وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ كِتَابِ السِّيَرِ وَهُنَاكَ نَبْسُطُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَأَمَّا) اقْتِنَاؤُهُ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ اقْتِنَاءُ الْعَذِرَةِ وَالْمَيْتَةِ وَقَالَ المصنف ومن بايعه لَا يَجُوزُ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ فِي قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ (الثَّالِثَةُ) الْخَمْرُ ضَرْبَانِ مُحْتَرَمَةٌ وَغَيْرُهَا وَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْمُحْتَرَمَةُ يَجُوزُ إمْسَاكُهَا وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ يَحْرُمُ إمْسَاكُهَا وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ وَدَلِيلُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (الرَّابِعَةُ) يُكْرَهُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ وَالْوُقُودُ بِهِ وَتَرْبِيَةُ الزَّرْعِ وَالْبُقُولِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَأَشَارَ الرُّويَانِيُّ إلَى وَجْهٍ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا مَكْرُوهٌ وَسَبَقَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بيان حكم الزرع والبقل النابت مِنْهُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَهُ دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْمَاشِيَةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي جَوَازِ إيجَادِهِ لِحِفْظِ الدُّورِ وَالدُّرُوبِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ إلَّا لِلصَّيْدِ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا هَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي جَوَازِ إيجَادِهِ فِي السَّفَرِ لِلْحِرَاسَةِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَفِي جَوَازِ تَرْبِيَةِ الْجِرْوِ لِلصَّيْدِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُبَاحُ اقْتِنَاءُ الْكَبِيرِ لَهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ
* وَلَوْ أَرَادَ إيجَادَ الْكَلْبِ لِيَصْطَادَ بِهِ إذَا أَرَادَ وَلَا يَصْطَادُ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ لِيَحْفَظَ الزَّرْعَ أو الماشية إذا صارا لَهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ الْكَبِيرِ لِتَعَلُّمِ الصَّيْدِ وغيره وانما الوجهان في الجر
و (أَمَّا) إذَا اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَصْطَادَ بِهِ فِي الْحَالِ وَلَا فِيمَا بعد فظاهر كلام الجمهور القطع بتحريمه وذكر صاجب الشَّامِلِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ حَكَى عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَلْبُ صَيْدٍ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ) (وأصحهما)(9/234)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اقْتِنَاءٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْكِلَابِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ إلَّا كَلْبًا يَصْطَادُ بِهِ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَيْضًا
* (فَرْعٌ)
أَمَّا اقْتِنَاءُ وَلَدِ الْفَهْدِ فَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ كَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَغَيْرِهِمَا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيهِ طَرِيقَيْنِ (الْمَذْهَبُ) الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْكَلِبُ يُقْتَلَانِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ مِنْهَا الْكَلْبُ الْعَقُورُ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ عَقُورًا وَلَا كَلِبًا لم يجر قَتْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَمْ لَا وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ كُلُّهُ منسوخ فلا يحل قتل شئ مِنْهَا الْيَوْمَ لَا الْأَسْوَدُ وَلَا غَيْرُهُ إلَّا الكلب والعقور * قال المصنف رحمه الله
* (وأما النجس بملاقاة النجاسة فهو الاعيان الطاهرة إذا إصابتها نجاسة فينظر فيها فان كان جامدا كالثوب وغيره جاز بيعه لان البيع يتناول الثوب وهو طاهر وإنما جاورته النجاسة وإن كان مائعا نظرت فان كان مما لا يطهر كالخل والدبس لم يجز بيعه لانه نجس لا يمكن تطهيره من النجاسة فلم يجز بيعه كالاعيان النجسة وإن كان ماء ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز بيعه لانه نجس لا يطهر بالغسل فلم يجز بيعه كالخمر
(والثانى)
يجوز بيعه لانه يطهر بالماء فأشبه الثوب
* فان كان دهنا فهل يطهر بالغسل فيه وجهان
(أحدهما)
لا يطهر لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَمْ يطهر كالخل
(والثانى)
يطهر لانه يمكن غسله بالماء فهو كالثوب (فان قلنا) لا يطهر لم يجز بيعه
كالخل (وإن قلنا) يطهر ففى بيعه وجهان كالماء النجس ويجوز استعماله في السراج والاولى أن لا يفعل لما فيه من مباشرة النجاسة)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَمْ يَطْهُرْ كَالْخَلِّ هَذَا تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ لانه(9/235)
يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ طَهَارَةِ الْخَلِّ وَنَحْوِهِ وَالدُّهْنِ إنَّمَا هُوَ لِتَعَذُّرِ الْعَصْرِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ فِي طَهَارَةِ الْمَغْسُولِ مِنْ النَّجَاسَةِ بَلْ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَاءُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مُتَنَجِّسَةً بِعَارِضٍ وَهِيَ جَامِدَةٌ كَالثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ وَالسِّلَاحِ وَالْجُلُودِ وَالْأَوَانِي وَالْأَرْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ جَازَ بَيْعُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فان تستر شئ مِنْ ذَلِكَ بِالنَّجَاسَةِ الْوَارِدَةِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ الطَّاهِرَةُ الْمُتَنَجِّسَةُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ مَائِعَةً فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ وَالدِّبْسِ وَالْعَسَلِ وَالْمَرَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ (وَأَمَّا) الصِّبْغُ النَّجِسُ فَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْخَلِّ ونحوه وشذ المتولي فحكي فِيهِ طَرِيقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ فِي جواز بيعه طريقين كَالزَّيْتِ النَّجِسِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِخِلَافِ الزَّيْتِ عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَإِنَّمَا يَصْبُغُ النَّاسُ بِهِ ثُمَّ يَغْسِلُونَ الثَّوْبَ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَ الشَّاذَّ فِي جَوَازِ بَيْعِ الصِّبْغِ النَّجِسِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْخَلِّ الْمُتَنَجِّسِ قَالَ لِأَنَّهُ يُصْبَغُ بِهِ
* (الثَّالِثَةُ) هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ النَّجِسِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَفِيهِ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ الْجَزْمُ بِبُطْلَانِ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بَلْ يَسْتَحِيلُ بِبُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ مِنْ صِفَةِ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ كَالْخَمْرِ يَتَخَلَّلُ (الرَّابِعَةُ) الدُّهْنُ النَّجِسُ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ نَجِسُ الْعَيْنِ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ (والضرب الثاني) متنجس بالمجاورة كالزيت والسيرج وَالسَّمْنِ وَدُهْنِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا كُلُّهُ هَلْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَطْهُرُ كُلُّهُ (وَالثَّانِي) لَا يَطْهُرُ وَدَلِيلُهُمَا
فِي الْكِتَابِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَطْهُرُ الزَّيْتُ وَنَحْوُهُ وَلَا يَطْهُرُ السَّمْنُ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْوَجْهَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ والصحيح عند الاصحاب أنه لا يطهر شئ مِنْ الْأَدْهَانِ بِالْغَسْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ قَالَ صَاحِبُ الحاوى وهو(9/236)
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَطْهُرُ الْجَمِيعُ بِالْغَسْلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَجْهًا وَاحِدًا (وَإِنْ قُلْنَا) يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ بيعه وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ بَيْعِ الثَّوْبِ النَّجِسِ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا تَخْرِيجٌ بَاطِلٌ وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ (إنْ قُلْنَا) يطهر الدهن بالغسل جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَسْلِ وَجْهًا وَاحِدًا كَالثَّوْبِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُطَهِّرُ فَوَجْهَانِ وَهَذَا التَّرْتِيبُ غَلَطٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَمُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ ولم اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ مُنْفَرِدَانِ به فلا يعتد به ولا يغترن بالله وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ طَرِيقُهُ أَنْ يُرَاقَ الدُّهْنُ فِي قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ وَيُحَرَّكُ أَشَدَّ تَحْرِيكٍ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِاشْتِرَاطِ الْقُلَّتَيْنِ (وَالصَّوَابُ) أَنَّهُ إنْ أَوْرَدَ الدُّهْنَ عَلَى الْمَاءِ اُشْتُرِطَ كَوْنُ الْمَاءِ قُلَّتَيْنِ وَإِنْ أَوْرَدَ الْمَاءَ لَمْ يُشْتَرَطْ كَوْنُهُ قُلَّتَيْنِ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْغَلَبَةُ لِلدُّهْنِ كَمَا فِي غَسْلِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ
* (فَرْعٌ)
مِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِلْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ الْمُتَنَجِّسَ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ الْحَدِيثُ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَسْلِ مَعَ نَهْيِهِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ
* (فَرْعٌ)
نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنْ
الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَذَكَرَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي جَوَازِهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ
(وَالثَّانِي)
تَحْرِيمُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مُلَابَسَتِهِ وَمُلَابَسَةِ دُخَانِهِ وَدُخَانُهُ نَجِسٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ جَارٍ فِي الزَّيْتِ النَّجِسِ وَالسَّمْنِ وَالشَّيْرَجِ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ الْمُتَنَجِّسَةِ بِعَارِضٍ وَفِي ودك(9/237)
الْمَيْتَةِ أَيْضًا (وَالصَّحِيحُ) فِي الْجَمِيعِ جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجُوزُ لُبْسُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ عِنْدِي فَإِنْ كَانَ السِّرَاجُ الَّذِي فِيهِ الدُّهْنُ النَّجِسُ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُلْقِي دُخَانَهُ الْمُتَنَجِّسَ بِهِ فَلَسْتُ أَرَى لِتَحْرِيمِ هَذَا وَجْهًا فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَاسَاتِ لَا يُمْنَعُ وَكَيْفَ يُمْنَعُ مَعَ تَجْوِيزِ تَزْبِيلِ الْأَرْضِ وَتَدْمِيلِهَا بِالْعَذِرَةِ (قَالَ) وَلَعَلَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ نَاشِئٌ مِنْ لُحُوقِ الدُّخَانِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرهُ (أَمَّا) رَمَادُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فَنَجَسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) دُخَانُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ إذَا أُحْرِقَتْ وَقُلْنَا رَمَادُهَا نَجِسٌ فَفِي دُخَانِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَجِسٌ وَبِهِ كَانَ يَقْطَعُ شَيْخِي (وَأَمَّا) الدُّهْنُ النَّجِسِ فِي عَيْنِهِ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ فَفِي دُخَانِهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَأَمَّا) الدُّهْنُ الْمُتَنَجِّسُ بِعَارِضٍ فَدُخَانُهُ أَجْزَاءُ الدُّهْنِ وَمَا وَقَعَ فِيهِ وَنَجَّسَهُ لَا يَخْتَلِطُ بِالدُّخَانِ فَيَظْهَرُ فِي هَذَا الدُّخَانِ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ فَإِنَّ الَّذِي خَالَطَ الدُّهْنَ يَتَخَلَّفُ قَطْعًا وَالدُّخَانُ مَحْضُ أَجْزَاءِ الدُّهْنِ قَالَ وَلَا يُمْنَعُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَطَّرِدَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ وَإِنْ بَعُدَ السِّرَاجُ لِأَنَّ هَذَا مُمَارَسُ نجاسة مع الاسغناء عَنْهَا بِخِلَافِ التَّزْبِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَسُدُّ مَسَدَّهُ شئ فَكَانَ فِي حُكْمِ الضَّرُورَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الزَّيْتِ النَّجِسِ وَالسَّمْنِ النَّجِسِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُمْكِنُ غَسْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ كَالثَّوْبِ النَّجَسِ وَكَمَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ دُونَ السَّمْنِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْكَلْبِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الله إذا حرم على قوم أكل شئ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا
سَبَقَ وَبِحَدِيثِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَإِيضَاحُ طُرُقِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى اللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِهِمَا إذَا وَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الثَّوْبِ أَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الدُّهْنِ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ بِالثَّوْبِ هِيَ اللُّبْسُ وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَالْمَنْفَعَةُ(9/238)
الْمَقْصُودَةُ بِالزَّيْتِ الْأَكْلُ وَهُوَ حَرَامٌ (وَأَمَّا) جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْبَيْعِ كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَيْتَةِ لِلْجَوَارِحِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا (وَأَمَّا) الْوَصِيَّةُ بِهِ فَمَبْنَاهَا عَلَى الرِّفْقِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَلِهَذَا احْتَمَلَتْ أَنْوَاعًا مِنْ الْغَرَرِ (وَأَمَّا) الصَّدَقَةُ فَكَالْوَصِيَّةِ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ إنْ صَحَّحْنَاهَا وَفِيهَا خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا مُتَّصِلًا بِهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أصحابنا لا تجوز هبة الزيت النجس والا التَّصَدُّقُ بِهِ قَالَ وَأَرَادُوا بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ (فَأَمَّا) عَلَى سَبِيلِ نَقْلِ الْيَدِ فَيَجُوزُ كَمَا قُلْنَا فِي الْكَلْبِ هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ بِجَوَازِ نَقْلِ الْيَدِ فَهُوَ كَمَا قال ولا يجئ فِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا تَمَلُّكُهُ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَلْبِ وَأَوْلَى بالجواز * قال المصنف رحمه الله
* (وأما الاعيان الطاهرة فضربان ضرب لا منفعة فيه وضرب فيه منفعة (فأما) ما لا منفعة فيه فهو كالحشرات والسباع التي لا تصلح للاصطياد والطيور التى لا تؤكل ولا تصطاد كالرخمة والحدأة وما لا يؤكل من الغراب فلا يجوز بيعه لان مالا منفعة فيه لا قيمة له فأخذ العوض عنه من أكل المال بالباطل وبذل العوض فيه من السفه)
* (الشَّرْحُ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ شُرُوطَ الْمَبِيعِ خَمْسَةٌ
(أحدهما)
أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ وَهَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ سَبَبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقِلَّةُ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُعَدُّ ما لا قَالُوا وَلَا يُنْظَرُ إلَى حُصُولِ النَّفْعِ بِهِ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَا إلَى مَا قَدْ يُفْرَضُ مِنْ وَضْعِ الْحَبَّةِ فِي فَخٍّ يُصْطَادُ بِهِ لِأَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ لَا تُقْصَدُ قال أصحابنا ولا فَرْقَ فِي هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ زَمَنِ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ هَذِهِ الْحَبَّةِ مِنْ صُبْرَةِ الْغَيْرِ فَإِنْ أَخَذَهَا كَانَ عَاصِيًا وَلَزِمَهُ رَدُّهَا فَإِنْ تلفت فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهَا
إذْ لَا مَالِيَّةَ لَهَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مِثْلِهَا لِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ وَهَذَا الَّذِي ذكرناه من بطلان بيع الحبة مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِقِلَّتِهِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَشَذَّ المتولي(9/239)
فَحَكَى وَجْهًا " ضَعِيفًا " أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَيْسَ بشئ (السَّبَبُ الثَّانِي) الْحَيَّةُ كَالْحَشَرَاتِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْحَيَوَانُ الطَّاهِرُ الْمَمْلُوكُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ قِسْمَانِ (قِسْمٌ) يُنْتَفَعُ بِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالظِّبَاءِ والغزلان والصقور والبراة وَالْفُهُودِ وَالْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ وَالْعُقَابِ وَمَا يُنْتَفَعُ بِلَوْنِهِ كالطاوس أو صوته كالزرزوز وَالْبَبَّغَاءِ وَالْعَنْدَلِيبِ وَكَذَلِكَ الْقِرْدُ وَالْفِيلُ وَالْهِرَّةُ وَدُودُ الْقَزِّ وَالنَّحْلِ فَكُلُّ هَذَا وَشَبَهُهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ النَّحْلِ هُوَ إذَا شَاهَدَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ فَإِنْ لَمْ يُشَاهِدَا جَمِيعَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ الصَّغِيرِ بلا خلاف لانه يؤول إلى المنفعة والله تعالى أَعْلَمُ
* (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الْحَيَوَانِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَذَلِكَ كَالْخَنَافِسِ والعقارب والحيات والديدان والفأر وَالنَّمْلِ وَسَائِرِ الْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا نَظَرَ إلَى مَنَافِعِهَا الْمَعْدُودَةِ مِنْ خَوَاصِّهَا لِأَنَّهَا منافع تافهة
* قال أصحابنا وفى معناها السِّبَاعُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ وَلَا الْقِتَالِ عَلَيْهَا وَلَا تُؤْكَلُ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالدُّبِّ وَأَشْبَاهِهَا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُنْظَرُ إلَى اقْتِنَاءِ الْمُلُوكِ لَهَا لِلْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ
* وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السِّبَاعِ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا بِالدِّبَاغِ مُتَوَقَّعٌ وَضَعَّفُوا هَذَا الْوَجْهَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ وَمَنْفَعَةُ الْجِلْدِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِلْدِ النَّجِسِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ مُمْكِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ النَّمْلِ فِي عَسْكَرِ مُكْرَمٍ وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالْمَشْرِقِ قَالَ لِأَنَّهُ يُعَالَجُ بِهِ السُّكَّرُ وَبِنَصِيبَيْنِ لِأَنَّهُ يُعَالَجُ بِهِ الْعَقَارِبُ الطَّيَّارَةُ
وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْحِدَأَةُ وَالرَّخَمَةُ وَالنَّعَامَةُ وَالْغُرَابُ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ كَانَ فِي أَجْنِحَةِ بَعْضِهَا فَائِدَةٌ جَاءَ فِيهَا الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي بَيْعِ السِّبَاعِ لِجُلُودِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْكَارًا عَلَى الْإِمَامِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ الْجُلُودَ تُدْبَغُ وَلَا سبيل(9/240)
إلَى تَطْهِيرِ الْأَجْنِحَةِ (قُلْتُ) وَجْهُ الْجَوَازِ عَلَى ضَعْفِهِ الِانْتِفَاعُ بِرِيشِهَا فِي النَّبْلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي النَّبْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْيَابِسَاتِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْعَلَقُ وَهُوَ هَذَا الدُّودُ الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْمَاءِ وَعَادَتُهُ أَنْ يُلْقَى عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ غَلَبَةُ الدَّمِ فَيَمُصُّ دَمَهُ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَآخَرُونَ يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا مَقْصُودًا وَهُوَ امْتِصَاصُهُ الدَّمَ مِنْ الْعُضْوِ الْمُتَأَلِّمِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي (أصحهما) يجوز
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُؤْذٍ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْعَبْدِ الزَّمِنِ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ لِلْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى عِتْقِهِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْحِمَارُ الزَّمِنُ وَالْبَغْلُ الزَّمِنُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَهُوَ الْوَجْهُ السَّابِقُ في بيع السباع التى لا تصطاد
*
* قال المصنف رحمه الله
* (واختلف أصحابنا في بيع دار لا طريق لها أو بيع بيت من دار لا طريق إليه فمنهم من قال لا يصح لانه لا يمكن الانتفاع به فلم يصح بيعه ومنهم من قال يصح لانه يمكن أن يحصل له طريق فينتفع به فيصح بيعه)
* (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ الْبَيْعِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ لَوْ بَاعَ أَرْضًا مُعَيَّنَةً مَحْفُوفَةً بِمِلْكِ الْبَائِعِ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ فَإِنْ شَرَطَ لِلْمُشْتَرِي حَقَّ الْمَمَرِّ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِالْمَمَرِّ وَإِنْ شَرَطَ الْمَمَرَّ مِنْ جَانِبٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ الْبَيْعُ
فَإِنْ قَالَ بِعْتُهَا بِحُقُوقِهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْمَمَرِّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَمَا كَانَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِنْ أَطْلَقَ بَيْعَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَمَرِّ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْمَمَرَّ فَعَلَى هَذَا هُوَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْمَمَرِّ وَفِيهِ وجهان (أصحهما)(9/241)
بُطْلَانُ الْبَيْعِ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَمَرِّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَمَرٍّ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا قَالُوا وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْمَبِيعَةُ مُلَاصِقَةً لِلشَّارِعِ صَحَّ الْبَيْعُ وَمَرَّ الْبَائِعُ إلَيْهَا مِنْ الشَّارِعِ وَلَيْسَ لَهُ سُلُوكُ مِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِهَا الدُّخُولُ مِنْ الشَّارِعِ فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ مُلَاصِقَةً مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ الْمُرُورُ فِيمَا بَقِيَ لِلْبَائِعِ بَلْ يَدْخُلُ الْمُشْتَرِي مِنْ مِلْكِهِ الْقَدِيمِ الْمُلَاصِقِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ احْتِمَالًا قَالَ وَالصُّورَةُ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ الْبَيْعَ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا فَلَهُ الْمَمَرُّ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ (أَمَّا) إذَا بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا فَلَهُ الْمَمَرُّ لِأَنَّ الْمَمَرَّ كَانَ ثَابِتًا فَبَقِيَ فَإِنْ شَرَطَ نَفْيَ الْمَمَرِّ نُظِرَ إنْ أَمْكَنَ إيجَادُ مَمَرٍّ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قطع بعضهم كمن ذراعا من ثوب تنقص قيمته بقطعه * قال المصنف رحمه الله
* (وأما ما فيه منفعة فلا يجوز بيع الحرمنه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (قال ربكم ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطابي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إلَّا قَوْلَهُ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَوَاهَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ ضعيف ومعنى أعطابى عَاهَدَ إنْسَانًا بِي وَبَيْعُ الْحُرِّ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع أم الولد لما روي ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (نهى عن بيع أمهات الاولاد ولانه استقر لها حق الحرية وفى بيعها إبطال ذلك فلم يجز)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (1) أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا هِبَتُهَا وَلَا
رَهْنُهَا وَلَا الْوَصِيَّةُ بِهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ مَثَّلَ الْقَوْلَ فِي بَيْعِهَا فِي الْقَدِيمِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ اخْتِلَافُ قَوْلٍ وَإِنَّمَا مَثَّلَ القول أشارة إلى مذهب
__________
(1) بياض بالاصل(9/242)
غيره وقال كثيرون من الخراسانيون لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَعَلَى هَذَا الْقَدِيمِ هل يعتق بِمَوْتِ السَّيِّدِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا وَبِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَالْمُدَبَّرِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَعْتِقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعْتِقَ مِنْ الثُّلُثِ قُلْتُ الْأَقْوَى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِتَأَكُّدِ حَقِّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فَقَضَى قَاضٍ بِجَوَازِهِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ فِي نَقْضِ قَضَائِهِ وَجْهَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يُنْقَضُ وَجْهًا وَاحِدًا وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ وَلَمْ يُحْكَ غَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْآنَ وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ خِلَافٍ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ فَقَدْ ارْتَفَعَ وَصَارَ الْآنَ مُجْمَعًا عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد جَوَازَ بَيْعِهَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ الْآنَ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَدُّوا بِخِلَافِ دَاوُد وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَلَا خِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُمْ نَفَوْا الْقِيَاسَ وَشَرْطُ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْقِيَاسِ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ أَيْضًا بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَلَكِنَّ الشِّيعَةَ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَالْمُعْتَمَدُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ) وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهَا وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الْخِلَافِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَحِينَئِذٍ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الثَّابِتِ عَنْ عُمَرَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى نَسْخِ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ (مِنْهَا) حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ (بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا) رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وفى رواية (قال كنا نبيع سرارينا أمهات أولاد وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ بَيْعَهَا كَانَ مُبَاحًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ النَّهْيُ(9/243)
إلَى زَمَنِ عُمَرَ فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ النَّهْيُ نهاهم والله سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله (ويجوز بيع المدبر لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رجلا دبر غلاما له ليس له مال غيره فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يشتريه منى فاشتراه نعيم)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أعتق غلاما له عن دين لَمْ يَكُنْ لَهُ غُلَامٌ غَيْرَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عبد الله كان عبدا قبطيامات عَامَ أَوَّلَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فِي وِلَايَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ الْمُدَبَّرَ (قَوْلُهُ) نُعَيْمٌ هُوَ - بِضَمِّ النُّونِ - (وَقَوْلُهُ) النَّحَّامُ - هُوَ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ نُعَيْمٌ فَقَطْ وَفِي بَعْضِهَا نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ نُعَيْمٌ النَّحَّامُ فَالنَّحَّامُ هُوَ نُعَيْمٌ وَمَعْنَى النَّحَّامِ السَّعَّالُ وَهُوَ الَّذِي يَسْعُلُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ سَمِعْتُ نَحْمَتَكَ فِي الْجَنَّة أَيْ سُعْلَتَكَ وَقِيلَ هِيَ النَّحْنَحَةُ وَكُلُّ هَذَا صِفَةٌ لِنُعَيْمٍ لَا لِأَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَسْلَمَ نُعَيْمٌ قَدِيمًا بَعْدَ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ وقيل ثمانية وثلاثين وكان جواد أو استشهد يَوْمَ أَجْنَادِينَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَاسْمُ هَذَا الْغُلَامِ الْمُدَبَّرِ يَعْقُوبُ وَاسْمُ سَيِّدِهِ مُدَبِّرِهِ أَبُو مدكور وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا جَوَازُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى ثَمَنِهِ أم لا وسواء كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا هَذَا مَذْهَبُنَا وبه قالت عائشة أم المؤمنين ومجاهد وطاووس وعمر بن عبد العزيز وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ يَجُوزُ إذَا احْتَاجَ إلَى ثَمَنِهِ سَيِّدُهُ وَقَالَ أبو حنيفة ان كَانَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَقُولَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ جَازَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ
مُطْلَقًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الحجاز والشام(9/244)
وَالْكُوفَةِ
* وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بيعه بالاجماع والله سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز بيع المعتق بصفة لانه ثبت له العتق بقول السيد وحده فجاز بيعه كالمدبر وفى المكاتب قولان (قال) في القديم يجوز بيعه لان عتقه غير مستقر فلا يمنع من البيع وقال في الجديد لا يجوز لانه كالخارج من ملكه ولهذا لا يرجع أرش الجناية عليه إليه فلم يملك بيعه كما لو باعه
* ولا يجوز بيع الوقف لما روى ابن عمر رضى الله عنه قال أصاب عمر رضى الله عنه أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها قال فتصدق بها عمر صدقة لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) ثَبَتَ لَهُ الْعِتْقُ بِقَوْلِ السَّيِّدِ احْتِرَازٌ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ (وَقَوْلُهُ) وَحْدَهُ احْتِرَازٌ من المكاتب وفى الفصل ثلاث مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) بَيْعُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا قَاسَهُ عَلَى الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ النَّصَّ ثَبَتَ فِي الْمُدَبَّرِ وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصِّفَةُ مُحَقَّقَةَ الْوُجُودِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ مُحْتَمَلَةً كَدُخُولِ الدَّارِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) بَيْعُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ (الثَّالِثَةُ) فِي بَيْعِ السَّيِّدِ رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ بُطْلَانُهُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِي الْهِبَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ فَأَدَّى الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ إلَى الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَعْتِقُ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ بَاعَ السيد النجوم التى على الكاتب وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ
فَأَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ إلَى الْمُشْتَرِي وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصَّانِ (نَصٌّ) فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِدَفْعِهَا إلَى الْمُشْتَرِي (وَنَصٌّ) فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ(9/245)
(أَحَدُهُمَا) يَعْتِقُ لِأَنَّ السَّيِّدَ سُلْطَةٌ عَلَى الْقَبْضِ فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ زَاعِمًا أَنَّهُ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ في يدء ضمنه بخلاف الوكيل وقال أبو إسحق المروزى النصان على حالين فَإِنْ قَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ خُذْهَا مِنْهُ أَوْ قَالَ لِلْمُكَاتَبِ ادْفَعْهَا إلَيْهِ صَارَ وَكِيلًا وَعَتَقَ بِقَبْضِهِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ فَلَا وَقِيلَ إن أبا اسحق عَرَضَ هَذَا الْفَرْقَ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ فَلَمْ يَرْتَضِهِ وَلَمْ يَعْبَأْ بِهِ وَقَالَ هُوَ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْإِذْنِ فَإِنَّمَا يَأْذَنُ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ لَا الْوَكَالَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَعْتِقُ فَمَا يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي يُسَلِّمُهُ إلَى السَّيِّدِ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَوَكِيلِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَعْتِقُ طَالَبَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ بِالنُّجُومِ وَاسْتَرَدَّهَا الْمُكَاتَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَالَ أَصْحَابُنَا (وَإِذَا قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ إنَّ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ فَاسْتَخْدَمَهُ الْمُشْتَرِي مُدَّةً لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُكَاتَبِ وَهَلْ عَلَى السَّيِّدِ أن يمهله قدر المدة التى كان فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِيمَا إذا استخدمه السيد أبوحبسه وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (أَمَّا إذَا قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ وَإِنَّ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ صَحِيحٌ فَفِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَبْقَى وَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي مَكَانُهَا فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ النُّجُومَ عَتَقَ وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُشْتَرِي جَمْعًا بَيْنَ الْحُقُوقِ
(وَالثَّانِي)
يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ وَيَكُونُ انْتِقَالُهُ بِالشَّرْيِ كَانْتِقَالِهِ بِالْإِرْثِ (وَالثَّالِثُ) تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ فَيَنْتَقِلُ غَيْرَ مُكَاتَبٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَعْتِقْ مُكَاتَبَكَ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ أَوْ مَجَّانًا فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ الْعِتْقُ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ وَيَكُونُ ذلك افتداء منه كاخلاع الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَكَ وَسَتَأْتِي المسألة مبسوطة مع نظائرها فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ عَقِيبَ كِتَابِ الظِّهَارِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْأَمْوَالِ كَمَا لَا يُعْتِقُ عَبِيدَهُ
وَلَا يُزَوِّجُ إمَاءَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ العين الموقوفة
* ذكرنا ان مذهبنا بطلان بيعها سواء(9/246)
حكم بصحته حاكم اولا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أبا حنيفة فقال يجوز بيعه ما لم يحكم بصحته حاكم
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي بَيْعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ (أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا باذن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مسلم مِنْ طُرُقٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِلْمَنْعِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ بِأَنَّهَا رَضِيَتْ هِيَ وَأَهْلَهَا بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ بَاعُوهَا
* (فَرْعٌ)
ضَبَطُوا مَا بِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ فَكُلُّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ الْمَآلِ لَيْسَ بِحُرٍّ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَاحْتَرَزُوا بِالطَّاهِرِ عَنْ النَّجِسِ وَبِالْمَنْفَعَةِ عَنْ الْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا وَالْحِمَارِ الزمن والسباع وبالمال عن الجحش الصَّغِيرِ وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْهُونِ وَالْمَوْقُوفِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْجَانِي وَقَوْلُهُمْ لَازِمٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ والموصى به * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز بيع ما سوى ذلك من الاعيان المنتفع بها من المأكول والمشروب والملبوس والمشموم وما ينتفع به من الحيوان بالركوب والاكل والدر والنسل والصيد والصوف وما يقتنيه الناس من العبيد والجوارى والاراضي والعقار لاتفاق أهل المصار في جميع الاعصار على بيعها من غير انكار ولا فرق فيها بين ما كان في الحرم من الدور وغيره لما رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أمر نافع بن عبد الحرث أن يشتري دارا بمكة للسجن من صفوان بن أمية فاشتراها باربعة آلاف درهم ولانه أرض حية لم يرد عليها صدقة مؤبدة فجاز بيعها كغير الحرم)
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ مَشْهُورٌ رَوَاهُ البيهقى وغيره ونافع هذا صحابي هكذا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَأَنْكَرَ الْوَاقِدِيُّ صُحْبَتَهُ وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ صُحْبَتُهُ وَهُوَ خُزَاعِيٌّ أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وأقام بمكة(9/247)
وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ بْنُ الخطاب على مكة والطائف وفيها سَادَاتُ قُرَيْشٍ وَثَقِيفٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَهُوَ أَبُو وَهْبٍ وَقِيلَ أَبُو أُمَيَّةَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خُزَامَةَ بْنِ جُمَحٍ الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ أَسْلَمَ بَعْدَ شُهُودِهِ حُنَيْنًا كَافِرًا وَكَانَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ وَشَهْدَ الْيَرْمُوكَ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَقِيلَ عَامَ الْجَمَلِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ أَرْضٌ حَيَّةٌ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْبَيْعِ (وَقَوْلُهُ) أَرْضٌ حَيَّةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَوَاتِ (وَقَوْلُهُ) لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّ الْأَعْيَانَ الطَّاهِرَةَ الْمُنْتَفَعَ بِهَا الَّتِي لَيْسَتْ حُرًّا وَلَا مَوْقُوفًا وَلَا أُمَّ وَلَدٍ وَلَا مُكَاتَبَةً وَلَا مَرْهُونًا وَلَا غَائِبًا وَلَا مُسْتَأْجَرَةً يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ وَالْمَلْبُوسُ وَالْمَشْمُومُ وَالْحَيَوَانُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ بِرُكُوبِهِ أو دره ونسله أو صوفه كَالْعَنْدَلِيبِ وَالْبَبَّغَاءِ أَوْ بِحِرَاسَتِهِ كَالْقِرْدِ أَوْ بِرُكُوبِهِ كالفيل أو بامتصامة الدَّمَ وَهُوَ الْعَلَقُ وَفِي مَعْنَاهُ دُودُ الْقَزِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فَكُلُّ هَذَا يصح بيعه (الثانية) يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ إجَارَتُهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِأَصْحَابِهَا يَتَوَارَثُونَهَا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى الْمِلْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ وَإِجَارَتِهَا وَرَهْنِهَا مَذْهَبُنَا جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يجوز شئ مِنْ ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ صُلْحًا أَمْ عَنْوَةً فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا فَتَبْقَى عَلَى مِلْكِ أَصْحَابِهَا فَتُورَثُ وَتُبَاعُ وَتُكْرَى وَتُرْهَنُ وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ عنوة فلا يجوز شئ مِنْ ذَلِكَ
* وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
(وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ والباد) قالوا وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحرام) أي من بيت خديجة بقوله تَعَالَى (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة الذي حرمها) قالوا أو المحرم لا يجوز بيعه وبحديث اسماعيل(9/248)
ابن ابراهيم بن مهاجر عن أبيه عبد الله بن يابان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مكه مباح لا تباع وَلَا تُؤَجَّرُ بُيُوتُهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
* وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضى عنها قالت (قلت يارسول اللَّهِ أَلَا نَبْنِي لَكَ بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يَظِلُّكَ مِنْ الشَّمْسِ قَالَ لَا إنَّمَا هُوَ مُبَاحٌ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
* وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ حَرَامٌ وَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَحَرَامٌ أَجْرُ بُيُوتِهَا) وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ قَالَ (كَانَتْ بُيُوتُ مَكَّةَ تُدْعَى السَّوَائِبَ لَمْ تُبَعْ رِبَاعُهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم وَلَا أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ مِنْ احْتَاجَ سَكَنَ وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ مِنًى مُبَاحٌ لِمَنْ سَبَقَ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي بَابِ الدَّفْنِ قَالُوا وَلِأَنَّهَا بُقْعَةٌ مِنْ الْحَرَمِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا كَنَفْسِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِمَذْهَبِنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي الْمِلْكَ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ تَكُونُ الْإِضَافَةُ لِلْيَدِ وَالسُّكْنَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَقَرْنَ فِي بيوتكن) (فَالْجَوَابُ) أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِضَافَةِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَلِهَذَا لو قال هذا الدَّارُ لِزَيْدٍ حُكِمَ بِمِلْكِهَا لِزَيْدٍ وَلَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِهِ السُّكْنَى وَالْيَدَ لَمْ يُقْبَلْ
* وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ (أين ننزل من دارك في مكة فقال وهل تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صحيحهما قَالَ أَصْحَابُنَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إرْثِ دُورِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ (فَجَاءَ أبو سفيان فقال يارسول الله أبيدت حضراء قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِالْأَثَرِ الْمَشْهُورِ فِي سُنَنِ البيهقى وغيره (أن نافع
ابن عبد الحرث اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارَ السِّجْنِ لعمر بن الخطاب رضى الله عنه باربع مائة وفى رواية باربعة آلاف) وروى الزبيربن بكار وغيره (أن حكيم بن حرام باع دار الندوة بمكة
__________
(1) كذا بالاصل(9/249)
مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَا أَبَا خَالِدٍ بِعْتَ مَأْثُرَةَ قُرَيْشٍ وَكَرِيمَتِهَا فَقَالَ هَيْهَاتَ ذَهَبَتْ الْمَكَارِمُ فَلَا مَكْرُمَةَ الْيَوْمَ إلَّا الْإِسْلَامُ فَقَالَ اشْهَدُوا أَنَّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْنِي الدَّرَاهِمَ) وَمِنْ الْقِيَاسِ أَنَّهَا أَرْضٌ حَيَّةٌ لَيْسَتْ مَوْقُوفَةً فَجَازَ بَيْعُهَا كَغَيْرِهَا
* وَرَوَى البيهقي بأسناد عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ قَالَ (رَأَيْتُ الشافعي بمكة يفتى الناس ورأيت اسحق بْنَ رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ حَاضِرَيْنِ فَقَالَ أحمد لاسحق تَعَالَ حَتَّى أُرِيَكَ رَجُلًا لَمْ تَرَ عَيْنَاكَ مثله فقال اسحق لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهُ فَقَالَ نَعَمْ فَجَاءَ بِهِ فَوَقَفَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ إلَى أن قال ثم تقدم اسحق إلَى مَجْلِسِ الشَّافِعِيِّ فَسَأَلَهُ عَنْ كِرَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ عِنْدَنَا جَائِزٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَلْ ترك لنا عقيل من دار فقال اسحق حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى ذَلِكَ وَعَطَاءٌ وَطَاوُوسٌ لَمْ يَكُونَا يَرَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِبَعْضِ مَنْ عَرَفَهُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ الْحَنْظَلِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ أنت الذى يزعم أهل خراسان أنك فقيهم قال اسحق هَكَذَا يَزْعُمُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا أَحْوَجَنِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُكَ فِي مَوْضِعِكَ فَكُنْتُ آمُرُ بِفِرَاكِ أُذُنَيْهِ أَنَا أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت تقول قال طاووس والحسن وابراهيم هؤلاء يَرَوْنَ ذَلِكَ وَهَلْ لِأَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْفُقَرَاءِ المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم أَفَتُنْسَبُ الدِّيَارُ إلَى مَالِكِينَ أَوْ غَيْرِ مَالِكِينَ فقال اسحق إلَى مَالِكِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَوْلُ اللَّهِ أَصْدَقُ الْأَقَاوِيلِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَقَدْ اشْتَرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَارَ الْحَجَّامِينَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ لَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال له اسحق سواء العاكف فيه والباد فَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَالْمُرَادُ الْمَسْجِدُ خَاصَّةً وَهُوَ الَّذِي حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَزْعُمُ لَكَانَ لَا يَجُوزُ
لاحد أن ينشد في دور مكة وفجاج ضَالَّةً وَلَا يَنْحَرَ فِيهَا اُلْبُدْنَ وَلَا يُلْقِيَ فِيهَا الْأَرْوَاثَ وَلَكِنْ هَذَا فِي الْمَسْجِدِ خَاصَّةً فسكت اسحق وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَسَكَتَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ) (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عن أدلتهم فالجواب عن قوله سواء العاكف فيه والباد سَبَقَ الْآنَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (وَأَمَّا) قَوْله تعالى (هذه البلدة الذي(9/250)
حرمها فَمَعْنَاهُ حَرَّمَ صَيْدَهَا وَشَجَرَهَا وَخَلَاهَا وَالْقِتَالَ فِيهَا كَمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاحاديث الصحيحة ولم يذكر شئ مِنْهَا مَعَ كَثْرَتِهَا فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ دورها (وأما) حديث اسمعيل بن ابراهيم ابن مُهَاجِرٍ عَنْ أَبِيهِ فَضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَاتَّفَقُوا علي تضعيف اسمعيل وَأَبِيهِ إبْرَاهِيمَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنْ صَحَّ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْمَوَاتِ مِنْ الْحَرَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ فَضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
ضَعْفُ إسْنَادِهِ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي زِيَادٍ هَذَا ضَعِيفٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الصَّوَابَ فِيهِ عِنْدَ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ موقوف علي عبد الله بن عمر وَقَالُوا رَفْعُهُ وَهْمٌ هَكَذَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ
(وَالثَّانِي)
جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضًا وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ عَادَتِهِمْ فِي إسْكَانِهِمْ مَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُ مِنْ بُيُوتِهِمْ بِالْإِعَارَةِ تبرعا وجود أو قد أَخْبَرَ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِشَأْنِ مَكَّةَ مِنْهُ بِأَنَّهُ جَرَى الْإِرْثُ وَالْبَيْعُ فِيهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ (منا مباح من سَبَقَ) فَمَحْمُولٌ عَلَى مَوَاتِهَا وَمَوَاضِعِ نُزُولِ الْحَجِيجِ مِنْهَا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى نَفْسِ الْمَسْجِدِ فَمَرْدُودٌ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ مُحَرَّمَةٌ مُحَرَّرَةٌ لَا تُلْحَقُ بِهَا الْمَنَازِلُ الْمَسْكُونَةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهَا وَلِهَذَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ يَجُوزُ بَيْعُ الدُّورِ دُونَ الْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ بَيْعِ الْكِلَابِ لا يكره بيع شئ مِنْ الْمِلْكِ الطَّلْقِ إلَّا أَرْضَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا لِلْخِلَافِ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ غَرِيبٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا نَهْيٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ
دُورِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَرَمِ هُوَ في بيع الْأَرْضِ (فَأَمَّا) الْبِنَاءُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز بيع المصاحف وكتب الادب لما روى عن عباس رضى الله عنه (أنه سئل(9/251)
عن بيع المصاحف فقال لا بأس يأخذون أجور أيديهم ولانه طاهر منتفع به فهو كسائر الاموال)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَشِرَائِهِ وَإِجَارَتِهِ وَنَسْخِهِ بِالْأُجْرَةِ ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ وَالدَّارِمِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ الرُّويَانِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ بَيْعَهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ قَطَعَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَالصَّيْمَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِيضَاحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ يُكْرَهُ بَيْعُهُ قَالَ وَقِيلَ يُكْرَهُ الْبَيْعُ دُونَ الشِّرَاءِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ شَرْيَ الْمُصْحَفِ وَبَيْعَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ بِهَذَا بَلْ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ قَالَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَرَى بَأْسًا بِالشِّرَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَنَحْنُ نكره بيعها وقال ابن المنذر في الاشرف اخْتَلَفُوا فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ وَبَيْعِهِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ شَدَّدَ فِي بَيْعِهِ وَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّ الْأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ قَالَ وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ كَرَاهَةَ ذَلِكَ قَالَ وَكَرِهَ بَيْعَهَا وَشِرَاءَهَا عَلْقَمَةُ وَابْنُ سيرين والنخعي وسريج وَمَسْرُوقٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَرَخَّصَ جَمَاعَةٌ فِي شِرَائِهَا وَكَرِهُوا بَيْعَهَا رُوِّينَا هَذَا عَنْ ابن عباس وسعيد بن جبير وإسحق
* وَقَالَ أَحْمَدُ الشَّرْيُ أَهْوَنُ وَمَا أَعْلَمُ فِي الْبَيْعِ رُخْصَةً قَالَ وَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَكَمُ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ باسناده عن ابن عباس ومروان ابن الْحَكَمِ أَنَّهُمَا سُئِلَا عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ لِلتِّجَارَةِ فقالا لا نرى ان تجعله متجرا ولكن ما علمت بِيَدَيْكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ
* وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمُصْحَفِ وَشِرَائِهِ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (اشْتَرِ الْمُصْحَفَ وَلَا تَبِعْهُ) وَبِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (اشْتَرِهِ وَلَا تَبِعْهُ) وَعَنْ عُمَرَ
أَنَّهُ قَالَ (كَانَ يَمُرُّ بِأَصْحَابِ الْمَصَاحِفِ فَيَقُولُ نئس التِّجَارَةُ) وَبِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ التَّابِعِيِّ الْمُجْمَعِ عَلَى جَلَالَتِهِ وَتَوْثِيقِهِ قَالَ (كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ عَلَى وَجْهِ التَّنْزِيهِ تَعْظِيمًا لِلْمُصْحَفِ عَنْ أَنْ يبتذل بِالْبَيْعِ أَوْ يُجْعَلَ مُتَّجَرًا قَالَ(9/252)
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ التَّرْخِيصُ فِيهِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ اشْتَرِ الْمُصْحَفَ وَلَا تَبِعْهُ إنْ صَحَّ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَالْأَدَبِ وَالشِّعْرِ الْمُبَاحِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ وَكُتُبِ الطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كُتُبِ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ بَلْ يَجِبُ إتْلَافُهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ السِّيَرِ وَهَكَذَا كُتُبُ التَّنْجِيمِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالْفَلْسَفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ الْبَاطِلَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (واختلف اصحابنا في بيع بَيْضُ دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضُ مَا لَا يُؤْكَلُ لحمه من الطيور التى يجوز بيعها كالصقر والبازي فمنهم من قال هو طاهر ومنهم من قال هو نجس بناء على الوجهين في طهارة مني ما لا يؤكل لحمه ونجاسته (فان قلنا) ان ذلك طاهر جاز بيعه لانه طاهر منتفع به فهو كبيض الدجاج (وان قلنا) انه نجس لم يجز بيعه لانه عين نجسة فلم يجز بيعه كالكلب والخنزير)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ دُودِ الْقَزِّ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَهُوَ كَالْعُصْفُورِ وَالنَّحْلِ وَغَيْرِهِمَا (وَأَمَّا) بَيْضُ دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ الْبَيْعِ (وَالثَّانِي) بُطْلَانُهُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَفِيهَا وجهان كمني ما لا يؤكل فيه وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ طَهَارَتُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الطُّيُورِ الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا فَزِيَادَةٌ لَا تُعْرَفُ لِلْأَصْحَابِ بَلْ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالرَّخَمَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْجَمِيعِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُ بَيْعِهِ لِأَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَلَى طَهَارَةِ هَذَا الْبَيْضِ وَنَجَاسَتِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ شَامِلٌ لِمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَحَكَى الْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا يجوز بيع دود القولا بَيْضِهِ
*
(فُرُوعٌ فِي مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ)(9/253)
(فَرْعٌ)
بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ جَائِزٌ عِنْدَنَا لَا كراهة فيه هذا المذهب وقطع به الاصحاب الا الماوردى والساشى وَالرُّويَانِيَّ فَحَكَوْا وَجْهًا شَاذًّا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنَّمَا يُرَبَّى بِهِ الصَّغِيرُ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَالصَّوَابُ جَوَازُ بَيْعِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قال ولا نص للشافعي في المسألة هذا مذهبنا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وعن أحمد روايتان كالمذهبين
* وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ وَبِأَنَّهُ فَضْلَةُ آدَمِيٍّ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ وَبِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُتَّصِلًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَصِلًا كَشَعْرِ الْآدَمِيِّ ولانه لا يؤكل لحمها فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِهَا كَالْأَتَانِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بأنه لبن طاهر منتفع به فجار بَيْعُهُ كَلَبَنِ الشَّاةِ وَلِأَنَّهُ غِذَاءٌ لِلْآدَمِيِّ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْخُبْزِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا مُنْتَقَضٌ بِدَمِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ غِذَاءٌ لِلْجَنِينِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يَتَغَذَّى الْجَنِينُ بِدَمِ الْحَيْضِ بَلْ يُولَدُ وَفَمُهُ مَسْدُودٌ لَا طريق فيه لجريان الدم وعلى وجه الْمَشِيمَةُ وَلِهَذَا أَجِنَّةُ الْبَهَائِمِ تَعِيشُ فِي الْبُطُونِ وَلَا حَيْضَ لَهَا وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ فَجَازَ بَيْعُهُ كَلَبَنِ الشَّاةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِالْعَرَقِ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ بَلْ يَحِلُّ شُرْبُهُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ بَيْعِهِ فِي الْعَادَةِ أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ بَيْضِ الْعَصَافِيرِ وَبَيْعُ الطِّحَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَعَنْ الْبَيْضِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَعَنْ لَبَنِ الْأَتَانِ بأنه نجس بخلاف لبن الْآدَمِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيْعِ الْقَيْنَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَهِيَ الْجَارِيَةُ الْمُغَنِّيَةُ فَإِذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا بِغَيْرِ غِنَاءٍ وَأَلْفَيْنِ مَعَ الْغِنَاءِ فَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفٍ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذكرها إمام الحرمين وغيره (اصحها) يَصِحُّ بَيْعُهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَزْدِيُّ لِأَنَّهَا عَيْنٌ طَاهِرَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا فَجَازَ بَيْعُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَحْمُودِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا
لِأَنَّ الْأَلْفَ تَصِيرُ فِي مَعْنَى الْمُقَابِلِ لِلْغِنَاءِ (وَالثَّالِثُ) إنْ قَصْدَ الْغِنَاءَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فلا قال الشيخ(9/254)
أبو زيد المروزى
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقِيَاسُ السَّدِيدُ هُوَ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ ذَكَرَهُ فِي فُرُوعٍ مَبْتُورَةٍ عِنْدَ كِتَابِ الصَّدَاقِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بن زيد عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ) وَفِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) رَوَاهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَسَائِرُ الْحُفَّاظِ قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ هُوَ ثِقَةً وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ وَقَالَ يَعْقُوبُ بن شَيْبَةَ هُوَ وَاهِي الْحَدِيثِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ تَكَلَّمَ فِيهِ بعض أهل العلم في على بن يزيد وَضَعَّفَهُ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ يَعْنِي مِنْ كِتَابِ الْعِلَلِ لَهُ قَالَ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ عَائِشَةَ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَخَلَطَ فِيهِ لَيْثٌ
* (فرع)
الكبش المتخذ للنطاح والديك المتخذ للهراس بينه وبين أم حُكْمُهُ فِي الْبَيْعِ حُكْمُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ فَإِنْ بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ سَاذَجًا جَازَ وَإِنْ زَادَ بِسَبَبِ النطاح والهراس فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ (أَصَحُّهَا) صِحَّةُ بَيْعِهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ فِي بَيْعِ الْقَيْنَةِ وَالْكَبْشِ الَّذِي يَصْلُحُ لِلنِّطَاحِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْوَسِيطِ وَكَأَنَّهُ نَوَى أَنْ يَذْكُرَهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ شَيْخُهُ إمَامُ الحرمين عند كتاب الصداق ثم نسبه حِينَ وَصَلَهُ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ إنَاءِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ صَحِيحٌ قَطْعًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَيْنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَسَتَأْتِي تَعَارِيفُهُ إنْ شَاءَ(9/255)
الله تعالى في احياء الموات فإذا أصححنا بَيْعَ الْمَاءِ فَفِي بَيْعِهِ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ النَّهْرِ وَبَيْعِ التراب في الصحراء وبيع النجارة بين الشعاب الكبيرة الاحجار وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ جَمِيعُ شَرَائِطِ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ لِكَثْرَتِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ (الثاني) بُطْلَانُهُ لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ فِيهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ سَفَهٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا السُّمُّ إنْ كَانَ يَقْتُلُ كَثِيرُهُ وَيَنْفَعُ قَلِيلُهُ كَالسَّقَمُونْيَا وَالْأَفْيُونِ جَازَ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَتَلَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ بَيْعِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَمَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَالِدُهُ إلَى الْجَوَازِ لِيُدَسَّ فِي طَعَامِ الْكَافِرِ
* (فَرْعٌ)
آلَاتُ الْمَلَاهِي كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَغَيْرِهِمَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تُعَدُّ بَعْدَ الرَّضِّ وَالْحَلِّ مَالًا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ شَرْعًا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا المتولي والرويانى فحكيا فيه وجها أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ رُضَاضُهَا يُعَدُّ مَالًا فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهَا وَبَيْعِ الْأَصْنَامِ وَالصُّوَرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وغيرها ثلاثة اوجه (أصحها) الْبُطْلَانُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُ إنْ اُتُّخِذَ مِنْ جَوْهَرٍ نَفِيسٍ صَحَّ بَيْعُهَا وَإِنْ اُتُّخِذَ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ فَلَا
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا قَالَ وَبِهِ قَطَعَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُكْرَهُ بَيْعُ الشِّطْرَنْجِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وأما الغرر فان صلح لبنادق الشِّطْرَنْجِ فَكَالشِّطْرَنْجِ وَإِلَّا فَكَالْمِزْمَارِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَبَنُ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْحَالِ وَيَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهُ قَالَ وَكَذَا لَبَنُ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا أَبَحْنَا لِلْفُقَرَاءِ شُرْبَهُ ويجوز لهم بيعه لانه طاهر منتفع
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ كَنِصْفٍ مِنْ عَبْدٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَمْ لَا كَالْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ لِلْإِجْمَاعِ فَلَوْ بَاعَ بَعْضًا شَائِعًا من شئ(9/256)
بمثله من ذلك الشئ كَدَارٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَبَاعَ النِّصْفَ الَّذِي لَهُ بِالنِّصْفِ الَّذِي لِصَاحِبِهِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي لِوُجُودِ شَرَائِطِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ مِنْ سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ صَاعًا بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَى هَذَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ لِصَاحِبِهِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) لَوْ كَانَا جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا قَدْ مَلَكَ نَصِيبَهُ بِالْهِبَةِ مِنْ وَالِدِهِ انْقَطَعَتْ سُلْطَةُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ (وَمِنْهَا) لَوْ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ هَذَا التَّصَرُّفِ لَمْ يَمْلِكْ الرَّدَّ عَلَى بَائِعِهِ (وَمِنْهَا) لَوْ مَلَكَهُ بِالصَّدَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ (وَمِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى النِّصْفَ وَلَمْ يُؤَدِّ ثَمَنَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ بَعْدَ هذا التصرف
* ولو بَاعَ النِّصْفَ الَّذِي لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَفِي الصِّحَّةِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَيَصِيرُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْمُتَوَلِّي وَاسْتَبْعَدَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمَنْذُورِ إعْتَاقُهُ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِ شُرُوطِ الْمَبِيعِ والله سبحانه وتعالى أعلم
* (بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وغيره) قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع المعدوم كالثمرة التى لم تخلق لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ والغرر وما انطوى عنه أمره وخفى عليه عاقبته ولهذا قالت عائشة رضى الله عنها في وصف أبي بكر رضى الله عنه (فرد نشر الاسلام على غره) أي على طيه والمعدوم قد انطوى عنه امره وخفى عليه عاقبته فلم يجز بيعه
* وروى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن المعاومة وفى بعضها عن بيع السنين)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَلَفْظُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع السِّنِينَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ذَكَرَ السِّنِينَ وَالْمُعَاوَمَةَ كَمَا ذَكَرَهُ(9/257)
الْمُصَنِّفُ وَإِسْنَادُهُ إسْنَادُ الصَّحِيحِ وَلَفْظُ الْمُعَاوَمَةِ فِي التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بَيْعُ تَمْرِ سَنَتَيْنِ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِبَيْعِ السِّنِينَ وَبَيْعِ الْمُعَاوَمَةِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَائِشَةَ فَمَشْهُورٌ مِنْ جُمْلَةِ خُطْبَتِهَا الْمَشْهُورَةِ الَّتِي ذَكَرَتْ فِيهَا أَحْوَالَ أَبِيهَا وَفَضَائِلَهُ (وقولها) نَشَرَ الْإِسْلَامِ هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالشِّينِ وَالْإِسْلَامُ مَجْرُورٌ بِالْإِضَافَةِ أَيْ رَدَّ مَا انْتَشَرَ مِنْ الاسلام ودخله من الاختلافات وَتَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا عَلَى غَرِّهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَبَيْعُ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ سَنَتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
الْأَصْلُ أَنَّ بَيْعَ الْغَرَرِ بَاطِلٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْمُرَادُ مَا كَانَ فِيهِ غَرَرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ (فَأَمَّا) مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَأَسَاسِ الدَّارِ وَشِرَاءِ الْحَامِلِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْحَمْلَ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ وَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَكَامِلُ الْأَعْضَاءِ أَوْ نَاقِصُهَا وَكَشِرَاءِ الشَّاةِ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ الْعُلَمَاءُ الْإِجْمَاعَ أَيْضًا فِي أَشْيَاءَ غَرَرُهَا حَقِيرٌ (مِنْهَا) أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا وَلَوْ بَاعَ حَشْوَهَا مُنْفَرِدًا لَمْ يَصِحَّ
* وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إجازة الدَّارِ وَغَيْرِهَا شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ
* وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِأُجْرَةٍ وَعَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ مُكْثِهِمْ فِي الْحَمَّامِ
* قَالَ الْعُلَمَاءُ مَدَارُ الْبُطْلَانِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةُ مَعَ وُجُودِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ أَوْ كَانَ الْغَرَرُ حَقِيرًا جَازَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ تَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ وَبَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَيَكُونُ اخْتِلَافُهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَبَعْضُهُمْ يَرَى الْغَرَرَ يَسِيرًا لَا يُؤَثِّرُ وَبَعْضُهُمْ يَرَاهُ مؤثرا والله سبحانه وتعالى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع ما لا يملكه من غير إذن مالكه لما روى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(9/258)
قال (لا تبع ما ليس عندك) ولان ما لا يملكه لا يقدر على تسليمه فهو كالطير في الهواء أو السمك في الماء)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ حَكِيمٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ
* قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَكِيلُ وَالْوَلِيُّ وَالْوَصِيُّ وَقَيِّمُ الْقَاضِي فِي بَيْعِ مال المحجوز عَلَيْهِ وَالْقَاضِي وَنَائِبُهُ فِي بَيْعِ مَالِ مَنْ توجه عليه أداء دين وامتنع من بَيْعِ مَالِهِ فِي وَفَائِهِ فَكُلُّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَصِحُّ فِيهَا الْبَيْعُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ وَيَخْرُجُ مِنْهُ إذْنُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ رَهْنٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لِأَجْنَبِيٍّ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ مَعَ أَنَّهُ مَالِكٌ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ سَبَقَ أَنَّ شُرُوطَ الْمَبِيعِ خَمْسَةٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمَنْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ فَإِنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ فَشَرْطُهُ كَوْنُهُ مَالِكًا لِلْعَيْنِ وَإِنْ بَاشَرَهُ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ فَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا وِلَايَةٍ فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَنَزِيدُهُ دَلَالَةً فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ إنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ إنْ أَجَازَ صح البيع والالغا وهذا القول حكاه الخراسانيون وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَسَيَأْتِي دَلِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ
* (وَأَمَّا) قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ لَمْ يَعْرِفُوا هذا القول وقطعوا بالبطلان فمراده متقدموهم الْجَدِيدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ إنْ صَحَّ حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ فَكُلُّ مَنْ بَاعَ أَوْ أَعْتَقَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ رَضِيَ فَالْبَيْعُ وَالْعِتْقُ جَائِزَانِ هَذَا نَصُّهُ وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَصَارَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي الْجَدِيدِ أَحَدُهُمَا مُوَافِقٌ لِلْقَدِيمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ أَوْ ابْنَتَهُ أَوْ طَلَّقَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ مَمْلُوكَهُ أَوْ أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ وَهَبَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يطرد هذا(9/259)
الْقَوْلُ فِي كُلِّ عَقْدٍ يَقْبَلُ الِاسْتِنَابَةَ كَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا
وَيُسَمَّى هذا بيع الفضولي
* قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ جَارِيَانِ فِي شِرَائِهِ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فإذا اشترى الفضولي لغيره نظران اشترى بعين مال ذلك الْغَيْرِ فَفِيهِ هَذَانِ الْقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُهُ (وَالْقَدِيمُ) وَقْفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ نُظِرَ إنْ أَطْلَقَ لَفْظَ الْعَقْدِ وَنَوَى كَوْنَهُ لِلْغَيْرِ فَعَلَى الْجَدِيدِ يَقَعُ لِلْمُبَاشِرِ وَعَلَى الْقَدِيمِ يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ أَجَازَ نَفَذَ لِلْمُجِيزِ وَإِلَّا نَفَذَ لِلْمُبَاشِرِ وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ كَاشْتِرَائِهِ بِعَيْنِ مَالِ الْغَيْرِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُهُ (وَالْقَدِيمُ) وَقْفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُضِفْ الثَّمَنَ إلَى ذِمَّتِهِ فَعَلَى الْجَدِيدِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَلْغُو الْعَقْدُ
(وَالثَّانِي)
يَقَعُ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَعَلَى الْقَدِيم يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فان أجاز نفذ للمجير وَإِلَّا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي وُقُوعِهِ لِلْمُبَاشِرِ (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فِي الْعَقْدِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْمُبَاشِرِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَذِنَ لَهُ أَمْ لَا وَإِنْ سَمَّاهُ نُظِرَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَغَتْ التَّسْمِيَةُ وَهَلْ يَقَعُ لِلْمُبَاشِرِ أَمْ يَبْطُلُ فِيهِ الْوَجْهَانِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَهَلْ تَلْغُو التَّسْمِيَةُ فِيهِ وَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) تَلْغُو فَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ أَمْ يَقَعُ عَنْ الْمُبَاشِرِ فِيهِ الْوَجْهَانِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا تَلْغُو وَقَعَ عَنْ الْإِذْنِ وَهَلْ يَكُونُ الثَّمَنُ الْمَدْفُوعُ قَرْضًا أَمْ هِبَةً وَجْهَانِ
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَقْدِ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ الصَّبِيِّ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُعْتَبَرُ إجَازَةُ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عِنْدَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ بَاعَ مَالَ الطِّفْلِ فَبَلَغَ وَأَجَازَ لَمْ يَنْفُذْ وَكَذَا لَوْ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ ثُمَّ مَلَكَهُ الْبَائِعُ وَأَجَازَ لَمْ يَنْفُذْ قَطْعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ غَصَبَ أَمْوَالًا وَبَاعَهَا وَتَصَرَّفَ فِي أَثْمَانِهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِحَيْثُ يَعْسُرُ أَوْ يَتَعَذَّرُ تَتَبُّعُ مِلْكِ التَّصَرُّفَاتِ بِالنَّقْضِ وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ التَّصَرُّفَاتِ كُلِّهَا كَمَا لَوْ كَانَ تَصَرُّفًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ كُلِّ تَصَرُّفٍ مِنْهَا
(وَالثَّانِي)
لِلْمَالِكِ(9/260)
أَنْ يُجِيزَهَا وَيَأْخُذَ الْحَاصِلَ مِنْ أَثْمَانِهَا لِعُسْرِ تَتَبُّعِهَا بِالنَّقْضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ وَأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فَبَانَ مَيِّتًا حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ مِلْكُ الْعَاقِدِ فَقَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ القعد صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ مِنْ مَالِكٍ
(وَالثَّانِي)
الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِهِ وَلِأَنَّهُ كَالْغَائِبِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُ هَذَا الْخِلَافِ بِبَيْعِ الْهَازِلِ هَلْ يَنْفُذُ أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهَانِ والخلاف في بيع التحلية وَصُورَتُهُ أَنْ يَخَافَ غَصْبَ مَالِهِ أَوْ الْإِكْرَاهَ عَلَى بَيْعِهِ فَيَبِيعَهُ لِإِنْسَانٍ بَيْعًا مُطْلَقًا وَقَدْ تَوَافَقَا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لِدَفْعِ الشَّرِّ لَا عَلَى صِفَةِ الْبَيْعِ وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ عندنا بظاهر العقود ولا بما ينويه العاقدان ولهذا يصح بيع المعينة وَنِكَاحُ مَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ وَنَظَائِرُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ آبِقٌ أَوْ مُكَاتَبٌ فَبَانَ أَنَّهُ رَفَعَ وَأَنَّهُ فَسَخَ الْكِتَابَةَ قَالُوا وَيَجْرِي فِيمَنْ زَوَّجَ أَمَةَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ فَبَانَ مَيِّتًا هَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ صَحَّ فَقَدْ نَقَلُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ مَاتَ أَبِي فَقَدْ زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ (قُلْتُ) الْأَصَحُّ هُنَا الْبُطْلَانُ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَنْ بَاعَ وَاشْتَرَى لِغَيْرِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ وَكَّلَهُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَفِي الْفَرْعَيْنِ بَعْدَهُ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِقَوْلَيْ وَقْفِ الْعُقُودِ وَحَيْثُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَا وَقْفِ الْعُقُودِ أَرَادُوا هَذَيْنِ وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْخِلَافَ رَاجِعٌ إلى أن الْعَقْدِ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَى التَّوَقُّفِ أَمْ لَا يَنْعَقِدُ بَلْ يَكُونُ بَاطِلًا مِنْ أَصْلِهِ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالصِّحَّةُ عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ وَهُوَ القديم ناجز لكن الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَدْ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ بُطْلَانُهُ ولا تقف عَلَى الْإِجَازَةِ وَكَذَا الْوَقْفُ وَالنِّكَاحُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ يَقِفُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالنِّكَاحُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ أَجَازَهُ مَنْ عُقِدَ لَهُ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إيجَابُ النِّكَاحِ وَقَبُولُهُ يَقِفَانِ عَلَى الْإِجَازَةِ وَيَقِفُ الْبَيْعُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَلَا يَقِفُ الشراء وأوقفه اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ(9/261)
بقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) وفى هذا اعانة لاخيه المسلم لانه يَكْفِيهِ نَعْتُ الْبَيْعِ إذَا
كَانَ مُخْتَارًا لَهُ وَبِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى بِهِ أُضْحِيَّةً وَبَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ وَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِأُضْحِيَّةٍ وَدِينَارٍ فَتَصَدَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّينَارِ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
* (بحديث عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ قَالَ (دَفَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا لِأَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ فَبِعْتُ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجِئْتُ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ فَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ الْعَظِيمَ فَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَالًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والترمذي وابن ماجه وهذا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَإِسْنَادُ التِّرْمِذِيِّ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُ الْآخَرِينَ حَسَنٌ فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
* وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ الثَّلَاثَةِ أَصْحَابِ الْغَارِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (قَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَرْت أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إلَيَّ أَجْرِي فَقُلْتُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ لَا أَسْتَهْزِئُ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةٍ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ وَذَكَرَ مَا سَبَقَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* قَالُوا وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ فَجَازَ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْإِجَازَةِ كَالْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ قَالُوا وَلِأَنَّ إذْنَ الْمَالِكِ لَوْ كَانَ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا لِلْبَيْعِ لَا يَجُوزُ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ شرطا في النكاح اشترط مقارنتها لعقده فَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ يجوز تقدمه دل علي أنه ليس بشرطه فِي صِحَّةِ انْعِقَادِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي من البيع ما ليس عندي أأبتاع لَهُ مِنْ السُّوقِ ثُمَّ أَبِيعُهُ مِنْهُ قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) وَهُوَ حَدِيثٌ صحيح سبق بيانه أو هذا الفصل
* وعن عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا طَلَاقَ إلا فيما يملك(9/262)
وَلَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا بَيْعَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا وَفَاءَ نَذْرٍ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ) حَدِيثٌ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَمَجْمُوعُهَا يَرْتَفِعُ عَنْ كَوْنِهِ حَسَنًا وَيَقْتَضِي أَنَّهُ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ أَبْلِغْهُمْ عَنِّي أَرْبَعَ خِصَالٍ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَلَا تَبِعْ مَا لَمْ تَمْلِكْ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ تَضْمَنْ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيْ الْبَيْعِ فَلَمْ يَقِفْ عَلَى الاجازة كالقبول ولانه باع مالا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ (وَأَمَّا) احْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ هَذَا مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى بَلْ هُوَ مِنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ حَكِيمٍ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (أَمَّا) إسْنَادُ أبى داود فيه ففيه نسخ مَجْهُولٌ وَأَمَّا إسْنَادُ التِّرْمِذِيِّ فَفِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ حديث ابن أبى ثابت وحكيم بن حزام (والجواب الثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَالَةً مُطْلَقَةً يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ الشَّاةَ وَسَلَّمَهَا وَاشْتَرَى وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شِرَاءُ الثَّانِيَةِ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ الثَّانِي هُوَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثُ الْغَارِ فَجَوَابُهُ أَنَّ هذا شرع لمن قبلنا وفى كونه شرع لَنَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ (فَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِأَرُزٍّ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ بَلْ عَيَّنَهُ لَهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ تَصَرَّفَ فِيهِ وَهُوَ مِلْكُهُ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ سَوَاءٌ اعْتَقَدَهُ لَهُ أَوْ لِلْأَجِيرِ ثُمَّ تَبَرَّعَ بِمَا اجْتَمَعَ مِنْهُ عَلَى الْأَجْرِ بِتَرَاضِيهِمَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوَصِيَّةِ أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْغَرَرَ وَتَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ أَنَّ الْبَيْعَ مَجْزُومٌ بِهِ مُنْعَقِدٌ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا الْمُنْتَظَرُ فَسْخُهُ وَلِهَذَا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَفْسَخْ لَزِمَ الْبَيْعُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالصَّوْمِ فَإِنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لصحته وتتقدم عليه ولان الاذن مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعَقْدِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ كَوْنُهُ مَأْذُونًا له حلة العقد والله(9/263)
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ إنْسَانٌ سِلْعَةً وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ لَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يُنْكِرْ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَصِحُّ البيع * قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه كبيع الاعيان
* ثُمَّ إنَّ كُلَّ مَنْ حَكَاهُ إنَّمَا حَكَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ خَاصَّةً وَهُوَ نَصٌّ لِلشَّافِعِيِّ فِي البويطى وهو من المملوكة بالبيع والاجازة والصداق وما أشبهها من المعاوضات قبل القبض لما روى أن حكيم بن حزام قال يارسول الله إنى أبيع بيوعا كثيرة فما يحل لى منها مما يحرم قال لا بيع ما لم تقبضه ولان ملكه عليه غير مستقر لانه ربما هلك فانفسخ العقد وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ وهل يجوز عتقه فيه وجهان
(أحدهما)
أنه لا يجو لما ذكرناه
(والثانى)
يجوز لان العتق له سراية فصح لقوته (فاما) ما ملكه بغير معاوضة كالميراث والوصية أو عاد إليه بفسخ عقد فانه يجوز بيعه وعتقه قبل القبض لان ملكه عليه مستقر فجاز التصرف فيه كالمبيع بعد القبض)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ حَكِيمٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ هَذَا وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ بِمَعْنَاهُ سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَقَارًا كَانَ أَوْ مَنْقُولًا لَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَلَا بَعْدَهُ وَفِي إعْتَاقِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ يَصِحُّ وَيَصِيرُ قَبْضًا سَوَاءٌ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ أَمْ لَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا أَدَّاهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي تَخْلِيَتَهُ لِلتَّصَرُّفِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا قُوَّةُ الصَّرْفِ وَسِرَايَتُهُ وَالِاسْتِيلَادُ كَالْإِعْتَاقِ
* وَلَوْ وَقَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي (إنْ قُلْنَا) الْوَقْفُ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ وَإِلَّا فَكَالْإِعْتَاقِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَصِيرُ قَابِضًا حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ الْبَائِعُ يَدَهُ عَنْهُ صار(9/264)
مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ قَالَ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ جِزَافًا وَأَبَاحَهُ لِلْمَسَاكِينِ (وَأَمَّا) الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ لَا يَصِحَّانِ وَإِذَا صَحَّحْنَاهُمَا فَنَفْسُ الْعَقْدِ لَيْسَ قَبْضًا بَلْ يَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْمُتَّهِبِ فَلَوْ أَذِنَ الْمُشْتَرِي لَهُمَا فِي قَبْضِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ يَكْفِي وَيَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ بَعْدَهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَكْفِي ذلك المبيع وما بعده ولكن ينظران قصد قبضه للمشترى صح قبض المبيع ولابد مِنْ اسْتِئْنَافِ قَبْضٍ لِلْهِبَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وإن قصد قبضه لِنَفْسِهِ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ لِلْبَيْعِ وَلَا لِلْهِبَةِ لِأَنَّ قَبْضَهَا يَجِبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ تَمَامِ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَاضُ وَالتَّصَدُّقُ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ فَفِيهِمَا الْخِلَافُ (وَأَمَّا) الْإِجَارَةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا بَيْعٌ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي طَرِيقًا آخَرَ وَصَحَّحَهُ وَهُوَ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ (وَأَمَّا) تَزْوِيجُ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) صِحَّتُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي ضَمَانًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلِهَذَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْمَغْصُوبَةِ وَالْآبِقَةِ (وَالثَّانِي) الْبُطْلَانُ (وَالثَّالِثُ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَحُكِيَ هَذَا الْوَجْهُ فِي الاجارة ايضا وإذا صححنا التزويج فوطئ الزوج لم يكن قبضا والله سبحانه أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ أُجْرَةً وَلَا عِوَضًا فِي صُلْحٍ وَلَا إسْلَامُهُ في شئ وَلَا التَّوْلِيَةُ فِيهِ وَلَا الِاشْتِرَاكُ وَفِي التَّوْلِيَةِ وَالِاشْتِرَاكِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَالُ الْمُسْتَحَقُّ لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ غَيْرِهِ قِسْمَانِ دَيْنٌ وَعَيْنٌ (أَمَّا) الدَّيْنُ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَعْدَ هَذَا وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْعَيْنُ فَضَرْبَانِ أَمَانَةٌ وَمَضْمُونٌ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) الْأَمَانَةُ فَيَجُوزُ لِلْمَالِكِ بَيْعُ جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ قَبْلَ قَبْضِهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا تَامٌّ وَهِيَ كَالْوَدِيعَةِ فِي يَدِ الْمُودَعِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْعَامِلِ فَالْمَالُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ فِكَاكِ الرَّهْنِ وَفِي يَدِ الْمُسْتَأْجَرِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْوَلِيِّ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَرُشْدِهِ وَرُشْدِ السَّفِيهِ وَإِفَاقَةِ الْمَجْنُونِ وَمَا كَسَبَهُ الْعَبْدُ بِاصْطِيَادٍ وَاحْتِطَابٍ وَاحْتِشَاشٍ وَنَحْوِهَا أَوْ قَبِلَهُ بِالْوَصِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ السَّيِّدُ مِنْ يَدِهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا كُلُّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ
* وَلَوْ وَرِثَ مَالًا فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُوَرِّثُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ أَيْضًا بِأَنْ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مُوَرِّثِهِ شَيْئًا وَمَاتَ
الْمُوَرِّثُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْمُوَرِّثِ دَيْنٌ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ تعلق(9/265)
الْغَرِيمُ بِالثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ فِي قَدْرِ نَصِيبِ الْآخَرِ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ إنْسَانٌ بِمَالٍ فَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ جَازَ (إنْ قُلْنَا) تُمْلَكُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَوْتِ (وإن قلنا) بالقبول أو موقوف فلا
* (الضرب الثَّانِي) الْمَضْمُونَاتُ وَهِيَ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ الْمَضْمُونُ بِالْقِيمَةِ وَيُسَمَّى ضَمَانَ الْيَدِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِتَمَامِ الْمِلْكِ فِيهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا صَارَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بِعَقْدٍ مَفْسُوخٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ باع عبدا فوجد الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا وَفَسَخَ الْبَيْعَ كَانَ لِلْبَائِعِ بَيْعُ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَقْبِضَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي إلَّا إذَا لَمْ يُؤَدِّ الثَّمَنَ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي حَبْسَهُ إلَى اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَهُ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا
* وَلَوْ فُسِخَ السَّلَمُ لِانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَانَ لِلْمُسْلِمِ بَيْعُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ اسْتِرْدَادِهِ
* وَلَوْ بَاعَ سِلْعَةً فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَفَسَخَ بِهِ الْبَائِعُ فَلَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا وَيَجُوزُ بيع المال في يد المستعير والمسأجر وفى يد المشترى شراء فاسدا والمثبت هِبَةً فَاسِدَةً وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ (النَّوْعُ الثَّانِي) الْمَضْمُونُ بِعِوَضٍ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَذَلِكَ كَالْمَبِيعِ وَالْأُجْرَةِ وَالْعِوَضِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ عَنْ الْمَالِ وَالْعِوَضَيْنِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ ثَوَابٍ حَيْثُ صَحَّحْنَاهَا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ وَعَلَّلُوهُ بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) ضَعْفُ الْمِلْكِ لِتَعَرُّضِهِ لِلِانْفِسَاخِ بِتَلَفِهِ
(وَالثَّانِي)
تَوَالِي الضَّمَانِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مضمونا في حالة واحدة لاثنين وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّحْنَا بَيْعَهُ كَانَ مَضْمُونًا لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي وَسَوَاءٌ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَوْ لغيره لا يصح هكذا قطع به قطع الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجُوزُ بيعه للبائع تفريعا عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ تَوَالِي الضَّمَانِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَالَى إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْبَائِعُ لانه لا يَصِيرُ فِي الْحَالِ مَقْبُوضًا لَهُ أَوْ بَعْدَ لَحْظَةٍ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ تَفَاوُتِ صِفَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ إقَالَةٌ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ
* وَلَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ كَغَيْرِهِ
فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَ مَلَكَ فِي صُورَةِ الْهِبَةِ وَتَمَّ الرَّهْنُ وَلَا يَزُولُ ضَمَانُ الْبَيْعِ فِي صُورَةِ الرَّهْنِ بَلْ إنْ تَلِفَ(9/266)
انفسخ البيع
* هذا إذا رهنه بِغَيْرِ الثَّمَنِ فَإِنْ رَهَنَهُ بِهِ صَحَّ إنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا لِأَنَّ الْحَبْسَ ثَابِتٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَهُوَ كَرَهْنِهِ بِدَيْنٍ آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) بَيْعُ الصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ يَدِ الزَّوْجِ فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ الشمهورين فِي أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الزَّوْجِ ضَمَانَ الْعَقْدِ كَالْمَبِيعِ أَمْ ضَمَانَ الْيَدِ كَالْعَارِيَّةِ وَالْأَصَحُّ ضَمَانُ الْعَقْدِ (فَإِنْ قُلْنَا) ضَمَانُ الْيَدِ جَازَ كَالْعَارِيَّةِ (وَإِنْ قُلْنَا) ضَمَانُ الْعَقْدِ فَهُوَ كَالْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَفِي بَيْعِهِ لِلزَّوْجِ الْخِلَافُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
* وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصَّدَاقِ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الزَّوْجِ بَدَلَ الْخُلْعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَفِي بَيْعِ الْعَافِي عَنْ الْقِصَاصِ الْمَالَ الْمَعْفُوَّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِمِثْلِ هَذَا الْمَأْخَذِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَرَاءَ مَا ذَكَرْنَاهُ صُوَرٌ إذَا تَأَمَّلْتَهَا عَرَفْتَ مِنْ أَيِّ ضَرْبٍ هِيَ (فَمِنْهَا) مَا حَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَرْزَاقَ الَّتِي يُخْرِجُهَا السُّلْطَانُ لِلنَّاسِ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا أَفْرَزَهُ السُّلْطَانُ فَتَكُونُ يَدُ السُّلْطَانِ فِي الْحِفْظِ يَدَ الْمَقَرِّ لَهُ وَيَكْفِي ذَلِكَ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ لَمْ يكتف بذلك وحمل النص على مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعُ شئ غَيْرِ مَمْلُوكٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَفَّالُ (قُلْتُ) الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَقْرَبُ إلَى النَّصِّ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ يَعْنِي بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ لَا بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْقَفَّالِ الْمَنْعَ الْمَذْكُورَ وَقَالَ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالرِّزْقِ الْغَنِيمَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَدَلِيلُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ وهو الاصح أن هذا القدر من المخالقة لِلْقَاعِدَةِ اُحْتُمِلَ لِلْمَصْلَحَةِ وَالرِّفْقِ بِالْجُنْدِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْأَرْزَاقِ الَّتِي أَخْرَجَهَا السُّلْطَانُ قَبْلَ قَبْضِهَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ آثَارَ الصَّحَابَةِ مُصَرِّحَةً بِالْجَوَازِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَكَذَا غَلَّةُ الْوَقْفِ إذَا حَصَلَتْ لِأَقْوَامٍ وَعَرَفَ كُلُّ قَوْمٍ قَدْرَ حَقِّهِ فَبَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ صَحَّ بَيْعُهُ كَرِزْقِ الْأَجْنَادِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ
(وَمِنْهَا) بَيْعُ أَحَدِ الْغَانِمِينَ نَصِيبَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْإِشَاعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا كَانَ معلوما(9/267)
وَحَكَمْنَا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْغَنِيمَةِ وَفِيمَا يَمْلِكُهَا بِهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ قَالَ (وَمِنْهَا) لَوْ رَجَعَ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ (وَمِنْهَا) الشَّفِيعُ إذَا تَمَلَّكَ الشِّقْصَ قَالَ الْبَغَوِيّ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا مُعَاوَضَةٌ وَهَذَا أَصَحُّ وَأَقْوَى كَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ هُنَا ثُمَّ قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي نُفُوذِ تَصَرُّفِ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ قَدْ سَلَّمَ الثَّمَنَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْمَنْعُ كَالْمُشْتَرِي
(وَالثَّانِي)
الْجَوَازُ لِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ كَالْإِرْثِ قَالَ وَلَوْ مَلَكَ بِالْإِشْهَادِ أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ قَطْعًا وَكَذَا لَوْ مَلَكَ بِرِضَاءِ الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الثَّمَنِ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ وَفِي جَوَازِ أَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَسَنُوَضِّحُهُمَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْهَا) لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بَيْعُ الثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ الْمَوْقُوفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا (وَمِنْهَا) إذَا اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ ثَوْبًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ بَيْعُهُ قَبْلَ صَبْغِهِ لِأَنَّ لَهُ حَبْسَهُ بِعَمَلِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأُجْرَةَ وَإِذَا صَبَغَهُ فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِرْدَادِهِ إنْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ قَصَّارًا لِقَصْرِ ثَوْبٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ قَصْرِهِ فَإِذَا قَصَّرَهُ بَنَى عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ هَلْ هِيَ عَيْنٌ فَتَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الصَّبْغِ أَمْ أَثَرٌ فَلَهُ الْبَيْعُ إذْ لَيْسَ لِلْقَصَّارِ الْحَبْسُ عَلَى هَذَا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهَا عَيْنٌ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ صَوْغِ الذَّهَبِ وَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ وَنَسْجِ الْغَزْلِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمَهُ شَهْرًا وَلِيَحْفَظَ مَتَاعَهُ الْمُعَيَّنَ ثُمَّ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَبَيْعُهُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَجِيرِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْمَالِ فَإِنَّ لِلْمُسْتَأْجَرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ (وَمِنْهَا) إذَا قَاسَمَ شَرِيكَهُ فَبِيعَ مَا صَارَ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ يَبْنِي عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ أَوْ إفْرَازٌ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي (فَإِنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ يَدِ شَرِيكِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَنِصْفُ نَصِيبِهِ حَصَلَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَنِصْفُهُ حَصَلَ بِمِلْكِهِ الْقَدِيمِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِسْمَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَ مَا صَارَ لِصَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا صَارَ لَهُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي نِصْفِ مَا صَارَ لَهُ دُونَ نِصْفِهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ فَحُكْمُهَا فِي الْقَدْرِ الْمَمْلُوكِ بِالْعِوَضِ حُكْمُ الْبَيْعِ (وَمِنْهَا) إذَا أَثْبَتَ صَيْدًا
بِالرَّمْيِ أَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ فَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هُنَا وَقَالَ الْقَفَّالُ لَيْسَ(9/268)
هُوَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ بِإِثْبَاتِهِ قَبَضَهُ حُكْمًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي زَوَائِدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ يُبْنَى عَلَى أَنَّهَا تَعُودُ إلَى الْبَائِعِ لَوْ عَرَضَ انْفِسَاخٌ أَمْ لَا تَعُودُ فَإِنْ أَعَدْنَاهَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا كَالْأَصْلِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ
* وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَوَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ (إنْ قُلْنَا) الْحَمْلُ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ مَتَاعًا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ فله حكم البيع فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي إبدالها بمثلها ولو تلفت قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَوْ وَجَدَ الْبَائِعُ بها عينا لَمْ يَسْتَبْدِلْ بِهَا إنْ رَضِيَهَا وَإِلَّا فَسَخَ الْعَقْدَ فَلَوْ أَبْدَلَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهَا برضاء البائع فهو كَبَيْعِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ اشترى شيثا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ وَلَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ فَلَهُ بَيْعُ الْمَبِيعِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ بَاعَهُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ سِلْعَةً وَتَقَابَضَا ثُمَّ تَقَايَلَا وَأَرَادَ الْبَائِعُ بَيْعَهَا قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ يَصِحُّ بَيْعُهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهَا فِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ أَوْ فَسْخٌ وَفِيهَا قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ إنَّهَا بَيْعٌ (وَالْقَدِيمُ) إنَّهَا فَسْخٌ (فَإِنْ قُلْنَا) فَسْخٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وكذا قال المتولي (ان قُلْنَا) الْإِقَالَةُ بَيْعٌ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَكَالْمَفْسُوخِ بِعَيْبٍ وَغَيْرِهِ فَنُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ الثَّمَنَ أَمْ لَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي أَوَّلِ الضَّرْبِ الثَّانِي
* (فَرْعٌ)
نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ إذَا بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْضًا شَرْعِيًّا ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ صَاحِبُهُ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ صَحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ فَإِنْ تَلِفَ عَبْدُهُ الَّذِي بَاعَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ لِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يَبْطُلُ الثَّانِي لِتَعَلُّقِ حَقِّ
الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِهِ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي قِيمَةُ الَّذِي بَاعَهُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهُ فَوَجَبَتْ(9/269)
قِيمَتُهُ هَكَذَا قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِهَذَا كُلِّهِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ إلَّا الْمُتَوَلِّيَ فَقَالَ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالَ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ هَلْ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ (إنْ قُلْنَا) مِنْ أَصْلِهِ بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ شِقْصًا مِنْ دَارٍ بِعَبْدٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ فَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ بَائِعُ الشِّقْصِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ وَلَمْ يَبْطُلْ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يُؤْخَذُ الشِّقْصُ مِنْ يَدِ الشَّفِيعِ بَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةُ الشِّقْصِ لِبَائِعِهِ وَيَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ لِلْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لِلْمُشْتَرِي الِاسْتِقْلَالُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ إنْ كَانَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا كَمَا لِلْمَرْأَةِ قَبْضُ صَدَاقِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَى الْبَائِعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبْضُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ قَبَضَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ وَلَكِنْ يَكُونُ فِي ضَمَانِهِ بِلَا خِلَافٍ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ حَتَّى لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ
* وَلَوْ تَعَيَّبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَلَوْ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ حتى أن يَقْبِضَهُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الطَّعَامِ عَلَى أربعة مذاهب (أحدها) لا يجوز بيع شئ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ جَمِيعُ الْمَبِيعَاتِ كَمَا فِي الطَّعَامِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ قَالَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ واسحق (وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا الدُّورَ وَالْأَرْضَ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (وَالرَّابِعُ)
يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَصَحُّ(9/270)
الْمَذَاهِبِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى
* وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ
* قَالَ (لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَايَعُونَ جِزَافًا يَعْنِي الطَّعَامَ فضربوا أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلَى رِحَالِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يَقْبِضَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَحْسِبُ كل شئ مِثْلَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يقبضه قال ابن عباس وأحسب كل شئ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكِيلَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى) وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ابْتَعْتَ طَعَامًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا فَالتَّنْصِيصُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ بِخِلَافِهِ قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى مَا مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَعَلَى إعْتَاقِهِ وَإِجَارَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَعَلَى بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ قَبْضِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَمْ تَقْبِضْهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ وَبِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تباع السلع حيث تبتاع حتى يجوزها التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ اسحق بن يسار عن أبى الزناد وابن اسحق مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنْ لَمْ يُضَعِّفْ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُ فَلَعَلَّهُ اعْتَضَدَ عِنْدَهُ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِسَمَاعِ ابْنِ اسحق لَهُ مِنْ أَبِي الزِّنَادِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الطَّعَامِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِدَاخِلِ الْخِطَابِ وَالتَّنْبِيهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ مَعَ كَثْرَةِ الْحَاجَةِ إليه فغيره أولى
(وَالثَّانِي)
أَنَّ النُّطْقَ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَهُوَ حَدِيثُ حَكِيمٍ وَحَدِيثُ زَيْدٍ (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعِتْقِ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِتْقَ لَهُ قُوَّةٌ وَسِرَايَةٌ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ إتْلَافٌ لِلْمَالِيَّةِ وَالْإِتْلَافُ قَبْضٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الثَّمَنِ أَنَّ فِيهِ
قَوْلَيْنِ فَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ مُسْتَقِرٌّ لَا يُتَصَوَّرُ تَلَفُهُ وَنَظِيرُ الْمَبِيعِ إنَّمَا هُوَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَمَّا بَيْعُ الْمِيرَاثِ وَالْمُوصَى بِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا مُسْتَقِرٌّ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(9/271)
وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَلَفُ الْعَقَارِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا سَبَقَ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى مَالِكٍ وَأَجَابُوا عَنْ النُّصُوصِ بِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَا يُتَصَوَّرُ تَلَفُهُ فَيُنْتَقَضُ بِالْجَدِيدِ الْكَثِيرِ والله سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وأما الديون فينظر فيها فان كان الملك عليها مستقرا كغرامة المتلف وبدل القرض جاز بيعه ممن عليه قبل القبض لان ملكه مستقر عليه فجاز بيعه كالمبيع بعد القبض وهل يجوز من غيره فيه وجهان
(أحدهما)
يجوز لان ما جاز بيعه ممن عليه جاز بيعه من غيره كالوديعة
(والثانى)
لا يجوز لانه لا يقدر على تسلمية إليه لانه ربما منعه أو جحده وذك غرر لا حاجة به إليه فلم يجز والاول أظهر لان الظاهر أنه يقدر على تسليمه إليه من غير منع ولا جحود
* وان كان الدين غير مستقر نظرت فان كان مسلما فيه لم يجز بيعه لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما (سئل عن رجل أسلف في حلل دقاق فلم يجد تلك الحلل فقال آخذ منك مقام كل حلة من الدقاق حلتين من الجل فكرهه ابن عباس وقال خذ برأس المال علفا أو غنما) ولان الملك في المسلم فيه غير مستقر لانه ربما تعذر فانفسخ البيع فيه فلم يجز بيعه كالمبيع قبل القبض
* وان كان ثمنا في بيع ففيه قولان قال في الصرف يجوز بيعه قبل القبض لما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ بالدنابير فآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم فآخذ الدنابير فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بأس ما لم تتفرقا وبينكما شئ) ولانه لا يخشي انفساخ العقد فيه بالهلاك فصار كالمبيع بعد القبض
* وروى المزني في جامعه الكبير أنه لا يجوز لان ملكه غير مستقر عليه لانه قد ينفسخ البيع فيه بتلف المبيع أو بالرد بالعيب فلم يجز بيعه كالمبيع قبل القبض وفى بيع نجوم المكاتب قبل القبض طريقان
(أحدهما)
أنه على قولين بناء على القولين في بيع رقبته
(والثانى)
انه لا يصح ذلك قولا واحدا وهو المنصوص في المختصر لانه لا يملكه ملكا
مستقرا فلم يصح بيعه كالمسلم فيه(9/272)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِهِ هُنَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ سِمَاكٍ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ أَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ وَقَفُوهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ (قُلْتُ) وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي رَفْعِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا وَبَعْضُهُمْ مُتَّصِلًا وَبَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا مَرْفُوعًا كَانَ مَحْكُومًا بِوَصْلِهِ وَرَفْعِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصحيح لذى قاله الفقهاء والاصوليون ومحققوا الْمُحَدِّثِينَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ (وَقَوْلُهُ) بِالْبَقِيعِ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَتْهُ لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْ يُصَحِّفُهُ (وَقَوْلُهُ) السَّلَمُ فِي حُلَلٍ هُوَ جَمْعُ حُلَّةٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَهِيَ ثَوْبَانِ وَلَا يَكُونُ إلَّا ثَوْبَانِ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالدِّقُّ بِكَسْرِ - الدَّالِ - وَالْجِلُّ بِكَسْرِ - الْجِيمِ - وَهُوَ الْغَلِيظُ (وَقَوْلُهُ) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ يَحْتَرِزُ مِنْ أَسَاسِ الدَّارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ غَرَرٌ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا الِاحْتِرَازُ يُكَرِّرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ كَثِيرًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ لَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ أَحْسَنَ تَلْخِيصٍ وَهَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِهِ قَالَ الدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ مُثَمَّنٌ وَثَمَنٌ وَغَيْرُهُمَا وَفِي حَقِيقَةِ الثَّمَنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مَا أُلْصِقَ بِهِ الْبَاءُ كَقَوْلِكَ بِعْتُ كَذَا بِكَذَا وَالْأَوَّلُ مُثَمَّنٌ وَالثَّانِي ثَمَنٌ وَهَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ النَّقْدُ مُطْلَقًا وَالْمُثَمَّنُ مَا يقابله على الوجهين (وأصحهما) أَنَّ الثَّمَنَ النَّقْدُ وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ نَقْدٌ أَوْ كَانَ الْعِوَضَانِ نَقْدَيْنِ فَالثَّمَنُ مَا أُلْصِقَتْ بِهِ الْبَاءُ وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ فَلَوْ بَاعَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ فَلَا مُثَمَّنَ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَلَوْ بَاعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا ثَمَنَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُبَادَلَةٌ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِهَذَا الْعَبْدِ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْعَبْدُ ثَمَنٌ وَالدَّرَاهِمُ مُثَمَّنٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ وَجْهَانِ كَالسَّلَمِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ فَالْعَبْدُ مُثَمَّنٌ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذَا الْعَبْدِ وَوَصَفَهُ صَحَّ الْعَقْدُ (فَإِنْ قُلْنَا) الثَّمَنُ مَا أُلْصِقَ بِهِ الْبَاءُ فَالْعَبْدُ ثَمَنٌ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّوْبِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِلَّا فَفِي وُجُوبِ تَسْلِيمِ الثَّوْبِ وَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ السَّلَمِ لَكِنَّ فِيهِ مَعْنَاهُ
* فَإِذَا عُرِفَ عُدْنَا إلَى بَيَانِ الْأَضْرُبِ الثَّلَاثَةِ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) الْمُثَمَّنُ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا
الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَهَلْ تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِهِ بِأَنْ يُحِيلَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلِمَ بِحَقِّهِ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنُ قَرْضٍ أَوْ(9/273)
إتْلَافٍ أَوْ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُحِيلَ الْمُسْلِمُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنُ قَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ على المسلم إليه فيه ثلاثة أوجه (أصحهما) لَا
(وَالثَّانِي)
نَعَمْ (وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ بِهِ هَكَذَا حَكَوْا الثَّالِثَ وَعَكَسَهُ الْغَزَالِيُّ في الوسيط فقال يجوز عليه لابه ولا أظن نقله ثابتا (الضرب الثاني) المثن فَإِذَا بَاعَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ فَفِي الِاسْتِبْدَالِ عَنْهَا طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ (وَأَشْهُرُهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ جَوَازُهُ (وَالْقَدِيمُ) مَنْعُهُ
* وَلَوْ بَاعَ فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ والدنابير (فَإِنْ قُلْنَا) الثَّمَنُ مَا أُلْصِقَتْ بِهِ الْبَاءُ صَحَّ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ كَالنَّقْدَيْنِ وَادَّعَى الْبَغَوِيّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مُثَمَّنًا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ (وَأَمَّا) الْأُجْرَةُ فَكَالثَّمَنِ (وَأَمَّا) الصَّدَاقُ وَبَدَلُ الْخُلْعِ فَكَذَلِكَ إنْ قُلْنَا إنَّهُمَا مَضْمُونَانِ ضَمَانَ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَهُمَا كَبَدَلِ الْإِتْلَافِ (التَّفْرِيعُ) إنْ مَنَعْنَا الِاسْتِبْدَالَ عَنْ الدَّرَاهِمِ فَذَلِكَ إذَا اسْتَبْدَلَ عَنْهَا عَرْضًا فَلَوْ اسْتَبْدَلَ نَوْعًا مِنْهَا بِنَوْعٍ أَوْ اسْتَبْدَلَ الدَّرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ فَوَجْهَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرَّوَاجِ وَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَدَلٍ وَبَدَلٍ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ اسْتَبْدَلَ مَا يُوَافِقُهُمَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَدَنَانِيرَ عَنْ دَرَاهِمَ اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ وَكَذَا إنْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ شَعِيرًا إنْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ وَفِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ الْبَدَلِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُشْتَرَطُ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَوْ تَصَارَفَا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَا وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ
* وَإِنْ اسْتَبْدَلَ مَا لَيْسَ مُوَافِقًا لَهَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَالطَّعَامِ وَالثِّيَابِ عَنْ الدَّرَاهِمِ نُظِرَ إنْ عَيَّنَ الْبَدَلَ فِي الِاسْتِبْدَالِ جَازَ وَفِي اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ (صَحَّحَ) الْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ الِاشْتِرَاطَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَصَحَّحَ) الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ عَدَمَهُ (قُلْتُ) هَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وصححخ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ
* وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ بَلْ وَصَفَ فِي الذِّمَّةِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ الْوَجْهَانِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) مَا لَيْسَ ثَمَنًا وَلَا مُثَمَّنًا كَدَيْنِ الْقَرْضِ وَالْإِتْلَافِ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ مَالٌ بِغَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُ ثُمَّ الْكَلَامُ فِي اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ وَالْقَبْضِ عَلَى مَا سَبَقَ وَذَكَرَ صَاحِبُ
الشَّامِلِ أَنَّ الْقَرْضَ إنَّمَا يُسْتَبْدَلُ عَنْهُ إذَا تَلِفَ فَإِنْ بَقِيَ فِي يَدِهِ فَلَا وَلَمْ يُفَرِّقْ الْجُمْهُورُ بَيْنَهُمَا
* وَلَا يَجُوزُ(9/274)
اسْتِبْدَالُ الْمُؤَجَّلِ عَنْ الْحَالِّ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ فِي الِاسْتِبْدَالِ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَأَمَّا بَيْعُهُ لِغَيْرِهِ كَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةٌ فَاشْتَرَى مِنْ آخَرَ عَبْدًا بِتِلْكَ الْمِائَةِ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ مُشْتَرِي الدَّيْنِ الدَّيْنَ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَقْبِضَ بَائِعُ الدَّيْنِ الْعِوَضَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ وَلَآخِرَ مِثْلُهُ عَلَى ذلك الانسان فباع أحدهما ماله عَلَيْهِ بِمَا لِصَاحِبِهِ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ اتَّفَقَ الْجِنْسُ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بيع الكالى بالكالى هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ (قُلْتُ) قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ جَوَازَ بَيْعِ الدَّيْنِ بِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى إذَا بَاعَ طَعَامًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَأَخَذَ بِالثَّمَنِ طَعَامًا جَازَ عِنْدَنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى بيع طعام بطعام موجل
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُ الطَّعَامَ بِالثَّمَنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ لَا بِالطَّعَامِ وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَبُو حَامِدٍ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ الثَّمَنِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عِوَضًا مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَبْلَ حُلُولِهِ لَمْ يَصِحَّ (أَمَّا) تَقْدِيمُ الدَّيْنِ نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ قَبْلَ الْحُلُولِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ الْعِوَضَ عَمَّا لَا يَسْتَحِقُّهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والقبض فيما ينقل النقل لما روى زيد بن ثابت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يحوزها التجار إلى رحالهم وفيما لا ينقل كالعقار والثمر قبل أوان الجذاذ التخلية لان القبض ورد به الشرع وأطلقه فحمل على العرف والعرف فيما ينقل النقل وفيما لا ينقل التخلية)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ زَيْدٍ فَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ
قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِي التُّجَّارِ لُغَتَانِ - كَسْرُ التَّاءِ مَعَ تَخْفِيفِ الْجِيمِ - وَضَمُّهَا مَعَ التَّشْدِيدِ - وَالْجِذَاذُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الرُّجُوعُ فِي الْقَبْضِ إلَى الْعُرْفِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أقسام(9/275)
(أَحَدُهَا) الْعَقَارُ وَالثَّمَرُ عَلَى الشَّجَرَةِ فَقَبْضُهُ بِالتَّخْلِيَةِ
(وَالثَّانِي)
مَا يُنْقَلُ فِي الْعَادَةِ كَالْأَخْشَابِ وَالْحُبُوبِ وَالْحِيتَانِ وَنَحْوِهَا فَقَبْضُهُ بِالنَّقْلِ إلَى مَكَان لَا اخْتِصَاصَ لِلْبَائِعِ بِهِ سَوَاءٌ نُقِلَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَوَاتٍ أَوْ شَارِعٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِيهِ قَوْلٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّالِثُ) مَا يُتَنَاوَلَ بِالْيَدِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمِنْدِيلِ وَالثَّوْبِ وَالْإِنَاءِ الْخَفِيفِ وَالْكِتَابِ وَنَحْوِهَا فَقَبْضُهُ بِالتَّنَاوُلِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ أَهْمَلَهُ هُنَا مَعَ شُهْرَتِهِ وَمَعَ ذِكْرِهِ لَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَقَدْ لَخَصَّ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَجَمَعَ مُتَصَرِّفَهُ مُخْتَصَرًا وَأَنَا أَنْقُلُ مُخْتَصَرَهُ وَأَضُمُّ إلَيْهِ مَا أَهْمَلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ الْجَمَلِيُّ فِيهِ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيمَا يَكُونُ قَبْضًا إلَى الْعَادَةِ وَتَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَالِ (وَأَمَّا) تَفْصِيلُهُ فَنَقُولُ الْمَالُ إمَّا أَنْ يُبَاعَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ تَقْدِيرٍ فِيهِ وَإِمَّا مَعَ اعْتِبَارٍ فِيهِ فَهُمَا نَوْعَانِ (الْأَوَّلُ) مَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْدِيرٌ إمَّا لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَإِمَّا مَعَ إمْكَانِهِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالْأَرْضِ وَالدَّارِ فَقَبَضَهُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَيُمَكِّنُهُ مِنْ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ بِتَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ إلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ دُخُولُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَارِغًا مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ فَلَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا أَمْتِعَةٌ لِلْبَائِعِ تَوَقَّفَ التَّسْلِيمُ عَلَى تَفْرِيغِهَا وَكَذَا لَوْ بَاعَ سَفِينَةً مَشْحُونَةً بِالْقُمَاشِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا عِنْدَ ذِكْرِ بَيْعِ الدَّارِ الْمَذْرُوعَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَقْمِشَةِ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
* وَلَوْ جَمَعَ الْبَائِعُ مَتَاعَهُ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ وَخَلَّى بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الدَّارِ حَصَلَ الْقَبْضُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ البيت كذا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْأَصْحَابِ
* وَفِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْمَبِيعِ فِي حَالِ الْإِقْبَاضِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُشْتَرَطُ فَإِنْ حَضَرَا عِنْدَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي دُونَكَ هَذَا ولا مانع حصل القبض والا فلا (والثاني) يشترط حضور المشترى دون البائع (وأصحهما) لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ يشق فعلى هذا هل يشترط زَمَانُ إمْكَانِ الْمُضِيِّ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَفِي مَعْنَى الْأَرْضِ الشَّجَرُ الثَّابِتُ وَالثَّمَرَةُ الْمَبِيعَةُ عَلَى الشَّجَرِ قَبْلَ أَوَانِ الْجِذَاذَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ فَالْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ(9/276)
لَا تَكْفِي التَّخْلِيَةُ بَلْ يُشْتَرَطُ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَفِي قَوْلٍ رَوَاهُ حَرْمَلَةُ تَكْفِي التَّخْلِيَةُ لِنَقْلِ الضَّمَانِ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَا تَكْفِي لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فعلى المذهب إن كان المبيع عبدا بأمره بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَإِنْ كَانَ دَابَّةً سَاقَهَا أَوْ قَادَهَا (قُلْتُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَوْ أَمَرَ الْعَبْدَ بِعَمَلٍ لَمْ يَنْتَقِلْ فِيهِ عَنْ موضعه أو ركب البهيمة ولم تنتقل عَنْ مَوْضِعِهَا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَبْضًا كَمَا لَا يَكُونُ غَصْبًا
* قَالَ وَلَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ فَلَيْسَ قَبْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْغَصْبِ فِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ كَمَوَاتٍ وَمَسْجِدٍ وَشَارِعٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَخْتَصُّ بِالْمُشْتَرِي فَالتَّحْوِيلُ إلَى مَكَان مِنْهُ كَافٍ فِي حُصُولِ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ فِي بُقْعَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْبَائِعِ فَالنَّقْلُ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْهُ إلَى زَاوِيَةٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ مِنْ دَارِهِ إلَى بَيْتٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ لَا يَكْفِي لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ وَيَكْفِي لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ نَقَلَ بِإِذْنِهِ حَصَلَ الْقَبْضُ وَكَأَنَّهُ اسْتَعَارَ مَا نَقَلَ إلَيْهِ
* وَلَوْ اشْتَرَى الدَّارَ مَعَ أَمْتِعَةٍ فِيهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَخَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ حَصَلَ الْقَبْضُ فِي الدَّارِ وَفِي الْأَمْتِعَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُشْتَرَطُ نَقْلُهَا لِأَنَّهَا مَنْقُولَةٌ كَمَا لَوْ أُفْرِدَتْ
(وَالثَّانِي)
يَحْصُلُ فِيهَا الْقَبْضُ تَبَعًا وَبِهِ قَطَعَ الماوردى وزاد فقال لو اشترى صبرة لم يَنْقُلْهَا حَتَّى اشْتَرَى الْأَرْضَ الَّتِي عَلَيْهَا الصُّبْرَةُ وَخَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَصَلَ الْقَبْضُ فِي الصُّبْرَةِ (قُلْتُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ مِنْ الْبَائِعِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَمْتِعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْقَبْضِ فَجَاءَ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَصَرَّ أَمَرَ الْحَاكِمُ مَنْ يَقْبِضُهُ كَمَا لَوْ كَانَ غَائِبًا قَالَ وَلَوْ جَاءَ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي ضَعْهُ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَصَلَ الْقَبْضُ فَإِنْ وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا أَوْ قَالَ لَا أُرِيدُهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ كَمَا لَا يَحْصُلُ الْإِيدَاعُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَحْصُلُ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ كَمَا لَوْ وُضِعَ الْمَغْصُوبُ بَيْنَ يَدَيْ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ فَعَلَى هَذَا لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ وَلَوْ تَلِفَ فَمِنْ ضَمَانِهِ لَكِنْ لَوْ خرج مستحقا ولم يجز إلَّا وَضْعُهُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ
الْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَكْفِي لِضَمَانِ الْغَصْبِ (قُلْتُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي(9/277)
احْمِلْهُ إلَيَّ وَاتْرُكْهُ عِنْدِي فَفَعَلَ صَارَ قَابِضًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ قَالَ وَإِذَا وَضَعَهُ عِنْدَهُ وَقُلْنَا يَصِيرُ قَابِضًا فَبَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهُ وَنَقَلَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَتَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا فَلِلْمُسْتَحِقِّ تَغْرِيمُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَلَهُ تَغْرِيمُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِأَنَّهَا تَلِفَتْ فِي يَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ تَغْرِيمُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ ضَمَانَ الِاسْتِحْقَاقِ ضَمَانُ عُدْوَانٍ وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيلَاءِ وَلِهَذَا لَوْ خَلَا بِمَالِ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ هُنَا قَابِضًا لِيَصِحَّ بَيْعُهُ وَتَصَرُّفُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* وَلَوْ وَضَعَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ بَيْنَ يَدَيْ مُسْتَحَقِّهِ فَفِي حُصُولِ التَّسْلِيمِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْمَبِيعِ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الْحُصُولِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّيْنِ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
لِلْمُشْتَرِي الِاسْتِقْلَالُ بِنَقْلِ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ دَفَعَ الثَّمَنَ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً قَرِيبًا
* (فَرْعٌ)
لَوْ دَفَعَ ظَرْفًا إلَى الْبَائِعِ فَقَالَ اجْعَلْ الْمَبِيعَ فِيهِ فَفَعَلَ لَا يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ وَالظَّرْفُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ يَكُونُ الظَّرْفُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ
* وَلَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ أَعِرْنِي ظَرْفَكَ وَاجْعَلْ الْمَبِيعَ فِيهِ فَفَعَلَ لَا يَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا (النوع الثَّانِي) أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ تَقْدِيرٌ بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ أَرْضًا مُذَارَعَةً أَوْ مَتَاعًا مُوَارَثَةً أَوْ صُبْرَةً مُكَايَلَةً أَوْ مَعْدُودًا بِالْعَدَدِ فَلَا يَكْفِي لِلْقَبْضِ مَا سَبَقَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ بل لابد مَعَ ذَلِكَ مِنْ الذَّرْعِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الْعَدِّ
* وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ فِي آصُعٍ طَعَامٍ أَوْ أَرْطَالٍ مِنْهُ يُشْتَرَطُ فِي قَبْضِهِ الْقَبْضُ أَوْ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ فَلَوْ قَبَضَ جِزَافًا مَا اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً وَقَعَ الْمَقْبُوضُ فِي ضَمَانِهِ (وَأَمَّا) تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ بَاعَ الْجَمِيعَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ فَإِنْ بَاعَ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يصح قال المتولي هذا الوجه لابي إسحق الْمَرْوَزِيِّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَبْضُ مَا اشْتَرَاهُ كَيْلًا بِالْوَزْنِ أَوْ وَزْنًا بِالْكَيْلِ كَقَبْضِهِ جِزَافًا
* وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ خُذْهُ فَإِنَّهُ كَذَا فَأَخَذَهُ مُصَدِّقًا لَهُ فَالْقَبْضُ فَاسِدٌ أَيْضًا حَتَّى يَقَعَ اكْتِيَالٌ صَحِيحٌ فَإِنْ زَادَ رَدَّ الزِّيَادَةَ فَإِنْ نَقَصَ أَخَذَ التَّمَامَ فَلَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ فَزَعَمَ الدَّافِعُ أَنَّهُ كَانَ قَدْرَ حَقِّهِ أَوْ أَكْثَرَ(9/278)
وَزَعَمَ الْقَابِضُ أَنَّهُ كَانَ دُونَ حَقِّهِ أَوْ قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ فَلَوْ أَقَرَّ بِجَرَيَانِ الْكَيْلِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ خِلَافُهُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَبِيعِ مُكَايَلَةً صُوَرًا (مِنْهَا) قَوْلُهُ بِعْتُكَ هَذِهِ الصبرة كل صاع بِدِرْهَمٍ (وَمِنْهَا) بِعْتُكَهَا عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ (وَمِنْهَا) بِعْتُكَ عَشَرَةَ آصُعٍ مِنْهَا وَهُمَا يَعْلَمَانِ صِيعَانَهَا أَوْ لَا يَعْلَمَانِ إذَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
لَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ الرِّضَا بِكَيْلِ الْمُشْتَرِي وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِكَيْلِ الْبَائِعِ بَلْ يَتَّفِقَانِ عَلَى كَيَّالٍ وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا نَصَّبَ الحاكم أمينا يتولاه قاله الماورى
* (فَرْعٌ)
مُؤْنَةُ الْكَيْلِ الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَيْهِ الْقَبْضُ تَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ كَمُؤْنَةِ إحْضَارِ الْمَبِيعِ الْغَائِبِ فَإِنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ (وَأَمَّا) مُؤْنَةُ وَزْنِ الثَّمَنِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي لِتَوَقُّفِ التَّسْلِيمِ وَمُؤْنَةُ نَقْدِ الثَّمَنِ هَلْ هِيَ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَانِ قُلْتُ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى الْبَائِعِ (وَأَمَّا) مُؤْنَةُ نَقْلِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو طَعَامٌ سَلَمًا وَلِآخَرَ مِثْلُهُ عَلَى زَيْدٍ فَأَرَادَ زَيْدٌ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ مِمَّا لَهُ عَلَى عَمْرٍو فَقَالَ لِغَرِيمِهِ اذْهَبْ إلَى عمرو فاقبض لنفسك مالى عَلَيْهِ فَقَبَضَهُ فَهُوَ قَبْضٌ فَاسِدٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحْضِرْهُ مَعِي لِأَكْتَالَهُ مِنْهُ لَكَ فَفَعَلَ
* وَإِذَا فَسَدَ الْقَبْضُ فَالْمَقْبُوضُ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ وَهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ عَمْرٍو مِنْ حَقِّ زَيْدٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تَبْرَأُ فَعَلَى الْقَابِضِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ إلَى عَمْرٍو عَلَى عَمْرٍو
* وَلَوْ قَالَ زَيْدٌ اذْهَبْ فَاقْبِضْهُ لَهُ ثُمَّ اقْبِضْهُ مِنِّي لِنَفْسِكَ بِذَلِكَ الْكَيْلِ أَوْ قَالَ احْضَرْ مَعِي لِأَقْبِضَهُ لِنَفْسِي ثُمَّ تَأْخُذَهُ لِنَفْسِك بِذَلِكَ الْكَيْلِ فَفَعَلَ فَقَبَضَهُ لِزَيْدٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَقَبَضَ زَيْدٌ لِنَفْسِهِ فِي الثَّانِيَةِ صَحِيحَانِ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ عَمْرٍو مِنْ حَقِّ زَيْدٍ وَالْقَبْضُ الْآخَرُ فَاسِدٌ وَالْمَقْبُوضُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَوْ اكْتَالَ زَيْدٌ وَقَبَضَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ كَالَهُ عَلَى مُشْتَرِيهِ وَأَقْبَضَهُ فَقَدْ جَرَى الصَّاعَانِ وَصَحَّ الْقَبْضَانِ فَإِنْ زَادَ حِينَ قَبَضَهُ ثَانِيًا أَوْ نَقَصَ فَالزِّيَادَةُ لِزَيْدٍ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْرًا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ عَلِمْنَا أَنَّ الْكَيْلَ الْأَوَّلَ غَلَطٌ فَيَرُدُّ زَيْدٌ الزِّيَادَةَ وَيَأْخُذُ النُّقْصَانَ وَلَوْ أَنَّ زَيْدًا لَمَّا اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْمِكْيَالِ وَسَلَّمَهُ كَذَلِكَ إلَى مُشْتَرِيهِ(9/279)
فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ الثَّانِي حَتَّى يُخْرِجَهُ وَيَبْتَدِئَ كَيْلًا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ اسْتِدَامَتَهُ فِي الْمِكْيَالِ كَابْتِدَاءِ الْكَيْلِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ كَمَا تَجْرِي فِي دَيْنَيْ السَّلَمِ تَجْرِي فِيمَا لَوْ كَانَ
(أَحَدُهُمَا)
مُسْتَحَقًّا فِي السَّلَمِ وَالْآخَرُ بِقَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْقَبْضِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْإِقْبَاضِ وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ لَا يُوَكِّلَ الْمُشْتَرِي مَنْ يَدُهُ يَدُ الْبَائِعِ كَعَبْدِهِ وَمُسْتَوْلَدَتِهِ وَلَا بَأْسَ بِتَوْكِيلِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَفِي تَوْكِيلِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ
* وَلَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ وَكِّلْ مَنْ يَقْبِضُ لِي مِنْكَ جَازَ وَيَكُونُ وَكِيلًا لِلْمُشْتَرِي فِي التَّوْكِيلِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ الْبَائِعُ بِأَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ لِلْمُوَكِّلِ (الامر الثاني) أن لا يكون القابض والمقبض وَاحِدًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْبَائِعُ رَجُلًا فِي الْإِقْبَاضِ وَيُوَكِّلَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبْضِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَهُ هَذَا فِي الْبَيْعِ وَذَاكَ فِي الشِّرَاءِ
* وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَعَامٌ وَغَيْرُهُ مِنْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَدَفَعَ إلَى المستحق دراهم وقال اشتريها مثل مَا تَسْتَحِقُّهُ لِي وَاقْبِضْهُ ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ صَحَّ الشِّرَاءُ وَالْقَبْضُ لِلْمُوَكِّلِ وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمَقْبُوضِ وَلِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ
* وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ لِي وَاقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ صَحَّ الشِّرَاءُ وَلَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ وَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ الدَّافِعِ مِنْ حَقِّ الْمُوَكِّلِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ
* وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِنَفْسِكَ فَالتَّوْكِيلُ فَاسِدٌ وَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا لِيَتَمَلَّكَهَا فَإِنْ اشْتَرَى نُظِرَ إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ وَأَدَّى ثَمَنَهُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِهَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) بُطْلَانُ الشِّرَاءِ
(وَالثَّانِي)
صِحَّتُهُ
* وَلَوْ قَالَ لِمُسْتَحِقِّ الْحِنْطَةِ اكْتَلْ حَقَّكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْكَيْلَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْقَبْضِ وَقَدْ صَارَ نَائِبًا مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَمُتَأَصِّلًا لِنَفْسِهِ وَيُسْتَثْنَى عَنْ الشَّرْطِ الثَّانِي مَا إذَا اشْتَرَى الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْقَبْضِ كَمَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْبَيْعِ وَفِي احْتِيَاجِهِ إلَى النَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحْتَاجُ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَيْلِ إذَا بَاعَ كيلا
*(9/280)
(فَرْعٌ)
يُسْتَثْنَى عَنْ صُورَةِ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ إتْلَافُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَإِنَّهُ قَبْضٌ كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
قَبْضُ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ الْمَبِيعِ مِنْ دَابَّةٍ وَثَوْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ وَيَكُونُ ما عد الْمَبِيعِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَلَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْقِسْمَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يُجَابُ إلَيْهَا لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ فَظَاهِرٌ وَإِنْ قُلْنَا بَيْعٌ فَالرِّضَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ فَإِنَّ الشَّرِيكَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ نَعْتَبِرْ الرِّضَا جَازَ أَلَّا نَعْتَبِرَ الْقَبْضَ كَالشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* هَذَا آخِرُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ بَاعَ شَيْئًا هُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ بِجِهَةِ ضَمَانٍ كَغَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ سَوْمٍ صَارَ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ مَقْبُوضًا لَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ جِهَةُ ضَمَانٍ أَيْضًا فَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَيَحْصُلُ ضَمَانُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ بِجِهَةِ أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ قِرَاضٍ صَارَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ مَقْبُوضًا لَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ فِي الْقَبْضِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ مُضِيُّ زَمَانٍ يتأنى فِيهِ النَّقْصُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فِي يَدِهِ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ إيَّاهُ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ
* قَالَ وَلَوْ بَاعَ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ لَمْ يُشْتَرَطْ الْإِذْنُ فِي الْقَبْضِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي اشْتِرَاطِ مُضِيِّ الزَّمَانِ وَالنَّقْلِ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ إذَا نَقَلَهُ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ دَارِ الْبَائِعِ إلَى زَاوِيَةٍ لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ لِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فيه إشكال لانه إذا أخذه وأثبتنا لَهُ لِنَقْلِهِ فَمُجَرَّدُ هَذَا قَبْضٌ وَلَا يَتَوَقَّفُ كَوْنُهُ قَبْضًا عَلَى وَضْعِهِ فَوَضْعُهُ بَعْدَ احْتِوَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْبَائِعِ لَا يُخْرِجُ مَا سَبَقَ عَنْ أَنْ يَكُونَ قَبْضًا بَلْ كَأَنَّهُ قَبَضَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى يَدِ الْبَائِعِ
* وَقَدْ احْتَجَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ ثُمَّ تَنَازَعَا فِي مَتَاعٍ قَرِيبٍ مِنْ الدَّاخِلِ فَإِنَّ الْيَدَ فيه لرب الدار لا للداخل بخلاف مَا لَوْ كَانَتْ يَدُهُ مُحْتَوِيَةً عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْإِمَامِ فَإِنَّا لَا نَجْعَلُهُ قَبْضًا بِسَبَبِ نَقْلِهِ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بَلْ لِاحْتِوَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ حَالَةَ النَّقْلِ (فَإِنْ قِيلَ)(9/281)
فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْقَبْضَ فِيمَا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ التَّنَاوُلُ وَأَنَّ الثَّقِيلَ لابد فِيهِ مِنْ
