْ قَبْلَهُ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَلَمْ تُصَادِفْ الزَّوْجِيَّةُ الرَّدَّ فَتَصِحَّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ لِلْمُقَارَنَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ عَقِيبَ الرَّدِّ فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَيْ لِمُصَادَفَتِهِ زَمَانَ الْبَيْنُونَةِ فَيُؤَدِّي إيجَابُ الْقَبُولِ إلَى إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ لَا تُعَدُّ عَيْبًا وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ لِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَلِمَا قَدَّمْتُهُ وَحِينَئِذٍ يَبْقَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى إطْلَاقِهِ
** (فَرْعٌ)
* إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ فَقَبِلَ رَدَّهُ مَعَ كَوْنِهِ فِي الرَّدِّ جَاءَ الْبَائِعُ وَقَطَعَ يَدَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ الرَّدُّ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي لَا لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (قُلْتُ) هَكَذَا أَطْلَقَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا خَاصَّيْنِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِعْلُ الْبَائِعِ مَانِعًا لِمَا شَرَعَ فِيهِ الْمُشْتَرِي وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ نَظَرَ فِي جَمِيعِ الْعُيُوبِ الْحَاصِلَةِ فِي الْمُشْتَرِي مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي زَوَالِ الْبَكَارَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَغَيْرِهَا وَالْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ فِي زَوَالِ الْبَكَارَةِ يُخَالِفُهُ
*
* (فَرْعٌ)
* مِنْ جُمْلَةِ الْعُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنْ الرَّدِّ لَوْ كَانَ غُلَامًا فَحَلَقَ شَعْرَهُ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ قَالَهُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ
*
* (فَرْعٌ)
* اشْتَرَى فَرَسًا بِحِمَارٍ وَخَصَى الْفَرَسَ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَالظَّاهِرُ وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ ليس له الرد إلا برضي الْبَائِعِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَإِنْ نَقَصَتْ اسْتَرَدَّ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ عَيْنِ الْحِمَارِ لَا مِنْ قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْحِمَارُ قَدْ تَلِفَ اسْتَرَدَّ مِنْ قِيمَتِهِ
*(12/235)
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ قَالَ البائع أنا آخذ المبيع مع العيب الحادث لم يلزمه دفع الارش لانه لم يكن له غير الرد وانما امتنع للعيب الحادث في يده فإذا رضى به صار كأنه لم يحدث عنده عيب فلم يكن له غير الرد وإن قال المشترى أرده وأعطى معه أرش العيب الحادث عندي لم يلزم البائع قبوله كما إذا حدث العيب به عند البائع فقال خذه وأنا أعطيك معه أرش العيب لم يلزم المشترى قبوله)
*
*
* (الشرح)
* هذا نَوْعَانِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ أَحْوَالًا (أَحَدُهَا) أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِرَدِّهِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ لِلْحَادِثِ فَذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي بعد ذلك إلا أن يمكسه مجانا أو يرد وَلَا يُكَلَّفُ رَدَّهُ كَمَا لَا يُكَلَّفُ رَدَّهُ إذَا انْفَرَدَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ وَلَا يُكَلَّفُ الْبَائِعُ الْأَرْشَ وَهَذِهِ الْحَالَةُ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا (وَقَوْلُهُ)
لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ الرَّدِّ يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَيَقْتَضِي أَنَّ حَقَّهُ الْأَصْلِيَّ هُوَ الرَّدُّ لَا الْأَرْشُ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إمْسَاكِهِ وأخذ أرش العيب القديم فذلك جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْوَاجِبُ لَكِنْ بِطَرِيقِ الِانْتِقَالِ مِنْ الرَّدِّ إلَيْهِ وَلَا يَأْتِي هَهُنَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى دَفْعِ الْأَرْشِ لِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ عِنْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ وَالْفَرْقُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الِاعْتِيَاضَ هُنَاكَ عَنْ سُلْطَةِ الرَّدِّ وَهِيَ لَا تقابل والمقابلة هنا عن ما فَاتَ مِنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ وَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْحَالَةَ لَكِنْ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ وَهَلْ أَخْذُ الْأَرْشِ هُنَا بِطَرِيقِ الِاعْتِيَاضِ فَيَرِدُ السُّؤَالُ الْمُتَقَدِّمُ وَيَكُونُ هُنَا أَقْوَى لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ سُلْطَةِ طَلَبِ الْأَرْشِ أَوْ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاعْتِيَاضِ وَلَكِنْ يُجْعَلُ قَائِمًا مقام الجزء الفائت لعيب الْحَادِثِ وَيَرِدُ الرَّدُّ عَلَيْهَا كَمَا فِي رَدِّ الصورة ويأتى ذلك البحث لذى هُنَاكَ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا فَاتَ ذَلِكَ الْجُزْءُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُقَابَلٌ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَإِذَا رد الباقي برضى الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيمَا يُقَابِلُ الْمَرْدُودَ مِنْ الثمن وبقى ما يقابل الجزء الفاقت لَمْ يَنْفَسِخْ فِيهِ الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا فِيمَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَوْ نَقْدًا بَاقِيًا بِحَالِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ مِقْدَارَ أرش العيب الحادث وعلى التقدير بين الْأَوَّلَيْنِ يَسْتَرْجِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَيَغْرَمُ مِنْ عِنْدِهِ الْأَرْشَ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ لَزِمَهُ غَرَامَةُ مَا فَاتَ تَحْتَ يَدِهِ كَالْمُسْتَلِمِ ويكون من باب الغرامات المحقة لَيْسَ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ المصنف في مسألة(12/236)
ومالا يقوقفه عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ مَا يَدُلُّ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ الرَّابِعِ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ مَا يَشْهَدُ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ إنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ عِنْدَ التَّنَازُعِ من يدعوا إلَى الْإِمْسَاكِ يَقُولُ إذَا فُرِضَ التَّرَاضِي عَلَى الرَّدِّ وَضَمِّ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْإِقَالَةِ (قُلْتُ) وَذَلِكَ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَعُودُ الْبَحْثُ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْفَسْخُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَضْمَنَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ فَإِنْ ثَبَتَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ لَمْ يُكَلَّفْ أن يبقى في ذمة المشترى بل لابد مِنْ إحْضَارِهِ حَتَّى يُجَابَ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ وَسَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ يُبَيِّنُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ فِي الْمُصَرَّاةِ مِنْ اشْتِرَاطِ رد التمر مَعَهَا وَفِي مَعْرِفَةِ قَدْرِ
الْأَرْشِ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي مَعْرِفَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى والذى قاله الاصحاب في مسألة يغرم أَنَّ الرَّدَّ يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ مَعَ الْأَرْشِ الْمَرْدُودِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّ الْإِمَامَ قَالَ هُنَاكَ وَمِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ حَيْثُ كَانَ لَازِمًا فِي الصَّفْقَةِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضُمُّ أَرْشَ نَقْصِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدُّهُمَا فَهَذَا فِي أَصْلِ وَضْعِهِ إشْكَالٌ فَإِنَّ التَّمْلِيكَ بِالْفَسْخِ رَدٌّ وَاسْتِرْدَادُ حَقِّهِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَالرَّدُّ كَاسْمِهِ فَتَقْدِيرُ إدْخَالِ مِلْكٍ جَدِيدٍ فِي التَّمْلِيكِ بِطَرِيقِ الرَّدِّ بَعِيدٌ وَلَا وجه يطابق القاعدة إلا أن يقول لرد يَرِدُ عَلَى الْمَعِيبِ بِالْمَعْنَيَيْنِ فَحَسْبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتَضِيَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْمَعِيبِ بِتَأْوِيلِ تَقْدِيرِ الضَّمَانِ فِي حَقِّهِ وَتَشْبِيهِ يَدِهِ بِالْأَيْدِي الضَّامِنَةِ وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ بِذِمَّةِ الرَّدِّ فَيَضُمُّ الْأَرْشَ إلَى الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ فَيَكُونُ المضمون مستحقا بالسبيل الذى اشترت إلَيْهِ وَلَيْسَ أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مَرْدُودًا وَلَوْ قَالَ الرَّادُّ أَرُدُّ ثُمَّ أَبْذُلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ الثِّقَةِ وَإِذَا رَدَّ مَعَ لارش جرى في عين المضمون يَتَأَوَّلُ أَنَّهُ ضَمِنَ وَأَقْبَضَ لَا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَ بِالرَّدِّ شَيْئًا لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهَذَا يَدُلُّ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَرْشَ عَنْ الْحَادِثِ غَرَامَةٌ غَيْرُ مَنْسُوبَةٍ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَاكَ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ عَيْبٍ حَادِثٍ أَوْ خَاصٍّ بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ فِيهِ نَظَرٌ (الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) إنْ تَنَازَعَا فَيُذْعِنُ أَحَدُهُمَا إلَى الرَّدِّ مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَيُذْعِنُ الْآخَرُ إلَى الْإِمْسَاكِ وَغَرَامَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَهَذَا يُفْرَضُ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَالِبُ الرَّدِّ(12/237)
هُوَ الْمُشْتَرِيَ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا بِأَنَّ الْمُجَابَ الْبَائِعُ وَقَدْ يَكُونُ طَالِبُ الرَّدِّ هُوَ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي يطالب الْإِمْسَاكَ وَأَخْذَ الْأَرْشِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا ومقتضى طلاقه فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُجَابَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَاجِبَ لَهُ الْأَرْشَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِالرَّدِّ أَيْ مَجَّانًا وَهُوَ هُنَا لَمْ يَرْضَ بِالرَّدِّ إلَّا مَعَ الْأَرْشِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي صَحَّحَهُ (1) وَالرَّافِعِيُّ وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْمُتَّبَعَ مَنْ يُذْعِنُ إلَى الْإِمْسَاكِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْرِيرِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ يَسْتَنِدُ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ إلَّا فِي مُقَابَلَةِ
السَّلِيمِ وَضَمُّ أرش العيب الحادث إدخال شئ جديد لم يكن في العقد فكان الاول أَوْلَى (قُلْتُ) وَهَذَا فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَا أَبْدَيْتُهُ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي أَخْذِ الْأَرْشِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَوَرَاءَ هَذَا وَجْهَانِ آخَرَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَكَاهُمَا غَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
أن المتبع رأس الْمُشْتَرِي وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى مَا يَقُولُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ تَمَامُ الثَّمَنِ إلَّا بمبيع سليم فإذا تعذر ذلك فوضعت الْخِيَرَةُ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ مُلْبِسٌ بِتَرْوِيجِ الْمَبِيعِ فَكَانَ رِعَايَةُ جَانِبِ الْمُشْتَرِي أَوْلَى وَيُرْوَى هَذَا الْوَجْهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَأَنَّهُ رَوَاهُ فِي الْقَدِيمِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ هُنَاكَ فِي إجَابَةِ الْمُشْتَرِي إلى الرد وأما إجابته إلى الامساك فلم أرهم ذكروها هناك (فان قلت) إذا أجيب في الرد فأجابته في الْإِمْسَاكِ أَوْلَى لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ (قُلْتُ) قَدْ يَكُونُ أَبُو ثَوْرٍ يَرْوِي أَنَّهُ لَيْسَ حَقُّ الْمُشْتَرِي إلَّا فِي الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ وَلَا يَسُوغُ أَخْذُ الْأَرْشِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ إنَّهُ يَرُدُّ السِّلْعَةَ فَأَرْشَ الْعَيْبِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْمُتَّبَعَ رَأْيُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ إمَّا غَارِمٌ أَوْ آخِذٌ مَا لَمْ يَرِدْ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ تَحَصَّلَ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ وَجْهَانِ وَهُمَا فِي الثانية مستويان لراية الصَّيْدَلَانِيِّ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ الصُّورَةَ الْأُولَى الَّتِي فِي الْكِتَابِ وَهِيَ إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَغَرَامَةَ أَرْشِ الْحَادِثِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهَا وَبَنَاهُمَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَوَجَدَ بِالثَّانِي عَيْبًا وَأَرَادَ ضَمَّ قِيمَةِ التَّالِفِ إلَيْهِ وَانْفَسَخَ فِيهِمَا إنْ جَوَّزْنَا هُنَاكَ أَجَبْنَا هُنَا وَإِلَّا فَلَا بَلْ يَغْرَمُ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَهَذَا الْبِنَاءُ يَقْتَضِي ضَعْفَ الْقَوْلِ بِإِجَابَةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَصَحَّ هُنَاكَ عَدَمُ إجَابَتِهِ فِي ضَمِّ قِيمَةِ التَّالِفِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مُفَرَّعَانِ عَلَى امْتِنَاعِ إفْرَادِ الْمَوْجُودِ بِالرَّدِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران فهو خلاف
__________
(1) بياض بالاصل(12/238)
عَلَى خِلَافٍ وَبَنَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَجْهَيْنِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهَا إذَا اشترى جوازا فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا وَقُلْنَا لَهُ رَدُّهُ هَلْ لِلْبَائِعِ الْأَرْشُ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) لَهُ أَجَبْنَا الْبَائِعَ هُنَا وَإِلَّا فَلَا (قُلْتُ) وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ كَذَلِكَ هُنَا (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَيُسْأَلُ
الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِالْجَوَازِ الْمُرَادِ بِهِ مَا يُبْقِي لَهُ قِيمَةً بَعْدَ الْكَسْرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا إنْ شَاءَ الله تعالى
*
* (فروع)
* الاول لزوال الْعَيْبُ الْحَادِثُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ ثُمَّ عَلِمَهُ فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي البويطى وفيه وجد ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ يَعْنِي عَنْ قُرْبٍ وَأَمَّا مَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَوْ زَالَ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ زَالَ الْقَدِيمُ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ خِلَافٍ فِيهِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّتِمَّةِ وَإِنْ زَالَ الْقَدِيمُ بَعْدَ أَخْذِهِ أَرْشَهُ رَدَّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ نَبَتَ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ هَلْ يَرُدُّهَا وَلَوْ زال العيب الحادث بعدما أَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ وَرَدُّ الْأَرْشِ فِيهِ وَجْهَانِ بَنَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا قَطَعَ كَامِلَ الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا مِنْ يَدِ رَجُلٍ ثُمَّ الْأُنْمُلَةَ الْوُسْطَى مِنْ يَدِ آخَرَ وَيَدَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِالطَّلَبِ فَأَعْطَيْنَاهُ الْأَرْشَ مِنْ غَيْرِ عَفْوٍ ثُمَّ قَطَعَ الْأَوَّلُ الْأُنْمُلَةَ الْعُلْيَا وَأَرَادَ الثَّانِي رَدَّ الْأَرْشِ وَقَطْعَ الْوُسْطَى قَالَ (وَالْأَصَحُّ) أنه ليس ذَلِكَ (قُلْتُ) وَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ الْأَخْذِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَجَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَالْقَبْضِ أَنَّهُ لَا فَسْخَ وَجَعَلَ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ ولو تراضيا ولا قضيا فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكُلَّمَا ثَبَتَ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ يمنع الرد إذا حدث عند المشترى ومالا رَدَّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَّا فِي الْأَقَلِّ وَلَعَلَّهُ احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا قَطَعَ إصْبَعَهُ الزَّائِدَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ عِنْدِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْعِجْلِيُّ لَكِنِّي رَأَيْتُ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَوْ باع اقلف فختنه البائع قبل التسليم وبرأ أَوْ كَانَ بِهِ سِنٌّ شَاغِيَةٌ أَوْ إصْبَعٌ زَائِدَةٌ فَقَلَعَ السِّنَّ وَقَطَعَ الْإِصْبَعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَرِئَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ زَوَالَ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ مَعَ الْبُرْءِ لَيْسَ بِعَيْبٍ ولذك لَمْ يُرَدَّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ(12/239)
