قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَحَجَّةُ النَّذْرِ كَالْإِسْلَامِ فَإِذَا أَحْرَمَتْ بِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ تَحْلِيلُهَا فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِهِ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا مِنْهُ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الاسفرايني وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ والمتولي(8/332)
والبغوي وصاحب العدة والروياني والشاشي وخلائق آخرون (اصحهما) باتفاقهم له تحليلها قولا واحدا وبه قطع المصنف وطائفة (والثاني) فيه قولان كحجة الاسلام (أصحهما) لَهُ تَحْلِيلُهَا (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهَا لَمَّا أَحْرَمَتْ بِهَا صَارَتْ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ حَجَّةَ التَّطَوُّعِ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/333)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ أَبَحْنَا لَهُ تَحْلِيلَهَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَحَلَّلَ حَتَّى يَأْمُرَهَا فَإِذَا أَمَرَهَا تَحَلَّلَتْ كَمَا يَتَحَلَّلُ الْمُحْصَرُ سَوَاءً فَتَذْبَحُ الْهَدْيَ وَتَنْوِي عِنْدَهُ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَجِّ وَتُقَصِّرُ رَأْسَهَا أَوْ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ إذَا قُلْنَا الحلق نسك فان كانت واجدة للهدى فلابد مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَتْ عَادِمَةً لَهُ فَهِيَ كَالْحُرِّ الْمُحْصَرِ إذَا عَدِمَ الْهَدْيَ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ تَحَلُّلَهَا لَا يحصل الا بما يَحْصُلُ بِهِ تَحَلُّلُ الْمُحْصَرِ وَأَنَّهَا لَوْ تَطَيَّبَتْ أَوْ جُومِعَتْ أَوْ قَتَلَتْ صَيْدًا أَوْ فَعَلَتْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ(8/334)
مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ أَوْ فَعَلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بِهَا لا تصير متحللة بل يلزمه والفدية فِيمَا ارْتَكَبَتْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى أَمَرَهَا بِالتَّحَلُّلِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ لَهُ لَزِمَهَا الْمُبَادَرَةُ بِهِ وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْهُ مَعَ تَمَكُّنِهَا جَازَ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَسَائِرُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ بِهَا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا هِيَ الْإِثْمُ لِتَقْصِيرِهَا وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ التَّحَلُّلِ فَلِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا هِيَ الْإِثْمُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ
* هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ كَمَا(8/335)
قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ والله اعلم
* (فرع)
الامة المزوجة (1) لَيْسَ لِلْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ الْإِحْرَامُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْمَنْعُ بلا خلا ف فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى تَحْلِيلِهَا فَلَهُمَا ذَلِكَ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى بَقَائِهَا وَذَهَابِهَا فِي الْحَجِّ جَازَ وَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ تَحْلِيلَهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَهُ الزَّوْجُ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ(8/336)
ابْنُ الْقَطَّانِ فَيُحْتَمَلُ هَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُحَلِّلُهَا لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ الْمُسَافَرَةَ بِهَا نَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ
* وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ لِلزَّوْجِ تَحْلِيلَهَا كَمَا هُوَ لِلسَّيِّدِ وَأَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ كَالزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إذَا أَحْرَمَتْ بِتَطَوُّعٍ هَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ طَرِيقَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا أَحْرَمَتْ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَلَمْ يُرَاجِعْهَا فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ فَإِنْ قَضَتْ الْعِدَّةَ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا مَضَتْ فِي الْحَجِّ فَإِنْ أَدْرَكَتْهُ فَذَلِكَ وَإِنْ فَاتَهَا فَلَهَا حُكْمُ الْفَوَاتِ
* وَإِنْ رَاجَعَهَا فَهَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ
* وَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً بَائِنًا فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَهُ مَنْعُهَا فَإِنْ أَدْرَكَتْ الْحَجَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا فَهِيَ كَذَاتِ الْفَوَاتِ
* وَلَوْ(8/337)
أَحْرَمَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ أَقَامَتْ عَلَى إحْرَامِهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهَا التَّحَلُّلُ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَدْرَكَتْ
الْحَجَّ فَذَاكَ وَإِنْ فَاتَهَا قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ إنْ كَانَتْ هِيَ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِخِيَارٍ وَنَحْوِهِ فَهِيَ الْمُفَوِّتَةُ وَإِنْ طَرَأَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا فَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْصَرِ إذَا سَلَكَ طَرِيقًا فَفَاتَهُ هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ
* وَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا إنَّ الْمُعْتَدَّةَ الرَّجْعِيَّةَ إذَا أَحْرَمَتْ فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الذَّهَابِ فِي الْحَجِّ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا وَلَكِنْ لَهُ رَجْعَتُهَا فَإِذَا رَجَعَ هَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ يُحَلِّلُهَا بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ(8/338)
الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا
* وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِيمَا إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ ثُمَّ طَلُقَتْ ثُمَّ اعْتَدَّتْ فَفَاتَهَا قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ الْقَضَاءُ كَالْخَطَأِ فِي الْعَدَدِ (وَالثَّانِي) لَا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهَا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا أَحْرَمَتْ ثُمَّ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِوَفَاةِ زَوْجٍ أَوْ طَلَاقِهِ لَزِمَهَا الْمُضِيُّ فِي الْإِحْرَامِ وَأَعْمَالِ النُّسُكِ وَلَا تَكُونُ الْعِدَّةُ مَانِعَةً لِأَنَّ الْإِحْرَامَ سَابِقٌ قَالَ فَإِنْ مَنَعَهَا حَاكِمٌ مِنْ إتْمَامِ الْحَجِّ بِسَبَبِ الْعِدَّةِ صَارَتْ كَالْمُحْصَرِ فَتَتَحَلَّلُ وَعَلَيْهَا دَمُ الْإِحْصَارِ
*(8/339)
(فَرْعٌ)
لَوْ أَذِنَ لِزَوْجَتِهِ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ أَوْ اخْتَلَفَا فَادَّعَتْ الْإِذْنَ وَأَنْكَرَهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي قَدَّمْته فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بَيْن الْعَبْدِ وَالسَّيِّدِ كَذَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَتْ الْحَجَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ نسوة ثقات ويجوز مع امراة واحدة ان كان الطريق أمنا قالوا ولا يجوز أن تخرج بغير محرم وبغير امْرَأَةٍ ثِقَةٍ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قال إذا(8/340)
كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا لَا يُخَافُ خَلْوَةُ الرِّجَالِ بِهَا جَازَ خُرُوجُهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَبِغَيْرِ امْرَأَةٍ ثقة قال وهذا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
* قَالُوا فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ تطوعا لم يجز أن تخرج فيه إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ وَكَذَا السَّفَرُ الْمُبَاحُ كَسَفَرِ الزيارة والتجارة لا يجوز خروجها في شئ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَوَّزَ خُرُوجَهَا مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ كَسَفَرِهَا لِلْحَجِّ الْوَاجِبِ قَالَ وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ
الشَّافِعِيِّ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ نص(8/341)
عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْعِدَدِ مِنْ الْأُمِّ فَقَالَ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ
* قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فِي أَيِّ سَفَرٍ كَانَ وَاجِبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ
* وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُرُوجِ لِلْحَجِّ الْوَاجِبِ مَعَ زَوْجٍ أو محرم أو امراة ثقة ولايجوز مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ كَانَ آمِنًا (وَأَمَّا) حَجُّ التَّطَوُّعِ وَسَفَرُ الزِّيَارَةِ وَالتِّجَارَةِ وَكُلُّ سَفَرٍ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَقِيلَ يَجُوزُ مَعَ نِسْوَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَصَرَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي ذِكْرِ اسْتِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/342)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا فِي حَجِّ الْمَرْأَةِ وَذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا فِي سَفَرِ حَجِّ الْفَرْضِ أَنْ تَخْرُجَ مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ وَلَا يَجُوزُ فِي التَّطَوُّعِ وَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ وَنَحْوِهِمَا إلَّا بِمَحْرَمٍ
* وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ بِغَيْرِ نِسَاءٍ وَلَا امْرَأَةٍ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَدَاوُد
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِمَحْرَمٍ أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَسَافَةُ الَّتِي يَشْتَرِطُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا الْمَحْرَمَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَشْتَرِطْ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا مَعَهَا ذُو مَحْرَمٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ(8/343)
(لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ قَالَ اُخْرُجْ مَعَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابن سَعِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ(8/344)
لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَيْلَةً وَفِي رِوَايَةِ صَحِيحَةٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد (مَسِيرَةَ بَرِيدٍ) وَقِيَاسًا عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ وَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ وَنَحْوِهِمَا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عدي بن حاتم قال (بينا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَتَى رَجُلٌ فَشَكَا إلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ فَإِنْ طَالَ بِك حياة لترين الظعينة ترتل مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ قَالَ عَدِيٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ فِي اسْتِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا يَلْزَمُ مِنْ حَدِيث عَدِيٍّ جَوَازُ سَفَرِهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّ هَذَا سَيَقَعُ وَوَقَعَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُهُ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَرَجَ فِي سِيَاقِ ذَمِّ الْحَوَادِثِ (وَأَمَّا)(8/345)
حَدِيثُ عَدِيٍّ فَخَرَجَ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ وَالْفَضِيلَةِ وَاسْتِعْلَاءِ الْإِسْلَامِ وَرَفْعِ مَنَارِهِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد (فان قيل) هذا الخبر متروك الظهر بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِغَيْرِ جِوَارٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِغَيْرِ جِوَارٍ وَلَوْ امْرَأَةً وَاحِدَةً (فَالْجَوَابُ) أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا جَوَّزَ خُرُوجَهَا وَحْدَهَا بِغَيْرِ امْرَأَةٍ كَمَا سَبَقَ وَعَلَى مَذْهَبٍ الشَّافِعِيِّ وَمَنْصُوصِهِ يُشْتَرَطُ الْمَرْأَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَرْكُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهَا جِوَارٌ أَصْلًا - وَالْجِوَارُ الْمُلَاصِقُ وَالْقَرِيبُ - وَنَحْنُ لَا نَشْتَرِطُ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تَخْرُجُ مَعَهَا كَوْنَهَا مُلَازِمَةً لَهَا فَإِنْ مَشَتْ قُدَّامَ الْقَافِلَةِ أَوْ بَعْدَهَا بَعِيدَةً عَنْ الْمَرْأَةِ جَازَ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّا نَقُولُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْمَحْرَمُ كَالْهِجْرَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ مَرْحَلَتَيْنِ(8/346)
فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ
* (فَإِنْ قَالُوا) إنَّمَا جَازَ فِي الْمَرْحَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَفَرٍ (قُلْنَا) هَذَا مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَمِنْ أَوْجُهٍ
(أَحَدُهَا) جَوَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَآخَرِينَ أَنَّهَا عَامَّةٌ فَنَخُصُّهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى سَفَرِ التِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ وَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَسَائِرِ الْأَسْفَارِ غَيْرَ سَفَرِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ (الثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّرِيقُ آمِنًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حَجِّ التطوع وسفر التجارة انه لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِخِلَافِ حَجِّ الْفَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (وان أحرم الولد بغير اذن الابوين فان كان في حج فرض لم يكن لهما تحليله لانه فرض فلم يجز اخراجه منه كالصوم والصلاة وان كان في حج تطوع ففيه قولان
(أحدهما)
يجوز لهما تحليله لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمن أراد ان يجاهد وله ابوان (ففيهما فجاهد) فمنع الجهاد لحقهما وهو(8/347)
فرض فدل على ان المنع من التطوع لحقهما اولى (والثاني) لا يجوز لانه قربة لا مخالفة عليه فيها فلا يجوز لهما تحليله منها كالصوم
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِلَفْظِهِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ لَا مُخَالَفَةَ عَلَيْهِ فِيهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْجِهَادِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يُحْرِمَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا أَوْ إذْنِ الْحَيِّ مِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَهُ فِي حَجِّ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَأَحْرَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ وَلَا مَنْعُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ وَإِنْ مَنَعَاهُ الْإِحْرَامَ أَوْ مَنَعَهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ فَلَهُمَا الْمَنْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ(8/348)
وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا مَنْعُهُ مِنْهُ وهذا ليس بشئ فَإِنْ أَحْرَمَ بِالتَّطَوُّعِ فَهَلْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحْلِيلُهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُمَا (وَالثَّانِي) لَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَصَحَّحَهُ الْفَارِقِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* (أَمَّا) إذَا أراد حج فرض الاسلام أو قضاء أو نَذْرٍ فَلَيْسَ لَهُمَا مَنْعُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ
* وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّ لهما منعه من الفرض كالتطوع وليس بشئ فَإِنْ أَحْرَمَ
بِهِ فَلَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ مِنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ(8/349)
وَغَيْرُهُمْ فِيهِ طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ كالزوجة وليس بشئ والله أعلم
* (فرع)
وَإِذَا أَحْرَمَ بِالتَّطَوُّعِ وَأَرَادَ الْأَبَوَانِ تَحْلِيلَهُ كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ أَرَادَهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَرَادَاهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ أَرَادَ الْأَبُ تَحْلِيلَهُ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا لَهُمَا تَحْلِيلُهُ وَإِنْ أَرَادَتْهُ الْأُمُّ فَلَا وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأُمَّ كَالْأَبِ فِي هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/350)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ جَوَّزْنَا لَهُمَا تَحْلِيلَهُ فَهُوَ كَتَحْلِيلِ الزَّوْجَةِ فَيُؤْمَرُ الْوَلَدُ بِأَنْ يَتَحَلَّلَ بِمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ الْمُحْصَرُ مِنْ النِّيَّةِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا
* (فَرْعٌ)
تَحْلِيلُ الْوَلَدِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَمَنْعُهُ مِنْهَا كَالْحَجِّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ الْوَلَدُ السَّفَرَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ فَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ قَالَ وَكَذَلِكَ سَفَرُ التِّجَارَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا السَّلَامَةُ
* وَبَسَطَ الْبَغَوِيّ الْمَسْأَلَةَ هنا فقال(8/351)
إنْ أَرَادَ الْوَلَدُ الْخُرُوجَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ نُظِرَ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَلَهُمَا مَنْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُظِرَ فَإِنْ أَرَادَ تَعَلُّمَ مَا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَنْعُهُ وَفِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لَهُمَا مَنْعُهُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ هُنَاكَ دَرَجَةَ الْفَتْوَى حَتَّى لَوْ كَبِرَ الْمُفْتِي وَشَاخَ جَازَ لِشَابٍّ أَنْ يَخْرُجَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّعَلُّمُ مِنْ الشَّيْخِ
* قَالَ وَلَوْ خَرَجَ وَاحِدٌ لِلتَّعَلُّمِ هَلْ لِآخَرَ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا لِأَنَّهُ قَامَ بِهِ غَيْرُهُ كَالْجِهَادِ (وَالثَّانِي) نَعَمْ لِأَنَّ قَصَدَ إقَامَةِ الدِّينِ لَا خَوْفَ فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ
*(8/352)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَهُوَ مُوسِرٌ يَجُوزُ لِمُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ
إلَى الْحَجِّ وَحَبْسُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَمَا سَبَقَ بَلْ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَالْمُضِيُّ فِي الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا مُطَالَبَةَ وَلَا مَنْعَ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا مَنْعَ وَلَا مُطَالَبَةَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ حَتَّى يُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِي الدَّيْنَ عِنْدَ حُلُولِهِ
* (فَرْعٌ)
حَيْثُ جَوَّزْنَا تَحْلِيلَ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ فَتَحَلَّلَا فَلَهُمَا حُكْمُ الْمُتَحَلِّلِ بِحُصْرٍ خَاصٍّ فَإِنْ كَانَ حَجَّ تَطَوُّعٍ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي حُكْمِ الْحَاجِّ الْمُحْصَرِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُ الْعَبْدِ وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُ الزَّوْجَةِ وَلِلْوَالِدِ تَحْلِيلُ الْوَلَدِ
* هَذَا كُلُّهُ مَجَازٌ وَلَا يَصِحُّ التَّحْلِيلُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ الْعَبْدَ وَالزَّوْجَةَ وَالْوَلَدَ بِالتَّحَلُّلِ فَيَتَحَلَّلُ الْمَأْمُورُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ عَلَى تَفْصِيلِهِ السَّابِقِ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا شك فيه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (إذا أحرم وشرط التحلل لغرض صحيح مثل أن يشترط أنه إذا مرض تحلل أو إذا ضاعت نفقته تحلل ففيه طريقان
(أحدهما)
أنه على قولين
(أحدهما)
لا يثبت الشرط لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عذر فلم يجز الخروج منها بالشرط كالصلاة المفروضة (والثاني) أنه يثبت الشرط لما روى ابن عباس (أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قالت يا رسول الله اني امرأة ثقيلة واني أريد الحج فكيف تأمرني أن أهل قال أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني) فدل على جواز الشرط (ومنهم) من قال يصح الشرط قولا واحدا لانه علق أحد القولين على صحة حديث ضباعة فعلى هذا إذا شرط أنه إذا مرض تحلل لم يتحلل الا بالهدي وان شرط أنه إذا مرض صار حلالا فمرض صار حلالا
* ومن أصحابنا من قال لا يتحلل الا بالهدي لان مطلق كلام الادمي يحمل على ما تقرر في الشرع والذي تقرر في الشرع أنه لا يتحلل الا بالهدى فاما إذا شرط أنه يخرج منه إذا شاء أو يجامع فيه إذا شاء فلا يجوز له لانه خروج من غير عذر فلم يصح شرطه)
*(8/353)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ضُبَاعَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَتْ طُرُقُهُ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَعَ بَيَانِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ بَيَانِ الْفَصْلِ جَمِيعًا وَبَسَطْنَاهَا وَاضِحَةً فِي فَصْلِ إحْصَارِ
الْغَرِيمِ وَالْمَرِيضِ وَيَحْصُلُ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَتَحَلَّلْ إلَّا بِالْهَدْيِ اخْتِيَارٌ منه للضعيف من القولين (والاصح) أَنَّهُ لَا دَمَ
* هَذَا إذَا أَطْلَقَ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ (أَمَّا) إذَا قَالَ أَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ لَزِمَهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَالَ أَتَحَلَّلُ بِلَا هَدْيٍ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ هُنَاكَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَصَوْمِهِ (وَقَوْلُهُ) كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ مُؤَدَّاةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَوْ مَقْضِيَّةٍ أَوْ صَوْمٌ وَاجِبٌ بِقَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ الْخُرُوجُ بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَفِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَآخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ
* والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (إذا أحرم ثم ارتد ففيه وجهان
(أحدهما)
يبطل احرامه لانه إذا بطل الاسلام الذي هو أصل فلان يبطل الاحرام الذي هو فرع أولى (والثاني) لا يبطل كما لا يبطل بالجنون والموت فعلى هذا إذا رجع إلى الاسلام بني عليه)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ فَلَأَنْ يَبْطُلَ الْإِحْرَامُ وَهُوَ فَرْعٌ يُنْتَقَضُ بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ فَرْعٌ وَلَا يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَبْطُلُ
* وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ آخَرَانِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ فُرُوعِهَا فِي بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِي مَسَائِلِ إفْسَادِ الْحَجِّ بِالْجِمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
فِي مَسَائِلَ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِحْصَارِ (مِنْهَا) الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ لَهُ التَّحَلُّلُ إذَا أَحْصَرَهُ عَدُوٌّ بِالْإِجْمَاعِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَهُوَ شاذ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ
* وعن مالك لادم عَلَيْهِ
* دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر من الهدي) وَتَقْرِيرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَإِنْ(8/354)
أُحْصِرْتُمْ فَلَكُمْ التَّحَلُّلُ وَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَأُحْصِرَ فَلَهُ التَّحَلُّلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ لِأَنَّهَا تفوت دليلنا قوله تعالى (فان أحصرتم) وَنَزَلَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أَحْرَمُوا بِالْعُمْرَةِ فَتَحَلَّلُوا
وَذَبَحُوا الْهَدَايَا وَحَدِيثُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ عِنْدَنَا التحلل بالاحصار قبل الوقوف أو بعده سَوَاءٌ أُحْصِرَ عَنْ الْكَعْبَةِ فَقَطْ أَوْ عَنْ عَرَفَاتٍ فَقَطْ أَوْ عَنْهُمَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتَحَلَّلُ بِالْإِحْصَارِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ عَنْ الْكَعْبَةِ وَعَرَفَاتٍ تَحَلَّلَ وَإِنْ أُحْصِرَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ
* دليلنا قوله تعالى (فان احصرتم) الْآيَةُ وَلَمْ يُفَرِّقْ
* (فَرْعٌ)
ذَبْحُ هَدْيِ الْإِحْصَارِ حَيْثُ أُحْصِرَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ الافى الْحَرَمِ قَالَ وَيَجُوزُ قَبْلَ النَّحْرِ
* وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَحَرَ هَدْيَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ خَارِجُ الْحَرَمِ)
* (فَرْعٌ)
إذَا تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ فَإِنْ كَانَ حَجُّهُ فَرْضًا بَقِيَ كَمَا كَانَ قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالنَّخَعِيُّ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ التَّطَوُّعِ أَيْضًا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ الْعُذْرُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
* وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد يَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِالْمَرَضِ وَكُلِّ عُذْرٍ حَدَثَ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ لِلْمَكِّيِّ التَّحَلُّلُ إذَا أُحْصِرَ عَنْ عَرَفَاتٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن وغيره (1)
*
__________
(1) بياض بالاصل(8/355)
(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَهُ منع زوجته من حجة الاسلام وقال مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) اشْتِرَاطُ الْمَحْرَمِ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي السَّفَرِ فَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا بَيَانُهُ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ والله أعلم
* (باب الهدي)
* قال المصنف رحمه الله
* (يستحب لمن قصد مكة حاجا أو معتمرا أن يهدي إليها من بهيمة الانعام وينحره ويفرقه لما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أهدى مائة بدنة) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَا يُهْدِيهِ سَمِينًا حَسَنًا لقوله تعالى (ومن يعظم شعائر الله) قال ابن عباس في تفسيرها الاستسمان والاستحسان والاستعظام فان نذر وجب عليه لانه قربة فلزمت بالنذر)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (أَهْدَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ) صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتَّصْرِيحُ بِالْمِائَةِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ
* وَشَعَائِرُ اللَّهِ مَعَالِمُ دِينِهِ وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ وَأَصْلُ الشَّعَائِرِ وَالْأَشْعَارِ وَالشِّعَارِ الْأَعْلَامُ (وَقَوْلُهُ) قُرْبَةٌ - بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا - لغتان مشهورتان قرى بِهِمَا فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ بِالْإِسْكَانِ وَوَرْشٌ بِالضَّمِّ
* وَالْهَدْيُ - بِإِسْكَانِ الدَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْأَصْلُ التَّشْدِيدُ وَالْوَاحِدَةُ هَدْيَةٌ وَهَدِيَّةٌ وَيُقَالُ فِيهِ أَهْدَيْت الْهَدْيَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْهَدْيُ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يُجْزِئُ فِي الاضحية من الابل والبقر والغنم خاصة ولهذا قَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَخَصَّهُ بِبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ لِكَوْنِهِ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا يُهْدَى
* وَالْأَنْعَامُ هِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا مِنْ الْأَنْعَامِ وَيَنْحَرَهُ هُنَاكَ وَيُفَرِّقَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ الْمَوْجُودِينَ فِي الحرم
*(8/356)
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَا يُهْدِيهِ سَمِينًا حَسَنًا كَامِلًا نَفِيسًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يَجِبُ الْهَدْيُ إلَّا بِالنَّذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْهَدْيُ مَعَهُ مِنْ بَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَشِرَاؤُهُ مِنْ الطَّرِيقِ أَفْضَلُ مِنْ شِرَائِهِ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ عَرَفَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَسُقْهُ أَصْلًا بَلْ اشْتَرَاهُ مِنْ مِنًى جَازَ وَحَصَلَ أَصْلُ الْهَدْيِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بن جبير لاهدي إلا ما أحضر عرفات * قال المصنف رحمه الله
* (فان كان من الابل والبقر فالمستحب أن يشعرها في صفحة سنامها الايمن ويقلدها نعلين لِمَا
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (صلى الظهر في ذي الحليفة ثم أتى ببدنة فاشعرها في صفحة سنامها الايمن ثم سلت الدم عنها ثم قلدها نعلين) ولانه ربما اختلط بغيره فإذا أشعر وقلد تميز وربما ند فيعرف بالاشعار والتقليد فيرد
* وان كان غنما قلده لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم (أهدى مرة غنما مقلدة) وتقلد الغنم خرب القرب لان الغنم يثقل عليها حمل النعال ولا يشعرها لان الاشعار لا يظهر في الغنم لكثرة شعرها وصوفها)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ (وَقَوْلُهُ) يُشْعِرُهَا - بِضَمِّ الْيَاءِ - وَأَصْلُ الْإِشْعَارِ الْإِعْلَامُ (وَقَوْلُهُ) صَفْحَةُ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْيُمْنَى لِأَنَّ الصَّفْحَةَ مُؤَنَّثَةٌ وَهَذَا وَصْفٌ لَهَا وَلَكِنْ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (هَذَا صَفْحَةُ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ) فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصَّفْحَةِ الْجَانِبُ
* وَخُرَبُ الْقِرَبِ - بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ) وَهِيَ عُرَاهَا وَاحِدَتُهَا خُرْبَةٌ كَرُكْبَةٍ وَرُكَبٍ (وَقَوْلُهُ) نَدَّ هُوَ - بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ - أَيْ هَرَبَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ أَهْدَى شَيْئًا مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَنْ يُشْعِرَهُ وَيُقَلِّدَهُ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ وَأَنَّهُ إذَا أَهْدَى غَنَمًا قَلَّدَهَا وَلَا يُشْعِرُهَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ(8/357)
الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْجَمِيعِ وَالْهَدْيُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَيُقَلِّدُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَلَا يُشْعِرُهَا فَجَعَلَ الْبَقَرَ كَالْغَنَمِ فَغَلَطٌ لِلذُّهُولِ لَا أَنَّهُ تَعَمَّدَهُ وَأَنَّهُ وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي التَّحْرِيرِ فِي صَحِيحِ التَّنْبِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الْمُرَادُ بِالْإِشْعَارِ هُنَا أَنْ يَضْرِبَ صَفْحَةَ سَنَامِهَا الْيُمْنَى بِحَدِيدَةٍ وَهِيَ بَارِدَةٌ مُسْتَقْبِلَةُ الْقِبْلَةِ فَيُدْمِيهَا ثُمَّ يُلَطِّخُهَا بِالدَّمِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالُوا وَتَقْلِيدُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يَكُونُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ هَذِهِ النِّعَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الرِّجْلَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا بَعْدَ ذَبْحِ الْهَدْيِ
* وَتَقْلِيدُ الْغَنَمِ بِخُرَبِ الْقِرَبِ وَهِيَ عُرَاهَا
وَآذَانُهَا وَالْخُيُوطُ الْمَفْتُولَةُ وَنَحْوُهَا قَالُوا وَلَا يُقَلِّدُهَا النَّعْلَ وَلَا يُشْعِرُهَا لِمَا ذَكَرَهُ المصنف
* ولو ترك التقليد والاشعار فلا شئ عَلَيْهِ لَكِنْ فَاتَهُ الْفَضِيلَةُ
* وَيَجُوزُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ تَقْدِيمُ الْإِشْعَارِ عَلَى التَّقْلِيدِ وَعَكْسُهُ وَفِي الْأَفْضَلِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ تَقْدِيمُ التَّقْلِيدِ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) تَقْدِيمُ الْإِشْعَارِ أَفْضَلُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَصَحَّ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّ الْأَوَّلُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ
* رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبَيْهَقِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الشِّعَارِ فِي صَفْحَةِ السَّنَامِ الْيُمْنَى نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَلَوْ أَهْدَى بَعِيرَيْنِ مَقْرُونَيْنِ فِي حَبْلٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ يُشْعِرُ أَحَدَهُمَا فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَالْآخَرَ فِي الْيُسْرَى لِيُشَاهَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَقَرَةِ وَالْبَدَنَةِ سَنَامٌ أَشْعَرَ مَوْضِعَ سَنَامِهَا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وهو مذهب مالك وأحمد وابن يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَدَاوُد
* قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ الْإِشْعَارُ سُنَّةٌ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِشْعَارُ بِدْعَةٌ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ هُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَمُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُمَا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا(8/358)
بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بها إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شئ كَانَ لَهُ حَلَالًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَا (خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الحديبية من المدينة مع عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إذَا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ بِيَدَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ بِأُصْبُعَيْهِ
* وَعَنْ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنْ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ
وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يُقَلِّدهُ قَبْلَ أَنْ يُشْعِرَهُ وَذَلِكَ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَهُوَ مُوَجَّهٌ لِلْقِبْلَةِ يُقَلِّدُهُ نَعْلَيْنِ وَيُشْعِرُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ حَتَّى يُوقَفَ بِهِ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ يَدْفَعُ بِهِ مَعَهُمْ إذَا دَفَعُوا فَإِذَا قَدِمَ فِي غَدَاةٍ نَحَرَهُ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ فَهُوَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعَنْ مالك عن نافع أن ابن عمر (كان يُشْعِرُ بَدَنَةً مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صِعَابًا مُقْرِنَةً فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَدْخُلَ مِنْهَا أَشْعَرَ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَإِذَا أراد أن يشعرها وجهها إلى القبلة وإ ذا أَشْعَرَهَا قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَأَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُهَا بِيَدِهِ وَيَنْحَرُهَا بِيَدِهِ قِيَامًا) وَرَوَى مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ (لَا هَدْيَ إلَّا مَا قُلِّدَ وأشعر وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ) وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْهَا قَالَتْ (إنَّمَا تُشْعَرُ الْبَدَنَةُ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا بَدَنَةٌ) (وَأَمَّا) الجواب عن احْتِجَاجِهِمْ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ فَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ وَأَحَادِيثُ الْإِشْعَارِ خَاصَّةٌ فَقُدِّمَتْ (وَأَجَابَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُثْلَةِ كَانَ عَامَ غَزْوَةِ أُحُدٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَالْإِشْعَارُ كَانَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَعَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ فَكَانَ نَاسِخًا وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ(8/359)
إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ وَالتَّأْوِيلِ وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُثْلَةِ بَاقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الْإِشْعَارِ فِي صَفْحَةِ السَّنَامِ الْيُمْنَى وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ يُشْعِرُهَا فِي الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا إشْعَارُ الْبَقَرِ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ لَهَا سَنَامٌ أُشْعِرَتْ فِيهِ وَإِلَّا فَفِي مَوْضِعِهِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ لَهَا سَنَامٌ أُشْعِرْت فِيهِ وَإِلَّا فَلَا إشْعَارَ (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا تَقْلِيدُ الْغَنَمِ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يُسْتَحَبُّ
* (فرع)
يستحب بتر قَلَائِدِ الْهَدْيِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ (فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شئ كَانَ
لَهُ حَلَالًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (كُنْت أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فليقلد الْغَنَمَ وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ لَمْ يَصِرْ هَدْيًا وَاجِبًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الْجَدِيدِ بَلْ يَبْقَى سُنَّةً كَمَا قَبْلَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ وَفِيهِ قَوْلٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَصِيرُ وَاجِبًا كَمَا لَوْ نَذَرَهُ بِاللَّفْظِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ ذَكَرهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النَّذْرِ
* (فرع)
إذا قلده هَدْيَهُ وَأَشْعَرَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يصير محرما بنية الاحرام هذا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً
* وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمَا قَالَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَهَذَا النَّقْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِيهِ تَسَاهُلٌ وَإِنَّمَا مذهب ابن عباس أنه إذ قلد هديه حرم عليه ما يحرم عل الْمُحْرِمِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَكَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ إنْ صَحَّ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شئ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْتُهُ حَدِيثُ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إلَى عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ أَهْدَى(8/360)
هَدْيًا حُرِّمَ عَلَيْهِ مَا يُحَرَّمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ قَالَتْ عَمْرَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شئ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ كَتَبَ إلَى عَائِشَةَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (أَنَا فَتَلْت تِلْكَ الْقَلَائِدَ مِنْ عِهْنٍ كَانَ عندنا فأصبح فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَالًا يَأْتِي مَا يَأْتِي الْحَلَالُ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ يَأْتِي مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهْدِي مِنْ الْمَدِينَةِ فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هديه ثم لاشيئا مِمَّا يَتَجَنَّبُ الْمُحْرِمُ) وَعَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
السُّنَّةُ أَنْ يُقَلِّدَ هَدْيَهُ وَيُشْعِرَهُ عِنْدَ إحْرَامِهِ سَوَاءً أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ الذَّهَابَ إلَى الْحَجِّ أَنْ يَبْعَثَ هَدْيًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ مِنْ بَلَدِهِ بِخِلَافِ مَنْ يَخْرُجُ بِهَدْيِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُشْعِرُهُ وَيُقَلِّدُهُ حِينَ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّحْمُ وَالذَّكَرُ أَجْوَدُ لَحْمًا وَأَكْثَرُ وَيُخَالِفُ الزَّكَاةَ حَيْثُ لَا يُجْزِئُ الذَّكَرُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَسْلِيمُ الْحَيَوَانِ فِي الزَّكَاةِ حَيًّا لِيَنْتَفِعَ الْمَسَاكِينُ بِدَرِّهِ وَنَسْلِهِ وَصُوفِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأُنْثَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الذَّكَرِ لِأَنَّهَا أَزْكَى لَحْمًا
* وَالضَّأْنُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَعْزِ وَالْفَحْلُ أَفْضَلُ مِنْ الْخَصِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ يُرِدْ الْفَحْلَ الَّذِي يَضْرِبُ لِأَنَّ الضِّرَابَ يُهْزِلُهُ وَيُضْعِفُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْفَحْلَ الَّذِي لَا يَضْرِبُ
* (فَرْعٌ)
ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أقوم على بدنه وأن أَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتهَا وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا وَقَالَ نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا)(8/361)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ (أَهْدَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَّمْتهَا ثُمَّ أَمَرَنِي بِجَلَالِهَا فَقَسَّمْتهَا ثُمَّ أَمَرَنِي بِجُلُودِهَا فَقَسَّمْتهَا) وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَجْلِيلِ الْهَدْيِ وَالصَّدَقَةِ بِذَلِكَ الْجِلِّ
* وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّجْلِيلَ يَكُونُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ وَتَكُونُ نَفَاسَةُ الْجِلَالِ بِحَسَبِ حَالِ الْمُهْدَى وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُجَلِّلُ بِالْوَشْيِ وبعضهم بالحبره وبعضهم بالملادن والازر
* وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُجَلِّلُ بِالْأَنْمَاطِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْأَسْنِمَةِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا قَلِيلَةً لِئَلَّا يَسْقُطَ وَلِيَظْهَرَ الْإِشْعَارُ وَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً لَمْ يَشُقَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
* فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ إلَى أَنْ يَنْحَرَ وَإِنْ كَانَ نَذْرًا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيتُ نجيبة وأعطيت بها ثلثمائة دِينَارٍ أَفَأَبِيعُهَا وَأَبْتَاعُ بِثَمَنِهَا بُدْنًا وَأَنْحَرُهَا قَالَ لَا وَلَكِنْ انْحَرْهَا إيَّاهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُرْكَبُ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ بِالْمَعْرُوفِ إذَا احتاج لقوله تعالى (ولكم فيها منافع إلى أجل مسمى) وَسُئِلَ جَابِرٌ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا فَإِنْ نَقَصَتْ بِالرُّكُوبِ ضُمِنَ النُّقْصَانُ وَإِنْ نَتَجَتْ تَبِعَهَا الْوَلَدُ وَيَنْحَرُهُ مَعَهَا سَوَاءً حَدَثَ بَعْدَ النَّذْرِ أَوْ قَبْلَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً وَمَعَهَا وَلَدُهَا فَقَالَ لَا تَشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَاذْبَحْهَا وَوَلَدَهَا وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُزِيلُ الْمِلْكَ فَاسْتَتْبَعَ الْوَلَدَ كَالْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَمْشِيَ حَمَلَهُ عَلَى ظهر الام لما روي أن ابْنُ عُمَرَ كَانَ يَحْمِلُ وَلَدَ الْبَدَنَةِ إلَى أَنْ يُضَحِّيَ عَلَيْهَا وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا إلَّا ما لا يحتاج إليه الولد لقول عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ غِذَاءُ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ كَالْأُمِّ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْنَعَ الْأُمَّ عَلَفَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ(8/362)
يَمْنَعَ الْوَلَدَ غِذَاءَهُ وَإِنْ فَضَلَ عَنْ الْوَلَدِ شئ فله أن يشربه لقوله عز وجل (ولكم فيها منافع إلى أجل مسمى) وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهَا صُوفٌ نَظَرْت فَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِهِ صَلَاحٌ بِأَنْ يَكُونَ في الشتاء وتحتاج إليه للدفء لَمْ يَجُزَّهُ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْحَيَوَانُ فِي دَفْعِ الْبَرْدِ عَنْهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ عِنْدَ الذبح وان كان الصلاح في جزه بان يَكُونَ فِي وَقْتِ الصَّيْفِ وَقَدْ بَقِيَ إلَى وَقْتِ النَّحْرِ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ جَزَّهُ لِأَنَّهُ يَتَرَفَّهُ بِهِ الْهَدْيُ وَيَسْتَمِرُّ فَتَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَإِنْ أُحْصِرَ نَحْرُهُ حَيْثُ أَحُصِرَ كَمَا قُلْنَا فِي هَدْيِ الْمُحْصَرِ وَإِنْ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ فَإِذَا هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ تُضْمَنْ كَالْوَدِيعَةِ وَإِنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ ذَبَحَهُ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَتَى فِي هَدَايَاهُ بِنَاقَةٍ عَوْرَاءَ فَقَالَ إنْ كَانَ أَصَابَهَا بَعْدَ مَا اشْتَرَيْتُمُوهَا فَأَمْضُوهَا وَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَشْتَرُوهَا فَأَبْدِلُوهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ جَمِيعُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ فَإِذَا نَقَصَ بَعْضُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ كَالْوَدِيعَةِ)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ نَجِيبَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَهْمِ بْنِ الْجَارُودِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مُرْسَلٌ
* وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ نَجِيبَةُ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُحَدِّثُونَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَاتِهِمْ نَجِيبًا بِغَيْرِ هَاءٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فراوه مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ (سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا) وَعَنْ أَنَسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا فَقَالَ إنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي حَمْلِ وَلَدِ الْبَدَنَةِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَهُوَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ (1) أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ (إذَا أَنْتَجَتْ الْبَدَنَةُ فَلْيُحْمَلْ وَلَدُهَا حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَحَلًّا فَلْيُحْمَلْ عَلَى أُمِّهِ حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا) (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ فصحيح رواه البيهقي باسناد صحيح (أما) لفظ الفصل (فقوله) لانه معنى يزيل
__________
(1) بياض بالاصل)
*)(8/363)
الْمِلْكَ فَاسْتَتْبَعَ الْوَلَدَ احْتِرَازٌ مِنْ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا لَا يَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَقَوْلُهُ) يَحْتَاجُ لِلدَّفَأِ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ لِلدَّفَأِ وَهُوَ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْفَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ - على وزن الظمأ قال الجوهري الدفء السخونة يقول فيه دفئ دفأ مثل ظمئ ظمأ والاسم الدفئ بالكسر وهو الشئ الذي يدفئك والجمع الدفاء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ وَلَمْ يُنْذِرْهُ وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ مُجَرَّدُ نِيَّةِ ذَبْحِهِ وَهَذَا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ كَمَا لَوْ نَوَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يَقِفَ دَارِهِ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا حِكَايَةُ قَوْلٍ شَاذٍّ أَنَّهُ إذَا قَلَّدَ الْهَدْيَ صَارَ كَالْمَنْذُورِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ هَدْيَ هَذَا الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَصَارَ الْحَيَوَانُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ لِلنَّاذِرِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا وَصِيَّةٍ وَلَا رَهْنٍ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تُزِيلُ الملك أو تؤل إلَى زَوَالِهِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِخَيْرٍ مِنْهُ
* هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ حَتَّى يَذْبَحَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقُ هَذَا الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِإِعْتَاقِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ
* وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْإِعْتَاقِ بِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ فِي الْهَدْيِ إلَى الْمَسَاكِينِ فَانْتَقَلَ بِنَفْسِ النَّذْرِ
كَالْوَقْفِ (وَأَمَّا) الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْعَبْدِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ بَلْ يَنْفَكُّ عَنْ الْمِلْكِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً مُعَيَّنَةً فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْهَدْيِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِيهَا الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ وَإِبْدَالُهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَزَلْ الْمِلْكُ فِيهِ بِنَفْسِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّذْرِ لِهَذَا الْعَبْدِ حَقٌّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ خَالَفَ فَبَاعَ الْهَدْيَ أَوْ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَيْنِ لَزِمَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ بَاقِيَةً وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الثَّمَنِ فَإِنْ تَلِفَ الْهَدْيُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ وَيَشْتَرِي النَّاذِرُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ مِثْلَ التَّالِفِ(8/364)
جِنْسًا وَنَوْعًا وَسِنًّا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِالْقِيمَةِ الْمِثْلَ لِغَلَاءٍ حَدَثَ لَزِمَهُ أَنْ يَضُمَّ مِنْ مَالِهِ إلَيْهَا تَمَامَ الثَّمَنِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ يَضْمَنُ مَا بَاعَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِثْلِهِ
* وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ لِرُخْصٍ حَدَثَ لَزِمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَفِيمَا يَفْعَلُ بِالزِّيَادَةِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ مَعَ تَمَامِ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* ثُمَّ إنْ اشْتَرَى الْمِثْلَ بِعَيْنِ الْقِيمَةِ صَارَ الْمُشْتَرَى ضَحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَنَوَى عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهَا ضَحِيَّةٌ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلْيَجْعَلْهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ ضَحِيَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَيْنِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا
* وَيَجُوزُ إعَارَتُهَا لِأَنَّهَا إرْفَاقٌ كَمَا يجوز له الِارْتِفَاقُ بِهَا فَلْو خَالَفَ وَأَجَّرَهَا فَرَكِبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَتَلِفَتْ ضَمِنَ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهَا وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأُجْرَةَ وَفِي قَدْرِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أُجْرَةُ الْمِثْلِ (وَالثَّانِي) الْأَكْثَرُ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى
* ثُمَّ فِي مَصْرِفِهَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْفُقَرَاءُ فَقَطْ (وَأَصَحُّهُمَا) مَصْرِفِ الضَّحَايَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ رُكُوبُ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَيْنِ وَيَجُوزُ إرْكَابُهَا بِالْعَارِيَّةِ كَمَا سَبَقَ ويجوز الحمل عليهما ولا يجوز اجارتهما لذلك ويشترط في الركوب والارتكاب وَالْحَمْلِ أَنْ يَكُونَ مُطِيقًا لِذَلِكَ لَا يَتَضَرَّرُ به ولايجوز الرُّكُوبُ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ إلَّا لِحَاجَةٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ
* وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يَرْكَبُ الْهَدْيَ إذَا اضْطَرَّ إلَيْهِ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجُوزُ بِلَا ضَرُورَةٍ
مَا لَمْ يُهْزِلْهَا
* (وَأَمَّا) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرْكَبَ الْهَدْيُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهِ رَكِبَهُ رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ
* وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَا يَجُوزُ رُكُوبُهُ إلَّا لضرورة
* وقال الروياني قال الشافعي في الْأَوْسَطُ لَيْسَ لَهُ رُكُوبُهُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وله حمل المضطر والمعى قَالَ وَقَالَ الْقَفَّالُ هَلْ يَجُوزُ الرُّكُوبُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ الرُّكُوبُ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ الْهَدْيَ سَوَاءٌ كَانَ ضَرُورَةً أَمْ لَا قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا مَعَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا(8/365)
رَكِبَهَا حَيْثُ أَذِنَّا لَهُ فَنَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا وَلَدَ الْهَدْيُ أَوْ الْأُضْحِيَّةُ الْمُتَطَوَّعَةُ بِهِمَا فَالْوَلَدُ مِلْكٌ لَهُ كَالْأُمِّ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ كَالْأُمِّ
* وَلَوْ وَلَدَتْ الَّتِي عَيَّنَهَا ابْتِدَاءً بِالنَّذْرِ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً تَبِعَهَا وَلَدُهَا بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ النَّذْرِ أَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بَقِيَ حُكْمُ الْوَلَدِ كَمَا كَانَ وَيَجِبُ ذَبْحُهُ فِي وَقْتِ ذَبْحِ الْأُمِّ وَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْهَدْيِ فِيهِ بِمَوْتِ أُمِّهِ كَمَا لَا يُرْفَعُ حُكْمُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَوْتِهَا
* وَلَوْ عَيَّنَهَا بِالنَّذْرِ عَمَّا كَانَ الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّ حُكْمَ وَلَدِهَا حُكْمُهَا كَوَلَدِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّذْرِ ابْتِدَاءً (وَالثَّانِي) لَا يَتْبَعُهَا بَلْ هُوَ مِلْكُ الْمُضَحِّي وَالْمُهْدِي لِأَنَّ مِلْكَ الْفُقَرَاءِ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ فِي هَذِهِ فَإِنَّهَا لَوْ غَابَتْ عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ (وَالثَّالِثُ) يَتْبَعُهَا مادامت حَيَّةً فَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَبْقَ حُكْمُ الْهَدْيِ وَلَا الْأُضْحِيَّةِ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالُوا وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ إذَا مَاتَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا لَمْ يُطِقْ وَلَدُ الْهَدْيِ الْمَشْيَ حُمِلَ عَلَى أُمِّهِ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا ذَبَحَ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَفِي تَفْرِقَةِ لَحْمِهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لِكُلِّ واحد حكم أضحية مستقلة فيتصدق من كل واحدة بشئ لِأَنَّهُمَا ضَحِيَّتَانِ (وَالثَّانِي) يَكْفِي التَّصَدُّقُ مِنْ إحْدَاهُمَا لِأَنَّهُ بَعْضُهَا (وَالثَّالِثُ) لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ مِنْ الْأُمِّ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ
* وَيَشْتَرِكُ الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ فِي جَوَازِ أَكْلِ جَمِيعِ الْوَلَدِ (أَمَّا) إذَا ذَبَحَهَا فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا فَقَالَ الرَّافِعِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ وَيَحْتَمِلُ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ بَعْضُهَا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ أَنَّ الْحَمْلَ لَهُ حُكْمٌ وَقِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) لَا فَهُوَ بَعْضُ كيدها وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ طَرْدُ الْخِلَافِ وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ بعض (وَالْأَصَحُّ) عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ جَمِيعِهِ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَ لَبَنُ الْهَدْيِ أَوْ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَيْنِ قَدْرَ كِفَايَةِ الولد لا يجوز حلب شئ مِنْهُ فَإِنْ حَلَبَ فَنَقَصَ الْوَلَدُ بِسَبَبِهِ لَزِمَهُ (1) وَإِنْ فَضَلَ عَنْ رَيِّ الْوَلَدِ حَلَبَ الْفَاضِلَ ثم قال
__________
(1) بياض بالاصل)
*)(8/366)
الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَهُ شُرْبُهُ لِأَنَّهُ يَشُقُّ نَقْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَسْتَخْلِفُهُ بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ بَلْ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُهُ الْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ لَمْ نُجَوِّزْ أَكْلَ لَحْمِ الْهَدْيِ لَمْ يَجُزْ شُرْبُ لَبَنِهِ بَلْ يَجِبُ نَقْلُهُ إلَى مَكَّةَ إنْ أَمْكَنَ أَوْ تَجْفِيفُهُ وَنَقْلُهُ جَافًّا فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فِي مَوْضِعِ الْحَلْبِ وَإِنْ جَوَّزْنَا أَكْلَ لَحْمِهِ جَازَ شُرْبُهُ فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) مِنْهَا الْقَطْعُ بِجَوَازِ شُرْبِ الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَةِ الْوَلَدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَوْسَطِ وَفِي غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ تَصَدَّقَ لَكَانَ أَفْضَلَ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَحَيْثُ جَازَ شُرْبُهُ جَازَ أن يسقيه لغيره بلا عوض ولايجوز بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ كَانَ حُكْمُ لَبَنِهِ حُكْمَ الزَّائِدِ عَلَى حَاجَةِ الْوَلَدِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ فِي بَقَاءِ صُوفِ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ مَصْلَحَةٌ لِدَفْعِ ضَرَرِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ كَانَ وَقْتُ ذبحه قريبا ولم يضره بقاؤه لم يجز جَزُّهُ وَإِنْ كَانَ فِي جَزِّهِ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِ الذَّبْحِ بَعْدَ جَزِّهِ وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَسْتَصْحِبُ الصُّوفَ إلَى الْحَرَمِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ هُنَاكَ عَلَى الْمَسَاكِينِ كَالْوَلَدِ وَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِأَنْ لَا يَجُزَّ الصُّوفَ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) إذَا أُحْصِرَ وَمَعَهُ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ أَوْ الْمُتَطَوَّعُ بِهِ فَيَحِلُّ نَحْرُ الْهَدْيِ هُنَاكَ كَمَا يُنْحَرُ هَدْيُ الْإِحْصَارِ هُنَاكَ (السَّابِعَةُ) إنْ تَلِفَ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ أَوْ الْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَةُ قَبْلَ الْمَحِلِّ بِتَفْرِيطٍ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِنْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ وَإِنْ تَعِبَ ذَبَحَهُ وَأَجْزَأَهُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ في الكتاب ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا شَاذًّا حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ
وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الاستراباذي مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ إبْدَالُ الْمَعِيبِ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا الْتَزَمَ هَذَا فَإِذَا تَعَيَّبَ مِنْ غَيْرِ تفريط لم يلزمه شئ كَمَا لَوْ تَلِفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُعَيَّنًا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ
* وقال(8/367)
أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنْ إذَا بَاعَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ مِثْلَهُ هَدْيًا
* دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي رُكُوبِ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ لِلْمُحْتَاجِ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ
* وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَهُ رُكُوبُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّهُ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْكَبُهُ إلَّا إنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا
* وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ أَوْجَبَ رُكُوبَهَا لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَلِمُخَالِفَةِ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ إهْمَالِ السَّائِبَةِ وَالْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ
* دَلِيلُنَا عَلَى الْأَوَّلَيْنِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَعَلَى الْمُوجِبِينَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْدَى الْهَدَايَا وَلَمْ يَرْكَبْهَا)
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُعَيَّنًا سَلِيمًا ثُمَّ تَعَيَّبَ لَا يَلْزَمُهُ إبداله وبه قال عبد الله ابن الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ إبْدَالُهُ وَبِهِ قَالَ الاستراباذي مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا جَوَازُ شُرْبِ مَا فَضَلَ مِنْ لَبَنِ الْهَدْيِ عَنْ الْوَلَدِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَلْ يَنْضَحُ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ لِيَخِفَّ اللَّبَنُ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (وإن عطب وخاف أن يهلك نحره وَغَمَسَ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ لما روى ابو قبيصة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبعث بالهدي ثم يقول إن عطب منها شئ فَخَشِيت عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا في دمها ثم اضرب صَفْحَتَهَا وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رفقتك ولانه هدى
معكوف عن الحرم فوجب نحره مكانه كهدي المحصر وهل يجوز ان يفرقه على فقراء الرفقة فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز لحديث ابي قبيصة ولان فقراء الرفقة يتهمون في سبب عطيها فلم يطعموا منها (والثاني) يجوز لانهم من أهل الصدقة فجاز ان يطعموا كسائر الفقراء فان أخر ذبحه حتى مات ضمنه(8/368)
لانه مفرط في تركه فضمنه كالمودع إذَا رَأَى مَنْ يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ فَسَكَتَ عَنْهُ حتى سرقها وإن أتلفها لزمه الضمان لانه أتلف مال المساكين فلزمه ضمانه ويضمنه بأكثر الامرين من قيمته أو هدي مثله لانه لزمه الاراقة والتفرقة وقد فوت الجميع فلزمه ضمانهما كما لو أتلف شيئين فان كانت القيمة مثل ثمن مثله اشترى مثله وأهداه وان كانت أقل لزمه ان يشتري مثله ويهديه وان كانت أكثر من ذلك نظرت فان كان يمكنه أن يشتري به هديين اشتراهما وان لم يمكنه اشترى هديا وفيما يفضل ثلاثة اوجه (احدها) يشترى به جزأ من حيوان ويذبح لان إراقة الدم مستحقة فإذا أمكن لم يترك (والثاني) انه يشترى به اللحم لان اللحم والاراقة مقصودان والاراقة تشق فسقطت والتفرقة لا تشق فلم تسقط (والثالث) أن يتصدق بالفاضل لانه إذا سقطت الاراقة كان اللحم والقيمة واحدا
* وان أتلفها أجنبي وجبت عليه القيمة فان كانت القيمة مثل ثمن مثلها اشترى بها مثلها وان كانت أكثر ولم تبلغ ثمن مثلين اشترى المثل وفي الفاضل الاوجه الثلاثة وان كانت أقل من ثمن المثل ففيه الاوجه الثلاثة وان كان الهدي الذى نذره اشتراه ووجد به عيبا بعد النذر لم يجز له الرد بالعيب لانه قد أيس من الرد لحق الله عز وجل ويرجع بالارش ويكون الارش للمساكين لانه بدل عن الجزء الفائت الذي التزمه بالنذر فان لم يمكنه أن يشترى به هديا ففيه الاوجه الثلاثة)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي قَبِيصَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَاسْمُ أَبِي قَبِيصَةَ ذُؤَيْبُ بْنُ حَلْحَلَةَ الْخُزَاعِيُّ وَالِدُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ الْفَقِيهِ الْمَشْهُورِ التَّابِعِيِّ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ إنْ عطب منها شئ فَخَشِيت عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك) وَعَنْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَعَثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ فَقَالَ إنْ عَطِبَ فَانْحَرْهُ ثُمَّ اُصْبُغْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ الترمذي حديث حسن(8/369)
صحيح (أما) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ خَافَ أَنْ يَهْلِكَ هُوَ - بِكَسْرِ اللَّامِ - (وَقَوْلُهُ) غَمَسَ نَعْلَهُ يَعْنِي النَّعْلَ الْمُعَلَّقَةَ فِي عُنُقِهِ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُقَلِّدَهَا نَعْلَيْنِ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَطْعَمْهَا) هُوَ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ - أَيْ لَا تَأْكُلْهَا وَالرُّفْقَةُ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا - (قَوْلُهُ) هَدْيٌ مَعْكُوفٌ عَنْ الْحَرَمِ أَيْ مَحْبُوسٌ (وَقَوْلُهُ) بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَهَدْيٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا وَهَدْيٌ بِالْوَاوِ ووقع في بَعْضُهَا أَوْ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُنْكَرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِثْلُهُ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ هُوَ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ وَخَافَ هَلَاكَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَذَبْحٍ وَأَكْلٍ وَإِطْعَامٍ وَتَرْكِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ولا شئ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَنْذُورًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى هَلَكَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ فَرَّطَ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ حَتَّى تَلِفَتْ
* وَإِذَا ذَبَحَهُ غَمَسَ النَّعْلَ الَّتِي قَلَّدَهُ إيَّاهَا فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهِ وَتَرَكَهُ مَوْضِعَهُ لِيَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ لِلْمُهْدِي وَلَا لِسَائِقِ هَذَا الْهَدْيِ وَقَائِدِهِ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْهَدْيَ مُسْتَحَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا حَقَّ لِلْأَغْنِيَاءِ فِيهِ وَيَجُوزُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِ رُفْقَةِ صَاحِبِ الْهَدْيِ الْأَكْلُ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِحَدِيثِ نَاجِيَةَ السَّابِقِ
* وَهَلْ يَجُوزُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ رُفْقَةِ صَاحِبِ الْهَدْيِ الْأَكْلُ مِنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ لِلْحَدِيثِ وَمَنْ جَوَّزَهُ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ رُفْقَةَ ذَلِكَ الْمُخَاطَبِ لَا فَقِيرَ فِيهِمْ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ
* وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّفْقَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي اسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ الرُّفْقَةُ الَّذِينَ يُخَالِطُونَهُ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ دُونَ الْقَافِلَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْقَافِلَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي منعت به الرفقة هو خوف تعطيبهم إيَّاهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ الْقَافِلَةِ (فَإِنْ
قِيلَ) إذَا لَمْ يَجُزْ لِأَهْلِ الْقَافِلَةِ أَكْلُهَا وَتُرِكَ فِي الْبَرِّيَّةِ كَانَ طُعْمَةً لِلسِّبَاعِ وَهَذَا إضَاعَةُ مَالٍ (قُلْنَا) لَيْسَ(8/370)
فِيهِ إضَاعَةٌ بَلْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ أَنَّ سُكَّانَ الْبَوَادِي يَتْبَعُونَ مَنَازِلَ الْحَجِيجِ لِالْتِقَاطِ سَاقِطَةٍ وَنَحْوِهِ وَقَدْ تَأْتِي قَافِلَةٌ فِي إثْرِ قَافِلَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ وَغَمَسَ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ وَتَرَكَهُ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ إبَاحَةُ أَكْلِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَبَحْتُهُ لِمَنْ يأكل مِنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَكْفِي ذَبْحُهُ وَتَخْلِيَتُهُ لِأَنَّهُ بِالنَّذْرِ زَالَ مِلْكُهُ وَصَارَ لِلْفُقَرَاءِ (أَمَّا) إذَا عَطِبَ هَدْيُ التَّطَوُّعِ فَذَبَحَهُ فَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ لَا يَصِيرُ مُبَاحًا لِلْفُقَرَاءِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَلَا يَصِيرُ مُبَاحًا لَهُمْ إلَّا بِلَفْظٍ بِأَنْ يَقُولَ أَبَحْتُهُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُمْ أَوْ سَبَّلْته لَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالُوا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا قَالُوا فَإِذَا قَالَ هَذَا اللَّفْظَ جَازَ لِمَنْ سَمِعَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ قَوْلَانِ (قَالَ) فِي الْإِمْلَاءِ حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ يَحِلُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَبَاحَهُ وَقِيَاسًا عَلَى مَا إذَا رَأَى مَاءً فِي الطَّرِيقِ مَوْضُوعًا وَعَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّ لَهُ شُرْبَهُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا عَطِبَ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى هَلَكَ ضَمِنَهُ وَإِنْ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُوصَلُ بَدَلُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَعِنْدِي الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ لِمَسَاكِينِ مَوْضِعِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُ ثَمَنِهِ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ بِخِلَافِ الذَّبِيحَةِ وَكَمَا يَجِبُ إيصَالُ الْوَلَدِ إلَيْهِمْ دُونَ اللَّبَنِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَتْلَفَ الْمُهْدِي الْهَدْيَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِثْلِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ وَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
* وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ ثَمَنِ مِثْلِهِ بِأَنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ السِّعْرُ لَزِمَهُ شِرَاءُ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ لَزِمَهُ شِرَاءُ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ بِأَنْ رَخُصَ السِّعْرُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَدْيَيْنِ لزمه ذلك أو هديا واحدا نفيسا لَمْ يُمْكِنْهُ فَاشْتَرَى وَاحِدًا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ نَظَرَ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَذِهِ الْفَضْلَةِ شِقْصًا مِنْ هَدْيٍ مِثْلِهَا فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يلزمه شراؤه وذبحه مع الشريك(8/371)
ولايجوز اخراج القيمة دارهم يَتَصَدَّقُ بِهَا هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ
* وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَصْرِفُهَا مَصْرِفَ الضَّحَايَا حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْهَا خَاتَمًا يَقْتَنِيهِ وَلَا يَبِيعُهُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا وَجْهٌ مِنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شِقْصٌ وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الدَّرَاهِمِ وَقَدْ يَتَسَاهَلُ فِي ذِكْرِ الْمَصْرِفِ فِي مِثْلِ هَذَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ (1) (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ (وَالرَّابِعُ) أَنَّ لَهُ صَرْفَهَا فِي جُزْءٍ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمِثْلِ كَابْتِدَاءِ هَدْيٍ (وَالْخَامِسُ) أَنَّهُ يُهْلِكُ هَذِهِ الْفَضْلَةَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ.