النَّقْلِ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَ احْتِوَاءَ الْيَدِ عَلَى هَذَا قَبْضًا مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلٍ لِأَنَّ التَّزَاحُمَ لَا يَصْلُحُ قَرَارًا لِهَذَا الثَّقِيلِ فَاحْتِوَاءُ الْيَدِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْإِشَالَةِ كَعَدَمِ الِاحْتِوَاءِ لِاضْطِرَارِهِ إلَى إزَالَتِهِ عَلَى قُرْبٍ (قُلْنَا) هَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّعَامِ (حَتَّى يَحُوزَهُ التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ) وَلَكِنَّ الْإِشْكَالَ بَاقٍ فَإِنَّ احْتِوَاءَ الْيَدِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْحَمْلِ قَبْضٌ حِسِّيٌّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ غَيْرُهُ وَكَانَتْ اليد فيه لمن هو في يده حسا وَصَدَقَ فِي قَوْلِهِ لَهُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ النزاع بينه وبين مَالِكَ مَوْضِعِ النِّزَاعِ (1) هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ إشْكَالٌ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَ مُجَرَّدَ دَفْعِهِ قَبْضًا وَاَللَّهُ سبحانه أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا انْقَضَى الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ حَصَلَ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبْضِ بِلَا خلاف ونقل المتولي وغيره فيه إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ (كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ) إلَى آخِرِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِنَقْدٍ مُطْلَقٍ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى نَقْدِ الْمَلِكِ فَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ النَّقْدُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَرَخُصَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَسْلَمَ فِيهَا فَرَخُصَتْ قَبْلَ الْمَحَلِّ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْبَائِعَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ بِذَلِكَ النَّقْدِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ كَمَا لَوْ تَغَيَّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَوْ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْدِ الَّذِي أَحْدَثَهُ السُّلْطَانُ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ قَبُولُهُ فَإِنْ تَرَاضَيَا بِهِ فَهُوَ اعْتِيَاضٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الثَّمَنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُهُ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ
* دَلِيلُنَا عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي الْتَزَمَهُ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ وَأَحْضَرَ دَنَانِيرَ وَدَلِيلُنَا فِي الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَمْ يُفْسَخْ الْعَقْدُ فِيهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شيئا في حال الغلاء فرخصت الاسعار
*
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(9/282)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَقِيقَةِ الْقَبْضِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْعَقَارِ
وَنَحْوِهِ بِالتَّخْلِيَةِ وَفِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ وَفِي الْمُتَنَاوِلِ بِالْيَدِ التَّنَاوُلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْقَبْضُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ بِالتَّخْلِيَةِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقَارِ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّف وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (فَإِنْ قِيلَ) فَحَوْزُهُ إلَى الرِّحَالِ لَيْسَ بِشَرْطِ الْإِجْمَاعِ (قُلْنَا) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَصْلِ النَّقْلِ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالرِّحَالِ فَخَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَدَلَّ الْإِجْمَاعُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ النَّقْلِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْعَقَارِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ إلَّا التَّخْلِيَةُ وَلِأَنَّهَا قَبْضٌ لَهُ فِي الْعُرْفِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ
* وَفِي رِوَايَةٍ (كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جِزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ (قَالَ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ابْتَاعُوا الطَّعَامَ جِزَافًا يُضْرَبُونَ فِي أَنْ يبيعوه مكانهم حتى يؤوه إلَى رِحَالِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تعالى * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء أو السمك في الماء والجمل الشارد والفرس العائر والعبد الآبق والمال المغصوب في يد الغاصب لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الغرر) وهذا غرر ولهذا قال ابن مسعود (لا تشتر والسمك في الماء فانه غرر) ولان القصد بالبيع تمليك التصرف وذلك لا يمكن فيما لا يقدر على تسليمه
* فان باع طيرا في برج مغلق الباب أو السمك في بركة لا تتصل بنهر نظرت فان قدر على تناوله إذا أراد من غير تعب جاز بيعه وإن كان في برج عظيم أو بركة عظيمة لا يقدر على أخذه إلا بتعب لم يجز بيعه لانه غير مقدور عليه في الحال وان باع العبد الآبق ممن يقدر عليه أو المغصوب من الغاصب أو ممن يقدر على أخذه منه جاز لانه لا غرر في بيعه منه)
*(9/283)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ صَحِيحٌ
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مُنْقَطِعًا ثُمَّ قَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ (وَقَوْلُهُ) فِي بِرْكَةٍ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - وَالنَّهْرُ - بِفَتْحِ الْهَاءِ - وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَحَدَ شُرُوطِ الْمَبِيعِ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفَوَاتُ الْقُدْرَةِ قَدْ يَكُونُ حِسِّيًّا وَقَدْ يَكُونُ شَرْعِيًّا فَمِنْ الشَّرْعِيِّ بَيْعُ الْمَرْهُونِ وَالْوَقْفِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَكَذَا الْجَانِي فِي قول وغير ذلك (وأما) الحسبى فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَلَا السَّمَكِ فِي الْمَاءِ الْمَمْلُوكَيْنِ لَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ بَاعَ السَّمَكَ الْمَمْلُوكَ لَهُ وَهُوَ فِي بِرْكَةٍ لَا يُمْكِنُهُ الخروج منها أو طير فِي بُرْجٍ مُغْلَقٍ فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُ بِلَا تَعَبٍ كَبِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ وَبُرْجٍ صَغِيرٍ جَازَ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهُ إلَّا بِتَعِبٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ النَّصِّ لَا يَصِحُّ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا يُحْتَاجُ فِي نَقْلِهِ إلَى مُؤْنَةٍ كَبِيرَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ لِابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ (أَمَّا) إذَا كَانَ بَابُ الْبُرْجِ مَفْتُوحًا فَلَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَا يقدر على تسليمه لتمكنه من الطير ان قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ صَحَّحْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يمنع الماء رؤيته فان منعها فيه قولا بيع الغائب ان عرف المتعاقد ان قَدْرَهُ وَصِفَتَهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ
* وَلَوْ بَاعَ الطَّيْرَ فِي حَالِ ذَهَابِهَا إلَى الرَّعْيِ أَوْ غَيْرِهِ اعْتِمَادًا عَلَى عَادَةِ عَوْدِهَا فِي اللَّيْلِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ لَا يَصِحُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الصِّحَّةُ كَالْعَبْدِ الْمَبْعُوثِ فِي شُغْلٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا وُثُوقَ بِعَوْدِهَا لِعَدَمِ عَقْلِهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ (الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ وَالْفَرَسِ الْعَائِرِ وَالْمَالِ الضَّالِّ وَنَحْوِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ عُرِفَ مَوْضِعُ الْآبِقِ وَالضَّالِّ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تسليمه في الحال هكذا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ
* قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ الْيَأْسُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَلْ يَكْفِي ظُهُورُ التَّعَذُّرِ قَالَ وَأَحْسَنَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَقَالَ إذَا عُرِفَ مَوْضِعُهُ وَعُلِمَ أَنَّهُ يَصِلُهُ إذَا رَامَ وُصُولَهُ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْآبِقِ (قُلْتُ) وَالْمَذْهَبُ ما سبق(9/284)
(وَأَمَّا) الْمَغْصُوبُ فَإِذَا بَاعَهُ مَالِكُهُ نُظِرَ إنْ قَدَرَ الْبَائِعُ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ وَتَسْلِيمِهِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَإِنْ عَجَزَ نُظِرَ إنْ بَاعَهُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْ الْغَاصِبِ لَمْ يَصِحَّ
قَطْعًا وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ قَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يَصِحُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَقْتَضِي تَكْلِيفَ الْمُشْتَرِي تَعَبَ الِانْتِزَاعِ
* وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَكِنْ لَوْ عَجَزَ من انْتِزَاعِهِ لِضَعْفٍ عَرَضَ لَهُ أَوْ قُوَّةٍ عَرَضَتْ لِلْغَاصِبِ فَلَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا خِيَارَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا حَالَ الْعَقْدِ كَوْنَهُ مَغْصُوبًا فَلَهُ الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ
* وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ مِمَّنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ رَدُّهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْمَغْصُوبِ (الصَّحِيحُ) الصِّحَّةُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْآبِقَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ وَإِعْتَاقُهُمَا بِلَا خِلَافٍ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَا يَجُوزُ كِتَابَةُ الْمَغْصُوبِ لِأَنَّهَا تقضى التَّمْكِينَ مِنْ التَّصَرُّفِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ بَاعَ مِلْحًا أو حمذا وَزْنًا وَكَانَ بِحَيْثُ يَنْمَاعُ إلَى أَنْ يُوزَنَ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ جِزَافًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبِرْكَةَ لِأَخْذِ السَّمَكِ مِنْهَا لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْبِرْكَةَ لِيَحْبِسَ فِيهَا الْمَاءَ لِيَجْتَمِعَ فِيهَا السَّمَكُ وَيَصْطَادَهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ لِأَنَّ الْبِرْكَةَ يُمْكِنُ الِاصْطِيَادُ بِهَا فَجَازَتْ إجَارَتُهَا كَالشَّبَكَةِ قَالُوا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْبِرْكَةِ لِلْحِيتَانِ أَرَادَ بِهِ إذَا حَصَلَ فِيهَا سَمَكٌ وَأَجَّرَهَا لِأَخْذِ مَا حَصَلَ فِيهَا وَهَذِهِ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ لِأَخْذِ الْغَيْرِ فَأَمَّا الْبِرْكَةُ الْفَارِغَةُ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ بَاطِلٌ فَلَوْ عَادَ الْآبِقُ بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَنْقَلِبْ الْبَيْعُ صَحِيحًا عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا لَوْ بَاعَ طَائِرًا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ بَاعَ آبقا
*
__________
(1) بياض بالاصل(9/285)
(فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ بَاعَ سَفِينَةً فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا حَالَ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ
كَانَ فِيهَا أَمْ لا فان قدر جاز
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع عين مجهولة كبيع عبد من عبيد وثوب من أثواب لان ذلك غرر من غير حاجة ويجوز أن يبيع قفيزا من صبرة لانه إذا عرف الصبرة عرف القفيز منها فزال الغرر)
* (الشَّرْحُ) الْقَفِيزُ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِهِ التمثيل وأصل القفيز مكيل يَسَعُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وثلث بالبغدادي هكذا ذكره أهل اللغة وانتخاب الْغَرِيبِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْإِرْدَبُّ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ صَاعًا وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ مَنًا وَالْمَنَا رِطْلَانِ وَالْعَنْقَلُ نِصْفُ إرْدَبٍّ قَالَ وَالْكرستون قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثمانية مكاكيل والمكول صاع ونصف وهو ثلث حجليات والعرق ثلاثة آصع (وقول) الصصنف لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ السَّلَمِ وَمِنْ أَسَاسِ الدَّارِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ كَوْنَهُ مَعْلُومًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ الْمُشْتَرَطُ عِلْمُ عَيْنِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي فُصُولٍ مُتَرَاسِلَةٍ فَبَدَأَ بِاشْتِرَاطِ عَيْنِ الْمَبِيعِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَيْنٍ مَجْهُولَةٍ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ أَحَدَ عَبِيدِي أَوْ أَحَدَ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ أَوْ شَاةً مِنْ هذا القطيع أو هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ أَوْ ثَوْبًا مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ من هذين(9/286)
أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُمْ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا وَسَوَاءٌ تساوت قيمهم وَقِيَمُ الشِّيَاهِ وَالْأَثْوَابِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَالَ وَلَكَ الْخِيَارُ فِي التَّعْيِينِ أَمْ لَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي كُلِّ هَذَا عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ إلَّا قَوْلًا قَدِيمًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ أَحَدَ عَبِيدِي أَوْ عَبِيدِي الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنْ تَخْتَارَ مِنْ بَيْنِهِمْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ الْعَقْدُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَاخْتَلَطَ بِعَبِيدٍ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ فَقَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي مِنْ هَؤُلَاءِ وَالْمُشْتَرِي يَرَاهُمْ كُلَّهُمْ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَهُ فَوَجْهَانِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ فَفِيهِ الْخِلَافُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ عِنْدِي أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ وَهَذَا أَصَحُّ
* وَلَوْ فُرِّقَتْ صِيعَانُ الصُّبْرَةِ الْمُتَمَاثِلَةِ فَبَاعَ صَاعًا مِنْهَا فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي نَظَائِرِهِ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عن شيخه القاضى أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ لِعَدَمِ الْغَرَرِ
وَكَمَا لَوْ بَاعَ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ تَعَيُّنِهِ وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ بِهِ غَرَضٌ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ أحد الصعيان بعينه ولا يجوز ابهامه وأما الدارهم فنحتاج إلَى إثْبَاتِهِ فِي الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِنْ كُلِّ جُمْلَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ صُبْرَةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ وَغَيْرِهَا لِعَدَمِ الْغَرَرِ لَكِنْ لَوْ بَاعَ جزءا شائعا من شئ بمثله من ذلك الشئ بِأَنْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِشَرِيكِهِ بِنَصِيبِهِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الصِّحَّةُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا وَفَوَائِدِهَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ
* وَلَوْ بَاعَ الْجُمْلَةَ وَاسْتَبْقَى مِنْهَا جُزْءًا شَائِعًا جَازَ مِثَالُهُ بِعْتُكَ هَذِهِ الثِّمَارَ إلَّا رُبُعَهَا وَقَدْرَ الزَّكَاةِ مِنْهَا وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا الْبُسْتَانِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا فَإِنْ أَرَادَ مَا يَخُصُّهُ إذَا وُزِّعَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ صَحَّ وَكَانَ اسْتِثْنَاءً لِلثُّلُثِ وَإِنْ أَرَادَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا عِنْدَ التَّقْوِيمِ فَلَا لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ فَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِالصِّحَّةِ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ(9/287)
أَكْثَرَ مِنْ قَفِيزٍ وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ وَكَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ فَبَاعَ صَاعًا مِنْهَا فَيَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ بَسَطَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا فِي فَصْلِ بَيْعِ مَجْهُولِ الْقَدْرِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدٍ وَلَا مِنْ عَبْدَيْنِ وَلَا ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابٍ وَلَا مِنْ ثَوْبَيْنِ سَوَاءٌ شَرَطَ الْخِيَارَ أَمْ لَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَحَّ وَإِنْ بَاعَهُ عَبْدًا مِنْ أَرْبَعَةٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدٍ أَوْ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابٍ وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ فِي الصِّفَةِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي صح البيع
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع العين الغائبة إذا جهل جنسها أو نوعها لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الغرر وفى بيع ما لا يعرف جنسه أو نوعه غرر كبير فان علم الجنس والنوع بأن قال بعتك الثوب المروى الذى في كمى أو العبد الزنجي الذى في دارى أو الفرس الادهم الذى في
اصطبلي ففيه قولان (قال) القديم والصرف يصح ويثبت له الخيار إذا رآه لما روى ابن أبى مليكة (أن عثمان رضى الله عنه ابتاع من طلحة أرضا بالمدينة نافله بارض له بالكوفة فقال عثمان بعتك ما لم أره فقال طلحة انما النظر لى لانى ابتعت مغيبا وأنت قد رأيت ما ابتعت فتحاكما إلى جبير بن مطعم فقضى على عثمان أن البيع جائز وان النظر لطلحة لانه ابتاع مغيبا ولانه عقد على عين فجاز مع الجهل بصفته كالنكاح (وقال) في الجديد لا يصح لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى عن بيع الغرر) وفى هذا البيع غرر ولانه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالمسلم (فإذا قلنا) بقوله القديم فهل تفتقر صحة البيع إلى ذكر الصفات أم لا فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يصح حتى تذكر جميع الصفات كالمسلم فيه
(والثانى)
لا يصح حتي تذكر الصفات المقصودة (والثالث) أنه لا يفتقر إلى ذكر شئ من الصفات وهو المنصوص في الصرف لان الاعتماد على الرؤية ويثبت له الخيار إذا رآه فلا يحتاج إلى ذكر الصفات
* فان وصفه ثم وجده على خلاف ما وصف ثبت له الخيار وإن وجده على ما وصف أو أعلي ففيه(9/288)
وجهان
(أحدهما)
لا خيار له لانه وجده على ما وصف فلم يكن له خيار كالمسلم فيه
(والثانى)
ان له الخيار لانه يعرف ببيع خيار الرؤية فلا يجوز ان يخلو من الخيار
* وهل يكون له الخيار على الفور ام لا فيه وجهان (قال) ابن ابى هريرة هو علي الفور لانه خيار تعلق بالرؤية فكان على الفور كخيار الرد بالعيب (وقال) ابو اسحق يتقدر الخيار بالمجلس لان العقد انما يتم بالرؤية فيصير كأنه عقد عند الرؤية فيثبت له خيار كخيار المجلس (وأما) إذا رأى المبيع قبل العقد ثم غاب عنه ثم اشتراه فان كان مما لا يتغير كالعقار وغيره جاز بيعه وقال ابو القاسم الانماطى لا يجوز في قوله الجديد لان الرؤية شرط في العقد فاعتبر وجودها في حال العقد كالشهادة في النكاح والمذهب الاول لان الرؤية تراد للعلم بالمبيع وقد حصل العلم بالرؤية المتقدمة فعلى هذا إذا اشتراه ثم وجده على الصفة الاولى أخذه وإن وجده ناقصا فله الرد لانه ما التزام العقد فيه الا على تلك الصفة وان اختلفا فقال البائع لم يتغير وقال المشترى تغير فالقول قول المشترى لانه يؤخذ منه الثمن فلا يجوز من غير رضاه وإن كان مما يجوز أن يتغير ويجوز أن لا يتغير أو يجوز أن يبقى ويجوز أن لا يبقى ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه لا يصح لانه مشكوك في بقائه على صفته
(والثانى)
يصح وهو المذهب لان الاصل بقاؤه على صفته فصح بيعه قياسا على ما لا يتغير)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ لَكِنْ فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ لَهُ فِي صَحِيحِهِ (قَوْلُهُ) الثَّوْبَ الْمَرْوِيَّ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ فَتْحُهَا مَنْسُوبٌ إلَى مَرْوَ الْمَدِينَةِ الْمَشْهُورَةِ بِخُرَاسَانَ وَالزِّنْجِيُّ - بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِهَا - وَالْإِصْطَبْلُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ (قَوْلُهُ) قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالصَّرْفُ أَيْ فِي بَيَانِ الصَّرْفِ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ وَهُوَ أَحَدُ كُتُبِ الام
* وابن أبى ملكية اسمه عبد الله بن عبد الله ابن أبى مليكة واسم أَبِي مُلَيْكَةَ زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - ابْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ التَّيْمِيُّ الْمَكِّيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ كان قاضى مكة لعبد الله ابن الزبير ومؤزنا لَهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ (وَقَوْلُهُ) نَاقَلَهُ بأرض له لكوفة هُوَ - بِالنُّونِ وَالْقَافِ - أَيْ(9/289)
بَادَلَهُ بِهَا وَنَقَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِلْكَهُ إلَى موضع آخر (وَقَوْلُهُ) ابْتَعْتُ مُغَيَّبًا هُوَ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ - (وَقَوْلُهُ) عَقْدٌ عَلَى عَيْنٍ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ السَّلَمِ (وَقَوْلُهُ) نَوْعُ بَيْعٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالنِّكَاحِ (وَقَوْلُهُ) خيار تعلق بالرؤية احتراز من خيار الْفَسْخِ كَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ وَعَيْنِهِ وَصِفَتِهِ وَهَذَا الْفَصْلُ مَعَ الْفُصُولِ الَّتِي بَعْدَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِصِفَةِ الْمَبِيعِ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَمْ تُرَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (قَالَ) فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَالصَّرْفِ مِنْ الْجَدِيدِ يَصِحُّ (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ لَا يَصِحُّ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ عَلَى صِحَّتِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَالصُّلْحِ وَالصَّدَاقِ وَالصَّرْفِ وَالْمُزَارَعَةِ وَنَصَّ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الرِّسَالَةِ وَالسِّيَرِ وَالْإِجَارَةِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ صِحَّتَهُ وَصَحَّحَ الاكثرون بطلانه ممن صححه المزني والبويطيي وَالرَّبِيعُ وَحَكَاهُ عَنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ فَتْوَى
الْجُمْهُورِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَعَلَيْهِ يُفَرِّعُونَ فِيمَا عَدَا هَذَا الْمَوْضِعَ وَيَتَعَيَّنُ هَذَا الْقَوْلُ لِأَنَّهُ الْآخِرُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَ الْغَائِبِ فِي الْقَدِيمِ وَكِتَابِ الصُّلْحِ وَالصَّرْفِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَفِي مَحَلِّ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) طَرْدُهُمَا فيما ما لَمْ يَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُمَا فِيمَا رَآهُ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْبَائِعُ فَبَاطِلٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْخِيَارَ وَالْخِيَارُ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ تَعَبُّدٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ رَآهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ قَطْعًا سَوَاءٌ رَآهُ الْبَائِعُ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَرَهُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُحَصِّلٌ وَالْبَائِعُ مُعَرِّضٌ وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمُحَصِّلِ أَوْلَى وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ اخْتِيَارُ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَشِرَائِهِ فِي إجَارَتِهِ وَكَوْنِهِ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ إذَا سَلَّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي المصالحة عليه وفى قفه (وَأَمَّا) إذَا أَصْدَقَهَا عَيْنًا غَائِبَةً أَوْ خَالَعَهَا عَلَيْهَا أَوْ عَفَى عَنْ الْقِصَاصِ صَحَّ النِّكَاحُ وَحَصَلَتْ الْبَيْنُونَةُ فِي الْخُلْعِ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَا خلاف(9/290)
فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَفِي صِحَّةِ الْمُسَمَّى فِيهَا الْقَوْلَانِ فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَلَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ
* وَفِي رَهْنِ الْغَائِبِ وَهِبَتِهِ الْقَوْلَانِ وَقِيلَ هُمَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِعَدَمِ الْغَرَرِ وَلِهَذَا إذَا صَحَّحْنَاهُمَا فَلَا خِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الْغَائِبِ وَشِرَاءَهُ فَعَلَيْهِ فُرُوعٌ (أَحَدُهَا) اسْتِقْصَاءُ الْأَوْصَافِ عَلَى الْحَدِّ الْمُعْتَبَرِ فِي السَّلَمِ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ وَكَذَا سَمَاعُ وَصْفِهِ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَقُومُ وَبِهِ قطع العراقيون (الثاني) إذا كان الشئ مِمَّا لَا يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ عَلَى الْبَاقِي فان كان المرئ صِوَانًا لَهُ - بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا - كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَالْقِشْرِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَقِشْرِ الْبُنْدُقِ وَنَحْوِهِ كَالْخُشْكَنَانِ كَفَى رُؤْيَتُهُ وَصَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ واللوز ونحوهما بانفراده مادام فِي قِشْرِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِتَغْيِيرِ عَيْنِ الْمَبِيعِ (أَمَّا) إذَا رَأَى الْمَبِيعَ مِنْ وَرَاءِ قَارُورَةٍ هُوَ فِيهَا لَمْ يَكْفِ بَلْ هُوَ بَيْعُ غَائِبٍ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ التَّامَّةَ لَا تَحْصُلُ بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ صَلَاحٌ لَهُ بِخِلَافِ السَّمَكِ يَرَاهُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي مَعَ سُهُولَةِ
أَخْذِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَمَا سَبَقَ وَكَذَا الْأَرْضُ يَعْلُوهَا مَاءٌ صَافٍ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ صَلَاحِهَا (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَكْفِي رُؤْيَةُ الْبَعْضِ عَلَى قَوْلِنَا بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْغَائِبِ (وَأَمَّا) التَّفْرِيعُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثالث) قال أصحابنا الرؤية في كل شئ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ فَفِي شِرَاءِ الدَّارِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْبُيُوتِ وَالسُّقُوفِ وَالسُّطُوحِ وَالْجُدْرَانِ دَاخِلًا وَخَارِجًا وَالْمُسْتَحَمِّ وَالْبَالُوعَةِ وَفِي الْبُسْتَانِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْجُدْرَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَرْضِ وَمَسَايِلِ الْمَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ أَسَاسِ الْبُنْيَانِ وَالْبُسْتَانِ وَالدَّارِ وَلَا عُرُوقِ الْأَشْجَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ طَرِيقِ الدَّارِ وَالْمَاءِ الَّذِي يَدُورُ بِهِ الرَّحَى وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَبْدِ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْأَطْرَافِ وَلَا تجوز روية الْعَوْرَةِ وَفِي بَاقِي الْبَدَنِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِ الرَّقْمِ
* وَفِي الْجَارِيَةِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) كَالْعَبْدِ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْخِدْمَةِ وَالتَّصَرُّفِ (وَالثَّالِثُ) يَكْفِي رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَفِي الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يُشْتَرَطُ وَفِي رُؤْيَةِ الشَّعْرِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ
* وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّوَابِّ رُؤْيَةُ مُقَدِّمِهَا وَمُؤَخِّرِهَا(9/291)
وَقَوَائِمِهَا وَرَفْعُ السَّرْجِ أَوْ الْإِكَافِ وَالْجُلِّ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَجْرِيَ الْفَرَسُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَعْرِفَ سيره فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (الْأَصَحُّ) لَا يُشْتَرَطُ وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ الْمَطْوِيِّ نَشْرُهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ النَّشْرُ فِي بيع الثوب التى لا تنشر أصلا الا عِنْدَ الْعَقْدِ لِمَا فِي نَشْرِهَا مِنْ النَّقْصِ وَالضَّرَرِ
* ثُمَّ إذَا نُشِرَتْ الثِّيَابُ فَمَا كَانَ مِنْهَا صَفِيقًا كَالدِّيبَاجِ الْمَنْقُوشِ اُشْتُرِطَ رُؤْيَةُ وَجْهَيْهِ وكذا يشترط رؤية وجهى البسط والرلالى وَأَمَّا مَا كَانَ رَفِيعًا كَالْكِرْبَاسِ فَيَكْفِي رُؤْيَةُ أَحَدِ وَجْهَيْهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (قَالَ) أَصْحَابُنَا ولا يصح بيع الثياب التوزية في المنسو عَلَى هَذَا الْقَوْل وَهِيَ التُّوزِيَّةُ - بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ زَايٍ - وَيُشْتَرَطُ فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهَا تَقْلِيبُ الْأَوْرَاقِ وَرُؤْيَةُ جَمِيعِهَا وَفِي الْوَرَقِ الْبَيَاضِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الطَّاقَاتِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ
*
(فَرْعٌ)
أَمَّا الْقُفَاعُ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ يُفْتَحُ رَأْسُهُ فَيُنْظَرُ فِيهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِيَصِحَّ بَيْعُهُ
* وَأَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي الْكُوزِ مِنْ مَصَالِحِهِ وَلِأَنَّهُ تَشُقُّ رُؤْيَتُهُ وَلِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَلَيْسَ فِيهِ غَرَرٌ يَفُوتُ بِهِ مَقْصُودٌ مُعْتَبَرٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَعَلَيْهِ فُرُوعٌ (أَحَدُهَا) إذَا لَمْ تُشْتَرَطْ الرُّؤْيَةُ اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ فَيَقُولُ بِعْتُكَ عَبْدِي التُّرْكِيَّ وَفَرَسِي الْعَرَبِيَّ أَوْ الْأَدْهَمَ أَوْ ثوبي المروى أو الحنطة الجبلية أو السهيلة وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَوْ أَخَلَّ بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ فَقَالَ بعتك ما في كفي أو كمى أو خزانتى أَوْ مِيرَاثِي مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ يَعْرِفُ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُمَا لَا يُشْتَرَطَانِ فَيَصِحُّ بَيْعُ مَا فِي الْكُمِّ وَنَحْوِهِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْجِنْسِ دُونَ النَّوْعِ فَيَقُولُ عَبْدِي وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهُمَا شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ
* وَإِذَا ذَكَرَ الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ فَفِي افْتِقَارِهِ مَعَ ذَلِكَ إلَى ذِكْرِ الصِّفَاتِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَفْتَقِرُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ(9/292)
وَالصَّرْفِ
(وَالثَّانِي)
يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ مُعْظَمِ الصِّفَاتِ وَضَبَطَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِمَا يَصِفُ بِهِ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي (وَالثَّالِثُ) يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ صِفَاتِ السلم وهذان الوجهان ضعيفان الثالث أضعف من الثاني والثاني قول القاضى أبو حامد المروذى وَالثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ
* فَعَلَى الْمَنْصُوصِ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ مِنْ نَوْعٍ فَبَاعَ أحدهما اشترط تميبزه بِسِنٍّ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ فَإِنْ وَصَفَهَا بِجَمِيعِهَا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي نَفْيِ الْغَرَرِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي السَّلَمِ وَالسَّلَمُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَيَقُولُ بِعْتُكَ دَارًا بِبَغْدَادَ وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْبُقْعَةِ مِنْ الْبَلَدِ وَجْهَانِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ يُتَعَجَّلُ إنْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ يُؤَجَّلُ إنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ لَا يُشْتَرَطُ
ذِكْرُ الْبُقْعَةِ مِنْ الْبَلَدِ
* وَإِذَا ذَكَرَ الْبَلَدَ الَّذِي فِيهِ الْمَبِيعُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ فَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي بَلَدِ الْبَيْعِ وَكَانَ الْمَبِيعُ فِي غَيْرِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِخِلَافِ السَّلَمِ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ (الثَّانِي) إذَا شَرْطَنَا الْوَصْفَ فَوَصَفَهُ فَإِنْ وَجَدَهُ دُونَ مَا وَصَفَ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا وَصَفَ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ (وَأَشْهُرُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا هُنَا (أَصَحُّهُمَا) ثُبُوتُهُ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ سَوَاءٌ كَانَ شَرَطَ الْخِيَارَ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* وَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ حَتَّى يَنْفُذَ فَسْخُهُ وَإِجَازَتُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَنْفُذَانِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْفُذُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ يَنْفُذُ فَسْخُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ دُونَ إجَازَتِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُشْتَرِي (وَأَمَّا) الْبَائِعُ ففيه ثلاثة أوجه (أصحها) لَا خِيَارَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ رَأَى الْمَبِيعَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْخِيَارَ فِي جَانِبِهِ تَعَبُّدٌ
(وَالثَّانِي)
لَهُ الْخِيَارُ فِي الْحَالَيْنِ كَالْمُشْتَرِي (وَالثَّالِثُ) لَهُ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَكُنْ رَآهُ(9/293)
وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ
* وَحَيْثُ قُلْنَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ هَلْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يمتد مادام مجلس الرؤية وهو قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ السِّلْسِلَةِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ
(أَحَدُهُمَا)
يَثْبُتُ كَمَا يَثْبُتُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْحَاضِرَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَثْبُتُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْفَوْرِ لِئَلَّا يَثْبُتَ خِيَارُ مَجْلِسَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَعَلَى الثَّانِي يَمْتَدُّ إلَى انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ قَالَ وَالْفَرْعُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلى الوارث فالى متى يمتفيه وجهان
(أحدهما)
على الفور
(والثانى)
مادام الْوَارِثُ فِي مَجْلِسِ خَبَرِ الْمَوْتِ وَقَدْ سَبَقَتْ المسألة واضحة (والثالث) هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الرُّؤْيَةِ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَسْتَصْوِبُهُ مِنْ فَسْخٍ أَوْ إجَازَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي خِيَارِ الْخُلْفِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ خِيَارُ شَهْوَةٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْصٍ وَلَا غَرَضٍ فَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ (الرابع) إذا لم تشترط الرُّؤْيَةَ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْتَ رَأَيْتَ الْمَبِيعَ فَلَا خِيَارَ لَكَ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ
(وَالثَّانِي)
الْبَائِعُ فَإِنْ شَرَطْنَا الرُّؤْيَةَ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِصِحَّتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَلَا يَنْفَكُّ هَذَا عَنْ خِلَافٍ قُلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي شَرْطٍ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ الْأَصَحُّ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسَادِ فَيَتَعَيَّنُ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلَعَلَّ الْغَزَالِيَّ فَرَّعَهَا عَلَى الْأَصَحِّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَأَى ثَوْبَيْنِ فَسَرَقَ أَحَدَهُمَا فَاشْتَرَى الثَّانِيَ وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا الْمَسْرُوقَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ إنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَصِفَتُهُمَا وَقَدْرُهُمَا كَنِصْفَيْ كِرْبَاسٍ وَاحِدٍ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وان اختلفا في شئ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ(9/294)
ثَوْبَيْنِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُنَا وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ مَرْئِيًّا حَالَةَ الْعَقْدِ وَقَدْ سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ فَاكْتُفِيَ بِهَا
* وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اعْتَرَضَ عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي هَذَا الْفَرْعِ فَقَالَ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا تَسَاوَتْ صِفَتُهُمَا وَقَدْرُهُمَا وَقِيمَتُهُمَا مَعَ إجْرَائِهِ الْخِلَافَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ وَالتَّحْقِيقُ يُوجِبُ إجْرَاءَ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْأَوْصَافِ فِي صُورَةِ التَّسَاوِي كَمَا أَجْرَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأُنْمُوذَجِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لانه اعتمد مساواة غير المبيع فِي الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ بِهِ بِالْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ كَالْأُنْمُوذَجِ الَّذِي لَيْسَ بِمَبِيعٍ الْمُسَاوِي فِي الصِّفَةِ لِلْمَبِيعِ وَلَا فَرْقَ فَإِنَّ ذِكْرَهُ التَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ اعتبار للقيمة مع الوصف ولا وجود لمناله فِي هَذَا الْبَابِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو وَهَذَانِ الِاعْتِرَاضَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا فَاسِدَانِ (أَمَّا الْأَوَّلُ) فَلَيْسَ هَذَا كَمَسْأَلَةِ الْأُنْمُوذَجِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ الْأُنْمُوذَجِ لَيْسَ مَرْئِيًّا وَلَا سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ وَهُنَا سَبَقَتْ رُؤْيَةُ الثَّوْبَيْنِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ يَجِبُ إجْرَاءُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى فَالْفَرْقُ أن الثوبين في الثانية مختلفين فَيَحْصُلُ الْغَرَرُ بِخِلَافِ الْأُولَى (وَأَمَّا) الِاعْتِرَاضُ
الثَّانِي فَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ تَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِي نَحْوِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي فَيَحْصُلُ الْغَرَرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَلْ يُشْتَرَطُ الذَّوْقُ فِي الْخَلِّ وَنَحْوِهِ عَلَى قَوْلِنَا بِاشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ وَكَذَلِكَ الشَّمُّ فِي الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ وَاللُّبْسُ فِي الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهَا
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي هَذَا النَّوْعِ اخْتِلَافٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ عَلَى قَوْلِنَا بِجَوَازِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَفِي انْفِسَاخِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي مَسَائِلِ خِيَارِ الشَّرْطِ
* وَلَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ فِي زَمَنِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ(9/295)
كَمَا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُجِيزًا لِلْعَقْدِ وَهُنَا لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَأَى بَعْضَ الثَّوْبِ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ فِي صُنْدُوقٍ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ
(وَالثَّانِي)
بَاطِلٌ قَطْعًا لِأَنَّ مَا رَآهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَرَهُ فِيهِ الْخِيَارُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ممتنع والطريق الاول قول أبى اسحق وَالثَّانِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ
* وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئَيْنِ رَأَى أَحَدَهُمَا فقط فان ابطلنا بيع الغائب بطل فيما لم يره وفى المرئى قولا تفريق الصفقة (وان) صححنا بَيْعَ الْغَائِبِ فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فِيهِمَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِأَنَّ مَا رَآهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَرَهُ فِيهِ الْخِيَارُ (فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَهُ الرَّدُّ فِيمَا لَمْ يَرَهُ وَإِمْسَاكُ مَا رَآهُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا لَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الْغَائِبِ فَاشْتَرَى مَا رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَرَهُ حَالَ الْعَقْدِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا كَالْأَرْضِ وَالْأَوَانِي وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهَا أَوْ كَانَ لَا يَتَغَيَّرُ فِي الْمُدَّةِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالرُّؤْيَةِ
صَحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ ولا يجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ هَكَذَا قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ الْأَنْمَاطِيُّ فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ وَهَذَا فاسد ودليل الجيع فِي الْكِتَابِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مِقْلَاصٍ مِنْ تَلَامِذَةِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلَ قَوْلِ الْأَنْمَاطِيِّ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ فَوَجَدَهُ كَمَا رَآهُ أَوَّلًا فَلَا خِيَارَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعِ غَائِبٍ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَلَهُ الْخِيَارُ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ ليتبين ابْتِدَاءِ الْمَعْرِفَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِتَغْيِيرِهِ حُدُوثَ عَيْبٍ فَإِنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ الرُّؤْيَةُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فِي الصِّفَاتِ الْكَائِنَةِ عند الرُّؤْيَةِ فَكُلُّ مَا فَاتَ مِنْهَا فَهُوَ كَتَبَيُّنِ الْخُلْفِ فِي الشَّرْطِ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ (الْحَالُ الثَّانِي) أن يكون المبيع مما يتغير في تلك الْمُدَّةِ غَالِبًا فَإِنْ رَأَى مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ يَتَغَيَّرُ فِيهَا فِي الْعَادَةِ فَالْبَيْعُ(9/296)
بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ (الثَّالِثُ) أَنْ يَمْضِيَ على المبيع بعد الرؤية زمان يُحْتَمَلُ أَنْ يَبْقَى فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَبْقَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَغَيَّرَ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ أَوْ كَانَ حَيَوَانًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْأَصْحَابِ صِحَّةُ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا إنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ قَالَ الْأَوَّلُ نَصُّهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اخْتَلَفَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فِي التَّغَيُّرِ فَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ كَادِّعَائِهِ اطِّلَاعَهُ عَلَى الْعَيْبِ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أن يكون حال البيع متذكر الاوصاف فان نسيها لطول المدة ونحوه فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ وَهَذَا الَّذِي
قَالَهُ غَرِيبٌ لم يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَأَى بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ عَلَى الْبَاقِي صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَذَلِكَ كَصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ تَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا وَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَأَى بَعْدَ ذلك باطهنا إلَّا إذَا خَالَفَ ظَاهِرَهَا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَحَكَى أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِ الصُّبْرَةِ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْبَلَهَا لِيَعْرِفَ بَاطِنَهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ صُبْرَةُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَنَحْوِهَا فَلَوْ رَأَى شَيْئًا مِنْهَا فِي وِعَائِهِ فَرَأَى أَعْلَاهُ أَوْ رَأَى أَعْلَى السَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالْخَلِّ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ فِي ظُرُوفِهَا كَفَى ذَلِكَ وَصَحَّ الْبَيْعُ وَلَا يَكُونُ بَيْعَ غَائِبٍ
* وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ فِي بَيْتٍ مَمْلُوءٍ مِنْهَا فَرَأَى بَعْضَهَا مِنْ الْكُوَّةِ أَوْ الْبَابِ كَفَى إنْ عَرَفَ سَعَةَ الْبَيْتِ وَعُمْقَهُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا حُكْمُ الْحَمْدِ فِي الْمَحْمَدَةِ إنْ رَأَى أعلاه(9/297)
وَعَرَفَ سِعَتَهَا وَعُمْقَهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَكْفِي رُؤْيَةُ صُبْرَةِ السَّفَرْجَلِ والرمان والبطيخ نحو ذَلِكَ بَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قالوا ولا يكفى في سلة العنب والتين والخوج وَنَحْوِ ذَلِكَ رُؤْيَةُ أَعْلَاهُ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا بخلاف الحبوب (وأما) الثمرفان لَمْ يَلْتَزِقْ بَعْضُ حَبَّاتِهِ بِبَعْضٍ فَصُبْرَتُهُ كَصُبْرَةِ الجوز واللوز فَيَصِحُّ بَيْعُهَا وَإِنْ الْتَزَقَتْ كَقَوْصَرَّةِ التَّمْرِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (الصَّحِيحُ) الِاكْتِفَاءُ بِرُؤْيَةِ أَعْلَاهَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَكْفِي بَلْ يَكُونُ بَيْعَ غَائِبٍ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ اللَّازِقِ وَغَيْرِهِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى قَوْلِ بَيْعِ الْغَائِبِ (واصحهما) وهو قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا (وَأَمَّا) الْقُطْنُ فِي الْأَعْدَالِ فَهَلْ يَكْفِي رُؤْيَةُ أَعْلَاهُ فيه خلاف حكاه الصميرى قَالَ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ كَقَوْصَرَّةِ التَّمْرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
* (فَرْعٌ)
إذَا رَأَى أُنْمُوذَجًا مِنْ الْمَبِيعِ مُنْفَصِلًا عَنْهُ وَبَنَى أَمْرَ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ نُظِرَ إنْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كذا وكذا فالبيع بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مَالًا وَلَمْ يُرَاعِ شُرُوطَ السَّلَمِ وَلَا يَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الْوَصْفِ فِي السَّلَمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ النِّزَاعِ بِخِلَافِ هَذَا
* وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ الْحِنْطَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَيْتِ وَهَذَا الْأُنْمُوذَجُ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ الْأُنْمُوذَجَ فِي الْبَيْعِ فَوَجْهَانِ
(أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ البيع لان المبيع غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَإِنْ أَدْخَلَهُ صَحَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ رَآهُ مُتَّصِلًا بِالْبَاقِي وَإِنْ شِئْتَ جَمَعْتَ الصُّورَتَيْنِ فَقُلْتَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الصِّحَّةُ
(وَالثَّانِي)
الْبُطْلَانُ (وَأَصَحُّهَا) إنْ أَدْخَلَ الْأُنْمُوذَجَ فِي الْبَيْعِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُتَمَاثِلَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم
* (فرع)
إذا اشْتَرَى الثَّوْبَ الْمَطْوِيَّ وَصَحَّحْنَاهُ فَنَشَرَهُ وَاخْتَارَ الْفَسْخَ وَلَمْ يُحْسِنْ طَيَّهُ وَكَانَ لِطَيِّهِ مُؤْنَةٌ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَجَبَتْ مُؤْنَةُ طَيِّهِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَقَلَهُ إلَى بَيْتِهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّ مُؤْنَةَ رَدِّهِ عَلَى الْمُشْتَرِي
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يصح بيع الشاة المذبوحة قبل الفسخ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ أَمْ لَا سَوَاءٌ بَاعَ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ مَعًا أَوْ أحدهما ولا يجوز بيع الاكارع والروس قَبْلَ الْإِبَانَةِ وَفِي(9/298)
الْأَكَارِعِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا
* وَيَجُوزُ بيعهما بعد الابانة نية ومشوية وكذا المسموط نيا ومشويا وفى النئ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَسْتُورٌ بِالْجِلْدِ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ جِلْدٌ مَأْكُولٌ فَأَشْبَهَ المشوى
* (فرع)
إذا رأى فصار لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ جَوْهَرٌ أَوْ زُجَاجٌ فَاشْتَرَاهُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرُّؤْيَةِ انْتِفَاءُ الْغَرَرِ وَلَمْ يَحْصُلْ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ لِوُجُودِ الْعِلْمِ بِعَيْنِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ رَأَى أَرْضًا وَآجُرًّا وَطِينًا ثُمَّ بَنَى حَمَّامًا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ بِذَلِكَ الْآجُرِّ وَالطِّينِ فَاشْتَرَى الْحَمَّامَ وَلَمْ يَرَهُ وَهُوَ حَمَّامٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا تَغَيَّرَ الصِّفَاتُ وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَحْصُلْ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَى رُطَبًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ تَمْرًا لَمْ يَصِحَّ قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ هَذَا غَرَرٌ كَبِيرٌ تَخْتَلِفُ بِهِ الْأَغْرَاضُ هَذَا إذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْغَائِبِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ يَصِحُّ لَوْ رَأَى سَخْلَةً فَصَارَتْ شَاةً أَوْ صَبِيًّا فَصَارَ رجلا ولم يره غير الرُّؤْيَةِ الْأُولَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَفِيهِ قَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَلَا خِيَارَ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَتَبَايَعَاهُ بِشَرْطِهِ فَهَلْ الْعَقْدُ تَامٌّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فيه وجهان
(أحدهما)
قاله أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ لَيْسَ تَامًّا لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالرِّضَا بِهِ وَقَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يَحْصُلُ الرِّضَا فَعَلَى هَذَا إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَمْ يَقُمْ وَارِثُهُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي لَيْسَ بِلَازِمٍ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا لَوْ جُنَّ أَحَدُهُمَا أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ بَطَلَ الْعَقْدُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْعَقْدَ تَامٌّ وَلَهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ بَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَإِنْ جُنَّ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي اسحق أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَيَدُومُ مَا لَمْ يُفَارِقْ الْمَجْلِسَ قَالَ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْمَجْلِسِ خِيَارَ الثَّلَاثِ وَتَأْجِيلَ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةَ فِيهِ وَالنُّقْصَانَ مِنْهُ وَعِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ لَا خِيَارَ لَهُ إلَّا بِعَيْبٍ وَلَيْسَ لَهُ شَرْطُ خِيَارِ الثَّلَاثِ وَلَا تَأْجِيلُ(9/299)
الثَّمَنِ وَلَا الزِّيَادَةُ فِيهِ وَلَا النَّقْصُ مِنْهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ (قَالَ) فَأَمَّا بَيْعُ الْحَاضِرِ بِشَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ كَثَوْبٍ فِي سَفَطٍ أَوْ مَطْوِيٍّ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْغَرَرِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ قَوْلًا واحدا قل وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو إسحق وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ الْحَاضِرَ تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى بَيْعِهِ بِشَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ
* وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ مِثْلَهُ بِحُرُوفِهِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ تَخْرِيجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْعُ الْجَزَرِ وَالسَّلْجَمِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فِي دِمَشْقَ اللفت والبصل ونحوها في الارض قبل قلعه بِشَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ أَصْحَابِنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ الْغَائِبِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْغَائِبَ يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِخِلَافِ هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْغَائِبَ إذَا فُسِخَ الْعَقْدُ فِيهِ يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ بِخِلَافِ هَذَا
* (فَرْعٌ)
إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا غَائِبًا فَحَضَرَ وَنَشَرَ بَعْضَهُ وَنَظَرَ إلَيْهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ
لا يبطل خياره حتى يرى جميعه
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَضْبُوطًا بِخَبَرٍ فَفِي بَيْعِهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الِاعْتِبَارُ فِي رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَعَدَمِهَا بِالْعَاقِدِ فَإِذَا وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ عَيْنًا فَإِنْ رَآهَا الْوَكِيلُ حَالَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ وَاكْتَفَيْنَا بالرؤية السابقة صح انبيع قَوْلًا وَاحِدًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ رَآهَا أَمْ لَا وَلَا خِيَارَ إذَا رَآهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَرَهَا الْوَكِيلُ وَلَكِنْ رَآهَا الْمُوَكِّلُ فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ(9/300)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ الثَّوْبُ عَلَى مِنْسَجٍ قَدْ نُسِجَ بَعْضُهُ فَبَاعَهُ عَلَى أَنْ يَنْسِجَ الْبَائِعُ بَاقِيَهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لِعِلَّتَيْنِ (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى جُبَّةً مَحْشُوَّةً وَرَأَى الْجُبَّةَ دُونَ الْحَشْوِ صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَرَ أَسَاسَهَا وَقَدْ نَقَلَ الْمَازِرِيُّ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَصِحُّ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ (مَذْهَبُ) الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ الْبَيْعُ إذَا وَصَفَهُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا رَآهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ (وَالثَّالِثُ) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا وُصِفَ وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ وأيوب السختياني ومالك وعبيد الله بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ نَصْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ صححه بقوله تعالى (وأحل الله البيع) وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ إلَّا بَيْعًا مَنَعَهُ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) وَبِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ وَهْبٍ الْبَكْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ) وَبِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الزَّوْجَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَةِ الْأَسْفَلِ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ
* وَاحْتَجَّ الاصحاب بحديثي أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَهَذَا غَرَرٌ ظَاهِرٌ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْمَعْدُومِ الْمَوْصُوفِ كَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَغَيْرِهِ وَبِحَدِيثِ (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك) وَسَبَقَ بَيَانُهُ
* وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَهِيَ عَامَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ فَهُوَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ باتفاق المحدثين(9/301)
وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ مَكْحُولًا تَابِعِيٌّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ أَحَدَ رُوَاتِهِ ضَعِيفٌ فان أبا بكر ابن أَبِي مَرْيَمَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ وَعُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ مَشْهُورٌ بِالضَّعْفِ وَوَضْعِ الْحَدِيثِ
* وَمِمَّنْ رَوَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ضَعِيفٌ وَعُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَضَعُ الْحَدِيثَ قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ قَوْلِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَشِرْ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَنَا أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا أَنْ يَنْتَشِرَ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ اسْتِبَاحَةُ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى تَرْكِ الرُّؤْيَةِ هُنَاكَ لِمَشَقَّتِهَا غَالِبًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ أَنَّ ظَاهِرَهُمَا يَقُومُ مَقَامَ بَاطِنِهِمَا فِي الرُّؤْيَةِ كَصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ وَلِأَنَّ فِي اسْتِتَارِ بَاطِنِهَا مَصْلَحَةً لَهَا كَأَسَاسِ الدَّارِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْغَائِبِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى مَا لَوْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ الْمَبِيعَ هُنَاكَ يَكُونُ مَعْلُومًا لِلْمُشْتَرِي حال العقد بخلاف مسألتنا والله سبحانه وتعالى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن باع الاعمى أو اشترى شيئا لم يره (فان قلنا) ان بيع ما لم يره البصير لا يصح لم
يصح بيع الاعمى وشراؤه (وإن قلنا) يصح ففى بيع الاعمى وشرائه وجهان
(أحدهما)
يصح كما يصح من البصير فيما لم يره ويستنيب في القبض والخيار كما يستنيب في شرط الخيار
(والثانى)
لا يصح لان بيع ما لم يره يتم بالرؤية وذلك لا يوجد في حق الاعمى ولا يمكنه أن يوكل في الخيار لانه خيار ثبت بالشرع فلا تجوز الاستنابة فيه كخيار المجلس بخلاف خيار الشرط)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَذْهَبُ بُطْلَانُ بَيْعِ الْأَعْمَى وَشِرَائِهِ وَهَذَا مُخْتَصَرُهُ وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الْغَائِبِ وَشِرَاءَهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْأَعْمَى وَلَا شِرَاؤُهُ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى رُؤْيَتِهِ فَيَكُونُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ فَيُقَامُ وَصْفُ(9/302)
غَيْرِهِ لَهُ مَقَامَ رُؤْيَتِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ وَصْفِ السِّلْعَةِ لَهُ وَيَكُونُ الْوَصْفُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَرُؤْيَةِ الْبَصِيرِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ لَمْ تصح أيضا اجازته وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ وَفِي مُكَاتَبَتِهِ عَبْدَهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ
* وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ وَلِلْعَبْدِ الْأَعْمَى أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ وَأَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِعِلْمِهِ بِنَفْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا خِلَافٍ وَفِي ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ فِي النِّكَاحِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا إذَا زَوَّجَ وَكَانَ الصَّدَاقُ مَالًا مَعِيبًا لَمْ يَثْبُتْ الْمُسَمَّى بَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَكَذَا لَوْ جَامَعَ عَلَى مَالٍ مُعَيَّنٍ (أَمَّا) إذا أسلم في شئ أَوْ أُسْلِمَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَمِيَ بَعْدَ بُلُوغِهِ سِنَّ التَّمْيِيزِ صَحَّ السَّلَمُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ الْأَوْصَافَ ثُمَّ يُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ بِنَفْسِهِ عَلَى أَصَحِّ الوجهين لانه لا تمييز بين المستحق وغيره فان خلق أُعْمِيَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ الصِّحَّةُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَوْ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالسَّمَاعِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَوْصُوفًا وَعُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ فَهُوَ كَبَيْعِهِ الْعَيْنَ وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَتُحْتَمَلُ صِحَّةُ وَكَالَتِهِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ
مِنْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْبِيهِ حَيْثُ قَالَ مَنْ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يُوَكِّلُ فِيهِ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فَالْأَعْمَى لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَنَحْوُهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْأَعْمَى رَأَى شَيْئًا لَا يَتَغَيَّرُ صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ إيَّاهُ إذَا صَحَّحَنَا ذَلِكَ مِنْ الْبَصِيرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَلَكَ الْأَعْمَى شَيْئًا بِالسَّلَمِ أَوْ الشِّرَاءِ حَيْثُ صَحَّحْنَاهُ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بَلْ يُوَكِّلُ بَصِيرًا يَقْبِضُهُ لَهُ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ فَلَوْ قَبَضَهُ الْأَعْمَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ(9/303)
شَيْئًا ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْأَعْمَى فَهَلْ يَنْفَسِخُ هَذَا الْبَيْعُ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْتُ الْأَصَحُّ لَا يَبْطُلُ
* (فَرْعٌ)
الْأَعْمَى يُخَالِفُ الْبَصِيرَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ (إحْدَاهَا) لَا يَجْتَهِدُ فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ فِي قَوْلٍ (الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا رَاتِبًا إلَّا مَعَ بَصِيرٍ كَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعَ بِلَالٍ (الثَّالِثَةُ) لَا يَجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ (الرَّابِعَةُ) لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا (الْخَامِسَةُ) الْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْهُ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ (السَّادِسَةُ) لَا حَجَّ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا (السَّابِعَةُ) تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَحِلُّ صَيْدُهُ بِإِرْسَالِهِ كَلْبًا أَوْ سَهْمًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الثَّامِنَةُ) لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِجَارَتُهُ وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ وَمُسَاقَاتُهُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ (الْعَاشِرَةُ) لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ وَصِيًّا فِي وَجْهٍ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَا تَجُوزُ مُكَاتَبَتُهُ عَبْدَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَا يَكُونُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ فِي وَجْهٍ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لَا تُؤْخَذُ عَيْنُ الْبَصِيرِ بِعَيْنِهِ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) لَا يَكُونُ سُلْطَانًا (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) لَا جِهَادَ عَلَيْهِ (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لَا يَكُونُ قَاضِيًا (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ الا فيما تحمله قبل العمى أن بالاستفاضة أو على من تعلق به
*
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا رأى بعض المبيع دون بعض نظرت فان كان مما لا تختلف اجزاؤه كالصبرة من الطعام
والجرة من الدبس جاز بيعه لان برؤية البعض يزول غرر الجهالة لان الظاهر ان الباطن كالظاهر وان كان مما يختلف نظرت فان كان مما يشق رؤية باقيه كالجوز في القشر الاسفل جاز بيعه لان رؤية الباطن تشق فسقط اعتبارها كرؤية أساس الحيطان وان لم تشق رؤية الباقي كالثوب المطوى ففيه طَرِيقَانِ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كبيع ما لم ير شيأ منه (ومنهم) من قال يبطل البيع قولا واحدا لِأَنَّ مَا رَآهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَمَا لم يره فيه الخيار وذلك لا يجوز في عين واحدة)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي الفروع السابقة والله سبحانه أعلم
*(9/304)
قال المصنف رحمه الله
* (واختلف أصحابنا في بيع الباقلاء في قشريه فقال أبو سعيد الاصطخرى يجوز لانه يباع في جميع البلدان من غير انكار (ومنهم) من قال لا يجوز وهو المنصوص في الام لان الحب قد يكون صغارا وقد يكون كبارا وقد يكون في بيوته م الا شئ فيه وقد يكون فيه حب متغير وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ
* واختلفوا أيضا في بيع نافجة المسك فقال أبو العباس يجوز بيعها لان النافجة فيها صلاح للمسك لان بقاءه فيها أكثر فجاز بيعه فيها كالجوز في القشر الاسفل ومن أصحابنا من قال لا يجوز وهو ظاهر النص لانه مجهول القدر مجهول الصفة وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ
* واختلفوا في بيع الطلع في قشره فقال أبو إسحق لا يجوز بيعه لان المقصود مستور بما لا يدخر فيه فلم يصح بيعه كالتمر الجراب وقال أبو على بن أبى هريرة رضى الله عنه يجوز لانه مستور بما يؤكل معه من القشر فجاز بيعه فيه كالقثاء والخيار
* واختلف قوله في بيع الحنطة في سنبلها (فقال) في القديم يجوز لما روى أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بيع الحب حتى يشتد) (وقال) في الجديد لا يجوز لانه لا يعلم قدر ما فيها من الحب ولا صفة الحب وذلك غرر لا تدعوا الحاجة إليه فلم يجز)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وفى الباقلى لُغَتَانِ سَبَقَتَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ التَّخْفِيفُ مَعَ الْمَدِّ وَالتَّشْدِيدُ مَعَ الْقَصْرِ (وَقَوْلُهُ) غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ أَسَاسِ الدَّارِ وَمِنْ السَّلَمِ
* وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ - بِالنُّونِ وَالْفَاءِ وَالْجِيمِ - وَهِيَ ظَرْفُهُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مِنْ أَصْلِهِ وَالْجِرَابُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا - الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَالْقِثَّاءُ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا - الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَهُوَ مَمْدُودٌ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ بَيْعُ الباقلى فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَ أَخْضَرَ أَوْ يَابِسًا وَأَمَّا بَيْعُهُ فِي قِشْرَةِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فَإِنْ كَانَ يَابِسًا لَمْ يَجُزْ عَلَى قَوْلِنَا بِمَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ جاز هكذا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ
* وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِيهِ وَلَا حَاجَةَ إلى(9/305)
شِرَائِهِ كَذَلِكَ
* وَإِنْ كَانَ رَطْبًا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ يَجُوزُ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّتُهُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أمر أن يشترى له الباقلى الرَّطْبُ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَآخَرِينَ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ (الثَّانِيَةُ) فِي بَيْعِ طَلْعِ النَّخْلِ مَعَ قِشْرِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (الثَّالِثَةُ) الْمِسْكُ طَاهِرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ قَوْلُ الشِّيعَةِ قَالُوا لِأَنَّهُ دَمٌ وَلِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ وَمَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ خَلْطٌ صَرِيحٌ وَجَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ وَلَوْلَا خَوْفُ الِاغْتِرَارِ بِهِ لَمَا تَجَاسَرْتُ عَلَى حِكَايَتِهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ أنهم رأوا وبيض الْمِسْكِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْعَقَدَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ دَمٌ فَلَا يَسْلَمُ وَلَوْ سَلِمَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ نَجَاسَتُهُ فَإِنَّهُ دَمٌ غَيْرُ مَسْفُوحٍ كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ مُنْفَصِلٌ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ فَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الظَّبْيَةَ
تَلْقِيهِ كَمَا تُلْقِي الْوَلَدَ وَكَمَا يُلْقِي الطَّائِرُ الْبَيْضَةَ فَيَكُونُ طَاهِرًا كَوَلَدِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ وَبَيْضِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ نَجَاسَتُهُ فَإِنَّ الْعَسَلَ مِنْ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ طَاهِرٌ حَلَالٌ بِلَا شَكٍّ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرَتِهِ وَهِيَ نَافِجَتُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ مُطْلَقًا قَالَهُ ابن سيريج لَمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
إنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً وَشَاهَدَ الْمِسْكَ فِيهَا وَلَمْ يَتَفَاوَتْ ثَمَنُهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ بِيعَ مَعَهَا أَوْ دُونَهَا مَفْتُوحَةً وَغَيْرَ مَفْتُوحَةٍ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ
* وَلَوْ رَأَى الْمِسْكَ خَارِجَ الْفَأْرَةِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ وَبَاعَهُ فِيهَا وَهِيَ مَفْتُوحَةُ الرَّأْسِ صَحَّ الْبَيْعُ قَطْعًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَفْتُوحَةٍ فَقَدْ قَالُوا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَضَى عَلَيْهِ زَمَنٌ يَتَغَيَّرُ فِيهِ غَالِبًا وَإِلَّا فَيَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا(9/306)
لِأَنَّهُ قَدْ رَآهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ المسك المخلوط بغيره لم يصح قولا واحد الان الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِالْمَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا الزَّبَادُ فَهُوَ لَبَنُ سِنَّوْرٍ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَلِأَصْحَابِنَا فِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ إذَا قُلْنَا بِنَجَاسَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ
(أَحَدُهُمَا)
نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ
(وَالثَّانِي)
طَاهِرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْمِسْكِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالصَّوَابُ طَهَارَتُهُ وَصِحَّةُ بَيْعِهِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ حِلُّ لَحْمِ كُلِّ حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَحِلُّ لَبَنِهِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِهِمَا إذَا كَانَ مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمِسْكَ الْمُخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمُخْتَلِطِ بِالْمَاءِ وَالْمُرَادُ إذَا خَالَطَ الْمِسْكُ غَيْرَهُ لَا عَلَى وَجْهِ التَّرْكِيبِ فَإِنْ كَانَ مَعْجُونًا مَعَ غَيْرِهِ كَالْغَالِيَةِ وَالنَّدِّ جَازَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيهِ
*
(فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ وَتَمْيِيزِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْهُ وَكَذَا تُرَابُ الصَّاغَةِ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِذَهَبٍ أَمْ بِفِضَّةٍ أَمْ بِغَيْرِهِمَا هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَبَيْعُ تُرَابِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ بِمَا يُخَالِفُهُ بِالْوَزْنِ إنْ كَانَ ذَهَبًا وَوَافَقْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ بِحَالٍ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ فِي الْعَادَةِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ فِيهِ كَبَيْعِ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَقَبْلَ السَّلْخِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ ونحو ذلك فإذا باع ثمرة لاكمام لَهَا كَالتِّينِ وَالْعِنَبِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ صَحَّ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ بَاعَهَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الشَّجَرِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِهَا عَلَى الشَّجَرِ كَوْنُهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ باع الشعير أو الذرة أو السلت مه سُنْبُلِهِ جَازَ قَبْلَ الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ بِلَا خِلَافٍ لان حباته ظَاهِرَةٌ
* وَلَوْ كَانَ لِلثَّمَرِ وَالْحَبِّ كِمَامٌ لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ كَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ(9/307)
وَالْعَلَسِ جَازَ بَيْعُهُ فِي كِمَامِهِ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) مَالَهُ كِمَامَانِ يُزَالُ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الآخر إلى وقت الاكل كالجوز واللوز والرانح فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ بِلَا خِلَافٍ ولا يجوز في القشر الا على لَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا عَلَى الشَّجَرِ لَا رَطْبًا وَلَا يَابِسًا وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ حَكَاهُ الخراسانيون يجوز مادام رَطْبًا وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا (أَمَّا) مَا لَا يُرَى حَبُّهُ فِي سُنْبُلِهِ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَالسِّمْسِمِ وَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَمَا دَامَ فِي سُنْبُلِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا عَنْ سُنْبُلِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَالْمَعْدِنِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ (أَمَّا) إذَا بَاعَ هَذَا النَّوْعَ مَعَ سُنْبُلِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ وَفِي الْأَرُزِّ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) صِحَّةُ بَيْعِهِ فِي سُنْبُلِهِ كَالشَّعِيرِ وَلِأَنَّهُ يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ فَأَشْبَهَ الْعَلَسَ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْحِنْطَةِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَزَرِ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَسْتُورٌ
وَيَجُوزُ بَيْعُ أَوْرَاقِهَا الظَّاهِرَةِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْقُنَّبِيطِ فِي الْأَرْضِ لِظُهُورِهِ وَكَذَا نَوْعٌ مِنْ الشَّلْجَمِ يَكُونُ ظَاهِرًا وَهُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ - وَالْقُنَّبِيطُ - بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ - كَذَا هُوَ فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّوْزِ فِي الْأَعْلَى قَبْلَ انْعِقَادِ الْأَسْفَلِ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ كُلُّهُ كَالتُّفَّاحِ
* (فَرْعٌ)
حَيْثُ قُلْنَا بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي هذه الصور السَّابِقَةِ فَهَلْ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْغَائِبِ فِيهِ طَرِيقَانِ سَبَقَا عَنْ حِكَايَةِ الْمَاوَرْدِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ فَإِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ فِي بَيْعِ الْجَزَرِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ هُوَ مُفَرَّعًا عَلَيْهِ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ يُمْكِنُ رَدُّ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِصِفَتِهِ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ سَبَقَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَسَبَقَ ايضاح الفرق(9/308)
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فباع الجوز مثلا في قشره الا على مَعَ الشَّجَرِ أَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ فِي سُنْبُلِهَا مَعَ الْأَرْضِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَوْزِ وَالْحِنْطَةِ وَفِي بُطْلَانِهِ فِي الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْجَمِيعِ لِلْجَهْلِ بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ وَتَعَذُّرِ التَّوْزِيعِ
* وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَبْذُورَةً مَعَ الْبَذْرِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ فِي الْأَرْضِ وَفِي الْبَذْرِ تَبَعًا لَهَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِي الْبَذْرِ ثُمَّ فِي الْأَرْضِ الطَّرِيقَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ لَا يَقُولُ بِالتَّوْزِيعِ بَلْ يُوجِبُ جَمِيعَ الثَّمَنِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا بِالضَّعِيفِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى بُطْلَانِهَا وَلَهُ عِلَّتَانِ مَعَ الْحَدِيثِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّهُ بَيْعُ حِنْطَةٍ وَتِبْنٍ بِحِنْطَةٍ وَذَلِكَ رِبًا (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ بَيْعُ حِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهَا
* فَلَوْ بَاعَ شَعِيرًا فِي سُنْبُلِهِ بِحِنْطَةٍ خَالِصَةٍ صَافِيَةٍ وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ بَاعَ زَرْعًا
قَبْلَ ظُهُورِ حَبِّهِ بِحَبٍّ مِنْ جِنْسِهِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْحَشِيشَ لَيْسَ رِبَوِيًّا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا
* ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَصِحُّ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي بَيْعِ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالشَّلْجَمِ وَالْفُجْلِ وَهُوَ غَائِبٌ فِي مَنْبَتِهِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ بُطْلَانُ بَيْعِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَالَ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِبُطْلَانِهِ أَقُولُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع مجهول القدر فان قال بعتك بعض هذه الصبرة لم يصح البيع لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الغرر وفى بيع البعض غرر لانه يقع على(9/309)
القليل والكثير ولانه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بقدر المبيع كالسلم
* وان قال بعتك هذه الصبرة جاز وان لم يعرف قفزانها وان قال بعتك هذه الدار أو هذا الثوب جاز وان لم يعرف ذرعانهما لان غرر الجهالة ينتفي عنهما بالمشاهدة قال الشافعي وأكره بيع الصبرة جزافا لانه يجهل قدرها على الحقيقة
* وان قال بعتك ثلثها أو ربعها أو بعتك الا ثلثها أو ربعها جاز لان من عرف الشئ عرف ثلثه أو ربعه وما يبقى بعدهما
* وان قال بعتك هذه الصبرة الا قفيزا منها أو هذه الدار أو هذا الثوب الا ذراعا منه نظرت فان علما مبلغ قفزان الصبرة وذرعان الدار والثوب جاز لان المبيع معلوم وان لم يعلما ذلك لم يجز لِمَا رَوَى جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن الثنيا) ولان المبيع هو الباقي بعد القفيز والذراع وذلك مجهول
* وإن قال بعتك عشرة أقفزة من هذه الصبرة جاز لانها معلومة القدر والصفة فان اختلفا فقال البائع أعطيك من أسفلها وقال المشترى من أعلاها فالخيار إلى البائع فمن أي موضع أعطاه جاز لانه أعطاه من الصبرة وإن قال بعتك عشرة أذرع من هذه الدار أو عشرة اذرع من هذا الثوب فان كانا يعلمان مبلغ ذرعان الدار والثوب وانها مائة ذراع صح البيع في عشرها لان العشرة من المائة عشرها فلا فرق بين أن يقول بعتك عشرها وبين أن يقول
بعتك عشرة من مائة ذراع منها وان لم يعلما مبلغ ذرعان الدار والثوب لم يصح لانه ان جعل البيع عشرة أذرع مشاعة لم يعرف قدر المبيع أنه عشرها أو ثلثها أو سدسها وان جعل البيع في عشرة أذرع من موضع بعينه لم يعرف صفة المبيع فان أجزاء الثوب والدار تختلف وقد يكون بعضها أجود من بعض وان قال بعتك عشرة أذرع ابتداؤها من هذا المكان ولم يبين المنتهى ففيه وجهان (احدهما) لا يصح لان أجزاء المبيع مختلفة وقد ينتهى إلى موضع يخالف موضع الابتداء
(والثانى)
أنه يصح لانه يشاهد السمت وان بين الابتداء والانتهاء صح في الدار (وأما) في الثوب فانه ان كان مما لا ينقص قيمته بالقطع فهو كالدار وان كان مما ينقص لم يصح لانه شرط إدخال نقص عليه فيما لم يبع من الثوب ومن أصحابنا من قال يصح لانه رضى بما يدخل عليه من الضرر)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ صَحِيحٌ رَوَاهُ مسلم(9/310)
وَسَبَقَ بَيَانُهُ
* وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَزَادَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) قَالَ الترمذي وهو حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الترمذي والنسائي حسنة فانها مبينة لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ
* وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَفِيزِ وَأَنَّ الذِّرَاعَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ وَالتَّأْنِيثُ أفصح (وقوله) لان نَوْعٌ بِيعَ فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ بِقَدْرِهِ احْتِرَازٌ مِنْ شَرْطِ الثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بَعْضَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ بَعْضَ الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَعْلَمَا مَبْلَغَ صِيعَانِهَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَيَنْزِلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ مِائَةَ صَاعٍ فَالْمَبِيعُ عُشْرُ عُشْرِهَا فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا تَلِفَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمَبِيعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَنْزِيلِهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) الْمَبِيعُ صَاعٌ مِنْ الْجُمْلَةِ غَيْرُ مُشَاعٍ أَيُّ صَاعٍ كَانَ وَعَلَى هَذَا قَالُوا يَبْقَى الْمَبِيعُ مَا بَقِيَ صَاعٌ وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا لَمْ يُقَسَّطْ عَلَى
الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِ (الْحَالُ الثَّانِي) إن كان لا يعلما أَوْ أَحَدُهُمَا مَبْلَغَ صِيعَانِهَا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ فرق صيعانها وقال بِعْتُكَ صَاعًا مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى المذهب وبه قط الْأَصْحَابُ إلَّا الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فَصَحَّحَهُ وَسَبَقَ نَقْلُهُ عَنْهُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَصِحُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَطَوَائِفُ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومُ الْقَدْرِ فَصَارَ كالبيع بدرهم مطلق فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُنَزَّلُ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ صِفَةَ الدِّرْهَمِ وَلَا وَزْنِهِ لِكَوْنِهِ مَعْرُوفًا وَكَذَا الصَّاعُ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُفْتِي بِالصِّحَّةِ مَعَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ الْبُطْلَانَ فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ الْمُسْتَفْتِي يَسْتَفْتِينِي عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا عَنْ اعْتِقَادِي (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ الصِّحَّةُ فَالْمَبِيعُ صَاعٌ مِنْهَا أَيُّ صَاعٍ كَانَ فَلَوْ تَلِفَ جَمِيعُهَا إلَّا صَاعًا تَعَيَّنَ الْعَقْدُ فِيهِ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ صَاعًا مِنْ أَعْلَاهَا وَإِنْ شَاءَ مِنْ أَسْفَلِهَا وَإِنْ شَاءَ مِنْ جَوَانِبِهَا وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ بَاطِنِ الصُّبْرَةِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ لِأَنَّ رؤية ظاهر الصبرة كرؤية(9/311)
وكلها وهذا الذى ذكرناه من أنه إذا تلفت إلَّا صَاعًا وَاحِدًا تَعَيَّنَ الْعَقْدُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ
* وَقَالَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ لَا يَتَعَيَّنُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ فَلَوْ تَلِفَتْ كُلُّهَا إلَّا بَعْضَ صَاعٍ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي إنْ رَضِيَهُ وَسَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ مِنْ الصَّاعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا صَاعًا مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مجهول القدر وليس متميزا حتى تكفى في الْمُشَاهَدَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الصِّيعَانِ صَحَّ الْبَيْعُ وَنَزَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ كَانَ الْمَبِيعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا وَاحْتَجَّ الْقَفَّالُ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ كَمَا حَكَيْنَا عَنْ اخْتِيَارِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ الْقَفَّالِ أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَجْهُولِ وَالْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ وَالْإِبْهَامُ يعمهما قال وفى الفرق غموض واعترض عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غُمُوضٌ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومُ الْمِقْدَارِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ صَاعٍ مِنْ الصُّبْرَةِ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ إلَّا صَاعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ الصُّبْرَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ الْجَوْزِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جِزَافًا وَلَمْ يَعْلَمْ وَاحِدٌ
منهما قدرها كيلا ولا وزنا ولكن شاهداها فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَيَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَجْزَاءَهَا مُتَسَاوِيَةٌ وَيَشُقُّ تَقْلِيبُهَا وَالنَّظَرُ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْمَطْوِيِّ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ بِصُبْرَةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ جِزَافًا لَا يَعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَدْرَهَا لَكِنَّهَا مُشَاهَدَةٌ لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لَكِنْ هَلْ يُكْرَهُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ جِزَافًا وَالْبَيْعُ بِصُبْرَةِ الدَّرَاهِمِ جِزَافًا فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ وَمِمَّنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَ الصُّبْرَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ بَطَلَ الْبَيْعُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَهُ نِصْفَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ عُشْرَهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَائِهَا الْمَعْلُومَةِ أَوْ بَاعَهَا إلَّا نِصْفَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَائِهَا الْمَعْلُومَةِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ (أَمَّا) إذَا(9/312)
قَالَ بِعْتُكَ بَعْضَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ نَصِيبًا منها أو جزءا أو هما أَوْ مَا شِئْتَ وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الْعِبَارَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قَدْرٌ مَعْلُومٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَهِيَ عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك قَفِيزًا مِنْهَا جَازَ لِأَنَّهُ بَاعَهُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا تَضُرُّ جَهَالَةُ جُمْلَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومُ التفصيل والمبيع معلوم بالمشاهدة فانتفقى الْغَرَرُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ
* وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ في شئ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَلَفْظُ كُلٍّ لِلْعَدَدِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُكَ أَقْفِزَةً مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي صَاعٍ وَاحِدٍ بِدِرْهَمٍ حَكَاهُ عَنْهُ الرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ كَمَا قَالَ فِي نَظِيرِهِ فِي الْإِجَارَةِ إذَا قَالَ أَجَرْتُكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِدِرْهَمٍ
* وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا إذا قال بتعك كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَى جَمِيعِ الصُّبْرَةِ بِخِلَافِ
مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصبرة كل صاع بِدِرْهَمٍ قَالَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ فَيُقَالُ إنْ قَالَ بِعْتُكَ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ بَطَلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَصِحُّ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي صَاعٍ وَاحِدٍ قَالَ وَكَذَلِكَ يُفَرَّقُ فِي الْإِجَارَةِ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فَسَوَّى بَيْنَ قَوْلِهِ بِعْتُكَ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَصَحَّحَ الْبَيْعَ فِي الصُّورَتَيْنِ فِي جَمِيعِ الصُّبْرَةِ وَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ الْفَرْقُ وَهُوَ صِحَّتُهُ فِي بِعْتُكَ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَبُطْلَانُهُ فِي بِعْتُكَ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ عَشْرَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَغْنَامِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَلِمَ عَدَدَ الشِّيَاهِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ مِثْلِهِ فِي الصُّبْرَةِ وَالثَّوْبِ والارض فانه يصح وَيَنْزِلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ لِأَنَّ قِيمَةَ الشِّيَاهِ تَخْتَلِفُ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ قَالَ مِثْلَهُ فِي الْأَرْضِ أَوْ الثَّوْبِ نُظِرَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ كما ذكر صح البيع وان زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا(9/313)
فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ لِوُجُودِ الْإِشَارَةِ إلَى الصُّبْرَةِ وَيَلْغُو الْوَصْفُ فَعَلَى هَذَا إنْ خَرَجَ نَاقِصًا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَإِنْ أَجَازَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُخَيَّرُ بِقِسْطِ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ قَابَلَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ
(وَالثَّانِي)
يُخَيَّرُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قابل الجملة به وان خرج زائد فَلِمَنْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْمُشْتَرِي فَعَلَى هَذَا لَا خِيَارَ لَهُ قَطْعًا وَلَا لِلْبَائِعِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
(وَالثَّانِي)
يَكُونُ لِلْبَائِعِ فَعَلَى هَذَا لَا خِيَارَ لَهُ وَفِي ثُبُوتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) ثُبُوتُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَتْ الصُّبْرَةُ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ فِيهِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ فَبَاعَهَا وَهِيَ كَذَلِكَ أَوْ بَاعَ السَّمْنَ أَوْ نَحْوَهُ فِي ظَرْفٍ مُخْتَلِفِ الْأَجْزَاءِ رِقَّةً وَغِلَظًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ رُؤْيَةٌ تُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَهَذَا ضَعِيفٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَى الْمُحَقِّقِينَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَوَقْتُ الْخِيَارِ هُنَا مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الصُّبْرَةِ أَوْ التَّمَكُّنَ مِنْ تَخْمِينِهِ بِرُؤْيَةِ مَا تَحْتَهَا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْبُطْلَانِ فَلَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ وَالْمُشْتَرِي يَظُنُّهَا عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ فَبَانَ تَحْتَهَا دَكَّةٌ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ
فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَالْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ وَهُوَ اختيار الشيخ أبو مُحَمَّدٍ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمِقْدَارِ تَخْمِينًا أَوْ تَحْقِيقًا شَرْطٌ وَقَدْ تَبَيَّنَّا فَوَاتَهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزِيدَك صَاعًا فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ هِبَةً فَبَاعَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ شَرْطٌ عُقِدَ فِي عَقْدٍ وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهُ فَبَاعَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ الصُّبْرَةِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّاعُ مَجْهُولًا فَهُوَ بَيْعٌ مَجْهُولٌ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا لَمْ يَصِحَّ إذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لِأَنَّا نَجْهَلُ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَجُمْلَتَهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَزِيدُهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ وَأَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ كَانَ الثَّمَنُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ فَيَنْظُرُ إنْ كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حِصَّةَ كُلِّ صَاعٍ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الصِّيعَانِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كتب العراقيين(9/314)
حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) يصح وبهذا قطع إمام الحرمين والغزالي والبغوى وَالرَّافِعِيُّ وَمُعْظَمُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَإِذَا كَانَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ فَقَدْ بَاعَهُ كُلَّ صَاعٍ وَتُسْعَ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَادَّعَى الرُّويَانِيُّ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ كُلَّهُمْ جَزَمُوا بِهِ سِوَى الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَلِطَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى فَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ فِي ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ
* وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك صَاعًا فَإِنْ أَرَادَ رَدَّ صَاعٍ إلَيْهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ تِسْعَةُ آصُعٍ أَخَذْت مِنْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَتْ الصِّيعَانُ مَجْهُولَةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْجُمْهُورُ وَغَيْرُهُمْ صِحَّةُ الْبَيْعِ فَإِذَا كَانَتْ تِسْعَةَ آصُعٍ فَقَدْ بَاعَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَتُسْعٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزْيَدَك صَاعًا أَوْ أَنْقُصَك صَاعًا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يُنْقِصُهُ أَوْ يَزِيدُهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَهَبَ لِي مِنْهَا صَاعًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ شَرَطَ هِبَةَ الْبَائِعِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الثَّمَنَ بِجُمْلَتِهِ يُقَابِلُ جَمِيعَ الصُّبْرَةِ إلَّا
صَاعًا مِنْهَا وَهِيَ مَعْلُومَةُ الصِّيعَانِ صَحَّ الْبَيْعُ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ كل صاع بدرهم وتسع دراهم أَعْنِي إذَا كَانَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَأْخُذُ جَمِيعَ الصِّيعَانِ الْعَشَرَةِ وَيُعْطِيَهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا جَازَ أَيْضًا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً وَإِنْ قَالَ أَزِيدَك مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يَصِحَّ بِكُلِّ حَالٍ لِلْجَهَالَةِ
* قَالَ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ الْأَرْضَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزِيدَك ذِرَاعًا أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك ذِرَاعًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ نَظِيرِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَتْ لَهُ صُبْرَةٌ بَعْضُهَا حنطة وبعضها شعير مُخْتَلَطٌ وَبَاعَ جَمِيعَهَا جِزَافًا جَازَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مشاهد وان باع مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ سَوَاءٌ جَازَ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لَهُ صُبْرَةٌ وَلِآخَرَ صُبْرَةٌ فَقَالَ بِعْتُكَ مِنْ صُبْرَتِي بِقَدْرِ صُبْرَتِكَ بِدِينَارٍ لم(9/315)
يَصِحَّ الْبَيْعُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
فِيمَا إذَا كَانَ البيع فِيمَا لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ كَالْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالثَّوْبِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ سَوَاءٌ عَلِمَا ذُرْعَانَهَا أَمْ لَا كَمَا قُلْنَا فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَقَالَ الماوردي في الحاوى إنْ عَلِمَا ذُرْعَانَهَا صَحَّ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ يَجُوزُ كَالصُّبْرَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ لَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ قَالَ الرُّويَانِيُّ لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْبَغْدَادِيِّينَ بَعْضَهُمْ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ رُبُعَ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ ثُلُثَهَا فَيَصِحُّ قَطْعًا سَوَاءٌ عَلِمَا ذرعانها أم لَا وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ كل ذراع بدرهم لم صح قطعا ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي صَاعٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الدَّارِ تَخْتَلِفُ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ ذُرْعَانُهَا مَجْهُولَةً لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَاهُ الْآنَ مِنْ اخْتِلَافِ أَجْزَاءِ الدَّارِ دُونَ الصُّبْرَةِ وَإِنْ كَانَتْ ذُرْعَانُهَا مَعْلُومَةً لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ عِنْدَنَا وَحُمِلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِذَا كَانَتْ مِائَةَ ذِرَاعٍ كَانَ الْمَبِيعُ
عُشْرَهَا مُشَاعًا وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (وَالصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ أَذْرُعًا مُعَيَّنَةً فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ كَشَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ
* وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَرَدْت الْإِشَاعَةَ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ أَرَدْت مُعَيَّنًا فَفِيمَنْ يُصَدَّقُ احْتِمَالَانِ (أَرْجَحُهُمَا) يُصَدَّقُ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ مُفْسِدٍ لِلْعِقْدِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مُرَجَّحٌ وَالظَّاهِرُ جَرَيَانُ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ صَحِيحَةً (وَأَمَّا) هُنَا فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ النَّاوِي لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) إذَا قَالَ فِي الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ بِعْتُكَ مِنْ هُنَا إلَى هُنَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَقَفَ فِي وَسَطِهَا فَقَالَ بِعْتُكَ أَذْرُعًا ابْتِدَاؤُهَا مِنْ هُنَا وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تُذْرَعُ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَيَتَفَاوَتُ بِهِ الْغَرَضُ وَإِنْ قَالَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ هُنَا إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فِي جَمِيعِ(9/316)
الْعَرَضِ وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَى أَيْنَ يَنْتَهِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَهُوَ قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَهُ الاكثرون منهم والرافعي وغيرهم لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ قَدْ ينتهى الذرع إلَى مَوْضِعٍ يُخَالِفُ الِابْتِدَاءَ وَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ هَذَا (الثَّالِثَةُ) إذَا بَاعَ ذِرَاعًا أَوْ أَذْرُعًا مِنْ ثَوْبٍ فَإِنْ كَانَتْ ذُرْعَانُهُ مَعْلُومَةً لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ وَنَزَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِنْ كَانَ بَاعَهُ ذِرَاعًا وَالْجُمْلَةُ عَشَرَةٌ كَانَ الْمَبِيعُ الْعَشَرُ شَائِعًا كَمَا سَبَقَ فِي الصُّبْرَةِ وَفِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ السَّابِقُ فِي الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالصُّبْرَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
* وَإِنْ كَانَتْ ذرعا مجهولة لهما أو لاحدهما نظران كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ كَالْكِرْبَاسِ الْغَلِيظِ وَنَحْوِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يَصِحُّ الْبَيْعُ كَبَيْعِ أَذْرُعٍ مِنْ أَرْضٍ وَصِيعَانٍ مِنْ صُبْرَةٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَإِنْ كَانَ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ شَرْطُ إدْخَالِ نَقْصٍ فِي
عَيْنِ الْمَبِيعِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ واختاره صاحب التقريب القاسم بن القفال الساسى وَقَاسُوهُ عَلَى بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ الدَّارِ وَعَلَى بَيْعِ أَحَدِ زَوْجَيْ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ نقصت قيمتهما بتقدير التفريق والفرق أن ذَلِكَ النَّقْصُ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْخُفِّ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا
* وَإِذَا جَمَعَتْ صُورَتَيْ الثَّوْبِ قُلْتُ إذَا بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ ثَوْبٍ مَجْهُولِ الذُّرْعَانِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الصِّحَّةُ
(وَالثَّانِي)
الْبُطْلَانُ (وَأَصَحُّهَا) إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ حيث قلنا لا يصح أن يواطئ صاحيه على شرائه ثم يقطعه قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيه بَعْدَ قَطْعِهِ فَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ سَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ أَوْ إنَاءٍ أَوْ نَحْوِهَا صَحَّ بِلَا خِلَافٍ وَصَارَ مُشْتَرَكًا وَلَوْ عَيَّنَ بَعْضَهُ وَبَاعَهُ لَمْ يَصِحَّ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ القياس أن يجئ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ (أَمَّا) إذَا بَاعَ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ جِدَارٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ(9/317)
كان فوقه شئ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِهَدْمِ مَا فَوْقَهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نُظِرَ إنْ كَانَ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ طِينٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ من لبن أو آجر جاز هكذا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا جُعِلَتْ النِّهَايَةُ صِنْفًا مِنْ الْآجِرِ أَوْ اللَّبِنِ دُونَ مَا إذَا جُعِلَ الْمُقَطَّعُ نِصْفَ سُمْكِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي تَجْوِيزِهِ إذَا كَانَ مِنْ آجُرٍّ أَوْ لَبِنٍ إشْكَالٌ وَإِنْ جُعِلَتْ النِّهَايَةُ مَا ذَكَرُوهُ لِأَنَّ مَوْضِعَ الشِّقِّ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّ رَفْعَ بعض الجدار ينقص قيمة الباقي فليفسد الْبَيْعُ وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ بَاعَ جِذْعًا فِي بِنَاءٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ النَّقْصَ يَحْصُلُ بِالْهَدْمِ قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِذْعِ وَالْآجُرِّ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ بَاعَ فَصًّا فِي خَاتَمٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا الْبُسْتَانِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا إذَا وُزِّعَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَيَكُونُ قَدْ اسْتَثْنَى ثُلُثَهَا فيحصل البيع في ثلثيها بثلاثة آلَافٍ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا صَحَّ الْبَيْعُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَلَوْ قَالَ إلَّا مَا يُسَاوِي أَلْفًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ مَا يُسَاوِي الْأَلْفَ مَجْهُولٌ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ بِعْتُكَ ملء هَذَا الْكُوزِ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَفِي صِحَّةِ البيع وجها
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي مِلْئِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ
* وَلَوْ عَيَّنَ فِي الْبَيْعِ أَوْ السَّلَمِ مِكْيَالًا مُعْتَادًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَالسَّلَمُ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ فِي البيع والسلم ويلغوا تَعْيِينُهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا غَرَضَ فِيهَا والله سبحانه وتعالى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان قال بعتك هذا السمن مع الظرف كل منا بدرهم نظرت فان لم يعلما مقدار السمن والظرف لم يجز لان ذلك غرر لان الظرف قد يكون خفيفا وقد يكون ثقيلا وان علما وزنهما جاز لانه لا غرر فيه)
* (الشَّرْحُ) الْمَنَا عَلَى وَزْنِ الْعَصَا هُوَ رِطْلَانِ بالبغدادي وفيه لغة ضعيفة من بِتَشْدِيدِ النُّونِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ السَّمْنِ فِي الظَّرْفِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ السَّمْنُ أَوْ الزَّيْتُ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَدْهَانِ(9/318)
وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِي ظَرْفٍ فَرَآهُ ثم اشترى منه رِطْلًا أَوْ أَرْطَالًا صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ هَكَذَا قَطَعُوا بِهِ ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ الْقَفَّالِ فِي بَيْعِ صَاعٍ مِنْ الصُّبْرَةِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا رَآهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ ظَرْفِهِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا صَحَّ الْبَيْعُ سَوَاءٌ كَانَ ظَرْفُهُ مِنْ فَخَّارٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ كَانَ زِقًّا وَسَوَاءٌ عَرَفَا وَزْنَهُمَا أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ قَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا الوزن قال وليس هذا بشئ
* وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ أَوْ رُبُعَهُ صَحَّ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ جَمِيعَ هَذَا السَّمْنَ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَيُوزَنُ السَّمْنُ فِي شئ آخَرَ وَيُوزَنُ فِي ظَرْفِهِ ثُمَّ يُسْقَطُ وَزْنُ الظَّرْفِ بَعْدَ تَفْرِيغِهِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وينبغى أن يجئ فيه الوجه السابق عن أبى الحسين ابن الْقَطَّانِ فِي مِثْلِهِ فِي الصُّبْرَةِ (الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُوزَنَ مَعَهُ الظَّرْفُ ثُمَّ يَحُطُّ وَزْنُ الظَّرْفِ صَحَّ الْبَيْعُ بِالِاتِّفَاقِ كَالصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا هَكَذَا تُبَاعُ فِي الْعَادَةِ وَلِأَنَّهُ لَا غَرَرَ (الْخَامِسَةُ) إذَا
قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُوزَنَ الظَّرْفُ مَعَهُ وَيُحْسَبُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَزْنُهُ وَلَا يَكُونُ الظَّرْفُ مَبِيعًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي بَيْعِ السَّمْنِ أَنْ يَزْنِ مَعَهُ غَيْرَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْوَزْنُ مَعَهُ مَبِيعًا فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَكِيلَ مَعَهَا شَعِيرًا هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَا وَزْنَ الظَّرْفِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إذَا عَلِمَا وَزْنَ الظَّرْفِ وَالسَّمْنِ وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك صَاعًا وَأَحْسِبَ ثَمَنَهُ عَلَيْك وَهِيَ مَعْلُومَةُ الصِّيعَانِ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ حِينَئِذٍ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي هَذَا وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ ثُمَّ حَكَى كَلَامَ ابْنِ الصَّبَّاغِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَمُرَادُهُ مَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي أَوْ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَهُوَ كَثِيرُ النَّقْلِ عَنْهُمَا (السَّادِسَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ بِظَرْفِهِ كُلَّ رِطْلٍ مِنْ المجمو بِدِرْهَمٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَشْهُرُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَجُمْهُورُ سَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ أَنَّهُمَا إنْ عَلِمَا وَزْنَ كُلِّ وَاحِدٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ مُطْلَقًا وَهُوَ الاصح(9/319)
عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَبِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مَرْئِيَّةٌ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى فَوَاكِهَ مِنْ أَجْنَاسٍ وَهِيَ مُخْتَلِطَةٌ وَزْنًا أَوْ حِنْطَةً مُخْتَلِطَةً بِالشَّعِيرِ كَيْلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ السَّمْنُ وَهُوَ مَجْهُولٌ بِخِلَافِ الْفَوَاكِهِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا مَقْصُودَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ لِلظَّرْفِ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ وَزْنِهِ (السَّابِعَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هذا السمن بعشرة عَلَى أَنْ أَزِنَهُ بِظَرْفِهِ ثُمَّ أَسْقَطَ الثَّمَنَ بِقِسْطِ وَزْنِ الظَّرْفِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ كَانَا عِنْدَ الْعَقْدِ عَالِمَيْنِ قَدْرَ وَزْنِ الظَّرْفِ وَقَدْرَ قِسْطِهِ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ هَلْ يَكُونُ الْمُسْقَطُ دِرْهَمَيْنِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ عَشَرَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَصَارَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا قَالُوا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ كُلَّ رِطْلٍ ثُمَّ أَظْرَفَ كَذَا وَزْنُ الظَّرْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّ حَاصِلَهُ بَيْعُ السَّمْنِ جَمِيعِهِ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ فَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ وَزْنِ الظَّرْفِ
*
(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى السَّمْنَ وَنَحْوَهُ مَعَ ظَرْفِهِ جِزَافًا صَحَّ الْبَيْعُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا كَانَا قَدْ شَاهَدَا الظَّرْفَ فَارِغًا وَعَرَفَا قَدْرَ ثَخَانَتِهِ أَوْ كَانَتْ ثَخَانَتُهُ مَعْلُومَةً بِالْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ مِمَّا تَخْتَلِفُ ثَخَانَتُهُ وَتَتَفَاوَتُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ السَّمْنَ وَحْدَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ فَإِذَا بَاعَهُمَا فَأَوْلَى بِالْبُطْلَانِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ الظَّرْفُ يستوفه (1) وَرَأَى أَعْلَاهَا فَإِنْ كَانَتْ جَوَانِبُهَا مُسْتَتِرَةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً وَلَكِنَّ أَسْفَلَهَا مستتر قال الاصحاب لَا يَصِحُّ قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْجَوَانِبِ عَلَى الْأَسْفَلِ لِأَنَّ الْغَالِبَ اسْتِوَاؤُهُمَا فَإِنْ خَرَجَ أَغْلَظَ مِنْ الْجَوَانِبِ ثَبَتَ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً فَخَرَجَ تَحْتَهَا دَكَّةٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الْمِسْكَ مَعَ فَأْرَتِهِ كُلَّ مِثْقَالٍ بِدِينَارٍ فهو
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(9/320)
كبيع السمن بظرفه كل رطل بدرهم ويجئ فِيهِ بَاقِي الْمَسَائِلِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ السَّمْنَ مَعَ ظَرْفِهِ جِزَافًا صَحَّ الْبَيْعُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ لَبَنًا مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اللَّبَنُ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ وَلَا مَعْلُومٍ (وَأَمَّا) هُنَا فَالْمَقْصُودُ السَّمْنُ وَهُوَ مُتَمَيِّزٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ مَعَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى جَامِدًا فِي ظَرْفِهِ كَالدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مُوَازَنَةً كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ بِشَرْطِ أَنْ يُوزَنَ مَعَ ظَرْفِهِ ثُمَّ يُسْقِطُ قَدْرَ وَزْنِ الظَّرْفِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْجَامِدَ لَا يُحْتَاجُ إلَى وَزْنِهِ مَعَ ظَرْفِهِ لِإِمْكَانِ وَزْنِهِ بِدُونِهِ قالا وإلى هذا ميل أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الصَّوَابُ إذْ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ وَلَا غَرَرَ وَلَا جَهَالَةَ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ أَوْ غَيْرِهَا فِي ظَرْفِهِ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ يُوزَنَ بِظَرْفِهِ وَيُسْقَطُ أَرْطَالٌ مُعَيَّنَةٌ بِسَبَبِ الظَّرْفِ وَلَا يُوزَنُ الظَّرْفُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ
لِأَنَّهُ غَرَرٌ ظَاهِرٌ وَهَذَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَسْوَاقِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (واختلف أصحابنا في بيع النحل في الكندوج فقال ابو العباس يجوز بيعه لانه يعرف مقدارة حال دخوله وخروجه
* ومن أصحابنا مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حامد الاسفرايني لانه قد يكون في الكندوج ما لا يخرج وان اجتمع فرخه في موضع وشوهد جميعه جاز بيعه لانه معلوم مقدور على تسليمه فجاز بيعه)
* (الشَّرْحُ) الْكُنْدُوجُ - بِكَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاوٍ ثُمَّ جِيمٍ - وَهُوَ الْخَلِيَّةُ وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْخَلِيَّةُ عَرَبِيَّةٌ وَيُقَالُ لَهَا الْكِوَارَةُ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا بَيْعُ النَّحْلِ فِي الْجُمْلَةِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الْحَمَامَ فَإِنْ كَانَ فَرْخُهُ مُجْتَمَعًا عَلَى غُصْنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَشَاهَدَهُ كُلَّهُ صَحَّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَإِنْ كَانَ فِي الْخَلِيَّةِ وَلَمْ يَرَهُ فِي دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ وَقَدْ(9/321)
سَبَقَ بَيَانُهُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَصِفَهُ أَوْ لَا يَصِفُهُ فَإِنْ رَآهُ فِي دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ خَرَجَ جَمِيعُهُ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ فَفِي بَيْعِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ غَالِبًا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ وَلَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ مُجْتَمَعًا إلَّا فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ فَلَوْ اُشْتُرِطَتْ رُؤْيَتُهُ مُجْتَمَعًا لَامْتَنَعَ بَيْعُهُ غَالِبًا وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الِانْتِصَارِ
* فَلَوْ طَارَ لِيَرْعَى فَبَاعَهُ وَهُوَ طَائِرٌ وَعَادَتُهُ أَنْ يَعُودَ فِي آخِرِ النَّهَارِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ وَقَدْ رَآهُ قَبْلَ طَيَرَانِهِ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَالْحَمَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّيْرِ الْأَلُوفِ إذَا بَاعَهُ فِي حَالِ طَيَرَانِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ الْغَالِبَ عَوْدُهُ إلَى مَوْضِعِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَعَبْدٍ خَرَجَ لِقَضَاءِ شُغْلٍ وَيُخَالِفُ سَائِرَ الطُّيُورِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إمْسَاكُهَا وَحَبْسُهَا عَنْ الطَّيَرَانِ بِالْعَلَفِ في برجها (وأما) النحل فلابد مِنْ الطَّيَرَانِ لِيَرْعَى وَلَوْ حُبِسَ عَنْهُ تَلِفَ وَلَا يُمْكِنُ
الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا إذَا طَارَ وَاجْتَنَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَسَلُ وَالطَّيْرُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَحْبُوسًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَصْلِ بَيْعِ النَّحْلِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ كَالزُّنْبُورِ وَالْحَشَرَاتِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالشَّاةِ بِخِلَافِ الزُّنْبُورِ وَالْحَشَرَاتِ فَإِنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع الحمل في البطن لما روي ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن المجر) والمجر اشتراء ما في الارحام ولانه قد يكون حملا وقد يكون ريحا وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ولانه إن كان حملا فهو مجهول القدر ومجهول الصفة وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ
* وإن باع حيوانا وشرط أنه حامل ففيه قولان
(أحدهما)
ان البيع باطل لانه مجهول الوجود مجهول الصفة
(والثانى)
انه يجوز لان الظاهر انه موجود والجهل وبه لا يؤثر لانه لا تمكن رؤيته(9/322)
فعفي عن الجهل به كأساس الدار)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ وَضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْمَجْرُ - بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ - وَهُوَ بَيْعُ الْجَنِينِ كَمَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْجَنِينِ وَعَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَلِلْأَحَادِيثِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (أَمَّا) إذَا بَاعَ حَيَوَانًا مِنْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ جَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَشَرَطَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةُ
(والثانى)
البطلان وقيل يَصِحُّ فِي الْجَارِيَةِ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ فَيَكُونُ إعْلَامًا بِالْعَيْبِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ قال أصحابنا هما مبينان عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ يُعْرَفُ أَمْ لَا (أَصَحُّهُمَا) يُعْرَفُ وَلَهُ حُكْمٌ وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُعْرَفُ وَلَا حُكْمَ لَهُ وَلَا
قِسْطَ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَيْنِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَسَبَقَ شَرْحُهُمَا هُنَاكَ (وَإِنْ قُلْنَا) يُعْرَفُ صَحَّ هُنَا وَإِلَّا فَلَا
* (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا أَوْ هَذِهِ الشَّاةَ وَحَمْلَهَا أَوْ مَعَ حَمْلِهَا أَوْ بِعْتُكَ هَذِهِ الشَّاةَ وَمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ اللَّبَنِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا مَعَ الْمَعْلُومِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنَّهَا حَامِلٌ فَإِنَّهُ وَصْفُ بَائِعٍ فَاحْتَمَلَ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَنَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ بَلْ يَكُونُ تَوْكِيدًا وَبَيَانًا لِمُقْتَضَاهُ قَالَ هَؤُلَاءِ وَهَذَا كَمَا لَوْ قَالَ بعتك هذه الرمانة وجها أَوْ هَذَا الْجَوْزَ وَلُبَّهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ اللُّبَّ بِالْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَطَّرِدَ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَتَيْ الرُّمَّانَةِ وَالْجَوْزِ أَيْضًا (وَالْمَذْهَبُ) الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ فِيهِمَا (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْجُبَّةَ وَحَشْوَهَا أَوْ بِحَشْوِهَا فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ بِعْتُكَ الشَّاةَ وَحَمْلَهَا
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ قَطْعًا لِأَنَّ الْحَشْوَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْجُبَّةِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ تَوْكِيدًا لِلَفْظِ الْجُبَّةِ(9/323)
بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَلِأَنَّ الْحَشْوَ مُتَيَقَّنٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ يَكُونُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُبَّةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الظِّهَارَةِ وَالْبِطَانَةِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِي صُورَةِ الْجَارِيَةِ وَالشَّاةِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْحَشْوَ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ
* قال أصحابنا ولو بَاعَ حَامِلًا وَشَرَطَ وَضْعَهَا لِرَأْسِ الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَاسْتَدَلَّ لَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَبَيْضُ الطَّيْرِ كَحَمْلِ الْجَارِيَةِ وَالدَّابَّةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهَا لَبُونٍ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْحَمْلِ لَكِنَّ الصِّحَّةَ هُنَا أَقْوَى (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَصِحُّ قَطْعًا لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ صِفَةٍ فِيهَا لَا يَقْتَضِي وُجُودَ اللَّبَنِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَشَرْطِ الْكِتَابَةِ فِي الْعَبْدِ فَإِنْ شَرَطَ كَوْنَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ فِي الْحَالِ كَانَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي شَرْطِ الْحَمْلِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا تُدِرُّ كُلَّ
يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ اللَّبَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَلَا ضَبْطُهُ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ وَرَقَاتٍ
* (فَرْعٌ)
إذَا شَرَطَ كَوْنَهَا حَامِلًا أَوْ لَبُونًا وَصَحَّحْنَا الْبَيْعَ فَلَمْ يَجِدْهَا كَذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّ الْعَبْدَ كَاتِبٌ فَاخْتَلَفَ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ الْحَمْلِ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ بَاعَهُ لِمَالِكِ الْأُمِّ أَوْ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُتَيَقَّنَةُ الْوُجُودِ مَعْلُومَةُ الصِّفَاتِ بِالْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ حَامِلًا بَيْعًا مُطْلَقًا دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ بَاعَهَا إلَّا حَمْلَهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا إلَّا عضوا منها فانه لا يصح بالاتفاق وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَالْمَذْهَبُ (1) وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ لِإِنْسَانٍ وَالْحَمْلُ لِآخَرَ بِالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَبَاعَ الْأُمَّ لِمَالِكِ الْحَمْلِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ بَاعَ جَارِيَةً(9/324)
حَامِلًا بِحُرٍّ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ حكاهما إمام الحرمين والغزالي واختارا الصِّحَّةَ وَصَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْوَسِيطِ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ بَيْعِ الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ بِحُرٍّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ بُطْلَانُ بَيْعِهَا
* وَلَوْ بَاعَ سِمْسِمًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مِنْهُ الْكُسْبَ أَوْ بَاعَ قطنا واستثنى لنفسه منه الْخَشَبِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ
* وَلَوْ بَاعَ شَاةً لَبُونًا وَاسْتَثْنَى لَبَنَهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا أَنَّهُ يَصِحُّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ قَالَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْأَصْلِ دُونَهُ بِأَنْ يُخْلِيَهُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أنه يَجُوزُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ دُونَ حَمْلِهَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ لِوَاحِدٍ وَالْوَلَدُ لِآخَرَ فَوَكَّلَا رَجُلًا لِيَبِيعَهُمَا مَعًا بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي بَيْعِ مِلْكِهِ فَبَاعَهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبِيعَ الدَّابَّةَ وَيَشْتَرِطَ عِقَاقَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ الْعِقَاقُ - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - الْحَمْلُ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ مَنْعُ بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْحَمْلِ هَكَذَا أَطْبَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَفْسِيرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَسَّرَ بِأَنَّهُ شَرْطُ اسْتِثْنَاءِ حَمْلِهَا لِلْبَائِعِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ أَصْحَابُنَا هُنَا النَّهْيَ الْمَشْهُورَ عَنْ بَيْعِ الملاقيح والمضامين قالوا والملاقيح بيع مافى بُطُونِ الْحَوَامِلِ مِنْ الْأَجِنَّةِ وَالْمَضَامِينُ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ مِنْ الْمَاءِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَصْحَابُنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَمِمَّنْ قَالَهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَزْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ قَالَ مَالِكُ بن انس وصاحبا المحمل وَالْمُحْكَمِ الْمَضَامِينُ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُكَرَّرًا مَعَ الْمَلَاقِيحِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَوَاحِدَةُ الْمَلَاقِيحِ مَلْقُوحَةٌ (وَأَمَّا) الْمَضَامِينُ فَوَاحِدُهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِضْمَانًا وَمَضْمُونًا الْأَوَّلُ كَمِقْدَامٍ وَمَقَادِيمَ وَالْآخَرُ كَمَجْنُونٍ وَمَجَانِينَ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الاول صاحب المحكم والى الثاني الازهرى قال الْأَزْهَرِيُّ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَهَا ظهورها فكأنها ضمنتها
*(9/325)
قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يجوز بيع اللبن في الضرع لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال (لا تبيعوا الصوف على ظهر الغنم ولا تبيعوا اللبن في الضرع) ولانه مجهول القدر لانه قد يرى امتلاء الضرع من السمن فيظن أنه من اللبن ولانه مجهول الصفة لانه قد يكون اللبن صافيا وقد يكون كدرا وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيَاهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ عُمَرُ بْنُ فروح وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ قَالَ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ اللَّبَنِ في الضرع لما ذكره المصنف ولان لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ حَتَّى يَخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَحْدُثُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الْمَرَضِيَّةُ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ
* فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي فِي ضَرْعِ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ رِطْلًا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ
مَجْهُولٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ وُجُودَ ذَلِكَ الْقَدْرِ (والطريق الثاني) فيه قولا بيع الغائب حكاه الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
* وَلَوْ حَلَبَ شَيْئًا مِنْ اللَّبَنِ فَأَرَاهُ ثُمَّ قَالَ بِعْتُكَ رِطْلًا مِمَّا فِي الضَّرْعِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ كَمَا لَوْ رَأَى أُنْمُوذَجًا مِنْ خَلٍّ أَوْ لَبَنٍ فِي إنَاءٍ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَدُرُّ فِي الضَّرْعِ لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ صَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ
* وَلَوْ قَبَضَ قَدْرًا مِنْ الضَّرْعِ وَأَحْكَمَ شَدَّهُ ثُمَّ بَاعَ مَا فِيهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ وَهَذَا نَقْلٌ غَرِيبٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لِغَيْرِهِ (وَالصَّحِيحُ) بُطْلَانُ هَذَا الْبَيْعِ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ حَيَوَانٍ فِي ضَرْعِهِ لَبَنٌ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مَجْهُولًا لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْحَيَوَانِ وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ العلماء في بيع اللبن في الضرع
* قد ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ(9/326)
مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وأحمد واسحق وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ طاووس يَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَجُوزُ شِرَاءُ لَبَنِ الشَّاةِ شَهْرًا وَمِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيِّ قَالُوا لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِي الْعَادَةِ وَقَاسُوهُ عَلَى مَا إذَا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِلْإِرْضَاعِ شَهْرًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْتَحِقُّ اللَّبَنَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَثَرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَوْنُهُ مَجْهُولًا مُخْتَلِفًا مَعَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِي الْعَادَةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِلْإِرْضَاعِ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى استئجارها بخلاف مسألتنا والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم لقول ابن عباس ولانه قد يموت الحيوان قبل الجز فيتنجس شعره وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ولانه لا يمكن تسليمه الاستئصاله من أصله ولا يمكن ذلك الا بايلام الحيوان وهذا لا يجوز)
*
(الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ شَرَطَ جَزَّهُ فِي الْحَالِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْجَزِّ فِي الْحَالِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* وَلَوْ قَبَضَ عَلَى كِفْلَةٍ مِنْ الصُّوفِ وَهِيَ قِطْعَةٌ جَمَعَهَا وَقَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ كَمَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِهِ عَيْنُ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ بِقَطْعِ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ لِأَنَّ استبقاءه بكماله ممكن مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ هَذَا وَقَالَ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّأْسِ قَبْلَ السَّلْخِ وَالْمَذْهَبُ مَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ
*(9/327)
(فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوصَى بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْبَلُ الْغَرَرَ وَالْجَهَالَةَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَآخَرُونَ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَيُجَزُّ الصُّوفُ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ وَمَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى الْعَادَةِ وَمَا حَدَثَ يَكُونُ لِلْوَارِثِ
* قَالَ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِيَمِينِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن ابن عباس وابى حنيفة واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُجَزَّ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الرطب والفصيل وَالْبَقْلِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ قِيَاسِهِمْ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِثْنَاءُ جَمِيعِ ذَلِكَ من أصله بغير اضرار بخلاف الصوف
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز البيع الا بثمن معلوم الصفة فان باب ثمن مطلق في موضع ليس فيه نقد متعارف لم يصح البيع لانه عوض في البيع فلم يجز مع الجهل بصفته كالمسلم فيه فأن باع بثمن معين تعين لانه عوض فتعين بالتعيين كالمبيع فان لم يره المتعاقدان أو احدهما فعلى ما ذكرناه من القولين في بيع العين التى لم يرها المتبايعان أو أحدهما)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ عِوَضٌ فِي الْبَيْعِ احْتِرَازٌ مِنْ الثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلُومَ الصِّفَةِ فَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ قَالَ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ أَوْ قَالَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ مُشَاهَدَةٌ لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ سَوَاءٌ عَلِمَا قَدْرَهَا أَمْ لَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ جِزَافًا
* وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ بِالدِّينَارِ الَّذِي في بيتى أو في هميانى أو الدراهم التي فِي بَيْتِي فَإِنْ كَانَ قَدْ رَأَيَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ بدينار في(9/328)
ذِمَّتِك أَوْ قَالَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِك أَوْ أَطْلَقَ الدَّرَاهِمَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِنَوْعِهَا فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقُودٌ لَكِنَّ الْغَالِبَ وَاحِدٌ مِنْهَا انْصَرَفَ الْعَقْدُ إلَى ذَلِكَ النَّقْدِ الْوَاحِدِ أَوْ الْغَالِبِ وَإِنْ كَانَ فُلُوسًا انْصَرَفَ إلَيْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ تَعَيَّنَ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ أَنَّهَا إنْ كَانَ الْغِشُّ مَعْلُومَ الْقَدْرِ صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا قَطْعًا فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مُعَيَّنَةً وَفِي الذِّمَّةِ (وَالثَّانِي) لَا تَصِحُّ (وَالثَّالِثُ) تَصِحُّ مُعَيَّنَةً وَلَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِالْبَيْعِ وَلَا بِغَيْرِهِ (وَالرَّابِعُ) إنْ كَانَ الْغِشُّ غَالِبًا لَمْ تَصِحَّ وَإِلَّا فَتَصِحُّ وَذَكَرَ هُنَاكَ تَوْجِيهَ الْأَوْجُهِ وَتَفْرِيعَهَا وَفَوَائِدَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا انْصَرَفَ إلَيْهَا الْعَقْدُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ
* وَلَوْ بَاعَ بِمَغْشُوشٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّ فِضَّتَهُ ضَئِيلَةٌ جِدًّا فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وحكى الصيمري عن شيخه أبى العباس البصري أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(والثانى)
لا خيار لان غشها معلوم
فِي الْأَصْلِ وَحَكَى هَذَا الْوَجْهَ أَيْضًا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا)
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ أَوْ نُقُودٌ لَا غَالِبَ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ هُنَاكَ حَتَّى يُعَيِّنَ نَقْدًا مِنْهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَقْوِيمُ الْمُتْلَفِ يَكُونُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْدَانِ فَصَاعِدًا وَلَا غَالِبَ فِيهَا عَيَّنَ الْقَاضِي وَاحِدًا لِلتَّقْوِيمِ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ غَلَبَ مِنْ جِنْسِ الْعُرُوضِ نَوْعٌ فَهَلْ يَنْصَرِفُ الذِّكْرُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يَنْصَرِفُ كَالنَّقْدِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَرْضِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَبِيعَ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ بِصَاعٍ مِنْهَا أَوْ شَعِيرٍ فِي الذِّمَّةِ وَتَكُونُ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ الْمَوْجُودَانِ فِي الْبَلَدِ صِنْفًا مَعْرُوفًا أَوْ غَالِبًا لَا يَخْتَلِفُ ثُمَّ يُحْضِرُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيُسَلِّمُهُ فِي الْمَجْلِسِ
*(9/329)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا يَنْصَرِفُ الْعَقْدُ عِنْدَ الاطلاق إلى النقد الْغَالِبِ مِنْ حَيْثُ النَّوْعِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةِ فَإِذَا بَاعَ بِدِينَارٍ أَوْ دَنَانِيرَ وَالْمَعْهُودُ فِي الْبَلَدِ الدَّنَانِيرُ الصِّحَاحُ انْصَرَفَ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْهُودُ الْمُكَسَّرَةَ انْصَرَفَ إلَيْهَا كَذَا نَقَلَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ قالا إلا ان تتفاوت قيمة المكسر فَلَا يَصِحُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ كَانَ الْمَعْهُودُ أَنْ يُؤْخَذَ نِصْفُ الثَّمَنِ مِنْ هَذَا وَنِصْفُهُ مِنْ ذَاكَ أَوْ أَنْ يوخذ عَلَى نِسْبَةٍ أُخْرَى فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْهُودِ
* وَإِنْ كَانَ الْمَعْهُودُ التَّعَامُلَ بِهَذَا مَرَّةً وَبِهَذَا مَرَّةً وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ صَحَّ الْبَيْعُ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ غَالِبَانِ وَأَطْلَقَ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ صِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْبَيْعِ لِعَدَمِ بَيَانِ قَدْرَ الصَّحِيحِ وَالْمُكَسَّرَةِ
(وَالثَّانِي)
صِحَّتُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى النِّصْفِ قَالَ الرافعى ويشبه ان يجئ هَذَا الْوَجْهُ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (قُلْتُ) لَا جَرَيَانَ لَهُ هُنَاكَ وَالْفَرْقُ كَثْرَةُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ
* وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُسَلَّمَةٍ أَوْ مُنَقَّيَةٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا عَادَةٌ مَضْبُوطَةٌ ذَكَرَهُ
الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِدِينَارٍ صَحِيحٍ فَأَحْضَرَ صَحِيحَيْنِ وَزْنُهُمَا مِثْقَالٌ لَزِمَهُ قَبُولُهُمَا لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَإِنْ أَحْضَرَ صَحِيحًا وَزْنُهُ مِثْقَالٌ وَنِصْفٌ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَتَبْقَى الزِّيَادَةُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ لِمَا فِي الشَّرِكَةِ مِنْ الْغَرَرِ وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ فَلَوْ تَرَاضَيَا جَازَ ثُمَّ إنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا كَسْرَهُ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لِمَا فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ مِنْ الضَّرَرِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُدَوَّرًا جَازَ إنْ كَانَ يَعُمُّ وُجُودُهُ هُنَاكَ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَهُ مُدَوَّرًا وَكَانَ وَزْنُهُ نِصْفَ مِثْقَالٍ فَإِنْ سَلَّمَ إلَيْهِ صَحِيحًا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مِثْقَالٍ وَتَرَاضَيَا بِالشَّرِكَةِ فِيهِ جَازَ فَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ
* وَلَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ ثُمَّ بَاعَهُ شَيْئًا آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ فَإِنْ سَلَّمَ صَحِيحًا عَنْهُمَا فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَإِنْ سَلَّمَ قِطْعَتَيْنِ وَزْنُ كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ دِينَارٍ جَازَ فَلَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي تسليم(9/330)
صَحِيحٍ عَنْهُمَا فَالْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ (وَأَمَّا الْأَوَّلُ) فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بَعْدَ لُزُومِهِ فَهُوَ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَيَلْزَمُهُ نِصْفٌ هُوَ شِقٌّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ لُزُومِهِ فَهُوَ إلْحَاقُ شَرْطٍ فَاسِدٍ بِالْعَقْدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْحَقُ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِنِصْفَيْ دِينَارٍ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ دِينَارٍ مَضْرُوبٍ لِأَنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ دِينَارٍ وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَثُلُثِ دِينَارٍ وَسُدُسِ دِينَارٍ لَمْ يَلْزَمْهُ دِينَارٌ صَحِيحٌ بَلْ لَهُ دَفْعُ شِقٍّ مِنْ كُلِّ وَزْنٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا إلَى أَجَلٍ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ فِيهِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا إلَى مُدَّةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهُ فِيهَا صَحَّ الْبَيْعُ ثُمَّ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَقَدْ أَحْضَرَهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَلَى الثَّمَنِ هَلْ يَجُوزُ (إنْ قُلْنَا) لَا فَهُوَ كَانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَإِنْ قُلْنَا) نَعَمْ اُسْتُبْدِلَ وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ (أَمَّا) إذَا كَانَ يُوجَدُ فِي
الْبَلَدِ وَلَكِنَّهُ عَزِيزٌ فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ صَحَّ الْعَقْدُ فَإِنْ وُجِدَ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيُسْتَبْدَلُ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَمْ يَصِحَّ (أَمَّا) إذَا كَانَ النَّقْدُ الَّذِي جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ مَوْجُودًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ اُسْتُبْدِلَ وَإِلَّا فَهُوَ كَانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقٍ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ فَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِذَلِكَ النَّقْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ إلَّا ذَلِكَ النَّقْدُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي فَرْعٍ مِنْ مَسَائِلَ كَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ وذكرنا فيها اوجها وَتَفَارِيعَهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ إذَا بَاعَهُ بِنَقْدٍ فِي بَلَدٍ ثُمَّ لَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ لَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ فِيهِ بِذَلِكَ النَّقْدِ فَدَفَعَ إلَيْهِ النَّقْدَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ فَهَلْ لَهُ الِامْتِنَاعُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) لَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ لِأَنَّهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِحِنْطَةٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى رَخُصَتْ (وَالثَّانِي) لَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهَا وَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ مَخُوفٍ (والثالث)(9/331)
إنْ كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي يَدْفَعُهُ فِيهِ لَا يتعامل الناس فيه بذلك النقد أيضا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهِ بِوَكْسٍ لَزِمَهُ أَخْذُهُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ الثَّمَنُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتَعَيَّنُ وَكَذَا لَوْ عَيَّنَا فِي الْإِجَارَةِ أَوْ الصَّدَاقِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ تَعَيَّنَتْ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) لَوْ تَلِفَتْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَنْفَسِخُ عِنْدَهُ (وَمِنْهَا) لَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْسِكَ تِلْكَ وَيَدْفَعَ بَدَلَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَيَجُوزُ عِنْدَهُ (وَمِنْهَا) لَوْ وَجَدَ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ عَيْبًا وَرَدَّهَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ الْبَدَلِ وَعِنْدَهُ لَهُ ذَلِكَ (وَمِنْهَا) لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهَا عِوَضًا مِنْ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا كَالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ
* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ رَوَاجُهَا لَا عَيْنُهَا وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ يَعْمَلُ عَمَلَ الْمُعَيَّنِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْقِيَاسِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْبِ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ أَخَذَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ فَبَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ
يُعْطِيَ صَاعًا آخَرَ بَدَلَهُ مِنْ تِلْكَ الصُّبْرَةِ مَعَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ بِالتَّعْيِينِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ الثمن بذمته فلا يجوز تعليقه بها * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز الا بثمن معلوم القدر فان باع بثمن مجهول كبيع السلعة برقمها وبيع السلعة بما باع به فلان سلعتة وهما لا يعلمان ذلك فالبيع باطل لانه عوض في البيع فلم يجز مع الجهل بقدره كالمسلم فيه
* فان باعه بثمن معين جزافا جاز لانه معلوم بالمشاهدة ويكره ذلك كما قلنا في بيع الصبرة جزافا
* وان قال بعتك هذا القطيع كل شاة بدرهم أو هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وهما لا يعلمان مبلغ قفزان الصبرة وعدد القطيع صح البيع لان غرر الجهالة ينتفى بالعلم بالتفصيل كما ينتفى بالعلم بالجملة فإذا جاز بالعلم بالجملة جاز بالعلم والتفصيل (الشَّرْحُ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْقَطِيعِ وَالصُّبْرَةِ وَالْبَيْعِ بِدَرَاهِمَ جِزَافٍ فَسَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا قَرِيبًا فِي مَسَائِلِ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَعْلُومِ الْقَدْرِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْجِزَافَ يُقَالُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا -(9/332)
وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِمَا شِئْتَ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا أَيْ بِالثَّمَنِ الَّذِي هُوَ مَرْقُومٌ بِهِ عَلَيْهَا أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ أَوْ ثَوْبَهُ فَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِقَدْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ غَرَرٌ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) إنْ عَلِمَا ذَلِكَ الْقَدْرَ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا مِنْ الْمَجْلِسِ صَحَّ الْبَيْعُ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْت هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتْ جُمْلَةُ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ مَجْهُولَةً وَهَذَا ضَعِيفٌ شَاذٌّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ عَلِمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ صَحِيحٌ هَذَا كلامهما
* وينبغى أن لا يكفى علمهما
بل يشترط عِلْمِهِمَا بِالْقِيمَةِ قَصْدُهُمَا اسْتِثْنَاءَ الْقِيمَةِ
* وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا حَالَةَ الْعَقْدِ قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ عَلِمَا ذَلِكَ في الحال طريقين (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ الا درهم لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ وَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ قِيمَةَ الدِّينَارِ من الدارهم صَحَّ الْبَيْعُ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ الْمَشْهُورُ غريب (والاصح) انهما إذا علما قيمته وقصدا اسْتِثْنَاءَ الْقِيمَةِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هِيَ الدَّرَاهِمُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَلَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِذِكْرِ قِيمَتِهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ صَرْفَ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ السِّعْرَ يَخْتَلِفُ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ يُسَمُّونَ الدَّرَاهِمَ وَيَبْتَاعُونَ بِالدَّنَانِيرِ وَيَكُونُ كُلُّ قَدْرٍ من الدارهم معلوم عِنْدَهُمْ دِينَارًا قَالَ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ
* هَذَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ الْأَصَحُّ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَعَلَى هَذَا إذَا عَبَّرَ بِالدَّنَانِيرِ عَنْ الدَّرَاهِمِ صَحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ(9/333)
(فرع)
في بيع التلحيه وصورته أن يتفقا على أن يُظْهِرَا الْعَقْدَ إمَّا لِلْخَوْفِ مِنْ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَيَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُمَا إذَا أَظْهَرَاهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا ثُمَّ يُعْقَدُ الْبَيْعُ فَإِذَا عَقَدَاهُ انْعَقَدَ عِنْدَنَا وَلَا أَثَرَ لِلِاتِّفَاقِ السَّابِقِ وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ وَيُظْهِرَا أَلْفَيْنِ فَعَقَدَا بِأَلْفَيْنِ صَحَّ الْبَيْعُ بِأَلْفَيْنِ وَلَا أَثَرَ لِلِاتِّفَاقِ السَّابِقِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَتَبَايَعَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَيَكُونُ الثَّمَنُ مِائَةَ دِينَارٍ اسْتِحْسَانًا وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالُوا لِأَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ الِاتِّفَاقُ صَارَا كَالْهَازِلَيْنِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الِاتِّفَاقَ السَّابِقَ مَلْغِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ ثُمَّ عَقَدَا بِلَا شَرْطٍ صَحَّ الْعَقْدُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ كَالْهَازِلَيْنِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا انْعِقَادُ بَيْعِ الْهَازِلِ
* (فَرْعٌ)
رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع الغربان) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَذَكَرَهُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
وَلَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عن العقبى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ يَعْقُوبِ الرُّخَامِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ كَاتِبِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ هَذَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ هَذَا ضَعِيفَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ مَالِكٍ وَهِيَ قَوْلُهُ بَلَغَنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُوَطَّأِ فَلَمْ يُسَمِّ رِوَايَةَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ قَالَ وَرَوَاهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقِيلَ إنَّمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ كَذَا قَالَهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَشْهُورٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَى هَذَا الحديث عن الحارث ابن عبد الرحمن بن ابى دياب عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرٍو ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَاصِمٌ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ هذا ضعيف(9/334)
أبو عبد اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُرْسَلُ مَالِكٍ
* وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا أَخَذَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَقِيلَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَقِيلَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ وَفِي الْجَمِيعِ ضَعْفٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَالَ وَإِنَّمَا بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهِ لِشُهْرَتِهِ وَالْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ
* قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْعُرْبَانِ سِتُّ لُغَاتٍ عُرْبَانٌ وَعُرْبُونٌ - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ - فِيهِمَا وَعَرْبُونَ - بِفَتْحِهِمَا وَأَرْبَانٌ وَأَرَبُونٌ وَأَرْبُونٌ - بِالْهَمْزَةِ بَدَلُ الغين - وَالْوَزْنُ كَالْوَزْنِ وَقَدْ أَوْضَحَتْهُنَّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَفِي أَلْفَاظِ التَّنْبِيهِ أَفْصَحُهُنَّ عَرَبُونٌ - بِفَتْحِهِمَا - وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَيُقَالُ مِنْهُ عَرَّبْت فِي الشئ وَأَعْرَبْت وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا وَيُعْطِيَ الْبَائِعَ دِرْهَمًا أَوْ دَرَاهِمَ وَيَقُولُ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَنَا فَهُوَ مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَهُوَ هِبَةٌ لَك قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قَالَ هَذَا الشَّرْطَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ قَالَهُ قَبْلَهُ وَلَمْ يَتَلَفَّظَا بِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّنْبِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْمُهَذَّبِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْعُرْبُونِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ
فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ سِيرِينَ جَوَازَهُ قَالَ وقد روينا عن نافع بن عبد الحرث أَنَّهُ اشْتَرَى دَارًا بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ له وان لم يرض فلصفوان أربع مائة قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَذُكِرَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حديث عمر فقال أي شئ أَقْدِرُ أَقُولُ
* هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ فَأَبْطَلَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِلْحَدِيثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْغَرَرِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَبْطَلَهُ أَيْضًا أَصْحَابُ الرَّأْيِ
* وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ جَوَازُهُ وَمَالَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ والله سبحانه وتعالى أعلم
*
* قال الصمنف رحمه الله
* (وان كان لرجل عبدان فباع أحدهما من رجل والآخر من رجل آخر في صفقة واحدة بثمن واحد فان الشافعي رحمه الله قال فيمن كاتب عبدين بمال واحد أنه على قولين
(أحدهما)
يبطل(9/335)
العقد لان العقد الواحد مع اثنين عقدان فإذا لم يعلم قدر العوض في كل واحد منهما بطل كما لو باع كل واحد منهما في صفقة بثمن مجهول
(والثانى)
يصح ويقسم العوض عليهما على قدر قيمتهما فمن اصحابنا من قال في البيع أيضا قولان وهو قول أبي العباس وقال أبو سعيد الاصطخرى وأبو إسحق يبطل البيع قولا واحدا لان البيع يفسد بفساد العوض (والصحيح) قول أبى العباس لان الكتابة أيضا تفسد بفساد العوض وقد نص فيها على قولين)
* (الشَّرْحُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ إذا كانت عَبِيدًا بِعِوَضٍ وَاحِدٍ عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
صِحَّةُ الْكِتَابَةِ وَيُوَزَّعُ الْعِوَضُ عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ
(وَالثَّانِي)
فَسَادُهَا وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبِيدًا مِنْ مَالِكِيهِمْ أَوْ وَكِيلِهِمْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ مُعَيَّنٌ فَاشْتَرَاهُمْ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَنَصَّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ لِرَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عبد معين بثمن واحد أن الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ يَا زَيْدُ هَذَا الْعَبْدَ وَبِعْتُك يَا عَمْرُو
* هَذَا الْعَبْدَ كِلَيْهِمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَا قَبِلْنَا
* قَالَ الْأَصْحَابُ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْلَعَ نِسْوَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَتَزَوَّجَ نِسْوَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا
مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَنَاتُ بَنِينَ أَوْ بَنَاتُ إخْوَةٍ أَوْ بَنَاتُ أَعْمَامٍ أَوْ مُعْتَقَاتٌ وَيُتَصَوَّرُ مَعَ تَعَدُّدِ الْوَلِيِّ بِأَنْ يُوَكِّلَ الْأَوْلِيَاءُ رَجُلًا وَاحِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَصِحُّ النِّكَاحُ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ (وَأَمَّا) الْمُسَمَّى فِي الصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَفْسُدُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ (أَصَحُّهُمَا) فَسَادُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَالثَّانِي) صِحَّتُهُ وَيُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ عَلَى قَدْرِ مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ (وَأَمَّا) الْبَيْعُ وَالْكِتَابَةُ فَفِيهِمَا أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الْفَسَادُ فِيهِمَا
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ وَالتَّوْزِيعُ عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ وَصِحَّةِ الْكِتَابَةِ (وَالثَّالِثُ) يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَفِي الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ (وَالرَّابِعُ) تَصِحُّ الْكِتَابَةُ وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَانِ وَإِنْ أُفْرِدَتْ قُلْتُ فِي الْبَيْعِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبُطْلَانُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَفِي الْكِتَابَةِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) قَوْلَانِ(9/336)
(أَصَحُّهُمَا) الْفَسَادُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ الْفَسَادُ (فَإِذَا قُلْنَا) بِصِحَّةِ الصَّدَاقِ وُزِّعَ الْمُسَمَّى عَلَى نِسْبَةِ مَهْرِ أَمْثَالِهِنَّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيه وَجْهًا أنه يوزع على عدد رؤسهن (وَإِذَا قُلْنَا) بِفَسَادِ الصَّدَاقِ فَفِيمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ أَصْدَقَهُمَا خَمْرًا وَنَحْوَهَا (أَصَحُّهُمَا) مَهْرُ الْمِثْلِ
(وَالثَّانِي)
يُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيعُ وَيَكُونُ الْحَاصِلُ لَهُنَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى إذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ لَكِنْ يَدْفَعُ الزَّوْجُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلَا يَجِبُ مِنْ نَفْسِ الْمُسَمَّى (أَمَّا) إذَا زَوَّجَ أَمَتَيْهِ بِعَبْدٍ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ فَيَصِحُّ الْمُسَمَّى بِلَا خِلَافٍ فان المستح لِصَدَاقِهِمَا وَاحِدٌ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ بِثَمَنٍ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ بَنَاتٍ وَلِآخَرَ أَرْبَعَةُ بنين فروجهن بِهِمْ صَفْقَةً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ بِأَنْ قَالَ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانَةَ ابْنَك فُلَانًا وَفُلَانَةَ فُلَانًا بِأَلْفٍ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي
(أَحَدُهُمَا)
فِي صِحَّةِ الصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ لِتَعَدُّدِ الْمَعْقُودِ لَهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ فَقَالَ لِرَجُلَيْنِ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَا قَبِلْنَا صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ
الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَائِهِ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ كَانَ لِلْقَابِلِ نِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ إيجَابَهُ لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَقْدٌ فَصَحَّ قَبُولُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَالَ لِرَجُلَيْنِ بِعْتُكُمَا هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَالَا قَبِلْنَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْعَبْدَيْنِ بِخَمْسِمِائَةٍ كَمَا لَوْ بَاعَهُمَا لِوَاحِدٍ فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت نِصْفَهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ صَحَّ الْبَيْعُ فِي نِصْفَيْهِمَا لِلْقَابِلِ بِخَمْسِمِائَةٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ(9/337)
فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قبلت ولم يقل نصفهما وسكت الآخر صخ فِي نِصْفِهِمَا لِلْقَابِلِ بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْقَبُولِ يَرْجِعُ إلَى مَا يَقْتَضِيه الْإِيجَابُ وَهُوَ نِصْفُهُمَا لَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ قَبِلْت هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُطَابِقًا لِلْإِيجَابِ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت نِصْفَ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ نِصْفَ هَذَا الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان قال بعتك بألف مثقال ذهبا وفضة فالبيع باطل لانه لم يبين القدر من كل واحد منهما فكان باطلا
* وان قال بعتك بألف نقد أو بألفين نسيئة فالبيع باطل لانه لم يعقد على ثمن بعينه فهو كما لو قال بعتك أحد هذين العبدين)
* (الشَّرْحُ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ كَمَا قَالَهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ تَفْسِيرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعِشْرِينَ نَسِيئَةً
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَهُ بِمِائَةٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَك بِكَذَا وَكَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ التَّفْسِيرَيْنِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَذَكَرَهُمَا أَيْضًا فِي التَّنْبِيهِ وَذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ (وَالْأَوَّلُ) أَشْهَرُ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ له أو كسهما أَوْ الرِّبَا) فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي قِصَّةٍ بِعَيْنِهَا كَأَنَّهُ أَسْلَفَ دِينَارًا فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ إلَى شَهْرٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَطَالَبَهُ فَقَالَ بِعْنِي الْقَفِيزَ الَّذِي لَك عَلَيَّ إلَى شَهْرَيْنِ بِقَفِيزَيْنِ فَهَذَا بَيْعٌ ثَانٍ قَدْ دَخَلَ عَلَى الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَصَارَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَيُرَدُّ إلَى أَوْكَسِهِمَا وَهُوَ الْأَصْلُ فَإِنْ تَبَايَعَا الْبَيْعَ الثَّانِي قَبْلَ فَسْخِ الْأَوَّلِ كَانَا قَدْ دَخَلَا فِي الرِّبَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم
*(9/338)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ بِأَلْفِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَيَكُونُ الثَّمَنُ نِصْفَيْنِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَبَعْضُهُ فِضَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يصح * قال المصنف رحمه الله
* (وإن باع بثمن مؤجل لم يجز إلى أجل مجهول كالبيع إلى العطاء لانه عوض في بيع فلم يجز إلى أجل مجهول كالمسلم فيه)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقَوْلُهُ) عِوَضٌ فِي بَيْعٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ وَهُوَ وَقْتٌ مَجْهُولٌ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا بَاعَ بِمُؤَجَّلٍ إلَى الْحَصَادِ أَوْ إلَى الْعَطَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ إلَى وَقْتِ اسْتِحْقَاقِ الْعَطَاءِ وَهُوَ مَعْلُومٌ لَهُمَا صَحَّ وَابْتَدَأَ الْأَجَلُ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ كَابْتِدَاءِ مُدَّةِ خِيَارِ الثَّلَاثِ
(أَحَدُهُمَا)
مِنْ الْعَقْدِ (وَالثَّانِي) مِنْ التَّفَرُّقِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي مَسَائِلِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَفِي الْأَجَلِ مَسَائِلُ وَفُرُوعٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ وَهُنَاكَ نُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى أَلْفِ سَنَةٍ بَطَلَ الْعَقْدُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا الشَّرْطِ فِي صِحَّةِ الْأَجَلِ احْتِمَالُ بَقَائِهِ إلَيْهِ (قُلْتُ) الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ احْتِمَالُ بَقَائِهِ إلَيْهِ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ ثُمَّ وَارِثِهِ وَهَلُمَّ جرا لكن لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ بِأَلْفِ سَنَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُعْتَقَدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَجُوزُ الْأَجَلُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ (فَأَمَّا) إذَا أَجَّلَ تَسْلِيمَ
الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَنْ أُسَلِّمَهَا فِي وَقْتِ كَذَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ حَلَّ الْأَجَلُ وَأَجَّلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مُدَّةً أُخْرَى أَوْ زَادَ فِي الْأَجَلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ فَهُوَ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَوَافَقْنَا عَلَى أَنَّ بَدَلَ الْإِتْلَافِ لَا يَتَأَجَّلُ بِالتَّأْجِيلِ
* وَلَوْ أَوْصَى مَنْ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَى إنْسَانٍ بِإِمْهَالِهِ مُدَّةً لَزِمَ وَرَثَتَهُ إمْهَالُهُ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ التَّبَرُّعَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ تَلْزَمُ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي
* وَلَوْ أَسْقَطَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ الْأَجَلَ فَهَلْ يَسْقُطُ(9/339)
حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فِي الْحَالِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْأَجَلَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَالصِّفَةُ لَا تُفْرَدُ بِالْإِسْقَاطِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الصِّحَاحِ لَوْ أَسْقَطَ صِفَةَ الْجَوْدَةِ وَالصِّحَّةِ لَمْ يَسْقُطْ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْبَيْعِ إلى العطا وَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْآجَالِ الْمَجْهُولَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ يَجُوزُ بِثَمَنٍ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْعَطَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ قال ابن المنذر وروينا ذلك عن ابن عُمَرَ قَالَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا بَاعَ إلَى الْعَطَاءِ صَحَّ وَكَانَ الثَّمَنُ حَالًّا قال وقول ابن عباس أصح
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل كمجئ الشهر وقدوم الحاج لانه بيع غرر من غير حاجة فلم يجز
* ولا يجوز بيع المنابذة وهو أن يقول إذا نبذت هذا الثو ب فقد وجب البيع ولا بيع الملامسة وهو أن يمس الثوب بيده ولا ينشره وإذا مسه فقد وجب البيع لما روى أبو سعيد الخدرى قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيعتين المنابذة والملامسة) والمنابذة أن يقول إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع والملامسة أن يمسه بيده ولا ينشره فإذا مسه فقد وجب البيع
* ولانه إذا علق وجوب البيع على نبذ الثوب فقد علق البيع على شرط وذلك لا يجوز وإذا لم ينشر الثوب فقد باع مجهولا وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ
* ولا يجوز بيع الحصى وهو أن يقول بعتك ما وقع عليه الحصى من ثوب أو أرض لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نهى عن بيع الحصى) ولانه بيع مجهول من غير حاجة فلم يجز
* ولا يجوز ببع حبل الحبلة لما روي ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيع
واختلف في تأويله فقال الشافعي رضي الله عنه هو بيع السلعة بثمن إلى أن تلد الناقة ويلد حملها وقال أبو عبيد هو بيع ما يلد حمل الناقة فان كان على ما قال الشافعي رحمه الله فهو بيع بثمن إلى أجل مجهول وقد بينا أن ذلك لا يجوز
* وان كان على ما قال أبو عبيد فهو بيع معدوم ومجهول وذلك لا يجوز
* ولا يجوز بيعتان في بيعة لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم(9/340)
عين بيعتين في بيعة) فيحتمل أن يكون المراد به أن يقول بعتك هذا بالف نقدا أو بالفين نسيئة فلا يجوز للخبر ولانه لم يعقد على ثمن معلوم ويحتمل أن يكون المراد به أن يقول بعتك هذا بالف على إن تبيعني دارك بالف فلا يصح للخبر ولانه شرط في عقد وذلك لا يصح فإذا سقط وجب أن يضاف إلى ثمن السلعة بازاء ما سقط من الشرط وذلك مجهول فإذا أضيف إلى الثمن صار مجهولا فبطل)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَعَ تَفْسِيرِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي حَبَلِ الْحَبَلَةِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَبَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) وَهُوَ أَنْ يَمَسَّ هُوَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْمِيمِ - وَيَجُوزُ ضَمُّ الْمِيمِ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَنُنْكِرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ فَأَتَى بِهِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ الْمَوْضُوعَةِ لِلضَّعِيفِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ (وَقَوْلُهُ) حَبَلِ الْحَبَلَةِ هُوَ - بِفَتْحِ الْبَاءِ - فِيهِمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَبَلَةُ هُنَا جَمْعُ حَابِلٍ كَظَالِمِ وَظَلَمَةٍ وَفَاجِرٍ وَفَجَرَةٍ وَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ وَقَالَ الْأَخْفَشُ يُقَالُ حَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فَهِيَ حَابِلٌ وَنِسْوَةٌ حَبَلَةٌ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ الْهَاءُ فِي الْحَبَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْحَبَلَ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِنَّ الْحَمْلُ يُقَالُ حَمَلَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا وَحَبِلَتْ بِوَلَدٍ وَحَمَلَتْ الشَّاةُ - بِالْمِيمِ - وَكَذَا الْبَقَرَةُ وَالنَّاقَةُ وَنَحْوُهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَا يقال لشئ مِنْ الْحَيَوَانِ حَبَلٌ غَيْرَ الْآدَمِيِّ إلَّا مَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
* وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ
فَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ تَفْسِيرُ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الحديث ثبت ذلك عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ
* وَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَهُ أَيْضًا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى شَيْخُ أَبِي عبيد وقاله أحمد بن حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى اللُّغَةِ وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَقْوَى لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الرَّاوِي وَهُوَ أَعْرَفُ
* وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا عبيد الذى ذكره المصنف هنا وفى التَّنْبِيهِ هُوَ بِإِسْقَاطِ الْهَاءِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ القاسم(9/341)
ابن سَلَّامٍ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ فَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَ النَّبْذِ بَيْعًا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ قَالَ الرافعى قال الاصحاب ويجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْمُعَاطَاةِ فَإِنَّ الْمُنَابَذَةَ مَعَ قرينة البيع في نَفْسُ الْمُعَاطَاةِ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ عَلَى أَنِّي إذَا نَبَذْتُهُ إلَيْك انْقَطَعَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ البيع هو بَيْعٌ بَاطِلٌ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِنَبْذِ الْحَصَاةِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ فَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ (أَحَدُهَا) تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ وجمهور الاصحاب وهوان يَأْتِيَ بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَلْمِسُهُ الْمُسْتَلِمُ فَيَقُولُ صَاحِبُهُ بِعْتُكَهُ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ لِمَسْكِ مَقَامَ نَظَرِك وَلَا خِيَارَ لَك إذَا رَأَيْته
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ اللَّمْسِ بَيْعًا فَيَقُولُ إذَا لَمَسْته فَهُوَ بَيْعٌ لَك (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهُ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا وَفِي الْأَوَّلِ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ نَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَالَ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي لَهُ حُكْمُ الْمُعَاطَاةِ (وَالْمَذْهَبُ) الْجَزْمُ بِبُطْلَانِهِ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا (وَأَمَّا) بَيْعُ الْحَصَاةِ فَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِيهَا أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إلَى حَيْثُ تَنْتَهِي إلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَهُ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ إلَى أَنْ أَرْمِيَ الْحَصَاةَ (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ الرَّمْيِ بَيْعًا وَهُوَ إذَا رَمَيْت هَذِهِ الْحَصَاةَ فَهَذَا الثَّوْبُ مَبِيعٌ لَك بِكَذَا وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ عَلَى جَمِيعِ التَّأْوِيلَاتِ (وَأَمَّا) الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ فَفِيهِ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُمَا مَعَ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِيهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ لِنَفْسِهِ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ وَلَا بَيْعُ حبل الحبلة ولا بيع الحصاة والمنابدة وَالْمُلَامَسَةِ وَلَا تَعْلِيقُ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ بِأَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ الْمَطَرُ أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ أَوْ إذَا جَاءَ زَيْدٌ أَوْ إذَا غربت الشمس أوما أَشْبَهَ هَذَا فَقَدْ بِعْتُكَهُ وَهَذَا عَقْدٌ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ بيع الغرر (1)
*(9/342)
قال المصنف رحمه الله (ولا يجوز مبايعة من يعلم أن جميع ماله حرام لما روى أبو مسعود البدرى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن حلوان الكاهن ومهر البغى
* وعن الزهري (في امرأة زنت بمال عظيم قال لا يصلح لمولاها أكله لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مهر البغى) فان كان معه حلال وحرام كره مبايعته والاخذ منه لما روى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يقول الحلال بين والحرام بين وبين ذلك امور مشتبهات وسأضرب لكم في ذلك مثلا ان الله تعالى حمى حمى وان حمى الله حرام وان من يرعى حو الحمى يوشك ان يخالط الحمي) وان بايعه وأخذ منه جاز لان الظاهر مما في يده انه له فلا يحرم الاخذ منه) الْخَلْطُ فِي الْبَلَدِ حَرَامٌ لَا يَنْحَصِرُ بِحَلَالٍ لَا يَنْحَصِرُ لَمْ يَحْرُمْ الشِّرَاءُ مِنْهُ بَلْ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِتِلْكَ الْعَيْنِ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْحَرَامِ فَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَكِنَّ تَرْكَهُ وَرَعٌ مَحْبُوبٌ وَكُلَّمَا كَثُرَ الْحَرَامُ تَأَكَّدَ الْوَرَعُ
* وَلَوْ اعْتَلَفَتْ الشَّاةُ عَلَفًا حَرَامًا أَوْ رَعَتْ فِي حَشِيشٍ حَرَامٍ لَمْ يَحْرُمْ لَبَنُهَا وَلَحْمُهَا وَلَكِنَّ تَرْكَهُ وَرَعٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ وَاللَّبَنَ لَيْسَ هو عين العلطف
* وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ طَعَامٍ حَلَالٍ لِكَوْنِهِ حَمَلَهُ كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ بِالزِّنَا أَوْ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَرَعًا بَلْ هُوَ وَسْوَاسٌ وَتَنَطُّعٌ مَذْمُومٌ
* وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فِي الذِّمَّةِ وَقَضَى ثَمَنَهُ مِنْ حَرَامٍ نُظِرَ إنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ إلَيْهِ الطَّعَامَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بِطِيبِ قَلْبِهِ فَأَكَلَهُ قَبْلَ قَضَاءِ الثَّمَنِ فَهُوَ حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ وَرَعًا مُؤَكَّدًا ثُمَّ إنْ قَضَى الثَّمَنَ بَعْدَ الْأَكْلِ فَأَدَّاهُ مِنْ الْحَرَامِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِهِ فَيَبْقَى الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الطَّعَامُ الْمَأْكُولُ حَرَامًا فَإِنْ أَبْرَأهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَرَامٌ
بَرِئَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَبْرَأهُ ظَانًّا حِلَّ الثَّمَنِ لَمْ تَحْصُلْ الْبَرَاءَةُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ وَلَا تَحْصُلُ بِذَلِكَ الِاسْتِيفَاءِ
* وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ بِطِيبِ قَلْبِهِ بَلْ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي قَهْرًا فَأَكَلَهُ فَالْأَكْلُ حَرَامٌ سَوَاءٌ أَكَلَهُ قَبْلَ تَوْفِيَةِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَ تَوْفِيَتِهِ مِنْ الْحَرَامِ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَكُونُ عَاصِيًا بِأَكْلِهِ كَعِصْيَانِ الرَّاهِنِ إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ الْمَرْهُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ أَخَفُّ تَحْرِيمًا(9/343)
مِنْ أَكْلِ الْمَغْصُوبِ (أَمَّا) إذَا أَوْفَى الثَّمَنَ الْحَرَامَ ثُمَّ قَبَضَ الْمَبِيعَ فَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِأَنَّ الثَّمَنَ حَرَامٌ وَأَقْبَضَ الْمَبِيعَ بِرِضَاهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْحَبْسِ وَبَقِيَ الثَّمَنُ لَهُ فِي الذِّمَّةِ وَيَكُونُ أَكْلُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَلَالًا
* وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ كَوْنَ الثَّمَنِ حَرَامًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ عَلِمَ لَمَا رَضِيَ بِهِ وَلَمَّا أَقْبَضَ الْمَبِيعَ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْحَبْسِ بِهَذَا التَّدْلِيسِ فَالْأَكْلُ حِينَئِذٍ حَرَامٌ كَتَحْرِيمِ أَكْلِ طَعَامِهِ المرهون والامتناع من الاكل في كل هَذَا وَرَعٌ مِنْهُمْ
* وَلَوْ اشْتَرَى سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ شِرَاءً صَحِيحًا وَقَبَضَهُ بِرِضَا الْبَائِعِ قَبْلَ تَوْفِيَةِ الثَّمَنِ ثُمَّ وَهَبَهُ لِإِنْسَانٍ وَكَانَ فِي مَالِ الْمُشْتَرِي حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ يُوَفِّيهِ الثَّمَنَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْإِنْسَانِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَكِنَّ الْوَرَعَ تَرْكُهُ وَيَتَأَكَّدُ الْوَرَعُ أَوْ يَخِفُّ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقِلَّتِهِ
* وَلَوْ اشْتَرَى إنْسَانٌ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ وَفَّى ثَمَنَهُ عِنَبًا لِمَنْ عُرِفَ بِاِتِّخَاذِ الْخَمْرِ أَوْ سَيْفًا لِمَنْ عُرِفَ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كُرِهَ أَكْلُ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَحْرُمْ
* وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ غَزْلَ زَوْجَتِهِ فَبَاعَتْ غَزْلَهَا وَوَهَبْته الثَّمَنَ لَمْ يُكْرَهْ أَكْلُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ فَلَيْسَ بِوَرَعٍ بَلْ وَسْوَاسٍ
* وَمِنْ الْوَرَعِ الْمَحْبُوبِ تَرْكُ مَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إبَاحَتِهِ اخْتِلَافًا مُحْتَمَلًا وَيَكُونُ الْإِنْسَانُ مُعْتَقِدًا مَذْهَبَ إمَامٍ يُبِيحُهُ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ الصَّيْدُ وَالذَّبِيحَةُ إذَا لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ فَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَرَامٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَالْوَرَعُ لِمُعْتَقِدِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَرْكُ أَكْلِهِ (وَأَمَّا) الْمُخْتَلَفُ فِيهِ الَّذِي يَكُونُ فِي إبَاحَتِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِلَا مُعَارِضٍ وَتَأْوِيلُهُ مُمْتَنِعٌ أَوْ بَعِيدٌ فَلَا أَثَرَ لِخِلَافِ مَنْ مَنَعَهُ فَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ وَرَعًا مَحْبُوبًا فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُوَرِّثُ شُبْهَةً وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الشئ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّ دَلِيلَهُ خَبَرُ آحَادٍ فَتَرَكَهُ إنْسَانٌ لِكَوْنِ بَعْضِ النَّاسِ مَنَعَ الِاحْتِجَاجَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَهَذَا التَّرْكُ لَيْسَ بِوَرَعٍ بَلْ وَسْوَاسٍ لِأَنَّ الْمَانِعَ لِلْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَمَا زَالَتْ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ
* قَالَ وَلَوْ أَوْصَى بِمَالٍ
لِلْفُقَهَاءِ فَالْفَاضِلُ فِي الْفِقْهِ مُدْخَلٌ فِي الْوَصِيَّةِ والمبتدي مِنْ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا دَرَجَاتٌ يَجْتَهِدُ الْمُفْتِي فِيهِمَا وَالْوَرَعُ لِهَذَا الْمُتَوَسِّطِ تَرْكُ الْأَخْذِ مِنْهَا وَإِنْ أَفْتَاهُ الْمُفْتِي بأنه دَاخِلٌ فِي الْوَصِيَّةِ قَالَ وَكَذَا الصَّدَقَاتُ الْمَصْرُوفَةُ إلَى الْمُحْتَاجِينَ قَدْ يُتَرَدَّدُ فِي حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ وَكَذَا مَا يَجِبُ مِنْ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَكِسْوَةِ الزَّوْجَاتِ وَكِفَايَةِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْتِ الْمَالِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ إذَا قَدَّمَ لَك إنْسَانٌ طَعَامًا ضِيَافَةً أَوْ أَهْدَاهُ لَك أَوْ أَرَدْت شِرَاءَهُ مِنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يُطْلَقْ الْوَرَعُ فَإِنَّك تَسْأَلُ عَنْ حِلِّهِ وَلَا يُتْرَكُ السؤال قَدْ يَجِبُ وَقَدْ يَحْرُمُ وَقَدْ يَنْدُبُ وَقَدْ يكره وضابطه مَظِنَّةَ السُّؤَالِ هِيَ مَوْضِعُ الرِّيبَةِ وَلَهَا حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِكِ
(وَالثَّانِي)
بِالْمِلْكِ(9/344)
(أَمَّا) الْأَوَّلُ فَالْمَالِكُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا وَهُوَ مَنْ لَيْسَ فِيهِ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى طِيبِ مَالِهِ وَلَا فَسَادِهِ فَإِذَا دَخَلْت قَرْيَةً فَرَأَيْت رَجُلًا لَا تَعْرِفُ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا وَلَا عَلَيْهِ عَلَامَةُ فَسَادِ مَالِهِ وَشَبَهِهِ كَهَيْئَةِ الْأَجْنَادِ وَلَا عَلَامَةُ طِيبَةٍ كَهَيْئَةِ الْمُتَعَبِّدِينَ وَالتُّجَّارِ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَا يُقَالُ مَشْكُوكٌ فِيهِ لِأَنَّ الشَّكَّ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِقَادَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ لَهُمَا سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ قَالَ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يُدْرِكُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا لَا يُدْرَى وَبَيْنَ مَا يُشَكُّ فِيهِ فَالْوَرَعُ تَرْكُ مَا لا يدرى ويجور الشِّرَاءُ مِنْ هَذَا الْمَجْهُولِ وَقَبُولُ هَدِيَّتِهِ وَضِيَافَتِهِ وَلَا يَجِبُ السُّؤَالُ بَلْ لَا يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ فَإِنْ أَرَادَ الورع فليتركه وان كان لابد مِنْ أَكْلِهِ فَلِيَأْكُلْ وَلَا يَسْأَلْ فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى تَرْكِ السُّؤَالِ أَهْوَنُ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ مُسْلِمٍ وَإِيذَائِهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَقْوَاهُ كَلِبَاسِ أَهْلِ الظُّلْمِ وَهَيْئَاتِهِمْ أَوْ تَرَى مِنْهُ فِعْلًا مُحَرَّمًا تَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى تَسَاهُلِهِ فِي الْمَالِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا يَحْرُمُ الْهُجُومُ بَلْ السُّؤَالُ وَرَعٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ الْهُجُومُ وَيَجِبُ السُّؤَالُ قَالَ وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنُفْتِي بِهِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْعَلَامَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ حَرَامٌ فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ فِيهِ حَرَامًا يَسِيرًا كَانَ السُّؤَالُ وَرَعًا (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَعْلَمَ حاله بِمُمَارَسَةٍ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ ظَنٌّ فِي حِلِّ مَالِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ بِأَنْ يَعْرِفَ صَلَاحَ الرَّجُلِ وَدِيَانَتِهِ فَهُنَا لَا يَجِبُ السُّؤَالُ وَلَا يَجُوزُ أَوْ يَعْرِفَ أَنَّهُ مُرَابٍ أَوْ مُغَنٍّ وَنَحْوُهُ فَيَجِبُ السُّؤَالُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَعَلَّقَ الشَّكُّ بِالْمَالِ بِأَنْ يَخْتَلِطَ حَلَالٌ
بِحَرَامٍ كَمَا إذَا حَصَلَ فِي السُّوقِ أَحْمَالُ طَعَامٍ مَغْصُوبٍ وَاشْتَرَاهَا أَهْلُ السُّوقِ فَلَا يَجِبُ السُّؤَالُ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنْ تِلْكَ السُّوقِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ حَرَامٌ فَيَجِبُ السُّؤَالُ وَمَا لَمْ يَكُنْ الْأَكْثَرُ حَرَامًا يَكُونُ التَّفْتِيشُ وَرَعًا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الشِّرَاءِ مِنْ الْأَسْوَاقِ وَكَانُوا لَا يَسْأَلُونَ فِي كُلِّ عَقْدٍ وَإِنَّمَا نُقِلَ السُّؤَالُ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِرِيبَةٍ كَانَتْ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ كَانَ فِي يَدِ نَاظِرِ الْأَوْقَافِ أَوْ الْوَصَايَا مَالَانِ أَحَدُهُمَا لِمَوْصُوفَيْنِ بِصِفَةٍ وَالْآخَرُ لِمَوْصُوفَيْنِ بِصِفَةٍ أُخْرَى فَأَرَادَ إنْسَانٌ فِيهِ صِفَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ النَّاظِرِ شَيْئًا فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ ظَاهِرَةً يَعْرِفُهَا الْمُتَوَلِّي وَهُوَ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ جَازَ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَإِنْ كَانَتْ الصِّفَةُ خَفِيَّةً أَوْ عُرِفَ مِنْ حَالِ الْمُتَوَلِّي التَّسَاهُلُ وَأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِخَلْطِ الْمَالَيْنِ وَجَبَ السُّؤَالُ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا عَلَامَةٌ وَلَا اسْتِصْحَابٌ يُعْتَمَدُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا مِنْ دُورِ الْبَلَدِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ دُورًا مَغْصُوبَةً لِأَنَّ(9/345)
* ذَلِكَ اخْتِلَاطٌ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ وَالسُّؤَالُ هُنَا وَرَعٌ وَاحْتِيَاطٌ
* وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ عَشْرُ دُورٍ فِيهَا وَاحِدَةٌ مَغْصُوبَةٌ أَوْ وَقْفٌ وَلَا يَعْرِفُهَا وَجَبَ السُّؤَالُ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ
* وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَدَارِسُ أَوْ رِبَاطَاتٌ خُصِّصَ بَعْضُهَا بِالْمَنْسُوبِينَ إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْكُنَ في شئ مِنْهَا وَلَا يَأْكُلَ مِنْ وَقْفِهَا حَتَّى يَسْأَلَ وَيَتَبَيَّنَ الصَّوَابَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ حَيْثُ قُلْنَا السُّؤَالُ وَرَعٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الطَّعَامِ وَالْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَغِيظُهُ فَلَا يَرْتَكِبُ إيذَاءَ مُسْلِمٍ لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ مَنْدُوبٍ قَالَ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا السُّؤَالَ إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ حَرَامًا وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا نُبَالِي بِغَيْظِهِ فَإِنَّ الظَّالِمَ يُؤْذِي بِأَكْثَرَ من هذا قال الحرث الْمُحَاسِبِيُّ لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ أَوْ صَدِيقٌ يَأْمَنُ غَيْظَهُ لَوْ سَأَلَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْأَلَهُ أَيْضًا لِلْوَرَعِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ شئ كَانَ مَسْتُورًا يُؤَدِّي إلَى الْبَغْضَاءِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ
* قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) لَا فَائِدَةَ فِي سُؤَالِ مَنْ بَعْضُ مَالِهِ حَرَامٌ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي مَالِ الْإِنْسَانِ حَرَامٌ مُخْتَلَطٌ فَأَرَدْتَ مُبَايَعَتَهُ أَوْ الْأَكْلَ مِنْ ضِيَافَتِهِ أَوْ هَدِيَّتَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَكْفِ سُؤَالُهُ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُ سُؤَالُ صَاحِبِ الْيَدِ إذَا كَانَ
ثِقَةً غَيْرَ مُتَّهَمٍ كَمُتَوَلِّي الْأَوْقَافِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ هَذَا الْمَالُ (1) وَكَمَا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الَّذِي أَتَى بِهِ هَلْ هُوَ هَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يؤذي المسؤل وَلَا يُتَّهَمُ فِيهِ
* وَلَهُ سُؤَالُ خَادِمِهِ وَعَبْدِهِ الثِّقَةِ وَمَتَى سَأَلَ فَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ اعْتَمَدَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ وَعَلِمَ بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ جاز له قبوله
__________
(1) كذا بالاصل(9/346)
* لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ السُّؤَالِ ثِقَةُ النَّفْسِ وَقَدْ تَحْصُلُ بِقَوْلِ الْفَاسِقِ فَإِنْ أَخْبَرَهُ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ معروف بالتثبت جَازَ قَبُولُهُ وَمَتَى وَجَبَ السُّؤَالُ فَتَعَارَضَ قَوْلُ عدلين أو فاسقين سقطا ويجوزان يُرَجِّحَ بِقَلْبِهِ أَحَدَهُمَا وَبِكَثْرَةِ الْمُخْبَرَيْنِ وَبِمَعْرِفَتِهِمْ (فَرْعٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ نُهِبَ مَتَاعٌ مَخْصُوصٌ فَصَادَفَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْئًا يُبَاعُ وَاحْتُمِلَ أَنْ لا يَكُونَ مِنْ الْمَنْهُوبِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِ مَنْ عُرِفَ بِالصَّلَاحِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَكَانَ تَرْكُهُ وَرَعًا وَإِنْ كَانَ رَجُلًا مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النَّوْعُ كَثِيرًا فِي الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ الْمَنْهُوبِ جَازَ الشِّرَاءُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ هُنَاكَ غَيْرُ الْمَنْهُوبِ إلَّا نَادِرًا فَلَيْسَ هُنَا دَلِيلٌ لِلْحِلِّ سِوَى الْيَدِ وَقَدْ عَارَضَهَا عَلَامَةٌ خَاصَّةٌ وَهِيَ شَكْلُ الْمَتَاعِ الْمَنْهُوبِ فَالِامْتِنَاعُ مِنْ شِرَائِهِ وَرَعٌ مِنْهُمْ وَفِي تَحْرِيمِهِ نَظَرٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ خَادِمُ الصُّوفِيَّةِ إذَا خَرَجَ إلَى السُّوقِ وَالْبُيُوتِ وَجَمَعَ طَعَامًا وَغَيْرَهُ ثُمَّ قَدَّمَهُ لِلصُّوفِيَّةِ حَلَّ لَهُمْ أَكْلُهُ وَيَحِلُّ لِغَيْرِهِمْ الْأَكْلُ مِنْهُ بِرِضَاءِ الْخَادِمِ وَلَا يَحِلُّ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ عِيَالٌ وَأَعْطَى لَهُ النَّاسُ شَيْئًا بِسَبَبِ عِيَالِهِ يَكُونُ ذَلِكَ مِلْكًا لِلرَّجُلِ لَا لِلْعِيَالِ وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ غَيْرَ الْعِيَالِ وَكَذَا مَا يُعْطَاهُ الْخَادِمُ يَقَعُ مِلْكًا لَهُ وَإِنَّمَا يُطْعِمُ الصُّوفِيَّةَ وَفَاءً بِالْمُرُوءَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ الْوَقْفُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُمْ مِنْهُ بِرِضَاهُمْ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا لِأَنَّ مَعْنَى الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ الصَّرْفُ إلَى مَصَالِحِهِمْ وَمَبْنَى الْأَطْعِمَةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ صُوفِيًّا الْأَكْلُ مَعَهُمْ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الدَّوَامِ وَإِنْ رَضُوا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ بِمُشَارَكَةِ غَيْرِ جِنْسِهِمْ (وَأَمَّا) الْفَقِيهُ إذَا كَانَ عَلَى زِيِّهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ فَلَهُ النُّزُولُ عَلَيْهِمْ أَوْ كَوْنُهُ صُوفِيًّا وَلَيْسَ الْجَهْلُ شَرْطًا لِلتَّصَوُّفِ قَالَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى حَرَكَاتِ بعض الحملى وقولهم(9/347)
* الْعِلْمُ حِجَابٌ بَلْ الْجَهْلُ هُوَ الْحِجَابُ وَكَذَا الْعِلْمُ الْمَذْمُومُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ قَدْ يُعْطِي الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ الْمَالَ تَبَرُّعًا لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا وَقَدْ يُعْطِيهِ لِنَسَبِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فان علم الآخذ أن يُعْطِيهِ لِحَاجَتِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُعْطِيهِ لِشَرَفِ نَسَبِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَ حَادِثًا فِي النَّسَبِ وَإِنْ أَعْطَاهُ لِعِلْمِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْعِلْمِ كَمَا يَعْتَقِدُهُ الْمُعْطِي وَإِنْ أَعْطَاهُ لِدِينِهِ وَصَلَاحِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَخْذُ إنْ كَانَ فَاسِقًا فِي الْبَاطِنِ فِسْقًا لَوْ عَلِمَهُ الْمُعْطِي لَمَا أَعْطَاهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ الْأَرْضُ الْمَغْصُوبَةُ إذَا جُعِلَتْ شَارِعًا لَمْ يَجُزْ الْمُرُورُ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ جَازَ وَالْوَرَعُ اجْتِنَابُهُ إنْ أَمْكَنَ الْعُدُولُ عَنْهَا فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَعَلَيْهَا سَابَاطٌ مَغْصُوبُ الْأَخْشَابِ وَنَحْوُهَا جَازَ الْمُرُورُ تَحْتَهُ فَإِنْ قَعَدَ تَحْتَهُ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّ السَّقْفَ لَا يُرَادُ إلَّا لِهَذَا قَالَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْمَسْجِدِ مُبَاحَةً وَسُقِّفَ بِحِرَامٍ جَازَ الْمُرُورُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْحَرَامِ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَفِي قَوْلِهِ نَظَرٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْقُعُودُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الِانْتِفَاعِ بِضَوْءِ سِرَاجِ غَيْرِهِ وَالنَّظَرُ فِي مِرْآتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِمَا وَهُمَا جَائِزَانِ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ الْمَوَاضِعُ الَّتِي بَنَاهَا الظَّلَمَةُ كَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْمَسَاجِدِ وَالسِّقَايَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَاطَ فِيهَا (أَمَّا) الْقَنَاطِرُ فَيَجُوزُ الْعُبُورُ عَلَيْهَا لِلْحَاجَةِ وَالْوَرَعُ اجْتِنَابُهُ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الْعُبُورَ وَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا مَعْدِلًا لِأَنَّ تِلْكَ الْآلَاتِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا مَالِكٌ كَانَ حُكْمُهَا أَنْ تُرْصَدَ لِلْمَصَالِحِ وَهَذَا مِنْهَا وَإِذَا عَرَفَ أَنَّ الْأَحْجَارَ وَاللَّبِنَ مَغْصُوبَةٌ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْعُبُورُ عَلَيْهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ يَحِلُّ بِهَا ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ ثُمَّ يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ مِنْ الْمَالِكِ الَّذِي يَعْرِفُهُ (وَأَمَّا) الْمَسْجِدُ فَإِنْ بُنِيَ مِنْ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ خَشَبٍ مَغْصُوبٍ مِنْ مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ مِلْكِ إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ فَيَحْرُمُ دُخُولُهُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالٍ لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ فَالْوَرَعُ الْعُدُولُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَمْ يَتْرُكْ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَنَاهُ بِمَالِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ فَيَكُونُ لِلْمَصَالِحِ (وَأَمَّا) السِّقَايَاتُ فَحُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ فَالْوَرَعُ تَرْكُ الْوُضُوءِ وَالشُّرْبِ مِنْهَا وَتَرْكُ دُخُولِهَا إلَّا
أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ (وَأَمَّا) الرِّبَاطُ والمدرسة فان كانت أرضها مغصوبة أو الاكتاف كَاللَّبِنِ وَالْحِجَارَةِ وَأَمْكَنَ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا لَمْ يَجُزْ دُخُولُهَا وَإِنْ اشْتَبَهَ فَلَهُ دُخُولُهَا وَالْمُكْثُ فِيهَا وَالْوَرَعُ تَرْكُهُ(9/348)
* قال الغزالي إذا امر السلطان بدفع شئ مِنْ خِزَانَتِهِ لِإِنْسَانٍ يَسْتَحِقُّ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا وَعَلِمَ أَنَّ الْخِزَانَةَ فِيهَا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَالْحَلَالُ فِي أَيْدِي سَلَاطِينِ هَذِهِ الْأَزْمَانِ عَزِيزٌ أَوْ مَعْدُومٌ (1) وَإِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا كَوْنُهُ مِنْ الْحَلَالِ أَوْ كَوْنُهُ مِنْ الْحَرَامِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ أَخْذُهُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ حَلَالٌ قَالَ وَكِلَاهُمَا إسْرَافٌ وَالْأَعْدَلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ حَرَامًا حَرُمَ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَفِيهِ تَوَقُّفٌ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ جَارٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُخْتَلَطُ أَكْثَرُهُ حَرَامًا حَرُمَ الْأَخْذُ مِنْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَهَكَذَا مِثَالُ خِزَانَةِ السُّلْطَانِ يَكُونُ مَكْرُوهًا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَهُ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَخَذُوا مِنْ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ وَنُوَّابِهِمْ الظَّلَمَةِ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو أَيُّوبَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ والمسور ابن مَخْرَمَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ الحجاج والشافعي من هرون الرَّشِيدِ وَأَخَذَ مَالِكٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً وَإِنَّمَا تَرَكَ مَنْ تَرَكَ مِنْهُمْ الْأَخْذَ تَوَرُّعًا
* وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَبِلَ هَدِيَّةَ الْمُخْتَارِ ابن عبيد وزعمت هذه الفرقتان مَا نُقِلَ مِنْ امْتِنَاعِ جَمَاعَةٍ لَا يَدُلُّ على التحريم كما أن الخلفاء الراشدين وابازر وَآخَرِينَ مِنْ الزُّهَّادِ تَرَكُوا الْحَلَالَ الْمُطْلَقَ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ زُهْدًا
* قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّهُ قَلِيلٌ مَحْصُورٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا نُقِلَ مِنْ رَدِّهِمْ وَإِنْكَارِهِمْ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ تَحَقَّقُوا أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ الْمَصْرُوفَ إلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ حَلَالٍ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْفُوعُ إليهم حلال وَلَا يَضُرُّهُمْ كَوْنُ يَدِ السُّلْطَانِ مُشْتَمِلَةً عَلَى حَرَامٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ هَذَا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ وَصَرَفُوهُ فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ وقد قال جماعة منهم اخذناه كُلِّهِ وَصَرْفُنَا إيَّاهُ فِي الْمُحْتَاجِينَ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ فِي يَدِ السُّلْطَانِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إنَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْيَوْمَ الْجَوَائِزَ وَيَحْتَجُّونَ بان عُمَرَ وَعَائِشَةَ لَا يَقْتَدُونَ بِهِمَا لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَرَّقَ مَا أَخَذَ حَتَّى اسْتَقْرَضَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ أَنْ فَرَّقَ سِتِّينَ
أَلْفًا وَكَذَا فعلت عائشة رضى الله عنهما وكذا فعل الشافعي أخذ من هرون الرشيدى وَفَرَّقَهُ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَدَّخِرْ مِنْهُ حَبَّةً وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ الْأَمْوَالَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَوَائِلِ بَعْدَ الرَّاشِدِينَ كَانَ مَا عِنْدَ السُّلْطَانِ مِنْهَا غَالِبُهُ حَلَالٌ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الَّتِي فِي أَيْدِي السَّلَاطِينِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ فَإِنَّ مُعْظَمَهَا حَرَامٌ وَالْحَلَالُ فِيهَا قَلِيلٌ جِدًّا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ مَالُ الْمَصَالِحِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَّا لِمَنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ أَوْ هُوَ مُحْتَاجٌ عاجز
__________
(1) كذا بالاصل(9/349)
* عَنْ الْكَسْبِ مِثْلُ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرًا تَتَعَدَّى مَصْلَحَتُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْكَسْبِ لَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كِفَايَتُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ عُلَمَاءِ الدِّينِ كَعِلْمِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا وَيَدْخُلُ فِيهِ طَلَبَةُ هَذِهِ الْعُلُومِ وَالْقُضَاةُ وَالْمُؤَذِّنُونَ وَالْأَجْنَادُ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى هَؤُلَاءِ مَعَ الْغِنَى وَيَكُونُ قَدْرُ الْعَطَاءِ إلَى رَأْيِ السُّلْطَانِ وَمَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ وَيَخْتَلِفُ بِضِيقِ الْمَالِ وَسَعَتِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ السُّلْطَانُ إلَى كُلِّ الْمُسْتَحَقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يجوز لآحادهم أخذ شئ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ (احدها) لا يجوز أخذ شئ أَصْلًا وَلَا حَبَّةٍ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا يُدْرَى حِصَّتُهُ مِنْهُ حَبَّةٌ أَوْ دَانِقٌ أَوْ غَيْرُهُمَا فَهَذَا غُلُوٌّ
(وَالثَّانِي)
يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ قُوتَ يَوْمِهِ فَقَطْ (وَالثَّالِثُ) يَأْخُذُ كِفَايَتَهُ سَنَةً (وَالرَّابِعُ) يَأْخُذُ مَا يُعْطَى وَهُوَ حِصَّتُهُ وَالْبَاقُونَ يُظْلَمُونَ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَالْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْمِيرَاثِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتُوا قُسِّمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ وَهُنَا لو مات لم يستحق وارثه إرث شئ وَهَذَا إذَا صُرِفَ إلَيْهِ مَا يَلِيقُ صَرْفُهُ إلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا بَعَثَ السُّلْطَانُ إلَى إنْسَانٍ مَالًا لِيُفَرِّقَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ مَغْصُوبٌ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ وَتَفْرِقَتُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ إنْ قَارَنَتْهُ مَفْسَدَةٌ بِحَيْثُ يَغْتَرُّ بِهِ جُهَّالٌ وَيَعْتَقِدُونَ طِيبَ أَمْوَالِ السُّلْطَانِ أَوْ يَجِبُ بَقَاءُ ذَلِكَ السُّلْطَانِ مَعَ ظُلْمِهِ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ مُعَامَلَةَ السُّلْطَانِ وَعُلَمَائِهِ وَأَعْوَانِهِ وَعُمَّالِهِمْ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ الْأَسْوَاقُ الَّتِي بَنَاهَا السَّلَاطِينُ بِالْأَمْوَالِ الْحَرَامِ تَحْرُمُ التِّجَارَةُ فِيهَا وَسُكْنَاهَا فَإِنْ سَكَنَهَا بِأُجْرَةٍ وَكَسَبَ شَيْئًا بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ كَانَ عَاصِيًا بِسُكْنَاهُ وَلَا يَحْرُمُ كَسْبُهُ وَلِلنَّاسِ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْهُ وَلَكِنْ إنْ وَجَدُوا سُوقًا أُخْرَى فَالشِّرَاءُ مِنْهَا أَوْلَى لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْأُولَى إعَانَةٌ لِسُكَّانِهَا وَتَرْغِيبٌ فِي سُكْنَاهَا وَكَثْرَةُ أُجْرَتِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ مَغْصُوبٌ مِنْ النَّاسِ مُعَيَّنٌ فَاخْتَلَطَ بِمَالِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ وَأَرَادَ التوبة فطريقه أن يترضى هُوَ وَصَاحِبُ الْمَغْصُوبِ بِالْقِسْمَةِ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ رَفَعَ التَّائِبُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَقْبِضَ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا حَكَّمَ رَجُلًا مُتَدَيِّنًا لِقَبْضِ ذَلِكَ فَإِنْ عَجَزَ تَوَلَّى هُوَ بِنَفْسِهِ ذَلِكَ وَيَعْزِلُ قَدْرَ ذَلِكَ فِيهِ الصَّرْفَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ دراهم(9/350)
* أو حبا أو ذهبا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ الْبَاقِي فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ الْمُخْتَلَطِ وَيُنْفِقَ مِنْهُ قَبْلَ تَمْيِيزِ قَدْرِ الْمَغْصُوبِ فَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ يَجُوزُ ذلك مادام قَدْرُ الْمَغْصُوبِ بَاقِيًا وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجَمِيعِ وقال آخرون لا يجوز له أخذ شئ منه حتى يميز قدر المغصوب بنية الابذال وَالتَّوْبَةِ
* (فَرْعٌ)
مَنْ وَرِثَ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ مُوَرِّثُهُ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ حَرَامٍ وَلَمْ تَكُنْ عَلَامَةً فَهُوَ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ بِالِاجْتِهَادِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ حَرَامٌ وَأَرَادَ التَّوْبَةَ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَجَبَ دَفْعُهُ إلَى وَارِثِهِ وَإِنْ كَانَ لِمَالِكٍ لَا يَعْرِفُهُ وَيَئِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ كَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَصَالِحِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ وَإِلَّا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ فُقَرَاءَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْقَاضِي إنْ كَانَ عَفِيفًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا لَمْ يَجُزْ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ صَارَ الْمُسَلَّمُ ضَامِنًا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَكِّمَ رَجُلًا مِنْ أهل البلد دينا عالما فان التحكم أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّرْفُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِذَا دَفَعَهُ إلَى الْفَقِيرِ لَا يَكُونُ حَرَامًا عَلَى الْفَقِيرِ بَلْ يَكُونُ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا لِأَنَّ عِيَالَهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ
فَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَوْلَى مَنْ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ لِأَنَّهُ أَيْضًا فَقِيرٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي هَذَا الْفَرْعِ ذَكَرَهُ آخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ ونقله الْغَزَالِيُّ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إتْلَافُ هَذَا الْمَالِ وَرَمْيُهُ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صَرْفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ مِنْ يَدِ السُّلْطَانِ قَالَ قَوْمٌ يَرُدُّهُ إلَى السُّلْطَانِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَمْلِكُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَاخْتَارَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ هَذَا وَقَالَ آخَرُونَ يَتَصَدَّقُ بِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَرُدُّهُ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ رَدَّهُ إلَى السُّلْطَانِ تَكْثِيرٌ لِلظُّلْمِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْ مَالِكِهِ (قُلْتُ) الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ السُّلْطَانَ يَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفٍ بَاطِلٍ أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ ظَنًّا ظَاهِرًا لَزِمَهُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلِ الْقَنَاطِرِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْأَحْوَجِ فَالْأَحْوَجِ وَأَهَمُّ الْمُحْتَاجِينَ ضِعَافُ(9/351)
* أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ صَرْفَ السُّلْطَانِ إيَّاهُ فِي بَاطِلٍ فَلِيُعْطِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى نَائِبِهِ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لِأَنَّ السُّلْطَانَ أَعْرَفُ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَأَقْدَرُ عَلَيْهَا فَإِنْ خَافَ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ ضَرَرًا صَرَفَهُ هُوَ فِي الْمَصَارِفِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيمَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي بَاطِلٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ بَعْضُهُ حَلَالٌ وَبَعْضُهُ فِيهِ شُبْهَةٌ وَلَهُ عِيَالٌ وَلَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَلِيَخُصَّ نَفْسَهُ بِالْحَلَالِ ثُمَّ بِمَنْ يَعُولُ وَإِذَا تَرَدَّدَتْ حَاجَةُ نَفْسِهِ بَيْنَ الْقُوتِ وَاللِّبَاسِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا كَأُجْرَةِ الْحَجَّامِ وَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ وَالْحَمَّالِ وَدُهْنِ السِّرَاجِ وَعِمَارَةِ الْمَنْزِلِ وَتَعَهُّدِ الدَّابَّةِ وَثَمَنِ الْحَطَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلِيَخُصَّ بِالْحَلَالِ قُوتَهُ وَلِبَاسَهُ فَإِنْ تَعَارَضَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخُصَّ الْقُوتَ بِالْحَلَالِ لِأَنَّهُ يَمْتَزِجُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَلِأَكْلِ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ أَثَرٌ فِي قَسَاوَةِ الْقَلْبِ (وَأَمَّا) الْكِسْوَةُ فَفَائِدَتُهَا دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالسَّتْرُ عَنْ الاعين وذلك يحصل وقال الحاسبى يَخُصُّ الْكِسْوَةَ بِالْحَلَالِ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُدَّةً وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ الْحَرَامُ الَّذِي فِي يَدِهِ حَيْثُ قُلْنَا يَتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا سَبَقَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ يُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ وَإِذَا أَنْفَقَ عَلَى نفسه جَوَّزْنَاهُ فَلِيُضَيِّقْ مَا أَمْكَنَهُ وَمَا أَنْفَقَ عَلَى عِيَالِهِ فَلِيَقْتَصِدْ وَلَكِنْ بَيْنَ التَّوْسِعَةِ وَالتَّضْيِيقِ فَإِنْ ضَافَهُ إنْسَانٌ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَسَّعَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يُطْعِمْهُ شَيْئًا أَصْلًا مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَرِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا بِحَيْثُ لَا يَجِدُ شَيْئًا فَيُطْعِمُهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْفَقِيرِ فَإِنْ عَرَفَ مِنْ حَالِ الْفَقِيرِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ الْمَالَ لَتَوَرَّعَ عَنْهُ أَحْضَرَ الطَّعَامَ وَأَخْبَرَهُ بِالْحَالِ لِيَكُونَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ حَقِّ الضِّيَافَةِ وَتَرْكِ الْخِدَاعِ وَلَا يَكْتَفِي بِأَنَّ ذَلِكَ الْفَقِيرَ لَا يَدْرِي لِأَنَّ الْحَرَامَ إذَا حَصَلَ فِي الْمَعِدَةِ أَثَّرَ فِي قَسَاوَةِ الْقَلْبِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ آكِلُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ الْحَرَامُ أَوْ الشُّبْهَةُ فِي يَدِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَلِيَمْتَنِعْ مِنْ مُؤَاكَلَتِهِمَا فَإِنْ كَرِهَا امْتِنَاعَهُ لَمْ يُوَافِقْهُمَا عَلَى الْحَرَامِ فَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ بَلْ يَنْهَاهُمَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً يُرِيدُ تَرْكَهُ لِلْوَرَعِ فَقَدْ عَارَضَهُ طَلَبُ رِضَاهُمَا وَهُوَ وَاجِبٌ فَلِيَتَلَطَّفْ فِي الِامْتِنَاعِ فَإِنْ عَجَزَ فليأكل وليقلل من ذلك وليصغر اللقمة ويطيل الْمَضْغَةَ وَلَا يَتَوَسَّعُ مِنْهُ قَالَ وَالْأُخْتُ وَالْأَخُ قَرِيبٌ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ فَإِنَّ حَقَّهُمَا مُؤَكَّدٌ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا أَلْبَسَتْهُ أُمُّهُ ثَوْبًا مِنْ شُبْهَةٍ وَكَانَتْ تَسْخَطُ لَوْ رَدَّهُ فَلْيَقْبَلْهُ وَلْيَلْبَسْهُ بَيْنَ يَدَيْهَا وَيَنْزِعُهُ إذَا غَابَ عَنْهَا وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ إلَّا بِحَضْرَتِهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ الامال حَرَامٌ مَحْضٌ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَلَا زَكَاةَ ولا(9/352)
* تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ مَالِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ مَالَ شُبْهَةٍ فَلَيْسَ بِحِرَامٍ مَحْضٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ إنْ أَبْقَاهُ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَا الْبَاقِي
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ وَجَوَّزْنَا إنْفَاقَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالْحَجِّ فَإِنْ كَانَ مَاشِيًا جَازَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى مَرْكُوبٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّا جَوَّزْنَا لَهُ الْأَكْلَ لِلْحَاجَةِ وَلَا نُجَوِّزُ مَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ الْمَرْكُوبِ فِي الْبَلَدِ مِنْ هَذَا الْمَالِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ مَنْ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ فَلِيَجْتَهِدْ أَنْ يَكُونَ قُوتُهُ فِي جَمِيعِ
طَرِيقِهِ مِنْ حَلَالٍ فَإِنْ عَجَزَ فَلِيَكُنْ مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ إلى التحلل وَلِيَجْتَهِدْ فِي الْحَلَالِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ سبحانه أعلم
* هذا آخِرُ الْفُرُوعِ الَّتِي انْتَخَبْتُهَا مِنْ إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي مُبَايَعَةِ مَنْ يُخَالِطُ مَالَهُ حَرَامٌ وَقَبُولِ هَدِيَّتِهِ وَجَائِزَتِهِ فَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ وَكَرِهَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ قَالَ وَكَانَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَبِشْرُ بْنُ سَعِيدٍ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم أجمعين * قال المصنف رحمه الله
* (ويكره بيع العنب ممن يعصر الخمر والتمر ممن يعمل النبيد وبيع السلاح ممن يعصى الله تعالى به لانه لا يأمن أن يكون ذلك معونة علي المعصية فان باع منه صح البيع لانه قد لا يتخذ الخمر ولا يعصى الله تعالى بالسلاح)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أكره بيع العصير ممن يعصر الخمر والسيف بمن يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى بِهِ وَلَا أَنْقُضُ هَذَا الْبَيْعَ هَذَا نَصُّهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ عُرِفَ بِاِتِّخَاذِ الْخَمْرِ وَالتَّمْرِ لِمَنْ عرف باتخاذ النبيد وَالسِّلَاحِ لِمَنْ عُرِفَ بِالْعِصْيَانِ بِالسِّلَاحِ فَإِنْ تَحَقَّقَ اتِّخَاذُهُ لِذَلِكَ خَمْرًا وَنَبِيذًا وَأَنَّهُ يَعْصِي بِهَذَا السِّلَاحِ فَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ
(أَحَدُهُمَا)
نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ يُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَلَا يَحْرُمُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَ مُرْتَكِبًا لِلْكَرَاهَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَبَيْعُ الْغِلْمَانِ الْمُرْدِ الْحِسَانِ لِمَنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ بِالْغِلْمَانِ كَبَيْعِ الْعِنَبِ لِلْخَمَّارِ قَالَ وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يُفْضِي إلى معصية
*(9/353)
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ السِّلَاحِ لِمَنْ عُرِفَ عِصْيَانُهُ بِالسِّلَاحِ مَكْرُوهٌ قَالَ أَصْحَابُنَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالْبُغَاةُ (وَأَمَّا) بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ بَاعَهُمْ إيَّاهُ لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَيْنَا وَجْهًا لَهُمَا والماوردي والشاسى وَالرُّويَانِيِّ شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ
هَذَا الْوَجْهُ مُنْقَاسٌ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ
* وَاحْتَجُّوا لِلْمَذْهَبِ بِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَ السِّلَاحَ لِقِتَالِنَا فَالتَّسْلِيمُ إلَيْهِمْ مَعْصِيَةٌ فَيَصِيرُ بَائِعًا مَا يَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا فَلَا يَنْعَقِدُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ في صحة بيع العبد المسلم الكافر قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ أُمِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِيهِ كَمَا فِي شِرَائِهِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْجُمْهُورُ صِحَّتُهُ لِأَنَّهُمْ في أيدينا فهو كبيعه لِمُسْلِمٍ
(وَالثَّانِي)
فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَأَمَّا) بَيْعُ الْحَدِيدِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي السِّلَاحِ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي آلَاتِ الْمِهْنَةِ كَالْمَسَاحِي وَغَيْرِهَا وَمِمَّنْ صَحَّحَ الْمَسْأَلَةَ وَجَزَمَ بِهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع المصحف ولا العبد المسلم من الكافر لانه يعرض العبد للصغار والمصحف للابتذال فان باعه منه ففيه قولان
(أحدهما)
أن البيع باطل لانه عقد منع منه لحرمة الاسلام فلم يصح كتزويج المسلمة من الكافر
(والثانى)
يصح لانه سبب يملك به العبد الكافر فجاز أن يملك به العبد المسلم كالارث (فإذا قلنا) بهذا أمرناه بازالة ملكه لان في تركه في ملكه صغارا على الاسلام
* فان باعه أو أعتقه جاز وان كاتبه ففيه قولان
(أحدهما)
يقبل منه لان بالكتابة يصير كالخارج من ملكه في التصرفات
(والثانى)
لا يقبل لانه عقدة لا يزيل الملك فلا يقبل منه كالتزويج والاجارة
* فان ابتاع الكافر أباه المسلم ففيه طريقان
(أحدهما)
أنه على القولين
(والثانى)
أنه يصح قولا واحد الانه يحصل له من الكمال بالحرية أكثر مما يلحقه من الصغار بالرق)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُتَصَوَّرُ مِلْكُ الْكَافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا وَجَارِيَةً مُسْلِمَةً فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ(9/354)
* (وَمِنْهَا) لَوْ أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أن يزيل ملكه عنه وورثه أقار به الكفار فدخل فِي مِلْكِهِمْ
هَذَا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ بِلَا خِلَافٍ وَيُؤْمَرُونَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَأَمَّا) إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهَذَا الْبَيْعُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا التَّحْرِيمُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ هُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ هُوَ نَصُّهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ قَوْلَ الْبُطْلَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ والبغوى وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الِانْتِصَارِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَمَلُّكِهِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِالسَّلَمِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فِي الْجَمِيعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ الْقَوْلَانِ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُمَا إذَا قُلْنَا يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَوْتِ مَلَكَ بِلَا خِلَافٍ كَالْإِرْثِ (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ مُصْحَفًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالْعَبْدِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ آخَرُونَ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ حَرَامٌ
* وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ عَلَى الطَّرِيقِ السَّابِقِ بِأَنَّ الْمُصْحَفَ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الِامْتِهَانَ وَالِابْتِذَالَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ
* وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ كُتُبِ حديث النبي صلى الله عليه وسلم حُكْمُ بَيْعِ الْمُصْحَفِ فِي هَذَا فَيَحْرُمُ بَيْعُهَا لِكَافِرٍ وَفِي صِحَّتِهِ الطَّرِيقَانِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ كُتُبِ الْفِقْهِ الَّتِي فِيهَا آثَارُ السَّلَفِ حُكْمُ الْمُصْحَفِ فِي هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ بَيْعُ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ لِلْكَافِرِ صَحِيحٌ وَفِي أَمْرِهِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عنه وجهان (والمذهب الاول) قال أصحابنا ويملك الْكَافِرُ الْمُصْحَفَ وَكُتُبَ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ بِالْإِرْثِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَهُوَ وَجْهٌ بَاطِلٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَأُمِّهِ وَجَدَّتِهِ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ قَطْعًا قَالَ أَصْحَابُنَا
وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ شِرَاءٍ يَسْتَعْقِبُ عِتْقًا كَقَوْلِ الْكَافِرِ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي(9/355)
* بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْكَافِرُ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ (وَالْمَذْهَبُ) الصِّحَّةُ فِي الْجَمِيعِ وَرَتَّبَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ وَقَالَ الصُّورَةُ الْأُولَى أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ مُسْلِمِ الْقَرِيبِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا ضِمْنِيٌّ وَالثَّانِيَةُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهَا وَإِنْ حُكِمَ بِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ بِخِلَافِ الْقَرِيبِ (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ وَصَحَّحْنَا الشِّرَاءَ بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى الْكَافِرُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهَلْ يَبْطُلُ بَيْعُهُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ كَمَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبِقَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بدليلها إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ فَهَلْ يَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي أَمْ يُنَصِّبُ الْقَاضِي مَنْ يَقْبِضُهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَطَعَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيه بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَيَقْبِضُهُ الْقَاضِي عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِمْرَارِ الْمِلْكِ فِيهِ وَدَوَامَ الْيَدِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِأَقَلَّ مِنْ إبَاقِ الْعَبْدِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا وَجْهَ لِلِانْفِسَاخِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ كَافِرًا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ مِنْ كَافِرٍ إلَى كَافِرٍ والله سبحانه أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ وَكَّلَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُسْلِمًا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ وَلَا الشِّرَاءُ لَهُ بِلَا خِلَافٍ إذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُسْلِمًا فَإِنْ سَمَّى الْمُوَكِّلَ فِي الشِّرَاءِ صَحَّ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ أَوَّلًا لِلْمُوَكِّلِ أَمْ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْمُوَكِّلِ فَيَصِحُّ هُنَا
(وَالثَّانِي)
لِلْوَكِيلِ فَلَا يَصِحُّ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْفَرْعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى الْكَافِرُ مُرْتَدًّا وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مُسْلِمًا فَفِي صِحَّةِ شِرَائِهِ الْمُرْتَدَّ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ لَهُ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْإِمَامُ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْمُرْتَدُّ ذِمِّيًّا هَلْ يُقْتَلُ بِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لِلْكَافِرِ عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَرِثَهُ أَوْ أَسْلَمَ عِنْدَهُ فَبَاعَهُ بِثَوْبٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عيبا(9/356)
* فَهَلْ لَهُ رَدُّ الثَّوْبِ بِالْعَيْبِ وَاسْتِرْدَادُ الْعَبْدِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ
(وَالثَّانِي)
لَيْسَ له ذلك كيلا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ (وَالثَّالِثُ) يَرُدُّ الثَّوْبَ وَلَا يَرْجِعُ فِي الْعَبْدِ بَلْ يَسْتَرِدُّ قِيمَتَهُ وَيَصِيرُ كَالتَّالِفِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي رَدِّ الثَّوْبِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ رَدِّ الثَّوْبِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (أَمَّا) إذَا وَجَدَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ عَيْبًا فَفِي رَدِّهِ وَاسْتِرْدَادِهِ الثَّوْبَ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
وَنَسَبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّ مِلْكَ الْكَافِرِ لَهُ هُنَا يَقَعُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ كَمَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ تَمَلُّكِهِ يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ مِنْ تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ
* (فَرْعٌ)
إذَا صَحَّحْنَا شِرَاءَ الْكَافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا فَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلْ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَبْضِ أَمْ يُنَصِّبُ مَنْ يَقْبِضُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُ يُمَكَّنُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُمَكَّنُ بَلْ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمًا يَقْبِضُهُ (وَالثَّالِثُ) يُنَصِّبُ الْقَاضِي من يقبضه وإذا حَصَلَ الْقَبْضُ أَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَلْزَمَهُ إزَالَةَ الْمِلْكِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي يَدِ الْكَافِرِ عَبْدٌ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أو غيرهما وَلَا يَكْفِي الرَّهْنُ وَالتَّزْوِيجُ وَالْإِجَارَةُ وَالْحَيْلُولَةُ وَفِي الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ الِاكْتِفَاءُ بِهَا وَتَكُونُ كِتَابَةً صَحِيحَةً (وَإِنْ قُلْنَا)
لَا تَكْفِي فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ فَيُبَاعُ الْعَبْدُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا صَحِيحَةٌ ثُمَّ إنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْمُكَاتَبِ بِيعَ مُكَاتَبًا وَإِلَّا فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ وَبِيعَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ كَمَا يَبِيعُ مَالَ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُشْتَرِيًا بِثَمَنِ مِثْلِهِ صَبَرَ إلَى أَنْ يُوجَدَ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَيَتَكَسَّبُ لِمَالِكِهِ وَتُؤْخَذُ نَفَقَتُهُ مِنْهُ (وَأَمَّا) إذَا أَسْلَمَتْ مُسْتَوْلَدَةُ كَافِرٍ فَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْلِهَا إلَى غَيْرِهِ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا نَحْوِهِمَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ
* وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إعْتَاقِهَا فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ لَا يُجْبَرُ بَلْ يُحَالُ بينهما وينفق(9/357)
* عَلَيْهَا وَتَتَكَسَّبُ لَهُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إعْتَاقِهَا وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ احْتِمَالًا وَهُوَ ضَعِيفٌ شَاذٌّ
* وَلَوْ مَاتَ كَافِرٌ قَدْ أَسْلَمَ عَبْدُهُ فِي يَدِهِ صَارَ لِوَارِثِهِ وَأُمِرَ بِمَا كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ مُوَرِّثُهُ فَإِنْ امْتَثَلَ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ لَا يَدْخُلُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِي مَالِ كَافِرٍ أَبَدًا إلَّا فِي سِتِّ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) بِالْإِرْثِ (وَالثَّانِيَةُ) يَسْتَرْجِعُهُ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي (الثَّالِثَةُ) يَرْجِعُ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ (الرَّابِعَةُ) إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ (الْخَامِسَةُ) إذَا قَالَ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ وَصَحَّحْنَاهُ (السَّادِسَةُ) إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ النُّجُومِ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ وَهَذِهِ السَّادِسَةُ غَلَطٌ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ فِيهِ لِيَتَجَدَّدَ بِالتَّعْجِيزِ وَتَرَكَ سَابِعَةً وَهِيَ إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَصَحَّحْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ إذَا صَحَّحْنَا هِبَةَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ فَعَلِمَ الْقَاضِي بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَنَعَهُ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ قَبْلَ الْقَبْضِ هَذَا كَلَامُهُمَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَبْضُهُ كَقَبْضِهِ مَنْ اشْتَرَاهُ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ إذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ ثُمَّ تَقَايَلَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْإِقَالَةُ بَيْعٌ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِهِ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ هُوَ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ فَإِنْ أَرَادَ فَسْخَ البيع (فان قلنا) الملك في زمان الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ صَحَّ الْفَسْخُ لَكِنْ إنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ بَيْعًا مَاضِيًا لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِابْتِدَاءِ تَمَلُّكٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْعٌ مِنْ الزَّوَالِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِزَوَالِ الملك في المبيع بنفس العقد ففي تَمْكِينِهِ مِنْ الْفَسْخِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ بِالثَّوْبِ الْمَعِيبِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا كَافِرًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَأَسْلَمَ في مدة الخيار قال والذى يحتمل قولين
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ الْبَيْعُ (وَالثَّانِي) لَا بَلْ لَهُمَا الفسخ والاجارة فَإِنْ أَجَازَا أَلْزَمَ الْمُشْتَرِي بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ بَيْعُ عَبْدِهِ الْكَافِرِ لِكَافِرٍ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ(9/358)
صغيرا أو كبيرا قال بغض أَصْحَابِنَا لَكِنَّ الْأَوْلَى أَلَّا يَبِيعَهُ الصَّغِيرَ وَقَالَ أبو حنيفة يكره بيعه الصغير وقال أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَلَى دِينِ مالكه
* (فرع)
قال أصحانبا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِكَافِرٍ إجَارَةً عَلَى عَيْنِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِمَا وَجْهَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ الْجَوَازُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا إلَّا الْجُرْجَانِيَّ فَصَحَّحَ الْبَيْعَ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ لَكِنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ
* فَإِذَا صَحَّحْنَاهَا فَهَلْ يُؤْمَرُ بازالة ملكه عن المنافع بأن يؤجره مُسْلِمًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يُؤْمَرُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ إيدَاعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ كَافِرٍ وَأَمَّا إعَارَتُهُ إيَّاهُ فَقَدْ جَزَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ
* وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ
الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا ضَعِيفٌ
* (وَالْمَذْهَبُ) الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَيْنِهِ الْجَوَازُ فَالْإِعَارَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ الْمَنَافِعَ بَلْ يَسْتَنْتِجُهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَهَنَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ الْمُصْحَفَ عِنْدَ كَافِرٍ فَفِي صِحَّتِهِ طَرِيقَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ
(وَالثَّانِي)
عَلَى قَوْلَيْنِ كَبَيْعِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ رَهْنِهِ فَعَلَى هَذَا يُوضَعُ فِي يَدِ عَدْلٍ مُسْلِمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهَدِيَّةِ وَهُنَاكَ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ بَيْعِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ قَالَ لَوْ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَأَعْتَقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ الْمُسْلِمِ وَعَتَقَ عَلَى الْكَافِرِ سَوَاءٌ قُلْنَا تَحْصُلُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ أَمْ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا بِاخْتِيَارِهِ فَهُوَ كَالْإِرْثِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ مَذْهَبِنَا(9/359)
بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
* وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِرْثِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ مِلْكُهُ عَلَى مُسْلِمٍ وَسَبَبُ ذَلِكَ ما فيه من اثبات السلطنة والسبيل لكافر عَلَى مُسْلِمٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَنْ يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) وَيُخَالِفُ الْإِرْثَ فَإِنَّهُ مِلْكٌ قَهْرِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع الجارية الا حملها لانه يتبعها في البيع والعتق فلا يجوز بيعها دونه كاليد والرجل ولا يجوز أن يفرق بين الجارية وولدها في البيع قبل سبع سنين لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لا توله والدة بولدها) وقال عليه السلام (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بينه وبين أحبته يوم القيامة (وإن فرق بينهما بالبيع بطل البيع لانه تفريق محرم في البيع فأفسد البيع كالتفريق بين الجارية وحملها
* وهل يجوز بعد سبع سنين إلى البلوغ فيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز لعموم الاخبار ولانه غير بالغ فلا يجوز التفريق بينه وبين أمه في البيع كما لو كان دون سبع سنين
(والثانى)
يجوز لانه مستغن عن حضانتها فجاز التفريق بينهما كالبالغ)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ سَنُوضِحُهُمَا مَعَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هذا فِي فَرْعٍ بَعْدَ بَيَانِ الْأَحْكَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ وَالْبَقَرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحَيَوَانِ دُونَ حَمْلِهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً بِفُرُوعِهَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِشَرْطِ أَنَّهُ حَامِلٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ بِالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فِي الْعِتْقِ بِلَا خِلَافٍ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ وَطَرْدَاهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْحَمْلِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا (وَالْمَذْهَبُ) الصِّحَّةُ وَالْجَوَازُ فِي صُورَتَيْ الْحَمْلِ وَالْوَلَدِ
* وَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَجْهَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ أبو إسحق الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَلَدَهَا الصَّغِيرَ ثُمَّ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فِي الرَّهْنِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ مُحَرَّمٌ فَهُوَ مَعْجُوزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ المصنف وجماهير(9/360)
العراقيين (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الْإِمَامُ أبو الفرج الرار - براءين معجمتين - الخلاف انما هو في التفريق بعد أن يسقيه اللباء أما قبله فلا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ هَذَا حُكْمُ التَّفْرِيقِ فِي الصِّغَرِ وَهُوَ مَا قَبْلَ سِنِّ التَّمْيِيزِ وَهُوَ نَحْوُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ تَقْرِيبًا
* وَفِيمَا بَعْدَ التَّمْيِيزِ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ وَفِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ
(وَالثَّانِي)
يَحْرُمُ حَتَّى يَبْلُغَ فَعَلَى هَذَا فِي صِحَّتِهِ الطَّرِيقَانِ (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَحْرُمُ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُكْرَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ رَقِيقَةً وَالْوَلَدُ حُرًّا أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَحْرُمْ بَيْعُ الرَّقِيقِ مِنْهُمَا بِلَا
خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يُقَرُّ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بَلْ يُقَالُ لهما تَرَاضَيْتُمَا بِبَيْعِ مِلْكِ أَحَدِكُمَا لِلْآخَرِ فَذَاكَ وَإِلَّا فُسِخَ الْبَيْعُ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ يُقَالُ لِلْبَائِعِ تَتَطَوَّعُ بِتَسْلِيمِ الْآخَرِ أَوْ تَفْسَخُ الْبَيْعَ فَإِنْ تَطَوَّعَ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَبُولِ فُسِخَ الْبَيْعُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِالتَّفْرِيقِ لَمْ يَزُلْ التَّحْرِيمُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَلَدِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَزُولُ
* (فَرْعٌ)
اتفقق أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأُمِّ كَالْأُمِّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِ بِنْتِهَا فَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَجَدَّةٌ فَإِنْ بِيعَ مَعَ الْأُمِّ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ بِيعَ مَعَ الْجَدَّةِ وَقُطِعَ عَنْ الْأُمِّ فَفِي تَحْرِيمِهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ تَحْرِيمُهُ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَأُمٌّ حَرُمَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّ وَلَا يَحْرُمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ لِأَنَّ حَقَّ الْأُمِّ آكَدُ وَلِهَذَا قُدِّمَتْ عَلَيْهِ فِي الْحَضَانَةِ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَلَا أُمَّ لَهُ حَرُمَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وقيل من الوجهين (والثاني) لا يحرم لماذ كرناه مِنْ ضَعْفِ مَرْتَبَتِهِ عَنْ مَرْتَبَةِ الْأُمِّ وَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَمَنْ جِهَةِ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَلَا أُمٌّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَحْرُمُ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْدَادِ دُونَ الْجَدَّاتِ لِأَنَّهُنَّ أَصْلَحُ لِلتَّرْبِيَةِ وَأَشَدُّ حُزْنًا لِفِرَاقِهِ (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَحَارِمِ كالاخ والعم وبنيهما وَالْخَالِ وَغَيْرِهِمْ (فَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يُكْرَهُ(9/361)
وَلَا يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِمْ وَجْهَانِ كَالْأَبِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ اللَّبَنِ إنْ كَانَ لِغَرَضٍ مَقْصُودٍ كَالذَّبْحِ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ البيان والرافعي فيه وجها شاذا أنه حرام وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ (مِنْهَا) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ غُلَامُك فأخبرته فقال رُدَّهُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ مِنْهُ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلِأَنَّهُ مُرْسَلٌ فَإِنَّ مَيْمُونَ بْنَ أَبِي شَبِيبٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ ضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ
* وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الوالد وولده وبين الاخ وأخيه) وراه ابن ماجه والدارقطني بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
* وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدَّ الْبَيْعَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ مَيْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا
* وَعَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ
* وَعَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا أتى بالشئ أَعْطَى أَهْلَ الْبَيْتِ جَمِيعًا وَكَرِهَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ جَابِرٌ هذا وهو ضعيف مَشْهُورٌ بِالضَّعْفِ
* وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهُ فَإِنَّ أَحَدَ رُوَاتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَسَّانٍ وَهُوَ كَذَّابٌ وَقَدْ انْفَرَدَ بِهِ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ (غَزَوْنَا فَزَارَةَ وَعَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ فَوَرَدَ الْمَاءَ فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ عَلَيْهِ وَأَنْظُرُ إلَى عُنُقٍ مِنْ النَّاسِ فيهم الدراري فَخَشِيت أَنْ يَسْبِقُونِي إلَى الْخَيْلِ فَرَمَيْت(9/362)
بِسَهْمٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْخَيْلِ فَلَمَّا رَأَوْا السَّهْمَ وَقَفُوا فَجِئْت بِسَهْمٍ أَسُوقُهُمْ وَفِيهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ مَعَهَا بِنْتٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أَتَيْت بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ فَنَفَّلَنِي ابْنَتَهَا فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَمَا كَشَفْت لَهَا ثَوْبًا فَلَقِيَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ فَقَالَ يَا سَلَمَةُ هَبْ لى المرأة فقلت يا رسول الله أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْت لَهَا ثَوْبًا ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا سَلَمَةَ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ فَقُلْت هِيَ
لك يارسول الله فبعث بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أهل مكة ففدا بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَوَلَدِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (باب ما يفسد البيع من الشروط وَمَا لَا يُفْسِدُهُ) * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (إذا شرط في البيع شرطا نظرت فان كان شرطا يقتضيه البيع كالتسليم والرد بالعيب وما أشبههما لم يبطل العقد لان شرط ذلك بيان لما يقتضيه العقد فلم يبطله فان شرط ما لا يقتضيه العقد ولكن فيه مصحلة كالخيار والاجل والرهن والضمين لم يبطل العقد لان الشرع ورد بذلك على ما نبينه في مواضعه إن شاء الله وبه الثقة ولان الحاجة تدعو إليه فلم يفسد العقد
* فان شرط عتق العبد المبيع لم يفسد العقد لان عائشة رضى الله عنها اشترت بريرة لتعتقها فأراد أهلها ان يشترطوا ولاءها فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اشتريها واعتقيها فانما الولاء لمن أعتق) وان اشتراه بشرط العتق فامتنع من اعتاقه ففيه وجهان
(أحدهما)
يجبر عليه لانه عتق مستحق عليه فإذا امتنع أجبر عليه كما لو نذر عتق عبد ثم امتنع من إعتاقه
(والثانى)
لا يجبر بل يثبت للبائع الخيار في فسخ البيع لانه ملكه بالعوض وانما شرط للبائع حقا فإذا لم يف ثبت للبائع الخيار كما لو اشترى شيئا بشرط أن يرهن بالثمن رهنا فامتنع من الرهن فان رضى البائع باسقاط حقه من العتق ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يسقط لانه عتق مستحق فلا يسقط باسقاط الآدمى كالمنذور
(والثانى)
أنه يسقط لانه حق شرطه البائع لنفسه فسقط باسقاطه كالرهن والضمين وان تلف العبد قبل العتق ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه ليس للبائع الا الثمن لانه لم يفقد أكثر من العتق
(والثانى)
ياخذ الثمن وما نقص من الثمن بشرط العتق فيقوم من غير شرط العتق ثم يقوم مع شرط العتق ويجب ما بينهما من الثمن (والثالث) أنه(9/363)
يفسخ العقد لان البائع لم يرض بهذا الثمن وحده والمشترى لم يلتزم أكثر من هذا الثمن فوجب أن يفسخ العقد)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبَرِيرَةُ - بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهِيَ بَرِيرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ مَوْلَاةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَتْ حَدِيثًا وَاحِدًا (قَوْلُهُ) عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ نَذَرَ عِتْقًا عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ ثُمَّ اخْتَارَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ بِالْإِطْعَامِ وَمِمَّنْ وَعَدَ الْعَبْدَ أَنَّهُ يعتقه (أما) الاحكام فقال أصحابنا الشروط خَمْسَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِأَنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ الرُّجُوعِ بالعهدة أو انتفاع المشترى به كَيْفَ شَاءَ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَكُونُ شَرْطُهُ تَوْكِيدًا وَبَيَانًا لِمُقْتَضَاهُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَشْتَرِطَ مَا لَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْعَقْدِ لَكِنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْعَاقِدِ كَخِيَارِ الثَّلَاثِ وَالْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا وَكَشَرْطِ كَوْنِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ خَيَّاطًا أَوْ كَاتِبًا وَنَحْوَهُ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْمَشْرُوطُ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَشْتَرِطَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ يُوَرِّثُ تَنَازُعًا كَشَرْطِ أَلَا يَأْكُلَ إلَّا الْهَرِيسَةَ أَوْ لَا يَلْبَسَ إلَّا الْخَزَّ أَوْ الْكَتَّانَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْإِشْهَادَ بِالثَّمَنِ وَعَيَّنَ شُهُودًا وَقُلْنَا لَا يَتَعَيَّنُونَ فَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بَلْ يَلْغُو وَيَصِحُّ الْبَيْعُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ شَرَطَ الْتِزَامَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ بِأَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّوَافِلَ أَوْ يَصُومَ غَيْرَ رَمَضَانَ أَوْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى هَذَا فَسَادُ الْعَقْدِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَرِيسَةِ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (الضَّرْبُ الرَّابِعُ) أَنْ يَبِيعَهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لَازِمٌ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ (وَالثَّالِثُ) يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ جَمِيعًا كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُمَا وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَحَّحْنَاهُ فَصُورَتُهُ إذَا شَرَطَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ نَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ اشْتِرَاطَ عِتْقِهِ (أَمَّا) إذَا بَاعَهُ بشرط ان يعتقه المشترى عن الْبَائِعِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ قَطْعًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَطَ الْعِتْقَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ أَطْلَقَ فَفِي الْعِتْقِ الْمَشْرُوطِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْعِتْقِ الْمُلْتَزَمِ بِالنَّذْرِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ حَقٌّ لِلْبَائِعِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَلِيلِهِمَا (فَإِنْ قُلْنَا) إنه حق للبائع فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي(9/364)
بِهِ بِلَا خِلَافٍ (وَإِنْ قُلْنَا) حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَتُهُ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِعْتَاقِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى أُجْبِرَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ لَمْ يُجْبَرْ بَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ (وَإِذَا قُلْنَا) بِالْإِجْبَارِ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَوْلَى إذَا امْتَنَعَ مِنْ الطَّلَاقِ وَمِنْ الْفَيْئَةِ فَفِي قَوْلٍ يُعْتِقُهُ الْقَاضِي وَفِي قَوْلٍ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُعْتِقَهُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي
(وَالثَّانِي)
يَتَعَيَّنُ الْحَبْسُ (قُلْتُ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزَمَ بِأَنْ يُعْتِقَهُ الْقَاضِي كَمَا إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بَيْعُ مَالِهِ فِي دَيْنٍ فَامْتَنَعَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُهُ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ (أَمَّا) إذَا أَسْقَطَ الْبَائِعُ حَقَّ الْإِعْتَاقِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَصِحَّ إسْقَاطُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ صَحَّ إسْقَاطُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا ثُمَّ عَفَا عَنْهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ إنْ شَرَطَ الرَّهْنَ وَالْكَفِيلَ لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْإِسْقَاطِ كَالْأَجَلِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْوَلَاءُ لَهُ قَطْعًا سَوَاءٌ قُلْنَا الْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مَجَّانًا فَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْبَائِعِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَمْ يُجْزِئْهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ وَأَذِنَ فَوَجْهَانِ (أصحهما) يجزئه عَنْ الْكَفَّارَةِ وَعَنْ أَدَاءِ حَقِّ الْعِتْقِ
(وَالثَّانِي)
لا يجزئه وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ اللَّذَيْنِ اشْتَرَاهُمَا بِشَرْطِ العتق قبل حصول العتق ويجوز الوطئ وَتَكُونُ أَكْسَابُهُمَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُمَا عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَلَوْ قُتِلَا كَانَتْ الْقِيمَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُكَلَّفُ صَرْفُهَا إلَى عِتْقِ غَيْرِهِمَا
* وَلَوْ أَجَرَهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَهُ لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ الثَّانِي فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ
* وَلَوْ أُولَدَ الْجَارِيَةَ لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْإِعْتَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَ هَذَا الْعَبْدُ قَبْلَ إعْتَاقِهِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا
الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا (أَصَحُّهَا) لَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا الثَّمَنُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ غَيْرَهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ مَعَ الْمُسَمَّى قَدْرُ التَّفَاوُتِ بِمِثْلِ نِسْبَتِهِ مِنْ الْمِثْلِ بِأَنْ يُقَالَ قِيمَتُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْعِتْقِ مِائَةٌ وَبِشَرْطِهِ تِسْعُونَ فَيَجِبُ قَدْرُ عُشْرِ الْمُسَمَّى مُضَافًا إلَى الْمُسَمَّى (وَالثَّالِثُ) يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَبْدِ لِفَوَاتِهِ فِي يَدِهِ(9/365)
وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ (وَالرَّابِعُ) لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أجاز العقد ولا شئ لَهُ غَيْرَ الْمُسَمَّى وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَرَدَ الثَّمَنَ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ
* ثُمَّ هَذِهِ الْأَوْجُهُ هَلْ هِيَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لِلْبَائِعِ أَمْ مُطَّرِدَةٌ سَوَاءٌ قُلْنَا لَهُ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ احْتِمَالَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الثَّانِي وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِطْلَاقِهِمْ (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ أَنْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ يُعْتِقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ أَوْ اشْتَرَى دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَقِفَهَا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَرْطِ الْإِعْتَاقِ
* (فَرْعٌ)
جَمِيعُ مَا سَبَقَ هُوَ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْعِتْقَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْوَلَاءِ أَوْ شَرَطَا كَوْنَهُ لِلْمُشْتَرِي (فَأَمَّا) إذَا شَرَطَاهُ لِلْبَائِعِ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَحَكَى جَمَاعَةٌ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَلْغُو شَرْطُ الْوَلَاءِ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَجْهًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا بَاطِلًا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَصِحُّ أَيْضًا شَرْطُ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يُعْرَفُ هَذَا الْوَجْهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ دُونَ اشْتِرَاطِ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِي إنْ أَعْتَقْته فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ هَذَا عَنْ الْقَاضِي وَسَكَتَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةً وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَيَكُونُ شَرْطُ الْإِعْتَاقِ تَوْكِيدًا لِلْمَعْنَى فَإِنَّ مَقْصُودَ الشَّرْطِ تَحْصِيلُ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَهَلْ يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ (الْأَصَحُّ) لَا يَتْبَعُهَا قَالَ الدَّارِمِيُّ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا
والاصح ان له حكم فلا يتبعها
* (فرع)
لو باع بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ هَذَا الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا صحة البيع وَالشَّرْطِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ الْبَيْعُ فَاسِدٌ لَكِنْ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَزِمَهُ الثمن عند(9/366)
أبى حنيفة والقيمة عِنْدَ صَاحِبَيْهِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي مِلْكًا ضَعِيفًا كَمَا قَالُوا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَبِحَدِيثِ (كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل) وسنوضحهما قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لَهَا فِي شِرَائِهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ (فَإِنْ قيل) انما كان بشرط الولاء (قلت) الولاء يَتَضَمَّنُ اشْتِرَاطَ الْعِتْقِ (فَإِنْ قِيلَ) فَبَرِيرَةُ كَانَتْ مُكَاتَبَةً وَالْمُكَاتَبُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ (قُلْنَا) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَفَسَخَ أَهْلُهَا الْكِتَابَةَ وَلِأَنَّ لِلْعِتْقِ قُوَّةَ سِرَايَةٍ فَاحْتَمَلَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ احْتَجُّوا بِهِمَا فَعَامَّانِ مَخْصُوصَانِ بِمَا ذكرناه
*
* قال الصمنف رحمه الله
* (فان شرط ما سوى ذلك مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ بِأَنْ عبدا بشرط أن لا يبيعه أو لا يعتقه أو باع دارا بشرط أن يسكنها مدة أو ثوبا بشرط أن يخيطه له أو فلعة بشرط أن يحذوها له بطل البيع لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أنه نهى عن بيع وشرط) وروى (أن عبد الله ابن مسعود اشترى جارية من امرأته زينب الثقفية وشرطت عليه أنك ان بعتها فهى لى بالثمن فاستفتى عبد الله عمر رضى الله عنهما فقال لا تقربها وفيها شرط لاحد) وروى أن عبد الله اشترى جارية واشترط خدمتها فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تقربها وفيها مثنوية ولانه شرط لم يبن على التغليب ولا هو من مقتضى العقد ولا من مصلحته فأفسد العقد كما لو شرط أن لا يسلم إليه المبيع
فان قبض المبيع لم يملكه لانه قبض في عقد فاسد فلا يوجب الملك كالوطئ في النكاح الفاسد فان كان باقيا وجب رده وان هلك ضمنه بقيمته أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ ومن أصحابنا من قال يضمن قيمته يوم التلف لانه مأذون في امساكه فضمن قيمته يوم التلف كالعارية وليس بشئ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مَضْمُونٌ فِي عَيْنٍ يَجِبُ رَدُّهَا فإذا هلكت ضمنها بأكثر مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ كقبض الغاصب ويخالف العارية فان العارية مأذون في اتلاف منافعها ولان في العارية لو رد العين ناقصة بالاستعمال لم يضمن ولو رد المبيع ناقصا ضمن النقصان وان حدثت في عينها زيادة بأن سمنت ثم هزلت ضمن ما نقص لان ما ضمن عينه ضمن نقصانه كالمغصوب ومن أصحابنا من قال لا يضمن لان البائع دخل في العقد ليأخذ بدل العين دون الزيادة والمنصوص هو الاول وما قاله هذا القائل يبطل بالمنافع فانه لم يدخل في العقد ليأخذ بدلها ثم تستحق
* فان كان لمثله أجرة لزمه الاجرة للمدة التى اقام في يده لانه(9/367)
مَضْمُونٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ فضمن اجرته كالمغصوب
* فان كانت جارية فوطئها لم يلزمه الحد لانه وطئ بشبهة لانه اعتقد أنها ملكه ويجب عليه المهر لانه وطئ بشبهة فوجب به المهر كالوطئ في النكاح الفاسد وان كانت بكرا وجب عليه ارش البكارة لان البكارة جزء من اجزائها واجزاؤها مضمونة عليه فكذلك البكارة وان أتت منه بولد فهو حر لانه اعتقد انها جاريته ويلزمه قيمة الولد لانه اتلف عليه رقه باعتقاده ويقوم بعد الانفصال لانه لا يمكن تقويمه قبل الانفصال ولانه يضمن قيمة الولد للحيلولة وذلك لا يحصل إلا بعد الانفصال فان القت الولد ميتا لم يضمنه لانه لا قيمة له قبل الانفصال ولا توجد الحيلولة إلا بعد الانفصال فان ماتت الجارية من الولادة لزمه قيمتها لانها هلكت بسبب من جهته ولا تصير الجارية ام ولد في الحال لانها علقت منه في غير ملكه وهل تصير ام ولد إذا ملكها فيه قولان)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا الْحَدِيثُ فَغَرِيبٌ وَأَمَّا الْأَثَرَانِ عَنْ عمر رضى الله عنه صحيحان رَوَى الْأَوَّلَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَرَوَاهُمَا جَمِيعًا الْبَيْهَقِيُّ
* وَعَبْدُ اللَّهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَاَلَّذِي أَفْتَاهُ فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ مُصَحَّفًا بِابْنِ عُمَرَ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ
* وَالْفِلْعَةُ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ - جَمْعُهَا فِلَعٌ وَهِيَ جِلْدَةُ النَّعْلِ وَمَعْنَى يَحْذُوهَا
يَجْعَلُهَا حِذَاءً (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَمْ يبن على التغليب اجتراز مِنْ الْعِتْقِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ احتراز من شرط سَقْيِ الثَّمَرَةِ وَنَحْوِهِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا مِنْ مَصْلَحَتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ وَنَحْوِهِمَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ قَبْضٌ مَضْمُونٌ فِي عَيْنٍ يَجِبُ رَدُّهَا احْتِرَازٌ بِالْمَضْمُونِ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَبِقَوْلِهِ فِي عَيْنٍ عَنْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الِاسْتِيفَاءِ لَا أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ وَبِقَوْلِهِ يَجِبُ رَدُّهَا عَنْ الْمَقْبُوضَةِ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ) سَمِنَتْ ثُمَّ هُزِلَتْ هُوَ - بِضَمِّ الْهَاءِ - (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ احْتِرَازٌ مِنْ العارية (اما) الاحكام فقد ذكرنا الشروط فِي الْبَيْعِ خَمْسَةُ أَضْرُبٍ وَمَرَّتْ أَرْبَعَةٌ وَهَذَا الْخَامِسُ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا سِوَى الْأَرْبَعَةِ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ بِأَنْ باعه شيئا بشرط أن لا يبيعه ولا ينتفع به اولا يعتقه اولا يقبضه اولا لَا يُؤْجِرَهُ أَوْ لَا يَطَأَهَا أَوْ لَا يُسَافِرَ بِهِ أَوْ لَا يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ غَيْرَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ أَوْ يُقْرِضَهُ أَوْ يُؤْجِرَهُ أَوْ خَسَارَةً عَلَيْهِ ان باعه بأقل أو انه إذَا بَاعَهُ لَا يَبِيعُهُ إلَّا لَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَشْبَاهِهَا(9/368)
لِمُنَافَاةِ مُقْتَضَاهُ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بِأَنْ يَشْرِطَ شَرْطًا وَاحِدًا أَوْ شَرْطَيْنِ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلًا غَرِيبًا حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِحَالٍ بَلْ يَلْغُو الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِقِصَّةِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ وَحِينَئِذٍ الْبَيْعُ عَكْسُ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَفِيهِ قَوْلٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَفْسُدُ بِهَا فَإِذَا جَمَعَ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ حَصَلَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَفْسُدَانِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ دُونَ النِّكَاحِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِهِ
* هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا وَكَانَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُفْرَدُ كَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فَهَلْ يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِفَسَادِهِمَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَفْسُدُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا كَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ لَا يَفْسُدُ بِهِ النِّكَاحُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ دَارًا وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ سُكْنَاهَا أَوْ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى ظَهْرَهَا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ
الْمُدَّةَ الْمُسْتَثْنَاةَ وَيَعْلَمَا قَدْرَهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بَيَّنَّاهَا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ فساد البيع
(والثانى)
فيه وجهان حكاهما الخراسانيون (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَقِصَّةِ جَمَلِهِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الْوَجْهَ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فِي الْحَالِ فَهُوَ شَرْطٌ مُنَافٍ لِمُقْتَضَاهُ وَإِنْ كَانَ حَالًّا بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْبَدَاءَةَ فِي التَّسْلِيمِ بِمَنْ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْبَائِعِ لَمْ يَفْسُدْ والا فيفسد للمنافاة
*
(فصل)
مَتَى اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا لِشَرْطٍ مُفْسِدٍ أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبْضُهُ فَإِنْ قَبَضَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ عَلِمَ فَسَادَ الْبَيْعِ أَمْ لَا وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا إعْتَاقٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ كَالْمَغْصُوبِ وَكَالْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهُ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ وَلِأَنَّهُ يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ (1) وَفِيهِ قَوْلٌ غَرِيبٌ وَوَجْهٌ لِلْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ لَهُ حَبْسَهُ وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ لِلْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ أَمْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الِانْتِفَاعِ به فضمن أجرته كالمغصوب
__________
(1) كذا بالاصل(9/369)
وَإِنْ كَانَ تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ أَرْشُ نَقْصِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ تَلِفَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الْقِيمَةِ الْمُعْتَبَرَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ تَجِبُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ كَالْمَغْصُوبِ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِرَدِّهِ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ كَالْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي إمْسَاكِهِ (وَالثَّالِثُ) يَوْمَ الْقَبْضِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَهُوَ غَرِيبٌ (وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَنَقَلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذِهِ الْأَوْجُهَ أَقْوَالًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَوْجُهٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ يَضْمَنُ الْمَغْصُوبَ بِقِيمَتِهِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ يَوْمَ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ قَالَ وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ حَمَلَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا
نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَأَوْجَبُوا قِيمَتَهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ كَالْمَغْصُوبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ وَحَمَلُوا نَصَّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ دُونَ كَيْفِيَّتِهِ وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَارِيَّةِ بِفَرْقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْعَارِيَّةَ مَأْذُونٌ فِي إتْلَافِ مَنَافِعِهَا مَجَّانًا بِخِلَافِ هَذَا
(والثانى)
أنه لورد العارية ناقصة بالاستعمال لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا إذَا تَلِفَتْ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً كَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ وَغَيْرِهَا أَمْ مُتَّصِلَةً بِأَنْ سَمِنَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ هُزِلَتْ أَوْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً ثم نسيها وسواء تلفت العين أوردها فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الزِّيَادَةِ الْفَائِتَةِ عِنْدَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَإِنَّمَا يَضْمَنُهَا إذَا رَدَّ الْعَيْنَ وَقَدْ ذَهَبَتْ الزِّيَادَةُ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ فَلَوْ زَادَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ نَقَصَتْ ثُمَّ زَادَتْ فَرَدَّهَا كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأُولَى ضَمِنَهَا قَطْعًا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا وَعَلَى قَدْرِهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا أَيْضًا (وَالثَّانِي) لَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْغَصْبِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَنْفَقَ عَلَى العبد أو البهيمة المقبوضين بِبَيْعٍ فَاسِدٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِالنَّفَقَةِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَرْجِعُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ وَالْمَوْطُوءَةُ جَاهِلَيْنِ فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ للبائع لانه وطئ شبهة فلو تكرر الوطئ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ لَمْ يَجِبْ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ تَكَرَّرَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ لَزِمَهُمَا الْحَدُّ إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَلَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا لَهُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِخَمْرٍ أَوْ شَرْطٍ فَاسِدٍ فَلَا حَدَّ لِاخْتِلَافِ(9/370)
* الْعُلَمَاءِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ لَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْحَالِ إنه يملكها ملكا حقيقيا فصار كالوطئ فِي النِّكَاحِ بِالْأَوْلَى وَنَحْوُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّ أَبَا حنيفة لا يبيح الوطئ فان كان يثبت الملك بخلاف الوطئ في النكاح بالاولى فحيث قلنا لاحد وَيَجِبُ الْمَهْرُ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَجَبَ مَهْرُهَا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا وَجَبَ مَهْرُ بِكْرٍ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ أَيْضًا (أَمَّا)
أَرْشُ الْبَكَارَةِ فَلِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ (وَأَمَّا) مَهْرُ الْبِكْرِ فَلِأَنَّهُ وَطِئَ بِكْرًا بِشُبْهَةٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِوُجُوبِ مَهْرِ بِكْرٍ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسَائِرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
* قَالَ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا يُؤَدِّي إلَى ضَمَانِ الْبَكَارَةِ مَرَّتَيْنِ (قُلْتُ) الا أنه أتلف جزء مِنْ بَدَنِهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ لَهُ الْإِذْنُ فَلَزِمَهُ أَرْشُهُ وَوَطِئَهَا بِكْرًا فَحَصَلَ لَهُ كَمَالُ اللَّذَّةِ فَلَزِمَهُ مَهْرُ بِكْرٍ وَلَا يَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّهُمَا وَجَبَا بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِإِتْلَافِ الْجُزْءِ وَهُوَ سَابِقٌ لِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ الْمُوجِبِ لِلْمَهْرِ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا فَصَلْتُمْ إتْلَافَ الْبَكَارَةِ عَنْ الوطئ فَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَةٍ وَمَهْرُ ثَيِّبٍ لِأَنَّ تَغْيِيبَ كَمَالِ الْحَشَفَةِ صَادَفَهَا ثَيِّبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ وَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَمَهْرُ ثَيِّبٍ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ لَذَّةُ جِمَاعِ بِكْرٍ وَيُسَمَّى وَاطِئَ بِكْرٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْأُصْبُعِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَوَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ لَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا وَلَا يَلْزَمُهُ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إتْلَافُ بَكَارَتِهَا بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا صَحِيحًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ إتْلَافَ الْبَكَارَةِ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الوطئ فَهِيَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَنْ قَالَتْ لِإِنْسَانٍ أَذْهِبْ بَكَارَتِي بِأُصْبُعِك وَكَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْطَعْ يَدِي أَوْ أَتْلِفْ سَوْأَتِي فَلَا ضَمَانَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* فَإِنْ أَحَبْلَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ لِلشُّبْهَةِ وَهَلْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ (الصَّحِيحُ) لَا وَلَاءَ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ فَإِنْ خَرَجَ الْوَلَدُ حَيًّا لَزِمَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا بِظَنِّهِ فَأَتْلَفَ رِقَّهُ عَلَى مَالِكِ الْأَمَةِ وَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْوَاطِئِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا فَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَفِي مَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ الْقَوْلَانِ(9/371)
* الْمَشْهُورَانِ فِيمَنْ أَوَلَدَ جَارِيَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا (أَصَحُّهُمَا) لَا تَصِيرُ
* فَإِنْ نَقَصَتْ بِالْحَمْلِ أَوْ
الْوِلَادَةِ لَزِمَهُ أَرْشُهُ
* وَإِنْ خَرَجَ الْوَلَدُ مَيِّتًا فَلَا قِيمَةَ لَكِنْ إنْ سَقَطَ بِجِنَايَةٍ وَجَبَتْ الْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَيَجِبُ حِينَئِذٍ لِلْبَائِعِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَالْغُرَّةِ يُطَالِبُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْجَانِي وَالْمُشْتَرِي لِأَنَّ ضَمَانَ الْجَانِي لَهُ قَامَ مَقَامَ خُرُوجِهِ حَيًّا فَإِنْ كَانَتْ الْغُرَّةُ أَقَلَّ أخذها البائع ولا شئ لَهُ غَيْرَهَا وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَخَذَ قَدْرَ الْقِيمَةِ وَكَانَتْ الْبَقِيَّةُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ
* وَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ إلَى الْبَائِعِ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ وَمَاتَتْ فِي الطَّلْقِ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي أَمْ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ هَلْ تَحْمِلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ (أَصَحُّهُمَا) تَحْمِلُهَا
* وَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْغَيْرِ بِشُبْهَةٍ فَمَاتَتْ فِي الطَّلْقِ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا فِي مَالِهِ عَلَى قَوْلٍ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْأَصَحِّ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ
* وَلَوْ وَطِئَ حُرَّةً بِشُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ فَفِي وُجُوبِ دِيَتِهَا وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
تجب كالامة (وأصحهما) لا تجب لان الوطئ سَبَبٌ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ فِي الْأَمَةِ لان الوطئ اسْتِيلَاءٌ عَلَيْهَا وَالْعَلُوقِ مِنْ آثَارِهِ فَأَدَمْنَا الِاسْتِيلَاءَ كَالْمُحْرِمِ إذَا نَفَّرَ صَيْدًا وَبَقِيَ نِفَارُهُ إلَى الْهَلَاكِ بِالْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ (وَأَمَّا) الْحُرَّةُ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْتِيلَاءِ
* وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ غَيْرُ مُضَافَةٍ شَرْعًا لِعَدَمِ النَّسَبِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ لِأَنَّهُ مُوَلَّدٌ مِنْ فِعْلِهِ
* وَلَوْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ فِي الطَّلْقِ مِنْ حَمْلِهَا مِنْهُ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ بِلَا خِلَافٍ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُسْتَحِقٍّ
* وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا ضَمَانَ الْحُرَّةِ فَهُوَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاطِئِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا ضَمَانَ قِيمَةِ الْأَمَةِ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَفِي مَالِهِ فِي الْآخَرِ وَمَتَى تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَوْمُ الْإِحْبَالِ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ كَمَا لَوْ جَرَحَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَبَقِيَ مُتَأَلِّمًا إلَى أَنْ مَاتَ مِنْهُ وَقِيمَتُهُ عَشْرَةٌ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ (وَالثَّانِي) يَوْمُ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّلَفِ (وَالثَّالِثُ يَجِبُ أَكْثَرُهُمَا كَالْغَصْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا فَبَاعَهُ لِآخَرَ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ يَبِيعُ الْمَغْصُوبَ فَإِذَا حَصَلَ فِي يَدِ الثَّانِي وَعَلِمَ الْحَالَ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى الْمَالِكِ وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الثَّانِي نُظِرَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِمَا سَوَاءً أَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الثَّانِي أَكْثَرَ رَجَعَ الْمَالِكُ بِالْجَمِيعِ عَلَى مَنْ
شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي يَدِ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ فَضَمَانُ النقص(9/372)
* عَلَى الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَالثَّانِي يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي وَكُلُّ نَقْصٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْأَوَّلِ يُطَالِبُ بِهِ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي وَكُلُّ نَقْصٍ حَدَثَ فِي يَدِ الثَّانِي يُطَالِبُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي وَكَذَا حُكْمُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ
* وَلَوْ رَدَّ الثَّانِي الْعَيْنَ إلَى الْأَوَّلِ فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ فَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الْأَوَّلِ (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ دَارِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ عَبْدَهُ فَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ كَمَا سَبَقَ فَإِذَا عَقَدَ الْعَقْدَ الثَّانِي الْمَشْرُوطَ فِي الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَا يَعْلَمَانِ بُطْلَانَ الشَّرْطِ صَحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُمَا بَانِيَانِ بِهِ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالصِّحَّةِ وَحَكَاهُ عَنْ وَالِدِهِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُوَاطَأَةَ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا أَثَرَ لَهَا عِنْدَنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْمُوَاطَأَةَ ألا يعتقدا لُزُومَ الْوَفَاءِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَنَظِيرُهَا مِنْ مَسْأَلَتِنَا أَنْ يَعْلَمَا فَسَادَ الشَّرْطِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى زَرْعًا وَشَرَطَ عَلَى بَائِعِهِ أَنْ يَحْصُدَهُ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَقِيلَ شَرْطُ الْحَصَادِ بَاطِلٌ وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَسَوَاءٌ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَحْصُدَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ قَطْعًا وَفِي الثَّانِي الطَّرِيقَانِ
* وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الزَّرْعَ وَاسْتَأْجَرْتُك عَلَى حَصَادِهِ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ بِعْتُكَ وَأَجَرْتُك فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ (وَأَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
* وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا الزَّرْعَ بِعَشَرَةٍ وَاسْتَأْجَرْتُك عَلَى حَصْدِهِ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ بِعْت وَأَجَرْت قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ صَحَّ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ فِيهِ وَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْعَمَلِ فِيمَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ فِيهِ لِأَنَّ أَحَدَ شِقَّيْ الْإِجَارَةِ وُجِدَ قَبْلَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لتخيط(9/373)
* لِي هَذَا الثَّوْبَ وَالثَّوْبُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ فِي الْحَالِ فَلَوْ أَفْرَدَ الشِّرَاءَ بِعِوَضٍ وَالِاسْتِئْجَارَ بِعِوَضٍ بِعَقْدٍ فَقَالَ
اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ تَحْصُدَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ خِيَاطَتَهُ وَصِبْغَهُ أَوْ لَبِنًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ جَعْلَهُ آجُرًّا أَوْ نَعْلًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْعِلَ بِهِ دَابَّتَهُ أَوْ جِلْدَةً وَشَرَطَ عَلَيْهِ خَرْزَهَا خُفًّا أَوْ عَبْدًا رَضِيعًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ إتْمَامَ رَضَاعَتِهِ أَوْ مَتَاعًا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى بَيْتِهِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ الْبَيْتَ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَظَائِرِهَا فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدُهُمَا الْبَيْتَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ بَطَلَ الْعَقْدُ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ مَجْمُوعَةُ الْبَغَوِيِّ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ
* وَلَوْ اشْتَرَى حَطَبًا عَلَى ظَهْرِ بَهِيمَةٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَهُ إلَى بيته بطل على المذهب كما ذكرناه فَلَوْ شَرَطَ وَضْعَهُ مَوْضِعَهُ صَحَّ قَطْعًا فَلَوْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ مَوْضِعَهُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حتى يصرح باشتراط تسليعه فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي حَمْلَهُ إلَى دَارِهِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالْمَشْرُوطِ وَهَذَا الْخِلَافُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَةِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي الصَّدَاقِ وَنَظَائِرِهَا
* (فَرْعٌ)
الشَّرْطُ الْمُقَارَنُ لِلْعَقْدِ يَلْحَقُهُ فَإِنْ كَانَ شَرْطًا صَحِيحًا لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا أَفْسَدَ الْعَقْدَ (وَأَمَّا) الشَّرْطُ السَّابِقُ فَلَا يَلْحَقُ الْعَقْدَ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهِ إنْ كَانَ شَرْطًا فَاسِدًا لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْعَقْدِ لَغْوٌ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) الشَّرْطُ الَّذِي يُشْتَرَطُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَهُوَ لَغْوٌ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يَلْحَقُ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي
(وَالثَّانِي)
يَلْحَقُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَالْقَفَّالُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَلْحَقُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى هَذَا فِي مَحَلِّ صِحَّةِ الْإِلْحَاقِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الشيخ ابو على السنجى والبغوى وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِنَا الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ وَفُسِخَ الْعَقْدُ فَأَمَّا (إنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ وَأُمْضِيَ العقد فلا يلحق كما يَلْحَقُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) أَنَّ جواز(9/374)
* الْإِلْحَاقِ مُطَّرِدٌ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ
* وَلَوْ أَلْحَقَا بِالْعَقْدِ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنَ أَوْ ازْدَادَا بِبَابٍ (1) الْخِيَارِ أَوْ الْأَجَلِ أَوْ قَدْرِهِمَا أَوْ فَعَلَا ذَلِكَ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ فِي رَأْسِ مال السلم
أو في الصداق أو الاجارة أو غيرهما من العقود فحكمه حكم الحاق الصحيح الفاسد كَمَا سَبَقَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ فَهُوَ لَغْوٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَفِيهِ الْخِلَافُ (فَإِذَا قُلْنَا) يَلْحَقُ فَالزِّيَادَةُ تَلْحَقُ الشَّفِيعَ كَمَا تلزم المشتري ولو حط من الثمن شئ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ فلغو فلا يسقط شئ مِنْ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ فِي الْعَقْدِ وَيَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِفَائِدَةِ الْحَطِّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ فَفِيهِ الْخِلَافُ فَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِالْعَقْدِ انْحَطَّ عَنْ الشَّفِيعِ وَلَوْ حُطَّ جَمِيعُ الثَّمَنِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِلَا ثَمَنٍ وَسَبَقَ حُكْمُهُ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَحَيْثُ فَسَدَ الْعَقْدُ لِشَرْطٍ فَاسِدٍ ثُمَّ أَسْقَطَا الشَّرْطَ لَمْ يَنْقَلِبْ الْعَقْدُ صَحِيحًا سَوَاءٌ كَانَ الْإِسْقَاطُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالْإِسْقَاطِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ عَلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) فَسَادُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَلْزَمُ غيره شئ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ وَيَجِبُ عَلَى زَيْدٍ أَلْفٌ وَعَلَى الْآمِرِ خَمْسُمِائَةٍ بِالْتِزَامِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ كَذَا عِنْدَ إشْرَافِ السَّفِينَةِ عَلَى الْغَرَقِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ وَكَمَا لَوْ خَالَعَ الْأَجْنَبِيَّ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْ عَبْدَك لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِي فَبَاعَهُ كَذَلِكَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ قَطْعًا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ وَالْإِشْهَادِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرَى بِالثَّمَنِ أَوْ يُقِيمَ كَفِيلًا بِهِ أَوْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أو مؤجلا ويجوز ايضا ان يشرط الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ كَفِيلًا بِالْعُهْدَةِ وَيَشْتَرِطَ تَعْيِينَ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الرَّهْنِ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ الْوَصْفُ بِصِفَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَفِي الْكَفِيلِ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ الْمَعْرِفَةُ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ كَقَوْلِهِ رَجُلٌ مُوسِرٌ ثِقَةٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ الِاكْتِفَاءُ بِالْوَصْفِ أَوْلَى مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِمُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَمْ يَكُنْ مُبْعَدًا وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْكَفِيلِ فَإِذَا أَطْلَقَ أَقَامَ مَنْ شَاءَ كَفِيلًا وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِهِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ عَلَى أصح الوجهين وادعى إمام
__________
(1) كذا بالاصل(9/375)
* الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعًا وَجَعَلَ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ شُهُودًا هَلْ يَتَعَيَّنُونَ
* وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ عِنْدَ عَدْلٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ بَلْ إنْ اتَّفَقَا عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ عَدْلٍ وَإِلَّا جَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ عَدْلٍ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ لِيَقْطَعَ النِّزَاعَ فَلَوْ لَمْ يَرْهَنْ الْمُشْتَرِي مَا شَرَطَهُ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ أَوْ لَمْ يُقِمْ كَفِيلًا أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلْ الَّذِي عَيَّنَهُ لَمْ يجبر على شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَلَا يَقُومُ رَهْنٌ آخَرُ وَلَا كَفِيلٌ آخَرُ مَقَامَ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدَيْنِ فَامْتَنَعَا مِنْ التَّحَمُّلِ فَإِنْ قُلْنَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُمَا فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِشَرْطٍ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ أولا يبيعه لغيره أولا يطأها أولا يزوجها أولا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا المشهور بطلان هذا البيع وسواء شرط واحد أَمْ شَرْطَيْنِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعِكْرِمَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ ابْنُ سيرين وعبد الله بن شبرمة التابعان وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ
* وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ باطل لاغ
* وقال أحمد واسحق إنْ شَرَطَا شَرْطًا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ ونحوها صح البيع ولزم الشرط وان شرط شرطين فأكثر بطل البيع والا فَإِذَا بَاعَ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ وَيُقَصِّرَهُ فَهُمَا شَرْطَانِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فَإِنْ شَرَطَ أحدهما فقط صَحَّ وَلَزِمَ
* وَاحْتَجَّ مَنْ صَحَّحَ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِقِصَّةِ بَرِيرَةَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا فَصَحَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ
* وَاحْتَجَّ مَنْ صَحَّحَهُمَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَاشْتَرَى مِنِّي جَمَلًا وَاسْتَثْنَيْت حُمْلَانَهُ يَعْنِي رُكُوبَهُ إلَى أَهْلِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ
* واحتج أحمد بحديث عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحٌ مَا لَمْ
يَضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَطَبَ فَقَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كان(9/376)
* مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ فَهُوَ بَاطِلٌ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَبِالْأَثَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُمَا صَحِيحَانِ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ كَمَالَ التَّصَرُّفِ فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ بَعْضٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ بَرِيرَةَ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بَلْ كَانَ سَابِقًا أَوْ مُتَأَخِّرًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ مَعْنَى اشْتَرِطِي لَهُمْ أَيْ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ جَابِرٍ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْعًا مَقْصُودًا وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَّهُ وَالْإِحْسَانَ إلَيْهِ بِالثَّمَنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَحِي مِنْ أَخْذِهِ وَفِي طُرُقِ الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا احْتِمَالَاتٌ وَلَا عُمُومَ لَهَا فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ اضْطِرَابٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الشُّرُوطُ الْجَائِزَةُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ هَذَا مَفْهُومُ اللَّقَبِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَلَا يَلْزَمُ النَّهْيَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطَيْنِ جَوَازُ شَرْطٍ وَاحِدٍ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ (وَأَمَّا) الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا بِدِينَارٍ نَقْدًا وَبِدِينَارَيْنِ نَسِيئَةً فَيَكُونُ بِمَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَحَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ عَنْ شَرْطَيْنِ مَوْجُودَةٌ فِي شَرْطٍ وَهِيَ الْغَرَرُ
* (فرع)
في مذاهبهم فيمن اشترى شيئا شراءا فَاسِدًا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ فَإِنْ تَلِفَ لَزِمَهُ بَدَلُهُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ مِلْكًا ضَعِيفًا خَبِيثًا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْمِلْكِ وَرَدُّ الْعِوَضِ عَلَى
صَاحِبِهِ وَحَقِيقَةُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ الْإِقْبَاضُ فَإِنْ أَقَبَضَهُ مَلَكَهُ مِلْكًا ضَعِيفًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ لِلْبَائِعِ انْتِزَاعَهُ عَنْ الْمُشْتَرِي لَكِنْ لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ هَذَا إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ قَالَ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ عَذِرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ هُوَ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لَمْ يَمْلِكْهُ أَصْلًا وَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فَوَافَقْنَا فِي الدَّمِ وَنَحْوِهِ وَشِبْهِهِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِقِصَّةِ بَرِيرَةَ فَإِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا شَرَطَتْ لَهُمْ الْوَلَاءَ وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ أَعْتَقَتْهَا وَنَفَذَ عِتْقُهَا وَأَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ذلك(9/377)
* وقياسا على النكاح فان الوطئ في فاسدة يترتب عليه أحكام الوطئ فِي صَحِيحِهِ وَقِيَاسًا عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِنَّ فَاسِدَهَا كَصَحِيحِهَا فِي حُصُولِ الْعِتْقِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان من المس) فَلَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يَمْلِكُهُ لَمَا توعده وقياسا عَلَى مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ وَلِأَنَّ كُلَّ قَبْضٍ أَوْجَبَ ضَمَانَ الْقِيمَةِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ شَرْطُ الْخِيَارِ عِنْدَ تَمَنُّعِ حُصُولِ الْمِلْكِ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ بَرِيرَةَ مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ لَهُمْ بِمَعْنًى عَلَيْهِمْ (وَالثَّالِثُ) هُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمُحَقِّقِينَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَالْعَقْدَ كَانَا خَاصَّةً فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ لِمَصْلَحَةِ قَطْعِ عَادَتِهِمْ كَمَا جَعَلَ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ خَاصًّا بِالصَّحَابَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِمَصْلَحَةِ بَيَانِ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ مَا ادَّعُوهُ وَأَنَّ الْأَحْكَامَ فِي النِّكَاحِ تَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لا بالوطئ وَلِهَذَا يَمْلِكُ بِهِ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ وَالْخُلْعَ بِخِلَافِ الْفَاسِدِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ البضع بالوطئ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ (وَأَمَّا) مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ فَلَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ بَلْ لكونه وطئ شبهة ولهذا تترتب هذه الاحكام على وطئ الشُّبْهَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِوُجُودِ الصِّفَةِ لَا بِالْعَقْدِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ بَطَلَتْ الصِّفَةُ وَلَمْ يُعْتَقْ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَارِثِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا أَوْ عَبْدًا أَوْ بَهِيمَةً وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْعِرَاقِ وقال الاوازعي
واحمد واسحق يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَثْبُتُ الشَّرْطُ وَبِهِ قَالَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُثْمَانَ وَصُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
* وَقَالَ مَالِكٌ إنْ شَرَطَ مُدَّةً قَرِيبَةً كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ أَوْ رُكُوبَ الدَّابَّةِ إلَى مَكَان قَرِيبٍ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ مَكَانًا بَعِيدًا فَمَكْرُوهٌ
* وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ بَاعَ نَخْلًا عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَاسْتَثْنَى الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَتَبْقَى الثَّمَرَةُ عَلَى النَّخْلِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ لِمَنْفَعَةِ الْبَيْعِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا سَبَقَ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِمَا سَبَقَ وَعَنْ الْإِجَارَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ بَلْ الْمَنَافِعُ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً قَبْلَ الْبَيْعِ
* وَعَنْ النَّخْلِ أَنَّهَا لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَةٍ بَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءُ جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ عَيْنِ المبيع
*(9/378)
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً وَقَالَ فِي الْعَقْدِ لِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَأْتِ بِالثَّمَنِ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا فَمَذْهَبُنَا بُطْلَانُ هَذَا الْبَيْعِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثوى واحمد واسحق أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ إذَا كَانَ الشَّرْطُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وروى مثله عن ابن عمر وقال أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْوَقْتُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَسَدَ الْبَيْعُ فَإِنْ نَقَدَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ نَحْوُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الْوَقْتُ نَحْوَ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةٍ جَازَ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ في معنى تعليق البيع فلم يصح
* (باب تفريق الصَّفْقَةُ)
(هِيَ عَقْدُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ كَانَ عَادَتُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَدَهُ علي يد صاحبه عند تمام العقد)
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا جمع في البيع بين ما يجوز بيعه وبين ما لا يجوز بيعه كالحر والعبد وعبده وعبد غيره ففيه قولان
(أحدهما)
تفرق الصفقة فيبطل البيع فيما لا يجوز ويصح فيما يجوز لانه ليس ابطاله فيهما لبطلانه في أحدهما باولى من تصحيحه فيهما لصحته في أحدهما فبطل حمل احدهما علي الآخر وبقيا على حكمهما فصح فيما
يجوز وبطل فيما لا يجوز (والقول الثاني) أن الصفقة لا تفرق فيبطل العقد فيهما واختلف أصحابنا في علته فمنهم من قال يبطل لان العقد جمع حلالا وحراما فغلب التحريم كما لو جمع بين أختين في النكاح أو باع درهما بدرهمين ومنهم من قال يبطل لجهالة الثمن وذلك أنه إذا باع حرا وعبدا بالف سقط ما يخص الحر من الثمن فيصير العبد مبيعا بما بقى وذلك مجهول في حال العقد فبطل كما لو قال بعتك هذا العبد بحصته من الف درهم (فان قلنا) بالتعليل الاول بطل البيع فيما ينقسم الثمن فيه على القيمة كالعبدين وفيما ينقسم الثمن فيه على الاجزاء كالععد الواحد نصفه له ونصفه لغيره أو كرين من طعام أحدهما له والآخر لغيره وكذلك لو جمع بين ما يجوز وبين ما لا يجوز في الرهن أو الهبة أو النكاح بطل في الجميع لانه جمع بين الحلال والحرام (وان قلنا) إن العلة جهالة العوض لم يبطل البيع فما ينقسم الثمن فيه على الاجزاء لان العوض غير مجهول ولا يبطل الرهن والهبة لان لا عوض فيه ولا يبطل النكاح لان الجهل بالعوض لا يبطله (فان قلنا) ان العقد يبطل فيهما رد المبيع(9/379)
* واسترجع الثمن (وان قلنا) إنه يصح في أحدهما فله الخيار بين فسخ البيع وبين امضائه لانه لا يلحقه ضرر بتفريق الصفقة فثبت له الخيار فان اختار الامساك فبكم يمسك فيه قولان
(أحدهما)
يمسك بجميع الثمن أو يرد لان ما لا يقابل العقد لا ثمن له فيصير الثمن كله في مقابلة الآخر
(والثانى)
أنه يمسكه بقسطه لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ جَمِيعَ الْعِوَضِ إلَّا فِي مُقَابَلَتِهِمَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُهُ فِي مُقَابَلَةِ أحدهما واختلف أصحابنا في موضع القولين (فمنهم) من قال القولان فيما يتقسط العوض عليه بالقيمة فأما يتقسط العوض عليه بالاجزاء فانه يمسك الباقي بقسطه من الثمن قولا واحدا لان فيما يتقسط الثمن عليه بالقيمة ما يخص الجائز مجهول فدعت الضرورة إلى أن يجعل جميع الثمن في مقابلته ليصير معلوما وفيما يتقسط الثمن عليه بالاجزاء ما يخص الجائز معلوم فلا حاجة بنا إلى أن نجعل جميع الثمن في مقابلته (ومنهم) من قال القولان في الجميع وهو الصحيح لانه نص علي القولين في بيع الثمرة قبل أن تخرج الزكاة والثمار مما يتقسط الثمن عليها بالاجزاء (فان قلنا) يمسك بجميع الثمن لم يكن للبائع الخيار لانه لا ضرر عليه (وان قلنا) يمسك بحصته فهل للبائع الخيار فيه وجهان
(أحدهما)
أن له الخيار لانه تبعضت عليه الصفقة فيثبت له الخيار كما يثبت للمشترى
(والثانى)
لا خيار له لانه دخل على بصيرة لان الحر
لا يؤخذ منه بثمن
* وإن باع مجهولا ومعلوما (فان قلنا) لا تفرق الصفقة بطل العقد فيهما (وان قلنا) تفرق وقلنا انه يمسك الجائز بحصته بطل البيع فيه لان الذى يخصه مجهول (وإن قلنا) يمسكه بجميع الثمن صح العقد فيه
* وان جمع بين حلالين ثم تلف أحدهما قبل القبض بطل البيع فيه وهل يبطل في الباقي فيه طريقان
(أحدهما)
أنه على القولين في تفريق الصفقة لان ما يحدث من الهلاك قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ فِي ابطال العقد فوجب أن يكون كالموجود في حال العقد فيما ذكرناه
(والثانى)
لا يبطل إلا فيما تلف لان في الجمع بين الحلال والحرام انما بطل للجهل بالعوض أو للجمع بين الحلال والحرام في العقد ولا يوجد ههنا واحد منهما فعلى هذا يصح العقد في الباقي وللمشترى الخيار في فسخ العقد لانه تفرقت عليه الصفقة فان امضاء أخذ البافي بقسطه من الثمن قولا واحدا لان العوض ههنا قابل المبيعين فانقسم عليهما فلا يتغير بالهلاك)
* (الشَّرْحُ) تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَابٌ مُهِمٌّ يَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ وَالْفَتَاوَى فِيهِ فَأَنَا أُلَخِّصُ مَقَاصِدَهُ وَأُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* فَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ شَيْئَيْنِ فَهُوَ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ تَجْمَعَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنْ تَجْمَعَهُمَا فِي(9/380)
* عَقْدٍ وَاحِدٍ وَهَذَا الضَّرْبُ لَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَقَعُ التَّفْرِيقُ فِي الِابْتِدَاءِ
(وَالثَّانِي)
فِي الِانْتِهَاءِ فَالْحَالُ الْأَوَّلُ يُنْظَرُ فِيهِ إنْ جَمَعَ فِيهِ شَيْئَيْنِ يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ جَمْعٌ كَجَمْعِ أُخْتَيْنِ أَوْ خَمْسِ نِسْوَةٍ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ فِي الْجَمِيعِ بِلَا خِلَافٍ
* وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ مَا لَا يَمْتَنِعُ جمعها فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَابِلًا لِلْعَقْدِ بِأَنْ جَمَعَ عَيْنَيْنِ لَهُ كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ أَوْ من جِنْسٍ لَكِنَّهُمَا مُخْتَلِفَا الْقِيمَةِ كَعَبْدَيْنِ وَزَّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ مُتَّفِقَيْ الْقِيمَةِ كَقَفِيزَيْ حِنْطَةٍ وَاحِدَةٍ وَزَّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ
* وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَابِلًا لِلْبَيْعِ دُونَ الْآخَرِ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَاَلَّذِي لَيْسَ قَابِلًا لِلْبَيْعِ قِسْمَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا كَمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ وَفِي صِحَّتِهِ فِي عَبْدِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ فَفِي عِلَّتِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَمْعُ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَصَارَ
كَمَنْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ جَمَعَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَيْنَ أُخْتَيْنِ أَوْ خَمْسِ نِسْوَةٍ (وَالثَّانِيَةُ) جَهَالَةُ الْعِوَضِ الْقَابِلِ لِلْحَلَالِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ إذَا وَزَّعَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَبْدِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ فَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لَوْ أَفْرَدَهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِضَمِّ غَيْرِ مَالِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا فَإِنَّهُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الشِّقْصِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ مَا يَقْبَلُ الْبَيْعَ بِالْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْعِلَّةِ الْأُولَى بِأَنَّهَا مُنْكَرَةٌ بِمَنْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الدِّرْهَمَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ أَوْ الْخَمْسِ بِأَوْلَى مِنْ مُشَارِكِهِ فَبَطَلَ فِي الْجَمِيعِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى وَقَعَ فِي الْعَقْدِ مَعْلُومًا وَسَقَطَ بَعْضُهُ لِمَعْنًى فِي الْعَقْدِ فَلَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ كَمَا إذَا رَجَعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ مُتَقَوِّمًا وَهُوَ نَوْعَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَأَتَّى تَقْدِيرُ التَّقْوِيمِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ تَغَيُّرِ الْخِلْقَةِ كَمَنْ بَاعَ حُرًّا وَعَبْدًا فَالْحُرُّ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لَكِنْ يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ رَقِيقًا وَفِي هَذَا النَّوْعِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ لِأَنَّ الْحُرَّ وَنَحْوَهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْبَيْعِ بِحَالٍ
* وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ وَمُكَاتَبَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَأُمَّ الْوَلَدِ متقوما بِدَلِيلِ وُجُوبِ قِيمَتِهِمَا عَلَى مُتْلِفِهِمَا (النَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَتَأَتَّى تَقْدِيرُ تَقْوِيمِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ تَغَيُّرِ الْخِلْقَةِ كَمَنْ بَاعَ خَلًّا وَخَمْرًا أَوْ مُذَكَّاةً وَمَيْتَةً أَوْ شَاةً وَخِنْزِيرًا فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْخَلِّ وَالْمُذَكَّاةِ وَالشَّاةِ طَرِيقَانِ (اصهما) طَرْدُ الطَّرِيقَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِيمَا إذَا جَمَعَ حُرًّا وعبدا(9/381)
*
(والثانى)
القطع بالفساد لانه لابد فِي التَّقْوِيمِ مِنْ التَّقْدِيرِ بِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الْمُقَوَّمُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ
* وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا يَتَوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ بَعْضُهُ لَهُ وَبَعْضُهُ لِغَيْرِهِ كَعَبْدٍ أَوْ صَاعِ حنطة له نصفهما أو صاعي حِنْطَةٍ لَهُ أَحَدُهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ هُنَاكَ فِي مِلْكِهِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ إنْ عَلَّلْنَا بِالْجَمْعِ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ عَلَّلْنَا بالجهالة صح لان حصة المملوك معلومة لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّقْوِيمِ الَّذِي
لَا يُفِيدُ إلَّا ظَنًّا
* وَلَوْ بَاعَ الثِّمَارَ الَّتِي وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبُ فِي الْبَاقِي كما ذكرنا فيمن باع عبدا له بصفة
* وَلَوْ بَاعَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَالتَّرْتِيبُ فِي الثَّانِي كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
الْمَذْهَبُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ كَعَبْدٍ لَهُ نِصْفُهُ وَكَذَا صَاعُ حِنْطَةٍ وَثَوْبٌ وَصَاعَيْ حِنْطَةٍ مِنْ صُبْرَةٍ مُسْتَوِيَةٍ لَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ كَانَ مِمَّا يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَعَبْدِهِ وعبد غيره أو وَحُرٍّ أَوْ كَخَلٍّ وَخَمْرٍ وَمَيْتَةٍ وَمُذَكَّاةٍ وَخِنْزِيرٍ وَشَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَالصَّحِيحُ) صِحَّةُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ قَالَ الرَّافِعِيُّ تَوَسَّطَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بَيْنَ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَقَالُوا (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ فِي الْمَمْلُوكِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَتَوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ وَالْفَسَادُ فِيمَا يَتَوَزَّعُ عَلَى قِيمَتِهِ قَالَ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْقِسْمَيْنِ
* (فَرْعٌ)
لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدَانِ عَالِمَيْنِ بِالْحَالِ أَوْ جَاهِلَيْنِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَاقِينَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ الْخِلَافُ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ (فَأَمَّا) إذَا كَانَ عَالِمًا فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي هذ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ لَوْ وَزَّعَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَبْدِ فُلَانٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ شَيْخَيْ أَبُو مُحَمَّدٍ غَيْرُ سَدِيدٍ بَلْ الْوَجْهُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ قَوْلَ أَبِي مُحَمَّدٍ وَهُوَ شَاذٌّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَهَنَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا أَوْ وَهَبَهُمَا أَوْ زَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ وَغَيْرَهَا أَوْ مُسْلِمَةً وَمَجُوسِيَّةً أَوْ حُرَّةً وَأَمَةً لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ فَإِنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ فِي الَّذِي يَمْلِكُهُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ إنْ عَلَّلْنَا بِجَهَالَةِ الْعِوَضِ صَحَّ إذْ لَا عِوَضَ هُنَا وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْجَمْعِ بَيْنَ حَلَالٍ وَغَيْرِهِ فَلَا(9/382)
وَإِنْ شِئْتَ قُلْت فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الصِّحَّةُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ وَلَوْ جَمَعَ فِي شَهَادَتِهِ بَيْنَ مَقْبُولٍ
وَغَيْرِهِ كَشَهَادَتِهِ لِابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ فَفِي قَبُولِهَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ هَذَا الْخِلَافُ (الْمَذْهَبُ) الْقَبُولُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ مَالَهُ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِي مَالِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحَالِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَجَازَ فَكَمْ يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ حِصَّةِ الْمَمْلُوكِ فَقَطْ إذَا وُزِّعَ عَلَى الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ لم يبذل جميع العوض الا مُقَابَلَتِهِمَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُهُ فِي مُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ لِأَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ لَا ثَمَنَ لَهُ فَيَصِيرُ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَةِ الْآخَرِ
* ثُمَّ فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُمَا مَخْصُوصَانِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَقَسَّطُ عَلَى أَجْزَائِهِ فَالْوَاجِبُ الْقِسْطُ قَطْعًا لِأَنَّ حِصَّتَهُ مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ (وَأَصَحُّهُمَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَالِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الطَّرِيقَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَغَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَالثَّمَرَةُ يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهَا بِالْأَجْزَاءِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْوَاجِبُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْقِسْطِ فَوَجْهَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَقِيلَ هُمَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ الْخِيَارُ لِتَبْعِيضِ الثَّمَنِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ نَقْصٌ فِيمَا يَخُصُّ مِلْكَهُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا خِيَارَ لَهُ قَطْعًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا عَالِمًا بِعَيْبِهِ وَفِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقِسْطُ
(وَالثَّانِي)
جَمِيعُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ عَالِمًا وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهُ فِي مقابلة العبدين فلم يلتزم في مقابلة الحلال الاحصته
* وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَحُرًّا أَوْ خَلًّا وَخَمْرًا أَوْ مُذَكَّاةً وَمَيْتَةً أَوْ شَاةً وَخِنْزِيرًا وَصَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِيمَا يَقْبَلُهُ وَكَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحَالِ فَأَجَازَ أَوْ عَالِمًا فَفِيمَا يَلْزَمُهُ الطَّرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقِسْطُ
(وَالثَّانِي)
الْجَمِيعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْجَمِيعُ وَهَذَا الطَّرِيقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ احْتِمَالٌ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ فَهُوَ غَلَطٌ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ وَهَذَا الطَّرِيقُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وابن أبي هريرة والمارودي وَمِمَّنْ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الافصاح والبغوى وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْقِسْطَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِ الثَّمَنِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْجُهٌ (أشهرها) وبه قطع الدارمي والبغوى وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ طَوَائِفَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يُقَدَّرُ الْحُرُّ عَبْدًا وَالْمَيْتَةُ مُذَكَّاةً وَالْخِنْزِيرُ شَاةً
وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ
(وَالثَّانِي)
يُقَدَّرُ الْخَمْرُ خَلًّا وَالْخِنْزِيرُ بَقَرَةً (وَالثَّالِثُ) يُنْظَرُ إلَى(9/383)
قِيمَتِهَا عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهَا قِيمَةً وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْوَجْهَ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ فَقَالَ وَكُلُّ هَذَا خَبْطٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ نَكَحَ مُسْلِمَةً وَمَجُوسِيَّةً حُرَّةً وَأَمَةً فِي عَقْدٍ وَصَحَّحْنَا نِكَاحَ الْمُسْلِمَةِ الْحُرَّةِ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى وَلَهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْمُسَمَّى وَالرُّجُوعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَضَعَّفَهُ جِدًّا وَقَالَ هَذَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ فِيهِ إجْحَافًا بِالزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ فِي النِّكَاحِ (وَأَمَّا) تَخْيِيرُهُ في رد المسمى والرجوع إلى مهر المثل فَلَا يَزُولُ بِهِ الْإِجْحَافُ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قَدْ يَكُونُ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى فَفِيمَا يَلْزَمُهُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) مَهْرُ الْمِثْلِ (وَالثَّانِي) قِسْطُهَا مِنْ الْمُسَمَّى إذَا وُزِّعَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَمَهْرِ مِثْلِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْأَمَةِ وَإِذَا اخْتَصَرْت الْخِلَافَ جَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أَصَحُّهَا) الْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ
(وَالثَّانِي)
قِسْطُهَا مِنْ الْمُسَمَّى (وَالثَّالِثُ) جَمِيعُ الْمُسَمَّى وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (فَرْعٌ)
لَوْ باع ربويا بجنسه فخرج بَعْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مُسْتَحَقًّا وَصَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِي الْبَاقِي فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي فَالْوَاجِبُ قِسْطُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَهُمَا حَرَامٌ كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ وَعَبْدًا آخَرَ وَالْجَمِيعُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْمَجْهُولِ قَطْعًا (وَأَمَّا) الْمَعْلُومُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَبْنِي عَلَى مَا لَوْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ وَأَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يَصِحُّ فِيمَا هُوَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ هُنَا فِي الْمَعْلُومِ (وَإِنْ قُلْنَا) هُنَاكَ يَصِحُّ فَهُنَا قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَمْ يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ (إنْ قُلْنَا) جَمِيعُهُ صَحَّ وَلَزِمَهُ هُنَا أَيْضًا جَمِيعُ الثَّمَنِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْقِسْطُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَمْ يَصِحَّ هُنَا فِي الْمَعْلُومِ لِتَعَذُّرِ التَّقْسِيطِ وحكى البغوي والرافعي وغيرهما هنا قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَعْلُومِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ قَطْعًا وَالْمَذْهَبُ فَسَادُ الْبَيْعِ فِي الْمَعْلُومِ
*(9/384)
(فَرْعٌ)
(1) مَحَلُّ الْفَرْعَيْنِ فِي مَسَائِلِ الْكِتَابِ إذَا اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ دُونَ مَا إذَا تَعَدَّدَتْ حَتَّى لَوْ بَاعَ مَالَهُ فِي صَفْقَةٍ وَمَالَ غَيْرِهِ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ وَطَرِيقُ بَيَانِ تَعَدُّدِهَا وَاتِّحَادِهَا أَنْ يَقُولَ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّيْئَيْنِ ثَمَنًا مُفَصَّلًا فَقَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ وَهَذَا بِمِائَةٍ فقبلهما المشتري كذلك على التفصيل فان قال قبلت هذا بالالف وهذا بالمائة فَهُمَا عَقْدَانِ مُتَعَدِّدَانِ فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ وَيَجِبُ مَا سَمَّى لَهُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ جَمَعَ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبُولِ فَقَالَ قَبِلْتهمَا أَوْ قَبِلْت فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
الصَّفْقَةُ مُتَّحِدَةٌ فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا مُتَعَدِّدَةٌ فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ بِمَا سَمَّى لَهُ لِأَنَّ الْقَبُولَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الايجاب فإذا وَقَعَ مُفَرَّقًا وَكَذَلِكَ الْقَبُولُ
* وَتَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ أَيْضًا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ فَإِنْ اتَّحَدَ الْمُشْتَرِي وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا لِرَجُلٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَهَلْ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَتَعَدَّدُ كَالْبَائِعِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْنِي عَلَى الْإِيجَابِ السَّابِقِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا وَجَبَ وَهُوَ وَاحِدٌ
* وَلِلتَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ فَوَائِدُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا (مِنْهَا) إذَا حَكَمْنَا بِالتَّعَدُّدِ فَوَزَنَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَزِمَ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ نَصِيبِهِ إلَيْهِ مِنْ الْمَبِيعِ تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ (وان قلنا) بالاتحاد لم يجب تسليم شئ إلَى أَحَدِهِمَا وَإِنْ وَزَنَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ حَتَّى يَزِنَ الْآخَرَ لِثُبُوتِ حَقِّ الْحَبْسِ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ قِسْطِهِ مِنْ الْمَبِيعِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْقِسْطَ فِي الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ وَهَذَا شَاذٌّ (وَمِنْهَا) إذَا قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ فَخَاطَبَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فَقَالَ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَالَ مَالِكَا عَبْدٍ لِرَجُلٍ بِعْنَاك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَوَجْهَانِ (حَكَاهُمَا) الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ
(وَالثَّانِي)
صحته كما يجوز لاحد المشتريين رَدُّ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَعِيبِ
* وَلَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ بِعْتُكُمَا هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَبِلَ نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِعْتُكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ لَمْ يَصِحَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ والبغوي وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَتَيْنِ زوجتكهما بِأَلْفٍ فَقَبِلَ إحْدَاهُمَا
بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ فِيهِمَا
* وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ وَقُلْنَا الصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي أَوْ وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلَيْنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فَهَلْ الِاعْتِبَارُ فِي تَعَدُّدِ الْعَقْدِ وَاتِّحَادِهِ بِالْعَاقِدِ أم المعقود له فيه
__________
(1) (تنبيه) هذا الفرع عبارته هكذا في الاصل فانظر وحرر(9/385)
أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ رُؤْيَتُهُ دُونَ رُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ يَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ
(وَالثَّانِي)
الِاعْتِبَارُ بِالْمَعْقُودِ لَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُضَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ (وَالثَّالِثُ) الِاعْتِبَارُ فِي طَرَفِ الْبَيْعِ بِالْمَعْقُودِ لَهُ وَفِي الشِّرَاءِ بالعاقد وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ فِي الشِّرَاءِ بِالْمُبَاشِرِ دُونَ الْمَعْقُودِ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْمَعْقُودُ لَهُ الْإِذْنَ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْمُبَاشِرِ بِخِلَافِ طَرَفِ الْبَيْعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْفَرْقُ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ كَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ (وَالرَّابِعُ) الِاعْتِبَارُ فِي جَانِبِ الشِّرَاءِ بِالْمُوَكِّلِ وَفِي الْبَيْعِ بِهِمَا جَمِيعًا فَإِنَّهُمَا إنْ تَعَدَّدَا تَعَدَّدَ الْعَقْدُ اعْتِبَارًا بِالشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا بِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِوَكَالَةِ رَجُلَيْنِ فَخَرَجَ مَعِيبًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْعَاقِدَ فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَهَلْ لِأَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ وَأَحَدِ الِابْنَيْنِ طَلَبُ الْأَرْشِ يُنْظَرُ (إنْ وَقَعَ النَّاسُ بِمَنْ رَدَّ الْآخَرَ بِأَنْ رَضِيَ بِهِ أَوْ تَلِفَ) (1) فَلَهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ أَيْضًا (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا لِيَبِيعَ عَبْدًا لَهُمَا أَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ فَبَاعَ الْجَمِيعَ فَخَرَجَ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأُخْرَى يَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَاهُ لِرَجُلٍ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ وَلِنَفْسِهِ فَفَعَلَ وَخَرَجَ الْعَبْدُ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَعَلَى الثَّانِي وَالرَّابِعِ يَجُوزُ وَقَالَ الْقَفَّالُ إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لها فَلِأَحَدِهِمَا رَدُّ نَصِيبِهِ لِرِضَا الْبَائِعِ بِالتَّشْقِيصِ وَإِنْ جَهِلَهُ فَلَا (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي بَيْعِ عَبْدٍ
وَرَجُلَانِ رَجُلًا فِي شِرَائِهِ فتبايعه الوكيلان فَخَرَجَ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَوَكَّلَ آخَرُ آخَرَيْنِ فِي شِرَائِهِ فَتَبَايَعَهُ الْوُكَلَاءُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقَعَ التَّفْرِيقُ فِي الِانْتِهَاءِ وَهُوَ صِنْفَانِ اخْتِيَارِيٌّ وَغَيْرُهُ فَالِاخْتِيَارِيُّ هُوَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ صَفْقَةً فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسَنَشْرَحُهُ بِفُرُوعِهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) غَيْرُ الِاخْتِيَارِيِّ فَمِنْ صُوَرِهِ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ وَنَحْوَهُمَا أَوْ ثَوْبًا وَعَبْدًا فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا
__________
(1) هذه العبارة هكذا بالاصل فحرر(9/386)
قَبْلَ الْقَبْضِ دُونَ الْآخَرِ فَيَفْسَخُ الْعَقْدُ فِي التَّالِفِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْبَاقِي طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ (وَأَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ لِعَدَمِ عِلَّتَيْ الْفَسَادِ الْمَذْكُورَتَيْنِ هُنَاكَ (فَإِذَا قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ فِيهِ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَجَازَ فَبِكَمْ يُجِيزُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِسْطُ الْبَاقِي قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْعِوَضَ هُنَا قَابَلَ الْمَبِيعَيْنِ مُقَابَلَةً صَحِيحَةً حَالَ الْعَقْدِ وَانْقَسَمَ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهَلَاكِ بَعْضِهِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ (أَصَحُّهُمَا) التَّقْسِيطُ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ وَهُوَ قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ إلْحَاقًا لِلطَّارِئِ بِالْمُقَارَنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (فَإِنْ قُلْنَا) يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقِسْطِ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا خِيَارَ لَهُ
* وَلَوْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَصَارَ بَعْضُهُ خَمْرًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ كَتَلَفِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَالْحُكْمُ مَا سَبَقَ
* وَلَوْ تَفَرَّقَا فِي السَّلَمِ وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ قَبَضَ الْبَعْضَ فَهَلْ يَنْفَسِخُ فِي الْبَاقِي فِيهِ الطَّرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) لَا يَنْفَسِخُ
* وَلَوْ قَبَضَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ تَلِفَ الْآخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَفِي الِانْفِسَاخِ فِي الْمَقْبُوضِ خِلَافٌ
مُرَتَّبٌ عَلَى الصُّوَرِ السَّابِقَةِ وَهِيَ إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ الْآخَرِ وَهَذَا أَوْلَى بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ لِتَأَكُّدِ الْعَقْدِ فِيهِ بِانْتِقَالِ ضَمَانِهِ إلَى الْمُشْتَرِي
* هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْآخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَفِي الِانْفِسَاخِ فِي الْمَقْبُوضِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَوْلَى بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ لِتَلَفِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي (وَإِذَا قُلْنَا) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ ويسترد الثمن ان كان سلمه (وأصحهما) لابل عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ اكْتَرَى دَارًا وَسَكَنَهَا بَعْضَ الْمُدَّةِ ثُمَّ انْهَدَمَتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي الْمَاضِي الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَقْبُوضِ التَّالِفِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ فَعَلَى هَذَا هَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِيهِ الْوَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا فَسْخَ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَعَلَيْهِ مِنْ الْمُسَمَّى حِصَّةُ الْمَاضِي مِنْ الْمُدَّةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالِانْفِسَاخِ أَوْ قُلْنَا لَهُ الْفَسْخُ فَفَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمَاضِي وَيَسْتَرِدُّ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ دَفَعَهُ
* وَلَوْ انْقَطَعَ بَعْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ وَكَانَ الْبَاقِي مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَقُلْنَا لَوْ انْقَطَعَ الْجَمِيعُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فينفسخ هُنَا فِي الْمُنْقَطَعِ وَفِي الْبَاقِي(9/387)
الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَلِفَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِمَا (فَإِذَا قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ فَلَهُ الْفَسْخُ فَإِنْ أَجَازَ فَيَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فقط (وان قلنا) لو انقطع الْجَمِيعَ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ كَانَ الْمُسَلَّمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ فِي الْجَمِيعِ وَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِي الْقَدْرِ الْمُنْقَطِعِ وَالْإِجَازَةُ فِي الْبَاقِي فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ لَهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا هَلْ لَهُ إفْرَادُهُ بِالرَّدِّ (الْأَصَحُّ) لَيْسَ لَهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَأَبِقَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ فِي الثَّانِي لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْآبِقِ (1)
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ مَا يَمْلِكُهُ وَغَيْرُهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً
* ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا وَمِمَّنْ قَالَ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِيهِمَا مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ مَالًا وَغَيْرَهُ كَخَلٍّ وَخَمْرٍ وَعَبْدٍ وَحُرٍّ وَشَاةٍ وَخِنْزِيرٍ وَمُذَكَّاةٍ وَمَيْتَةٍ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ جَمَعَتْ مَالًا وَمَالَهُ حُكْمُ الْمَالِ كَعَبْدِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ بَطَلَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَصَحَّ فِي عَبْدِهِ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ فِي حُكْمِ الْمَالِ فَإِنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا لِسَيِّدِهَا وَقَدْ يَحْكُمُ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا قَالَ وَإِنْ جَمَعَتْ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ
صَحَّ الْبَيْعُ فِي مَالِهِ وَوَقَفَ فِي مَالِ غَيْرِهِ عَلَى إجَازَتِهِ إنْ أَجَازَ نَفَذَ وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِ وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَالصِّحَّةُ مُطْلَقًا وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ صِحَّتُهُ فِيمَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ وَبُطْلَانُهُ فِي غَيْرِهِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان جمع بين بيع واجارة أو بين بيع وصرف أو بين عبدين بشرط الخيار في أحدهما دون الآخر بعوض واحد ففيه قولان
(أحدهما)
أنه يبطل العقدان لان أحكام العقدين متضادة وليس أحدهما بأولي من الآخر فبطل الجميع
(والثانى)
أنه يصح العقدان وينقسم العوض عليهما على قدر قيمتهما لانه ليس فيه أكثر من اختلاف حكم العقدين وهذا لا يمنع صحة العقد كما لو جمع في البيع بين ما فيه شفعة وبين ما لا شفعة فيه وان جمع بين البيع والنكاح بعوض واحد فالنكاح لا يبطل لانه لا يبطل بفساد العوض وفى البيع قولان ووجههما ما ذكرناه
* وان جمع بين البيع والكتابة (فان قلنا) في البيع والاجارة إنهما يبطلان بطل البيع والكتابة (وان قلنا) إن البيع والاجارة يصحان بطل البيع ههنا لانه لا يجوز أن يبيع السيد من عبده وهل تبطل الكتابة يبنى علي تفريق الصفقة (فان قلنا)) لا تفرق بطل (وان قلنا) تفرق بطل البيع وصحت الكتابة)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا جَمَعَ في العقد مبيعين مختلفي الحكم كثوبين
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(9/388)
شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ وَسَلَمٍ أَوْ إجَارَةٍ وَسَلَمٍ أَوْ صَرْفٍ وَغَيْرِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ الْعَقْدِ فِيهِمَا وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ فِيهِمَا وَصُورَةُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ بِعْتُك عَبْدِي وَأَجَرْتُك دَارِي سَنَةً بِأَلْفٍ وَصُورَةُ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ بِعْتُك ثَوْبِي وَمِائَةَ صَاعٍ حِنْطَةً سَلَمًا بِدِينَارٍ وَصُورَةُ الْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ أَجَرْتُك دَارِي سَنَةً وَبِعْتُك مِائَةَ صَاعٍ سَلَمًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ
* وَلَوْ بَاعَ حِنْطَةً وَثَوْبًا بِشَعِيرٍ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ الْقَوْلَانِ لِأَنَّ التَّقَابُضَ فِي الْحِنْطَةِ وَمَا يقابلها من الشعير واجب وَلَا يَجِبُ فِي الْبَاقِي فَهُوَ كَبَيْعٍ وَصَرْفٍ (وَالثَّانِيَةُ) إذَا جَمَعَ بَيْعًا وَنِكَاحًا وَقَالَ زَوَّجْتُك جَارِيَتِي هَذِهِ وَبِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِمِائَةٍ وَهُوَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ أَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك عَبْدَهَا
وَهِيَ فِي حِجْرِهِ أَوْ رَشِيدَةٌ وَكَّلَتْهُ فِي بَيْعِهِ صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُمَا وُزِّعَ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِلَّا وَجَبَ فِي النِّكَاحِ مَهْرُ الْمِثْلِ (وَإِذَا قُلْنَا) بِالتَّوْزِيعِ فَهُوَ إذَا كَانَتْ حِصَّةُ النِّكَاحِ فِي صُورَةِ تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ فَهَذِهِ صُورَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ لِشَخْصٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ كَانَا لِاثْنَيْنِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي وَزَوَّجْتُك (1) بِنْتِي بِأَلْفٍ فَقَدْ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَتَحْقِيقُهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا لِشَخْصٍ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ فَبَاعَهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ (الثَّالِثَةُ) لَوْ جَمَعَ بَيْعًا وَكِتَابَةً فَقَالَ لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك عَلَى نَجْمَيْنِ إلَى كَذَا وَكَذَا وَبِعْتُك ثَوْبِي هَذَا جَمِيعًا بِأَلْفٍ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ بِالْبُطْلَانِ فِيهِمَا فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَفِي الْكِتَابَةِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ الْقَطْعِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَفِيهِ الْقَوْلُ شاذ السابق
* (فرع)
في شئ مِنْ مَسَائِلِ الدُّورِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
* فَإِذَا بَاعَ مَرِيضٌ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ بِعَشَرَةٍ وَهُوَ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي بعض المبيع وفى الباقي طريقان (أصحهما) عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ هُنَا وَصِيَّةٌ وَهِيَ تُقْبَلُ مِنْ الْغَرَرِ مَا لَا يُقْبَلُ غَيْرُهَا فَإِنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْبَاقِي فَفِي كَيْفِيَّتِهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ وَالْقَدْرُ الَّذِي يُوَازِي الثَّمَنَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَبْطُلُ فِي الباقي
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(9/389)
فَيَصِحُّ فِي ثُلُثَيْ الْعَبْدِ بِالْعَشَرَةِ وَيَبْقَى مَعَ الْوَرَثَةِ ثُلُثُ الْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَالثَّمَنُ وَهُوَ عشرة وذلك مثلا الْمُحَابَاةِ وَهِيَ عَشَرَةٌ وَلَا تَدُورُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ إذَا أُزِيدَ الْبَيْعُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَجَبَ أَنْ يَزِيدَ إلَى الشِّرَاءِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَتَدُورُ الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ الْبَيْعُ يَخْرُجُ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ
يَدْخُلُ فِيهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ الْبَيْعُ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ التَّرِكَةِ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهَا وَيَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَقْصُودِ بِطُرُقٍ (مِنْهَا) أَنْ يُنْسَبَ ثُلُثُ الْمَالِ إلَى قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْمَبِيعِ بِمِثْلِ نِسْبَةِ الثُّلُثِ مِنْ الْمُحَابَاةِ فَنَقُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ثُلُثُ الْمَالِ عَشَرَةٌ وَالْمُحَابَاةُ عِشْرُونَ وَالْعَشَرَةُ نِصْفُ الْعِشْرِينَ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَهُوَ خَمْسَةٌ كَأَنَّهُ اشْتَرَى سُدُسَهُ بِخَمْسَةٍ وَوَصَّى لَهُ بِثُلُثِهِ وَيَبْقَى مَعَ الْوَرَثَةِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّمَنُ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَالْمَبْلَغُ عِشْرُونَ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمُحَابَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَيْفِيَّةِ فَرَجَّحَ كَثِيرُونَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالُوا وَالثَّانِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَرَجَّحَ آخَرُونَ الثَّانِيَ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْحُسَّابِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَابْنُ اللَّبَّانِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (باب الربا) الرِّبَا مَقْصُورٌ وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَتَثْنِيَتُهُ رِبَوَانِ وَاخْتَارَ الْكُوفِيُّونَ كَتْبَهُ وَتَثْنِيَتَهُ بِالْيَاءِ بِسَبَبِ الْكَسْرَةِ فِي أَوَّلِهِ وَغَلَّطَهُمْ الْبَصْرِيُّونَ قَالَ الثَّعْلَبِيُّ كَتَبُوهُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ إنَّمَا كَتَبُوهُ بِالْوَاوِ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَلُغَتُهُمْ الرِّبَوَا فَعَلَّمُوهُمْ صُورَةَ الْخَطِّ عَلَى لُغَتِهِمْ قَالَ وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا أَبُو سِمَاكٍ الْعَدَوِيُّ بِالْوَاوِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْإِمَالَةِ بِسَبَبِ كَسْرَةِ الرَّاءِ وَأَقَرَّ الْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ لِفَتْحَةِ الْبَاءِ قَالَ وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كَتْبِهِ - بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ - وَالرِّمَاءُ بِالْمِيمِ وَالْمَدِّ - وَالرُّبْيَةُ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ لُغَةٌ فِي الرِّبَا وَأَصْلُهُ الزيادة وأربى الرجل وأرمى عامل بالربا
*
* قال المصنف رحمه الله
* (الربا محرم والاصل فيه قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وقوله تَعَالَى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) روى في التفسير حين يقوم من قبره وروى ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَعَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ الربا وموكله وشاهده وكاتبه)
*(9/390)
(الشَّرْحُ) الْمَسُّ الْجُنُونُ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وغيرهم قوله تعالى (الذين يأكلون الربا) مَعْنَاهُ يَتَعَامَلُونَ بِهِ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) وقوله تعالى (لا يقومون) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ (إِلا كَمَا يقوم الذى يتخبطه الشيطان) قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ التَّخَبُّطُ هُوَ الضَّرْبُ عَلَى غَيْرِ الِاسْتِوَاءِ وَيُقَالُ خَبَطَ الْبَعِيرُ إذَا ضَرَبَ بِأَخْفَافِهِ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفًا رَدِيئًا وَلَا يَهْتَدِي فِيهِ هُوَ يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَهِيَ النَّاقَةُ الضَّعِيفَةُ الْبَصَرِ قَالُوا فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الشَّيْطَانَ يُصِيبُهُ بِالْجُنُونِ حِينَ يَقُومُ مِنْ قَبْرِهِ فَيُبْعَثُ مَجْنُونًا فَيَعْرِفُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ أَنَّهُ مِنْ أَكَلَةِ الرِّبَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ وَلَكِنْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ الْمُحَقِّقُونَ سَمِعَهُ وَهِيَ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَشَاهِدَهُ بِالْإِفْرَادِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَشَاهِدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ (وأما) الْأَحْكَامُ فَقَدْ أَجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقِيلَ إنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا عَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مُجْمَلٌ فَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ وَكُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ أَحْكَامِ الرِّبَا فَهُوَ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ الْقُرْآنِ نَقْدًا كَانَ أَوْ نَسِيئَةً (وَالثَّانِي) أَنَّ التَّحْرِيمَ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا تَنَاوَلَ مَا كَانَ مَعْهُودًا لِلْجَاهِلِيَّةِ مِنْ رِبَا النِّسَاءِ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَالِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ وَكَانَ أَحَدُهُمْ إذَا حَلَّ أَجَلُ دَيْنِهِ وَلَمْ يُوَفِّهِ الْغَرِيمُ أَضْعَفَ لَهُ الْمَالَ وَأَضْعَفَ الْأَجَلَ ثُمَّ يَفْعَلُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَجَلِ الْآخَرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) قَالَ ثُمَّ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِزِيَادَةِ الرِّبَا فِي النَّقْدِ مُضَافًا إلَى مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرُّوذِيِّ
* (فَرْعٌ)
يَسْتَوِي فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِهِ بَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ فَمَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ جَرَى بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ وحربي سواء دخلها المسلم بِأَمَانٍ أَمْ بِغَيْرِهِ هَذَا مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ(9/391)
وأحمد وأبو يوسف والجمهور
* وقال أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُحَرَّمُ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ لَمْ يُهَاجِرَا مِنْهَا وَإِذَا بَاعَ مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ أَسْلَمَ رَجُلَانِ فِيهَا وَلَمْ يُهَاجِرَا فَتَبَايَعَا دِرْهَمًا بدرهين جَازَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَلِأَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحَةٌ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ أَوْلَى
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِعُمُومِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَلِأَنَّ مَا كَانَ رِبًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ رِبًا مُحَرَّمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمَانِ مُهَاجِرَانِ وَكَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمٌ وَحَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّ مَا حُرِّمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُرِّمَ هُنَاكَ كَالْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَصِحَّ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ هُنَاكَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ أَنَّهُ مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَوْ صح لتأولناه عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُبَاحُ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّ أَمْوَالَ الْحَرْبِيِّ مُبَاحَةٌ بِلَا عَقْدٍ فَلَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الدَّعْوَى إنْ دَخَلَهَا الْمُسْلِمُ بِأَمَانٍ فَإِنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَالْعِلَّةُ مُنْتَقِضَةٌ كَمَا إذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ فَبَايَعَهُ الْمُسْلِمُ فِيهَا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَمْوَالِهِمْ تُبَاحُ بِالِاغْتِنَامِ اسْتِبَاحَتُهَا بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ ولهذا تباح ابضاع نسائهم بالسبي دون العقد الفاسد
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والاعيان التى نص على تحريم الربا فيها الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح والدليل عليه ما رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر والبر والشعير بالشعير والملح بالملح الاسواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو استزاد فقد أربى (فأما) الذهب والفضة فانه يحرم فيهما الربا لعلة واحدة وهو أنهما من جنس الاثمان فيحرم الربا فيهما ولا يحرم فيما سواهما من الموزونات والدليل عليه انه لا يجوز أن يكون تحريم الربا لمعني يتعداهما إلى غيرهما من الاموال لانه لو كان لمعني يتعداهما إلى غيرهما لم يجز اسلامهما فيما سواهما من الاموال لان كل شيئين جمعتهما علة واحدة في الربا لا يجوز اسلام أحدهما في الآخر كالذهب والفضة والحنطة والشعير فلما جاز اسلام الذهب والفضة في الموزونات والمكيلات وغيرهما من الاموال دل على أن العلة فيهما لمعنى لا يتعداهما وهو أنه من جنس الاثمان)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي
هَذِهِ الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا فَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَسَائِرُ أَهْلِ الظَّاهِرِ والشيعة(9/392)
والغاسانى وسائر ثقاة النَّاسِ لَا تَحْرِيمَ فِي الرِّبَا فِي غَيْرِهَا وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ طَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ تَحْرِيمُ الرِّبَا عَلَيْهَا بَلْ يَتَعَدَّى إلَى مَا فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي السُّنَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا (فَأَمَّا) الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَالْعِلَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا كَوْنُهُمَا جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا وَهَذِهِ عِنْدَهُ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِمَا لَا تَتَعَدَّاهُمَا إذْ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعِلَّةُ فِيهِمَا الْوَزْنُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ فالحق بهما كل موزون كالحديد والنحاس والرصاس وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَكُلِّ مَا يُوزَنُ فِي الْعَادَةِ وَوَافَقَ أَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ الرِّبَا فِي مَعْمُولِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنَّمَا يُحَرَّمُ فِي التِّبْرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِمَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ على خيبر فقدم بثمر حبيب فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا قِيمَتَهُ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا نعنى وَكَذَلِكَ الْمَوْزُونُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَوْزُونٍ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ قَالُوا وَلِأَنَّ عِلَّتَكُمْ قَاصِرَةٌ فَإِنَّهَا لَا تَتَعَدَّى الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَهُمَا الْأَصْلُ الَّذِي اسْتَنْبَطْتُمْ مِنْهُ الْعِلَّةَ وَعِنْدَكُمْ فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا فَاسِدَةٌ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهَا فَإِنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ قَدْ عَرَفْنَاهُ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْعِلَّةِ أَنْ يَلْحَقَ بِالْأَصْلِ غَيْرُهُ (وَالْوَجْهُ الثاني) أن القاصرة صحيحة ولكن المتعدية أَوْلَى قَالُوا فِعْلَتُكُمْ مَرْدُودَةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ حُكْمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ قَالُوا وَلِأَنَّ عِلَّتَكُمْ قَدْ تُوجَدُ وَلَا حُكْمَ وَقَدْ يُوجَدُ الحكم ولا علة كالفلوس بخراسان وغيرهما فَإِنَّهَا أَثْمَانٌ وَلَا رِبَا فِيهَا عِنْدَكُمْ وَالثَّانِي كَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُحَرَّمُ الرِّبَا فِيهَا مَعَ أنها لسيت أَثْمَانًا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ إسْلَامُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ بِالْإِجْمَاعِ
كَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ كَانَ الْوَزْنُ عِلَّةً لَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ إسْلَامُ الْحِنْطَةِ فِي الشَّعِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي الدَّنَانِيرِ ولان أبا حنيفة جوز بَيْعَ الْمَضْرُوبِ مِنْ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْوَزْنَ لَمْ يَجُزْ (فَإِنْ قَالُوا) خَرَجَتْ بِالضَّرْبِ عَنْ كَوْنِهَا مَوْزُونَةً (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ
* وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِهِمْ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ قَالَ قَدْ قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ مِنْ كلام(9/393)
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ (الثَّانِي) جَوَابُ القاضى أبو الطَّيِّبِ وَآخَرِينَ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ غَيْرُ مُرَادٍ فَإِنَّ الْمِيزَانَ نَفْسَهُ لَا رِبَا فِيهِ وَأَضْمَرْتُمْ فِيهِ الْمَوْزُونَ وَدَعْوَى الْعُمُومِ فِي الْمُضْمَرَاتِ لَا يَصِحُّ (الثَّالِثِ) أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمَوْزُونُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِمْ لَا فَائِدَةَ فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ بِأَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِهَا فَإِنَّ الْعِلَلَ أَعْلَامٌ نَصَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَحْكَامِ مِنْهَا مُتَعَدِّيَةٌ وَمِنْهَا غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ إنَّمَا يُرَادُ مِنْهَا بَيَانُ حِكْمَةِ النَّصِّ لَا الِاسْتِنْبَاطُ وَإِلْحَاقُ فَرْعٍ بِالْأَصْلِ كَمَا أَنَّ الْمُتَعَدِّيَةَ عَامَّةُ التَّعَدِّي وَخَاصَّتُهُ
* ثُمَّ لِغَيْرِ الْمُتَعَدِّيَةِ فَائِدَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الْحُكْمَ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا فَلَا تَطْمَعُ فِي الْقِيَاسِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ مَا يُشَارِكُ الْأَصْلَ فِي الْعِلَّةِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَأَجَابُوا عَنْ الْفُلُوسِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا كَوْنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا وليست الفلوس كذلك فانها وان كانت ثمنا في بعض البلاد فليست من جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
(وَأَمَّا) دَاوُد وَمُوَافِقُوهُ فَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وبقوله (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) وَبِأَنَّ أَصْلَ الِاسْتِثْنَاءِ الْإِبَاحَةُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنْت أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ تمر حَائِطِهِ إنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا وَإِنْ كان كرما أن بيعه بِزَبِيبٍ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بكيل طعام نهى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا الطَّعَامُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُسَمَّى طَعَامًا (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ خَصَّهُ بِالْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ (قُلْنَا) ذِكْرُ بَعْضِ ما يتناوله الْعُمُومُ لَيْسَ تَخْصِيصًا عَلَى الصَّحِيحِ (فَإِنْ قِيلَ) الطَّعَامُ مَخْصُوصٌ بِالْحِنْطَةِ (قُلْنَا) هَذَا غَلَطٌ بَلْ هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ مَا يُؤْكَلُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نفسه) وقال تعالى (فلينظر الانسان إلى طعامه) إلَى قَوْله تَعَالَى (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا) الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مني ومن لم يطعمه فانه منى) وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ إسْلَامِهِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُك قُلْت مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إلَّا مَاءَ زَمْزَمَ فَسَمِنْت حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي قَالَ إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (مَكَثْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمانا مالنا طعام الا الا سودان الْمَاءُ وَالتَّمْرُ رَوَاهُ) (1) وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّهُمَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَا (وَقَوْلُهُمْ) أَصْلُ الْأَشْيَاءِ الاباحة ليس كذلك بل مذهب داود
__________
(1) بياض بالاصل.(9/394)
أَنَّهَا عَلَى الْوَقْفِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عِنْدَنَا كَوْنُهُمَا جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا قَالَ أصحابنا وقولنا غَالِبًا احْتِرَازٌ مِنْ الْفُلُوسِ إذَا رَاجَتْ رَوَاجَ النُّقُودِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَوَانِي وَالتِّبْرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهِيَ الَّتِي نَقَلَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ الْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ قَالَ وَمِنْ أصحابنا من جمعهما قال ولكه قَرِيبٌ
* وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا لِأَنَّ الْأَوَانِيَ وَالتِّبْرَ وَالْحُلِيَّ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا وَلَيْسَ مِمَّا يُقَوَّمُ بِهَا وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِيهِمَا بِعَيْنِهِمَا لَا لِعِلَّةٍ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا رَاجَتْ الْفُلُوسُ رَوَاجَ النُّقُودِ لَمْ يُحَرَّمْ الرِّبَا فِيهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يُحَرَّمُ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ (وَأَمَّا) مَا سِوَاهَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْغَزْلِ وَغَيْرِهَا فَلَا رَبَا فِيهَا عِنْدَنَا فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا ومؤجلا ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي والرافعي عن أبى بكر الاولى مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا سَوَاءٌ كَانَ مَطْعُومًا أَوْ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
*
* قال الصنف رحمه الله
*
(فاما الاعيان الاربعة ففيها قولان (قال) في الجديد العلة فيها أنها مطعومة والدليل عليه ما روى معمر بن عبد الله إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الطعام بالطعام مثلا بمثل) والطعام اسم لكل ما يتطعم والدليل عليه قوله تعالى (وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) وأراد به الذبائح وقالت عائشة رضى الله عنها (مكثنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم سنة مالنا طعام الا الا سودان الماء والتمر وقال لبيد لمعفر قهد ينازع شلوه
* غبس كواسب ما يمن طعامها
* وأراد به الفريسة والحكم إذا علق على اسم مشتق كان ذلك علة فيه كانقطع في السرقة والحد في الزنا ولان الحب مادام مطعوما يحرم فيه الربا فإذا زرع وخرج عن أن يكون مطعوما لم يحرم فيه الربا فإذا انعقد الحب وصار مطعوما حرم فيه الربا فدل على أن العلة فيه كونه مطعوما فعلى هذا يحرم الربا في كل ما يطعم من الاقوات والادام والحلاوات والفواكه والادوية وفى الماء وجهان(9/395)
(أحدهما)
يحرم فيه الربا لانه مطعوم فهو كغيره
(والثانى)
لا يحرم فيه الربا لانه مباح في الاصل غير متمول في العادة فلا يحرم فيه الربا
* وفي الادهان المطيبة وجهان
(أحدهما)
لا ربا فيها لانها تعد للانتفاع برائحتها دون الاكل (والثاني) أنه يحرم فيها الربا وهو الصحيح لانه مأكول وانما لا يؤكل لانه ينتفع به فيما هو أكثر من الاكل
* وفى البزر ودهن السمك وجهان
(أحدهما)
لا ربا فيه لانه يعد للاستصباح
(والثانى)
أنه يحرم الربا فيه لانه مأكول فاشبه الشيرج (وقال) في القديم العلة فيها أنها مطعومة مكيلة أو مطعومة موزونة والدليل عَلَيْهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الطعام بالطعام مثلا بمثل) والمماثلة لا تكون الا بالكيل أو الوزن فدل على أنه لَا يُحَرَّمُ إلَّا فِي مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يوزن فعلى هذا لا يحرم الربا فيما لا يكال ولا يوزن من الاطعمة كالرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ وما أشبهها)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ مَعْمَرٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ (1) (وَقَوْلُهُ) وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْأَرْبَعَةُ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ الْأَرْبَعَةُ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ الْأَرْبَعُ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِالْأَعْيَانِ الْأَجْنَاسَ فَأَثْبَتَ الْهَاءَ (وَقَوْلُهَا) الْأَسْوَدَانِ هُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ وَتَسْمِيَةِ الشَّيْئَيْنِ بِاسْمِ أَحَدِهِمَا كَالْأَبَوَيْنِ
وَالْقَمَرَيْنِ والعمرين ونظائره فان الماء لبس بِأَسْوَدَ (قَوْلُهُ) فِي بَيْتِ لَبِيدٍ لَمُعَفَّرٍ هُوَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ - وَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إذَا أَرَادَتْ فِطَامَهُ عَنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا تَقْطَعُهُ عَنْ الرَّضَاعِ أَيَّامًا ثُمَّ تَعُودُ إلَى إرْضَاعِهِ أَيَّامًا ثُمَّ تَقْطَعُهُ عَنْ الرَّضَاعِ أَيَّامًا ثُمَّ تُرْضِعُهُ تَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ جُمْلَةً فَإِذَا فَعَلَتْ هَذَا قِيلَ عَفَّرَتْ الظَّبْيَةُ وَلَدَهَا وَمُعَفَّرٌ هُوَ هَكَذَا فَسَّرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَفَسَّرَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ الَّذِي سُحِبَ فِي التُّرَابِ وَعُفِّرَ بِهِ وَالْقَهْدُ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ - قِيلَ هُوَ الْأَبْيَضُ وَقِيلَ أَبْيَضُ فِيهِ كُدُورَةٌ وَفِيهِ حُمْرَةٌ أَوْ صُفْرَةٌ وَجَمْعُهُ قِهَادٌ (وقوله) تنازع شلوه أي تحادف أَعْضَاءَهُ (وَقَوْلُهُ) غُبْسٌ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ - أَيْ ذِئَابٌ جَمْعُ أَغْبَسَ وَهُوَ الَّذِي لَوْنُهُ كَلَوْنِ الرَّمَادِ (وَقَوْلُهُ) كَوَاسِبُ أَيْ تَكْسِبُ قُوتَهَا (وَقَوْلُهُ) مَا يُمَنُّ طَعَامُهَا فِيهِ تَأْوِيلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا مِنَّةَ عَلَيْهَا فِيهِ بَلْ تَأْخُذُهُ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ لَا بِالسُّؤَالِ وَالْمَسْكَنَةِ بِخِلَافِ السِّنَّوْرِ وَشَبَهِهِ
(وَالثَّانِي)
مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ وَلَا يَنْقَطِعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (أجر غير ممنون) وَقَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ بَيْتٌ آخَرُ يُظْهِرُ مَعْنَى هَذَا وَهُوَ خَنْسَاءُ ضَيَّعَتْ الْفَرِيرَ فَلَمْ يَرِمْ
* عرض الشائق طوفها وبعامها الْخَنْسَاءُ بَقَرَةٌ وَحْشِيَّةٌ وَالْفَرِيرُ - بِفَتْحِ الْفَاءِ - وَلَدُهَا (وَقَوْلُهُ) يَرِمْ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ يُفَارِقُ وَعُرْضُ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - وَهُوَ النَّاحِيَةُ وَالشَّقَائِقُ جَمْعُ شَقِيقَةٍ وَهِيَ رَمْلَةٌ فِيهَا نَبَاتٌ وَقِيلَ أرض
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(9/396)
غَلِيظَةٌ بَيْنَ رَمْلَيْنِ (وَقَوْلُهُ) طَوْفُهَا - بِفَتْحِ الطَّاءِ وَرَفْعِ الْفَاءِ - وَهُوَ ذَهَابُهَا وَمَجِيئُهَا وَهُوَ فَاعِلُ يرم وبعامها - بضم الباء الموحدة وبالعين المعجمة وبرفع الميم - معطوف على طوفها والبعام الصَّوْتُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِمُعَفَّرٍ مَكْسُورَةٌ وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ وَمَعْنَى الْبَيْتَيْنِ أَنَّهَا ضَيَّعَتْ وَلَدَهَا فَلَا تَزَالُ تَطُوفُ فِي نَاحِيَةِ الرِّمَالِ لِطَلَبِهِ ظَانَّةً أَنَّهُ هُنَاكَ وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ الذِّئَابَ تَجَاذَبَتْ أَعْضَاءَهُ وَأَكَلَتْهُ (وَأَمَّا) لَبِيدٌ صَاحِبُ هَذَا فَهُوَ أَبُو عَقِيلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ الْعَامِرِيُّ الصَّحَابِيُّ الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ كَانَ مِنْ فُحُولِ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَكَانَ مِنْ الْمُعَمَّرِينَ عَاشَ مِائَةً وَأَرْبَعًا وَخَمْسِينَ سَنَةً وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقِيلَ فِي أَوَّلِ خلافة معاوية رضى الله عنهم (قَوْلُهُ) فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ احْتِرَازٌ مِمَّا يَتَأَثَّرُ مِنْ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَمَا يَلْقَى مِنْ الْأَطْعِمَةِ
رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَرَى فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ فِي الْأَصْلِ (وَقَوْلُهُ) غَيْرُ مُتَمَوِّلٍ فِي الْعَادَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّيْدِ وَالْبِزْرِ - بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ وَالْقِثَّاءُ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ أَنَّهَا الطَّعْمُ فَيُحَرَّمُ الرِّبَا فِي كُلِّ مَطْعُومٍ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ غَيْرُهُمَا وَلَا يُحَرَّمُ فِي غَيْرِ الْمَطْعُومِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي السَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْبُقُولِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَطْعُومِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا يُحَرَّمُ إلَّا فِي مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَعَلَى هَذَا لَا رِبَا فِي السَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ وَالْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَالتَّفْرِيعُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَدِيدِ فَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْمُرَادُ بِالْمَطْعُومِ مَا يُعَدُّ لِلطَّعْمِ غَالِبًا تَقَوُّتًا وَتَأَدُّمًا أَوْ تَفَكُّهًا أو تداويا أو غيرها فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحُبُوبُ وَالْإِدَامُ وَالْحَلَاوَاتُ وَالْفَوَاكِهُ وَالْبُقُولُ والتوابل والادوية وغيرها فَيُحَرَّمُ الرِّبَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وسواء ما أكل غالبا أَوْ نَادِرًا كَالْبَلُّوطِ وَالطُّرْثُوثِ وَهُوَ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ وَسَوَاءٌ مَا أُكِلَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
لَا رِبَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْأَكْلِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي الْمَصْطَكَى وَالزَّنْجَبِيلِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) المشهور ويحرم فِيهِمَا الرِّبَا
(وَالثَّانِي)
لَا رِبَا فِيهِمَا حَكَاهُ (1) والرافعي وَقَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا رِبَا فِي الْمَصْطَكَى وَيَجْرِي تَحْرِيمُ الرِّبَا فِي جَمِيعِ الْأَدْوِيَةِ كَالْإِهْلِيلَجِ وَالْإِبْلِيلَجِ وَالسَّقَمُونْيَا وَغَيْرِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ واتفق
__________
(1) بياض بالاصل(9/397)
عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّ مَا يَقْتُلُ كَثِيرُهُ وَيُسْتَعْمَلُ قَلِيلُهُ فِي الْأَدْوِيَةِ كَالسَّقَمُونْيَا لَا رِبَا فِيهِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْمَاءُ (إذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ فَهَلْ يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يُحَرَّمُ هَكَذَا صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَصْحِيحِ صَاحِبِ
الِانْتِصَارِ الْإِبَاحَةَ فَإِنَّهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ كَانَ مَطْعُومًا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ (قُلْنَا) ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ فَصَارَ مُسْتَثْنًى (وَأَمَّا) الْأَدْهَانُ فَأَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ (أحدها) مَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ كَالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَدُهْنِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبُطْمِ وَدُهْنِ الْفُجْلِ وَالْخَرْدَلِ والصنوبر وأشبهاهها فَيُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا أَيْضًا لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلتَّدَاوِي فَأَشْبَهَ الْإِهْلِيلَجَ (1) (الثَّالِثُ) مَا يُرَادُ لِلطِّيبِ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالزِّئْبَقِ وَالْبَانِ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ فِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ نَقَلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ لَيْسَتْ رِبَوِيَّةً قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ رِبَوِيٌّ وَفِي دُهْنِ الْوَرْدِ وَجْهَانِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا أَفْهَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا (فَإِذَا قُلْنَا) انها ربوية لم يجز بيع شئ مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَلَا بيع بعضها مُتَفَاضِلًا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِالشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ قَالُوا لِأَنَّهَا كلها شيرج اختلفت رَائِحَتُهُ بِحَسَبِ مَا جَاوَرَهَا مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ (الرابع) مَا يُرَادُ لِلِاسْتِصْبَاحِ كَدُهْنِ السَّمَكِ وَبِزْرِ الْكَتَّانِ وَدُهْنِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ (وَأَمَّا) قول إمام لحرمين وَالْغَزَالِيِّ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ قَطَعُوا بِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الطِّينُ الْأُرْمَوِيُّ رِبَوِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْغَزَالِيِّ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ (وَأَمَّا) الطِّينُ الَّذِي يُؤْكَلُ سَفَهًا وَيُقَالُ لَهُ الْخُرَاسَانِيُّ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عن العراقين قَالَ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَمَالَ إلَى أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* (فَرْعٌ)
فِي دُهْنِ الْوَرْدِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا (أصحهما)
__________
(1) كذا بالاصل وانظر أين الضرب الثاني(9/398)
لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ كَلَامُ الْجُمْهُورِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعُودِ الْمُطَيِّبِ أَيْضًا وَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا
* (فَرْعٌ)
لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ عِنْدَنَا فَيَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ بِشَاتَيْنِ وَبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ وَدَجَاجَةٍ بِدَجَاجَتَيْنِ وَكَذَا سَائِرُ الْحَيَوَانِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا إلَّا الْوَجْهَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِلَّا وَجْهًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ فِي السَّمَكِ الصِّغَارِ الَّتِي يُمْكِنُ ابْتِلَاعُهَا فِي حَيَاتِهَا أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ أَكْلِهَا حَيَّةً وَفِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي الْأَطْعِمَةِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا حَيَّةً لَيْسَتْ رِبَوِيَّةً فَيَجُوزُ بَيْعُ سَمَكَةٍ بِسَمَكَاتٍ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ
(وَالثَّانِي)
لَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ لَا رِبَا فِي النَّوَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ لِلْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ طَعَامًا لِلْبَهَائِمِ فَأَشْبَهَ الْحَشِيشَ
* (فَرْعٌ)
لَا رِبَا فِي الْجُلُودِ وَالْعِظَامِ إنْ كَانَ يَجُوزُ أَكْلُهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنْوَاعُ الْحَشِيشِ الَّتِي تَنْبُتُ فِي الصَّحَارِي وَتُؤْكَلُ فِي حَالِ رُطُوبَتِهَا وَأَطْرَافِ قُضْبَانِ الْعِنَبِ لَا رِبَا فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تقصد للاكل عادة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وما سوى الذهب والفضة والمأكول والمشروب لا يحرم فيها الربا فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا ونسيئة ويجوز فيها التفرق قبل التقابض لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أجهز جيشا فنفدت الابل فأمرني أن آخذ على قلاص الصدقة فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى ابل الصدقة) وعن علي كرم الله وجهه (أنه باع جملا إلى أجل بعشرين بعيرا) وباع ابن عباس رضى الله عنه بعيرا بأربعة أبعره واشترى ابن عمر رضى الله عنه راحلة بأربع رواحل ورواحله بالربذة واشترى رافع بن خديج رضى الله عنه بعيرا ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال آتيك بالآخر غدا
* ولا يجوز بيع نسيئة بنسيئة لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ
بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ قال أبو عبيدة هو النسيئة بالنسيئة)
* (الشرح) حديث ابن عمر وبن العاصى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ عنده(9/399)
حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَإِنْ كَانَ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو بن العاصى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا ظَهْرٌ قَالَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْتَاعَ ظَهْرًا إلَى خُرُوجِ التَّصَدُّقِ فَابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ وَبِالْأَبْعِرَةِ إلَى خُرُوجِ التَّصَدُّقِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ رَوَاهَا أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ على أن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاعَ جَمَلًا لَهُ عُصَيْفِيرٌ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ لَكِنَّ فِي إسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ مِنْ طَرِيقِ حسين ابن مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ فَلَمْ يُدْرِكْهُ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الموطأ والشافعي عن مالك عن نافع وذكره الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا (وَأَمَّا الْأَثَرُ) عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَصَحِيحٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مداره على موسى بن عبيدة الزيدى وَهُوَ ضَعِيفٌ (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ الْقِلَاصُ - بِكَسْرِ الْقَافِ - جَمْعُ قَلَصٍ وَالْقَلَصُ جَمْعُ قُلُوصٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الشَّابَّةُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (وَقَوْلُهُ) أَخَذَ مِنْ قِلَاصِ الصَّدَقَةِ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ من والذى في سير أبى داود والبيهقي وغيرهما في ومعناهما السَّلَفُ عَلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (وَأَمَّا) الرَّاحِلَةُ فَالْبَعِيرُ النَّجِيبُ وَالرَّبَذَةُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالِ مُعْجَمَةً مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالْكَالِئُ بِالْهَمْزِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ ففى الفصل مسألتان (احداهما) أَنَّ مَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَطْعُومِ لَا يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعِيرٍ بِأَبْعِرَةٍ وَشَاةٍ بِشِيَاهٍ وَثَوْبٍ بِثِيَابٍ وَصَاعِ نَوْرَةٍ أَوْ جص أو اشنان بِصِيعَانٍ وَرِطْلِ غَزْلٍ بِأَرْطَالٍ مِنْ جِنْسِهِ وَأَشْبَاهِهِ وَكُلُّ هَذَا مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ نَسِيئَةٍ بِنَسِيئَةٍ بِأَنْ يَقُولَ بِعْنِي ثَوْبًا فِي ذِمَّتِي بِصِفَتِهِ كَذَا إلَى شَهْرِ كَذَا بِدِينَارٍ مُؤَجَّلٍ إلَى وَقْتِ كَذَا فَيَقُولُ قَبِلْت وَهَذَا فَاسِدٌ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيَانِ عِلَّةِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ
وَالْمِلْحُ وَلَهُمْ فِيهَا عَشَرَةُ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) مَذْهَبُ أهل الظاهر ومن موافقهم أَنَّهُ لَا رِبَا فِي غَيْرِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِي) مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الرحمن بن كيسان الاصم ان العلة فيها كَوْنِهَا مُنْتَفَعًا بِهِ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَالثَّالِثُ) مَذْهَبُ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَوْدَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعِلَّةَ الْجِنْسِيَّةَ تُحَرِّمُ الرِّبَا في كل شئ بِيعَ بِجِنْسِهِ كَالتُّرَابِ بِالتُّرَابِ مُتَفَاضِلًا وَالثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ وَالشَّاةِ بِالشَّاتَيْنِ (الرَّابِعُ) مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْفَعَةُ فِي الْجِنْسِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ ثوب(9/400)
قِيمَتُهُ دِينَارٌ بِثَوْبَيْنِ قِيمَتُهُمَا دِينَارٌ وَيَحْرُمُ بَيْعُ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ دِينَارٌ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دِينَارَانِ (الْخَامِسُ) مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْعِلَّةَ تَقَارُبُ المنفة فِي الْجِنْسِ فَحُرِّمَ التَّفَاضُلُ فِي الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ أَنَّ الْعِلَّةَ تَقَارُبُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْجِنْسِ فَحُرِّمَ التفاضل في منافعها وكذلك الباقلى بِالْحِمَّصِ وَالدُّخْنِ بِالذُّرَةِ (السَّادِسُ) مَذْهَبُ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ جِنْسًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَحُرِّمَ الرِّبَا فِي جِنْسٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْمَوَاشِي وَالزُّرُوعِ وَغَيْرِهَا ونفاه عمالا زَكَاةَ فِيهِ (السَّابِعُ) مَذْهَبُ مَالِكٍ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا مُدَّخَرَ جِنْسٍ فَحُرِّمَ الرِّبَا فِي كُلِّ مَا كَانَ قُوتًا مُدَّخَرًا وَنَفَاهُ عَمَّا لَيْسَ بِقُوتٍ كَالْفَوَاكِهِ وَعَمَّا هُوَ قُوتٌ لَا يُدَّخَرُ كَاللَّحْمِ (الثَّامِنُ) مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ مكيل جنس فحرم الربا في كل ميكل وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْأُشْنَانِ وَنَفَاهُ عَمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا كَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ (التَّاسِعُ) مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ مَطْعُومًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَحَرَّمَهُ فِي كُلِّ مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَنَفَاهُ عَمَّا سِوَاهُ وَهُوَ كُلُّ مَا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ أَوْ يُؤْكَلُ وَلَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالسَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ (الْعَاشِرُ) أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ مَطْعُومًا فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَمْ لَا وَلَا رِبَا فِيمَا سِوَى الْمَطْعُومِ غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا (فَأَمَّا) أَهْلُ الظَّاهِرِ فَسَبَقَ دَلِيلُهُمْ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِمْ (وَأَمَّا) الْبَاقُونَ فَدَلِيلُنَا عَلَى جَمِيعِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَيْضًا هَذِهِ الْآثَارُ مَعَ الْحَدِيثِ المذكور في الكتاب
* وعن جابرا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى صَفِيَّةَ مِنْ دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ
* وَاحْتُجَّ لِابْنِ كَيْسَانِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا الرِّفْقُ بِالنَّاسِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْجَمِيعِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْآثَارِ وَالْمَعْنَى وَبِحَدِيثِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدَيْنِ وَالْبَعِيرِ بِالْبَعِيرَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَفْسَدُوا عِلَّتَهُ بِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى تَحْرِيمِ التِّجَارَاتِ وَالْأَرْبَاحِ
* وَاحْتُجَّ لِابْنِ سِيرِينَ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ والفضة بالفضة والبربر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ اخْتِلَافَ الْأَصْنَافِ وَهِيَ الْأَجْنَاسُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ السَّابِقَةِ فِي بَيْعِ عَبْدَيْنِ بِعَبْدٍ(9/401)
وَأَبْعِرَةٍ بِبَعِيرٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِنْسَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَالْمُرَادُ جَوَازُ التَّفَاضُلِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ إذا اختلفت ومنعه فيها إذا اتفقت لامنعه فِي غَيْرِهَا
* وَاحْتُجَّ لِلْحَسَنِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْقَدْرِ مَوْجُودٌ فِي الْقِيمَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ فِي الْقِيمَةِ كَمَا امْتَنَعَ فِي الْقَدْرِ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا سَبَقَ وَلَا نُسَلِّمُ إلْحَاقَ الْقِيمَةِ بِالْقَدْرِ
* وَاحْتُجَّ لِابْنِ جُبَيْرٍ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَالْقَدْرِ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا مَرْدُودٌ بِالْمَنْصُوصِ عَلَى جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَاحْتُجَّ لِرَبِيعَةَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ إنَّمَا كَانَ حَثًّا عَلَى الْمُوَاسَاةِ بِالتَّمَاثُلِ وَأَمْوَالُ الْمُوَاسَاةِ هِيَ أَمْوَالُ الزَّكَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ السَّابِقَةِ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْحَيَوَانِ وَفَاسِدٌ أَيْضًا بِالْمِلْحِ فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ بِالنَّصِّ وَعَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ لَا رِبَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا
* وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ بِأَنَّ عِلَّتَهُ أَكْثَرُ شَبَهًا بِالْأَصْلِ فَهِيَ أَوْلَى وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ مُنْتَقَضٌ بِالرُّطَبِ فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ بِالنَّصِّ وَلَيْسَ مُدَّخَرًا (فَإِنْ قيل) الرطب يؤول إلى الادخار (قلنا) الربا جاز فِي الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ تَمْرًا أَوْ الْعِنَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ زَبِيبًا
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْكَيْلَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّسَاوِي فَكَانَ
عِلَّتَهُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا سَبَقَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْكَيْلِ مِعْيَارًا كَوْنُهُ عِلَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا جَوَازُ بَيْعِ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ وَثِيَابٍ مِنْ جِنْسِهِ حَالًا وَمُؤَجَّلًا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَمَنَعَهُ مالك وأبو حنيفة (1) لَا رِبَا فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا كَالْحَفْنَةِ وَالْحَفْنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُكَالُ فِي الْعَادَةِ قَالَ وَكَذَا لَا رِبَا فِي الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْبَيْضِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الَّتِي تُبَاعُ عَدَدًا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَا رِبَا فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ثُبُوتُ الرِّبَا فِي كُلِّ ذَلِكَ لِعُمُومِ النُّصُوصِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ وَشَاةٍ بِشَاتَيْنِ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا سَوَاءٌ كَانَ يَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ وَالنِّتَاجِ أَمْ لِلْأَكْلِ خَاصَّةً
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ وَلَا بِبَعِيرٍ إذَا كَانَا جَمِيعًا أَوْ أَحَدَهُمَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلذَّبْحِ كَالْكَسِيرِ وَالْحَطِيمِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا اللَّحْمُ فهو كبيع لحم بلحم جُزَافًا أَوْ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ السابقة في بيع بعير ببعيرين وأبعره
*
__________
(1) كذا بالاصل(9/402)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ بَيْعِ كُلِّ مَا لَيْسَ مَطْعُومًا وَلَا ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَمُؤَجَّلًا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْرُمُ التَّأْجِيلُ فِي بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نَسِيئَةً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ السَّابِقَةِ فِي بيع الابل بالابل مؤجلة ولانهما عِوَضَانِ لَا تَجْمَعُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَحْرُمُ فِيهِمَا النَّسَاءُ كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبَ قُطْنٍ بِثَوْبِ حَرِيرٍ إلَى أَجَلٍ وَلِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهِ نَقْدًا فَكَذَا النَّسِيئَةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
جَوَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَكْثَرُ الْحُفَّاظِ لَا يُثْبِتُونَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى
أَنَّ الْأَجَلَ فِي الْعِوَضَيْنِ فَيَكُونُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَذَلِكَ فَاسِدٌ كَمَا سَبَقَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ وَأَنَّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بالحديث أنه مرسل
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فاما يحرم فيه الربا فينظر فيه فان باعه بِجِنْسِهِ حَرُمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التقابض لما روى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ والتمر بالتمر والبر بالبر وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شئتم إذا كان يدا بيد) فان باعه بغير جنسه نظرت فان كان مما يحرم الربا فيهما لعلة واحدة كالذهب والفضة والشعير والحنطة جاز فيه التفاضل وحرم فيه النساء والتفرق قبل التقابض لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يدا بيد) فان تبايعا وتخايرا في المجلس قبل التقابض بطل البيع لان التخاير كالتفرق ولو تفرقا قبل التقابض بطل العقد فكذلك إذا تخاير
* وان تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا نظرت فان لم يتفرقا جاز أن يرد ويطالب بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ وقد قبض قبل التفرق وان تفرقا ففيه قولان
(أحدهما)
يجوز ابداله لان ما جاز ابداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه
(والثانى)
لا يجوز وهو قول المزني لانه إذا ابدله صار القبض بعد التفرق وذلك لا يجوز
* وان كان مما يحرم بهما الربا بعلتين كبيع الحنطة بالذهب والشعير بالفضة حَلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لاجماع الامة على جواز اسلام الذهب والفضة(9/403)
في المكيلات المطعومة)
* (الشرح) حديث عبادة رواه مسلم والنساء - بالمد - والتأجيل قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا بَاعَ مَالًا رِبَوِيًّا فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَبِيعَهُ بِجِنْسِهِ فَيُحَرَّمُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ (الثَّانِي) أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَكِنَّهُمَا مِمَّا يُحَرَّمُ فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ بِالْعَسَلِ فَيَجُوزُ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ (1) وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَحَيْثُ شَرَطْنَا التَّقَابُضَ فَمَعْنَاهُ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَا بَأْسَ أَنْ يَطُولَ مَقَامُهُمَا فِي مَجْلِسِهِمَا وَلَا بَأْسَ أَيْضًا بِطُولِهِ مُتَمَاشِيَيْنِ وَإِنْ طَالَ مَشْيُهُمَا وَتَبَاعَدَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ افْتِرَاقِهِمَا
* وَلَوْ بَاعَهُ دِينَارًا فِي الذِّمَّةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الذمة ووصفا الْجَمِيعَ أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ نَقْدٌ غَالِبٌ وَلَمْ يَكُنْ الْعِوَضَانِ حَاضِرَيْنِ ثُمَّ أَرْسَلَا مَنْ أَحْضَرَهُمَا أَوْ ذَهَبَا مُجْتَمَعَيْنِ إلَيْهِمَا وَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ الْبَيْعُ وَسَلِمَا مِنْ الرِّبَا
* وَلَوْ وَكَّلَا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْقَبْضِ وَحَصَلَ الْقَبْضُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْعَاقِدَيْنِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَمَتَى تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَحَصَلَ الْقَبْضُ بَطَلَ الْعَقْدُ وَيَأْثَمَانِ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ يَكُونُ هَذَا رِبًا جَارِيًا مَجْرَى بَيْعِ الرِّبَوِيِّ نَسِيئَةً وَلَا يَكْفِيهِمَا تَفَرُّقُهُمَا فِي مَنْعِ الْإِثْمِ وَإِنْ كَانَ يَبْطُلْ كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ مَعَ التفاضل باطل ويأثمان به قال أصحابنا قال تَعَذَّرَ عَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَأَرَادَا أَنْ يَتَفَرَّقَا لَزِمَهُمَا أَنْ يَتَفَاسَخَا الْعَقْدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِئَلَّا يَأْثَمَا وَإِنْ قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْبَاقِي بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الَّذِي لَمْ يُقْبَضْ وَفِي بُطْلَانِهِ فِي الْمَقْبُوضِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَصِحُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا تَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ فَهُوَ كَالتَّفْرِيقِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَا يَبْطُلُ لظاهر الحديث فانه يسمى يدا بيد
* آخر المجلد وإلى هنا انتهى كلام الشيخ مصنفه أبو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ شَرَفِ النَّوَوِيِّ فَأَدْرَكَتْهُ الْمَنِيَّةُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَفَعَنَا بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَحَسْبُنَا اللَّهُ ونعم الوكيل.(9/404)
المجموع شرح المهذب
للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي
المتوفي سنة 676 هـ
الجزء العاشر
دار الفكر(10/1)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
* اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
* قال الشيخ الامام شيخ الاسلام * قدوة الاعلام * أوحد المجتهدين * قاضي قضاة المسلمين * تقي الدين أبو الحسن على بن عبد الكافي السبكي أثابه الله الجنة * الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات وتثمر * وبفضله يأبى إلا أن يتم نوره ويظهر * أحمده حمد معترف بالعجز مقصر
* وأثنى عليه بأنى لا أحصى ثناء عليه واستغفر * وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له شهادة معلن بالايمان ومظهر * وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبشر المنذر * صلى الله عليه وسلم * وشمل أصحابه بالرضوان وعمم (أما بعد) فقد رغب إلى بعض الاصحاب والاحباب * في أن أكمل شرح المهذب للشيخ الامام العلامة علم الزهاد * وقدوة العباد * واحد عصره * وفريد دهره * محيى علوم الاولين * وممهد سنن الصالحين * أبى زكريا النووي رحمه الله تعالى * وطالت رغبته(10/2)
إلى * وكثر إلحاحه علي * وأنا في ذلك أقدم رجلا وأؤخر أخرى * وأستهون الخطب وأراه شيئا إمرا * وهو في ذلك لا يقبل عذرا * وأقول قد يكون تعرضى لذلك مع تقعدى عن مقام هذا الشرح إساءة إليه * وجناية منى عليه * وانى انهض بما نهض به وقد أسعف بالتأييد * وساعدته المقادير فقربت منه كل بعيد * ولا شك ان ذلك يحتاج بعد الاهلية إلى ثلاثة أشياء
(أحدها) فراغ البال واتساع الزمان وكان رحمه الله تعالى قد أوتى من ذلك الحظ الاوفى * بحيث لم يكن له شاغل عن ذلك من نفس ولا أهل
(والثاني) جمع الكتب التى يستعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء وكان رحمه الله قد حصل له من ذلك حظ وافر لسهولة ذلك في بلده في ذلك الوقت
(والثالث) حسن النية وكثرة الورع والزهد والاعمال الصالحة التى أشرقت أنوارها وكان رحمه الله قد اكتال بالمكيال الاوفى
* فمن يكون اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث أنى يضاهيه أو يدانيه من ليس فيه واحدة منها
* فنسأل الله تعالى أن يحسن نياتنا وأن يمدنا بمعونته وعونه * وقد استخرت الله تعالى وفوضت الامر إليه واعتمدت في كل الامور عليه * وقلت في نفسي لعل ببركة صاحبه ونيته يعيننى الله عليه إنه يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم * فان من الله تعالى باكماله فلا أشك أن ذلك من فضل الله تعالى ببركة صاحبه ونيته إذ كان مقصوده النفع للناس ممن كان وقد شرعت في ذلك مستعينا بالله(10/3)
تعالى معتصما به ملتجئا إليه إنه لا حول ولا قوة إلا به وهو حسبى ونعم الوكيل
* وإياه أسأل أن يغفر لي ولوالدي وأهلي ومشايخي وجميع إخوانى وأن يكثر النفع به ويجعله دائما إلى يوم الدين اه
* وها أنا أذكر إن شاء الله تعالى المواد التى استمد منها (فمنها) ما هو عندي بكماله (ومنها) ما عندي ما هو من الموضع الذى شرعت فيه الآن وها أنا اسمى لك ذلك كله (فمن ذلك) على المهذب
* كتاب فوائد المهذب لابي على الفارقى تلميذ المصنف وما عليه لابي سعيد بن عصرون
* وكتاب بيان ما أشكل في المهذب لابي الحسين يحيى بن أبى الخير بن سالم العمرانى
* وكتاب السؤال عما في المهذب من الاشكال للعمراني أيضا
* وكتاب تجريد شواهد المهذب لابي عبد الله بن محمد بن أبى علي القلعى
* وكتاب المستغرب في المهذب للقلعى أيضا
* وكتاب الوافى بالطلب في شرح المهذب تأليف أبى العباس أحمد بن عيسى بعد ابن أبى بكر عبد الله
* وكتاب التعليقة في شرح المهذب للشيخ أبى إسحق المشهور بالعراقى
* وكتاب التعيب على المهذب لابن معن
* وكتاب الفص المذهب في غريب المهذب لابن عصرون
* وكتاب المؤاخذات لجمال الدين بن البدرى
* وكتاب شرح مشكلات منه لابي الحسن على بن قاسم الحليمى
* وكتاب في مشكلات المهذب لطيف مجهول المصنف
* وكتاب آخر كذلك
* وكتاب غاية المفيد ونهاية المستفيد في احتوارات المهذب لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الصَّعْبِيِّ
* وكتاب آخر مجهول
* وكتاب تفسير مشكلات من المهذب مما جمعه(10/4)
ابن الدرى
* وكتاب التنكيت للدمنهوري
* وكتاب المتهب في الرد عليه لحمزة بن يوسف الحموي وكتاب لغة المهذب مجهول المصنف
* وكتاب ابن باطيش
* وشرح المهذب للفاربى المسمى بالاستقصاء (ومن الكتب المذهبية) الام للشافعي رحمه الله وكتاب الاملاء له وقفت منه على مجلدتين الثانية والثالثة
* ومختصر المزني
* ومختصر البويطى
* وشرح مختصر المزني لابي داود وشرحه لابي الحسن الجوزى
* وكتاب المختصر من شرح تعليق الطبري لابي علي بن أبى هريرة وكتاب التلخيص لابن القاص
* وكتاب المفتاح له وشرحه لسلامة بن اسماعيل بن سلامة المقدسي وشرح آخر له مجهول
* والمولدات لابن الحداد (ومن كتب العراقيين) وأتباعهم تعليقة الشيخ أبي حامد الاسفراييني
* والذخيرة للبندنيجى والدريق للشيخ أبى حامد أيضا
* وتعليقة البندنيجى أيضا
* والمجموع للمحاملى
* والاوسط للمحاملى
* والمقنع للمحاملى
* واللباب للمحاملى والتجريد للمحاملى وتعليقة القاضى أبى الطيب الطبري والحاوى للماوردى والاقناع له واللطيف لابي الحسن بن خيران والتقريب لسليم
* والمجرد له والكفاية له والكفاية للعبدرى
* والتهذيب لنصر المقدسي
* والكافي وشرح الاشارة له والكفاية للمحاجرى
* والتلقين لابن سراقة
* وتذنيب الاقسام للمرعشي
* والكافي للزبيدي
* والمطارحات لابن القطان
* والشافي للجرجاني والتجريد له والمعاياة له والبيان للعمراني
* والانتصار لابن عصرون والمرشد له والتنبيه والاشارة له والشامل لابي نصر ابن الصباغ والعدة لابي عبد الله الحسين بن علي الطبري والبحر للرويانى والحلية(10/5)
للشاشى والحلية للرويانى والتنبيه للمصنف وشرحه لابن يونس وشرحه لشيخنا ابن الرفعة
* ودفع التمويه عن مشكلات التنبيه لاحمد بن كتاسب وغير ذلك مما هو مشهور عليه (ومن كتب الخراسانيين) وأتباعهم تعليقة القاضي حسين والفتاوى له والسلسلة للجويني والجمع والفرق له والنهاية
لامام الحرمين والتذنيب للبغوي
* والابانة للفورانى والعمدة للفورانى وتتمة الابانة للمتولى والبسيط والوسيط والوجيز والخلاصة وشرح الوسيط لشيخنا ابن الرفعة واشكالات الوسيط والوجيز للعجيلى وحواشي الوسيط لابن السكرى
* واشكالات الوسيط لابن الصلاح
* والشرح الكبير للرافعي والشرح الصغير له والتهذيب له والروضة للنووي ومختصر المختصر للجويني وشرحه المسمى بالمعتبر والمحرر والمنهاج وتذكرة العالم لابي على بن سريج واللباب للشاشى (ومن كتب أصحابنا) المصنفة في الخلاف
* الاشراف لابن المنذر والكفاية في النظر للصيدلاني
* والغنية للجويني
* والنكت للشيخ أبى اسحق المصنف
* ومأخذ النظر للغزالي والتحصين له والرؤيا للكتا وبعض مفردات أحمد للكتا وتعليقة الشريف المراغى وتعليق الكمال السمنانى ورؤوس المسائل للمحاملى وسمط المسائل للتبريزي ومختصر التبريزي والخواطر الشريفة لهمام بن راجي الله بن سرايا وحقيقة القولين للرويانى
* والكافي في شرح مختصر المزني للرويانى والترغيب للشاشى والذخائر وتعليقة البندنيجى (ومن كتب) المخالفين (من مذهب أبى حنيفة) شرح الهداية للفرغانى المرغينانى الوشدانى والجامع الصغير(10/6)
والوجيز للخضيرى (ومن مذهب مالك) التلقين للماوردى وشرح الرسالة للقاضى عبد الوهاب والتهذيب للبرادعي والتحصيل والبيان لابن رشد وتعليقة أبى اسحق التونسى (ومن مذهب احمد) المعين في شرح الخرقي لابي محمد عبد الله بن قدامه المقدسي وهو أحسن كتاب عنده (ومن كتب) الآثار مصنف ابن أبى شيبة
* (ومن مذهب الظاهرية) المحلى لابن حزم والموضح لابي الحسن بن المغلس (ومن كتب متون الحديث) وهو قسمان منها ما هو على الأبواب الموطأ ومسند الشافعي وسنن الشافعي ومسند الدارمي وصحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبى داود وسنن النسائي وجامع الترمذي وسنن ابن ماجه وسنن الدارقطني والمستدرك للحاكم والتقاسيم والانواع لابن حبان وله ترتيب خاص وصحيح أبى عوانة والسنن الكبير للبيهقي ومعرفة السنن والآثار له والسنن الصغيرة له والاحكام لعبد الحق
* ومنها ما هو على المسانيد مسند أبى داود الطيالسي والمنتخب
من مسند عبد بن حميد ومسند أبى بكر بن أبى شيبة ومسند احمد بن حنبل ومسند احمد بن منيع شيخ المهدى والمعجم الكبير للطبراني
* (ومن كتب رجال الحديث) وعلله معجم الصحابة للبغوي والاستيعاب للصحابة لابن عبد البر وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الاثير وتاريخ البخاري الكبير وتاريخ البخاري الصغير وتاريخ ابن أبي حسام والجرح والتعديل لابن أبى حاتم وكتاب الكامل لابن عدى والضعفاء والمتروكين للبخاري والضعفاء والمتروكين للنسائي والضعفاء للعقيلي(10/7)
والضعفاء لابن شاهين والثقات لابن حبان وتاريخ نيسابور للحاكم وتاريخ بغداد للخطيب وذيله لابن المدينى وذيله لابن النجار والعلل للدارقطني والطبقات لمسلم والضعفاء لابي أيوب التميمي والطبقات الكبرى لابن سعد والطبقات الصغرى له وكتاب ابن القطان على الاحكام (ومن شروح) الحديث التمهيد لابن عبد البر والاستذكار والمنتقى له للباجى والاكمال للقاضي عياض وشرح مسلم للنوري وشرح العمدة لابن دقيق العيد (ومن كتب اللغة) الصحاح والمحكم والعرنبين للنهروى والله اعلم
* (قال رحمه الله قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ فَهُوَ كَالتَّفَرُّقِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَا يَبْطُلُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى يَدًا بِيَدٍ
(قُلْت) هَذَا آخِرُ مَا وُجِدَ مِنْ شَرْحِ أَبِي زَكَرِيَّا النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَأَقُولُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وفى مسألة وَجْهٌ ثَالِثٌ إنَّ الْإِجَارَةَ لَاغِيَةٌ وَالْخِيَارُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ شَذَّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى الْبُطْلَانِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ونقله عن الاصحاب والمحاملى والمصنف واتباعه وأكثرهم لم يحلو خِلَافَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَا غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ إلا سليمان فِي التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ حَكَاهُ وَقَالَ إنَّ الْمَذْهَبَ الْبُطْلَانُ وَرَأَيْتُهُ بِخَطِّهِ فِي تَعْلِيقَةِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ إنَّهُ حَكَاهُ فِي آخِرِ الرَّهْنِ وَأَمَّا المراوذة فالنقداني في العمد وَافَقَ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَزَمَ بِالْبُطْلَانِ وَأَكْثَرُهُمْ يَحْكِي وَجْهَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا فَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ حَكَى وَجْهَ البطلان(10/8)
وَوَجْهَ اللُّزُومِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ بِتَلْخِيصِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُرَادُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعَيَّنَ أَنَّ الْمُخَالِفَ هُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ
* وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَكَى عَنْ نَقْلِ شَيْخِهِ وَصَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهَ إلْغَاءِ الْإِجَارَةِ وَوَجْهَ اللُّزُومِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ الْبُطْلَانِ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ في البسيط والوسيط مع زيادة ترجيح الزوم وَقَدْ انْفَرَدَ بِتَرْجِيحِ ذَلِكَ مِنْ بَيْنِ الْمُصَنِّفِينَ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ مِنْ فُضَلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ زَيْنُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ شَيْخُ صَاحِبِ الْوَافِي فَانْتَظَمَ مِنْ النَّقْلَيْنِ فِي طَرِيقَةِ الْمَرَاوِزَةِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ كَمَا هي أيضا مفرقة في طريقة العراق
* ومن ذَكَرَهَا مَجْمُوعَةً صَاحِبُ الْبَحْرِ وَعَزَا الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ إلَى جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ مُفَرَّقَةً فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَوَقَّفُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَفِي بَابِ الرِّبَا قَالَ وَالتَّخَايُرُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ التَّفَرُّقِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَفِي بَابِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ حَكَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
إلْغَاءُ الْإِجَارَةِ
(وَالثَّانِي)
لُزُومُ الْعَقْدِ كَمَا فَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ مُخَالِفٌ لِمَا اقْتَضَى كَلَامُهُ فِي بَابِ الرِّبَا تَرْجِيحَهُ فَاقْتِصَارُ الرَّافِعِيِّ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي هَذَا الْمَكَانِ يُوهِمُ الْجَزْمَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ
* وَالنَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَ هُنَا حَيْثُ وَقَفَ فِي بَابِ الرِّبَا كَمَا فَعَلَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَحَكَى فِي بَابِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَجْهَيْ إلْغَاءِ الْإِجَارَةِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ وَقَالَ إنَّ أَصَحَّهُمَا اللُّزُومُ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ(10/9)
فَجَمَعَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ لَكِنْ بِعِبَارَةٍ تُوهِمُ أَنَّ الْبُطْلَانَ مَرْجُوحٌ وَهُوَ قَالَ هُنَا إنَّهُ الْمَذْهَبُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا اللُّزُومُ فَيُمْكِنُ الِاعْتِذَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّهُ الْأَصَحُّ مُطْلَقًا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ أَصَحَّ مِنْهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الرَّافِعِيَّ رضى الله عنه وَكَذَلِكَ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْفَصْلِ نَقَلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ مُرَادُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَقْدَ أَمْ تَلْغُو الْإِجَارَةُ وَأَنَّ عَدَمَ بُطْلَانِ الْعَقْدِ صَادِقٌ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَكِنْ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ بَيَّنَا ذَلِكَ صَرِيحًا فَقَالَا وَعَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّ الْعَقْدَ يَلْزَمُ بِذَلِكَ وَلَا يَبْطُلُ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَكَلَامُ سُلَيْمٍ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ أَصْرَحُ وَقَوْلُ سُلَيْمٍ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ هُوَ الْمَذْهَبُ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا رَأَيْتُهَا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فَمَنْ بَعْدَهُ وَلِأَجْلِ إجْمَالِ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي النَّقْلِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ
حَصَلَ الْتِبَاسٌ عَلَى شَيْخِنَا ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ فَجَعَلَ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ كَقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْتُهُ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَعِنْدَهُمْ احْتِمَالٌ كَمَذْهَبِنَا (وَأَمَّا) مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا تَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ (تَوْجِيهُ كُلُّ وَجْهٍ مِنْ ذَلِكَ) أَمَّا الْقَوْلُ بِإِلْغَاءِ الْإِجَارَةِ فَقَدْ اسْتَدَلَّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بان اختيار الامضاء انما يكون بعد تفصى علقة العقد وبقاء(10/10)
القبض يمنع من تفصى عَلْقِهِ فَمَنَعَ مِنْ اخْتِيَارِ إمْضَائِهِ (قَالَ) فِي الْبَحْرِ وَهَذَا حَسَنٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ اخْتِيَارَ الْإِمْضَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ صحة العقد أو سبق تفصى عَلْقِهِ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ حَاصِلٌ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَمِنْ جُمْلَةِ الْعَلَقِ الْقَبْضُ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ وَلَا تَتَوَقَّفُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَتَخْصِيصُ مَحَلِّ النِّزَاعِ دُونَ غَيْرِهِ تَحَكُّمٌ
* ثُمَّ إنَّ حَدِيثَ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْخِيَارَ يَبْقَى بَعْدَ التَّخَايُرِ كَانَ مُخَالِفًا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ بَلْ وَلِمَنْطُوقِهِ عَلَى رَأْيِي فَإِنَّ فِيهِ فَإِذَا كَانَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى التَّخَايُرِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَاقْتَضَى أَنَّ التَّخَايُرَ مُوجِبٌ لِلْعَقْدِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ فَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقَدْ وُجِدَ وَإِلْحَاقُ التَّخَايُرِ بِالتَّفَرُّقِ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ مَمْنُوعٌ وَاَلَّذِي ثَبَتَ مِنْ الشَّرْعِ مُسَاوَاةُ التَّخَايُرِ لِلتَّفَرُّقِ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ لَا مُطْلَقًا فَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِحَدِيثِ (الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ) وَدَلَالَتُهُ عَلَى وُجُوبِ الْعَقْدِ بِالتَّخَايُرِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ عُقُودِ الرِّبَا وَغَيْرِهَا (قَالَتْ) الْحَنَابِلَةُ اشْتِرَاطُ التَّقَابُضِ قَبْلَ اللُّزُومِ تَحَكُّمٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لَمْ يَبْطُلْ بِمَا إذَا تَخَايَرَا قَبْلَ الصَّرْفِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنَّ الصَّرْفَ يَقَعُ لَازِمًا صَحِيحًا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَنَحْنُ نَمْنَعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي مَذْهَبِنَا وَمَنْ أَثْبَتَ الْقَوْلَ الذَّاهِبَ إلى ذلك وأجرى ذلك فِي عُقُودِ الرِّبَا(10/11)
وَالسَّلَمِ اسْتَحَالَ الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّخَايُرَ مُبْطِلٌ (وَاعْلَمْ) أن من الاصحاب من يثبت أن ذلك قول للشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ أَعْنِي صِحَّةَ اشْتِرَاطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ تَخْرِيجُ قَوْلٍ مُوَافِقٍ لِابْنِ سُرَيْجٍ فِي مَسْأَلَتِنَا هُنَا وَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجْرِي فِي عُقُودِ الرِّبَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَحِينَئِذٍ أَقُولُ فِي تَوْجِيهِ مَا اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّ الدَّلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدًا بِيَدٍ) وَهَذَا اللَّفْظُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ يُعْطِي بِيَدٍ وَيَأْخُذُ بِأُخْرَى وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لَهُ لَكِنَّا خَرَجْنَا عَنْ ذَلِكَ لِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ لَمَّا صَرَفَ مِنْ طَلْحَةَ (لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ) فَجَعَلْنَا ذَلِكَ مَنُوطًا بِالتَّفَرُّقِ وَلَيْسَ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ لِذَاتِهِ بَلْ لِمَعْنًى يُمْكِنُ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ الْعَقْدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كِلَاهُمَا بِهَذَا اللَّفْظِ
* اقْتَضَى الْحَدِيثُ تَنْزِيلَ الْعَقْدِ الَّذِي لَمْ يَلْزَمْ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَايُرِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ وَأَنَّهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ أَوْ الْخِيَارِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِذَا وُجِدَ الْقَبْضُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ وُجِدَ فِي وَقْتٍ كَأَنَّهُ لَمْ تَتَكَامَلْ حَقِيقَةُ الْعَقْدِ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْقَبْضَ الْوَاقِعَ وَقْتَ الْعَقْدِ بِأَنْ يُعْطِيَ بِيَدٍ وَيَأْخُذَ بِأُخْرَى فَكَانَ أَقْرَبَ إلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدًا بِيَدٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ اللُّزُومِ (وَأَمَّا) اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَلَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا أَنَّ التَّقَابُضَ قَبْلَهُ مُطْلَقًا كَافٍ وَيَتَأَيَّدُ(10/12)
ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ التَّحْرِيمُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إبَاحَتِهِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا تَعَارَضَ مَا يَقْتَضِي إلْحَاقَ التَّخَايُرِ بِالتَّفَرُّقِ وَمَا يَقْتَضِي عَدَمَهُ تَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ فَكَيْفَ وَلَمْ يَحْصُلْ تَعَارُضٌ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَا عَلَى جَعْلِ التَّفَرُّقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَظِنَّةٌ بَلْ شَرْطٌ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَالْعَقْدُ بِالتَّخَايُرِ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَتَقَدُّمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَى شَرْطِهِ مُمْتَنِعٌ وَأَمَّا مَا قَبْلَ التَّخَايُرِ فَالصِّحَّةُ الْمَحْكُومُ بِهَا كَلَا صِحَّةٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَذَلِكَ اُكْتُفِيَ بِالْقَبْضِ فِيهَا وَأَيْضًا فَالتَّفَرُّقُ اُعْتُبِرَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَامُلِ الرِّضَا وَالتَّخَايُرُ الْمُصَرِّحُ بِذَلِكَ أَوْلَى (فَإِنْ قُلْتَ) التَّخَايُرُ قَبْلَ التَّقَابُضِ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ بَاطِلًا فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ اللُّزُومُ كَمَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا وَجَبَ أَنْ يَلْغُو وَيَبْقَى الْخِيَارُ بِحَالِهِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَالْحُكْمُ بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ بَعِيدٌ (قُلْت) بُطْلَانُ الْعَقْدِ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ التَّخَايُرِ بَلْ عَنْ عدم التقابض والتخاير مين لَنَا غَايَةَ الْوَقْتِ الَّذِي اُشْتُرِطَ فِيهِ التَّقَابُضُ كَالتَّفَرُّقِ فَالتَّخَايُرُ قَاطِعٌ لِلْمَجْلِسِ حَقِيقَةً لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الرِّضَا الْكَامِلِ وَإِنْ تَخَلَّفَ لُزُومُ الْعَقْدِ عَنْهُ والله أَعْلَمُ
*
(التَّفْرِيعُ) إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَتَقَابَضَا بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ لَزِمَ بِالتَّخَايُرِ وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَهَلْ يَأْثَمَانِ بِذَلِكَ؟ جَزَمَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالنَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْخِيَارِ أَنَّهُ بِاللُّزُومِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمَا التقابض وأنهما(10/13)
إنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَعْدَ اللُّزُومِ وَلَا يَعْصِيَانِ إنْ كَانَ تَفَرُّقُهُمَا عَنْ تَرَاضٍ وَإِنْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَعَصَى بِانْفِرَادِهِ بِمَا يُضْمِرُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَاسِقَاطَ الْمُسْتَحَقِّ عليه وما حزموا بِهِ مِنْ كَوْنِهِمَا لَا يَعْصِيَانِ إذَا تَفَرَّقَا عن تراض ينافي ماقاله ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّفَرُّقَ قَبْلَ التَّقَابُضِ فِي عُقُودِ الرِّبَا يَأْثَمَانِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ بَاقِيًا وَأَنَّهُ يَكُونُ جَارِيًا مَجْرَى بَيْعِ الرِّبَوِيِّ نَسِيئَةً وَكَذَلِكَ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الاملاء إذا تفرقا الْمُتَبَايِعَانِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا صَارَ رِبًا وَانْفَسَخَ فِيهِ الْبَيْعُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الام وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ مَنْ صَرَفَ مِنْهُ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ ولا يوكل به غيره إلا أن يفسخ الْبَيْعُ ثُمَّ يُوَكِّلَ هَذَا بِأَنْ يُصَارِفَهُ (وَقَالَ) النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وأراد أَنْ يَتَفَرَّقَا لَزِمَهُمَا أَنْ يَتَفَاسَخَا الْعَقْدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِئَلَّا يَأْثَمَا فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي زَمَانِ الْخِيَارِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى بِلَا شَكٍّ وَيَتَّجِهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَلِلنَّظَرِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَجَالٌ يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ الشَّارِعَ نَهَى عَنْ هَذَا الْعَقْدِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَحَكَمَ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ بِأَنَّهُ رِبًا إلَّا هَا وَهَا فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ هَذَا الشَّرْطُ حَصَلَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَحَصَلَ الرِّبَا وَالرِّبَا حَرَامٌ وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ لَفْظُ الْحُرْمَةِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ فِي عُقُودِ الرِّبَا كَقَوْلِهِمْ حَرُمَ النَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَلَيْسَ تَفَرُّقُهُمَا كَتَفَاسُخِهِمَا فَإِنَّهُمَا بِالتَّفَاسُخِ رَفَعَا الْعَقْدَ فَلَا يَلْزَمُهُمَا شُرُوطُهُ وَإِذَا لَمْ يَرْفَعَاهُ وَتَفَرَّقَا فَقَدْ خَالَفَا بِالتَّفَرُّقِ وَجَعَلَاهُ عَقْدَ رِبًا وَالْبُطْلَانِ حُكْمٌ مِنْ الشَّرْعِ عَلَيْهِمَا ويحتمل أن يقال إنه ليس المراد ههنا بِالْحُرْمَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ شُرُوطٌ فِي الصِّحَّةِ (قَالَ) السَّمَرْقَنْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِ الْمَطْلُوبِ(10/14)
فِي الْخِلَافِ إنَّ الْمَعْنِيَّ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ هُنَا وُقُوعُهُ مُقْتَضِيًا ثُبُوتَ أَحْكَامٍ مَخْصُوصَةٍ دُونَ الْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ لَا يَأْثَمَانِ وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَنَا لَا يَمْتَنِعُ يَعْنِي فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ
* فَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْإِمَامَيْنِ غَيْرُ قَائِلَيْنِ بِالْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَأَقْرَبُ إلَى أَصْلِ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) بَعْدَ اللُّزُومِ عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَرِضَاهُمَا بِالْفَسْخِ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا صُورَةُ التَّفَرُّقِ فَيَتَّجِهُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَإِنْ رَضِيَا بِهِ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِمَا يُحَقِّقُ الْعَقْدَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَالْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ مَعَ عَدَمِ التَّحْرِيمِ بَعْدَ التَّخَايُرِ مِمَّا لَا يَجْتَمِعَانِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ بَعْدَ التَّخَايُرِ إنَّمَا ذَكَرُوهُ تَفْرِيعًا عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ابْنُ سُرَيْجٍ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَجْتَمِعَ كَلَامُهُ مَعَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (قُلْتُ) الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَمْ يَنْقُلُوا التَّفْرِيعَ الْمَذْكُورَ عَنْهُ وَإِنَّمَا فَرَّعُوهُ كَسَائِرِ التَّفَارِيعِ الْمَذْهَبِيَّةِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ الْإِيرَادُ عَلَيْهِمْ وَأَيْضًا فَقَدْ قُلْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَخْرِيجُ قَوْلٍ مِثْلِ قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَإِذَا أثبتنا لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ فِيمَا إذَا تبايعا على أن لاخيار لَهُمَا (فَإِنْ قُلْتَ) إنَّهُمَا فِي زَمَانِ الْخِيَارِ مُتَمَكِّنَانِ مِنْ الْفَسْخِ فَلَهُمَا طَرِيقٌ فِي رَفْعِ الْعَقْدِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَلَا يُبَاحُ لَهُمَا التَّفَرُّقُ وَأَمَّا بَعْدَ اللُّزُومِ فَلَا طَرِيقَ لَهُمَا إلَّا التَّفَرُّقَ (قُلْتُ) بَعْدَ اللُّزُومِ لَا طَرِيقَ لَهُمَا إلَى رَفْعِ الْعَقْدِ وَارْتِفَاعُهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا كَتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا تَفَرَّقَا فَقَدْ فَعَلَا مَا لَيْسَ لَهُمَا فِعْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) جَزْمُهُمْ بِأَنَّهُ إذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا يَعْصِي لِقَطْعِهِ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَعَلَى قَاعِدَتِهِمْ وَقَوْلِهِمْ أَنَّهُمَا إذَا تَفَرَّقَا رَاضِيَيْنِ لَا يَعْصِيَانِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَفْسِهِ أَوْ خَاصِّ مِلْكِهِ تَصَرُّفًا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ في نفسه(10/15)
مُبَاحًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْجِزُ نَفْسَهُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ السَّيِّدِ عَنْهُ وَالزَّوْجُ يُطَلِّقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَرْأَةِ فِي نصف الصَّدَاقِ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَقْصُودًا لِلشَّرْعِ فَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يُفَارِقَهُ لِاسْتِلْزَامِهِ تَفْوِيتَ التَّقَابُضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ شَرْعًا تَحَرُّزًا عَنْ الرِّبَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَإِنْ فَرَّعْنَاهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَالْخِيَارُ بَاقٍ بِحَالِهِ فَإِنْ تَقَابَضَا بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ الْعَقْدُ وَاسْتَقَرَّ وَكَانَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يتفرقا أو يتخايرا كذلك صرح الماردى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لااشكال فِي التَّفْرِيعِ فَإِنَّ التَّخَايُرَ مُلْحَقٌ بِالتَّفَرُّقِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَأْثَمَا بِهِ كَمَا يَأْثَمَانِ بِالتَّفَرُّقِ وَالتَّخَايُرُ الْمُبْطِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا مَعًا لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ خِيَارُهُمَا كالتفرق إذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى التَّفَرُّقِ حَتَّى يَبْطُلَ بِهِ فَإِنَّ مَجْلِسَ الْعَقْدِ بَاقٍ فَإِنْ أَجَازَ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ التقابض لاإثم كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْحُكْمِ بِإِثْمِ السَّابِقِ بِالْإِجَازَةِ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ نَظَرٌ وَهَذَا الَّذِي قُلْتُهُ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ تَفَقُّهٌ لَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْهُ مَنْقُولًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا تَفْرِيعًا عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ كَذَلِكَ صرح به الْوَسِيطِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْبَسِيطِ وَإِنْ هَرَبَ أَحَدُهُمَا وَهِيَ أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُودِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ أَمَّا لَوْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا بِرِضَى الآخر فان حكمه مالو تَفَرَّقَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ فِي عُقُودِ الرِّبَا وَالصَّرْفِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ ويبطلان الْعَقْدِ بِذَلِكَ أَوْ لُزُومِهِ أَوْ إلْغَاءِ الْإِجَارَةِ وَتَفَارِيعُ ذَلِكَ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي السَّلَمِ لَوْ أجرت الْإِجَارَةَ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَتَكَلَّمَ فِيهِمَا وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ مَالَ وَلَدِهِ مِنْ نَفْسِهِ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ في المجلس وفارق مجلسه ذاك وَلَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ إذَا فَارَقَ الْمَجْلِسَ يَلْزَمُ(10/16)
العقد وقبل لَا يَلْزَمُ إلَّا بِاخْتِيَارِ اللُّزُومِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا فَعَلَى هَذَا فِي الصَّرْفِ يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ بِاخْتِيَارِ اللُّزُومِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَلَنَا وَجْهٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ مَجْلِسٍ أَصْلًا وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَكُونُ الْمُعْتَبَرُ مَجْلِسُ الْعَقْدِ فَإِذَا فَارَقَهُ بَطَلَ قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فُرُوعٌ) حَيْثُ اشترطنا التَّقَابُضَ فَسَوَاءٌ تَرَكَهُ نَاسِيًا أَمْ عَامِدًا فِي فَسَادِ الْبَيْعِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَسَوَاءٌ عَلِمَا فَسَادَ الْعَقْدِ بِتَأَخُّرِ الْقَبْضِ أَمْ جَهِلَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا أَوْ كُرْهًا نَقَلَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ الْإِيضَاحِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الِاسْتِقْصَاءِ
* وَلَعَلَّكَ أَنْ تَقُولَ قَدْ حَكَوْا خِلَافًا فِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَاهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ فَجَعَلُوا الْإِكْرَاهَ هُنَاكَ عذارا فَهَلْ كَانَ هَاهُنَا عُذْرًا وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ الدَّالِّ عَلَى بَقَاءِ المجلس والشرط أن يتقابضا في المجلس لاغير وأن يكون ذلك التفرق كلاتفرق (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ فِي ذَلِكَ كَالْعَمْدِ وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ كَالِاخْتِيَارِ (قُلْتُ) النِّسْيَانُ لَهُ صُورَتَانِ أَنْ يَنْسَى الْعَقْدَ وَيُفَارِقَ الْمَجْلِسَ ثُمَّ يَتَذَكَّرَ وَفِي هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ الله لاشك أَنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَقْرِيبِ ذلك من الحنث في اليمين فان الحلف جعل اليمين وازعة واليمين المنسية لاتزع وَالنَّاسِي إذَا فَارَقَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ فِي حُكْمِ مُضَيِّعِ حَقِّ نَفْسِهِ بِالنِّسْيَانِ وَقَصَدَ بِهَذَا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُكْرَهِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ إذَا حُمِلَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهَا لَا تُرَدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ تَعَلَّقَ بِالتَّفَرُّقِ وَالْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ اعْتِبَارَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فَصَارَ وُجُودُ التَّفَرُّقِ كَعَدَمِهِ وَالنِّسْيَانُ(10/17)
الْمَذْكُورُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالتَّفَرُّقِ بَلْ التَّفَرُّقُ مَقْصُودٌ وَالنِّسْيَانُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْدِ فَلَا جُرْمَ رُتِّبَ عَلَى التَّفَرُّقِ الْمَقْصُودِ اخْتِيَارُ أَثَرِهِ (وَأَمَّا) الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ النِّسْيَانِ فَهِيَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ التَّفَرُّقُ غَيْرَ قَاصِدٍ لَهُ بَلْ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ وَإِنْ كَانَ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا نِسْيَانًا نَظَرٌ فَهَذَا إذَا وَقَعَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْإِكْرَاهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ فِي النَّاسِي إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ بِالْمُفَارِقَةِ نَاسِيًا لِأَنَّهُ لَا يَعْدَمُ سِوَى الْقَصْدِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْقَصْدِ إذْ هُوَ غَيْرُ شَرْطٍ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لَمْ يَرْضَ بِإِسْقَاطِهِ فَكَيْفَ يُسْقِطُهُ وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى التَّفَرُّقِ وَتَرْكِ التَّخَايُرِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْجَاهِلِ آلَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْقَصْدَ فِي التفرق هل يشترط أم لافمن لَمْ يَشْتَرِطْهُ اكْتَفَى بِصُورَةِ التَّفَرُّقِ وَمَنْ اشْتَرَطَهُ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْجُنُونُ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْهُ الْخِيَارُ إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ كلميت (قُلْتُ) فَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ وَعَلَيْهِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الَّتِي نَقَلَهَا عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَتَقَوَّى فيه حينئذ ماقاله صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَمَتَى حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ صَاحِبُ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَمَتَى ثَبَتَ أَنَّ التَّفَرُّقَ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ لَا يَقْطَعُ الْخِيَارَ يَجِبُ أَنْ لَا يَبْطُلَ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْفَرْعُ الثَّانِي الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يَدْفَعُ ثُبُوتَهُ وَقَوْلُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ نَظَرٌ إنْ حُمِلَ عَلَى الْجَهْلِ بِالْحُكْمِ يَتَعَيَّنُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْجَهْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ سُمِّيَ تَفَرُّقًا اتَّجَهَ أَنْ يَبْقَى خِيَارُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
*(10/18)
(فروع) نص عليها الشافعي رحمه الله تعالى فِي الْأُمِّ
* قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ اشْتَرَى فِضَّةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَنِصْفٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ سِتَّةً وَقَالَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ بِاَلَّذِي عِنْدِي وَنِصْفٌ وَدِيعَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بَأْسَ إذَا صرف منه وتقابضا ان يذهبا فيزنا الدارهم وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَذْهَبَ هُوَ عَلَى الِانْفِرَادِ فَيَزِنَهَا وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَرَفَ الْوَزْنَ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ وَتَقَابَضَا عَلَى ذَلِكَ وَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِيهِ بَحْثٌ سَأَذْكُرُهُ فِي بَابِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصْرِفَ الرَّجُلُ مِنْ الصَّرَّافِ دَرَاهِمَ فَإِذَا قَبَضَهَا وَتَفَرَّقَا أَوْدَعَهُ إيَّاهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَ بَعْدَ الصَّرْفِ وَيَدْفَعَ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَوْ يَأْمُرَ الصَّرَّافَ أَنْ يَدْفَعَ بَاقِيَهُ إلَى غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَقَامِهِمَا حَتَّى يَقْبِضَا جَمِيعَ مَا بَيْنَهُمَا مِثَالُهُ أَنْ يَصْرِفَ دِينَارًا بِعِشْرِينَ مِنْهُ عَشَرَةٌ ثُمَّ عَشَرَةٌ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَلْزَمُ دَفْعُ جَمِيعِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا تَفَرَّقْنَا عَنْ قَبْضٍ وَقَالَ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ وَيَكُونُ الصَّرْفُ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ (فَإِنْ قيل) اليس لو اختلفنا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فِي الْإِمْضَاءِ وَالْفَسْخِ كَانَ الْقَوْلُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الْإِمْضَاءَ والبيع لازم فهلا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْقَبْضِ مِثْلَهُ (قِيلَ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى الْفَسْخَ يُنَافِي بِدَعْوَاهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ اللُّزُومُ وَالصِّحَّةُ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الْفَسْخِ فَكَانَ الظَّاهِرُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ مِنْ ادَّعَى الْإِمْضَاءَ وَلَيْسَ(10/19)
كَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى الْقَبْضَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ عَلَى أَنَّ أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسْخِ (قُلْتُ) قَوْلُهُ إنَّ أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسْخِ وَافَقَهُ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ لِلْفَسْخِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَأَمَّا) مَا جَزَمَ بِهِ بأن القول قَوْلُ مُنْكَرِ الْقَبْضِ فَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ ابْنُ عَصْرُونٍ وَنَقَلَ فَقَالَ إنْ كَانَ مَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي عَدَمَ حُصُولِ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْحَالَ يَشْهَدُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَالَانِ فِي يَدِ أَمِينٍ لَا يَعْلَمُ الْحَالَ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي حُصُولَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَوُجُودُ مَا يَقْتَضِيهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الِانْتِصَارِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مِنْ الْمُرْشِدِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي حُصُولَ الْقَبْضِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ كَذَلِكَ فَجَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ مِنْ يَدَّعِي حُصُولَ الْقَبْضِ فِي الْقِسْمَيْنِ وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى غَلَطٍ مِنْ النُّسْخَةِ سَقَطَ مِنْهَا عَدَمُ مِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتُهَا وَمِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَيْسَ فِي الْمُرْشِدِ تَعْلِيلٌ يُرْشِدُ إلَى الْمَعْنَى فَلِذَلِكَ وَقَعَ الْوَهْمُ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَهَذِهِ مِنْ آفَةِ الْكُتُبِ الْمُخْتَصَرَةِ (وَأَمَّا) الِانْتِصَارُ فَوَقَعَ الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى الصَّوَابِ وَتَعْلِيلُهُ يُرْشِدُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ ماقاله الْمَاوَرْدِيُّ أَقْوَى مِمَّا قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ لَكِنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ صَاحِبِ الْمُرْشِدِ عَلَى مَا وَجَدَهُ قَالَ وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي السَّلَمِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ قَالَ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ وَطَرَدَهُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ وَادَّعَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ أَوْ غَصَبَهُ (قَاعِدَةٌ) الْأَصْلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ بِجِنْسِهَا أَوْ مَا يُشَارِكُهَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا التَّحْرِيمُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إبَاحَتِهِ وَهَذَا الْأَصْلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ(10/20)
إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ) لَفْظُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَدِيثِ ابن سَعِيدٍ وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فقد اربا) لَفْظُ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَمِنْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عُمَرُ رضى الله عنه (الذهب بالورق ربا الاها وَهَا) الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ (الذهب بالورق) ولفظ ملسم الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ وَمَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) لَفْظُ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ
* وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ صَدَّرَهُ بِالنَّهْيِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رضى الله عنه صدر بِالْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ بِالرِّبَا ثُمَّ اسْتَثْنَى وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَهُوَ بَقِيَّةُ حَدِيثِ عُبَادَةَ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ وَالْمَشْرُوطُ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ شَرِيفَةٌ نَافِعَةٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الرِّبَا كَمَسْأَلَةِ بَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَفِي مَظَانِّ الِاشْتِبَاهِ وَتَعَارُضِ الْمَأْخَذِ إذَا تَسَاوَتْ يَجِبُ الْحُكْمُ بِالتَّحْرِيمِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ بِأَنَّ الْأَصْلَ ذَلِكَ وَيُخَالِفُنَا فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْجَوَازُ لِانْدِرَاجِهِ فِي جُمْلَةِ الْبَيْعِ وَيَجْعَلُونَ عُقُودَ الرِّبَا وَسَائِرَ مَا نَهَى عَنْهُ مُخْرَجًا مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَيُؤَوَّلُ تَحْقِيقُ بِحَثِّهِمْ إلَى أَنَّ عَقْدَ الرِّبَا اشْتَمَلَ عَلَى وَصْفٍ مُفْسِدٍ فَهُوَ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ الَّتِي اقْتَرَنَ بِهَا مَا يُفْسِدُهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِنَقْلِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ عِنْدَ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخِلَافِيِّينَ الشَّرِيفُ الْمَرَاغِيّ وَأَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُمْ قَالُوا وَاللَّفْظُ الْمُرَاعَى الْأَصْلُ عِنْدَنَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ التَّحْرِيمُ وَالْجَوَازُ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِهِ رُخْصَةً مُقَيَّدَةً بِشُرُوطٍ وَعِنْدَهُمْ الْأَصْلُ الْجَوَازُ وَالتَّحْرِيمُ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِهِ عِنْدَ الْمُفَاضَلَةِ
* وَنَقَلَ ابْنُ العزبى الْمَالِكِيُّ عَنْ أَبِي الْمُطَهَّرِ خَطِيبِ أَصْفَهَانَ قَالَ قال لنا(10/21)
الْمُنْذِرِيُّ الْأَصْلُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ حَظْرُ الْبَيْعِ حَتَّى يَتَّجِهَ تَحْقِيقُ التَّمَاثُلِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَصْلُ إبَاحَةُ الْبَيْعِ حَتَّى يَمْنَعَهُ حَقِيقَةُ التَّفَاضُلِ وَمَا قُلْنَاهُ أَصَحُّ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْأَصْلِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ الطُّرْطُوشِيُّ وَابْنُهُ فِي كَلَامِهِ
* وَقَدْ رَأَيْتُ مَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْحَنَفِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ وَتَحْقِيقُهُ عِنْدَهُمْ مَا قَدَّمْتُهُ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ يَظْهَرُ نَفْعُهَا فِي مَوَاضِعَ سَأُنَبِّهُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِهَا (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ تَسْتَقِيمُ دَعْوَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَلَامِهِ فِي مَعْنَى قَوْله تعالى (وأحل الله البيع) وَأَنَّ أَظْهَرَ مَعَانِيهَا عِنْدَهُ أَنَّهَا عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ وَتَقْتَضِي إبَاحَةَ جَمِيعِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ ذِكْرُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَصَحُّهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ وَعَقْدُ الرِّبَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْبُيُوعِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ فِيهِ الْجَوَازَ كَمَا تَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ
وَمَا خَرَجَ مِنْهَا بِالتَّخْصِيصِ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ (قُلْتُ) مُسَلَّمٌ أَنَّ الْآيَةَ شَمِلَتْ دَلَالَتُهَا كُلَّ بَيْعٍ وَأُخْرِجَ مِنْهَا عُقُودُ الرِّبَا بِقَوْلِهِ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ) الْحَدِيثُ وَنَظَائِرُهُ وَبِقَوْلِهِ تعالى (وحرم الربا) إنْ صَحَّ الِاسْتِدْلَال مِنْهُ لِمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَصَارَ هَذَا أَصْلًا ثَابِتًا أَخَصَّ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالرِّبَوِيَّاتِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْأَصْلِ أَحْوَالٌ وهو ما إذا حصلت الْمُسَاوَاةُ وَالْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ خَاصَّةً فِي الْجِنْسَيْنِ فَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَظَرَ إلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ إبَاحَةُ الْبُيُوعِ وَجَعَلَ صُورَةَ الْمُفَاضَلَةِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ مُخْرَجَةً مِنْهُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَظَرَ إلَى الْأَصْلِ الثَّانِي الْقَرِيبِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ كُلِّهَا ثُمَّ جَعَلَ حَالَةَ التَّمَاثُلِ مُخْرَجَةً مِنْهُ وَالْحَنَفِيَّةُ يُنَازِعُونَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْأَصْلِ الثَّانِي وَيَقُولُونَ إن قوله لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ فِي مَعْنًى وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ بِأَنَّ أَصْلَ الْبُيُوعِ كُلِّهَا مُبَاحٌ إلَّا مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(10/22)
وَسَلَّمَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كُلُّ ذَلِكَ وَاحِدٌ ثُمَّ تَارَةً يَجْعَلُونَ الْمَقْصُودَ فَسَادَ الْبَيْعِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ قَالَ هَؤُلَاءِ لان الكلام المقيد بالاستثناء يصير عبارة عن ما وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى وَكُلُّهُمْ يَحُومُونَ عَلَى جَعْلِ الْمَعْنَى كَلَامًا وَاحِدًا وَلِذَلِكَ يَبْنُونَ كَلَامَهُمْ فِي بَابِ الرِّبَا عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ استزاد فقد أربا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَأْتِ فِي هَذَا اللَّفْظِ صِيغَةُ نَهْيٍ وَاسْتِثْنَاءٍ فَكَانَ الْمَعْنَى الْحُكْمَ بِإِيجَابِ الْمُمَاثَلَةِ قَالُوا وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ بِدُونِ مَحِلِّهِ وَمَحِلُّهُ الْمُمَاثَلَةُ وَهُوَ الْقَابِلُ لَهَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْكَيْلِ إجْمَاعًا
* وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ كُلًّا مِنْ خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ وَخَبَرِ عُبَادَةَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْإِثْبَاتِ فَقَطْ وَوَرَدَ بِلَفْظِ النَّهْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَأَلْفَاظُهُمَا بِذَلِكَ كُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا وَاللَّفْظُ الَّذِي فِيهِ نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِيهِ إثْبَاتٌ فَقَطْ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَدَعْوَاهُمْ أَنَّ النَّهْيَ وَالِاسْتِثْنَاءَ فِي مَعْنَى كَلَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ النَّهْيُ عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى فَقَطْ وَإِيجَابُ الْمُسْتَثْنَى فَقَطْ ممنوعة ولا دليل عليها وفيها تَعْطِيلٌ لِبَعْضِ مَدْلُولِ الْكَلَامِ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهَا فَمَنْ أَتْقَنَهَا وَأَتْقَنَ تَحْقِيقَ الْعِلَّةِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ
* وَهَلْ الْجِنْسُ وَصْفٌ فِي الْعِلَّةِ أَوْ شَرْطٌ
فِيهَا أَوْ مَحَلٌّ لَهَا وَحَقَّقَ النَّظَرَ فِي الْأَجْنَاسِ فَقَدْ أَحَاطَ عِلْمًا بِجَمِيعِ أُصُولِ هَذَا الْبَابِ وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَمْعَنْت الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَلَكِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِيمَا ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ وَسَوْفَ أَعُودُ إلَيْهَا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي اعْتِبَارِ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَأُنَبِّهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ الْآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَرْتُ اليهما ان شاء الله تعالى في محلها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ(10/23)
وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَلِلشَّافِعِيِّ أَقْوَالٌ أُخَرُ تقدم نقلها في هذا الْمَجْمُوعِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ آخَرُ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ لَمْ تَتَقَدَّمْ حِكَايَتُهُ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُنَبِّهَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْآيَةِ مِنْ قَبِيلِ الْعُمُومِ الَّذِي لَا خُصُوصَ فِيهِ وَلَا يَدْخُلُهُ الْخُصُوصُ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ إلَّا وَهُوَ حَلَالٌ وهؤلاء يمنعون تسمية شئ مِنْ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ بَيْعًا وَيَقُولُونَ إنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الِاسْمِ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ إلَّا مَجَازًا حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ فَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى لِلْحَنَفِيَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا يَدَّعُونَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) أُخْرَى تَقَدَّمَ فِي كَلَامِي تَوَقُّفٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَحَرَّمَ الرِّبَا) عَلَى تَخْصِيصِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا في مدلول الربا فقال أبو دَاوُد الظَّاهِرِيُّ حَقِيقَةُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ الزِّيَادَةُ فِي نفس الشئ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهتزت وربت) وَالْأَرْضُ إنَّمَا تَرْبُو فِي نَفْسِهَا لَا فِيمَا يُقَابِلُهَا وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْمُقَابِلِ إلَّا مَجَازًا وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ حَتَّى يَسُدَّ بَابَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَبِيهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى (وحرم الربا) وانه يشمل الربا فيما عَدَا الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ إنَّهُ وَإِنْ وُضِعَ لِلزِّيَادَةِ فِي نَفْسِ الشئ فانه يطلق على الزيادة فيما يُقَابِلُهُ عُرْفًا وَيَكُونُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ فِي الشَّرْعِ كَالصَّلَاةِ وَمَالَ آخَرُونَ إلَى انْطِلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ انْطِلَاقًا مُتَسَاوِيًا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ بَيْعٍ مُحَرَّمٍ وَأُضِيفَ هَذَا الْمَذْهَبُ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَأَجْلِ قَوْلِهَا لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا (خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَشَارَتْ إلَى أَنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ لَمَّا كَانَ مُحَرَّمًا كَانَ رِبًا
* وَأُضِيفَ أَيْضًا إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ إنَّ مِنْ الرِّبَا بَيْعَ التَّمْرِ وَهِيَ مُعْصِفَةٌ قَبْلَ أَنْ تَطِيبَ وَيَحْتَجُّونَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الرِّبَا عَلَى النَّسِيئَةِ فِي الذَّهَبِ
بِالْفِضَّةِ لِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةً وَإِنْ كَانَ التَّفَاضُلُ جَائِزًا حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الله الماذرى الْمَالِكِيُّ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ دَاوُد لَا يَكُونُ الرِّبَا دَاخِلًا فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ أَلْبَتَّةَ حَتَّى يختص به بل يكون(10/24)
واردا في رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي فَإِنْ قَضَاهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ وَزَادَهُ الْآخَرُ فِي الْأَجَلِ
* وَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الرِّبَا لِلْعَهْدِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَقْوِيَةِ ذَلِكَ أَوْ تَوْهِينِهِ وَلَكِنْ غَرَضِي أَنَّ تَخْصِيصَ قَوْلِهِ (وَأَحَلَّ اللَّهُ البيع) بِهَا لَا يَسْلَمُ مِنْ نِزَاعٍ بِخِلَافِ تَخْصِيصِهِ بِالنَّسِيئَةِ وَهَكَذَا فَعَلَ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْأُمِّ أَصْلُ الْبُيُوعِ كُلِّهَا مُبَاحٌ إذَا كَانَتْ بِرِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ الْجَائِزَيْ الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَا إلَّا مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرَّمٌ بِإِذْنِهِ دَاخِلٌ فِي الْمَعْنَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمَا فَارَقَ ذَلِكَ أَبَحْنَاهُ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ إبَاحَةِ الْبَيْعِ فِي كتاب الله تعالى اه فَجَعَلَ الْمُخَصِّصَ هُوَ السُّنَّةُ فَحَسْبُ
* وَمِمَّنْ مَالَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّبَا كُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ أبو بكر بن المغربي الْمَالِكِيُّ وَقَالَ إنَّ الْآيَتَيْنِ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) اقْتَضَيَا كِتَابَ الْبُيُوعِ كُلَّهُ عَلَى الشُّمُولِ دُونَ التَّفْصِيلِ وَفَصَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِتَّةٍ وَخَمْسِينَ حَدِيثًا
* وَقَالَ الرُّويَانِيُّ قِيلَ الرِّبَا فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمُقَابَلَةِ عِوَضٍ بِعِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ تَأَخَّرَ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا (قُلْتُ) وَهَذَا حَسَنٌ فِي تَعْرِيفِهِ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَمْ مَجَازًا
*
(فَصْلٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ إلَى هَذَا الْمَكَانِ
* اقْتَضَى قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الرِّبَوِيَّ بِجِنْسِهِ حَرُمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَإِذَا بَاعَهُ بِمَا يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ حَرُمَ النَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ فَقَطْ وَأَنَّ الشَّعِيرَ وَالْحِنْطَةَ جِنْسَانِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَحْكَامٍ (مِنْهَا)(10/25)
مَا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسَأُبَيِّنُ ذَلِكَ وَاحِدًا وَاحِدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْحُكْمُ الْأَوَّلُ) تَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا إذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدًا أو صاع قمح بصاعين أو دينارا بِدِينَارَيْنِ وَيُسَمَّى رَبَا الْفَضْلِ لِفَضْلِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَرِبَا النَّقْدِ فِي مُقَابَلَةِ رِبَا النَّسِيئَةِ وَإِطْلَاقُ التَّفَاضُلِ عَلَى الْفَضْلِ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وَقَدْ أَطْبَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ النَّسَاءِ وَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ نَقْدًا فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إبَاحَتُهُ وَكَذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ رُجُوعِهِ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ عن معاوية شئ مُحْتَمَلٌ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (فَأَمَّا) التَّابِعُونَ فَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَفُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَقْتَضِي رُجُوعَهُ عَنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وأنتدب جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِتَبْيِينِ رُجُوعِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَالتَّشَوُّفِ إلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى التَّحْرِيمِ
* وَهَا أَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أُبَيِّنُ مَا رُوِيَ مِنْ الْآثَارِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ ثُمَّ مَا رُوِيَ مِنْ رُجُوعِ مَنْ رَجَعَ عَنْهُ ثُمَّ أَذْكُرُ كَلَامَ مَنْ تَشَوَّفَ لِجَعْلِ الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعِيَّةً ثُمَّ أُبَيِّنُ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ فهذه أربعة فصول (الْأَوَّلُ) مَا رُوِيَ مِنْ الْآثَارِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ
* رَوَيْنَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ(10/26)
يَقُولُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ فَقُلْتُ لَهُ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُهُ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ كُلُّ ذَلِكَ لَا أَقُولُ وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا رِبًا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ فِيمَا رَوَيْنَاهُ عَنْهُ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ
* وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَدَالٍ سَاكِنَةٍ وَرَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ - قَالَ (سَمِعْتُ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ وَابْنَ عَبَّاسٍ يُفْتِي الدِّينَارُ بِالدِّينَارَيْنِ فَقَالَ لَهُ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ وَأَغْلَظَ لَهُ قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَعْرِفُ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِي مِثْلَ هَذَا يَا أَبَا أُسَيْدٍ فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَصَاعُ حِنْطَةٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعُ شَعِيرٍ بِصَاعِ شَعِيرٍ وَصَاعُ مِلْحٍ بِصَاعِ مِلْحٍ لا فضل بينهما في شئ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا هَذَا
شئ كنت أقوله برأيى ولم أسمع فيه بشئ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي سَنَدِهِ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ الزُّبَيْرِيَّ قَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ شيخ قرشي من أهل المدينة
* أبو أُسَيْدٍ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - وَرَوَيْنَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَالَ (هُوَ حَلَالٌ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ قَالَ أَبُو صَالِحٍ فَسَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَالْتَقَيَا وَأَنَا مَعَهُمَا فَابْتَدَأَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقَالَ(10/27)
يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا هَذِهِ الْفُتْيَا الَّتِي تُفْتِي بِهَا النَّاسَ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَأْمُرُهُمْ أَنْ يَشْتَرُوهُ بِنُقْصَانٍ أَوْ زِيَادَةٍ يَدًا بِيَدٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا أَنَا بِأَقْدَمِكُمْ صُحْبَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم وهذا زيد ابن أَرْقَمَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَقُولَانِ سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
* وَرَوَيْنَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ - بِالنُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ - قَالَ (سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن الصرف فقال يدا بِيَدٍ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ فَأَخْبَرْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقُلْتُ إنِّي سَأَلْتُ ابْنَ عباس عن الصرف فقال يدا بِيَدٍ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ أَوْ قَالَ ذَلِكَ إنَّا سَنَكْتُبُ إلَيْهِ فلا يفتيكموه قال والله لَقَدْ جَاءَ بَعْضُ فِتْيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم بتمر فأنكره قال كَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَمْرِ أَرْضِنَا قَالَ كَانَ فِي تَمْرِ أَرْضِنَا أَوْ فِي تَمْرِنَا العام بعض الشئ فَأَخَذْتُ هَذَا وَزِدْتُ بَعْضَ الزِّيَادَةِ فَقَالَ أَضْعَفْت أَرْبَيْتَ لَا تَقْرَبْنَ هَذَا إذَا رَابَكَ مِنْ تمرك شئ فَبِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ الَّذِي تُرِيدُ مِنْ التَّمْرِ) وَقَدْ رُوِيَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جِهَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ أَبُو الْجَوْزَاءِ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ وَزِيَادَتُنَا ذِكْرُ رِوَايَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ رُجُوعِهِ عَنْ ذَلِكَ (أَمَّا) عبد الله ابن عُمَرَ فَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ قَالَ (سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا فَإِنِّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمَا فَقَالَ لَا أُحَدِّثُكَ إلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ صَاحِبُ نَخْلَةٍ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ طَيِّبٍ وَكَانَ تَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا اللَّوْنَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّى لَكَ هَذَا قَالَ انْطَلَقْتُ بصاعين فاشتريت به هذا(10/28)
الصَّاعَ فَإِنَّ سِعْرَ هَذَا فِي السُّوقِ كَذَا وَسِعْرَ هَذَا كَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلَكَ أَرْبَيْتَ إذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَبِعْ تَمْرَكَ بِسِلْعَةٍ ثُمَّ اشْتَرِ بِسِلْعَتِكَ أَيَّ تَمْرٍ شِئْتَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ رِبًا أَمْ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ قَالَ فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ بَعْدُ فَنَهَانِي وَلَمْ آتِ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فَحَدَّثَنِي أَبُو الصهباء انى سألت ابن عباس رضى الله عنهما بِمَكَّةَ فَكَرِهَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَتِنَا فِيهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ الْقِيَاسَ فِي إشَارَتِهِ إلَى أَنَّ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ أَحَقُّ بِالرِّبَا مِنْ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَأَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ مُعَلَّلٌ وَالْمُرَادُ بِالصَّرْفِ الَّذِي سُئِلَ عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ صَرْفُ النَّقْدِ بِجِنْسِهِ مَعَ عَدَمِ رِعَايَةِ التَّمَاثُلِ كَذَلِكَ حَمَلَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلُوا ابْنَ عُمَرَ مِمَّنْ خَالَفَ ثُمَّ رَجَعَ وَسِيَاقُ الرِّوَايَةِ يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الصَّرْفِ الْجَائِزِ ويكون نهيه بعد ذلك تبينا لِمُرَادِهِ بِالْإِطْلَاقِ أَوَّلًا لَا رُجُوعًا لَكِنَّ السِّيَاقَ وَفَهْمَ أَبِي نَضْرَةَ عَنْهُ يَأْبَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَوَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَا بَأْسَ بِالدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ نَقَلْتُهُ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَبَرَةٍ مِنْ الْأُمِّ قَالَ فِيهَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَاصَرَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ فقال عن الشافعي فيما بلغه عن ابن مُعَاوِيَةَ وَقَدْ رَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فأياما كَانَ فَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَفْظُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ (لَا رِبًا فِيمَا كَانَ(10/29)
يَدًا بِيَدٍ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابَيْهِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَنِ مَعَ رِوَايَتِهِ لِلَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ بِلَفْظٍ آخَرَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الرُّجُوعِ عَنْ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ هُنَا لِلِاسْتِغْنَاءِ بِمَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يُحَقَّقْ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ شئ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ وَجَرَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ قِصَّةٌ مَعَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَشْهُورَةٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَعَلَّهَا جَرَتْ مَعَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَمَّا قِصَّةُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن بشار أن معاوية ابن أَبِي سُفْيَانَ بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا
فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن مثال هَذَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ مَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَكَتَبَ عمر بن الخطاب إلى معاوية الا يَبِيعَ ذَلِكَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ) لَفْظُ الْمُوَطَّأِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ إلَى آخِرِ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَالسِّقَايَةُ الْإِنَاءُ يُسْقَى بِهِ وَالسِّقَايَةُ مَوْضِعُ السَّقْيِ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ
* وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قِصَّةَ عُبَادَةَ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ وَاللَّفْظُ لمسلم وهذا لفظ رواية رِوَايَتِنَا فِي صَحِيحِهِ (قَالَ غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَالَ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بالذهب(10/30)
والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربا فرد الناس مَا أَخَذُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ وَقَالَ لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ أَوْ قَالَ وَإِنْ رَغَمَ مَا أُبَالِي أَلَّا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا) وَفِيهِ (عِنْدَهُمَا فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) وَفِي آخِرِهِ عِنْدَهُمَا (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا) وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ (وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا) وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ مُعَاوِيَةَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كان لا يرى الربا في البيع الْعَيْنِ بِالتِّبْرِ وَلَا بِالْمَصُوغِ وَكَانَ يُخَيِّرُ فِي ذَلِكَ التَّفَاضُلِ وَيَذْهَبُ إلَى أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُونُ فِي التَّفَاضُلِ إلَّا فِي التِّبْرِ بِالتِّبْرِ وَفِي الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ وَفِي الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ كَذَلِكَ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فَلَيْسَ مُوَافِقًا لابن عَبَّاسٍ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الشُّذُوذِ الَّذِي لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا أُسَامَةُ) فَلَا أَعْلَمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شيئا(10/31)
الا روايته عن النبي صلى الله وَسَلَّمَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي نِسْبَةِ هَذَا الْقَوْلِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّوَايَةِ الْقَوْلُ بِمُقْتَضَى ظَاهِرِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا عِنْدَهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ كَالْمَاوَرْدِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيِّ صَاحِبِ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ نَقَلُوهُ عَنْهُ وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عازب وزيد ابن أَرْقَمَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَوَافَقَهُمْ الشَّيْخُ أبو حامد الاسفراينى عَلَى هَذَا النَّقْلِ فِيمَا عَدَا الْبَرَاءَ وَوَافَقَهُمْ الْخَطَّابِيُّ فِي أُسَامَةَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مُسْنَدٌ غير ذلك فالله اعلم (ام االبراء) وزيد بن ارقم فكذلك لااعلم النقل عنهما صريحا في ذلك الا ماروينا عن المنهال بشار بْنِ سَلَامَةَ (بَاعَ شَرِيكٌ لِي بِالْكُوفَةِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ فَقُلْتُ مَا أَرَى هَذَا يَصْلُحُ فَقَالَ لَقَدْ بِعْتُهَا فِي السُّوقِ فَمَا عَابَ عَلَيَّ ذَلِكَ أَحَدٌ فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَتِجَارَتُنَا هَكَذَا فَقَالَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ وَمَا كَانَ نسيا فلا خير فيه ورأيت زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْظَمَ تِجَارَةً مِنِّي فَأَتَيْتُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ صَدَقَ الْبَرَاءُ) إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَهُ عِلَّةٌ (وَقِيلَ) إنَّهُ مَنْسُوخٌ وَسَأَبْسُطُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ دَلِيلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَالْجَوَابِ عَنْهُ (وَأَمَّا) عَبْدُ اللَّهِ بن الزبير فلم(10/32)
أقف على اسناد إلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ حَكَوْهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَهَذَا مَا بَلَغَنِي عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِمَّنْ نُسِبَ إلَيْهِ الْقَوْلُ بِذَلِكَ
* (وَأَمَّا) التَّابِعُونَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ (كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرَى فِي دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ وَلَا فِي دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ بَأْسًا وَيَرَاهُ فِي النَّسِيئَةِ) وَكَذَلِكَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَكَانَ يَرْوِي مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَأْيًا مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ يَحْفَظُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا قَوْلُ الْمَكِّيِّينَ
* هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ وَجَاءَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ (سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ يَا بُنَيَّ إنْ وَجَدْتَ مائة درهم بدرهم نَقْدًا فَخُذْهُ) وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يُجْرُونَ التَّفَاضُلَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ أَخَذُوا
ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (الْفَصْلُ الثَّانِي) فِيمَا نُقِلَ مِنْ رُجُوعِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ (أَمَّا) ابْنُ عباس فقد اختلف في رجوعه ذكر مَنْ قَالَ إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي الصَّهْبَاءِ الثَّابِتُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهُ فَكَرِهَهُ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا مُنَاظَرَةُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي أُسَيْدٍ لَهُ فِي قَوْلِهِ بِإِبَاحَتِهِ
* وَعَنْ حَيَّانَ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ - ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - بِالتَّصْغِيرِ - الْعَدَوِيِّ قَالَ (سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ مَا كَانَ مِنْهُ عَيْنًا يَعْنِي يَدًا بِيَدٍ وَكَانَ يَقُولُ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَلَقِيَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ إلَى مَتَى تُؤَكِّلُ النَّاسَ الرِّبَا أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدَ زَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ إنِّي لَأَشْتَهِي تَمْرَ عَجْوَةٍ فَبَعَثَتْ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَجَاءَتْ بَدَلَ صَاعَيْنِ صَاعًا مِنْ تَمْرِ عَجْوَةٍ فَقَامَتْ(10/33)
فقدمته إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ أَعْجَبَهُ فَتَنَاوَلَ تَمْرَةً ثُمَّ أَمْسَكَ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بَعَثْتُ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَتَى بَدَلَ صَاعَيْنِ هَذَا الصَّاعُ الْوَاحِدُ وَهَا هُوَ كُلْ فَأَلْقَى التَّمْرَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ رُدُّوهُ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ رِبًا ثُمَّ قَالَ كَذَلِكَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَيْضًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَزَاكَ اللَّهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ الْجَنَّةَ فَإِنَّكَ ذَكَّرْتَنِي أَمْرًا كُنْتُ نَسِيتُهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةَ وَفِي حُكْمِهِ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ نَظَرٌ فَإِنَّ حَيَّانَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورَ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ إفْرَادَاتٌ يَتَفَرَّدُ فِيهَا وَذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَتِهِ حَدِيثَهُ فِي الصَّرْفِ هَذَا بِسِيَاقِهِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَفَرَّدَ بِهِ حَيَّانُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَحَيَّانُ تَكَلَّمُوا فِيهِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِأَمْرِهِ وَتَبَيُّنُ صِحَّتِهِ مِنْ سَقَمِهِ لِأَمْرٍ غَيْرِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِنَوْعَيْنِ مِنْ الْكَلَامِ
(أَحَدُهُمَا)
تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ جُمْلَةً وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ ابن حزم أعله بشئ أُنَبِّهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا
يُغْتَرَّ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ أَعَلَّهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ مِنْ أبى سعيد ولا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
(وَالثَّانِي)
لِذِكْرِهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ وَاعْتِقَادِ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ حَيَّانَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّ أَبَا مِجْلَزٍ أَدْرَكَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَسَمِعَ مِنْهُ وَأَدْرَكَ أَبَا سَعِيدٍ وَمَتَى ثَبَتَ ذَلِكَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى عَدَمِ السَّمَاعِ إلَّا بِثَبْتٍ (وَأَمَّا) مُخَالَفَةُ سَعِيدِ ابن جُبَيْرٍ فَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ حَيَّانَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ(10/34)
فَإِنْ أَرَادَ مَجْهُولَ الْعَيْنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هو رجل مشهور روى وَاحِدٍ رَوَى عَنْهُ حَدِيثَ الصَّرْفِ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمِنْ جِهَتِهِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الشَّامِيُّ وَمِنْ جِهَتِهِ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَيُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمِنْ جِهَتِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
* وَهُوَ حَيَّانُ بْنُ عبيد الله بن حيان بن بشر ابن عدي بصرى سمع أبا مجلز لاحق بن حُمَيْدٍ وَالضَّحَّاكَ وَعَنْ أَبِيهِ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ بُرَيْدَةَ رَوَى عَنْهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَأَبُو دَاوُد وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَقَدَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ أَبِي حاتم ترجمة فذكر كل منما بَعْضَ مَا ذَكَرْتُهُ وَلَهُ تَرْجَمَةٌ فِي كِتَابِ ابْنِ عَدِيٍّ أَيْضًا كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ فَزَالَ عَنْهُ جَهَالَةُ الْعَيْنِ
* وَإِنْ أَرَادَ جَهَالَةَ الْحَالِ فهو قد رواه من طريق اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ فَقَالَ فِي إسْنَادِهِ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ قَالَ (حَدَّثَنَا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ رَجُلَ صِدْقٍ) فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لَهُ بِالصِّدْقِ مِنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ فَرَوْحٌ مُحَدِّثٌ نَشَأَ فِي الْحَدِيثِ عَارِفٌ بِهِ مُصَنِّفٌ فِيهِ مُتَّفَقٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ بَصْرِيٌّ بَلَدِيٌّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا القول من اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ فَنَاهِيكَ بِهِ وَمَنْ يُثْنِي عَلَيْهِ اسحق
* وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَيَّانَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا وَذَكَرَ جَمَاعَةً مِنْ الْمَشَاهِيرِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ وَقَالَ إنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْهُ فَقَالَ صَدُوقٌ
* (النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ الْكَلَامِ يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَإِنْ سَلِمَ صِحَّةُ أَصْلِ الْحَدِيثِ وَالْأَوْلَى أَنْ أُؤَخِّرَ ذَلِكَ إلَى مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ قَدْ طال الكلام في ذلك ههنا
* وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الرَّبَعِيِّ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيِّ قَالَ سمعت يأمر بالصرف يعنى ابن عباس وتحدث ذَلِكَ عَنْهُ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَلَقِيتُهُ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجَعْتَ قَالَ نَعَمْ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رَأْيًا مِنِّي وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عن الصرف(10/35)
رَوَيْنَاهُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ الْإِمَامِ احمد باسناد رجاله على شرطه الصَّحِيحَيْنِ إلَى سُلَيْمَانَ بْنَ عَلِيٍّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ لِمَا تَبَيَّنَ وَعَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ (كُنْت أَخْدُمُ ابْنَ عَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تِسْعَ سِنِينَ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَصَاحَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ إنَّ هَذَا يَأْمُرُنِي أَنْ أُطْعِمَهُ الرِّبَا فَقَالَ نَاسٌ حَوْلَهُ إنْ كُنَّا لَنَعْمَلُ بِفُتْيَاكَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ كُنْتُ أُفْتِي بِذَلِكَ حَتَّى حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ أَبُو الْمُبَارَكِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَرَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ - بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ لَقِيَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَشَهِدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زاد فقد أربا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَتُوبُ إلَى اللَّهِ مِمَّا كُنْتُ أُفْتِي بِهِ ثُمَّ رَجَعَ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ
* وَعَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ (سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ عَنْ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ فقال لاادرى مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ بَأْسًا ثُمَّ قَدِمْت مَكَّةَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ (سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْ الصَّرْفِ إنَّمَا هَذَا مِنْ رأى وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ مُصَرِّحُونَ بِالتَّحْدِيثِ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ
* وَعَنْ عَطِيَّةَ وَهُوَ الْعَوْفِيُّ - بِإِسْكَانِ الواو وبالفا - قال (قَالَ أَبُو سَعِيدٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ تُبْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ قَالَ أَلَمْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَقَالَ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّبَا قَالَ فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قُلْتُ لَعَطِيَّةَ مَا الربا(10/36)
قَالَ الزِّيَادَةُ وَالْفَضْلُ بَيْنَهُمَا) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَى عَطِيَّةَ وَعَطِيَّةُ مِنْ رِجَالِ السُّنَنِ قال يحيى ابن مَعِينٍ صَالِحٌ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ فَالْإِسْنَادُ بِسَبَبِهِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
* وَعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ جَاءَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ وَجِئْتُ مَعَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّرْفِ مَا كَانَ مِنْهُ يَدًا بِيَدٍ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَطَارَتْ كَلِمَتُهُ فِي أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ حَتَّى إذَا انْقَضَى الْمَوْسِمُ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَلْتَ الرِّبَا وَأَطْعَمْته قال أو فعلت قَالَ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فقد أربى والفضة بالفضة وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ فَمَنْ زاد أو استزاد فقد اربى والشعير بالعشير وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى حَتَّى إذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلَ جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجِئْتُ مَعَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي تَكَلَّمْتُ عَامَ أَوَّل بِكَلِمَةٍ مِنْ رَأْيِي وَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى وَأَعَادَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الانواع الستة) رواه الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ مُتَابَعَةً لِمَا تَقَدَّمَ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا فَمَنْ زاد واستزاد بالواو لابأو وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَرَوَى أَبُو جَابِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعَانِي وَالْآثَارِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ إلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ (قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَقُولُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَنَزَعَ عَنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ) وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا عَنْ نَصْرِ بْنِ مَرْزُوقٍ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ نَزَلَ عَنْ الصَّرْفِ وَهَذِهِ أَصَرْحُ مِنْ رواية مسلم ومسه (1) لَهُمَا
* وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بن عمر إن
__________
كذا بالاصل فحرر)
*)(10/37)
ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ وَهُوَ عَلَيْنَا أَمِيرٌ مَنْ أَعْطَى بِالدِّرْهَمِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلْيَأْخُذْهَا وَذَكَرَ حَدِيثًا إلَى أَنْ قَالَ فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَقَالَ إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ مِنِّي
* وَعَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْوَاسِطِيِّ وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ زِيَادٍ قَالَ (كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ فَرَجَعَ عَنْ الصَّرْفِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِسَبْعِينَ يَوْمًا) ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حُرَّةَ قَالَ (سَأَلَ رَجُلٌ ابن سيرين عن شئ فقال لاعلم لِي بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَقَالَ إنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِيهِ بِرَأْيٍ ثُمَّ يَبْدُو إلَيَّ غَيْرُهُ فَأَطْلُبُك فَلَا أَجِدُكَ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ رَأَى فِي الصَّرْفِ رَأْيًا ثُمَّ رَجَعَ) وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ الْهُذَيْلِ - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - ابْنِ أُخْتِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ (سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَرَجَعَ عَنْهُ فَقُلْتُ إنَّ الناس يقولون فقال الناس يقولون ما شاؤا)
* فَهَذَا مَا بَلَغَنِي مِمَّا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عن ذلك وإذا تَأَمَّلْتَ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةَ وَجَدْتَ أَصَحَّهَا إسْنَادًا قَوْلَ أَبِي الصَّهْبَاءِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُ فَكَرِهَهُ لَكِنَّ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ كَرِهَهُ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ الْكَبِيرَةِ شُبْهَةٌ تَقْتَضِي التَّوَقُّفَ عَنْهُ أَوْ التَّوَرُّعَ فَإِنْ ثَبَتَ عَدَمُ رُجُوعِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَعَيَّنَ حَمْلُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الرُّجُوعِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ إلَّا أَنِّي قَدَّمْتُ مِنْ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ مَا يَنْفِي هَذَا الِاحْتِمَالَ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ نَزَلَ عَنْ الصَّرْفِ صَرِيحًا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ صَرِيحٌ لَكِنَّ سَنَدَهُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَلَا يَقْصُرُ عَنْ رُتْبَةِ الْحَسَنِ وَيَكْفِي فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَبَيَّنْتُ أَنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ صَرِيحٌ فِي الرُّجُوعِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَهَذِهِ عِدَّةُ رِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ(10/38)
وَحَسَنَةٍ مِنْ جِهَةِ خَلْقٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ وَقَدْ رُوِيَ فِي رُجُوعِهِ أَيْضًا غَيْرُ ذَلِكَ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ غُنْيَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (ذِكْرُ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ) رَوَى ابْنُ حَزْمٍ عن الامام أحمد قال حدثنا هاشم قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ انه قال (ماكان الربا قط في ها وهات وَحَلَفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بِاَللَّهِ مَا رَجَعَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ) وَهَذَا إسْنَادٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ لَكِنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ
* وَأَصْرَحُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ (قَالَ دَخَلْنَا عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بن مبشرة الدراد كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَزَلَ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ سعيد عهدي به قبل أن يموت بسنة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَهُوَ يَقُولُهُ وَمَا رَجَعَ عَنْهُ) ذَكَرَهُ هَكَذَا بِغَيْرِ إسْنَادٍ إلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ اولم يَرْجِعْ فِي السُّنَّةِ كِفَايَةٌ عَنْ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ وَمَنْ خَالَفَهَا رُدَّ إلَيْهَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ردو الْجَهَالَاتِ إلَى السُّنَّةِ (وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ) فَيَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابَيْهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ مُخْتَصَرًا وَالسُّنَنِ الْكَبِيرِ مُطَوَّلًا بِإِسْنَادٍ كُلِّهِ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَمْحِ بْنِ فَزَارَةَ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امرأة فرأى أمها فاعجبته فطلق امرأته أيتزوج أُمِّهَا قَالَ لَا بَأْسَ فَتَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ وَكَانَ عَبْدَ اللَّهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَكَانَ يَبِيعُ نُفَايَةَ بَيْتِ الْمَالِ يُعْطِي الْكَثِيرَ وَيَأْخُذُ الْقَلِيلَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَا يَحِلُّ لِهَذَا الرَّجُلِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَلَا تَصْلُحُ الْفِضَّةُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ انْطَلَقَ إلَى الرَّجُلِ فَلَمْ يَجِدْهُ وَوَجَدَ قَوْمَهُ فَقَالَ إنَّ الَّذِي أَفْتَيْتُ بِهِ صَاحِبَكُمْ لَا يَحِلُّ فقال انه قَدْ نَثَرَتْ لَهُ بَطْنَهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ وَأَتَى الصَّيَارِفَةَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الصَّيَارِفَةِ إنَّ الَّذِي كُنْتُ أُبَايِعُكُمْ لَا يَحِلُّ لَا تَحِلُّ الْفِضَّةُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ النُّفَايَةُ - بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ وَفَاءٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتِ - ما نفيته من الشئ لِرَدَاءَتِهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ
* وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي رُجُوعِهِ وَلَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي مُوَافَقَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي خُصُوصِ النُّفَايَةِ لرداتها وان كان ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ صَرِيحَةٌ فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَانْتَظَمَ مِنْهَا وَمِنْ هَذِهِ(10/39)
قَوْلَهُ أَوَّلًا وَرُجُوعَهُ ثَانِيًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ (وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ) فَقَدْ تَقَدَّمَ رُجُوعُهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى قَوْلِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَاشْتَهَرَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ قَوْلُهُ بِالتَّحْرِيمِ وَمُبَالَغَتُهُ فِي ذَلِكَ في رِوَايَاتٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ قَدْ اشْتَهَرَ عَنْهُ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ رَأْيُهُ عَلَيْهِ زَمَانًا بَلْ رَجَعَ عَنْهُ قَرِيبًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) أُسَامَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّوَقُّفُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ عَنْهُمْ (وَأَمَّا) مُعَاوِيَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ قَائِلٍ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ شُذُوذِ مَا قَالَ بِهِ أَيْضًا وَالظَّنُّ بِهِ لَمَّا كَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ (وَأَمَّا) التَّابِعُونَ فَلَمْ يُنْقَلْ فِي رُجُوعِهِمْ شئ فِيمَا عَلِمْتُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ إنَّ الظَّنَّ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّرِيحَةَ الصَّحِيحَةَ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (الْفَصْلُ الثَّالِثُ) فِي بَيَانِ انْقِرَاضِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِيهِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ عَوَامُّ الْأَمْصَارِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ
الْعِرَاقِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ والشافعي وأصحابه وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَالنُّعْمَانُ وَيَعْقُوبُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ وَلَا بُرٍّ بِبُرٍّ وَلَا شَعِيرٍ بِشَعِيرٍ وَلَا تَمْرٍ بِتَمْرٍ وَلَا مِلْحٍ بِمِلْحٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا نَسِيئَةً وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرْبَى وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ قَالَ وَقَدْ رَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَجَمَاعَةٌ يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ (قُلْتُ) وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَسَعْدٌ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْهُمْ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَنَّهُمْ قالوا الذهب بالذهب والفضة بالفضة وأربو الْفَضْلَ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَهَؤُلَاءِ السَّبْعَةُ من العشرة المشهود لهم بالجنة وممن صحح ذَلِكَ عَنْهُ أَيْضًا غَيْرُ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَرُوِيَ عَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي أُسَيْدٍ وَعُبَادَةَ وَقَدْ رَوَيْتُ أَحَادِيثَ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهَا لِعَدَمِ قَبُولِهَا لِلتَّأْوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ حديث أبى سعيد والعمل به عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عن بعض(10/40)
أصحابه شئ مِنْ هَذَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَرُوِيَ عَنْ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الصَّرْفِ اخْتِلَافٌ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَسَائِرِ الْآفَاقِ فِي أَنَّ الدِّينَارَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ وزنا ولا الدرهم بالدرهمين ولا بشئ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ إلَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ إجَازَتِهِمْ التَّفَاضُلَ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
* قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَمْ يُتَابِعْ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى قَوْلِهِ فِي تَأْوِيلِهِ حَدِيثَ أُسَامَةَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا طَائِفَةً مِنْ الْمَكِّيِّينَ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِالسَّنَةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي هِيَ الْحَجَّةُ عَلَى مِنْ خَالَفَهَا وَجَهِلَهَا وَلَيْسَ أَحَدٌ بِحُجَّةٍ عَلَيْهَا
* وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ حَدِيثِ أُسَامَةَ قَالَ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِهِ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ بِإِجْمَاعِ النَّاسِ مَا عَدَا ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (الْفَصْلُ الرَّابِعُ) فِي بَيَانِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْإِجْمَاعِيَّةِ أَوَّلًا
* اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ مُنْحَصِرَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ إجْمَاعَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خِلَافٍ اسْتِنَادًا إلَى أَنَّ نُدْرَةَ الْمُخَالِفِ لَا تَضُرُّ وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ سَبْقَ الْخِلَافِ الْمُعْتَدِّ بِهِ وَيَدَّعِي رُجُوعَ الْمُخَالِفِ وَصَيْرُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعِيَّةً قَبْلَ انْقِرَاضِ ذَلِكَ الْعَصْرِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ انْعَقَدَ إجْمَاعٌ مُتَأَخِّرٌ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمَاضِينَ الْمُخْتَلِفِينَ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَقَدْ اقْتَضَى كَلَامُ بَعْضِهِمْ دَعْوَاهُ وَزَعَمُوا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَنْكَرَتْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ الْجَمَاعَةَ وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ مَعَ نُدْرَةِ الْمُخَالِفِ فَالْجَمَاهِيرُ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَةِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْمُجْمِعِينَ حِينَئِذٍ لَيْسُوا كُلَّ الْأَمَةِ وَالْعِصْمَةُ فِي الْإِجْمَاعِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِكُلِّ الْأَمَةِ لَا لِبَعْضِهِمْ وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَالَفَ الصحابة وحده في قتال ما نعى الزَّكَاةِ وَكَانَ الْحَقُّ مَعَهُ وَرَجَعُوا إلَيْهِ وَخَالَفَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي عِدَّةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ وَاعْتُدَّ بِخِلَافِهِمْ إلَى اليوم(10/41)
وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَرَى إسْنَادَ الْإِجْمَاعِ إلَى النُّصُوصِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٍ من أصحابه منهم المصنف وأبى حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ طَرِيقَةِ الشَّافِعِيِّ وَطَرِيقَةِ الْغَزَالِيِّ خِلَافٌ يَسِيرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى التَّمَسُّكَ بِالْكِتَابِ بِآيَاتٍ مِنْ جُمْلَتِهَا قَوْله تَعَالَى (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين) الْآيَةَ وَيُقَالُ إنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى وَجَدَ هَذِهِ الْآيَةَ وَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ احْتَجَّ بِهَا فَذَكَرَهَا لِلرَّشِيدِ حِينَ طَلَبَ مِنْهُ حُجَّةً مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْإِجْمَاعِ وَالْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى خَطَأٍ) وَنَظَائِرِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ وكذلك القاضى أبو بكر بن الْبَاقِلَّانِيُّ وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَعَلَى طَرِيقَةِ هَؤُلَاءِ مَتَى خَالَفَ وَاحِدٌ لَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْبَاقِينَ أَنَّهُمْ كُلُّ الْأُمَّةِ حَقِيقَةً فَلَا تَتَنَاوَلُهُمْ النُّصُوصُ الشَّاهِدَةُ بِالْعِصْمَةِ (وَأَمَّا) عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَرَى إسْنَادَ الْإِجْمَاعِ إلَى جِهَةِ
قَضَاءِ الْعَادَةِ بِاسْتِحَالَةِ إجْمَاعِ الْخَلْقِ الْعَظِيمِ عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ إلَّا لِدَلَالَةٍ أَوْ أَمَارَةٍ وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الحاحب فَيَصْعُبُ عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ تَقْرِيرُ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْوَاحِدِ لِلْجَمِّ الْغَفِيرِ وَالْخَلْقِ الْعَظِيمِ يَقْدَحُ فِي إجْمَاعِهِمْ فَإِنَّهُمْ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمْ دُونَهُ تَقْضِي الْعَادَةُ بِاسْتِحَالَةِ إجْمَاعِهِمْ عَلَى مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا أَمَارَةَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِوِفَاقِهِ أَوْ خِلَافِهِ وَكَذَلِكَ إذَا فَرَضْنَا أَنَّ مَجْمُوعَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ لَا يَبْلُغُونَ مَبْلَغًا تَقْضِي الْعَادَةُ بِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ أَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُ كُلِّهِمْ حُجَّةً وَلِهَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ إجْمَاعَ الْمُنْحَطِّينَ عَنْ رُتْبَةِ التَّوَاتُرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَأْخَذَ الْإِجْمَاعِ يَسْتَنِدُ إلَى اطِّرَادِ الْعَادَةِ وَمَعَ ذَلِكَ وَافَقَ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَةَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ وَالطَّرِيقَةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ الَّتِي عَوَّلَ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَهِيَ التَّمَسُّكُ بِدَلِيلِ السَّمْعِ فَلِذَلِكَ خِلَافُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ قَادِحٌ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ وَقَدْ اشْتَهَرَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ قَالَ إنَّهُ يَكُونُ إجْمَاعًا يَجِبُ عَلَى ذَلِكَ الْمُخَالِفِ الرُّجُوعُ إلَيْهِ ووافقه أبو بكر احمد بن على الرادي مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْخَيَّاطُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وابن جرير بن مَنْدَادٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ فِيمَا زَادَ عَنْ الِاثْنَيْنِ فَفِي شرح اللمع للمصنف أبى اسحق أَنَّهُ إذَا خَالَفَ(10/42)
أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَكَذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ ابْنَ جَرِيرٍ طَرَدَ مَذْهَبَهُ فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَسَلَّمَ أَنَّ خِلَافَ الثلاثة معتبر وتبعه الغزالي في المتحول ونقل سليم بن أيوب الدارى فِي تَقْرِيبِهِ الْأُصُولِيِّ أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ لَا يَعْتَدُّ بِمُخَالَفَةِ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْأُصُولِ كَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي نَصْرٍ بْنِ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِ عُدَّةِ الْعَالِمِ وَغَيْرِهِمْ تَرْجَمُوا الْمَسْأَلَةَ بِمُخَالَفَةِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَسَكَتُوا عَنْ الزَّائِدِ (وَأَمَّا) الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى فَلَمْ يَعْتَدَّ بِعَدَدٍ بَلْ تَرْجَمَ الْمَسْأَلَةَ بِإِجْمَاعِ الْأَكْثَرِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَقَلِّ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أصحابنا وغيرهم وتلخيص الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ مُتَفَرِّقِ كَلَامِهِمْ سَبْعَةُ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ
(والثانى)
ينعقد وهو قول ابن جرير الخياط وَالرَّازِيِّ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابن قلامة قُلْتُ وَرَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ فِي كِتَابِ جِمَاعِ الْعِلْمِ من الام حكاه عن من بَحَثَ مَعَهُ وَأَمْعَنَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَسَأَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(وَالثَّالِثُ) إنْ بَلَغَ الْأَقَلُّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ لَمْ يُعْتَدَّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَّا اُعْتُدَّ بِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا فَاسِدٌ (وَالرَّابِعُ) إنْ سَوَّغَتْ الْجَمَاعَةُ الِاجْتِهَادَ فِي مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ فَخِلَافُهُ مُعْتَدٌّ بِهِ كَخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَسْأَلَةِ العول فانها محل اجتهاد والا فلا كخلاف ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَسْأَلَةِ رِبَا الْفَضْلِ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْمُتْعَةِ وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ النَّاسُ الِاجْتِهَادَ فِيهِمَا وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الجرجاني وهو الذى رأيت فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ مَنْسُوبًا إلَى أَبِي بَكْرٍ الرازي قال نقل السغناقى فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ قال والاصح عندما أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا خَالَفَ الْجَمَاعَةَ فَإِنْ سَوَّغُوا لَهُ ذَلِكَ فِي الِاجْتِهَادِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ بِدُونِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَوِّغُوا لَهُ الِاجْتِهَادَ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ (وَالْخَامِسُ) أَنَّ قَوْلَ الْأَكْثَرِ حُجَّةٌ لَا إجْمَاعٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَهُوَ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ إذا لم يكن اجماعا فبم ذا يَكُونُ حَجَّةً (وَالسَّادِسُ) أَنَّ اتِّبَاعَ الْأَكْثَرِ أَوْلَى وَإِنْ جَازَ خِلَافُهُ وَضَعَّفَهُ الْغَزَالِيُّ وَحَكَى قَوْلًا سابقا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أُصُولِ الدِّينِ فَلَا يَضُرُّ وَالْفُرُوعِ فَيَضُرُّ وَلَوْ ثَبَتَ الْخِلَافُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنْ كَلَامِ سُلَيْمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ قَائِلِينَ أَوْ قَائِلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتَيْنِ صَارَتْ الْأَقْوَالُ(10/43)
ثمانية ولكن أخشى أن يكون أحدهما غَلَطًا عَلَى الْمَنْقُولِ عَنْهُ أَوْ يَكُونَ ذِكْرُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّمَسُّكِ وَيَكُونُ مُرَادُهُ الْأَكْثَرَ كَمَا ذَكَرَ غَيْرُهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَيُرَجَّحُ الْأَكْثَرُ عَلَى الْأَقَلِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ وَلَا مَعْنَى لَهُ وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ ذَهَبَ إلَيْهَا الشَّافِعِيُّ أَوْ مَالِكٌ أَوْ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهَا إلَّا الْأَقَلُّونَ وَكَمْ مِنْ قَلِيلٍ عَلَى الْحَقِّ وَكَثِيرٍ عَلَى غَيْرِهِ (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غلبت فئة كثيرة باذن الله) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ بَحَثَ مَعَهُ قَالَ لَا أَنْظُرُ إلَى قَلِيلٍ مِنْ الْمُتَّقِينَ وَأَنْظُرُ إلَى الْأَكْثَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (قُلْتُ) أَفَتَصِفُ الْقَلِيلَ الَّذِينَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِمْ أَهُمْ إنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ النَّاسِ أَوْ ثُلُثِهِمْ أو ربعهم قال لا استطيع أن أحدهم وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ (قُلْتُ) الْعَشَرَةُ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةٍ قَالَ هَؤُلَاءِ مُتَقَارِبُونَ (قُلْتُ) فَحَدَّهُمْ بِمَا شِئْتَ قَالَ مَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَحُدَّهُمْ (قُلْنَا) فَكَأَنَّكَ أَرَدْتَ أَنْ تَجْعَلَ هَذَا الْقَوْلَ مُطْلَقًا غَيْرَ مَحْدُودٍ فَإِذَا وُجِدَ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ (قُلْتُ) عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَإِذَا أَرَدْتُ رَدَّ قَوْلٍ قُلْتُ هَؤُلَاءِ الْأَقَلُّ أَفَتَرْضَى مِنْ غيرك مثل هذا الجواب
* وطول الشافعي كثير فِي الْكَلَامِ مَعَهُ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَكَانُ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى نَقْلِهِ وَتَمَسُّكِهِمْ بِالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ كُلِّهِ لَا دَلِيلَ فِيهِ وَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَيَلْزَمُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ نِصْفُ الْأَمَةِ وَانْضَافَ إلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ أَنْ يُوجِبُوا عَلَى الْبَاقِينَ اتِّبَاعَهُمْ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ وَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ (وَأَمَّا) مَنْ اعْتَبَرَ عَدَدًا مُعَيَّنًا كَمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ فَعَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ سُلَيْمٌ لَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي أَنَّ خِلَافَ الثَّلَاثَةِ لَا يَقْدَحُ إنْ كَانَ يَقُولُ إنَّ خِلَافَ الْأَرْبَعَةِ بِخِلَافِهِ وَبِالضَّرُورَةِ نِسْبَةُ الثَّلَاثَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ كَنِسْبَةِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَعَلَى مَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ خِلَافَ الثَّلَاثَةِ يَقْدَحُ وَمَا دُونَهَا لَا يَقْدَحُ فَلَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا إلَّا مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ (قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامِي فِيكُمْ فَقَالَ أَكْرِمُوا أَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبُ فَيَحْلِفُ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفْ وَيَشْهَدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ فَمَنْ سَرَّهُ دُخُولُ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ أَعْرِفْ ابْنَ سُلَيْمَانَ هَذَا وَهُوَ حديث مشهور في السنن(10/44)
المسانيد رويناه في سند عَلِيِّ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سُمْرَةَ عَنْ عُمَرَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَلِ وَذَكَرَ فِيهِ اضْطِرَابًا لَكِنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ عبد الله بن سعيد ابن الْمُسَيِّبِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الشَّيْطَانَ يَهِمُ بِالْوَاحِدِ وَيَهِمُ بِالِاثْنَيْنِ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لَمْ يَهِمْ بِهِمْ) صَحِيحٌ إلَى سَعِيدٍ وَهُوَ مِنْ مُرْسَلَاتِهِ وَفِي مَعْنَاهُمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْوَاحِدُ شَيْطَانٌ وَالِاثْنَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِلَفْظِ الرَّاكِبِ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو فِهْرٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسبع الْأَقَلُّونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَكْثَرُونَ) وَهَذَا مُرْسَلٌ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ وَلِذَلِكَ تَمَسَّكُوا بِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ شُذُوذٌ وَالشُّذُوذُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَبِإِنْكَارِ الصَّحَابَةِ عَلَى ابْنَ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي رِبَا الْفَضْلِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّاذُّ أَوْ الْخَارِجُ عَنْ الْإِمَامِ بِمُخَالَفَةِ الْأَكْثَرِ عَلَى وَجْهٍ يُثِيرُ الْفِتْنَةَ وَعَنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّفَرِ وَفِي ذَلِكَ وَرَدَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَحِبَك قَالَ مَا صَحِبْتُ أَحَدًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب) كذا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ وَهَكَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِيهِمَا بِلَفْظِ الرَّاكِبِ لَا بِلَفْظِ الْوَاحِدِ وَعَنْ كَوْنِ ذَلِكَ شُذُوذًا بِأَنَّ الشَّاذَّ عِبَارَةٌ عَنْ الْخَارِجِ مِنْ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا وَأَمَّا الَّذِي لَا يَدْخُلُ أَصْلًا فَلَا يُسَمَّى شَاذًّا وَعَنْ الْإِنْكَارِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَنْكَرُوا ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ لَا لِلْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ يُنَاسِبُ طَرِيقَةَ مَنْ جَعَلَ مَأْخَذَ الْإِجْمَاعِ حُكْمَ الْعَادَةِ بِاسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ عَلَى الْجَمْعِ الْعَظِيمِ وَهُوَ بَعِيدٌ (وَأَمَّا) مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ تُسَوِّغَ الْجَمَاعَةُ الِاجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ اولا فَضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْلَ الْجَمَاعَةِ غَيْرُ الْمُخَالِفِ إنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فَلَا أَثَرَ لِتَسْوِيغِهِمْ وَعَدَمِهِ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَلَيْسَ إنْكَارُهُمْ عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ إنْكَارِهِ عَلَيْهِمْ نَعَمْ ههنا أَمْرٌ يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ وَهُوَ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُعْتَدَّ بِهِ هُوَ الْخِلَافُ فِي مَظَانِّ الِاجْتِهَادِ كالمسائل التى لانص فِيهَا أَوْ فِيهَا نَصٌّ غَيْرُ صَرِيحٍ وَبِالْجُمْلَةِ مَا يَكُونُ الْخِلَافُ فِيهِ لَهُ وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ (وَأَمَّا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَإِنَّ النُّصُوصَ الَّتِي فِيهَا صَرِيحَةٌ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ بِوَجْهٍ قَرِيبٍ(10/45)
وَلَا بَعِيدٍ وَلَا لِلنَّسْخِ لِمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ كَالْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْنِي مَا يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ رِبَا الْفَضْلِ ولا تستبعدن دَعْوَى التَّوَاتُرِ فِيهَا فَمَنْ تَتَبَّعَ الرِّوَايَاتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ أَوْ كَادَ
* قَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا رَوَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فَثَبَتَ بهذه الآيات الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا وَسَأَعْقِدُ فَصْلًا جَامِعًا أُشِيرُ فِيهِ إلَى أَطْرَافِ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نُصُوصٌ قَطْعِيَّةُ الْمَتْنِ قَطْعِيَّةُ الدَّلَالَةِ لَمْ يَكُنْ مَظَانُّ لِلِاجْتِهَادِ بَلْ الْحَقُّ فِيهَا وَاحِدٌ قَطْعًا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُخَالِفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا وَالتَّوَاتُرُ قَدْ يَحْصُلُ فِي حق شخص ولا يصحل في حق آخر فإذا خاف مُجْتَهِدٌ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ النُّصُوصِ يَكُونُ مَعْذُورًا فِي مُخَالَفَتِهِ إلَى حَيْثُ يَطَّلِعُ
عَلَى النَّصِّ وَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ ولا يقلده فيه وينقض الحكم به
* ولو لم تتصل إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ مَعَ صَرَاحَةِ دَلَالَتِهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَإِنْ قُلْتَ) لَيْسَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ خَالِيًا عَنْ وَجْهٍ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُقْتَضِيَةَ لِتَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ لَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُقْتَضِيَةَ لِجَوَازِهِ أَيْضًا كَذَلِكَ كما سيأتي وقد مضى شئ منه والترجيح معنا الْقُرْآنَ وقَوْله تَعَالَى (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الربا) يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مَا كَانَ دَيْنًا وَكَذَلِكَ كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْقِدُ فِي لُغَتِهَا وَقَدْ دَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ان النقد ليس للربا الْمُتَعَارَفَ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ بِقَوْلِهِ (وَلَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ) الْحَدِيثَ فَسَمَّاهُ بَيْعًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الربا وأحل الله البيع وحرم الربا) فَذَمَّ مَنْ قَالَ إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا فَفِي تَسْمِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لزيادة فِي الْأَصْنَافِ بَيْعًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّبَا في النساء لافى غَيْرِهِ (قُلْتُ) أَمَّا التَّعَارُضُ فَسَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَوَابَ عَنْهُ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بأوضح شئ يَكُونُ وَكَوْنُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَرَدَتْ فِي تَحْرِيمِ نوع من الربا ان سلم اقتصارها على لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ غَيْرِهِ وَالتَّعَلُّقُ بِكَوْنِ ذلك يسمى بيعا لاربا تَعَلُّقٌ بِالْأَلْفَاظِ مَعَ تَصْرِيحِ الْأَحَادِيثِ بِالنَّهْيِ وَالتَّحْرِيمِ وَإِثْبَاتِ الرِّبَا فِيهِ وَمِثْلُ هَذِهِ التَّعَلُّقَاتِ الضَّعِيفَةِ يجل ابن عباس ومن واقفه مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهَا وَلَوْ لم أرها مذكورة ولكن أبا الحسن ابن المعلس ذَكَرَهَا عَنْ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
*(10/46)
(الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَدَّعِي إجْمَاعَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ لِمَا رُوِيَ مِنْ رُجُوعِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ مِنْ أصحاب القاضى أبو الطيب في تعليقه والعبد رى فِي الْكِفَايَةِ قَالَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعًا وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ قَالَ لَمْ أَعُدُّهُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ رُجُوعِهِ وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَرَجَعَ عَنْهُ يَقِينًا كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْهُمْ مَنْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِي رُجُوعِهِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَبَقِيَّتُهُمْ كَأُسَامَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ أُثْبِتْ النَّقْلَ عَنْهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُمْ رُجُوعٌ فَإِنْ كَانُوا قَائِلِينَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعُوا فَقَدْ تعذر دعوى هذا الوجه إلا وثبت رُجُوعِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِمْ مُخَالِفٌ فقد اختلف الاصوليون
في هذه المسألة إذا اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْعَصْرِ ثُمَّ اتَّفَقُوا وَرَجَعَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إلَى الْآخَرَ وَصَارُوا مُطْبِقِينَ عَلَيْهِ هل يكون ذلك إجماعا أولا وَتَلْخِيصُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يكون الخلاف قد استقر أولا إن لم يكن قد استقر كاختلافهم في قتل مَانِعِي الزَّكَاةِ ثُمَّ إجْمَاعُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى رَأْي أبى بكر رضى الله عنه فَهَذَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَكُونُ إجْمَاعًا وَهَذَا الْقِسْمُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ قَدْ اسْتَقَرَّ وَبَرَدَ فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى أنه هل يشترط انقراض العصر الاول أولا ان قلنا انقراض الْعَصْرُ شَرْطٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَوْلِ ابْنِ فُورَكٍ وَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَنَسَبَهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ إلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَرَجَّحَهُ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ الْأُصُولِيِّ وَأَطْنَبَ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَبُو تَمَامٍ الْبَصْرِيِّ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ اتِّفَاقُهُمْ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ وَيَكُونُ كَوْنُهُ إجْمَاعًا مَوْقُوفًا أَيْضًا عَلَى انْقِرَاضِهِمْ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ وَالْأَشَاعِرَةُ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ لِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَبُو عبد الله ابن الخطيب وأتباعه وأبى عمر وابن الْحَاجِبِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ الذَّخِيرَةِ وَقَدْ غَلَطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ العصر وليس بشئ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُطْلِقُ أَوْ يُعَمِّمُ الْحُكْمَ فِي الْإِجْمَاعِ الْقَوْلِيِّ وَالسُّكُوتِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّبْصِرَةِ تَرْجِيحَهُ
* وَمِنْهُمْ مَنْ يفصل(10/47)
وَيَخُصُّ ذَلِكَ بِالْقَوْلِيِّ وَأَمَّا السُّكُوتِيُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَاخْتِيَارُ الاستاذ أبى اسحق وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي اللُّمَعِ وَفَصَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ مَقْطُوعًا بِهِ فلا يعتبر انقراض أَوْ يَتَّفِقُوا عَلَى حُكْمٍ وَيُسْنِدُوهُ إلَى ظَنٍّ فَلَا يَنْبَرِمُ مَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ
* إذَا عرف ذلك فان لم يعتبر انقرض الْعَصْرِ فَهَلْ يَجُوزُ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ قِيلَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ يُنَافِي مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ أَوَّلًا مِنْ تَجْوِيزِ الْأَخْذِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ نُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إلَى الصَّيْرَفِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَالَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَدَاوُد وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى امْتِنَاعِهِ لَكِنْ لمدرك آخر وهو أن
ذلك مستحيل اعادة وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقُولُونَ إنَّهُ يَسْتَحِيلُ سَمْعًا وَقِيلَ يَجُوزُ وَإِذَا وَقَعَ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَهُوَ بَعِيدٌ وَقِيلَ يَجُوزُ وَيَكُونُ حُجَّةً تَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاتِّفَاقَ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَصْرِ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ وَإِجْمَاعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الَّذِي أَطْلَقَهُ طَوَائِفُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ بِالِاخْتِلَافِ أَجْمَعُوا عَلَى تَجْوِيزِ الْأَخْذِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَمْنُوعٌ وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى هَذَيْنِ الْإِجْمَاعَيْنِ بَعِيدَةٌ لِمَا قَدَّمَتْهُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَأَيْضًا فَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَمِيعَ الصَّحَابَةِ صَحَّ رُجُوعُهُمْ فَقَدْ لَحِقَ زَمَانَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِمَّنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ رُجُوعٌ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّ قَوْلَ التَّابِعِيِّ الَّذِي نَشَأَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ إجْمَاعِهِمْ لَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعُهُمْ بِدُونِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الْحَنَفِيَّةِ وَأَكْثَرِ الْحَنَابِلَةِ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وأومأ أحمد إلا الْقَوْلَيْنِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ
(وَالثَّانِي)
قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ مَاتُوا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلْقَمَةُ وَمَسْرُوقٌ وَشُرَيْحٌ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْأَسْوَدُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَسَعِيدٌ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّيْتُ مِنْ عِلْيَةِ الْفُقَهَاءِ وَأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَعَصْرُ الصَّحَابَةِ وَعَصْرُ التَّابِعِينَ مُتَدَاخِلَانِ فَإِنَّ عَصْرَ التَّابِعِينَ ابتدأوه مِنْ قَبْلِ الْهِجْرَةِ وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهُ بِالْمَدِينَةِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَى يَدَيْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ الْأُولَى وَالْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ وَالطَّائِفِ وَالْحَبَشَةِ وَغَيْرِهَا يُعَدُّ مِنْ التَّابِعِينَ فَمِنْ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يُقَالَ إنْ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ تَفَقَّهَ مِنْهُمْ وَوَصَلَ إلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ(10/48)
إلَى انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ فِي سَنَةِ مِائَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَالْأَعْصَارُ كُلُّهَا مُتَدَاخِلَةٌ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ لا يوجد بين (1) مِنْهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً فَعَدَمُ اعْتِبَارِ قَوْلِ التَّابِعِيِّ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَالتَّابِعُونَ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي رِبَا الْفَضْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى عَصْرِ التَّابِعِينَ لَمْ يَنْقَرِضْ وَهَذَا الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ حُكِيَ الْخِلَافُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعُوِّلَ عَلَى
التَّرْجِيحِ دُونَ التَّمَسُّكِ بِإِجْمَاعٍ وَقَدْ تَضَمَّنَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي جِمَاعِ الْعِلْمِ مِنْ الْأُمِّ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ رَوَى عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصَّرْفِ شَيْئًا وَأَخَذَ بِهِ وَلَهُ فِيهِ مُخَالِفُونَ مِنْ الْأُمَّةِ فَلَا أَدْرِي أَيُشِيرُ الشَّافِعِيُّ إلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ فَهُوَ مُوَلَّدٌ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أصحابه شئ مِنْ هَذَا وَقَدْ ادَّعَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الاسفراينى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ قَوْلُ التَّابِعِينَ أَجْمَعِينَ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَدَّعِي إجْمَاعَ مُتَأَخِّرٍ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمُخْتَلِفِينَ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ فِي أَوَائِلِ عَصْرِ التَّابِعِينَ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ قَوْلِهِمْ بِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْقَائِلِينَ بِهِ عطاء بن رَبَاحٍ وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسَ عَشَرَةَ وَمِائَةٍ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنْ اُدُّعِيَ إجْمَاعٌ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا مِنْ بَقِيَّةِ التَّابِعِينَ وَإِمَّا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ فلا استحضر خلافا يرده ولكن الاصولين وَالْأَصْحَابَ مُخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِ ذَلِكَ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ التَّابِعُونَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الصَّحَابَةِ لَا تَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً وَلَا يَحْرُمُ الْقَوْلُ بِالْقَوْلِ الْآخَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ أبى الحسن الاشعري وقال المصنف وأبو إسحق إنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ سُلَيْمٌ إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ مَيْلَ الشَّافِعِيِّ إلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْخِلَافِ لَا يَرْتَفِعُ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ لَيْسَ عَنْ مَالِكٍ فيه شئ وَالْجَيِّدُ مِنْ مَذْهَبِهِ الَّذِي كَانَ يَخْتَارُهُ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ أَنَّ الْخِلَافَ بَاقٍ وَذَهَبَ إلَيْهِ من الحنابلة القاضى وهو المرجح عِنْدَهُمْ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ أَبِي حنيفة وكثير من المعتزلة كالجنائي وابنه واليه ذهب المحاسى مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَطِيبِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ إجْمَاعًا لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ هَلْ لَهُ قَوْلٌ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ لَهُ قَوْلًا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا والا
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)(10/49)
كَانَ إجْمَاعًا وَالْحَنَفِيَّةُ مَعَ قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ يَقُولُونَ إنَّهُ مِنْ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ وَلِذَلِكَ قال محمد ابن
الْحَسَنِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَنَوَى ثَلَاثًا ثُمَّ جَامَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرَاهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَقَدْ أَجْمَعْنَا بِخِلَافِهِ وَشُبْهَةُ الثَّلَاثِ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأُمَّةِ الْيَوْمَ لَكِنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْإِجْمَاعِ أَهُوَ حجه اولا فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا عِلْمًا بِلَا شُبْهَةٍ هَكَذَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي التَّقْوِيمِ مِنْ كُتُبِهِمْ
* وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ بِمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ التَّابِعُونَ بِتَحْرِيمِ الْقَوْلِ الْآخَرَ فَإِنْ صَرَّحُوا بِتَحْرِيمِهِ فَقَدْ تَرَدَّدَ أَعْنِي الْغَزَالِيَّ هَلْ يمتنع ذلك اولا وَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالْفَرْقُ بين هذه المسألة وبين مااذا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ مَعَ بَقَاءِ الْعَصْرِ حَيْثُ كَانَ الصَّحِيحُ هُنَاكَ أَنَّهُ يَكُونُ إجْمَاعًا أَنَّ الْمُجْمِعِينَ هُنَاكَ كُلُّ الْأُمَّةِ وَأَهْلُ الْعَصْرِ الثَّانِي بَعْضُ الْأُمَّةِ لَا كُلُّهُمْ لِأَنَّ الْأُمَّةِ اسْمٌ يَعُمُّ الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ فَعَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ قَوْلِ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا امْتَنَعَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَهَذَا مُقْتَضَى صُنْعِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْمَحَامِلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ رِبَا الْفَضْلِ فِي مَسَائِلِ كِتَابِ الْأَوْسَطِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ إجْمَاعِيَّةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا لَكِنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ تعالى مستغنون عن الاجماع في ذلك بالنصوص الصحيحة الصريحة المتظافرة كَمَا قَدَّمْتُهُ وَأَقُولُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وانما يحتاج إلى الاجمعاع فِي مَسْأَلَةٍ خَفِيَّةٍ مُسْنَدُهَا قِيَاسٌ أَوْ اسْتِنْبَاطٌ دَقِيقٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُوَافِقُوهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ) تَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
حَدِيثُ أُسَامَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَقَدْ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعْنَاهَا سَوَاءٌ أَوْ مُتَقَارِبٌ (مِنْهَا) لَا رِبًا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ (وَمِنْهَا) إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ (وَمِنْهَا) إنَّ الرِّبَا في النسئة (وَمِنْهَا) لَا رِبًا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ (وَمِنْهَا) لَيْسَ الرِّبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ وَالنَّظِرَةِ (وَمِنْهَا) لَا رِبًا إلَّا فِي الدَّيْنِ رَوَاهُمَا الطَّبَرَانِيُّ (وَمِنْهَا) الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى حَدِيثِ أُسَامَةَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ وَالْحَدِيثُ (الثَّانِي) حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَلْفَاظٍ مُتَبَايِنَةٍ فَأَلْفَاظُهُ الَّتِي فِي الصَّحِيحِ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهَا وَمِنْهَا لفظ في طريق خارج الصحيحين لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَشَيْخُ الْبُخَارِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْمِنْهَالِ يَقُولُ (باع(10/50)
شَرِيكٌ لِي بِالْكُوفَةِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ فَقُلْتُ مَا أَرَى هَذَا يَصْلُحُ فَقَالَ لَقَدْ بِعْتُهَا فِي السُّوقِ فَمَا عَابَ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وتحادثنا هَكَذَا وَقَالَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ وَمَا كَانَ نَسِيئًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ وأتى زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْظَمَ تِجَارَةً مِنِّي فَأَتَيْتُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَ الْبَرَاءُ) قَالَ الْحُمَيْدِيُّ هَذَا مَنْسُوخٌ لَا يُؤْخَذُ بِهَذَا وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ فَإِنَّ رُوَاتَهُ كلهم أئمة ثقاة وَقَدْ صَرَّحَ سُفْيَانُ بِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرٍو فَانْتَفَتْ شُبْهَةُ تَدْلِيسِهِ وَلَكِنْ سَنَذْكُرُ مَا عُلِّلَ بِهِ فَشَرْطُ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ سَلَامَتُهُ مِنْ التَّعْلِيلِ فَنَذْكُرُ الْجَوَابَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ (أَمَّا) حَدِيثُ أُسَامَةَ فَجَوَابُهُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ يَجْمَعُهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ تَأْوِيلٌ وَادِّعَاءُ نَسْخٍ وَتَرْجِيحٌ
* وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الْأَوَّلُ لَا يُعْدَلُ إلَى الثَّانِي وَمَتَى ثَبَتَ مُوجِبُ الثَّانِي لَا يُعْدَلُ إلَى الثَّالِثِ فَاعْتَمِدْ هذا في كل نصفين مُخْتَلِفَيْنِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْأَوْجُهَ الَّتِي نُقِلَتْ فِي الْجَوَابِ مِنْهَا وَجْهَانِ تَضَمَّنَهُمَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ خَبَرَ أُسَامَةَ وَأَخْبَارَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الدَّالَّةَ عَلَى التَّحْرِيمِ ذَكَرَهَا ثُمَّ قَالَ فَأَخَذْنَا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تُوَافِقُ حَدِيثَ عُبَادَةَ وَكَانَتْ حُجَّتُنَا فِي أَخْذِنَا بِهَا وَتَرْكِنَا حَدِيثَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إذْ كَانَ ظَاهِرُهُ يُخَالِفُهَا وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ النَّفْسَ عَلَى حَدِيثِ الْأَكْثَرِ أَطْيَبُ لِأَنَّهُمْ أَشْبَهُ أَنْ يَحْفَظُوا مِنْ الْأَقَلِّ وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَسَنَّ وَأَشَدَّ تَقَدُّمَ صُحْبَةٍ مِنْ أُسَامَةَ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَكْثَرَ حِفْظًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا عَلِمْنَا مِنْ أُسَامَةَ
* (فَإِنْ) قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ يُخَالِفُ حَدِيثُ أُسَامَةَ حَدِيثَهُمْ (قِيلَ) إنْ كَانَ يُخَالِفُهَا فَالْحُجَّةُ فِيهَا دُونَهُ لِمَا وصفنا (فان قال) فَأَنَّى يُرَى هَذَا قِيلَ اللَّهُ أَعْلَمُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ الرِّبَا فِي صنفين مختلفين ذهب بفضة وتمر بحنطة قيل إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَحَفِظَهُ فَأَدَّى قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُؤَدِّ مَسْأَلَةَ السَّائِلِ فَكَانَ مَا أَدَّى عِنْدَ مَنْ سمع أن لاربا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ هَذَا جَوَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّرْجِيحِ وَالتَّأْوِيلِ فَهُمَا جَوَابَانِ يَعْنِي أَنَّهُ إنْ كَانَ حَدِيثُ أُسَامَةَ جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَ عَنْ صِنْفَيْنِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِبَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ لَا يُخَالِفُهَا
* وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكَانَ مُخَالِفًا لَهَا فَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ وَرِوَايَةُ جَمَاعَةٍ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ وَلَمْ يَجْزِمْ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ(10/51)
بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ لِأَجْلِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَاوِيَ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَائِلٌ بِهِ وَرَوَى الْحَاوِي كَلَامَ الشَّافِعِيِّ بِأَبْسَطَ مِمَّا فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَهُوَ يُبَيِّنُ مَا شَرَحْت بِهِ كَلَامَهُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ إنَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ بَلْ إجْمَاعُ النَّاسِ مَا عَدَا ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ وَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسَيْنِ الْوَاحِدُ يَجُوزُ التَّمَاثُلُ فِيهِ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ نَسَاءً ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (الْجَوَابُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ كَبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مُؤَجَّلًا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عِنْدَهُ نَقْدٌ مَوْصُوفٌ فَيَبِيعَهُ بِعَرْضٍ مَوْصُوفٍ مُؤَجَّلًا ذَكَرَهُ النووي فهذه ثلاث تأويلات أوضحها وأشهرها ماقاله الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ حَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ أن يثبت كونه جوابا لسؤال سائل عنه بَلْ قَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ عَامًا وَيُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِيهِ أَيُّ دَلِيلٍ كَانَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الثَّلَاثَةَ مُتَّفِقَةٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَقَدْ نَبَّهْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ فِيمَا أَمْكَنَ وَكَلَامُ ابْنُ الصَّبَّاغِ يَقْتَضِي أَنَّ هُنَا مَانِعًا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ عُدَّةِ الْعَالَمِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إنَّهُ إنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ جُمِعَ إلَى أَنْ يَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَعَارُضِهِمَا مِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إلَّا أَنَّ الْجَمَاعَةَ اتَّفَقُوا عَلَى تَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ فَالْأَكْثَرُ تَرَكُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْقَلِيلُ أَجْرَوْا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْعُمُومِ فَعَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ الصَّبَّاغِ هَذِهِ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى التَّرْجِيحِ(10/52)
أَوْ النَّسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْجَوَابُ الْخَامِسُ) دَعْوَى النَّسْخِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْحُمَيْدِيُّ فِي حَدِيثِ البراء ابن عَازِبٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ الْحَاوِي مَنْ ادَّعَى نَسْخَ ذَلِكَ ذَهَبَ إلَى حَدِيثٍ فِيهِ مَقَالٌ وَذَكَرَ حَدِيثًا مِنْ رِوَايَةِ بَحْرٍ الشفاء عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ الصَّرْفِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ) قَالَ الحاوى هذا حديث واهى الاسناد وبحر الشفاء لا يقوم بِهِ الْحُجَّةُ
ثُمَّ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ وذكر حديثا من رواية محمد بن اسحق عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَبِيعَ أَوْ نَبْتَاعَ تِبْرَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَتِبْرَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ الْعَيْنِ قَالَ وَقَالَ لَنَا ابْتَاعُوا تِبْرَ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ وَتِبْرَ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ الْعَيْنِ) قَالَ الْحَاوِي هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَالٌ مِنْ جِهَةِ ابْنِ اسحق غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ ثُمَّ يَسْنُدُهُ حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فَإِنْ كَانَ أُسَامَةُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ خَيْبَرَ فَقَدْ ثَبَتَ النَّسْخُ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ مَا صَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ فَبَحَثْنَا هَلْ نَجِدُ حَدِيثًا يُؤَكِّدُ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرَةَ وَيُبَيِّنُ تَقْدِيمَ حَدِيثِ أُسَامَةَ ان كان ما سمعه عَلَى مَا سَمِعَهُ فَرَأَيْنَاهُ ذَكَرَ حَدِيثَ الْحُمَيْدِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ وَكَلَامَ الْحُمَيْدِيِّ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَحَدِيثُ فُضَالَةَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّحْرِيمَ كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَإِنَّهُ قَالَ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ نُبَايِعُ الْيَهُودَ وَفِيهِ الذَّهَبُ بِالدِّينَارَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُبَايِعُوا الذَّهَبَ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ) وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَكِنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الْأُوقِيَّةَ مِنْ ذَهَبٍ وَخَزٍّ وَغَيْرِهِ بِدِينَارَيْنِ ظَنًّا مِنْهُمْ جَوَازَهُ لِلِاحْتِيَاطِ حَتَّى يُبَيِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَامٌ حَتَّى تَمَيَّزَ
* وَهَا أَنَا(10/53)
أَتَكَلَّمُ عَلَى حَدِيثِ الْحُمَيْدِيِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) حَدِيثُ الْحُمَيْدِيِّ فَادُّعِيَ فِيهِ أَمْرَانِ
(أحدهما)
النسخ كما قال رواية الْحُمَيْدِيُّ وَنَاهِيكَ بِهِ عِلْمًا وَاطِّلَاعًا لَكِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي هَذَا مَنْسُوخٌ لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذلك من طريق الاجتهاد بخلاف مااذا صَرَّحَ بِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ كَمَا إذَا مَرَّ عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَقَالَ عَدْلٌ قَدْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ يُقْبَلُ فَلَوْ قَالَ هُوَ نَجَسٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِمَ يُقْبَلُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ سُلَيْمٌ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ بَرْهَانٍ خِلَافًا لِأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ مُطْلَقًا وَابْنُ الْخَطِيبِ نَقَلَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ النَّاسِخُ وَجَعَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيُّ قَوْلَهُ نُسِخَ كَذَا بِكَذَا فِي مَعْنَى ذِكْرِهِ تَقَدُّمَ التَّارِيخِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِنْ صَحَابِيٍّ كَذَلِكَ فَرَضَ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ بَرْهَانٍ وَابْنُ الْخَطِيبِ الْمَسْأَلَةَ
* وَأَطْلَقَ الْقُرْطُبِيُّ الْفَرْضَ فِي الرَّاوِي فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عن أسير سَأَلَ فِي الْعِبَارَةِ وَإِلَّا فَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنْ ثَبَتَ خِلَافٌ فِي غَيْرِ الصَّحَابِيِّ
كَانَ قَوْلُ الْحُمَيْدِيِّ هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَإِلَّا فَلَا غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ تَقَدُّمُ تَارِيخِ الْإِبَاحَةِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَتَأَخُّرُ التَّحْرِيمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بكرة في رواية ابن اسحق كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ ظَهَرَ مُسْتَنَدُ الْحُمَيْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَحَّ النَّسْخُ
* والمارودي جَزَمَ بِالنَّسْخِ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَزَيْدٌ قَالَ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الربا
* وههنا دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ إذَا سَلِمَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنْ تَكُونَ أَحَادِيثُ التَّحْرِيمِ نَاسِخَةً لِأَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ أَمَّا أَنَّ الْآيَةَ تَكُونُ نَاسِخَةً لِأَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْكِتَابَ لَا يَنْسَخُ السُّنَّةَ عَلَى أَحَدِ قولى(10/54)
الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ الْجَوَازَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُبِيحَةَ خَاصَّةٌ بِالنَّقْدِ وَالْآيَةُ عَامَّةٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ تَقَدُّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَلَوْ تَأَخَّرَ الْعَامُّ لَا يَكُونُ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا هُوَ بَيِّنٌ فَحِينَئِذٍ أَقُولُ إمَّا أَنْ نَقُولَ إنَّ الْآيَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ أولا (فَإِنْ قُلْنَا) بِذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ وَصَارَ النَّظَرُ مقصورا على السنة (وان نَقُلْ بِهِ) وَحَمَلْنَاهَا عَلَى الْعُقُودِ الرِّبَوِيَّةِ إمَّا عَامَّةٌ فِيهَا وَإِمَّا مُجْمَلَةٌ فَإِنْ كَانَ نُزُولُهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الْمُبِيحَةِ وَالْمُحَرِّمَةِ فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْأَحَادِيثِ الْمَنْسُوخَةِ وَالنَّاسِخَةِ أَوْ النَّاسِخَةِ فَقَطْ مُبَيِّنَةً أَوْ مُخَصِّصَةً لِلْآيَةِ وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ آخِرَ آيَةٍ نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ نُزُولُ الْآيَةِ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْمُبِيحَةِ وَالْمُحَرِّمَةِ وَهُوَ مَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَاتُ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَحْرِيمُ الْخَمْرِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جدد تحريم التجارة في الخمر ولايكون ذَلِكَ أَوَّلَ تَحْرِيمِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَأَنَّ نُزُولَ آيَةِ الرِّبَا بَعْدَ الْأَحَادِيثِ الْمُبِيحَةِ وَقَبْلَ الْمُحَرِّمَةِ فَالْمُبِيحَةُ مُبَيِّنَةٌ أَوْ مُخَصِّصَةٌ لِلْآيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَحِينَئِذٍ فَنَتَصَدَّى النَّظَرَ فِي أَنَّ الْعَامَّ الْمُخَصَّصَ هَلْ أُرِيدَ بِهِ الْقَدْرُ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَخْرَجِ أَوْ أُرِيدَ بِهِ الْبَاقِي وَخُرُوجُ غَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ فَتَكُونُ الْآيَةُ مُرَادًا بِهَا تَحْرِيمَ النَّسَاءِ وَالْأَحَادِيثُ الْمُبَيِّنَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ تَقْتَضِي حُكْمَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
تَحْرِيمُ النَّسَاءِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْآيَةِ
(وَالثَّانِي)
إبَاحَةُ النَّقْدِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الْخَاصَّةِ وَهُوَ الْمَنْسُوخُ بِالسُّنَّةِ مَعَ كَوْنِ الْآيَةِ بَاقِيَةً عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِهَا النَّسِيئَةَ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا فِيمَا عَدَاهُ
وَتَحْرِيمُ النَّقْدِ بِالسُّنَّةِ زَائِدٌ عَلَيْهَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَأْتِي بَحْثُ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ إذَا كَانَ(10/55)
لَهَا تَعَلُّقٌ بِهِ نَسْخٌ عِنْدَهُمْ وَالصَّوَابُ أَنَّ ذلك لا يأتي ههنا لِأَنَّ إبَاحَةَ النَّقْدِ لَمْ تُفْهَمْ مِنْ الْآيَةِ وهم انما يقولون ذلك فيما كَانَتْ الزِّيَادَةُ تَدْفَعُ مَفْهُومَ اللَّفْظِ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِدَعْوَى النَّسْخِ فِي ذَلِكَ (الْأَمْرُ الثَّانِي) مِمَّا اُدُّعِيَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ هَذَا أَنَّهُ مَعْلُولٌ فَيَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَهُ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ (سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَا كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ إنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلَا يَصْلُحُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَامِرِ بْنِ مُصْعَبٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ (بَاعَ شَرِيكٌ لِي وَرِقًا نَسِيئَةً إلَى الْمَوْسِمِ أَوْ إلَى الْحَجِّ فَجَاءَ إلَيَّ فَأَخْبَرَنِي فَقُلْتُ هَذَا الْأَمْرُ لَا يَصْلُحُ قَالَ فَقَدْ بِعْتُهُ فِي السُّوقِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَبِيعُ هَذَا الْبَيْعَ فَقَالَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَهُوَ رِبًا وأتى زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ تِجَارَةً مِنِّي فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ اللَّذَانِ فِي الصَّحِيحِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا وَلَا إشْكَالَ وَلَا حُجَّةَ لَمُتَعَلِّقٍ فِيهِمَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ المراد بيع دراهم بشئ ليس ربويا ويكون الفاسد لاجل التأخير بالموسم أو الحج فانه غير محرر ولاسيما عَلَى مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَيَدُلُّ لَهُ رواية أخرى(10/56)
عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ (سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنْ الصَّرْفِ فَكِلَاهُمَا يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وفى لفظ مسلم (عَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ دَيْنًا) فَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ صَرْفُ الْجِنْسِ بِجِنْسٍ آخَرَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ثَابِتَةٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ وَالرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ
رِوَايَةُ الْحُمَيْدِيِّ وَاللَّتَانِ فِي الصَّحِيحِ وَكُلُّهَا أَسَانِيدُهَا فِي غَايَةِ الْجُودَةِ وَلَكِنْ حَصَلَ الاختلاف في سفيان فخالف الحميدي علي ابن الْمَدِينِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَكُلٌّ مِنْ الْحُمَيْدِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ فِي غاية الثبت ويترجح أن ابْنُ الْمَدِينِيِّ هُنَا بِمُتَابَعَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ لَهُ وَبِشَهَادَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ لِرِوَايَتِهِ وَشَهَادَةِ رِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ لِرِوَايَةِ شَيْخِهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ رِوَايَةَ مَنْ قَالَ إنَّهُ بَاعَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ خَطَأٌ عِنْدَهُ فَهَذَا جَوَابُ حَدِيثِي وقد لا يجسر الفقيه على الحكم لتخطئة بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَنَقُولُ إنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ رِوَايَاتِ عَمْرِو بْنَ دِينَارٍ فَإِنَّ مِنْهَا مَا أطلق فيه الصرف (ومنها) مابين أَنَّهَا دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا بَيَّنَ مَا أَبْهَمَهُ الْآخَرُ وَيَكُونُ حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابت حديثا آخر ورادا في الجنسين وتحريم النساء فيهما ولاتنافى فِي ذَلِكَ وَلَا تَعَارُضَ وَحِينَئِذٍ يُضْطَرُّ إلَى النَّسْخِ إنْ ثَبَتَ مُوجِبُهُ أَوْ تَرْجِيحُهُ وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا بِأُمُورٍ (مِنْهَا) أَنَّ رِوَايَةَ أَحَادِيثِ التحريم أكثر كما سبقت عليهم والقاعدة الترجيج بِالْكَثْرَةِ وَهَذَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ رُوِيَ تَحْرِيمُ الْفَضْلِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُبَادَةَ وَقَالَ ورواية خَمْسَةٍ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ وَقَالَ سُلَيْمٌ الداري(10/57)
أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْمَأَ فِي مَوْضِعٍ إلَى أَنَّهُ لَا تَرْجِحَ بِالْكَثْرَةِ فِي أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ وَهُمَا سَوَاءٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ حَيْثُ لَمْ يُرَجَّحْ فِيهَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا (وَمِنْهَا) انهم أسن فان فيهم عثمان وعبادة وغيرهما مِمَّنْ هُمْ أَسَنُّ مِنْ الْبَرَاءِ وَزَيْدٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أُسَامَةَ (وَمِنْهَا) بِالْحِفْظِ فَإِنَّ فِيهِمْ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ هُوَ مَشْهُورٌ بِالْحِفْظِ أَكْثَرُ مِنْ الْبَرَاءِ وَزَيْدٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي زَمَانِ الصِّبَا وهو موجوح بالنسبية إلَى الْأَوَّلِ
* وَإِنَّمَا قُلْتُ إنَّ تَحَمُّلَ الْبَرَاءِ وَزَيْدٍ فِي حَالَةِ الصِّبَا لِأَنَّهُمَا قَالَا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَتَحَادُثُنَا) هَكَذَا قَالَ وَعِنْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سِنُّ كُلٍّ مِنْهُمَا عَشْرًا أَوْ نَحْوَهَا لِمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ رَوَى باسناده إلى زيد ابن حَارِثَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَصْغَرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَأَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ وَسَعِيدَ بْنَ حَبِيبَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
* وَعَنْ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَوَّلَ غَزْوَةٍ شَهِدَاهَا الْخَنْدَقُ
* وَمِنْ الْمُرَجِّحَاتِ أَيْضًا أَنَّ حَدِيثَ الْبَرَاءِ وَزَيْدٍ مُبِيحٌ وَأَحَادِيثُ عُبَادَةَ وَأَصْحَابِهِ مُحَرِّمَةٌ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُقَرِّرُ والنقال فالمرجع النَّاقِلُ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسُلَيْمٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ حكما شرعيا خلاف لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَطِيبِ حَيْثُ قَالَ يُقَدَّمُ الْمُقَرِّرُ وَإِنْ حَصَلَ التَّعَارُضُ فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِضَادٍ بِأَصْلٍ فَالْمُحَرِّمُ رَاجِحٌ عَلَى الْمُبِيحِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ووافقهم الكرخي من الحنيفة وَأَبُو يَعْلَى مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ لِلِاحْتِيَاطِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ مِنَّا وَعِيسَى بْنِ أَبَانَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبِي هَاشِمٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ حَيْثُ قَالُوا هُمَا سواء وثم وجوه أخر من الترجيح لاتخفى عَنْ الْفِطَنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْجِيحَ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ(10/58)
اسْتِقْرَاءِ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالَ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ سِوَاهُمَا أَوْ لِلتَّخْيِيرِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَقَدْ اتَّضَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّكَ تَرَى أَنِّي أَطَلْتُ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ فَاعْلَمْ أَنِّي مَتَى جَاءَتْ قَاعِدَةٌ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ حَدَدْتُهَا وَأَقْوَالَ الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَالرَّاجِحَ مِنْهَا ثُمَّ إذَا عَادَ ذِكْرُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَمَلْتُ عَلَى الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَصْلٌ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ)
رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَمَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَبِلَالٍ وَجَابِرِ ابن عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَرُوَيْفِعٍ بْنِ ثَابِتٍ وَبُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ (أَمَّا) حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَشْهُورٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالزَّائِدُ وَالْمُسْتَزِيدُ فِي النَّارِ) رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعُبَيْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتُلِفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ فِيهِ فَفِي سُنَنِ أبى قرة عن محمد
ابن السَّائِبِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِهِ وَلَمْ يَصِحَّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ أبو جمرة مَيْمُونٌ الْقَصَّابُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مَنْ زَادَ أَوْ ازداد فقد أربى)(10/59)
وأبو جمرة ضَعِيفٌ وَقَدْ اضْطَرَبَ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قال الدارقطني في كتاب العلل وأبو جمرة مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ وَالِاضْطِرَابُ فِي الْإِسْنَادِ مِنْ قِبَلِهِ والله أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَصَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَتِنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْرُجهُ ابْنُ ماجه والدارقطني فِي سُنَنِهِمَا وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ جَدِّ الشَّافِعِيِّ عَنْ عُمَرَ بن محمد عن أبيه وهو من الْحَنَفِيَّةِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِوَرِقٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِذَهَبٍ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِذَهَبٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِوَرِقٍ وَالصَّرْفُ هَا وَهَا) وَقَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ غَرِيبٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمُخَرَّجٌ فِي كُتُبِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْمُسْتَدْرِكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ وَهَذَا لَفْظُ الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ سَعْدٌ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اشْتِرَاءِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَيْنَهُمَا فَضْلٌ قَالُوا نَعَمْ الرُّطَبُ يَنْقُصُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَصِحُّ) هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى مَعْنَى الْفَضْلِ فَهَؤُلَاءِ خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُبَادَةَ فَهُوَ أَتَمُّ الْأَحَادِيثِ وَأَكْمَلُهَا وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ الْعُمْدَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَعُبَادَةُ أَسَنُّ وَأَقْدَمُ صُحْبَةً مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَعَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ هَكَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الكتب الستة(10/60)
غيره وقد اشتبه علي بن مَعْنٍ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ فَنَسَبَهُ إلَى مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَنَسَبَ الثَّانِي إلَى مُسْلِمٍ وَحْدَهُ فَأَرَدْتُ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ فَإِنَّ الْمُحَدِّثَ إذَا نَسَبَ الْحَدِيثَ إلَى كِتَابٍ مُرَادُهُ مِنْهُ أَصْلُ الْحَدِيثِ فَيُحْتَمَلُ مِنْهُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) الْفَقِيهُ فَمُرَادُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ الذى يستدل به فلابد من الموافقة فيه والله أَعْلَمُ
* وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ ابن عبيد بن عُبَادَةَ قَالَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ قَالَ أَحَدُهُمَا وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ وَلَمْ يَقُلْهُ الْآخَرُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَأَمَرَنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا قَالَ أَحَدُهُمَا فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدَّمَ الْوَرِقَ عَلَى الذَّهَبِ وَبَعْضَ قَوْلِهِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ وَقَوْلِهِ مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ وَرِوَايَةُ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ عُبَادَةَ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْهُ (وَأَمَّا) رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ وَيُقَالُ لَهُ ابْنُ هُرْمُزٍ فَمُتَّصِلَةٌ فِيمَا أَظُنُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ من حديث مسلم ابن يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ وَلَفْظُهُ فِيهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ) قَالَ وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَزَادَ الْآخَرُ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى وَكَذَلِكَ رَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ حَرْفًا بِحَرْفٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَزَادَ أَحَدُهُمَا مَنْ زَادَ(10/61)
أَوْ ازْدَادَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ مُتَّصِلًا بِلَفْظٍ قَرِيبٍ مِنْ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ فِي تَصْدِيرِ الْحَدِيثِ بِالنَّهْيِ وَفِي اسْتِيفَاءِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ وَانْفَرَدَتْ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ بِالْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ إلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ
وَفِيهِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مِمَّنْ نَقَلَ عَنْهُ وَنِعْمَ مَا فَعَلَ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ اسْتَزَادَ لَيْسَ فِي مُسْلِمٍ بَلْ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالنَّسَائِيَّ فِي رِوَايَةٍ مِنْ لَفْظِ عُبَادَةَ وَإِنَّمَا جَاءَ لَفْظُ اسْتَزَادَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظُ عُبَادَةَ ازْدَادَ هَذَا الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي رِوَايَتِنَا والله أَعْلَمُ
* وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَكِنَّهُ قَدَّمَ التَّمْرَ عَلَى الْبُرِّ وَلَمْ يَقُلْ سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَإِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَرَوَاهُ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَشْعَثِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد فِيهِ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وعينها والبر مُدًّا بِمُدٍّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدًّا بِمُدٍّ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدًّا بِمُدٍّ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدًّا بِمُدٍّ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا) وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالتَّمْرُ(10/62)
بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَبِيعُوا الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ قَالَ خَالِدٌ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَبِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَفْظُ النَّسَائِيّ قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِ أَبِي دَاوُد مختصر وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُشْتَرَكَةٌ فِي تَصْدِيرِ الْحَدِيثِ بِالْإِثْبَاتِ لَا بِالنَّهْيِ وَفِيهَا زِيَادَةُ تَصْرِيحٍ بِالْأَصْنَافِ الْمُخْتَلِفَةِ وَعِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الذَّهَبُ الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ وَالْفِضَّةُ الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ حَتَّى قَالَ الْمِلْحُ الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ) وَقَدْ رَوَى مَا تُوُهِّمَ أَنَّ حَكِيمًا
لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُبَادَةَ فَهَذِهِ أَلْفَاظُ الْكُتُبِ الخمسة في حديث عبادة والله أَعْلَمُ
* وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَهُوَ أَتَمُّهَا وَأَحْسَنُهَا بَعْدَ حَدِيثِ عُبَادَةَ لَا سِيَّمَا وَهُوَ الْمَنَاظِرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَهُوَ فِي أَصْلِهِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَدْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ وَلَفْظُهُ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ مُخْتَصَرًا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إلَّا يَدًا بِيَدٍ ولفظه عند البخاري (كنا نرزق بجمع تَمْرَ الْجَمْعِ وَهُوَ الْخِلْطُ مِنْ التَّمْرِ وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صاعين بصاع ولا درهم بدرهمين) وكذلك فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (لَا صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ وَلَا صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ) قَالَ أَحْمَدُ قَالَ زَيْدٌ وَلَا صَاعَا تَمْرٍ بِصَاعٍ وَلَا صَاعَا حِنْطَةٍ بِصَاعٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْوَرِقُ بالورق مثلا(10/63)
بِمِثْلٍ) وَلَفْظُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ) وَهُوَ أَتَمُّ أَلْفَاظِهِ
* وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَلْفَاظِهِ عَنْ ذِكْرِ مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ هَذَا (وأما) حديث أبى الدرداء وأبى أسيد رضى الله عنهما فقد تَقَدَّمَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ خبيب فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ لَا والله يارسول اللَّهِ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم خبيبا) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحْدَهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ) وَفِي أُخْرَى (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُ قَالَ (الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا) وَفِي رِوَايَةٍ
فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ صَحِيحَةٍ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَلَا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ جَاءَهُ صَائِغٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ ثُمَّ أبيع الشئ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَاسْتَفْضَلَ فِي ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدَيْ فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى دَابَّتِهِ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دينار الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْنَا وَعَهْدُنَا إلَيْكُمْ) هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ مِنْ جِهَتِهِ النَّسَائِيُّ فَذَكَرَهُ هَكَذَا فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْمُجْتَبَى أَيْضًا مِنْ جِهَتِهِ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا عَنْهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الاصول فقال إنَّ النَّسَائِيَّ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ وَاَلَّذِي أَظُنُّ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا غَلَطُ سَقْطِ ابْنِ وَكَذَلِكَ مِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي(10/64)
وقعت لابن الاثير والله أَعْلَمُ
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَقِبَ رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ مَالِكٍ هَذَا خَطَأٌ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ وَرْدَانَ الدَّوِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ فِيهِ هَذَا عَهْدُ صَاحِبِنَا إلَيْنَا وَعَهْدُنَا إلَيْكُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْنِي بِصَاحِبِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَالْأَخْبَارُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هَذَا عَهْدُ نبينا الينا وهو يريد إلى أصحابه بعد ما ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ
* وَقَدْ تَكَلَّمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُنَا بِمَا لَا أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُقَابِلَهُ بِمِثْلِهِ لِمَا أَلْزَمْتُ نَفْسِي مِنْ الْأَدَبِ مَعَ الْعُلَمَاءِ وَنَسَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْغَلَطِ وَرَأَى أَنَّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ مُجْمَلَةٌ وَرِوَايَةَ مَالِكٍ مُبَيِّنَةٌ فَيَكُونُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ صَاحِبُنَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ (كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ فِي الصَّرْفِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه شيئا) ولكن لرواية ابن عمر أَصْلٌ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ قَالَ (كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسٌ فَدَعَا بِلَالًا بِتَمْرٍ عِنْدَهُ فَجَاءَ بِتَمْرٍ أَنْكَرَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا هَذَا التَّمْرُ قَالَ التَّمْرُ الَّذِي كَانَ عِنْدَنَا أَبْدَلْنَاهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ رُدَّ عَلَيْنَا تَمْرَنَا رَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دِهْقَانَةَ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ شُرَحْبِيلَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) قَالَ شُرَحْبِيلُ إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ مِنْهُمْ فَأَدْخَلَنِي اللَّهُ النَّارَ
* وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ أَرْسَلَ ذَلِكَ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ نُبَايِعُ الْيَهُودَ الْأُوقِيَّةَ الذَّهَبَ بِالدِّينَارَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَأَمَرَنَا أَنْ نَبْتَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا) رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ الله(10/65)
فَصَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ فَقَالَ بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ فَلَمَّا جَاءَ مَعْمَرًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ معمر لم فعلت ذلك انطلق فرده ولا تَأْخُذْنَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنِّي كُنْتُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول الطعام بالطعام مثلا بمثل) وكان طعامنا يومئذ الشَّعِيرُ قِيلَ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ قَالَ إنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارَعَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمُسْنَدَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ معاني الآثار عن أبى بكرة ثنا عمر بن نفير نا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ (مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي حَدِيثٍ بَلَغَهُ عَنْهُ فِي بَيَانِ الصَّرْفِ فَأَتَاهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَقَالَ رَافِعٌ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَشْفُوا الدِّينَارَ عَلَى الدِّينَارِ وَلَا الدِّرْهَمَ عَلَى الدِّرْهَمِ وَلَا تَبِيعُوا غَائِبًا مِنْهَا بِنَاجِزٍ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ حَتَّى يَدْخُلَ عَتَبَةَ بَابِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيِّ وَرَوَاهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ أَنَا اسرائيل عن أبى اسحق عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ بِلَالٍ قَالَ (كَانَ عِنْدِي مُدُّ تَمْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ أَطْيَبَ مِنْهُ صَاعًا بِصَاعَيْنِ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا يَا بِلَالُ قُلْتُ اشْتَرَيْتُهُ صَاعًا بِصَاعَيْنِ قَالَ رُدَّهُ وَرُدَّ عَلَيْنَا تَمْرَنَا) (وأما) حديث ابن عَبْدِ اللَّهِ فَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ
قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعْطِي الصَّاعَ مِنْ حِنْطَةٍ فِي سِتَّةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ فَأَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ نُهُوا عن الصَّرْفِ رَفَعَهُ رَجُلَانِ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* الصَّرْفُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْفَضْلِ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ فِيهِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ يُفِيدُ كَرَاهَةَ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ - بِفَتْحِ الصَّادِ - عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(10/66)
وَسَلَّمَ قَالَ (مَا وُزِنَ مِثْلًا بِمِثْلٍ إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الرَّبِيعِ هَكَذَا وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ فَرَوَوْهُ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظٍ غَيْرِ هذا اللفظ (وأما) حديث رويفع ابن ثابت فرواه الطحاوي ثنا فهد بن أَبِي مَرْيَمَ أَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ أَنَا ربيعة بن سليم مولى عبد الرحمن ابن حسان النحبى انه سمع جنس الصنعانى يحدث عن رويفع بن ثابت عن عروة إياس قبل العرب يَقُولُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَبْتَاعُونَ الْمِثْقَالَ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إلَّا الْمِثْقَالُ بِالْمِثْقَالِ وَالْوَزْنُ بِالْوَزْنِ) وَرُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ هَذَا أَنْصَارِيٌّ صَحَابِيٌّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التاريخ الكبير يعد في المصريين وذكره بن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ فِي الْأَنْصَارِ وَرَوَى لَهُ حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بسند فيه الفضل ابن حَبِيبٍ السَّرَّاجُ إلَى بُرَيْدَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَهَى تَمْرًا فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَلَا أَرَاهَا إلَّا أُمَّ سَلَمَةَ بِصَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ فَأَتَوْا بِصَاعٍ مِنْ عَجْوَةَ فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَهُ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا قَالُوا بَعَثْنَا بِصَاعَيْنِ فَأَتَيْنَا بِصَاعٍ فَقَالَ رُدُّوهُ فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ) فَهَؤُلَاءِ مَنْ حَضَرَنِي رِوَايَاتُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عِشْرُونَ صَحَابِيًّا وَرَوَاهُ مُرْسَلًا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعْدَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَبَاعَا
كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا فَقَالَ لَهُمَا أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا) رَوَاهُ مَالِكٌ في المؤطا وَالسَّعْدَانِ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَرُوِيَ أَيْضًا مُرْسَلًا بِزِيَادَةٍ عَلَى السِّتَّةِ عَنْ مالك بن أوس بن الحدبان إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبُ بِالزَّبِيبِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالسَّمْنُ بِالسَّمْنِ وَالزَّيْتُ بِالزَّيْتِ وَالدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لافضل بَيْنَهُمَا) وَهُوَ مُرْسَلٌ وَإِسْنَادُهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ فِيهِ رَجُلٌ وَضَّاعٌ وَآخَرُ مَجْهُولٌ فَهَذِهِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَفِي مُسْلِمٍ وَحْدَهُ حَدِيثُ عُبَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَفَضَالَةَ وَعَلَى الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ(10/67)
عنه (ومنها) خارج الصحيحين وهو صحيح حديت أَبِي أُسَيْدٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ مَا يُنْظَرُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحُكْمُ الثَّانِي) تَحْرِيمُ النَّسِيئَةِ وَهُوَ حَرَامٌ فِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسَيْنِ إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ جَمِيعًا مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالْحِنْطَةِ بِالتَّمْرِ وَذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ صَرِيحًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَدَمَ الْخِلَافِ فِيهِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ وَاتَّفَقُوا أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ نَسِيئَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ إلَّا أَنَّا وَجَدْنَا لِعَلِيٍّ رَضِيَ الله عنه انه باع من عمر بْنِ حُرَيْثٍ جُبَّةً مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ بِذَهَبٍ إلَى أجل وان عمر أَحْرَقَهَا وَأَخْرَجَ مِنْهَا مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرَ مِمَّا ابْتَاعَهَا بِهِ وَوَجَدْنَا لِلْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ صَاحِبِ مَالِكٍ أن دينارا وثوبا بدينارين احدهما نقد وَالْآخَرُ نَسِيئَةً جَائِزٌ وَاتَّفَقُوا أَنَّ بَيْعَ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ كَذَلِكَ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ الْمِلْحِ بِالْمِلْحِ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً حرام اه كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ وَقَدْ رَأَيْتُ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا عَنْ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ فِي تَعْلِيقَةِ أبى اسحق التُّونِسِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ لَهُ تَأْوِيلًا أَوْ وَقَعَ وَهْمٌ فِي النَّقْلِ
* وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ كَحَدِيثِ أُسَامَةَ وَحَدِيثِ الْبَرَاءِ وزيدبن أَرْقَمَ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَمَّا) حَدِيثُ أُسَامَةَ فَقَوْلُهُ (إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ) إنْ جَعَلْنَاهُ مَنْسُوخًا فَالْمَنْسُوخُ مِنْهُ الْحَصْرُ خَاصَّةً كَمَا قِيلَ مِثْلُهُ فِي (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْإِثْبَاتِ مُسْتَمِرٌّ لَمْ يُنْسَخْ
* وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ فَيَكُونُ دَالًّا عَلَى تَحْرِيمِ النَّسَاءِ فِي الْجِنْسَيْنِ وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لِأَنَّ تَحْرِيمَ النَّسَاءِ آكَدُ
بِدَلِيلِ تَحْرِيمِهِ فِي الْجِنْسَيْنِ فَإِذَا حُرِّمَ التَّفَاضُلُ فَالنَّسَاءُ أَوْلَى وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّالِثِ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَلَا تَبْقَى فِيهِ دَلَالَةٌ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ وَزَيْدٍ صَرِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا(10/68)
فَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ أَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَنْعِ الْأَجَلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَلْ عُمُومُهُ شَامِلٌ لِكُلِّ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ كَانَ جِنْسًا أَوْ جِنْسَيْنِ وَقَدْ أُخِذَ هَذَا الْحُكْمُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (هاوها) (إمَّا) لِأَنَّ اللَّفْظَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ ابْتِدَاءً (وَإِمَّا) لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّقَابُضَ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُلُولُ غَالِبًا وأما فرض أجل يسير ينقض فِي الْمَجْلِسِ فَنَادِرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَمَنَعَ الْمَاوَرْدِيُّ أَخْذَهُ مِنْ هَذَا وَقَالَ هُوَ وَالْغَزَالِيُّ إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ إذْ الْعَيْنُ لايدخل فِيهَا الْأَجَلُ وَلَا يُمْكِنُهُمَا الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّهُمَا وَجَمِيعَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُونَ التَّعْيِينَ بَلْ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَرِدَ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لكنه قد يقال انه غَلَبَ إطْلَاقُ الدَّيْنِيَّةِ فِي الْأَجَلِ وَالْعَيْنِيَّةِ فِي مُقَابِلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَفِي تَسْلِيمِ هَذِهِ الْغَلَبَةِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْحُكْمُ الثَّالِثُ) تَحْرِيمُ التَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَيُسَمَّى ذَلِكَ رِبَا الْيَدِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ وَالْجِنْسَانِ (أَمَّا) فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا أَنَّ الصَّرْفَ فَاسِدٌ
* وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَوَّزَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ التَّفَرُّقَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْأَحَادِيثِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمَا خَالَفَهُ
* وَأَمَّا الطَّعَامُ فَقَدْ خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ إنَّهُ إذَا بَاعَ الطَّعَامَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَافْتَرَقَا مِنْ الْمَجْلِسِ ثم تقابضا بعدم لَمْ يَضُرَّ الْعَقْدَ إلَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّرْفِ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ التَّقَابُضُ عِنْدَهُ مِنْ قاعدة الربا في شئ لافى الصرف ولافى الطعام وانما اشترطه فِي الصَّرْفِ لِأَجْلِ التَّعْيِينِ فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ ان الدارهم والدنانير لاتتعين بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ القبض لصار دينار وَلَكَانَ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَغَيْرِهَا وَيَجْعَلُونَ قَوْلَهُ يَدًا بِيَدٍ لِمَنْعِ النَّسَاءِ وَقَوْلَهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ تَأْكِيدًا بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُ أَصْحَابُنَا وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا احْتِمَالٌ يُتْرَكُ بِهِ الظَّاهِرُ(10/69)
إذَا تَأَيَّدَ بِدَلِيلٍ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالْقِيَاسُ (أَمَّا) الْكِتَابُ فَهُوَ أَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الْآيَةِ هُوَ الرِّبَا وَالرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ وَذَلِكَ إمَّا فِي الْمِقْدَارِ وَإِمَّا فِي الْمِيعَادِ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ النَّسَاءُ أَوْ الْجَوْدَةُ أَمَّا فِي الْجَوْدَةِ فَقَدْ أَسْقَطَهَا الشَّرْعُ حَيْثُ قَالَ جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ رَوَاهُ (1) وَلِسُقُوطِ قِيمَتِهَا تَحَقَّقَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَفِي هَذَا بَنَوْا أَنَّ مَنْ فَوَّتَ جَوْدَةَ الْحِنْطَةِ لَا يَضْمَنُهَا عَلَى حَالِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ لِأَنَّ قِيمَةَ الْجَوْدَةِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ سَاقِطَةٌ بِزَعْمِهِمْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالتَّفَاضُلُ فِي الْمِقْدَارِ أَوْ فِي الْمِيعَادِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الرِّبَا فليس التقابض من الربا في شئ إذْ قِيمَةُ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ كَوْنِهِ نَقْدًا كَقِيمَةِ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ قِيمَةِ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّهُ يُخَالِفُ قِيمَةَ الْحَالِ فَلَوْ حُرِّمَ تَرْكُ التَّقَابُضِ بِحُكْمِ الرِّبَا لَكَانَ زِيَادَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ فَهُوَ أَنَّ الْقَبْضَ مُوجِبٌ لِلْعَقْدِ إذْ بِالْعَقْدِ يَجِبُ الْإِقْبَاضُ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا فِيهِ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْعَقْدِ فَالْوَاجِبُ التَّعْيِينُ فَقَطْ لَا الْقَبْضُ وَوَجْهُ الْكِنَايَةِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ أَنَّ الْيَدَ آلَةُ الْإِحْضَارِ وَالْإِشَارَةِ وَالتَّعْيِينِ كَمَا أَنَّهَا آلَةُ الْقَبْضِ فَكَمَا يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْقَبْضِ يَجُوزُ أَنْ يُكَنَّى بِهَا عَنْ التَّعْيِينِ
* وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى مُحْتَمَلًا وَتَأَيَّدَ بِدَلِيلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ فَالتَّعْيِينُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَفِي السَّلَمِ أَيْضًا فَإِذَا أَسْلَمَ دَرَاهِمَ فِي حِنْطَةٍ وَجَبَ إقْبَاضُ الدَّرَاهِمِ لِيَتَعَيَّنَ فَلَا يَكُونُ بَيْعَ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَالْأَصْلُ فِي السَّلَمِ أَنْ يَجْرِيَ بِالْأَثْمَانِ فَيَكُونَ الثَّمَنُ مُسْلَمًا فِيهِ وَهُوَ دَيْنٌ وَالثَّمَنُ رَأْسُ الْمَالِ وَهُوَ دَيْنٌ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ ثُمَّ لَمَّا عَسُرَ عَلَى العوام التفرقة بين ما يجب تعيينه ومالا يَجِبُ أَوْجَبَ الشَّرْعُ الْقَبْضَ فِي رَأْسِ الْمَالِ مُطْلَقًا بِاسْمِ السَّلَمِ وَأَوْجَبَ فِي الْأَثْمَانِ بِاسْمِ الصَّرْفِ تَيْسِيرًا لِمُرَادِهِمْ وَتَحْقِيقًا لِلْغَرَضِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّقَابُضَ لَقَالَ يَدًا مِنْ يَدٍ فَلَمَّا قَالَ يَدًا بِيَدٍ كَانَ مِثْلَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ لِلْخَلَاصِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ لَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالْقَبْضِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ كَمَا فِي السَّلَمِ فَوُجُوبُهُ فِي الْجَانِبَيْنِ لَا مُسْنَدَ له إلا الحديث (فان قلت) ليس
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)(10/70)
أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ فِيهِمَا (قُلْتُ) الْوُجُوبُ عِنْدَهُمْ هُنَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ عَلَى
مَا تَقَدَّمَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَحْصُلْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَتَعْلِيقُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى عَدَمِ قَبْضِ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَقَدْ تَمَسَّكُوا فِي الْوُجُوبِ فِيهِمَا بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا التَّسْوِيَةُ لِحَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَنْبَغِي إذَا أَسْقَطَاهَا أَنْ يَسْقُطَ وَأَنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ بِمَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِثَوْبَيْنِ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ مَعَ فُقْدَانِ التَّسْوِيَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّ عَيْنًا بِعَيْنٍ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ فَذَلِكَ يَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَكُونَ عينا بعين متأخر حَتَّى يَصْلُحَ أَنْ يَكُونَ مُؤَكِّدًا وَهُوَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي لَفْظِ الْمُسْتَدْرَكِ بِتَقْدِيمِ يَدًا بِيَدٍ عَلَى عَيْنًا بِعَيْنٍ (وَأَمَّا) فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَفِيهَا تَقْدِيمُ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ عَلَى يَدًا بِيَدٍ وَالْمُؤَكِّدُ لَا يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمُؤَكَّدِ فَإِنْ جَعَلُوا يَدًا بِيَدٍ تَأْكِيدًا فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بن يحيى تلميذ الغزالي سَبَقَ قَوْلُهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَمْنَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ فَإِنَّ الصَّرِيحَ فِي مَعْنًى يَسْتَغْنِي عَنْ التَّأْكِيدِ بِمُحْتَمَلٍ كَيْفَ وَتَنْزِيلُ اللَّفْظِ عَلَى فَائِدَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدَةٍ وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْيَدَ آلَةٌ لِلتَّعْيِينِ كَمَا هِيَ آلَةٌ لِلْإِقْبَاضِ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا مُتَعَيَّنَةٌ لِلْإِقْبَاضِ (وَأَمَّا) التَّعْيِينُ فَيُشَارِكُهَا فِيهِ الْإِشَارَةُ بِالرَّأْسِ وَالْعَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ يَدًا مِنْ يَدٍ لَيْسَ بصحيح لان قوله يد بِيَدٍ مَعْنَاهُ مَقْبُوضًا بِمَقْبُوضٍ فَعَبَّرَ بِالْيَدِ عَنْ الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهَا إلَيْهِ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالسَّبَبِ الْفَاعِلِيِّ عَنْ الْمُسَبَّبِ وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مَقْبُوضًا بِمَقْبُوضٍ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ فَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْ قَالَ مِنْ يَدٍ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ ثُمَّ اشْتَهَرَ هَذَا الْمَجَازُ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً حَيْثُ أُطْلِقَ يَدًا بِيَدٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ فِي الْعُرْفِ غَيْرُ التَّقَابُضِ وَقَدْ اعْتَضَدَ أَصْحَابُنَا فِي المسألة بالاثر وَالْمَعْنَى (أَمَّا) الْأَثَرُ فَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ لَمَّا تَصَارَفَا وَقَوْلُهُ لَا تُفَارِقْهُ فلما نَهَى عُمَرُ مَالِكًا عَنْ مُفَارَقَةِ طَلْحَةَ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا هَا وَهَا) وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ التَّقَابُضَ لَا مُجَرَّدَ الْحُلُولِ وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَاعِدَةِ الرِّبَا لَا من قاعدة(10/71)
لتعيين وَبَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَهَذَا الْحَدِيثُ سَيَأْتِي مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفَهْمُ الرَّاوِي أَوْلَى من فهم غيره لاسيما مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا بَعْدَ تَسْلِيمِ الِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ تَرْكَ التَّقَابُضِ رِبًا لِأَنَّ الرِّبَا عِبَارَةٌ عَنْ الْفَضْلِ الْمُطْلَقِ
وَالْفَضْلُ يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ يَكُونُ قَدْرًا فِي الصَّاعِ بِالصَّاعَيْنِ وَنَقْدًا فِي الْعَيْنِ بِالنَّسَاءِ وَقَبْضًا فِي الْمَقْبُوضِ وَغَيْرِ الْمَقْبُوضِ قَالَ أَصْحَابُنَا بَلْ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ الْيَدُ فَوْقَ الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنِيَّةُ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ إنَّمَا تُطْلَبُ لِيُتَوَصَّلَ إلَيْهَا بِالْأَيْدِي وَلِأَنَّ الْيَدَ تُقْصَدُ بِنَفْسِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعُقُودِ وَالْعَيْنِيَّةَ لَا تُقْصَدُ بِنَفْسِهَا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ رِبًا فَيَجِبُ التَّقَابُضُ نَفْيًا لِلرِّبَا وَمَتَى جَازَ تَأْخِيرُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ أَمْكَنَ الرِّبَا فَلَا يُؤْمَنُ ذَلِكَ إلَّا بِإِيجَابِ التَّقَابُضِ فِيهِمَا وَهَذَا مُلَخَّصُ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وسيأتى القول في تعيين الايمان الَّذِي جَعَلُوا بِنَاءَ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ الله تعالى والله سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
* وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ يَشْتَرِطُونَ التَّقَابُضَ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ كَمَا هُوَ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ أَطَالَ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَمُقَابِلِيهِمْ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالْإِلْزَامَاتِ بِمَا لَمْ أَرَ تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِذِكْرِهِ وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْجَوَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَثْمَانَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَتَى لَمْ يَتِمَّ لَهُمْ ذَلِكَ الْأَصْلُ انْحَلَّ كَلَامُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فَرْقٌ بينه وبين الطعام والله أَعْلَمُ
* (فَائِدَةٌ) قَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَتَحَصَّلَ فِي الْقَبْضِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّرْفُ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ بَيْعُ الْمَطْعُومِ بِنَقْدٍ ومختلف فيه وهو بيع الْمَطْعُومُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ (الْحُكْمُ الرَّابِعُ) جَوَازُ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ مَعَ تَحْرِيمِ النَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْمُفَاضَلَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ السَّابِقَةِ وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ النَّسَاءِ عِنْدَ الِاتِّحَادِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَمَا تَقَدَّمَ أَمَّا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَبِالْإِجْمَاعِ واما في غيره فباجماع القايسين(10/72)
وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ حَرَامٌ كَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِيمَا عَدَا الصَّرْفَ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَمَضَتْ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ التَّقَابُضِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ (وَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ التَّقَابُضِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاتِّحَادِهِ فَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ خَرَّجَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي كُتُبِهِمْ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ
قَالَ فَدَعَانِي طلحة بن عبيد فتراودنا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي (1) مِنْ الْغَابَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْمَعُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذهب بالورق ربا إلاها وها والبر بالبر ربا إلاها وها والتمر بالتمر ربا إلاها وَهَا وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَا وَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ) فَذَكَرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ (قَالَ عُمَرُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَرُدَّنَّ إلَيْهِ ذَهَبَهُ ولينقدنه وَرِقَهُ) يَقُولُ عُمَرُ ذَلِكَ لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَفِي الْكَلَامِ الْتِفَاتٌ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا يَعْنِي فِي الصَّرْفِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَا وَهَا وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ربا إلاها وها) رواها ابن أبى ديب عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَأَسَانِيدُ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَصَحُّ وَهِيَ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ نَاجِزٌ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ حَتَّى يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ هَاتِ وَهَذَا إنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ الرِّبَا) وَمِمَّا هُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّرْفِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ أَوْ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه
__________
كذا بالاصل فحرر)
*)(10/73)
وبينك وبينه ليس لَفْظُ النَّسَائِيّ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ سِمَاكٌ وَأَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِلَفْظٍ فِي أَخْذِ الْبَدَلِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ (الْحُكْمُ الْخَامِسُ) إنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله والنووي وأحمد واسماعيل بن علية وأبو إسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وجابر بن عبد الله وأنس ابن مَالِكٍ
* وَخَالَفَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَرُوِيَ وَلَمْ
يَصِحَّ عَنْ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَدَلِيلُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ) (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) وَأَيْضًا فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَأَفْرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِاسْمٍ وَإِنَّمَا قَصَدَ الْأَجْنَاسَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبُرَّ جِنْسٌ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَيَدُلُّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ صَرِيحًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) وَمِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ (وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا) وَهَذَا نَصٌّ (وَأَمَّا) تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا النَّسِيئَةُ(10/74)
فلا) وَكَذَلِكَ عِنْدَ النَّسَائِيّ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ بِالْحِنْطَةِ يَدًا بِيَدٍ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا) رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقٍ ثَالِثَةٍ إلَى عُبَادَةَ أَيْضًا فَقَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ (وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا) وَكُلُّ هَذِهِ الطُّرُقِ تَرْجِعُ إلَى مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عبيد عن عبادة وقدم تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ فِي جَامِعِهِ ذَكَرَ اخْتِلَافًا فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَذَكَرَ أَوَّلًا بِإِسْنَادِهِ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الخلاء عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِيهِ (وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يدا بيد) ثم قال حديث عبادة عن حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَرَوَى بعضهم هذا الحديث عن خالد الخلاء عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ قَالَ خَالِدٌ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ فَقَدْ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ على خالد الخلاء هَلْ الْمَذْكُورُ فِي مُقَابَلَةِ الشَّعِيرِ التَّمْرُ أَوْ الْبُرُّ فَإِنْ كَانَ التَّمْرَ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ
عَلَى الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ وَأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَإِنْ كَانَ الْبُرَّ فَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا هل كذا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ أَبِي قِلَابَةَ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَلِذَلِكَ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي شَرْحِ كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بِيعُوا الشَّعِيرَ بِالْحِنْطَةِ كَيْفَ شِئْتُمْ لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُنَا حُجَّةٌ بِهِ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ لِكِتَابِ الطَّحَاوِيِّ إنَّ قَوْلَهُ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ(10/75)
شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ زِيَادَةٌ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا جَمِيعُ الرُّوَاةِ فَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أن هذا الاختلاف عن خالد الخلاء وَرِوَايَةُ التَّمْرِ بَدَلَ الْبُرِّ وَرَدَتْ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْهُ وَقَدْ انْفَرَدَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ سُفْيَانَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْهُ الْبُرُّ بِالشَّعِيرِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَلِكَ رَأَيْتُهُ فِي حَدِيثِ سفيان لابن بِشْرٍ الدُّولَابِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ وَقَالَ فِيهِ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ ثنا فَزَالَتْ شُبْهَةُ التَّدْلِيسِ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ شَيْئًا مِنْ اللَّفْظَيْنِ مِثْلُ أَبِي قُرَّةَ مُوسَى بْنِ طَارِقٍ رَوَاهُ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ فِيهِ وَالْمِلْحُ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ بُرًّا وَلَا شَعِيرًا فِيهِ فَإِذَا نظرت مافى التِّرْمِذِيِّ مَعَ مَا ذَكَرْتُهُ عَنْ الدُّولَابِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ عَلِمْتَ أَنَّ الْخِلَافَ وَقَعَ عَلَى سُفْيَانَ وَالرَّاجِحُ عَنْهُ رِوَايَةُ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ لِأَنَّ الْأَشْجَعِيَّ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِيهِ وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ وَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فَهَذَا مَوْضِعُ الِاخْتِلَافِ عَلَى خَالِدٍ يُوهِنُ رِوَايَةَ التَّمْرَ بِالشَّعِيرِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ رُجْحَانٌ فِي الْخِلَافِ عَلَى سُفْيَانَ وَلَا عَلَى خَالِدٍ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِ رِوَايَاتِ خَالِدٍ وَقَدْ رَأَيْنَا غَيْرَ خَالِدٍ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ وَمِثْلُ قَتَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي الاشعث رويا خلاف ماروى عَنْ خَالِدٍ وَقَالَا الشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَفِي حَدِيثِ بن سِيرِينَ وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْبُرَّ بالشعير(10/76)
وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا (وَقَوْلُهُ) أُمِرْنَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عُبَادَةُ فَلَا وَجْهَ لِتَحَمُّلِ الْإِدْرَاجِ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَلَا يُنْظَرُ إلَى التَّعَارُضِ وَالِاخْتِلَافِ عَلَى خَالِدٍ وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ أَنَّ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا إذَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ صَدَّنَا عَنْ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ فَتَبْقَى فِي الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ على مقتنسى الدَّلِيلِ وَبِقَوْلِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ وَاَلَّذِي عَوَّلَتْ الْمَالِكِيَّةُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ
(أحدهما)
ماروى عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ فَقَالَ بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بعض صاع فلما جاء معمر أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ لِمَ فَعَلْتَ ذلك انطلق فرده ولا تأخذ الا مثل بِمِثْلٍ فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ قِيلَ فَإِنَّهُ ليس بمثله قال إني أخاف أن يضارع) رواه مسلم في الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ (قَالَ فَنَى عَلَفُ دَابَّةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا بِمِثْلِهِ) وَهَذَا الْأَثَرُ مُنْقَطِعٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مَوْصُولًا عَنْ شَبَّابَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارَ وَرَوَى زَيْدٌ أبو عباس أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل عَنْ شَرْيِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ قَالُوا نَعَمْ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِمَّا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مالك قال ابن عبد البر والبيضاء الشعير مَعْرُوفٌ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَرَبِ بِالْحِجَازِ كَمَا أَنَّ السَّمْرَاءَ عِنْدَهُمْ الْبُرُّ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ القاسم بن محمد عن معيقيب المدوسى مِثْلُ ذَلِكَ هَكَذَا هُوَ(10/77)
فِي مُوَطَّأِ الْعَقَبِيِّ عَنْ مُعَيْقِيبٍ وَفِي مُوَطَّأِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَيْقِيبٍ وَقَالَ مَالِكٌ أيضا عن نافع أن سليمان ابن يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ فَنَى عَلَفُ دَابَّةِ عَبْدِ الرحمن بن الاسود بن يَغُوثَ فَقَالَ لِغُلَامِهِ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ طَعَامًا فَابْتَعْ بِهِ شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامًا لَهُ بِصَاعٍ مِنْ بُرٍّ لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَزَجَرَهُ إنْ زَادَ أَوْ يَزْدَادَ
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى مُعَيْقِيبًا وَمَعَهُ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ قد اسْتَبْدَلَهُ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَحِلُّ لَكَ إنَّمَا الْحَبُّ مُدٌّ بِمُدٍّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ رَأَى الْحُبُوبَ كُلَّهَا صِنْفًا وَاحِدًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْبُرُّ عِنْدَهُ وَالشَّعِيرُ فَقَطْ صِنْفًا وَاحِدًا فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وسعد بن أبى وقاص ومعمر ومعيقيب المدوسى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَنَعُوا التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا مَعَ ظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) فَهَذَا وَجْهٌ مِنْ التَّمَسُّكِ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مُغْنٍ عَنْ تَحْقِيقِ كَوْنِهَا جنسا واحدا أو جنسين (الثاني) إثْبَاتُ كَوْنِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا بِالنَّظَرِ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّقَارُبِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ امْتَنَعَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَشْمَلْهُمَا مَنْطُوقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) بَلْ يَكُونُ مَفْهُومُهُ مَانِعًا مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِمَا جِنْسًا قَالُوا لِأَنَّ تقارب الاعراض والمنافع في الشئ يُصَيِّرُهُ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ اتِّفَاقِهِمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالْعَلَسِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُمَا وَأَجْنَاسُهُمَا وَمَا بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ مِنْ التَّقَارُبِ أَشَدُّ مِمَّا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَلَسِ هَذَا مَعَ اتِّفَاقِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ في المسبب وَالْمَحْصَدِ وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ فَلَوْلَا أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجُزْ بيع البر بالبر(10/78)
وفيه شئ من الشعير لانه لابد مِنْ تَفَاوُتِهِمَا فَهُمَا نَوْعَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْحِنْطَةِ الْحَمْرَاءِ مَعَ السَّمْرَاءِ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْجِنْسِيَّةِ مَعَ التَّقَارُبِ فِي الْأَحْكَامِ كَالتَّقَارُبِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ في الخرص وكذلك التقارب في الاثمان والجلاوة لِأَنَّ أَغْرَاضَ النَّفْسِ تَخْتَلِفُ فِي كُلِّ نَوْعٍ منها ذكر الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ هَذَا جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ تَقَارُبَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَشَدُّ مِنْ تَقَارُبِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَقَالَ إنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ وَرَجَّحُوا مَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَذْهَبَهُمْ بِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْعَدُ عَنْ الرِّبَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ أَثَرِ مَعْمَرٍ أَنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ تَوَرُّعًا وَخَشْيَةَ أَنْ يُضَارِعَهُ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا صِنْفَانِ وَجَوَازُ التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا فَلَا وَجْهَ لِلْمُضَارَعَةِ وَالِاحْتِرَازِ مِنْ الشُّبْهَةِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ (وَأَمَّا) الاثر عن عمر ومعيقب فَمُنْقَطِعَانِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ سَعْدٍ فَعَلَى ظَاهِرِ رواية سليمان بن يسار لا دليل في لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ سَعْدٍ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ كَمَا فَعَلَ مَعْمَرٌ وَعَلَى
رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدًا سُئِلَ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فَقَالَ سَعْدٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ فَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ فَقَالَ فِي بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ عَلَى الْحَدِيثِ رَأْيُ سَعْدٍ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَرِهَ الْبَيْضَاءَ بِالسُّلْتِ فَإِنْ كَانَ كَرِهَهَا نَسِيئَةً فَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَعَلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَرِهَهَا لِذَلِكَ وَإِنْ كَرِهَهَا مُتَفَاضِلَةً فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَازَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا فَلَيْسَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا مَزِيدَ عَلَى حُسْنِهِ وَفِيهِ تَسْلِيمٌ أَنَّ الْبَيْضَاءَ بِالسُّلْتِ هِيَ الْبُرُّ بالعشير وَقَدْ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ أَنَّ السُّلْتَ حَبَّةٌ بَيْضَاءُ مُضَرَّسَةٌ وَأَهْلُ العراق يسمون جنسا من الشعير لاقشر لَهُ السُّلْتَ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ السَّادِسِ(10/79)
أَنَّ سَعْدًا سُئِلَ عَنْ السُّلْتِ بِالذُّرَةِ فَكَرِهَهُ وهذا الذي قاله الحربى مع الذى قال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُبَيِّنُ أَنَّ الْبَيْضَاءَ وَالسُّلْتَ اللذين سُئِلَ عَنْهُمَا سَعْدٌ نَوْعَانِ مِنْ الشَّعِيرِ لَا سِيَّمَا وَسَعْدٌ كَانَ بِالْعِرَاقِ فَيُحْمَلُ السُّلْتُ الَّذِي سُئِلَ عَنْهُ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ كَمَا أَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ نَوْعَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا مُتَفَاضِلًا لَكِنَّ رِوَايَةَ الْحَرْبِيِّ تَقْتَضِي أَنَّ سَعْدًا كَرِهَ السُّلْتَ بِالذُّرَةِ أَيْضًا فَلَعَلَّهُ يُطْرِدُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ أَوْ يَكُونُ مَذْهَبُهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ مَذْهَبِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ لَكِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ جَعَلَ ذِكْرَ الذُّرَةِ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ مِنْ وَهْمِ وَكِيعٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ وَخَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَقَالَا فِيهِ السُّلْتُ بِالذُّرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ السُّلْتُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ قَالَ وَقِيلَ فِي السُّلْتِ هُوَ الشَّعِيرُ بِعَيْنِهِ وَقِيلَ هُوَ الشَّعِيرُ الْحَامِضُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ في العرنيين فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْبَيْضَاءُ الْحِنْطَةُ وَهِيَ السَّمْرَاءُ وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ هَذَا قَوْلُ الْهَرَوِيِّ وَعَنْهُ أَنَّ السُّلْتَ هُوَ حَبٌّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَعْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ تَبَايَعَا بِالسُّلْتِ وَالشَّعِيرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَالسُّلْتُ هُوَ الشَّعِيرُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وقال الخطابى البيضاء نوع من البرابيض
اللَّوْنِ وَفِيهِ رَدَاءَةٌ يَكُونُ بِبِلَادِ مِصْرَ وَالسُّلْتُ نَوْعٌ غَيْرُ الْبُرِّ وَهُوَ أَدَقُّ حَبًّا مِنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْبَيْضَاءُ هِيَ الرُّطَبُ مِنْ السُّلْتِ وَالْأَوَّلُ أَعْرَفُ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَلْيَقُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَعَلَيْهِ يُبْنَى مَوْضِعُ التَّشْبِيهِ مِنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَإِذَا كَانَ الرُّطَبُ مِنْهُمَا جِنْسًا وَالْيَابِسُ جِنْسًا آخَرَ لَمْ يَصِحَّ التَّشْبِيهُ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ فَإِنْ صَحَّ أَنَّ الْبَيْضَاءَ الرُّطَبُ مِنْ السُّلْتِ فَمَنْعُ سَعْدٍ ظَاهِرٌ كَالرُّطَبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الاسود ليس بصاحبي بَلْ هُوَ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ وُلِدَ عَلَى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ(10/80)
مُعَارِضًا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ جِنْسًا خَاصًّا أَوْ كُلَّ مَا يُطْعَمُ فَإِنْ كَانَ جِنْسًا خَاصًّا أَمَّا الْحِنْطَةُ وَحْدَهَا أَوْ الشَّعِيرُ كَمَا قَدْ يُفْهِمُهُ قَوْلُهُ (وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ) فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ كُلَّ مَا يُطْعَمُ لَزِمَ أَلَّا يُبَاعَ الْقَمْحُ بِالتَّمْرِ وَلَا بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَلَا أَحَدٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَحِينَئِذٍ تَقِفُ الدَّلَالَةُ مِنْ الْحَدِيثِ وَيُحْتَاجُ فِي تَحْقِيقِ كَوْنِهَا جِنْسَيْنِ أَوْ جِنْسًا وَاحِدًا إلَى دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ هَذَا الْحَمْلُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ أَوْ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (قُلْتُ) مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَالْمَخْصُوصُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ بِالطَّعَامِ كَأَنَّهُ قَالَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ الْمُجَانِسِ لَهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالتَّجَانُسُ فِي اللَّفْظِ يُشْعِرُ بِالتَّجَانُسِ فِي الْمَعْنَى (وَأَمَّا) حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَمُتَعَذَّرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْحُكْمَانِ نَهْيَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلا مثلا بمثل وهو المتبادر إلى الفهم والموافق لبقية الاحاديث فانه ههنا حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ بَيَانَ وُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ (فان قلنا) ان المراد المعرف بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعُمُومُ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ فَأَيْضًا لَا إطْلَاقَ وَلَا تَقْيِيدَ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى التَّخْصِيصِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَعُمُّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِهِ عَلَى بُعْدٍ لِأَنَّ إيجَابَ وَصْفٍ فِي مُطْلَقِ مَاهِيَّةٍ لَا يَسْتَدْعِي وُجُوبَهُ فِي كُلِّ أَفْرَادِهَا وَوَجْهُ بُعْدِهِ لَا يَخْفَى (وَأَمَّا) مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَتَحْقِيقِ كَوْنِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا تَتَقَارَبُ الْمَنْفَعَةُ فِيهِمَا وَالْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرُوهَا (فَقَدْ) أَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ مُخْتَلِفَانِ فِي الصِّفَةِ وَالْخِلْقَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الْقَمْحَ يُوَافِقُ الْآدَمِيَّ وَلَا يُوَافِقُ الْبَهَائِمَ وَالشَّعِيرَ بِالْعَكْسِ يُوَافِقُ الْبَهَائِمَ
وَلَا يُوَافِقُ الْآدَمِيَّ غَالِبًا وَلَا يَغْلِبُ اقْتِيَاتُهُمَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَغْلِبُ اقْتِيَاتُ الشَّعِيرِ فِي مَوْضِعٍ يعز(10/81)
الْقَمْحُ فِيهِ وَهَذِهِ الذُّرَةُ يَقْتَاتُهَا خَلْقٌ مِنْ النَّاسِ وَالْأُرْزُ يُقْتَاتُ غَالِبًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ صِنْفَانِ جَائِزٌ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَبَيْنَ الْبُرِّ وَجَعَلَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الذُّرَةَ وَالدُّخْنَ وَالْأُرْزَ صِنْفًا وَسَلَّمَ فِي الْقَطَانِيِّ كَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَالْفُولِ وَالْجُلُبَّانِ فَنُلْزِمُهُ بالقول لِأَنَّهُ يُقْتَاتُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيُخْتَبَزُ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ هُوَ الْعِلَّةُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ وَقَدْ حَصَلَ اخْتِلَافُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْقَطَانِيِّ وَسَأَذْكُرُ خِلَافَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي فَصْلٍ جَامِعٍ أَتَكَلَّمُ فِيهِ عَلَى تَحْقِيقِ الْأَجْنَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى وهذا الذى ألزمناهم به ههنا هو قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ عَنْهُ فِيهِ (وَأَمَّا) إلْغَاءُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ مَا أَلْزَمَهُمْ الشَّافِعِيُّ بِهِ مِنْ التَّقَارُبِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فِي أَنَّهُمَا حُلْوَانِ وَيُخْرَصَانِ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِمَا فَإِلْغَاءٌ عَلَى وَجْهِ التَّحَكُّمِ وَإِلَّا فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى إبْطَالِ هَذِهِ الشُّبَهِ وَاعْتِبَارِ مَا ادَّعَاهُ هُوَ (وَأَمَّا) احْتِجَاجُهُمْ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَفِيهِ شئ مِنْ الشَّعِيرِ فَإِنْ كَانَ الشَّعِيرُ الْمُخَالِطُ قَدْرًا لَوْ مُيِّزَ لَظَهَرَ عَلَى الْمِكْيَالِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْحُكْمَ وَعِنْدَنَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَإِنْ كَانَ الشَّعِيرُ الْمُخَالِطُ لَا يَظْهَرُ عَلَى الْمِكْيَالِ لَوْ مُيِّزَ فَجَوَازُ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ فِي الْمِكْيَالِ لَا لِمُوَافَقَتِهِ فِي الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّ التُّرَابَ الَّذِي لَا يَظْهَرُ فِي الْمِكْيَالِ لَا تَضُرُّ مُخَالَطَتُهُ وَلَيْسَ بجنس للطعام وَقَوْلُهُمْ إنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحِنْطَةِ الْحَمْرَاءِ مَعَ السَّمْرَاءِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْحِنْطَتَيْنِ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ مَعَ الْقَمْحِ (وَأَمَّا) الْعَلَسُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحِنْطَةِ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حِنْطَةٌ لَا فِي لُغَةٍ وَلَا غَيْرِهَا
* ثُمَّ إنَّ مَا يُحَاوِلُونَهُ مِنْ الْمَعْنَى يَنْكَسِرُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّ قِيَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ أَعْظَمُ مِنْ قِيَامِ الشَّعِيرِ مَقَامَ الْبُرِّ وَمَعَ ذَلِكَ هُمَا جِنْسَانِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالنَّصُّ مُغْنٍ عَنْ الِالْتِفَاتِ إلَى الْمَعْنَى وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي جَانِبِنَا كَمَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَظَاهِرًا مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعُبَادَةَ وَقَدْ قَاسَ أَصْحَابُنَا عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَ لَهُ حِنْطَةً أَوْ أَقَرَّ لَهُ أَوْ صَالَحَهُ عَلَيْهَا أَوْ ضَرَبَهَا الْإِمَامُ جِزْيَةً أَوْ وَجَبَ عُشْرُ حِنْطَةٍ لَمْ يَقُمْ الشَّعِيرُ مقامها في شئ من ذلك
*(10/82)
(التَّفْرِيعُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ) (فَرْعٌ)
عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا وَلَا الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَا مَصُوغَيْنِ أَوْ تِبْرَيْنِ أَوْ عَيْنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَصُوغًا وَالْآخَرُ تِبْرًا أَوْ عَيْنًا أَوْ جَيِّدَيْنِ أَوْ رَدِيئَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا جَيِّدًا وَالْآخَرُ رَدِيئًا أَوْ كَيْفَ كَانَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى ذَلِكَ مَضَى السَّلَفُ وَالْخَلَفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ (وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُصَارِفَ الرجل الصائغ الفضة بالحلى الفضة الممولة وَيُعْطِيَهُ إجَارَتَهُ لِأَنَّ هَذَا الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مُتَفَاضِلًا ولا نعرف في ذلك خلافا إلا ماروي عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الرِّبَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِالتِّبْرِ وَلَا بِالْمَصُوغِ وَيَذْهَبُ إلَى أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُونُ فِي التَّفَاضُلِ إلَّا فِي التِّبْرِ بِالتِّبْرِ وَفِي الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ وَفِي الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ كَذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ أَشَرْتُ إلَيْهِ هُنَاكَ
* وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرِ لِأَنَّ لِلصِّنَاعَةِ قِيمَةً وَحَكَى أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَوَازَ بَيْعِ الْمَضْرُوبِ بِقِيمَتِهِ مِنْ جِنْسِهِ كَحُلِيٍّ وَزْنُهُ مِائَةٌ يَشْتَرِيهِ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ الصَّنْعَةِ وَهِيَ الصِّيَاغَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْمَالِكِيَّةُ يُنْكِرُونَ هَذَا(10/83)
النَّقْلَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَنَّا فِي هَذَا الْعَصْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْضَلَ بَيْنَهُمَا قَدْرَ قِيمَةِ الصِّيَاغَةِ وَهَذَا غَلَطٌ عَلَيْنَا وَلَيْسَ هَذَا بِقَوْلٍ لَنَا وَلَا لِأَحَدٍ عَلَى وَجْهٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ عُمُومُ الظَّوَاهِرِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَلَيْسَ فِيهَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمَصُوغِ وَالْمَضْرُوبِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بِأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَةِ الصَّنْعَةِ إنَّمَا لَا تُرَاعَى إلَّا فِي الْإِتْلَافِ دُونَ الْمُعَاوَضَاتِ فَلَا وَجْهَ لِنَصْبِ الْخِلَافِ مَعَهُمْ وَهُمْ مُوَافِقُونَ وَقَدْ نَصَّبَ أَصْحَابَنَا الْخِلَافَ مَعَهُمْ وَكَانَ شُبْهَةُ النَّقْلِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مَسْأَلَةً نَقَلَهَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مَالِكٍ فَكَأَنَّ الْأَصْحَابَ أَخَذُوا مِنْهَا ذَلِكَ لِمَا كَانَ لَازِمًا بَيِّنًا مِنْهَا وَهَا أَنَا أَنْقُلُ الْمَسْأَلَةَ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ رَوَاهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ سَوْءٍ مُنْكَرَةٌ لَا يَقُولُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ
مَسْأَلَةٍ مَا يُخَالِفُهَا قَالَ مَالِكٌ فِي التَّاجِرِ يَأْتِي دَارَ الضَّرْبِ بِوَرِقِهِ فَيُعْطِيهِمْ أَجْرَ الضَّرْبِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ وَزْنَ وَرِقِهِ مَضْرُوبَةً قَالَ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ خروج الرقعة ونحوه فارجو أن لا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ القاسم أراه حقيقا لِلْمُضْطَرِّ وَلِذِي الْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَذَلِكَ ربا ولا يحل شئ مِنْهُ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَا يَصْلُحُ هذا ولا يعجبني اه وقد ذكر بن رُشْدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ ونقل عن مالك أنه قال إنى لا أرجو أن يكون حقيقا وَقَدْ كَانَ يُعْمَلُ بِهِ بِدِمَشْقَ فِيمَا مَضَى وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَى أَهْلِ الْوَرَعِ مِنْ النَّاسِ فَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهَا عَلَى وَجْهَيْنِ مَذْمُومَيْنِ أَخَفُّهُمَا خَلْطُ أَذْهَابِ النَّاسِ فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ الضَّرْبِ أَخَذَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ عَلَى حِسَابِ ذَهَبِهِ وَأَعْطَى الضَّرَّابَ أُجْرَتَهُ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يعمل به في زمان بنى أمية لانها كَانَتْ سِكَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالتُّجَّارُ كَثِيرٌ وَالنَّاسُ مُجْتَازُونَ وَالْأَسْوَاقُ مُتَقَارِبَةٌ فَلَوْ جَلَسَ كُلُّ وَاحِدٍ حَتَّى يَضْرِبَ ذَهَبَ صَاحِبِهِ فَاتَتْ الْأَسْوَاقُ فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّ الذَّهَبَ يُغَشُّ وَقَدْ صَارَ لِكُلِّ مَكَان سِكَّةٌ تُضْرَبُ(10/84)
فَلَا أَرَى ذَلِكَ يَصْلُحُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّانِ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْيَوْمَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ ارْتَفَعَتْ وَقَالَ سَحْنُونَ لَا خَيْرَ فِيهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَحُكِيَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ لَقِيَ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ فَلَمْ يُرَخِّصُوا فِيهِ عَلَى حَالٍ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) اسْتِعْمَالُ الدَّنَانِيرِ وَمُبَادَلَتُهَا بِالذَّهَبِ بَعْدَ تَخْلِيصِهَا وَتَصْفِيَتِهَا مَعَ زِيَادَةِ أُجْرَةِ عَمَلِهَا قَالَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ لِمُضْطَرٍّ وَلَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَخَفَّفَ ذَلِكَ مالك رحمه الله في وسم بدرسعة مصوفها بَعْدَ هَذَا لِمَا يُصِيبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَبْسِ عَنْ حُقُوقِهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا جَوَّزَ الْمَعَرِّيُّ جَوَازَ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا وَكَمَا جَوَّزَ دخول مكة بغير احرام لكن يُكْثِرُ التَّرَدُّدَ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ مَا هُوَ مِنْ عَمَلِ الْأَبْرَارِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَاهُ خفيفا لِلْمُضْطَرِّ وَذَوِي الْحَاجَةِ (وَالصَّوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ الَّذِي يُبِيحُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَإِنَّمَا خَفَّفَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ مَعَ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُبِيحُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الرِّبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ شِرَاءَ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
بِوَزْنِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَزِيَادَةِ قَدْرِ الصِّيَاغَةِ وَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ يُجِيزُ تِبْرَ الذَّهَبِ بِالدَّنَانِيرِ مُتَفَاضِلًا وَالْمَصُوغَ مِنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي ذَلِكَ فَرَاعَى فِيهِ قَوْلَهُ انْتَهَى مَا أَرَدْتُ نَقْلَهُ مِنْ كَلَامِهِ فَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ تَحْرِيرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَوَجْهُ الِاشْتِبَاهِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَعْنَى مَا نُقِلَ عنه ومعنى ماقاله إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا لَمَّا نَقَلُوا عَنْهُ حُجَّتَهُمْ فِي ذَلِكَ وَجَوَابَهَا فَنَذْكُرُهَا لِيُسْتَفَادَ وَيَحْصُلَ بِهَا الْجَوَابُ عَنْ مَذْهَبِ مُعَاوِيَةَ وَعَمَّا ذَهَبُوا إلَيْهِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَنَقَلُوا مِنْ احْتِجَاجٍ مِنْ نَصِّ قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ عَلَى رَجُلٍ حُلِيًّا وَزْنُهُ مِائَةٌ وَصِيَاغَتُهُ تُسَاوِي عَشْرًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رِبًا فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ وَقَدْ ذكر أصحابنا الجواب عن ذلك وأبسطهم جواب القاضى أبو الطَّيِّبِ قَالَ الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقِيَاسِ الْبَيْعِ عَلَى الْإِتْلَافِ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا(10/85)
إذَا أَتْلَفَ عَلَى رَجُلٍ ذَهَبًا مَصُوغًا فَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُتْلَفِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ نَقْدُ الْبَلَدِ فِضَّةً وَالْمُتْلَفُ ذَهَبًا فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يَكُونُ رِبًا وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مِنْ جِنْسِ الْمُتْلَفِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعًا ذَهَبًا أَوْ يَكُونَ فِضَّةً فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُقَوَّمُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ ما قالوه ومن أصحابنا من قال يوم بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُتْلَفِ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى وَزْنِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانِ الْإِتْلَافِ وَضَمَانِ الْبَيْعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إذَا بَذَلَ فِي مُقَابَلَةِ الذَّهَبِ الْمَصُوغِ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ الصِّيَاغَةِ وَالصِّيَاغَةُ إنَّمَا هِيَ تَأْلِيفُ بَعْضِ الذَّهَبِ إلَى بَعْضٍ وَالتَّأْلِيفُ لَا يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا مَبْنِيَّةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ انْهَدَمَتْ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَأْخُذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَفْسَخَ الْعَقْدَ وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُسْقِطَ مِنْ الثَّمَنِ جُزْءًا لِأَجْلِ زَوَالِ تَأْلِيفِ الدَّارِ فَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ زِيَادَةَ الثَّمَنِ تَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ الصِّيَاغَةِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْرِيَ التَّفَاضُلُ فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفِ وَلَا يَجْرِيَ فِي الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ دِرْهَمًا صَحِيحًا بِأَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ مُكَسَّرٍ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَتْلَفَ عَلَى رَجُلٍ دِرْهَمًا صَحِيحًا وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِثْلٌ فانه يقوم بالمكسر وان بلغت قميته أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ وَلَا يَكُونُ رِبًا فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِتْلَافِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الاتلاف قد يضمن به مالا يُضْمَنُ بِالْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ حُرًّا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَلَوْ بَاعَهَا
لَمْ تَصِحَّ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بِالضَّمَانَيْنِ وَبَطَلَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي نَقَلْتُهُ بِلَفْظِهِ لِحُسْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ أَيْضًا نَقَلَتْ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ مُبَادَلَةَ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ النَّاقِصَةِ بِالْوَازِنَةِ عَلَى وَجْهٍ مَعْرُوفٍ يَدًا بِيَدٍ كَرَجُلٍ دَفَعَ إلَى أَخٍ لَهُ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا نَاقِصًا أَوْ طَعَامًا مَأْكُولًا فَقَالَ لَهُ أَحْسِنْ إلَيَّ أَبْدِلْ هَذَا بِأَجْوَدَ مِنْهُ وَأَنْفِقْهُ فِيمَا يُنْفَقُ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ(10/86)
فَجَازَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ فِي الْقَرْضِ خَيْرًا مِمَّا أَخَذَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمَعْنَى ذلك في الذهب والورق بأقل منه الدينارين وَالثَّلَاثَةُ إلَى السِّتَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ سَحْنُونَ قَدْ أَصْلَحَ السِّتَّةَ وَرَدَّهَا ثَلَاثَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَوْلُهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَدَلِهَا بِأَوْزَنَ وَأَجْوَدَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ القاسم فيها ثم قال ومنع ذَلِكَ أَشْهَبُ كَالدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصِ بِالْوَازِنَةِ فَلَمْ يجز المعفون بالصحيح ولا لكثير الغش بالخيف الْغِشِّ وَأَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونَ فِي الْمَعْفُونِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يُشْبِهُ الدَّنَانِيرَ لِأَنَّ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصِ بِالْوَازِنَةِ تَفَاضُلًا بِالْوَزْنِ وَلَا تَفَاضُلَ فِي الْكَيْلِ بَيْنَ الْمَعْفُونِ وَالصَّحِيحِ وَأَصْحَابُنَا لَا يُجِيزُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَغْتَفِرُونَ مِنْ التَّفَاضُلِ شَيْئًا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِي الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْهُ وَزْنًا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ مَعْرُوفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ وَالْمَعْرُوفُ لَيْسَ يُحِلُّ بَيْعًا وَلَا يحرمه فان كان وهب له دينار وَأَثَابَهُ الْآخَرُ دِينَارًا أَوْزَنَ مِنْهُ أَوْ أَنْقَصَ فَلَا بَأْسَ فَإِنَّهُ أَسْلَفَهُ ثُمَّ اقْتَضَى مِنْهُ أَقَلَّ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ لَهُ بِهِبَةِ الْفَضْلِ وَكَذَلِكَ إنْ تَطَوَّعَ لَهُ الْقَاضِي بِأَكْثَرَ من وزن ذهبه فلا بأس في هذا
* ليس من معاني البيوع اه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ له تعلق بالتماثل والتفاضل
* إذا قال رجل لِصَائِغٍ صُغْ لِي خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ لِأُعْطِيَكَ دِرْهَمَ فِضَّةٍ وَأُجْرَةَ صِيَاغَتِكَ فَفَعَلَ الصَّائِغُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمَا لم يصح ذلك وكان الحاكم عَلَى مِلْكِ الصَّائِغِ لِأَنَّهُ شِرَاءُ فِضَّةٍ مَجْهُولَةٍ بفضة مجهولة وتفرقا قَبْلَ التَّقَابُضِ وَشَرْطُ الْعَمَلِ فِي الشِّرَاءِ وَذَلِكَ كله يفسد العقد فإذا أصاغه فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَيْفَ شَاءَ وَبِجِنْسِهِ بِمِثْلِ وَزْنِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ
فِي أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِالْفَصِّ إلَى الصَّائِغِ فَيَقُولَ لَهُ اعْمَلْهُ لِي خَاتَمًا حَتَّى أُعْطِيَكَ ذَلِكَ وَأُعْطِيَكَ أُجْرَتَكَ وَقَالَهُ مَالِكٌ انْتَهَى كَلَامُ الشافعي وقالت الحنبلية للصائغ أخذ الدراهم أَحَدُهُمَا فِي مُقَابَلَةِ الْخَاتَمِ وَالثَّانِي أُجْرَةٌ لَهُ فِيمَا إذَا قَالَ صُغْ لِي خَاتَمًا وَزْنُهُ دِرْهَمٌ وَأُعْطِيكَ مِثْلَ زِنَتِهِ وَأُجْرَتَكَ دِرْهَمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ لِلصَّائِغِ أَخْذَ الدِّرْهَمَيْنِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَهُوَ فَاسِدٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ عَدَمِ الْقَبْضِ(10/87)
وَالشَّرْطِ وَإِنْ أَرَادُوا بِحُكْمِ عَقْدٍ جَدِيدٍ يُورِدُهُ عَلَى الْخَاتَمِ الْمَصُوغِ بَعْدَ صِيَاغَتِهِ فَهَذَا عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَنْسُوبِ إلَى مَالِكٍ فَلَا اتِّجَاهَ لِهَذَا الْفَرْعِ إلَّا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ فِي الذَّخَائِرِ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْنِي دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَصْفُهُ وَأُجْرَتُكَ كَذَا وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ التفرق قبل القبض والشرط الْعَمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي مَعْنَى هَذَا الْفَرْعِ وان لم يكن ما بَابِ الرِّبَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَسَجَ الْحَائِكُ مِنْ ثَوْبٍ بَعْضَهُ فَقَالَ لَهُ بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنَّكَ تُتِمُّهُ لَمْ يَجُزْ نَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ وَلَا مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ (فَرْعٌ)
وَمَنْ كَانَ مَعَهُ قُطُوعٌ مُكَسَّرَةٌ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ نُقْرَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا بِجِنْسِهَا صِحَاحًا أَوْ كَانَ مَعَهُ صحاح فاراد أن يبيعها بجنسها قطوعا فَإِمَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْوَزْنِ وَإِمَّا أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِعَرَضَيْنِ وَيَتَقَابَضَا ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِالْعَرَضَيْنِ مِنْ النَّقْدِ الْآخَرِ فَأَمَّا مَعَ الزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ فَهُوَ الرِّبَا كَذَلِكَ قَالَ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ نَصْرٌ وَهَكَذَا الدِّينَارُ الرومي بالعربى والخرساني بِالْمَغْرِبِيِّ وَالدَّرَاهِمُ الرُّومِيَّةُ مَعَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْخُرَاسَانِيَّة مَعَ الْمَغْرِبِيَّةِ وَكَذَلِكَ فِي الصَّقَلِّيِّ مَعَ الْمِصْرِيِّ وَسَائِرِ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ
*(10/88)
(فَرْعٌ)
وَهَكَذَا فِي الْمَطْعُومِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ نَصْرٌ فِي التَّهْذِيبِ إذَا بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ لَهَا رِيعٌ وَافِرٌ بِصَاعِ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ لَيْسَ لَهَا رِيعٌ وَافِرٌ جَازَ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ لِأَجْلِ الرِّيعِ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الحبوب وهكذا إذا باع صاع صيجانى أو معقلى بِصَاعِ دَقَلٍ أَوْ صَاعِ جَمْعٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ مِنْ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ أَجْنَاسِ الْمَطْعُومَاتِ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمَأْمُورَ بِهَا قَدْ وُجِدَتْ فَلَا يَجُوزُ
خِلَافُهَا لِأَمْرٍ آخَرَ كَمَا لَوْ بَاعَ دِينَارًا صَرْفُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ صَرْفُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَلَسِ بِالْحِنْطَةِ لِعَدَمِ التماثل بينهما كذلك الشَّعِيرُ بِالسُّلْتِ لِأَنَّ عَلَى الْعَلَسِ قِشْرَتَيْنِ
* (فَرْعٌ)
مِنْ فُرُوعِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ (1) إذا اشترى دينارا بدينار وتقابضا ومضى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَعِيرُ الدِّينَارَ الَّذِي قَبَضَهُ بِالْوَزْنِ جَازَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ عَرَفَ وَزْنَ الدِّينَارِ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ وَتَقَابَضَا عَلَى ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا جَهِلَ وَزْنَ الدِّينَارِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فَإِنْ وَزَنَ أَحَدُهُمَا الدِّينَارَ الَّذِي أَخَذَهُ فَنَقَصَ يَبْطُلُ الصَّرْفُ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عِوَضَيْنِ مُتَفَاضِلَيْنِ
* (فَرْعٌ)
مِنْ فُرُوعِ التَّقَابُضِ إذَا بَاعَ دِينَارًا بِعِشْرِينَ فِي ذِمَّتِهِ فَأَحَالَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى إنْسَانٍ بِالْعِشْرِينَ وَتَفَرَّقَا لَمْ تَقُمْ الْحَوَالَةُ مَقَامَ الْقَبْضِ وَبَطَلَ الصَّرْفُ بِتَفَرُّقِهِمَا قَالَهُ نَصْرٌ فِي التَّهْذِيبِ
* (فَرْعٌ)
عَلَى التَّقَابُضِ أَيْضًا قَدْ عُرِفَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّقَابُضَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ زَمَنُ الْعَقْدِ قَصِيرًا بَلْ سَوَاءٌ طَالَ الْمَجْلِسُ أَمْ قَصُرَ لِلْأَثَرِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُصَارَفَةِ طَلْحَةَ وَوَافَقَنَا عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ وَلَمْ يَسْمَحْ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ إذَا طَالَ والله أعلم
*
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)(10/89)
(فَرْعٌ)
عَلَى تَحْرِيمِ النَّسَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْجِنْسَيْنِ الْمُتَّفِقَيْ الْعِلَّةِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ قَلِيلِ الْأَجَلِ وَكَثِيرِهِ وَلَيْسَ الْحُلُولُ مُلَازِمًا لِلتَّقَابُضِ فَقَدْ يُؤَجَّلُ بِسَاعَةٍ وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ فَاسِدٌ لِعَدَمِ الْحُلُولِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ في اليوم والساعة ونحوهما الغزالي ومحمد ابن يَحْيَى وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ أَنَّ الْمَعْنَى بِالنَّسِيئَةِ تَأَخُّرُ الْقَبْضِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهِ الْحُلُولَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالْعُقُودُ المشتملة على عوض مالى ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ بِالنَّسِيئَةِ إلَى الْحُلُولِ
وَعَدَمِهِ عَلَى أَقْسَامٍ (مِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُلُولُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ عُقُودُ الرِّبَا (وَمِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَجَلُ وَهُوَ الْكِتَابَةُ (وَمِنْهَا) مَا يَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَهُوَ أَكْثَرُ الْعُقُودِ (وَمِنْهَا) مَا يَجُوزُ مُؤَجَّلًا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي جَوَازِهِ حَالًّا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ
* (فَرْعٌ)
مِنْ فُرُوعِ اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ في الربويات إذا بيع منها الشئ بِجِنْسِهِ امْتِنَاعُ السَّلَمِ فِيهَا كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي التَّمَاثُلِ فِي الْحُلُولِ قَالَ وَنَعْنِي بِهِ مَعْنَى الْأَجَلِ وَالسَّلَمِ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ عِوَضَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فَلَا يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الشَّعِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مَعَ الدَّنَانِيرِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْحَالُّ فَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى جِنْسِ السَّلَمِ الْأَجَلُ وَالْغَالِبَ عَلَى الْأَجَلِ أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْمَجْلِسِ فَلَمَّا اُشْتُرِطَ التَّقَابُضُ كَانَ ظَاهِرًا فِي إخْرَاجِ مَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ التَّقَابُضُ غَالِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ وَلَا يُسَلِّمُ مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا فِي مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَقَالَ أيضا ولا يجوز أن يسلم ذهب فِي ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةً فِي فِضَّةٍ وَلَا ذهب فِي فِضَّةٍ وَلَا فِضَّةً فِي ذَهَبٍ(10/90)
وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أنه حكاه عن الاصحاب ثم قال (قلت) انا إنْ أَسْلَمَ ذَلِكَ مُطْلَقًا كَانَ حَالًّا فَإِنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ عِنْدِي وَاقْتَضَى كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ تَرْجِيحَ هَذَا وَجَعْلَهُ بَيْعًا بِلَفْظِ السَّلَمِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ الَّذِي حَكَيْتُهُ اسْتَشْكَلَهُ جَمَاعَةٌ وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ وَجَعَلَ عَطْفَهُ عَلَى الْأَجَلِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَبَعْضُهُمْ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَلَّا يُعْقَدَ بِصِيغَةِ السَّلَمِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ (وَأَمَّا) إسْلَامُ النَّقْدَيْنِ فِي الْمَطْعُومَاتِ فَصَحِيحٌ إذْ لَمْ يَجْتَمِعَا فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى (فَإِنْ قِيلَ) يَنْبَغِي أَلَّا يَصِحَّ لِأَنَّ الْحَدِيثَ أَخَذَ عَلَيْنَا شَرْطَيْنِ الْحُلُولَ وَالتَّقَابُضَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ (قُلْنَا) ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي هَذَا تَنْزِيلًا على اختلاف الجنسين فِي هَذِهِ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ جُمْلَتَانِ مُتَفَاضِلَتَانِ النَّقْدَانِ وَالْأَشْيَاءُ الْأَرْبَعَةُ تَنْفَرِدُ كُلُّ جُمْلَةٍ بِعِلَّتِهَا وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ اخْتِلَافُ الْجِنْسَيْنِ مِنْ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ
كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَحَاصِلُهُ تَخْصِيصُ عَامٍّ أَوْ تَقْيِيدُ مُطْلَقٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا الاجماع الذى قاله محمد بن يحيى والذى قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ وَسَأَذْكُرُ مَنْ نَقَلَهُ غَيْرَهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَاعِدَةٌ) لَعَلَّكَ تَقُولُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ الْأَرْبَعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الطُّعْمُ وَذَلِكَ مُشْتَرَكٌ فِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسَيْنِ فَمَا السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِ الْحُكْمِ حَيْثُ كَانَ الْمُحَرَّمُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ شَيْئَيْنِ فقط (فاعلم) بان الْوَصْفَ الْمَحْكُومَ بِكَوْنِهِ عِلَّةً تَارَةً لَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ أَمْرٌ آخَرُ أَصْلًا فَهَذَا مَتَى ثَبَتَ ثَبَتَ الْحُكْمُ وَتَارَةً يُعْتَبَرُ مَعَهُ أَمْرٌ آخَرُ إمَّا شَرْطٌ فِي تَأَثُّرِهِ وَإِمَّا مَحَلٌّ يُؤَثِّرُ فِيهِ دُونَ مَحَلٍّ آخَرَ وَهَذَا إذَا وُجِدَ فِي مَحَلِّهِ أَوْ مَعَ شَرْطِهِ أَثَّرَ وَإِذَا وجد بغير شرطه(10/91)
أوفى غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْخَاصُّ وقد يوثر فِي حُكْمٍ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ مِثَالُهُ الزنا علة للرجم فِي الْمُحْصَنِ فَإِذَا فُقِدَ الْإِحْصَانُ لَا يُؤَثِّرُ الرَّجْمَ وَلَكِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي حُكْمٍ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ الْجَلْدُ فَالطُّعْمُ عِلَّةٌ فِي تَحْرِيمِ الثَّلَاثَةِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ إذَا كَانَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ فِي جِنْسَيْنِ فَيُؤَثِّرُ فِي النَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ فَقَطْ فَمُطْلَقُ الطُّعْمِ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَعِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ فَعِلِّيَّتُهُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا بِشَرْطٍ وَفِي اثْنَيْنِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَعِنْدَ هَذَا أَذْكُرُ تَقْسِيمًا فِي مُطْلَقِ الْعُقُودِ وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ فِي الْعِوَضَيْنِ اشْتِرَاكٌ فِي عِلَّةِ الرِّبَا وَالْجِنْسِيَّةِ أَوْ لَا يَحْصُلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ يَحْصُلَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْعِلَّةِ فَقَطْ أَوْ فِي الْجِنْسِيَّةِ فَقَطْ (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) يَحْرُمُ فِيهِ النَّسَاءُ إجْمَاعًا وَالتَّفَاضُلُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالْبَدَلُ قَبْلَ التَّقَابُضِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَالذَّهَبِ وَالْحِنْطَةِ أَمْ لَا كَإِسْلَامِ عَبْدٍ فِي ثَوْبَيْنِ وَفِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ (وَالثَّالِثُ) تَحْرِيمُ النَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ وَلَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْمِلْحِ بِالْحِنْطَةِ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ نَقْدًا كَبَيْعِ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي جَوَازِهِ نَسَاءً وَلِبَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافٌ فِيهِ كَمَا إذَا أَسْلَمَ ثَوْبًا فِي ثَوْبَيْنِ فَالْقِسْمُ الرَّابِعُ وَأَحَدُ نَوْعَيْ القسم الثاني ذكرهما المصنف في الفصل الذى قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ
* إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَاعْتِبَارُ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ هَلْ نَقُولُ الْجِنْسِيَّةُ شرط العمل الْعِلَّةِ فَالْجِنْسِيَّةُ وَحْدَهَا لَا أَثَرَ لَهَا عِنْدَنَا
أَوْ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِهَا فَتَكُونُ مُرَكَّبَةً أَوْ مُجْمَلٌ فِيهِ الْعِلَّةُ فَاَلَّذِي يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ وَصْفٌ وَأَنَّ الْعِلَّةَ مُرَكَّبَةٌ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْكِفَايَةِ فِي تَخْرِيجِ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيِّ مِنْ طَرِيقَةِ نَاصِرِ(10/92)
الْعُمَرِيِّ وَزَعَمَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ اتِّفَاقَ أصحابهم ممن صنف الخلاف وأصحابنا وأصحاب أبى حنففة عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ إلَى وَقْتِهِ أَنَّ الْجِنْسَ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا قَالَ وَخَالَفَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ فَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْ قَالَ الْعِلَّةُ هِيَ الطُّعْمُ بِمُجَرَّدِهِ وَلَكِنَّ الْجِنْسَ مِنْ شَرْطِهِ فَكَانَ يَقُولُ العلة الطعم في الجنس سمعت القاضى أبى القاسم بن كج الشافعي بالدينو يَقُولُ هَذَا وَيَذْهَبُ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا عَمَّنْ عَاصَرَهُ من أصحابه في ذلك شئ يَتَحَرَّرُ وَلَمْ يُدَقِّقُوا فِي النَّظَرِ وَلَا تَعَلَّقُوا فِيهِ إلَى هَذَا التَّضْيِيقِ وَالتَّحْقِيقِ ثُمَّ اخْتَارَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّ الْجِنْسَ شَرْطٌ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَرَاوِزَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَأَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْجِنْسِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَصْفٍ وَأَطْنَبَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنْسِيَّةَ لَا أَثَرَ لَهَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا أَثَرَ لَهُ وَالْحَنَفِيَّةُ جَعَلُوا الْجِنْسِيَّةَ وَصْفًا فِي الْعِلَّةِ فَفَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنْسِيَّةَ وَحْدَهَا تُحَرِّمُ النَّسَاءَ فَلَا يَجُوزُ إسْلَامُ ثوب في ثوبين ومعنى المحل مايعين لِعَمَلِ الْعِلَّةِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْمَرَاوِزَةُ هَلْ هِيَ مَحَلٌّ أَوْ شَرْطٌ فَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ يَحْيَى أَنَّهَا مَحَلٌّ وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ الْمَرَاغِيُّ وَالْفَقِيهُ الْقُطْبُ أَنَّهَا شَرْطٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ تَحْتَ هَذَا الِاخْتِلَافِ كَبِيرُ طَائِلٍ وَمَنَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ وَصْفًا يَلْزَمُ إفَادَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالْغَزَالِيُّ قَدْ تَعَرَّضَ لِهَذَا الْمَنْعِ أَيْضًا فِي التَّحْصِينِ (قَاعِدَةٌ) الْعُقُودُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّقَابُضِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (مِنْهَا) مَا يَجِبُ فِيهِ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بالاجماع وهو الصرف (ومنها) مالايجب بِالْإِجْمَاعِ كَبَيْعِ الْمَطْعُومَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُرُوضِ بِالنَّقْدَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَمِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ (وَمِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ فِيهِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أعلم
*(10/93)
(فَصْلٌ)
فِي التَّنْبِيهِ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الذَّهَبُ) يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَجَمْعُهُ أَذْهَابٌ وَالْوَرِقُ الْفِضَّةُ وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ - فَتْحُ الْوَاوِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا وَكَسْرُ الْوَاوِ مَعَ إسْكَانِ الرَّاءِ - وَهَذِهِ الثَّلَاثُ مَشْهُورَةٌ وَالرَّابِعَةُ - فَتْحُ الْوَاوِ وَالرَّاءِ مَعًا - حَكَاهُمَا الصَّاغَانِيُّ فِي كِتَابِ الشَّوَارِدِ فِي اللُّغَاتِ قَالَ وَقَرَأَ أَبُو عُبَيْدٍ (أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ) وَنَقَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيِّ وَضَبْطِهِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ هَكَذَا بِالنَّصْبِ وَهُوَ عَلَى الْحَالِ فَفِي الْحَدِيثِ الْمُصَدَّرِ بِالنَّهْيِ التَّقْدِيرُ لَا تَبِيعُوا الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ التَّقْدِيرُ الذَّهَبُ مَبِيعٌ بِالذَّهَبِ فِي حَالَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَرَأَيْتُ فِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ بالرفع فيكون مثل بمثل مبتدأ وخبر وَهِيَ جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَأَخَوَاتُهَا وَالتَّقْدِيرُ مِثْلٌ مِنْهُ بِمِثْلٍ وَحُذِفَتْ مِنْهُ هَهُنَا كَمَا حُذِفَتْ مَنَوَانِ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ وَالْمِثْلُ فِي اللُّغَةِ النَّظِيرُ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ قَوْلُهُ (سَوَاءً بِسَوَاءٍ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مُسْتَوِيًا بمستو لافضل لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لَيْسُوا سواء) أي مستوين وكذلك قوله (سواء للسائلين) أَيْ مُسْتَوِيًا وَهَذَا مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْفَاعِلِ فَاسْتَوَى الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِيهِ وَيَكُونُ السَّوَاءُ بِمَعْنَى الْعَدْلِ وَالنَّصَفَةِ بِمَعْنَى الْوَسَطِ قَوْلُهُ (عَيْنًا بِعَيْنٍ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ يُرِيدُ مَرْئِيًّا بِمَرْئِيٍّ لَا غَائِبًا بِغَائِبٍ وَلَا غَائِبًا بِحَاضِرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَيْنِ عَيْنُ الْمَرْئِيِّ لِأَنَّهَا سَبَبُ الرُّؤْيَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ حَاضِرًا بِحَاضِرٍ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الكلمتين(10/94)
كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ مُعَايَنَةً كَمَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِمْ كَلَّمْتُهُ فَاهُ إلَى فِي أَيْ مُشَافَهَةً وَالْعَيْنُ فِي اللُّغَةِ تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ حَاسَّةِ الْبَصَرِ وَالْعَيْنِ وَالْمُعَايَنَةِ وَالنَّظَرِ والعين الذى ينظر للقوى وَهُوَ الرِّيبَةُ وَالْعَيْنِ الَّذِي تُبْقِيهِ لِيَتَجَسَّسَ لَكَ الْخَبَرَ وَالْعَيْنِ يَنْبُوعِ الْمَاءِ وَعَيْنِ الرَّكِيَّةِ مَصَبِّ مَائِهَا وَالْعَيْنِ مِنْ السَّحَابِ مَاءٍ عَنْ يَمِينِ قِبْلَةِ الْعِرَاقِ وَقَدْ يُقَالُ الْعَيْنُ مَاءٌ عَنْ يمين قبلة العراق إلى الناحية والمعين مَطَرُ أَيَّامٍ لَا يُقْلِعُ وَقِيلَ هُوَ الْمَطَرُ يَدُومُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةً وَالْعَيْنُ النَّاحِيَةُ كَذَا أَطْلَقَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَعَيْنُ الرَّكِيَّةِ نُقْرَةٌ في
مقدمها وَعَيْنُ الشَّمْسِ شُعَاعُهَا الَّذِي لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ العين قاله ابن سيده والمعين الْمَالُ الْحَاضِرُ وَمِنْ كَلَامِهِمْ عَيْنٌ غَيْرُ دُبُرٍ وَالْعَيْنُ الدِّينَارُ وَالْعَيْنُ الذَّهَبُ عَامَّةً قَالَ سِيبَوَيْهِ وَقَالُوا عَلَيْهِ مِائَةٌ عَيْنًا وَالرَّفْعُ الْوَجْهُ وَالْعَيْنُ فِي الْمِيزَانِ الْمَيَلُ وَجِئْتُكَ بِالْحَقِّ مِنْ عَيْنٍ صَافِيَةٍ أَيْ مِنْ فِضَّةٍ وَجَاءَ بِالْحَقِّ بِعَيْنِهِ أَيْ خَالِصًا وَاضِحًا وَعَيْنُ الْمَتَاعِ خِيَارُهُ وَعَيْنُ الشئ نفسه وشخصه وأصله والعين والعينة المسلف وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ الْعَيْنُ الثُّقْبُ فِي الْمَزَادَةِ وَالْعَيْنُ الْمَالُ النَّاضُّ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَضْرُوبُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْعَيْنُ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ وَالْعَيْنُ عَيْنُ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ قَالَهَا الْأَزْهَرِيُّ فَهَذِهِ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ لِلْعَيْنِ مَجْمُوعَةٌ مِنْ كَلَامِ الْأَزْهَرِيِّ وَابْنِ سِيدَهْ وَابْنِ فَارِسٍ وَالْهَرَوِيِّ وَأَكْثَرُهَا فِي كَلَامِ ابْنِ سِيدَهْ وَقَوْلُهُ (يَدًا بِيَدٍ) إعْرَابُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْ مُقَابَضَةً وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِثْلُ كَلَّمْتُهُ فَاهُ إلَى فِي أَيْ مُشَافَهَةً عَنْ سِيبَوَيْهِ
* قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ لا يفرد منها شئ دون شئ فَلَا تَقُلْ بِعْتُهُ يَدًا حَتَّى تَقُولَ بِيَدٍ وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَرْفَعُ هَذَا النَّحْوَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا(10/95)
وَمَنْ جَمَعَ مِنْ الرُّوَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَدَعْوَى الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الثَّانِيَةَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى وَدَعْوَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَعْنًى فَالْعَيْنُ لِإِفَادَةِ الْحُلُولِ وَالْيَدُ لِإِفَادَةِ التَّقَابُضِ أَيْ مَقْبُوضًا بِمَقْبُوضٍ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَنَقُولُ مُنَاجَزَةً قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ يُعْطِي بِيَدٍ وَيَأْخُذُ بِأُخْرَى قَالَ الْفَرَّاءُ الْعَرَبُ تَقُولُ بَاعَ فُلَانٌ غَنَمَهُ بِالْيَدَيْنِ يُرِيدُ تَسْلِيمَهَا بِيَدٍ وَأَخْذَ ثَمَنِهَا بِيَدٍ قَالَ وَيُقَالُ أَبِيعَتْ الْغَنَمُ بِالْيَدَيْنِ أَيْ بِثَمَنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْمُنْذِرُ عَنْ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفَرَّاءِ وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ الروايات (ها وها) معناه التقابض وقال الْخَطَّابِيُّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ (هَا وَهَا) مَقْصُورَيْنِ وَالصَّوَابُ مَدُّهُمَا وَنَصْبُ الْأَلِفِ مِنْهُمَا وَجَعْلُ أَصْلِهِ هاك أي خذ فاسقطوا الكاف وعرضوا عَنْهَا الْمَدَّ يُقَالُ لِلْوَاحِدِ هَا وَلِلِاثْنَيْنِ هَا وَأَمَّا بِزِيَادَةِ الْمِيمِ لِلْجَمَاعَةِ فَهَاؤُمْ قَالَ اللَّهُ تعالى (هاؤم اقرؤا كتابيه) وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ الْمُظَفَّرِ وَذَكَرَ أَبُو بكر ابن الْعَرَبِيِّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ هَاكَ وَهَاكُمَا وَهَاكُمْ وَجَرَى فِي ذَلِكَ قول كثير لبابه عند أَنَّ هَا تَنْبِيهٌ وَحُذِفَ خُذْ وَأَعْطِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ وَأَمَّا هَاؤُمَا وَهَاؤُمْ فَقِيلَ فِيهِ مَعْنًى أُمَّا وَأُمُّوا أَيْ اقْصِدُوا وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي
الْوَاحِدِ إلَّا بِالْكَافِ فَهِيَ الْأَصْلُ وَلِذَلِكَ أَجْرَتْ بَعْضُ الْعَرَبِ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْوَاحِدِ فِي لُحُوقِ الْكَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) (مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يَقُولُ مَنْ زَادَ صَاحِبَهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَازْدَادَ لِنَفْسِهِ عَلَى مَا دَفَعَ فَقَدْ أَرْبَى أَيْ دَخَلَ فِي الرِّبَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) (الْأَصْنَافُ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ(10/96)
عَلَى تَحْقِيقِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْأَجْنَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) (كَيْفَ شِئْتُمْ) كَيْفَ هَهُنَا اسْمُ شَرْطٍ أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ فَبِيعُوا فَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَبِيعُوا الْمُتَقَدِّمُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَيْفَ هُنَا لِلِاسْتِفْهَامِ كَمَا هُوَ أُغْلَبُ أَحْوَالِهَا وَكَوْنُهَا تَأْتِي اسْمَ شَرْطٍ قَدْ ذَكَرَهُ النُّحَاةُ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ
* وجوبك بِكَيْفَ مَعْنًى لَا عَمَلًا خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ
* يَعْنِي أَنَّ الْكُوفِيِّينَ يَجْعَلُونَهَا اسْمَ شَرْطٍ مَعْنًى وَعَمَلًا ومن مجئ كَيْفَ شَرْطِيَّةً قَوْله تَعَالَى (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) أَيْ كَيْفَ يَشَاءُ يُنْفِقُ وَمَعْنَاهَا فِي ذَلِكَ عُمُومُ الْأَحْوَالِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فَرْعًا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ إذَا قَالَ لِوَكِيلِهِ بِعْهُ كَيْفَ شِئْتَ فَلَهُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ وَبِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ تَجْوِيزُ الْكُلِّ فَيُمْكِنُ اعْتِضَادُهُ بِالْحَدِيثِ فِي إدْرَاجِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ تَحْتَ الْكَيْفِ لَكِنْ بَيْنَ هَذَا الْمِثَالِ وَبَيْنَ مَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ فَرْقٌ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ مَعًا كَقَوْلِهِ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا الصِّنْفَ بِصِنْفٍ آخَرَ كَيْفَ شِئْتُمْ عَلَى أَحَدِهِمَا زِيَادَةً) فَشَمِلَ أَيْ فَبِيعُوا فِي الثَّمَنِ وَذَلِكَ مُقَابَلَةُ الْمَبِيعِ بِالْكَيْفِيَّةِ إلَى أَحْوَالٍ وَنُقْصَانُهُ عَنْهُ (وَأَمَّا) الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ فِي الْوَكَالَةِ فَالْكَيْفِيَّةُ رَاجِعَةٌ إلَى نَفْسِ الْبَيْعِ فَلَا جَرَمَ شَمِلَ النَّقْدَ وَالنَّسِيئَةَ وَلَمْ يَشْمَلْ قِلَّةَ الثَّمَنِ وَكَثْرَتَهُ وَبَيَانَ جِنْسِهِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ مُسَمَّى الْبَيْعِ (وقَوْله) تعالى (ينفق كيف يشاء) وَمَوْقِعُ كَيْفَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ التَّمَاثُلَ وَالتَّفَاضُلَ صِفَتَانِ لِلْمَبِيعِ يَرْجِعَانِ إلَى أَحْوَالِ مُقَابَلَتِهِ بِغَيْرِهِ وذلك من الكيف لامن الْكَمِّ فَلِذَلِكَ جَاءَ الْحَدِيثُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) (إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَذِكْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ثَانِيًا وَاهْتِمَامُهُ بِهِ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْأَوَّلِ التَّأْكِيدَ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ دُونَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَدًا بِيَدٍ يَدُلُّ عَلَى التَّقَابُضِ صَرِيحًا وَعَلَى الْحُلُولِ ظَاهِرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى فَفِي الْأَوَّلِ أَتَى بِاللَّفْظَيْنِ لِيَدُلَّا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ صَرِيحًا وَفِي الْأَخِيرِ اكْتَفَى بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا فِي الْجُمْلَةِ والله أَعْلَمُ
* وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ(10/97)
لِلْبَيْعِ أَيْ إذَا كَانَ الْبَيْعُ يَدًا بِيَدٍ أي مناجزة فههنا لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْمَبِيعِ وَفِي الْأَوَّلِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْمَبِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا تَبِيعُوا إلَّا مُنَاجَزَةً فَيَكُونُ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ بَيْعًا مُنَاجَزَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ التبر من الدراهم والدنانير ماكان غَيْرَ مَصُوغٍ وَلَا مَضْرُوبٍ وَكَذَلِكَ مِنْ النُّحَاسِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ وَمَا كَانَ كُسَارًا أَوْ غَيْرَ مَصُوغٍ وَلَا مَضْرُوبٍ فُلُوسًا وَأَصْلُ التِّبْرِ مِنْ قولك تبرت الشئ أَيْ كَسَّرْتُهُ جِدًّا وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجُوزُ التِّبْرُ بِالتِّبْرِ وَبِالْعَيْنِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْحَاصِلِ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ وَقَبْلَ الضَّرْبِ وَأَمَّا التِّبْرُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَعْدِنِ قَبْلَ التَّصْفِيَةِ فَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ فِضَّةٍ وَلَا يُوجَدُ تِبْرُ ذَهَبٍ خَالِصًا مِنْ فِضَّةٍ وَلَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ إلَّا بِالتَّصْفِيَةِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ بَيْعُ التِّبْرِ الْمَذْكُورِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِخَالِصٍ كَبَيْعِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ فَيَمْتَنِعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (وان تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا نظرت فان لم يتفرقا جاز أن يرد ويطالب بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ وقد قبض قبل التفرق وان تفرقا ففيه قولان
(أحدهما)
يجوز ابداله لان ما جاز ابداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه
(والثانى)
لا يجوز وهو قول المزني لانه إذا أبدله صار القبض بعد التفرق وذلك لا يجوز
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعُ جَوَازِ الصَّرْفِ فِي الذِّمَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْعِوَضَيْنِ وَلَا أَحَدِهِمَا إذَا حَصَلَ التَّعْيِينُ فِي الْمَجْلِسِ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلًا ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَنَقُولُ إنَّ عَقْدَ الصَّرْفِ تَارَةً يَرِدُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَتَارَةً يَرِدُ عَلَى الذِّمَّةِ وَالْوَارِدُ عَلَى الذِّمَّةِ إمَّا أَنْ يَرِدَ على شئ يستحق بالعقد وإما على شئ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْعَقْدِ فَيَتَحَوَّلُ بِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ)(10/98)
المعين
(والثانى)
الموصوف أو مافى مَعْنَاهُ (وَالثَّالِثُ) الدَّيْنُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى عِوَضَيْنِ وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِهِمَا فِي الاقسام الثلاثة ستة ترتيبها أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ قِسْمٍ مَعَ نَفْسِهِ وَمَعَ ما بعده وقد رتبتها
هكذا (الاول) أن يكونا معينين (الثاني) معين وموصوف (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا دَيْنَيْنِ (الرَّابِعُ) مُعَيَّنٌ وَمَوْصُوفٌ (الْخَامِسُ) مُعَيَّنٌ وَدَيْنٌ (السَّادِسُ) مَوْصُوفٌ وَدَيْنٌ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى كُلِّ قِسْمٍ وَمَا يَجُوزُ مِنْهَا وَمَا يَمْتَنِعُ (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَا مُعَيَّنَيْنِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي جَوَازِهِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ أَوْ صَارَفْتُكَ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَمْوَالِ الرِّبَا كَبِعْتُكَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ بِهَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ بِهَذَا الشَّعِيرِ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ إطْلَاقُ ذَلِكَ وَتَفَاصِيلُهُ وَمِنْ أَحْكَامِ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّ الْعِوَضَيْنِ يَتَعَيَّنَانِ بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ الْمُتَعَيَّنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمَتَى تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَدَ الْعَقْدُ وَإِذَا خرج مستحقا تبين بطلان العقد وحيث استحق الرجوع به إما بمقايلة وَإِمَّا بِرَدٍّ بِعَيْبٍ حَيْثُ ثَبَتَتْ فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبْدِلَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ بِكُلِّ الْمَبِيعِ أَوْ بِبَعْضِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَخْذُ بِدَلِهَا مِنْ غَيْرِ فَسْخِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَقْدُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَاعِلُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ في العمد وَغَيْرِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ الْمَحْكِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ فِي هَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فَرَّعَهُ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ يَجُوزُ الصَّرْفُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قبل قبضه فان القاضي حسين نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْأَسْرَارِ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَخْطَأَ مَنْ جَوَّزَهُ وَهُوَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَاحْتَجُّوا لَهُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ بِقَوْلِ الْفَرَّاءِ إنَّ الثَّمَنَ لَهُ شَرْطَانِ أَنْ يَصْحَبَهُ الْبَائِعُ وَأَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِدِينَارٍ قِيلَ إنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ وَمِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا(10/99)
أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ فَقَالَ لَا بَأْسَ إذَا تَفَرَّقْتُمَا وَلَيْسَ بينكما شئ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَيَّنًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَهُوَ كَوْنُ الْأَثْمَانِ مُطْلَقَةً وَعَنْ قَوْلِ الْفَرَّاءِ بِأَنَّ التَّعْيِينَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ
لَا مَجَالَ لِلُّغَةِ فِيهِ فَإِنْ قَالَ إنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى ثَمَنًا صَارَ بَحْثًا لَفْظِيًّا وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّ الصَّفْقَةَ خَالِيَةٌ عَنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ مِنْ حيث التسمية فقط فكما أن الثبوت مُتَعَيِّنٌ بِالْعَقْدِ كَذَلِكَ النَّقْدُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الْفَرَّاءَ خَلَطَ فِي هَذَا الْكِتَابِ اللُّغَةَ بِالْفِقْهِ وَعَوَّلَ عَلَى فِقْهِ الْكُوفِيِّينَ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا فِيمَا تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّقْدَيْنِ يَتَعَيَّنَانِ بِأَجْنَاسِهِمَا فَإِذَا بَاعَ بِدَرَاهِمَ يَتَعَيَّنُ جِنْسُ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِدَنَانِيرَ يَتَعَيَّنُ جِنْسُ الدَّنَانِيرِ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ على ذلك الطاووسي فِي طَرِيقَتِهِ وَحُجَّتُنَا فِي التَّعْيِينِ مِنْ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الرِّبَا (عَيْنًا بِعَيْنٍ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَا لَا يَتَعَيَّنَانِ لِمَا كَانَا عَيْنًا بِعَيْنٍ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا إذَا كَانَ عِوَضًا بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِوَضٌ مُشَارٌ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ ويتعين بالقبض وعلى القرض والوديعة والغصب والوضيعة وَالْإِرْثِ وَالصَّدَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ حُلِيًّا فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ النَّقْدِ بِخُصُوصِهِ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ لَكِنَّهُمْ اعْتَذَرُوا عَنْ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضَاهَا وُجُوبَهَا فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ الْمُعَيَّنَ إنْ صَلُحَ لِلْعِوَضِيَّةِ لَمْ يَجُزْ إبْدَالُهُ لِتَعَلُّقِ الْمِلْكِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا ثَمَنًا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّ الثَّمَنَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَمَعْنَى التَّعْيِينِ أَنَّهُ يُوفِي ذَلِكَ الْمُطْلَقَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ هَذَا الْمُعَيَّنِ (فَنَقُولُ) إنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ فِيهِ بِالتَّعْيِينِ كَالسَّلَمِ إذَا عَيَّنَ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا وَهَذِهِ حُجَّةُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَرَبْطُ الْعَقْدِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِهِ لِعِلْمِهِ بِحِلِّهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْرَاضِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَوَائِدَ وَمَقَاصِدَ فِي تَعْيِينِ الثَّمَنِ (مِنْهَا) لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ عِنْدَ الْفَلَسِ وَتَبْرِئَةُ ذِمَّتِهِ لِقَصْرِ الْحَقِّ عَلَى تِلْكَ الْعَيْنِ (وَمِنْهَا) لِلْمُشْتَرِي تَكْمِيلُ مِلْكِهِ إذْ الْمِلْكُ فِي(10/100)
العين آكد منه في الدين ولهذا أجير الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِيُسَاوِيَ الْبَائِعَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ فَبِالتَّسْلِيمِ يَصِيرُ مَا عَلَيْهِ عَيْنًا مِثْلَ الْمَبِيعِ قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ الْأَسْرَارِ وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَعْيِينَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ مُخْتَصَرًا وَلَا فَرْقَ فِي تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ أَوْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ اُسْتُبْدِلَ عَنْ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَالتَّخَايُرِ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ أَوْ قَبْلَهُمَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَقَبْلَ التَّخَايُرِ صَحَّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي كَالتَّفَرُّقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَضَعَّفَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي إلَّا بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَا يَصِحُّ أَوْ بَعْدَ التَّخَايُرِ وَقَبْلَ التَّقَابُضِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَلَا يُصَادِفُ الِاسْتِبْدَالُ محلا خلافا لابن سريج والله أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
لَوْ وَهَبَ الصَّيْرَفِيُّ الدَّرَاهِمَ الْمُعَيَّنَةَ لِبَاذِلِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَعْدَ قَبْضِهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ كَالْبَيْعِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ بَعْدَ قَبْضِهَا وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَانْقِضَاءِ الْخِيَارِ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَنْقُولُ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ طَرَدَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالتَّزْوِيجِ أَيْضًا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فِي الْمَجْلِسِ قَالَ (إنْ قُلْنَا) الْمُشْتَرِي مَلَكَ صَحَّ التَّزْوِيجُ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْقُطُ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ
* (فَرْعٌ)
إذَا تَعَاقَدَا عَلَى مُعَيَّنَيْنِ يَجُوزُ جُزَافًا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصْحَابُ (الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَا مَوْصُوفَيْنِ أوفى مَعْنَى الْمَوْصُوفَيْنِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ نَقْدٌ مُتَعَارَفٌ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ أَوْ صَارَفْتُكَ دِينَارًا مِصْرِيًّا فِي ذِمَّتِي بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا من(10/101)
الضَّرْبِ الْفُلَانِيِّ فِي ذِمَّتِكَ فَقَدْ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ إذَا تَوَاصَفَا الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَطْلَقَا وَكَانَ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ أَوْ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا غَالِبٌ فَيَرْجِعُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ ثُمَّ يُعَيِّنَانِ وَيَتَقَابَضَانِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا فَاسْتَقْرَضَا وَتَقَابَضَا جَازَ وَكَذَلِكَ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ إنَّمَا يُقَوَّمُ بِالْغَالِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ بِأَنْ كَانَ فِيهَا نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَغْلَبَ مِنْ بَعْضٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ النَّوْعِ كَقَوْلِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ رَاضِيَةٍ أَوْ نَاصِرِيَّةٍ بِدِينَارٍ مطبقي أو ما سيأتي أو أهوارى أَوْ سَابُورِيٍّ وَفِي التَّقْوِيمِ يُعَيِّنُ الْقَاضِي وَاحِدًا لِلتَّقْوِيمِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ فَإِنْ وَقَعَ مِنْ غير تعين فَسَدَ الْعَقْدُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيِّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ حَكَى
أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْأَعْيَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَإِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ بَيْعَ الدَّيْنِ فَقَدْ نَهَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ قَالَ فَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ الْعِوَضُ عَيْنًا غَائِبَةً لَمَا كَانَ إلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ سَبِيلٌ وَاسْتَضْعَفَ الرُّويَانِيُّ هَذَا وَنَظِيرُ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ صَالِحِ الْمِصْرِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُعَيَّنًا ثُمَّ يُقْبَضُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ عَقَدَ عَلَى مَوْصُوفٍ ثُمَّ أَحْضَرَهُ وَأَقْبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ كِلَا الْبَدَلَيْنِ مَوْصُوفٌ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فَهَذَانِ وَجْهَانِ غَرِيبَانِ فِي الْمَذْهَبِ لَمْ يَحْكِهِمَا في المسئلتين غَيْرُ هَذَيْنِ الْمُصَنِّفَيْنِ يَعْنِي صَاحِبَ التَّتِمَّةِ وَالْمَاوَرْدِيَّ فِيمَا أَعْلَمُ وَلَسْت أَدْرِي هَلْ يُوَافِقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ الْعَبَّادِيَّ وَأَبَا الْعَبَّاسِ الْمِصْرِيَّ صَاحِبَيْ الْوَجْهِ صَاحِبَهُ فِي مَسْأَلَتِهِ أَمْ لَا وَالْمُسَاوَاةُ مُتَّجَهَةٌ وَقَدْ يُتَكَلَّفُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ الَّتِي رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ(10/102)
بِالْوَرِقِ إلَى قَوْلِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَعْنِي يَدًا بِيَدٍ فَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا إذَا عَيَّنَا فِي الْمَجْلِسِ صَارَ عَيْنًا بِعَيْنٍ كَمَا إذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَمْ يرد التعيين والتقابض في نفس العقد اه وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ حَتَّى يَكُونَ الْعَيْنَانِ حَاضِرَتَيْنِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُظْهِرَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَيُعَيِّنَ وَعَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِثْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يحتاج أن يكون قبضه لما لم يعنيه قَرِيبًا مُتَّصِلًا بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ يُحِلُّهَا مِنْ كِيسِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَاتَّفَقُوا يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءَ الثَّلَاثَةَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ ومالك وَالشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الصَّرْفِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا وَقَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ كونه عينا اه وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْعِوَضَيْنِ حِينَ الْعَقْدِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي تَقَاضِيهِ الدَّرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّنَانِيرَ عَنْ الدَّرَاهِمِ فَإِنَّ أَخْذَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ صَرْفٌ وَالْمَأْخُوذَ عَنْهُ لَيْسَ مُعَيَّنًا وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْت) حَكَمْتُمْ هُنَا بِجَوَازِ الصَّرْفِ عَلَى الْمَوْصُوفَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَرَّمْتُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إسْلَامَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَلَنَا
خِلَافٌ مَشْهُورٌ عَلَى النَّظَرِ إلَى الْمُعَيَّنِ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسَادِهِ لِأَنَّهُ سَلَمٌ أَوْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ حَالًّا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (قُلْت) امْتِنَاعُ إسْلَامِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْأَجَلِ وَالْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّرْفِ (فَإِنْ قُلْت) هَذَا نَظَرًا إلَى جَانِبِ اللَّفْظِ وَالسُّؤَالُ إذَا نَظَرْنَا إلَى الْمَعْنَى ثُمَّ إنَّ إشْعَارَ اللَّفْظِ بِالْأَجَلِ يَزُولُ بِشَرْطِ الْحُلُولِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ (إمَّا) تَصْحِيحُ السَّلَمِ فِيهَا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَإِمَّا) فَسَادُ هَذَا الْعَقْدِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ (قُلْت) الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ قِسْمَانِ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيْعِ فَهُمَا خَاصَّانِ تَحْتَ أَعَمَّ وَبَيْنَهُمَا أَعْنِي الصَّرْفَ وَالسَّلَمَ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ بَيْعَ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ قَدْ يَكُونُ نَقْدًا وَقَدْ(10/103)
لَا يَكُونُ وَبَيْعَ النَّقْدِ قَدْ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَفِي مَحَلِّ صِدْقِهِمَا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ النَّقْدُ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ يَجِبُ النَّظَرُ فِي الْأَحْكَامِ فَحُكْمُ الصَّرْفِ وُجُوبُ التَّقَابُضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَحُكْمُ السَّلَمِ قَبْضُ الثَّمَنِ (وَأَمَّا) الْمُثَمَّنُ فَإِمَّا أَنْ تَقُولَ إنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي جَوَازَ تَأَخُّرِهِ فَيَكُونُ بَيْنَ مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَى الصَّرْفِ تَضَادٌّ أَوْ تَقُولَ إنَّ السَّلَمَ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَا عَدَمَهُ بَلْ مُقْتَضَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ فَقَطْ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَيُرَجَّحُ بِاللَّفْظِ فَإِنْ عَقَدَ بِلَفْظِ السَّلَمِ بَطَلَ وَإِنْ عَقَدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ الصَّرْفِ صَحَّ وَكَانَ صَرْفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ وَكَانَ السَّلَمُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ لُزُومِ التَّقَابُضِ فَيَجِبُ أَنْ يُوَفِّيَ الصَّرْفَ حُكْمَهُ ضَرُورَةَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَإِنَّ كَوْنَهُ صَرْفًا يَقْتَضِي التَّقَابُضَ وَكَوْنَهُ سَلَمًا غَيْرُ مَانِعٍ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (فَإِنْ قُلْتَ) التَّرْجِيحُ بِاللَّفْظِ فِيمَا إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِلَفْظِ الصَّرْفِ فَيَصِحُّ أَوْ بِلَفْظِ السَّلَمِ فَيَبْطُلُ لِمَا بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مِنْ التضاد أما إذا جَرَى بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ فَيَبْقَى تَعَارُضُ الْمَعْنَيَيْنِ بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ ضَرُورَةَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ (قُلْت) بَلْ لَفْظُ الْبَيْعِ وَإِضَافَتُهُ إلَى هَذَا الْمَبِيعِ الْخَاصِّ مُرَجِّحٌ لِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُ بِقَوْلِهِ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ إلَى آخِرِهِ وَإِنَّمَا الْعُلَمَاءُ سَمَّوْا هَذَا النَّوْعَ بِاسْمِ الصَّرْفِ لِمَا سَتَعْرِفُهُ وَهَذَا الْبَحْثُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْقِسْمِ بَلْ يَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ مَوْصُوفًا وَالثَّمَنُ مُعَيَّنٌ أَوْ دَيْنٌ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَالسَّادِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَشْعَرَ هَذَا الْبَحْثَ فَقَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ السَّلَمِ فَإِنْ
وُضِعَ السَّلَمُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ فَيُحْسَبُ والصرف يجوز عقده على الوصف ثم لابد مِنْ التَّقَابُضِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ انما هو ذكر حكم للسلم وَالصَّرْفِ وَحُكْمُ الْعَقْدِ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ جُزْءًا مِنْهَا وَفِيمَا قَدَّمْتُهُ كِفَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَمْ يَجْزِمْ الْأَصْحَابُ بِجَوَازِ بَيْعِ الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ بِالطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ كَمَا جَزَمُوا(10/104)
فِي الصَّرْفِ بَلْ حَكَوْا فِي الطَّعَامِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَشْبَهَ بِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّ وَجْهَ الْجَوَازِ أَظْهَرُ
* (فَرْعٌ)
هل يسوغ الاستبدال في هذا القسم أولا؟ اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَنْ الثَّمَنِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ يَجُوزُ عَلَى الْجَدِيدِ الْمَشْهُورِ (وَأَمَّا) فِي الصَّرْفِ فَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُبْدِلَ عَنْهُ لَمْ يَحْصُلْ مَدْلُولُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَيْنًا بِعَيْنٍ) لَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا فِي الْمَجْلِسِ فَوَجَبَ الْبُطْلَانُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الصَّرْفِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّهُ بِعَرَضِيَّةِ الْبُطْلَانِ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَلِهَذَا جَزَمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَدْ قُبِضَ أما إذا الْمَبِيعُ لَمْ يُقْبَضْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلِلْقَائِلِ الْآخَرِ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلِانْفِسَاخِ مِنْ جِهَتِهِ بِأَنْ يَتْلَفَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَيَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِهِ وَالثَّمَنُ فِي الصَّرْفِ قَابِلٌ لِلِانْفِسَاخِ الْآتِي مِنْ جِهَتِهِ بِعَدَمِ قَبْضِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَلْزَمُ عَلَى الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يَتَقَابَضَا بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ اللُّزُومُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي اللزوم قبل التقابض أو على الوجه الْقَائِلِ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمَبِيعِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يُطْرَدَ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ لِمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ فلابد مِنْ الْمَجْلِسِ وَقَدْ خَرَّجَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الِاسْتِبْدَالِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ نَقْدَيْنِ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ مَاذَا وَحُكِمَ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا الثَّمَنُ النَّقْدُ وَلَا مَبِيعَ هُنَا فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الِاسْتِبْدَالِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ لَا يَنْبَغِي التَّعْرِيجُ عَلَيْهِ والله أعلم
*(10/105)
(فَرْعٌ)
الْإِبْرَاءُ عَنْ هَذَا الْعِوَضِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ فِي الصَّرْفِ لَا يَصِحُّ فَإِنْ افْتَرَقَا قبل قبضها بطل الصرف لانه ابراء مما لم يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
* (فَرْعٌ)
جَرَيَانُ الصرف في الذمة عند اختلاف الجنس لاإشكال فِيهِ كَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ كَأَنْ يَبِيعَ دِينَارًا بِدِينَارٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الْمُرْشِدِ وَالِانْتِصَارِ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي
* (فَرْعٌ)
ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ فَلَوْ بَاعَ بِدِرْهَمٍ مُطْلَقًا وَنَقْدُ الْبَلَدِ مَغْشُوشٌ يَجِبُ دِرْهَمٌ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهِ مِنْ النُّقْرَةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَتُرَابِ الصَّاغَةِ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ فلوسا أو دراهم عطر بقية يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا
* (فَرْعٌ)
جَرَيَانُ هَذَا الْقِسْمِ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَهَلْ يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ حَيْثُ يَكُونُ هُنَاكَ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَيُمْكِنُ فَرْضُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ كَأَنْ يَبِيعَ دَنَانِيرَ مَغْرِبِيَّةً بِدَنَانِيرَ مَشْرِقِيَّةٍ أَوْ دَرَاهِمَ لَيِّنَةً بِدَرَاهِمَ خَشِنَةٍ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ
*(10/106)
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ فِي هَذَا الْقِسْمِ طَعَامًا بِطَعَامٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمَنْعُ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِيهِ يَطُولُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي النُّقُودِ أَهْوَنُ وَهَكَذَا يَكْفِي فِيهَا الْإِطْلَاقُ
(وَالثَّانِي)
الْجَوَازُ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّ هَذَا أَظْهَرُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا دَيْنَيْنِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدِّينَارَ الَّذِي لِي فِي ذِمَّتِك بِالْعَشَرَةِ الدارهم الَّتِي لَكَ فِي ذِمَّتِي حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّةُ كُلٍّ مِنَّا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى بِتَطَارُحِ الدَّيْنَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ لرجل وللرجل عليه دنانير فحلت اولم تَحِلَّ فَتَطَارَحَاهَا صَرْفًا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا حَلَّ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ فَلَا يَجُوزُ انْتَهَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَكِنَّ طَرِيقَهُمَا أَنْ يُبْرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا هل يدخل في بيع الدين بالدين أولا وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ المنذر وقال قال احمد جماع الْأَئِمَّةِ أَنْ لَا يُبَاعَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ (قُلْتُ) وَنَاهِيكَ بِنَقْلِ أَحْمَدَ الْإِجْمَاعَ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ سَنَدُهُ فِيهِ مَعَ الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نهى عن بيع الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ) وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ إنَّ إسْنَادَهُ لَا يَثْبُتُ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ أَيَصِحُّ فِي هَذَا حَدِيثٌ قَالَ لَا فَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ أَمْكَنَ التَّمَسُّكُ بِهِ فَإِنَّ الْكَالِئَ بِالْكَالِئِ هُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ كذلك فَسَّرَهُ نَافِعٌ رَاوِي الْحَدِيثِ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ حَقِيقَةٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (أَمَّا) إذَا لَمْ يَثْبُتْ فالاجماع لا يمكن التمسك به(10/107)
مع جود الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ فَإِنَّهُ يُؤَوِّلُ هَذَا إلَى تَفْسِيرِ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الْمُجْمَعِ عَلَى مَنْعِهِ يَعْنِي مَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ فَيَجْعَلَهُ عَلَيْهِ فِي دَيْنٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْقَدْرِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْعُ دَيْنٍ بِمَا يَصِيرُ دَيْنًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ مُتَمَسَّكٌ بِضَعْفِهِ وَلَا فِي الْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ التَّوَارُدِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ
* وَاحْتَجَّتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وتقاضيه الدارهم عَنْ الدَّنَانِيرِ وَبِالْعَكْسِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْمَوْصُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الصَّيْمَرِيُّ فَلَوْ وَجَبَ لزيد في ذمة عمرو دينار أهوارى ووجب لعمرو في ذمة زيد دينار أهوارى جَازَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ قِصَاصًا (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مُعَيَّنٌ وَمَوْصُوفٌ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جمعور الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَوْ جَرَى هَذَا الْقِسْمُ بِلَفْظِ السَّلَمِ كَانَ بَاطِلًا أَيْضًا كَالْقِسْمِ الثَّانِي وَرَأَى شَيْخُنَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الْقَطْعَ بِالْجَوَازِ فِي هَذَا الْقِسْمِ لِلْبُعْدِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَهَذَا غَلَطٌ مُخَالِفٌ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) دَيْنٌ بِعَيْنٍ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دِينَارٌ فَقَالَ بِعْتُكَ الدِّينَارَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ فَيَجُوزُ أَيْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مِمَّا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَهَذَا قِسْمَانِ
(أحدهما)
أن لا يكون ثمنا ولا
مثمنا كدين القرض وَالْإِتْلَافِ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا عَلَى الْجَدِيدِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فَلَوْ كَانَ(10/108)
فِي الصَّرْفِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ مؤجلا فسيأتي حكمه
* إذا عرف ذلك فجواز أَخْذُ الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّنَانِيرِ عَنْ الدَّرَاهِمِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ حُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ والحسن والحكم وحماد وطاووس وَالزُّهْرِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَتَادَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَطَاءٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ومالك والثوري والاوزاعي وأحمد واسحق وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرُوِيَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وأبى سلمة ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَوَّلُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا (وَقَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُؤْخَذُ بِسِعْرِ يَوْمِهَا وَبِأَعْلَى وَبِأَرْخَصَ (قَالَ) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انما يقتضيه إيَّاهَا بِالسِّعْرِ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ يَقْضِيهِ إيَّاهَا بِالسِّعْرِ إلَّا مَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بسعر يومها) واستدل له بأن هذا حال مجرى القضاء فيقيد بالمثل كما لو حصيناه من الجنس والتماثل بينا مُتَعَذِّرٌ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَاعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ وَالْعُمْدَةُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سماك بن حرب عن سعيد ابن جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ الدَّنَانِيرَ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ آخُذُ هَذِهِ عَنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذِهِ عَنْ هَذِهِ فَأَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ حفصة فقلت يارسول اللَّهِ رُوَيْدَكَ أَسْأَلُكَ إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ آخُذُ هَذِهِ عَنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذِهِ عَنْ هَذِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بَأْسَ(10/109)
مِنْ أَنْ تَأْخُذَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تفترقا وبينكما شئ) وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَقَدْ تَفَرَّدَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَا يُرْوَى مِنْ غَيْرِ جِهَةِ سِمَاكٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ أَوْ سِمَاكٌ عَلَى الشَّكِّ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ إلَّا سماك وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ بِسِمَاكٍ مِنْ
أَفْرَادِهِ لَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ وَسِمَاكٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَضَعَّفَهُ شعبة والنووي وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَنُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ إنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَأَنَّ شُعْبَةَ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَلِسِمَاكٍ حَدِيثٌ كَبِيرٌ مُسْتَقِيمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّهُ وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ تابعي الكوفيين وأحاديثه حسان عمى يَرْوِي عَنْهُ وَهُوَ صَدُوقٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا دَاوُد الطَّيَالِسِيَّ قَالَ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ طَلِيقٍ يَسْأَلُ شُعْبَةَ فَقَالَ يَا أَبَا بِسْطَامٍ حَدِّثْنِي بِحَدِيثِ سِمَاكٍ فِي اقْتِضَاءِ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ وَهَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ يَرْفَعُهُ أَحَدٌ إلَّا سِمَاكٌ قَالَ فَتَذْهَبُ أَنْ أَرْوِيَ عَنْكَ قَالَ لَا وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَأَخْبَرَنِيهِ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَحَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ أبى هند عن سعيد ابن جُبَيْرٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَرَفَعَهُ سِمَاكٌ فَأَنَا أُفَرِّقُ بِهِ قُلْتُ وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ فَمِنْ جُمْلَةِ مَا رَوَى عَنْهُ حَدِيثُ سُوَيْد بن قليس قال خليت أنا ومخرمة العبدى يدا مِنْ هَجَرَ أَوْ الْبَحْرَيْنِ حَدِيثٌ لَيْسَ لِزَيْدٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فَهَذَا مَا حَضَرَنِي مِنْ حَالِ سِمَاكٍ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى التَّوْثِيقِ أَقْرَبُ وَحَدِيثُهُ هَذَا يَدْخُلُ(10/110)
فِي قِسْمِ الْحَسَنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ عَدِيٍّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا قَالَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ رَجُلٌ صَالِحٌ قَالَ قَدْ أَدْرَكْتُ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى عَنْهُ قَالَ (ذَهَبَ بَصَرِي فَرَأَيْتُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي النَّوْمِ فَقُلْتُ ذَهَبَ بَصَرِي قَالَ انْزِلْ إلَى الْفُرَاتِ فَاغْمِسْ رَأْسَكَ فِيهِ وَافْتَحْ عَيْنَيْكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرُدُّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ بَصَرِي) وَقَدْ جَعَلَ قَوْمٌ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا مُعَارِضًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَشِبْهِهِ فِي قَوْلِهِ (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَيْسَ الْحَدِيثَانِ بِمُتَعَارِضَيْنِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مُفَسَّرٌ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مُجْمَلٌ فَصَارَ مَعْنَاهُ لَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا لَيْسَ فِي ذِمَّةٍ بِنَاجِزٍ وَإِذَا حُمِلَا عَلَى هَذَا لَمْ يتعارضا اه وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ فَهُوَ نَصٌّ فِي أَخْذِ الْمُعَيَّنِ عَنْ الدَّيْنِ (وَأَمَّا) الِاسْتِدْلَال
بِهِ عَلَى الْمَوْصُوفِ عَنْ الدَّيْنِ فَمُحْتَمَلٌ فَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ عُمَرَ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يَكُونَ يَعْتَاضُ عَنْ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهَا دَرَاهِمَ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ يُعَيِّنْهَا وَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ (وَآخُذُ) فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْقَبْضِ لَا فِي مُجَرَّدِ الْمُعَاوَضَةِ وَيُمْكِنُ تَرْجِيحُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُفْسِدُهُ الْجَوَابُ وَرَفْعُ البأس مما إذا تفرقا وليس بينهما شئ ولو حصل التقابض لم يبق بينهما شئ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ وَقَدْ رَدَّ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَنَعَ جَوَازَ ذَلِكَ وَرَدَّ الْحَدِيثَ لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ وَلِأَجْلِ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِعَيْنِهِ فِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ إذَا بَايَعْتَ صَاحِبَكَ فَلَا تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ لَبْسٌ) وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِهِ حَدِيثًا وَاحِدًا وَأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ تِلْكَ فَإِنَّ مَضْمُونَ لَفْظِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ ثُمَّ يَبِيعُ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ وبالعكس فاقتصر(10/111)
في رواية النسائي على ما ذِكْرِ مَا يُفْعَلُ فِي الثَّمَنِ دُونَ شَرْحِ الْقِصَّةِ بِكَمَالِهَا فَلَا تَعَارُضَ وَلَا مُنَافَاةَ وَمَنْ زَادَ حُجَّةً عَلَى مَنْ اقْتَصَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْخَامِسِ الْقَبْضُ فِي المجلس وبى مَسْأَلَةَ مَا إذَا صَالَحَ بِدَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ
* (فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عِوَضًا قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ أَمَّا تَقْدِيمُ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ الِاسْتِبْدَالِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَلَكِنِّي ذَكَرْتُ هُنَا مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّرْفِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا أَنَّهُ إذَا اعْتَاضَ عَرَضًا عَنْ النَّقْدِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ قَبْضُ الْعَرَضِ فِي الْمَجْلِسِ وَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ لَوْ اعْتَاضَ عَرَضًا وَنَقْدًا ففيه قولا الجمع بين (1) لا يَسْلَمُ لَهُ مَا ادَّعَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَحْقِيقِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّرْفِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ فِي التَّهْذِيبِ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الذِّمَّةِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنَّهُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ
*
(فَرْعٌ)
وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ البيع أو مافى مَعْنَاهُ (2) قَالَ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ذَهَبٌ حَالٌّ فَأَعْطَاهُ (3) عَلَى غَيْرِ بَيْعٍ مُسَمًّى من الذهب فليس ببيع والذهب (4) وَعَلَى هَذَا دَرَاهِمُ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ الَّتِي أَخَذَ (الْقِسْمُ السَّادِسُ) دَيْنٌ بِمَوْصُوفٍ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدِّينَارَ الَّذِي لِي فِي ذِمَّتِكَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَوْصُوفَةٍ أَوْ مُطْلَقَةٍ فِي بَلَدٍ فِيهَا نَقْدٌ غَالِبٌ فَيَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ بِشَرْطِ التَّعْيِينِ فِي الْمَجْلِسِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَا إذَا صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى دَيْنٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مُحْتَمِلٌ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ هَذَا الْقِسْمِ وَبَيْنَ الْمَوْصُوفَيْنِ فَقَدْ تَلَخَّصَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ السِّتَّةُ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَّا الْقِسْمَ الثَّالِثَ فَقَطْ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ وَاقِعٌ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ الْقِسْمِ الثَّانِي وَالرَّابِعِ وَالسَّادِسِ وَصُوَرُهُ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي القسم الثاني وهو ما إذا كانا
__________
(1) بياض بالاصل فحرر (2) بياض بالاصل فحرر (3) كذا بالاصل فحرر (4) كذا بالاصل فحرر)
*)(10/112)
مَوْصُوفَيْنِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُطْلَقَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمَوْصُوفَيْنِ فَإِذَا تَبَايَعَا دَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ بِدَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ وَوَصَفَا كُلًّا مِنْ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَطْلَقَا وَكَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ أَوْ غَالِبٌ وَتَقَابَضَا صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ إلَّا مَا حَكَيْتُهُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَإِنَّمَا صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ صَدْرُ كَلَامِهِ مُحْتَمِلًا لِمَا إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ فِي الذِّمَّةِ فَقَطْ لِإِطْلَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ وَيُطَالِبَ بالبدل وتعليله بان المعقود عليه ما فِي الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُعَيَّنًا لَمْ يَأْتِ هَذَا الْحُكْمُ وَالتَّعْلِيلُ إلَّا فِي الْعِوَضِ الْآخَرِ فَقَطْ فَلِذَلِكَ قُلْتُ إنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَهُ عَيْبًا وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يُنَاجِزَا جَازَ أَنْ يَرُدَّهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْفَسْخِ لِلْعَقْدِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ يُطَالِبُ بِبَدَلِ الْمَقْبُوضِ وَيُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ صَحِيحٌ لَا عَيْبَ فِيهِ فَإِذَا قَبَضَ مَعِيبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ كما إذَا قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِبَدَلِهِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَهُ بِعَيْنِهِ فَلَوْ طَالَبَهُ ببدله لطالبه بشئ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ وَاسْتِرْجَاعُ ثَمَنِهِ فَقَطْ وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ كَوْنِهِ يَرُدُّ الْعِوَضَ الْمَقْبُوضَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ وَيُطَالِبُ بِبَدَلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَالْأَصْحَابُ وَجَزَمُوا بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِضَّةً خَشِنَةً أو صكتها مضطربة مخالة لسكة السُّلْطَانِ أَوْ بِهَا صَدْعٌ أَوْ ثَلْمٌ أَمْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَنَانِيرَ فَتَخْرُجَ نُحَاسًا أَوْ فِضَّةً مَطْلِيَّةً بِذَهَبٍ أَوْ شِبْهِهَا أَوْ يَشْتَرِيَ دَرَاهِمَ فَتَخْرُجَ رَصَاصًا كَذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ بِكُلِّ الْمَقْبُوضِ أَمْ بِبَعْضِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا رَدَّ الْعِوَضَ الْمَذْكُورَ وَقَبَضَ بَدَلَهُ وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ كلام المصنف(10/113)
وَسُكُوتُهُ عَنْ صِحَّةِ قَبْضِ الْبَدَلِ إذَا أُخِذَ بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِجَوَازِ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ يُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِذَا قَبَضَهُ صَحَّ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُتَضَمِّنًا حُكْمَيْنِ وَعِلَّتَيْنِ أَوْ يَجْعَلُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَيُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا قَبَضَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَقَدْ قَبَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى قِيَاسِهِ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ بَلْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ يُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا قَبَضَهُ فَقَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ كَافِيَةٌ فِي بَقَاءِ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِجَوَازِ الْمُطَالَبَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ هَذَيْنِ النَّقْدَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَجْعَلَ عِلَّةَ جَوَازِ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَقْبِضْ وَهَذَا الْخِلَافُ قَرِيبٌ ظَاهِرٌ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ وَإِذَا قَدَّرْتَ جُمْلَةً شَرْطِيَّةً مَحْذُوفَةً كَمَا ذَكَرْتُ صَارَ الْمَعْنَى فَإِذَا قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَقَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَلَامٌ لَغْوٌ فَإِنَّ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَاجِبَةٌ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُغَايَرَةَ تَحْصُلُ بِاخْتِلَافِ الضَّمِيرَيْنِ فَالضَّمِيرُ فِي قَبْضِ الْأَوَّلِ عَائِدٌ عَلَى الْبَدَلِ وَالضَّمِيرُ فِي قَبْضِ الثَّانِي عَائِدٌ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرْطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ذَكَرَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى وَقَاسَهُ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ يَصِحُّ لِوُضُوحِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَبْضَ(10/114)
قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي الْعِلَّةِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَاحْتَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنْ البحث والتقدير ما لم يحتمله كلامهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِنَا (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ جَزَمُوا بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَيُطَالِبَ بِالْبَدَلِ وَلَنَا خِلَافٌ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَنَّ تَعْيِينَهُ فِي الْمَجْلِسِ هَلْ يَكُونُ كَتَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ السَّلَمِ أَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ وَأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْفَسْخِ وَلَيْسَ لِلْمُسْلَمِ إليه الاتيان ببدله فهلا كان كذلك ههنا (قُلْتُ) قَدْ تَخَيَّلَ ذَلِكَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَقَالَ إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَرَدَّهُ فِي الْمَجْلِسِ أَلَّا يَجُوزَ لَهُ أَخْذُ الْبَدَلِ عَلَى وَجْهٍ كَمَا إذَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِهِ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ وَهَذَا التَّخَيُّلُ ضَعِيفٌ وَالْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى الْجَزْمِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَلْزَمُوا بِهَا الْمُزَنِيَّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وجعلوا هذه المسألة ناقضة لِدَعْوَى أَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ مُطْلَقًا وَإِذَا تَأَمَّلْتَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ ظَهَرَ لَكَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِلْزَامِ فَإِنَّ امْتِنَاعَ الِاسْتِبْدَالِ فِي الْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُ نُقِلَ لِلْعَقْدِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَوْصُوفِ بَلْ هُوَ مُطَالَبَةٌ بِالْمُسْتَحَقِّ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَى هَذَا الْمَقْبُوضِ قَطْعًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّهُ بِعَيْنِهِ قَامَ مَقَامَهُ تَعْيِينُهُ فِي الْعَقْدِ وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ وَفِي الرُّجُوعِ إلَى عَيْنِهِ عِنْدَ الِانْفِسَاخِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَثَرِهِ وَإِنَّمَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى الْمَوْصُوفِ(10/115)
وَلَا تَتَعَيَّنُ حَقِيقَتُهُ بِالْقَبْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَهُ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ كَذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَجَزَمَا فِي السَّلَمِ وَالصَّرْفِ بِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عِنْدَ ظُهُورِ الْعَيْبِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِجْرَاءِ الْخِلَافِ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي ذَكَرُوهُ فِي السَّلَمِ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَوْصُوفًا ثُمَّ عَجَّلَ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ بَاقٍ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِعَيْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ الَّذِي يَظْهَرُ بِأَنَّهُ يَجْرِي بِعَيْنِهِ فِي الصَّرْفِ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا حَتَّى لَوْ تَقَايَلَا فِي الصَّرْفِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَوْ جَرَى سَبَبٌ يَقْتَضِي الْفَسْخَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْعِوَضِ الَّذِي سَلَّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَزَالَ الْإِيرَادُ وَالتَّخْرِيجُ الَّذِي يُخَيَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ عَلَّلَ الْمَحَلِّيُّ فِي الذَّخَائِرِ جَوَازَ الْإِبْدَالِ قبل التفرق بان مافى الذِّمَمِ بَاقٍ لَا تَبْرَأُ بِالْمَعِيبِ صَحِيحٌ وَإِنْ
جاز رده والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَبَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الصَّرْفِ فِي الذِّمَّةِ وَتَلِفَ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ وَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ غَرِمَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَيَسْتَبْدِلُ
* (فَرْعٌ)
لَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِهِ بِعَيْبِهِ جَازَ فِي هَذَا الْقِسْمِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ أَرْشِهِ لَمْ يَجُزْ
* وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ كَرَدَاءَةِ الْفِضَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا تَفَرَّقَا(10/116)
ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ حَيْثُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ عَلَى أَنَّهُ دَرَاهِمُ فَإِذَا هِيَ رَصَاصٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبٌ فَإِذَا هِيَ تِبْرٌ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعَيْبَ الْجَمِيعِ فَقَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّ الَّذِي قَبَضَهُ غَيْرُ الْعِوَضِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَا يجوز له إمساكه فإذا قد عقد اعقد الصرف وتفرقا قبل القبض فبطل ما نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ
* وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ إنَّهُ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي قَوْلَ مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ فَأَوْهَمَ أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ وَكَذَلِكَ قَالَ القاضي حسين انه لا خلاف فيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي الْكُلِّ بَطَلَ عَقْدُ الصَّرْفِ لِمَا قُلْنَاهُ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّ فِي السَّلَمِ عَلَى الصَّحِيحِ من المذهب وكان أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَرِّجُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَالَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْفَسَادَ (1) وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقْتَرِنًا بالصفقة وهذا التخريج الذى قاله أبو إسحق هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ تَخْرِيجَهُمَا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ هُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَلَيْسَ كَمَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ عَدَمَ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ فَسَادٌ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ إذْ تَمَامُ الصَّرْفِ بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ فِي الْبَاقِي قَوْلَانِ فَعَلَى هَذَا ان أبطلناه
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)(10/117)
فِي الْكُلِّ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ فِي السَّلِيمِ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ فِي السَّلِيمِ فَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يُمْضِيَهُ فَإِنْ أَمْضَاهُ فِي السَّلِيمِ فَبِمَاذَا يُمْضِيهِ نُظِرَ إنْ كَانَ الصَّرْفُ جِنْسًا وَاحِدًا أَمْضَاهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِنْ كَانَ جِنْسَيْنِ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بِحِصَّتِهِ
(وَالثَّانِي)
بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ الماوردى وكان أبو إسحق يُخَرِّجُ قَوْلًا ثَانِيًا أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَسَخَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قُلْتُ وَمَا قَالَ مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَمَّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا مَثَّلْنَاهُ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ فَمَتَى أَجَازَ بِكُلِّ الثَّمَنِ يَدْخُلْ في ال (1) كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْعَيْبُ يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ بَلْ مِنْ حَيْثُ رَدَاءَةُ الْجَوْهَرِ وَخَسَاسَةُ الْمَعْدِنِ أَوْ قُبْحُ السِّكَّةِ وَالطَّبْعِ فَالْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ إمساكه والرضا بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بنفى الخلاف فيه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَهُ رَدُّهُ وَاسْتِرْجَاعُ ثَمَنِهِ وَهَلْ لَهُ إبْدَالُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ بِكُلِّ الْعِوَضِ أَوْ بِبَعْضِهِ فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مَعِيبًا فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهُمَا مَنْصُوصَانِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُجَرَّدِ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ وَالْجُرْجَانِيُّ في المعاياه
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)(10/118)
وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَصَحِّ رِوَايَتَيْهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لَهُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُ بَيْعُ صِفَةٍ أَجَازَهَا الْمُسْلِمُونَ إذَا قُبِضَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّتِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سَلَمًا بِصِفَةٍ ثُمَّ قَبَضَهُ فَأَصَابَ بِهِ عَيْبًا أَخَذَ صَاحِبَهُ بِمِثْلِهِ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُ الشَّبَهِ فِيهِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ تَعَيَّنَ بِالْقَبْضِ لَكِنْ لِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّعْيِينَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَا يُصَيِّرُهُ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ فَلِهَذَا جَازَ إبْدَالُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ
حَصَلَ قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِ عَقْدِ السَّلَمِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ يَجُوزُ إبْدَالُهُ أَيْضًا فَإِنَّ إقْبَاضَهُ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا كَإِقْبَاضِ عِوَضِ الصَّرْفِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إقْبَاضِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ فَزَادَ الشَّيْخُ فِي الْقِيَاسِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ كَلِمَةً عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ لِلْمُزَنِيِّ فَجَعَلَ الْجَامِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلَمِ فِيهِ جَوَازَ الْإِبْدَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَجَعَلَهُ مَلْزُومًا بِجَوَازِ الْإِبْدَالِ بَعْدَهُ وَلَا يُمْكِنُ لِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ بِمَا قَدَّمْتُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ جَوَازِ الْإِبْدَالِ فِي الصَّرْفِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ وَهَذَا الْقِيَاسُ أَحَدُ أَنْوَاعِ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ أَعْنِي هَذَا النَّوْعَ مِنْهُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِالنَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ كَقَوْلِهِ مَنْ صَحَّ(10/119)
طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ كَالْمُسْلِمِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ نَظِيرُ الظِّهَارِ فَيَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَذَلِكَ هُنَا الْإِبْدَالُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَيَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا الْإِبْدَالُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ نَظِيرُ الْإِبْدَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَكِنْ لِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَقْطَعَ النَّظِيرَ وَيَقُولَ إنَّ الْإِبْدَالَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَحْظُورٌ بِخِلَافِ الْإِبْدَالِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ حُصُولُ التَّقَابُضِ بَعْدَ التَّفْرِقَةِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي السَّلَمِ لَا مَحْظُورَ فِيهَا أَيْضًا وَلَا يلزم من استوائهما في السلم استواءهما فِي الصَّرْفِ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ اسْتِوَاءِ حُكْمِ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ وَإِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَتَقِفُ الدَّلَالَةُ وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ زِيَادَةٌ يَنْدَفِعُ بِهَا هَذَا السُّؤَالُ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ إذْ لَوْ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَجْلِسِ لَمَا جَازَ فِيهِ كَالْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ كَافِيَةٌ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَمْنَعَ الْمُلَازَمَةَ وَالْقِيَاسَ عَلَى الْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ فِيهِ لِأَجْلِ نَقْلِ الْعَقْدِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَهُ وَأَمَّا الْمَوْصُوفُ فَالْمَنْعُ فِيهِ عِنْدَهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ عَلَيْهِ وَهُوَ كَوْنُهُ قَصَرَ الْقَبْضَ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَهَذَا مُنْتَفٍ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَلِهَذَا قَالَ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْمَوْصُوفِ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي الْجَوَازِ مُخْتَلِفَانِ فِي الِاعْتِلَالِ قَالَ لِأَنَّ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ إنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِعَيْنِهِ وَفِيمَا إذَا كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَقَعَ التَّقَابُضُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَيُؤَدِّيَ إلَى دُخُولِ الرِّبَا فِيهِ(10/120)
فَأَشَارَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِهَذَا إلَى خِلَافِ الْعِلَّةِ وَمَعَ اخْتِلَافِ الْعِلَّةِ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّظَرُ فِي دَلِيلِ الْمُزَنِيِّ فَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِبْدَالِ مُطْلَقًا فَلْنَذْكُرْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَتَوْجِيهَهُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَالْجَوَابِ فِي الْمُعَيَّنِ وَرَجَّحَ الْمُزَنِيّ هَذَا الْقَوْلَ فَلِهَذَا نَسَبْتُ الْبَحْثَ الْمُتَقَدِّمَ إلَيْهِ وممن رجحه أبو على العارفي تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ قَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَنَسَبَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَبَّرَ الْأَئِمَّةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ فَقَالُوا إذَا فَرَضَ رَدَّ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِبْدَالِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَبْضَ الَّذِي هُوَ رُكْنُ العقد لم يجز أَمْ لَا يَسْتَنِدُ الْبَعْضُ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَبْضِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ وَهَذَا بِمَثَابَةِ الِاخْتِلَافِ فِي نَظِيرِ هَذَا مِنْ السَّلَمِ فَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ فِي جَارِيَةٍ ثُمَّ قَبَضَ جَارِيَةً فَوَجَدَهَا دُونَ الْوَصْفِ فَإِنْ قَنِعَ بِهَا فَذَاكَ وَإِنْ رَدَّهَا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَطْلُبُ جَارِيَةً عَلَى الْوَصْفِ الْمُسْتَحَقِّ وَلَكِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءُ الْجَارِيَةِ الَّتِي رُدَّتْ عَلَيْهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ مَأْخُوذَيْنِ مِنْ الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ مَهَّدْنَا الْآنَ اه قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ مِنْ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ فِيمَا يَجُوزُ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ سَوَاءً وَفِيمَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ الِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ سَوَاءً لَزِمَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمَعِيبِ بَعْدَ الْقَبْضِ سَوَاءً وَقَدْ قَالَ يُرَدُّ الدِّرْهَمُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدينار قال الشيخ أبو حامد وغيره للقول الذى اختاره المزني ثلاثة أدلة (أحدها) أَنَّا إذَا جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمَعِيبَ وَيَأْخُذُ الْعِوَضَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا لِعِوَضِ الصَّرْفِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَهَذَا يُوجِبُ فَسَادَ عَقْدِ الصَّرْفِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ أَجْوَدُ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كَلَامِهِ المتقدم (الثاني) أن ماعين بالقبض بمنزلة ماعين بِالْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ الْمُعَيَّنُ بِالْعَقْدِ (الثَّالِثُ) دَلَالَةُ الْمُزَنِيِّ يَعْنِي فِي الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَعْنَاهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ وَالصَّرْفِ فِي الذِّمَّةِ فِي الِاسْتِبْدَالِ قِيَاسًا عَلَى استوائهما في التقابض والتفرق وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ عَنْ(10/121)
الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْقَبْضَ الَّذِي حَصَلَ كَانَ قَبْضًا صَحِيحًا بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَفَرَّقَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَيَجُوزُ إمْسَاكُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ تَلِفَ لَكَانَ مِنْ ضَمَانِ الْقَابِضِ فَالْقَبْضُ صَحِيحٌ لَكِنْ هُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ فانه بفسخ الْعَقْدَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ زَادَ الْمَحَامِلِيُّ وَقَامَ الْقَبْضُ الثَّانِي مَقَامَهُ فَهُمَا قَبْضَانِ تَعَقَّبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَمْ يكن في ذلك تفرق قبل القبض يوجه (وَأَمَّا) الثَّانِي فَبَاطِلٌ إذَا وَجَدَ الْعَيْبَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعَيِّنُ بِالْقَبْضِ كَمَا يُعَيِّنُ بِالْعَقْدِ ثُمَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ غَيْرَ مَا ابْتَاعَهُ قَالَ وَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ يَنْكَسِرُ بِالِاسْتِبْدَالِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِيمَا قَالَ وَافْتَرَقَا فِي ذَلِكَ فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَجَوَابُهُ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْتَ ذَلِكَ وَجَدْتَهُ جَوَابًا إلْزَامِيًّا فَإِنَّهُمْ وَجَدُوا الْمُزَنِيَّ وَافَقَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِبْدَالُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ هَكَذَا أَوْمَأَ إلَيْهِ كُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَرَأَيْتُ ذَلِكَ عَيْنَهُ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ صَرِيحًا وَوَافَقَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إمْسَاكُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ فَلَزِمَهُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَوْ أَنَّ ذَاهِبًا ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مَعِيبًا بَعْدَ التَّفَرُّقِ بَانَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ كَانَ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا خِلَافًا فِي السَّلَمِ فِي أَنَّ الْمَعِيبَ الْمَقْبُوضَ هَلْ يُمْلَكُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ أَمْ لَا يُمْلَكُ إلَّا مِنْ حِينِ الرضى بالعيب وخرجوا على ذلك مسائل وكذلك قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا قَبَضَ فِي الصَّرْفِ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ إنَّهُ بَانَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ ذَلِكَ الْمَوْصُوفَ فِي الذِّمَّةِ فَكَأَنَّ الْقَابِضَ لَمْ يَقْبِضْ وَالْمَجْلِسُ بَعْدُ جَامِعٌ هَذَا تَوْجِيهُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِجَوَازِ الْإِبْدَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَكَانَ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ يَنْبَغِي إذَا قَبَضَ الْمَعِيبَ فِي عَقْدِ الصرف من غير علم بالعيب أن لا يَمْلِكَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِذَا تَفَرَّقَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَالْعُذْرُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْمَعِيبَ الْمَقْبُوضَ هَلْ يُمْلَكُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ أَوْ من حين الرضى يدل أن لا يُؤْخَذَ بِظَاهِرِهِ بَلْ يَكُونُ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الصَّرْفِ التَّقَابُضُ لَا حُصُولُ الْمِلْكِ بِهِ وَهَذَا التَّقَابُضُ جَرَى صَحِيحًا بِدَلِيلِ حُصُولِ الْمِلْكِ عِنْدَ الرِّضَى بِلَا خلاف ولو لم يكن القبض صحيحا لااحتاج إلَى قَبْضٍ ثَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَلَا يَبْقَى تَنَاقُضٌ بَيْنَ مَا جَزَمُوا بِهِ وَبَيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ حُصُولُ التَّقَابُضِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قُلْتَ الصَّرْفُ أضيق من غيره ونص الشرع يقتضى أن لا يَبْقَى بَيْنَهُمَا عُلْقَةٌ أَصْلًا وَالْمِلْكُ أَقْوَى الْعُلَقِ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكِنَّ الْأُمُورَ الَّتِي سبق اعتبارها(10/122)
تُغْتَفَرُ وَحُصُولُ الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْمَقْبُوضِ لَا عَيْبَ فِيهِ مِمَّا يَشُقُّ فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ وَصُحِّحَ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْقَوْلَيْنِ يَلْتَقِيَانِ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَوْفَى عَنْ الذِّمَّةِ إذَا رُدَّ بِالْعَيْبِ هَلْ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الاخذ أولا أَوْ كَأَنَّهُ وُجِدَ وَزَالَ الْمِلْكُ عَنْهُ ثُمَّ تَجَدَّدَ الْمِلْكُ ثَانِيًا بِالرَّدِّ وَفِيهِ قَوْلَانِ فَائِدَتُهُمَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ جارية فردها بعيب هل يجب استبراؤها (الثانية) إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَبْدًا فَاسْتَكْسَبَهُ وَأَخَذَ كَسْبَهُ وَغَلَّتَهُ ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَهَلْ يَجِبُ رَدُّ الْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ جُعِلَ كأنه لم يوجد القبض والاخذ فههنا يُفْسَخُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ حَصَلَ التَّفَرُّقُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَإِنْ قُلْنَا هَذَا مِلْكٌ آخَرُ أَيْ وَتَجَدَّدَ الْمِلْكُ بِهِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ نَقَلَهُمَا الْقَاضِي وَإِنْ كَانَا قَدْ تَبَيَّنَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَيْنَاهُمَا عَنْ الْأَصْحَابِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُمْلَكُ الْمَعِيبُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ أَوْ مِنْ حِينِ الرِّضَى فَهُمَا غَيْرُهُمَا وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِمَا السُّؤَالُ كَمَا وَرَدَ عَلَى قَائِلِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا رَدَّ وَاحِدٌ الْبَدَلَ هَلْ يَقُولُ إنَّهُ انْتَقَضَ الْمِلْكُ فِي الْأَوَّلِ وَيَثْبُتُ فِي الْبَدَلِ أَوْ يُقَدِّرُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ فِي الْأَوَّلِ أَصْلًا وَهَذَا أمر تقديري لاأنه بِطَرِيقِ الْيَقِينِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ يَدُلُّ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ فكذلك هذا رفع حكم القبض مني أَصْلِهِ وَالْعَامِلُ الْآخَرُ يَرْفَعُهُ مِنْ حِينِهِ فَكَذَلِكَ تَقُولُ إنَّهُ زَالَ الْمِلْكُ فِي الْأَوَّلِ وَعَادَ فِي الثَّانِي هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ كَلَامُ الْقَاضِي وَلَيْسَ يَلْزَمُ إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرُدَّ وَرَضِيَ بِالْعَيْبِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ مِنْ حِينِ الرِّضَى أَوْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ فَذَلِكَ الْخِلَافُ عَلَى الْأَصَحِّ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْقَاضِي سَالِمٌ عَلَى الْإِشْكَالِ.
وَإِنَّمَا وَرَدَ عَلَى مَنْ غَيَّرَهُ بِالْعِبَارَةِ الْأُولَى وَقَدْ أَوْرَدَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَقَالَ إطْلَاقُ الْإِبْدَالِ عَلَى مَا يُوجَدُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَا يجوز فأن الاجماع منعقد على أنه لا يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ
* قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْبُوضُ بَدَلًا عماثبث في الذمة لكان إذ تَلِفَ فِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَلَا يَرْجِعُ بِمَالِهِ فِي الذِّمَّةِ (قُلْنَا) إنَّمَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ إذَا تَلِفَ الْمَقْبُوضُ لِأَنَّهُ قبضه بصفة المسلم فيه لاأنه بدل عَنْهُ وَلِهَذَا لَوْ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ بِصِفَتِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا فَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَمَا كَانَ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ بَلْ لِأَنَّهُ أَخَذَ عَلَى أَنَّهُ بِصِفَةِ مَالِهِ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ إذَا تَلِفَ فَعَلَى هَذَا الصَّحِيحُ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ.
وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْقَبْضُ فِي الْمُسْتَحَقِّ وَاقِعًا بَعْدَ التَّفَرُّقِ.
وذلك لا يجوز بحل اه وَمَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ
عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إبْدَالُ مافى الذِّمَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي يُؤْخَذُ ثَانِيًا بَدَلٌ عَنْ الْمَأْخُوذِ أَوَّلًا(10/123)
فالابدال للمقبوض عما في الذمة لالما في الذمة والممتنع في السلم ابدال مافى الذِّمَّةِ.
فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مافى الذمة موصوف ينطلق على أفراد كثيرة كالمهم بَيْنَهَا وَلَا يَتَأَتَّى تَسْلِيمُهُ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ يُعَيِّنُهُ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ وَيَكُونُ مُسْلَمًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ إذْ لَا يَتَأَتَّى تَسْلِيمُ مَا فِي الذِّمَّةِ مُجَرَّدًا فَإِذَا رَدَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنَ وَأَخَذَ الْبَدَلَ فَقَدْ انْتَقَضَ ذَلِكَ التَّعْيِينُ وَانْتَقَلَ إلَى مُعَيَّنٍ آخَرَ وَمَا فِي الذِّمَّةِ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ إبْدَالٌ وَإِنَّمَا الْإِبْدَالُ لِقِيَامِ الْمُعَيَّنِ الثَّانِي مَقَامَ الْمُعَيَّنِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى بالابدال ههنا الْمُبَادَلَةَ وَالِاعْتِيَاضَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَخْذُ مَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَوَّلِ فَقَدْ بَانَ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْفَارِقِيُّ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ تَرْجِيحُ قَوْلِ الْمُزَنِيِّ غَيْرُ مُتَوَجَّهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (التَّفْرِيعُ) إذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ وَيَأْخُذُ بَدَلَهُ فِي الْمَجْلِسِ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَيُوَافِقُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْمَحَامِلِيِّ إنَّهُمَا قَبْضَانِ تَعَقَّبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَبِهِ صرح الغزالي في الخلاصة والبغوى فِي التَّهْذِيبِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ مَعَ ذَلِكَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا ان وجد في العقد الاول وقد (1) ولا خيار في الفسخ واسترجعا الثَّمَنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ قَالَ الْقَاضِي أبو الطيب أن له رد وَاسْتِرْجَاعَ ثَمَنِهِ وَكَذَلِكَ الرُّويَانِيُّ! فِي الْبَحْرِ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَمَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا رُدَّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى بِنَاءِ الْإِمَامِ فَإِنَّا إنَّمَا جَوَّزْنَا الْإِبْدَالَ بِنَاءً عَلَى أنه ملك بالقبض ومتى ملك المعيب بِالْقَبْضِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا فِي الذِّمَّةِ والاصح ماقاله الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِهِ مَعِيبًا وَأَنْ يَرُدَّهُ وَيَفْسَخَ الْعَقْدَ وَيَرْجِعَ ما دَفَعَ كَالصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُمْسِكَ الْبَعْضَ وَيَرُدَّ الْبَعْضَ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي تَعْلِيقِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَحَدُهُمَا) لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ.