لَكِنْ فِي كَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ نَظَرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْبًا فَإِنْ قِيلَ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِهِ غَرَضٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ إذا حدثت قَبْلَ الْقَبْضِ أَنْ يَثْبُتَ الرَّدُّ بِهِ أَمَّا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَصَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ بِهِ جَزْمًا فَإِنْ صَحَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مَعَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي
أَبُو الطَّيِّبِ تَعَيَّنَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاحْتِرَازُ كَمَا فَعَلَ الرَّافِعِيُّ وَإِلَّا فَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ كَمَا لَا رَدَّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا حَدَثَ في يده قبل القبض بمنع الرَّدُّ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَيَبْقَى الطرفان لا يستثني منهما شئ وَسَيَأْتِي وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ خَالَفَ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ وَلَوْ أَخْصَى الْعَبْدَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَا رَدَّ وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ وَلَوْ نَسِيَ الْقُرْآنَ أَوْ صَنْعَةً ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَا رَدَّ لِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ رَضِيعَةً فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّ الْبَائِعِ أَوْ ابْنَتُهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمْ تَنْقُصْ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي وطئ الثَّيِّبِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ أَبَا الْمُشْتَرِي أَوْ ابْنَهُ وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَعْدَ رَهْنِهِ فَلَا رَدَّ فِي الْحَالِ وَفِي وُجُوبِ الارش وجهان ان عللنا باستدرك الظلامة فتم وَإِنْ عَلَّلْنَا بِتَوَقُّعِ الْعَوْدِ فَلَا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ رَدَّ وَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ فَإِنْ لَمْ يجوز مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فَهُوَ كَالْمَرْهُونِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَهُوَ عيب يرجى زواله فان رضى البائع بأخذ مستأجرا رد عليه ولا تعذر الرد نفى الْأَرْشِ الْوَجْهَانِ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الدَّرْسِ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ كَانَ قَالَ إنَّهُ إذَا رَهَنَهُ أَوْ أَجَرَهُ فَهَلْ يفسخ في الحال أولا حَتَّى يَنْفَكَّ الرَّهْنُ وَتَمْضِيَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فِيهِ وَجْهَانِ إنْ مَنَعْنَا لَمْ نُجَوِّزْ لَهُ الْأَرْشَ لِأَنَّ لِلرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ غَايَةً مَعْلُومَةً بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ وسواء؟ ؟ ؟ أَوْ فَسَخَ فِي الْحَالِ فَالْأُجْرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ تعذر الرد بغصيب أَوْ إبَاقٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْإِجَارَةِ وَسَيَأْتِي التَّعَذُّرُ بِالْإِبَاقِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِحِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ فِي أَخْذِ الْأَرْشِ عِنْدَ الْإِبَاقِ وَالْغَصْبِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ لِلتَّعَذُّرِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِعَدَمِ الْيَأْسِ وَقَرَارُ الرَّقِيقِ عَلَى نَفْسِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي تُدِينُ الْمُعَامَلَةَ أَوْ تُدِينُ الِائْتِلَافَ مَعَ تَكْذِيبِ الْمَوْلَى لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَإِنْ صَدَّقَهُ مُشْتَرِي الْمَوْلَى عَلَى دَيْنِ الِائْتِلَافِ منع منه فان عفى المقر له بعدما أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ وَرَدُّ الاش وجهان جاريان فيما إذا أخذ اشترى الْأَرْشَ كَرَهْنِهِ الْعَبْدَ أَوْ كِتَابَتِهِ أَوْ إبَاقَتِهِ أو غصبه أو نحوها ان مسكناه مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ زَالَ(12/240)
الْمَانِعُ مِنْ الرَّدِّ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ (أَصَحُّهُمَا) لَا فَسْخَ وَإِنْ كَانَ دَبَّرَهُ أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ فَلَهُ الْفَسْخُ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يَقْبَلُ الفسخ وكذا التعليق قابل للرفع بازلة الْمِلْكِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ زَوَّجَ
الْجَارِيَةَ أَوْ الْعَبْدَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ قَطَعَ جَمَاعَةٌ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَهُوَ كَعَيْبٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ بَعْضَهُمْ قَطَعَ بِهَذَا وَإِنَّ الرُّويَانِيَّ وَالْمُتَوَلِّيَ اخْتَارَاهُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ تُفْهِمُ أَنَّ بَعْضَهُمْ خَرَّجَهُ عَلَى الْخِلَافِ
* قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ (وَأَمَّا) الْكِتَابَةُ فَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْأَظْهَرُ عَلَى الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ (وَقَالَ) الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لا رد ولا أرش لعدم اليأس ولاستدرك الظُّلَامَةِ بِالنُّجُومِ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالرَّهْنِ وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِاسْتِدْرَاكُ بِالنُّجُومِ يَعْنِي لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ مَالُهُ (وَقَالَ) فِي التَّتِمَّةِ إنَّهُ إنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ الْقَبُولِ أَوْ قُلْنَا تَبِعَ الْمُكَاتَبَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّ الْكِتَابَةَ كَالتَّزْوِيجِ وَمُرَادُهُ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ (وَأَمَّا) فِي جَوَازِ الرَّدِّ فَقَدْ عَلِمْتَ بِنَاءَ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ فَلَيْسَتْ كَالتَّزْوِيجِ مُطْلَقًا فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْكِتَابَةِ أربع طرق (أصحهما) أَنَّهُ كَالرَّهْنِ فَلَا يُفْسَخُ فِي الْحَالِ وَلَا يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ طَرِيقَةُ الرَّافِعِيِّ (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فِي الْحَالِ قَطْعًا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيُّ (الثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ (الرَّابِعُ) أَنَّهُ يفسخ وَهُوَ مَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي قَوْلِهِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَسْخَ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ وَأَنَّهُ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْقَدِيمِ بَلْ يَتَعَيَّنُ تَفْرِيعُهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَكُونُ الطُّرُقُ الثَّلَاثُ عَلَى امْتِنَاعِ بَيْعِهِ وَلَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي زَوَالِ الْعَيْبِ بَعْدَ أَخْذِ الْأَرْشِ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ أَنْعَلَ الدَّابَّةَ ثُمَّ عَلِمَ بها عيبا قديما ان لم يعيبها نَزْعُ النَّعْلِ بِأَنْ تَكُونَ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ وَسَمَّرَ الْمُشْتَرِي النَّعْلَ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ يَحْدُثُ بِقَلْعِهَا نَزْعٌ فَلَهُ نَزْعُهُ وَالرَّدُّ فَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولُ النَّعْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّزْعِ هُنَا وَالنَّعْلِ فِي يَدِهِ طَلَبُ الْخَصْمِ أَنَّ ذَلِكَ إشْغَالٌ يُشْبِهُ الْحَمْلَ عَلَيْهَا وَهَذَا تَفْرِيعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي أن اشغال المشتري يجز الصُّوفِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيرَادِ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ يُطْرِدُهُ فِيهِمَا بَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فَإِنَّ بَابَهُ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِالتَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ نَزْعُ الْحَافِرِ يَخْرِمُ نَقْبَ الْمَسَامِيرِ وَيَعِيبُ الْحَافِرَ فَنَزَعَ(12/241)
بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ نَزْعُهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ كَانَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ فِي الْأَرْشِ وَلَوْ رَدَّهَا مَعَ النَّعْلِ أَجْبَرَ الْبَائِعَ عَلَى الْقَبُولِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ قِيمَةِ النَّعْلِ ثُمَّ تَرْكُ النَّعْلِ هَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَكُونَ لِلْبَائِعِ لَوْ سَقَطَ أَوْ إعْرَاضٌ فَيَكُونَ لِلْمُشْتَرِي (وَجْهَانِ) أَشْبَهُهُمَا الثَّانِي هَذَا إذَا جَرَى التَّرْكُ وَحْدَهُ فَإِنْ حَصَلَ لَفْظُ الْهِبَةِ حَصَلَ الْمِلْكُ وَقِيلَ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْأَحْجَارِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَلَيْسَ لَهُ عَلَى قولنا أنه لا يملك المطالبة به مادام مُتَّصِلًا وَلَوْ طَلَبَ نَزْعَهُ قَبْلَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَلَهُ ذَلِكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ ابْتِدَاءً وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَسْمَحُ بِالنَّعْلِ وَطَلَبَ الْأَرْشَ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُنِي الْمُسَامَحَةُ وَقَلْعُهُ يَقْتَضِي حُدُوثَ تَعَيُّبٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ لم يكن له ذلك فانه كالحضر فِي مُؤْنَةِ الرَّدِّ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا صَبَغَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِالصِّبْغِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ حَادِثٌ وَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ عند الوفاق أو الننازع (وَأَمَّا) إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ ثُمَّ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ إنَّهُ إنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالرَّدِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَالِبَ بشئ فَعَلَى الْبَائِعِ الْقَبُولُ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ إذَا صَبَغَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ مَصْبُوغًا وَيَرْجِعُ بالارش وحلمه ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ بِالصِّبْغِ نَقْصٌ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ لَا يُحْمَلَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إذَا لَمْ يَسْمَحْ بِالصِّبْغِ فَإِنْ سَمَحَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَهَذِهِ الْحَالَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَكَلَامُهُ مُطْلَقٌ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَيَصِيرُ الصِّبْغُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلثَّوْبِ لَا تُزَايِلُهُ وَلَيْسَ كَالنَّعْلِ قُلْتُ لَكِنْ فِي إدْخَالِهِ فِي مِلْكِهِ شَبَهٌ مِنْ مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَفِيهَا خِلَافٌ لِأَجْلِ الْمِنَّةِ بِخِلَافِ النَّعْلِ فَإِنَّهُ تَابِعٌ وَالصِّبْغُ فَوْقَ النعل دون الثِّمَارِ وَلَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وقال البائع رد الثوب لا غرم لَكَ قِيمَةَ الصِّبْغِ فَفِيمَنْ يُجَابُ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمَجْمُوعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّ الْمُجَابَ الْبَائِعُ وَلَا أَرْشَ لِلْمُشْتَرِي (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ بِالْأَرْشِ وَهَذَا مِمَّا يُعَيِّنُ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الصَّبَّاغِ
فِي الصِّبْغِ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ زِيَادَةٌ وَإِنَّمَا أَهْمَلَ الْقِسْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامُ أو يكون(12/242)
لَا يَخْتَارُ الْإِجْبَارَ عَلَى ذَلِكَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّعْلِ فَيَبْقَى كَلَامُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ أَجَبْنَا الْبَائِعَ وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَبَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ حَيْثُ نُجِيبُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الصَّحِيحِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا يَأْخُذُ قِيمَةَ الصِّبْغِ وَالثَّمَنِ يَسْتَدْرِكُ ظُلَامَتَهُ وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا هُنَاكَ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ بِالرَّدِّ مع أرش الحادث غرمناه لا مقابلة شئ أَخَذَهُ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنْ يَطْلُبَ الْبَائِعُ رَدَّهُ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ فَإِنَّهُ يُجَابُ قَطْعًا وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَأَخْذَ قِيمَةِ الصِّبْغِ مَعَ الثَّمَنِ فَفِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ وَهَذَا الصَّحِيحُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ قَطَعَهُ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى صِبْغٍ تَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ كَمَا قَالَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ قَالَ لَكِنْ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ وَالْإِمَامُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَسَتَأْتِي التَّنْبِيهَاتُ الَّتِي أَذْكُرُهَا الْآنَ إن شاء لله تعالى بيان الْحَالِ فِيهِ وَهَلْ ذَلِكَ مُتَحَتِّمٌ أَوْ ثَمَّ طَرِيقٌ غَيْرُهُ وَهَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ فِي هَذَا الْفَرْعِ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي الطَّرَفَيْنِ أَعْنِي طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكَ وَأَخْذَ الْأَرْشِ أَوْ الرَّدَّ وَأَخْذَ قِيمَةِ الصِّبْغِ شَبَّهَهُ بِالْخِلَافِ فِي الْإِجْبَارِ عَلَى ضَمِّ الْأَرْشِ وَرَدِّ الْمَبِيعِ وقال فقد جرى الصبغ لزائد مَجْرَى أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي طَرَفَيْ الْمُطَالَبَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْبَائِعُ رُدَّهُ مَعَ الْأَرْشِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي أُمْسِكُ وَآخُذُ الْأَرْشَ فَفِيمَنْ يُجَابُ وَجْهَانِ وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَرُدُّ مَعَ الْأَرْشِ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ أَغْرَمُ الْأَرْشَ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَاكَ إذَا أَفْرَدَ أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ بِالنَّظَرِ وَوَجْهُ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ الصِّبْغِ الزَّائِدِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ أَنَّ إدْخَالَ الصِّبْغِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ مَعَ أَنَّهُ دَخِيلٌ فِي الْعَقْدِ كَإِدْخَالِ الارش الدخيل فيالعقد هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُرَادُهُ وَمُرَادُ الْإِمَامِ أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الرد يعطى الْبَائِعُ قِيمَةَ الصِّبْغِ وَطَلَبَ الْآخَرُ الْإِمْسَاكَ مَعَ الْأَرْشِ فَمَنْ الْمُجَابُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى مَا تقدم ان المجاب البائع فيالحالتين
(والثانى)
ان المجاب المشترى فيالحالتين (وَقَالَ) الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ قَرِيبًا مِمَّا قَالَهُ الْإِمَامُ (وَقَالَ) فِي الْوَجِيزِ إنَّ إدْخَالَ الصِّبْغِ كَإِدْخَالِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي عَوْدَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ هَهُنَا ثُمَّ يُقَالُ الْمُجَابُ مِنْهَا فِي وَجْهِ مَنْ يَدْعُو