هَذَا كُلُّهُ إذَا أَمْكَنَ شِرَاءُ شِقْصٍ بِهَذِهِ الْفَضْلَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَفِيهِ الْأَرْبَعَةُ وَيَسْقُطُ الْأَوَّلُ (أَصَحُّهَا) الثَّانِي وَهُوَ جَوَازُ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ دَرَاهِمَ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا وَيَحْكِي كَلَامَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقِيمَةُ بِلَا خِلَافٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُهْدِي حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ الْمُهْدِيَ الْتَزَمَ الْإِرَاقَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَأْخُذُ الْمُهْدِي الْقِيمَةَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَ الْهَدْيِ الْمُتْلَفِ فَإِنْ حَصَّلَ مِثْلَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ ذَبَحَهُ وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ فَإِنْ بَلَغَتْ الزِّيَادَةُ مِثْلَيْنِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُمَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مِثْلَيْنِ اشْتَرَى مِثْلًا وَفِي الزِّيَادَةِ الْأَوْجُهُ السَّابِقَةُ فِيمَا إذَا أَتْلَفَهَا الْمُهْدِي (أَمَّا) إذَا لَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِمِثْلِهِ لِغَلَاءٍ حَدَثَ فَيَشْتَرِي دُونَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مااذا نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَقُتِلَ ذَلِكَ الْعَبْدُ فان القيمة تكون ملكا للناذر يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا شَاءَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا يَعْتِقُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْ الْعَبْدِ وَاَلَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ هُوَ العبد وقد مات ومستحقوا الْهَدْيِ بَاقُونَ
* وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِالْقِيمَةِ مَا يَصْلُحْ هَدْيًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُهْدِيَ أَنْ يَضُمَّ إلَى الْقِيمَةِ مِنْ مَالِهِ مَا يَحْصُلُ بِهِ هَدْيٌ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَطْرُدَهُ فِي التَّلَفِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يلزمه ضم شئ مِنْ مَالِهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ فَعَلَى هَذَا إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَشْتَرِيَ شِقْصَ هَدْيٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أصحها) يلزمه شراه وذبحه مع شريكه
__________
(1) هكذا بالاصل وانظر اين الوجه الثاني)
*)(8/372)
وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ) كما سبقا فِي إتْلَافِ الْمُهْدِي
* وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ شِقْصَ هَدْيٍ فَفِيهِ الْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ
* وَقَدْ رَتَّبَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذِهِ الصُّوَرَ تَرْتِيبًا حَسَنًا فَقَالَ إنْ كَانَ الْمُتْلَفُ ثَنِيَّةَ ضَأْنٍ مَثَلًا وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْقِيمَةِ مِثْلَهَا وَأَمْكَنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا جَذَعَةَ ضَأْنٍ وَثَنِيَّةَ مَعْزٍ تَعَيَّنَ الضَّأْنُ رِعَايَةً لِلنَّوْعِ وَإِنْ أَمْكَنَ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ دُونَ جَذَعَةِ ضَأْنٍ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الثَّانِي لَا يَصْلُحُ هَدْيًا وَإِنْ أَمْكَنَ دُونَ جَذَعَةِ ضَأْنٍ وَدُونَ ثَنِيَّةِ مَعْزٍ وَأَمْكَنَ شِرَاءُ سَهْمٍ فِي شَاةٍ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَصْلُحُ لِلْهَدْيِ فَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِيهِ إرَاقَةَ دَمٍ كَامِلٍ وَإِنْ أَمْكَنَ شِرَاءُ سَهْمٍ وَشِرَاءُ لَحْمٍ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِيهِ شَرِكَةً فِي إرَاقَةِ دَمٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا شِرَاءُ اللَّحْمِ وَتَفْرِقَةُ الدَّرَاهِمِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْهَدْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذا اشترى هديا ثم نذر اهداه ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَجُزْ لَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تعالى فلا يجوز ابطاله كا لَوْ عَتَقَ الْمَبِيعَ أَوْ وَقَفَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ وَيَجِبُ الْأَرْشُ هُنَا كَمَا يَجِبُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ أَوْ وَقَفَ وَفِي هَذَا الْأَرْشِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَعَلَى هَذَا إنْ أَمْكَنَهُ شِرَاءُ هَدْيٍ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَفِيمَا يَفْعَلُ بِهِ الْأَوْجُهُ السَّابِقَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فِيمَا إذا أتلفه وفضل عن مثله شئ (والوجه الثاني) يكون الارش للمشتري الناذر لِأَنَّ الْأَرْشَ إنَّمَا وَجَبَ لَهُ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ اقْتَضَى سَلَامَتَهُ وَذَلِكَ حَقٌّ لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَهُوَ نَاقِصٌ وَلِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي اللَّحْمِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَبِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَكِنَّ الثَّانِيَ أَقْوَى قَالَ وَنَسَبَهُ إلَى المراوزة وقال لا يَصِحُّ غَيْرُهُ قَالَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا الثَّانِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَهُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ أَوْ الْبَدَنَةَ ضَحِيَّةً أَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ عَيَّنَهَا فَمَاتَتْ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ سُرِقَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَبْحِهَا يوم النحر فلا شئ عَلَيْهِ وَكَذَا الْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ إذَا تَلِفَ قَبْلَ(8/373)
بُلُوغِ الْمَنْسَكِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذبحه فلا شئ عليه لانه امانة لم يفرط فيها
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان ذبحه اجنبي بغير اذنه اجزأه عن النذر لان ذبحه لا يحتاج إلى قصده فإذا فعله بغير إذنه وقع الموقع كرد الوديعة وإزالة النجاسة ويجب على الذابح ضمان ما بين قيمته حيا ومذبوحا لانه لو اتلفه ضمنه فإذا ذبحه ضمن نقصانه كشاة اللحم وفيما يؤخذ منه الاوجه الثلاثة)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُعَيَّنًا فذبحه غيره باذنه وقع موقعه ولا شئ عَلَى الذَّابِحِ وَإِنْ ذَبَحَهُ إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ أَيْضًا وَأَجْزَأَ النَّاذِرُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَلْزَمُ الذَّابِحَ أَرْشُ نَقْصِهِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ حَيًّا وَمَذْبُوحًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَجْنَبِيَّ أَرْشٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ مَقْصُودًا بَلْ خَفَّفَ مُؤْنَةَ الذَّبْحِ وَحَكَوْا قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّ لِصَاحِبِ الْهَدْيِ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ الذَّابِحِ وَيُفَرِّقَ الْقِيمَةَ بِكَمَالِهَا بِنَاءً عَلَى وَقْفِ الْعُقُودِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ
* فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
* وَقَدْ فَرَّعَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْرِيعًا كَثِيرًا وَقَدْ لَخَّصَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَنَا أَخْتَصِرُ مقصوده هذا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ إذَا ذَبَحَ أَجْنَبِيٌّ أُضْحِيَّةً مُعَيَّنَةً ابْتِدَاءً فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ أَوْ هَدْيًا مُعَيَّنًا بَعْدَ بُلُوغِ النُّسُكِ فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُور أَنَّهُ يَقَعُ الْمَوْقِعَ فَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْأُضْحِيَّةِ لَحْمَهَا فَيُفَرِّقُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الصَّرْفِ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلُ صَاحِبِهِ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّ لِصَاحِبِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ الذَّابِحِ وَيُغَرِّمُهُ الْقِيمَةَ بِكَمَالِهَا بِنَاءً عَلَى وَقْفِ الْعُقُودِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* فَعَلَى الْمَذْهَبِ هَلْ يَلْزَمُ الذَّابِحَ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
فِيهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ مَقْصُودًا بَلْ خَفَّفَ مُؤْنَةَ الذَّبْحِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَهُوَ الطَّرِيقُ الثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ نَعَمْ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ مَقْصُودَةٌ وَقَدْ فَوَّتَهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ شَدَّ قَوَائِمَ شَاةٍ لِيَذْبَحَهَا فَجَاءَ آخَرُ فَذَبَحَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ
* وَقَالَ(8/374)
الْمَاوَرْدِيُّ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ ذَبَحَهُ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا يَسَعُ
ذَبْحَهَا فَذَبَحَهَا فَلَا أَرْشَ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ
* وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْأَرْشَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لِلْمُهْدِي لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْهَدْيِ وَلَا حَقَّ لِلْمَسَاكِينِ فِي غَيْرِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ بَدَلُ نَقْصِهِ وليس لِلْمُهْدِي إلَّا الْأَكْلُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ فَعَلَى هَذَا يَشْتَرِي بِهِ شَاةً فَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَادَ الْخِلَافُ السَّابِقُ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ فِي أَنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ جُزْءًا مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ يُفَرِّقُ بِنَفْسِهِ دَرَاهِمَ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا ذَبَحَ الْأَجْنَبِيُّ وَاللَّحْمُ بَاقٍ فَإِنْ أَكَلَهُ أَوْ فَرَّقَهُ فِي مَصَارِفِ الْهَدْيِ وَتَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ فَهُوَ كَالْإِتْلَافِ بِغَيْرِ ذَبْحٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ إلَى الْمُهْدِي وَالْمُضَحِّي فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ الذَّابِحَ الضَّمَانُ وَيَأْخُذُ الْمُهْدِي مِنْهُ الْقِيمَةَ وَيَشْتَرِي بِهَا هَدْيًا وَيَذْبَحُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ تَقَعُ التَّفْرِقَةُ عَنْ الْمُهْدِي كَالذَّبْحِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* وَفِي قَدْرِ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ) وَاخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ عِنْدَ الذَّبْحِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِلَا ذَبْحٍ (وَالثَّانِي) يَضْمَنُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ اللَّحْمِ لِأَنَّهُ فَرَّقَ اللَّحْمَ مُتَعَدِّيًا وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ جِدًّا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الذَّبْحِ وَقِيمَةُ اللَّحْمِ وَقَدْ يَزِيدُ الْأَرْشُ مَعَ قِيمَةِ اللَّحْمِ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ وَقَدْ يَنْقُصُ وَقَدْ يَتَسَاوَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا اخْتِصَاصَ لِهَذَا الْخِلَافِ بِصُورَةِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ بَلْ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَتْلَفَ لَحْمَهَا
* هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي ذَبَحَهَا الْأَجْنَبِيُّ تَقَعُ هَدْيًا وَأُضْحِيَّةً فَإِنْ قُلْنَا لَا تَقَعُ فَلَيْسَ عَلَى الذَّابِحِ إلَّا أَرْشُ النَّقْصِ وَفِي حُكْمِ اللَّحْمِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِجِهَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالثَّانِي يَكُونُ مِلْكًا لَهُ
* وَلَوْ الْتَزَمَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً بِالنَّذْرِ ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ فَذَبَحَهَا أَجْنَبِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ فِي الْحَرَمِ فَالْقَوْلُ فِي وُقُوعِهَا عَنْ النَّاذِرِ وَفِي أَخْذِهِ اللَّحْمَ وَتَصَدُّقِهِ بِهِ وَفِي غَرَامَةِ الذَّابِحِ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنْ كَانَ اللَّحْمُ تَالِفًا قَالَ الْبَغَوِيّ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَيَمْلِكُهَا وَيَبْقَى الْأَصْلُ فِي ذِمَّتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ قولنا في صورة الاتلاف يأخذ القيمة(8/375)
وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَ الْأَوَّلِ نُرِيد بِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقَدْرِهَا وَأَنَّ نَفْسَ الْمَأْخُوذِ مِلْكُهُ فَلَهُ إمْسَاكُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا جَعَلَ شَاتَهُ أُضْحِيَّةً أَوْ نَذَرَ الضَّحِيَّةَ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ
بِلَحْمِهَا وَلَا يَجُوزُ له أكل شئ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ ذَبْحُ مِثْلِهَا يَوْمَ النَّحْرِ بَدَلًا عَنْهَا وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ الْهَدْيَ الْمُعَيَّنَ قَبْلَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ وَلَزِمَهُ الْبَدَلُ فِي وَقْتِهِ
* وَلَوْ بَاعَ الْهَدْيَ أَوْ الْأُضْحِيَّةَ المعينين فذبحه المشتري واللحم باق أخذه البائع وَتَصَدَّقَ بِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ وَيَضُمُّ الْبَائِعُ إلَيْهِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْبَدَلَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ المشتري شيئا لان البائع سلطه والمذهب (1) وَلَوْ ذَبَحَ أَجْنَبِيٌّ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ بِسَبَبِ الذبح قال الرافعي ويشبه ان يجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ اللَّحْمَ يُصْرَفُ إلَى مَصَارِفِ الضَّحَايَا أَمْ يَنْفَكُّ عَنْ حُكْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَيَعُودُ مِلْكًا كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا ذَبَحَ الْأَجْنَبِيُّ يَوْمَ النَّحْرِ وَقُلْنَا لَا يَقَعُ أُضْحِيَّةً
* ثُمَّ مَا حَصَلَ مِنْ الْأَرْشِ وَمِنْ اللَّحْمِ إنْ عَادَ مِلْكًا لَهُ فَيَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَّةً يَذْبَحُهَا يَوْمَ النَّحْرِ
* وَلَوْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً ثُمَّ عين شاة عما في ذمته فذبحها أجنبي قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَخَذَ اللَّحْمَ وَنُقْصَانَ اللَّحْمِ بِالذَّبْحِ وَمَلَكَ الْجَمِيعَ وَبَقِيَ الْأَصْلُ فِي ذِمَّةِ الناذر والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن كان في ذمته هدي فعينه بالنذر في هدي تعين لان ما وجب به معينا جاز أن يتعين به ما في الذمة كالبيع ويزول ملكه عنه فلا يملك بيعه ولا إبداله كما قلنا فيما أوجبه بالنذر فان هلك بتفريط أو بغير تفريط رجع الواجب إلى ما في الذمة كما لو كان عليه دين فباع به عينا ثم هلكت العين قبل التسليم فان الدين يرجع إلى الذمة وإن حدث به عيب يمنع الاجزاء لم يجزه عما في الذمة لان الذي في الذمة سليم فلم يجزه عنه معيب وان عطب فنحره عاد الواجب إلى ما في الذمة وهل يعود ما نحره إلى ملكه فيه وجهان (احدهما) يعود إلى ملكه لانه إنما نحره ليكون عما في ذمته فإذا لم يقع عما في ذمته عاد إلى ملكه (والثاني) أنه لا يعود لانه صار للمساكين فلا يعود إليه فان قلنا إنه
__________
(1) بياض بالاصل)
*)(8/376)
يعود إلى ملكه جاز له أن يأكله ويطعم من شاء ثم ينظر فيه فان كان الذي في ذمته مثل الذي عاد إلى
ملكه نحر مثله في الحرم وان كان أعلى مما في ذمته ففيه وجهان
(أحدهما)
يهدي مثل ما نحر لانه قد تعين عليه فصار ما في ذمته زائدا فلزمه نحر مثله (والثاني) أنه يهدى مثل الذي كان في ذمته لان الزيادة فيما عينه وقد هلك من غير تفريط فسقط
* وان نتجت فهل يتبعها ولدها أم لا فيه وجهان (احدهما) أنه يتبعها وهو الصحيح لانه تعين بالنذر فصار كما لو وجب في النذر (والثاني) لا يتبعها لانه غير مستقر لانه يجوز أن يرجع إلى ملكه بعيب يحدث به بخلاف ما وجب بنذره لان ذلك لا يجوز أن يعود إلى ملكه بنذره وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَزِمَ ذِمَّتَهُ أُضْحِيَّةٌ بِالنَّذْرِ أَوْ هَدْيٌ بِالنَّذْرِ أَوْ دَمُ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ لِبْسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ شَاةً فِي ذِمَّتِهِ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ هَذِهِ الشَّاةَ عَمَّا فِي ذِمَّتِي لَزِمَهُ ذَبْحُهَا بِعَيْنِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا إبْدَالُهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ وَوَجْهًا أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ
* فَعَلَى هَذَا إنْ هَلَكَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا الْحَرَمَ بِتَفْرِيطٍ أَوْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ رَجَعَ الْوَاجِبُ إلَى ذِمَّتِهِ وَلَزِمَهُ ذَبْحُ شَاةٍ صَحِيحَةٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا إذَا تَلِفَتْ لَا يَلْزَمُهُ إبْدَالُهَا لِأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فَهِيَ كَمَا لَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ أُضْحِيَّةً
* وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهَا إذَا عَابَتْ يُجْزِئُهُ ذَبْحُهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ ابْتِدَاءً شَاةً فَحَدَثَ بِهَا عَيْبٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* فَعَلَى هَذَا هَلْ تَنْفَكُّ تِلْكَ الْمَعِيبَةُ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا بَلْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِهَا وَذَبْحُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالتَّعْيِينِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ تَنْفَكُّ فَيَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهَا وَبَيْعُهَا وَسَائِرُ التَّصَرُّفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّصَدُّقَ بِهَا ابْتِدَاءً بَلْ عَيَّنَهَا عَمَّا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَتَأَدَّى عَنْهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ
* وَلَوْ عَيَّنَ عَنْ نَذْرِهِ شَاةً فَهَلَكَتْ بَعْدَ وُصُولِهَا الْحَرَمَ أَوْ تَعَيَّبَتْ فَفِي إجْزَائِهَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ تُجْزِئُهُ فَيَذْبَحُهَا وَيُفَرِّقُهَا وَلَا يَلْزَمُهُ إبداها لانها بلغت محلها (وأصحهما) لاتجزئه هذه ويلزمه(8/377)
صَحِيحَةٌ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهَا تَلِفَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ وُصُولِهَا الْحَرَمَ
* (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تُجْزِئُهُ الْمَعِيبَةُ لَزِمَهُ سَلِيمَةٌ وَهَلْ تَعُودُ الْمَعِيبَةُ
إلَى مِلْكِهِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (الْأَصَحُّ) تَعُودُ فَيَمْلِكُهَا وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِهِمَا
* وَلَوْ عَطِبَ هَذَا الْهَدْيُ الْمُتَعَيَّنُ قَبْلَ وُصُولِهِ الْحَرَمَ فَنَحَرَهُ رَجَعَ الْوَاجِبُ إلَى ذِمَّتِهِ وَهَلْ يَمْلِكُ الْمَنْحُورَ فِيهِ الْوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يَمْلِكُهُ (وَالثَّانِي) لَا فَعَلَى هَذَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مَعَ ذَبْحٍ صَحِيحٍ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ
* وَلَوْ ضَلَّ هَذَا الْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ لَزِمَهُ إخْرَاج مَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ الْمَسَاكِينَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا فِي وُجُوبِ إخْرَاجِ بَدَلِهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ
* فَإِنْ ذَبَحَ وَاحِدَةً عَمَّا عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدَ الضَّالَّةَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أصحهما) عند البغوي لا يلزمه بل يتمكلها كَمَا سَبَقَ فِيمَا لَوْ تَعَيَّبَتْ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ لِإِزَالَةِ مِلْكِهِ بِالتَّعْيِينِ وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ صِفَةِ الْإِجْزَاءِ بِخِلَافِ التَّعَيُّبِ
* فَلَوْ عَيَّنَ عَنْ الضَّالِّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَجَدَ الضَّالُّ هَلْ يَذْبَحُ الْبَدَلَ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُمَا مَعًا (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ ذَبْحُ الْبَدَلِ فَقَطْ (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُهُ ذَبْحُ الْأَوَّلِ فَقَطْ (وَالرَّابِعُ) يَتَخَيَّرُ فِيهِمَا وَالْأَصَحُّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثالث والله أعلم
* هذا كُلُّهُ إذَا كَانَ الَّذِي عَيَّنَهُ مِثْلَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَيَّنَهُ دُونَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ بِأَنْ عَيَّنَ شَاةً مَعِيبَةً قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُهُ ذَبْحُ مَا عَيَّنَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَأَعْتَقَ عَنْهَا عَبْدًا مَعِيبًا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ
* وَإِنْ عَيَّنَ أَعْلَى مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ شَاةٌ فَعَيَّنَ عَنْهَا بَدَنَةً أَوْ بقرة لزمه نحرها فَإِنْ هَلَكَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ مِثْلُ الَّتِي كَانَ عَيَّنَهَا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِثْلُ الَّتِي كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ مَعِيبَةً ابْتِدَاءً فَهَلَكَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ
* وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ إنْ فَرَّطَ لَزِمَهُ مِثْلُ الَّذِي عَيَّنَ وَإِلَّا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا وَلَدَتْ الَّتِي عَيَّنَهَا عَنْ نَذْرِهِ فَهَلْ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ)(8/378)
أَنَّهُ يَتْبَعُهَا (وَالثَّانِي) لَا يَتْبَعُهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَلَدُ مِلْكًا لِلْمُهْدِي
* وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَهَلَكَتْ الْأُمُّ أَوْ أَصَابَهَا عَيْبٌ وَقُلْنَا تَعُودُ هِيَ إلَى مِلْكِ الْمُهْدِي فَفِي الْوَلَدِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمَبِيعَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ هَلَكَتْ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ
لِلْمُشْتَرِي (وَالثَّانِي) إلَى مِلْكِ الْمُهْدِي تَبَعًا لامه والله أعلم
* (فرع)
في ضلال الهدى والاضحية وَفِيهِ مَسَائِلُ
(إحْدَاهَا) إذَا ضَلَّ هَدْيُهُ أَوْ أضحيته المتطوع بهما لم يلزمه شئ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ذَبْحُهُ إذَا وَجَدَهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ فَإِنْ ذَبَحَهَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ يُتَصَدَّقُ بِهَا (الثَّانِيَةُ) الْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ بِالنَّذْرِ أَوَّلًا إذَا ضَلَّ بِغَيْرِ تَقْصِيرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ فَإِنْ وَجَدَهُ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ وَالْأُضْحِيَّةُ إنْ وَجَدَهَا فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ لَزِمَهُ ذَبْحُهَا وَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَهُ ذَبْحُهَا فِي الْحَالِ قَضَاءً وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَى قَابِلٍ وَإِذَا ذَبَحَهَا صَرَفَ لَحْمَهَا مَصَارِفَ الضَّحَايَا
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَقَطْ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَدَّخِرُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (الثَّالِثَةُ) مَتَى كَانَ الضَّلَالُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَبُ إنْ كَانَ فِيهِ مُؤْنَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ وَإِنْ كَانَ بِتَقْصِيرِهِ لَزِمَهُ الطَّلَبُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ الضَّمَانُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَزِمَهُ ذَبْحُ بَدَلِهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَأْخِيرُ الذَّبْحِ إلَى مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِلَا عُذْرٍ تَقْصِيرٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَإِنْ مَضَى بَعْضُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ ضَلَّتْ فَهَلْ هُوَ تَقْصِيرٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ كَمَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُوَسَّعِ لَا يَأْثَمُ عَلَى الْأَصَحِّ (الرَّابِعَةُ) إذَا عَيَّنَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ فَضَلَّتْ الْمُعَيَّنَةُ فَفِيهِ خِلَافٌ وَتَفْرِيعٌ سَبَقَ قَرِيبًا قَبْلَ هَذَا الْفَرْعِ والله أعلم
*(8/379)
(فَرْعٌ)
لَوْ عَيَّنَ شَاةً عَنْ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ وَقُلْنَا يَتَعَيَّنُ فَضَحَّى بِأُخْرَى عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَوْ تَلِفَ هَلْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ (إنْ قُلْنَا) نَعَمْ لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ عَمَّا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ أُضْحِيَّةً ثُمَّ ذَبَحَ بَدَلَهَا (وَإِنْ قُلْنَا) لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَفِي وُقُوعِ الثَّانِيَةِ عَمَّا عَلَيْهِ تَرَدُّدٌ (فَإِنْ قُلْنَا) تَقَعُ عَنْهُ فَهَلْ تَسْقُطُ الْأُولَى عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ عَيَّنَ مَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ عَبْدًا عَنْهَا فَفِي تَعَيُّنِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فَعَلَى هَذَا لَوْ عَابَ هَذَا الْمُعَيَّنَ لَزِمَهُ إعْتَاقُ سَلِيمٍ ولو مَاتَ بَقِيَتْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً بِالْكَفَّارَةِ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا آخَرَ عَنْ كَفَّارَتِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ إعْتَاقِ الْمُعَيَّنِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) إجْزَاؤُهُ وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي وَقْتِ ذَبْحِ الْهَدْيِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ
وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ كَدِمَاءِ الْجُبْرَانِ فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ أَخَّرَ الذَّبْحَ حَتَّى مَضَتْ هَذِهِ الْأَيَّامُ فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ وَيَكُونُ قَضَاءً وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَقَدْ فَاتَ الْهَدْيُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ ذَبَحَهُ كَانَ شَاةَ لَحْمٍ لَا نُسُكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الرَّافِعِيَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ وَقْتِ ذَبْحِ الْهَدْيِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ فَذَكَرَهَا فِي بَابِ الْهَدْيِ عَلَى الصَّوَابِ فَقَالَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ اخْتِصَاصُهُ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَفِيهِ وَجْهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ وَذَكَرَهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ (وَالصَّوَابُ) مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاخْتِصَاصِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِكَلَامِهِ وَقَدْ نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ مَعَ الْمُعْتَمِرِ هَدْيٌ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا أَوْ مُتَمَتِّعًا لَا دَمَ عَلَيْهِ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الدَّمِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَ هَدْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ وَحَيْثُ ذَبَحَهُ مِنْ مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ جَازَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهُ بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْحَجِّ أَنْ يَذْبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ وَسَوَاءٌ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ أَمْ لَا (أَمَّا) إذَا كَانَ الْهَدْيُ لِلتَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ فَوَقْتُ اسْتِحْبَابِ ذَبْحِهِ يَوْمُ النَّحْرِ وَوَقْتُ جَوَازِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَبَعْدَ(8/380)
الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَهَلْ يَجُوزُ بَعْدَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَعَهُ هديان أو ضحيتان وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ أَنْ يَبْدَأَ بِنَحْرِ الْوَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ وَالْأُضْحِيَّةَ فَلَمْ يُفَرِّقْ لَحْمَهُ حَتَّى تَغَيَّرَ وَأَنْتَنَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ أَعَادَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ قَالَ وَهَذَا مُرَادُهُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إتْلَافُ لَحْمٍ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْمُزَنِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ آخِرُ كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ (وَأَمَّا) الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا الْعَشْرُ
الْأَوَائِلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ
* وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ فَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَعْلُومَاتُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ
* وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَعْلُومَاتُ الْأَرْبَعَةُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ
* وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلِّهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ
* وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ فَائِدَةُ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ جَوَازُ النَّحْرِ فِيهِ وَفَائِدَةُ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مَعْدُودٌ انْقِطَاعُ الرَّمْيِ فِيهِ قَالَ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ هِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ قَالَ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا مَعْلُومَاتٌ لِلْحِرْصِ عَلَى عِلْمِهَا مِنْ اجل لان وَقْتَ الْحَجِّ فِي آخِرِهَا قَالَ وَقَالَ مُقَاتِلٌ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ
* وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْمَعْلُومَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ وَاحِدٌ (قُلْت) وَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْعَبْدَرِيُّ وَخَلَائِقُ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ (وَأَمَّا) مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَخِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَعْلُومَاتِ أَيَّامُ الْعَشْرِ كَمَذْهَبِنَا(8/381)
وَهُوَ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا كَمَا سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) وَأَرَادَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ تَسْمِيَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّبْحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَهُوَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْمَاءِ تدل عَلَى اخْتِلَافِ الْمُسَمَّيَاتِ فَلَمَّا خُولِفَ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ فِي الِاسْمِ دَلَّ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا وَعَلَى مَا يَقُولُ الْمُخَالِفُونَ يَتَدَاخَلَانِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جَوَابُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ وُجُودُ الذَّبْحِ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ بَلْ يَكْفِي وُجُودُهَا فِي آخِرِهَا وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَالْأَصْحَابُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فيهن نورا) وَلَيْسَ
هُوَ نُورًا فِي جَمِيعِهَا بَلْ هُوَ فِي بَعْضِهَا (الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ فِي الْآيَةِ الذِّكْرُ عَلَى الْهَدَايَا وَنَحْنُ نَسْتَحِبُّ لِمَنْ رَأَى هَدْيًا أَوْ شَيْئًا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي الْعَشْرِ أَنْ يُكَبِّرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (بَابُ الْأُضْحِيَّةِ)
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُضْحِيَّةٌ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - وَأُضْحِيَّةٌ بِكَسْرِهَا - وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا (وَالثَّالِثُ) ضَحِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا (وَالرَّابِعُ) أَضْحَاةٌ وَجَمْعُهَا أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى وَيُقَالُ ضَحَّى يُضَحِّي تَضْحِيَةً فَهُوَ مُضَحٍّ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِفِعْلِهَا فِي الضُّحَى وَفِي الْأَضْحَى لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ لغة قيس والتأنيث لغة تميم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (الاضحية سنة لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يضحي(8/382)
بكبشين قال أنس وأنا أضحى بهما) وليست واجبة لما روي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كانا لا يضحيان مخافة أن يرى ذلك واجبا)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَلَفْظُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صَفَحَاتِهِمَا) وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَنَسٍ (وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ) وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ التَّضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَشِعَارٌ ظاهر يَنْبَغِي لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَإِنْ نَذَرَهَا لَزِمَتْهُ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ
* وَلَوْ اشْتَرَى بَدَنَةً أَوْ شَاةً تَصْلُحُ لِلتَّضْحِيَةِ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ أَوْ الْهَدْيِ لَمْ تَصِرْ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ ضَحِيَّةً وَلَا هَدْيًا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ
* وَفِي تَتِمَّةِ التَّتِمَّةِ وَجْهٌ أَنَّهَا تَصِيرُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْوَجْهُ حَصَلَ عَنْ غَفْلَةٍ وَإِنَّمَا هَذَا الْوَجْهُ فِيمَا إذَا نَوَى فِي دَوَامِ الْمِلْكِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت شَاةً فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَهَا ضَحِيَّةً فَهُوَ نَذْرٌ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا اشْتَرَى شَاةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهَا ضَحِيَّةً وَلَا تَصِيرُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ
ضَحِيَّةً فَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الشَّاةَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَهَا ضَحِيَّةً فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ جَعْلُهَا ضَحِيَّةً تَغْلِيبًا لِحُكْمِ التَّعْيِينِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَهَا قَبْلَ الْمِلْكِ وَالِالْتِزَامُ قَبْلَ الْمِلْكِ لَغْوٌ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ تَغْلِيبًا لِلنَّذْرِ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الضَّحَايَا مِنْ الْبُوَيْطِيِّ الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ وَجَدَ السَّبِيلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ المدائن والقرى وأهل السفر والحضر والحاج بِمِنًى وَغَيْرِهِمْ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ
* هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ نَقَلْته مِنْ نَفْسِ الْبُوَيْطِيِّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ أن التضحية سنة للحاج بمنى كما هي سُنَّةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْعَبْدَرِيِّ الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى والمسافرين الا الحاج بمنى فَإِنَّهُ لَا أُضْحِيَّةَ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ مَا يَنْحَرُ بِمِنًى يَكُونُ هَدْيًا لَا أُضْحِيَّةً(8/383)
كَمَا لَا يُخَاطَبُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ بِمِنًى مِنْ أَجْلِ حَجِّهِ فَهَذَا الَّذِي اسْتَثْنَاهُ الْعَبْدَرِيُّ شَاذٌّ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَلْ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ أَهْلَ مِنَى كَغَيْرِهِمْ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا نص عليه الشافعي وثبت فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى فِي مِنًى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا التَّضْحِيَةُ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ فَإِذَا ضَحَّى أَحَدُهُمْ حَصَّلَ سُنَّةَ التَّضْحِيَةِ فِي حَقِّهِمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ الشَّاةُ الْوَاحِدَةُ لَا يُضَحَّى بِهَا إلَّا عَنْ وَاحِدٍ لَكِنْ إذَا ضَحَّى بِهَا وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ تَأَتَّى الشِّعَارُ وَالسُّنَّةُ لِجَمِيعِهِمْ قَالَ وَعَلَى هَذَا حُمِلَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ قَالَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ) قَالَ وَكَمَا أَنَّ الْفَرْضَ يَنْقَسِمُ إلَى فَرْضِ عَيْنٍ وَفَرْضِ كِفَايَةٍ فقد ذكر الاصحاب ان التضحية كَذَلِكَ وَأَنَّ التَّضْحِيَةَ مَسْنُونَةٌ لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ
* وَقَدْ حَمَلَ جَمَاعَةٌ الْحَدِيثَ المذكور على الاشتراك فِي الثَّوَابِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَمِمَّا يُشْبِهُ قَوْلَ الْأَصْحَابِ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ قَوْلُهُمْ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَكَذَا تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْجَمِيعِ فِي أَحْكَامِ السَّلَامِ عَقِبَ بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِكَوْنِ التَّضْحِيَةِ سُنَّةً عَلَى الْكِفَايَةِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ مَالِكٌ عَنْ عمارة بن عبد الله بن طياد أن عطاء
ابن يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ قَالَ (كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَقْتَضِي(8/384)
أَنَّهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهَا فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِ هؤلاء الرواة وعبد اللَّهِ وَالِدُ عُمَارَةَ هَذَا قَالُوا هُوَ ابْنُ الصَّيَّادِ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ الدَّجَّالُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ
* ذَكَرْنَا أَنْ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَبِلَالٌ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يوسف واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُوسِرِ إلَّا الْحَاجَّ بِمِنًى
* وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ بِالْأَمْصَارِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُهَا عَلَى مُقِيمٍ يَمْلِكُ نِصَابًا
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ أَوْجَبَهَا (بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى) وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله اسوة حسنة) وَبِحَدِيثِ أَبِي رَمْلَةَ بْنِ مِخْنَفٍ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ وُقُوفٌ مَعَهُ بِعَرَفَاتٍ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وعثيرة اتدرون ما العثيرة هَذِهِ الَّتِي يَقُولُ النَّاسُ الرَّجَبِيَّةَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الْمَخْرَجِ لِأَنَّ أَبَا رَمْلَةَ مَجْهُولٌ
* وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ ذَبَحَ وَقَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ان يصلى فليذبح اخرى مكانها ومن لم يذبح فليذبح بِاسْمِ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ وَجَدَ سَعَةً لَأَنْ يُضَحِّيَ فَلَمْ يضحي فَلَا يَحْضُرْ مُصَلَّانَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ما انفقت الورق في شئ أَفْضَلَ مِنْ نَحِيرَةٍ فِي يَوْمِ عِيدٍ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عن ابراهيم بن يزيد الحوزى وليسا بقويين
* وعن عابد الله
المجاشعي عن أبى داود نقيع عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا هَذِهِ(8/385)
الْأَضَاحِيُّ قَالَ سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ قَالُوا مَا لَنَا فِيهَا مِنْ الْأَجْرِ قَالَ بِكُلِّ قَطْرَةٍ حَسَنَةٌ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ والبيهقي قال البيهقي قال البخاري عابد اللَّهِ الْمُجَاشِعِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ وَأَبُو دَاوُد هَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَسَخَ الْأَضْحَى كُلَّ ذَبْحٍ وَصَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ كُلَّ غُسْلٍ وَالزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ
* وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَدِينُ وَأُضَحِّي قَالَ نَعَمْ فَإِنَّهُ دَيْنٌ مَقْضِيٌّ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ قَالَا وَهُوَ مُرْسَلٌ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةٍ (إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَعِنْدَ أَحَدِكُمْ أضحية يريد أن يضحي فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يُقَلِّمَنَّ ظُفُرًا) وَفِي رِوَايَةٍ (إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِكُلِّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ قَالَ الشَّافِعِيُّ هذا دليل ان التضحية ليست بواجبة لقوله صلى الله عليه وسلم (وَأَرَادَ) فَجَعَلَهُ مُفَوَّضًا إلَى إرَادَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ واجبة لقال فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ
* وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثَلَاثٌ هُنَّ عَلِيَّ فَرَائِضُ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ والوتر وركعتي الضُّحَى) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ايضا في كتابه الخرافيات وَصَرَّحَ بِضَعْفِهِ وَصَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ وُجُوبَهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ تَسْقُطْ بِفَوَاتٍ إلى غير بدل كالجمعة وساير الْوَاجِبَاتِ وَوَافَقَنَا الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ دَلَائِلِهِمْ فما كَانَ مِنْهَا ضَعِيفًا لَا حُجَّةَ فِيهِ وَمَا كَانَ صَحِيحًا فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
*(8/386)
(ويدخل وقتها إذا مضى بعد دخول وقت صلاة الاضحى قدر ركعتين وخطبتين فان ذبح قبل ذلك لم يجزه لما روى البراء رضى الله عنه قال (خطب رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النحر بعد الصلاة فقال من صلى صلاتنا هذه ونسك نسكنا فقد اصاب سنتنا ومن نسك قبل صلاتنا فتلك شاة لحم فليذبح مكانها) واختلف اصحابنا في مقدار الصلاة فمنهم من اعتبر قَدْرَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي ركعتان يقرأ فيهما ق واقتربت وقدر خطبتيه ومنهم من اعتبر قدر ركعتين خفيفتين وخطبتين خفيفتين
* ويبقى وقتها إلى آخر ايام التشريق لما روى جبير ابن مطعم قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (كل ايام التشريق ذبح) فان لم يضح حتى مضت ايام التشريق نظرت فان كان ما يضحى به تطوعا لم يضح لانه ليس وقت لسنة الاضحية وان كان نذرا لزمه ان يضحي لانه قد وجب عليه فلم يسقط بفوات الوقت)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْبَرَاءِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا قوله (فليذبح مكانها) (واما) حديث جبير ابن مُطْعَمٍ فَرْوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ قَالَ وَهُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى الْأَسَدِيِّ فَقِيهِ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ جُبَيْرٍ وَلَمْ يدركه ورواه من طرق ضعيفة متصلا (واما) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَدْخُلُ وَقْتُ التَّضْحِيَةِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ النَّحْرِ وَمَضَى بَعْدَ طُلُوعِهَا قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَدْرَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُطْبَتَيْهِ وَقَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ق وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ وَخَطَبَ خُطْبَةً مُتَوَسِّطَةً
* وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ ذَكَرَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَبِهِ قَالَ الْمَرَاوِزَةُ مِنْهُمْ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ إنَّمَا هُمَا فِي طُولِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْخُطْبَةُ فَمُخَفَّفَةٌ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ السُّنَّةَ تَخْفِيفُهَا
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَا أَرَى مَنْ يَعْتَبِرُ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يَكْتَفِي بِأَقَلَّ مَا يُجْزِئُ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ يَكْتَفِي بِأَقَلَّ مَا يُجْزِئُ وَفِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَكْفِي مُضِيُّ مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْخُطْبَتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) آخِرُ وَقْتِهَا فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ(8/387)
وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ وَقْتُهَا بِغُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ لَيْلًا وَنَهَارًا لَكِنْ يُكْرَهُ عِنْدَنَا الذَّبْحُ لَيْلًا فِي غَيْرِ الْأُضْحِيَّةِ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ أَشَدُّ كَرَاهَةً
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْكَرَاهَةِ بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِقَيِّمٍ لَهُ جَذَّ نَخْلَهُ بِاللَّيْلِ (أَلَمْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ جُذَاذِ اللَّيْلِ وَصِرَامِ اللَّيْلِ أَوْ قَالَ حَصَادِ اللَّيْلِ) هَذَا مُرْسَلٌ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ (نَهَى عَنْ جُذَاذِ اللَّيْلِ وَحَصَادِ اللَّيْلِ وَالْأَضْحَى بِاللَّيْلِ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ حَالِ النَّاسِ فَنَهَى عَنْهُ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ) هَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ أَوْ مَوْقُوفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ ضَحَّى قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ تَصِحَّ التَّضْحِيَةُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُضَحِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا لَمْ يُضَحِّ بَلْ قَدْ فَاتَتْ التَّضْحِيَةُ هَذِهِ السَّنَةَ فَإِنْ ضَحَّى فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْوَقْتِ وَقَعَ عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَا عن الاولى وان كان منذورا لزمه أَنْ يُضَحِّيَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَالَ جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ ضَحِيَّةً فَوَقْتُهَا وَقْتُ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا فَإِنْ أَخَّرَهَا أَثِمَ وَلَزِمَهُ ذَبْحُهَا كَمَا سَبَقَ
* وَلَوْ قال لله على أن أضحى بشاة فهل تَتَوَقَّتُ كَذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا لِأَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ كَدِمَاءِ الْجُبْرَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ضَحِيَّةً فِي الذِّمَّةِ وَالضَّحِيَّةُ مُؤَقَّتَةٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ يُوَافِقُ نَقْلَ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ إذَا أَوْجَبَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ قَبْلَهَا وَلَمْ يذبحها حتى فات الوقت فانه يذبحها قضاء (فان قلنا) لا نتوقت فَالْتَزَمَ بِالنَّذْرِ ضَحِيَّةً ثُمَّ عَيَّنَ وَاحِدَةً عَنْ نَذْرِهِ وَقُلْنَا إنَّهَا تَتَعَيَّنُ فَهَلْ تَتَوَقَّتُ التَّضْحِيَةُ بِهَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ وَقَفُوا بِعَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ غَلَطًا حُسِبَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ وَإِنْ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ وَذَبَحَ يَوْمَ التَّاسِعِ ثُمَّ بَانَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ إعَادَةُ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَالتَّطَوُّعُ تَبَعٌ لِلْحَجِّ فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ التَّشْرِيقِ فَأَعَادَهُ كَانَ حَسَنًا
*(8/388)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُهَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ
النَّحْرِ ثُمَّ مَضَى قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتَيْنِ كَمَا سَبَقَ فَإِذَا ذَبَحَ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ صَلَّى الْإِمَامُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ صَلَّى الْمُضَحِّي أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَوْ الْبَوَادِي أَوْ الْمُسَافِرِينَ وَسَوَاءٌ ذَبَحَ الْإِمَامُ ضَحِيَّتَهُ أَمْ لَا
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا
* وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ وَخَطَبَ فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ قَالَ وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي فَوَقْتُهَا فِي حَقِّهِمْ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَخُطْبَتَيْهِ وَذَبْحِهِ
* وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَيَجُوزُ بَعْدَهَا قَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ أَهْلُ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَنَحْوِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ بن راهويه
* وقال سفيان الثَّوْرِيُّ يَجُوزُ ذَبْحُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ خُطْبَتِهِ وَفِي حَالِ خُطْبَتِهِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا يَصِحُّ ذَبْحُهَا قَبْلَ طلوع الفجر يوم النحر
* احتج الْقَائِلُونَ بِاشْتِرَاطِ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ نَحْرٍ فَقَالَ إنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ في شئ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَاتٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ
* وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ) وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ كان ذبح قبل الصلاة أن يعد ذَبْحًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ (شَهِدْت الْأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ إنَّ نَاسًا ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَنْ ذَبَحَ مِنْكُمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِهَا التَّقْدِيرُ بِالزَّمَانِ لَا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالزَّمَانِ أَشْبَهُ بِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلِأَنَّهُ أَضْبَطُ لِلنَّاسِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْبَوَادِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا هُوَ المراد بالاحاديث وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ(8/389)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ عِيدِ الْأَضْحَى عَقِبَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَيَّامُ نَحْرِ الْأُضْحِيَّةِ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةُ هَذَا مذهبنا وبه قال علي ابن أَبِي
طَالِبٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ فَقِيهُ أَهْلِ الشَّامِ وَمَكْحُولٌ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وأنس رضى الله عنهم وقال سعد بْنُ جُبَيْرٍ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ يَوْمَ النَّحْرِ خَاصَّةً وَلِأَهْلِ السَّوَادِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
* وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً
* وَاحْتَجَّ لِمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ اتِّفَاقٍ وَلَمْ يَقَعْ الِاتِّفَاقُ إلَّا عَلَى يَوْمَيْنِ بَعْدَ النَّحْرِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعَمٍ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ
* (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ) فَضَعِيفٌ مَدَارُهُ عَلَى معاوية ابن يَحْيَى الصَّدَفِيِّ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الِاتِّفَاقَ وَقَعَ عَلَى يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ قَدْ حَكَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ اخْتِصَاصَهُ بِيَوْمٍ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ التَّابِعَيْنِ أَنَّهُ بَلَغَهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الضَّحَايَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِيَ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ (إلَى هِلَالِ الْمُحَرَّمِ) وَرَوَى البيهقي باسناده عن أبي امامة ابن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ (كَانَ الْمُسْلِمُونَ يشتري احدهم الاضحية فيسميها فَيَذْبَحُهَا بَعْدَ الْأَضْحَى آخِرَ ذِي الْحِجَّةِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْأَوَّلُ مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالثَّانِي حكاية عن من لَمْ يُسَمَّ (قَالَ وَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ فِي الشَّرْحِ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ (الْأُضْحِيَّةُ إلَى رَأْسِ الْمُحَرَّمِ) فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ يَتَّسِعُ فِيهِ إلَى غُرَّةِ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ أَيَّامُ مِنَى أَيَّامُ نَحْرٍ) وَعَلَى هَذَا بَنَى الشَّافِعِيُّ هَذَا كَلَامُ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِلَيْهِمَا نَظَرٌ هَذَا لِإِرْسَالِهِ وَحَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ لِاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِيهِ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَحَدِيثُ جُبَيْرٍ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/390)
(فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا جَوَازُ الذَّبْحِ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ جَائِزٌ لَكِنْ يُكْرَهُ لَيْلًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُهُ الذَّبْحُ لَيْلًا بَلْ يَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذا فاتت أيام التضحية ولم يصح التَّضْحِيَةَ الْمَنْذُورَةَ لَزِمَهُ ذَبْحُهَا قَضَاءً هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لا تقضى بل تفوت وتسقط * قال المصنف رحمه الله
* (ومن دخلت عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحى فالمستحب ان لا يحلق شعره ولا يقلم أظفاره حتى يضحي لما روت أُمِّ سَلَمَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من كان عنده ذبح يريد أن يذبحه فرأى هلال ذي الحجة فلا يمس من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي) ولا يجب عليه ذلك لانه ليس بمحرم فلا يحرم عليه حلق الشعر وتقليم الاظفار)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُ طُرُقِهِ (وَقَوْلُهُ) ذِبْحٌ - بِكَسْرِ الذَّالِ أَيْ ذَبِيحَةٌ (وَقَوْلُهُ) يُقَلِّمُ ظُفُرَهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَضَمِّ اللَّامِ - وَيَجُوزُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وتشديد اللام المكسورة - والاول أجود لكن ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إرَادَتُهُ الثَّانِيَ وَلِهَذَا قَالَ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ كُرِهَ أَنْ يُقَلِّمَ شَيْئًا مِنْ أَظْفَارِهِ وَأَنْ يَحْلِقَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ أَوْ بَدَنِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ حَرَامٌ حَكَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِهِ الرَّقْمِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ لِظَاهِرِ الحديث (واما) قول المصنف والشيخ أبو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيِّ وَالْعَبْدَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَلَمْ يَقُولُوا إنَّهُ مَكْرُوهٌ فَشَاذٌّ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ هَذَا الْحَدِيثِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا شَاذًّا أَنَّ الْحَلْقَ وَالْقَلْمَ لَا يُكْرَهَانِ الا إذا دخل العشر واشترى أُضْحِيَّةً أَوْ عَيَّنَ شَاةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ مَوَاشِيهِ لِلتَّضْحِيَةِ
* وَحَكَى قَوْلًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْقَلْمُ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ (وَالصَّحِيحُ) كَرَاهَةُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ مِنْ حِينِ تَدْخُلُ الْعَشْرِ فَالْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْجُهٌ (الصَّحِيحُ)(8/391)
كَرَاهَةُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (وَالثَّانِي) كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ (وَالثَّالِثُ) الْمَكْرُوهُ الْحَلْقُ دُونَ الْقَلْمِ (وَالرَّابِعُ) لَا كَرَاهَةَ إنَّمَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى (الْخَامِسُ) لَا يُكْرَهُ إلَّا لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْعَشْرُ وَعَيَّنَ أُضْحِيَّةً وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ الْمَنْعُ مِنْ إزَالَةِ الظُّفْرِ بِقَلْمٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَنْعُ مِنْ إزَالَةِ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إحْرَاقٍ أَوْ بِنَوْرَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ شَعْرُ الْعَانَةِ
وَالْإِبِطِ وَالشَّارِبِ وَغَيْرِ ذلك
* قال إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّعْلِيقِ وَحُكْمُ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ حُكْمُ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرَتِهِ شيئا) رواه مسلم والله أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ أَنْ يَبْقَى كَامِلَ الْأَجْزَاءِ لِيُعْتَقَ مِنْ النَّارِ وَقِيلَ للتشبه بِالْمُحْرِمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَزِلُ النِّسَاءَ وَلَا يَتْرُكُ الطِّيبَ وَاللِّبَاسَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكُهُ الْمُحْرِمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ إزَالَةَ الشَّعَرِ وَالظُّفْرِ فِي الْعَشْرِ لِمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ حَتَّى يُضَحِّيَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد يَحْرُمُ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَحَكَى عَنْهُ الدَّارِمِيُّ يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ وَلَا يَحْرُمُ فِي الْوَاجِبِ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ (كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدُهُ ويبعث به ولا يحرم عليه شئ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ أَكْثَرُ مِنْ إرَادَةِ التَّضْحِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يحرم ذلك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجزئ في الاضحية الا الانعام وهي الابل والبقر والغنم لقول الله تعالى (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام) ولا يجزئ فيها إلا الجذعة من الضأن والثنية من المعز والابل والبقر لما روى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لا تذبحوا إلا مسنة الا أن تعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن) وعن علي رضى الله عنه قال (لا يجوز في الضحايا الا الثني من المعز والجذعة من الضأن) وعن ابن(8/392)