قَالَ وَهُوَ أَقْوَى
(وَالثَّانِي)
لَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُفَرِّقُ الصَّفْقَةَ.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ قَوْلًا وَاحِدًا أَنْ لاسبيل لَهُ إلَى ذَلِكَ فَهَذِهِ
طَرِيقَانِ فِي جَوَازِ رَدِّ الْبَعْضِ إذَا كَانَ الْكُلُّ مَعِيبًا وَهُمَا غَرِيبَانِ لَمْ أَرَهُمَا إلَّا فِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا إذَا كَانَ الْكُلُّ مَعِيبًا فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِبَعْضِهِ وَفُرِضَ أَنَّ الْعَيْبَ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ فَقَدْ بَنَاهُ الْأَصْحَابُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالْمَحَامِلِيُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ إنْ قُلْنَا هناك
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)(10/124)
له الا ستبدال فههنا لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْقَدْرَ الَّذِي هُوَ مَعِيبٌ ويطالبه ببدله سليما.
وقال المحاملى إنه ههنا أَوْلَى.
وَعِبَارَتُهُمْ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا وَجَدَ بَعْضَهُ جَيِّدًا وَبَعْضَهُ رَدِيئًا إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أن يرد الجيد ويكون له الردئ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِهِ وَبَيْنَ أَنْ يستبدل وهو يوافق ما قدمناه أن لا خيار له إذا كان الكل مَعِيبًا وَقُلْنَا بِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّهُ معيبا فههنا كذلك ونقلت من خط سليم الدار عن الشيخ أبى حامد أنه ههنا أَوْلَى فَإِنْ اخْتَارَ إمْسَاكَهُ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَظَرْتَ فَإِنْ رَدَّ الْكُلَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَجَازَ رَدَّ الْبَعْضَ الَّذِي هُوَ مَعِيبٌ وَإِمْسَاكُهُ السَّلِيمَ بُنِيَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الصَّفْقَةِ لَمْ يَجُزْ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَالرَّدِّ وَلَيْسَ لَهُ الْبَدَلُ وَإِنْ قُلْنَا تُبَعَّضُ الصَّفْقَةُ يَجُوزُ رَدُّ ذَلِكَ الْقَدْرِ بِالْعَيْبِ وَإِمْسَاكُ السَّلِيمِ.
وَيُخَيَّرُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمْسَاكِ الْكُلِّ وَرَدِّهِ وَإِمْسَاكِ السَّلِيمِ بِالْحِصَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا كَذَلِكَ بَنَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الطبري والمحاملى والماوردي والشاشى والبغوى.
وَإِذَا أَمْسَكَ السَّلِيمَ أَمْسَكَهُ بِالْحِصَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا.
قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ لِأَنَّ الْعَيْبَ مِنْ جِنْسِهِ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ فَيَحْصُلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْآخَرِ وَهُوَ مَا إذَا أَصَابَ بِبَعْضِ مَا مَعَهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ جَمَعَهَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَخَصَّهَا الْأَصْحَابُ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يُبْدِلُ الْبَعْضَ الْمَعِيبَ (وَالثَّانِي) (وَالثَّالِثُ) قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَعَلَى قَوْلٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْدِلَ وَلَكِنَّهُ إنْ شَاءَ رَدَّ الْكُلَّ وَاسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّدِّ فَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَعْضَ وَأَمْسَكَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْجَمِيعَ أَوْ أَمْسَكَ الْجَمِيعَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ وَبَعْدَ تَلَفِ الْمَقْبُوضِ الْمَعِيبِ ذَكَرَ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إنْ جَوَّزْنَا
الاستبدال غرم ما تلف عنده واستبدل وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِبْدَالَ فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مختلفا يسترد من الثمن بقدر العيب وإن كَانَ الْجِنْسُ مُتَّفِقًا فَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي الَّتِي نَقَلَهَا عَنْهُ فِي نَظِيرِهِ فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ (وَأَصَحُّهَا) عِنْدَهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ كَمَا سَتَعْرِفُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَقَدْ أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى دِينَارًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا بَعْدَ تَلَفِهِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسِهِ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وسيأتى ذكرهما مبسوطان فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ
* ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى امْتِنَاعِ أَخْذِ الْأَرْشِ فَإِذَا رَدَّ مِثْلَ الدِّينَارِ الْمَعِيبِ فِيمَا لَهُ(10/125)
مِثْلٌ أَوْ رَدَّ قِيمَتَهُ وَرِقًا فِيمَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى الدِّينَارَ الَّذِي بَانَ عَيْبُهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِبَدَلِهِ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ سَلِيمًا فِيهِ قَوْلَانِ مَضَيَا فَأَفْهَمَ كَلَامُ الماوردى امتناع أَخَذَ الْأَرْشَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَجَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ فِي الْجِنْسَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهُوَ عكس ماقاله صَاحِبُ التَّهْذِيبِ هَذَا كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وهى مااذا كَانَ الصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ وَمِثْلُهُ جَارٍ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مَوْصُوفًا وَالْآخَرُ مُعَيَّنًا أَمَّا إذَا كَانَا مُعَيَّنَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ في التنبيه ولم يذكرهما ههنا
* وَتَلْخِيصُ الْقَوْلِ أَنَّ الصَّرْفَ قِسْمَانِ
* صَرْفٌ لِلنَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ فَالْعَيْبُ إمَّا أَنْ يكون من الجنس أولا فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْكُلِّ أَوْ بِالْبَعْضِ فَإِنْ كَانَ بِالْكُلِّ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَنَانِيرَ فَخَرَجَتْ نُحَاسًا فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَغَيْرِهِمْ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ أَنَّهُ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْعَقْدَ قُدِّرَ عَلَى عَيْنِهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ
* وَإِنْ كَانَ رأى من قبل أنه نحاس أو شئ غَيْرُ فِضَّةٍ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ مَا اشْتَرَى وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا نَصٌّ يُبْطِلُ كُلَّ تَخْرِيجٍ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَجِئْ هَذَا الْخِلَافُ
* وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ
رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَلَيْسَ لَهُ رَدٌّ وَلَا بَدَلٌ وهو بعيد والله أعلم
* قال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَمْ يَقْتَصِرْ الشَّافِعِيُّ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِاخْتِلَافٍ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَجَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَهُوَ غَرِيبٌ أَوْ تَوَسَّعَ فِي الْإِطْلَاقِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمْثِلَةٌ يَجْمَعُهَا الِاخْتِلَافُ فِي النَّظَرِ إلَى الْإِشَارَةِ أَوْ الْعِبَارَةِ (مِنْهَا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْبَغْلَةَ فَخَرَجَتْ حِمَارًا وَفِي الْبِغَالِ نَوْعٌ يُشْبِهُ الْحَمِيرَ يَكُونُ بِطَبَرِسْتَانَ (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ قُطْنٍ فَإِذَا هُوَ كَتَّانٌ نَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ قَزٌّ فَخَرَجَ كَتَّانًا لِأَنَّ الْكَتَّانَ الْخَامَ يُشْبِهُ الْقَزَّ
* قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَخَرَجَ زُجَاجًا
* نَقَلَهُ الْجَوْزِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ
* (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى غُلَامًا فَكَانَ جَارِيَةً قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي آخِرِ شَطْرٍ مِنْ بَابِ الرِّبَا فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ على(10/126)
الْمَذْهَبِ
* وَفِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ مَا إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَمَّا إذَا جَرَى بِلَفْظِ الصَّرْفِ فَيَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ بَيْعَ النَّقْدِ بِالنُّحَاسِ لَا يَشْمَلُهُ اسْمُ الصَّرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فَذَاكَ وَإِنْ رَدَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَأْخُذُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا بِالْبُطْلَانِ شَرْطُهَا أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْجِنْسِ كَمَا رَأَيْتَ أَمَّا لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلَا يَبْطُلُ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَنَانِيرَ عَلَى أَنَّهَا مَغْرِبِيَّةٌ فَخَرَجَتْ مَشْرِقِيَّةً أَوْ عَلَى أَنَّهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ فَخَرَجَتْ أَصْفَرَ أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فأذا هو غير هروى صرح به المارودى وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَذَكَرَ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَالْقَاضِي حسين ذكر ذلك قولين ولعله أثبت ما حكاه صحاب الْإِفْصَاحِ قَوْلًا.
وَقَدْ وَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَهْمٌ فِي النَّقْلِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ فِي الْإِجَازَةِ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ بِالْقِسْطِ فَقَالَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ جَزَمَ بِالْقِسْطِ وَعَنْ أَبِي الطَّيِّبِ إنَّهُ خَرَّجَهُ عَلَى الْخِلَافِ وَذَلِكَ تَخْلِيطٌ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَقْسَامِ وَاخْتِلَافُ أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ لَيْسَ فِي هَذَا الْقِسْمِ بَلْ فِي قِسْمٍ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ بِالْجَمِيعِ أَمَّا إذَا كَانَ بِبَعْضِهَا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَرَاهِمَ فَوَجَدَ بَعْضَهَا نُحَاسًا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي النُّحَاسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَفِي الْبَاقِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَفْرِيقَ
بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ وَاسْتَرَدَّ جُمْلَةَ الثَّمَنِ وَإِنْ قُلْنَا يُفَرَّقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَانَ لَهُ إمْسَاكُ الْبَاقِي.
وَبِمَاذَا يُمْسِكُهُ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ هَلْ يُمْسِكُ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِالْجَمِيعِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَهُمَا الْقَوْلَانِ فِيمَا عَدَاهَا مِنْ صُوَرِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْحِصَّةِ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ قَدْ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَخُشُونَةِ الْفِضَّةِ وَرَدَاءَةِ الْمَعْدِنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ ثُمَّ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ الْعَيْبُ وَالْمَعِيبُ بَاقٍ أَوْ بَعْدَ تَلَفِهِ فَإِنْ ظَهَرَ وَالْمَعِيبُ بَاقٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ وَيَسْتَرْجِعَ الثَّمَنَ وَبَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِهِ
* نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ.
وَحُكْمُ الرَّدِّ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِبَدَلِهِ وَلَا يَسْتَبْدِلَ عَنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا سَوَاءٌ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَهُ فَإِنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ مُعَيَّنٌ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْأَصْحَابِ عَلَى ذَلِكَ.
وَلَا أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ الْمَعِيبِ لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يُسْتَحَقُّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ قَالَهُ الماوردى وغيره وذلك معروف في مَوْضِعُهُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَفَاصِيلُ ذَلِكَ وَأَحْكَامُهُ فِي(10/127)
بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْمَجْلِسِ والفرض في صرف النقد بغير جنسه ولايجوز بعد المجلس إلا أن يجعل الارش غَيْرِ الْأَثْمَانِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِالْجَمِيعِ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ رَدِّهِ وَبَيْنَ الرِّضَى بِهِ مَعِيبًا بِالثَّمَنِ كُلِّهِ.
وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِالْبَعْضِ كَانَ لَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ لِوُجُودِ الْعَيْبِ فِي الصَّفْقَةِ.
وَحَكَى الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْوَسِيطِ وَجْهًا فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُمَا إلَّا إذَا كَانَا مَعِيبَيْنِ وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ وَيُمْسِكَ السَّلِيمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ فَإِنْ رَدَّهُ رَدَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّفْرِيقُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَطْبَقُوا عَلَى تَخْرِيجِهِ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ.
وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ التَّفْرِيقِ هُنَا.
وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّ الصَّفْقَةَ تُفَرَّقُ فَالْخِلَافُ وَإِنْ كَانَ مُخَرَّجًا عَلَى الْخِلَافِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ غَيْرُ الصَّحِيحِ.
فان قلنا لا يتبعض كلا ويتخير بَيْنَ شَيْئَيْنِ إمْسَاكِ الْجَمِيعِ وَرَدِّ الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا تُفَرَّقُ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يُخَيَّرُ بِحِصَّتِهِ من الثمن كان له رَدُّ الْمَعِيبِ وَإِمْسَاكُ السَّلِيمِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ قُلْنَا يُخَيَّرُ بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ حظه في رد المعين لِأَنَّهُ
لَا يَسْتَرْجِعُ بِإِزَائِهِ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا فَيَكُونُ رَدُّهُ سَفَهًا لِأَنَّ تَبْقِيَتَهُ عَلَى مِلْكِهِ أَصْلَحُ لَهُ مِنْ رَدِّهِ.
هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.
وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ بَيَانُ أنه هل يمتنع على إفْرَادُ الْمَعِيبِ بِالرَّدِّ عَلَى قَوْلِ الْإِجَازَةِ بِكُلِّ الثَّمَنِ لِإِفْضَائِهِ إلَى هَذَا الْمَحْذُورِ أَوْ أَنَّهُ يجوز له رده وامساك السليم لان القعد قَدْ صَحَّ عَلَى الْكُلِّ فَإِذَا ارْتَفَعَ فِي بَعْضِهِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ تَفْرِيقِ الصفقة في الابتداء ولا يجرى قول الاجارة بالكل ههنا.
الْأَوَّلُ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ في المجموع والجرجاني فأنهم قالوا.
وَاللَّفْظُ الثَّانِي هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ فِي التَّجْرِيدِ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ قُلْنَا تُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ وَإِمْسَاكُ السَّلِيمِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا.
وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ.
وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ قَرِيبَةٌ مِنْهُمْ.
ذَكَرَ ذَلِكَ فِي فُرُوعٍ فِي آخِرِ بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ يُخَيَّرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّةً رَدِّ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِ الْجَمِيعِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ لِهَذَا الْمَحْذُورِ.
وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ رَدِّ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِ السَّلِيمِ بِالْحِصَّةِ لَيْسَ إلَّا وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) ما لفرق بَيْنَ هَذَا حَيْثُ أَخَذَهُ بِحِسَابِهِ(10/128)
مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَيْبُ بَعْضِهَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بينهما أن ههنا قَدْ كَانَ لَهُ الْمُقَامُ عَلَى الْكُلِّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا فُسِخَ فِي الْبَعْضِ الْمَعِيبِ وَأَقَامَ عَلَى الْبَعْضِ السَّلِيمِ طَلَبًا لِلْحَظِّ فَلَوْ قِيلَ يَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَانَ فَسْخُ الْبَيْعِ سَفَهًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ قَدْ بَطَلَ فَلَمْ يكن له أن يأخذه بكل الثَّمَنِ فَجَازَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ السَّلِيمَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالصَّرْفِ وَالرِّبَا بَلْ هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ أَيْضًا إذَا ظَهَرَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ وَأَرَادَ رَدَّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ وَإِمْسَاكَ السَّلِيمِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُمْسِكَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ رَدُّ الْمَعِيبِ سَفَهًا بِخِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الِابْتِدَاءِ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَحُرًّا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إمْسَاكُ الْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَقُلْنَا بِالتَّفْرِيقِ فَإِنَّهُ يُمْسِكُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَطْعًا عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ طَرِيقَةً ضَعِيفَةً أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضًا وَصَاحِبُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ في الصرف وهذه طريقة لَا يُعَرَّجُ
عَلَيْهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُمْسِكُ السَّلِيمَ وَحْدَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَأَمَّا امْتِنَاعُ التَّفْرِيقِ أَوْ جَوَازُهُ وَالْقَطْعُ بِالتَّوْزِيعِ فَفِيهِ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ الْبَحْثِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ إلَّا مَا فَهِمْتُهُ مِنْ اخْتِلَافِ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ كَمَا قَدَّمْتُ لَكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِيمَا إذَا كَانَ الصَّرْفُ الْمُعَيَّنُ فِي جِنْسَيْنِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) إذَا كَانَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ أو في(10/129)
كُلِّهِ وَإِذَا كَانَ فِي كُلِّهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ مِنْ الْجِنْسِ فَإِمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ قَبْلَ التَّلَفِ أَوْ بَعْدَهُ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ أَيْضًا (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَعِيبًا كَمَا إذَا اشْتَرَى دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ فَوَجَدَ بِبَعْضِهَا عَيْبًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ إنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا لِكَوْنِهِ رِبًا فَإِنَّهُ بَاعَ جَيِّدًا وَمَعِيبًا بِجِنْسِهِ فينقسم الثمن عليهما على قدر قيمتها فيودى إلَى التَّفَاضُلِ كَمَا فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَفِي كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ مَا يَقْتَضِي النِّزَاعَ فِيهِ فَإِنَّهُمَا قَالَا فِيمَا إذَا كَانَ الصَّرْفُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ تُفَرَّقُ أَنَّهُ يُمْسِكُ السَّلِيمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّرْفُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ وَأَمْسَكَ الْبَعْضَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَانَ رِبًا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُمَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَسْأَلَةِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ إنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ وَالْجِنْسَيْنِ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ فَاقْتَضَى إطْلَاقُهُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ فَإِنْ تَصَارَفَا عَيْنًا بِعَيْنٍ جِنْسًا وَاحِدًا أو جنسين لافرق بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ الْأَقْسَامَ إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَعِيبًا بُنِيَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْجُمْلَةَ بِعَقْدٍ إذَا وَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا وَقُلْنَا لَهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَ يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ فِي الرَّدِّ فَإِنَّهُ يُمْسِكُ الْبَاقِيَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِي قَوْلٍ وَبِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ فِي الصَّرْفِ وَفِي مَالِ الرِّبَا إذَا بَاعَ جِنْسًا بِجِنْسٍ فَإِنَّهُ يُمْسِكُهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلى(10/130)
التفاضل وقد أقام صاحب البيان ماقاله كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَجْهًا فَجَعَلَ الْبُطْلَانَ قَوْلَ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْآخَرَ قَوْلَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَثْبَتَهُمَا وَجْهَيْنِ وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ أَوْفَقُ لِإِطْلَاقِهِمْ
فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَلَعَلَّ الْآخَرِينَ لَاحَظُوا مَا يَقْتَضِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ وَلَمْ يُلَاحِظُوا هَذَا الْعَقْدَ الْخَاصَّ وَأَنَّهُ مِنْ صُورَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَلَا يَأْتِي الْوَجْهُ الْآخَرُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ بَعِيدٍ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَآخَرُونَ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ أَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ أَوْ الْوَصْفِ لَا يُؤَثِّرُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَالْمَحَامِلِيُّ مِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِاشْتِرَاطِ اتِّحَادِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي اللُّبَابِ وَجَزَمَ فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ الْجَيِّدِ بِالْوَسَطِ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ الْمُدْرَكُ فِي ذَلِكَ أَنَّ امْتِنَاعَ بيع الجيد والردئ مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا كَانَا مُتَمَيِّزَيْنِ (أَمَّا) إذَا خُلِطَا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَلْنَسْتَدِلَّ لَهُ بِحَدِيثٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ فِي كَوْنِ ذَلِكَ فِي الْمَطْعُومِ خَاصَّةً أَوْ يَجْرِي فِيهِ وَفِي النَّقْدِ نَظَرٌ وَأَطْلَقَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيهَا (وَأَمَّا) الرُّويَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا وَأَخْرَجَ الْمَعِيبَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ بِالْبَعْضِ وَقَالَ إنَّ الْمَذْهَبَ الْبُطْلَانُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يُخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فوافق القاضى أبو الطَّيِّبِ ثُمَّ ذَكَرَ خُرُوجَ الْعَيْبِ مِنْ الْجِنْسِ بِالْبَعْضِ وَجَعَلَهُ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَوَافَقَ فِي ذَلِكَ أَبَا حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيَّ فَلَا أَدْرِي أَذَلِكَ عَنْ عَمْدٍ أَوْ لَا وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ قَاعِدَةِ مد إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ يَكُونُ(10/131)
حُكْمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ (إمَّا) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ رَدِّ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِهِ وَفِي رَدِّ الْمَعِيبِ وَإِمْسَاكِ السليم بما يخصه ما سبق ولا يجئ ههنا قَوْلُ الْإِجَازَةِ بِكُلِّ الثَّمَنِ لَكِنْ يُخَيَّرُ بِالْحِصَّةِ قَطْعًا كَمَا قُلْنَا هُنَاكَ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ وَلِعِلَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ رِبًا فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ التَّفَاضُلُ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَيَبْطُلُ فِي الْمَعِيبِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي الثَّانِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَإِنْ أَجَازَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُخَيَّرَ بِالْقِسْطِ قَطْعًا وَقَدْ يُؤَخَّرُ
* رَأَيْتُ فِي الْكَافِي لِلْخُوَارِزْمِيِّ أَنَّهُ لَوْ تَصَارَفَا عَيْنًا بِعَيْنٍ بِأَنْ تَبَايَعَا دِينَارًا مُعَيَّنًا بِدِينَارٍ مُعَيَّنٍ فَظَهَرَ أَحَدُهُمَا مُسْتَحَقًّا أَوْ نُحَاسًا لَا قِيمَةَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَلَوْ أُخِّرَ بَعْضُهُ لَا يَنْعَقِدُ وَفِي الْبَاقِي قَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَلَوْ أَجَازَ يُخَيَّرُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَأَجْرَى قَوْلَ الْإِجَازَةِ بِالْكُلِّ هُنَا وَهَذَا وَهْمٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَأْتِي وَجْهُ الْإِجَازَةِ بِالْكُلِّ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ فَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى
هَذَا الْوَجْهِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّ النُّحَاسَ مَبِيعٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ وَالنَّقْدُ صَرْفٌ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَصَرْفٍ وَفِيهِ قَوْلَانِ هَذَا إذَا لَمْ يُلَاحِظْ صَاحِبُ هَذَا الوجه قاعدة مد عجوة أيضا فان لا حظها وَجَعَلَ ذَلِكَ تَابِعًا بَطَلَ فِي الْكُلِّ وَلَمْ أَرَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتُهُ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الوجه منقولا بل ذكرته تفقها والله أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي الْجَمِيعِ وَيَكُونَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ فَخَرَجَ نُحَاسًا فَحُكْمُهُ الْبُطْلَانُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ صاحب الافصاح(10/132)
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي الْجَمِيعِ مِنْ الْجِنْسِ كَرَدَاءَةِ النَّوْعِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَفِ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فَلَهُ رَدُّهُ وَإِذَا رَدَّهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْبَدَلِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي الْجَمِيعِ مِنْ الْجِنْسِ وَيَتَبَيَّنَ الْعَيْبُ بَعْدَ التَّلَفِ كَمَا إذَا صَارَفَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقًا بِوَرِقٍ وَتَقَابَضَا وَتَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَيْنِ ثُمَّ علم الذى تلف ما حصل له أَنَّهُ كَانَ بِهِ عَيْبٌ فَقَدْ ذَكَرَهَا الْمَحَامِلِيُّ فرعا في المجموع ههنا وَالصَّيْمَرِيُّ قَالَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بَعْدَهُ وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفَرْضُهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ إنَاءً مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا وَذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفَرْضُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حُلِيًّا وُجِدَ بِهِ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ أَمْثِلَةٌ لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَعَذُّرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْعَيْبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَفِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ إذَا كَانَ الْمَعِيبُ بَاقِيًا وَلَكِنْ طَرَأَ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فرأى المصنف هناك وغيره أنه يرد ويغرم الارش ومسألتنا هنا فيما إذا كان المعيب تالفا فههنا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالرَّدِّ إذْ لَا مَرْدُودَ فَمَاذَا نَصْنَعُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَيَرُدُّ مِثْلَ مَا أَخَذَهُ وَلْيَسْتَرْجِعْ مَا دَفَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ مَعَهُ فِي الْبَيْعِ تَفَاضُلٌ(10/133)
وَلَا يُمْكِنُ الرَّدُّ لِأَنَّ ذَلِكَ تَالِفٌ لَا يمكن رده ولا يمكن رده أن يقال انه يقر العقد ولا شئ له لانه قد عين بالمعيب فلا بد له من استدراك ضلامته فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعُدَّةِ وَشَرْحِ الْكِفَايَةِ لِلصَّيْمَرِيِّ وَالتَّحْرِيرِ لِلْجُرْجَانِيِّ كُلُّهُمْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَرْضَى
وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ التَّالِفِ فِي عَيْنِهِ وَيَسْتَرْجِعَ مَا أَعْطَاهُ وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرجوع بالارش وَقَالَ الرُّويَانِيُّ لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ فَالْوَجْهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يرد عليه مثل الجيد ويكون الردئ فِي ذِمَّتِهِ يُعْطِيهِ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا فَسَخَ الْعَقْدَ فِي الْمَعِيبِ التَّالِفِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ مِثْلُ إنْ كَانَ التَّالِفُ مَعِيبًا بِعُشْرِ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْهُ عُشْرَ الْقِيمَةِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَزَادَ فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ قَوْلَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا أَعْطَى قَالَ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَقَالَ إنَّ هَذَا أَصَحُّ وَإِنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي مَالِ الرِّبَا تُشْتَرَطُ حَالَةَ الْعَقْدِ وَاسْتِرْجَاعُ بَعْضِ الثَّمَنِ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ ابْتِدَاءً فَلَا يُرَاعَى فِيهِ مَعْنَى الرِّبَا
*(10/134)
(فَرْعٌ)
اشْتَرَى دِينَارًا مُعَيَّنًا بِدِينَارٍ مُعَيَّنٍ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَوَجَدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا حُكِمَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ نُقْرَةً أَوْ إنَاءً مَصْنُوعًا حُكِمَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَرْضَى بِهِ نَاقِصًا فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَوْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى الدِّينَارَ الْمُعَيَّنَ بِدَرَاهِمَ فَفِي جَوَازِ رُجُوعِهِ بِالْأَرْشِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي (أَقْيَسُهُمَا) عِنْدَهُ الْجَوَازُ فَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الدِّينَارِ دَرَاهِمَ وَبِأَرْشِ الْفِضَّةِ ذَهَبًا
(وَالثَّانِي)
قَوْلُ الشُّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ عَيْبِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّ الصَّرْفَ أَضْيَقُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ فَلَمْ يَتَّسِعْ لِدُخُولِ الْأَرْشِ فِيهِ وَلِأَنَّ الْأَرْشَ بِالْإِيمَانِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ عَيْبُ الدِّينَارِ التَّالِفِ الَّذِي لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْجِنْسِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً بِهَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا إذَا اشْتَرَى قَاسَانِيًّا(10/135)
فَبَانَ بَعْدَ تَلَفِهِ مَغْرِبِيًّا فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ بَدَلَهُ مَغْرِبِيًّا وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُبَهْرَجًا مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَا فِي الذِّمَّةِ فَعَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرْضَ بِعَيْبِهِ أَنْ يَرُدَّ قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ وَلَا يَرُدَّ مِثْلَهُ لِأَنَّ الْمُبَهْرَجَ لَا مِثْلَ لَهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا الْفَرْعَ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إلَى أَحَدٍ وَقَالَ فِيهِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَرُدُّ مِثْلَ الَّتِي أَتْلَفَهَا أَوْ قِيمَتَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلٌ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا فَقَدْ وافقه على هذا الْعِبَارَةِ فِي الشَّافِي وَقَالَ فَإِذَا فُسِخَ رَدَّ
مَنْ تَلِفَتْ الدِّرْهَمُ فِي يَدِهِ دِرْهَمًا مَعِيبًا وَاسْتَرَدَّ دِرْهَمَهُ فَالْجَيِّدُ مَعَ بَقَائِهِ وَبَدَلُهُ مَعَ تَلَفِهِ فَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ إيهَامُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ بَاذِلَ الْمَعِيبِ حينئذ يمتنع مِنْ الْفَسْخِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى رِضَاهُ وَأَمَّا فَرْقُهُ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوَّمِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ إطْلَاقِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَيَرُدُّ مِثْلَ التَّالِفِ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ فَوَافَقَ صَاحِبَ الشَّامِلِ وَذَكَرَ مُجْمَلَ هَذَا الْفَرْعِ فِي الذَّخَائِرِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ وإذا تأملت ما ذكرته وجدت من عد الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ جَازِمِينَ أَوْ مُرَجِّحِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَرْشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ بَقِيَ مِمَّا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْمَكَانِ(10/136)
فرع حسن قال ابن ابى الدم وذكر أنه شئ لَمْ يَزَلْ يَخْتَلِجُ فِي الْقَلْبِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي بَابِ المعيب إذا اشترى شاة مثلا وقبضها ونتجت عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ فِيهَا عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَلَهُ رَدُّهَا وَالزِّيَادَةُ يَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِهَا هَذَا فِي شِرَاءِ الْعَرَضِ فَلَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي شئ وَكَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ شَاةً مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ أَحْضَرَهَا الْمُسْلِمُ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبَضَهَا مِنْهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ثُمَّ افْتَرَقَا وَنُتِجَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهَا عَلَيْهِ ومطالبته بشاة سلمية مَوْصُوفَةٍ بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فَهَلْ يَخْتَصُّ الْمُسْلَمُ فِيهِ بِالنِّتَاجِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ هَذَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا إلَى الْآنَ وَلَا بَلَغَنِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَلْ فَرَّعْتُهُ اسْتِنْبَاطًا مِنْ جِهَتِي حَيْثُ اقْتَضَاهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الْأُصُولِ المذكرة وَنَشَأَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَصَدَّرَهُ فِي(10/137)
الْقَاعِدَةِ الْمَبْدُوءِ بِذِكْرِهَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي النِّتَاجِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي الْمَجْلِسِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ إذَا رَدَّهُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ هَلْ نقول تملكه بالقبض وبالرد قد يقبض المالك أو يقال بالرد تببن أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ أَصْلًا كَأَنَّهُمَا تَفَرَّقَا عَنْ غَيْرِ قَبْضٍ فِيهِ وَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَقَدْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ فِي مِلْكِهِ أَعْنِي فِي مِلْكِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِهِ فَيَخْتَصُّ بِهَا (وَإِنْ) قُلْنَا إنَّهُ بِالرَّدِّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ أَصْلًا فَالزِّيَادَةُ حَادِثَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُسْلِمِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ وَهَذَا حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ الْعَرَضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَيْنًا وَبَيْنَ الْعَرَضِ الْمَوْصُوفِ
فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا ثُمَّ يَقْبِضُ فِي الْمَجْلِسِ عَمَّا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي الدَّمِ وَقَدْ قَدَّمْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَأَنَّهُ هَلْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّبَيُّنِ أَمْ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ الْمُسْتَأْنَفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالصَّرْفِ بَلْ تَجْرِي فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الرِّبَا بيع بجنسه قاله الرافعى ويجئ فِي التَّفَاصِيلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الذِّمَّةِ وَفِي الْعَيْنِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَفَرَضَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْفَرْعَ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ بِدِينَارٍ فِي الذِّمَّةِ قَالَ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَإِنْ لَمْ يجوز الاستبدال مع بقائه فالحكم كالمبيع بالمعين وَقَدْ تَقَدَّمَ وَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِلضَّرُورَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا بَلْ يَغْرَمُ قِيمَةَ التَّالِفِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِدِينَارٍ سَلِيمٍ أَوْ بِخَلْخَالٍ سَلِيمٍ وَكَانَ فَرْضُ المسألة في(10/138)
بَيْعِ خَلْخَالٍ بِدِينَارٍ قَالَ وَهَكَذَا إذَا قُلْنَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعِيبًا فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ
(وَالثَّانِي)
لَا بَلْ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْمُتْلَفِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالسَّلِيمِ فيه والله سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
* قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا بَعْدَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَيْبًا بَعْدَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَعِيبًا سَقَطَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِقَدْرِهِ مِثْلُ أَنْ كَانَ الْعَيْبُ يَنْقُصُ عُشْرَ قِيمَتِهِ فَيَسْقُطُ عُشْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ يَغْرَمُ مَا تَلِفَتْ عِنْدَهُ وَيَسْتَبْدِلُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ فَيَسْقُطُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي المعين والله أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا مَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ يُبَيِّنُوا أَنَّ بَدَلَ التَّالِفِ هَلْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ حَتَّى يَكُونَ الْفَسْخُ بِرَدِّهِ أَوْ تَمْكِينِهِ مِنْ الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِالتَّلَفِ وَالْأَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي مَذْهَبِهِمْ إذَا تَلِفَ الْعِوَضُ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ فَسَخَ الْعَقْدَ وَيَرُدُّ الْمَوْجُودَ وَتَبْقَى قِيمَةُ الْمَعِيبِ فِي ذِمَّةِ مَنْ تَلِفَ فِي يده فيرد مثلها أو عوضها إذ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّرْفُ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازُ أَخْذِ الْأَرْشِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهُوَ بَيِّنٌ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْعَيْبَ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا فَلِذَلِكَ حُكِمَ بِالْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أعلم
*(10/139)
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ فَحَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا قَالَ فِي الْمُطَارَحَاتِ إنْ بَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْمَعِيبِ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِثْلَ طَعَامِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ وَلَا يَرُدُّ لِمَا حَدَثَ عِنْدَهُ من العيب شيأ (قُلْتُ) وَلَوْ بَاعَ نَقْدًا بِنَقْدٍ فَالْحُكْمُ وَالتَّفْصِيلُ كَذَلِكَ وَهَذِهِ الْمُطَارَحَاتُ ظَنِّي أَنَّهَا لِابْنِ الْعَطَّارِ وَكَذَلِكَ رَأَيْتُهَا مَنْسُوبَةً إلَيْهِ فِي نُسْخَةٍ.
وَفِي نسخة أخرى رأيتها منسوبة لابي اسحق الاسفراينى
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ وَحَصَلَ التَّلَفُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنْ كَانَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَغْرَمُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَيَسْتَبْدِلُ.
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ.
فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَهَكَذَا.
وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِبْدَالَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ.
فَإِنْ كَانَ الجنس مختلفا يسترد من الثمن بقدر العيب.
وَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مُتَّفِقًا فَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ (أَصَحُّهَا) يَسْتَرِدُّ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَيْبًا بَعْدَ تَلَفِهِ.
إمَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ
*(10/140)
(فَرْعٌ)
كُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ كَرَدَاءَةِ السِّكَّةِ وَالْجَوْهَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
أَمَّا لَوْ بَانَ بَعْدَ تَلَفِهِ نُحَاسًا أَوْ مَطْلِيَّةً فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَيَتَرَادَّانِ.
قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِجِنْسِهِ.
أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ كَمَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ.
قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ
* (فَرْعَانِ) لَهُمَا تَعَلُّقٌ بِالِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ (أَحَدُهُمَا) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا بَاعَ شيأ بِدَرَاهِمَ بَرْمَكِيَّةٍ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ عَزِيزُ الوجود وقل ما يُوجَدُ فِي بِلَادِنَا هَذِهِ: وَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ فَتْحِيَّةٍ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَعُمُّ وُجُودُهُ (1) هَذَا يُبْنَى عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَنْهُ جَائِزٌ أَمْ لَا.
إنْ قُلْنَا جَائِزٌ صَحَّ.
وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ إذَا بَاعَ بِمَا يَعِزُّ وُجُودُهُ فِي الْبَلَدِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَنْ الثَّمَنِ هَلْ يَجُوزُ إنْ قُلْنَا يَجُوزُ صَحَّ ثُمَّ إنْ وَجَدَ ذَلِكَ النَّقْدَ وَإِلَّا يَسْتَبْدِلُ.
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ لَمْ يَصِحَّ.
كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعِزُّ وُجُودُهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ
الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَوْلَى مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي (الثَّانِي) إذَا بَاعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ انْقَطَعَ ذَلِكَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ قُلْنَا يَجُوزُ الاستبدال فلا يفسد العقد وان
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)(10/141)
قُلْنَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْفَسِخُ
(وَالثَّانِي)
يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا انْقَطَعَ (فَأَمَّا) إذَا بَاعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ إنَّ السُّلْطَانَ رَفَعَ ذلك لاغير سَوَاءٌ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَكَذَا لَوْ بَاعَ بِفُلُوسٍ فَنَسَخَهَا السُّلْطَانُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ.
هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَاسَهُ البغوي على مالو أَسْلَمَ فِي صَبْطَةٍ فَرَخُصَتْ لَيْسَ لَهُ إلَّا صَبْطَةً وَحَكَى مَعَ ذَلِكَ وَجْهًا أَنَّ الْبَائِعَ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ الْعَقْدَ فَيَأْخُذَ النَّقْدَ الاول وبين أن يفسح ويسترد ما أعطى كما لو تغيب المبيع قبل القبض، قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَكَذَا لَوْ بَاعَ بِفُلُوسٍ فَنَسَخَهَا السُّلْطَانُ.
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ جَاءَ بِالنَّقْدِ الثَّانِي الْمُحْدَثِ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ فَإِنْ أَرَادَ قَبُولَهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِيَاضِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ حَصَلَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدٍ مَعْرُوفٍ(10/142)
فَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ لَا يَتَعَامَلُ فِيهِ بِهِ فَقَالَ خُذْهُ لَزِمَهُ أَخْذُهُ كَمَا لَوْ حَرَّمَهُ السُّلْطَانُ فِي بَلَدِهِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ لَا يَتَعَامَلُ بِهِ أَلْبَتَّةَ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَعَامَلُ بِهِ لَكِنْ لَيْسَ بِرَائِجٍ يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ يَثْبُتُ لَهُ عَلَى آخَرَ عُشْرُ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ أَوْ يُبْرِئُهُ
*
(فَصْلٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
* قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ لَهُ الْإِبْدَالَ فِيمَا إذَا خَرَجَ الْمَقْبُوضُ عَنْ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ مَعِيبًا بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْحَسَنُ بْنُ حُسَيْنٍ حَكَاهُ عَنْهُمْ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِي بَابِ خِيَارِ الرَّدِّ بِالرِّبَا فِيهِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ وَجَدَ أَحَدُ الْمُتَصَارِفَيْنِ الدراهم المقبوضة زيوفا أو كاسدة أو رابحة فِي بَعْضِ التِّجَارَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَذَلِكَ عَيْبٌ عندهم فله أن يردها وَيَسْتَبْدِلُ غَيْرَهَا إنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَالْكَلَامُ فِي صِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ مِنْ بَابِ السَّلَمِ وَلَوْ اشْتَرَى فِضَّةً فَوَجَدَهَا رَدِيئَةً
بِغَيْرِ عَيْبٍ لَا يَرُدُّهَا لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ بَلْ صِفَةٌ تُخْلَقُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَصِفَةُ الْجَوْدَةِ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَوَجَدَهَا أَرْدَأَ حِنْطَةٍ لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إلَّا إذَا اشْتَرَطَ جَوْدَتَهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْحَنَفِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ مَا يَنْتَقِضُ الْقَبْضُ فِيهِ مِنْ بَابِ السَّلَمِ وَلَوْ وَجَدَ رَأْسَ الْمَالِ مُسْتَحَقًّا وَمَعِيبًا فَلَا يخلوا إمَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَوَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا فَرَدَّهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ رَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْعَيْبِ جَازَ السَّلَمُ لِأَنَّهُ سَلَمٌ لَهُ الْبَدَلُ وَالْأَصْلُ أَنَّ صِحَّةَ الْقَبْضِ تَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَ يَظْهَرُ أَنَّ قَبْضَهُ وَقَعَ صَحِيحًا وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ وَلَمْ يَرْضَ(10/143)
الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْعَيْبِ بَطَلَ السَّلَمُ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَلَمْ يُسْلَمْ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا وَقَبَضَهُ فَإِنْ وَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ جَازَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْجَامِعُ وَإِنْ لَمْ يُجِزْ انْتَقَضَ الْقَبْضُ بِقَدْرِهِ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ فَإِنْ قَبَضَ مِثْلَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ وَجَدَ سُتُّوقًا أَوْ رَصَاصًا فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهِ بَطَلَ السَّلَمُ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَيَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِرَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ رَدَّهُ وَقَبَضَ آخَرَ مَكَانَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ السَّلَمُ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّهُ وَانْتَقَضَ قَبْضُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَأَخَّرَ الْقَبْضَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ جَازَ وَإِنْ وَجَدَهُ زُيُوفًا فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهِ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَإِنْ رَدَّهُ وَاسْتَبْدَلَ مَكَانَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ فَأَمَّا إذَا تَفَرَّقَا فَوَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا إنْ أَجَازَ الْمَالِكُ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ جَازَ وَإِلَّا بَطَلَ وَإِنْ وَجَدَهُ سُتُّوقًا انْتَقَضَ السَّلَمُ بقدره تجوز به أو رده لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَيَكُونُ افتراقا لَا عَنْ قَبْضِ هَذَا الْقَدْرِ
* (فَرْعٌ)
حُكْمُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إذَا وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَيْبًا حُكْمُ بَدَلِ الصَّرْفِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَحَالَ بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي اسْتَحَقَّ فِيهَا فِي الصَّرْفِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَلَى رَجُلٍ حَاضِرٍ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُسْتَحِقُّ لَهَا مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الصَّرْفُ وَإِنْ قَبَضَهَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ (إنْ قُلْنَا) الْحَوَالَةُ مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) اسْتِيفَاءٌ جَازَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى مِنْ صَيْرَفِيٍّ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَبَضَ الدِّينَارَ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الصَّيْرَفِيِّ
عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقَالَ اجل هذه العشرة بدلا مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ حَصَلَتْ الْعَشَرَةُ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ قَبْلَ الصَّرْفِ أَوْ بَعْدَهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ حَصَلَتْ قَبْلَ الصَّرْفِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ حَصَلَتْ بَعْدَهُ جَازَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
*(10/144)
(فَرْعٌ)
اشْتَرَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدِ سُوقِ كَذَا فَإِنْ كَانَ نَقْدُ ذَلِكَ السُّوقِ مُخْتَلِفًا بَطَلَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَظْهَرُهُمَا) الْجَوَازُ
(وَالثَّانِي)
لَا لِإِمْكَانِ التَّعْيِينِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ ضَرْبِ كَذَا أَوْ بِمَا يَضْرِبُهُ السلطان لم يجز قاله (1) وَإِذَا شُرِطَ فِي الصَّرْفِ أَنَّ الذَّهَبَ يُسَاوِي كَذَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بَطَلَ الصَّرْفُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ باعه بدينار إلا درهم فَإِنْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ فِي الْحَالِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِنْ عَلِمَاهَا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبُطْلَانُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِذَا صَرَفَ بِدِينَارٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا رَاجِحًا قِيرَاطًا فَأَعْطَاهُ عَنْ الْقِيرَاطِ ذَهَبًا مِثْلَهُ جَازَ وَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَاهُ فِضَّةً مَعْلُومَةً أَوْ جُزَافًا صَحَّ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَوْ جَهِلَا مِقْدَارَ الرُّجْحَانِ فَأَعْطَاهُ بِهِ ذَهَبًا مُمَاثِلًا لَهُ صَحَّ كَمَا لَوْ بَاعَ سَبِيكَةَ ذَهَبٍ لَا يَعْلَمُ وَزْنَهَا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا يَجُوزُ إنْ جَهِلَا الْقَدْرَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا قَبَضَ مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ فَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ بَدَلَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ زَائِفَةٍ أَوْ مُبَهْرَجَةٍ أَوْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ فَالضَّمَانُ جَائِزٌ إلْحَاقًا بِضَمَانِ الدَّرَكِ وَإِنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالْإِسْقَاطِ وَهَذِهِ مِنْ مَنْصُوصَاتِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَإِنْ وَجَدَ الْقَابِضُ زَائِفًا أَوْ مُبَهْرَجًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي إبْدَالِهَا إنْ شَاءَ عَلَى الْمُؤَدِّي وَإِنْ شَاءَ عَلَى الضَّامِنِ فَإِنْ أَبْدَلَهَا مِنْ الْمُؤَدِّي بَرِئَ الضَّامِنُ وَإِنْ أَبْدَلَهَا مِنْ الضَّامِنِ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمُؤَدِّي إنْ كَانَ الضَّمَانُ بِإِذْنِهِ فَإِنْ قَالَ الضَّامِنُ أَعْطُونِي الْمَرْدُودَ لِأُعْطِيَكُمْ بَدَلَهُ لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ وَقِيلَ لَهُ الْوَاجِبُ أَنْ تَفْسَخَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْمَرْدُودِ فَأَنْتَ تَرُدُّ عَلَى الْمَضْمُونِ لَهُ مَا ضَمِنْتَهُ وَهَذَا الْمَرْدُودُ مِنْ مَالِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَلَكَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا أَدَّيْتَ فَلَوْ أَحْضَرَ الْقَابِضُ دَرَاهِمَ رَدِيئَةً وَقَالَ هِيَ ما قبضت وأنكراه جميعا فان كانت رادءتها بعيب فالقول قولهما مع اليمين لانه
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)(10/145)
مَلَكَ بِالْقَبْضِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُمَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ نُحَاسًا أَوْ غَيْرَ فِضَّةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يمينه لان أصل
الدين ثابت وانما أَقَرَّ بِقَبْضِ النُّحَاسِ وَهُوَ لَا يَكُونُ قَبْضًا عَنْ الْفِضَّةِ (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ نُحَاسًا أَوْ غَيْرَ فِضَّةٍ هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ نَتَعَرَّضُ لَهُ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ الله تعالى فان المصنف ذكر فِي التَّنْبِيهِ هُنَاكَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهَا كَثِيرًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَقْبِضُ مَالَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَغَيْرِهَا بِالصَّيْرَفِيِّ وَيَعْتَمِدُ عَلَى نَقْدِهِ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ يَلْزَمُ الصَّيْرَفِيَّ ضَمَانُ دَرَكِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَتَى لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ضَمَانٌ فَهُوَ أَمِينٌ لَا يَلْزَمُهُ شئ فَيَتَعَيَّنُ لِمَنْ يُرِيدُ الِاحْتِرَازَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَدَعَ الصَّيْرَفِيَّ يَتَلَفَّظُ بِالضَّمَانِ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِهِ
* وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَيُرَدُّ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ نُحَاسًا من المتعامل به الَّذِي تَنْزِلُ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً عَنْهُ فَيَكُونُ كَأَخْذِ النُّحَاسِ عَنْ الْفِضَّةِ وَلَيْسَ كَأَخْذِ الْمَعِيبِ عَنْ السَّلِيمِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ أَوْ تَصَارَفَا وَتَقَابَضَا ثُمَّ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِدِينَارٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَرُدُّ مَعَ يَمِينِهِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي وَفِيهِ وَجْهٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى الْمُسْلِمُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ مَعِيبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ كَانَ قَدْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ حَلَفَ وَغَرِمَ التَّالِفَ وَطَالَبَهُ بِالْجَيِّدِ
* وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ وَرَدَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَعْطَى مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ قَصْرُ هَذَا الْعَقْدِ عَلَى السَّلَامَةِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نُحَاسًا لَا قِيمَةَ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَالِهِ عَلَى مِلْكِهِ (قُلْتُ) وَلَوْ خَرَجَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ لَمْ يَبْعُدْ
*(10/146)
(فرع)
قال اصحابنا إذا باع دينار بِدِينَارٍ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَتَوَازَنَا وَقْتَ الْعَقْدِ بَلْ إذَا وَزَنَا قَبْلَهُ وَعَرَفَا الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا جَازَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَمَعَ غَيْرِهِ دِينَارٌ يُسَاوِي عِشْرِينَ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْعَشَرَةِ شِرَاءَ نِصْفِ الدِّينَارِ جَازَ وَيَقْبِضُهُ كُلَّهُ لِيَكُونَ نِصْفُهُ قَبْضًا بِالشِّرَاءِ وَنِصْفُهُ وَدِيعَةً ثُمَّ يَتَّفِقَانِ عَلَى كَنْزِهِ أَوْ بَيْعِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ كُلَّهُ وَلَيْسَ
مَعَهُ إلَّا عَشَرَةٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعِشْرِينَ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يُقْبِضَهُ مِنْهَا الْعَشَرَةَ الَّتِي مَعَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قَبَضَهَا اسْتَقْرَضَهَا مِنْهُ فَإِذَا قَبَضَهَا قَضَاهُ الْعَشَرَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ الدِّينَارِ وَتَقَابَضَا وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الدِّينَارِ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ قَرْضًا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ وَالشَّامِلِ والرافعي وغيرها وَالْحَاوِي
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُمْلَكُ بِالتَّصَرُّفِ وَهَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا وَإِنَّمَا رَدَّهَا إلَيْهِ بِحَالِهَا فَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْقَرْضِ وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي المجموع هذا الوجه عن أبى اسحق المروذى وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ إنَّ الدَّارَكِيَّ نَقَلَهُ عَنْ المروذى وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ غَيْرَهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ بينهما باطل وحكي المحاملى عن أبى اسحق أنه علله بذلك وبأن (1) فَإِنَّهُ يَجُوزُ هَكَذَا اسْتَشْهَدَ أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشامل ولا في كلام القاضى حسين الذى حكيته
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)(10/147)
ما ينازع فيه هذا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخَايُرِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّخَايُرِ وَقُلْنَا إنَّ التَّخَايُرَ بِمَنْزِلَةِ التَّفَرُّقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا وَإِلَّا فَيَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (أَمَّا) لَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ غَيْرَهَا وَدَفَعَهَا إلَيْهِ عَنْ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا وَصَحَّحَ فِي الْبَحْرِ الصِّحَّةَ وَوَافَقَ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا فِي الذِّمَّةِ بِدِرْهَمٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ اقْتَرَضَ الْآخَرُ وَرَدَّهَا عَلَيْهِ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْقَرْضَ مَتَى يُمْلَكُ وعند أبى اسحق يبطل هذا الصرف ههنا لِأَنَّهُ قَبَضَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِالتَّصَرُّفِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَشَيْخِهِ أبى الطيب وبه قال الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ وَقَالَ إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَهُ فِي الصَّرْفِ نَصًّا أَنَّهُ يَجُوزُ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا قَضَاءً عَمَّا عَلَيْهِ وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ كَمَا إذَا اشْتَرَى بِهَا النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الدِّينَارِ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّرَاهِمَ مِنْ الصَّرَّافِ وَيَبِيعَهَا مِنْهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَتَمَامِ الْعَقْدِ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَايُرِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ سَوَاءٌ جَرَتْ لَهُ بِذَلِكَ عَادَةٌ أَمْ لَا مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ(10/148)
قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ حَرُمَ وَتَمَسَّكَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْعَادَةَ الْخَاصَّةَ لَا تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ نَكَحَ مَنْ عَادَتُهُ الطَّلَاقُ لَا يُجْعَلُ ذَلِكَ كَشَرْطِ الطَّلَاقِ فِي الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَقْصُودًا أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ حَتَّى قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ مَعَهُ دِينَارٌ وَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بِدِينَارٍ وَسُدُسٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ الدِّينَارَ مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ وَيَتَقَابَضَا الْعِوَضَيْنِ وَيَتَخَايَرَا ثُمَّ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ دِينَارًا وَسُدُسًا أَوْ مَا يَزِيدُ قَالَ الْأَصْحَابُ وَإِذَا أَرَادَ بَيْعَ صِحَاحٍ بِمُكَسَّرَةٍ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا يَبِيعُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِعَرَضٍ ثُمَّ إذَا تَقَابَضَا وَتَفَرَّقَا وَتَخَايَرَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِذَلِكَ الْعَرَضِ الْمُكَسَّرَةَ وَيَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا وَقَدْ أَطْبَقَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا جَازَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَيَجُوزُ أن يبيع الشئ إلَى أَجَلٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ إلَى أَجَلٍ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ دَيْنٍ أَوْ نَقْدٍ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ غَيْرُ الْبَيْعَةِ الْأُولَى وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَشْتَرِيهَا الْبَائِعُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَزَعَمَ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَكِنَّهُ زَعَمَ تَتَبُّعَ الْأَثَرِ وَمَحْمُودٌ مِنْهُ أَنْ يَتْبَعَ الْأَثَرَ الصَّحِيحَ فَلَمَّا سئل عن الاثر إذا هو (أبو إسحق عَنْ امْرَأَتِهِ عَالِيَةَ بِنْتِ أَنْفَعَ أَنَّهَا دَخَلَتْ مَعَ امْرَأَةِ أَبِي السَّفَرِ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ بَيْعًا بَاعَتْهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بكذا أو كذا(10/149)
إلى العطا ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ) وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ أَصْلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَنْ ذَهَبَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ أَنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ عَالِيَةَ بِنْتِ أَنْفَعَ (أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أَوْ سَمِعَتْ امْرَأَةَ أَبِي السَّفَرِ تَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عَنْ بَيْعٍ بَاعَتْهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِكَذَا وَكَذَا إلَى العطا ثُمّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ نَقْدًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا ابْتَعْتِ أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ تَكُونُ عَائِشَةُ لَوْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَنْهَا عَابَتْ
عَلَيْهَا بَيْعًا إلَى الْعَطَاءِ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَهَذَا مَا لَا يُجِيزُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شئ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ شَيْئًا وَقَالَ غَيْرُهُ خِلَافَهُ فَإِنَّ أَصْلَ مَا نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّا نَأْخُذُ بِقَوْلِ الَّذِي مَعَهُ الْقِيَاسُ وَاَلَّذِي مَعَهُ الْقِيَاسُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ وَحِكْمَةُ هَذَا أَنَّا لَا نُثْبِتُ مِثْلَهُ عَلَى عَائِشَةَ مَعَ أَنَّ زَيْدًا لَا يَبِيعُ إلَّا مَا يَرَاهُ حَلَالًا وَلَا يَبْتَاعُ إلَّا مِثْلَهُ
* وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ شَيْئًا أَوْ ابْتَاعَهُ نَرَاهُ نَحْنُ محرما وهو يراه حلالا لم نَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْبِطُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْئًا.
وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ(10/150)
اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ إلَى جَمِيعِ مَا يُقَالُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْأَثَرِ فَأَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(اعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي اسحق عَنْ امْرَأَتِهِ (أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْأَنْصَارِيِّ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْتُ غُلَامًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَإِنِّي ابْتَعْتُهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا فذكرته) وهذا أسلم في الدلالة لهم الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ النَّسِيئَةَ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ إلى العطاء حتى يحمد الْمَنْعَ إلَى الْجَهَالَةِ لَكِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ فِيهِ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وليس بشئ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ كَتَبْتُ عَنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا وَرَمَيْتُ بِهِ وَضَعَّفَهُ جِدًّا وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ إنَّهُ كَذَّابٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ مُضْرَبُ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ هُوَ فِي جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ لَا أَتَّهِمُهُ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ شَيْخٌ صَالِحٌ يَحْفَظُ الْحَدِيثَ وَيُذَاكِرُ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَهُمُّ فِي الْمُذَاكَرَةِ وَيَغْلَطُ فِي الرواية إذا حدث من حفظه وياتى عن الثِّقَاتِ مَا لَيْسَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فَلَمَّا نَظَرَ يحيى(10/151)
إلَى تَنَكُّرِ الْأَحَادِيثِ أَنْكَرَهَا وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الْجَرْحَ بِهَا (وَأَمَّا) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ عَلِمَ مَا قُلْنَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالْمُتَعَمِّدِ فِي شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِنْسَانُ الْجَرْحَ بِالْخَطَأِ بِخَطَأٍ أَوْ الْوَهْمَ بِوَهْمٍ مَا لَمْ يَفْحُشُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى أَمْرِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ التَّرْكَ وَدَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ عِنْدَهُ صَدُوقٌ فِيمَا وَافَقَ الثِّقَاتِ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ
* هَذَا كَلَامُ ابْنِ حِبَّانَ وَجَعَلَهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِمْ وَوَعَدَ هُنَا
بِأَنْ يُمْلِيَ كِتَابًا فِيهِمْ وَيَذْكُرَ السَّبَبَ الدَّاعِيَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالصَّوَابَ فِيهِ لِئَلَّا يُطْلَقَ عَلَى مُسْلِمٍ الْجَرْحُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَرَوَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ قال حدثنا عباس ومحمد قال حَدَّثَنَا فَرَدَّادٌ أَبُو نُوحٍ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بن أبى اسحق عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ خَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مُحِبَّةَ إلَى مَكَّةَ فَدَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهَا فَقَالَتْ لَنَا مِمَّنْ أَنْتُنَّ قُلْنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَتْ فَكَأَنَّهَا أَعْرَضَتْ عَنَّا فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ مُحِبَّةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ وَإِنِّي بِعْتُهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْأَنْصَارِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى عَطَائِهِ وَإِنَّهُ أَرَادَ بَيْعَهَا فَابْتَعْتُهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا قَالَتْ فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ فَأَبْلَغِي زَيْدًا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَقَالَتْ لَهَا أَرَأَيْتِ إنْ لَمْ آخُذْ مِنْهُ إلَّا رَأْسَ مَالِي قَالَتْ فَمَنْ(10/152)
جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سلف وَهَذَا إسْنَادٌ (1) وَحُجَّةُ الْمُخَالِفِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ) انْفَرَدَ أَبُو دَاوُد عَنْ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ بِتَخْرِيجِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ الخطابى في كلامه على السُّنَنِ هَذَا الْبَابَ بِالْجُمْلَةِ الْكَافِيَةِ وَفَسَّرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ الْعِينَةَ هُوَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِثَمَنٍ معلوم إلى أجل مُسَمًّى ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَى بِحَضْرَةِ طَالِبِ الْعِينَةِ سِلْعَةً مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ طَالِبِ الْعِينَةِ بِثَمَنٍ أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمى ثم بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالنَّقْدِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذِهِ أَيْضًا عِينَةٌ وَهِيَ أَهْوَنُ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَسُمِّيَتْ عِينَةً بِحُصُولِ النَّقْدِ لِصَاحِبِ الْعِينَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ هُوَ الْمَالُ الْحَاضِرُ فَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يَشْتَرِيهَا لِيَبِيعَهَا بِعَيْنٍ حَاضِرٍ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ نَقْدِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْهَرَوِيِّ وَجَعْلُهُ اسْمَ الْعِينَةِ يَشْمَلُ الامرين المذكورين مختلف فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْعِينَةَ اسْمًا لِلثَّانِي فَقَطْ وَيُسَمِّي الْأَوَّلَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ شِرَاءَ ما باع باقل مما بَاعَ وَهَذَا صُنْعُ الْحَنَفِيَّةِ وَعِبَارَتُهُمْ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ
وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْعِينَةُ السَّلَفُ وعينة كل شئ خِيَارُهُ قَالُوا وَيُقَالُ أَعْيَانٌ إذَا اشْتَرَى بِالْعِينَةِ وا أَسْلَفَ: وَأَنْشَدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَوْلَ الشَّاعِرِ أبدان أم لعيان أم تنبري
* لنا فهى مثل حد السيف هزت مضاربه
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)(10/153)
وَيُصَحِّحُ الْحَنَفِيَّةُ الثَّانِيَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِالْعِينَةِ دُونَ الْأَوَّلِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَجْعَلُ اسْمَ الْعِينَةِ شَامِلًا لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا كَمَا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَكَذَلِكَ إطْلَاقُ أَصْحَابِنَا وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ الْمَالِكِيُّونَ وَالِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِ (النَّهْيِ عَنْ الْعِينَةِ حَسَدٌ) يَكُونُ مِنْ جِهَتِهِمْ لَا مِنْ جِهَةِ الْحَنَفِيَّةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرحمن الخراساني واسمه اسحق بْنُ أَسِيدٍ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الراوى فِيهِ شَيْخٌ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ وَلَا يُسْتَقَلُّ بِهِ وَعَنْ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ هُوَ مَجْهُولٌ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جَهَالَةُ الْحَالِ فَإِنَّهُ قد روى عنه حيوة بن سريج فِي هَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي فِي السُّنَنِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ذَكَرَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي زُرْعَةَ وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ لَهِيعَةَ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ جَهَالَةُ العين واعترض كل من الفريقين عن الآخر به عن الْحَدِيثَيْنِ بِاعْتِرَاضَاتٍ (مِنْهَا) أَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَتَغْلِيطَهَا فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَوْقِيفٌ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلتَّأْجِيلِ بِالْعَطَاءِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَذْهَبُ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ إلَى العطاء (ومنها) أنها ثبتت جِهَةَ الْمَنْعِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالرِّبَا لَمَّا اسْتَشْهَدَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ جَاءَهُ موعظة من ربه فانتهى) وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَبَقِيَّةُ مَا قَالُوهُ ممنوع وقد سلموا أن الْقِيَاسَ الْجَوَازُ
* قَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ إلَّا أَنَّ تَرْكَهُ وَاجِبٌ لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ وُجُوبٌ القول بالذرائع والقول بالذرائع أصل في(10/154)
نفسه مقدم الا أن الجزء مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ قَالُوا وَوَجْهُ الذَّرِيعَةِ فِيهَا هُوَ أَنَّ الْبَائِعَ دَفَعَ مِائَةً نَقْدًا لِيَأْخُذَ مِائَةً وَخَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ وَذِكْرُ السِّلْعَةِ وَالتَّبَايُعِ لَغْوٌ وَهَذِهِ ذَرِيعَةٌ لِأَهْلِ الْعِينَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَتَبِيعُ لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَأَنَا أُرْبِحُكَ دِينَارًا فَيَفْعَلَ ذَلِكَ فَيُحَصِّلَ مِنْهُ قرضه عَشَرَةِ دَنَانِيرَ بِأَحَدَ عَشَرَ
مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِالْبَائِعِ إلَى السِّلْعَةِ وَإِنَّمَا تَذَرَّعَ بِهَا إلَى قَرْضِ ذَهَبٍ بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا وَجَدْنَا فِعْلًا مِنْ الْأَفْعَالِ يَقَعُ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَا يَخْتَلِفُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ فَاعِلِهِ وَالْقَصْدِ وَكَانَ ظَاهِرُهُ وَاحِدًا وَلَمْ يَكُنْ لَنَا طَرِيقٌ إلَى تميز مَقَاصِدِ النَّاسِ وَلَا إلَى تَفْصِيلِ قُصُودِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ وَجَبَ حَسْمُ الْبَابِ وَقَطْعُ النَّظَرِ إلَيْهِ فَهَذَا وَجْهُ بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الذَّرِيعَةِ قَالُوا فَإِنْ سَلِمَ لَنَا هَذَا الْأَصْلُ بَنَيْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ نُقِلَ الْكَلَامُ إلَيْهِ هَذَا مَا عَوَّلَتْ عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالنِّزَاعُ مَعَهُمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ مَشْهُورٌ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ وَافَقُونَا كَمَا ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى عَدَمِ إنَاطَةِ الْأَحْكَامِ بِالْمَقَاصِدِ وَوُجُوبِ رَبْطِهَا بِمَظَانَّ ظَاهِرَةٍ فَقَدْ يُوجَدُ الْقَصْدُ الْفَاسِدُ فِي عَقْدٍ نَتَّفِقُ نَحْنُ وَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ وَقَدْ يُعْدَمُ الْقَصْدُ الْفَاسِدُ فِي عَقْدٍ يَحْكُمُونَ هُمْ بِفَسَادِهِ والحكم حينئذ بالفساد احتكام بنصب شئ مُفْسِدٍ وَذَلِكَ مَنْصِبُ الشَّارِعِ لَيْسَ لِآحَادِ الْفُقَهَاءِ اسْتِقْلَالٌ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرُّجُوعُ إلَى المقاصد الحنفية جائز اتِّفَاقًا فَالْأَوْلَى الِاعْتِمَادُ عَلَى ظَوَاهِرِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ وعدم الاحكام بأمر آخر وليس هذا موضوع الْإِطْنَابِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشِبْهِهَا بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْتَعْمَلَ رَجُلًا على خيبر فجاءهم بتمر خبيب فَقَالَ أَتَمْرُ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ قَالَ لَا تَفْعَلْ بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم خبيبا) وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَرْشَدَهُ(10/155)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الربا بذلك وان كان المقصود تحصيل الخبيب بِالْجَمْعِ وَقَدْ أَطْنَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي فُرُوعِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْأُولَى الَّتِي صَدَّرْنَا الْكَلَامَ بِهَا مُتَرْجَمَةٌ عِنْدَهُمْ بِبُيُوعِ الْآجَالِ وَتَنْقَسِمُ أَقْسَامًا كَثِيرَةً جِدًّا وَفِي بَعْضِهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْعِينَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَارَةً تُفْرَضُ فِي الصَّرْفِ فَلَا يُتَصَوَّرُ دُخُولُ الْأَجَلِ فِيهَا وَتَارَةً تُفْرَضُ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فَتَقَعُ تَارَةً بِدُونِ الْأَجَلِ وَتَارَةً بِالْأَجَلِ وَبَوَّبَ الْأَصْحَابُ لَهَا بَابَ الرَّجُلِ يَبِيعُ الشئ بِأَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ أَخَصُّ مِنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا جَائِزٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا عَلِيٍّ يَقُولُ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَنَا أَنَّهُ بَيْعُ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ
عَنْهُ وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَاهُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرِّبْحِ الْفَاضِلِ لَهُ بالعقد الثاني على ماملك عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ أَوْ فَضَلَ مَا بَيْنَ الْمَضْمُونِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَالْمَضْمُونِ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ وَالْإِنْسَانُ مَرَّةً يَرْبَحُ بِأَنْ يَبِيعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَى وَأُخْرَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَالرِّبْحُ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ إلَّا بِعَقْدَيْنِ فَتَعُودُ الْعَيْنُ إلَيْهِ مَعَ خُلُوصِ الرِّبْحِ لَهُ وَهَذَا مُجَرَّدُ الدعوى بل حقيقة الربح قصد ما يملك على ما يَمْلِكُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَوْرُوثَ أَوْ الْمَوْهُوبَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ حَسُنَ أَنْ يُقَالَ رَبِحَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا لَهُ فِي الشَّرَائِطِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الَّذِي حَكَى عَنْهُ الْقَاضِي هُوَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فيما أظن
*(10/156)
(فَرْعٌ)
كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِعَادَةٍ أَوْ بِغَيْرِ عَادَةٍ وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ بِالْمَنْعِ أَفْتَى الْأُسْتَاذُ أبو إسحق وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا صَارَ ذَلِكَ عَادَةً فَيَبْطُلُ الْعَقْدَانِ جَمِيعًا يَعْنِي لَا لِأَجْلِ سَدِّ الذَّرَائِعِ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّ الْعَادَةَ تَصِيرُ كَالْمَشْرُوطَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَمَسْأَلَةُ الْعِينَةِ قَدْ عَمَّ الْعُرْفُ بِهَا بِالزِّيَادَةِ فِي النُّقُودِ وَلَنَا وَجْهٌ فَنَقُولُ فِي مَذْهَبِنَا أن ما يتقدم العقد الَّتِي لَوْ امْتَزَجَتْ بِالْعَقْدِ لَأَفْسَدَتْهُ فَإِذَا تَقَدَّمَتْ فيفسد العقد بها فيتأيد هَذَا الْوَجْهُ مَعَ ضَعْفِهِ بِعُمُومِ الْعُرْفِ (فَأَمَّا) ماقاله الْأُسْتَاذُ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ صَرِيحَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَعَادَةٌ وَغَيْرُ عَادَةٍ سَوَاءٌ (وَأَمَّا) مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ إنَّ قَصْرَهُ عَلَى مَا إذَا فُرِضَ شَرْطٌ مُتَقَدِّمٌ فَقِيَاسُ ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِضَعْفِهِ (وَأَمَّا) اعْتِبَارُ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَأْبَاهُ
* (فَرْعٌ)
فَإِنْ فُرِضَ الشَّرْطُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ بَطَلَ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ مَحَلَّ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا(10/157)
مَحَلُّ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَذَلِكَ مِنْ الْوَاضِحَاتِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْعَشِيُّ فِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ
* (فرع)
عرفت ان في المسألة خلافا فِيمَا إذَا كَانَ ثَمَّ عَادَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَادَةٌ فَلَا خِلَافَ
أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَمَسْأَلَةِ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وفى كلام الاصحاب اطلاق العينة عليهما وَجَمِيعُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ جَازِمَةٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ قد تنازع في ذلك قول بعض الاصحاب وما حكيناه في مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَمَسْأَلَةِ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مما باع من الجزم بالجواز هو الموجود في أكثر كتب أصحابنا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ قَدْ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إنَّ الشَّخْصَ إذَا بَاعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شِقْصًا مِنْ دَارٍ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَلِوَارِثِهِ فِيهِ شُفْعَةٌ أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ التَّبَرُّعِ عليه وكذا قول الاصحاب أن الولي إذا باع على اليتيم شقصا له شُفْعَةٌ لَا يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ وَقَالَ هُنَا إنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ قَوْلَيْنِ لَهُ فِي سَدِّ الذرائع قال وذلك يقتضى إثْبَاتُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَبِيعِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا صَارَ إلَيْهِ الْخَصْمُ (قُلْتُ) وَاَلَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ(10/158)
قَوْلُهُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفِي مَنْعِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ الَّذِي هُوَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَامٌّ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ
(أَحَدَهُمَا)
أَنَّ مَنْ كَانَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَمْ يَحِلَّ وَكَذَلِكَ ماكان ذَرِيعَةً إلَى إحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَفِي هَذَا مَا يُثْبِتُ أَنَّ الذَّرَائِعَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ تُشْبِهُ مَعَانِيَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْعُ الْمَاءِ إنَّمَا يحرم لانه في معنى تلف على مالا غِنَى بِهِ لِذَوِي الْأَرْوَاحِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَإِذَا مَنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ مَنَعُوا فَضْلَ الْكَلَأِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِلَفْظِهِ وَقَدْ تَأَمَّلْتُهُ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مُتَعَلَّقًا قَوِيًّا لِإِثْبَاتِ قَوْلِ سَدِّ الذرائع بل لان الذريعة تعطى حكم الشئ الْمُتَوَصَّلِ بِهَا إلَيْهِ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةً لَهُ كَمَنْعِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِمَنْعِ الْكَلَأِ وَمَنْعُ الْكَلَأِ حَرَامٌ وَوَسِيلَةُ الْحَرَامِ حَرَامٌ وَالذَّرِيعَةُ هي الوسيلة فهذا القسم وهو ماكان مِنْ الْوَسَائِلِ مُسْتَلْزِمًا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَيْسَ مُسْتَلْزِمًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي لِأَنَّهُ قَدْ لا يسمح له المشترى بالبيع أو ببذولهما أو بمنع مَانِعٌ آخَرُ فَكُلُّ عَقْدٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ الْآخَرِ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا فَسَدُّ الذَّرَائِعِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ أَمْرٌ زَائِدٌ(10/159)
عَلَى مُطْلَقِ الذَّرَائِعِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ تَعَرُّضٌ لَهُمَا وَالذَّرَائِعُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا كَلَامُ لَفْظِهِ لَا نِزَاعَ فِي اعْتِبَارِهَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ (وَأَمَّا) الذَّرَائِعُ فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مُعْتَبَرٌ إجْمَاعًا كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلْقَاءِ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ وَسَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى حَسَدًا (وَثَانِيهَا) مُلْغًى إجْمَاعًا كَزِرَاعَةِ الْعِنَبِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَالشَّرِكَةِ فِي سَلَمِ الْأَذِرَّةِ خَشْيَةَ الرِّبَا (وَثَالِثُهَا) مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَبُيُوعِ الْآجَالِ اعْتَبَرْنَا نَحْنُ الذَّرِيعَةَ فِيهَا وَخَالَفَنَا غَيْرُنَا فَحَاصِلُ الْقِصَّةِ أَنَّا قُلْنَا بِسَدِّ الذَّرَائِعِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِنَا انْتَهَى كَلَامُهُ
* فَالذَّرَائِعُ هِيَ الْوَسَائِلُ وَهِيَ مُضْطَرِبَةٌ اضْطِرَابًا شَدِيدًا قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَقَدْ تَكُونُ حَرَامًا وَقَدْ تَكُونُ مَكْرُوهَةً وَمَنْدُوبَةً وَمُبَاحَةً وَتَخْتَلِفُ أَيْضًا مَعَ مَقَاصِدِهَا بِحَسَبِ قُوَّةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَضَعْفِهَا وَانْغِمَارِ الْوَسِيلَةِ فِيهَا وَظُهُورِهَا فَلَا يُمْكِنُ دَعْوَى كُلِّيَّةٌ بِاعْتِبَارِهَا وَلَا بِإِلْغَائِهَا وَمَنْ تَتَبَّعَ فُرُوعَهَا الْفِقْهِيَّةَ ظَهَرَ لَهُ هَذَا وَيَكْفِي الْإِجْمَاعُ عَلَى الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الْقَرَافِيُّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّرِيعَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ غَيْرُ كَافِيَةٍ فِي الِاعْتِبَارِ إذْ لو كانت كذلك لاعتبرت مطلقا ولا بلغناه كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ فَضْلٍ خَاصٍّ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا وَإِلْغَاءَهَا فَلَا دَلِيلَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى إثْبَاتِ قَوْلٍ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَبُيُوعِ الْآجَالِ (وَأَمَّا) الْمَسْأَلَتَانِ اللَّتَانِ تَمَسَّكَ بِهِمَا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ (فَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْوَلِيِّ إذَا بَاعَ عَلَى الْيَتِيمِ شِقْصًا لَهُ فِيهِ شُفْعَةٌ وَكَوْنُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَ بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ فَقَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ(10/160)
هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَلَكِنْ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُتْرَكَ النَّظَرُ وَالِاسْتِقْصَاءُ لِلصَّبِيِّ وَتَسَامَحَ فِي الْبَيْعِ لِيَأْخُذَ بِالثَّمَنِ الْبَخْسِ فَالتُّهْمَةُ الْمَانِعَةُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سَدِّ الذَّرَائِعِ فِي شئ وَهَذَا لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا جَازَ لَهُمَا الْأَخْذُ لِوُفُورِ الشَّفَقَةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَرِيضِ إذَا بَاعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شِقْصًا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَالْخِلَافُ فِيهَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ يَأْخُذُ (وَقِيلَ) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا يَأْخُذُهُ الْوَارِثُ بِالشُّفْعَةِ لِمَا ذُكِرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ الصَّبَّاغِ (وَقِيلَ) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ أَصْلًا وَهَذَا الْوَجْهُ وَالْأَوَّلُ مِنْ جُمْلَةِ أَرْبَعَةِ
أَوْجُهٍ مَنْقُولَةٍ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَظَاهِرُ هذين الوجهين الآخرين أنه يلزم مجئ مِثْلِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَقِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَلَا الثَّانِي وَقِيَاسُ الْوَجْهِ الْآخَرِ أَلَّا يَصِحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ الْمُشْتَرِي قَهْرًا وَمُحَابَاةُ الْمَرِيضِ لِلْمُشْتَرِي تَبَرُّعٌ فَهُوَ بِالْمُحَابَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْجَدَ تَبَرُّعًا يَقْدِرُ الْوَارِثُ عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِأَخْذِهِ بِدُونِ رِضَا الْمُشْتَرِي فَأَشْبَهَ التَّبَرُّعَ الْحَاصِلَ مِنْ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ فَإِنْ أَخَذَ الْوَارِثُ قَهْرًا مِنْ الْمُشْتَرِي مِثْلَ قَبُولِهِ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْعَقْدِ الثَّانِي بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَدْ لَا يُوَافِقُهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ (وَالْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ التَّخْرِيجَ فِي الْمَذْهَبِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَقْوَالِ الْإِمَامِ أَمَّا الْوُجُوهُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّمَا يُلْزَمُ قَائِلُهَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ وَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَطْلَقُوا الْجَوَازَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُبَيِّنُوا هَلْ الْمُرَادُ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ(10/161)
بِدُونِهَا وَقَدْ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ بِالْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّ دَلَائِلَ الْكَرَاهَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَاسْتَدَلَّ لَهُ ابْنُ عَصْرُونٍ بِأَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ بِشَرْطِهِ فِي الْعَقْدِ يُكْرَهُ قَصْدُهُ وَقَالَ ابْنُ دَاوُد شارح مختصر المزني انه إن اتحد ذَلِكَ عَادَةً كُرِهَ فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةً (وَالصَّوَابُ) مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ مَتَى كَانَ مَقْصُودًا كُرِهَ سَوَاءٌ اعْتَادَهُ أَوْ لَمْ يَعْتَدْهُ نَعَمْ إنْ جَرَى ذَلِكَ بِغَيْرِ قَصْدٍ لِلْمَكْرُوهِ وَلَا عَادَةٍ كَقِصَّةِ عَامِلِ خَيْبَرَ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ (وَالْحَاصِلُ) أَنَّهَا مراتب (الاولى) أن يجرى ذلك بقصد الكروه مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا مَعَ الْكَرَاهَةِ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَجْرِيَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلْمَكْرُوهِ وَلَا يَكُونُ الشَّخْصُ مِمَّنْ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التُّهْمَةُ كَقِصَّةِ عَامِلِ خَيْبَرَ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَهُوَ التَّخَلُّصُ مِنْ الرِّبَا أَوْ أَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ أنه حرام اعتبار بِالصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ وَمَظِنَّةِ التُّهْمَةِ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ كَمَا سَنَحْكِيهِ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَجْرِيَ بِقَصْدِ الْمَكْرُوهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ التُّهْمَةِ فَيُكْرَهُ عِنْدَنَا وَمُقْتَضَى
مَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِنَاطَتِهِمْ ذَلِكَ بِالْمَظِنَّةِ أَنْ يُجَوِّزُوهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَسْأَلَةَ بُيُوعِ الْآجَالِ تصنيفا لَكِنِّي أَذْكُرُ نُبْذَةً يَسِيرَةً جِدًّا
* (فَرْعٌ)
فِي نُبْذَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ تَنْتَهِي فِي التَّفْرِيعِ إلَى أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ مَسْأَلَةً ثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ إلَى أَجَلٍ مُقَاصَّةً وَثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ(10/162)
يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ وَبِأَكْثَرَ نَقْدًا وَقَدْ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ وَزِيَادَةً عَلَيْهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَيْضًا وَبِأَقَلَّ مِنْهُ وَبِأَكْثَرَ نَقْدًا فَهَذِهِ تِسْعُ مَسَائِلَ إذَا لَمْ يَغِبْ المبتاع عن الطعام وتسع أخرى إذَا غَابَ عَلَيْهِ ثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَمِثْلُهَا فِي الشِّرَاءِ إذَا غَابَ إلَى أَجَلٍ مُقَاصَّةً وَمِثْلُهَا أَيْضًا فِي الشِّرَاءِ إلى أبعد من الاجل فمنها خمسة عشر مَسْأَلَةً لَا تَجُوزُ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ نَقْدًا الطَّعَامَ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ أَوْ بعضه أو كله وزيادة عليه وان يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَيْضًا مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ غَابَ عَلَيْهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا أَوْ مُقَاصَّةً وَأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ وَزِيَادَةً عَلَيْهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ نَقْدًا أَوْ مُقَاصَّةً وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* وَقَالَ أبو اسحق التُّونِسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْعِينَةِ وَبُيُوعِ الْآجَالِ فِي كِتَابِ ابن الموان من قول لمالك وَأَصْحَابِهِ إنَّمَا تُكْرَهُ الْعِينَةُ فِي الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ وَأَمَّا بَيْعُ النُّقُودِ فَلَا إلَّا مَنْ عُرِفَ بِالْعِينَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى إلَى أَجَلٍ وَالثَّانِيَةُ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ اُتُّهِمَ فِيهَا كُلُّ أَحَدٍ وَإِذَا كَانَتْ الْأُولَى نَقْدًا فَلَا يُتَّهَمُ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا الْعِينَةُ خاصة (أَصْبَغُ)
* وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ(10/163)
الْعِينَةِ فَالْحَمْلُ عَلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِهَا وَوَقَعَ لِابْنِ وَهْبٍ إذَا كَانَتْ الْأُولَى نَقْدًا وَالثَّانِيَةُ إلَى أَجَلٍ أَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ فِيهِمَا كَمَا يُتَّهَمَانِ إذَا كَانَتْ الْأُولَى إلَى أَجَلٍ، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَ أَعْنِي التُّونِسِيَّ وَمِمَّا يُكْرَهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْهُ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ نَقْدًا ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ الْبَائِعُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَيُتَّهَمَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونَ
دَفَعَ عَشَرَةً انْتَفَعَ بِهَا الْبَائِعُ وَرَدَّ عِوَضَهَا خمسة عشرة وَكَانَتْ سِلْعَتُهُ لَغْوًا لِرُجُوعِهَا إلَيْهِ وَمِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزَ فِي أَهْلِ الْعِينَةِ لِأَنَّهُمَا يُحْمَلَانِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ مِنْهُ من السِّلْعَةَ مَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْبَائِعُ نَقْدًا فَكَأَنَّهُ قَالَ اذْهَبْ فَبِعْ مِنْهَا بِعَشَرَةٍ تَدْفَعُهَا إلَيَّ وَالْبَاقِي بِعْتُهُ مِنْكَ بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَمِثْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ إذَا كَانَ إنَّمَا يَشْتَرِي لِيَبِيعَ لَا لِيَأْكُلَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ فَيَذْهَبَ فَيَقُولَ بِعْتُهَا بِثَمَانِيَةٍ فَحُطَّ عَنِّي مِنْ الرِّبْحِ قَدْرَ الدِّينَارَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا هَذَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ الَّذِينَ يَبِيعُونَ وَكَأَنَّهُ إنما عقد معه على أنه ماصح لَكَ فِيهَا رَبِحْتُ عَلَيْكَ فِيهِ الدِّرْهَمَ دِرْهَمًا أَوْ نِصْفًا فَصَارَ أَصْلُ الْمَبِيعِ الْأَوَّلِ لَا يُعْلَمُ مَا ثَمَنُهُ إلَّا بَعْدَ بَيْعِهِ وَهَذَا لِمَنْ يَشْتَرِي لِيَبِيعَ وَيَجُوزُ هَذَا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنْتَفِعَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِ لِي سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا وَأُرْبِحْكَ فِيهَا كَذَا إلَى أَجَلِ كَذَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَأَكْثَرُ المالكية من هذا الْمَسَائِلِ وَأَخَوَاتِهَا جِدًّا
*(10/164)
(فَرْعٌ)
اشْتَرَى عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا الْبَعْضَ وَافْتَرَقَا بَطَلَ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ وَفِي الْمَقْبُوضِ طَرِيقَانِ كَمَا لَوْ تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قبل القبض وقال الرويانى إنه لا يجئ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَلَا الثمن مجهول قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي نَظَرِهِ مِنْ السَّلَمِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَلَا يَرْتَضِيهِ الْمُحَصِّلُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ وَمَسْأَلَةُ الْعَبْدَيْنِ لا يبطل في الباقي قولا واحد ومن أصحابنا من قال خرج أبو إسحق فِيهِ قَوْلًا أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ العقد وهذا غلط على أبى اسحق لِأَنَّهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ بِخِلَافِهِ وَلَعَلَّهُ مَحْكِيٌّ عن غيره وليس بشئ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجَعْلُهَا كَمَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ يُوَافِقُهُ لَكِنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّرْفِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالْفَسَادِ هُنَا احْتِيَاطًا لِلرِّبَا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ وَكَّلَ فِي الصَّرْفِ وَعَقَدَ الْوَكِيلُ هَلْ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَقْبِضَ وَيَكْتَفِيَ بِقَبْضِهِ عَنْ قَبْضِ الْوَكِيلِ؟ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ الْإِيجَابِ
وَالْقَبُولِ وَالرُّؤْيَةِ وَقَبْضِ رأس السَّلَمِ وَالتَّقَابُضِ فِي الصَّرْفِ وَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْمُوَكِّلِ وينتقل الملك إليه وهذا يقتضى أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَلِكَ حُكِيَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ إنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَبُطْلَانِ الْعَقْدِ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَخْذِ بَدَلِ الصَّرْفِ وَقَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقَبْضَ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَتَقْرِيرَ الْمِلْكِ يَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ(10/165)
رحمه الله والاصحاب قَبْضَ الْوَكِيلِ قَائِمٌ مَقَامَ قَبْضِ الْمُوَكِّلِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ كَلَامَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْجُرْجَانِيِّ الْمَذْكُورُ قَدْ يُنَازَعُ بِإِطْلَاقِهِ فِي هَذَا وَقَدْ يُسَلَّمُ وَيُقَالُ إنَّ الْوَكِيلَ يَنُوبُ عَنْ الْمُوَكَّلِ فَإِذَا قَبَضَ فَيَدُهُ كَيَدِهِ وَالْمُوَكِّلُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْوَكِيلِ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَقُمْ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ مَقَامَ قَبْضِ الْوَكِيلِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَجْلِسِ (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْجُرْجَانِيِّ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَائِدَةٌ) فِي تَسْمِيَةِ الصَّرْفِ قَالَ ابْنُ سَيِّدَهُ فِي الْمُحْكَمِ الصَّرْفُ فَضْلُ الدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ عَلَى الدِّينَارِ والصرف بيع الذهب بالفضة والصراف والصرف والصيرفي النقاد والجميع صَيَارِفُ وَصَيَارِفَةٌ دَخَلَتْ فِيهِ الْهَاءُ لِدُخُولِهَا فِي الملائكة والقساعمة لَا لِلنَّسَبِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ الصَّرْفُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَرَأَيْتُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الصَّرْفَ اسْمٌ لِبَيْعِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ وَالْمُصَارَفَةُ اسْمٌ لِبَيْعِ النَّقْدِ بِجِنْسِهِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَارِفَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الْمُصَارَفَةِ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ كُلَّ دِينَارٍ زَادَ بِدَرَاهِمَ لِأَنَّ الصِّيغَةَ جَمَعَتْ الصَّرْفَ وَالْمُصَارَفَةَ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ حِصَّةُ الْمُصَارَفَةِ مِنْ حِصَّةِ الصَّرْفِ وَقَالَ المارودى سُمِّيَ الصَّرْفُ صَرْفًا لِصَرْفِ حُكْمِهِ عَنْ أَكْثَرِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَقِيلَ لِصَرْفِ الْمُسَامَحَةِ عَنْهُ فِي زِيَادَةٍ أَوْ تَأْخِيرٍ وَقِيلَ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُصَارَفَةَ صَاحِبِهِ (أَيْ مُضَايِقَتَهُ)
* (فَرْعٌ)
كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَأَعْطَاهُ عَشْرَةً عَدَدًا قَضَاءً لِمَا عَلَيْهِ فَوَزَنَهَا الْقَابِضُ فَوَجَدَهَا أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا قَالَ الْأَصْحَابُ والقاضي أبو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ كَانَ الدِّينَارُ الزَّائِدُ لِلْقَاضِي مُشَاعًا فِيهَا وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا وَلَمْ يَأْخُذْهُ أَمَانَةً وَلَيْسَ كَمَا إذَا سَلَّمَ دِينَارًا
نِصْفَهُ شَائِعًا حَيْثُ يَكُونُ النِّصْفُ الْآخَرُ أَمَانَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ النِّصْفَ الزَّائِدَ بَدَلًا عَمَّا عَلَيْهِ وَهُنَا قَبَضَهُ بَدَلًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ وَفِي الصُّورَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ شَاءَ الْقَاضِي اسْتَرْجَعَ مِنْهُ دِينَارًا وان شاء(10/166)
وَهَبَهُ لَهُ أَوْ اشْتَرَى بِهِ مِنْهُ عَرْضًا أَوْ أَخَذَ بِهِ دَرَاهِمَ يُشْتَرَطُ قَبْضُ الدَّرَاهِمِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ ثَمَنًا لِمَوْصُوفٍ فِي ذِمَّتِهِ سَلَمًا هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَفِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الدِّينَارُ بَاقِيًا فَلَوْ تَلِفَ صَارَ دَيْنًا لَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ رَأْسَ مَالٍ فِي السَّلَمِ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَا ذَكَرُوهُ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَبْضِ فِي مِقْدَارِ الْعَيْنِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ (أَنَّ قَبْضَ الْمَوْزُونِ أو المكيل جزافا فاسدا) حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ الدَّافِعُ إنَّنِي وَزَنْتهَا وَإِنَّهَا كَذَا فَقَبَضَهَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَكُونُ فَاسِدًا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَيَجِبُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ وَمَحَلُّ تَحْرِيرِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَوْصُوفَةٍ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا وَاحِدًا وَزْنُهُ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ لَمْ يَلْزَمْهُ فَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ أَهْوَازِيَّةٍ فَجَاءَهُ بِثَلَاثَةٍ وَتِسْعِينَ دِينَارًا وَزْنُهُ مِائَةٌ لَزِمَهُ أَنْ يَقْبِضَ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ مِائَةً وَزْنُهَا وَعَدَدُهَا سَوَاءٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ ذَلِكَ قَالَهُمَا الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الدِّينَارَ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ دِينَارِكَ فَكَانَ دِينَارُهُ زَائِدًا سُدُسًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَهَبَهُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ أَوْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بعد بشئ آخر ويقطع الزيادة منه أَوْ يُشْرِكَهُ فِيهِ أَوْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ برضاه والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
آخَرُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ قَالَ بِنِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ بِوَزْنِ الْمَدِينَةِ بِغَيْرِ الْبَلَدِ فَلَوْ قَالَ بِنِصْفِ هَذَا الدِّينَارِ لَزِمَهُ نصفه سواء كان وزنه دينار أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلَوْ قَالَ بِنِصْفِ دِينَارٍ مِنْ هَذَا الدِّينَارِ فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ دِينَارٍ أَوْ إنْ كَانَ وَزْنُهُ نِصْفَ دِينَارٍ دَفَعَ الْكُلَّ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَغْلِيبِ الْإِشَارَةِ أَوْ الْعِبَارَةِ
*(10/167)
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ إنْ كَانَ وَهَبَ مِنْهُ دِينَارًا أَوْ أثابه الآخر دينارا
أو زن أو نقص فَلَا بَأْسَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا كَانَ لَهُ عِنْدَ صَيْرَفِيٍّ دِينَارٌ فَأَخَذَ مِنْهُ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَالدِّينَارُ لَهُ وَالدَّرَاهِمُ عَلَيْهِ فَإِنْ بَلَغَتْ فَطَرِيقُهُمَا أَنْ يَتَبَارَيَا
* (فَرْعٌ)
لَهُ عِنْدَ صَيْرَفِيٍّ دِينَارٌ قَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ وَصَارَ لِلصَّيْرَفِيِّ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ
* (فَرْعٌ)
التَّوْلِيَةُ بِبَيْعٍ جَائِزَةٌ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ كَغَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ لرجل اشترى عِشْرِينَ دِرْهَمًا لِنَفْسِكَ بِدِينَارٍ ثُمَّ وَلِّنِي نِصْفَهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إذَا وَلَّاهُ كَانَ بَيْعَ غَائِبٍ
* (فَرْعٌ)
بَاعَ ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ صَرَفَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ قَفِيزًا مِنْ طَعَامٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ لَمْ يَجِبْ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ السِّعْرَ يَخْتَلِفُ
* (فَرْعٌ)
اشْتَرَى ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا لَمْ يَصِحَّ فَلَوْ قَالَ بِمِائَةِ درهم إلا درهما صح هكذا أطلق (1) إذا قال بعتك بدينار الا درهم وَكَانَ يَعْلَمُ قِيمَةَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ إمَّا عُشْرُهُ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ مَعْلُومٍ مِنْ مَعْلُومٍ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ
* (فَرْعٌ)
اشْتَرَى ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ شِقُّ دِينَارٍ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ ثَوْبًا آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ آخَرُ مَكْسُورَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ دِينَارٌ صَحِيحٌ فَإِنْ أَعْطَاهُ صَحِيحًا فَقَدْ أَحْسَنَ فَإِنْ شَرَطَ فِي الثَّانِي (2) إنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَالثَّانِي بَاطِلٌ فَقَطْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ خِيَارُ الْعَقْدِ بَاقِيًا فَسَدَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَمِيعًا هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْقَوْلَ بِفَسَادِ الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا قَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ أَوْ الصَّحِيحَ إذَا(10/168)
وُجِدَ فِي الْمَجْلِسِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ قَالَ وَقَالَ الْقَفَّالُ يَصِحُّ الْعَقْدَانِ وَيُجْعَلُ كَمَا لَوْ قَالَ فِي الِابْتِدَاءِ بِعْتُ مِنْكَ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ بدينار صحيح وفى المسأله شئ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ مَعَ ذَلِكَ أَطْلَقَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِنِصْفِ دِينَارٍ لَا يَجُوزُ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ وَلِعِزَّتِهِ قَالَ وَلَوْ قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذَا
بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ يَجُوزُ لِكَثْرَةِ وُجُودِهِ ثُمَّ يُعْطِيهِ قِطْعَةً وَزْنُهَا نِصْفُ دِينَارٍ أَوْ يُشْرِكُهُ فِي دِينَارٍ صَحِيحٍ إنْ رَضِيَ بِهِ وَسَاقَ بقية الكلام فأثر هَذَا الْكَلَامُ إشْكَالًا فَإِنَّ النِّصْفَ إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى نِصْفٍ شَائِعٍ مِنْ دِينَارٍ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مُتَمَيِّزٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ تَسْلِيمُ النِّصْفِ شَائِعًا وَلَا يَكْسِرُهُ فَإِنَّهُ يُنْتَقَصُ قِيمَتُهُ بِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَسْرَ الْمُشَاعِ وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا فَسَادُ الْعَقْدِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَزِيزِ الْوُجُودِ وَقَدْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ نِصْفٍ مِنْ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَيْضًا أن يأخذ مشاعا إلا برضاء كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى جُزْءٍ مُتَمَيِّزٍ فَيُتَّجَهُ فَسَادُ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ إمَّا عَزِيزُ الْوُجُودِ وَإِمَّا أَنْ يَحْصُلَ بِهِ تَنْقِيصُ عَيْنِ الْمَبِيعِ إذَا أَلْزَمْنَاهُ بِقَطْعِ دِينَارٍ وَهَذَا إذَا أَطْلَقَ النِّصْفَ وَإِنْ قَيَّدَ فَإِنْ قَالَ نِصْفًا مِنْ دِينَارٍ صَحِيحٍ اقْتَضَى الْإِشَاعَةَ وَلَا يَأْتِي مَا قَالُوهُ فِي تَسْلِيمِ شِقِّ دِينَارٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الشَّرْطِ وَإِنْ قَالَ نِصْفًا صَحِيحًا اقْتَضَى الْفَسَادَ لِعِزَّةِ وُجُودِهِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ قَالَ نِصْفًا مَكْسُورًا مِنْ دِينَارٍ اقْتَضَى الْفَسَادَ أَيْضًا إذْ لَا يُوجَدُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ إلَّا عَزِيزًا وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ مُكَسَّرًا اقْتَضَى تَنْقِيصَ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأُمِّ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ إذَا بَاعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَكَذَا قَالَ إذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ أن له عليه دينارا فان قيده بأن لا يكون نصف
* (1) (فرع)
وهو من تتمة ماقاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَعْلَاهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مُدَوَّرًا يَصِحُّ وَلَوْ سَلَّمَ مُدَوَّرًا وَشِقًّا مِنْ دِينَارٍ يَجُوزُ وَإِنْ سَلَّمَ ثَقِيلًا وَأَشْرَكَهُ فِيهِ يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ مُدَوَّرًا وَهُوَ عَامُّ الوجود يجوز وَإِنْ كَانَ نَادِرَ الْوُجُودِ لَا يَجُوزُ هَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ كَلَامٌ(10/169)
بَيِّنٌ فَلْيُنَزَّلْ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
اشْتَرَى ثَوْبًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَجَاءَ بِعِشْرِينَ صِحَاحًا وَزْنُهَا عِشْرُونَ وَنِصْفٌ وَقَبَضَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فِضَّةً جَازَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ بَيْعِ الثَّوْبِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ ابْتَاعَ ثَوْبًا بِدِينَارٍ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ دِينَارٌ صَحِيحٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أن يأخذ دينارا بنصفين قاله المارودى وَلَوْ بَاعَ الثَّوْبَ الْأَوَّلَ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالثَّانِي بنصف دينار على أن له عليه دينار كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَائِزَيْنِ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُقْتَرِنَ بِالثَّانِي لَا يُنَافِيهِ مَعَ مُوَافَقَتِهِ
عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَلَعَلَّ مَأْخَذَهُ أَنَّ الدِّينَارَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِفْهُ بِالصِّحَّةِ فَلَا يُنَافِي نِصْفَيْ دِينَارٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَوَّلًا بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَجْلِ الْإِطْلَاقِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ذَكَرَ هَذِهِ الْفُرُوعَ فِي هَذَا الْمَكَانِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ وغيره ورضى الله عنه
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان كان مما يحرم فيهما الربا بعلتين كبيع الحنطة بالذهب والشعير بالفضة حَلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لا جماع الامة على جواز اسلام الذهب والفضة في المكيلات والمطعومات
*) (الشَّرْحُ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحَرَّمُ فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ عَلَى الثَّمَنِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ الرِّبَا فِيهِ وَحْدَهُ بِعِلَّتَيْنِ وَيَعُودُ ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ عَلَيْهِ وَلَا إلَى الْمَبِيعِ وَحْدَهُ كَذَلِكَ وَلَا إلَيْهِمَا لِامْتِنَاعِ عَوْدِ الضَّمِيرِ الْمُفْرَدِ إلَى اثْنَيْنِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى جِنْسِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ مَا يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الْفَصْلَ وَهُوَ قَوْلُهُ فِيهِمَا أَعَادَ الضمير على مثنى على معنى مالان الْمُرَادَ بِهِ التَّثْنِيَةُ وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُعِيدَهُ(10/170)
عَلَى لَفْظِهَا فَيَقُولُ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ حُرْمَةُ الرِّبَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْإِفْرَادِ وَأَمَّا الْمَجْمُوعُ حَالَةَ الْمُقَابَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا أَصْلًا لَا بِعِلَّةٍ وَلَا بِعِلَّتَيْنِ وَذَلِكَ وَاضِحٌ فَلَمْ تَجْتَمِعْ الْعِلَّتَانِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بَلْ الطَّعْمُ عِلَّةٌ لِحُرْمَةِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ فَقَطْ وَالثَّمَنِيَّةُ عِلَّةُ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي النَّقْدِ فَالْعِلَّتَانِ مُوجِبَتَانِ لِنَوْعِ حُرْمَةِ الرِّبَا الْمُقَيَّدِ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَخَصُّ مِنْ عِبَارَتِهِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُحَرَّمْ فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِمَا إذَا بَاعَ الرِّبَوِيَّ بِغَيْرِ رِبَوِيٍّ وَإِنْ كان التمثيل بعيد وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُهَذَّبِ خَاصَّةٌ بِمَا إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ وَأَمَّا غَيْرُ الرِّبَوِيِّ فَإِنَّهُ أَفْرَدَ لَهُ الْفَصْلَ الَّذِي قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُدْرِجَهُ فِي كَلَامِهِ وَلَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ إدْرَاجَهُ فِي الْكَلَامِ لَجَاءَتْ الاقسام خمسة لانه إما أن لا يَكُونَ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا رِبَوِيًّا دُونَ الآخر وهذان القسمان لا يحرم فيهما شئ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا ربويين فاما أن لا يَكُونَ الْعِوَضَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ(10/171)
فَيَحْرُمُ فِيهِمَا جَمِيعُ أَنْوَاعِ الرِّبَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِكَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا أَوْ يَخْتَلِفَا فَإِنْ اشْتَرَكَا حُرِّمَ النساء والتفرق وان اختلفا لم يحرم شئ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا رِبَوِيًّا
* إذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَإِذَا بَاعَ الرِّبَوِيَّ بِرِبَوِيٍّ آخَرَ يُخَالِفُهُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا حَلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِلْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِمْلَاءِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَلَفْظُهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَصْرَحُ قَالَ فيه (لان المسلمين أجمعوا على أن لذهب وَالْوَرِقَ يُسَلَّمَانِ فِيمَا سِوَاهُمَا) وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْآجَالِ فِي الصَّرْفِ (وَلَا أَعْلَمُ المسلمين اختلفوا في أن الدنانير والدارهم يسلمان في كل شئ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُسَلَّمُ فِي الْآخَرِ) وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا فِي أَنَّ الدِّينَارَ والدرهم يسلمان في كل شئ ولا يسلم أحدهما في الآخر) اه والاستدلال بجواز(10/172)
السَّلَمِ عَلَى جَوَازِ النَّسَاءِ إذَا مَنَعْنَا التَّسَلُّمَ الْحَالَّ وَاضِحٌ وَأَمَّا إذَا جَوَّزْنَاهُ فَطَرِيقُ تَقْرِيرِهِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ فَكُلُّ سَلَمٍ هُوَ بَيْعُ نَسِيئَةٍ وَأَمَّا إنَّ كُلَّ بَيْعِ نَسِيئَةٍ سَلَمٌ فَإِنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ هَلْ يَكُونُ سَلَمًا أَوْ بَيْعًا وَفِيهِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) يَكُونُ سَلَمًا فَصَارَ السَّلَمُ وَالْبَيْعُ نَسِيئَةً شَيْئًا وَاحِدًا فَيُقَالُ عَلَى هَذَا فِي هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ يَجُوزُ نَقْدًا وَنَسِيئًا وَلَا يُذْكَرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا لاسلما فَإِنَّا نَقُولُ يَجُوزُ نَقْدًا وَنَسِيئًا وَيَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ أَوْ قريبا منه الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَقَالَ أَيْضًا وَمَعْنَى قَوْلِنَا نَقْدًا وَنَسِيئًا أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ إلَى أَجَلِ كَذَا وَلَا يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا وَيَشْتَرِطُ تَسْلِيمَهُ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ (قُلْتُ) وَلَا يَنْحَصِرُ الْفَسَادُ فِيمَا قَالَهُ بَلْ تَارَةً يَكُونُ النَّسَاءُ فِي الْمَبِيعِ وَصُورَتُهُ مَا ذَكَرَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ إرْدَبَّ قَمْحٍ فِي ذِمَّتِي إلَى شَهْرٍ بِهَذَا الدِّينَارِ وَتَارَةً يَكُونُ فِي الثَّمَنِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْإِرْدَبَّ الْقَمْحَ بِدِينَارٍ فِي ذِمَّتِكَ إلَى شَهْرٍ وَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ إذَا(10/173)
جَعَلْنَاهُ سَلَمًا وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَحْضٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ
يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ تَكُونَ الْحِنْطَةُ مَبِيعَةً فِي الذِّمَّةِ نَسَاءً بِالذَّهَبِ فَيَكُونُ سَلَمًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ بَيْعًا فِي مَعْنَى السَّلَمِ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاعِ فِي عَيْنِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِذَهَبٍ فِي الذِّمَّةِ نَسَاءً وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ نَسَاءً فَيَكُونُ حُكْمُهُ مَأْخُوذًا مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى السَّلَمِ الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ فَالْإِجْمَاعُ الْمَذْكُورُ دَلِيلُ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ الْإِلْحَاقُ جَلِيًّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ ثُمَّ إذَا جَازَ الْبَيْعُ نَسِيئَةً تَبِعَهُ جَوَازُ التَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ لِأَنَّ كُلَّ عِوَضَيْنِ حَرُمَ التَّفَرُّقُ فِيهِمَا قَبْلَ التَّقَابُضِ حَرُمَ النَّسَاءُ فيهما ومالا فَلَا وَلَا يُنْتَقَضُ بِبَيْعِ الْجَوْهَرَةِ بِالْجَوْهَرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا كَانَتَا حَاضِرَتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ إلَى النَّسَاءِ بَلْ لِكَوْنِهِ لا يضبط بالصفة فيكون المسلم فيه مَجْهُولًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي جَوَازَ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالذَّهَبِ وَالشَّعِيرِ بِالْفِضَّةِ نَسَاءً وَلَا أَشْعَرَ بِهِ إلَّا أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمِ الظَّاهِرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى مَرَاتِبَ الْإِجْمَاعِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِابْتِيَاعَ بِدِينَارَيْنِ أَوْ دَرَاهِمَ حَالَّةٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرِ مقبوضة أو بها إلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ بِالْأَيَّامِ أَوْ الْأَهِلَّةِ وَالسَّاعَاتِ وَالْأَعْوَامِ الْقَمَرِيَّةِ مَا لَمْ يَتَطَاوَلْ الْأَجَلُ جِدًّا جَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ شَيْئًا مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي جَوَازِ بيع ذلك بالدراهم والدنانير إلَى أَجَلٍ مَوْصُوفٍ وَأَمَّا حَالًّا فَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَضَمَّنَ كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ إثْبَاتَ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ(10/174)
شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) لَفْظُ مُسْلِمٍ واختلاف الاصناف ويشتمل اخْتِلَافَهُمَا عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ عِلَّةُ الرِّبَا فِيهِمَا وَاحِدَةً أَوْ مُتَعَدِّدَةً وَقَدْ شُرِطَ فِي ذَلِكَ التَّقَابُضُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَيَحْتَمِلُ كلام الحزمى وُجُوبَ التَّقَابُضِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ لِقَوْلِهِ يَدًا بيد وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَكِيلَاتِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَامًّا فِي جَمِيعِ مَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ كَانَ غَرَضُهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا يُخَالِفُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فِي الْعِلَّةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الحنفية فعندنا المطعومات وعندهم المكيلات
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وكل شيئين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة كالتمر البرنى والتمر المعقلى فهما جنس واحد وكل شيئين اختلفا في الاسم من أصل الخلقة كالحنطة والشعير والتمر والزبيب فهما جنسان والدليل عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ ستة أشياء وحرم فيها التفاضل إذا باع كل شئ منها بما وافقه في الاسم وأباح فيه التفاضل إذا باعه بما خالفه في الاسم فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الاسم فهما جنس وإذا اختلفا في الاسم فهما جنسان)
* (الشَّرْحُ) لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ حُكْمَ الرِّبَوِيِّ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ إذَا بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ فَإِنَّ كُلَّ رِبَوِيَّيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي أُمُورٍ وَيَخْتَلِفَانِ فِي أُمُورٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الضَّابِطَ وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَحَرَّرَهُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ كَاللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ وَالْأَدِقَّةِ وَاعْتِرَاضَاتٌ وَأَجْوِبَةٌ عَلَيْهَا سَتَنْكَشِفُ لَكَ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ في بَابِ جِمَاعِ تَفْرِيعِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مَا مُلَخَّصُهُ، إنَّكَ تَنْظُرُ إلَى الِاسْمِ الْأَعَمِّ الْجَامِعِ كَالنَّبَاتِ مَثَلًا ثُمَّ تَقْسِمُهُ إلَى الْحَبِّ اسما غيره بِمَعْنَى الِاسْمِ الَّذِي يُمَيِّزُهُ بِهِ عَمَّا يُشَارِكُهُ مِنْ الْحَبِّ وَالنَّبَاتِ وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ(10/175)
يَشْمَلُهُمَا أَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْقَسِمُ ذَلِكَ إلَى تِبْرٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يَنْقَسِمُ التِّبْرُ إلَى ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِمَا فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ أَخَصُّ الْأَسْمَاءِ الصَّادِقَةِ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ يَنْقَسِمُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا إلَى الصِّفَاتِ فَيُقَالُ تَمْرٌ بَرْنِيُّ وَتَمْرٌ مَعْقِلِيٌّ وَذَهَبٌ مِصْرِيٌّ وَذَهَبٌ مَغْرِبِيٌّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ ذلك شئ يَخُصُّهُ بَلْ إذَا أُرِيدَ مَعْرِفَتُهُ ذَكَرَ الِاسْمَ الْخَاصَّ وَهُوَ التَّمْرُ وَالذَّهَبُ ثُمَّ قِيلَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالتَّمْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى التِّبْرِ وَالْحَبِّ لَا يُذْكَرُ الِاسْمُ الْأَعَمُّ مِنْهُمَا بَلْ اسْمُهُمَا بِخُصُوصِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحِنْطَةُ جِنْسٌ وَإِنْ تَفَاضَلَتْ وَتَبَايَنَتْ فِي الْأَسْمَاءِ كَمَا يَتَبَايَنُ الذَّهَبُ وَيَتَفَاضَلُ فِي الْأَسْمَاءِ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِحِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ يُسَاوِي مُدُّهَا دِينَارًا بحنطة رديئة لا يسوى مُدُّهَا سُدُسَ دِينَارٍ وَلَا حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ بِحِنْطَةٍ قَدِيمَةٍ وَلَا حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ صَافِيَةٍ بِحِنْطَةٍ سَوْدَاءَ قبيحة مثلا بمثل فقول
الصنف فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْمِ المشترك كالفاكهة فانه اسم يعم وكذلك التمر فَإِذَا قَالَ تَمْرٌ فَقَدْ خَصَّصَ (قُلْتُ) فَلِمَ قَالَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ وَالْأَسْمَاءُ تُوضَعُ وَلَا يُقَالُ تُخْلَقُ قَالَ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الدَّقِيقِ فَإِنَّهُ اسْمٌ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ وَلَكِنَّ الِاسْمَ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ هُوَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ فَإِنَّ الدَّقِيقَ لَمْ يُخْلَقْ عَلَى هَيْئَتِهِ وَإِنَّمَا يُخْلَقُ حَبًّا ثُمَّ يُطْحَنُ فَيَصِيرُ دَقِيقًا انْتَهَى وَكَذَلِكَ اللُّحُومُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قِيلَ وَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ هَذَا الْقَيْدِ كَمَا أَسْقَطَهُ فِي التَّتِمَّةِ فَإِنَّ الِاسْمَ الْخَاصَّ فِيهَا لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ دَقِيقُ بُرٍّ وَدُهْنُ سِمْسِمٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ (قُلْتُ) وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْجِنْسَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ وَلَمْ يَقُلْ الْخَاصَّ كَمَا قَالَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الِاسْمِ صَادِقٌ بِطَرِيقَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
بِالِاخْتِلَافِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْعَامِّ كَمَا مَثَّلَ
(وَالثَّانِي)
الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْعَامِّ أَيْضًا وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي التَّجَانُسِ فَالِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْعَامِّ بِذَلِكَ أَوْلَى وان كان لابد بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ مِنْ اسْمٍ عَامٍّ لَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَعِيدًا وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ(10/176)
لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ التَّفَاضُلَ عِنْدَ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ التَّمْرِ بِالْبُرِّ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ الْعَامِّ وَهُوَ الْحَبُّ وَالتِّبْرُ وَحَرَّمَ التَّفَاضُلَ عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِمِثْلِهَا كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي الِاسْمِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ كَالْقَاسَانِيِّ وَالسَّابُورِيِّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَيْثُ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ حُرِّمَ التَّفَاضُلُ وَحَيْثُ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ جَازَ التَّفَاضُلُ وَذَلِكَ هُوَ مرادنا هنا باتفاق الجنس واختلافه وكذلك الصنف الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْجِنْسُ فَحَيْثُ اتَّفَقَ الِاسْمُ صَدَقَ أَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَصِنْفٌ وَاحِدٌ وَحَيْثُ اخْتَلَفَ يُقَالُ جِنْسَانِ وَصِنْفَانِ فَلِذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ فِي مُسْلِمٍ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَكَذَلِكَ اللَّوْنُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَشْيَاءِ (فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلا ماختلفت أَلْوَانُهُ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَلْوَانِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الْحِنْطَةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَلْوَانَ التمر لا يجوز التفاضل بينهما من التمر والحنطة وما أشبههما تَقَرَّرَ أَنَّ أَلْوَانَ التَّمْرِ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَامِلِ خَيْبَرَ الْمُتَقَدِّمُ في الجمع والخصيب(10/177)
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْأَلْوَانِ الْأَصْنَافُ فَحِينَئِذٍ الْجِنْسُ وَالصِّنْفُ وَاللَّوْنُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بالجنس ههنا مَا يَتَعَارَفُهُ الْأُصُولِيُّونَ فَإِنَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ آخَرُ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ إنَّ قَوْلَنَا جِنْسٌ تَارَةً يَرْجِعُ إلَى اتِّفَاقٍ فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ كَالْإِبِلِ والبقر والغنم في اشتراكهما فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالْإِجْزَاءِ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَإِنَّهَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ذَكَرَ فِي تَأْيِيدِ قَوْلِهِمْ فِي اللُّحُومِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ التسمية أولى لان الدليل المتقدم دل عليه وما سواه لم يقم دليل عَلَى اعْتِبَارِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مُقْتَضَى هَذَا الضَّابِطِ أَنْ يَكُونَ الطَّلْعُ وَالرُّطَبُ وَالتَّمْرُ أَجْنَاسًا لاختلافهما فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الطَّلْعِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ وَالْحِنْطَةُ مُخْتَلِفَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ (فَالْجَوَابُ) أَمَّا الطَّلْعُ فَإِنَّهُ اسْمٌ يَدْخُلُ تَحْتَهُ طَلْعُ النَّخْلَةِ كُلُّهُ ثُمَّ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ إلَى حَالَةٍ تُسَمَّى بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ تَمْرًا فَهُوَ حِينَ كَانَ طَلْعًا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا بِلَا إشْكَالٍ للاتفاق في الاسم والحقيقة فحين انتقل شئ من الطلع إلى حالة يسمى فيهما تَمْرًا أَوْ رُطَبًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنه(10/178)
جِنْسٌ غَيْرُ الطَّلْعِ لِأَنَّهُ هُوَ مَعَ تَبَدُّلِ صِفَتِهِ وَحَصَلَ لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ تَبَعًا لِتِلْكَ الصِّفَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْجِنْسِ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِالْيُبْسِ وَالرُّطُوبَةِ وَالتَّلَوُّنِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ حَقِيقَتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِرْ اخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ أَخَصَّ مِنْ الطَّلْعِ فِي جَعْلِهَا أَجْنَاسًا لِأَنَّ الطَّلْعَ الَّذِي فَرَضْنَا الكلام طَلْعُ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا تَبَدَّلَتْ حَالَاتُهُ فَالطَّلْعُ اسْمٌ خاص بتلك الذات ولا فرادها أَسْمَاءٌ بِاعْتِبَارِ الصِّفَاتِ وَهَذَا أَوْلَى بِالِاتِّحَادِ مِنْ الْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ وَاخْتِلَافُ النَّوْعِ أَشَدُّ مِنْ اخْتِلَافِ الْوَصْفِ فَإِنَّ النَّوْعَيْنِ اخْتِلَافُهُمَا فِي النَّوْعِيَّةِ ثَابِتٌ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ بِخِلَافِ التَّمْرِ مَعَ الرُّطَبِ وَالطَّلْعِ وَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ هُوَ الْحِنْطَةُ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ تَبَدَّلَتْ صِفَتُهُ وَاخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ إنَّمَا جُعِلَ مَنَاطَ اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الذَّوَاتِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ أَمَّا مَعَ اتِّحَادِهَا فَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِهِ التَّابِعِ لِلصِّفَاتِ وَلَكَ أَنْ تَأْخُذَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنَّهُ مَعَ اخْتِلَافِهَا لَا أَثَرَ لِلِاتِّحَادِ الطَّارِئِ كَاللُّحْمَانِ وَالْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ وَالْخُلُولِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي السَّلَمِ هل اختلاف(10/179)
النوع كاختلاف الجنس والاصح أنه مثله وههنا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ لَيْسَ كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نَوْعٍ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَايَتَيْنِ (قُلْتُ) الْقَوْلُ فِي السَّلَمِ أَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا تَبْرَأَ ذِمَّةٌ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ الا أن يكون بينهما من الاختلاف مالا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِهِ وَأَمَّا الرِّبَوِيَّاتُ فَالْمُعْتَبَرُ مُسَمَّى الْجِنْسِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي النَّوْعَيْنِ وَنَحْنُ وَإِنْ قُلْنَا فِي السَّلَمِ لَا يَأْخُذُ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ عَنْ الْآخَرِ لَا نَجْعَلُهُمَا جِنْسَيْنِ بَلْ مَعَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ نَمْنَعُ مِنْ الْأَخْذِ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَأَنْوَاعُ التَّمْرِ كُلُّهَا كَالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ الْحِنْطَةِ كَالصَّعِيدِيِّ وَالْبُحَيْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ الذَّهَبِ كَالْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَغَيْرِهِمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ الزَّبِيبِ كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ وَسَائِرِ أَصْنَافِهِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ حَدِيثُ بِلَالٍ الْمُتَقَدِّمُ وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ) (فَائِدَةٌ) الْبَرْنِيُّ ضَرْبٌ مِنْ التَّمْرِ أَصْفَرُ مُدَوَّرٌ عَنْ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ أَجْوَدُ التَّمْرِ وَقَالَ الشَّيْخُ فِي السَّلَمِ إنَّ الْمَعْقِلِيَّ أَفْضَلُ مِنْهُ وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ فِي الْبَرْنِيِّ إنَّهُ مُدَوَّرٌ أَصْفَرُ كَذَلِكَ لَقَدْ رَأَيْنَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَدْوِيرٌ وَالْمَعْقِلِيُّ بِالْعِرَاقِ مَنْسُوبٌ إلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ نَهْرُ مَعْقِلٍ بِالْبَصْرَةِ وَلَكِنْ لَا يُسْتَكْمَلُ الْغَرَضُ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الضَّابِطِ وَتَحْرِيرِهِ إلَّا بِذِكْرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الِاشْتِبَاهُ فِي ذَلِكَ فَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ الْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا الْأَصْلِ والله المستعان
*(10/180)
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الِاسْمِ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مَقْصُودُهُ بِالِاسْمِ الِاسْمُ الْخَاصُّ الَّذِي مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَسَكَتَ عَنْ تَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ الِاسْمُ الْمَعْهُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَإِنَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ يُورَدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ التَّمْرُ وَالرُّطَبُ فَإِنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الِاسْمِ وَلَا يَرِدُ التَّمْرُ فَإِنَّ اسْمَ التَّمْرِ طَارِئٌ عَلَيْهِ بَعْدَ كَوْنِهِ رُطَبًا وَكَذَلِكَ لَا يَرِدُ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فَإِنَّهُمَا يُذْكَرَانِ صِفَةً لَا اسْمًا فَيُقَالُ شاة ضانية وشاة ماعزة