إلَى فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْأَرْشِ الْقَدِيمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ وَلَكِنَّ رِوَايَةَ الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَا تَكَادُ تُوجَدُ لِغَيْرِهِ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَقَدْ بَيَّنَّا ثَمَّ أَنَّ الْأَصَحَّ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهَهُنَا قَضِيَّةُ إيرَادِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْمُشْتَرِي إذَا طَلَبَ الْأَرْشَ كَمَا مَرَّ قُلْتُ وَكَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ ظُهُورُهُ فِيمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا في(12/243)
النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ (وَأَمَّا) كَلَامُهُ فِي الْوَسِيطِ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ طَلَبَ قِيمَةَ الصِّبْغِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ فِي رَدِّ الثَّمَنِ فِيهِ وَجْهَانِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا نُكَلِّفُهُ قِيمَتَهُ فَهُوَ كَعَيْبٍ حادث فتعود الاوجه فيه فيان تملك شئ حَادِثٍ أَوْلَى أَوْ تَغْرِيمَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَهَذَا صَرِيحٌ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ فِيهِ زِيَادَةُ إشْكَالٍ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ مُفَرَّعَةً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى بذل قيمة الصبغ ويستبق الرهن إلى أَنَّ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِإِجَابَةِ الْبَائِعِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ إلَّا وَجْهَانِ إجَابَةُ الْمُشْتَرِي أَوْ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْأَرْشَ فَكَيْفَ تَأْتِي ثَلَاثَةُ تفريعا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَحَلُّ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّا إذَا لَمْ نُجْبِرْ الْبَائِعَ عَلَى بَذْلِ قِيمَةِ الصِّبْغِ فَالصِّبْغُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي والثوب تنقص قيمته باتصاله بصنع لَا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي التَّقْوِيمِ فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَرْشِ الْحَادِثِ قُوِّمَ الثَّوْبُ وَبِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ خَالِيًا عَنْ الصِّبْغِ فَإِذَا قِيلَ عَشَرَةٌ قُوِّمَ وَبِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ الصِّبْغُ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّقْوِيمِ فَإِذَا قِيلَ تِسْعَةٌ عُلِمَ أَنَّ الْفَائِتَ دِرْهَمٌ فَيَبْذُلُهُ لِلْبَائِعِ مَعَ الثَّوْبِ وَيَسْتَرْجِعُ ثَمَنَهُ وَيَبْقَى الصِّبْغُ فِي الثَّوْبِ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ أَوْ عَلَى أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَذَلِكَ وَإِنْ تَنَازَعَا فِي هَذَيْنِ الْمَسْلَكَيْنِ فَعَلَى وَجْهٍ يُجَابُ الْبَائِعُ فَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَ الْأَرْشِ عَنْ الْقَدِيمِ أَوْ أَخْذَ الْأَرْشِ عَنْ الْحَادِثِ عَرَضَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَبَاهُ سَقَطَ حَقُّهُ وَعَلَى وَجْهٍ يُجَابُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ طَلَبَ الْأَرْشَ عَنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الثَّوْبِ مَعِيبًا بِسَبَبِ الصِّبْغِ وَلَا يَبْذُلُ قِيمَةَ الصِّبْغِ أُجْبِرَ عَلَى بَذْلِ الْأَرْشِ وَإِنْ طَلَبَ الرَّدَّ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَاسْتِعَادَةِ الثَّمَنِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى وَجْهٍ يُجَابُ الدَّاعِي إلَى الْأَرْشِ الْقَدِيمِ أَخْذًا أَوْ بَدَلًا هكذا شرح ابن الرفعة ولم يلتزم بمقض كَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشْبِيهِ وَقَالَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى بَذْلِ قِيمَةِ الصِّبْغِ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْشَ غَرَامَةٌ عَمَّا فَاتَ مِنْ مِلْكِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ وَمَأْلُوفٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْ يُجْبَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى أَخْذِ
مَالِهِ أَوْ يَبْرَأَ مِنْهُ وَإِجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى بَذْلِ قِيمَةِ الصبغ اجبار على تملك شئ مُبْتَدَإٍ يُبْذَلُ لَا عَلَى طَرِيقِ الْغَرَامَةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ غَيْرُ مَأْلُوفٍ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ اعْتَرَضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْقَى شَرِيكًا بِالصِّبْغِ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ أَوْ سَقَطَ حَقُّهُ يَعْنِي بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَخْذِ الْأَرْشِ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ فَرْقُ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يَتَضَرَّرُ بِتَعَيُّنِ هَذِهِ(12/244)
الطَّرِيقِ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ لَا بِالتَّخْيِيرِ وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يُقَوِّي التَّأْوِيلَ أَوْ يُضْعِفُهُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي فَإِنْ صَحَّ هَذَا التَّأْوِيلُ انْدَفَعَ هَذَا الْإِشْكَالُ الثَّانِي عَنْ الْغَزَالِيِّ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَحِينَئِذٍ أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ بَيْنَ رَدِّ الثَّوْبِ بِدُونِ الصِّبْغِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ هَلْ يُجَابُ فِيهِ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ طَالِبُ الْأَرْشِ الْقَدِيمِ فَرْعٌ زَائِدٌ وَكَلَامُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ سَاكِتٌ عَنْهُ وَلَيْسَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ تَصْرِيحًا بِمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ كَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ فِي إدْخَالِ الصِّبْغِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ قَهْرًا وَكَذَلِكَ كَلَامُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَأَمَّا كَلَامُهُ فِي الْوَسِيطِ فَفِي إدْخَالِ الثَّوْبِ مَعَ أَرْشِهِ بِدُونِ الصبغ فأين أحدهما من لآخر فَلَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَسِيطِ وَجْهًا ثَالِثًا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي مَسْأَلَةٍ زَائِدَةٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ مِنْهَا أَيْضًا أَنَّ الْمُجَابَ مَنْ يَدْعُو إلَى الْأَرْشِ الْقَدِيمِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ هُنَاكَ وَلَا يُنَافِي إيرَادُ الْأَئِمَّةِ هُنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُجَابُ إذَا طَلَبَ الْأَرْشَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ مَرَّ لِأَنَّ الَّذِي مَرَّ أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْمُشْتَرِي إذَا طَلَبَ الْأَرْشَ وَطَلَبَ الْبَائِعُ بَذْلَ قِيمَةِ الصِّبْغِ أَمَّا إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِيَ الْأَرْشَ حَالَةَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ بَذْلِ قيمة الصبغ فما مَرَّ (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ الْإِمَامُ لَا صَائِرَ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّ وَيَبْقَى شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالِاحْتِمَالُ مُتَطَرِّقٌ إلَيْهِ وَأَجَابَ الْغَزَالِيُّ عَنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يُبْقِيهِ شَرِيكًا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَضَرُّرِهِ لِعُدْوَانِهِ وَأَعْرَضَ ابْنُ خِلِّكَانَ بِأَنَّ غَرِيمَ الْمُفْلِسِ يَرْجِعُ فِي الثَّوْبِ الَّتِي زَادَتْ قِيمَتُهَا بِالصِّبْغِ وَيَكُونُ شَرِيكًا وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْمُفْلِسِ عُدْوَانٌ
وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْفَلَسِ دَفْعُ ضَرَرِ الْبَائِعِ فَإِذَا رَجَعَ حَصَلَ الضَّرَرُ لِلْمُفْلِسِ تَبَعًا وَالْمَقْصُودُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِرَدِّهِ وَجَعْلُهُ مُشْتَرَكًا يَقَعُ لَهُ ضَرَرٌ مَقْصُودٌ أَكْثَرَ مِنْ ضَرَرِ الْعَيْبِ وَأَنَا أَقُولُ إنَّ غَرِيمَ الْمُفْلِسِ إذَا رَجَعَ فِي الثَّوْبِ دُونَ الصِّبْغِ لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ لِلْمُفْلِسِ بِالشَّرِكَةِ لِأَنَّ مَالَهُ مَبِيعٌ كُلَّهُ وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّ الثَّوْبَ يُبَاعُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْقِسْمَةُ عَلَى أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ يَكُونُ كُلُّ الثَّوْبِ لِلْبَائِعِ وَكُلُّ الصِّبْغِ لِلْمُفْلِسِ أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِمَا جَمِيعًا عَلَى وَجْهَيْنِ وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ تَبَعًا لِلشَّرِكَةِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَالْجَوَابَيْنِ عنه بناء على مادل عليه كلام الغزالي رحمه الله مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِالشَّرِكَةِ هُنَا لِأَجْلِ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذلك عليه كما اوله ابن الرفعة عليه وَعَلَيْهِ يَدُلُّ تَنْظِيرُ الْإِمَامِ لَهُ(12/245)
بِالْغَصْبِ وَأَوَّلُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ الثَّوْبَ وَيَبْقَى شَرِيكًا مُحْتَمِلٌ لَهُ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ عَلَيْهِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ يَسْتَقِيمُ فَرْقُ الْغَزَالِيِّ وَيَأْتِي اعْتِرَاضُ ابن خلكان عليه بسبب أن المفلس مجبر عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَيَأْتِي الْجَوَابَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ لَكِنْ فِي آخِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَأَشَارَ إلَيْهَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالِاحْتِمَالُ فِيهَا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَهُوَ تَجْوِيزُ الرَّدِّ مَعَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي عَيْنِ الصِّبْغِ فَإِنَّا قَدْ نَجْعَلُ الْغَاصِبَ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ شَرِيكًا انْتَهَى فَقَوْلُ الْإِمَامِ هُنَا تَجْوِيزَ الرَّدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ليس على سبيل لايجاب بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ وَحِينَئِذٍ لَا يَأْتِي تَأْوِيلُ الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ الْآخَرِ وَالْأَوَّلِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ الرَّدِّ مَعَ الشَّرِكَةِ فَيَتَوَقَّفُ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فَرْقُ الْغَزَالِيِّ بِضَرَرِ الْمُشْتَرِي مُتَّجَهًا لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَارُ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْمَنْعُ حِينَئِذٍ لِضَرَرِهِ بَلْ لِضَرَرِ الْبَائِعِ وَهُوَ مِثْلُ ضَرَرِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَالْأَوْلَى إذَا انْتَهَيْنَا إلَى هَذَا الْمَقَامِ أَنْ نُصَحِّحَ تَأْوِيلَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فَإِنَّهُ أَخْبَرُ لِكَلَامِ إمَامِهِ وَأَوَّلُ كَلَامِ الْإِمَامِ مُحْتَمِلٌ وَلَفْظَةُ الْجَوَازِ فِي آخِرِهِ ليست ان صَرِيحَةً فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ فَهَذَا أَوْلَى مِنْ أَنْ يُجْعَلَ فَرْقُ الْغَزَالِيِّ وَاقِعًا فِي غَيْرِ وَجْهِ كَلَامِ الْإِمَامِ وَيَكُونُ الَّذِي اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي أَنْ يَرُدَّ الثَّوْبَ وَيَصِيرَ شَرِيكًا
وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ دُعِيَ الْبَائِعُ لَا يجب علي المشترى وفيه شئ مِمَّا ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ ان صاحب التهذيب قال انه لَمْ يُمْكِنْهُ نَزْعُ الصِّبْغِ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَنْ يَرُدَّهُ وَيَكُونَ مَعَهُ شَرِيكًا فِي الزِّيَادَةِ رَدَّهُ وَإِنْ أَبَى أَمْسَكَهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ ذَكَرَهُ هُنَاكَ فقوله ان رضى البائع بالشركة رده إنْ أَرَادَ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ فَصَحِيحٌ لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ لَا إشْكَالَ فِي الْجَوَازِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّدُّ أَوْ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَهُوَ الَّذِي نَقَلَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ وَإِنْ أَبَى أَمْسَكَهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الشَّرِكَةِ تَعَيَّنَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْشِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي إلْزَامُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كلامه فهو موافق لما قاله الرافعى رحمه الله وَمُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ مِنْ جريان الاوجه الثلاثة لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأَصَحِّ مِنْهَا وَهُوَ إجَابَةُ مَنْ يَدْعُو إلَى الْأَرْشِ الْقَدِيمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّ وَيَصِيرَ شَرِيكًا جَازَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ تَعَيَّنَ عَلَى الْمُشْتَرِي الامساك وأخذ(12/246)
الْأَرْشِ يَعْنِي عَلَى الصَّحِيحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ لَمْ يُلَاحِظْ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الشَّرِكَةِ وَإِنَّمَا النَّظَرُ إلَى ضَرَرِ الْبَائِعِ وَيَجِبُ النَّظَرُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا نَظَرْنَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ فَتَلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ مَا أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ الله تعالى (التنبيه الرابع) الذى تخلص مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ طَلَبَ الرَّدَّ ولا يطالب بشئ أُجِيبَ قَطْعًا وَأُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ مَعَ قِيمَةِ الصِّبْغِ جَازَ قَطْعًا وااتفقا عَلَى أَخْذِ الْأَرْشِ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ جَازَ قَطْعًا وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى رَدِّ الثَّوْبِ مَعَ بَقَاءِ الصِّبْغِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي جَازَ عَلَى تَعَذُّرٍ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ عَلَى تَأْوِيلِهِ وَذَلِكَ مَعَ الْأَرْشِ عَنْ نُقْصَانِ الثَّوْبِ بِالصِّبْغِ أَوْ بِدُونِهِ إنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الصِّبْغِ وَامْتَنَعَ الْبَائِعُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَامْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ بَذْلِ قِيمَةِ الصِّبْغِ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى إعْطَاءِ الْأَرْشِ الْقَدِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْوَسِيطِ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ مَعَ الشَّرِكَةِ وَأَنْ يَرُدَّ أَرْشَ نَقْصِ الثَّوْبِ بِالصِّبْغِ لَمْ يُجْبَرْ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ عَنْ الْقَدِيمِ وَطَلَبَ الْبَائِعُ بَذْلَ قِيمَةِ الصِّبْغِ فَالْمُجَابُ
الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي نُجِيبُ فِيهَا مَنْ طَلَبَ تَقْرِيرَ الْعَقْدِ وَإِنْ طَلَبَ الْبَائِعُ الرَّدَّ مَعَ الشَّرِكَةِ فِي الصِّبْغِ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ عن صاحب التهذيب
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ صَبَغَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ وَيَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَبَاعَهُ ثُمَّ علم العيب
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَيْبٍ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ عَيْنٌ أَوْ أَثَرٌ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَهِيَ كَالصِّبْغِ (وَإِنْ قلنا) بالثاني رد الثوب بلا شئ فَهِيَ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْمُقْتَضَبِ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بِالْقِصَارَةِ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَتَغَيَّرَ بِاللُّبْسِ امْتَنَعَ الرَّدُّ وَلَهُ الْأَرْشُ قَالَ الزُّبَيْرِيُّ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ
* لَوْ اشْتَرَى شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ الْأَرْشُ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبُولِهَا مَذْبُوحَةً فَلَا أَرْشَ لِلْمُشْتَرِي لِإِمْكَانِ الرَّدِّ وَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْبَائِعِ لِلذَّبْحِ إنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ أَثَرٌ هُوَ نَقْصٌ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ
* آخَرُ إنْ كَانَ ثَوْبًا فَخَاطَهُ اسْتَحَقَّ(12/247)
الْأَرْشَ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبُولِهِ إنْ بَذَلَ الْأُجْرَةَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ مَخِيطًا لِأَنَّ فِي الْخِيَاطَةِ عَيْبًا زَائِدًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