عباس أنه قال لا تضحو بالجذع من المعز والابل والبقر) ويجوز فيها الذكر والانثى لما روت أم كرز عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال (على الغلام شاتان وعلى الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أو أناثا) وإذا جاز ذلك في العقيقة بهذا الخبر دل على جوازه في الاضحية ولان لحم الذكر أطيب ولحم الانثى أرطب)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِحُرُوفِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُسِنُّ الثَّنِيُّ مِنْ كُلِّ الْأَنْعَامِ فَمَا فَوْقَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أُمِّ كُرْزٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ
حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ لَفْظُ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَشَرْطُ الْمُجْزِئِ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَنْعَامِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْإِبِلِ مِنْ الْبَخَاتِيِّ وَالْعِرَابِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبَقَرِ مِنْ الْجَوَامِيسِ وَالْعِرَابِ والدربانية وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْغَنَمِ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَأَنْوَاعِهِمَا وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْأَنْعَامِ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَحَمِيرِهِ وَالضَّبَّا وَغَيْرُهَا بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِي شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا
* وَلَا يُجْزِئُ مِنْ الضَّأْنِ إلَّا الْجَذَعُ وَالْجَذَعَةُ فَصَاعِدًا وَلَا مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ أَوْ الثَّنِيَّةُ فَصَاعِدًا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ غَلَطٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بُرْدَةَ بن دينار خَالِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ (تُجْزِئُك يَعْنِي الْجَذَعَةُ مِنْ الْمَعْزِ وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ الْجَذَعُ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَةً عَلَى أَصَحِّ الْأَوْجُهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا اسْتَكْمَلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَالثَّالِثُ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا بَيْنَ شَابَّيْنِ فَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَإِلَّا فَثَمَانِيَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَهُنَاكَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ سِنَّ الْجَذَعِ وَالثَّنِيِّ فَلِهَذَا أُهْمِلهُ هُنَا وَذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ فِي الْبَابَيْنِ لَكِنَّهُ خَالَفَ مَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ
* قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ ان الجذع ماله سَنَةٌ كَامِلَةٌ فَلَوْ أَجْذَعَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ أَيْ سَقَطَتْ سِنُّهُ أَجْزَأَ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا لَوْ تَمَّتْ السَّنَةُ قَبْلَ أَنْ يُذْبَحَ وَيَكُونُ ذلك كالبلوغ بالسن أو الاحتلام فانه يكتفي فِيهِ أَسْبَقُهُمَا وَهَكَذَا صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِهِ فَقَالَ الْجَذَعُ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَةً أَوْ أَجْذَعَتْ قَبْلَهَا (وَأَمَّا) الثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا اسْتَكْمَلَتْ خَمْسَ سنين(8/393)
وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ
* وَرَوَى حَرْمَلَةُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ الَّذِي اسْتَكْمَلَ سِتَّ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّابِعَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلًا آخَرَ لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَكِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ نِهَايَةِ سِنِّ الثَّنِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ هُوَ بَيَانٌ لِابْتِدَاءِ سَنَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الثَّنِيُّ مِنْ الْبَقَرِ فَهُوَ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ وَرَوَى حَرْمَلَةُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَا اسْتَكْمَلَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ (وَأَمَّا) الثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ فَفِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (أَصَحُّهُمَا) مَا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ (والثاني) ما استكمل سنة
*
(فرع)
لاتجزئ بِالْمُتَوَلَّدِ مِنْ الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَنْعَامِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ
* نَقَلَ جَمَاعَةٌ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَنْ التَّضْحِيَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الغنم فلا يجزئ شئ مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرُ ذَلِكَ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بِبَقَرِ الْوَحْشِ عَنْ سَبْعَةٍ وَبِالضَّبَا عَنْ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ دَاوُد فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ وَلَا مِنْ الضَّأْنِ إلَّا الْجَذَعُ وَأَنَّهُ يُجْزِئُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ إلَّا مَا حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ وَالضَّأْنِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَالزُّهْرِيِّ وَعَنْ عَطَاءٍ كَالْأَوْزَاعِيِّ هَكَذَا نَقَلَ هَؤُلَاءِ
* وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الاجماع على أَنَّهُ يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ جَذَعُ الْمَعْزِ
* دَلِيلُنَا عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ حَدِيثُ البراء بن عازب السابق قريبا عن الصَّحِيحَيْنِ
* وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَعْطَاهُ غَنَمًا يُقَسِّمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا فَبَقِيَ عَتُودٌ فذكره للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ضَحِّ أَنْتَ بِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْعَتُودُ مِنْ أَوْلَادِ المعز وهو مارعى وَقَوِيَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَا بَلَغَ سنة وجمعه أعته وعدان - باذغام التاء في الدال - قال البيهقي كَانَتْ هَذِهِ رُخْصَةً لَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ(8/394)
عُقْبَةَ قَالَ (أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا أُقَسِّمُهَا ضَحَايَا بَيْنَ أَصْحَابِي فَبَقِيَ عَتُودٌ مِنْهَا فَقَالَ ضَحِّ بِهَا أَنْتَ وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدَك) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَحْفُوظَةً كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ كَمَا رَخَّصَ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ دينار قَالَ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدٍ قَالَ (قَسَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ غَنَمًا فَأَعْطَانِي عَتُودًا جَذَعًا فَقَالَ ضَحِّ بِهِ فَقُلْت إنَّهُ جَذَعٌ مِنْ الْمَعْزِ أُضَحِّي بِهِ قَالَ نَعَمْ فَضَحَّيْت بِهِ) هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْآخَرُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمَعْزُ وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ عَتُودٌ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مُتَعَيِّنٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي إجْزَاءِ جَذَعِ الضَّأْنِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَاهُ ذَكَرَهَا البيهقي وغيره
والله أعلم
* (فرع)
ان قيل ظَاهِرُ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْجَذَعَةَ مِنْ الضَّأْنِ لَا تُجْزِئُ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْمُسِنَّةِ (قُلْنَا) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ كَمَا سَبَقَ فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ جَوَّزُوا جَذَعَ الضَّأْنِ إلَّا مَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالزُّهْرِيِّ أنه لَا يُجْزِئُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى مُسِنَّةٍ أَمْ لَا فَيُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْأَفْضَلِ وَالْأَكْمَلِ وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ مُسْتَحَبٌّ لَكُمْ أَنْ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةُ ضَأْنٍ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (والبدنة أفضل من البقر لانها أعظم والبقرة أفضل من الشاة لانها بسبع من الغنم والشاة أفضل من مشاركة سبعة في بدنة أو بقرة لانه ينفرد باراقة دم
* والضأن افضل من المعز لما روى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (خير الاضحية الكبش الاقرن) وقالت أم سلمة (لان أضحي بالجذع من الضأن أحب الي من أن أضحي بالمسنة من المعز) ولان لحم الضأن أطيب
* والسمينة أفضل من غير السمينة لما روي عن ابن عباس في قوله تعالى (ومن يعظم شعائر الله) قال تعظيمها استسمانها واستحسانها
* وخطب علي كرم الله وجهه قال ثنيا فصاعدا واستسمن فان أكلت أكلت(8/395)
طيبا وان أطعمت أطعمت طيبا
* والبيضاء أفضل من الغبراء والسوداء لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ املحين) والاملح الابيض
* وقال ابو هريرة دم البيضاء في الاضحية افضل من دم سوداوين
* وقال ابن عباس تعظيمها استحسانها والبيض احسن)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عِبَادَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هُنَا وَفِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْبَدَنَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ وَالْبَقَرَةُ أَفْضَلُ مِنْ الشاة والضأن افضل من المعز فجذعة الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ ثَنِيَّةِ الْمَعْزِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا (الثَّانِيَةُ) التَّضْحِيَةُ
بِشَاةٍ أَفْضَلُ مِنْ الْمُشَارَكَةِ بِسُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ بِسُبْعِ بَقَرَةٍ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِكَثْرَةِ إرَاقَةِ الدَّمِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ أَفْضَلُ لِكَثْرَةِ اللَّحْمِ
* (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ التَّضْحِيَةُ بِالْأَسْمَنِ الْأَكْمَلِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ حَتَّى إنَّ التَّضْحِيَةَ بِشَاةٍ سَمِينَةٍ أَفْضَلُ مِنْ شَاتَيْنِ دُونَهَا قَالُوا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتِكْثَارُ الْقِيمَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ اسْتِكْثَارِ الْعَدَدِ وَفِي الْعِتْقِ عَكْسُهُ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ وَأَرَادَ الْعِتْقَ بِهَا فَعَبْدَانِ خَسِيسَانِ أَفْضَلُ مِنْ عَبْدٍ نَفِيسٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا اللَّحْمُ وَالسَّمِينُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ وَالْمَقْصُودُ فِي الْعِتْقِ التَّخْلِيصُ مِنْ الرِّقِّ وَتَخْلِيصُ عَدَدٍ أَوْلَى مِنْ وَاحِدٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا كَثْرَةُ اللَّحْمِ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الشَّحْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَحْمًا رَدِيئًا
* وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ السَّمِينِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ تَسْمِينِهَا فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابُهُ
* وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُكْرَهُ لِئَلَّا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ
* وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ) (الرَّابِعَةُ) أَفْضَلُهَا الْبَيْضَاءُ ثم الصفراء ثم الغبراء وهي التي(8/396)
لايصفو بَيَاضُهَا ثُمَّ الْبَلْقَاءُ وَهِيَ الَّتِي بَعْضُهَا أَبْيَضُ وَبَعْضُهَا أَسْوَدُ ثُمَّ السَّوْدَاءُ
* (فَرْعٌ)
يَصِحُّ التَّضْحِيَةُ بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا خِلَافٌ (الصَّحِيحُ) الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَنَّ الذَّكَرَ أَفْضَلُ مِنْ الْأُنْثَى وَلِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ آخَرُ أَنَّ الْأُنْثَى أَفْضَلُ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ لَيْسَ مُرَادُهُ تَفْضِيلَ الْأُنْثَى فِي التَّضْحِيَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَفْضِيلَهَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إذَا أَرَادَ تَقْوِيمَهَا لِإِخْرَاجِ الطَّعَامِ قَالَ الْأُنْثَى أَكْثَرُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ الْأُنْثَى الَّتِي لَمْ تَلِدْ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ الذي كثر نزوانه فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ذَكَرٌ لَمْ يَنْزُ وَأُنْثَى لَمْ تَلِدْ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
تُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ وَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ لَكِنْ إذَا ضَحَّى بِهَا وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ تَأَدَّى الشِّعَارُ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ وَتَكُونُ التَّضْحِيَةُ فِي حَقِّهِمْ سُنَّةَ كِفَايَةٍ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ
* وَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ وَكَذَا الْبَقَرَةُ سَوَاءٌ كَانُوا أَهْلَ بَيْتٍ أَوْ
بُيُوتٍ وَسَوَاءٌ كَانُوا مُتَقَرِّبِينَ بِقُرْبَةٍ مُتَّفِقَةٍ أَوْ مُخْتَلِفَةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ مُسْتَحَبَّةٍ أَمْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ بَعْضُهُمْ التَّضْحِيَةَ وَبَعْضُهُمْ الْهَدْيَ
* وَيَجُوزُ أَنْ يَنْحَرَ الْوَاحِدُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ لَزِمَتْهُ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ كَتَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ وَفَوَاتٍ وَمُبَاشَرَةٍ وَمَحْظُورَاتٍ فِي الْإِحْرَامِ وَنَذْرِ التَّصَدُّقِ بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ وَالتَّضْحِيَةِ بِشَاةٍ (وَأَمَّا) جَزَاءُ الصَّيْدِ فَتُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَمُشَابَهَةُ الصُّورَةِ فَلَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعٍ مِنْ الظِّبَاءِ
* وَلَوْ وَجَبَ شَاتَانِ عَلَى رَجُلَيْنِ فِي قَتْلِ صَيْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَذْبَحَا عَنْهُمَا بَدَنَةً
* وَيَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ الْوَاحِدُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً لِيَكُونَ سُبْعُهَا عَنْ شَاةٍ لَزِمَتْهُ وَيَأْكُلُ الْبَاقِيَ كَمَا يَجُوزُ مُشَارَكَةُ سِتَّةٍ
* وَلَوْ جَعَلَ جَمِيعَ الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ مَكَانَ الشَّاةِ فَهَلْ يَكُونُ الْجَمِيعُ واجبا حتى لا يجوز أكل شئ مِنْهُ أَمْ الْوَاجِبُ السُّبْعُ فَقَطْ حَتَّى يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْ الْبَاقِي فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَنَظِيرُهُ الْخِلَافُ فِي مَسْحِ كُلِّ الرَّأْسِ وَتَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِخْرَاجِ بَعِيرٍ عَنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَفِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ
* قال البندنيجي(8/397)
إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ السُّبْعُ جَازَ أَكْلُ جَمِيعِ الْبَاقِي هَذَا كَلَامُهُ وَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ التصدق بجزئ مِنْ الْبَاقِي إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجُزْءٍ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي شَاتَيْنِ لِلتَّضْحِيَةِ لَمْ يُجْزِئْهُمَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يُجْزِئُ بَعْضُ شَاةٍ بِلَا خِلَافٍ بِكُلِّ حَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مَذْهَبُنَا أَنَّ أَفْضَلَ التَّضْحِيَةِ بِالْبَدَنَةِ ثُمَّ الْبَقَرَةِ ثُمَّ الضَّأْنِ ثُمَّ الْمَعْزِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ مَالِكٌ أَفْضَلُهَا الْغَنَمُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْإِبِلُ قَالَ وَالضَّأْنُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَعْزِ وَإِنَاثُهَا أَفْضَلُ مِنْ فُحُولِ الْمَعْزِ وَفُحُولُ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ إنَاثِ الْمَعْزِ وَإِنَاثُ الْمَعْزِ خَيْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
* وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالُوا وَهُوَ لَا يَدَعُ الْأَفْضَلَ
* وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْإِبِلُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ
رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقَرْنَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لَنَا عَلَى مَالِكٍ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ وَلِأَنَّ مَالِكًا وَافَقَنَا فِي الْهَدْيِ أَنَّ الْبَدَنَةَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ فَقِسْ عَلَيْهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ حِينَئِذٍ بَدَنَةٌ وَلَا بَقَرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ سَبْعَةٌ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ لِلتَّضْحِيَةِ سَوَاءٌ كَانُوا كُلُّهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ أَوْ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ فَيُجْزِئُ عَنْ المتقرب وسواء كان أضحية منذورة أو تَطَوُّعًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ دَاوُد جَوَّزَهُ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُتَفَرِّقِينَ جَازَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ(8/398)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعَائِشَةَ رضى الله عنهم أَنَّهُمْ قَالُوا (الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ) (وَأَمَّا) قِيَاسُهُ عَلَى الشَّاةِ فَعَجَبٌ لِأَنَّ الشَّاةَ إنَّمَا تُجْزِئُ عن واحد والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجزئ ما فيه عيب ينقص اللحم كالعوراء والعمياء والعرجاء التي تعجز عن المشي في المرعى لِمَا رَوَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا يجزئ في الاضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكسيرة التي لا تبقى) فنص على هذه الاربعة لانها تنقص اللحم فدل على أن كل ما ينقص اللحم لا يجوز
* ويكره أن يضحى بالجلحاء وهى التي لا يخلق لها قرن وبالعصماء وهي التي انكسر غلاف قرنها وبالعضباء وهي التي انكسر قرنها وبالشرقاء وهي التي انثقبت من الكي أذنها وبالخرقاء وهى التى تشق أذنها بالطول لان ذلك كله يشينها وقد روينا عن ابن عباس ان تعظيمها استحسانها فان ضحى بما ذكرناه اجزأه لان ما بها لا ينقص من لحمها
* فان نذر ان يضحي بحيوان فيه عيب يمنع الاجزاء كالجرب وجب عليه ذبحه
ولا يجزئه عن الاضحية فان زال العيب قبل أن يذبح لم يجزه عن الاضحية لانه ازال الملك فيها بالنذر وهي لا تجزئ فلم يتغير الحكم بما يحدث فيها كما لو اعتق بالكفارة عبدا أعمى ثم صار بعد العتق بصيرا)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَقَوْلُهُ) عَيْبٌ يَنْقُصُ اللَّحْمَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ - (وَقَوْلُهُ) صَلَّى الله عليه وسلم (البين ضلعها) هو بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ - وَهُوَ الْعَرَجُ (وَقَوْلُهُ) الَّتِي لَا تُنْقِي - بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ - أَيْ الَّتِي لَا نِقْيَ لَهَا - بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ - وَهُوَ الْمُخُّ (وَقَوْلُهُ) هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ يَعْنِي الْأَمْرَاضُ (وَقَوْلُهُ) نَقَصَ اللَّحْمُ - بتخفيف القاف(8/399)
وَالْجَلْحَاءُ بِالْمَدِّ وَكَذَا الْعَصْمَاءُ وَهِيَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ - وَكَذَلِكَ الْعَضْبَاءُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ - وَالشَّرْقَاءُ وَالْخَرْقَاءُ بِالْمَدِّ أَيْضًا (وَقَوْلُهُ) يَشِينُهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ
* وَهَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّرْقَاءِ وَالْخَرْقَاءِ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ وَغَلَّطُوهُ فِيهِ بَلْ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي الشَّرْقَاءِ أَنَّهَا الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ وَالْخَرْقَاءُ الَّتِي فِي أُذُنِهَا ثُقْبٌ مُسْتَدِيرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِمَا فِيهِ عيب ينقص اللحم المريضة فَإِنْ كَانَ مَرَضُهَا يَسِيرًا لَمْ يَمْنَعْ الْإِجْزَاءَ وَإِنْ كَانَ بَيِّنًا يَظْهَرُ بِسَبَبِهِ الْهُزَالُ وَفَسَادُ اللَّحْمِ لَمْ يُجْزِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ قَوْلًا شَاذًّا أن المرض لايمنع بِحَالٍ وَأَنَّ الْمَرَضَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ الْمُرَادُ بِهِ الْجَرَبُ وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّ الْمَرَضَ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي قَوْلًا قَدِيمًا
* وَحُكِيَ وَجْهٌ فِي الْهُيَامِ - بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ - خَاصَّةً أَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَهُوَ مِنْ أَمْرَاضِ الْمَاشِيَةِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَدَّ عَطَشُهَا فَلَا تَرْوَى مِنْ الْمَاءِ قَالَ أَهْلُ اللغة هو داء يأخذها فتهيم في الار ض لَا تَرْعَى وَنَاقَةٌ هَيْمَاءُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْمَدِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) الْجَرَبُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ كَثِيرَهُ وَقَلِيلَهُ كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَالْوَدَكُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ إلَّا إذَا كَثُرَ كَالْمَرَضِ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* وَسَوَاءٌ فِي الْمَرَضِ وَالْجَرَبِ مَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَمَا لَا يُرْجَى
(الثَّالِثَةُ) الْعَرْجَاءُ إنْ اشْتَدَّ عَرَجُهَا بِحَيْثُ تَسْبِقُهَا الْمَاشِيَةُ إلَى الْكَلَأِ الطَّيِّبِ وَتَتَخَلَّفُ عَنْ الْقَطِيعِ لَمْ تُجْزِئْ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يُخَلِّفُهَا عَنْ الْمَاشِيَةِ لَمْ يَضُرَّ فَلَوْ انْكَسَرَ بَعْضُ قَوَائِمِهَا فَكَانَتْ تَزْحَفُ بِثَلَاثٍ لَمْ تُجْزِئْ
* وَلَوْ أَضْجَعَهَا لِيُضَحِّيَ بِهَا وَهِيَ سَلِيمَةٌ فَاضْطَرَبَتْ وَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا أَوْ عَرَجَتْ تَحْتَ السِّكِّينِ لَمْ تُجْزِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا عَرْجَاءُ عِنْدَ الذَّبْحِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلُ شَاةٍ فَبَادَرَ إلَى التَّضْحِيَةِ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ (الرَّابِعَةُ) لَا تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ وَلَا الْعَوْرَاءُ الَّتِي ذَهَبَتْ حَدَقَتُهَا وَكَذَا إنْ بَقِيَتْ حَدَقَتُهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ كَمَالُ النَّظَرِ
* وَتُجْزِئُ الْعَشْوَاءُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهِيَ الَّتِي تُبْصِرُ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ لِأَنَّهَا تُبْصِرُ وَقْتَ الرَّعْيِ (فَأَمَّا) الْعَمَشُ وَضَعْفُ(8/400)
بَصَرِ الْعَيْنَيْنِ جَمِيعًا قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنْ غَطَّى النَّاظِرَ بَيَاضٌ أَذْهَبَ أَكْثَرَهُ مَنَعَ وَإِنْ أَذْهَبَ أَقَلَّهُ لَمْ يَمْنَعْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الْخَامِسَةُ) الْعَجْفَاءُ الَّتِي ذَهَبَ مُخُّهَا مِنْ شِدَّةِ هُزَالِهَا لَا تُجْزِئُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِهَا بَعْضُ الْهُزَالِ وَلَمْ يَذْهَبْ مُخُّهَا أَجْزَأَتْ كَذَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُونَ
* وقال الماوردي ان كان خَلْقِيًّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لِمَرَضٍ مَنَعَ الاجزاء لانه ذا (1) وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ السِّمَنُ الْبَالِغُ لِلْإِجْزَاءِ لَا يُعْتَبَرُ الْعَجَفُ الْبَالِغُ لِلْمَنْعِ قَالَ وَأَقْرَبُ مُعْتَبَرٍ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ لَا يَرْغَبُ فِي لَحْمِهَا الطَّبَقَةُ الْعَالِيَةُ مِنْ طَلَبَةِ اللَّحْمِ فِي حَالَةِ الرَّخَاءِ مَنَعَتْ
* (السَّادِسَةُ) وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الثَّوْلَاءِ وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ الَّتِي تَسْتَدِيرُ فِي الرَّعْيِ وَلَا تَرْعَى إلَّا قَلِيلًا فَتَهْزِلُ فَلَا تُجْزِئُ بِالِاتِّفَاقِ (السَّابِعَةُ) يُجْزِئُ الْفَحْلُ وَإِنْ كَثُرَ نَزْوَانُهُ وَالْأُنْثَى وَإِنْ كَثُرَتْ وِلَادَتُهَا وَلَمْ يَطِبْ لَحْمُهَا إلَّا إذَا انْتَهَيَا إلَى الْعَجَفِ الْبَيِّنِ (الثَّامِنَةُ) لَا تُجْزِئُ مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهَا نَظَرَ فَإِنْ لَمْ يُبِنْ منها شئ بَلْ شُقَّ طَرَفُهَا وَبَقِيَ مُتَدَلِّيًا لَمْ يَمْنَعْ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الْقَفَّالُ يَمْنَعُ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ
* وَإِنْ أُبِينَ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْأُذُنِ مَنَعَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا مَنَعَ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِفَوَاتِ جُزْءٍ مَأْكُولٍ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَقْرَبُ ضَبْطٍ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ أَنَّهُ إنْ لَاحَ النَّقْصُ مِنْ الْبُعْدِ فَكَثِيرٌ وَإِلَّا فَقَلِيلٌ (التَّاسِعَةُ) لَا يَمْنَعُ الْكَيُّ فِي الْأُذُنِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِي مَنْعِهِ وَجْهَانِ لِتَصَلُّبِ الْمَوْضِعِ
* وَتُجْزِئُ صَغِيرَةُ الْأُذُنِ وَلَا تُجْزِئُ
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ لَهَا أُذُنٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا تُجْزِئُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وغيره (العاشرة) لا تجزئ الَّتِي أَخَذَ الذِّئْبُ مِقْدَارًا بَيِّنًا مِنْ فَخِذِهَا بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُ قَطْعُ الْفِلْقَةِ الْيَسِيرَةِ مِنْ عُضْوٍ كَبِيرٍ
* وَلَوْ قَطَعَ الذِّئْبُ أَوْ غَيْرُهُ أَلْيَتَهَا أَوْ ضَرْعَهَا لَمْ تُجْزِئْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ
* وَتُجْزِئُ الْمَخْلُوقَةُ بِلَا ضَرْعٍ أَوْ بِلَا أَلْيَةٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا يُجْزِئُ الذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ بِخِلَافِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ لَهَا أُذُنٌ لِأَنَّ الْأُذُنَ عُضْوٌ لَازِمٌ غَالِبًا وَالذَّنَبُ كَالْأَلْيَةِ وَقَطْعُ بَعْضِ الْأَلْيَةِ أَوْ الضَّرْعِ كَقَطْعِ كُلِّهِ وَلَا تُجْزِئُ مَقْطُوعَةُ بَعْضِ اللِّسَانِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يجزئ الموجوء والخصي كذا
__________
(1) بياض بالاصل)
*)(8/401)
قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَهُوَ الصَّوَابُ
* وَشَذَّ ابْنُ كَجٍّ فَحَكَى فِي الْخَصِيِّ قَوْلَيْنِ وَجَعَلَ الْمَنْعَ هُوَ قَوْلُ الْجَدِيدِ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُنَابِذٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ فَاتَ مِنْهُ الْخُصْيَتَانِ وَهُمَا مَأْكُولَتَانِ (قُلْنَا) لَيْسَتَا مَأْكُولَتَيْنِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْأُذُنِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَنْجَبِرُ بِالسِّمَنِ الَّذِي يَتَجَدَّدُ فِيهِ بِالْإِخْصَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا جَاءَ فِي الحديث أنه ضحى بموجوبين وَهُمَا الْمَرْضُوضَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْخَصِيِّ الذي ذهبت خصياه فانهما بالرضى صَارَتَا كَالْمَعْدُومَتَيْنِ وَتَعَذَّرَ أَكْلُهُمَا (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) تُجْزِئُ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا وَمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ سَوَاءٌ دُمِّيَ قَرْنُهَا أَمْ لَا قَالَ الْقَفَّالُ إلَّا أَنْ يُؤَثِّرَ أَلَمُ الِانْكِسَارِ فِي اللَّحْمِ فَيَكُونُ كَالْجَرَبِ وَغَيْرُهُ وَذَاتُ الْقَرْنِ أَفْضَلُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقَرَنَيْنِ) وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَعْظِيمُهَا اسْتِحْسَانُهَا (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) تُجْزِئُ ذَاهِبَةُ بَعْضِ الْأَسْنَانِ فَإِنْ انْكَسَرَتْ جَمِيعُ أَسْنَانِهَا أَوْ تَنَاثَرَتْ فَقَدْ أَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَقَالَ امام الحرمين قال المحققون تجزئ وقيل لَا تُجْزِئُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَرَضٍ أَوْ كَانَ يُؤَثِّرُ فِي الِاعْتِلَافِ وَيَنْقُصُ اللَّحْمَ مَنَعَ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ وَلَكِنَّهُ يُؤَثِّرُ بِلَا شَكٍّ فَرَجَعَ الْكَلَامُ الا الْمَنْعِ الْمُطْلَقِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا
* وَفِي الْحَدِيثِ نَهْيٌ عَنْ الْمُشَيَّعَةِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هِيَ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْ الْغَنَمِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِهُزَالٍ أَوْ عِلَّةٍ مَنَعَ لِأَنَّهَا عَجْفَاءُ وَإِنْ كَانَ عَادَةً وَكَسَلًا لَمْ يَمْنَعْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْعُيُوبُ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَضَرْبٌ لَا يَمْنَعُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ
(فَأَمَّا) الَّذِي يَمْنَعُهُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ (وَأَمَّا) الَّذِي لَا يَمْنَعُهُ بَلْ يُكْرَهُ فَمِنْهُ مَكْسُورَةُ القرن وذاهبته ويقال للتي لم يخلق لها قرن جلحاء وللتى انْكَسَرَ ظَاهِرُ قَرْنِهَا عَصْمَاءُ وَالْعَضْبَاءُ هِيَ مَكْسُورَةُ ظَاهِرِ الْقَرْنِ وَبَاطِنِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَقَالَ النَّخَعِيُّ لَا تَجُوزُ الْجَلْحَاءُ
* وَقَالَ مَالِكٌ إنْ دُمِيَ قَرْنُ الْعَضْبَاءِ لَمْ تُجْزِئْ وَإِلَّا فَتُجْزِئُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ (وَمِنْهُ) الْمُقَابَلَةُ وَالْمُدَابَرَةُ يُكْرَهَانِ وَيُجْزِئَانِ وَهُمَا - بِفَتْحِ الْبَاءِ فِيهِمَا - قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءُ الْمُقَابَلَةُ الَّتِي قُطِعَ مِنْ مُقَدَّمِ أُذُنِهَا فِلْقَةٌ وَتَدَلَّتْ فِي مُقَابَلَةِ الْأُذُنِ وَلَمْ ينفصل والمدابرة(8/402)
الَّتِي قُطِعَ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِهَا فِلْقَةٌ وَتَدَلَّتْ مِنْهُ وَلَمْ تَنْفَصِلْ وَالْفِلْقَةُ الْأُولَى تُسَمَّى الْإِقْبَالَةَ وَالْأُخْرَى تُسَمَّى الْإِدْبَارَةَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ الْمُقَابَلَةُ الْمَوْسُومَةُ بِالنَّارِ فِي بَاطِنِ أُذُنِهَا وَالْمُدَابَرَةُ فِي ظَاهِرِ أُذُنِهَا وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ
* وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى عليه وسلم أن نستشرف العين والاذن وأن لا نُضَحِّيَ بِعَوْرَاءَ وَلَا مُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ وَلَا خَرْقَاءَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وغيرهم قال الترمذي حديث حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَبَقَ تَفْسِيرُ الْخَرْقَاءِ وَالشَّرْقَاءِ فِي أَوَّلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمَعْنَى نَسْتَشْرِفُ الْعَيْنَ أَيْ نَشْرُفُ عَلَيْهَا وَنَتَأَمَّلُهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ كُلَّهَا لَا تَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ المسعودي يعني صاحب الديانة فِي إجْزَائِهَا وَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) إذَا نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِحَيَوَانٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ لَزِمَهُ أَوْ قَالَ جَعَلْتُ هَذِهِ أُضْحِيَّةً لَزِمَهُ ذَبْحُهَا لِالْتِزَامِهِ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ أُضْحِيَّةً كَمَنْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَةٍ مَعِيبًا يُعْتِقُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَإِنْ كان لا يجزئ عن الكفارة
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَكُونُ ذَبْحُهَا قُرْبَةً وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهَا صَدَقَةً وَلَا تُجْزِئُ عَنْ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا الْمَشْرُوعَةِ لِأَنَّ السَّلَامَةَ شَرْطٌ لَهَا وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَبْحُهَا بِيَوْمِ النَّحْرِ وَتَجْرِي مَجْرَى الْأُضْحِيَّةِ فِي الْمَصْرِفِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أُضْحِيَّةً بَلْ شَاةَ لَحْمٍ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ فَتَصِيرُ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِلَحْمٍ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِاسْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا مَحْمَلَ لِكَلَامِهِ إلَّا هَذَا فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَبَحَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ تَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا وَعَلَيْهِ
قِيمَتُهَا يَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَشْتَرِي أُخْرَى لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَشَارَ إلَى ظَبْيَةٍ وَقَالَ جَعَلْتُ هَذِهِ أُضْحِيَّةً فهو لغو لا يلزم به شئ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الضَّحَايَا
* وَلَوْ أَشَارَ إلَى فَصِيلٍ أَوْ سَخْلَةٍ وَقَالَ جَعَلْتُ هَذِهِ أُضْحِيَّةً فَهَلْ هُوَ كَالظَّبْيَةِ أَمْ كَالْمَعِيبِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) كَالْمَعِيبِ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ الصَّالِحِ لِلْأُضْحِيَّةِ (أَمَّا) إذَا أَوْجَبَهُ مَعِيبًا ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ فَهَلْ يُجْزِئُ ذَبْحُهُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ المنصف(8/403)
وَآخَرُونَ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُ لِكَمَالِهِ وَقْتَ الذَّبْحِ
* وَحَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذَا قَوْلًا قَدِيمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْعُيُوبُ سِتَّةُ أَقْسَامٍ عَيْبُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالْعَقِيقَةِ وَعَيْبُ الْمَبِيعِ وَالْمُسْتَأْجَرَةُ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَرَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ وَالْغُرَّةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْجَنِينِ وَحُدُودُهَا مُخْتَلِفَةٌ فَعَيْبُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَانِعُ مِنْ إجْزَائِهَا مَا نَقَصَ اللَّحْمَ
* وَعَيْبُ الْمَبِيعِ مَا نَقَصَ الْقِيمَةَ أَوْ الْعَيْنَ كَالْخِصَاءِ وَعَيْبُ الْإِجَارَةِ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ تَأْثِيرًا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ لَا مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الرَّقَبَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرقبة وعيب النكاح ما نفر سورة التَّوَاقِ وَهُوَ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْجَبُّ وَالتَّعْنِينُ وَالْقَرَنُ وَالرَّتْقُ
* وَعَيْبُ الْكَفَّارَةِ مَا أَضَرَّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا
* وَعَيْبُ الْغُرَّةِ كَعَيْبِ الْمَبِيعِ
* فَهَذَا تَقْرِيبُ ضَبْطِهَا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عُيُوبِ الْأُضْحِيَّةِ
* أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَمْيَاءَ لَا تُجْزِئُ وَكَذَا العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها والمريض الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَاهِبَةِ الْقَرْنِ وَمَكْسُورَتِهِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا تُجْزِئُ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَتْ مَكْسُورَةَ الْقَرْنِ وَهُوَ يَدْمَى لَمْ تَجْزِهِ وَإِلَّا فَتُجْزِئُهُ
* وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ قَرْنِهَا لَمْ تَجْزِهِ سَوَاءٌ دَمِيَتْ أم لا وان كان دون النصف أجزاته (وَأَمَّا) مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ سواء قطع كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ لَمْ تَجْزِهِ وَإِلَّا فَتُجْزِئُهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ تَجْزِهِ
* وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ أُذُنِهَا أَجْزَأَتْ (وَأَمَّا)
مَقْطُوعَةُ بَعْضِ الْأَلْيَةِ فَلَا تُجْزِئُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ إنْ بَقِيَ الثُّلُثُ أَجْزَأَتْ وَفِي رِوَايَةٍ إنْ بَقِيَ أَكْثَرُهَا أَجْزَأَتْ وَقَالَ دَاوُد تُجْزِئُ بِكُلِّ حَالٍ (وَأَمَّا) إذَا أَضْجَعَهَا لِيَذْبَحَهَا فَعَالَجَهَا فَأَعْوَرَتْ حَالَ الذَّبْحِ فَلَا تُجَزِّئُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ تجزئ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*(8/404)
(والمستحب أن يضحي بنفسه لحديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضحى بكبشين ووضع رجله على صفاحهما وسمى وكبر) ويجوز أن يستنيب غيره لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غبر منها) والمستحب أن لا يستنيب الا مسلما لانه قربة فكان الافضل أن لا يتولاها كافر ولانه يخرج بذلك من الخلاف لان عند مالك لا يجزئه ذبحه فان استناب يهوديا أو نصرانيا جاز لانه من أهل الذكاة
* ويستحب أن يكون عالما لانه أعرف بسنة الذبح
* والمستحب إذا استناب غيره أن يشهد الذبح لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال لفاطمة رضى الله عنها (قومي إلى أضحيتك فاشهديها فانه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنبك))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَمَنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ (وَقَوْلُهُ) مَا غَبَرَ أَيْ مَا بَقِيَ وَهُوَ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَ هَدْيَهُ وَأُضْحِيَّتَهُ بِنَفْسِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا الْمَرْأَةَ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تُوَكِّلَ فِي ذَبْحِ هَدْيِهَا وَأُضْحِيَّتِهَا رَجُلًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يُوَكِّلَا فِي ذَبْحِهِمَا مَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمًا فَقِيهًا بِبَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَالضَّحَايَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِشُرُوطِهِ وَسُنَنِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ وَثَنِيًّا وَلَا مَجُوسِيًّا وَلَا مُرْتَدًّا وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ كِتَابِيًّا وَامْرَأَةً وَصَبِيًّا لَكِنْ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ وَفِي كَرَاهَةِ تَوْكِيلِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَهْيٌ وَالْحَائِضُ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ
وَالصَّبِيُّ أَوْلَى مِنْ الْكَافِرِ الْكِتَابِيِّ
* وَيُسْتَحَبُّ إذَا وَكَّلَ أَنْ يَحْضُرَ ذَبْحَهَا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَلَّى تَفْرِقَةَ اللَّحْمِ بِنَفْسِهِ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّضْحِيَةِ وَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى حَالَةِ الذَّبْحِ أَمْ يُشْتَرَطُ(8/405)
قَرْنُهَا بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُ التَّقْدِيمِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ قَرْنُهَا كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ
* وَلَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الشَّاةَ ضَحِيَّةً فَهَلْ يَكْفِيهِ التَّعْيِينُ وَالْقَصْدُ عَنْ نِيَّةِ التَّضْحِيَةِ وَالذَّبْحِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَكْفِيهِ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهَا فَوَجَبَتْ فِيهَا النِّيَّةُ (وَرَجَّحَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ الِاكْتِفَاءَ لِتَضَمُّنِهِ النِّيَّةَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ حَتَّى لَوْ ذَبَحَهَا يَعْتَقِدُهَا شَاةَ لَحْمٍ أَوْ ذَبَحَهَا لِصٌّ وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* وَلَوْ الْتَزَمَ ضَحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ الْهَدْيِ أَنَّ الْمُعَيَّنَةَ هَلْ تَتَعَيَّنُ عَنْ الْمُطْلَقَةِ فِي الذِّمَّةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ تَتَعَيَّنُ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تَتَعَيَّنُ اُشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ
* وَلَوْ وَكَّلَهُ وَنَوَى عِنْدَ ذَبْحِ الْوَكِيلِ كَفَى ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ الْوَكِيلِ بَلْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ أَنَّهُ مُضَحٍّ لَمْ يَضُرَّ
* وَإِنْ نَوَى عِنْدَ دَفْعِهَا إلَى الْوَكِيلِ فَقَطْ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ
* وَيَجُوزُ تَفْوِيضُ النِّيَّةِ إلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
لَا يَصِحُّ تَضْحِيَةُ عَبْدٍ وَلَا مُسْتَوْلَدَةٍ وَلَا مُدَبَّرٍ عَنْ أَنْفُسِهِمْ إنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ إنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بِالتَّمْلِيكِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُمْ السَّيِّدُ وَقَعَتْ التَّضْحِيَةُ عَنْ السَّيِّدِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُونَ لَمْ يَصِحَّ تَضْحِيَتُهُمْ بِغَيْرِ إذْنٍ لِأَنَّ لَهُ حَقُّ الِانْتِزَاعِ فَإِنْ أَذِنَ وَقَعَتْ عَنْهُمْ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُمْ فِي التَّصْدِيقِ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَلَا بَعْدَ جَعْلِهَا ضَحِيَّةً (وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُ فَلَا تَصِحُّ تَضْحِيَتُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَذِنَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَبَرُّعِهِ بِإِذْنِهِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ (وَأَمَّا) مَنْ بَعْضُهُ) رَقِيقٌ فَلَهُ التَّضْحِيَةُ بِمَا مَلَكَهُ بِحُرِّيَّتِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ (وَأَمَّا) التَّضْحِيَةُ عَنْ الْمَيِّتِ فَقَدْ أَطْلَقَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ جَوَازَهَا لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ تَصِحُّ عَنْ الْمَيِّتِ وَتَنْفَعُهُ وَتَصِلُ إلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ
وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ لَا تَصِحُّ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا وَبِهِ قطع الرافعي في المجرد والله أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ مُعَيَّنَةً بِالنَّذْرِ وقعت عن(8/406)
الْمُضَحِّي وَإِلَّا فَلَا كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ
* وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ أَنَّهَا تَقَعُ عَنْ الْمُضَحِّي قَالَ هُوَ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ ولو ذبح عن نفسه واشترط غيره فِي ثَوَابِهَا جَازَ قَالُوا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ كَبْشًا وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ فِي التَّضْحِيَةِ عَنْ الْمَيِّتِ بِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ (يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ أَبَدًا فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ أَبَدًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنْ ثَبَتَ هَذَا كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ التَّضْحِيَةِ عَنْ الْمَيِّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ مُسْلِمًا (وَأَمَّا) الْكِتَابِيُّ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ صِحَّةُ اسْتِنَابَتِهِ وَتَقَعُ ذَبِيحَتُهُ ضَحِيَّةً عَنْ الْمُوَكِّلِ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ وَتَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ من أهل الزكاة كالمسلم * قال المصنف رحمه الله
* (والمستحب أن يوجه الذبيحة إلى الْقِبْلَةِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ضحوا وطيبوا أنفسكم فانه ما من مسلم يستقبل بذبيحته القبلة الا كان دمها وفرثها وصوفها حسنات في ميزانه يوم القيامة) ولانه قربة لابد فيها من جهة فكانت جهة القبلة أولى
* ويستحب أن يسمى الله تعالى لحديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سمى وكبر) ويستحب أن يقول (اللهم تقبل منى) لما روي عن ابن عباس انه قال (ليجعل احدكم ذبيحته بينه وبين القبلة ثم يقول من الله والى الله والله اكبر اللهم منك ولك اللهم تقبل) وعن ابن عمر انه كان إذا ضحى قال (من الله والله اكبر اللهم منك ولك اللهم تقبل منى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ(8/407)
(بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ (سَمَّى وَكَبَّرَ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَ هَذَا وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَدَلَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَيَا لَيْتَ الْمُصَنِّفَ احْتَجَّ بِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَمَقْصُودُ الْفَصْلِ بَيَانُ آدَابِ الذَّبْحِ وَسُنَنِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ وَغَيْرُهُمَا وَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ تَحْدِيدُ السِّكِّينِ وَإِرَاحَةُ الذَّبِيحَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ بِدَلِيلِهِ وَهُنَاكَ نَشْرَحُهُ إنْ شاء الله تعالى (الثانية) يستحب إمْرَارُ السِّكِّينِ بِقُوَّةٍ وَتَحَامُلٍ ذَهَابًا وَعَوْدًا لِيَكُونَ أوجى وَأَسْهَلَ (الثَّالِثَةُ) اسْتِقْبَالُ الذَّابِحِ الْقِبْلَةَ وَتَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إلَيْهَا وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ ذَبِيحَةٍ لَكِنَّهُ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ فِي الْعِبَادَاتِ مُسْتَحَبٌّ وَفِي بَعْضِهَا وَاجِبٌ وَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْجِيهِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهَا) يُوَجِّهُ مَذْبَحَهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يُوَجِّهُ وَجْهَهَا ليمكنه هو أيضا الاستقبال (والثاني) يوجهها بجميع بَدَنِهَا (وَالثَّالِثُ) يُوَجِّهُ قَوَائِمَهَا
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرَ قَائِمًا عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ مَعْقُولَ الرُّكْبَةِ وَإِلَّا فَبَارِكًا
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُضْجِعَ الْبَقَرَ وَالشَّاةَ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا وَيَتْرُكُ رِجْلَهَا الْيُمْنَى وَيَشُدُّ قَوَائِمَهَا الثَّلَاثَ (الرَّابِعَةُ) التَّسْمِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ الذَّبْحِ وَالرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ وَإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَلَّتْ الذَّبِيحَةُ لَكِنْ تَرْكُهَا عَمْدًا مَكْرُوهٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ
* وَهَلْ يَتَأَدَّى الِاسْتِحْبَابُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ عَضِّ الْكَلْبِ وَإِصَابَةِ السَّهْمِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي كَمَالِ الِاسْتِحْبَابِ (فَأَمَّا) إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ فَيُسْتَحَبُّ تَدَارُكُهَا عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ وَالْأَكْلِ يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ فِي أَثْنَائِهِمَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ وَلَا بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ بَلْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ الذَّبْحَ بِاسْمِهِ وَالْيَمِينَ بِاسْمِهِ وَالسُّجُودَ لَهُ لَا يُشَارِكهُ فِي ذَلِكَ مَخْلُوقٌ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ لا يجوز أن يقول باسم الله ومحمدا رَسُولِ اللَّهِ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ قَالَ وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ(8/408)
رَسُولِ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُنَاسِبُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مَا حَكَى فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ عَنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ ذَبِيحَةٌ يَذْبَحُونَهَا بِاسْمِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَسِيحِ لَمْ تَحِلَّ
* وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي ابْنِ كَجٍّ أَنَّ الْيَهُودِيَّ لَوْ ذَبَحَ لِمُوسَى أَوْ النَّصْرَانِيَّ لِعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ أَوْ لِلصَّلِيبِ حَرُمَتْ ذَبِيحَتُهُ وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ أَوْ ذَبَحَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقْوَى أَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَخَرَّجَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهَا تَحِلُّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَذْبَحُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَعْتَقِدُ فِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعْتَقِدُهُ النَّصْرَانِيُّ فِي عِيسَى
* قَالُوا وَإِذَا ذَبَحَ لِلصَّنَمِ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا
* وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمِ الْمَرْوَرُوذِيِّ أَنَّ مَا يُذْبَحُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ السُّلْطَانِ تَقَرُّبًا إلَيْهِ أَفْتَى أَهْلُ نَجْرَانَ بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الذَّبْحَ لِلْمَعْبُودِ وَبِاسْمِهِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ السُّجُودِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْظِيمِ وَالْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ فَمَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِهِ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ جَمَادٍ كَالصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْعِبَادَةِ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ وَكَانَ فِعْلُهُ كُفْرًا كَمَنْ يَسْجُدُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى سَجْدَةَ عِبَادَةٍ فَكَذَا لَوْ ذَبَحَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (فَأَمَّا) إذَا ذَبَحَ لِغَيْرِهِ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ ضَحَّى أَوْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لَهَا لِكَوْنِهَا بَيْتَ الله تعالى أَوْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ رَسُولَ اللَّهِ فَهُوَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ حِلَّ الذَّبِيحَةِ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ قَوْلُ الْقَائِلِ أَهْدَيْت لِلْحَرَمِ أَوْ الْكَعْبَةِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الذَّبْحُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ اسْتِبْشَارٌ بِقُدُومِهِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ لِوِلَادَةِ الْمَوْلُودِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ وَكَذَا السُّجُودُ لِلْغَيْرِ تَذَلُّلًا وَخُضُوعًا لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا
* وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قَالَ الذَّابِحُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ وَأَرَادَ أَذْبَحُ بِاسْمِ اللَّهِ وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَةَ مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ يَصِحُّ نَفْيُ الْجَوَازِ وَالْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْهُ
* قَالَ وَوَقَعَتْ مُنَازَعَةٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ لَقِينَاهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ قَزْوِينَ فِي أَنَّ مَنْ ذَبَحَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ رَسُولِهِ هَلْ تَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ وَهَلْ يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَأَفْضَتْ تِلْكَ الْمُنَازَعَةُ إلَى فِتْنَةٍ قَالَ وَالصَّوَابُ مَا بَيَّنَّاهُ هَذَا كلام الرافعي(8/409)
وَقَدْ أَتْقَنَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْفَصْلَ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ وَاخْتَارَهُ مَا ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ حَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا سَمَّى غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَسِيحِ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ
قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ مَعْنَاهُ أَنْ يَذْبَحَهَا لَهُ فَأَمَّا إنْ ذَكَرَ الْمَسِيحَ عَلَى مَعْنَى الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَائِزٌ قَالَ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ تَحِلُّ مُطْلَقًا وَإِنْ سَمَّى الْمَسِيحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ كَجٍّ مَنْ ذَبَحَ شَاةً وَقَالَ أَذْبَحُ لِرِضَاءِ فُلَانٍ حَلَّتْ الذَّبِيحَةُ لِأَنَّهُ يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ
* وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أن من ذبح للجن وقصد به التقريب إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِيَصْرِفَ شَرَّهُمْ عَنْهُ فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ قَصَدَ الذَّبْحَ لَهُمْ فَحَرَامٌ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ مَعَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبْحِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُكْرَهُ وَعَجَبٌ أَنَّ الْمُصَنِّفَ هُنَا كَيْفَ أَهْمَلَ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ شُهْرَتِهَا وَذِكْرَهُ إيَّاهَا فِي التَّنْبِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَتَهَا قَالُوا وَلَا يُذْكَرُ عِنْدَ الذَّبْحِ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ التَّضْحِيَةِ مَعَ التَّسْمِيَةِ اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك تَقَبَّلْ مِنِّي
* وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
* وَلَوْ قَالَ تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْت مِنْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَمُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ لَمْ يُكْرَهْ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ كَذَا نقله الروياني في البحر عن الاصحا ب
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَخْتَارُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا ثَلَاثًا فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الذَّبَائِحِ وَعَلَى إرْسَالِ الْكَلْبِ وَالسَّهْمِ وَغَيْرِهِمَا إلَى الصَّيْدِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا حَلَّتْ الذَّبِيحَةُ وَلَا(8/410)
إثْمَ عَلَيْهِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّسْمِيَةُ شَرْطٌ لِلْإِبَاحَةِ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ
* وَعَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِي) كَمَذْهَبِنَا
* وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ (الصَّحِيحَةُ) عِنْدَهُمْ وَالْمَشْهُورَةُ
عَنْهُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ لِلْإِبَاحَةِ فَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فِي صَيْدٍ فَهُوَ مَيْتَةٌ (وَالثَّانِيَةُ) كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّالِثَةُ) إنْ تَرَكَهَا عَلَى إرْسَالِ السَّهْمِ نَاسِيًا أُكِلَ وَإِنْ تَرَكَهَا عَلَى الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ لَمْ يُؤْكَلْ قَالَ وَإِنْ تَرَكَهَا فِي ذَبِيحَةٍ سَهْوًا حَلَّتْ وَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ
* وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد لَا تَحِلُّ سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا هَذَا نَقْلُ الْعَبْدَرِيِّ
* وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَنَافِعٍ كَمَذْهَبِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ وَمِمَّنْ أَبَاحَ أَكْلَ مَا تُرِكَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحَكَمُ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَنِيفَةَ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ شَرَطَ التَّسْمِيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عليه وانه لفسق) وَعَنْ أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك) وَفِي رِوَايَةٍ (فَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ (إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ (إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اللَّهَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ
* وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ (وَمَا صِدْت بِقَوْسِك فَذَكَرْتَ اسْمَ الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَكُلْ) وَفِي رِوَايَةٍ (فَمَا صِدْت بِقَوْسِك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُلْ وَمَا صِدْت بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُلْ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم) إلى قوله تعالى (الا ما ذكيتم) فَأَبَاحَ الْمُذَكَّى وَلَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ (فَإِنْ قِيلَ) لَا يَكُونُ مُذَكًّى إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ (قُلْنَا) الذَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْفَتْحُ وَقَدْ وُجِدَا وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) فَأَبَاحَ ذَبَائِحَهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّسْمِيَةَ
* وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضى الله(8/411)
عَنْهَا أَنَّهُمْ قَالُوا (يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قومنا حديث عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَ بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا فَنَأْكُلُ مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُّوا وَكُلُوا) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كُلِّهَا فَإِسْنَادُ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَإِسْنَادُ أَبِي دَاوُد عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَمُّوا وَكُلُوا) هَذِهِ التَّسْمِيَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ عِنْدَ أَكْلِ كُلِّ طَعَامٍ وَشُرْبِ كُلِّ شَرَابٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَحَادِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) فَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ أَنَّهُ مُنْكَرٌ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَهَذَا حَدِيثُ الصَّلْتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ) فَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْأَوَّلُونَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب وما أهل به لغير الله) وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يذكر اسم الله عليه وانه لفسق) وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآيَاتِ السَّابِقَاتِ مَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ (وَأَجَابَ) بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثَيْ عَلِيٍّ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ أَنَّ ذِكْرَ التَّسْمِيَةِ لِلنَّدْبِ (وَجَوَابٌ) آخَرُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك) أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْمِيَةِ الْإِرْسَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَسَائِلَ مِمَّا سَبَقَ
* يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا أَنْ يَقُولَ فِي ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ (اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك فَتَقَبَّلْ مِنِّي) وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ (وَأَمَّا) الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَمُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَنَا وَكَرِهَهَا الليث(8/412)