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(وما اتخذ من أموال الربا كالدقيق والخبز والعصير والدهن تعتبر بأصولها فان كانت الاصول أجناسا فهى أجناس وان كانت الاصول جنسا واحد فهى جنس واحد)
* (الشَّرْحُ) لِمَا أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ فِي الِاسْمِ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَقَدْ لَا يَكُونُ احْتَاجَ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
مَا يَكُونُ مُتَّحِدًا فِي أَمْوَالِ الرِّبَا كَالدَّقِيقِ وَالدُّهْنِ
(وَالثَّانِي)
مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَاللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ وَسَيَأْتِي (أَمَّا) الْقِسْمُ الْأَوَّلُ كَالْأَدِقَّةِ وَالْأَخْبَازِ وَالْأَدْهَانِ وَالْعَصِيرِ وَالْخُلُولِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِأُصُولِهَا فَإِنْ كَانَتْ أُصُولُهَا أَجْنَاسًا فَهِيَ أَجْنَاسٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مختلفة في أنفسها وإشراكها في اسم علم وَهُوَ الدَّقِيقُ أَوْ الدُّهْنُ مَثَلًا لَا يُوجِبُ اتِّحَادَهَا كَمَا يَشْتَرِكُ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ فِي الْحَبِّ وَلَيْسَا مُتَّحِدَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَغَايَتُهُ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ لِكُلٍّ مِنْ الْأَدِقَّةِ اسْمًا يَخُصُّهُ بَلْ اكْتَفَتْ فِيهِ بِالِاسْمِ الْعَامِّ الْمُتَمَيِّزِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِاتِّحَادَ فِي الْجِنْسِ وَكَوْنُهَا مُخْتَلِفَةَ الْحَقَائِقِ نَاشِئٌ مِنْ أَجْنَاسٍ تُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فَاعْتُبِرَتْ بِأُصُولِهَا(10/181)
كَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْأَدْهَانِ وَقَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ يَجْمَعُهَا اسْمُ الدُّهْنِ قِيلَ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُ الْحِنْطَةَ وَالْأَذِرَّةَ وَالْأُرْزَ اسْمُ الْحَبِّ وَلَيْسَ لِلْأَدْهَانِ اسْمٌ مَوْضُوعٌ عِنْدَ الْعَرَبِ إنَّمَا سُمِّيَتْ مَعَانٍ لِأَنَّهَا تُنْسَبُ إلَى مَا يَكُونُ يُشِيرُ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ إلَى مَا قُلْتُهُ وَمِنْ هَذَا الْكَلَامِ اسْتَفَدْتُهُ وَهُوَ أَسْهَلُ فِي التَّقْرِيرِ مِنْ أَنْ يُسَلِّمَ اتِّفَاقًا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ ثُمَّ يَدَّعِيَ اخْتِلَافَهُمَا لا خلاف أُصُولِهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَقَدْ وَضَعُوا لِبَعْضِ الْأَدْهَانِ اسْمًا بِخُصُوصِهِ كَالشَّيْرَجِ وَالزَّيْتِ فَصَارَ اخْتِلَافُهُمَا لِأَمْرَيْنِ اخْتِلَافِ اسْمِهِمَا الْخَاصِّ وَاخْتِلَافِ أَصْلِهِمَا وَبِهَذَا يَزُولُ اعْتِرَاضُ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ الِاسْمَ فَالْأَدِقَّةُ وَالْأَدْهَانُ وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ كُلٌّ مِنْهَا مُتَّحِدَةُ الِاسْمِ فهذه كانت جنسا واحد وَسَنَذْكُرُ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ وَالْخُلُولِ خِلَافًا ضَعِيفًا وَكَذَلِكَ فِي الْعَصِيرِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا يقتضيه هذا الاصل الممهد والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فعلى هذا دقيق الحنطة ودقيق الشعير جنسان وخبز الحنطة وخبز الشعير جنسان ودهن
الجوز ودهن اللوز جنسان)
*(10/182)
(الشرح) هذا التفريع على ذلك الاصل لاخفاء فِيهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَادَّعَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ مَسْأَلَتَيْ الدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ لَا خِلَافَ فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَدِقَّةَ أَجْنَاسٌ وَالْأَخْبَازُ أَجْنَاسٌ وَكَذَلِكَ ادَّعَى الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ فِي الادقة قال الْمَحَامِلِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ فِي حَرْمَلَةَ كَلَامًا يُؤَدِّي إلى أنها جنس واحد وليس بشئ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي الْأَدِقَّةِ حِكَايَةُ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُصَرَّحًا بِهِ فَلَا يُجْزَمُ بِإِثْبَاتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ وَتَأَمَّلَ مَعْنَاهُ وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي التَّوَقُّفُ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ قَوْلًا وَكَيْفَمَا قُدِّرَ فَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ خِلَافُهُ فَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي أَنَّهَا أَجْنَاسٌ فَيُبَاعُ دَقِيقُ الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رُطَبًا أَوْ يَابِسًا بِيَابِسٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ وُجُودُ التَّفَاضُلِ وَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ ثَبَتَ الْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي بَيْعِ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِهَا وَخُبْزِهَا بِخُبْزِهَا وسيأتى(10/183)
حكمهما فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الطَّرِيقَةَ الْجَازِمَةَ بِأَنَّ الْأَدِقَّةَ أَجْنَاسٌ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمُرْضِيَةُ وَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ غَرَضُ الَّذِي خَرَّجَهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اللُّحْمَانِ إلَّا بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَدِقَّةِ فَنَقُولُ الدَّقِيقُ عَيْنُ أَجْزَاءِ الْحَبِّ وَلَكِنَّهَا مَجْمُوعَةٌ فَتَفَرَّقَتْ وَالدُّهْنُ الْمُعْتَصَرُ وَإِنْ كَانَ فِي أصله ولكنه في ظن الناس كالشئ الْمُحَصَّلِ جَدِيدًا وَقَدْ تَجِدُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بالخبز والمراد به ما إذا كانا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْأَدْهَانُ فَالْقَوْلُ الْجَمَلِيُّ فِيهَا أَنَّهَا أَجْنَاسٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ مَعَ ذَلِكَ قَوْلًا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْعِرَاقِيُّونَ حَكَوْا ذَلِكَ عَنْ تَخْرِيجِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَزَيَّفُوهُ (وَأَمَّا) الْقَوْلُ التَّفْصِيلِيُّ فَقَدْ قَسَّمَهَا الْأَصْحَابُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ دُهْنٌ يُعَدُّ لِلْأَكْلِ وَدُهْنٌ يُعَدُّ لِلدَّوَاءِ وَدُهْنٌ يُعَدُّ لِلطِّيبِ وَدُهْنٌ لَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ وَلَا لِلدَّوَاءِ وَلَا لِلطِّيبِ فَالْأَوَّلُ الْمُعَدُّ لِلْأَكْلِ كَدُهْنِ الجوز واللوز الحلو وَالشَّيْرَجِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَدُهْنِ الصَّنَوْبَرِ وَالْبُطْمِ وَالْخَرْدَلِ وَالْحَبَّةِ الْخَضْرَاءِ
فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قال(10/184)
فِيهَا وَفِي الْخُلُولِ قَوْلَانِ كَمَا فِي اللُّحْمَانِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وقد رأيت في تعليق الطبري عن ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَعْنِي الْأَدْهَانَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إلَى فَسَادِ هَذَا التَّخْرِيجِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ فِي مَسْأَلَةِ اللُّحْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* إذا ثبت هذا فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ جِنْسِهِ جَازَ بِشَرْطِ رِعَايَةِ الْحُلُولِ وَالتَّمَاثُلِ وَالتَّقَابُضِ لَا خِلَافَ فِي شئ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الشَّيْرَجَ فَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِلْحِ وَالْمَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطيب ذلك أيضا عن ابن أبى اسحق وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَزَيْتِ الْفُجْلِ خِلَافٌ وَمِمَّنْ أَثْبَتَ الْقَوْلَيْنِ فِي تَجَانُسِ الْأَدْهَانِ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الرَّوْنَقِ الْمَنْسُوبِ لِأَبِي حَامِدٍ
* (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا يُقْصَدُ لِلدَّوَاءِ كَدُهْنِ الْخِرْوَعِ وَاللَّوْزِ المر وَنَوَى الْمِشْمِشِ وَنَوَى الْخَوْخِ وَعَدَّ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ الْحَبَّةَ الْخَضْرَاءَ وَأَبُو الطَّيِّبِ الْخَرْدَلَ فَهَذَا رِبَوِيٌّ كَالسَّقَمُونْيَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَحُكْمُ هَذَا الضَّرْبِ فِي كَوْنِهِ أَجْنَاسًا حُكْمُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ بِجِنْسِهِ حَرُمَتْ الْمُفَاضَلَةُ وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ حَلَّتْ الْمُفَاضَلَةُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ وَمُقْتَضَى مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ جَرَيَانُ خِلَافٍ فِي هَذَا الضَّرْبِ فِي كَوْنِهِ رِبَوِيًّا(10/185)
وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ صَرِيحًا فِي بَابِ مَا يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا قَالَ فِيهِ وَدُهْنُ كُلِّ شَجَرٍ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ بَعْدَ الَّذِي وَصَفْتُ وَاحِدٌ لَا يَحِلُّ في شئ مِنْهُ الْفَضْلُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْهُ حَلَّ الْفَضْلُ يَدًا بِيَدٍ وَلَمْ يَجُزْ نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِدُهْنِ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ بِدُهْنِ الشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةٌ وَالْأَدْهَانُ الَّتِي تُشْرَبُ لِلدَّوَاءِ عِنْدِي فِي مَرْتَبَةِ هَذِهِ الصِّفَةِ دُهْنُ الْخِرْوَعِ وَدُهْنُ اللوز المر وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَدْهَانِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الطِّيبُ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالنَّيْلُوفَرِ والخيرى والزنبق فَهَذَا كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ أَصْلَ الْجَمِيعِ السِّمْسِمُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ لَا رِبَا فِي هَذَا النَّوْعِ لِأَنَّهُ ليس بمأكول وقد تقدم ذلك في كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي شَرَحَهُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلَ الْبَابِ
وَإِنَّمَا أَعَدْنَا ذَلِكَ هُنَا لِاسْتِيفَاءِ الْكَلَامِ فِيهِ وَرُدَّ هَذَا الْوَجْهُ بِأَنَّهُ مَأْكُولٌ وَإِنَّمَا لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ لِعِزَّتِهِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ حُكْمُ الرِّبَا كَالزَّعْفَرَانِ هُوَ مَطْعُومٌ وَإِنْ كَانَ يُقْصَدُ لِلصَّبْغِ وَالطِّيبِ فَيُبَاعُ دُهْنُ الْوَرْدِ بِدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ مُتَمَاثِلًا وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْوَرْدِ بِدُهْنِ الْوَرْدِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ أَصْنَافًا وَيُجِيزُ التَّفَاضُلَ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قَالَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
* قَالَ الْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ هذه الادهان بعضها ببعض لانه ليس ههنا مع الدهن شئ وَإِنَّمَا الْوَرْدُ يُرْتَبُ بِهِ السِّمْسِمُ فَيُفْرَشُ السِّمْسِمُ وَيُطْرَحُ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى يَجِفَّ ثُمَّ يُطْرَحُ عَلَيْهِ مَرَّةً وَعَلَى هَذَا أَبَدًا حَتَّى يَطِيبَ ثُمَّ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الدُّهْنُ فَلَا يَكُونُ مَعَ الدُّهْنِ غَيْرُهُ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الدُّهْنَ مُسْتَخْرَجٌ أَوَّلًا ثُمَّ يُطْرَحُ أَوْرَاقُهَا فِيهِ حَتَّى يَطِيبَ أَوْ يُطْبَخَ مَعَ الْوَرْدِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بيع الشيريج بالشريج وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرُّويَانِيُّ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ هَذَا يَظْهَرُ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ الدُّهْنَ مَوْزُونًا أَمَّا مَنْ يَجْعَلُهُ مَكِيلًا فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الَّذِي يَكْتَسِبُهُ الدُّهْنُ مِنْ الْأَوْرَاقِ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمِكْيَالِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَطْلَقَ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي تماثله والله أعلم (الضرب الرابع) مالا يُتَنَاوَلُ أَدَمًا وَلَا دَوَاءً وَلَا هُوَ طِيبٌ كَدُهْنِ بَذْرِ الْكَتَّانِ الْمَقْصُودِ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَدُهْنِ السَّمَكِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِيمَا شَرَحَهُ النَّوَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ والصحيح المشهور انه لاربا فِيهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ طَرِيًّا وَيُقْلَى بِهِ السَّمَكُ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْأُمِّ إنَّ مَا كَانَ مِنْ هذه الادهان(10/186)
لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا لِدَوَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الرِّبَا وَلَمْ يَذْكُرْ مِثَالًا فَبَقِيَ تَحْقِيقُ مَنَاطِ أَنَّ هَذَا هَلْ يُؤْكَلُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ اخْتِيَارَ الْقَاضِي الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَعَلَّلَهُ في المهذب بأن دهن السمك يأكله الملاحون ودهن بزر الْكَتَّانِ يُؤْكَلُ أَوَّلَ مَا يُسْتَخْرَجُ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ فَهَذِهِ أَقْسَامُ الدُّهْنِ وَالْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ فَجَعَلَهَا أَرْبَعَةَ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَأْكُولَةٌ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَفِيهَا الرِّبَا اعْتِبَارًا بِأَنْفُسِهَا وَأُصُولِهَا (الثَّانِي) مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مَأْكُولٍ كَدُهْنِ الْمَحْلَبِ وَالْبَانِ وَالْكَافُورِ فَلَا رِبَا فِيهَا (الثالث) ماهى فِي نَفْسِهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ عُرْفًا كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْخَيْرِيِّ وَالْيَاسَمِينِ لَكِنَّهَا
مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ وَهُوَ السِّمْسِمُ فَفِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهَا وَجْهَانِ وكذلك دهن السمك وَأَمَّا دُهْنُ الْبَذْرِ وَالْقُرْطُمِ قَالَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أُصُولِهَا هَلْ هِيَ مَأْكُولَةٌ يَثْبُتُ الرِّبَا فِيهَا أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) فِيهَا الرِّبَا فَفِي أَدْهَانِهَا وَجْهَانِ لِأَنَّهَا مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ (الرَّابِعُ) مَا اُسْتُخْرِجَتْ مِنْ أُصُولٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ لَكِنَّهَا بَعْدَ اسْتِخْرَاجِهَا دُهْنًا مَأْكُولًا كَدُهْنِ الْخِرْوَعِ وَالْقَرْعِ فَفِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهَا وَجْهَانِ نَظَرًا إلَى أَنْفُسِهَا وَأُصُولِهَا (قُلْتُ) قَوْلُهُ فِي الْقَرْعِ سَبَقَهُ إلَيْهِ الصَّيْمَرِيُّ وَيَعْنِي به حب الْقَرْعَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ دُهْنُ اللَّوْزِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْحُلْوَ فَيَكُونَانِ جَمِيعًا مِنْ الْقِسْمِ(10/187)
الْأَوَّلِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مُطْلَقًا فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْمُرُّ وَقَدْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ آنِفًا بِجَرَيَانِ خِلَافٍ فِيهِ حَيْثُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي دُهْنِ الْخِرْوَعِ الْمَأْكُولِ لِلتَّدَاوِي الْمُتَّخَذِ مِنْ أَصْلٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا لا يكون مما نحن فيه والله عز وجل أَعْلَمُ
* وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فِي الْأَدْهَانِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا نَحْكِيهِ عَنْهُ فِي زَيْتِ الْفُجْلِ وَزَيْتِ الزَّيْتُونِ وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْوَرْدِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا كُلُّ دُهْنٍ مِنْهُ مُخَالِفٌ دُهْنَ غَيْرِهِ وَدُهْنُ الصَّنَوْبَرِ وَدُهْنُ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَدُهْنُ الْخَرْدَلِ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ وَدُهْنُ الْجَوْزِ فَكُلُّ دُهْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ خَرَجَ مِنْ حَبَّةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ فاختلف مايخرج مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ أَوْ تِلْكَ الْحَبَّةِ أَوْ تلك العجمة فهو صنف واحد ولايجوز إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُ خَرَجَ مِنْ حَبِّهِ أَوْ ثَمَرِهِ أَوْ عُجْمِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِ صِنْفِهِ الْوَاحِدِ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ نَسِيئَةً ثُمَّ قَالَ فَإِذَا كَانَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَاحِدًا فَهُوَ صِنْفٌ وَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَصْلَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ فَهُمَا صِنْفَانِ يَفْتَرِقَانِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ فَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ وَالْمَشْرُوبَةِ لِلْغِذَاءِ وَالتَّلَذُّذِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا كَهُوَ فِي التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ سَوَاءٌ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحُرُوفِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ بِالْوَدَكِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَذَلِكَ الشَّحْمُ غَيْرُ الْمُذَابِ بِالسَّمْنِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَكْلَهُ سَاعَتَئِذٍ فَيَجُوزُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُجَوِّزُونَ بَيْعَ الدُّهْنِ الْمُطَيَّبِ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ وَاحِدًا إذَا اخْتَلَفَ طِيبُهُ وَقَالُوا
يَجُوزُ بَيْعُ مَكِيلِهِ مِنْ دُهْنِ الْوَرْدِ بِمِثْلِهِ مِنْ دُهْنِ الْخَيْرِيِّ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِمَا مُخْتَلِفٌ فَصَارَا كَالْجِنْسَيْنِ وَقَالُوا أَيْضًا يَجُوزُ الْمُطَيَّبُ بِغَيْرِ الْمُتَطَيِّبِ مُتَفَاضِلًا
*(10/188)
(فَرْعٌ)
ذُكِرَ فِي الرَّوْنَقِ الْمَنْسُوبِ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اخْتَلَفَ فِي الْحِيتَانِ وَالْأَجْبَانِ وَالْأَسْمَانِ وَالْأَدْهَانِ وَالْخُلُولِ هَلْ هِيَ أَنْوَاعٌ أَوْ نَوْعٌ وَاحِدٌ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ الْخُبْزُ وَالْخُلُولُ وَحَصَلَتْ لِي رِيبَةٌ فِي نِسْبَةِ الرَّوْنَقِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْخُلُولِ وَالْأَدْهَانِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ قَرِيبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ظَهَرَ لَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِي التَّعْلِيقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ السَّمْنَ مَعَ سَائِرِ الْأَدْهَانِ جِنْسَانِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَدْهَانِ لَا يَقَعُ عَلَى السَّمْنِ يَعْنِي وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْأَدْهَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (واختلف قوله في زيت الزيتون وزيت الفجل فقال في أحد القولين هما جنس واحد لانه جمعهما اسم الزيت والثانى أنهما جنسان وهو الصحيح لانهما يختلفان في الطعم واللون فكانا جنسين كالتمر الهندي والتمر البرنى ولانهما فرعان لجنسين مختلفين فكانا جنسين كدهن الجوز ودهن اللوز)
* (الشَّرْحُ) اخْتِلَافُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في الام فِي بَابِ مَا يُجَامِعُ التَّمْرَ وَمَا يُخَالِفُهُ قَالَ وَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ يَجُوزُ مِنْهُ مَا يَجُوزُ بالحنطة والتمر بالتمر وبرد مَا يُرَدُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لَا يَخْتَلِفُ وقد يعصر من الفجل دهن يمسى زَيْتَ الْفُجْلِ وَلَيْسَ مِمَّا يَكُونُ بِبِلَادِنَا يُعْرَفُ له اسم بأمه ولست أعرفه يمسى زَيْتًا إلَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ دُهْنٌ لَا اسْمَ لَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَعْضِ(10/189)
مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الزَّيْتُ وَهُوَ مُبَايِنٌ لِلزَّيْتِ فِي طَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَشَجَرَتِهِ وَهُوَ فَرْعٌ وَالزَّيْتُونُ أَصْلٌ قَالَ وَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَلَّا يُحْكَمَ بِأَنْ يَكُونَ زَيْتًا وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِأَنْ يَكُونَ دُهْنًا مِنْ الْأَدْهَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْوَاحِدُ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ رَجُلٌ
أَكَلْتُ زَيْتًا أَوْ اشْتَرَيْتُ زَيْتًا أَعْرِفُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ زَيْتُ الزَّيْتُونِ لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُ دُونَ زَيْتِ الْفُجْلِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ صِنْفٌ مِنْ الزَّيْتِ فَلَا يُبَاعُ بِالزَّيْتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالسَّلِيطُ دُهْنُ الْجُلْجُلَانِ وَهُوَ صِنْفٌ غَيْرُ زَيْتِ الْفُجْلِ وَغَيْرُ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَلَا بَأْسَ بِالْوَاحِدِ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ من كل واحد مِنْهُمَا وَالْأَصْحَابُ عَادَتُهُمْ إذَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله مثل هذا التردد يجعلوه تَرَدُّدَ قَوْلٍ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ وقد قال المحامدى إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّرْفِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَلَعَلَّ نَصَّهُ هُنَاكَ أَصَرْحُ مِنْ هَذَا وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حِكَايَةَ الْقَوْلَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي بَابِ مَا يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا وَقَالَ فِيهِ فَزَيْتُ الزيتون صنف زيت الْفُجْلِ صِنْفٌ غَيْرُهُ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَذَلِكَ جَزَمَ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ فَقَالَ وَلَا بَأْسَ بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ بزيت الفجل بزيت الْفُجْلِ بِالسَّمْنِ مُتَفَاضِلًا وَقَدْ اقْتَضَى كَلَامُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ تَرْجِيحَهُ فَلَا جَرَمَ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَقَدْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ الزَّيْتُ الْمَعْرُوفُ مَعَ زَيْتِ الْفُجْلِ جِنْسَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حُكْمُهُمَا حكم اللحمان وقال الرويانى ان القول بأنها جِنْسَانِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَرْجِيحِهِ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ إلَى مَنْعِ اتِّفَاقِهِمَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَأَنَّ زَيْتَ الْفُجْلِ لَا يُسَمَّى زَيْتًا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ مِنْ الْأَدْهَانِ الَّتِي لَمْ يُوضَعْ لَهَا اسْمٌ خَاصٌّ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي بَعْضِ ما يستعمل فيه الزيت أطلق عليه اسْمَ زَيْتٍ أَيْ مَجَازًا هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ بَحْثِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الدَّقِيقِ وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا انْتَفَى وَضْعُ الْخَاصِّ لَهُمَا وَكَانَا مَعَ(10/190)
ذَلِكَ مُخْتَلِفَيْ الطَّعْمِ وَالرِّيحِ وَالشَّجَرَةِ حَكَمْنَا بِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَقَاسَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّمْرِ الْهِنْدِيِّ وَالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ بِجَامِعٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ التَّمْرَ الْهِنْدِيَّ جِنْسٌ بِرَأْسِهِ جَزْمًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَعَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَجْهٌ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التَّمْرِ وَلَعَلَّ شُبْهَةَ ابْنِ القطان أنه ظن اشتراكهما في الاسم الْخَاصِّ كَمَا قُلْنَا فِي الزَّيْتِ وَجَوَابُهُ يَشْمَلُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّمْرَ الْهِنْدِيِّ لَا يُفْهَمُ مِنْ اسْمِ التَّمْرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مُقَيَّدًا فيقال تمر هندي وعند الاطلاق يتبادر الذهن إلَى التَّمْرِ الْمَعْرُوفِ لَا إلَى الْهِنْدِيِّ فَلَمْ يَكُنْ اسْمُ التَّمْرِ
مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمَا وَالْمُوجِبُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ الِاتِّفَاقُ فِي الِاسْمِ بِالدَّلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الزَّيْتِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَّا تَمْرٌ هِنْدِيٌّ مُقَيَّدًا بِخِلَافِ الزَّيْتِ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ مُجَرَّدًا فَلَا يَحْسُنُ إلْحَاقُهُ بِهِ وَتَخْرِيجُهُ عليه وقد وقع في الكلام أبى محمد عبد الله بن يحيى الصغير عَلَى الْمُهَذَّبِ أَنَّ التَّمْرَ الْهِنْدِيَّ لَمْ يَدْخُلْ الرِّبَا فِيهِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَاللُّحُومِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْقَلَعِيُّ فِي احْتِرَازَاتِهِ قَوْلُهُ فَرْعَانِ لِجِنْسَيْنِ احْتِرَازٌ مِنْ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ الْبَيْضَاءِ وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ السَّمْرَاءِ فَإِنَّهُمَا فَرْعَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ مُخْتَلِفَيْنِ تَأْكِيدٌ لَا احْتِرَازَ فِيهِ فَإِنَّ تَغَايُرَ الْجِنْسِيَّةِ وَتَعَدُّدَهَا يُوجِبُ اخْتِلَافَهُمَا ضَرُورَةً وَقَدْ أَفَادَ ابْنُ الصَّعْبِيِّ أَنَّ فِي مُخْتَلِفَيْنِ فَائِدَةٌ وَهِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ حَاصِلٌ قَبْلَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي اسْمِ الزَّيْتِ أَيْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ هُوَ عِلَّةُ التَّعَدُّدِ فِي الْجِنْسِيَّةِ وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا فِي الْأَصْلِ فيسير فِي اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِعِلَّةِ التَّعَدُّدِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَنَاطِ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ إنْ فُقِدَ فِي الْفَرْعِ فهو موجود في الاصل (فائدة) السليط الشيرج والجلجلان السِّمْسِمُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
* (فَرْعٌ)
مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْبِطِّيخِ الْمَعْرُوفِ مَعَ الْهِنْدِبَاءِ وَالْقِثَّاءِ مَعَ الْخِيَارِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُمَا جِنْسَانِ الْبُقُولُ كَالْهِنْدِبَاءِ وَالنَّعْنَاعِ وَغَيْرِهِمَا أَجْنَاسٌ(10/191)
(إذَا قُلْنَا) بِجَرَيَانِ الرِّبَا فِيهَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ وَكُسْبُهُ جِنْسَانِ قَالَهُ جَمَاعَةٌ كَالْمَخِيضِ وَالسَّمْنِ وَفِي عَصِيرِ الْعِنَبِ مَعَ خَلِّهِ وجهان (أظهرهما) أنهما جنسان لا فراط التفاوت في الاسم والصفة والمقصود في السكر الفانيد وَجْهَانِ (أَظْهَرُهُمَا) أَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ قَصَبِهِمَا وَكَذَا السُّكَّرُ النَّبَاتُ والطَّبْرَزْدُ جِنْسٌ وَاحِدٌ (1) وَفِي السُّكَّرِ الاحمر وهو القوالب وهو عكى الْأَبْيَضِ وَمِنْ قَصَبِهِ تَرَدُّدٌ لِلْأَئِمَّةِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الصِّفَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ السُّكَّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الذُّرَةُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَتْ الذُّرَةُ المعروفة بيضاء اللون كثيرة الحبات والذى تُعْرَفُ بِالدَّخَنِ صَغِيرَةُ الْحَبَّاتِ صَفْرَاءُ اللَّوْنِ إلَّا أَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَيَتَقَارَبَانِ فِي الطَّعْمِ وَالطَّبْعِ وَأَنْوَاعُ الْعِنَبِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ حَتَّى إنَّ الْمِشْمِشَ مَعَ سَائِرِ الْأَعْنَابِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْكُمَّثْرَى وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلُ وَالتُّفَّاحُ وَالْمِشْمِشُ أَنْوَاعٌ
كُلٌّ مِنْهَا جِنْسٌ وَأَنْوَاعُ الْبِطِّيخِ جِنْسٌ وَاحِدٌ الْحُلْوُ وَغَيْرُ الْحُلْوِ فَإِنَّ الْبِطِّيخَ الَّذِي فِيهِ الْحَبَّاتُ السُّودُ وَيُعْرَفُ فِي الْعِرَاقِ بِالرِّيفِيِّ وَالرُّومِيِّ وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ بالهندى مع البطيح الْمَعْرُوفِ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ جِنْسَانِ فِيهِ وَجْهَانِ
* (فَرْعٌ)
الْجَوْزُ الْهِنْدِيُّ مَعَ الْجَوْزِ الْمَعْرُوفِ جِنْسَانِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ خِلَافَ ابْنِ الْقَطَّانِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ التَّمْرُ الْهِنْدِيُّ مَعَ التَّمْرِ الْمَعْرُوفِ جِنْسَانِ وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ الْمَعْرُوفُ مَعَ الْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَكَلَامُهُ أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ نَاقِلَ الْوُجُوهِ لا يخرج له والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (واختلف قوله في اللحمان فقال في أحد القولين هي اجناس وهو قول المزني وهو الصحيح(10/192)
لانها فروع لاصول هي أجناس فكانت أجناسا كالادقة والادهان
(والثانى)
أنها جنس واحد لانها تشترك فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ فِي أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي تحريم الربا فكانت جنسا واحد كالتمور وتخالف الادقة والادهان لان أصولها أجناس يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا فاعتبر فروعها بها واللحمان لا يحرم الربا في أصولها فاعتبرت بنفسها)
* (الشَّرْحُ) الْقَوْلَانِ فِي اللَّحْمِ مَشْهُورَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ وَإِنْسِيُّهُ وَطَائِرُهُ لَا يَحِلُّ فِيهِ الْبَيْعُ حَتَّى يَكُونَ يَابِسًا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَنَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا إلَى الْقَدِيمِ وَقَدْ رَأَيْتُ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَلَكِنْ فِي آخِرِهِ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَتَوَهَّمْتُ أَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ نَاسِخٍ فَرَأَيْتُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ نُسْخَةٍ وَنَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ إلَى الْجَدِيدِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ اللَّحْمِ وَالْقَوْلُ فِي اللُّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الْإِبِلِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الْبَقَرِ صِنْفٌ ولحم الظباء صنف وَلَحْمَ كُلِّ مَا تَفَرَّقَتْ بِهِ أَسْمَاءٌ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ صِنْفٌ فَيُقَالُ كُلُّهُ حَيَوَانٌ وَكُلُّهُ دَوَابُّ وَكُلُّهُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَهَذَا جِمَاعُ أَسْمَائِهِ كُلِّهِ ثُمَّ يُعْرَفُ أَسْمَاؤُهُ فَيُقَالُ لَحْمُ غَنَمٍ وَلَحْمُ بَقَرٍ وَلَحْمُ إبِلٍ وَيُقَالُ لَحْمُ ظباء ولحم أرانب
ولحم زرابيع وَلَحْمُ ضِبَاعٍ وَلَحْمُ ثَعَالِبَ ثُمَّ يُقَالُ فِي الطَّيْرِ هَكَذَا لَحْمُ كَرَاكِي وَلَحْمُ حُبَارَيَاتٍ وَلَحْمُ حَجَلٍ وَلَحْمٌ مُعَاقَبٌ كَمَا يُقَالُ طَعَامٌ ثُمَّ يُقَالُ حِنْطَةٌ وَذُرَةٌ وَشَعِيرٌ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ وَيَنْقَاسُ وَأَطَالَ الشَّافِعِيُّ فِي(10/193)
التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ نَحْوَ وَرَقَةٍ ثُمَّ قَالَ الثَّانِي فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ كَالتَّمْرِ كُلِّهِ صِنْفٌ وَمَنْ قَالَ هَذَا لَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَهُ فِي الْحِيتَانِ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ لِهَذَا الْقَوْلِ وَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ لَزِمَهُ إذَا أَخَذَهُ بِجَامِعِ اللَّحْمِ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْجَامِعُ مَعَ التَّمْرِ يَجْعَلُ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الثِّمَارِ صنفا وهذا ما يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ عِنْدِي فَاقْتَضَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الرَّدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِلْزَامَهُ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اسْمٍ جَامِعٍ وَهَذَا يُنَبِّهُكَ عَلَى أن اسم اللحم اسم عام لاخاص وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ خَاصٌّ ثُمَّ يُقَرِّرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ بما سنذكره وتحقيق ذلك يؤول إلَى بَحْثٍ لَفْظِيٍّ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْخَاصِّ ما لم يوضع لما تحته من أن أنواعه اسما بِخُصُوصِهَا فَاسْمُ اللَّحْمِ عَلَى هَذَا خَاصٌّ وَمَا تَحْتَهُ مِنْ لَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ شَبِيهٌ بِالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ إذْ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمٌ يَخُصُّهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ أَسْمَاءٌ صادقة على ذلك الشئ وَيَكُونُ هُوَ أَخَصَّهَا كَالْحَبِّ وَالْحِنْطَةِ فَاسْمُ اللَّحْمِ(10/194)
عَلَى هَذَا لَيْسَ بِخَاصٍّ وَأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ والحيوان والدواب وبهيمة الانعام لا يصدق شئ مِنْهَا عَلَى اللَّحْمِ حَالَةَ كَوْنِهِ لَحْمًا عَلَى أَنَّ تَقْسِيمَ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمَتْهُ آنِفًا يُشْعِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي تَأْوِيلُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَجْرِيَ كَلَامُهُ هُنَا وَفِي الْأَدْهَانِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْأَدْهَانَ مِمَّا لَا يُوضَعُ لَهَا اسْمٌ خَاصٌّ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْمِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا حَالَةَ كَوْنِهَا دُهْنًا اسْمُ مَا اُسْتُخْرِجَتْ مِنْهُ بَلْ تُذْكَرُ مُضَافَةً إليه كما بذكر اللَّحْمُ مُضَافًا إلَى الْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ فَإِنْ جَعَلْنَا اسْمَ اللَّحْمِ لَيْسَ بِخَاصٍّ سَهُلَ النَّظَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَإِثْبَاتُ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَإِنْ جعلناه خَاصًّا فَقَدْ وَجَّهَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَزَيْتِ الْفُجْلِ أَنَّهُمَا فَرْعَانِ لِجِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَقَوْلُهُ هُنَا إنَّهَا فُرُوعٌ لِأُصُولٍ هِيَ أَجْنَاسٌ فَلَمْ يَقُلْ فُرُوعٌ لِأَجْنَاسٍ كَمَا قَالَ وَلَا قَالَ مُخْتَلِفَةٌ وَالْحِكْمَةُ فِي ذلك أن كون الزيتون والفجل
جنسين لاشبهة فِيهِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ أَحْكَامِ الرِّبَا فِيهِمَا وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَوَانَاتِ أَجْنَاسًا فَتَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الرِّبَا فَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّهَا أَجْنَاسٌ أَوْ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ جَعَلَ الْوَصْفَ الْمُشْتَرَكَ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ أَنَّهَا فُرُوعٌ لِأُصُولٍ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ ثُمَّ قَالَ هِيَ أَجْنَاسٌ وَهَذَا فِي حُكْمِ الدَّعْوَى وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ كَذَلِكَ اسْتَدَلَّ لَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَمَّا كَانَ زَيْتُ الزَّيْتُونِ وَزَيْتُ الْفُجْلِ يَشْتَرِكَانِ فِي اسْمِ الزَّيْتِ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ مِنْ الدُّهْنِ وَذَلِكَ يُوهِمُ اتِّحَادَهُمَا احْتَاجَ أَنْ يُوَضِّحَ التَّبَايُنَ فِي أُصُولِهِمَا بِقَوْلِهِ مُخْتَلِفَيْنِ وَاللُّحْمَانُ كُلُّهَا إنَّمَا تَتَمَيَّزُ بِالْإِضَافَةِ كَبَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ يَخُصُّهُ اعْتَنَى بِإِثْبَاتِ أَنَّ(10/195)
أُصُولَهَا أَجْنَاسٌ وَلَمْ يُحْتَجْ إلَى زِيَادَةِ لَفْظِ الِاخْتِلَافِ فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ وَهَذَا مِنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَطْعٌ بِأَنَّ اللُّحْمَانَ أَصْنَافٌ وَقَدْ قَطَعَ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ أَلْبَانَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلُحُومُهَا الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْأَلْبَانِ بِالِاخْتِلَافِ أَوْلَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمِنْ هُنَا نَسَبَ الْأَصْحَابُ إلَى الْمُزَنِيِّ اخْتِيَارَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَأَنَّ كَلَامَ الْمُزَنِيِّ يَقْتَضِي اخْتِيَارَ الْقَطْعِ بِهِ وَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لِأَجْلِ أَنَّ مَا تَمَسَّكَ بِهِ فِي مَأْخَذِهِ غَيْرُ خَالٍ عَنْ احْتِمَالٍ فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي اسْمٍ خَاصٍّ كَالتَّمْرِ وَالْبُرِّ وَاشْتِرَاكُ التمر(10/196)
وَالزَّبِيبِ فِي اسْمٍ عَامٍّ وَهُوَ الثَّمَرَةُ وَبِهِ يَنْقَطِعُ الْإِلْزَامُ (قُلْتُ) وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مَا يَقْتَضِي حِكَايَةَ طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقَوْلُهُ) فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ احْتِرَازٌ مِنْ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي اسْمِ عَامٍّ كَالْحَبِّ وَالثَّمَرَةِ (وَقَوْلُهُ) فِي أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا احْتِرَازٌ مِنْ الْأَدِقَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُنِعَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَهُوَ الدَّقِيقُ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ أَوَّلَ حَالِ الرِّبَا لِأَنَّ الرِّبَا يَجْرِي فِي حَبَّاتِهَا وَلَا يَشْتَرِكُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقِيَاسُهُ عَلَى التُّمُورِ قَالَ الْقَاضِي ان اصحابنا يقيسون على التمر أنه لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الرِّبَا يَسْبِقُ كَوْنَهُ رُطَبًا وبسرا وتمرا وخلا لان الطَّلْعَ مَطْعُومٌ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَهُوَ أَوَّلُ حَالَيْهِ فَوَجَبَ بِأَنْ يُقَاسَ عَلَى الطَّلْعِ فَإِنَّ الِاسْمَ الْخَاصَّ وَهُوَ الطَّلْعُ يَجْمَعُ الْجَمِيعَ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الشَّامِلِ(10/197)
وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الطَّلْعَ اسْمٌ لِطَلْعِ النَّخْلَةِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ بَلَحًا أَوْ بُسْرًا (وَأَمَّا) إطْلَاقُهُ عَلَى الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ فَمِنْ بَابِ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فَلَمْ يُتَّجَهْ قَوْلُ الْقَاضِي أَنَّهُ اسْمٌ يَجْمَعُ الْجَمِيعَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَشْيَاءَ تَشْتَرِكُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ دُخُولِ الرِّبَا فَلَا جَرَمَ وَاَللَّهُ أعلم لم يعتمد المصنف ماقاله القاضي أبو الطيب مع هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ كَوْنِهِ شَيْخَهُ وَمُعْتَمَدَهُ وَاعْتَمَدَ ماقاله الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) الْإِشْكَالُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْقَاضِي فَجَوَابُهُ أَنَّ أَنْوَاعَ التَّمْرِ مُشْتَرِكَةٌ فِي اسْمٍ خَاصٍّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي الربا بكون كل منها طلعا ثُمَّ يَصِيرُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا ثُمَّ يَصِيرُ تَمْرًا وَفِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ الثَّلَاثِ يَصْدُقُ ذَلِكَ الِاسْمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَلِكَ الِاسْمُ خَاصٌّ فَصَحَّ أَنَّ أَنْوَاعَ التُّمُورِ تَشْتَرِكُ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا إلَى(10/198)
آخِرِهَا فِي اسْمٍ خَاصٍّ هُوَ إمَّا طَلْعٌ وَإِمَّا رُطَبٌ وَإِمَّا تَمْرٌ فَإِنَّ ثَلَاثَتَهَا أَنْوَاعٌ لِلثَّمَرَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي الرِّبَا تَشْتَرِكُ فِي اسْمِ التَّمْرِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِي وَهُوَ مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِذَلِكَ يَحْسُنُ الِاحْتِرَازُ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ الْأَدْهَانِ وَالْأَدِقَّةِ فَإِنَّ دَقِيقَ الْقَمْحِ وَدَقِيقَ الشَّعِيرِ مَثَلًا إنَّمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ حِينَ صَارَا دَقِيقًا وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا قَمْحًا وَهَذَا شَعِيرًا لَيْسَ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ فِي اسْمٍ خَاصٍّ لَا دَقِيقٍ وَلَا قَمْحٍ وَلَا شَعِيرٍ وَإِنَّمَا يَشْتَرِكَانِ فِي اسْمِ الْحَبِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْتُ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَلْبَانِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ وَبَعْدَ أَنْ حَرَّرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْقِيَاسَ عَلَى الطَّلْعِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الطَّلْعَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ اشْتِرَاكُهُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ لِأَنَّ أُصُولَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْأَصْنَافِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اللُّحُومُ فَإِنَّ أُصُولَهَا أَصْنَافٌ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِأُصُولِهَا كَمَا نَقُولُ فِي الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْأَلْبَانِ أَنَّ فِي اللُّحْمَانِ طَرِيقَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُمَا وَلَعَلَّ فِي ذَلِكَ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَأَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّهَا كَاللُّحْمَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُخَالِفُ الْأَدِقَّةَ وَالْأَدْهَانَ إلَخْ مَقْصُودُهُ
بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللُّحْمَانِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ تَحْرِيرُ هَذَا الْفَرْقِ فَإِنَّ الْفَرْقَ أَبْدَى مَعْنًى فِي احدى الصورتين مفقود فِي الْأُخْرَى وَالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ فِي الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ كَوْنُ أُصُولِهَا أَجْنَاسًا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضِ مُتَفَاضِلًا وَنَحْوُ ذَلِكَ لَيْسَ مَفْقُودًا فِي أُصُولِ اللُّحْمَانِ حَتَّى يُضَمَّ إلَيْهِ تَحْرِيمُ النَّسَاءِ فَلَيْسَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَهُمَا جَوَازُ التَّفَاضُلِ وَعَدَمُ حُرْمَةِ الرِّبَا تَضَادٌّ فَكَانَتْ الْمُقَابَلَةُ الظَّاهِرَةُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ أُصُولَ الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ رِبَوِيَّةٌ بِخِلَافِ أُصُولِ اللُّحْمَانِ هَكَذَا صَنَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ حُكْمُ الرِّبَا فِي الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ مَعْلُومًا سَكَتَ عَنْهُ وَجَعَلَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ أَنَّهُ فِي(10/199)
ذَلِكَ الْمَحِلِّ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الرِّبَا وَلِهَذَا صَرَّحَ بِجَوَازِ التَّفَاضُلِ فَإِنَّهُ أَثَرُ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِيهَا فَلَمَّا كَانَ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ مُعْتَبَرًا فِيهَا اُعْتُبِرَ فِي فُرُوعِهَا بِخِلَافِ أُصُولِ اللُّحْمَانِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا إلَّا أَنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فِيهَا فِي الرِّبَا لِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا فَنَبَّهَ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِي الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِاخْتِلَافِ الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ كَوْنُهُ فِي مَحِلٍّ رِبَوِيٍّ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ لَا يَحْرُمُ الرِّبَا فِي أُصُولِ اللُّحْمَانِ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهَا لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ تَكُنْ رِبَوِيَّةً لَا يَصِحُّ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الرِّبَا ضَرُورَةً فَكَأَنَّهُ نَفَى الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ بِدَلِيلِهِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللُّحْمَانَ لَا تُعْتَبَرُ فِي أُصُولِهَا فِي كَوْنِهَا أَجْنَاسًا بِخِلَافِ الْأَدِقَّةِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ بِأُصُولِهَا فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ اعْتِبَارَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَصْلِهِ فِي كَوْنِهِ رِبَوِيًّا أَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ إذْ كُلٌّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ رِبَوِيٌّ قَطْعًا فَثُبُوتُ حُكْمِ الرِّبَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ وَالْفَرْقُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ أُصُولَ الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الرِّبَا بِخِلَافِ أُصُولِ اللُّحْمَانِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ أُصُولَ اللُّحْمَانِ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الزَّكَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالرِّبَا فَإِنَّ حُكْمَ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ وَالْأَصْنَافِ فِيهَا سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تُضَمُّ إلَى الشَّعِيرِ فِي الزَّكَاةِ وَيَكُونَانِ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَكَذَلِكَ فِي الرِّبَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ تَبَيَّنَ إلْغَاءُ الْفَرْقِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ لِكَوْنِهَا جِنْسًا أَنَّ جَعْلَ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ الطَّلْعُ فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ(10/200)
عَنْهُ وَأَنَّ جَعْلَ الْقِيَاسِ عَلَى التُّمُورِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْقِلِيَّ وَالْبَرْنِيَّ أَصْلُ كُلٍّ مِنْهَا لَيْسَ جِنْسًا مُخَالِفًا لِأَصْلِ الْآخَرَ لِأَنَّ أَصْلَهَا التَّمْرُ وَالرُّطَبُ وَالطَّلْعُ وهو شئ وَاحِدٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أُصُولٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ اللُّحْمَانِ فَإِنَّ لَهَا أُصُولًا مُخْتَلِفَةً كُلٌّ مِنْهَا صِنْفٌ مُسْتَقِلٌّ فَاعْتُبِرَ بِهِ فَقَدْ تَحَرَّرَ الْمَذْهَبُ نَقْلًا وَدَلِيلًا أَنَّ اللُّحْمَانَ أَجْنَاسٌ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَلْبَانِ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْجَدِيدِ وَأَكْثَرِ كُتُبِهِ وَخَالَفَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فقال الصحيح أنها جنس واحد وكذلك الجوزى فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَقَدْ اعْتَرَضَ المصنف في الثلث عَلَى الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا لِكَوْنِهَا أَجْنَاسًا فَقَالَ لَا تَأْثِيرَ لِلْوَصْفِ فَإِنَّ(10/201)
الثِّيَابَ الْهَرَوِيَّةَ وَالْمَرْوِيَّةَ عِنْدَهُمْ أَجْنَاسٌ وَإِنْ كَانَتْ فروعا لجنس واحد هذا السؤال يُسَمَّى بِعَدَمِ التَّأَثُّرِ وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يُعْدَمَ الحكم لعدم العلة وقد تتعحب مِنْ الْمُصَنِّفِ لِكَوْنِهِ اسْتَدَلَّ لِلْقَوْلِ الثَّانِي وَأَجَابَ عن دليل الْأَوَّلِ وَسَكَتَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ صَرَّحَ بتصحيح القول الاول ولاعجب وَالسَّبَبُ الدَّاعِي لِذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فِي الْمَذْهَبِ فَهُوَ مَقْصُورٌ فِي الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ كَالصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ مَعْنٍ صَاحِبُ التَّنْقِيبِ عَلَى الْمُهَذَّبِ فَقَالَ قَوْلُهُ مُشْتَرِكٌ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ فِي أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي الرِّبَا فِيهِ خَلَلٌ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْجِنْسِيَّةِ وَعَدَمَهَا لَا يُتَلَقَّى مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَإِنَّمَا تَحْرِيمُ الرِّبَا يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ الْجِنْسِيَّةِ وَعَدَمِهَا وَإِذَا كَانَتْ أُصُولُهَا أَجْنَاسًا فِي أَصْلِ خِلْقَتِهَا كَانَتْ أَجْنَاسًا إذَا دَخَلَتْ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ يظهر جوابه مما تقدم اللحمان - بِضَمِّ اللَّامِ - وَهَلْ هُوَ جَمْعٌ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ كَلَامُ ابْنِ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ جَمْعٌ فَإِنَّهُ قَالَ اللَّحْمُ وَاللُّحْمُ لُغَتَانِ والجمع ألحم ولحوم ولحام ولحمان
*
(فصل)
في ذكر مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
* قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَالصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَفَصَّلَتْ الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا لُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الْأَنْعَامِ وَالْوَحْشِ صِنْفٌ وَلُحُومُ الطَّيْرِ
كُلِّهِ صِنْفٌ وَلُحُومُ ذَوَاتِ الْمَاءِ كُلِّهَا صِنْفٌ فَهِيَ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ تَقَارُبَ الْمَنْفَعَةِ وَالرُّجُوعَ إلَى الْعَادَةِ فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِبِلُ(10/202)
وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالْوُحُوشُ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ مِنْ لُحُومِهَا وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ وَالطَّيْرُ كُلُّهَا صِنْفٌ إنْسِيُّهَا وَوَحْشِيُّهَا لَا يَصْلُحُ مِنْ لَحْمِهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ وَالْحِيتَانُ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَا بأس بلحم لحيتان بلحم البقر مُتَفَاضِلًا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنَّهَا كُلَّهَا جِنْسٌ واحد كأحد قولى الشافعي
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان قلنا إن اللحم جنس واحد لم يجز بيع لحم شئ من الحيوان بلحم غيره متفاضلا وهل يدخل لحم السمك في ذلك فيه وجهان وقال أبو إسحق يدخل فيها فلا يجوز بيعه بلحم شئ من الحيوان متفاضلا لان اسم اللحم يقع عليه والدليل عليه قوله تعالى (لتأكلوا منه لحما طريا) ومن أصحابنا(10/203)
من قال لا يدخل فيه لحم السمك وهو المذهب لانه لا يدخل في اطلاق اسم اللحم ولهذا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لَمْ يَحْنَثْ بأكل لحم السمك)
* (الشَّرْحُ) إذَا قُلْنَا إنَّ اللُّحْمَانَ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَحْمُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مَعَ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَالْوُحُوشِ كُلِّهَا وَالطُّيُورِ كُلِّهَا جَمِيعُ ذَلِكَ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ والاهلى لا يجوز بيع شئ مِنْهُ بِآخَرَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا يُبَاعُ لحم العصفور بحلم الْجَمَلِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَكَذَلِكَ بَقِيَّتُهَا وَهَكَذَا تَحْرُمُ الْبَحْرِيَّاتُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْفُورَانِيُّ بَلْ أَوْلَى وَلَعَلَّ الْأَوْلَوِيَّةَ الَّتِي ادَّعَاهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِأُصُولِهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ بِخِلَافِ لُحْمَانِ الْبَرِّ فَإِنَّ أُصُولَهَا ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) السَّمَكُ مع البريات ففيه وجهان حكاهما العراقيون والخراسانيون
(أحدهما)
وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ سَائِرِ اللُّحُومِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَمَنْ قَالَ
بِهَذَا لَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ فِي الْحِيتَانِ إنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمِنْ كل تأكلون لحما طريا) وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي(10/204)
الْكِتَابِ وَهِيَ أَنَصُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِيهَا اللَّحْمَ عَلَيْهِ بِصَرَاحَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَمِنْ كل تأكلون) فأطلق فيها على مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مَعًا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِلتَّغْلِيبِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطبري واختيار الشيخ ابى حامد الاسفراينى والمصنف والمحاملى وقال انه الْمَنْصُوصَ أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ اللُّحُومِ وَأَنَّهَا مَعَهَا جِنْسَانِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ وَعَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَسُلَيْمٍ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ لَهَا اسْمًا أَخَصُّ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ السَّمَكُ وَحَمَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنَّهُ أَلْزَمَ مَنْ قَالَ اللُّحْمَانُ صِنْفٌ أَنْ يكون السمك مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يَرْتَضِ أَبُو الطيب هذا وحمل قول الشافعي وهذا مالا يجوز لاحد ان يقوله على التمر (1) قد تَقَدَّمَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ وَأَجَابَ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ كَوْنِ السَّمَكِ أَخَصَّ بِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ بِدَلِيلِ الْآيَةِ وَالرَّاجِحُ ماقاله الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ وَلَا دَلَالَةَ لِأَبِي الطَّيِّبِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ وَلِمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ عَنْ اسْمِ اللَّحْمِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَامِعًا لَكِنَّهُ عن الاطلاق
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)(10/205)
يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى مَا سِوَى لَحْمِ السَّمَكِ وَالْآيَةُ فِيهَا قَرِينَةٌ تُبَيِّنُ إرَادَتَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَحْرِ فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقًا وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى السَّمَكِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ لَحْمِ السَّمَكِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ عَنْ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلَوْ كَانَ يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِهِ لَحَنِثَ بِهِ فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ إنَّ صِدْقَ اللَّحْمِ عَلَى لَحْمِ السَّمَكِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ إنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَقَيَّدُ بِمَا عَدَا السَّمَكَ وَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يكون إطلاق الشئ يَدُلُّ عَلَى مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ حَقِيقَتِهِ كَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ مَا يُسَمَّى مَاءً والله أَعْلَمُ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِأَنَّ السَّمَكَ لَا يُضَافُ لَحْمُهُ إلَيْهِ فَلَا يُقَالُ لَحْمُ سَمَكٍ وانما يقال سمك فلا ينطاق عَلَيْهِ
اسْمُ اللَّحْمِ وَلَوْ كَانَ مِنْ اللُّحْمَانِ لَصَحَّ أَنْ يُضَافَ بِاسْمِ اللَّحْمِ إلَى جِنْسِهِ فَيُقَالُ لَحْمُ السَّمَكِ كَمَا يُقَالُ لَحْمُ الْغَنَمِ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ ثَبَتَ انه ليس من جهة اللُّحْمَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ اللُّحْمَانُ كُلُّهَا صِنْفَيْنِ فَلُحُومُ حَيَوَانِ الْبَرِّ عَلَى اخْتِلَافِهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلُحُومُ حِيتَانِ الْبَحْرِ عَلَى اختلافها(10/206)
صِنْفٌ وَاحِدٌ
* وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ إنَّمَا فَرَضُوهُ فِي السَّمَكِ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ وَفِي الْبَحْرِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ فَهَلْ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ جَارٍ فِي جَمِيعِهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ فِيهَا أَمَّا الْفُورَانِيُّ فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ ذَلِكَ الْخِلَافِ وَأَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي لُحْمَانِ الْبَرِّ مَعَ لُحْمَانِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ وَأَمَّا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَتَوَقَّفَ فَقَالَ فِي السَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ وَجْهَانِ وَأَمَّا حَيَوَانَاتُ الْبَحْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا إذَا قُلْنَا بِأَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ أَجْنَاسٌ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ مُخَالِفَةٌ لِحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ وَأَمَّا حَيَوَانَاتُ الْبَحْرِ بَعْضُهَا مَعَ بعض ففيها خلاف وجهان أو قولان مَبْنِيَّانِ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَأَفْهَمَهُ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ عَلَى أَنَّ اسْمَ السَّمَكِ وَالْحُوتِ هَلْ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ حَتَّى يَحِلَّ أَكْلُ خِنْزِيرِ الماء وكلبه أولا (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ اسْمَ السَّمَكِ وَالْحُوتِ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ كَانَتْ كُلُّهَا جِنْسًا وَاحِدًا ذَا أَنْوَاعٍ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ اسْمَ السَّمَكِ وَالْحُوتِ لَا يشمل الجميع فالحوت مع مالا يُسَمَّى حُوتًا جِنْسَانِ وَمَا عَدَا الْحُوتِ أَجْنَاسٌ أَيْضًا فَغَنَمُ الْمَاءِ وَبَقَرُهُ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ جِنْسَانِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ اسْمُ السَّمَكِ فَهِيَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بناء(10/207)
وَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ اسْمَ السَّمَكِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِهَا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَفَصَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ فِي السَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ وَجْهَانِ فَأَمَّا سَائِرُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ إنْ قُلْنَا إنَّ السَّمَكَ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ جِنْسَانِ فَسَائِرُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ أَيْضًا جِنْسَانِ بَلْ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا إنَّ السَّمَكَ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَهَلْ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْكُلَّ هَلْ يُسَمَّى سَمَكًا أَمْ لَا وَفِيهِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) الْكُلُّ يُسَمَّى سَمَكًا فَحُكْمُ الْكُلِّ حُكْمُ السَّمَكِ وَإِلَّا فَهِيَ أَجْنَاسٌ مختلفة (قلت) والاصح على ماقاله صحاب التَّهْذِيبِ أَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى سَمَكًا فَلِذَلِكَ أَتَى
الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ السَّمَكِ لِشُمُولِهِ لِلْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ فِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مُنَاقَشَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُدْرَكَ فِي اسْتِثْنَاءِ السَّمَكِ أَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي بَقِيَّةِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا السَّمَكُ مِنْ جِنْسِ لُحُومِ الْبَرِّ فَبَقِيَّةُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ أَوْلَى (وَإِنْ قُلْنَا) السَّمَكُ جِنْسٌ آخَرُ فَفِي بَقِيَّةِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على أن الكل يسمى سمكا أولا (وإن قلنا) يسمى سمكا فحكمها حكم السمك فيكون جنسا آخر (وان قلنا) لا يمسى سَمَكًا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ اللُّحُومِ لِعَدَمِ الِاسْمِ الْخَاصِّ أَعْنِي أَنَّ لَحْمَهَا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ بخصوصه(10/208)
فان صح هذا الترتيب فيجئ فِي حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ مُطْلَقًا
(وَالثَّانِي)
جِنْسٌ آخَرُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) أَنَّ غَيْرَ السَّمَكِ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ وَالسَّمَكُ جِنْسٌ آخَرُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَوْجُهٍ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَحُكْمُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ
* (فَرْعٌ)
عَنْ التَّتِمَّةِ عَلَى قول أبى اسحق
* الْجَرَادُ هَلْ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ كَالسَّمَكِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْجَرَادِ وَصُورَتُهُ لَيْسَتْ صُورَةَ اللَّحْمِ وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَبِي على في ان السمك لايدخل فِي اللَّحْمِ فَالْجَرَادُ هَلْ يَلْحَقُ بِحَيَوَانِ الْبَحْرِ لِحِلِّ مَيْتَتِهِمَا وَلِأَنَّهُ نُقِلَ فِي الْآثَارِ أَنَّ أَصْلَهُ سَمَكٌ فِيهِ وَجْهَانِ وَلَخَّصَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ * قال المصنف رحمه الله
* (فان قلنا أن اللحوم أجناس جاز بيع لحم كل جنس من الحيوان بلحم جنس آخر متفاضلا فيجوز بيع لحم البقر بلحم الغنم متفاضلا ولحم بقر الوحش بلحم بقر الاهل لانهما جنسان ولايجوز بيع لحم الضأن بلحم المعز ولا لحم البقر بلحم الجواميس متفاضلا لانهما نوعان من جنس واحد)
*(10/209)
(الشَّرْحُ) إذَا قُلْنَا بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَحْرِيَّ مَعَ الْبَرِّيِّ جِنْسَانِ وَمِمَّنْ صرح به الرافعى فاما البرى مَعَ الْبَحْرِيِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الْإِبِلِ صِنْفٌ إلَخْ وَبَسَطَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ فَقَالُوا الْأَهْلِيَّاتُ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ مَعَ الْوَحْشِيَّاتِ جِنْسَانِ لِكُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ أَجْنَاسٌ فَلُحُومُ الْإِبِلِ بِأَنْوَاعِهَا جِنْسٌ بَخَاتِيُّهَا وَعِرَابُهَا وَأَرْحَبِيُّهَا وَنَجْدِيُّهَا وَمَهْرِيُّهَا وَسَائِرُ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ عِرَابُهَا
وَجَوَامِيسُهَا وَدَرَنَانِيُّهَا هَكَذَا رَأَيْتهَا مَضْبُوطَةً بِخَطِّ سُلَيْمٍ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ - وَالْغَنَمُ الْأَهْلِيَّةُ ضَأْنُهَا وَمَاعِزُهَا جِنْسٌ وَالْوُحُوشُ أَجْنَاسٌ فَالظِّبَاءُ جِنْسٌ مَا تَأَنَّسَ مِنْهَا وَمَا تَوَحَّشَ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبَقَرُ الْوَحْشِ صِنْفٌ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَنْصَرِفُ إليها عند الاطلاق وَلَا يُضَمُّ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ وَسَيَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا جِنْسَانِ وَالضِّبَاعُ جِنْسٌ وَالْأَرَانِبُ جِنْسٌ وَالثَّعَالِبُ جِنْسٌ وَالْيَرَابِيعُ جِنْسٌ وَالْوَحْشِيُّ مِنْ الْغَنَمِ جِنْسٌ غَيْرُ الْغَنَمِ الْإِنْسِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصباغ وقالا إنَّ الْوَحْشِيَّ مِنْ الْغَنَمِ هُوَ الظِّبَاءُ وَالْحُمُرُ الْوَحْشِيَّةُ صِنْفٌ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي الْإِبِلِ وَحْشِيٌّ وَفِي الظِّبَاءِ مع الابل - بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ - تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَيَسْتَقِرُّ جَوَابُهُ عَلَى أَنَّهُمَا كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَفِي التَّتِمَّةِ أَيْضًا حِكَايَةُ وَجْهٍ أَنَّ الظِّبَاءَ والابل تَلْحَقُ بِالْغَنَمِ لِأَنَّهَا تَقْرُبُ مِنْهُ وَالتَّفَاوُتُ الَّذِي بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْمَعْزِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَطَرَدَ ذَلِكَ فِي الْبَقَرِ الوحشى مع الانسى وهذا موافق مذكورا فِي الْأَيْمَانِ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى لَحْمِ الْبَقَرِ لَا يَحْنَثُ بِالْوَحْشِيِّ وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُجْعَلُ جِنْسًا فِي الرِّبَا وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي وَعَدْتُ بِذِكْرِهِ قَرِيبًا وَالطُّيُورُ أَصْنَافٌ الْكَرَاكِيُّ صِنْفٌ وَالْإِوَزُّ صِنْفٌ وَالْعَصَافِيرُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا(10/210)
فاما لحم اللبح (1) فجنس واحد لحم العصفور لانه لا يسمى عصفورا قاله القاضى حسين صنف وَالْبَطُّوطُ صِنْفٌ وَالْفَوَاخِتُ صِنْفٌ وَالدَّجَاجُ صِنْفٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ الرَّبِيعُ وَالْحَمَامُ صِنْفٌ والحمام كل ماعب وَهَدَرَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَاَلَّذِي عِنْدِي الْقَوْلُ بِأَنَّ الْفَوَاخِتَ جِنْسٌ وَالْقَمَارِيَّ جِنْسٌ وَالدَّبَّاسِيُّ جِنْسٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أبو حامد اختيار جماعة أَصْحَابِنَا وَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ عَنْ الرَّبِيعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَعَنْ الرَّبِيعِ أَنَّ الْحَمَامَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَجِّ وَهُوَ كل ماعب وَهَدَرَ جِنْسٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقُمْرِيُّ وَالدُّبْسِيُّ وَالْفَاخِتُ وَهَذَا اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ وصاحب التهذيب قال الرافعى واستبعد أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسًا بِرَأْسِهِ (قُلْتُ) وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ قَالَ الرَّبِيعُ وَمَنْ زَعَمَ أن اليمام من الحمام فلا يجوز لحم الْيَمَامِ بِلَحْمِ الْحَمَامِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ إذَا انْتَهَى
تَبَيُّنُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْحَمَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ جَزْمٌ مِنْ الرَّبِيعِ بِأَنَّ الْيَمَامَ مِنْ جِنْسِ الْحَمَامِ لَكِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ فِي الْحَجِّ أَنَّ الْيَمَامَ وَالْقُمْرِيَّ وَالْفَاخِتَ وَالدُّبْسِيَّ وَالْقَطَا كُلَّهَا دَاخِلَةٌ فِي اسْمِ الْحَمَامِ وَقَدْ قَالَ الرَّبِيعُ هُنَا إنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْيَمَامَ مِنْ الْحَمَامِ فَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا اقْتَضَى مَجْمُوعُ هَذَيْنِ أَنَّ الْيَمَامَ بِالْحَمَامِ لَا يَجُوزُ متفاضلا فيكون كذا ولكن لابد فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الرَّبِيعُ مُوَافِقًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْحَجِّ حَتَّى يُنْسَبَ إلَيْهِ وَالْأَصْحَابُ ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَنْ الرَّبِيعِ فِيهِ شَيْئًا مُوَافَقَةً وَلَا مُخَالَفَةً وَكَلَامُ الرَّبِيعِ الْآنَ فِيمَا يَحْضُرُنِي هُنَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ خِلَافٍ فِي دُخُولِ الْيَمَامِ تَحْتَ اسْمِ الْحَمَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ نَفْسِهِ اخْتِيَارًا فِي ذَلِكَ وَاسْتِبْعَادُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ دُخُولُهَا فِي اسْمِ الحمام في الحج
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)(10/211)
كَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهَا لَهَا اسما خاصا كَالْجَوَامِيسِ مَعَ الْبَقَرِ فَلَا جَرَمَ ذَهَبَ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَكَذَا كُلُّ جِنْسٍ مِنْ الطُّيُورِ لُحُومُ جِنْسِهَا صِنْفٌ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصباغ عن الربيع أنه قال ماعب وَهَدَرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الصَّبَّاغِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ مَا انْفَرَدَ بِاسْمٍ وَصِفَةٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ صِنْفًا وَفِي الْأُمِّ قَالَ الرَّبِيعُ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْيَمَامَ من الحمام فلا يجوز لحم اليمام بلحم الْحَمَامِ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَمَامٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَفِي الْمُجَرَّدِ حِكَايَةُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ وَأَنَّ الشَّيْخَ يَعْنِي أَبَا حَامِدٍ قَالَ هِيَ أَصْنَافٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَكَذَا السُّمُوكُ أَجْنَاسٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي غَنَمِ الْمَاءِ وَبَقَرِهِ وَكَذَا بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ (قُلْتُ) وَهَذَا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ (وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ ظَبْيٍ بِلَحْمِ أَرْنَبٍ رَطْبًا بِرَطْبٍ وَيَابِسًا بِيَابِسٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بِأَكْثَرَ وَزْنًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ لِاخْتِلَافِ الصِّنْفَيْنِ وَهَكَذَا الْحِيتَانُ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ أَقُولَ هُوَ صِنْفٌ لِأَنَّهُ ساكن الماء ولو زَعَمْت أَنَّ سَاكِنَ الْأَرْضِ كُلَّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ وَإِنْسِيُّهُ وَكَانَ أَقَلُّ مَا يَلْزَمُنِي أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ فِي وَحْشِيِّهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ الصَّيْدِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْحُوتَانِ فَكُلُّ مَا تَمَلَّكْته وَيَصِيرُ لَكَ فَلَا بَأْسَ بِرَطْلٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَرْطَالٍ مِنْ آخَرَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِوَزْنٍ) هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ بِلَفْظِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْحِيتَانِ كُلُّ مَا اخْتَصَّ بِاسْمٍ وَصِفَةٍ فَهُوَ صِنْفٌ وَقَالَ
الرَّافِعِيُّ وَفِي غَنَمِ الْمَاءِ وَبَقَرِهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ السُّمُوكِ وَكَذَا بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أنها أجناس(10/212)
كَحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ حَكَى فِي لُحُومِ الْحِيتَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ جَمِيعَهَا صِنْفٌ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ إلَّا حِيتَانُهُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا أَصْنَافٌ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ حَيَوَانَ الْبَحْرِ كُلَّهُ مَأْكُولٌ حِيتَانُهُ وَدَوَابُّهُ وَمَا فِيهِ مِنْ كَلْبٍ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ السَّمَكُ كُلُّهُ صنفا واحدا والنتاج صنفا وكلما اخْتَصَّ بِاسْمٍ يُخَالِفُ غَيْرَهُ صِنْفًا (قُلْتُ) وَكَلَامُ الشافعي رضى الله عنه المتقدم الآن صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُوتَيْنِ قَدْ يَخْتَلِفَانِ فَيَكُونَانِ جِنْسَيْنِ فَهُوَ يَرُدُّ مَا قَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ (إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُ الْحِيتَانِ فَلَا بأس ببعضها ببعض مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لَحْمُ الطَّيْرِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا) هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلٍ بَلْ أَطْلَقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ إذَا قُلْنَا اللُّحُومُ أَجْنَاسٌ فَبَاعَ جِنْسًا بِجِنْسٍ آخَرَ فَجَازَ الْبَيْعُ سَوَاءٌ كَانَا رَطْبَيْنِ أَمْ يَابِسَيْنِ أَمْ رَطْبًا وَيَابِسًا وَزْنًا وَجُزَافًا مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا إذَا كَانَ نَقْدًا يَدًا بِيَدٍ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَإِنَّمَا جَعَلَ بقر الوحش جنسا مخالفا للبقر لانه لا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْبَقَرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَكَانَ كَالتَّمْرِ الْهِنْدِيِّ مَعَ التَّمْرِ وَزَيْتِ الْفُجْلِ مَعَ الزيت وكذلك غنم الوحش مع الاهل وانما كانت الظباء جنسا وحشيها وَمَا تَأَنَّسَ مِنْهَا لِأَنَّ الِاسْمَ الصَّادِقَ عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ (وَالضَّمِيرُ) فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى بَقَرِ الْوَحْشِ وَبَقَرِ الْأَهْلِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى (أَمَّا) الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَلَيْهِ نُفَرِّعُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ نَوْعَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّ(10/213)
ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ الْعِرَابُ وَالْجَوَامِيسُ فَكَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْجَوَامِيسَ اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا فَكَانَتْ كَالسَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ (وَأَمَّا) الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا صِنْفَانِ لِنَوْعَيْ الْغَنَمِ لَا اسْمًا فَأَشْبَهَا الْمَعْقِلِيَّ وَالْبَرْنِيَّ وَفِي النَّفِيسِ مِنْ الْجَوَامِيسِ وَإِنْ سَلَّمْنَا صِدْقَ الْبَقَرِ عَلَيْهَا فَذَلِكَ كَصِدْقِ الدُّهْنِ عَلَى الزَّيْتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْلُوفِ وَالرَّاعِي وَلَا بَيْنَ
الْمَهْزُولِ وَالسَّمِينِ (تَنْبِيهٌ) إطْلَاقُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى عِبَارَتِهِمْ أَنَّ السَّمَكَ مَعَ اللَّحْمِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ جِنْسَانِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ وَمِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ لُحُومُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ وَبَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَرْقٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي لَحْمَيْهِمَا أَمَّا السَّمَكَةُ الْكَامِلَةُ فَفِي بَيْعِهَا بِاللَّحْمِ حَيَّةً وَمَيِّتَةً كَلَامٌ نَذْكُرُهُ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَرْعُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ
* هَلْ الْجَرَادُ مِنْ جِنْسِ اللُّحُومِ فِيهِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) نَعَمْ فَهُوَ مِنْ الْبَرِّيَّات أَوْ الْبَحْرِيَّات فِيهِ وَجْهَانِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَاجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللُّحُومِ وَاسْتَدَلَّ الرُّويَانِيُّ بِكَوْنِهِ مِنْ الْبَحْرِيَّاتِ لِكَوْنِهِ نَقَلَ فِي الْآثَارِ أَنَّ أَصْلَهُ سَمَكٌ وَلِهَذَا حَلَّتْ مَيْتَتُهُ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ يَلْزَمُ الجزاء على المحرم بقتله
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فصل واللحم الاحمر والابيض جنس واحد لان الجميع لحم واللحم والشحم جنسان واللحم والالية جنسان والشحم والالية جنسان واللحم والكبد جنسان والكبد والطحال جنسان واللحم والكلية جنسان لانها مختلفة الاسم والخلقة)
* (الشَّرْحُ) الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي اللَّحْمِ الذى تخلتف صِفَتُهُ وَفِي أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ الْوَاحِدِ (فَأَمَّا) اللَّحْمُ الْمُخْتَلِفُ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا خِلَافَ على القولين(10/214)
أَنَّ اللَّحْمَ الْأَبْيَضَ السَّمِينَ وَاللَّحْمَ الْأَحْمَرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ يَعْنِي (إنْ قُلْنَا) إنَّ اللَّحْمَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَذَلِكَ جِنْسٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ أَمْ مِنْ حَيَوَانَيْنِ (وَإِنْ قُلْنَا) انها جِنْسَانِ فَإِذَا انْقَسَمَ لَحْمُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إلَى أَبْيَضَ وَأَحْمَرَ كَانَ جِنْسًا وَلَا أَثَرَ لِلِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْوَصْفِ أَمَّا إذَا كَانَ الْأَبْيَضُ مِنْ جِنْسٍ وَالْأَحْمَرُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ لِاخْتِلَافِ أَصْلَيْهِمَا وَصِفَتَيْهِمَا وَقَدْ أَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ جِنْسٌ وَسَنَذْكُرُ خِلَافًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي أَنَّ مَا حَمَلَهُ الظَّهْرُ مِنْ جِنْسِ الشَّحْمِ أَوَّلًا وَمُقْتَضَى قَوْلِ من يجعله من جِنْسَ الشَّحْمِ أَنْ يَقُولَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلَّحْمِ وَذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي حَقِيقَتِهِ هَلْ هُوَ لَحْمٌ أَبْيَضُ أَوْ شَحْمٌ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى حُكْمِ التسمية (وأما) أعضاء الحيوان
الواحد كَالْكَرِشِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْقَلْبِ وَالرِّئَةِ فَفِيهَا طَرِيقَانِ (أَشْهُرُهُمَا) أَنَّا إذَا قُلْنَا اللُّحُومُ أَجْنَاسٌ فَهَذِهِ أَوْلَى لِاخْتِلَافِ أَسْمَائِهَا وَصِفَاتِهَا (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا جنس واحد فوجهان لان من حلف أن لا يَأْكُلَ اللَّحْمَ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا كَالْخِلَافِ فِي أَنَّ لَحْمَ السَّمَكِ أَجْنَاسٌ أَوْ هُوَ جِنْسٌ كَسَائِرِ اللَّحْمِ هَكَذَا عَبَّرَ الرَّافِعِيُّ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَعَبَّرَ الْإِمَامُ عَنْهَا بِأَنَّا إنْ قُلْنَا اللُّحُومُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَكُلُّ مَا حَنِثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ اللُّحْمَانِ وَفِيمَا لَا حِنْثَ بِأَكْلِهِ(10/215)
وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي اللَّحْمِ الَّذِي مَعَ لُحُومِ الْحِيتَانِ وَالْكَلَامَانِ رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَالرَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى اللَّحْمِ لَا يَحْنَثُ بِهَذِهِ وَحَكَى الْخِلَافَ مَعَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إلَى مَا قَالَهُ وَإِنْ شِئْت جعلت الخلاف مرتبا فتقول (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا جِنْسٌ فَإِنْ قُلْنَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى اللَّحْمِ بِهَا فَهِيَ جِنْسٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَحْنَثُ فَفِي الْمُجَانَسَةِ وَجْهَانِ كَالسَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَقْرَبُ إلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى مَعَ عَدَمِ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فَكَأَنَّهُ جَزَمَ بِالِاخْتِلَافِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ رَجَّحَ الْقَوْلَ بِالِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللحوم جنس واحد ولو تَحَقَّقَ مِنْ الْمُصَنِّفِ الْجَزْمُ بِذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ طَرِيقَةً ثَالِثَةً فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ الْقَفَّالِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ رَدِيئَةٌ لَمْ أَرَهَا إلَّا لِشَيْخِنَا حَكَاهَا عَنْ الْقَفَّالِ قَالَ فَلَا أعدها من المذهب(10/216)
أنا إنْ جَعَلْنَا اللُّحُومَ جِنْسًا وَاحِدًا فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُجَانِسَةٌ لَهَا وَإِنْ جَعَلْنَاهَا أَجْنَاسًا فَوَجْهَانِ لِاتِّحَادِ الْحَيَوَانِ وَصَارَ كَلَحْمِ الظَّهْرِ مَعَ شَحْمِهِ قَالَ الرافعى وكيفما قدر فظاهر المذهب ماقاله المصنف فنذكر الْأَعْضَاءُ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُفَصَّلَةً وَمَا ذَكَرَهُ مَعَهَا مِمَّا يُشْبِهُ الْأَعْضَاءَ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى عُضْوًا وَنَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ عَلَى تَرْتِيبِهِ أَمَّا اللَّحْمُ وَالشَّحْمُ فَجِنْسَانِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ حَيَوَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ وَإِنْ قُلْنَا اللُّحُومُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاخْتِلَافِ اسْمَيْهِمَا فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمًا يَخُصُّهُ وَمَعَ اخْتِلَافِ الِاسْمِ الْخَاصِّ لَا أَثَرَ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ أَوْ اخْتِلَافِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةِ قَالَ هُوَ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ
وَأَرَادَ بِهِ الشَّحْمَ الَّذِي فِي الْجَوْفِ فَأَمَّا الَّذِي عَلَى جَنْبِ الْبَهِيمَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَحْمٌ أَبْيَضُ وَلَيْسَ بِشَحْمٍ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَيْضًا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي شَحْمِ الظَّهْرِ والجنب شئ وَاحِدٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ لِاحْتِكَارِهَا عِنْدَ الْهُزَالِ وَقِيلَ مِنْ جِنْسِ الشَّحْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا) إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا وَأَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَمُغَايِرٌ لِلَّحْمِ بِلَا خِلَافٍ وشحم العين جزم الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّهُ كَشَحْمِ الْبَطْنِ ثُمَّ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَيَجُوزُ بَيْعُ شَحْمِ الْبَطْنِ بِشَحْمِ الظَّهْرِ وَلَحْمِهِ مُتَفَاضِلًا وَجُزَافًا وَرَطْبًا وَيَابِسًا لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَجَزَمَ فِي الرِّبَا بِكَوْنِهِمَا جِنْسَيْنِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْخِلَافُ الَّذِي تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرُوا وَجْهًا فِي الْأَيْمَانِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ الْحَالِفَ إنْ كَانَ عَرَبِيًّا فَشَحْمُ الظَّهْرِ شَحْمٌ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهُ شَحْمًا وَإِنْ كَانَ عَجَمِيًّا فَهُوَ لَحْمٌ فِي حَقِّهِ وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَظْهَرُ جَرَيَانُهُ فِي الرِّبَا لِأَنَّ الْجِنْسِيَّةَ فِي الرِّبَا لَيْسَتْ رَاجِعَةٌ إلَى فهم المتعاقبين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَكَذَلِكَ(10/217)
اللَّحْمُ وَالْأَلْيَةُ جِنْسَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعَلَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْوَجْهَ الْآخَرَ بِأَنَّ الْأَلْيَةَ لَحْمٌ إلَّا أَنَّهُ سَمِينٌ فَأَشْبَهَ لَحْمَ الظَّهْرِ وَلَحْمَ الْجَنْبِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالشَّحْمُ وَالْأَلْيَةُ جِنْسَانِ جَزَمَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْخِلَافَ فيها كاللحم والالية ونقل صاحب الذخائر بعد ما حَكَى قَوْلَ الْأَصْحَابِ فِي الْأَلْيَةِ مَعَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ احْتِمَالَ الْإِمَامِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ أَنَّهُ حَكَى طَرِيقَيْنِ فِي الْأَلْيَةِ مَعَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا مِنْ اللَّحْمِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْأَلْيَةَ لَيْسَتْ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ وَقِيلَ لَحْمٌ وَقِيلَ شَحْمٌ (أَمَّا) الشُّحُومُ وَحْدَهَا هَلْ هِيَ أَجْنَاسٌ أَوْ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِيهَا قَوْلَانِ كَاللُّحُومِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ وَلَكِنْ هَلْ(10/218)
تَكُونُ الْأَلْيَةُ وَمَا حَمَلَهُ الظَّهْرُ صِنْفًا مِنْ الشَّحْمِ أَمْ لَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الشَّحْمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَلِتَوْجِيهِ ذَلِكَ مَوْضِعٌ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ
* وَاللَّحْمُ
والكبد جنسان.
قاله الماوردى والمصنف.
والالية والسنام جِنْسَانِ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ.
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْجِنْسِ الْآخَرِ مُتَفَاضِلًا
* (فَرْعٌ)
وَهُوَ أَصْلٌ قَالَ الْإِمَامُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْقَوْلُ فِي هَذَا يَسْتَدْعِي تَقْدِيمَ أَمْرٍ إلَى أَصْلٍ فِي الْأَيْمَانِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ اللَّحْمَ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ وَالطِّحَالِ وَالْمِعَاءِ وَالرِّئَةِ فَإِنَّهَا لَا تُسَمَّى لَحْمًا.
وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
يَحْنَثُ فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى اللَّحْمِ وَهَذَا بَعِيدٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لَمْ يحنث بأكل الشحم وَلَسْتُ أَعْنِي سَمِينَ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْ اللَّحْمِ.
اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَنْ نَقَلُوهُ (وَأَمَّا) الْقَلْبُ فَقَدْ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ بِأَنَّهُ لَحْمٌ.
وَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ كَالْكَبِدِ.
وَاَلَّذِي قَالَهُ محتمل، والكلية عِنْدِي فِي مَعْنَى الْقَلْبِ وَالْأَلْيَةِ لَمْ يَعُدَّهَا الْمُحَقِّقُونَ مِنْ اللَّحْمِ وَلَا مِنْ الشَّحْمِ وَهَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ عِنْدِي فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كاللحم السمين يجمع للضائر عَلَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الْأَيْمَانِ وَاسْتِقْصَاؤُهُ يُحَالُ عَلَى مَوْضِعِهِ عُدْنَا إلَى غَرَضِنَا
*(10/219)
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَأَمَّا الْبَيْضُ فَنَوْعَانِ بَيْضُ طَيْرٍ وَبَيْضُ سَمَكٍ فَبَيْضُ الطَّيْرِ لَا يَكُونُ صِنْفًا مِنْ لَحْمِ الطَّيْرِ لِأَنَّ الْبَيْضَ أَصْلُ الْحَيَوَانِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ صِنْفًا مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي هُوَ فَرْعٌ لِلْحَيَوَانِ فَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ اللُّحْمَانُ أَصْنَافٌ فَالْبَيْضُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ أَصْنَافًا وَإِذَا قِيلَ هَذَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فَفِي الْبَيْضِ وَجْهَانِ (وَأَمَّا) بَيْضُ السَّمَكِ فَهَلْ يَكُونُ نَوْعًا مِنْ لَحْمِ السَّمَكِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ صِنْفٌ غَيْرُهُ كَمَا أَنَّ بَيْضَ الطَّيْرِ صِنْفٌ غَيْرُ لَحْمِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ لَحْمِ السَّمَكِ يُؤْكَلُ مَعَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْبَيْضِ فِي آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي بَيْضِ الطُّيُورِ أَنَّهُ أَجْنَاسٌ
* (فَرْعٌ)
صُفْرَةُ الْبَيْضِ وَبَيَاضُهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ
* هَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ
* (فَرْعٌ)
الْبَيْضِ الْمَقْلِيِّ بِالْمَقْلِيِّ أَوْ الْمَقْلِيِّ بِغَيْرِ الْمَقْلِيِّ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِتَغَيُّرِهِ عَنْ حَالِ الْكَمَالِ وَلِدُخُولِهِ النَّارَ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِالْمَقْلِيِّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَالِ الْإِدْخَارِ وَالنَّارُ لَا تَنْقُصُ مِنْهُ شَيْئًا (قُلْتُ) إنْ كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنْزُوعِ الْقِشْرِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِنْ كَانَ بقشره فلا يسمى
مقليا فلينظر اه وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ جِنْسَانِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ الفؤاد صِنْفٌ آخَرُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَلِكَ الْمُخُّ وَالدِّمَاغُ وَالْكَرِشُ وَالْمُصْرَانُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِنْفٌ أَيْضًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْكَرِشَ وَالْمُصْرَانَ كَاللَّحْمِ مَعَ الشَّحْمِ يَعْنِي فَيَكُونَانِ جِنْسَيْنِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَلِكَ اللِّسَانُ صِنْفٌ آخَرُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْقَلْبُ وَالْأَلْيَةُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنُ قَدْ قِيلَ فِيهِمَا وَجْهَانِ لِأَنَّهُمَا يُسَمَّيَانِ لَحْمًا وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْقَلْبَ وَالرِّئَةَ وَاللَّحْمَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّافِعِيِّ فِي الْأَيْمَانِ وَالْمُخُّ مع هذه الاشياء جنس آخر قاله الامام(10/220)
وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَا الْجِلْدُ جِنْسٌ آخَرُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْجِلْدَ لَيْسَ رِبَوِيًّا فَيَجُوزُ بَيْعُ جِلْدٍ بِجُلُودٍ وَبِغَيْرِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ إنَّهَا جِنْسٌ آخَرُ (قُلْتُ) وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى الْجِلْدِ الَّذِي يُؤْكَلُ كَجِلْدِ السَّمِيطِ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ رِبَوِيًّا وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بِجَوَازِ بَيْعِ اللَّحْمِ الْمَسْمُوطِ فِي جِلْدِهِ وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إذَا بَاعَ اللَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِ جِلْدٌ يُؤْكَلُ كَجِلْدِ الْحِدَأِ وَالدَّجَاجِ بِمِثْلِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَالْعَظْمِ وَقَالَ فِي الرَّوْنَقِ الْمَنْسُوبِ لِأَبِي حَامِدٍ الْجُلُودُ مِمَّا اخْتَلَفَ قول الشافعي فيه هل هو نَوْعٌ أَوْ أَنْوَاعٌ فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ اللَّحْمَ مَعَ جِلْدِهِ الْمَأْكُولِ بِلَحْمٍ كَانَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ اللَّحْمُ يَابِسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَرَأَيْتُ فِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ مَا هُوَ أَغْرُبُ مِنْ هَذَا قَالَ إذَا بَاعَ جِلْدَ الْغَنَمِ بِجِلْدِ الْبَقَرِ مُتَفَاضِلًا هَلْ يَصِحُّ يَحْتَمِلُ(10/221)
قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اللُّحْمَانِ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْجِلْدَ رِبَوِيٌّ وَأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِجِلْدٍ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجِيبٌ وَاَلَّذِي قَالَهُ النَّوَوِيُّ هُوَ الْأَقْرَبُ وَفِي شَحْمِ الظَّهْرِ مَعَ شَحْمِ الْبَطْنِ وَجْهَانِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَسَنَامُ الْبَعِيرِ مَعَ شَحْمِ ظَهْرِهِ وَشَحْمِ بَطْنِهِ جِنْسَانِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَى ذَلِكَ وَكَلَامُ التَّهْذِيبِ صَرِيحٌ وَلَحْمُ الرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَفِي الاكارع احتمال عند الامام فانه قَالَ إنَّ الْأَئِمَّةَ قَطَعُوا بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَلَا اعْتِرَاضَ فِي الِاتِّفَاقِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ أَكْلُ اللَّحْمِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الْقَصَبَةَ الْمُفْرَدَةَ لَيْسَتْ لَحْمًا وَاَلَّذِي قَالَهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ فِي لَحْمِ
الرَّأْسِ وَالْخَدِّ واللسان والاكارع طريقين (أصحهما) يحنث بأكلها إذا حلف أن لا يأكل اللحم(10/222)
(الثانية) على وجهين فيكون ماقاله فِي الرِّبَا جَرْيًا عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْعَظْمُ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ الصُّلْبُ مِنْهُ وَالْمُشَاشِيُّ وَالْغُضْرُوفِيُّ وَقَدْ عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ وَهِيَ عِلَّةٌ شَامِلَةٌ غَيْرُ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي ضَابِطِهِ إلَّا اخْتِلَافُ الِاسْمِ (وَأَمَّا) اخْتِلَافُ الْخِلْقَةِ فَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ
* (فَرْعٌ)
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّحُومَ جِنْسٌ غَيْرُ اللَّحْمِ وَفِي الشحوم نفسها قولان كَاللَّحْمِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ وَهَلْ الْأَلْيَةُ وَمَا حَمَلَهُ الظَّهْرُ صِنْفَانِ مِنْ الشَّحْمِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ الشَّحْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وأما الالبان ففيها طريقان (من) أصحابنا من قال هي كاللحمان وفيها قولان (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ قَوْلًا وَاحِدًا لانها تتولد من الحيوان والحيوان أجناس فكذلك الالبان واللحمان لا تتولد من الحيوان والصحيح أنها كاللحمان)
* (الشَّرْحُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ جَازِمٌ بِأَنَّ الْأَلْبَانَ أَجْنَاسٌ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ لَبَنُ الْغَنَمِ مَاعِزُهُ وَضَانِيهِ وَالصِّنْفُ الذى يخالفه البقر(10/223)
رديانيه وَعِرَابِيَّةٌ وَجَوَامِيسُهُ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ الَّذِي يُخَالِفهُمَا مَعًا لبن الابل أو اركها وعواديها ومهريها ونجيبتها وعرابها وقال فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ وَالْأَلْبَانُ مُخْتَلِفَةٌ وَذَكَرَ أصنافها وصرح ببيعها متفاضلا قال أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى أَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَهَذَا غَرِيبٌ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ لَمَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ فِيهَا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ فِي اللُّحْمَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ قال الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأَلْبَانُ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ لانه لافرق بينها وبين اللحمان وتوجبه الْقَوْلَيْنِ
كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ اللُّحْمَانِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَمَا فِي اللُّحْمَانِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَتَخْرِيجِهَا عَلَى قَوْلَيْ اللُّحْمَانِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَرَجَّحَهَا أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْمُصَنِّفُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهَا الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللُّحْمَانِ بِفَرْقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ(10/224)
الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عن أبى اسحق أَنَّهُ قَالَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ لَبُونٍ بِشَاةٍ لَبُونٍ وَيَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ بِالشَّاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا لَبَنٌ وَلَا يَمْنَعُ مَا فِيهَا مِنْ اللَّحْمِ مِنْ بيع احديهما بِالْأُخْرَى تَوَلَّدَ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا ثُمَّ قَالَ أَبُو إسحق الْأَقْوَى تَخْرِيجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْأُصُولَ التى حصل اللبن فيها بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فَيُدَامُ حُكْمُهَا عَلَى الْفُرُوعِ بِخِلَافِ أُصُولِ اللَّحْمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْفَرْقَيْنِ نَظَرٌ (أَمَّا الْأَوَّلُ) الَّذِي فِي الْكِتَابِ فَلِأَنَّ لَقَائِلٍ أَنْ يُغَلِّبَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَلْبَانَ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْحَيَوَانِ بِانْتِقَالِهَا عَمَّا كانت على حين كانت جزء حيوان دما إلى حالة أُخْرَى فَنَاسَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ بِنَفْسِهَا وَاللُّحْمَانِ لَا تَتَوَلَّدُ بَلْ هِيَ عَيْنُ جُزْءِ الْحَيَوَانِ فَارَقَتْهُ الرُّوحُ فَكَانَ إجْرَاءُ حُكْمِهَا عَلَيْهَا أَوْلَى مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَوَلِّدَةِ عَنْهَا (وَأَمَّا) الْفَرْقُ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَفْقُودٌ فِي الْأَدِقَّةِ وَهِيَ أَجْنَاسٌ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَرْقًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ اللَّبَنَ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْحَيَوَانِ بِخِلَافِ اللحم قال الامام وهذا الفرق ردئ فَإِنَّ الْأَلْبَانَ فِي الضُّرُوعِ وَقَدْ اشْتَرَكَتْ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ مِنْ أَوَّلِ حُصُولِهَا وَهَذَا مُعْتَمَدُ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِي إجْرَاءِ الرِّبَا فِيهَا فِي الضُّرُوعِ بَعْدَ الْقَطْعِ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ فِي اللُّحْمَانِ أَيْضًا طَرِيقَةً قَاطِعَةً (1) فَعَلَى تِلْكَ الطَّرِيقَةِ الْأَلْبَانُ أَوْلَى وَعَلَى طَرِيقَةِ إجْرَاءِ الْقَوْلَيْنِ يَأْتِي الطَّرِيقَانِ الْمَذْكُورَانِ هُنَا
* (التَّفْرِيعُ) إنْ قُلْنَا إنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ إلَّا مُتَمَاثِلًا وَلَهُ أَحْكَامٌ تُذْكَرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عَشْرَ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى هَذَا القول(10/225)
كُلُّ مَا يُسَمَّى لَبَنًا جِنْسٌ وَاحِدٌ (وَإِنْ قُلْنَا) أَصْنَافٌ فَلَبَنُ الْبَقَرِ الْأَهْلِيَّةِ جِنْسٌ وَلَبَنُ الْبَقَرِ الْوَحْشِيَّةِ
بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ وَلَبَنُ الْغَنَمِ الْأَهْلِيَّةِ جِنْسٌ وَلَبَنُ الْغَنَمِ الْوَحْشِيَّةِ وَهِيَ الظِّبَاءُ وَأَنْوَاعُهَا جِنْسٌ وَلَبَنُ الْإِبِلِ بِأَنْوَاعِهَا جِنْسٌ وَلَا يَكُونُ لِلْإِبِلِ وَحْشٌ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَبَيْعُهُ بِمَا يَتَّخِذُهُ مِنْ الْآخَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي اللُّحُومِ وَلَكِنِّي أَقْصِدُ زِيَادَةَ الْبَيَانِ وَتَأَسَّيْت أَيْضًا بِالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ كَذَلِكَ وَلَبَنُ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَبَنُ الْوَعْلِ مَعَ الْمَعْزِ الْأَهْلِيِّ جِنْسَانِ اعْتِبَارًا بِالْأُصُولِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَلَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ جِنْسٌ قَالَهُ ابْنُ سُرَاقَةَ وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْأَلْبَانَ أَجْنَاسٌ (أَمَّا) إذا قلنا الالبان جنس واحد فسيأتي والكلام فِي بَيْعِ اللَّبَنِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِنْ جِنْسِهِ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا صِنْفٌ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا أَصْنَافٌ (فَائِدَةٌ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ الْأُمَوِيُّ فِي نَوَادِرِهِ وَلَا أَقُولُ صِنْفًا إنَّمَا هُوَ صَنْفٌ - بِالْفَتْحِ - وَصُنُوفٌ وَأَنْشَدَ (إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَيْنِ) الْبَيْتُ
* (فَرْعٌ)
إنْ قُلْنَا الْأَلْبَانُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَبَنُ الْآدَمِيِّ مَعَ غَيْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أن الكل(10/226)
جِنْسٌ وَاحِدٌ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ جِنْسٌ وَسَائِرُ الْأَلْبَانِ جِنْسٌ آخَرُ لِأَنَّ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ هَذَا اللَّبَنُ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيُخَالِفُ سَائِرَ الْأَلْبَانِ فِي الْحُكْمِ فَكَانَ جِنْسًا آخر قاله القاضى حسين
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فصل وما حرم فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض حتى يتساويا في الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (الذهب بالذهب تبره وعينه وزنا بوزن والفضة بالفضة تبره وعينه وزنا بوزن والملح بالملح والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير كيلا بكيل فمن زاد أو ازداد فقد أربى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُبَادَةَ هَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يَخْرُجْهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ أَحَدٌ غَيْرَهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ النَّسَائِيّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُجْتَبَى بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا إلَّا قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَإِنَّ مَوْضِعَهَا عِنْدَهُ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ
صَحِيحَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى (مِنْهَا) حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عيينة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ والفضة باالفضة وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ الله(10/227)
وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الصَّاعِ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ بِقَرِيبٍ مِمَّا فِي الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَزْنِ لَكِنْ قَالَ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ مدى بمدى والمدى قال القلعى والمد مِكْيَالٌ لِأَهْلِ الشَّامِ مَعْرُوفٌ يَسَعُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ رِطْلًا وَالتِّبْرُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ التِّبْرُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا كَانَ غَيْرَ مَصُوغٍ وَلَا مَضْرُوبٍ وَكَذَلِكَ مِنْ النُّحَاسِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ مَا كَانَ كِسَارًا غَيْرَ مَصْنُوعٍ آنِيَةً وَلَا مَضْرُوبٍ فُلُوسًا وأصل التبر من قولك تبرت الشئ أَيْ كَسَرْتُهُ حِدَادًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التِّبْرِ بَحْثٌ (وَقَوْلُهُ) عَيْنُهُ يُرِيدُ ذَاتَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَأَنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الْمَكِيلَيْنِ فِي الْوَزْنِ ولا اختلاف(10/228)
الْمَوْزُونَيْنِ فِي الْكَيْلِ فَأَمَّا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَأَمَّا مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ فَنَقَلَ الْفُورَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَزْنًا حَكَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ إنَّهُ أَعْنِي الْفُورَانِيَّ حَكَاهُ عَنْهُ الْمُهَذَّبُ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ الْمَنْعَ وَمُوَافَقَةَ الْأَصْحَابِ
* وَحَكَى الْجَوَازَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ قَالَ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَوْزُونَاتِ بِبَعْضٍ جُزَافًا وَسَيَأْتِي النَّقْلُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْمَكِيلَ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَوَزْنًا بِوَزْنٍ قَالَ لان الاعتبار بالتساوى فأذاوجد بِالْوَزْنِ جَازَ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ أسلم في مكيل بالوزن جاز
* لنا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ التَّمْرِينَ ثَقِيلًا فَيُؤَدِّي إلَى بَيْعِ صَاعٍ بِأَكْثَرَ مِنْ صَاعٍ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَوْزُونِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا وَالْمُسَاوَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ هِيَ الْمَأْمُورُ بِهَا وَهُوَ الْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنُ فِي الْمَوْزُونِ وَإِنَّمَا جَازَ فِي السَّلَمِ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ أَنْ يصير مضبوط القدر وليس كذلك ههنا لِأَنَّهُ تُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ عَلَى مَا أَمَرْنَا بِهَا فِي الشَّرْعِ
*
(فَرْعٌ)
فَصَلَ الْقَاضِي حُسَيْنُ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا فِي الْمِلْحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قطعا كبارا أو صغار فَإِنْ كَانَ مَسْحُوقًا نَاعِمًا أَوْ مَدْقُوقًا بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ جُرْمُهُ عَلَى جُرْمِ التَّمْرِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا كَيْلًا وَإِنْ كَانَ الْقِطَعُ كِبَارًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُبَاعُ وَزْنًا وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّهْذِيبِ وَكَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْأَظْهَرُ
(وَالثَّانِي)
يُسْحَقُ وَيُبَاعُ كَيْلًا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَفِي هَذَا ضِيقٌ عَلَى النَّاسِ وَأَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ اعْتِبَارُهُ بِالْوَزْنِ
* (فَرْعٌ)
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا يُكَالُ وَفِيمَا يُوزَنُ يَعْنِي بِالنَّظَرِ إلَى جِنْسِهِ لَا إلَى قَدْرِهِ(10/229)
فَلَوْ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْقِلَّةِ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ فَإِنَّهَا لاتكال وَالذَّرَّةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُوزَنُ فعندنا يمتنع بيعها بملثها فَلَا يُبَاعُ حَفْنَةٌ بِحَفْنَةٍ وَلَا بِحَفْنَتَيْنِ وَلَا تَمْرَةٌ بِتَمْرَتَيْنِ وَلَا ذَرَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِذَرَّةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَأْخَذِنَا وَمَأْخَذِهِ وَضَابِطُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مِنْ سَائِرِ الْمَكِيلَاتِ عند الحنفية أن لا يَبْلُغَ نِصْفَ صَاعٍ فَلَوْ بَلَغَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ امْتَنَعَ عِنْدَهُمْ وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَطْوِيلَاتٌ فِي كتب الخلاف لاضرورة إلَى إيرَادِهَا هُنَا وَقَدْ رَأَيْتُهَا فِي مَبَاحِثِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَهُمْ فِي الْإِمْلَاءِ فَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَالتَّمْرَتَيْنِ بِالْأَرْبَعِ عَدَدًا وَأَطَالَ فِي الْبَحْثِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ وَأَلْزَمَهُ بِالْمَوْزُونِ وَكَأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ وَلَعَلَّ أَصْحَابَهُمْ فَرَّعُوا ذَلِكَ وَالْتَزَمُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالنَّوَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَظَاهِرُ ذَلِكَ شُمُولُهُ لِمَا عُلِمَ مِعْيَارُ جِنْسِهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(10/230)
وَمَا لَمْ يُعْلَمْ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّمْرَ الْكِبَارَ الَّذِي يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ يُبَاعُ وَزْنًا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ نَعَمْ هَذَا الضَّابِطُ ذَكَرَهُ غَيْرُ الرَّافِعِيِّ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ مِعْيَارُهُ وعبارة التهذيب مطلقة كعبارة الرافعى
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان باع صبرة طعام بصبرة طعام وهما لا يعلمان كيلهما لم يصح البيع لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاتباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي فِي الْكِتَابِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَزَادَ (وَلَا الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ الطَّعَامِ) وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظٍ آخَرَ فَقَالَ فِيهِ جَابِرٍ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ) وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي عِنْدَ مُسْلِمٍ سَوَاءً وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الْحَاكِمَ ذَكَرَهُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ غَفَلَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقِفَ أَحَدٌ عَلَى كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ فَيَظُنَّ الْوَهْمَ فِي نِسْبَتِهِ إلَى مُسْلِمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ التمر في آخر الحديث فلاختلاف بَيْنَ رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ وَالرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي تَقْيِيدِهِ الصُّبْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ بِالتَّمْرِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ مقيدة وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مُطْلِقَةٌ وَالنَّسَائِيِّ رَوَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَتَرْجَمَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا يُنَاسِبُهُ وَالسَّنَدُ وَاحِدٌ فِيهِمَا وَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِلَافٍ ضَارٍّ وَلَعَلَّهُمَا جميعا ثابتان فلا تنافى بينهما لاسيما وَالْإِطْلَاقُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّقْيِيدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ فَلَعَلَّ جَابِرًا حَضَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وقد وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ صُبْرَةٍ مِنْ التَّمْرِ غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْمِكْيَالِ فَنَهَى عَنْهَا(10/231)
وَذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ لَفْظًا شَامِلًا تَنْدَرِجُ فِيهِ تِلْكَ الصُّبْرَةُ وَغَيْرُهَا وَرُوِيَ الْأَمْرَانِ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْبَابِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ الْكَلَامَانِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِينَئِذٍ يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ يَخْتَصُّ بِالْإِثْبَاتِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ وَلَا مَجَالَ لَهُ فِي النَّفْيِ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ مِثَالٌ لِذَلِكَ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ مُطْلَقًا وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ وَأَنَّ الصَّادِرَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَأَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي الرِّوَايَةِ فَالْأَخْذُ بِاللَّفْظِ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِاللَّفْظِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الرَّاوِي عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ التَّرْجِيحُ الْمَذْكُورُ وَلَمْ يَثْبُتْ إلَّا الرِّوَايَةُ الْمُقَيَّدَةُ لَكَانَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ ويدل على أنه لافرق بَيْنَ التَّمْرِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عام المراد بِهِ خَاصٌّ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتَا غَيْرُ مَعْلُومَتَيْنِ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* إذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَإِذَا بَاعَ صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ بِصُبْرَةٍ مِنْ
طَعَامٍ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ كَيْلَهُمَا فاما أن يكون الصبرتان من جنس واحد أولا فَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ حُجَّةٌ لَهُ وَلِهَذَا نَقُولُ إنَّ الْجَهْلَ بالمماثلة كحقيقة(10/232)
المفاضلة ولايجوز ذلك جزافا ولا بالتحرى والحذر وَالتَّخْمِينِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الْبَادِيَةِ وَالسَّفَرِ فِي الْمَكِيلِ دُونَ الْمَوْزُونِ لِأَنَّ الْبَادِيَةَ يَتَعَذَّرُ فِيهَا وُجُودُ الْمِكْيَالِ وَأَجَابَ الْقَاضِي بِمَنْعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَيْلَ يُمْكِنُ بِالْإِنَاءِ وَالْقَصْعَةِ وَالدَّلْوِ وَحَفْرِ حَفِيرَةٍ يَكِيلُ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاتَّفَقَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَأَنَّهُ لَا يجوز البيع في ذلك جزافا ولا بالحذر والتخمين والتحرى بل لابد مِنْ الْعِلْمِ سَوَاءٌ خَرَجَتَا مُتَمَاثِلَتَيْنِ أَمْ لَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ أَمَّا إذَا ظَهَرَ التَّفَاضُلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا خَرَجَتَا مُتَمَاثِلَتَيْنِ فَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّ التَّسَاوِيَ شَرْطٌ وَشَرْطُ الْعَقْدِ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً لَا يَدْرِي أَهِيَ مُعْتَدَّةٌ أَمْ لَا أَوْ هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَمْ لَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ بَقِيَّةَ شُرُوطِ الْمَبِيعِ كَالْمِلْكِ وَشَبَهِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مال أبيه على ظن أنه حي فإذا هُوَ مَيِّتٌ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ فَالْأَوْلَى التَّمَسُّكُ بِالْحَدِيثِ فَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ وَالْعِلْمُ بِهَا شَرْطٌ آخَرُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ دُونَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ فِي الْمَبِيعِ كَالْمِلْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ حَيْثُ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فَقَطْ لَا الْعِلْمُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِلِاحْتِيَاطِ فِيمَا أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ فَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَفِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ اُشْتُرِطَ فِيهَا الْعِلْمُ بِالشُّرُوطِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ الْحِلُّ فَلِذَلِكَ صَحَّ فِي بَيْعِ الْمَالِ الَّذِي يَظُنُّهُ لِأَبِيهِ إذَا تَبَيَّنَ خِلَافَهُ وَنَقَلَ عَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا خَرَجَتَا مُتَمَاثِلَتَيْنِ صَحَّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ عَلِمَا التَّسَاوِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَزُفَرُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ بَلْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ سَوَاءٌ حَصَلَ الْعِلْمُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا وَكُلُّ مَا قُلْنَاهُ فِي الصُّبْرَةِ بالصبرة جاز بعينه في الدراهم بالدارهم وَفِي الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ وَفِي كُلِّ رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ صرح الاصحاب بذلك والاجل جَزْمِ الْأَصْحَابِ بِالْمَنْعِ فِي ذَلِكَ رَدَّ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ مِنْ الْأَصْحَابِ(10/233)
إن العلة لطعم وَالشَّرْطُ عَدَمُ التَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَدْ يقول بالجواز
ونظره بَيْعُ مَالٍ ظَنَّهُ لِأَبِيهِ وَكَانَ لِنَفْسِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَ بَيْعِهِ (قُلْتُ) وَهَذَا التَّخْرِيجُ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْمَنْعِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِيهِ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ الْإِجْمَاعِ إنْ ثَبَتَ وَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُ زُفَرَ فَالْوَجْهُ الْجَوَابُ عَنْ بَيْعِ مَا ظَنَّهُ لِأَبِيهِ وَالْفَرْقُ بين المسألتين لاأن يُطْلَبَ تَخْرِيجٌ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَتَمْرٍ بِزَبِيبٍ أَوْ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَتَبَايَعَاهُمَا جُزَافًا جَازَ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَلِمَفْهُومِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى من روايتي مسلم المتقدمة التى فيها بالكيل الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ فَتَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بِجِنْسٍ غَيْرِ التَّمْرِ لَجَازَ وَهَذَا التَّقْيِيدُ هُنَا زِيَادَةٌ مِنْ الرَّاوِي يَجِبُ قَبُولُهَا وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ الْبَحْثِ مَا تَقَدَّمَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ حَلَالًا (1) بجزف وكانت لزيادة إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ حِلًّا فَلَيْسَ فِي الْجُزَافِ مَعْنًى أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةَ ذَلِكَ وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالُوا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بيع الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مُجَازَفَةً وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد الطبري المعروف بالكتا مِنْ أَصْحَابِنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي بَعْضِ مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ قَالَ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُجَازَفَةً كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ جُزَافًا وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ وَجَوَّزَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْعَ الْمَكِيلِ بالموزن جُزَافًا كَبَيْعِ صُبْرَةٍ مِنْ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي بَيْعِ مَا يُكَالُ بِمَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ بِمَا يُوزَنُ جزافا وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ تُبَاعَ الصُّبْرَةُ بِالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَلَا يَدْرِي مَا كَيْلُ هَذَا وهذا نص في الصبر وعام في(10/234)
الْجِنْسِ وَالْجِنْسَيْنِ قَالَ وَتَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ الْجَهْلَ مَانِعًا فَالنَّهْيُ بِالتَّسَاوِي لَا يَزِيدُ عَلَى الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ فَحَيْثُ جَوَّزَ الشَّرْعُ التَّفَاضُلَ وَقَالَ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ الْمُجَازَفَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ هُوَ مَأْخَذُنَا وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ انْتَهَى
* عَلَى أَنَّ ابْنَ قَدَامَةَ الْحَنْبَلِيَّ فِي كِتَابِهِ الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلَ الْمَانِعِينَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ رَدَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ وَرَجَّحَ الْجَوَازَ وَقَالَ إذَا كان حقيقة الفضل لا تمنع فاحتماله
أولى أن لا يَكُونَ مَانِعًا قَالَ وَحَدِيثُهُمْ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ فَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ نَهَى أَنْ تُبَاعَ الصُّبْرَةُ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا مِنْ التَّمْرِ بِالصُّبْرَةِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا مِنْ التَّمْرِ وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَايَعَا ذَلِكَ مُجَازَفَةً يَجُوزُ أَنْ يَتَبَايَعَا الْمَكِيلَ مَوْزُونًا وَالْمَوْزُونُ مَكِيلًا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى وَلْنَرْجِعْ إلَى أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ) صُبْرَةُ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ أَيْ مِنْ جِنْسِهِ وَحَذَفَ ذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَهُ السَّابِقَ فِي بَيْعِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَأَغْنَى عَنْ تَقْيِيدِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِ أَهْلِ بَغْدَادَ(10/235)
وَالْعِرَاقِ يَخْتَصُّ بِالْقَمْحِ فَلِذَلِكَ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ الْعِرَاقِيُّونَ وَيُرِيدُونَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ دَرَاهِمَ بِصُبْرَةِ دَرَاهِمَ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَزْنَهُمَا أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ كَذَلِكَ فَلَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ الطَّعَامِ كَانَ أَشْمَلَ لَكِنَّهُ قَيَّدَ بِذَلِكَ لِيَكُونَ الْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مُنْطَبِقًا عَلَى دَعْوَاهُ وَافِيًا بِمَقْصُودِهِ (وَقَوْلُهُ) وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ ظَاهِرُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَعْلَمُهُ لِأَنَّ دَلَالَةَ الضَّمَائِرِ كُلِّيَّةٌ كَالْعَامِّ وَلِأَنَّ النَّفْيَ إذا تأخر عن صيغة العموم أفاد الاستفراق ولا فرق في الحكم بين أن لا يَعْلَمَا وَأَنْ يَعْلَمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الصُّبْرَةِ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهَا دُونَ الْمُبْتَاعِ أَنَّ عَطَاءً وَابْنَ سيرين وعكرمة ومجاهدا ومالكا وأحمد واسحق كَرِهُوا ذَلِكَ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَهُ جُزَافًا وَإِذَا عرف كيلة أحب إليه ومرداه إذا باعها بالدرهم وبغير جنسها والا فبيع الصُّبْرَةِ بِجِنْسِهَا لَا يُجِيزُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ الْجُزَافَ نَعَمْ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهَا وَأَخْبَرَ بِهِ الْمُشْتَرِيَ فَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْجَوَازُ (وَقَوْلُهُ) لَا يَعْلَمَانِ كَيْلَهَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ وَهُوَ صَالِحٌ لَأَنْ يَعُودَ عَلَى الصُّبْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَعَلَى الصُّبْرَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَنٌ وَالْحُكْمُ شَامِلٌ لَهُمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ(10/236)
يَجْهَلَ كِلْتَا الصُّبْرَتَيْنِ أَوْ أَحَدَاهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُ الرِّوَايَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ مُسْلِمٍ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ)
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ مِمَّنْ كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً وَلَمْ يَعْلَمْ فَسَادَهَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ ظَاهِرًا ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْحُكْمُ
صَحِيحٌ لَكِنَّ قَوْلَ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا يَصِحُّ أَوْ لَا يَحِلُّ فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الصِّحَّةِ فَعَدَمُ الصِّحَّةِ حَاصِلٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً أَمْ صَحِيحَةً وَسَوَاءٌ عَلِمَ السَّيِّدُ بِهَا أَمْ جَهِلَ فَلَا وَجْهَ لِتَشْبِيهِهَا بِمَسْأَلَةِ النِّكَاحِ وَإِنْ أَرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمَ الْحِلِّ فَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ إذَا صَدَرَتْ مِنْ السَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ الْقِنِّ حُكْمُهَا حُكْمُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ حُكْمَنَا بِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ وَهُوَ الْحَقُّ إذَا أُرِيدَ بِهَا تَحْقِيقُ مَعْنَاهَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ شَرْعًا فَحِينَئِذٍ هذه(10/237)
الْمُعَامَلَةُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَمُكَاتِبِهِ لَا تَحِلُّ سَوَاءٌ علم بفساد الكتابة أم لم يعلم فلا يصح تشبيهها بِمَسْأَلَةِ النِّكَاحِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ لَيْسَ بِحِرَامٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ عَبْدِهِ الْقِنِّ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ هُنَا بِالتَّحْرِيمِ ثُمَّ أَيَكْفِي حُصُولُ الْإِثْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَائِرٌ مَعَ الظَّنِّ وُجُودًا وعدما وقد أقدم على العقد ههنا مَعَ ظَنِّهِ تَحْرِيمَهُ فَيَأْثَمُ وَلَيْسَ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا إذَا بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي الْحِلِّ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَسَادَ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنَّ التَّشْبِيهَ فِيهِ نظر والله أعلم
*(10/238)
* قال المصنف رحمه الله
* (وان باع صبرة طعام بصبرة طعام صاع بصاع فخرجتا متساويتين صح البيع وان خرجتا متفاضلتين ففيه قولان
(أحدهما)
أنه باطل لانه بيع طعام بطعام متفاضلا
(والثانى)
أنه يصح فيما تساويا فيه لانه شرط التساوى في الكيل ومن نقصت صبرته فهو بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَبَيْنَ أَنْ يمضيه بمقدار صبرته لانه دخل على أن يسلم له جميع الصبره ولم يسلم له فثبت له الخيار) (الشَّرْحُ) بَيْعُ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ لَهُ حَالَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَكُونَ جُزَافًا وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَكُونَ مُكَايَلَةً كَمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ صَاعًا بِصَاعٍ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيهِ وَالْمَسْأَلَةُ هَكَذَا كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمُزَابَنَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَوْ اعقدا بيعهما أَنْ يَتَكَايَلَا هَذَيْنِ الطَّعَامَيْنِ جَمِيعًا بِأَعْيَانِهِمَا مِكْيَالًا بمكيال فتكايلا فكان مُسْتَوِيَيْنِ جَازَ وَإِنْ كَانَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ لِلَّذِي نَقَصَتْ صُبْرَتُهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّ البيع لانه بيع شئ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ أَوْ رَدُّ الْبَيْعِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ البيع(10/239)
مفسوخ لانه وقع على شئ بَعْضُهُ حَرَامٌ وَبَعْضُهُ حَلَالٌ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَبِهَذَا أَقُولُ وَالْقَوْلُ الَّذِي حَكَيْتُ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِقِيَاسٍ وإنما يكون له الخيار فيما نقص قيما لان فِي الزِّيَادَةِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَأَمَّا فِيمَا فِيهِ رِبًا فَقَدْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْكُلِّ فَوَجَدْنَا الْبَعْضَ مُحَرِّمًا أَنْ يَمْلِكَ بِهَذَا الْعَقْدِ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ بَيْعَةٍ وَفِيهَا حَرَامٌ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِحُرُوفِهِ وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ والشيخ أبو محمد والرافعي والمرانى وَآخَرُونَ كُلُّهُمْ جَزَمُوا بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا خَرَجَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ البيع جَائِزٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَأَغْرَبَ الشَّاشِيُّ فَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ إنْ خَرَجَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ وَقُلْنَا عِنْدَ التَّفَاضُلِ يبطل فههنا وجهان
(أحدهما)
يبطل قال وليس بشئ وينبغي(10/240)
أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي إثْبَاتِ هَذَا الْخِلَافِ فِي مُتَابِعٍ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ حَصَلَ فِي ذَلِكَ وَهْمٌ وَانْتِقَالٌ مِنْ الْفَرْعِ الَّذِي سَيَأْتِي إذا تقابضا مجازفة وتفريقا ثُمَّ تَكَايَلَا وَخَرَجَتَا سَوَاءً فَهُنَاكَ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْمُمَاثَلَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَمْ يُوجَدْ وَهُوَ شَرْطٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَحُصُولُ الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَكْفِي عِنْدَنَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَبَايَعَا جُزَافًا ثُمَّ ظَهَرَ التَّسَاوِي فِي الْمَجْلِسِ لَا يَكْفِي وَإِنْ تَخَيَّلَ مُتَخَيِّلٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُقَابَلَةَ كُلِّ صَاعٍ بِصَاعٍ لَا مُقَابِلَةَ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ بَلْ الْمُقَابَلَتَانِ مَقْصُودَتَانِ وَانْطِبَاقُ الْجُمْلَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْعَقْدِ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاتباع الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ(10/241)
بِالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ) وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ من التمر لاتعلم بكيلها وَقَدْ يَعْتَذِرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْمُكَايَلَةُ هُنَا مُشْتَرَطَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى الْبَائِعِ اكْتَفَى بِهَا وَفَارَقَ بِذَلِكَ التَّبَايُعُ جُزَافًا فَإِنَّ الْكَيْلَ لَيْسَ وَاجِبًا فِيهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَبَطَلَ وَهَذَا الْعُذْرُ لَا يُفِيدُ قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ فَقَوْلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ
رَجَّحَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كَلَامِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ فِي التهذيب وخالف ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فَصَحَّحَ فِي الِانْتِصَارِ وَجَزَمَ فِي الْمُرْشِدِ وَالْأَحْكَامِ الْمُخْتَارَةِ(10/242)
بِالصِّحَّةِ فِيمَا تَسَاوَيَا فِيهِ وَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ وَعَلَّلَهُ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ وَهُمَا مُتَفَاوِتَتَانِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُتَقَدِّمُ يُرْشِدُ إلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ وَفِي الْمَطْلَبِ أَنَّ الْمَأْخَذَ فِي ذَلِكَ النَّظَرُ إلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا باع صبرة أو قَفِيزًا وَأَنَّ الْقَائِلَ الْآخَرَ يَنْظُرُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مَقْصُودًا وَقَالَ إنَّ هَذَا أَشْبَهُ مِنْ الْمَأْخَذِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ لَا مُقَابَلَةَ مَعَ اشْتِرَاطِ كَيْلٍ بِكَيْلٍ وَمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْمُقَابَلَةَ حَاصِلَةٌ
* وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ الْمَعْرُوفِ فِي مَنْعِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْأُمِّ أَنَّهُ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَلَكِنَّهُ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الصَّفْقَةَ تُفَرَّقُ لَمْ يَطَّرِدْ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا جَرَيَانَ لَهُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ أَلَا تَرَى(10/243)
أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمْ نَقُلْ بِصِحَّتِهِ فِي دِرْهَمٍ مُشَاعًا وَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَهَذَا أَحَدُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَنْعِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالضَّابِطُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ تَخَلَّلَ فِي بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْفَسَادُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ إنَّمَا كَانَ تَخَلُّلٌ فِي الْعَقْدِ نَفْسِهِ وَكَوْنُ هَذِهِ الْمُقَابِلَةِ مَحْظُورَةً مِنْ الشَّارِعِ وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى كُلٍّ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ عَلَى السَّوَاءِ وَأَجْزَاءُ كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ صَالِحَةٌ لِإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَجْمِعٌ شَرَائِطَ الْبَيْعِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِيهِ وَفَسَدَ فِي الْجَمِيعِ(10/244)
قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِيهَا لَمْ يَسْتَجْمِعْ شَرَائِطَ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ (1) فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالْإِبْطَالِ فِيهِ وَتَصْحِيحُ غَيْرِهِ وَالْحَاصِلُ أن الحرام في صور تفريق الصفقة هو أحد الجزءين والهيأة الِاجْتِمَاعِيَّةُ إنَّمَا حَرُمَتْ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ فَإِذَا فُرِضَ الْإِبْطَالُ زَالَ الْمُقْتَضِي لِتَحْرِيمِهَا وَعُقُودُ الرِّبَا بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهَا لَيْسَ وَاحِدًا من الجزءين وانما المحرم الهيأة الِاجْتِمَاعِيَّةُ وَنِسْبَتُهَا إلَى كُلِّ الْأَجْزَاءِ عَلَى السَّوَاءِ وَلِذَلِكَ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشافعي
__________
(1) كذا بالاصل)
*)(10/245)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى شئ بَعْضُهُ حَرَامٌ وَبَعْضُهُ حَلَالٌ يُخَالِفُ مَا بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَنْ تَأَمَّلَهُ إلَى آخِرِهِ عَلِمَ مَا قُلْتُهُ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ الْوَصْفُ مُشْتَرِكٌ بينهما فكان تَأْوِيلِ كَلَامِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى مَا قُلْتُهُ غَيْرُ ممتنع للنظر وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ تَعَسُّفٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ انما يكون له الخيار فيما نقص لافيما لاربا فِي زِيَادَةِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ إلَى آخِرِهِ يؤيده إذا باعه صبرة بعشرة دارهم مَثَلًا كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَخَرَجَتْ نَاقِصَةً عَنْ العشرة فههنا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَصِحُّ فِي الصُّبْرَةِ بجميع العشرة لانه لاربا فِيهَا وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ هُنَاكَ فَإِنَّهُ صَحَّحَ أَنَّهَا(10/246)
مَتَى خَرَجَتْ نَاقِصَةً أَوْ زَائِدَةً بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ بَاعَ جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ بِعَشْرَةٍ وَشَرْطُ مُقَابَلَةِ كُلِّ صَاعٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مُمْتَنِعٌ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُطَّرِدَةٌ فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ اتَّفَقَتْ طَرِيقَةُ الْأَصْحَابِ عَلَى حِكَايَةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَفِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْبَيْعُ جَائِزًا إذَا كَانَ لَيْسَ مِمَّا لاربا فِيهِ مِثْلُ الْحِمَّصِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَأَمَّا مَا فِيهِ الرِّبَا فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَاحِدٌ الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ مُتَفَاضِلًا
* (التَّفْرِيعُ) إنْ قُلْنَا بالصحة فيما تساويا فيه فيثبت للذى بَاعَ الصُّبْرَةَ النَّاقِصَةَ وَهُوَ مُشْتَرِي النَّاقِصَةِ وَهُوَ مُشْتَرِي الصُّبْرَةِ الْكَثِيرَةِ الْخِيَارِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُقَابَلَةَ الشئ بمثله مقصود بالعقد فلم يغب عليه شئ وَهَذَا النَّظَرُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِيهِ إحَالَةً لِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ صُورَتَهَا أَنْ تَقَعَ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ بالجملة ولكن المماثلة مظنونة فأذا فاتت الْمُمَاثَلَةُ بَطَلَ الْخِيَارُ وَمِمَّنْ وَافَقَنَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالصِّحَّةِ عِنْدَ التَّسَاوِي وَثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ ظُهُورِ التَّفَاضُلِ الْحَنَابِلَةُ
*(10/247)
(فرع)
لو تفرقا بعد تقابض الجملتين وقبل الكيل في المكيل والوزن في الموزن فَهَلْ يَبْطُلُ
الْعَقْدُ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْإِبَانَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَنَسَبَهُمَا الرُّويَانِيُّ إلَى الْقَفَّالِ (أَصَحُّهُمَا) على ماقاله الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ لَا لِوُجُودِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ
(وَالثَّانِي)
نَعَمْ لِبَقَاءِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْأَشْبَهُ قَالَ لِأَنَّهُ يجوز أن يقال إنَّ الْقَبْضَ جُزَافًا فِي هَذِهِ لَا يَصِحُّ فَقَدْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ (قُلْتُ) وَقَدْ بَنَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا وفيه وجهان وإذ نَظَرْنَا إلَى هَذَا الْأَصْلِ قَوِيَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ وَسَائِرَ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ وَالشَّافِعِيَّ بَلْ وَسَائِرَ الْعُلَمَاءِ جَازِمُونَ بِأَنَّ القبض فيما يباع مكايلة لابد فِيهِ مِنْ الْكَيْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا كَيْلًا فقبضه (ان يكتاله) له وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ الصَّرْفِ والقبض من البيوع كل ماكان يَنْتَقِلُ مِثْلُ الصَّيْدِ وَالْعُرُوضِ أَوْ يُوزَنُ وَيُكَالُ فَقَبْضُهُ الْكَيْلُ وَالِانْتِقَالُ(10/248)
وَالْوَزْنُ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَوْ أَعْطَى طَعَامًا فَصَدَّقَهُ فِي كَيْلِهِ لَمْ يَجُزْ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَا بِيعَ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَقْبُوضًا إلَّا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الرَّافِعِيُّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ فَاسِدٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ وَجَزَمَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مِنْهُ طَعَامًا بِالْكَيْلِ فَدَفَعَ إلَيْهِ الطَّعَامَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الثِّمَارِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا مُكَايَلَةً وَقَبَضَهُ جُزَافًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَفِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ لِبَقَاءِ الْكَيْلِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّهُ فِي بَابِ الْقَبْضِ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ مُسَلَّطًا على التصرف في القدر المستحق فأبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ إنَّهُ يَصِحُّ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَقْيَسُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَصِحُّ وَادَّعَى الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ السَّلَمِ وَأَبُو الطَّيِّبِ هُنَا أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ شِيَخَةٌ وَطَوَائِفُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَيْهِ وَرَدَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَا وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ إنَّ الْمُرَادَ بفساد القبض ههنا أن القول قول القابض في مقداره قال امام الحرمين وَهَذَا لَيْسَ مَحْمَلًا وَاضِحًا قَالَ وَإِنَّمَا يَسْتَمِرُّ إطْلَاقُ الْفَسَادِ مِمَّنْ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْقَدْرِ الْمُسْتَيْقَنِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّلَمِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْمَقْصُودُ هُنَا أن(10/249)