* آخَرُ لَوْ اشْتَرَى عَصِيرًا حُلْوًا فَلَمْ يَعْلَمْ بِعَيْبِهِ حَتَّى صَارَ خَمْرًا فَلَهُ الْأَرْشُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْخَمْرِ وَاسْتِرْجَاعُ ثَمَنِهِ سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبُولِهِ أَمْ لَا لِتَحْرِيمِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْخَمْرِ فَلَوْ صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا فَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَسْتَرْجِعُ الْخَلَّ وَأَرُدُّ الثَّمَنَ وَلَا أَدْفَعُ الْأَرْشَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَلَّ عَيْنُ الْعَصِيرِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي فِيهِ عَمَلٌ يَفُوتُ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ تَفْرِيعِ أَبِي العباس ابن سُرَيْجٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ وُجُوبِ الْأَرْشِ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ أَوْ وَهَبَهُ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَرْشُ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ الْيَأْسِ كَمَا سَيَأْتِي فَالرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ خَمْرًا ينبغى أن يمنتع الْآنَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ خَلًّا كَمَا إذَا وَهَبَهُ ثُمَّ قَوْلُهُمْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الْخَلَّ وَلَا يَدْفَعَ الْأَرْشَ ظَاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْأَرْشِ لِلْعِلَّةِ المذكورة ولكن
العلة المذكورة وهي ان الحل هُوَ عَيْنُ الْعَصِيرِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَيْضًا إذَا طَلَبَ الرَّدَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ وَطَلَبَ الْأَرْشَ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا بِحَالِهِ وَلَمْ أَجِدْ فِي النَّقْلِ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ وَلَا مَا يُخَالِفُهُ
* آخَرُ لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَا فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْخَمْرِ عَيْبًا يَنْقُصُ الْعُشْرَ مِنْ ثَمَنِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ لِلْمُشْتَرِي الْأَرْشُ وَهُوَ عُشْرُ الثَّمَنِ وَلَا رَدَّ وَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ إسْلَامُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بن الحسن فان قال البائع آخُذُ الْخَلَّ وَأَرُدُّ الثَّمَنَ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَلِمَ الْعَيْبَ قَبْلَ إسْلَامِهِمَا فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى أَسْلَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ إسْلَامِهِ الرَّدُّ وَلَا الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ أَمَّا الرَّدُّ فَلِحُدُوثِ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) الْأَرْشُ فَلِإِمْكَانِ الرَّدِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلَوْ كَانَ أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَحْدَهُ بَعْدَ تَبَايُعِ الْخَمْرِ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَسْلَمَ وَحْدَهُ جَازَ لِأَنَّ اسْتِرْجَاعَ الْبَائِعِ تَمَلُّكٌ لِلْخَمْرِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَتَمَلَّكُ الْخَمْرَ وَرَدُّ الْمُشْتَرِي إزَالَةُ الْمِلْكِ وَالْمُشْتَرِي يَجُوزُ أَنْ يُزِيلَ مِلْكَهُ عَنْ الْخَمْرِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ
*
* (فَرْعٌ)
* اشْتَرَى جَارِيَة بعبد ثم وجد بالجارية عيبا قديما فردها وَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا حَادِثًا عِنْدَ بَائِعِ الْجَارِيَةِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَأْخُذُ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ الَّتِي رَدَّهَا الْعَبْدَ مَعِيبًا وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ لِبَائِعِ الْجَارِيَةِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ أَوْ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ إنْ اخْتَارَ عَدَمَ اسْتِرْدَادِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا بَلْ الْوَجْهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَارِيَةَ وَيَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ وَيَطْلُبَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لَا بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ بَعْدَ رَدِّ الْجَارِيَةِ لَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي يَدِ البائع الْجَارِيَةِ فَصَاحِبُ الْجَارِيَةِ(12/248)
يَرُدُّ قِيمَةَ الْعَبْدِ قَالَ الْإِمَامُ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ الصَّوَابِ بِدَلِيلِ أو الزَّوْجَ إذَا أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ عَبْدًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل المسيس وغلب الْعَبْدُ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ تَشَطَّرَ الْعَبْدُ وَعَادَ نِصْفُهُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ سَلِيمًا وَبَيْنَ أن يرضى بنصف معيب وَلَا يُكَلِّفُهَا ضَمَّ أَرْشِ الْعَيْبِ إلَى نِصْفِ الْعَيْنِ هَكَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ بِالْجَارِيَةِ لَكِنْ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى حَكَى الْإِمَامُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الغصب ثم أعد فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْغَصْبِ وَجَزَمَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَرَدَّ الْعَبْدَ مَعِيبًا لَمْ يَجُزْ لَهُ طَلَبُ الْأَرْشِ بَلْ عَلَيْهِ أَخْذُهُ أَوْ أَخْذُ قِيمَتِهِ ثُمَّ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ
بِعَيْنِهَا فِي الصَّدَاقِ وَقَالَ يَأْخُذُ الْعَبْدَ مَعِيبًا وَلَهُ طَلَبُ الْأَرْشِ فَنَاقَضَ اخْتِيَارَهُ فِي الْوَسِيطِ (وَقَالَ) فِي الْبَسِيطِ هُنَا بَعْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ إنَّهُ يَأْخُذُ الْعَبْدَ مَعِيبًا وَيُطَالِبُ بِالْأَرْشِ وَفِي الزَّوْجِ إذَا عَادَ إلَيْهِ نِصْفُ الْعَبْدِ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ مَعِيبٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْنَعَ بِالْمَعِيبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَمِعْتُ الْإِمَامَ فِي التَّدْرِيسِ يَقُولُ إنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَكَرَ وَجْهًا فِي الصَّدَاقِ من مسألة العبد والجارية انه يطالب بالارش وجها فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ أَنْ لَا يُطَالَبَ بِالْأَرْشِ وَالظَّاهِرُ الْفَرْقُ وَلَسْتُ وَاثِقًا بِالْفِعْلِ وَإِنِّي لَمْ أُصَادِفْهُ فِي مَجْمُوعِهِ قال أبو إسحق ابراهيم ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ (قَوْلُهُ) فِي مَجْمُوعِهِ يُرِيدُ نِهَايَةَ الْمَطْلَبِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ مسألة العبد والجارية في آخر كتاب النِّهَايَةِ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ شَرْحِ سَوَادِ مختصر المزني ذكر بَعْدَهُ مَسَائِلَ مُبَدَّدَةً سَرْدًا مُتَنَوِّعَةً قَالَ إنَّمَا ذَكَرْتُهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ أَكُونَ أَهْمَلْتُهَا فِي ى مَوَاضِعِهَا فَإِنْ كُنْتُ أَهْمَلْتُهَا فَذِكْرُهَا مُفِيدٌ هَهُنَا وَإِنْ كُنْتُ ذَكَرْتُهَا لَمْ تَضُرَّ إعَادَتُهَا قَالَ إذا باع عبدا بثوب ففصل صاحب الثوب الثَّوْبِ وَقَطَّعَهُ فَوَجَدَ الثَّانِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَهُ رَدُّهُ ثُمَّ إذَا رَدَّهُ حَكَى الشَّيْخُ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَسْتَرِدُّ الثَّوْبَ مَقْطُوعًا وَيَسْتَرِدُّ أَرْشَ النَّقْصِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ آخِذِهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ بِالْعَيْبِ غَرِمَ تَمَامَ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَغْرَمَ أَرْشَ النَّقْصِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ إذَا رَدَّ الْعَبْدَ وَصَادَفَ الثَّوْبَ مَعِيبًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالثَّوْبِ مَعِيبًا وَاسْتَرَدَّهُ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الثَّوْبَ وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ فَلَا أَرْشَ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ اشْتَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا تَخَالَفَا وكان غالب الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ وَيُرْجَعُ عَلَى مَنْ نَقَصَ الْعِوَضُ فِي يَدِهِ بِأَرْشِ النَّقْصِ عِنْدَ التَّفَاسُخِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ فَإِنْ طَرَدَ صَاحِبُ الْوَجْهِ الثَّانِي مَذْهَبَهُ فِي مَسَائِلِ التَّخَالُفِ كَانَ ذَلِكَ خَرْقًا مِنْ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ سَلَّمَهُ بَطَلَ هَذَا الْوَجْهُ(12/249)
بِالْعَيْبِ أَيْضًا وَتَشَبَّثَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ بِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَالُفِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي ذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ وفى قوله اشْتَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي النِّهَايَةِ مُطْلَقًا وَفِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى إذَا بَاعَ حِمَارًا بِفَرَسٍ فَمُشْتَرِي الْفَرَسِ أَخْصَاهُ ثُمَّ وَجَدَ بِالْحِمَارِ عَيْبًا قَالَ إنْ لَمْ يَنْقُصْ الاخصاء منه شيئا استرده ولا
شئ وَإِنْ نَقَصَ بَعْضَ قِيمَتِهِ رَدَّ فَرَسَهُ وَأَرْشَ النَّقْصِ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مُخَالَفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ هَذَا الْفَرْعِ مِنْ النَّقْلِ عَنْ الْقَاضِي وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا لَوْ بَاعَهُ بِفَرَسٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَأَخْصَى الْمُشْتَرِي الْفَرَسَ وَرَدَّ الْحِمَارَ بِعَيْبٍ وَنَقَصَتْ قِيمَةُ الْفَرَسِ اسْتَرَدَّ الدَّنَانِيرَ وَالْفَرَسَ وَأَرْشَ النَّقْصِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْفَرْعَ وَقَالَ فِيهِ إذَا رَجَعَ النُّقْصَانُ يَعْنِي فِي الثَّمَنِ إلَى الصِّفَةِ كَالشَّلَلِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْأَرْشَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ زاد زيادة متصلة باخذها مَجَّانًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ ابن سريج في تخير لمشترى لَا أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ نَاقِصًا وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ هَذَا الْفَرْعَ مِنْ زِيَادَاتِهِ فَقَالَ قَالَ الْقَفَّالُ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَآخَرُونَ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَقَبَضَهُ وَسَلَّمَ ثَمَنَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا قَدِيمًا فَرَدَّهُ فَوَجَدَ الثَّمَنَ مَعِيبًا نَاقِصَ الصَّفْقَةِ بِأَمْرٍ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ يَأْخُذُهُ ناقصا ولا شئ لَهُ بِسَبَبِ النَّقْصِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَكُلُّ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ مُقَيَّدٌ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ مَعَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَسْأَلَةً زَائِدَةً عَنْ الرَّافِعِيِّ وَمَا ذكره عن القفال وغيره هو الذى صححه الرَّافِعِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ احْتِمَالِ الْإِمَامِ هُوَ الْوَجْهُ الْآخَرُ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَارِيَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْعَيْبُ الَّذِي بِالْعَبْدِ مِثْلَ عَيْبِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ يُسَاوِي أَضْعَافَ ثَمَنِهِ فَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ فِي الرَّدِّ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْإِمْسَاكِ
* (تَنْبِيهٌ)
* قُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ نَقَصَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ نَقَصَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ لِأَنَّ النَّقْصَ عِنْدَ الْبَائِعِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْصِ الْمَذْكُورِ وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ وَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا آخَرَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا عَلِمَ بِهَا عَيْبًا وَرَضِيَ به ثم وجد عيبا آخر
*(12/250)
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ قَوَّمَ الْمَبِيعَ بِلَا عَيْبٍ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ يُقَوَّمُ مَعَ الْعَيْبِ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ تِسْعُونَ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ نَقَصَ الْعُشْرَ مِنْ بَدَلِهِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ
قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَلَوْ فَاتَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَإِذَا فَاتَ قَدْرُ الْعُشْرِ مِنْهُ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ كَالْجُزْءِ لَمَّا ضُمِنَ جَمِيعُهُ بِالدِّيَةِ ضُمِنَ الْجُزْءُ مِنْهُ بِجُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ وَلِأَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ أَدَّى إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي مَا يُسَاوِي مِائَةً بِعَشَرَةٍ فَإِذَا رَجَعَ بِالْعَشَرَةِ رَجَعَ جَمِيعُ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْأَرْشِ وَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا يَنْقُصُ الْعَيْبُ مِنْ الْمَبِيعِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَبِهِ مَثَّلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ الَّذِي نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ الْمَبِيعِ السَّلِيمِ عَشَرَةٌ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ فَالْقِيمَةُ مُعْتَبَرَةٌ لِلنِّسْبَةِ خَاصَّةً وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضمان الغصب والسوم والجناية بأنا إذا ضمنا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ لا يلزم الجميع بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَفِي الْأَرْشِ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ مَعْنَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمُوهُ فِي الذِّكْرِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ فِيهِ بَيَانَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ كَذَلِكَ فَيَحْصُلُ بِهِ الشِّفَاءُ أَكْثَرَ وَلَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَدَلٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ أَيْ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ الْبَائِعُ (وَقَوْلُهُ) وَلَوْ فَاتَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ أَيْ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ صَرِيحًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي جَوَازَ الرُّجُوعِ إلَى الْأَرْشِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ وَطَلَبُ الْأَرْشِ عِنْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ غَيْرُ سَائِغٍ بَلْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَرْشِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ أَوْ الرضى بِالْعَيْبِ كَمَا أَنَّهُ إذَا فَاتَ بَعْضُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ كُلُّهُ سَقَطَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا وَكَمَا أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ أَنَّهُ اشْتَرَى بِمِائَةٍ وَكَانَ بِتِسْعِينَ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ وَحِصَّتِهَا مِنْ الرِّبْحِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي كَذِبِ الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ إنَّ الْأَرْشَ الْمُسْتَرْجَعَ وَإِنْ كَانَ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ فَاسْتِرْجَاعُهُ إنْشَاءُ نَقْصٍ فِي جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا رد على معيب فموجب العيب الرد ولا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى الْأَرْشِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ فَكَأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلٌ عَنْ الرَّدِّ وَإِذَا تَعَذَّرَ وَلَا يَنْتَظِمُ عِنْدَنَا إلَّا(12/251)