ابن سعد وابن المنذر * قال المصنف رحمه الله
* (وإذا نحر الهدي أو الاضحية نظرت فان كان تطوعا فالمستحب أن يأكل منه لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا رضى الله عنه فنحر ما غبر) واشركه في هديه وامر من كل بدنة ببضعة فجعلها في قدر فطبخت فاكل من لحمها وشرب من مرقها ولا يجب ذلك لقوله عز وجل (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) فجعلها لنا وما هو للانسان فهو مخير بين
اكله وبين تركه وفي القدر الذي يستحب أكله قولان قال في القديم يأكل النصف ويتصدق بالنصف لقوله عز وجل (فكلوا منها واطعموا البائس الفقير) فجعلها بين اثنين فدل على انها بينهما نصفين وقال في الجديد يأكل الثلث ويهدي الثلث ويتصدق بالثلث لقوله عز وجل (فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر) قال الحسن القانع الذي يسألك والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك وقال مجاهد القانع الجالس في بيته والمعتر الذي يسألك فجعلها بين ثلاثة فدل على أنها بينهم اثلاثا (واما) القدر الذي يجوز أن يؤكل فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وابو العباس بن القاص يجوز ان ياكل الجميع لانها ذبيحة يجوز أن ياكل منها فجاز ان ياكل جميعها كسائر الذبائح وقال عامة أصحابنا يجب أن يبقى منها قدر ما يقع عليه اسم الصدقة لان القصد منها القربة فإذا اكل الجميع لم تحصل القربة له فان اكل الجميع لم يضمن على قول ابي العباس وابن القاص ويضمن على قول سائر اصحابنا وفي القدر الذي يضمن وجهان (احدهما) يضمن اقل ما يجزئ في الصدقة (والثاني) يضمن القدر المستحب وهو الثلث في احد القولين والنصف في الاخر بناء على القولين فيمن فرق سهم الفقراء على اثنين
* وان كان نذرا نظرت فان كان قد عينه عما في ذمته لم يجز أن يأكل منه لانه بدل عن واجب فلم يجز أن يأكل منه كالدم الذي يجب بترك الاحرام من الميقات وان كان نذر مجازاة كالنذر لشفاء المريض وقدوم الغائب لم يجز أن يأكل منه لانه جزاء فلم يجز أن يأكل منه كجزاء الصيد فان أكل شيئا منه ضمنه وفي ضمانه ثلاثة أوجه (أحدها) يلزمه قيمة ما أكل كما لو أكل منه أجنبي (والثاني) يلزمه مثله من اللحم لانه لو أكل جميعه ضمنه بمثله فإذا أكل بعضه ضمنه بمثله (والثالث)(8/413)
يلزمه أن يشترى جزءا من حيوان مثله ويشارك في ذبحه
* وان كان نذرا مطلقا ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يجوز أن يأكل منه لانه اراقة دم واجب فلا يجوز أن يأكل منه كدم الطيب واللباس (والثاني) يجوز لان مطلق النذر يحمل على ما تقرر في الشرع والهدي والاضحية المعهودة في الشرع يجوز الاكل منها فحمل النذر عليه (والثالث) انه ان كان أضحية جاز أن يأكل منها لان الاضحية المعهودة في الشرع يجوز الاكل منها وان كان هديا لم يجز أن يأكل منه لان أكثر الهدايا في الشرع لا يجوز الاكل منها فحمل النذر عليها)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِحُرُوفِهِ وَالْبَضْعَةُ - بِفَتْحِ الْبَاءِ لَا غَيْرُ - وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ اللَّحْمِ (وَقَوْلُهُ) مَا غَبَرَ أَيْ مَا بَقِيَ (وَقَوْلُهُ) وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ أَيْ فِي ثَوَابِهِ وَإِنَّمَا أَخَذَ بَضْعَةً مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا لِيَكُونَ قَدْ تَنَاوَلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ شَيْئًا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ ذَبِيحَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا احْتِرَازٌ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْمَنْذُورَةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَلِلْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا فَيُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ مِنْهُمَا وَلَا يَجِبُ بَلْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ
* وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التصدق بالجميع بل يجب أكل شئ لظاهر قوله تعالى (فكلوا منها وأطعموا) وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَدْنَى جُزْءٍ كَفَاهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ اسْمَ الْإِطْعَامِ وَالتَّصَدُّقِ يَقَعُ عَلَيْهِ
*(8/414)
وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ التَّصَدُّقُ عَنْهُ قَوْلَانِ (الْقَدِيمُ) يَأْكُلُ النِّصْفَ وَيَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ (وَالْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْجَدِيدِ فَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثَيْنِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ عَنْهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَيُهْدِي الثُّلُثَ إلَى الْأَغْنِيَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ثُمَّ قال أبو حامد ولو تصدق بالثلثين كَانَ أَفْضَلَ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ اخْتِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثَيْنِ ذَكَرَ الْأَفْضَلَ أَوْ تَوَسَّعَ فَعَدَّ الْهَدِيَّةَ صَدَقَةً قَالَ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كِتَابِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْهَدِيَّةَ لَا تُغْنِي عَنْ التَّصَدُّقِ بشئ إذَا أَوْجَبْنَاهُ وَإِنَّمَا لَا تُسْتَحَبُّ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ بِهِ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الْقَدْرَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ بِهِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ سَهْمِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ
* وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَجُوزُ هُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى جُزْءٍ يَسِيرٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ مِنْ لَحْمِ الْمُتَطَوِّعِ بِهَا شَيْئًا بَلْ يأكل ويطعم ولايجوز تَمْلِيكُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ وَالْهَدِيَّةُ إلَيْهِمْ وَيَجُوزُ تَمْلِيكُ الْفُقَرَاءِ مِنْهَا لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ أَصْلَحَ الطَّعَامَ وَدَعَا إلَيْهِ الْفُقَرَاءَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي يَنْقَدِحُ عندي أنا إذا أوجبنا التصدق بشئ أنه لابد مِنْ التَّمْلِيكِ كَمَا فِي
الْكَفَّارَةِ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ الْفُقَرَاءَ لِيَأْكُلُوهُ مَطْبُوخًا لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي تَمَلُّكِهِ قال وان دفع مطبوخا لم يجز بَلْ يُفَرِّقْهُ نِيئًا لِأَنَّ الْمَطْبُوخَ كَالْخُبْزِ فِي الْفِطْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَلْ(8/415)
يشترط التصدق منها بشئ أم يجوز اكلها جميعها فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ أَكْلُ الْجَمِيعِ قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ الْقَاصِّ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَابْنُ الْوَكِيلِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْقَاصِّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالُوا وَإِذَا أَكَلَ الْجَمِيعَ ففائدة الاضحية حصول الثواب باراقة لدم بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْمُصَنِّفِينَ منهم المصنف في التنبيه يجب التصدق بشئ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إرْفَاقُ الْمَسَاكِينِ فَعَلَى هَذَا إنْ أَكَلَ الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَفِي قَدْرِ الضَّمَانِ خِلَافٌ (الْمَذْهَبُ) مِنْهُ أَنْ يَضْمَنَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (وَفِي قَوْلٍ) وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيه وَجْهًا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْقَدْرَ الَّذِي يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي التَّصَدُّقِ عَنْهُ وهو النصف أو الثلث فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ دَفَعَ سَهْمَ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ وُجُودِ الثَّالِثِ
* وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِثْلِهَا لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ حُكْمِ الْأُضْحِيَّةِ بِأَكْلِهِ الْجَمِيعَ فَكَأَنَّهُ أَتْلَفَهَا وَهَذَا الْوَجْهُ حُكِيَ عَنْ أَبِي اسحق المروزي وأبي على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَعَلَى هَذَا يُذْبَحُ الْبَدَلُ فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ وَفِي جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ الْبَدَلِ وَجْهَانِ
* وَهَذَا الْوَجْهُ الْمَحْكِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَعْرُوفُ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ
* ثُمَّ مَا ضمنه على(8/416)
الْخِلَافِ السَّابِقِ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ دَرَاهِمَ بَلْ فِيمَا يَلْزَمُهُ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
صَرْفُهُ إلَى شِقْصِ أُضْحِيَّةٍ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ يَكْفِي أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ
* وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ دَرَاهِمَ وَادَّعَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ
* وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الذَّبْحِ وَالتَّفْرِقَةِ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الشِّقْصَ وَاللَّحْمَ لَيْسَ بِأُضْحِيَّةٍ ولا يشترط فيه وقتها ولايجوز أن يأكل منه والله
أَعْلَمُ
* (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْهَدْيُ أَوْ الْأُضْحِيَّةُ مَنْذُورًا قَالَ الْأَصْحَابُ كُلُّ هَدْيٍ وَجَبَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ غَرِمَ وَلَا يَجِبُ إرَاقَةُ الدَّمِ ثَانِيًا وَفِيمَا يَغْرَمُهُ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ يَغْرَمُ قِيمَةَ اللَّحْمِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ اللَّحْمِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُهُ شِقْصٌ مِنْ حَيَوَانٍ مِثْلِهِ وَيُشَارِكُ فِي ذَبِيحَةٍ لِأَنَّ مَا أَكَلَهُ بَطَلَ حُكْمُ إرَاقَةِ الدَّمِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ وَأَكَلَ الْجَمِيعَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ (وَأَمَّا) الْمُلْتَزِمُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْهَدَايَا فَإِنْ عَيَّنَهُ بِالنَّذْرِ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ دَمِ حَلْقٍ أَوْ تَطَيُّبٍ وَلِبَاسٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً بِهَذِهِ النِّيَّةِ بِغَيْرِ نَذْرٍ وَكَالزَّكَاةِ
* وَإِنْ نَذَرَ نَذْرَ مُجَازَاةٍ كَتَعْلِيقِهِ الْتِزَامَ الْهَدْيِ أَوْ الْأُضْحِيَّةِ بِشِفَاءِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجُزْ الْأَكْلُ مِنْهُ أَيْضًا كَجَزَاءِ الصَّيْدِ
* وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُلْتَزِمِ مُعَيِّنًا أَوْ مُرْسِلًا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يَذْبَحُ عَنْهُ فَإِنْ أَطْلَقَ الِالْتِزَامَ فَلَمْ يُعَلِّقْهُ بشئ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُهُ وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَزِمُ مُعَيِّنًا بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ أَوْ أُهْدِيَ هَذِهِ فَفِي جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْهَا قَوْلَانِ وَوَجْهٌ أَوْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ وَلَا الْأُضْحِيَّةِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ دُونَ الْهَدْيِ وَأَدِلَّةُ الثَّلَاثَةِ فِي الْكِتَابِ
* وَمَنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا إذَا قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الشَّاةَ ضَحِيَّة مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ الْتِزَامٍ (أَمَّا) إذَا الْتَزَمَ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ الْأَكْلَ مِنْ الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً فَهَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَجُوزُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ هَكَذَا فَصَّلَ حُكْمَ الْأَكْلِ مِنْ الْمُلْتَزِمِ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُعْتَبَرِينَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ وَجْهَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ(8/417)
الملتزم المعين والمرسل بالمنع قال أبو إسحق قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَ الْقَفَّالُ وَالْإِمَامُ الْجَوَازَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُتَوَسَّطَ فَيُرَجَّحُ فِي الْمُعَيِّنِ الْجَوَازُ وَفِي الْمُرْسِلِ الْمَنْعُ سَوَاءٌ عَيَّنَ عَيْنَهُ ثُمَّ ذَبَحَ أَوْ ذَبَحَ بِلَا تَعْيِينٍ لِأَنَّهُ عَنْ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَأَشْبَهَ الْجُبْرَانَاتِ وَبِهَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى سِيَاقِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ
* وَحَيْثُ مَنَعْنَا الْأَكْلَ فِي الْمَنْذُورَةِ فَأَكَلَ فَعَلَيْهِ الْغُرْمُ وَفِيمَا يَغْرَمُهُ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي الْجُبْرَانَاتِ
* وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الْأَكْلَ فَفِي قَدْرِ مَا يَأْكُلُهُ الْقَوْلَانِ فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ كَذَا
قَالَهُ الْبَغَوِيّ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ الْخِلَافَ فِي قَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ أَكْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ وَأَقَلُّ مَا فِي تَرْكِهِ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ أَنْ يَدَّخِرَ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَكَانَ ادِّخَارُهَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَنْهِيًّا عَنْهُ ثُمَّ أَذِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ
* قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا كَانَ النَّهْيُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يُحْتَمَلُ التَّنْزِيهُ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ النَّهْيَ كَانَ عَامًّا ثُمَّ نُسِخَ أَمْ كَانَ مَخْصُوصًا بِحَالَةِ الضِّيقِ الْوَاقِعِ تِلْكَ السَّنَةُ فَلَمَّا زَالَتْ انْتَهَى التَّحْرِيمُ وَجْهَيْنِ عَلَى الثَّانِي فِي أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا هَلْ يُحْكَمُ بِهِ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِادِّخَارُ الْيَوْمَ بِحَالٍ وَإِذَا أَرَادَ الِادِّخَارَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَصِيبِ الْأَكْلِ لَا مِنْ نَصِيبِ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ يَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ وَيَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيَدَّخِرُ الثُّلُثَ فَغَلَطٌ ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ النَّقْلِ وَالْمَعْنَى قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا غَلَطٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي كِتَابٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَا مُتَأَخِّرٍ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ أُحِبُّ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ الثُّلُثَ وَأَنْ يُهْدِيَ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالصَّوَابِ وَرَدٌّ لِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الاكل من الضحية والهدية الْوَاجِبَيْنِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ جُبْرَانًا أَوْ مَنْذُورًا وَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ(8/418)
الْوَاجِبِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ دَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَبَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي أن دم القران والتمتع دم نسك لاجبران
* وكذا قال احمد لا يأكل من شئ مِنْ الْهَدَايَا إلَّا مِنْ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَدَمِ التَّطَوُّعِ
* وَقَالَ مَالِكٌ يَأْكُلُ مِنْ الْهَدَايَا كُلِّهَا إلَّا جَزَاءَ الصَّيْدِ وَنُسُكَ الْأَذَى وَالْمَنْذُورَ وَهَدْيَ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَهَدْيِهِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ
وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا سَبَقَ
* وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّ أَنْ يأكل ثلثا ويتصدق بثلث وَيُهْدِيَ ثُلُثًا ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَطَاءٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ مَنْ أَكَلَ بَعْضَ الْأُضْحِيَّةِ وَتَصَدَّقَ بِبَعْضِهَا هَلْ يُثَابُ عَلَى جَمِيعِهَا أَمْ عَلَى مَا تَصَدَّقَ بِهِ فَقَطْ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَوَى صَوْمَ التَّطَوُّعِ ضَحْوَةً هَلْ يُثَابُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَمْ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ فَقَطْ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَهُ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ بِالْجَمِيعِ وَثَوَابُ التَّصَدُّقِ بِالْبَعْضِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي تَشْهَدُ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَالْقَوَاعِدُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ تَصْرِيحًا الشَّيْخُ الصَّالِحُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع شئ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ نَذْرًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اقوم على بدنه فاقسم جلالها وجلودها وامرني ان لا اعطي الجازر منها شيئا وقال نحن نعطيه من عندنا) ولو جاز اخذ العوض عنه لجاز ان يعطي الجازر في اجرته ولانه انما اخرج ذلك قربة فلا يجوز ان يرجع إليه الا ما رخص فيه وهو الاكل)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَجِلَالُهَا - بِكَسْرِ الْجِيمِ - جَمْعُ جَلٍّ
* وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يجوز بيع شئ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ نَذْرًا(8/419)
كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ اللَّحْمُ وَالشَّحْمُ وَالْجِلْدُ وَالْقَرْنُ وَالصُّوفُ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ الْجِلْدِ وَغَيْرِهِ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ الْمُضَحِّي وَالْمُهْدِي أَوْ يَتَّخِذُ مِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ كَسِقَاءٍ أَوْ دَلْوٍ أَوْ خُفٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ صَاحِبَ التَّقْرِيبِ حَكَى قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجِلْدِ وَالتَّصَدُّقُ بِثَمَنِهِ وَيُصْرَفُ مَصْرِفَ الْأُضْحِيَّةِ فَيَجِبُ التَّشْرِيكُ فِيهِ كَالِانْتِفَاعِ بِاللَّحْمِ
* وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَخْذِ ثَمَنِهِ لِنَفْسِهِ وَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فرق في بطلان البيع بين بيعه بشئ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجِلَالِهَا وَنِعَالِهَا الَّتِي قُلِّدَتْهَا وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ
صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَكْفِي التَّصَدُّقُ بِالْجِلْدِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَجِبُ التصدق بشئ مِنْ اللَّحْمِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ اللَّحْمُ قَالُوا وَالْقَرْنُ كَالْجِلْدِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جلد الاضحية ولاغيره مِنْ أَجْزَائِهَا لَا بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْبَيْتِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثُمَّ حَكَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَحْمَدَ واسحق أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ جِلْدَ هَدْيِهِ وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ
* قَالَ وَرَخَّصَ فِي بَيْعِهِ أَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ الْغِرْبَالَ وَالْمُنْخُلَ وَالْفَأْسَ وَالْمِيزَانَ وَنَحْوَهَا قَالَ وَكَانَ الْحَسَنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ لَا يَرَيَانِ بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ جِلْدَهَا وَهَذَا غَلَطٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ
* وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ ذَبْحِهَا وَبَيْعُ مَا شَاءَ مِنْهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ قَالُوا وَإِنْ بَاعَ جِلْدَهَا بِآلَةِ الْبَيْتِ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهَا
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضى الله عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (ويجوز أن ينتفع بجلدها فيصنع منه النعال والخفاف والفراء لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (دف ناس من أهل البادية حضرة الاضحى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ(8/420)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقى فلما كان بعد ذلك قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويجملون منها الودك ويتخذون منها الاسقية فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما ذاك قالوا يا رسول الله نهيت عن امساك لحوم الاضاحي بعد ثلاث فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا وتصدقوا وادخروا) فدل على أنه يجوز اتخاذ الاسقية منها)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِحُرُوفِهِ وَالْفِرَاءُ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ بِالْمَدِّ جَمْعُ فَرْوٍ وَيُقَالُ فَرْوَةٌ بالهاء لغتان الفصيح بلا هاء (قوله) دَفَّ بِالْفَاءِ أَيْ جَاءَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّافَّةُ قَوْمٌ يَسِيرُونَ جَمَاعَةً سَيْرًا لَيْسَ بِالشَّدِيدِ يُقَالُ هُمْ يَدُفُّونَ دَفِيفًا (وَالْبَادِيَةُ) وَالْبَدْوُ بِمَعْنًى وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَدْوِ وَهُوَ الظُّهُورُ (قَوْلُهَا)
حَضْرَةَ هُوَ - بِنَصْبِ التَّاءِ - أَيْ فِي وَقْتِ حُضُورِ الْأَضْحَى وَيَجُوزُ فَتْحُ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا ثلاث لغات ويجوز حضر - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَحَذْفِ الْهَاءِ - (قَوْلُهُ) وَيَجْمُلُونَ الْوَدَكَ هُوَ بِالْجِيمِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ وَضَمُّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ جَمَّلْت اللَّحْمَ أَجْمُلُهُ بِضَمِّ الْمِيمِ جُمْلًا وَأَجْمَلْته وَاجْتَمَلْته إذَا أَذَبْته وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ بِجَمِيعِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ فَيُتَّخَذُ مِنْهُ خُفًّا أو نعلا أو دلوا أو فروا اوسقاء أَوْ غِرْبَالًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالْجِلْدِ هُوَ فِي جِلْدِ أُضْحِيَّةٍ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ لَحْمِهَا وَهِيَ الْأُضْحِيَّةُ وَالْهَدْيُ الْمُتَطَوَّعُ بِهِمَا وَكَذَا الْوَاجِبُ إذَا جَوَّزْنَا الْأَكْلَ مِنْهُ وَإِذَا لَمْ نجوزه وجب التصدق به كاللحم ومن نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَعْطَى الْمُضَحِّي الْجَازِرَ شَيْئًا مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ جِلْدِهَا فَإِنْ أَعْطَاهُ لِجِزَارَتِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ ثُمَّ أَعْطَاهُ اللَّحْمَ لِكَوْنِهِ فَقِيرًا جَازَ كَمَا يدفع إلى غيره من الفقراء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*(8/421)
(ويجوز أن يشترك السبعة في بدنة وفي بقرة لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة) فان اشترك جماعة في بدنة أو بقرة وبعضهم يريد اللحم وبعضهم يريد القربة جاز لان كل سبع منها قائم مقام شاة
* فان أرادوا القسمة وقلنا ان القسمة افراز النصيبين قسم بينهم وان قلنا ان القسمة بيع لم تجز القسمة فيملك من أراد القسمة نصيبه لثلاثة من الفقراء فيصيرون شركاء لمن يريد اللحم ثم ان شاؤا باعوا نصيبهم ممن يريد اللحم وان شاءوا باعوا من أجنبي وقسموا الثمن
* وقال أبو العباس بن القاص تجوز القسمة قولا واحدا لانه موضع ضرورة لان بيعه لا يمكن وهذا خطأ لانا بينا أنه يمكن البيع فلا ضرورة لهم إلى القسمة)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ
وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْبَدَنَةَ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ سَوَاءٌ كَانُوا مضحين أو بعضهم مُضَحِّيًا وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ وَسَوَاءٌ كَانُوا أَهْلَ بَيْتٍ أَوْ أَبْيَاتٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ أُضْحِيَّةَ تَطَوُّعٍ أَوْ مَنْذُورَةٍ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِمْ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بدنة أو بقرة وأرادوا الْقِسْمَةَ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِجَوَازِ الْقِسْمَةِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ يبني على أن الْقِسْمَةِ بَيْعٌ أَوْ فَرْزُ النَّصِيبَيْنِ وَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْأَصَحُّ) فِي قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ كَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا فَرْزُ النَّصِيبَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا بَيْعٌ (فَإِنْ قُلْنَا) إفْرَازٌ جَازَتْ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَبَيْعُ اللَّحْمِ الرَّطْبُ بِمِثْلِهِ لَا يَجُوزُ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَدْفَعَ الْمُتَقَرِّبُونَ نُصِيبَهُمْ إلَى الْفُقَرَاءِ مُشَاعًا ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُمْ مَنْ أَرَادَ اللَّحْمَ وَلَهُمْ بَيْعُ نَصِيبِهِمْ بَعْدَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ بَاعُوهُ لِلشَّرِيكِ الْمُرِيدِ اللَّحْمَ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ يَبِيعُ مُرِيدُ اللَّحْمِ نصيبه للفقراء بدراهم أو غيرها وان شاؤا جَعَلُوا اللَّحْمَ أَجْزَاءً بِاسْمِ كُلِّ وَاحِدٍ جُزْءٌ فَإِذَا كَانُوا سَبْعَةً قُسِمَ سَبْعَةُ أَجْزَاءٍ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءًا إلَى يَدِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ سُبْعُ ذَلِكَ الْجُزْءِ الَّذِي فِي يَدِهِ بِدِرْهَمٍ مثلا ويبيع(8/422)
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ سُبْعَ الَّذِي فِي يده بدرهم ثم يتقاصون في الدرهم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (إذا نذر أضحية بعينها فالحكم فيها كالحكم في الهدي المنذور في ركوبها وولدها ولبنها وجز صوفها وتلفها واتلافها وذبحها ونقصانها بالعيب وقد بينا ذلك في باب الهدي فأغنى عن الاعادة وبالله التوفيق)
* (الشَّرْحُ) هَذَا كَمَا قَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) فِي تَعْيِينِ الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ جَمَعَهَا الرَّافِعِيُّ مُلَخَّصَةً فَأَحْسَنَ جَمْعَهَا فَقَالَ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي التَّضْحِيَةِ وَأَنَّ الشَّاةَ إذَا جَعَلَهَا ضَحِيَّةً هَلْ يَكْفِيه ذَلِكَ عَنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَكْفِيه فَإِنْ قُلْنَا يَكْفِيه اُسْتُحِبَّ التَّجْدِيدُ
* وَمَتَى كَانَ فِي مِلْكِهِ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ فَقَالَ جَعَلْت هَذِهِ ضَحِيَّةً أَوْ هَذِهِ ضَحِيَّةٌ أَوْ عَلَى أَنْ
أُضَحِّيَ بِهَا صَارَتْ ضَحِيَّةً مُعَيَّنَةً وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ هَدْيًا أَوْ هَذَا هَدْيٌ أَوْ عَلَى أَنْ أُهْدِيَ هَذَا صَارَ هَدْيًا وَشَرَطَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ
* وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ المعينين كما سيأتي تفريعه ان شاء الله تَعَالَى
* وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ بِعَيْنِهِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْمَالِ الْمُعَيَّنِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَسَاكِينِ وفي العبد لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَيْهِ بَلْ يَنْفَكُّ عَنْ الْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ (أَمَّا) إذَا نَوَى جَعْلَ هَذِهِ الشاة هديا أو أضحية ولم يتلفظ بشئ فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ ضَحِيَّةً (وقال) فِي الْقَدِيمِ تَصِيرُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيُّ
* وعلى هذا فيما يصير به هديا وضحية أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَمَا يَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ بِالنِّيَّةِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ (وَالثَّانِي) بِالنِّيَّةِ وَالتَّقْلِيدِ أَوْ الْإِشْعَارِ لِتَنْضَمَّ الدَّلَالَةُ الظَّاهِرَةُ إلَى النِّيَّةِ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ (وَالثَّالِثُ) بِالنِّيَّةِ وَالذَّبْحِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ كَالْقَبْضِ بِالنِّيَّةِ (وَالرَّابِعُ) بِالنِّيَّةِ وَالسَّوْقِ إلى(8/423)
الْمَذْبَحِ
* وَلَوْ لَزِمَهُ هَدْيٌ أَوْ ضَحِيَّةٌ بِالنَّذْرِ فَقَالَ عَيَّنْت هَذِهِ الشَّاةَ عَنْ نَذْرِي أَوْ جَعَلْتهَا عَنْ نَذْرِي أَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا عَمَّا فِي ذِمَّتِي فَفِي تَعَيُّنِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّعَيُّنُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْخِلَافَ فِي صُوَرٍ رَتَّبَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَلْنُورِدْهَا بِزَوَائِدَ
* فَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً عَلَيَّ التَّضْحِيَةُ بِهَذِهِ الشَّاةِ لَزِمَهُ التَّضْحِيَةُ قَطْعًا وَتَتَعَيَّنُ تِلْكَ الشَّاةُ عَلَى الصَّحِيحِ
* وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَفِي تَعَيُّنِ هَذَا الْعَبْدِ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَبْدُ أَوْلَى بِالتَّعَيُّنِ لِأَنَّهُ ذُو حَقٍّ فِي الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ
* وَلَوْ كَانَ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ ثُمَّ عَيَّنَ عَبْدًا عَمَّا الْتَزَمَهُ فَالْخِلَافُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِثْلِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ
* وَلَوْ قَالَ جَعَلْت هَذَا الْعَبْدَ عَتِيقًا لَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ
* وَلَوْ قَالَ جَعَلْت هَذَا الْمَالَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ صَدَقَةً تَعَيَّنَتْ عَلَى الْأَصَحِّ كَشَاةِ الْأُضْحِيَّةِ (وَعَلَى الثَّانِي) لَا إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ لِتُسَاوِيهَا بخلاف الشاة
* ولو قال عينت هده الدَّرَاهِمَ عَمَّا فِي ذِمَّتِي مِنْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ لُغِيَ التَّعْيِينُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَذَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الدَّرَاهِمِ ضَعِيفٌ وَتَعَيُّنَ مَا فِي الذِّمَّةِ ضَعِيفٌ فَيَجْتَمِعُ سَبَبَا ضَعْفٍ قَالَ وَقَدْ يُفَادُ مِنْ
تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ لديون الادميين قال ولا تخلوا الصُّورَةُ مِنْ احْتِمَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي جَوَازِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ إلَى الْمُكَاتَبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ كَالزَّكَاةِ وهذا هو الصحيح ولايجوز صرف شئ مِنْهَا إلَى عَبْدٍ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ رَسُولًا بِهِ إلَى سَيِّدِهِ هَدِيَّةً ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ مَنْ نَذَرَ الْأُضْحِيَّةَ فِي عَامٍ فَأَخَّرَ عَصَى وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ (الرَّابِعَةُ) مَنْ ضَحَّى بِعَدَدٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُفَرِّقَهُ عَلَى أَيَّامِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ شَاتَيْنِ ذَبَحَ شَاةً فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَأُخْرَى فِي آخِرِ الْأَيَّامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ وَإِنْ كَانَ أَرْفَقَ بِالْمَسَاكِينِ فَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ أَهْدَاهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ بِضْعًا وَسِتِّينَ وأمر عليا رضى الله عنه ينحر تَمَامِ الْمِائَةِ) فَالسُّنَّةُ التَّعْجِيلُ وَالْمُسَارَعَةُ إلَى الْخَيْرَاتِ والمبادرة بِالصَّالِحَاتِ إلَّا مَا ثَبَتَ خِلَافُهُ(8/424)
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) مَحِلُّ التَّضْحِيَةِ مَوْضِعُ الْمُضَحِّي سَوَاءٌ كَانَ بَلَدَهُ أَوْ مَوْضِعَهُ مِنْ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ وَفِي نَقْلِ الْأُضْحِيَّةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ تَخْرِيجًا مِنْ نَقْلِ الزَّكَاةِ (السَّادِسَةُ) الْأَفْضَلُ أَنْ يُضَحِّيَ فِي دَارِهِ بِمَشْهَدِ أَهْلِهِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا
* وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَخْتَارُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُضَحِّيَ لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِبَدَنَةٍ فِي الْمُصَلَّى فَإِنْ لَمْ تَتَيَسَّرْ فَشَاةٌ وَأَنَّهُ يَنْحَرُهَا بِنَفْسِهِ وَإِنْ ضَحَّى مِنْ مَالِهِ ضَحَّى حَيْثُ شَاءَ هَذَا كَلَامُهُ
* وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى) (السَّابِعَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي فَضْلِ الْأُضْحِيَّةِ وَلِأَنَّهَا مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ شِعَارٌ ظَاهِرٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا من السلف ربيعة شيخ مالك وابو الوقاد وَأَبُو حَنِيفَةَ
* وَقَالَ بِلَالٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ (الثَّامِنَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَالسَّفِيهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ مِنْ مَالِهِمَا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاحْتِيَاطِ لِمَالِهِمَا ممنوع من التبرع به والاضحية تبرع
* وقال أَبُو حَنِيفَةَ يُضَحِّي مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَالسَّفِيهِ
* وَقَالَ مَالِكٌ يُضَحِّي عَنْهُ إنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ دِينَارًا بِشَاةٍ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَنَحْوِهِ
*
دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ
* وَأَنْكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ يَمْنَعُ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَأْمُرُ بِإِخْرَاجِ الْأُضْحِيَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعَةُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ إطْعَامِ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي إطْعَامِ فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ
* وَقَالَ مَالِكٌ غَيْرُهُمْ أَحَبُّ إلَيْنَا وَكَرِهَ مَالِكٌ أَيْضًا إعْطَاءَ النَّصْرَانِيِّ جِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا وَكَرِهَهُ اللَّيْثُ قَالَ فَإِنْ طُبِخَ لَحْمُهَا فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الذِّمِّيِّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيهِ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ مِنْ ضحية التطوع دون الواجبة والله أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) إذَا اشْتَرَى شَاةً وَنَوَاهَا أُضْحِيَّةً مَلَكَهَا وَلَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بَلْ لَا يَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا حَتَّى يَنْذُرَهُ بِالْقَوْلِ
* هَذَا مذهبنا(8/425)
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ تَصِيرُ أُضْحِيَّةً وَيَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ
* دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِنِيَّةِ أَنْ يُعْتِقَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ التَّضْحِيَةُ لِلْمُسَافِرِ كَالْحَاضِرِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أُضْحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَرَوَى هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ النَّخَعِيِّ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ لَا تُشْرَعُ لِلْمُسَافِرِ بِمِنًى وَمَكَّةَ
* دَلِيلُنَا حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ (ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ضحيته ثم قال ثَوْبَانُ أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ منها حتى قدم المدينة) رواه مسلم
* (باب العقيقة)
* قال المصنف رحمه الله
* (العقيقة سنة وهو ما يذبح عن المولود لما روي بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عن الحسن والحسين عليهما السلام ولا يجب ذلك لما روي عبد الرحمن بن أبي سعيد عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن العقيقة فقال لا أحب العقوق ومن ولد له ولد فاحب أن ينسك له فليفعل فعلق على المحبة فدل على أنها لا تجب ولانه إراقة دم من غير جناية ولا نذر فلم يجب كالاضحية
والسنة أن يذبح عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة لما روت أم كرز قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العقيقة فقال للغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ولانه إنما شرع للسرور بالمولود والسرور بالغلام أكثر فكان الذبح عنه أكثر وان ذبح عن كل واحد منهما شاة جاز لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الحسن شاة جاز لما روى ابن عباس رضى الله عنه قال (عق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الحسن والحسين عليهما السلام كبشا كبشا) ولا يجزئ فيه ما دون الجذعة من الضأن ودون التثنية(8/426)
من المعز ولا يجزئ فيه إلا السليم من العيوب لانه اراقة دم بالشرع فاعتبر فيه ما ذكرناه كالاضحية والمستحب أن يسمى الله تعالى ويقول اللهم لك واليك عقيقة فلان لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وقال قولوا بسم اللهم لك واليك عقيقة فلان) والمستحب أن يفصل أعضاءها ولا يكسر عظمها لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ (السنة شاتان مكافئتان عن الغلام وعن الجارية شاة تطبخ جدولا ولا يكسر عظم) ويأكل ويطعم ويتصدق وذلك يوم السابع ولانه أول ذبيحة فاستحب أن لا يكسر عظم تفاؤلا بسلامة أعضائه ويستحب أن يطبخ من لحمها طبيخا حلوا تفاؤلا بحلاوة أخلاقه
* ويستحب أن يأكل منها ويهدي ويتصدق لحديث عائشة ولانه إراقة دم مستحب فكان حكمها ما ذكرناه كالاضحية
* والسنة أن يكون ذلك في اليوم السابع لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (عق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الحسن والحسين عليهما السلام يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رؤسهما الاذى) فان قدمه على اليوم السابع أو أخره أجزأه لانه فعل ذلك بعد وجود السبب والمستحب أن يحلق شعره بعد الذبح لحديث عائشة ويكره أن يترك على بعض راسه الشعر لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن القزع في الرأس) والمستحب أن يلطخ راسه بالزعفران ويكره أن يلطخ بدم العقيقة لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ (كانوا في الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويجعلونها على رأس المولود فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يجعلوا مكان الدم خلوفا))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الرَّاوِي أُرَاهُ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى(8/427)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَانِ الْإِسْنَادَانِ ضَعِيفَانِ كَمَا تَرَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إذَا ضُمَّ هَذَا إلَى الْأَوَّلِ قَوِيَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ أُمِّ كُرْزٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ هَكَذَا قَالَهُ وفي اسناده عبيد الله بن يزبد وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ فَلَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ عِنْدَهُ فَصَحَّحَهُ
* وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْمَتْنُ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَقَالَ قُولُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ لك واليك هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُهَا الْآخَرُ فِي طَبْخِهَا جُدُولًا فَغَرِيبٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ كَلَامِ عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُهَا الْآخَرُ (عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ يوم السابع وأمر أن يماط عن رأسهما الْأَذَى) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهُوَ بَعْضٌ مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ قَرِيبًا عَنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهُوَ حَدِيثُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْقَزَعِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَجْعَلُونَ قُطْنَةً) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) لُغَاتُ الْفَصْلِ وَأَلْفَاظُهُ فَالْعَقِيقَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَقِّ وَهُوَ الْقَطْعُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْعَقِيقَةُ أَصْلُهَا الشَّعْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الْوَلَدِ حِينَ يُولَدُ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يُحْلَقُ عَنْهُ ذَلِكَ الشَّعْرُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ (أَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) وَيَعْنِي بِالْأَذَى ذَلِكَ الشَّعْرَ الَّذِي
يُحْلَقُ عنه قال وهذا من تسمية الشئ بِاسْمِ مَا كَانَ مَعَهُ أَوْ مَنْ سَبَّبَهُ قال ابو عبيد وَكَذَلِكَ كُلُّ مَوْلُودٍ مِنْ الْبَهَائِمِ فَإِنَّ الشَّعْرَ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ حِينَ يُولَدُ يُسَمَّى عَقِيقَةً وعقة وعقيق قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَصْلُ الْعَقِّ الشَّقُّ وَسُمِّيَ الشَّعْرُ الْمَذْكُورُ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يُحْلَقُ وَيُقْطَعُ وَقِيلَ لِلذَّبِيحَةِ عَقِيقَةٌ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ أَيْ يُشَقُّ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا وَوَدَجَاهَا كَمَا قِيلَ لَهَا ذَبِيحَةٌ مِنْ الذَّبْحِ وَهُوَ الشَّقُّ
* قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ(8/428)
يقال منه عق عن ولده يعق ويعق بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا إذَا حَلَقَ عَقِيقَتَهُ وَهِيَ شَعْرُهُ أَوْ ذَبَحَ عَنْهُ شَاةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ (لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ) فَقَالَ إنَّ مَعْنَاهُ كَرَاهَةَ الِاسْمِ وَسَمَّاهَا نَسِيكَةً وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ (فَأُحِبُّ أَنْ يَنْسُكَ) يُقَالُ يَنْسُكُ - بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا - (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ إرَاقَةُ دَمٍ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وقتل الزانى المحصن (قوله) لما رو ت أُمُّ كُرْزٍ هِيَ - بِكَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ - وَهِيَ صَحَابِيَّةٌ كَعْبِيَّةٌ خُزَاعِيَّةٌ مَكِّيَّةٌ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ) أَيْ مُتَسَاوِيَتَانِ وَهُوَ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا - هَكَذَا صَوَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ قَالَ وَيَقُولُهُ الْمُحَدِّثُونَ مُكَافَأَتَانِ يَعْنِي بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالصَّحِيحُ كَسْرُهَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ إرَاقَةُ دَمٍ بِالشَّرْعِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ نذر وذبح دون سن الاضحية أو معيبة فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ (وَقَوْلُهُ) تُطْبَخُ جُدُولًا هُوَ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - وَهِيَ الْأَعْضَاءُ وَاحِدُهَا جَدْلٌ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ (قَوْلُهُ) إرَاقَةُ دم مستحبة احْتِرَازٌ مِنْ دَمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ وَالْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ (وَإِمَاطَةُ الْأَذَى) إزَالَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى الشَّعْرُ الَّذِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِأَنَّهُ شَعْرٌ ضعيف (والخلوف) - بِفَتْحِ الْخَاءِ - وَهُوَ طِيبٌ مَعْرُوفٌ مُرَكَّبٌ يُتَّخَذُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَتَغْلِبُ عَلَيْهِ الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْعَقِيقَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَسُنَّةٌ مُتَأَكَّدَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ (الثَّانِيَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَعُقَّ عَنْ الغلام شاتان وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً فَإِنْ عَقَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاةً حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ فَذَبَحَ عَنْهُمَا شَاةً لَمْ تَحْصُلْ الْعَقِيقَةُ وَلَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً عَنْ سَبْعَةِ أَوْلَادٍ أَوْ اشْتَرَكَ فِيهَا جَمَاعَةٌ جَازَ سَوَاءٌ أَرَادُوا كُلُّهُمْ الْعَقِيقَةَ أَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ كَمَا سَبَقَ فِي الْأُضْحِيَّةِ (الثَّالِثَةُ) الْمُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ هُوَ الْمُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ
فَلَا تُجْزِئُ دُونَ الْجَذَعَةُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الثَّنِيَّةُ مِنْ الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ دُونَ جَذَعَةِ الضَّأْنِ وَثَنِيَّةِ الْمَعْزِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُشْتَرَطُ سَلَامَتُهَا مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُشْتَرَطُ سَلَامَةُ الْأُضْحِيَّةِ مِنْهَا(8/429)
اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا وَلَا اخْتِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ هَذَا إلَّا أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ أَشَارَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إلَى وَجْهٍ مُسَامِحٍ بِالْعَيْبِ هُنَا (وَأَمَّا) الْأَفْضَلُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبَدَنَةُ ثُمَّ الْبَقَرَةُ ثُمَّ جَذَعَةُ الضَّأْنِ ثُمَّ ثَنِيَّةُ الْمَعْزِ كَمَا سَبَقَ فِي الْأُضْحِيَّةِ (وَالثَّانِي) الْغَنَمُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) وَلَمْ يُنْقَلْ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ شئ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عِنْدَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ ثُمَّ يَقُولُ (اللَّهُمَّ لَك وَإِلَيْك عَقِيقَةُ فُلَانٍ) وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ ذَبْحِهَا أَنَّهَا عَقِيقَةٌ كَمَا قُلْنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ فَإِنْ كَانَ جَعَلَهَا عَقِيقَةً قَبْلَ ذَلِكَ فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ تُفْصَلَ أَعْضَاؤُهَا وَلَا يكسر شئ مِنْ عِظَامِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كُسِرَ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى
* وَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ (1) (السَّابِعَةُ) قَالَ جُمْهُورُ أصحابنا يستحب أن لا يتصدق بلحمها نيا بَلْ يَطْبُخُهُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّا إذَا قُلْنَا بالمذهب أنه لاتجزئ دون الجذعة والثنية وجب التصدق بلحمها نيا وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ أَوْجَبْنَا التَّصَدُّقَ بمقدار من الاضحية والعقيقة وجب تمليكه نيا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ طَبْخُهُ وَفِيمَا يُطْبَخُ بِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بِحُمُوضَةٍ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُطْبَخُ بِحُلْوٍ تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ) وَعَلَى هَذَا لَوْ طُبِخَ بِحَامِضٍ فَفِي كَرَاهَتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا وَمَرَقِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ بِالْبَعْثِ إلَيْهِمْ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ إلَيْهَا وَلَوْ دَعَا إلَيْهَا قَوْمًا جَازَ وَلَوْ فَرَّقَ بَعْضَهَا وَدَعَا نَاسًا إلَى بَعْضِهَا جَازَ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا
وَيَتَصَدَّقَ وَيُهْدِيَ كَمَا قُلْنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
نَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنَّهُ يُعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ وَفِي سنن البيهقي عن علي
__________
(1) هكذا بالاصل وانظر اين المسالة السادسة)
*)(8/430)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ فَقَالَ زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطَى الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الثَّامِنَةُ) السُّنَّةُ ذَبْحُ الْعَقِيقَةِ يَوْمَ السابع من الولادة وَهَلْ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يُحْسَبُ فَيُذْبَحُ فِي السَّادِسِ مِمَّا بَعْدَهُ (وَالثَّانِي) لَا يُحْسَبُ فَيُذْبَحُ فِي السَّابِعِ مِمَّا بَعْدَهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ
* فَإِنْ وُلِدَ فِي اللَّيْلِ حُسِبَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ مَعَ أَنَّهُ نَصَّ فِيهِ أَنْ لَا يُحْسَبَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ ذَبَحَهَا بَعْدَ السَّابِعِ أَوْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْوِلَادَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ ذَبَحَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ لَمْ تُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَفُوتُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ السبعة لكن يستحب أن لا يوخر عَنْ سِنِّ الْبُلُوغِ
* قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البوشيحى مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا إنْ لَمْ تُذْبَحْ فِي السَّابِعِ ذُبِحَتْ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ وَإِلَّا فَفِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ ثُمَّ هَكَذَا فِي الْأَسَابِيعِ
* وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَتْ السَّبْعَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَاتَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ أَخَّرَ حَتَّى بَلَغَ سَقَطَ حُكْمُهَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَوْلُودِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَقِيقَةِ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ وَاسْتَحْسَنَ الْقَفَّالُ وَالشَّاشِيُّ أَنْ يَفْعَلَهَا لِلْحَدِيثِ الْمَرْوِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ) وَنَقَلُوا عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ وَاسْتَغْرَبُوهُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ
* وَقَدْ رَأَيْت أَنَا نَصَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ (وَلَا يَعُقُّ عَنْ كَبِيرٍ) هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ نَقَلَهُ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا سَبَقَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ (لَا يَعُقُّ عَنْ الْبَالِغِ غَيْرُهُ) وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَقِّهِ عَنْ نَفْسِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي عَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَفْسِهِ فَرَوَاهُ البيهقي باسناده عن عبد الله ابن مُحَرَّرٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ
نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ) وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ إنَّمَا تَرَكُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَرَّرٍ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا(8/431)
الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ وَمِنْ وجه آخر عن أنس وليس بشئ فهو حديث باطل وعبد الله ابن مُحَرَّرٍ ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ الْحُفَّاظُ هو متروك والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَ الْمَوْلُودُ بَعْدَ الْيَوْمِ السَّابِعِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ كَوْنُ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ فِي صَدْرِ النَّهَارِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ (التَّاسِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَعُقُّ عَنْ الْمَوْلُودِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْعَاقِّ لَا مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ عَقَّ مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ ضَمِنَ الْعَاقُّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ الْمُنْفِقُ عَاجِزًا عَنْ الْعَقِيقَةِ فَأَيْسَرَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْعَقُّ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَهَا وَبَعْدَ مُدَّةِ النِّفَاسِ سَقَطَ عَنْهُ وَإِنْ أَيْسَرَ في مدة النِّفَاسِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْوِلَادَةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي عَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ الْعَقِيقَةَ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لَا فِي مَالِ الْمَوْلُودِ
* قَالَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مُتَأَوَّلٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَاهُمَا بِذَلِكَ أَوْ أَعْطَاهُ مَا عَقَّ بِهِ أَوْ أَنَّ أَبَوَيْهِمَا كَانَا عِنْدَ ذَلِكَ مُعْسِرَيْنِ فَيَكُونَانِ فِي نَفَقَةِ جَدِّهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهِ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ الْعَقِيقَةِ فِي التَّصَدُّقِ مِنْهَا وَالْأَكْلُ وَالْهَدِيَّةُ وَالِادِّخَارُ وَقَدْرُ الْمَأْكُولِ وَامْتِنَاعُ الْبَيْعِ وَتَعَيُّنِ الشَّاةِ إذَا عُيِّنَتْ لِلْعَقِيقَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا جَوَّزْنَا الْعَقِيقَةَ بِمَا دُونَ الْجَذَعَةِ لَمْ يَجِبْ التَّصَدُّقُ وَجَازَ تَخْصِيصُ الْأَغْنِيَاءِ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يُلَطَّخَ رَأْسُ الْمَوْلُودِ بِدَمِ العقيقة ولا بأس بلطخه بخلوف أو زعفران وفي استحباب الخلوف أَوْ الزَّعْفَرَانِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ حَلْقُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِوَزْنِ شَعْرِهِ ذَهَبًا فَإِنْ لَمْ
يَفْعَلْ فَفِضَّةٌ سَوَاءٌ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى هكذا قاله أصحابنا واستدلوا له بِحَدِيثٍ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ(8/432)
وَغَيْرُهُمَا مُرْسَلًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ (وَزَنَتْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِ الْحُسَيْنِ فِضَّةً) وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ (تَصَدَّقُوا بِزِنَتِهِ فِضَّةً) فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ كُلَّهَا مُتَّفِقَةً عَلَى التَّصَدُّقِ بِزِنَتِهِ فِضَّةً ليس في شئ مِنْهَا ذِكْرُ الذَّهَبِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَلْ يُقَدَّمُ الْحَلْقُ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْحَلْقِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ الْقَزَعُ وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَقْصَاةً فِي بَابِ السِّوَاكِ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ حُكْمِ حَلْقِ كُلِّ الرَّأْسِ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّحْيَةِ وَخِضَابِ الشَّعْرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
فِعْلُ الْعَقِيقَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِهَا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أحمد وابن المنذر * قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب لمن ولد له ولد أن يسميه بعبد الله أو عبد الرحمن لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أحب الاسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن) ويكره أن يسمى نافعا ويسارا ونجيحا ورباحا وأفلح وبركة لما روى سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تسمين غلامك أفلح ولا نجيحا ولا يسارا ولا رباحا فانك إذا قلت اثم هو قالوا لا) ويكره أن يسمي(8/433)
باسم قبيح فان سمي باسم قبيح غيره لما روى ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير اسم
عاصية وقال أنت جميلة) ويستحب لمن ولد له ولد أن يؤذن في أذنه لما روى أبو رَافِعٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ في أذن الحسن رضي الله عنه حين ولدته فاطمة بالصلاة) ويستحب أن يحنك المولود بالتمر لما روى أنس قال (ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ولد قال هل معك تمر قلت نعم فناولته تمرات فلاكهن ثم فغر فاه ثم مجه فيه فجعل يتلمظ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حب الانصار التمر وسماه عبد الله))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ (أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْآخَرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِلَفْظِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (إنَّ ابْنَةً لَعُمَرَ كَانَ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ) وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَحَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مُخْتَصَرًا عَنْ أَنَسٍ قَالَ (وُلِدَ لِأَبِي طَلْحَةَ غُلَامٌ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَيُقَالُ سَمَّيْته عَبْدَ اللَّهِ وَبِعَبْدِ اللَّهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (وَقَوْلُهُ) فَلَاكَهُنَّ أَيْ مَضَغَهُنَّ وَفَغَرَ فَاهُ أَيْ فَتَحَهُ وَهُوَ بِالْفَاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ) يَتَلَمَّظُ هُوَ أَنْ يَتَتَبَّعَ(8/434)
بِلِسَانِهِ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ فِي فَمِهِ وَيُخْرِجَ لِسَانَهُ وَيَمْسَحَ بِهِ شَفَتَيْهِ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حُبُّ الْأَنْصَارِ) رُوِيَ - بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا - فَالْكَسْرُ بِمَعْنَى الْمَحْبُوبِ كَالذَّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ وَالْبَاءُ عَلَى هَذَا مَرْفُوعَةٌ أَيْ مَحْبُوبُ الْأَنْصَارِ التَّمْرُ (وَأَمَّا) مَنْ ضَمَّ الْحَاءَ فَهُوَ مَصْدَرٌ وَتَكُونُ الْبَاءُ عَلَى هَذَا مَنْصُوبَةً بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ اُنْظُرُوا حُبَّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ مَعَ ضَمِّ الْحَاءِ أَيْ حُبُّهُمْ التَّمْرَ لَازِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الاحكام فيه مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمَّى الْمَوْلُودُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
*
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَةٍ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وغيرهم بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا قَوْلَهُ (وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ) فَإِنَّهُ لِلْبُخَارِيِّ خَاصَّةً
* وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْته بِاسْمِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ (وُلِدَ لِأَبِي طَلْحَةَ غُلَامٌ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ مَاتَ الْمَوْلُودُ قَبْلَ تَسْمِيَتِهِ اُسْتُحِبَّ تَسْمِيَتُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ السَّقْطِ(8/435)
لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ تَحْسِينُ الِاسْمِ وَأَفْضَلُ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ (سَمِّ ابْنَك عَبْدَ الرَّحْمَنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى ابْنَ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدَ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَمَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ
* وَعَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَسَمُّوا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا
* وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وأسماء آبائكم فاحسنوا أسمائكم) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَالْأَشْهَرُ أنه سمع أبا الدرداء وقال البيهقي وطائفة لَمْ يَسْمَعْهُ فَيَكُونُ مُرْسَلًا
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ جَوَازُ التَّسْمِيَةِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ التَّسْمِيَةِ