هَذَا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ أَوَّلُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ يُسْتَدْرَكُ بِإِنْشَاءِ نَقْصٍ جَدِيدٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ أَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ إنْشَاءِ النَّقْصِ وَلَيْسَ كَالْمُرَابَحَةِ وَآخِرُهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الْأَرْشَ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَلَكِنْ فِي مُقَابَلَةِ الرَّدِّ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ اسْتِرْجَاعَ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ حَيْثُ فَاتَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَلِذَلِكَ أَتَى بِكَأَنَّ الَّتِي هِيَ حَرْفُ تَشْبِيهٍ فَلَمْ يَجْعَلْهُ بَدَلًا عَنْ الرَّدِّ ولكن مشبها فان سلطنة الرَّدِّ لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ وَيَجِبُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِ أَوَّلًا إنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الرَّدِّ لَمْ يَخْتَصَّ بِالثَّمَنِ وَعِنْدَ هَذَا لَا يَكُونُ فِي كلام الامام جواب عن الاشكال الذى أورته إلَّا بِمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَسَيَأْتِي فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ فَلَا أشكال من هَذَا الْوَجْهِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْبَائِعَ مَعِيبٌ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْغَزَالِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ مُشْتَرِيَ الجارية بعبد معيب يعلم عيبه يستحل وطئها وَلَوْ كَانَ جُزْءًا مِنْهَا يَعْرِضُ الْعَوْدَ إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ لَأَوْرَثَ تَوَقُّعُهُ شُبْهَةً وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَالْمُمْكِنُ فِي فَهْمِهِ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَبِيعَ فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ الثَّمَنِ إنْ رَضِيَ وَإِلَّا فَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ بَعْضِهِ فَيَخْرُجُ ذَلِكَ الْبَعْضُ عَنْ الْمُقَابَلَةِ وَيَتَعَيَّنُ لِاسْتِحْقَاقِهِ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَكَأَنَّ الْمُقَابَلَةَ تَغَيَّرَتْ وَلَكِنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فما اسْتِبْدَالُ سَبَبٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي عِنْدَ إلْحَاقِ الزِّيَادَةِ بِالثَّمَنِ بَعْدَ اللُّزُومِ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ دَقِيقِ الْفِقْهِ كَمَا قَالَ وَلَكِنْ مَا الموجب لتغيير المقابلة فانه بالرضى يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى الْبَعْضِ أَشْكَلَ بِمَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ وَبِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الِانْتِقَاضِ كَمَا تَنْتَقِضُ الْمُقَابَلَةُ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ إذَا قُلْنَا يُمْسِكُ بِكُلٍّ فَذَلِكَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فلا يخرج عليه ما اختاره أكثر الاصحاب هُنَا وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ أَنَّ ذَلِكَ اقْتَضَتْهُ الضَّرُورَةُ كَالتَّوْزِيعِ وَلَيْسَ الْعَقْدُ يَقْتَضِيهِ مِنْ الْأَصْلِ لَكِنَّ هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ الاصحاب على خلافه إذ هم يقولون بل العقد في أصله اقضي التَّوْزِيعَ كَمَا صُوِّرَ ذَلِكَ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ عَلَى رَأْيِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَتَلْخِيصُ الْإِشْكَالِ أَنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ مُقَابِلًا لِلْمَبِيعِ وَصِفَاتِ السَّلَامَةِ وأنه ينقسط عليها كما ينقسط عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَيَنْبَغِي عِنْدَ فَوَاتِ بَعْضِهَا أَنْ يَسْقُطَ مَا يُقَابِلُهُ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا
وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَا تَنْحَصِرُ فَيَكُونُ مَا قُوبِلَ بِالثَّمَنِ مَجْهُولًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَالْأَوْصَافُ ليست(12/252)
داخلة في المقابلة ولا يتقضى فَوَاتُ وَصْفٍ مِنْهَا سُقُوطَ بَعْضِ الثَّمَنِ عَلَى الرَّدِّ لِفَوَاتِ الظَّنِّ فَإِذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ وَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْأَرْشِ كَانَ ذَلِكَ غَرَامَةً جَدِيدَةً لاجزء مِنْ الثَّمَنِ وَأَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِيهِ مَا تقدم عن الغزالي وقد يقال (3 ن) فَوَاتَ ذَلِكَ الْوَصْفِ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ وَاسْتِرْجَاعِ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمَبِيعُ الْمُجَرَّدُ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ الْمَرْدُودِ عَلَى الْبَائِعِ وَيُقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَعَلَى الَّذِي تَعَذَّرَ الرد فيه وهو المبيع المجرد عنه استدراكا للظلامة وكأنه فسخ العقد فِيهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّهُ إنْشَاءُ نَقْصٍ جَدِيدٍ وَلَعَلَّهُ يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ وزيادة عَلَى هَذَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ غُرْمٌ جَدِيدٌ أَيْضًا لَيْسَ صَافِيًا عَنْ إشْكَالٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ جَدِيدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتَقَدَّرَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَالْإِمَامُ حَكَى فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ مَا يَقْرُبُ مِنْ أَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَسَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ) صَاحِبُ الْوَافِي إنَّ الْمُصَنِّفَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَالَ إنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَهَهُنَا قَالَ الْأَرْشُ بَدَلٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ قَالَ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ يُقَابِلُ الْمَبِيعَ وَلَا يَتَقَسَّطُ عَلَى أَعْضَائِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْيَدَ كَعَيْنٍ وَالرِّجْلَ كَعَيْنٍ أُخْرَى بَلْ يُقَابِلُ الْمَبِيعَ وَهُوَ ذُو أَجْزَاءٍ فَيُقَابِلُهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا جُزْءًا لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عَيْنٌ أُخْرَى ثُمَّ إذَا صَادَفَهَا الْمُشْتَرِي نَاقِصَةً لَهُ الرَّدُّ اسْتِدْرَاكًا لِلظُّلَامَةِ فَإِنْ لَمْ يفسخ عند الامكان فلا شئ لَهُ لِأَنَّ الْمُقَابِلَ الْعَيْنُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَالضَّرَرُ يَزُولُ بِالْفَسْخِ فَإِنْ سَقَطَ رَدُّهُ بِحُدُوثِ عَيْبٍ آخَرَ دَعَتْنَا الضَّرُورَةُ إلَى تَمْيِيزِ مَا نَقَصَ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ التَّقْوِيمُ لِيَرْجِعَ بِثَمَنِ مَا فَاتَ مِنْ الْمَبِيعِ إذْ لَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ إلَّا بِذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَعْوَى الضرورة وذلك لاشفاء فيه في جعل ذلك (قلت) جزأ مِنْ الثَّمَنِ وَتَقْدِيرُ عِلَّةِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَوْضِعِ مُشْكِلٌ وَلَيْسَ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصًّا بِهِ وَالْفَارِقِيُّ جَعَلَ وُجُوبَ للارش عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَشَبَّهَهُ بِمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَهِيَ عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ فَكِيلَتْ بعد البيع فخرجت تسعة فانه يسقط
__________
(3 ن) كذا بالاصل(12/253)
دِرْهَمٌ كَذَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ فَخَرَجَ مَقْطُوعَ الْيَدِ (قُلْتُ) وَلَوْ صَحَّ هَذَا التَّشْبِيهُ لَوَجَبَ أَنْ يُجْرَى خِلَافٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالْجُزْءِ إلَى آخِرِهِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنَّ نَفْيَهَا مِنْ دِيَتِهِ فَنَقُولُ هَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا صَحِيحًا قِيمَتُهُ كَذَا وَلَوْ كَانَ عَبْدًا مَعَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ قِيمَتُهُ كَذَا فَمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يُؤْخَذُ بِنِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ تَابِعٌ للشيخ أبو حَامِدٍ (فَائِدَةٌ) ادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَةِ سَلْطَنَةِ الرَّدِّ وَفِي غَيْرِ ذلك يدل على أنه جزء أن ذَلِكَ مُنَاقَضَةٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ لِمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْإِمَامِ وَقَدْ أَشَرْتُ إلَى ذَلِكَ وذكرت تأويله
*
* (فَرْعٌ)
* مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ لَا رُجُوعَ بِالْأَرْشِ فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَوَجَدَهُ خَصِيًّا بَعْدَ أَنْ وَجَدَ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فَلَا رُجُوعَ بِالْأَرْشِ أَصْلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاطِّلَاعُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَالْجِرَاحُ مُتَأَلِّمَةٌ فَإِنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ أَيْضًا انْسَدَّ طَرِيقُ الارش
*
* (فَرْعٌ)
* مَعَ قَوْلِنَا بِأَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِأَخْذِهِ وَفِي شَرْحِ الْفُرُوعِ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ إذَا اشْتَرَى حِنْطَةً مَعِيبَةً بعبد معين وتسلم الحنطة وسلم العبد وأعتقه ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا قَدَّرَ الْأَرْشَ وَرَجَعَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيهِ وَهَلْ يَنْتَقِضُ فِي الْبَاقِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْبَعْضِ هَكَذَا عِبَارَتُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُخَرَّجَ ذَلِكَ مَعَ بُعْدِهِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ فَإِنَّهُ انْتِقَاصٌ طَارِئٌ لَا بِطَرِيقِ التَّعْيِينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي لَهُ تَتِمَّةٌ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ هَذَا الْإِشْكَالَ الَّذِي قَدَّمْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ فَانْظُرْ كَيْفَ آلَ التَّفْرِيعُ إلَى أَنْ جَعَلَ أَخْذَ الْأَرْشِ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الِاطِّلَاعِ عَلَى العيب
*(12/254)
* (فَرْعٌ)
* لَوْ كَانَ الْعَيْبُ فِي عَيْنٍ قُبِضَتْ عَنْ دَيْنٍ هَلْ يَكُونُ الْأَرْشُ عَنْهَا كَمَا قُلْنَاهُ هُنَا أَوْ يُعْتَبَرُ بِمَا يُقَابِلُهُ بَدَلَ الْعَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابَةِ عِنْدَ خُرُوجِ النَّجْمِ مَعِيبًا بَعْدَ تَلَفِهِ هَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَرْشُ فِي رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْ مَا يُنْتَقَصُ مِنْ النُّجُومِ الْمَقْبُوضَةِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ وَهُمَا فِي كل عقد ورد على مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ قَالَ الْإِمَامُ وَأَمْثَلُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يُقَالَ يَغْرَمُ السَّيِّدُ مَا قَبَضَ ويطالب بالمسمى بالصفات المشروطة (قلت) فنلخص ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي كُلِّ مَقْبُوضٍ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ خَرَجَ مَعِيبًا وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ (أَحَدُهَا) يَرْجِعُ على الدافع بارشه بنسبته من العرض كما في المعاوضات
(والثانى)
ما نقض من قيمته كالمغصوب والمستام (وَالثَّالِثُ) يُقَدِّمُ الْقَابِضُ مَا قَبَضَ وَيُطَالِبُ بِالتَّسْلِيمِ
*
* (فَرْعٌ)
* فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ اشْتَرَى فِي صحته بمائة ما يساوي مائة فوجد في مرض موته به عيبا ينقص عشر قيمته وَرَضِيَ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ الكسب قَالَ جَامِعُ الْفَتَاوَى (قُلْتُ) وَهُوَ الْأَوْلَى عِنْدِي فَإِنْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ بِمِائَةٍ فَوَجَدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَيْبًا يَنْقُصُ الْعُشْرَ وَرَضِيَ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ لَرَبِحَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ قَالَ جَامِعُ الْفَتَاوَى وَهَذَا أَيْضًا كَالْأَوْلَى وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي مِائَةً بِخَمْسِينَ وَالْحَالُ كَذَلِكَ وَرَضِيَ فَهَلْ نَعْتَبِرُ الْخَمْسَةَ مِنْ الثُّلُثِ الظَّاهِرُ لَا لِأَنَّهُ اسْتَعَادَ بِهِ أَرْبَعِينَ
(وَالثَّانِي)
يَعْتَبِرُ تِلْكَ الْخَمْسَةَ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ بَعْدَ رَدِّهِ كَانَ يأخذها
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ وَجَدَ بِعَيْنِهِ بَيَاضًا وَحَدَثَ عِنْدَهُ بَيَاضٌ آخَرُ ثُمَّ زَالَ أَحَدُ الْبَيَاضَيْنِ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ زَالَ الْقَدِيمُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي زَالَ الْحَادِثُ حُلِّفَا وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ أَحَدِ الْبَيَاضَيْنِ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْبَيَاضَانِ أَخَذَ أَرْشَ أَقَلِّهِمَا لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَالْبَائِعُ يَسْتَفِيدُ بِيَمِينِهِ دَرْءَ الْفَسْخِ وَالْمُشْتَرِي يَسْتَفِيدُ بِيَمِينِهِ أَخْذَ الْأَرْشِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ (وَقَالَ) الرُّويَانِيُّ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِزَوَالِ حَقِّهِ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ وَيَدَّعِي عَوْدَ الْحَقِّ فَلَا يُقْبَلُ فِي الْعَوْدِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَلَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا وَالْبَائِعُ يَدَّعِي زواله
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا ثَبَتَ الْأَرْشُ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ بعد في ذمة المشترى يرى مِنْ قَدْرِ الْأَرْشِ وَهَلْ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَمْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ وَجْهَانِ (أصحهما) الثاني ليبقى له طريق الرضى
بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْفَوَاتِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَ الْبَقَاءِ وَمَيْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ إلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الرَّدِّ فَإِنَّ الْفَسْخَ لَا يَحْصُلُ دُونَ طَلَبٍ وَقَدْ اقْتَصَرُوا هنا على حكاية هذين لوجهين وَكَأَنَّ ذَلِكَ تَفْرِيعٌ عَلَى(12/255)
أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا غُرْمٌ جَدِيدٌ فَلَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ أَيْضًا بالطلب بل للبائع أن يعطيه من فان اتفق الدينان جرى التقاصى وَلَوْ كَانَ قَدْ وَفَّاهُ الثَّمَنَ وَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي أَوْ يَجُوزُ إبْدَالُهُ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ لِحَقِّهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ هَكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ أَمَّا إذَا قُلْنَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْهُ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي وَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ أَوْ الِاطِّلَاعِ فَلَا يَسُوغُ لِلْبَائِعِ إبْدَالُهُ لَكِنَّهَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يُلَاحَظُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ غُرْمٌ جَدِيدٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَجِبُ طَرْدُ هَذَا الْوَجْهِ هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ يُقَالَ هُنَا (إنْ قُلْنَا) إنَّ الْغُرْمَ جَدِيدٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ (وَإِنْ قُلْنَا) جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَوَجْهَانِ يَنْبَنِيَانِ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ وَفِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا بِمَسْأَلَةٍ وَلَمْ يصحح منهما شيئا (إن قُلْنَا) يُعْطَى حُكْمَ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ إبْدَالُهُ وَإِلَّا جَازَ إبْدَالُهُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَسْأَلَةَ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ وَفَّاهُ وَهُوَ بَاقٍ بِحَالَةٍ وَرُدَّ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ هَلْ يَتَعَيَّنُ لِأَخْذِ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَانِ بَعْدَ هَذَا بِمَسْأَلَةٍ وَهِيَ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ تِلْكَ فِي الْأَرْشِ وَهَذِهِ فِي الرَّدِّ وَالْمَأْخَذُ غَيْرُ الْمَأْخَذِ لَكِنَّ تَصْحِيحَهُ التَّعَيُّنَ فِي الْأُولَى فَرْعٌ عَنْ تَصْحِيحِ التَّعَيُّنِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَسَأَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ رَدِّ الْبَيْعِ وَالثَّمَنُ تَالِفٌ فَإِنِّي هُنَا إنَّمَا ذَكَرْتُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْشِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا وَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ وَجْهَانِ فِي النِّهَايَةِ الْأَصَحُّ تَعَيُّنُهُ وَيَجِبُ بِنَاؤُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (إنْ قُلْنَا) الْأَرْشُ غُرْمٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَإِنْ قُلْنَا جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ تَعَيَّنَ أَخْذُ الْأَرْشِ مِنْهُ تَالِفًا فَهُوَ كَمَا إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنُ تَالِفٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ مِثْلِهِ إن كان مثليا وقيمته إن كان متقوما إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى
*
* (وأن اختلف قِيمَةُ الْمَبِيعِ مِنْ حَالِ الْعَقْدِ إلَى حَالِ الْقَبْضِ قُوِّمَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ
وَقْتَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ ثُمَّ نَقَصَ كَانَ مَا نَقَصَ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَا كان نقصانه مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَقَلَّ ثُمَّ زَادَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا زِيَادَةٌ حَدَثَتْ في ملك المشترى لاحق لِلْبَائِعِ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ إدْخَالُهَا فِي التَّقْوِيمِ)
*
*(12/256)
* (الشَّرْحُ)
* تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ مَعْنًى لِإِيجَابِ الْأَرْشِ وَالِاعْتِبَارُ بِأَنَّهُ قِيمَةٌ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهِيَ الَّتِي جَزَمَ بِهَا الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْقَطْعُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ الْعَقْدِ وَيَوْمِ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ فَالنُّقْصَانُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْقَبْضِ أَكْثَرَ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا هَذَا
(وَالثَّانِي)
وَنُقِلَ عَنْ نَصِّهِ فِي مَوْضِعٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي بَابِ التَّخَالُفِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّخَالُفِ وَنُقِلَ عَنْ الْفُورَانِيِّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مقلاص ووجهه أن الثمن يومئذ قابل المبيع (وَالثَّالِثُ) نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ مِقْلَاصٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْقَبْضِ وَقَدْ رَأَيْتُهُ مَنْصُوصًا فِي بَابِ الْغَصْبِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ معللا بأنه يومئذ تَمَّ الْبَيْعُ فَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَثْبَتُوا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ وَمِمَّنْ اقْتَصَرَ عَلَى إيرَادِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إلَى أَنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ قَطَعُوا بِالْأَوَّلِ وَحَمَلُوا كُلَّ نَصٍّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ أَقَلَّ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعْرُوفَةٌ بِالْإِشْكَالِ لاسيما على عبارة المصنف في تَعْلِيلُهُ وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَذْكُرُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ وَبَيَانُ الصَّحِيحِ مِنْهُ وَأَذْكُرُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَمَا قِيلَ فِي جَوَابِهِ (اعْلَمْ) أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأَصْحَابِ أَهْمَلُوا التَّعَرُّضَ لِوَقْتِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَبَعْضُهُمْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ ذكر ذلك ابن أبى عمرون وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْأَكْثَرُونَ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ لَهُمْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمُ الْقَبْضِ أَوْ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ فَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُ يُقَوَّمُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَيَوْمِ الْقَبْضِ وَعَلَى ذَلِكَ جَاءَتْ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ(12/257)
وَعِبَارَةٌ ثَانِيَةٌ قَالَهَا الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا هُوَ أَضَرُّ بِالْبَائِعِ فِي الْحَالَيْنِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَثْرَةُ النُّقْصَانَيْنِ وَعِبَارَةٌ ثالثة قالها النووي في المنهاج أنه يعبر أَقَلُّ قِيمَةٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى الْقَبْضِ (فَأَمَّا) عِبَارَةُ النَّوَوِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ فَأُؤَخِّرُ الْكَلَامَ عَنْهَا حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ عِبَارَةِ الْأَوَّلَيْنِ (وَأَمَّا) عِبَارَةُ الْإِمَامِ فَادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهَا رَاجِعَةٌ لِعِبَارَةِ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ يَقْتَضِي أن يكون الواجب من الْأَرْشِ الْأَكْثَرَ فِي الْحَالَيْنِ فَإِنَّ الْمَعْنَى بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ مَعَ الْعَيْبِ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ وَحَالَةِ الْقَبْضِ كَمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ سَلِيمًا عَشَرَةً فِي الْحَالَيْنِ وَمَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ ثَمَانِيَةً وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعَةً فَاعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ يُوجِبُ الْخُمُسَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْعُشْرِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ وَأَوَّلُ ما أقدم أن لنا قيمة منسوبا إليها وهى قيمة السلم وَقِيمَةً مَنْسُوبَةً وَهِيَ قِيمَةُ الْعَيْبِ وَنِسْبَةً بَيْنَهُمَا بها يعرف قدر العيب من السليم فتارة تَكُونُ تِلْكَ النِّسْبَةُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يَوْمَ الْعَقْدِ كَهِيَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَالُ المبيع مختلفا في اليومين ههنا لَا أَثَرَ لِلِاخْتِلَافِ مَعَ اتِّحَادِ النِّسْبَةِ مِثَالُهُ قيمة السليم ويوم الْعَقْدِ مِائَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفٌ أَوْ عَشَرَةٌ وَقِيمَةُ الْمَعِيبِ يَوْمَ الْعَقْدِ تِسْعُونَ وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعُمِائَةٍ أَوْ تِسْعَةٌ فَالنِّسْبَةُ فِي الْيَوْمَيْنِ الْعُشْرُ وَلَا أَثَرَ لِلِاخْتِلَافِ بِالزِّيَادَةِ وَلَا بِالنُّقْصَانِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اعْتِبَارِ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ وَاعْتِبَارِ أَكْثَرِهَا وَالسَّاقِطُ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْعُشْرُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ النِّسْبَةُ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ قِيمَةِ المعيب مع بقاء قيمة السَّلِيمِ عَلَى حَالِهَا وَقَدْ تَكُونُ بِالْعَكْسِ وَقَدْ يَكُونُ بِاخْتِلَافِهِمَا مَعًا (مِثَالُ الْأَوَّلِ) قِيمَتُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ سَلِيمًا عَشَرَةٌ وَمَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ تِسْعَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ ثَمَانِيَةٌ فَالِاخْتِلَافُ هَهُنَا فِي الْمَنْسُوبِ فَإِنْ نَسَبْنَا قِيمَةَ يَوْمِ الْعَقْدِ كَانَ الْأَرْشُ التُّسْعَ وَإِنْ نَسَبْنَا أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ كَانَ الْخُمُسَ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي وَكَلَامُ الْإِمَامِ تَصْرِيحٌ وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّا نَسْلُكُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي هِيَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي فَاعْتِبَارُ أَقَلِّ القيمتين هنا أوجب زيادة الارش وإيجاد أكثر النقصانين من الثمن لكن سَأُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الكلام(12/258)
أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالْأَصْحَابَ لَمْ يُرِيدُوا هَذَا الْقِسْمَ وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إلَيْهِ هُنَا لِأَنَّهُمْ بَيَّنُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ القبض من ضمان البائع والنقصان من بقاء قيمة السليم لابد أن يكون بعيب والزيادة لابد
أَنْ تَكُونَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَنُقْصَانُهُ يَمْنَعُ مِنْ ضَمَانِ مَا نَقَصَ مِنْهُ كَزَوَالِهِ (وَمِثَالُ الثَّانِي) قِيمَتُهُ مَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ ثَمَانِيَةٌ وَسَلِيمًا يَوْمَ الْعَقْدِ عَشَرَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالِاخْتِلَافُ هَهُنَا فِي الْقِيمَةِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا فَإِنْ نَسَبْنَا إلَى أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ كَانَ الْأَرْشُ التُّسْعَ وَإِنْ نَسَبْنَا إلَى أَكْثَرِهَا كَانَ الْأَرْشُ الْخُمُسَ فَاعْتِبَارُ الْأَقَلِّ هُنَا فِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي فَلَيْسَ فِيهِ إيجَابُ أَكْثَرِ النُّقْصَانَيْنِ بَلْ أَقَلِّهِمَا وَهُوَ التُّسْعُ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا الْقِسْمُ يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ عَلَى مَا سَأُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِثَالُ الثَّالِثِ) قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ سَلِيمًا عَشَرَةٌ وَمَعِيبًا تِسْعَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ سَلِيمًا تِسْعَةٌ وَمَعِيبًا ثَمَانِيَةٌ فَاعْتِبَارُ الْأَقَلِّ يُوجِبُ أَنَّ الْأَرْشَ التُّسْعُ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْعُشْرِ وَأَكْثَرُ نُقْصَانًا من الثمن أو تكون قيمته يوم العقد سليما عشرة ومعيبا تسعة ويوم القبض سليما اثْنَيْ عَشَرَ وَمَعِيبًا عَشَرَةً فَاعْتِبَارُ الْأَقَلِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ التُّسْعُ وَاعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ السُّدُسُ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي وَأَكْثَرُ نُقْصَانًا مِنْ الثمن أو تكون قيمته يوم العقد سليما عَشَرَةً وَمَعِيبًا خَمْسَةً وَيَوْمَ الْقَبْضِ سَلِيمًا سِتَّةً وَمَعِيبًا أَرْبَعَةً فَاعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ الثُّلُثُ وَاعْتِبَارُ أَكْثَرِهِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ النِّصْفُ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي وَأَكْثَرُ نُقْصَانًا مِنْ الثَّمَنِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ اخْتِلَافُ الْأَمْثِلَةِ وَأَحْكَامِهَا فِي هَذَا الْقِسْمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ
* فَأَقُولُ إنَّ الْإِمَامَ عَبَّرَ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْمُرَاعَى مَا هُوَ الْأَضَرُّ بِالْبَائِعِ فِي الْحَالَيْنِ وَالْعِبَارَةُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْثَرُ النُّقْصَانَيْنِ وَمَثَّلَهُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ يَوْمَ الْعَقْدِ مُنْقِصًا ثُلُثَ الْقِيمَةِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ مُنْقِصًا رُبُعَهَا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ مَعَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ إذَا كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِلَافُ مِنْ جِهَةِ الْعَيْبِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ أَقَلُّ قِيمَتَيْ الْمَعِيبِ(12/259)
الْمَنْسُوبَةِ لَا أَقَلُّ قِيمَتَيْ السَّلِيمِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا وَذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَسْتَقِيمُ فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ وَالْوَاجِبَ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ وَيَبْقَى القسم الثاني مَسْكُوتًا عَنْهُمَا هَلْ يُرَاعَى فِيهِمَا الْأَضَرُّ بِالْبَائِعِ كَمَا قَالَهُ فَيُقَوَّمَ بِالْأَكْثَرِ أَمْ لَا بَلْ يُقَوَّمُ بِالْأَقَلِّ دَائِمًا كَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ نَفْعَ الْمُشْتَرِي مُرَاعًى مُطْلَقًا فَعِبَارَةُ الْإِمَامِ فِي قَوْلِهِ أَكْثَرُ النُّقْصَانَيْنِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْبَاقِينَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ نِسْبَةٌ وَالْمُرَادُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ نُقْصَانًا مِنْ السَّلِيمِ وَأَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ رَاجِعٌ إلَى الْقِيمَةِ فِي نَفْسِهَا لَا إلَى مَا تَنْقُصُهُ مِنْ السَّلِيمِ وَأَيْضًا
فِي الْقِسْمِ الثَّانِي يَصِحُّ كَلَامُ الْإِمَامِ وَنُوجِبُ أَكْثَرَ النُّقْصَانَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ فَعِبَارَةُ الْإِمَامِ مُطَّرِدَةٌ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ هَذَا إنْ كَانَ الْحُكْمُ مُسَاعِدًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يَذْكُرُوا إلَّا أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَا عَدَا ذَلِكَ وَكَأَنَّهُمْ رَضُوا بِأَنَّ الْقِيمَةَ عَنْ السَّلِيمِ سَوَاءٌ واختلف قيمة المعيب بحسب زيادتة وَصْفٍ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ أَوْ نُقْصَانٍ فِيهِ فَيُنْسَبُ النَّقْصُ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَلَا تُنْسَبُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْأَمْرُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ وَهُوَ قِيمَةُ السَّلِيمِ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي حَالِ اخْتِلَافِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ الْأَقَلَّ مُطْلَقًا فَإِذَا اخْتَلَفَتَا مَعًا اعْتَبَرْنَا اقل قمتى المعيب ونسبناها إلى اقل قميتى السَّلِيمِ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ إطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ عِبَارَةِ الْإِمَامِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمِثَالَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَكَذَلِكَ في القسم الثاني فَالْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ وَلَا يَبْقَى الْمُرَاعَى ضَرَرَ الْبَائِعِ مُطْلَقًا وَلَا ضَرَرَ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا ولم أر في ذلك صَرِيحًا إلَّا أَنَّ فِي تَعْلِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ (فَأَمَّا) وَقْتُ تَقْوِيمِهِ سَلِيمًا فَهُوَ أَنْقَصُ الْحَالَيْنِ قِيمَةً مِنْ حَالَةِ الْعَقْدِ أَوْ حَالَةِ الْقَبْضِ تُقَوِّمُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ يُقَوِّمُهُ وَبِهِ الْعَيْبُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ المراد اقل قميتى السليم المنسوب إليها لا اقل قميتى الْمَعِيبِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي ذَلِكَ الْمِثَالِ يَكُونُ التَّقْوِيمُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ أَنْفَعَ لِلْبَائِعِ وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يُوَافِقُ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ فَإِنَّهُ قال في مسألة الجارية تقويم فِي أَقَلِّ الْحَالَتَيْنِ فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهَا فِي(12/260)
تِلْكَ الْحَالِ بِكْرًا لَا عَيْبَ بِهَا مِائَةٌ قُوِّمَتْ بِكْرًا وَبِهَا ذَلِكَ الْعَيْبُ فَإِذَا قِيلَ تِسْعُونَ كَانَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ الْعُشْرَ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ فَهَذَا وَجْهٌ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ انْحَلَّ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وتبين بحمد الله ان المراد أقل قميتى السَّلِيمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ قِيمَتَيْ الْمَعِيبِ كَمَا ظَنَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَاعَى هُوَ الْأَضَرَّ بِالْبَائِعِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي لَحَظَهُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ هُوَ الْقِيمَةُ وَالْمَنْسُوبَ هُوَ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ إلَى الْقَبْضِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ الْبَائِعُ عَلَيْهِ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِهِ وَإِنَّمَا الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يُعَيِّنُ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) مَا يَخْتَصُّ بِالصِّفَةِ فَنَذْكُرُهُ فِي ضِمْنِ فَائِدَةٍ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْفَارِقِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَعْنِي مَسْأَلَةَ
الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَاسِدَةُ الْوَضْعِ وَالْأَصْلِ وَفَاسِدَةُ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ لَنَا فِي الْكِتَابِ مَسْأَلَةٌ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْهَا (أَمَّا) فَسَادُ وَضْعِهَا فانه يعتبر تقويمه بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا الِاعْتِبَارُ صَحِيحًا وَمُفِيدًا إذَا كَانَ الْأَرْشُ إسْقَاطَ جُزْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَحْنُ نُسْقِطُ مِنْ الثَّمَنِ جُزْءًا يقدر نِسْبَةِ فَوَائِدِ مَا يَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْعَيْبِ مَثَلًا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ فَوَجَدَهُ مَقْطُوعَ الْيَدِ فَإِنَّا نُقَوِّمُهُ صَحِيحًا بِمِائَةٍ وَمَقْطُوعًا بِتِسْعِينَ ونعلم أنه قد سَقَطَ عُشْرُ الْأَصْلِ فَيَسْقُطُ فِي مُقَابِلِهِ عُشْرُ الثَّمَنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِائَةً أَوْ أَلْفًا أَوْ عَشَرَةً فَإِنَّ أَثَرَ الْعَيْبِ فِي التَّنْقِيصِ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَثَرُ الْعَيْبِ فِي تَنْقِيصِ عَشَرَةٍ مِنْ مِائَةٍ نَقَصَ مِنْ الْأَلْفِ مِائَةٌ وَمِنْ الْعَشَرَةِ دِينَارٌ فَنِسْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ إلَى أَصْلِهِ بالعشر فيقسط في مقابله الثَّمَنِ وَعُشْرُ الثَّمَنِ لَا يَتَفَاوَتُ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَنَحْنُ إنَّمَا نوجب عشر الثمن ولا مبالات بِاخْتِلَافِ عُشْرِ الْقِيمَةِ وَأَكْثَرِهَا
* بَيَانُ فَسَادِ التَّعْلِيلِ أَنَّ حَصْرَ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ مِنْ حَالِ الْعَقْدِ إلَى حَالِ الْقَبْضِ فَعَرَفْنَا أَنَّ النُّقْصَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَيْسَ يُرِيدُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ الرَّغَبَاتِ وَكَثْرَةِ الْمُبْتَاعِ وَقِلَّتِهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ فَوَائِدَ المبتاع كهزال الدابة وتغيير الثَّوْبِ أَوْ حُدُوثِ(12/261)
آفَةٍ بِهِ فَقَوْلُهُ كَانَ مَا نَقَصَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْبَائِعِ (وَقَوْلُهُ) وَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ يَعْنِي الْجُزْءَ الْفَائِتَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ فَوَاتُ جُزْءٍ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَمَا أَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مِنْ ضَمَانِهِ (وَقَوْلُهُ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ كَلَامٌ يَتَنَاقَضُ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ النَّاقِصُ وَنُقْصَانُهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُقَوَّمًا أَمَّا أَنْ لَا يُقَوَّمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَهَذَا كَلَامٌ يَتَنَاقَضُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ أَقَلَّ إلَى آخِرِهِ وَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَقَّ الْمُشْتَرِي لَا حَقَّ لِلْبَائِعِ فِيهَا فَيَجِبُ تَقْوِيمُهَا عَلَيْهِ حَتَّى نُوجِبَ عَلَيْهِ قدر ما نقص من فواتها مضمونا إلَى قَدْرِ الْأَرْشِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ بَيَانُ فَسَادِ التَّعْلِيلِ وَالْوَضْعِ جَمِيعًا هَذَا كَلَامُ الْفَارِقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَزَادَ ابْنُ مَعْنٍ فِي حِكَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ مَعْرِفَةَ فَسَادِ التَّعْلِيلِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ ثُمَّ نَقَصَ كَانَ مَا نَقَصَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي لَا جَائِزَ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَصَرَ
اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ نَزَلْنَا جَدَلًا أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ قَوْلُهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْقَبْضِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ النُّقْصَانُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لَا غَيْرُ هَذَا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِالنُّقْصَانِ تَغَيُّرُ أَحْوَالِ الْمَبِيعِ كَحُدُوثِ آفَةٍ فِي الثَّوْبِ أَوْ الدَّابَّةِ لَا بِغَيْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الرَّغَبَاتِ وَكَثْرَتِهَا وَانْخِفَاضِ الْأَسْوَاقِ وَارْتِفَاعِهَا وَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ فَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ نُقْصَانُ جُزْءٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْأَمْرِ الثَّانِي وَكَمَا أَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَذَلِكَ جُزْؤُهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إلَى الْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ مَعْنٍ حَاكِيًا عَنْ الْفَارِقِيِّ وَلِأَجْلِ كَلَامِ الْفَارِقِيِّ هَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَنَصَّ الشيخ أبو إسحق فِي الْمُهَذَّبِ عَلَى أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ وَكَذَلِكَ فِي الْحَاوِي وَذَكَرَهُ الْقَاضِي(12/262)
أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ ثُمَّ خَطَّ عليه وقد أوضحت وجه فساده وبفساده قال الشَّاشِيِّ الْأَخِيرِ ثُمَّ اخْتَارَ أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ حَالَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَالْقَبْضُ مُقَدَّرٌ لَهُ كَمَا فِي الْحُكُومَةِ فِي الْجِنَايَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَهَذَا يَعْنِي كَلَامَ الشَّاشِيِّ رُجُوعٌ عَمَّا اعْتَرَفَ بِصِحَّتِهِ وَرَدِّهِ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ لَا وَجْهَ لِمَا اخْتَارَهُ (وَقَوْلُهُ) إنَّ الْعَقْدَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ مُسَلَّمٌ لَكِنْ بِمَاذَا بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّظَرِ إلَى قَدْرِهَا وَإِنَّمَا جَعَلْتُ مِعْيَارَ الْمَعْرِفَةِ الْمُسْتَحَقَّ لِلرُّجُوعِ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا تَخْتَصُّ بِقِيمَتِهِ حَالَةُ الْعَقْدِ وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الْجُزْءِ فَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ حَالَةَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا حَالَةُ كَمَالِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَاعْتُبِرَتْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا حَالَةُ النُّقْصَانِ لِيُعْلَمَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ الشَّاشِيُّ مُعْتَرِضًا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ حَالَ الْعَقْدِ تِسْعِينَ وَالْعَيْبُ يَنْقُصُهُ خَمْسَةً والخمسين مِنْ الْمِائَةِ نِصْفُ عُشْرٍ وَمِنْ التِّسْعِينَ أَكْثَرُ لَمْ تَسْتَمِرَّ النِّسْبَةُ فِي الْمَرْجُوعِ بِهِ ثُمَّ أَجَابَ فَقَالَ هَذَا التَّصْوِيرُ تَحَكُّمٌ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْوَاحِدَ يَنْقُصُ مِنْ الْكَثِيرِ الْقِيمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ما ينقصه من قليل القيمة لاسيما وَالْعَيْنُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ مِنْ جِهَةِ السُّوقِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَأَنَا أَقُولُ فِي الْقَلْبِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِمَا قَالَهُ هَذَانِ الشَّيْخَانِ يَعْنِي الْفَارِقِيَّ وَابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ حَسِيكَةٌ عَظِيمَةٌ وَأَنَا أُفْرِغُ الْجُهْدَ فِيمَا ذُكِرَ عِنْدِي فِيهَا نَقْلًا وَبَحْثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ بَعْدَ ذَلِكَ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامِ
وَالْغَزَالِيِّ وَحِكَايَتَهُمَا مَعَ الْمَرَاوِزَةِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ قَالَ فَاخْتَارَ الشَّيْخُ ابو اسحق قَوْلًا مِنْهَا وَتَرْجِيحُهُ لَهَا لَا يَكُونُ فَاسِدًا وَلَا غَلَطًا كَمَا ذَكَرَهُ الْفَارِقِيُّ بَلْ مَا ذَكَرَهُ الْفَارِقِيُّ مِنْ الْإِيرَادِ وَالْإِشْكَالِ غَلَطٌ فَإِنَّ التَّقْوِيمَ مَا كَانَ لِإِيجَابِ عَيْنِ الْقِيمَةِ بَلْ لِمَعْرِفَةِ نِسْبَةِ مَا يَرْجِعُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَالْقِيمَةُ مِعْيَارٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ صِحَّتُهَا وَإِفَادَتُهَا (وَقَوْلُهُ) إنَّ أَثَرَ الْعَيْبِ فِي التَّنْقِيصِ وَاحِدٌ خَطَأٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ فَوَجَدَهُ مَقْطُوعَ الْيَدِ يُقَوَّمُ سَلِيمًا فَكَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعِينَ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا يَوْمَ الْعَقْدِ عُلِمَ أَنَّهُ نَقَصَ مِنْهُ خُمُسُ قِيمَتِهِ فَيَرْجِعُ بِخُمْسِ الثَّمَنِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا قِيمَةَ يَوْمِ الْقَبْضِ عُلِمَ أَنَّهُ نَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهِ فيرجع بعشر(12/263)
الثَّمَنِ فَحَصَلَ التَّفَاوُتُ الظَّاهِرُ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنَّمَا فَهِمَ الْفَارِقِيُّ أَنَّهُ جَعَلَ قِيمَتَهُ مَعِيبًا تِسْعِينَ وَقِيمَتَهُ بِالْعِوَضِ مِائَةً (قَالَ) فَنَعْلَمُ أَنَّ النَّاقِصَ عُشْرُ الْقِيمَةِ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مَعِيبًا يَوْمَ الْقَبْضِ أَقَلَّ وَإِذَا فُرِضَ تَفَاوُتُ الْقِيمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّمَانَيْنِ وَجَبَ اعْتِبَارُ أحدهما لاختلافهما وقول الفارقى في فساد التعليل ففى ما ذكر في كَلَامِ الشَّيْخِ غُنْيَةٌ عَنْهُ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَهَذَا القول الذى صار إليه الشيخ أبو إسحق لَيْسَ قَوْلًا لَهُ اخْتَرَعَهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ مقول عن أئمة المذهب فلا يليق بالمتأخر إظْهَارُ شَنَاعَةٍ عَلَى مَنْ اخْتَارَهُ وَذَكَرَهُ فِي تصنيفه فانه فساد ليس في كتابه شئ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْهُ وَإِنَّمَا اللَّائِقُ بِهِ إنْ كَانَ تَكَلَّمَ عَلَى دَلِيلِهِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بِمَا يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مِنْ إشْكَالٍ أَوْ مُبَاحَثَةٍ أَمَّا الحكم عليه بانه أفسد شئ فِي كِتَابِهِ فَخَطَأٌ مَحْضٌ مِنْهُ وَسُوءُ أَدَبٍ وممن اختار ما اختاره الشيخ أبو إسحق (1) وَالْبَغَوِيُّ
* (قُلْتُ)
* وَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ مِنْ وُجُوبِ حِفْظِ الْأَدَبِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ بِلَفْظِهِ وَحُرُوفِهِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَلَا اخْتِصَاصَ لِلْمُصَنِّفِ بِهِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى اعْتِبَارِ يَوْمِ الْقَبْضِ قَالَ وَقِيمَتُهَا يَوْمَ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ أَثَرٌ لَمَا قَيَّدَ الشَّافِعِيُّ بِيَوْمِ الْقَبْضِ فَيَجِبُ النَّظَرُ فِي اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ وَبَيَانِ كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي اخْتِلَافِ الْأَرْشِ وَمَا فَرَضَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ لَعَلَّهُ مِنْ اخْتِلَافِ قِيمَةِ الْمَعِيبِ مَعَ تَسَاوِي قِيمَةِ السَّلِيمِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ وَالْعَيْبُ وَاحِدٌ كَمَا مثل به من قطع اليد بعيد لانه متى كانت قيمة السليم يوم العقد
ويوم الْقَبْضِ سَوَاءً وَالْعَيْبُ وَاحِدٌ وَالْمَبِيعُ وَاحِدٌ فَكَيْفَ تختلف قيمة العيب لكن قد قدمت أَمْثِلَةٌ تُغْنِي عَنْ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَتِهَا أَنْ تَتَّحِدَ قِيمَةُ السَّلِيمِ وَتَخْتَلِفَ قِيمَةُ الْمَعِيبِ لِزِيَادَةِ الْعَيْنِ أَوْ نُقْصَانِهَا وَاسْتِبْعَادُ الشَّاشِيِّ لَهُ وَقَوْلُهُ ان العيب ينقض مِنْ كَثِيرِ الْقِيمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَنْقُصُ مِنْ قَلِيلِهَا فَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الشَّاشِيَّ قَصَرَ الْكَلَامَ عَلَى اخْتِلَافِ قِيمَةِ السليم المنسوب إليها واتحاد العيب
__________
(1) بياض بالاصل(12/264)
المنسوب وذلك هو القسم الثاني لذى قَدَّمْتُهُ وَقُلْتُ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَمْ يَشْمَلْهُ أَوْ إنَّ الْأَوْلَى فِيهِ عِبَارَةُ الْإِمَامِ (أَمَّا) إذَا فَرَضْنَا الْكَلَامَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ قِيمَةَ السَّلِيمِ سَوَاءٌ وَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِحُدُوثِ عَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ زَادَتْ بِحُدُوثِ صِفَةٍ فَإِنَّ النِّسْبَةَ تَخْتَلِفُ قَطْعًا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَا قَرَّرَهُ الْفَارِقِيُّ فِي كَلَامِهِ فَغَيْرُ ذَلِكَ التَّقْرِيرِ جَوَابُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الِاعْتِرَاضِ وَذَلِكَ هُوَ جَوَابٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي قَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ وَسَنَزِيدُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الشَّاشِيِّ أن الاصحاب وان سكنوا عن قيمة السليم المنسوب إليها فلابد مِنْ اعْتِبَارِهَا فَإِنَّ قِيمَةَ الْمَعِيبِ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهَا فَالضَّرُورَةُ تَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ ذلك الشئ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ مَعْلُومًا فَإِنْ اتَّحَدَ فَذَلِكَ وَإِنْ اختلف فهذا مما قدمت أن الاصحاب سكنوا عَنْهُ إلَّا الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَبَحَثَ فِيهِ هُنَاكَ فَإِذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُهَا وَأَنَّهَا قَدْ تَخْتَلِفُ فَاخْتِلَافُهَا مَعَ تَعَارُضِ السَّلَامَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ إنَّمَا يَكُونُ بِحَيْثُ الْأَسْعَارُ وَالرَّغَبَاتُ وَعِنْدَ ذَلِكَ قَدْ يَنْقُصُ الْعَيْبُ مِنْ قَلِيلِ الْقِيمَةِ نِسْبَةً لَا يَنْقُصُهَا مِنْ كَثِيرِهَا وَذَلِكَ إذَا غَلَا السِّعْرُ وَضَاقَ ذَلِكَ الصِّنْفُ فَإِنَّ الرَّغْبَةَ تَشْتَدُّ فيه ويغتفرون ما به عن عَيْبٍ وَلَا يَصِيرُ النَّاسُ يُبَالُونَ بِعَيْبِهِ كَمَا يُبَالُونَ بِهِ فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ وَبِعَكْسِ ذَلِكَ إذَا رَخُصَتْ الْأَسْعَارُ وَاتَّسَعَ الصِّنْفُ وَبُخِسَتْ قِيمَتُهُ بِحَيْثُ يَصِلُ إلَى السَّلِيمِ مِنْهُ كُلُّ أَحَدٍ صَدَّتْ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنْ الْمَعِيبِ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَانْحَطَّتْ قِيمَتُهُ عَنْ قِيمَةِ السَّلِيمِ بِنِسْبَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ هَذَا هُوَ الْعُرْفُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَنْقُولٍ ثُمَّ إنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي تُفْرَضُ فِي الْفِقْهِ وَالْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ وَاقِعَةً غَالِبًا بَلْ وَلَا نَادِرًا بَلْ الْمَقْصُودُ أَنَّهَا إنْ وُجِدَتْ كَانَ هَذَا حُكْمَهَا
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذَا إنَّمَا جاء في اختلاف السوق وَفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ حُدُوثِ وَصْفٍ فِي الْمَبِيعِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي قِيمَةِ الْمَعِيبِ سَبَبُهُ حُدُوثُ الْوَصْفِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ (وَأَمَّا) الِاخْتِلَافُ فِي قِيمَةِ السلم الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ سَبَبٌ إلَّا اخْتِلَافُ السوق ولابد مِنْ اعْتِبَارِهَا (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ فَفِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَإِيرَادُ الْفَارِقِيِّ عَلَيْهِ قَوِيٌّ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَلَيْسَ بِمُنَاسِبٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّا إذَا أَدْخَلْنَا الَّذِي نَقَصَ فِي التَّقْوِيمِ قَبْلَ الْأَرْشِ وَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي وَانْتَفَعَ الْبَائِعُ فلو قال المشترى لناسبه مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَانَ يَفْسُدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ لِبَقِيَّةِ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا أَنَّ(12/265)