بِأَسْمَاءِ الانبياء وعن الحرد بن مسكن أَنَّهُ كَرِهَ التَّسْمِيَةَ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ التَّسْمِيَةِ بِجِبْرِيلَ وَيَاسِينَ
* دَلِيلُنَا تَسْمِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ وَسَمَّى خَلَائِقُ مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَهُ مَعَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَمْ يَثْبُتْ نَهْيٌ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُكْرَهْ (الرَّابِعَةُ) تُكْرَهُ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ وَالْأَسْمَاءُ الَّتِي يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهَا فِي الْعَادَةِ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ بِمَعْنَاهُ فَمِنْ الْأَسْمَاءِ الْقَبِيحَةِ حَرْبٌ وَمُرَّةُ وَكَلْبٌ وَكُلَيْبٌ وَجَرْيٌ وَعَاصِيَةُ وَمُغْرِيَةُ - بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - وَشَيْطَانٌ وَشِهَابٌ وَظَالِمٌ وَحِمَارٌ وَأَشْبَاهُهَا وَكُلُّ هَذِهِ تَسَمَّى بِهَا نَاسٌ
* وَمِمَّا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ وهي يسار وَرَبَاحٌ وَنَافِعٌ وَنَجَاحٌ وَبَرَكَةُ وَأَفْلَحُ وَمُبَارَكٌ وَنَحْوُهَا والله أعلم
*(8/436)
(فَرْعٌ)
صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تسمى ملك الاملاك) وفي رواية (أخنا) وَفِي رِوَايَةٍ (أَغْيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا الرِّوَايَةَ الْآخِرَةَ فَإِنَّهَا لِمُسْلِمٍ قَالَ سُفْيَانُ بن عيينة (ملك الاملاك مثل شَاهَانْ شَاهْ) ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ قال العلماء معنى أخنع وأخنا أذل وأوضع وَأَرْذَلُ قَالُوا وَالتَّسْمِيَةُ بِهَذَا الِاسْمِ حَرَامٌ (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ إلَيْهِ أَبُو أُسَيْدٍ ابْنًا لَهُ فَقَالَ (مَا اسْمُهُ قَالَ فُلَانٌ قَالَ لَا وَلَكِنَّ اسْمَهُ الْمُنْذِرُ)
* وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بُرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ
* وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ سُمِّيتُ بُرَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَمُّوهَا زَيْنَبَ قَالَتْ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَاسْمُهَا بُرَّةُ فَسَمَّاهَا زَيْنَبَ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (كانت جورية اسْمُهَا بُرَّةُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بُرَّةَ) وَفِي صَحِيحِ البخاري عن سعد بْنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَزْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَاهُ حَزْنًا
(جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا اسْمُك قَالَ حَزْنٌ قَالَ أَنْتَ سَهْلٌ قَالَ لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سمانيه أبي فقال ابْنُ الْمُسَيِّبِ فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ - الحزونة غلظ الوجه وشئ مِنْ الْقَسَاوَةِ - وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مَا اسْمُك قَالَ أَصْرَمُ قَالَ بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ وَأَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ يُكْنَى أبا الحكم ان الله هو الحاكم فمالك مِنْ الْوَلَدِ قَالَ سُرَيْجٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ قَالَ فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ قَالَ سُرَيْجٌ قَالَ فَأَنْتَ أَبُو سُرَيْجٍ) قَالَ أَبُو دَاوُد وَغَيَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ الْعَاصِ وَعَزِيزٍ وَعَتْلَةَ - بِإِسْكَانِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا - وَشَيْطَانٍ وَالْحَاكِمِ وَغُرَابٍ وَحَبَّابٍ وَشِهَابٍ فَسَمَّاهُ هَاشِمًا وَسَمَّى حَرْبًا سُلَيْمًا وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ وَأَرْضًا يُقَالُ لَهَا عُقَرَةُ سَمَّاهَا خُضْرَةَ وَشِعْبُ(8/437)
الضَّلَالَةِ سَمَّاهُ شِعْبَ الْهُدَى وَبَنُو الدَّنِيَّةِ سَمَّاهُمْ بَنِي الرُّشْدِ وَسَمَّى بَنِي مُغْوِيَةَ بِبَنِي رَشْدَةَ والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى التَّسْمِيَةُ بِسِتِّ النَّاسِ أَوْ سِتِّ الْعَرَبِ أَوْ سِتِّ الْقُضَاةِ أَوْ بِسِتِّ الْعُلَمَاءِ مَا حُكْمُهُ (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَتُسْتَنْبَطُ كَرَاهَتُهُ مِمَّا سَبَقَ فِي حَدِيثِ (أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ) وَمِنْ حَدِيثِ تَغْيِيرِ اسْمِ بَرَّةَ إلَى زَيْنَبَ وَلِأَنَّهُ كَذِبٌ
* ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بَاطِلَةٌ عَدَّهَا أَهْلُ اللُّغَةِ فِي لَحْنِ الْعَوَامّ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِسِتِّ النَّاسِ سَيِّدَتَهُمْ وَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ اللُّغَةِ لَفْظَةَ سِتٍّ إلَّا فِي الْعَدَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (السَّادِسَةُ) يَجُوزُ التَّكَنِّي وَيَجُوزُ التَّكْنِيَةُ وَيُسْتَحَبُّ تَكْنِيَةُ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أم لا وسواء كني بولده أم بِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كُنِّيَ الرَّجُلُ بِأَبِي فُلَانٍ أَوْ أَبِي فُلَانَةَ وَسَوَاءٌ كُنِّيَتْ الْمَرْأَةُ بِأُمِّ فُلَانٍ أَوْ أُمِّ فُلَانَةَ
* وَيَجُوزُ التَّكْنِيَةُ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ الْآدَمِيِّينَ كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الْمَكَارِمِ وَأَبِي الْفَضَائِلِ وَأَبِي الْمَحَاسِنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَجُوزُ تَكْنِيَةُ الصَّغِيرِ
* وَإِذَا كُنِّيَ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ كُنِّيَ بِأَكْبَرِهِمْ
* وَلَا بَأْسَ بِمُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ بِكُنْيَتِهِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ بِغَيْرِهَا أَوْ خِيفَ مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ مَفْسَدَةٌ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الِاسْمِ
* وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمَا ذَكَرْتُهُ فَأَمَّا أَصْلُ الْكُنْيَةِ فَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ فِيهِ أَحَادِيثُ الْآحَادِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَقُولُ لِأَخٍ لِأَنَسٍ صَغِيرٍ يا أبا عمير ما فعل البعير) وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ (يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ صَوَاحِبَاتِي لَهُنَّ كُنًى قَالَ فَاكْتَنِي بِابْنِك
عَبْدِ اللَّهِ) قَالَ الرَّاوِي يَعْنِي بِابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُكْنَى أُمَّ عَبْدِ الله
* فهذا هو الصواب المعروف أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ وَإِنَّمَا كنيت بابن أختها عبد الله ابن أَسْمَاءَ
* وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ أَنَّهَا كُنِيَتْ بِسِقْطٍ أَسْقَطَتْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) تَكْنِيَةُ الْكَافِرِ فَمِنْ دَلَائِلِهَا قَوْله تَعَالَى (تَبَّتْ يَدَا أبي لهب) واسمه عبد العزا قِيلَ إنَّمَا ذَكَرَ تَكْنِيَتَهُ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِهَا وقيل كراهة لاسمه حيث هو عبد العزا
* وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ (أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى مَا قَالَ أَبُو حَبَّابٍ يُرِيدُ عَبْدَ الله بن أبى بن سلول المنافق)(8/438)
وَفِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ) وَكَانَ أَبُو رِغَالٍ كَافِرًا
* فَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي تَكْنِيَةِ الْكَافِرِ وَإِلَّا فَلَا يُزَادُ عَلَى الِاسْمِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَتَبَ إلَى مَلِكِ الرُّومِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ)
* (فَرْعٌ)
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تكنوا بكنيتي) وصح عن على أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ وُلِدَ لِي مِنْ بَعْدِك وَلَدٌ أُسَمِّيهِ بِاسْمِك أَوْ أُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِك قَالَ نَعَمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ
* وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّكْنِيَةِ بِأَبِي الْقَاسِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُكْنَى بِأَبِي الْقَاسِمِ سَوَاءٌ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا أَمْ غَيْرَهُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَمِمَّنْ نَقَلَ هَذَا النَّصَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْأَئِمَّةُ الْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ الْمُحَدِّثُونَ الْفُقَهَاءُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ الْعَقِيقَةِ مِنْ سُنَنِهِ رَوَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ التَّهْذِيبِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ تَارِيخُ دِمَشْقَ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ حَدِيثَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى التَّرَخُّصِ لَهُ وَتَخْصِيصِهِ مِنْ الْعُمُومِ وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ (وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي) مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ لِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَلِغَيْرِهِ وَيُجْعَلُ النَّهْيُ خَاصًّا بِحَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(8/439)
(وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ لِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ
* وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الثَّالِثُ أَصَحَّ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا يَكْتَنُونَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الثَّالِثُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْحَدِيثِ (وَأَمَّا) إطْبَاقُ الناس على فعله من أَنَّ فِي الْمُتَكَنِّينَ بِهِ وَالْكَانِينَ الْأَئِمَّةَ الْأَعْلَامَ وَأَهْلَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَاَلَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَيَكُونُونَ فَهِمُوا مِنْ النَّهْيِ الِاخْتِصَاصَ بِحَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ سَبَبِ النَّهْيِ فِي تَكَنِّي الْيَهُودِ بِأَبِي الْقَاسِمِ وَمُنَادَاتِهِمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ لِلْإِيذَاءِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ زَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْأَدَبُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْإِنْسَانُ كُنْيَتَهُ فِي كِتَابِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنْ لَا يُعْرَفَ بِغَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ أَشْهَرَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ فَاطِمَةُ وَقِيلَ هِنْدٌ قَالَتْ (أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْت أَنَا أُمُّ هَانِئٍ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَاسْمُهُ جُنْدُبٌ قَالَ (جَعَلْت أَمْشِي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ مَنْ هَذَا(8/440)
فَقُلْت أَبُو ذَرٍّ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ (قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا قُلْت أَبُو قَتَادَةَ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَا بَأْسَ بِالتَّكَنِّي بِأَبِي عِيسَى وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ تَكَنَّى بِأَبِي عِيسَى فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَا يَكْفِيك أَنْ تُكَنَّى بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ كَنَّانِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَإِنْ عُمَرَ ضَرَبَ ابْنًا لَهُ تَكَنَّى بِأَبِي عِيسَى
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّهْيِ حَتَّى يَثْبُتَ وَلَا يُتَخَيَّلُ مِنْ هذا كون عيسى بن مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَبَ لَهُ لِأَنَّ الْمُكَنَّى لَيْسَ أَبًا حَقِيقَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّابِعَةُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا تَنَابَزُوا بالالقاب) وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ تَلْقِيبِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ صِفَةً كَالْأَعْمَشِ وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ وَالْأَحْوَلِ وَالْأَصَمِّ وَالْأَبْرَصِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَحْدَبِ وَالْأَزْرَقِ وَالْأَفْطَسِ والاشتر والاثرم والاقطع والزمن والمتعد وَالْأَشَلِّ أَوْ كَانَ
صِفَةً لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُهُ
* وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذِكْرِهِ بِذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّعْرِيفِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بِذَلِكَ وَدَلَائِلُ كُلِّ مَا ذَكَرْتُهُ مَشْهُورَةٌ حَذَفْتهَا لِشُهْرَتِهَا
* وَاتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ اللَّقَبِ الَّذِي يُحِبُّهُ صَاحِبُهُ فَمِنْ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ وَلَقَبُهُ عَتِيقٌ
* هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ وَغَيْرِهِمْ (وَقِيلَ) اسْمُهُ عَتِيقٌ حَكَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ الْأَطْرَافُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
* وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَقَبُ خَيْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ عَتِيقًا فَرَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ مِنْ أَوْجُهٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَبُو بَكْرٍ عَتِيقُ اللَّهِ مِنْ النَّارِ) فَمِنْ يَوْمِئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا
* وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ سُمِّيَ عَتِيقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نَسَبِهِ شئ يُعَابُ بِهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
* وَمِنْ ذَلِكَ أَبُو تُرَابٍ لَقَبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ وَعَلَيْهِ التُّرَابُ فَقَالَ قُمْ أَبَا تُرَابٍ فَلَزِمَهُ هَذَا اللَّقَبُ الْحَسَنُ) رَوَيْنَا هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ(8/441)
سَهْلٌ وَكَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ إلَيْهِ وَإِنْ كان ليفرح أن يدعا بِهَا
* وَمِنْ ذَلِكَ ذُو الْيَدَيْنِ وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ - بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ - كَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كان يدعوه ذا اليدين) والله أَعْلَمُ
* (الثَّامِنَةُ) اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تَرْخِيمِ الِاسْمِ المنتقص إذا لم يتأذى بِذَلِكَ صَاحِبُهُ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَخَّمَ أَسْمَاءَ جَمَاعَةٍ مِنْ الصحابة فقال لابي هريرة يا أباهر ولعائشة يا عائش ولانجشة يانجش (التَّاسِعَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْوَلَدِ وَالتِّلْمِيذِ وَالْغُلَامِ أَنْ لَا يُسَمِّيَ أَبَاهُ وَمُعَلِّمَهُ وَسَيِّدَهُ بِاسْمِهِ رَوَيْنَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأَى رَجُلًا مَعَهُ غُلَامٌ فَقَالَ لِلْغُلَامِ مَنْ هَذَا قَالَ أبي قال لا تمشي أَمَامَهُ وَلَا تُسْتَسَبَّ لَهُ وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ) وَمَعْنَى لَا تُسْتَسَبَّ لَهُ أَيْ لَا تَفْعَلْ فِعْلًا تَتَعَرَّضُ فِيهِ لَأَنْ يَسُبَّك عَلَيْهِ أَبُوك زَجْرًا وَتَأْدِيبًا
* وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ - بِفَتْحِ الزَّايِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - قَالَ (يُقَالُ مِنْ الْعُقُوقِ أَنْ تُسَمِّيَ أَبَاك وَأَنْ تَمْشِيَ أَمَامَهُ) (الْعَاشِرَةُ) إذَا لَمْ يَعْرِفْ اسْمَ مَنْ يُنَادِيهِ نَادَاهُ بِعِبَارَةٍ لَا يَتَأَذَّى بِهَا كَيَا أَخِي يَا فَقِيرُ يَا فَقِيهُ يَا صَاحِبَ الثَّوْبِ الْفُلَانِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ يَمْشِي بَيْنَ القبور (يا صاحب السبتتين وَيْحَك أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ
* وَفِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا لَمْ يَحْفَظْ اسْمَ الرَّجُلِ قَالَ يَا ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ) (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُخَاطِبَ مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ وَلَدٍ وَغُلَامٍ وَمُتَعَلِّمٍ وَنَحْوِهِمْ بِاسْمٍ قَبِيحٍ تَأْدِيبًا وَزَجْرًا وَرِيَاضَةً فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ (أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ) (قَوْلُهُ) غُنْثَرُ - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَضْمُومَةٍ وَمَعْنَاهُ الْبَهِيمُ (قَوْلُهُ) جَدَّعَ - بِالْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - أَيْ دَعَا بِقَطْعِ أَنْفِهِ وَنَحْوِهِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَيَكُونُ الْأَذَانُ بِلَفْظِ أَذَانِ الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَيُقِيمَ الصَّلَاةَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى
* وَقَدْ رَوَيْنَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ(8/442)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ) وَأُمُّ الصِّبْيَانِ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ
* وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ فِعْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ أَنْ يُحَنَّكَ الْمَوْلُودُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ بِتَمْرٍ بِأَنْ يَمْضُغَهُ إنْسَانٌ وَيُدَلِّكَ بِهِ حَنَكَ الْمَوْلُودِ وَيَفْتَحَ فَاهُ حتى ينزل إلى جوفه شئ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرٌ فبشئ آخَرَ حُلْوٍ
* وَدَلِيلُ التَّحْنِيكِ وَكَوْنِهِ بِتَمْرٍ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوتى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ وَيُحَنِّكُهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ فَيَدْعُو لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ (حَمَلْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ فَأَتَيْت الْمَدِينَةَ فنزلت قبا فَوَلَدْتُ بِقُبَاءَ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ ثُمَّ دعا بتمر فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوَّلُ شئ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرِ ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ)
* وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَنِّكُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ فَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَنَّأَ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَنَّأَ بِمَا جَاءَ عَنْ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ عَلَّمَ إنْسَانًا التَّهْنِئَةَ فَقَالَ قُلْ
بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي الْمَوْهُوبِ لَك وَشَكَرْت الْوَاهِبَ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَرُزِقْت بِرَّهُ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ الْمُهَنَّأُ عَلَى الْمُهَنِّئِ فَيَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ لَك وَبَارَكَ عَلَيْك أَوْ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا أَوْ رَزَقَك اللَّهُ مِثْلَهُ أَوْ أَحْسَنَ اللَّهُ ثَوَابَك وَجَزَاءَك وَنَحْوَ هَذَا
* (فَرْعٌ)
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفَرَعُ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْفَرَعَةُ - بِالْهَاءِ - أَوَّلُ نِتَاجِ الْبَهِيمَةِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الام كثرة نَسْلِهَا
* وَالْعَتِيرَةُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - ذَبِيحَةٌ كَانُوا يذبحونها في العشر الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ وَيُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ أَيْضًا
* هَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ تَفْسِيرِ الْعَتِيرَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) الْفَرَعُ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِيهِ هو تفسير(8/443)
الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ
* وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لطواغيتهم وعن بريشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَادَى رَجُلٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ وَبَرُّوا اللَّهَ وَأَطْعِمُوا قَالَ إنَّا كُنَّا نُفَرِّعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا قال في كل سائمة فرع تغدوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبيحة فَتَصَدَّقْت بِلَحْمِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فقال أَبُو قِلَابَةَ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ السَّائِمَةُ مِائَةٌ
* وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ (مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ شَاةً شَاةٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ
* وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الرَّاوِي أُرَاهُ عَنْ جَدِّهِ قَالَ (سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفَرَعِ قَالَ الْفَرَعُ حَقٌّ وَإِنْ تَتْرُكُوهُ حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا ابْنَ مَاخِضٍ وَابْنَ لَبُونٍ فَتُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ تَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْزَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتَكْفَأَ إنَاءَكَ وَتُولِهَ نَاقَتَك) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ معناه الفرق لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ حِينَ يُولَدُ وَلَا شِبَعَ فِيهِ وَلِذَا قَالَ وَتَذْبَحَهُ يُلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ لِأَنَّ فِيهِ ذَهَابَ وَلَدِهَا وَذَلِكَ يَرْفَعُ لَبَنَهَا وَلِهَذَا قَالَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكْفَأَ إنَاءَك يَعْنِي
إذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَكَأَنَّك كَفَأْت إنَاءَك وَأَرَقْته وَأَشَارَ بِهِ إلَى ذَهَابِ اللَّبَنِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَفْجَعُهَا بِوَلَدِهَا وَلِهَذَا قَالَ وَتُولِهَ نَاقَتَك فَأَشَارَ بِتَرْكِهِ حَتَّى يَكُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَهُوَ ابْنُ سَنَةٍ ثُمَّ يُذْبَحُ وَقَدْ طَابَ لَحْمُهُ وَاسْتَمْتَعَ بِلَبَنِ أُمِّهِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مُفَارَقَتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ أَوْ قَالَ بِمِنًى وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْعَتِيرَةِ فَقَالَ مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ وَمَنْ شَاءَ فَرَعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفْرِعْ) وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ أَنَّهُ قَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَذْبَحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ فَنَأْكُلُ مِنْهَا وَنُطْعِمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(8/444)
وسلم لا بأس بذلك) وعن محنف بن سليم العامدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا وُقُوفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَسَمِعْته يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ هَلْ تَدْرِي مَا الْعَتِيرَةُ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الرَّجَبِيَّةَ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْأُضْحِيَّةِ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ المزني قال ما سمعت الشافعي يقول في الفرع هو شئ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَذْبَحُ بِكْرَ نَاقَتِهِ أَوْ شاته فلا يغدوه رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ (فَرِّعُوا إن شئتم) أي اذبحوا إنْ شِئْتُمْ وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا أَنْ يُكْرَهَ فِي الْإِسْلَامِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا مَكْرُوهَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمْ اختيارا أن يغدوه ثُمَّ يَحْمِلُوا عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْفَرَعُ حق) معناه ليس باطل وَهُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ قال وقوله صلى الله عليه وسلم (لافرع ولاعتيرة وَاجِبَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الذَّبْحَ وَاخْتَارَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْعَتِيرَةُ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ وَهِيَ ذَبِيحَةٌ كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ يَتَبَرَّرُونَ بِهَا فِي رَجَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا عَتِيرَةَ) أَيْ لَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ قَالَ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ) أَيْ اذْبَحُوا إنْ شِئْتُمْ وَاجْعَلُوا الذَّبْحَ لِلَّهِ فِي أَيِّ شهر كان لا أنها فِي رَجَبٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الشَّهْرِ هَذَا آخر كلام الشافعي (وَذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ
وَغَيْرُهُمَا الْفَرَعُ وَالْعَتِيرَةُ لَا يُسْتَحَبَّانِ وَهَلْ يُكْرَهَانِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَكْرَهَانِ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ (لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ) (والثاني) لا يكرهان للاحاديث السابقة بالترخيص فِيهِمَا وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ (لَا فَرَعَ) بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ السَّابِقُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْوُجُوبِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مَا كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِأَصْنَامِهِمْ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا كَالْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَوْ ثَوَابِ إرَاقَةِ الدَّمِ فَأَمَّا تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبِرٌّ وَصَدَقَةٌ
* وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي(8/445)
سُنَنِ حَرْمَلَةَ أَنَّهَا إنْ تَيَسَّرَتْ كُلَّ شَهْرٍ كَانَ حَسَنًا فَالصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاقْتَضَتْهُ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُمَا لَا يُكْرَهَانِ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ مَنْسُوخٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن مُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مُعَاقَرَةُ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَبَارَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفَاخِرُ صَاحِبَهُ فَيَعْقِرُ كُلُّ وَاحِدٍ عَدَدًا مِنْ إبِلِهِ فَأَيُّهُمَا كَانَ عَقْرُهُ أَكْثَرَ كَانَ غَالِبًا فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَهَا لِأَنَّهَا مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ
* قَالَ أَهْلُ الْغَرِيبِ الْعَقْرُ هُوَ أَنْ يَعْقِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفَاخَرَةً لِصَاحِبِهِ فَهُوَ نَحْوُ مُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ لَمْ يَذْكُرُوا ابْنَ عَبَّاسٍ بَلْ جَعَلُوهُ مُرْسَلًا
* (فَرْعٌ)
رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ) قَالَ وَذَبَائِحُ الْجِنِّ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الدَّارَ أَوْ يَسْتَخْرِجَ الْعَيْنَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَذْبَحُ لَهَا ذَبِيحَةً لِلطَّيْرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَهَذَا التَّفْسِيرُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَتَطَيَّرُونَ فَيَخَافُونَ إنْ لَمْ يَذْبَحُوا أَنْ يُصِيبَهُمْ فيها شئ مِنْ الْجِنِّ فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ
*
(فَرْعٌ)
عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (اقروا الطير على مكاناتها) وَفِي رِوَايَةٍ مَكَانَتِهَا - بِفَتْحِ الْكَافِ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَعَّفَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ يُونُسُ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَقَّ كَانَ الشَّافِعِيُّ صَاحِبَ هَذَا سَمِعْته يَقُولُ فِي تَفْسِيرِهِ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ(8/446)
أَتَى الطَّيْر فِي وَكْرِهِ فَنَفَّرَهُ فَإِنْ أَخَذَ ذَاتَ الْيَمِينِ مَضَى لِحَاجَتِهِ وَإِنَّ أَخَذَ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعَ فَنَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ يُونُسُ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يسيح وحده في هذه والله أَعْلَمُ
* وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّهْيُ عَنْ الِاصْطِيَادِ لَيْلًا قَالُوا وَعَلَى هَذَا هُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَقِيقَةِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْعَقِيقَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ
* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هِيَ وَاجِبَةٌ وَهُوَ قَوْلُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا سُنَّةٍ بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (أَفْرَطَ فِي الْعَقِيقَةِ رَجُلَانِ رَجُلٌ قَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَرَجُلٌ قَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ
* دَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالُوا وَهُوَ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ بِالْحِجَازِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ وَذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُمْ قَالَ وَقَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ التَّابِعِيُّ أَدْرَكْت النَّاسَ وَمَا يَدْعُونَ الْعَقِيقَةَ عَنْ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ كَانَ يَرَى الْعَقِيقَةَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةُ وَبُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ مِنْ أهل يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ
* قَالَ وَانْتَشَرَ عَمَلُ ذَلِكَ فِي عامة بلدان المسلمين متبعين فِي ذَلِكَ مَا سَنَّهُ لَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ السُّنَّةَ مَنْ خَالَفَهَا وَعَدَلَ عَنْهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي قَدْرِ الْعَقِيقَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَعُقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ شَاةً شَاةً وَبِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَالِكٌ
* وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ لَا عَقِيقَةَ(8/447)
عَنْ الْجَارِيَةِ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا جَوَازُ الْعَقِيقَةِ بِمَا تَجُوزُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ مِنْ الابل والبقر والغنم وبه قال أنس ابن مَالِكٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا الْغَنَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُكْسَرَ عِظَامُ الْعَقِيقَةِ وَبِهِ قال عَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَخَّصَ فِي كَسْرِهَا الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا كَرَاهَةُ لَطْخِ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد
* وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ثُمَّ يُغْسَلُ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَةٍ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُدْمَى) دَلِيلُنَا حَدِيثُ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مع الغلام عقيقته فاهرقوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ فِي الْكِتَابِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ وَيُدْمَى فَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَا تَصِحُّ بَلْ هِيَ تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ وَيُسَمَّى
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الْعَقِيقَةَ لَا تَفُوتُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ الْيَوْمِ السَّابِعِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ مَالِكٌ تَفُوتُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَ الْمَوْلُودُ قَبْلَ السَّابِعِ اُسْتُحِبَّتْ الْعَقِيقَةُ عِنْدَنَا
* وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ لَا تُسْتَحَبُّ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَعُقُّ عَنْ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ وَقَالَ مَالِكٌ يَعُقُّ عَنْهُ مِنْهُ
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا اسْتِحْبَابُ تَسْمِيَةِ السَّقْطِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُسَمَّى مَا لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله(8/448)
(باب النذر)
* قال المصنف رحمه الله
* (يصح النذر من كل مسلم بالغ عاقل (فأما) الكافر فلا يصح نذره ومن أصحابنا من قال يصح نذره لما رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فقال صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك) والمذهب الاول لانه سبب وضع لايجاب القربة فلم يصح من الكافر كالاحرام (وأما) الصبي والمجنون فلا يصح نذرهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق) ولانه ايجاب حق بالقول فلم يصح من الصبي كضمان المال)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (رُفِعَ الْقَلَمُ) فَصَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَوَّلِ كِتَابِ الصَّوْمِ
* وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ) سَبَبٌ وُضِعَ لِإِيجَابِ الْقُرْبَةِ احْتِرَازٌ مِنْ شِرَاءِ الْكَافِرِ طَعَامًا لِلْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ إيجَابُ حَقٍّ بِالْقَوْلِ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إيجَابٌ عَنْ وَصِيَّةِ الصَّبِيِّ وَتَدْبِيرِهِ وَإِذْنِهِ فِي دُخُولِ الدَّارِ إذَا صَحَّحْنَا كل ذلك (وبقوله) بالقول مِنْ غَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ
* وَيُقَالُ نَذَرَ وَيَنْذِرُ - بِكَسْرِ الذَّالِ وَضَمِّهَا - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْ كُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ نَافِذِ التَّصَرُّفِ فِيمَا نَذَرَهُ وَيُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ إهْمَالُهُ الْمُخْتَارَ وَنَافِذَ التَّصَرُّفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا (فَأَمَّا) الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ اخْتَلَّ عَقْلُهُ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) السَّكْرَانُ فَفِي صِحَّةِ نَذْرِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَمَوْضِعُ إيضَاحِهِ كِتَابُ الطَّلَاقِ (وَأَمَّا) الْكَافِرُ فَفِي نَذْرِهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِذَا أَسْلَمَ إنْ قُلْنَا نَذْرُهُ مُنْعَقِدٌ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الوفاء به(8/449)
لكن يستحب وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ عُمَرَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (وَأَمَّا) الْمُكْرَهُ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) وَقِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فيصح منه نذر القرب البدنية (وأما) الْمَالُ فَإِنْ الْتَزَمَ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمَا فِي يَدِهِ صَحَّ نَذْرُهُ وَيُؤَدِّيه بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ فَإِنْ نَذَرَ مَالًا مُعِينًا مِمَّا يَمْلِكُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بُنِيَ عَلَى مَا لَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ هل توقف صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ أَمْ يَكُونُ بَاطِلًا وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ (الصَّحِيحُ) بُطْلَانُهُ فَيَكُونُ النَّذْرُ بَاطِلًا وَإِنْ تَوَقَّفْنَا فِي النَّذْرِ أَيْضًا
* قَالَ وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ الْمَرْهُونِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ فِي الْحَالِ أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ وَإِنْ أَلْغَيْنَا عِتْقَهُ فَهُوَ كَمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ وَفِي صِحَّتِهِ تَفْصِيلٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ النَّذْرِ فَإِنْ نَذَرَ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا إنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِهَذَا اللَّفْظِ
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ كَرِهُوا النَّذْرَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ الْكَرَاهَةُ فِي النَّذْرِ فِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ قَالَ فَإِنْ نَذَرَ طَاعَةً وَوَفَّى بِهِ فَلَهُ أَجْرُ الْوَفَاءِ وَيُكْرَهُ لَهُ النذر هذا كلام الترمذي
*(8/450)
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يصح النذر الا بالقول وهو أن يقول لله على كذا فان قال علي كذا ولم يقل لله صح لان التقرب لا يكون الا لله تعالى فحمل الاطلاق عليه وقال في القديم إذا أشعر بدنة أو قلدها ونوى أنها هدى أو أضحية صار هديا أو أضحية لان النبي صلى الله عليه وسلم (اشعر بدنة وقلدها ولم ينقل انه قال انها هدي فصارت هديا) وخرج أبو العباس وجها آخر انه يصير هديا وأضحية بمجرد النية
ومن أصحابنا من قال إذا ذبح ونوى صار هديا وأضحية والصحيح هو الاول لانه ازالة ملك يصح بالقول فلم يصح بغير القول مع القدرة عليه كالوقف والعتق ولانه لو كتب على دار انها وقف أو على فرس انه في سبيل الله لم يصر وقفا فكذلك ها هنا)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَصِحُّ بِالْقَوْلِ احْتِرَازٌ من تفرقة لزكاة وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ (وَقَوْلُهُ) مَعَ الْقُدْرَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَخْرَسِ
* وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ المصنف ينتقض بوقوع الطلاق بالكتب أو النية فَإِنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَصِحُّ بِالْقَوْلِ وَيَصِحُّ بِغَيْرِ الْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَيَنْبَغِي أن يزاد في القيود إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ مَالٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِالْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَمَا يَصِحُّ الْوَقْفُ وَالْعِتْقُ بِاللَّفْظِ بِلَا نِيَّةٍ
* وَهَلْ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ أَوْ بِالْإِشْعَارِ أَوْ التَّقْلِيدِ أَوْ الذَّبْحِ مَعَ النِّيَّةِ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ وَلَا تَنْفَعُ النِّيَّةُ وَحْدَهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ الْهَدْيِ
* وَالْأَكْمَلُ فِي صِيغَةِ النَّذْرِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ لِلَّهِ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ صِحَّتُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا صِحَّةُ نَذْرِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ(8/451)
إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي وُجُوبِ إضَافَةِ الْوُضُوءِ والصلاة وسائر العبادات إلى الله تعالى
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ ان شاء زيد فشفى لم يلزمه شئ وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ كَمَا لَوْ عَقَّبَ الْأَيْمَانَ وَالطَّلَاقَ وَالْعُقُودَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لا يلزمه شئ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجب بالنذر جميع الطاعات المستحبة لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ نذر أن يطع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) (وأما) المعاصي كالقتل والزنا وصوم يوم العيد وأيام الحيض والتصدق بما لا يملكه فلا يصح نذره لما روى عمران بن الحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم)
*
ولا يلزمه بنذرها كفارة وقال الربيع إذا نذرت المرأة صوم أيام الحيض وجب عليها كفارة يمين ولعله خرج ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم (كفارة النذر كفارة يمين) والمذهب الاول والحديث متأول
* (واما) المباحات كالاكل والشرب فلا تلزم بالنذر لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ برجل قائم في الشمس لا يستظل فسأل عنه فقيل هذا أبو إسرائيل نذر أن يقف ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم فقال مروه فليقعد وليستظل وليتكلم ويتم صومه)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي إسْرَائِيلَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَبُو إسْرَائِيلَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفِي بَعْضِهَا ابْنُ إسْرَائِيلَ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ يُكْنَى أَبَا إسْرَائِيلَ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ - مَعْصِيَةٌ - وَطَاعَةٌ - وَمُبَاحٌ (الْأَوَّلُ) الْمَعْصِيَةُ كَنَذْرِ شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الزِّنَا أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْحَدَثِ أَوْ الصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ(8/452)
أَوْ الْقِرَاءَةِ فِي حَالِ الْجَنَابَةِ أَوْ نَذْرِ ذَبْحِ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ وَشَبَهِ ذَلِكَ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ الْمَعْصِيَةَ الْمَنْذُورَةَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِي الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الرَّبِيعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ قَالُوا وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ مِنْ تَخْرِيجِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الضَّرْبُ الثَّانِي) الطَّاعَةُ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ (الْأَوَّلُ) الْوَاجِبَاتُ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهَا لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ فَلَا مَعْنًى لالتزامها وذلك كنذر الصلوات الخمس وصوم شهر رَمَضَانَ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا
* وَكَذَا لَوْ نَذَرَ تَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ لَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ وَلَا يَزْنِيَ وَلَا يَغْتَابَ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ سَوَاءٌ عَلَّقَهُ عَلَى حُصُولِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ أَوْ الْتَزَمَهُ ابْتِدَاءً
* وَإِذَا خَالَفَ مَا ذَكَرَهُ فَفِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَادَّعَى الْبَغَوِيّ أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا وُجُوبُهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* (النَّوْعُ الثَّانِي) نَوَافِلُ الْعِبَادَاتِ
الْمَقْصُودَةِ وَهِيَ الْمَشْرُوعَةُ لِلتَّقَرُّبِ بِهَا وَعُلِمَ مِنْ الشَّارِعِ الِاهْتِمَامُ بِتَكْلِيفِ الْعِبَادِ إيقَاعُهَا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا فَهَذِهِ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفُرُوضُ الْكِفَايَةِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِي أَدَائِهَا إلَى بَذْلِ مَالٍ أَوْ مُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَذَلِكَ كَالْجِهَادِ وتجهيز الموتى قال الرافعي ويجئ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ وَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يَلْزَمُ الْجِهَادُ بِالنَّذْرِ (وَأَمَّا) الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ بَذْلُ مَالٍ وَلَا مُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لُزُومُهَا بِالنَّذْرِ (وَالثَّانِي) لَا
* (فَرْعٌ)
كَمَا يَلْزَمُ أَصْلُ الْعِبَادَةِ بِالنَّذْرِ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالصِّفَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِيهَا إذَا اُشْتُرِطَتْ فِي النَّذْرِ كَمَنْ شَرَطَ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ إطَالَةَ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ شَرَطَ الْمَشْيَ فِي الْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ إذَا قُلْنَا الْمَشْيُ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ
* فَلَوْ أُفْرِدَتْ الصِّفَةُ بِالنَّذْرِ وَكَانَ الْأَصْلُ وَاجِبًا شَرْعًا كَتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْفَرَائِضِ أَوْ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ مِثْلَ سُورَةِ كَذَا أَوْ أَنْ يُصَلِّيَ الفرض(8/453)
فِي جَمَاعَةٍ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لُزُومُهَا لِأَنَّهَا طَاعَةٌ (وَالثَّانِي) لَا لِئَلَّا تُغَيِّرَ مِمَّا وَضَعَهَا الشَّرْعُ عَلَيْهِ
* وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ كَالْوِتْرِ وَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ (الْأَصَحُّ) اللُّزُومُ
* وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ يُبْطِلُ رُخْصَةَ الشَّرْعِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ يَنْعَقِدُ وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَبَّاتِ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَهُ أَفْضَلُ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ (أَمَّا) مَنْ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُجْرَى الْوَجْهَانِ فِيمَنْ نَذَرَ إتْمَامَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ إذَا قُلْنَا الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ وَيُجْرَيَانِ فِيمَنْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي النَّوَافِلِ أَوْ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أَوْ التَّثْلِيثِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ أَنْ يَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ الشُّكْرِ عِنْدَ مُقْتَضَيْهِمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى مَسَاقِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَوْ نَذَرَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ وَتَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ أَوْ نَذَرَ صَوْمًا وَشَرَطَ أَنْ لَا يَفْطُرَ بِالْمَرَضِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْوَاجِبِ شَرْعًا وَالْمَرَضُ مُرَخِّصٌ (النَّوْعُ الثَّالِثُ) الْقُرُبَاتُ الَّتِي تُشْرَعُ
لِكَوْنِهَا عِبَادَاتٍ وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالٌ وَأَخْلَاقٌ مُسْتَحْسَنَةٌ رَغَّبَ الشَّرْعُ فِيهَا لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا وَقَدْ يُبْغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنَالُ الثَّوَابَ فِيهَا وَذَلِكَ كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَزِيَارَةِ الْقَادِمِينَ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَفِي لُزُومِهَا بِالنَّذْرِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) اللُّزُومُ لِعُمُومِ حديث (من نذر ان يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) (وَالثَّانِي) لَا لِئَلَّا تَخْرُجَ عَمَّا وَضَعَهَا الشَّرْعُ عَلَيْهِ
* وَفِي لُزُومِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ بالنذر وجهان (الاصح) اللزوم لما ذكره (1) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ الِاغْتِسَالَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّوَابُ أَنْ يُبْنَى عَلَى تَجْدِيدِ الْغُسْلِ هَلْ يُسْتَحَبُّ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالْوُضُوءِ عَنْ حَدَثٍ بَلْ بِالتَّجْدِيدِ وَكَذَا جَزَمَ بِانْعِقَادِ نَذْرِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ
* وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ وَمُرَادُهُمْ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ حَيْثُ يُشْرَعُ تَجْدِيدُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ
* وَفِيهِ(8/454)
أَوْجُهٌ سَبَقَتْ فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِذَا تَوَضَّأَ لَهَا عَنْ حَدَثٍ لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لَهَا ثَانِيًا بَلْ يَكْفِي الْوُضُوءُ الْوَاحِدُ عَنْ وَاجِبَيْ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ التَّيَمُّمَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الصَّحِيحِ
* قَالَ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَهْرُبَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى مُقَاوَمَتِهِمْ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَإِلَّا فَلَا
* وَفِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ الْكَفَافُ قَطُّ حَتَّى لَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَكْرُوهًا لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ مِنْ بَلَدِ كَذَا لَزِمَهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) الْمُبَاحُ وَهُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ شَرْعًا فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ وَلَا تَرْهِيبٌ كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَلَوْ نَذَرَ فِعْلَهُ أَوْ تَرْكَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَقْصِدُ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ وَبِالنَّوْمِ النَّشَاطَ لِلتَّهَجُّدِ وَغَيْرِهِ فَيَحْصُلُ الثَّوَابُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَكِنْ الْفِعْلُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا حَصَلَ الثَّوَابُ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ
* وَهَلْ يَكُونُ نَذْرُ الْمُبَاحِ يَمِينًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي نَذْرِ الْمَعَاصِي وَالْفَرَائِضِ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمُبَاحِ وَذَكَرَ فِي الْمَعْصِيَةِ وَجْهَيْنِ وَعَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُهُ وَالصَّوَابُ فِي كَيْفِيَّةِ الْخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالصَّوَابُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ مُطْلَقًا لَا عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ
وَلَا غَيْرِهَا فِي نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ وَالْفَرْضِ وَالْمُبَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ الْجِهَادَ فِي جِهَةٍ بِعَيْنِهَا فَفِي تَعَيُّنِهَا أَوْجُهٌ مَشْهُورَةٌ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ تَتَعَيَّنُ لِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ (وَالثَّانِي) قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يُجَاهِدَ فِي جِهَةٍ أَسْهَلَ وَأَقْرَبَ مِنْهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ لَا تَتَعَيَّنُ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الَّتِي يُجَاهِدُ فِيهَا كَالْمُعَيَّنَةِ فِي الْمَسَافَةِ وَالْمُؤْنَةِ فَيَحْصُلُ مَسَافَةُ الْجِهَاتِ كَمَسَافَةِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي نَذْرِهِ الْقُرْبَةُ الْمَالِيَّةُ كالصدقة والاضحية والاعتاق ان يلتزمها في فِي الذِّمَّةِ يُضِيفُ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ فَإِنَّ المعين لغيره لم يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ قَطْعًا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ(8/455)
وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِي لُزُومِهَا وَجْهَيْنِ وَهُوَ شَاذٌّ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقُهُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدَ فُلَانٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ وَالْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا قَصَدَ الشُّكْرَ عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ فَإِنْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ تَمَلُّكِهِ فَهُوَ نَذْرُ لَجَاجٍ وَسَنُوَضِّحُهُ ان شاء الله تعالى
* قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي وَمَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدًا إنْ مَلَكْته انْعَقَدَ نَذْرُهُ
* قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَكُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ أَوْ فَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ إنْ مَلَكْته لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّقَرُّبَ بِقُرْبَةٍ لَكِنَّهُ عَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ حُصُولِ النِّعْمَةِ بِشَرْطٍ وَلَيْسَ هُوَ مَالِكًا فِي حَالِ التَّعْلِيقِ فَلَغَا تَعْلِيقُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا أَوْ عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا
* قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلَ الدَّارَ انْعَقَدَ نَذْرُهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِصِفَتَيْنِ الشِّفَاءِ وَالدُّخُولِ
* قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ عَبْدًا وَأُعْتِقَهُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ قَطْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ وَيُصَلِّيَ بِهِمْ
* قَالَ وَلَوْ نَذَرَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ
لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ لَزِمَهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا مَعَ اسْتِطَاعَتِهِ الْقِيَامَ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّ النَّذْرَ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ مَسْلَكَ جَائِزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
سُئِلَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ عَمَّا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَك مِائَةَ دِينَارٍ هَلْ يَصِحُّ هَذَا النَّذْرُ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُبَاحَاتِ لَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَهَذَا مُبَاحٌ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي إلَّا إذَا نُقِلَ مَذْهَبٌ مُعْتَبَرٌ فِي لُزُومِ ذَلِكَ النَّذْرِ
*(8/456)
(فرع)
نقل القاضى أبو القاسم ابن كَجٍّ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَذْبَحَ عَنْ ابْنِي هَلْ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ عَنْ وَلَدِهِ لِكَوْنِ الذَّبْحِ عَنْ الْأَوْلَادِ قُرْبَةً
* وَوَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أُعَجِّلَ زَكَاةَ مَالِي هَلْ يَصِحُّ نَذْرُهُ وَوَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَذْبَحَ ابْنِي فَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَشَاةً مَكَانَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاةٍ وَوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا نَذَرَ النَّصْرَانِيُّ أَنْ يَصُومَ أَوْ يُصَلِّيَ ثُمَّ أَسْلَمَ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَصُومَ صَلَاةَ شَرْعِنَا وَصَوْمِهِ؟ هَذَا نَقْلُ ابْنِ كَجٍّ
* وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ النَّذْرِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَبُطْلَانُهُ في الصور الثلاث الباقية والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ أَنْ يَكْسُوَ يَتِيمًا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِالْيَتِيمِ الذِّمِّيُّ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ فِي الشَّرْعِ يَقَعُ لِلْمُسْلِمِ
* هَذَا نَقْلُ الرَّافِعِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ مَسْلَكَ جَائِزِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ إنْ قُلْنَا مَسْلَكَ جَائِزِهِ جَازَ صَرْفُهُ إلَى الذِّمِّيِّ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَذَرَ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ الزِّنَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ نَذْرَهُ بَاطِلٌ وَلَوْ خَالَفَهُ فَلَا كَفَّارَةَ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَحْمَدُ يَنْعَقِدُ وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بَلْ يَجِبُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْمَذْهَبَيْنِ
* وَاحْتَجَّ احمد أيضا بحديث عن عائشة مرفوع (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَنَحْوِهِ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفَهُمَا وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى أَوْ التَّشْرِيقِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ التَّشْرِيقِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ وَلَمْ يلزمه بهذا النذر شئ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
* وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا يَصُومُ ذَلِكَ بَلْ يَصُومُ غَيْرَهُ قَالَ فَإِنْ صَامَهُ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ بِهِ فَرْضُ
نَذْرِهِ
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ السَّابِقُ (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ)
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ ذَبْحَ ابْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ أجنبي لم ينعقد نذره ولا شئ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ دَاوُد وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ
* وَقَالَ مَالِكٌ إذَا نَذَرَ ذَبْحَ ابْنِهِ فِي يَمِينٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاةٍ لِلْمَسَاكِينِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَوْ نَذَرَ ذبح عبده لا يلزمه شئ وقال أبو يوسف لا يلزمه شئ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ(8/457)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ (وَأَمَّا) إيجَابُ الشَّاةِ فَتَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ مُبَاحًا كَلُبْسٍ وَرُكُوبٍ لَمْ يَنْعَقِدْ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ أَحْمَدُ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَالْوَفَاءُ بِهِ لَا يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (فان نذر طاعة نظرت فان علق ذلك على اصابة خير أو دفع سوء فاصاب الخير أو دفع السوء عنه لزمه الوفاء بالنذر لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (ان امرأة ركبت في البحر فنذرت ان نجاها الله ان تصوم شهرا فماتت قبل ان تصوم فأتت اختها أو أمها إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تصوم عنها) فان لم يعلقه على شئ بأن قال لله علي ان اصوم أو اصلي ففيه وجهان
(أحدهما)
انه يلزمه وهو الاظهر لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ ان يطع الله فليطعه) (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وابي بكر الصيرفي لانه التزام من غير عوض فلم يلزمه بالقول كالوصية والهبة
* وان نذر طاعة في لجاج وغضب بان قال ان كلمت فلانا فعلي كذا فكلمه فهو بالخيار بين الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين لما روى عقبة بن عامر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (كفارة النذر كفارة يمين) ولانه يشبه اليمين من حيث انه قصد المنع والتصديق ويشبه النذر من حيث انه التزم قربة في ذمته فخير بين موجبهما ومن أصحابنا من قال ان كانت القربة حجا أو عمرة لزمه الوفاء به لان ذلك يلزمه بالدخول فيه بخلاف غيره والمذهب الاول لان العتق ايضا يلزمه اتمامه بالتقويم ثم لا يلزمه)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَكِنْ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ أُمُّهَا أَوْ أُخْتُهَا وَفِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أُخْتُهَا أَوْ بِنْتُهَا (أَمَّا) حديث (من نذر ان يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) فَصَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُقْبَةَ فَغَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظٍ آخَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ احْتِرَازٌ مِنْ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ وَمَنْ الْعِوَضِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ (وَقَوْلُهُ) فلا يلزمه بالقول احتراز من الاتلاف والغضب والله أعلم(8/458)
(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا النَّذْرُ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَذْرُ تَبَرُّرٍ (وَالثَّانِي) نَذْرُ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ (الْأَوَّلُ) التَّبَرُّرُ وَهُوَ نَوْعَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَذْرُ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً فِي مُقَابِلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ بَلِيَّةٍ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ رَزَقَنِي وَلَدًا أَوْ نَجَّانَا مِنْ الْغَرَقِ أَوْ مِنْ الْعَدُوِّ أَوْ مِنْ الظَّالِمِ أَوْ أَغَاثَنَا عِنْدَ الْقَحْطِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَإِذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (مَنْ نَذَرَ أَنْ يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) (النَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ يَلْتَزِمَهُ ابْتِدَاءً من غير تعليق على شئ فَيَقُولُ ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أُعْتِقَ أَوْ أَتَصَدَّقَ فَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُمْ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شئ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ يَحُثَّهَا عَلَيْهِ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالتَّرْكِ وَيُقَالُ فِيهِ يَمِينُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا يَمِينُ الْغَلَقِ وَيُقَالُ أَيْضًا نَذْرُ الْغَلَقِ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ - فَإِذَا قَالَ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا أَوْ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ أَوْ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ الْبَلَدِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ أَوْ صَلَاةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ ثُمَّ كَلَّمَهُ أَوْ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ طُرُقٍ جَمَعَهَا الرَّافِعِيُّ قَالَ أَشْهَرُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا قَالَ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ لَكِنْ الْأَظْهَرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَالْمُوَفَّقُ بْنُ طَاهِرٍ وَغَيْرُهُمْ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالتَّخْيِيرِ
(وَالثَّالِثُ) نفى التَّخْيِيرِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (وَالرَّابِعُ) الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ وَعَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ (وَالْخَامِسُ) الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلُزُومُ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ وَنَفْيُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ (قُلْت) وَالْأَصَحُّ التَّخْيِيرُ بَيْنَ مَا الْتَزَمَ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَوَفَّى بِمَا الْتَزَمَ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ مِنْ جِنْسِ مَا تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ فَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْكَفَّارَةِ تَقَعُ تَطَوُّعًا وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ إنْ كَانَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا الْتَزَمَ عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ إعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ قُلْنَا وَاجِبُهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ لَزِمَهُ إعْتَاقُهُ(8/459)
كَيْفَ كَانَ وَإِنْ قُلْنَا عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ أَوْ يُعْتِقَ غَيْرَهُ أَوْ يُطْعِمَ أَوْ يَكْسُوَ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُجْزِئُ وَاخْتَارَ الْإِعْتَاقَ أَعْتَقَ غَيْرَهُ
* وَإِنْ قُلْنَا يَتَخَيَّرُ فان اختار الوفاء أعتقه كَيْفَ كَانَ وَإِنْ اخْتَارَ التَّكْفِيرَ اُعْتُبِرَ فِي إعْتَاقِهِ صِفَاتُ الْإِجْزَاءِ
* وَإِنْ الْتَزَمَ إعْتَاقَ عَبِيدِهِ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ أَعْتَقَهُمْ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ أَعْتَقَ وَاحِدًا أَوْ أَطْعَمَ أَوْ كَسَا
* وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَعَ الْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ إذَا فَعَلَهُ وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِيمَنْ الْتَزَمَ الْعِتْقَ فِي الْعَبْدِ الْتِزَامًا
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَبِهِ قطع البغوي وابراهيم المروذي
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ (فَأَمَّا) إذَا أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ بِالْمُلْتَزَمِ فَيَلْزَمُهُ قُرْبَةٌ مِنْ الْقُرَبِ وَالتَّعْيِينِ إلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُعَيِّنُهُ مِمَّا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ
* وَعَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا
* وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَغْوٌ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِنَذْرٍ وَلَا صِيغَةِ يَمِينٍ وَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مِمَّا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا فَعَلَهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ
أَنْ يُجْعَلَ كِنَايَةً وَيَرْجِعَ إلَى نِيَّتِهِ
* وَلَوْ قَالَ نَذَرْت لِلَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهُوَ يَمِينٌ وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ
* وَلَوْ عَدَّدَ أَجْنَاسَ قُرَبٍ فَقَالَ إنْ دَخَلْت فَعَلَيَّ حَجٌّ وَعِتْقٌ وَصَدَقَةٌ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ احْتِمَالًا فِي تَعَدُّدِهَا
* فَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ النَّارَ الْيَوْمَ قَالَ الْبَغَوِيّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أطلقك فهو كقوله ان دخلت الدار فو الله لَأُطَلِّقَنَّكِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّطْلِيقِ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ
* وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ فَدَخَلَهَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (وَالثَّانِي) هُوَ لغو فلا شئ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَغْوٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ كَمَا لَوْ قال لله علي(8/460)
أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي (وَالثَّالِثُ) يَصِيرُ مَالُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ صَدَقَةً كَمَا لَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً
* وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ فِي عُرْفِهِمْ مَعْنَى النَّذْرِ أَوْ نَوَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي أَوْ أُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِلَّا فَلَغْوٌ (أَمَّا) إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ فَالْمَذْهَبُ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي أَوْ بِجَمِيعِ مَالِي وَطَرِيقُ الْوَفَاءِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ وَإِذَا قَالَ في سبيل يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ عَلَى الْغُزَاةِ
* وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يُخَرَّجُ هَذَا عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ مَا نص عليه الشافعي وقاله الجمهور والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ الصِّيغَةُ قَدْ تَتَرَدَّدُ فَتَحْتَمِلُ نَذْرَ التَّبَرُّرِ وَتَحْتَمِلُ اللَّجَاجَ فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَصْدِ الشَّخْصِ وَإِرَادَتِهِ قَالَ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يُرْغَبُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ شِفَاءُ الْمَرِيضِ مَثَلًا بِالْتِزَامِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ الْمُسَمَّاةُ وَفِي نَذْرِ اللَّجَاجِ يُرْغَبُ عَنْ السَّبَبِ لِكَرَاهَتِهِ الْمُلْتَزَمَ قَالَ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي ضَبْطِهِ أَنَّ الْفِعْلَ طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ أَوْ مُبَاحُ وَالِالْتِزَامِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَارَةً يُعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ
وَتَارَةً بِالنَّفْيِ (أَمَّا) الطَّاعَةُ فَفِي طرف الاثبات يتصور نذر التبرر بأن يَقُولَ إنْ صَلَّيْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ مَعْنَاهُ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ لِلصَّلَاةِ صُمْت فَإِذَا وُفِّقَ لَهَا لَزِمَهُ الصَّوْمُ
* وَيُتَصَوَّرُ اللَّجَاجُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ صَلِّ فَيَقُولُ لَا أُصَلِّي وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ عِتْقٌ فَإِذَا صَلَّى فَفِيمَا يَلْزَمُهُ الْأَقْوَالُ وَالطُّرُقُ السَّابِقَةُ (وَأَمَّا) فِي طَرَفِ النَّفْيِ فَلَا يُتَصَوَّرُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ لِأَنَّهُ لَا بِرَّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ وَيُتَصَوَّرُ فِي اللَّجَاجِ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَقُولُ إنْ لَمْ أُصَلِّ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَإِذَا لَمْ يُصَلِّ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ الْأَقْوَالُ
* (وَأَمَّا) الْمَعْصِيَةُ فَفِي طَرَفِ النَّفْيِ يُتَصَوَّرُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَقَصَدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْ الشُّرْبِ وَيُتَصَوَّرُ نَذْرُ اللَّجَاجِ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ شُرْبِهَا فَيَقُولُ إنْ لَمْ أَشْرَبْهَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ وَفِي طَرَفِ الْإِثْبَاتِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا اللَّجَاجُ بِأَنْ يُؤْمَرَ بِالشُّرْبِ فَيَقُولُ إنْ شَرِبْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا (وَأَمَّا) الْمُبَاحُ فَيُتَصَوَّرُ فِي طرفي النفي والاثبات فيه النوعان معا لتبرر فِي الْإِثْبَاتِ إنْ أَكَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ يُرِيدُ إنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ لِي وَاللِّجَاجُ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَكْلِهِ فَيَقُولُ إنْ أَكَلْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا
* وَالتَّبَرُّرُ فِي النَّفْيِ إنْ لَمْ آكُلْ كَذَا فَعَلَيَّ صَوْمٌ يُرِيدُ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى كَسْرِ شَهْوَتِي فَتَرَكْته وَاللِّجَاجُ أَنْ يمنع من أكله فيقول إن لم آكل فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا (أَمَّا) إذَا قَالَ إنْ رَأَيْت فُلَانًا فَعَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنْ أَرَادَ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ رُؤْيَتَهُ فَهُوَ نَذْرُ(8/461)
تَبَرُّرٍ وَإِنْ ذَكَرَهُ لِكَرَاهَةِ رُؤْيَتِهِ فَنَذْرُ لَجَاجٍ
* وَحَكَى الْغَزَالِيُّ وَجْهًا فِي الْوَسِيطِ فِي مَنْعِ التَّبَرُّرِ فِي الْمُبَاحِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ فلان لم يلزم القائل شئ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا غَلَّبْنَا فِي اللَّجَاجِ مَعْنَى النَّذْرِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا هُوَ يَمِينٌ فهو كمن قال والله لاأفعل كَذَا إنْ شَاءَ زَيْدٌ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُهَا إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا أَدْخُلَهَا فَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عِنْدَ الْمَشِيئَةِ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي فَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمَاعَاتٌ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا كَانَتْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُصَافَحَةِ لِلرِّجَالِ فَلَمَّا وَلِيَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى
الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْحَجِّ وَصَدَقَةِ الْمَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْأَيْمَانَ التي رتبها الحجاج لم يلزمه شئ وَإِنْ أَرَادَهَا نَظَرَ إنْ قَالَ فَطَلَاقُهَا وَعِتَاقُهَا لَازِمٌ لِي انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِهِمَا وَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِهِمَا لَكِنْ نَوَاهُمَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ أَيْضًا بِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَنْعَقِدْ يمينه ولا شئ عليه والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا نذر ان يتصدق بماله لزمه ان يتصدق بالجميع لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ ان يطع الله فليطعه) وان نذر ان يعتق رقبة ففيه وجهان
(أحدهما)
يجزئه ما يقع عليه الاسم اعتبارا بلفظه (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الكفارة لان الرقبة التي يجب عتقها بالشرع ما يجب بالكفارة فحمل النذر عليه
* وان نذر ان يعتق رقبة بعينها لزمه ان يعقتها ولا يزول ملكه عنها حتى يعتقها فان اراد بيعها أو ابدالها بغيرها لم يجز لانه تعين للقربة فلا يملك بيعه كالوقف وان تلف أو اتلفه لم يلزمه بدله لان الحق للعبد فسقط بموته وان اتلفه اجنبي وجبت القيمة للمولى ولا يلزمه صرفها في عبد آخر لما ذكرناه)
* (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ ثُمَّ فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ لَزِمَهُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَقَالَ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَكْفِيه أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ (أَمَّا) إذَا قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ فَقَدْ سَبَقَ(8/462)
بَيَانُهُ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَرِيبًا
* وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ علي ان اتصدق بشئ صَحَّ نَذْرُهُ وَيُجْزِئُهُ التَّصَدُّقُ بِمَا شَاءَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ
* وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَلْفٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا بِاللَّفْظِ ولا بالنية لم يلزمه شئ (الثَّانِيَةُ) إذَا نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذكرهما المنصف بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ إعْتَاقُ مَا يُسَمَّى رَقَبَةً وَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً وَكَافِرَةً وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ أَعْتِقُ رَقَبَةً أَيَّةُ رَقَبَةٍ كَانَتْ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ وَهِيَ الْمُؤْمِنَةُ السَّلِيمَةُ
* وَبَنَى أَصْحَابُنَا هَذَا الْخِلَافَ عَلَى أَصْلٍ مَفْهُومٍ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَنَّ النَّاذِرَ إذَا الْتَزَمَ عِبَادَةً بِالنَّذْرِ وَأَطْلَقَهَا فَلَمْ يَصِفْهَا فعلى اي شئ يُحْمَلُ نَذْرُهُ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَفْهُومَانِ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (أَحَدُهُمَا)
يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ فَجُعِلَ كَوَاجِبِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً (وَالثَّانِي) يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَصِحُّ مِنْ جِنْسِهِ وَقَدْ يَقُولُونَ عَلَى أَقَلِّ جَائِزِ الشَّرْعِ لِأَنَّ لَفْظَ النَّاذِرِ لَا يَقْتَضِي زِيَادَةً عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ (قُلْت) الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الصَّحِيحَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ فَفِي بَعْضِهَا يُصَحِّحُونَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَفِي بَعْضِهَا الثَّانِي وَهَذَا ظَاهِرٌ يُعْلَمُ مِنْ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخَرَّجَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَمِنْ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا الْأَصَحُّ وُجُوبُ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ بِاتِّفَاقِهِمْ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مَنْذُورَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ بِاتِّفَاقِهِمْ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ
* وَمِمَّا رُجِّحَ فِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي مَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْمَعِيبَةُ وَالْكَافِرَةُ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الثَّانِي
* فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ
* وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مُرَادُ الْجُمْهُورِ بِتَصْحِيحِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ مُطْلَقًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الِاعْتِكَافِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْأَصَحُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَائِرِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَيْسَ لَهُ عُرْفٌ مُطْرَدٌ أَوْ غَالِبٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بَلْ وُقُوعُ عِتْقِ التَّطَوُّعِ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ فَحُمِلَ الْعِتْقُ الْمُطْلَقُ بِالنَّذْرِ عَلَى مُسَمَّى الرَّقَبَةِ (وَأَمَّا) الصَّوْمُ فَيَصِحُّ فِيهِ عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ) فَخَرَجَ النَّفَلُ بِدَلِيلٍ وَبَقِيَ النَّذْرُ داخلا في العموم
* وهكذا الصلاة صَحَّ فِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) فَخَرَجَ جَوَازُ(8/463)
التنقل بِرَكْعَةٍ بِدَلِيلٍ وَبَقِيَ النَّذْرُ دَاخِلًا فِي الْعُمُومِ وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّيَمُّمِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَنْزِلُ النَّذْرُ فِي صِفَاتِهِ عَلَى صِفَاتِ وَاجِبِ الشَّرْعِ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي صِفَاتِهِ (وَأَمَّا) أَصْلُ فِعْلِهِ وَالْوَفَاءُ بِهِ فَوَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَنْزِيلِ النَّذْرِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَطْلَقَ إنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ التَّنْزِيلُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَإِلَّا فَرَكْعَةٌ (وَمِنْهَا) جَوَازُ صَلَاتِهِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ
فِيهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَيْهَا
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا جَازَ الْقُعُودُ قَطْعًا كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِنَذْرِ رَكْعَةٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا لَزِمَهُ الْقِيَامُ قَطْعًا
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ جَوَازُهُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنْ نَزَّلْنَا النَّذْرَ عَلَى جَائِزِ الشَّرْعِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ صَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا
* وَإِنْ نَذَرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمَرْنَاهُ بِتَشَهُّدَيْنِ فَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى الْجَائِزِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَدَّاهَا بِتَشَهُّدٍ وَإِنْ شَاءَ أَدَّاهَا بِتَشَهُّدَيْنِ وَيَجُوزُ بِتَسْلِيمَةٍ وَبِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا هُوَ فِي النَّوَافِلِ هكذا نقلوه (والاصح) انه يجوز بتسلميتين عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَاقِي الْمَسَائِلِ الْمُخَرَّجَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُصَلِّيًا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَيْفَ صَلَّاهَا
* وَلَوْ نَذَرَ صَلَاتَيْنِ لَمْ تُجْزِئْهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَوْ نَذَرَ فِعْلُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَهُ فِعْلُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا وَإِنْ أَطْلَقَ فَعَلَى أَيِّهِمَا يُحْمَلُ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ فَإِنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدَانَقٍ وَدُونِهِ مِمَّا يُتَمَوَّلُ لِأَنَّ الصلاة الْوَاجِبَةَ فِي الزَّكَاةِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بَلْ تَكُونُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَفِي الْخُلْطَةِ وَيُتَصَوَّرُ إيجَابُ دَانَقٍ وَدُونِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَيْضًا فِي الزَّكَاةِ إذَا تَلِفَ مُعْظَمُ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ وَقُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَمِنْهَا) إذَا نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ فَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ وَجَبَتْ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ سَلِيمَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الدَّارَكِيِّ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ كَافِرَةٌ مَعِيبَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ(8/464)
وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الدَّلِيلِ كَمَا سَبَقَ
* فَلَوْ قَيَّدَ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ لَمْ يُجْزِهِ الْكَافِرَةُ وَلَا الْمَعِيبَةُ بِلَا خلاف ولو قال كافرة أو معيبة أجزأنه بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ أَعْتَقَ مُؤْمِنَةً سَلِيمَةً فَقِيلَ لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَا الْتَزَمَهُ (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ وَذَكَرَ الْكُفْرَ وَالْعَيْبَ لَيْسَ لِلتَّقَرُّبِ
بَلْ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّاقِصِ فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالْجَيِّدَةِ
* وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْكَافِرَ أَوْ الْمَعِيبَ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهُ لِتَعَلُّقِ النَّذْرِ بِعَيْنِهِ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الِاعْتِكَافِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِهِ وَجْهَانِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ اللُّبْثُ أَمْ يَكْفِي الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ النِّيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ لُبْثٌ وَيَخْرُجُ عَنْ النَّذْرِ بِلُبْثِ سَاعَةٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ يَوْمًا
* وَإِنْ اكْتَفَيْنَا بِالْمُرُورِ فِي أَصْلِ الِاعْتِكَافِ فَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُشْتَرَطُ لُبْثٌ لِأَنَّ لَفْظَ الِاعْتِكَافِ يُشْعِرُ بِهِ (وَالثَّانِي) لَا حَمْلًا لَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ شَرْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً بِعَيْنِهَا لَزِمَهُ إعْتَاقُهَا وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ النَّذْرِ فَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا أَوْ هِبَتَهَا أَوْ الْوَصِيَّةَ بِهَا أَوْ إبْدَالَهَا بِغَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ
* وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ أَتْلَفَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ لَزِمَهُ الْقِيمَةُ لِلْمَوْلَى وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا الْمَوْلَى بِمَا شَاءَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا
* وَدَلِيلُ جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فِي الْكِتَابِ وَفِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا وَإِيضَاحِ الْفَرْقِ فِي بَابِ الْهَدْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قال المنصف رحمه الله
* (وان نذر هديا نظرت فان سماه كالثوب والعبد والدار لزمه ما سماه وان أطلق الهدي ففيه قولان قال في الاملاء والقديم يهدي ما شاء لان اسم الهدي يقع عليه ولهذا يقال أهديت له دارا أو اهدي لي ثوبا ولان الجميع يسمى قربانا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الجمعة (من راح في الساعة الاولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي الساعة الثالثة فكانما قرب كبشا ومن راح في الساعة الرابعة فكانما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكانما قرب بيضة) فإذا سمى قربانا وجب أن يسمي هديا وقال في الجديد لا يجزئه الا الجذعة من الضأن والثنية من المعز والابل والبقر لان الهدى المعهود في الشرع ما ذكرناه فحمل مطلق النذر عليه
* وان نذر بدنة أو بقرة أو شاة فان قلنا بالقول الاول أجزأه من ذلك ما يقع عليه الاسم وان قلنا بالقول الثاني لم يجزه الا ما يجزئ في الاضحية
* وان نذر شاة فاهدى بدنة أجزأه لان البدنة بسبع من الغنم وهل يجب الجميع فيه وجهان
(أحدهما)
ان الجميع واجب لانه مخير بين الشاة والبدنة فايهما فعل كان واجبا كما نقول في العتق والاطعام في كفارة اليمين (والثاني) ان الواجب هو السبع لان كل سبع منها بشاة فكان الواجب هو السبع
* وان(8/465)
نذر بدنة وهو واجد البدنة ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه مخير بين البدنة والبقرة والسبع من الغنم لان كل واحد من الثلاثة قائم مقام الاخر والثاني أنه لا يجزئه غير البدنة لانه عينها بالنذر وان كان عادما للبدنة انتقل إلى البقرة فان لم يجد بقرة انتقل إلى سبع من الغنم ومن أصحابنا من قال لا يجزئه غير البدنة فان لم يجد ثبتت في ذمته إلى أن يجد لانه التزم ذلك بالنذر والمذهب الاول لانه فرض له بدل فانتقل عند العجز إلى بدله كالوضوء
* وإن نذر الهدى للحرم لزمه في الحرم وان نذر لبلد آخر لزمه في البلد الذي سماه لما روى عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله أنى نذرت ان أذبح بمكان كذا وكذا مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية قال لصنم قالت لا قال لوثن قالت لا قال أوفي بنذرك) فان نذر لافضل بلد لزمه بمكة لانها أفضل البلاد والدليل عليه ما روى جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حجته أي بلد أعظم حرمة قالوا بلدنا هذا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) ولان مسجدها أفضل المساجد فدل على أنها أفضل البلاد وان اطلق النذر ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز حيث شاء لان الاسم يقع عليه (والثاني) لا يجوز الا في الحرم لان الهدى المعهود في الشرع هو الهدى في الحرم والدليل عليه قوله تعالى (هديا بالغ) الكعبة وقال تعالى (ثم محلها إلى البيت العتيق) فحمل مطلق النذر عليه
* فان كان قد نذر الهدى لرتاج الكعبة أو عمارة مسجد لزمه صرفه فيما نذر فان أطلق ففيه وجهان
(أحدهما)
ان له ان يصرفه فيما شاء من وجوه القرب في ذلك البلد الذي نذر الهدى فيه لان الاسم يقع عليه (والثاني) أنه يفرقه على مساكين البلد الذي نذر ان يهدى إليه لان الهدى المعهود في الشرع ما يفرق على المساكين فحمل مطلق النذر عليه
* وان كان ما نذره مما لا يمكن نقله كالدار باعه ونقل ثمنه إلى حيث نذر
* وان نذر النحر في الحرم ففيه وجهان
(أحدهما)
يلزمه النحر دون التفرقة لانه نذر أحد مقصودي الهدى فلم يلزمه الاخر كما لو نذر التفرقة (والثاني) يلزمه النحر والتفرقة وهو الصحيح لان نحر الهدي في الحرم في عرف الشرع ما يتبعه التفرقة فحمل مطلق النذر عليه
* وان نذر النحر في بلد غير الحرم ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يصح لان النحر في غير الحرم ليس بقربة فلم يلزمه بالنذر (والثاني) يلزم النحر والتفرقة لان النحر على وجه القربة لا يكون الا للتفرقة فإذا نذر النحر تضمن التفرقة
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ(8/466)
وَسَبَقَ بَيَانُ طُرُقِهِ وَشَرْحِهِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
* وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ غَرِيبٌ وَلَكِنْ مَعْنَاهُ مشهور من رواية ثابت الضَّحَّاكِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَذَرَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِبُوَانَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ قَالُوا لَا قَالَ فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ قَالُوا لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِك فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ بِهَذَا اللَّفْظِ فَغَرِيبٌ عَنْهُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي صَحِيحِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ فِي بَابِ طهر المؤمن حما مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ويستدل معه ايضا بحديث عدى بن الْحَمْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ فِي مَكَّةَ وَأَشَارَ إلَيْهَا وَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَمَا يُعَارِضُهُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) وَأَفْصَحُهُمَا هَدْيٌ - بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَبِهَذِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ (وَالثَّانِيَةُ) هَدِيٌّ - بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - سُمِّيَ هَدِيًّا لِأَنَّهُ يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ فَعَلَى الْأُولَى هُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ وَمَجْرُوحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ (وَقَوْلُهُ) وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ أَيْ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَإِلَّا فَالْإِمْلَاءُ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ (وَأَمَّا) الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فَسَبَقَ بَيَانُ لُغَاتِهَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَهُ بَدَلٌ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ
* وَذَكَرَ فِي الْجَدِيدِ الصَّنَمَ وَالْوَثَنَ فَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَعَلَى هَذَا قِيلَ الصَّنَمُ مَا كَانَ مُصَوَّرًا مِنْ حَجَرٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَالْوَثَنُ مَا كَانَ غَيْرَ
مُصَوَّرٍ
* وَقِيلَ الْوَثَنُ مَا كَانَ لَهُ جُثَّةٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ جَوْهَرٍ أَوْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مُصَوَّرًا أَوْ غَيْرَ مُصَوَّرٍ وَالصَّنَمُ الصُّورَةُ بِلَا جُثَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (قَوْلُهُ) رِتَاجُ الْكَعْبَةِ هُوَ - بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَبِالْجِيمِ - وَأَصْلُهُ الْبَابُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ نَفْسُهَا وَيُقَالُ فِيهِ الرَّتَجُ أَيْضًا - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالتَّاءِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْ ثَوْبٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ دَارٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ مَا سَمَّاهُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ وَلَا إبْدَالُهُ فَإِنْ كَانَ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَهُ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ وَاحْتَاجَ إلَى مُؤْنَةٍ لِنَقْلِهِ لَزِمَهُ تِلْكَ الْمُؤْنَةُ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ الْمَنْذُورِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالدَّارِ وَالشَّجَرِ وَالْأَرْضِ وَحَجَرِ الرَّحَى وَنَحْوِهَا(8/467)
لَزِمَهُ بَيْعُهُ وَنَقْلُ ثَمَنِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ أن يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيَتَوَلَّى النَّاذِرُ الْبَيْعَ وَالنَّقْلَ بِنَفْسِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْحَاكِمِ وَلَا غَيْرِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَالْعَبْدِ وَالْبَدَنَةِ وَالشَّاةِ وَجَبَ حَمْلُهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ مَوْضِعًا مُعَيَّنًا لَزِمَهُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَسَوَاءٌ الْمُقِيمُونَ فِيهِ وَالْوَارِدُونَ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ لَا يَتَعَيَّنُونَ بَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ
* فَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ بَدَنَةً أَوْ شَاةً أَوْ بَقَرَةً وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا وَلَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا قَبْلَهُ لِأَنَّ فِي ذَبْحِهَا قُرْبَةً
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ الذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ مَشْهُورٌ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ بِشَرْطِ أَنْ يُنْقَلَ اللَّحْمُ إلَى الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي آخِرِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
* وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَمَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالظَّبْيَةِ وَالْحِمَارِ وَالطَّائِرِ وَالثَّوْبِ وَجَبَ حَمْلُهُ إلَى الْحَرَمِ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَ بَعْضُهُ لِنَقْلِ الْبَاقِي هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَسْتَحْسِنُ مَا حُكِيَ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ إنْ قَالَ أُهْدِي هَذَا فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ جَعَلْته هَدْيًا فَالْمُؤْنَةُ فِيهِ يُبَاعُ بعضه قال لكن مُقْتَضَى جَعْلِهِ هَدْيًا أَنْ يُوصَلَ كُلُّهُ إلَى الْحَرَمِ فَيَلْتَزِمَ مُؤْنَتَهُ كَمَا لَوْ قَالَ أُهْدِي
* ثُمَّ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ
صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ لَكِنْ لَوْ نَوَى صَرْفَهُ إلَى تَطْيِيبِ الْكَعْبَةِ أَوْ جَعَلَ الثَّوْبَ سِتْرًا لَهَا أَوْ قُرْبَةً أُخْرَى هُنَاكَ صَرَفَهُ إلَى مَا نَوَى وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى مَا نَوَى وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَضْعَفُ مِنْهُ أَنَّ الثَّوْبَ الصَّالِحَ لِلسِّتْرِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ الْمُعَيَّنَ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَتَفْرِقَةُ ثَمَنِهِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِعَيْنِهِ وَيُنْزِلُ تَعْيِينَهُ مَنْزِلَةَ تَعْيِينِ الْأُضْحِيَّةِ وَالشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ فَيَتَصَدَّقُ بِالظَّبْيَةِ وَالطَّائِرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا حَيًّا وَلَا يَذْبَحُهُ إذْ لَا قُرْبَةَ فِي ذَبْحِهِ فَلَوْ ذَبَحَهُ فَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ وَغَرِمَ مَا نَقَصَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ
* وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يُذْبَحُ وَطَرَدَ الْمُتَوَلِّي الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ ذِكْرَ الْحَيَوَانِ وَقُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُهْدِيَ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (اما) إذا نذر إهداء بغير مَعِيبٍ فَهَلْ يَذْبَحُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ نَظَرًا إلَى جِنْسِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّهُ لَا يصلح للتضحية كالضبية وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْحَيَوَانِ الْمَنْذُورِ إذَا أَطْلَقَ النَّذْرَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ السِّنُّ الْمُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وهما مبنيان(8/468)
عَلَى الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ النَّذْرَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ أَقَلِّ جَائِزَةٍ وَمَا يَتَقَرَّبُ بِهِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى وَاجِبِهِ فَيُشْتَرَطُ سِنُّ الْأُضْحِيَّةِ وَالسَّلَامَةَ
* وَلَوْ قَالَ أُضَحِّي بِبَعِيرٍ أَوْ بِبَقَرَةٍ فَفِيهِ مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبِالِاتِّفَاقِ لَا يُجْزِئُ الْفَصِيلُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَعِيرًا وَلَا الْعِجْلَ إذَا ذَكَرَ الْبَقَرَةَ وَلَا السَّخْلَةُ إذَا ذَكَرَ الشَّاةَ
* وَلَوْ قَالَ أُضَحِّي بِبَدَنَةٍ أَوْ أُهْدِي بَدَنَةً جَرَى الْخِلَافُ وَرَأَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الصُّورَةَ أَوْلَى بِاشْتِرَاطِ السِّنِّ وَالسَّلَامَةِ وَهُوَ كَمَا رَأَى
* وَإِنْ أَهْدَى وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (إنْ نَزَّلْنَاهُ) عَلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ مِنْ جِنْسِهِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ بِكُلِّ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ حَتَّى الدَّجَاجَةَ أَوْ الْبَيْضَةَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ كُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُهُ مَكَّةَ وَصَرْفُهُ إلَى فُقَرَائِهَا بَلْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (وَإِنْ نَزَّلْنَاهُ) عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ مِنْ جِنْسِهِ وَجَبَ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ إيصَالُهُ مَكَّةَ لِأَنَّ مَحِلَّ الْهَدْيِ الْحَرَمُ وَقَدْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْهَدْيِ
وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حَمْلُهُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* (أَمَّا) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ الْهَدْيَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْهَدْيِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا وَهُوَ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى الْمَعْهُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) إذَا نَذَرَ ذَبْحَ حَيَوَانٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَدْيٍ وَلَا أُضْحِيَّةٍ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ هَذِهِ الْبَقَرَةَ أَوْ أَنْحَرَ هَذِهِ الْبَدَنَةَ فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ وَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا أَوْ نَوَاهُ لَزِمَهُ الذَّبْحُ وَالتَّصَدُّقُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ وَلَا نَوَاهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَالتَّصَدُّقُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّصَدُّقَ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ الذَّبْحَ وَحْدَهُ وَلَيْسَ فِيهِ قُرْبَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّدَقَةِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً إلَى مَكَّةَ أَوْ أَنْ يَتَقَرَّبَ بِسَوْقِهَا وَيَذْبَحَهَا وَيُفَرِّقَ لَحْمَهَا عَلَى فُقَرَائِهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلذَّبْحِ وَتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ لَزِمَهُ الذَّبْحُ بِهَا أَيْضًا وَفِي تَفْرِقَةِ اللَّحْمِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجِبُ تَفْرِقَتُهُ بِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بَلْ لَهُ التَّفْرِقَةُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (وَأَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ خَارِجَ الْحَرَمِ وَتَفْرِيقَ اللَّحْمِ فِي الْحَرَمِ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي الذَّبْحُ خَارِجُ الْحَرَمِ لَا قُرْبَةَ فِيهِ فَيَذْبَحُ حَيْثُ شَاءَ وَيَلْزَمُهُ تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ فِي الْحَرَمِ وَكَأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ إلَى مَكَّةَ لَحْمًا
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ بِمَكَّةَ وَيُفَرِّقَ اللَّحْمَ عَلَى فُقَرَاءِ بَلَدٍ آخَرَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ
* وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ أَوْ أَذْبَحَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلَفْظِ الْقُرْبَةِ وَالتَّضْحِيَةِ وَلَا التَّصَدُّقِ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَعَلَى هَذَا فِي وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ عَلَى فُقَرَائِهَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ
* وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِأَفْضَلِ بَلَدٍ صَحَّ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِمَكَّةَ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْبِلَادِ عِنْدَنَا وَقَدْ سَبَقَ(8/469)
إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
* ولو نذر الذبح أو النحر ببلد أُخْرَى وَلَمْ يَقُلْ مَعَ ذَلِكَ وَأَتَصَدَّقُ عَلَى فُقَرَائِهَا وَلَا نَوَاهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَّا الذَّبْحَ وَالذَّبْحُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَا قُرْبَةَ فِيهِ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَتَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْفُقَرَاءِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ أَوْ تَلَفَّظَ مَعَ ذَلِكَ بِالتَّصَدُّقِ أَوْ نَوَاهُ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ بِاللَّحْمِ أَمْ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِمْ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُمْ يَتَعَيَّنُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ نَقْلِ الصَّدَقَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَتَعَيَّنُونَ لَمْ يَجِبْ الذَّبْحُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ
بِخِلَافِ مَكَّةَ فَإِنَّهَا مَحِلُّ ذَبْحِ الْهَدَايَا (وَإِنْ قُلْنَا) يَتَعَيَّنُونَ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لا يجب الذبح بهابل لَوْ ذَبَحَ خَارِجَهَا وَنَقَلَ اللَّحْمَ إلَيْهَا طَرِيًّا جَازَ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَةٌ (وَالثَّانِي) يَتَعَيَّنُ إرَاقَةُ الدَّمِ فِيهَا كَمَكَّةَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَحَكَوْهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ (أَمَّا) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِبَلْدَةِ كَذَا وَأُفَرِّقَ اللَّحْمَ عَلَى أَهْلِهَا فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيُغْنِي ذِكْرُ التَّضْحِيَةِ عَنْ ذِكْرِ التَّصَدُّقِ وَنِيَّتِهِ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وُجُوبَ التَّفْرِقَةِ عَلَى أَهْلِهَا وَوُجُوبَ الذَّبْحِ بِهَا عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ قَالَ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أُضَحِّي بِهَا فَهَلْ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ تَخْصِيصُ التَّفْرِقَةِ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وُجُوبُ الذَّبْحِ وَالتَّفْرِقَةِ بِهَا
* وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى فُلَانٍ فَشَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لم يلزمه شئ وَهَلْ لِفُلَانٍ مُطَالَبَتُهُ بِالتَّصَدُّقِ بَعْدَ الشِّفَاءِ قَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ نَعَمْ كَمَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ إنْ شُفِيَ فَشُفِيَ فَإِنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالْإِعْتَاقِ وَكَمَا لَوْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَالْمُسْتَحَقُّونَ فِي الْبَلَدِ مَحْصُورُونَ فَإِنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ أَوْ أُهْدِيَ بَدَنَةً قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْبَدَنَةُ فِي اللُّغَةِ مُخْتَصَّةٌ بِالْوَاحِدِ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ الشَّرْعُ قَدْ يُقِيمُ مَقَامَهَا بَقَرَةً أَوْ سَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ اسْمُ الْبَدَنَةِ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَخِلَافُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلَكِنْ اُشْتُهِرَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اخْتِصَاصُ الْبَدَنَةِ بِالْإِبِلِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا نَذَرَ بَدَنَةً فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يُطْلِقَ الْتِزَامَ الْبَدَنَةِ فَلَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ الْإِبِلِ وَهَلْ لَهُ الْعُدُولُ إلَى بَقَرَةٍ أَوْ سَبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا (وَالثَّانِي) نَعَمْ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ الْإِبِلَ لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ وَإِلَّا جَازَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ
* وَيُشْتَرَطُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَكُلِّ شَاةٍ أَنْ تَكُونَ مُجْزِئَةً فِي الْأُضْحِيَّةِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُقَيِّدَ فَيَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ يَنْوِيَهَا فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ الْإِبِلِ إذَا وُجِدَتْ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ عُدِمَتْ فَوَجْهَانِ(8/470)
مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصْبِرُ إلَى أَنْ يَجِدَهَا وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ الْبَقَرَةَ تُجْزِئُهُ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبَقَرَةِ دُونَ قِيمَةِ الْبَدَنَةِ مِنْ الْإِبِلِ لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْفَاضِلِ هَذَا هُوَ
الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ كَمَا فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِ الْفَاضِلِ فَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي أَنَّهُ يَشْتَرِي بَقَرَةً أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَهَلْ يَشْتَرِي بِهِ شِقْصًا أَوْ يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِدَرَاهِمَ فِيهِ وَجْهَانِ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُشَارِكُ إنْسَانًا فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ يَشْتَرِي بِهِ شَاةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا عَدَلَ إلَى الْغَنَمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ أَيْضًا
* ثُمَّ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْإِبِلَ فِي حَالَةِ التَّقْيِيدِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالسَّبْعِ مِنْ الْغَنَمِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْقِيمَةِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ إلَى الْغَنَمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَقَرِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ
* وَلَوْ وَجَدَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تُجْزِئُهُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ السَّبْعَ مِنْ مَالِهِ (وَالثَّانِي) تُجْزِئُهُ لِوَفَائِهِنَّ بِالْقِيمَةِ قَالَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ النَّسَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ فِي زَمَنِ ابْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ شَاةً فَجَعَلَ بَدَلَهَا بَدَنَةً جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَكُونُ جَمِيعُهَا فَرْضًا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَسَبَقَ ذِكْرُهُمَا فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَفِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَفِي الزَّكَاةِ وَفِي الْحَجِّ (أَصَحُّهُمَا) يَقَعُ سُبْعُهَا وَاجِبًا وَالْبَاقِي تَطَوُّعًا (وَالثَّانِي) يَقَعُ الْجَمِيعُ وَاجِبًا (فَإِنْ قُلْنَا) كُلُّهَا وَاجِبَةٌ لَمْ يَجُزْ الْأَكْلُ مِنْهَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَيْنِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْوَاجِبُ السُّبْعُ جَازَ الْأَكْلُ مِنْ الزَّائِدِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَجُوزُ أَكْلُ الزَّائِدِ كُلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً بِعَيْنِهَا لَزِمَهُ ذَبْحُهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهَا بَدَنَةً لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّ الشَّاةَ تَعَيَّنَتْ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ قَالَ إذَا أَهْدَى هَذِهِ الشَّاةَ نَذْرًا لَزِمَهُ أَنْ يُهْدِيَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ أَنِّي سَأُحْدِثُ نَذْرًا أَوْ سَأُهْدِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ قَالَ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا وَنَوَى بَهِيمَةً أَوْ جَدْيًا أَوْ رَضِيعًا أَجْزَأَهُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ نَذْرَ الْهَدْيِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَجْزَأَتْهُ قَالَ وَلَوْ أَهْدَى كَامِلَةً كَانَ أَفْضَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
يُجْزِئُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخَصِيُّ وَالْفَحْلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ الْإِبِلِ(8/471)
أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ بِلَا خِلَافٍ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ
* (الْخَامِسَةُ) إذَا نَذَرَ الْإِهْدَاءَ لِرِتَاجِ الْكَعْبَةِ لَزِمَ صَرْفُهُ فِي كِسْوَتِهَا وَإِنْ قَصَدَ صَرْفَهُ فِي طِيبِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَصِحُّ نَذْرُهُ صُرِفَ إلَيْهِ وَإِنْ نَذَرَ الْإِهْدَاءَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَإِنْ صَرَّحَ بِصَرْفِهِ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ نَوَاهُ أَوْ صرح بصرفه في قربة أُخْرَى مِثْلِهَا أَوْ نَوَاهُ صَرَفَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) يَصْرِفُهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ وُجُوهِ الْقُرُبَاتِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينَ ذَلِكَ الْبَلَدِ الْمُقِيمِينَ فِيهِ وَالْوَارِدِينَ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ أَمْ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْهُودِ تَعَيَّنَ لِلْمَسَاكِينِ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا تَطْيِيبُ الْكَعْبَةِ وَسِتْرُهَا مِنْ الْقُرُبَاتِ سَوَاءٌ سِتْرُهَا بِالْحَرِيرِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ نَذَرَ سِتْرَهَا أَوْ تَطْيِيبَهَا صَحَّ نَذْرُهُ بِلَا خِلَافٍ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ هَدْيًا لِرِتَاجِ الْكَعْبَةِ وَطِيبِهَا فَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَغَيْرُهُ يَنْقُلُهُ وَيُسَلِّمُهُ إلَى الْقَيِّمِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَوَى أَوْ نَصَّ فِي نَذْرِهِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ تَطْيِيبَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى أَوْ غَيْرِهِمَا فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ تَرَدُّدٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمَالَ الْإِمَامُ إلَى تَخْصِيصِ الِانْعِقَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لِأَنَّ تَطْيِيبَهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَزِمَتْ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا لَزِمَهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ مَا يُجْزِئُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ دَاوُد مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ هَدْيٍ وَهُوَ قَوْلُنَا الْآخَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر صلاة لزمه ركعتان في أظهر القولين لان أقل صلاة واجبة في الشرع ركعتان فحمل النذر عليه وتلزمه ركعة في القول الاخر لان الركعة صلاة في الشرع وهي الوتر فلزمه ذلك وان نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ المدينة والمسجد الاقصى جاز له أن يصلى في غيره لان ما سوى المساجد الثلاثة في الحرمة والفضيلة واحدة فلم يتعين بالنذر
* وان
نذر الصلاة في المسجد الحرام لزمه فعلها فيه لانه يختص بالنذر والصلاة فيه أفضل من الصلاة في غيره وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هذا) فلا يجوز أن يسقط ما نذره بالصلاة في غيره وان نذر الصلاة في مسجد المدينة أو المسجد الاقصى ففيه قولان
(أحدهما)(8/472)
يلزمه لانه ورد الشرع فيه بشد الرحال إليه فاشبه المسجد الحرام (والثاني) لا يلزمه لانه لا يجب قصده بالنسك فلا تتعين الصلاة فيه بالنذر كسائر المساجد
* فان قلنا يلزمه فصلى في المسجد الحرام أجزأه عن النذر لان الصلاة في المسجد الحرام أفضل فسقط به فرض النذر
* وان نذر أن يصلي في المسجد الاقصى فصلى في مسجد المدينة أَجْزَأَهُ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رجلا قال (يا رسول الله إنى نذرت ان فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين فقال صل ههنا فاعاد عليه فقال صل ههنا ثم أعاد عليه فقال شأنك) ولان الصلاة فيه أفضل من الصلاة في بيت المقدس فسقط به فرض النذر
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِحْبَابِ دُخُولِ الْبَيْتِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شَأْنَكَ) هُوَ مَنْصُوبٌ أَيْ الدم شَأْنَكَ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَفْعَلَهُ فَافْعَلْهُ (وَقَوْلُهُ) ورد الشَّرْعُ بِشَدِّ الرِّحَالِ إلَيْهِ احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) فَتْحُ الْمِيمِ وَإِسْكَانُ الْقَافِ وَكَسْرُ الدَّالِ (وَالثَّانِيَةُ) ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحُ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً فَفِيمَا يَلْزَمُهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) رَكْعَتَانِ (وَالثَّانِي) رَكْعَةٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ النَّذْرَ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ فِي صفاته مسلك واجب الشرع أم مَسْلَكَ جَائِزِهِ (أَمَّا) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ آتِيَهُ أَوْ أَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ
الْحَرَامِ لَزِمَهُ إتْيَانُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ أن يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَقِيلَ في لزومه قولان حكاهما الرافعي وليس بشئ
* وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ آتِيَهُ وَلَمْ يَقُلْ الْحَرَامِ فَفِيهِ خِلَافٌ مِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُحْمَلُ عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَهُوَ بَيْتُ مَكَّةَ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَسَاجِدِ بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَسَنَزِيدُهَا إيضَاحًا هناك انشاء اللَّهُ تَعَالَى
* وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أمشي إلى الحرام أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَكَّةَ أَوْ ذَكَرَ بُقْعَةً مِنْ بِقَاعِ الْحَرَمِ كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمَسْجِدِ الخيف ومنى ومزدلفة ومقام ابراهيم وغيرهما فهو كَمَا لَوْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَتَى دَارَ أَبِي جَهْلٍ أو دار الخيرزان كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِشُمُولِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ فِي تَنْفِيرِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ
* وَلَوْ نَذَرَ أن(8/473)
يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ فَإِنْ أَرَادَ الْتِزَامَ الْحَجِّ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِحُضُورِ عَرَفَاتٍ أَوْ نَوَى أَنْ يَأْتِيَهَا مُحْرِمًا انْعَقَدَ نَذْرُهُ بِالْحَجِّ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِأَنَّ عَرَفَاتٍ مِنْ الْحِلِّ فَهِيَ كَبَلَدٍ آخَرَ وَفِيهِ وَجْهٌ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَاتٍ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا حَاجًّا
* وَقَيَّدَ الْمُتَوَلِّي هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ
* وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَكْفِي فِي لُزُومِ ذَلِكَ أَنْ يَحْضُرَ لَهُ حُضُورَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَرُبَّمَا قَالَ بِهَذَا الْجَوَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
* وَلَوْ قَالَ لله علي أن آتي مر الطهران أَوْ بُقْعَةً أُخْرَى قَرِيبَةً مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يلزمه شئ بِلَا خِلَافٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا الْتَزَمَ الْإِتْيَانَ إلَى الْكَعْبَةِ فَسَوَاءٌ الْتَزَمَهُ بِلَفْظِ الْمَشْيِ وَالْإِتْيَانِ وَالِانْتِقَالِ وَالذَّهَابِ وَالْمُضِيِّ وَالْمَصِيرِ وَالْمَسِيرِ وَنَحْوِهَا
* وَلَوْ نذر أن يمس بثوبه حطم الْكَعْبَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَوَى إتْيَانَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى ففي لزوم إتيانها قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (قَالَ) فِي الْبُوَيْطِيِّ يَلْزَمُ (وَقَالَ) فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَلْزَمُ ويلغوا النَّذْرُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْيَانُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِالْتِزَامِهِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ إنْ حَمَلْنَا
النَّذْرَ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ بُنِيَ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ هَلْ يُوجِبُ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَفِيهِ قَوْلَانِ سَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُوجِبُ (فَإِنْ قُلْنَا) يُوجِبُهُ فَإِذَا أَتَاهُ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا فَهُوَ كَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ إتْيَانُهُ وَإِذَا لَزِمَ فَتَفْرِيعُهُ كَتَفْرِيعِ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) إذَا أَوْجَبْنَا إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ والاقصى فهل يلزمه مع الاتيان شئ آخَرَ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا إذْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ الْمُجَرَّدَ لَيْسَ بِقِرْبَةٍ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ لِغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) يَتَعَيَّنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أَتَاهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ بَلْ تَكْفِيه رَكْعَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَهَلْ يكفى أن يصلى فريضة أم لابد مِنْ صَلَاةٍ زَائِدَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَكْفِي الْفَرِيضَةُ بِنَاءً عَلَى وَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ الصَّوْمِ هَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْتَكِفَ فِي رَمَضَانَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَكْفِيه (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْأَوْجُهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ وَلَوْ سَاعَةً لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ أَخَصُّ الْقُرُبَاتِ بِالْمَسْجِدِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ يَكْفِي فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ(8/474)
وَتَوَقَّفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الزِّيَارَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ وَتَعْظِيمِهِ قَالَ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ صَامَ يَوْمًا كَفَاهُ قَالَ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالزِّيَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا نَزَّلْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَنْزِلَةَ الْمَسْجِدَيْنِ وَأَوْجَبْنَا ضَمَّ قُرْبَةٍ إلَى الْإِتْيَانِ فَفِي تِلْكَ الْقُرْبَةِ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) الصَّلَاةُ (وَالثَّانِي) الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ قِيلَ يَكْفِي الطَّوَافُ لَمْ يَبْعُدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى قَالَ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّكُوبُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ بَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا قَالَ أَحُجُّ مَاشِيًا (وَالْوَجْهُ الْآخَرُ) يَمْشِي مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَجُوزُ الرُّكُوبُ قَبْلَهُ
* وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يمشي من ديويرة أهله لكن هل يحرم من ديويرة أَهْلِهِ أَمْ مِنْ الْمِيقَاتِ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ (وَقَالَ) أَبُو عَلِيِّ الطَّبَرِيِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ
* وَلَوْ قَالَ أَمْشِي
إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى وَأَوْجَبْنَا الْإِتْيَانَ فَفِي وُجُوبِ الْمَشْي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ
* وَلَوْ كَانَ لَفْظُ النَّاذِرِ الْإِتْيَانَ أَوْ الذَّهَابَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّا يُسَاوِي الْمَشْيَ فَلَهُ الرُّكُوبُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدٍ آخَرَ سِوَى الثَّلَاثَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَصْدِهَا قُرْبَةٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام وَالْأَقْصَى وَمَسْجِدِي) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يُفْتِي بِالْمَنْعِ مِنْ شَدِّ الرِّحَالِ إلَى غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَرُبَّمَا كَانَ يَقُولُ مُحَرَّمٌ قَالَ الْإِمَامُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَلَا كَرَاهَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ بَيَانُ الْقُرْبَةِ بِقَصْدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ سَبَقَ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّ مَنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى لِلِاعْتِكَافِ تَعَيَّنَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَضْلٌ فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ فَضِيلَةً فِي الْعِبَادَةِ الْمُلْتَزَمَةِ وَالْإِتْيَانُ بِخِلَافِهِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إتْيَانَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَفِي مِثْلِهِ فِي الِاعْتِكَافِ خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ الصَّلَاةُ ثُمَّ إنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ تَعَيَّنَ لِلصَّلَاةِ الْمُلْتَزَمَةِ وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى فَطَرِيقَانِ (قال) الاكثرون في تعيينه القولان في لزوم الاتيان (وقطع) المراوزة بالتعين والتعين هُنَا أَرْجَحُ كَالِاعْتِكَافِ
* وَإِنْ عَيَّنَ سَائِرَ الْمَسَاجِدِ وَالْمَوَاضِعِ لَمْ تَتَعَيَّنْ وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى لِلصَّلَاةِ وَقُلْنَا بِالتَّعَيُّنِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهَلْ تَقُومُ الصَّلَاةُ فِي أَحَدِهِمَا مَقَامَ الصَّلَاةِ فِي الْآخَرِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) تَقُومُ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَقُومُ مَسْجِدُ(8/475)
الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَلَا يَقُومُ الْأَقْصَى مَقَامَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَصَلَّى فِي غَيْرِهِ أَلْفَ صَلَاةٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَذْرِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَلْفَ صَلَاةٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَذْرِهِ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ قَالَ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي الْكَعْبَةِ فَصَلَّى فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
سَبَقَ أَنَّ الْمَذْهَبَ فِي نَذْرِ الْمَشْي إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَنَّهُ يَجِبُ قَصْدُهُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَوْ قَالَ فِي نَذْرِهِ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْغُو قَوْلُهُ بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ ثُمَّ إذَا أَتَاهُ فَإِنْ أَوْجَبْنَا إحْرَامًا لِدُخُولِ مَكَّةَ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَالصَّحِيحُ هُنَا لُزُومُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَسَنَزِيدُهَا هُنَاكَ إيضَاحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْغَزَالِيُّ يَلْزَمُهُ إذَا قُلْنَا صِفَاتُ الْفَرَائِضِ تُفْرَدُ بِالِالْتِزَامِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ إذَا نَذَرَ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعِنْدِي انه يلزم الوفاء بذلك وجها واحد وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى مَكَّةَ وَنَوَى بِقَلْبِهِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا انْعَقَدَ النَّذْرُ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ نَوَى إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ حَصَلَ مَا نَوَاهُ كَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ وَدَلِيلُهُ هُنَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكُ وَطَائِفَةٌ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَفِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَةِ دُخُولِ الْكَعْبَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّا حَكَيْنَا هُنَاكَ أن القاضي عياض نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا سِوَاهُ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لِمَا نَقَلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ إنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ تَفْضِيلَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَا يَخْتَصُّ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ بَلْ يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِمَعْنَى هَذَا فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَبِهِ قَالَ طرف مِنْ أَصْحَابِ مَالِكِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَخْتَصُّ بِالْفُرُوضِ وَهُوَ إطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
*(8/476)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً (الْأَصَحُّ) عِنْدَنَا يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ وَبِهِ قَالَ مَالِكُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ رَكْعَةٌ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شئ قَالَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا قَالَ إلَى بَيْتِ كَدَاءِ أَوْ إلَى مَكَّةَ أَوَ إلَى الْكَعْبَةِ استحسانا
* (فرع)
فَرْعٌ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الحرام فصلى في غيره لم يجزه عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ فضيلة فلزمه الصوم وَالصَّلَاةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَلْزَمُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْحَرَامُ وَالْمَدِينَةُ وَالْأَقْصَى لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ
* وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مسلمة المالكى إذا نذر قصد مسجد قبا لَزِمَهُ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يأتي قبا كل سبت راكبا وماشيا
* (فرع)
إذا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةَ أَوْ مِنًى فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَشْهَبُ الْمَالِكِيُّ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ لَا يَلْزَمُهُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ مَوْضِعٌ مِنْ الْحَرَمِ فَأَشْبَهَ الْكَعْبَةَ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَلَاةً فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى فَهَلْ يَتَعَيَّنُ فِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَنَا سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّعَيُّنِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أبو حنيفة لا يتعين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر الصوم لزمه صوم يوم لان أقل الصوم يوم
* وان نذر صوم سنة بعينها لزمه صومها متتابعا كما يلزمه صوم رمضان متتابعا فإذا جاء رمضان صام عن رمضان لانه مستحق بالشرع ولا يجوز أن يصوم فيه عن النذر ولا يلزمه قضاؤه عن النذر لانه لم يدخل في النذر ويفطر في العيدين وأيام التشريق لانه مستحق للفطر ولا يلزمه قضاؤه لانه لم يتناولها النذر
* وان كانت امرأة فحاضت فهل
يلزمها القضاء فيه قولان
(أحدهما)
لا يلزمها لانه مستحق للفطر فلا يلزمها قضاؤه كايام العيد (والثاني)(8/477)
يلزمها لان الزمان محل للصوم وانما تفطر هي وحدها
* فان أفطر فيه لغير عذر نظرت فان لم يشترط فيه التتابع أتم ما بقي لان التتابع فيه يجب لاجل الوقت فهو كالصائم في رمضان إذا افطر بغير عذر ويجب عليه قضاؤه كما يجب على الصائم في رمضان
* وان شرط التتابع لزمه ان يستأنف لان التتابع لزمه بالشرط فبطل بالفطر كصوم الظهار وان افطر لمرض وقد شرط التتابع ففيه قولان
(أحدهما)
ينقطع التتابع لانه افطر باختياره (والثاني) لا ينقطع لانه افطر بعذر فأشبه الفطر بالحيض فان قلنا لا ينقطع التتابع فهل يجب القضاء فيه وجهان بناء على القولين في الحائض وقد بيناه وان افطر بالسفر فان قلنا انه ينقطع التتابع بالمرض فالسفر اولى وان قلنا لا ينقطع بالمرض ففي السفر وجهان
(أحدهما)
لا ينقطع لانه افطر بعذر فهو كالفطر بالمرض (والثاني) ينقطع لان سببه باختياره بخلاف المرض
* وان نذر سنة غير معينة فان لم يشترط التتابع جاز متتابعا ومتفرقا لان الاسم يتناول الجميع فان صام شهرا بالاهلة وهي ناقصة أجزأه لان الشهور في الشرع بالاهلة وان صام سنة متتابعة لزمه قضاء رمضان وأيام العيد لان الفرض في الذمة فانتقل فيما لم يسلم منه إلى البدل كالمسلم فيه إذا رد بالعيب ويخالف السنة المعينة فان الفرض فيها يتعلق بمعين فلم ينتقل فيما لم يسلم إلى البدل كالسلعة المعينة إذا ردها بالعيب وأما إذا اشترط فيها التتابع فانه يلزمه صومها متتابعا على ما ذكرناه)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا أَطْلَقَ الْتِزَامَ الصَّوْمِ فَقَالَ لِلَّهِ عَلِيَّ صَوْمٌ أَوْ أَنْ أَصُومَ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ ويجئ فِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَكْفِيه إمْسَاكُ بَعْضِ يَوْمٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يَنْزِلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَصِحُّ مِنْ جِنْسِهِ وَأَنَّ إمْسَاكَ بَعْضِ الْيَوْمِ صَوْمٌ وَسَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ وَبَيَّنَهَا فَذَاكَ وَإِنْ أَطْلَقَ الْأَيَّامَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ
* وَلَوْ قَالَ أَصُومُ دَهْرًا أَوْ حِينًا كَفَاهُ صَوْمُ يَوْمٍ
* وَهَلْ يَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ أَمْ يَكْفِي بِنِيَّةِ قَبْلِ الزَّوَالِ فِيهِ طَرِيقَانِ (قَطَعَ) الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ بِاشْتِرَاطِ التَّبْيِيتِ (وَذَكَرَ) آخَرُونَ فِيهِ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ هَلْ يُسْلَكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أَمْ الْجَائِزِ (إنْ قُلْنَا) مَسْلَكَ الْوَاجِبِ اُشْتُرِطَ التَّبْيِيتُ
وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) إذَا لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ بِالنَّذْرِ فَيُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ بِهِ وَلَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بَلْ يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِأَيِّ يَوْمٍ صَامَهُ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي تَقْبَلُ الصَّوْمَ غَيْرَ رَمَضَانَ
* وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ خَمِيسٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ صَامَ أَيَّ خَمِيسٍ شَاءَ فَإِذَا مَضَى خَمِيسٌ وَلَمْ يَصُمْ مَعَ التَّمَكُّنِ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ فُدِيَ عَنْهُ
* وَلَوْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ يَوْمًا كَأَوَّلِ خَمِيسٍ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ خَمِيسٍ هَذَا الْأُسْبُوعِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ قَبْلَهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ صَامَ قَضَاءً سَوَاءٌ أَخَّرَهُ بِعُذْرٍ أَمْ لَا لَكِنْ ان(8/478)
أَخَّرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ وَإِنْ أَخَّرَهُ بِعُذْرِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يَأْثَمْ
* وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وغيره في تعيينه وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) تَعَيُّنُهُ (وَالثَّانِي) لَا كَمَا لَوْ عَيَّنَ مَكَانًا فَعَلَى هَذَا قَالُوا يَجُوزُ الصَّوْمُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ عَيَّنَ يَوْمًا مِنْ أُسْبُوعٍ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْأُسْبُوعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُعَيَّنُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ قَضَاءً وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرُ الْأُسْبُوعِ وَيَوْمَ السَّبْتِ أَوَّلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي فَقَالَ خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَعَثَ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ في آخر الخلق من آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى اللَّيْلِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مُطْلَقٍ مِنْ أُسْبُوعٍ مُعَيَّنٍ صَامَ مِنْهُ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْيَوْمُ الْمُعَيَّنُ بِالنَّذْرِ لَا يَثْبُتُ لَهُ خَوَاصُّ رَمَضَانَ سَوَاءٌ عَيَّنَّاهُ بِالنَّذْرِ أم جوزنا غيره مِنْ الْكَفَّارَةِ بِالْفِطْرِ بِالْجِمَاعِ فِيهِ وَوُجُوبُ الْإِمْسَاكِ لَوْ أَفْطَرَ وَعَدَمُ قَبُولِ صَوْمٍ آخَرَ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بَلْ لَوْ صامه عن قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَأَيَّامِ رَمَضَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّ الْيَوْمَ الْمُعَيَّنَ بِالنَّذْرِ هَلْ يَتَعَيَّنُ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ إذَا عَيَّنَ لَهَا فِي نَذْرِهَا وَقْتًا وَفِي الحج إذا عين له فِي نَذْرِهِ سَنَةً وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ بِالتَّعَيُّنِ فَقَالَ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي وَقْتٍ عَيَّنَهُ غَيْرَ أَوْقَاتِ النَّهْيِ تَعَيَّنَ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَإِذَا لَمْ يُصَلِّ فِيهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ
وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ ضَحْوَةً صَلَّى فِي ضَحْوَةِ أَيِّ يَوْمٍ شَاءَ وَلَوْ صَلَّى فِي غَيْرِ الضَّحْوَةِ لَمْ يُجْزِهِ
* وَلَوْ عَيَّنَ ضَحْوَةً فَلَمْ يُصَلِّ فِيهَا قَضَى أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ مِنْ ضَحْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا
* وَلَوْ عَيَّنَ لِلصَّدَقَةِ وَقْتًا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِهَا بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَالْقَوْلُ فِي الْمُبَادَرَةِ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً وَفِي أَنَّهُ إذَا عَيَّنَهَا هَلْ تَتَعَيَّنُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَعَيُّنِ الشَّهْرِ وَالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَيْنِ فِي النَّذْرِ وَالصَّحِيحُ التَّعَيُّنُ فِي الْجَمِيعِ وَحَيْثُ لَا نَذْكُرُهُ أَوْ الْأَصْحَابُ يَكُونُ اقْتِصَارًا عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجُوزُ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ مُتَفَرِّقَةً وَمُتَتَابِعَةً لِحُصُولِ الْوَفَاءِ بِالْمُسَمَّى
* وَإِنْ عَيَّنَ النَّذْرَ بِالتَّتَابُعِ لَزِمَهُ فَلَوْ أَخَلَّ بِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ
* وَلَوْ قَيَّدَ بِالتَّفْرِيقِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجِبُ التَّفْرِيقُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مُعْتَبَرٌ فِي صَوْمِ(8/479)
التَّمَتُّعِ فَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً حُسِبَتْ لَهُ خَمْسَةٌ وَيُلْغَى بَعْدَ كُلِّ يَوْمٍ يَوْمٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ نُظِرَ إنْ عَيَّنَهُ كَرَجَبٍ أَوْ شَعْبَانَ أَوْ قَالَ أَصُومُ شَهْرًا مِنْ الْآنَ فَالصَّوْمُ يَقَعُ مُتَتَابِعًا لِتَعَيُّنِ أَيَّامِ الشَّهْرِ وَلَيْسَ التَّتَابُعُ مُسْتَحَقًّا فِي نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لا يلزمه الاستئناف ولوفاته الْجَمِيعُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ فِي قَضَائِهِ كَرَمَضَانَ فَلَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَلْزَمُهُ لان شرط التتابع مع تعين الشَّهْرِ لَغْوٌ وَبِهَذَا قَالَ الْقَفَّالُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَلْزَمُهُ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَ يَوْمًا لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ وَإِذَا فَاتَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا
* وَلَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ أَصُومُ شَهْرًا فَلَهُ التَّفْرِيقُ وَالتَّتَابُعُ فَإِنْ فَرَّقَ صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَإِنْ تَابَعَ وَابْتَدَأَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ فَكَذَلِكَ وَإِنْ ابْتَدَأَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَخَرَجَ نَاقِصًا كَفَاهُ لِأَنَّهُ شَهْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يُعَيَّنَ سَنَةً مُتَوَالِيَةً بِأَنْ يَقُولَ أَصُومُ سَنَةَ كَذَا أَوْ سَنَةً مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا أَوْ مِنْ الْغَدِ فَصِيَامُهَا يَقَعُ مُتَتَابِعًا لِضَرُورَةِ الْوَقْتِ وَيَصُومُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَيُفْطِرُ الْعِيدَيْنِ وَكَذَا التَّشْرِيقَ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي النَّذْرِ
* وَلَوْ أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ فِيهَا بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ فَفِي وُجُوبِ
الْقَضَاءِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ كَالْعِيدِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ
* وَلَوْ أَفْطَرَ بِالْمَرَضِ فَفِيهِ هَذَا الْخِلَافُ وَرَجَّحَ ابْنُ كَجٍّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لانه لا يصح أن تنذر صَوْمُ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَيَصِحُّ أَنْ يُنْذَرَ صَوْمُ أَيَّامِ الْمَرَضِ
* وَلَوْ أَفْطَرَ بِالسَّفَرِ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَجِب الْقَضَاءُ قَطْعًا (وَالثَّانِي) فِيهِ الْقَوْلَانِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَلَوْ أَفْطَرَ بَعْضَ الْأَيَّامِ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ وَإِذَا فَاتَ صَوْمُ السَّنَةِ لَمْ يَجِبْ التَّتَابُعُ فِي قَضَائِهِ كَرَمَضَانَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ فَإِذَا شَرَطَ التَّتَابُعَ مَعَ تَعْيِينِ السَّنَةِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الشَّهْرِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِهِ فَعَلَى هَذَا إنْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ وَإِنْ أَفْطَرَتْ بِالْحَيْضِ لَمْ يَجِبْ وَالْإِفْطَارُ بِالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ لَهُ حُكْمُ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ فَفِي الْقَضَاءِ الْخِلَافُ السَّابِقُ
* وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ تَنَاوَلَ السَّنَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمِ إلَى الْمُحَرَّم فَإِنْ كَانَ مَضَى بَعْضُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا صَوْمُ الْبَاقِي فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ بَاقِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ عَنْ النَّذْرِ وَلَا قَضَاءُ الْعِيدَيْنِ وَفِي التَّشْرِيقِ وَالْحَيْضِ وَالْمَرَضِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ
* (الْحَالُ الثَّانِي) إذَا نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ وَأَطْلَقَ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ صَامَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ أَيُّهُمَا شَاءَ فَعَلَهُ وَأَجْزَأَهُ وَكُلُّ شَهْرٍ اسْتَوْعَبَهُ بِالصَّوْمِ فَنَاقِصُهُ كَالْكَامِلِ(8/480)
فَيُحْسَبُ شَهْرًا وَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ أَتَمَّهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَشَوَّالٌ وَذُو الْحِجَّةِ مُنْكَسِرَانِ بِسَبَبِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ هُنَا بِلَا خِلَافٍ فلو صام سنة متوالية قضى العيدين والتشتريق ورمضان ولا بأس بصوم يوم الشَّكِّ عَنْ النَّذْرِ وَيَجِبُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْحَيْضِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا مُطْلَقًا وَوَجْهًا أَنَّهُ إذَا صَامَ مِنْ الْمُحَرَّمِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَوْ مِنْ شَهْرٍ آخَرَ إلَى مِثْلِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ صَامَ سَنَةً وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ وَرَمَضَانَ وَالْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْرُطْ التَّتَابُعَ (أَمَّا) إذَا شَرَطَ التَّتَابُعَ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ سَنَةً مُتَتَابِعَةً فَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ وَيَصُومُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَيُفْطِرُ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا لِلنَّذْرِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ
عَلَى الِاتِّصَالِ بِالْمَحْسُوبِ مِنْ السَّنَةِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ كَالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ
* ثُمَّ إنَّهُ يَحْسِبُ الشَّهْرَ الْهِلَالِيَّ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا
* وَإِذَا أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَفْطَرَتْ بِالْحَيْضِ لَمْ يَجِبْ الِاسْتِئْنَافُ وَفِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ
* ثُمَّ فِي قَضَاءِ أَيَّامِ الْمَرَضِ وَالْحَيْضِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ (وَأَمَّا) إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَحُكْمُ قَضَاءِ مَا يُفْطِرُهُ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ عَلَى مَا سَبَقَ فِي السَّنَةِ
* وَلَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَحَاضَتْ فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَشَرَعَتْ فِي يَوْمٍ فَحَاضَتْ لَزِمَهَا قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ صَوْمَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا لَزِمَهُ صَوْمُ هَذَا الْعَدَدِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ التَّتَابُعُ
* وَلَوْ قَالَ مُتَتَابِعَةً لَزِمَهُ التَّتَابُعُ وَيَقْضِي لِرَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ عَلَى الِاتِّصَالِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ التَّتَابُعَ يَلْغُو هُنَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فِي الْحَرَمِ لَا يُجْزِئُهُ فِي غَيْرِهِ قَالَا قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ بَلْ يَجُوزُ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ الصَّوْمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الْهَدْيِ بِالْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ مُبْدَلُهُ الَّذِي هُوَ الْهَدْيُ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ
* وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ يَحْتَمِلُ لِأَنَّ الْحَرَمَ يَخْتَصُّ بِأَشْيَاءَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* وَاتَّفَقَ صَاحِبُ التَّلْخِيصُ وَأَبُو زَيْدٍ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الصَّوْمَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ لَا يتعين بل يصوم حيث شاء والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ لَزِمَهُ صَوْمُ بَاقِي سَنَةِ التَّارِيخِ(8/481)
وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّنَةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا وَهِيَ سَنَةُ التَّارِيخِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَاقِي هَذِهِ السَّنَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ قَبْلَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ صَوْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِزَمَانٍ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ كَرَمَضَانَ
*
(فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ أَوْ التَّشْرِيقِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ صِيَامُ ذَلِكَ وَلَا شئ عَلَيْهِ أَصْلًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ بَلْ يَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ فَإِنْ صَامَ الْعِيدَ أَجْزَأَهُ وَخَرَجَ عَنْ وَاجِبِ نَذْرِهِ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صحيح سبق بيانه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر أن يصوم في كل اثنين لم يلزمه قضاء أثانين رمضان لانه يعلم أن رمضان لا بد فيه من الاثانين فلا يدخل في النذر فلم يجب قضاؤها وفيما يوافق منها أيام العيد قولان
(أحدهما)
لا يجب وهو قول المزني قياسا على ما يوافق رمضان (والثاني) يجب لانه نذر ما يجوز أن لا يوافق أيام العيد فإذا وافق لزمه القضاء
* وان لزمه صوم الاثانين بالنذر ثم لزمه صوم شهرين متتابعين في كفارة بدأ بصوم الشهرين ثم يقضي صوم الاثانين لانه إذا بدأ بصوم الشهرين يمكنه بعد الفراغ من الشهرين أن يقضي صوم الاثانين وإذا بدأ بصوم الاثانين لم يمكنه أن يقضي صوم الشهرين فكان الجمع بينهما اولى فإذا فرغ من صوم الشهرين لزمه قضاء صوم الاثانين لانه أمكنه صيامها وانما تركه لعارض فلزمه القضاء كما لو تركه لمرض وان وجب عليه صوم الشهرين ثم نذر صوم الاثانين بدأ بصوم الشهرين ثم يقضى صوم الاثانين كما قلنا فيما تقدم ومن أصحابنا من قال لا يجب القضاء لانه استحق صيامه عن الكفارة فلا يدخل في النذر والمذهب أنه يلزمه لانه كان يمكنه صومه عن النذر فإذا صامه عن غيره لزمه القضاء)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ أَثَانِينَ رَمَضَانَ كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ أَثَانِي بِحَذْفِ النُّونِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ دَائِمًا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعَيَّنَ فِي نَذْرِ الصَّوْمِ يَتَعَيَّنُ وَعَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الشَّاذِّ يَصُومُ بَدَلَ الِاثْنَيْنِ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ
* وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدُمُ فِيهِ فُلَانُ أَبَدًا فَقَدِمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِ يَوْمَ الْقُدُومِ بِعَيْنِهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ وَسَنَشْرَحُهُمَا عَقِبَ هَذَا وَاضِحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَثَانِينِ فَيَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الاثانين
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ الاثانين الْوَاقِعَةِ فِي رَمَضَانَ لَكِنْ لَوْ وَقَعَ فِيهِ خَمْسَةٌ فَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْخَامِسِ وَجْهَانِ وَقِيلَ(8/482)
قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ
* وَكَذَا لَوْ وَقَعَ يَوْمُ الْعِيدِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ أَيْضًا وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ كَالْعِيدِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الصَّوْمَ
* وَلَوْ صَدَرَ هَذَا النَّذْرُ عَنْ امْرَأَةٍ وَأَفْطَرَتْ بَعْضَ الْأَثَانِينِ بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالْعِيدِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَقِيلَ) يَجِبُ قَضَاؤُهُ قَطْعًا لِأَنَّ وَاجِبَهُ شَرْعًا يُقْضَى وَهُوَ رَمَضَانُ فَكَذَا بِالنَّذْرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* ثُمَّ إنَّ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ غَالِبَةٌ فَإِنْ كَانَتْ فَعَدَمُ الْقَضَاءِ فِيمَا تَقَعُ عَادَتُهَا أَصَحُّ وَأَقْوَى وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ خِلَافَهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَخْتَلِفُ
* وَلَوْ أَفْطَرَ هَذَا النَّاذِرُ بَعْضَ الْأَثَانِينِ بِالْمَرَضِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَنْ نذر صوم سنة معينة والله أعلم
* (وأما) إذَا لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْأَثَانِينِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ تَأَخَّرَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَضَاءُ الْأَثَانِينِ وَلَوْ عَكَسَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ ثُمَّ إنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْأَثَانِينِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأَثَانِينِ الْوَاقِعَةِ فِي الشَّهْرَيْنِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ بَعْدَ النَّذْرِ وَإِنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْأَثَانِينِ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ وَطَائِفَةٍ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ كَجٍّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَصُومُ الشَّهْرَيْنِ الْمُعَيَّنَيْنِ عَنْ النَّذْرِ الْأَوَّلِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَثَانِينِ لِأَنَّ صَوْمَهَا مُسْتَحَقٌّ بِالنَّذْرِ الْأَوَّلِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ اثْنَيْنِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا فَإِنَّهُ يَصُومُ أَيَّامَ الشَّهْرَيْنِ إلَّا الْأَثَانِينَ عَنْ النَّذْرِ الثَّانِي وَأَمَّا الْأَثَانِينُ فَيَصُومُهَا عن النذر الاول ولا يلزمه قضاؤها عن النَّذْرِ الثَّانِي لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلصَّوْمِ عَنْ النَّذْرِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا أَوْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ أُسْبُوعًا مُتَتَابِعًا ثُمَّ نَذَرَ الْأَثَانِينَ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الشَّهْرَ أَوْ الشَّهْرَيْنِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ نَذَرَ الْأَثَانِينَ وَإِنْ عَيَّنَ فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُبْنَى عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ وَقْتًا لِلصَّوْمِ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ
الصَّوْمُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ آخَرَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ وَإِلَّا فَحُكْمُ ذَلِكَ الشَّهْرِ حُكْمُ رَمَضَانَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَقَالَ أَيْضًا إذَا صَادَفَ نَذْرَانِ زَمَانًا مُعَيَّنًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ الثَّانِي وَطُرِدَ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِيمَا إذَا قَالَ إذا قدم زيد فلله عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ التَّالِي لِقُدُومِهِ وَإِنْ قَدِمَ عَمْرُو فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَوَّلَ خَمِيسٍ بَعْدَ قُدُومِهِ فَقَدِمَا مَعًا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَنَقَلَ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ أَوَّلِ نَذْرٍ نَذَرَهُ وَيَقْضِي يَوْمَ النَّذْرِ الثَّانِي
* وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ(8/483)
وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَوَّلَ خَمِيسٍ بَعْدَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ وَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانُ فَشَفَى الْمَرِيضُ وَأَصْبَحَ النَّاذِرُ فِي أَوَّلِ الْخَمِيسِ صَائِمًا فَقَدِمَ فِيهِ فُلَانُ وَقَعَ صَوْمُهُ عَمَّا نَوَاهُ (وَأَمَّا) النَّذْرُ الْآخَرُ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ فَلَا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَقِدُ قَضَى عَنْهُ يَوْمًا آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ حَالَ النَّذْرِ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَيَّامِ الدَّهْرِ
* وَلَوْ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بَعْدَ النَّذْرِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْهَا وَيَفْدِي عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُبْنَى عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ أَنَّ النَّذْرَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جائزه (ان قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ لَمْ يَصُمْ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَصِيرُ كَالْعَاجِزِ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي صَامَ عَنْ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ إنْ لَزِمَتْهُ بِسَبَبٍ هُوَ فِيهِ مُخْتَارٌ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا
* وَلَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَيُقَدَّمُ عَلَى النَّذْرِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا إذَا (1) ثُمَّ إنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ تَعَدَّى لَزِمَتْهُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ نَوَى فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ قَضَاءَ يَوْمٍ كَانَ أَفْطَرَهُ مُتَعَدِّيًا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مَا فَعَلَ ثُمَّ يَلْزَمُهُ الْمَدُّ لِمَا تَرَكَ مِنْ الْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّ الزَّمَانَ الْمُعَيَّنَ لِصَوْمِ النَّذْرِ هَلْ يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ أَيَّامَ غَيْرِهِ مُتَعَيِّنَةٌ لِلنَّذْرِ
* قَالَ الْإِمَامُ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْ الْمُفْطِرِ الْمُتَعَدِّي فِي حَيَاتِهِ وَلِيُّهُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلِيُّهُ الظَّاهِرُ جَوَازُهُ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ مِنْهُ قَالَ وَفِيهِ احْتِمَالٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَطْرَأُ عُذْرٌ يَجُوزُ تَرْكُ الصَّوْمِ لَهُ وَيُتَصَوَّرُ تَكَلُّفُ الْقَضَاءِ مِنْهُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ قَضَى مَا أَفْطَرَ فِيهِ مُتَعَدِّيًا وَسَيَأْتِي النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ
هَلْ يلزمه ان يسافر ليقضي والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فلان ففيه قولان
(أحدهما)
يصح نذره لانه يمكنه ان يتحرى اليوم الذي يقدم فيه فينوي صيامه من الليل فإذا قدم صار ما صامه قبل القدوم تطوعا وما بعده فرضا وذلك يجوز كما لو دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ (والثاني) لا يصح نذره لانه لا يمكنه الوفاء بنذره لانه ان قدم بالنهار فقد مضى جزء منه وهو فيه غير صائم وان تحرى اليوم الذي يقدم فيه فنوى من الليل فقدم في أثناء النهار كان ما قبل القدوم تطوعا وقد أوجب صوم جميعه بالنذر فان قلنا إنه يصح نذره فقدم ليلا لم يلزمه لان الشرط أن يقدم نهارا وذلك لم يوجد فان قدم نهارا وهو مفطر لزمه قضاؤه وان قدم نهارا وهو صائم عن تطوع لم يجزه عن النذر لانه لم ينو من أوله وعليه أن يقضيه وان عرف أنه يقدم غدا فنوى الصوم من الليل عن النذر صح عن النذر ويكون أوله تطوعا والباقي فرضا فان اجتمع في يوم نذران بان قال ان قدم زيد فلله علي أن اصوم اليوم الذي يلي يوم مقدمه وان(8/484)
قدم عمر فلله علي أن أصوم أول خميس بعده فقدم زيد وعمرو يوم الاربعاء لزمه صوم يوم الخميس عن أول نذر نذره ثم يقضي عن الاخر
* (الشرح) قوله وان قدم الْيَوْمَ الَّذِي يُقَدِّمُ فِيهِ هُوَ - بِفَتْحِ الْقَاف وَالدَّال الْمُشَدِّدَة - يَعْنِي عَرَفَهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ انْعِقَادُهُ (والثاني) لا ينعقد ولا شئ عَلَيْهِ مُطْلَقًا (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ نَظَرَ إنْ قدم ليلا فلاصوم عَلَى النَّاذِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ يَوْمَ قُدُومٍ وَلَوْ عَنَى بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا لان الليل ليس بقابل للصوم قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ الْفِدَاءُ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا آخَرَ
* وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا فَلِلنَّاذِرِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ نَذْرِهِ يَوْمًا آخَرَ وَهَلْ نَقُولُ لَزِمَهُ بالنذر الصوم من أَوَّلِ الْيَوْمِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَقَدِمَ نِصْفَ النَّهَارِ إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ اعْتَكَفَ بَاقِيَ الْيَوْمِ وَلَزِمَهُ قَضَاءُ مَا مَضَى
مِنْهُ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا مَكَانَهُ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ ولايجوز الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْوَجْهِ الْآخَرِ كَفَاهُ اعْتِكَافُ بَاقِي الْيَوْمِ وَلَا يلزمه شئ آخَرُ (وَمِنْهَا) إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَبَاعَهُ ضَحْوَةً ثُمَّ قَدِمَ فُلَانٌ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَانَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَحُرِّيَّةُ الْعَبْدِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَا حُرِّيَّةَ هَذَا إذَا كَانَ قُدُومُ زَيْدٍ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا مِنْ الْمَجْلِسِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ (أَمَّا) إذَا قَدِمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَيَقَعُ الْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ حَصَلَ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بَعْدَ عَنْ سَلِطَةِ الْبَائِعِ
* وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ ضَحْوَةً ثُمَّ قَدِمَ فُلَانُ لَمْ يُوَرَّثْ عَنْهُ الْعَبْدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَيُوَرَّثُ عَلَى الثَّانِي وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ قَدِمَ لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيُجْزِئُهُ عَلَى الثَّانِي (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَمَاتَتْ أَوْ مَاتَ الزَّوْجُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ ثُمَّ قَدِمَ فُلَانٌ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ بَانَ أَنَّ الْمَوْتَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ
* وَلَوْ خَالَعَهَا فِي صَدْرِ النَّهَارِ وَقَدِمَ فُلَانٌ فِي آخِرِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْخُلْعِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ الْخُلْعُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ وَالنَّاذِرُ صَائِمٌ عَنْ وَاجِبٍ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ فَيُتِمُّ مَا هُوَ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ لِهَذَا النذر
* واستحب للشافعي وَالْأَصْحَابُ أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ فيه لانه بان أنه صام يَوْمًا مُسْتَحِقَّ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ
* قَالَ الْبَغَوِيّ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ صَامَهُ(8/485)
عَنْ نَذْرٍ آخَرَ أَوْ قَضَاءٍ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَقْضِي نَذْرَ هَذَا الْيَوْمِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَقْدَمَ وَهُوَ صَائِمٌ تَطَوُّعًا أَوْ غَيْرُ صَائِمٍ وَهُوَ مُمْسِكٌ وَهُوَ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَيَبْنِي عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَمْ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ هَذَا النَّهَارِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي قَالَ الْمُتَوَلِّي يَبْنِي عَلَى جَوَازِ نَذْرِ صَوْمِ بَعْضِ يَوْمٍ إنْ جَوَّزْنَاهُ نَوَى إذَا قَدِمَ وَكَفَاهُ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ يَوْمًا كَامِلًا لِلْخُرُوجِ من الخلاف وان لم نجوزه فلا شئ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهُ
* وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ قُلْنَا يَجِبُ الصَّوْمُ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ فَهُنَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ (وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ إتْمَامُ مَا هُوَ فِيهِ وَيَكُونُ أَوَّلُهُ تَطَوُّعًا وَآخِرُهُ فَرْضًا كَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ
* هَذَا إذَا كَانَ صَائِمًا عَنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا نَوَى وَصَامَ بَقِيَّةَ النَّهَارِ إنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ النَّاذِرُ مَتَى يَقْدَمُ فُلَانٌ فَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ النَّاذِرُ أَنَّ فُلَانًا يَقْدَمُ غَدًا فَنَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَفِي إجْزَائِهِ عَنْ نذره وجهان (أصحهما) يجزئه وبه قطع المنصف وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ بَنَى النِّيَّةَ عَلَى أَصْلٍ مَظْنُونٍ فَأَشْبَهَ مَنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ عَارِضٌ يَمْنَعُهُ الْقُدُومَ
* وَخَصَّصَ الْمُتَوَلِّي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا قُلْنَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ قَالَ فَإِنْ قُلْنَا بِاللُّزُومِ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ فَقَطْ لَمْ يَجُزْ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ فِي رَمَضَانَ فهو كما لو قدم ليلا والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَمْسِ يَوْمِ قُدُومِهِ فَفِي صِحَّةِ نَذْرِهِ طَرِيقَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدِ لَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا اجْتَمَعَ فِي يَوْمٍ نَذْرَانِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ سَبَقَ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِيهِ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ أَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَمْ يَنْعَقِدْ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ
* وَلَوْ نَذَرَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الْمَذْهَبِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا لغير المتمتع وهو المذهب وان قلنا بالوجه الشاذ أنه يَصِحُّ صَوْمُهَا لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ كَنَذْرِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ (وَالْأَصَحُّ) انه لا ينعقد هذا النذر ولا نذر صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَا الصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الجمهور(8/486)
لِأَنَّ صَوْمَهُ صَحِيحٌ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ وَبَعْضُ الْيَوْمِ لَيْسَ بِصَوْمٍ
قَالُوا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ نَوَى فِيهِ صَوْمَ التَّطَوُّعِ (أَمَّا) إذَا أَصْبَحَ مُمْسِكًا وَلَمْ يَنْوِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يُحْمَلُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ عَلَى مَا يَصِحُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَلَّذِي أَرَاهُ اللُّزُومَ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْمَشْهُورُ عَدَمُ انْعِقَادِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَوْمٍ وَهَذَا مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَقَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا رَكْعَةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ كَذَا رَكْعَةٍ لَزِمَهُ الْقِيَامُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ إذَا حَمَلْنَا الْمَنْذُورَ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ قَالَ وَتَكَلَّفَ الْأَصْحَابُ فَرْقًا بَيْنَهُمَا قَالَ وَلَا فَرْقَ فَيَجِبُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِيهِمَا وَهَذَا الَّذِي جَعَلَهُ الْإِمَامُ احْتِمَالًا لَهُ قَدْ نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالُوا إذَا نَذَرَ رَكَعَاتٍ فَفِي لُزُومِ الْقِيَامِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُحْمَلُ النَّذْرُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جَائِزِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ (وَأَمَّا) إذَا أَكَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَأْكُلْ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) ينعقد ويلزمه امساك بقية هذا النهار بِالنِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ السَّابِقِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ أَنَّهُ إذَا أَكَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ نَوَى صَوْمَهُ صَحَّ صَوْمُهُ لَكِنَّ ذَلِكَ الْوَجْهَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَمَا يُفَرَّعُ عَلَيْهِ أَضْعَفُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا نذر ابتداء صوم بعض يوم فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صوم تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ فَإِذَا قُلْنَا يَنْعَقِدُ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ كَامِلٍ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي تَفْرِيعًا عَلَى الِانْعِقَادِ أَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ عَنْ النَّذْرِ أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ شَيْئًا فِي أَوَّلِهِ فَإِنْ أَكَلَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ الْآنَ
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَ رَكْعَةٍ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ كَالصَّوْمِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْمَرُ بِفِعْلِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ حَتَّى إنَّهُ يُدْرِكُ بِهِ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ لَوْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ إنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَنْذُورِ مُفْرَدًا فَإِنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ وَهُوَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ
* وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَكْعَةٌ مُطْلَقًا تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهَذَا أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ نَذَرَ رُكُوعًا لَزِمَهُ رَكْعَةٌ كَامِلَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُفَرِّعِينَ عَلَى
انْعِقَادِ النَّذْرِ
* وَلَوْ نَذَرَ تَشَهُّدًا قَالَ الْمُتَوَلِّي يَأْتِي بِرَكْعَةٍ يَتَشَهَّدُ فِي آخِرِهَا أَوْ يَقْتَدِي بِمَنْ قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَوْ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً وَيَتَشَهَّدُ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ يَقْتَضِي التَّشَهُّدَ فَيَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ
* وَلَوْ نَذَرَ سَجْدَةً فَرْدَةً فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو محمد وغيره(8/487)
لَا يَنْعَقِدُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْبَةً بِلَا سَبَبٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي أَنَّ السَّجْدَةَ قُرْبَةٌ بِدَلِيلِ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَيَكُونُ فِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ الْوَجْهَانِ فِي انْعِقَادِ نَذْرِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْعَقِدُ فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الرُّكُوعِ (وَقَالَ) صَاحِبُ الْبَيَانِ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ انْعِقَادُ نَذْرِهِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر أن يعتكف اليوم الذي يقدم فيه فلان صح نذره فان قدم ليلا لم يلزمه شئ لان الشرط لم يوجد وان قدم نهارا لزمه اعتكاف بقية النهار وفي قضاء ما فات وجهان (احدهما) يلزمه وهو اختيار المزني (والثاني) لا يلزمه وهو المذهب لان ما مضى قبل القدوم لم يدخل في النذر فلا يلزمه قضاؤه
* وان قدم وهو محبوس أو مريض فالمنصوص أنه يلزمه القضاء لانه فرض وجد شرطه في حال المرض فثبت في الذمة كصوم رمضان وقال القاضي أبو حامد وأبو علي الطبري لا يلزمه لِأَنَّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُ في النذر كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ احْتِرَازٌ مِنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَنَحْوِهِمَا (وَقَوْلُهُ) وُجِدَ شَرْطُهُ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ لِجُنُونٍ وَنَحْوِهِ (وَقَوْلُهُ) فِي حَالِ الْمَرَضِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَحَاضَتْ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لا يدخل في النذر احترز بِقَوْلِهِ النَّذْرِ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ
* قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ صَحَّ نَذْرُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَصِحُّ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ بِخِلَافِ الصوم فان قدم ليلا لم يلزمه شئ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا لَزِمَهُ بَقِيَّةُ النَّهَارِ قَطْعًا وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْمَاضِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قَدِمَ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَحْبُوسٌ فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وُجُوبُهُ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ الَّتِي
قَاسَ عَلَيْهَا الْقَائِلُ الْآخَرُ بِأَنَّ الْحَائِضَ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا بِخِلَافِ اعْتِكَافِ الْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ بَعْدَ الْقُدُومِ وَفِي قَضَاءِ مَا مَضَى مِنْ الْيَوْمِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
* وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَحْبُوسِ إذَا حُبِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ حُبِسَ بِحَقٍّ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَائِهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْخُرُوجِ وَالِاعْتِكَافِ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ المشي إليه بحج أو عمرة لانه لا قربة في المشي إليه الا بنسك فحمل مطلق النذر عليه ومن أي موضع يلزمه المشي والاحرام فيه وجهان (قال) ابو اسحاق يلزمه ان يحرم ويمشي من دويرة أهله لان الاصل في الاحرام أن يكون من دويرة أهله وانما أجيز(8/488)
تأخيره إلى الميقات رخصة فإذا اطلق النذر حمل على الاصل (وقال) عامة أصحابنا يلزمه الاحرام والمشي من الميقات لان مطلق كلام الادمى يحمل على المعهود في الشرع والمعهود هو من الميقات فحمل النذر عليه فان كان معتمرا لزمه المشي إلى ان يفرغ وان كان حاجا لزمه المشي إلى ان يتحلل التحلل الثاني لان بالتحلل الثاني يخرج من الاحرام فان فاته لزمه القضاء ماشيا لان فرض النذر يسقط بالقضاء فلزمه المشي فيه كالاداء وهل يلزمه ان يمشي في فائته فيه قولان (احدهما) يلزمه لانه لزمه بحكم النذر فلزمه المشي فيه كما لو لم يفته (والثاني) لا يلزمه لان فرض النذر لا يسقط به)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ
* وَسَبَقَ حِكَايَةُ خِلَافٍ شَاذٍّ فِيهِ فِي فَصْلِ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ
* وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ أَمْ لَهُ الرُّكُوبُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ يَلْزَمُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ (وَالثَّانِي) لَا بَلْ لَهُ الرُّكُوبُ قَالُوا هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَمْ مَاشِيًا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ سَبَقَتْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ بِدَلِيلِهَا (أَصَحُّهَا) الرُّكُوبُ (وَالثَّانِي) الْمَشْيُ (وَالثَّالِثُ) هُمَا سَوَاءٌ وَلَا فَضِيلَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى
الْآخَرِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ هُمَا سَوَاءٌ مَا لَمْ يُحْرِمْ فَإِذَا أَحْرَمَ فَالْمَشْيُ أَفْضَلُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ مَنْ سَهُلَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَمَنْ ضَعُفَ وَسَاءَ خُلُقُهُ لَوْ مَشِيَ فَالرُّكُوبُ أَفْضَلُ (وَالْمَذْهَبُ) ان الركوب أفضل مطلقا
* قالوا فان الْمَشْيُ أَفْضَلُ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ وَإِنْ قُلْنَا الرُّكُوبُ أَفْضَلُ أَوْ سَوَّيْنَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ بِالنَّذْرِ وَالْمَذْهَبُ لُزُومُ الْمَشْيِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَوْ صَرَّحَ بِابْتِدَاءِ الْمَشْيِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ إلَى الْفَرَاغِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ فَلَوْ أَطْلَقَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ مَعَ التَّصْرِيحِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ (وَالثَّانِي) مِنْ الْمِيقَاتِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ يَلْزَمُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَهُ فَيَلْزَمُهُ (وَأَمَّا) الْإِحْرَامُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
* وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ والمتولي وغيرهما المشي مبني عَلَى الْإِحْرَامِ إنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الميقات فكذا المشي وان قلنا من الميقات فَكَذَا الْمَشْيُ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَلَوْ قَالَ أَمْشِي حَاجًّا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ كَقَوْلِهِ أَحُجُّ مَاشِيًا وَمُقْتَضَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجُوبُ اقْتِرَانِ الْحَجِّ وَالْمَشْيِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَمْشِيَ مِنْ(8/489)
مَخْرَجِهِ إلَى الْحَجِّ (الثَّانِيَةُ) فِي نِهَايَةِ الْمَشْيِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ التَّحَلُّلَيْنِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَلَهُ الرُّكُوبُ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ رَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَهُ الرُّكُوبُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ (وَأَمَّا) الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي خِلَالِ أَعْمَالِ النُّسُكِ لِغَرَضِ تِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ
* فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الاصحاب فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَشْيَ حَتَّى يَرْمِيَ فِي الْحَجِّ فَمُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ هُنَا وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَأَقْرَبُ مَا يَتَأَوَّلُ
عَلَيْهِ كَلَامُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالرَّمْيِ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَفُرِّعَ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ وَعَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ الَّذِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ الْمَشْيُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ
* فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقُلْنَا الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ جَازَ الرُّكُوبُ لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّكُوبُ بعد التحللين وقبل ايام التشريق والله أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مَاشِيًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي تَمَامِ الْحَجَّةِ الْفَائِتَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا وَالتَّحَلُّلُ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَلْزَمُهُ
* وَلَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ مَاشِيًا وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْمُضِيِّ في فاسده فيه هذان القولان
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان نذر المشي فركب وهو قادر على المشي لزمه دم لما روى ابن عباس عن عقبة بن عامر ان اخته نذرت ان تمشي إلى البيت فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال (ان الله تعالى لغني عن نذر اختك لتركب ولتهد بدنة) ولانه صار بالنذر نسكا واجبا فوجب بتركه الدم كالاحرام من الميقات
* فان لم يقدر على المشي فله ان يركب لانه إذا جاز ان يترك القيام الواجب في الصلاة للعجز جاز أن يترك المشي فان ركب فهل يلزمه دم فيه قولان
(أحدهما)
لا يلزمه لان حال العجز لم يدخل في النذر (والثاني) يلزمه لان ما وجب به الدم لم يسقط الدم فيه بالمرض كالتطيب واللباس)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُقْبَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ(8/490)
هَدْيًا) هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْجَيَشَانِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي إسْنَادِهِ مَا يَمْنَعُ حُسْنَهُ وَسَنَذْكُرُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ الْبُخَارِيِّ فِيهِ
* وَعَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ يَعْنِي أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا فَلْتَحُجَّ رَاكِبَةً ولتكفر يَمِينِهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
* وَعَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِتَمْشِ إذَا قَدَرَتْ وَتَرْكَبْ إذَا عَجَزَتْ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهَا الْمَشْيُ وَكَذَا تَرْجَمَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ (بَابُ الْمَشْيِ فِيمَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَالرُّكُوبِ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ) ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ
* وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَأَنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِ أُخْتِك فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً) هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَدَنَةٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ (فَتُهْدِي هَدْيًا) وَرُوِيَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْهَدْيِ ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الطُّرُقَ كُلَّهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْهَدْيِ كَمَا سَبَقَ عَنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
* ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ قَالَ لَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْهَدْيِ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فِي رَكْبٍ إذْ بَصَرَ بِخَيَالٍ قَدْ نَفَرَتْ مِنْهُ إبِلُهُمْ فَأَنْزَلَ رَجُلًا فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَةٍ عُرْيَانَةٍ نَاقِضَةً شَعْرَهَا فَقَالَ مالك قَالَتْ نَذَرْت أَنْ أَحُجَّ الْبَيْتَ مَاشِيَةً عُرْيَانَةً نَاقِضَةً شَعْرِي فَأَنَا أَتَكَمَّنُ بِالنَّهَارِ وَأَنْتَكِبُ الطَّرِيقَ بِاللَّيْلِ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ ارْجِعْ إلَيْهَا فَمُرْهَا فَتَلْبِسُ ثِيَابَهَا وَلْتُهْرِقْ دَمًا (قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ ضَعِيفٌ قَالَ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ دُونَ ذِكْرِ الْهَدْيِ فِيهِ
* ثُمَّ رُوِيَ بِأَسَانِيدَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا نَذَرَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَلْيُهْدِ هديا وَلْيَرْكَبْ) وَفِي رِوَايَةٍ (فَلْيُهْدِ بَدَنَةً وَلْيَرْكَبْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ عِمْرَانَ فَهُوَ مُرْسَلٌ قَالَ وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ موقوفا والله أعلم) (أما)
حكم الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ لَمْ يجز له(8/491)
الرُّكُوبُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ ان يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ مَا دَامَ عَاجِزًا فَمَتَى قَدَرَ لَزِمَهُ الْمَشْيُ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ السَّابِقِ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ (مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْخٍ كَبِيرٍ يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا فَقَالُوا نَذَرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَمْشِيَ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يركب) قال الترمذي هذا حديث صحيح (الثانية) إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ فَحَجَّ رَاكِبًا وَقَعَ حَجُّهُ عَنْ النَّذْرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَلْزَمُهُ جَبْرُ الْمَشْيِ الْفَائِتِ بِإِرَاقَةِ دَمٍ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا دَمَ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَائِمًا فَعَجَزَ فَإِنَّهُ يصلي قاعدا ويجزئه ولا شئ عَلَيْهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِمَا ذَكَرَهُ فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ شَاةٌ تُجْزِئُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (هَذَا) (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فَتَرَكَهُ وَحَجَّ رَاكِبًا فَقَدْ أَسَاءَ وَارْتَكَبَ حَرَامًا تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَشْيِ وَهَلْ يُجْزِئُهُ حَجُّهُ عَنْ نَذْرِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (الْقَدِيمُ) لَا يُجْزِئُهُ بَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى صِفَتِهِ الْمُلْتَزَمَةِ (وَالْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَا قَضَاءَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ مِمَّا دُونَهُ أَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا آخَرَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ حَجُّهُ وَيُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ فَعَلَى هَذَا فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَهَلْ هُوَ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ (الْأَصَحُّ) شَاةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا حَقِيقَةُ الْعَجْزِ عَنْ الْمَشْيِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنْ يَنَالَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْعَجْزِ عن صوم رمضان بالمرض والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر ان يركب إلى بيت الله الحرام فمشى لزمه دم لانه ترفه بترك مؤنة المركوب