هَذَا الْإِشْكَالَ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعُيُوبِ الْمَنْسُوبَةِ وَقَدْ تَبَيَّنَ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ الْمُرَادَ قِيمَةُ السَّلِيمِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا وَعَلَى ذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ على البائع لانا إذا نسبنا إليها وَأَدْخَلْنَاهَا فِي التَّقْوِيمِ كَثُرَ الْأَرْشُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَعَلَّقُوا بِكَلَامِ الْإِمَامِ تَعَلَّقْنَا بِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ أَصَحُّ لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ قُلْتَ) ذلك لا يلائم قوله كان ما نص فِي يَدِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ (قُلْتُ) سَيَأْتِي تَأْوِيلُهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَوْلُ الْفَارِقِيِّ إنَّا نُوجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَدْرَ ما نقص بفواتها مضمونا إلَى الْأَرْشِ إنَّمَا يَصِحُّ تَخَيُّلُهُ عَلَى بُطْلَانِهِ لَوْ زَالَ بَعْدَ حُدُوثِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ رَأَيْتُ صَاحِبَ الْوَافِي نَقَلَ هَذَا الْجَوَابَ الَّذِي قلته عن شيخ ثُمَّ اعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُفْرَضُ فِيمَا إذَا زَادَتْ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ ثُمَّ ذَهَبَتْ الزِّيَادَةُ (قَالَ) فَالْجَوَابُ صَحِيحٌ أَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ يَمْنَعُ مِنْهُ الْحُكْمُ إذَا فَرَضَهَا كَذَلِكَ وَقَدْ اعْتَذَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْلِيلِ فَقَالَ هَذَا مُشْكِلٌ لَكِنْ أَرَادَ أَنَّ النُّقْصَانَ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ وَقَدْ سقط ضمانه برضى المشترى بقبض المبيع ناقصا فلو فرضنا وَقْتَ الْعَقْدِ أَدَّى إلَى إيجَابِ ضَمَانِ النُّقْصَانِ عَلَى الْبَائِعِ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ عَنَى الْبَائِعَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ ثُمَّ ذَكَرَهُ ظَاهِرًا (قُلْتُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَبَضَهُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ السَّلَامَةِ فَذَلِكَ الْقَدْرُ الزَّائِدُ مِنْهَا قَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ فَلَا يُنْسَبُ الْعَيْبُ إلَّا إلَى الثَّانِي وَهُوَ الْأَقَلُّ وَفِي ذَلِكَ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ وَهَذَا اعْتِذَارٌ عَجِيبٌ فَإِنَّ فِيهِ مُحَافَظَةً عَلَى تَصْحِيحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ
يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ لَكِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَقْتَضِي عَكْسَ الْحُكْمِ فَإِنَّ قِيمَةَ السَّلِيمِ إذَا كَانَتْ مِائَةً يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْمَعِيبِ يَوْمَ الْعَقْدِ تِسْعِينَ وَيَوْمَ الْقَبْضِ ثَمَانِينَ فَعَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ يَنْبَغِي بأن يقوم بأكثر قيمتي المعيب تسعون لِأَنَّ الْعَيْبَ الزَّائِدَ الْمُنْقِصَ لِلْعَشَرَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يُحْسَبْ عَلَى الْبَائِعِ فَيَكُونَ الْأَرْشُ الْعُشْرَ (وَالظَّاهِرُ) من كلامهم أن الارش في هذه الصورة الْخُمُسُ لِأَنَّ الثَّمَانِينَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ أَوْ يَجْهَلَ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ مُنْقِصٌ لِلْقِيمَةِ وَيَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِذَلِكَ الْعَيْبِ ثُمَّ يَحْدُثُ مَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ فَلَهُ الْأَرْشُ عَنْ الْعَيْبَيْنِ جَمِيعًا الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَاَلَّذِي حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَقَالَ) صَاحِبُ الْوَافِي مَعْنَى قَوْلِهِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَيْ يَذْهَبُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَهُوَ نَاقِصٌ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يَبِعْهُ مِنْ أَمْوَالِهِ إذَا لَمْ يَبِعْهُ لَيْسَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي وَرَأَيْتُ فِي تعليقه ابى اسحق الْعِرَاقِيِّ عَلَى الْمُهَذَّبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ غَلَطًا فِي النُّسْخَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ(12/266)
أَحَدٌ ظَنَّ أَنَّ الْبَائِعَ غَلِطَ فَأَصْلَحَهُ عَلَى ظَنِّهِ وَكُلُّ النُّسَخِ فِيهَا الْبَائِعُ وَالْفَارِقِيُّ أَعْرَفُ بِمَا فِي الْمُهَذَّبِ وَقَدْ ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَانْدِفَاعُ الْإِشْكَالِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ رَأَيْتُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ كَانَ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ وَأَظُنُّ ذَلِكَ كُلَّهُ إصْلَاحًا لِمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ وَتَعْلِيلُ الْمَاوَرْدِيُّ قَرِيبٌ مِنْ تَعْلِيلِ المصنف وكذلك أَكْثَرُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَخْتَصَّ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِشْكَالِ إلَّا بِقَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَلِكَ شيخه القاضى ابن الطَّيِّبِ الْإِشْكَالُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَارِدٌ عَلَيْهَا
*
* (فَرْعٌ)
* وَهَذَا الَّذِي قُلْتُهُ وَحَمَلْتُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ إنْ اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُتَعَيَّنُ أَمَّا إذَا اتَّحَدَتْ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْعَيْبِ كَمَا فِي الْقِسْمِ الاول ان كَانَتْ قِيمَتُهُ مَعِيبًا تِسْعَةً عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ نقص نقصانه مَعَ بَقَاءِ قِيمَةِ السَّلِيمِ إنَّمَا تَكُونُ لِعَيْبٍ آخَرَ فَذَلِكَ الْعَيْبُ الْآخَرُ إنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَرَضِيَ بِهِ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَيُنْسَبُ الَّذِي كَانَ حَالَةَ الْعَقْدِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يرضى بِهِ كَانَ الْكُلُّ إلَى الْقَبْضِ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ يُنْسَبُ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْمَعِيبِ مَعَ بَقَاءِ قِيمَةِ السَّلِيمِ
فَذَلِكَ إنْ كَانَ نُقْصَانُ الْعَيْبِ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ بِمَا نَقَصَ لِأَنَّهُ لَوْ زَالَ كُلُّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الرَّدُّ وَلَا الْأَرْشُ فَكَذَلِكَ نقصا فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ هُنَا وَإِنَّ لحصول وَصْفٌ زَائِدٌ فِي الْمَبِيعِ جَبَرَ النُّقْصَانَ الْحَاصِلَ بِالْعَيْبِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ زِيَادَةَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَقَدْ فَرَضْنَا أَنَّ قِيمَتَهُ سَلِيمًا بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا
*
* (فَرْعٌ)
* عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَيَوْمِ الْقَبْضِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَعَلَى عِبَارَةِ الْإِمَامِ (وَقَالَ) النووي في المنهاج أقل قيمته مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فِيمَا بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ أَنْ تُعْتَبَرَ تِلْكَ الْقِيمَةُ النَّاقِصَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ سَوَاءً لِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَةَ حِينَئِذٍ أَقَلُّ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ أَقَلَّ مِنْ الْآخَرِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْهُمَا أَنْ يُقَوَّمَ بِالْمُتَوَسِّطَةِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ وَعِبَارَةُ الْجُمْهُورِ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ وَتَقْتَضِي أَنْ يُقَوَّمَ بِإِحْدَى الْقِيمَتَيْنِ فِي يَوْمِ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمِ الْقَبْضِ إنْ كَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ فَبِإِحْدَاهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَتَا فَبِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَهَذِهِ عَكْسُ الصُّورَةِ الَّتِي فُرِضَ الْكَلَامُ فيهما فيما تقدم عن صاحب الوافى على أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ تَابِعٌ لِلرَّافِعِيِّ فِي عِبَارَتِهِ وَنَبَّهَ فِي دَقَائِقِ الْمِنْهَاجِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ غَيَّرَهَا لِهَذَا الْمَعْنَى وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْمُنْقِصَ إذَا وُجِدَ وَزَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ النُّسْخَةُ صَحِيحَةً فَفِيهِ مُوَافَقَةٌ لِلْمِنْهَاجِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لَكِنَّ قَوْلَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ
*(12/267)
* (فَرْعٌ)
* هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَرْشِ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَفْرُوضٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ إذَا أَرَادَ يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ أَمَّا الْأَرْشُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُشْتَرِي عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ ثُمَّ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الْحَادِثُ وَالْقَدِيمُ وَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَدِيمِ عَشَرَةً وَبِهِ مَعَ الْحَادِثِ تِسْعَةً غَرِمَ دِرْهَمًا وَلَا تُجْعَلُ الْقِيمَةُ فِي هَذَا الْحَالِ مِعْيَارًا (قُلْتُ) وَسَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ
*
* (فَرْعٌ)
* قال ابن أبى عَصْرُونٍ الْمُتَأَخِّرُ فِي مَجْمُوعٍ لَهُ يَتَعَرَّضُ فِي بَعْضِهِ لِأَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ قَالَ (قَوْلُهُ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ قَالَ فَيُقَالُ مَثَلًا قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ بِلَا عَيْبٍ ثَلَاثُونَ وَبِالْعَيْبِ عِشْرُونَ فَيَنْقُصُ
عَشَرَةً وَيُقَالُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ بِلَا عَيْبٍ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَبِالْعَيْبِ عِشْرُونَ فَيَرْجِعُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَزَادَتْ يَوْمَ الْقَبْضِ كَمَا إذَا قُلْنَا سَائِلٌ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ فِي السَّائِلِ وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ يَرْجِعُ بِخَمْسَةٍ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّ المراد نسبتها من الثمن
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ إنَاءً مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفُ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَيَصِيرُ الْأَلْفُ بِدُونِ الْأَلْفِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَيَفْسَخُ الْبَيْعَ وَيَسْتَرْجِعُ الثَّمَنَ ثُمَّ يَغْرَمُ أَرْشَ الْكَسْرِ وَحَكَى أَبُو الْقَاسِمِ الدَّارَكِيُّ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ لِأَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الْفَضْلِ فِي الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فِي غَيْرِ هَذَا وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الثَّمَنَ مَجْهُولًا)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْفَرْعُ مَنْسُوبٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ أَنَّهُ يَفْسَخُ الْمَبِيعَ وَيَرُدُّ الْإِنَاءَ وَيَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ الْحَادِثِ وَلَا يَلْزَمُ الرِّبَا لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الْإِنَاءِ وَالثَّمَنِ وَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَعَيْبِ الْمَأْخُوذِ عَلَى جِهَةِ السَّوْمِ فَعَلَيْهِ غَرَامَتُهُ وَغَرَامَةُ الْأَرْشِ عَنْ الْحَادِثِ هُنَا لَيْسَ كَغَرَامَتِهِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى تَعَذُّرِ أَخْذِ الْأَرْشِ بِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقُصُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَلَى تَعَذُّرِ رَدِّهِ مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِأَنَّ الْمَرْدُودَ يَزِيدُ عَلَى الثمن وكلا الامرين ريا وَلَا يُسْتَشْكَلُ هَذَا التَّقْرِيرُ مَعَ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْرَمُ الْأَرْشَ حَتَّى يَقِفَ عَلَى آخِرِ الْكَلَامِ فِي التَّنْبِيهِ السَّادِسِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ إنَّهُ يَفْسَخُ الْعَقْدَ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ مَعَ أَخْذِ الْأَرْشِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِدُونِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَرُدُّ الْحُلِيَّ عَلَى الْبَائِعِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ مَعَ الْأَرْشِ وَدُونَهُ فَجُعِلَ(12/268)
كَالتَّالِفِ فَيَغْرَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مَعِيبًا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ سَلِيمًا عَنْ الْحَادِثِ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْوَجْهَ وَإِيرَادُ صَاحِبِ الْبَحْرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ أَبْعَدُ الْوُجُوهِ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ تَشْبِيهَهُ بِالْمَأْخُوذِ عَلَى جِهَةِ السَّوْمِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُسْتَامَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ إذَا
نَقَصَ يَلْزَمُ أَرْشُ نُقْصَانِهِ لَا قِيمَةُ جَمِيعِهِ (وَالثَّالِثُ) الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ ثَانِيًا وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالدَّارِكِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ كَسَائِرِ الصُّوَرِ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي الرِّبَوِيِّ إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَالْأَرْشُ حَقٌّ وَجَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَقْدِ السَّابِقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله (واعلم) أن الوجه الاولى وَالثَّانِيَ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَأَنَّهُ يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُهُمَا فِي أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ أَوْ يُمْسِكُ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ وَأَمَّا صَاحِبُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ فَقِيَاسُهُ تَجْوِيزُ الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ أَيْضًا كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ (قُلْتُ) وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَنْ هُوَ الْفَاسِخُ عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا إلَّا عَلَى أَصْلِ الْفَسْخِ وَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا أَخَذَ الْأَرْشَ فَقَدْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ من غير جنس العرض كيلا يَلْزَمَ رِبَا الْفَضْلِ (وَالْأَصَحُّ) وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِمَا لِأَنَّ الْجِنْسَ لَوْ امْتَنَعَ أَخْذُهُ لَامْتَنَعَ أَخْذُ غَيْرِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بيع مال الربا بجنسه مع شئ آخَرَ وَذَلِكَ مِنْ صُوَرِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَأَيْضًا لِأَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ غَلِطَ أبو إسحق الْعِرَاقِيُّ فَجَعَلَ قَوْلَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهًا رَابِعًا وَحَكَاهُ مَعَ وَجْهِ الدَّارَكِيِّ بِعِبَارَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لِاتِّحَادِهِمَا ثُمَّ تَنَبَّهَ لِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِنَاءِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَرَضَهَا فِي إبْرِيقٍ وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقَةِ الَّتِي كَتَبَهَا سُلَيْمٌ عَنْهُ نَقَلَهَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَى إبْرِيقًا فِضَّةً وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ بِإِبْرِيقٍ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَةٌ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَفَرَضَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقَةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي مَصُوغٍ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِيمَا إذَا اشْتَرَى حُلِيًّا وَزْنُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ وَفَرْضُهَا فِي الْحُلِيِّ حَسَنٌ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَأَمَّا فَرْضُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي الْإِنَاءِ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ اتِّخَاذِ أَوَانِي الْفِضَّةِ فَصَحِيحٌ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ اتِّخَاذِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ فَلَا يَكُونُ الكسر عيبا فيها فلا يمتنع الرد والارش كما لو لم يحدث شئ فَلَعَلَّ ابْنَ سُرَيْجٍ فَرَّعَ هَذَا عَلَى جَوَازِ الِاتِّخَاذِ وَأَيْضًا فَذَكَرَ الْكَسْرَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَالْمَقْصُودُ حُدُوثُ عَيْبٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (الثَّانِي) أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ تَمَامَ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ الْإِنَاءِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْإِمَامُ بَلْ سَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَأَنَّهُمَا اكْتَفَيَا بِشُهْرَةِ الْمَسْأَلَةِ وَالْعِلْمِ بِصُورَتِهَا وَالْمُرَادُ إذا(12/269)