* وان
نذر المشي إلى بيت الله تعالى لا حاجا ولا معتمرا ففيه وجهان (احدهما) لا ينعقد نذره لان المشي في غير نسك ليس بقربة فلم ينعقد كالمشي إلى غير البيت (والثاني) ينعقد نذره ويلزمه المشي بحج أو عمرة لانه بنذر المشي لزمه المشي بنسك ثم رام اسقاطه فلم يسقط)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) إذَا نَذَرَ الْحَجَّ رَاكِبًا فَإِنْ قُلْنَا الْمَشْيُ أَفْضَلُ أَوْ قُلْنَا هُوَ وَالرُّكُوبُ سَوَاءٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ رَكِبَ وَإِنْ شَاءَ مَشَى (وَإِنْ قُلْنَا) الرُّكُوبُ أَفْضَلُ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ فَإِنْ مَشَى فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ(8/492)
صَاحِبُ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَشُقُّ مِنْ الرُّكُوبِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ إنْ قلنا المشي أَفْضَلُ أَوْ قُلْنَا هُمَا سَوَاءٌ فَلَا دَمَ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ لَزِمَهُ الدَّمُ هَكَذَا قَطَعُوا بِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَعِنْدِي أنه لادم لِأَنَّهُ أَشُقُّ وَكَيْفَ كَانَ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الدَّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْكَعْبَةِ لَا حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْفَارِقِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ قَصْدُ الْكَعْبَةِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي فَصْلِ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي مَسْجِدٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَأْخُوذَيْنِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِأَنَّ الْمَشْيَ هُنَاكَ لَا يَتَضَمَّنُ النُّسُكَ فَكَذَا هُنَا إذَا صَرَّحَ بِتَرْكِ النُّسُكِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ النَّذْرِ هُنَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ بِنُسُكٍ بِخِلَافِ الْمَشْيِ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ حَافِيًا لَزِمَهُ الْحَجُّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَفَاءُ بَلْ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ النَّعْلَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَيَلْبَسَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ النَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَمَا يَشَاءُ وَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بقربة ولا ينعقد نذره
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر المشي إلى بيت الله تعالى ولم يقل الحرام ولا نواه فالمذهب انه يلزمه لان البيت المطلق بيت الله الحرام فحمل مطلق النذر عليه وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ البيت يقع على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد فلا يجوز حمله على البيت الحرام فان
نذر المشي إلى بقعة من الحرم لزمه المشي بحج أو عمرة لان قصده لا يجوز من غير احرام فكان ايجابه ايجابا للاحرام وان نذر المشي إلى عرفات لم يلزمه لانه يجوز قصده من غير احرام فلم يكن في نذره المشي إليه اكثر من ايجاب المشي وذلك ليس بقربة فلم يلزمه
* وان نذر المشي إلى مسجد غير الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى لَمْ يلزمه لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ومسجدي هذا) وان نذر المشي إلى المسجد الاقصى أو مسجد المدينة ففيه قولان (قال) في البويطي يلزمه لانه مسجد ورد الشرع بشد الرحال إليه فلزمه المشي إليه بالنذر كالمسجد الحرام (وقال) في الام لا يلزمه لانه مسجد لا يجب قصده بالنسك فلم يجب المشي إليه بالنذر كسائر المساجد)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَعَ أَحَادِيثِ نَحْوِهِ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ (وَقَوْلُهُ) وَلَمْ يَقُلْ الْحَرَامِ الْحَرَامِ - بكسر الميم - (أما) أحكام الفصل فَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ نَذْرِ(8/493)
الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَأَوْضَحْنَا أَحْكَامَهَا بِفُرُوعِهَا وَسَبَقَ أَيْضًا بَيَانُ الْخِلَافِ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ الْحَرَامِ وَلَا نَوَاهُ وَلَكِنْ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ انْعِقَادَ النَّذْرِ وَلُزُومِ الذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي صَحَّحَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُ لَا ينعقد نذره ولا يلزمه شئ وَكَذَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا شي عَلَيْهِ
* وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْخِلَافِ هَلْ هُوَ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ قَالُوا نَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَنَصُّ الْمُخْتَصَرِ ظَاهِرٌ لَا صَرِيحٌ وَنَصُّ الْأُمِّ لَا لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ لَزِمَهُ وَقَالَ فِي الْأُمِّ إذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ هَذَا نَصُّهُ
* قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لكنها مشهورة بالوجهين
* وممن صرح بان الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْجُرْجَانِيُّ والرافعي وآخرون والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر ان يحج في هذه السنة نظرت فان تمكن من ادائه فلم يحج صار ذلك دينا في ذمته كما قلنا في حجة الاسلام وان لم يتمكن من ادائه في هذه السنة سقط عنه فان قدر بعد ذلك لم يجب لان النذر اختص بتلك السنة فلا يجب في سنة اخرى الا بنذر آخر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ نَذَرَ حَجًّا مُطْلَقًا اُسْتُحِبَّ مُبَادَرَتُهُ بِهِ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ فَلَا شئ عَلَيْهِ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ (أَمَّا) إذَا عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ سَنَةً فَتَتَعَيَّنُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فَلَوْ حَجَّ قَبْلَهَا لَمْ يُجْزِهِ (وَالثَّانِي) لَا تَتَعَيَّنُ تِلْكَ السَّنَةِ بَلْ يَجُوزُ قَبْلَهَا
* وَلَوْ قَالَ أَحُجُّ فِي عَامِي هَذَا وَهُوَ عَلَى مَسَافَةٍ يُمْكِنُ الْحَجُّ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَعَ الْإِمْكَانِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ يَقْضِيه بِنَفْسِهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ مِنْ تَرِكَتِهِ
* وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا وَقْتَ خُرُوجِ النَّاسِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ أَوْ لَمْ يَجِدْ رُفْقَةً وَكَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَا يَتَأَتَّى لِلْآحَادِ سُلُوكُهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ إنَّمَا هُوَ حَجٌّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ وَكَمَا لَا تَسْتَقِرُّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ
* وَلَوْ صَدَّهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ حَتَّى مَضَى الْعَامُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِعَدُوٍّ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَوْلًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجِبُ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ غَدٍ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى الْغَدُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ(8/494)
وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَمَكِّنِ لَا يَلْزَمُهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ
* وَلَوْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ وَحْدَهُ أَوْ مَنَعَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ
* وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الصَّدِّ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالصَّدِّ وَلَا يَتَحَلَّلُ بِالْمَرَضِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخْرِيجَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّدِّ وَكَذَا حَكَى الْخِلَافَ فِيمَا إذَا امْتَنَعَ الْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا نَظَرْتُ فِي
كُتُبِ الْأَصْحَابِ رَأَيْتهَا مُتَّفِقَةً عَلَى أَنَّ الْحَجَّةَ الْمَنْذُورَةَ فِي ذَلِكَ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ إذَا اجْتَمَعْت شَرَائِطُ فَرْضِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَجَبَ الْوَفَاءُ وَاسْتَقَرَّتْ فِي الذِّمَّةِ وَإِلَّا فَلَا
* قَالُوا وَالنِّسْيَانُ وَخَطَأُ الطَّرِيقِ وَالضَّلَالُ فِيهِ كَالْمَرَضِ
* وَلَوْ كَانَ النَّاذِرُ مَعْضُوبًا وَقْتَ النَّذْرِ أَوْ طَرَأَ الْعَضْبُ وَلَمْ يَجِدْ الْمَالَ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ الْمُعَيَّنَةُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ
* وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَمَنَعَهُ مِمَّا نَذَرَ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ وَقَدْ يَجِبُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ مَعَ الْعَجْزِ فَلَزِمَا بِالنَّذْرِ وَأَمَّا الْحَجُّ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِالِاسْتِطَاعَةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ حَجَّاتٍ كَثِيرَةً انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَيَأْتِي بهن على توالى السِّنِينَ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَخَّرَ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ مَا أَخَّرَهُ فَإِذَا نَذَرَ عَشْرَ حَجَّاتٍ وَمَاتَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ وَتَمَكَّنَ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ وَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ مَالِهِ خَمْسَ حَجَّاتٍ
* وَلَوْ نَذَرَهَا الْمَعْضُوبُ وَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَشَرَةً يَحُجُّونَ عَنْهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَجَبَ قَضَاءُ عَشْرِ حِجَجٍ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِبَعْضِ الْعَشْرِ كَحَجَّتَيْنِ لِحَجَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَسْتَقِرَّ إلَّا بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ نَذَرَ الْحَجَّ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْضُوبًا فَيَحُجُّ غَيْرُهُ عَنْهُ بِإِذْنِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مُطْلَقًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَحُجَّ مُفْرَدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا لِأَنَّ الْجَمِيعَ حَجٌّ صَحِيحٌ
* وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ كَانَ مُلْتَزِمًا لِلنُّسُكَيْنِ فَإِنْ أَتَى بِهِمَا مُفْرَدَيْنِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ
* وَإِنْ نَذَرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مُفْرَدَيْنِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ فَهُوَ كَمَا إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَقُلْنَا الْمَشْيُ أَفْضَلُ فَحَجَّ رَاكِبًا وَإِذَا نَذَرَ الْقِرَانَ فَأَفْرَدَهُمَا لَزِمَهُ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَسْقُطُ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ لِلنَّذْرِ حَجَّةٌ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَعَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ مَثَلًا لَزِمَهُ صَلَاةٌ اخرى والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهُوَ عَلَى مَسَافَةِ شَهْرٍ مِنْ مَكَّةَ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَوْمِ(8/495)
عَرَفَةَ إلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ لَا يَنْعَقِدُ ولا شي عَلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ (وَالثَّالِثُ) يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى
* وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نَذَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِ زَيْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ النَّذْرِ
(إحْدَاهَا) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنَّ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَنْ نَذْرِهِ فَلَمَّا قَدَّمَهَا لِلذَّبْحِ صَارَتْ مَعِيبَةً فَلَا تُجْزِئُ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً وَذَهَبَ بِهَا إلَى مَكَّةَ فَلَمَّا قَدَّمَهَا لِلذَّبْحِ تَعَيَّبَتْ أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّ لِلْمُهْدِي مَا يُهْدِي إلَى الْحَرَمِ وَبِالْوُصُولِ إلَيْهِ حَصَلَ الْإِهْدَاءُ بِخِلَافِ التَّضْحِيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالذَّبْحِ والله أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ بِدِرْهَمٍ خُبْزًا وَأَتَصَدَّقُ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الْخُبْزِ بَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُبْزٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ (الثَّالِثَةُ) لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ رِجْلِي الْحَجُّ مَاشِيًا صَحَّ نَذْرُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إلْزَامَ الرِّجْلِ خَاصَّةً (الرَّابِعَةُ) إذَا نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ وَكَانَ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ عَنْ كَفَّارَةٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ وَنَوَاهُمَا عَنْ الْوَاجِبِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْقَفَّالُ مَنْ نَذَرَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ الْآدَمِيِّينَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْعِنَا وَكَمَا لَوْ نَذَرَ الْوُقُوفَ فِي الشَّمْسِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ قُلْت الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَلِدُ أَوْلَادًا وَيَمُوتُونَ فَقَالَتْ إنْ عَاشَ لِي وَلَدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ قَالَ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الْعِتْقِ أَنْ يَعِيشَ لَهَا وَلَدٌ أَكْثَرَ مِمَّا عَاشَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهَا الْمَوْتَى وَإِنْ قَلَّتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ
* وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ مَتَى وَلَدَتْ حَيًّا لَزِمَهَا الْعِتْقُ وَإِنْ لَمْ يَعِشْ أَكْثَرَ مِنْ سَاعَةٍ لِأَنَّهُ عَاشَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (السَّابِعَةُ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِهَذِهِ الشَّاةِ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ (الثَّامِنَةُ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ فَشُفِيَ وَأَرَادَ التَّصَدُّقَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَرِيضِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا
* وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَزَيْدٌ مُوسِرٌ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ وَقُرْبَةٌ (التَّاسِعَةُ) لَوْ نَذَرَ زَيْتًا أَوْ شَمْعًا وَنَحْوَهُ لِيُسْرَجَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ قَدْ
يَنْتَفِعُ وَلَوْ عَلَى النُّذُورِ مُصَلٍّ هُنَاكَ أَوْ نَائِمٌ أَوْ غَيْرُهُمَا صَحَّ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يُعَلَّقُ وَلَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الدُّخُولِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ وَقَفَ شَيْئًا لِيُشْتَرَى مِنْ غَلَّتِهِ زَيْتٌ أَوْ غَيْرُهُ لِيُسْرَجَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي النَّذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ(8/496)
الصَّوْمِ قَالَ الْقَفَّالُ يُطْعَمُ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ لَا يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ يَسْتَقِرُّ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حلف وحنث في يمينه وهو معسر فرضه الصِّيَامُ فَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ حَجَّةً وَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُحَجُّ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَذْرِ الْحَجِّ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (قُلْت) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ الْمَنْذُورَيْنِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ والله أعلم
*
*
*
* (قال مصحح مطبعة الحمدلله الذي جمع المؤمنين والف بين قلوبهم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي تكلم بجوامع الكلم وعلى آله واصحابه والتابعين إلى يوم الدين (اما بعد) فان الله قد ارسل محمدا صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحاء اختارها للذين اصطفاهم لعبادته وهداهم إليه صراطا مستقيما باتباع شريعته وسنته وبعد ان اكرمه الله بجواره تسابقت اقلام الائمة الاخيار في تدوين شريعة سيد المرسلين الاطهار وخلفهم من بعدهم خلف تمسكوا بسننهم محافظة على هذا الدين القوى فوفقهم الله لذلك الطريق السوى حتى خاض الامام النووي رحمه الله تعالى في بحور الشريعة الغراء التي دونها الامام الشافعي فاقتنص شواردها وجمع بين قاصيها ودانيها حتى الف كتابه الجوهر الفرد المسمى (بالمجموع شرح المهذب) ولما كان هذا الكتاب من اجل ما كتب في المذهب وكان اقوى ركن يركن إليه في حل المشكلات من عبارات المؤلفين في كتب الشريعة هامت قلوب المسلمين وذوى العلم بالاطلاع عليه واقتنائه لذلك قامت جمعية من كبار علماء الدين ورؤسائه بالازهر الشريف بجمع هذا الكتاب من اقصى الممالك الاسلامية وادناها وشرعت في طبعه ونشره بين المسلمين تسهيلا لهم في الاطلاع
قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ لَا يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ يَسْتَقِرُّ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ معسر فرضه الصِّيَامُ فَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ حَجَّةً وَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُحَجُّ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَذْرِ الْحَجِّ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (قُلْت) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ الْمَنْذُورَيْنِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ والله أعلم
*
*
*
* (قال مصحح مطبعة
الحمدلله الذي جمع المؤمنين والف بين قلوبهم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي تكلم بجوامع الكلم وعلى آله واصحابه والتابعين إلى يوم الدين (اما بعد)
فان الله قد ارسل محمدا صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحاء اختارها للذين اصطفاهم لعبادته وهداهم إليه صراطا مستقيما باتباع شريعته وسنته وبعد ان اكرمه الله بجواره تسابقت اقلام الائمة الاخيار في تدوين شريعة سيد المرسلين الاطهار وخلفهم من بعدهم خلف تمسكوا بسننهم محافظة على هذا الدين القوى فوفقهم الله لذلك الطريق السوى حتى خاض الامام النووي رحمه الله تعالى في بحور الشريعة الغراء التي دونها الامام الشافعي فاقتنص شواردها وجمع بين قاصيها ودانيها حتى الف كتابه الجوهر الفرد المسمى (بالمجموع شرح المهذب) ولما كان هذا الكتاب من اجل ما كتب في المذهب وكان اقوى ركن يركن إليه في حل المشكلات من عبارات المؤلفين في كتب الشريعة هامت قلوب المسلمين وذوى العلم بالاطلاع عليه واقتنائه لذلك قامت جمعية من كبار علماء الدين ورؤسائه بالازهر الشريف بجمع هذا الكتاب من اقصى الممالك الاسلامية وادناها وشرعت في طبعه ونشره بين المسلمين تسهيلا لهم في الاطلاع على امور دينهم والان قد تم طبع الجزء الثامن منه الذي اشتمل على النصف الاخير من كتاب الحج وسيليه ان شاء الله تعالى الجزء التاسع واوله باب الاطعمة وكان الفراغ من طبعه في يوم الخميس العاشر من شهر محرم الحرام من سنة 1347 هجرية على صاحبها افضل الصلاة واكمل التحية
وكان طبعه بالمطبعة المذكورة اعلاه وانا لنرجو من الله تعالى ان يبقي حياة اؤلئك العلماء الاعلام ويوفقهم إلى اتمام هذا المشروع الجليل كما نرجو وننصح لكل عالم وطالب علم ومؤمن ومسلم ان يؤيد هذا المشروع ويعضده ويقتني هذا الكتاب فانه درة نفيسة
والله ولى التوفيق
*(8/497)
المجموع شرح المهذب
للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي
المتوفى سنة 676 هـ
الجزء التاسع
دار الفكر(9/1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
كتاب الأطعمة
(ما يؤكل شيئان حيوان وغير حيوان فاما الحيوان فضربان حيوان البر وحيوان البحر فاما حيوان البر فضربان طَاهِرٌ وَنَجِسٌ فَأَمَّا النَّجِسُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وهو الكلب والخنزير والدليل عليه قوله تَعَالَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) وقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) والكلب من الخبائث وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الكلب خبيث خبيث ثمنه) وأما الطاهر فضربان طائر ودواب فأما الدواب فضربان دَوَابُّ الْإِنْسِ وَدَوَابُّ الْوَحْشِ فَأَمَّا دَوَابُّ الْإِنْسِ فانه يحل منها الانعام وهي الابل والبقر والغنم لقوله تعالى (أحلت لكم بهيمة الانعام) وقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والانعام من الطيبات ولم يزل الناس يأكلونها ويبتغون لحومها في الجاهلية والاسلام
* وتحل الخيل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (ذبحنا يوم خيبر من الخيل والبغال والحمير فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل) ولا تحل البغال والحمير لحديث جابر رضي الله عنه ولا يحل السنور لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الهرة سبع) ولانه يصطاد بالناب ويأكل الجيف فهو كالاسد)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (الْكَلْبُ خَبِيثٌ خَبِيثٌ ثَمَنُهُ) رَوَاهُ (1) وفى صحيح مسلم عن رافع
__________
(1) بياض بالاصل(9/2)
ابن خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ) وَيُنْكَرُ عَلَى الْحُمَيْدِيِّ كَوْنُهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فِي مُسْنَدِ رَافِعٍ مَعَ أَنَّ مُسْلِمًا كَرَّرَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ صَحِيحِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَآخَرُونَ بِلَفْظِهِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَفْظُهُمَا عَنْ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) وَأَمَّا حَدِيثُ الْهِرَّةُ سَبُعٌ: فَرَوَاهُ (1) وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْهِرَّةِ وَأَكْلِ ثَمَنِهَا) وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَا يُؤْكَلُ شَيْئَانِ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى سِيَاقِهِ أَنَّ الْمَأْكُولَ يَنْقَسِمُ إلَى مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَأْكُولِ مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ لَا مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَكَانَ الْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ الْأَعْيَانُ شَيْئَانِ حَيَوَانٌ وَغَيْرُهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَقَوْلُهُ طَائِرٌ وَدَوَابُّ هَكَذَا فِي النُّسَخِ طَائِرٌ وَكَانَ الْأَحْسَنُ طَيْرٌ وَدَوَابُّ لِأَنَّ الطَّيْرَ جَمْعٌ كَالدَّوَابِّ وَالطَّائِرُ مُفْرَدٌ كَالدَّابَّةِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَالْأَعْيَانُ شَيْئَانِ حَيَوَانٌ وَغَيْرُهُ وَالْحَيَوَانُ قِسْمَانِ بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ وَالْبَرِّيُّ ضَرْبَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ (فَأَمَّا) النَّجِسُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَهُوَ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَغَيْرِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه ولو ارتضع جدى من كلبة وربى عَلَى لَبَنِهَا فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ
(وَالثَّانِي) لَا (وَأَمَّا) الطَّاهِرُ فَصِنْفَانِ طَيْرٌ وَدَوَابُّ وَالدَّوَابُّ نَوْعَانِ دَوَابُّ الْإِنْسِ وَدَوَابُّ الْوَحْشِ (فَأَمَّا) دَوَابُّ الْإِنْسِ فَيَحِلُّ مِنْهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَيُقَالُ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَنْعَامُ وَيَحِلُّ مِنْهَا الْخَيْلُ سَوَاءٌ مِنْهَا العتيق وهو الذى أبواه
__________
(1) بياض بالاصل(9/3)
عَرَبِيَّانِ وَالْبِرْذَوْنُ وَهُوَ الَّذِي أَبَوَاهُ عَجَمِيَّانِ وَالْهَجِينُ وَهُوَ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ وَالْمُفْرَقُ وَهُوَ عَكْسُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا وَيَحْرُمُ الْبَغْلُ وَالْحِمَارُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَيَحْرُمُ السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ حَلَالٌ وحكاه الرافعى عن أبى عبد الله البوسنجي مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَدِلَّةُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ.
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ حَلَالٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ
وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَشُرَيْحٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وأحمد واسحق وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَكَرِهَهَا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْثَمُ بِأَكْلِهِ وَلَا يُسَمَّى حَرَامًا وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ والحمير لتركبوها وزينة) وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْلَ مِنْهَا وَذَكَرَ الْأَكْلَ مِنْ الْأَنْعَامِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَبِحَدِيثِ صَالِحِ بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جَدِّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ تقية بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ المقدام بن معد يكرب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ خَالِدٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَنْسُوخٌ رَوَى الدارقطني والبيهقي باسنادهما عن موسى بن هرون الْحَمَّالِ الْحَافِظِ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ لَا يُعْرَفُ صَالِحُ بْنُ يَحْيَى وَلَا أَبُوهُ إلَّا بِجَدِّهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ(9/4)
مضطرب ومع اضطرابه هو مخالف لاحاديث الثقاة يَعْنِي فِي إبَاحَةِ لَحْمِ الْخَيْلِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ قَالَ وَصَالِحُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ حَدِيثُ الْإِبَاحَةِ أَصَحُّ قَالَ وَيُشْبِهُ إنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ دَلِيلٌ على ذلك قال النسائي ولا أعلم رواة غير نفيه وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَسَبَقَ بَيَانُ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الْمُصَنِّفُ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنا نأكل لحوم الْخَيْلِ وَنَشْرَبُ أَلْبَانَهَا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ لُحُومَ الْخَيْلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنها (قَالَتْ أَكَلْنَا لَحْمَ فَرَسٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ (نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ) (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْآخَرُونَ فَهُوَ مَا أَجَابَ
الْخَطَّابِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّ ذِكْرَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا مَقْصُورَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا خُصَّ هَذَانِ بِالذَّكَرِ لِأَنَّهُمَا مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْخَيْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخنزير) فَذَكَرَ اللَّحْمَ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ وَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ وَدَمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ قَالُوا وَلِهَذَا سَكَتَ عَنْ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَنْ الْخَيْلِ مَعَ قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَامِ (وَتَحْمِلُ أثقالكم) وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ هَذَا تَحْرِيمُ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ وَيَنْضَمُّ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي إبَاحَةِ لَحْمِ الْخَيْلِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ الصَّحِيحِ لَهَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فَسَبَقَ جَوَابُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*(9/5)
(فَرْعٌ)
لَحْمُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَإِنَّمَا رَوَيْتُ الرُّخْصَةَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ قُلْتُ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ كَمَا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي لَحْمِهَا أَشْهَرُهَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ شَدِيدَةٍ وَالثَّانِيَةُ حَرَامٌ وَالثَّالِثَةُ مُبَاحٌ وَاحْتَجَّ لِابْنِ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أن يكون ميتة) الآية وبحديث غالب بن الحر قَالَ (أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شئ أُطْعِمُ إلَّا الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت يارسول اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي ما أطعم أهلى الا سمان حمر وَإِنَّكَ حَرَّمْتَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ فَقَالَ (أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِك فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ حوال العربة) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا هُوَ حَدِيثٌ يُخْتَلَفُ فِي إسْنَادِهِ يَعْنُونَ مُضْطَرِبًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعَارِضُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا وَلَوْ بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي تَحْرِيمِهَا لَمْ يَصِرْ إلَى غَيْرِهَا
* وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ فِي تَحْرِيمِهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ (كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَبْنَا حمرا فطبخناها فأمر مناديا فنادى أن اكفؤا الْقُدُورَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى
* وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ (لَمَّا قَدِمْنَا خيبر رأى رسول الله(9/6)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِيرَانًا تُوقَدُ فقال على ما تُوقَدُ هَذِهِ النِّيرَانُ فَقَالُوا عَلَى لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ قَالَ كَسِّرُوا الْقُدُورَ وَأَهْرِيقُوا مَا فِيهَا فقال رجل من القوم يارسول الله انهريقوا مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا فَقَالَ أَوْ ذَاكَ) رَوَاهُ البخاري ومسلم وعن عمر بْنِ دِينَارٍ قَالَ " قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ قَدْ كان يقول ذاك الحكم بن عمر والغفاري عندنا بالبصرة ولكن أبا ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَرَأَ (قُلْ لا أَجِدُ فيما أوحي إلى محرما) " رواه البخاري وقوله أبا ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (لَا أَدْرِي أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ أَوْ حَرَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ (أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رسول الله صلى الله عليه وسلم اكفؤا الْقُدُورَ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا فَقَالَ نَاسٌ إنَّمَا حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابن ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَ الْحُمُرِ وَلَحْمَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه جائى فقال أكلت الحمر ثم جاءه جائى فقال أكلت الحمر ثم جاءه جائى فَقَالَ أُفْنِيَتْ الْحُمُرُ فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ)(9/7)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (رِجْسٌ أو نجس) وعن المقدام بن معد يكرب قَالَ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْيَاءَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْهَا الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ) رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي سُنَنِ أبى داود عن غالب بن الحر قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت يارسول اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي ما أطعم أهلى إلا سمان حمر وَإِنَّكَ حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِك فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أجل حوال العربة) يعنى بالحوال التى يَأْكُلُ الْجِلَّةَ وَهِيَ الْعَذِرَةُ فَهَذَا الْحَدِيثُ مُضْطَرِبٌ مُخْتَلِفُ الْإِسْنَادِ كَثِيرُ الِاخْتِلَافِ وَالِاضْطِرَابِ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وممن أوضح اضطرابه الحافظ أبو القاسم ابن عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهَا حَالَ الِاضْطِرَارِ وَلِأَنَّهَا قِصَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَحْمُ الْبَغْلِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ أَبَاحَهُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ السَّابِقُ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
لَحْمُ الْكَلْبِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ بِأَسْرِهَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ في الجرد
* (فَرْعٌ)
السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَبَاحَهُ اللَّيْثُ بْنُ رَبِيعَةَ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَبَعْضُهُمْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(9/8)
(فَرْعٌ)
ذَبْحُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لِيُدْبَغَ جِلْدُهُ أَوْ لِيُصْطَادَ عَلَى لَحْمِهِ السِّنَّوْرُ وَالْعِقْبَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَشُعَبُ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحَةٌ فِي بَابِ الآنية
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وأما الوحش فانه يحل منه الظباء والبقر لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والظباء والبقر من الطيبات يصطاد ويؤكل ويحل الحمار الوحشى للآية ولما روى (أن أبا قتادة كان مع قوم محرمين وهو حلال فسنح لهم حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فأكلوا منها قالوا نأكل من لحم صيد ونحن محرمون فحملوا ما بقي من لحمها فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلوا ما بقى من لحمها) ويحل أكل الضبع لقوله عز وجل (ويحل لهم الطيبات) قال الشافعي رحمه الله ما زال الناس يأكلون الضبغ ويبيعونه بين الصفا والمروة
* وروى جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الضبغ صيد يؤكل) وفيه كبش إذا أصابه المحرم)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ سَنَحَ هُوَ - بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ مُخَفَّفَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ - أَيْ عَرَضَ (قَوْلُهُ) يَأْكُلُونَ الضَّبُعَ وَيَبِيعُونَهُ الضَّمِيرُ فِي يَبِيعُونَهُ يَعُودُ إلَى لَحْمِ الضَّبُعِ وَإِلَّا فَالضَّبُعُ مُؤَنَّثَةٌ وَهُوَ - بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِ الْبَاءِ - وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا وَالتَّثْنِيَةُ ضَبُعَانِ وَالْجَمْعُ ضِبَاعٌ وَالْمُذَكَّرُ ضِبْعَانٌ - بِكَسْرِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَتَنْوِينِ النُّونِ - وَالْجَمْعُ ضَبَاعِينُ كَسِرْحَانَ وَسَرَاحِينَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَدَوَابُّ الْوَحْشِ يَحِلُّ مِنْهَا الظِّبَاءُ وَالْبَقَرُ وَالْحُمُرُ وَالضَّبُعُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَحِلُّ الْوَعْلُ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
الضبغ وَالثَّعْلَبُ مُبَاحَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَحَرَّمَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهَانِ وَمِمَّنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ الضَّبُعِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَخَلَائِقُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِمَّنْ أَبَاحَ الثَّعْلَبَ طَاوُسٌ وَقَتَادَةُ وَأَبُو ثور
*(9/9)
قال المصنف رحمه الله
* (ويحل أكل الارنب لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والارنب من الطيبات ولما روى جابر ((أن غلاما من قومه أصاب أرنبا فذبحها بمروة فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أكلها فأمره أن يأكلها) ويحل اليربوع لقوله تعالي (ويحل لهم الطيبات) واليربوع من الطيبات تصطاده العرب وتأكله وأوجب فيه عمر رضى الله عنه على المحرم إذا أصابه جفرة فدل على أنه صيد مأكول ويحل اكل الثعلب لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والثعلب من الطيبات مستطاب يصطاد ولانه لا يتقوى بنابه فأشبه الارنب ويحل أكل ابن عرس والوز لما ذكرناه في الثعلب ويحل القنفذ لما روى أن ابن عمر رضى رضي الله عنهما سئل عن القنفذ فتلا قوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه) الآية ولانه مستطاب لا يتقوى بنابه فحل أكله كالارنب
* ويحل الضب لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أنه أخبره خالد بن الوليد أنه دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيت ميمونة رضى الله عنها فوجد عندها ضبا محنوذا فقدمت الضب إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده فقال خالد أحرام الضب يارسول الله
قَالَ لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر فلم ينهه)(9/10)
(الشرح) حديث جابر في الارنب رواه البيهفى بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ بِمَعْنَاهُ (منها) حديث أنس قال (أفصحنا أرنبا عن الظهران فأدركتها فأخدتها فَذَهَبْتُ بِهَا إلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ بكتفها فخذها إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَبِلَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ
* (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقُنْفُذِ فَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طويل عن عيسى بن ثميلة عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَسُئِلَ عَنْ أَكْلِ الْقُنْفُذِ فَتَلَا (قُلْ لا أجد فيما أوحي إلي محرما) الآية قال شيخ عنده سمعت أبى هُرَيْرَةَ يَقُولُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (خَبِيثَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا فَهُوَ كَمَا قَالَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يُرْوَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ وَهُوَ إسْنَادٌ فِيهِ ضَعْفٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) فَذَبَحَهَا بِمَرْوَةِ - هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ - وَهِيَ الْحَجَرَةُ (قَوْلُهُ) الْقُنْفُذُ هُوَ - بِضَمِّ الْقَافِ وَالْفَاءِ - وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْفَاءِ لُغَتَانِ ذَكَرَهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَجَمْعُهَا قَنَافِذُ وَالْوَبْرُ - بِإِسْكَانِ الْبَاءِ - جَمْعُهُ وِبَارٌ - بِكَسْرِ الواو - والضب المخنوذ أي المسوى قوله فاحترر به هَكَذَا هُوَ بِالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ بِالزَّايِ بَعْدَ الرَّاءِ أَيْ وَطَعَنَهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَيَحِلُّ الْأَرْنَبُ وَالْيَرْبُوعُ وَالثَّعْلَبُ وَالْقُنْفُذُ وَالضَّبُّ وَالْوَبْرُ وابن عرس ولا خلاف في شئ مِنْ هَذِهِ إلَّا الْوَبْرِ وَالْقُنْفُذِ فَفِيهِمَا وَجْهٌ أنهما حرام(9/11)
والصحيح المنصوس تحليلهما وبه قطع الجمهور ويحل الدلدك عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهٌ (وَأَمَّا) السَّمُّورُ وَالسِّنْجَابُ وَالْفَنَلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ وَالْقَاقِمُ بِالْقَافَيْنِ وَضَمِّ الثَّانِيَةِ وَالْحَوَاصِلُ فَفِيهَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا حَلَالٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا حَرَامٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الضَّبِّ
* مذهبنا أنه حلال غير مكروه وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ وَأَمَّا الْيَرْبُوعُ فَحَلَالٌ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ خَالِدٍ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ في الصيحين وَأَمَّا الْقُنْفُذُ فَحَلَالٌ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَحْمَدُ يَحْرُمُ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ
يُكْرَهُ وَأَمَّا الْيَرْبُوعُ فَحَلَالٌ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَحْرِيمَ الضَّبِّ والوبر وابن عرس والقنفذ واليربوع
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يحل ما يتقوى بنابه ويعدو على الناس وعلى البهائم كالاسد والفهد والذئب والنمر والدب لقوله عز وجل (ويحرم عليهم الخبائث) وهذه السباع من الخبائث لانها تأكل الجيف ولا يستطيبها العرب ولما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مخلب من الطير) وفى ابن آوى وجهان
(أحدهما)
يحل لانه لا يتقوى بنابه فهو كالارنب(9/12)
(والثانى)
لا يحل لانه مستخبث كريه الرائحة ولانه من جنس الكلاب فلم يحل أكله وفى سنور الوحش وجهان
(أحدهما)
لا يحل لانه يصطاد بنابه فلم يحل كالاسد والفهد
(والثانى)
يحل لانه حيوان يتنوع إلى حيوان وحشى وأهلي يحرم الاهلى منه ويحل الوحشى منه كالحمار الوحشى ولا يحل أكل حشرات الارض كالحيات والعقارب والفار والخنافس والعظاء والصراصير والعناكب والوزغ وسام أبرص والجعلان والديدان وبنات وردان وحمار قبان لقوله تعالى (يحرم عليهم الخبائث)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ثعلبة الحشى (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن أكل ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِخْلَبُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - وَهُوَ لِلظِّئْرِ وَالسِّبَاعِ كَالظُّفْرِ لِلْإِنْسَانِ (وَأَمَّا) الْحَشَرَاتُ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَالشِّينِ وَهِيَ هَوَامُّ الْأَرْضِ وَصِغَارُ دَوَابِّهَا وَالْحَيَّةُ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (1) وَالْبَطَّة (وَأَمَّا) الْعَقْرَبُ وَالْعَقْرَبَةُ وَالْعَقْرَبَا فَاسْمٌ لِلْأُنْثَى وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ عُقْرُبَانٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَأَمَّا الْخَنَافِسُ فَجَمْعُ خنفساء بضم الخاء وبالمد والفاء مفتوحه
__________
(1) بياض بالاصل(9/13)
وَمَضْمُومَةٌ - وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ خُنْفُسٌ وَخُنْفُسَةٌ (وَأَمَّا) الْعَنَاكِبُ فَجَمْعُ عَنْكَبُوتٍ وَهِيَ
هذه الناسجة المعرفة قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْغَالِبُ عَلَيْهَا التَّأْنِيثُ (وَأَمَّا) سَامُّ أَبْرَصَ - فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ كِبَارُ الْوَزَغِ قَالَ النَّحْوِيُّونَ وَاللُّغَوِيُّونَ سَامُّ أَبْرَصَ اسْمَانِ جُعِلَا وَاحِدًا وَيَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْبِنَاءُ عَلَى الْفَتْحِ كَخَمْسَةَ عَشَرَ
(وَالثَّانِي)
إعْرَابُ الاول وإضافته إلى الثاني ويكون الثاني مفتوحا لِأَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ (وَأَمَّا) الْجِعْلَانُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - جَمْعُ جُعَلٍ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ العين - وهى دويبة معروفة بدحرج القدر وأما الديدان - فبكسر الدال الاولى وهى جَمْعُ دُودٍ كَعُودٍ وَعِيدَانٍ وَوَاحِدَةٌ دُودَةٌ (وَأَمَّا) حمارقان فَدُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ كَثِيرَةُ الْأَرْجُلِ وَهِيَ فَعْلَانُ لَا ينصرف مَعْرِفَةً وَلَا نَكِرَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ لِلْحَدِيثِ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِذِي النَّابِ مَا تيقوى بِنَابِهِ وَيَعْدُو عَلَى الْحَيَوَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَمِنْ ذَلِكَ الْأَسَدُ وَالْفَهْدُ وَالنَّمِرُ وَالذِّئْبُ وَالدُّبُّ والقرد والفيل والببر - ببائين مُوَحَّدَتَيْنِ - الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ وَهُوَ حَيَوَانٌ معروف يعادى الاسد ويقال له أيضا الفرائق - بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ - فَكُلُّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا(9/14)
شَاذًّا فِي الْفِيلِ خَاصَّةً أَنَّهُ حَلَالٌ حَكَاهُ الرافعى عن الامام أبى عبد الله البوسنجى مِنْ أَصْحَابِنَا وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَعْدُو مِنْ الْفِيَلَةِ إلَّا الْعِجْلُ الْمُغْتَلِمُ كَالْإِبِلِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تحريمه (وأما) ابن آوى وابن مفترص ففيهما وجهان (أصحهما) تحريمهما وبه قطع المراوزة
* وفى سنور البروجهان (الْأَصَحُّ) تَحْرِيمُهُ وَقَالَ الْخُضَرِيُّ حَلَالٌ (وَأَمَّا) الْحَشَرَاتُ فَكُلُّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ وَكُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ سِوَى مَا يَدْرُجُ (مِنْهَا) وَمَا يَطِيرُ فَمِنْهَا ذَوَاتُ السُّمُومِ وَالْإِبَرِ كالحية والعقرب والذنبور (ومنها) الوزغ وأنواعه كحرباء الظهيرة والعطا وَهِيَ مَلْسَاءُ تُشْبِهُ سَامَّ أَبْرَصَ وَهِيَ أَخَسُّ منه واحدتها عطاء وعطانه فكل هذا حرام ويحرم النمل والذر والفار والذباب والخنفساء والقراد والجعلان وبنات وردان وحمارقان والديدان إلا دودا لجبن وَالْخَلِّ وَالْبَاقِلَّا وَالْفَوَاكِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَأْكُولِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الدُّودُ فَفِي حِلِّ أَكْلِ هَذَا الدُّودِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْمِيَاهِ (أَحَدُهَا) يَحِلُّ
(وَالثَّانِي)
لَا (وَأَصَحُّهَا) يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ لَا مُنْفَرِدًا وَيَحْرُمُ
* اللحكا وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمَدِّ - وَهِيَ دُوَيْبَّةٌ تَغُوصُ فِي الرَّمْلِ إذَا رَأَتْ إنْسَانًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْحَشَرَاتِ الْيَرْبُوعُ وَالضَّبُّ فَإِنَّهُمَا حَلَالَانِ كَمَا سَبَقَ مَعَ دُخُولِهِمَا في اسم الحشرات وكذا أم حنين(9/15)
فَإِنَّهَا حَلَالٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالُوا وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَوَاتِ الْإِبَرِ الْجَرَادُ فَإِنَّهُ حَلَالٌ قَطْعًا وَكَذَا الْقُنْفُذُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الصَّرَّارَةُ فَحَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَالْخُنْفُسَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَشَرَاتِ الْأَرْضِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْجِعْلَانِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ والفار وَنَحْوِهَا
* مَذْهَبُنَا أَنَّهَا حَرَامٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ حَلَالٌ لِقَوْلِهِ تعالى (قل لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أن يكون ميتة) الْآيَةَ وَبِحَدِيثِ التَّلِبِ - بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ لَامٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ - الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَسْمَعْ لِحَشَرَةِ الْأَرْضِ تَحْرِيمًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) وَهَذَا مِمَّا يَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ
* وَعَنْ أُمِّ شَرِيكٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا قَوْله تعالى (قل لا أجد(9/16)
فيما أحى محرما) الْآيَةَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهَا مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ وَتَسْتَطِيبُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا أَوْلَى مَعَانِي الْآيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ التَّلِبِ فَإِنْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ أَسْمَعْ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي أَكْلِ السِّبَاعِ الَّتِي تَتَقَوَّى بِالنَّابِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَأَشْبَاهِهَا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا حَرَامٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ (وَقَالَ) مَالِكٌ تُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ (وَاحْتَجَّ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لغير الله به) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا (كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ) وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مُحَرَّمًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا هَذَا ثُمَّ وَرَدَ وَحْيٌ آخَرُ بِتَحْرِيمِ السِّبَاعِ فَأَخْبَرَ بِهِ وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ وَالْأَحَادِيثُ مَدَنِيَّةٌ وَلِأَنَّ
الْحَدِيثَ مُخَصِّصٌ لِلْآيَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي أَنْوَاعٍ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فيها (منها) القرد وهو حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ ومكحول والحسن وابن خبيب الْمَالِكِيُّ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ (وَمِنْهَا) الْفِيلُ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْحَسَنِ
* وَأَبَاحَهُ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ شِهَابٍ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ حُجَّةُ الْأَوَّلِينَ أَنَّهُ ذُو نَابٍ (وَمِنْهَا) الْأَرْنَبُ وَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ العلماء كافة إلى مَا حُكِيَ عَنْ(9/17)
ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمَا كَرِهَاهَا
* دَلَّتْ لَنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فِي إباحتها ولم يثبت في النهى عنها شئ * قال المصنف رحمه الله
* (وأما الطائر فانه يحل منه النعامة لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) وقضت الصحابة رضى الله عنهم فيها ببدنة فدل على أنه صيد مأكول ويحل الديك والدجاج والحمام والدراج والقبج والقطا والبط والكراكي والعصفور والقنابر لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) وهذه كلها مستطابة وروى أبو موسى الاشعري رضى الله تعالى عَنْهُ قَالَ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل لحم الدجاج) وروى سفينه رضى الله عنه مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ أكلت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحم حبارى) ويحل أكل الجراد لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وضى الله عنهما قال (غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات يأكل الجراد ونأكله) ويحرم أكل الهدهد والخطاف (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قتلهما) وما يؤكل لا ينهى عن قتله ويحرم ما يصطاد ويتقوى بالمخلب كالصقر والبازي لِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كل ذى ناب من السباع وأكل كل ذي مخلب من الطير) ويحرم أكل الحدأة والغراب الابقع لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الحل والحرم الحية والفأرة والغراب الابقع والحدأة والكلب العقور) وما أمر بقتله لا يحل أكله قالت عائشة رضى الله عنها (أنى لاعجب ممن يأكل الغراب وقد أَذِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قتله) ويحرم الغراب الاسود الكبير لانه مستخبث يأكل الجيف فهو كالابقع وفى الغداف وغراب الزرع وجهان
(أحدهما)
لا يحل للخبر
(والثانى)
يحل لانه مستطاب يلقط الحب فهو كالحمام والدجاج وتحرم(9/18)
حشرات الطير كالنحل والزنبور والذباب لقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) وهذه من الخبائث)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ سَفِينَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضعيف قال التِّرْمِذِيُّ هُوَ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ (غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عن قتل الهدهد فرواه عبيد الله بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كِتَابِهِ ورواه ابن ماجه في كتاب الصيد بأسناد عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (وَأَمَّا) النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْخُطَّافِ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُرْسَلٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ أَوْ مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْخَطَاطِيفِ وَقَالَ لَا تَقْتُلُوا الْعُوذَ إنَّهَا تَعُوذُ بِكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُنْقَطِعٌ قَالَ وَرَوَى حَمْزَةُ النَّصِيبِيُّ فِيهِ حَدِيثًا مُسْنَدًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُرْمَى بِالْوَضْعِ وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ (لَا تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ وَلَا تَقْتُلُوا الْخُفَّاشَ فَإِنَّهُ لَمَّا خَرِبَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ قَالَ يا رب سلطني على البحر حتى أغرقم) قال البيهقى أسناده صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُ طُرُقِهِ وَشَرْحُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ (خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ إلَى آخِرِهِ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ قَرِيبًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ (إنِّي لَأَعْجَبُ مِمَّنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ إلَى آخِرِهِ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ عَبْدَ اللَّهِ(9/19)
ابن أَبِي أُوَيْسٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ (وَأَمَّا) الطَّائِرُ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا الطَّيْرُ لِأَنَّ الطَّيْرَ جَمْعٌ وَالطَّائِرُ مُفْرَدٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَالنَّعَامَةُ بِفَتْحِ النُّونِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالنَّعَامُ اسْمُ جِنْسٍ كَحَمَامَةٍ وَحَمَامٍ (وَأَمَّا) الدِّيكُ فَهُوَ ذَكَرُ الدَّجَاجِ جَمْعُهُ دُيُوكٌ وديكة وَالدَّجَاجُ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ بِاتِّفَاقِهِمْ الْوَاحِدُ دَجَاجَةٌ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الدِّيكِ وَالدَّجَاجِ هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَهُوَ جَائِزٌ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) وقوله تعالى (إن صلاتي ونسكى) (وَأَمَّا) الْقَبَجُ - فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وبالجيم - والحجل الْمَعْرُوفُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ لِأَنَّ الْقَافَ وَالْجِيمَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ وَالْقَبْجَةُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى حَتَّى تَقُولَ يَعْقُوبُ فَيَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ لِأَنَّ الْهَاءَ إنَّمَا دَخَلَتْهُ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ مِنْ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ النَّعَامَةُ حَتَّى تَقُولَ ظَلِيمٌ وَالنَّحْلَةُ حَتَّى تَقُولَ يَعْسُوبٌ وَالدَّرَّاجَةُ حَتَّى تَقُولَ حيقطان وَالْبُومَةُ حَتَّى تَقُولَ صَدًى أَوْ فَيَّادٌ وَالْحُبَارَى حَتَّى تَقُولَ خرب وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ (وَأَمَّا) الْقَنَابِرُ - فَبِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ - ثُمَّ - نُونٍ ثُمَّ - أَلِفٍ ثُمَّ - بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ - رَاءٍ - جَمْعُ قُبَّرَةٍ - بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ قُنْبَرَةٌ كَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الطَّيْرِ (وَأَمَّا) الْهُدْهُدُ - فَبِضَمِّ الْهَاءَيْنِ - وَجَمْعُهُ هَدَاهِدُ وَيُقَالُ لِلْمُفْرَدِ هَدَاهِدُ أَيْضًا (وَأَمَّا) الْبَازِي ففيه ثلاث لغات المشهورة الْفَصِيحَةُ الْبَازِي - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَالثَّانِيَةُ بَازٍ وَالثَّالِثَةُ بَازِيٌّ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ - حَكَاهَا(9/20)
ابْنُ مَكِّيٍّ وَهِيَ غَرِيبَةٌ أَنْكَرَهَا الْأَكْثَرُونَ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ يُقَالُ لِلْبُزَاةِ وَالشَّوَاهِينِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَصِيدُ صُقُورٌ وَاحِدُهَا صَقْرٌ وَالْأُنْثَى صَقْرَةٌ وَقَدْ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ جَعَلَ الصَّقْرَ قَسِيمًا لِلْبَازِي مَعَ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ وَغَيْرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال) (واذ أخدنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) الْآيَةَ (وَأَمَّا) الْحِدَأَةُ - فَبِحَاءٍ مَكْسُورَةٍ - ثُمَّ - دَالٍ مَفْتُوحَةٍ - ثُمَّ هَمْزَةٍ - عَلَى وَزْنِ عِنَبَةٍ وَالْجَمَاعَةُ حدأ كعنب (وأما) الفأرة - فبالهمزة - وَيَجُوزُ تَرْكُهُ (وَأَمَّا) الْغُدَافُ - فَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ - دَالٍ مُهْمَلَةٍ مُخَفَّفَةٍ - وَآخِرُهُ فَاءٌ جَمْعُ غِدْفَانٍ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هُوَ الْغُرَابُ الضَّخْمُ قال الجوهري هُوَ غُرَابُ الْقَيْظِ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ غُرَابٌ صَغِيرٌ أَسْوَدُ لَوْنُهُ لَوْنُ الرَّمَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ النَّعَامَةِ وَالدَّجَاجِ وَالْكُرْكِيِّ وَالْحُبَارَى وَالْحَجَلِ وَالْبَطِّ وَالْقَطَا وَالْعَصَافِيرِ وَالْقَنَابِرِ وَالدَّرَّاجِ وَالْحَمَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ ذَاتِ طَوْقٍ مِنْ الطَّيْرِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْحَمَامِ وَهِيَ حَلَالٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقُمْرِيُّ وَالدِّبْسُ واليمام والفواخت ويحل الورسان وَكُلُّ مَا عَلَى شَكْلِ الْعُصْفُورِ وَفِي حَدِّهِ فَهُوَ حَلَالٌ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الصَّعْوَةُ وَالزُّرْزُورُ والنغز - بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - وَالْبُلْبُلُ وَيَحِلُّ الْعَنْدَلِيبُ وَالْحُمَّرَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَفِيهِمَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُمَا حَرَامٌ وَفِي الْبَبَّغَاءِ وَالطَّاوُوسِ (وَجْهَانِ) قال البغوي وغيره (اصحهما) التحريم (وأما) السقراف فَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِحِلِّهِ وَالصَّيْمَرِيُّ بِتَحْرِيمِهِ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ يَحْرُمُ مُلَاعِبُ ظِلِّهِ وَهُوَ طَائِرٌ يَسْبَحُ فِي الْجَوِّ مِرَارًا كَأَنَّهُ يَنْصَبُّ عَلَى طَائِرٍ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ وَالْبُومُ حَرَامٌ كَالرَّخَمِ قَالَ وَالضُّوَعُ - بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وبالعين الْمُهْمَلَةِ - حَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الضُّوَعَ غَيْرُ الْبُومِ قَالَ لكن في صحاح الجوهرى أنه(9/21)
الضُّوَعَ طَائِرٌ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ مِنْ جِنْسِ الْهَامِّ وَقَالَ الْمُفَضَّلُ هُوَ ذَكَرُ الْبُومِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ فِي الضُّوَعِ قَوْلٌ لَزِمَ إجْرَاؤُهُ فِي الْبُومِ لِأَنَّ الذَّكَرَ والانثى من جنس الواحد لَا يَفْتَرِقَانِ (قُلْتُ) الْأَشْهَرُ أَنَّ الضُّوَعَ مِنْ جِنْسِ الْهَامِّ فَلَا يَلْزَمُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْحُكْمِ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّهَّاشُ حَرَامٌ كَالسِّبَاعِ الَّتِي تَنْهَشُ قَالَ وَاللَّقَاطُ حَلَالٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ النَّصُّ يَعْنِي ذَا الْمِخْلَبِ وَقَالَ الْبُوشَنْجِيُّ اللَّقَّاطُ حَلَالٌ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ وَمَا تَقَوَّتَ بِالطَّاهِرَاتِ فَحَلَالٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ النَّصُّ وَمَا تَقَوَّتَ بِالنَّجِسِ فَحَرَامٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ يَتَقَوَّى بِهِ وَيَصْطَادُ كَالصَّقْرِ وَالنِّسْرِ وَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَغَيْرِهَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ حَرُمَ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ أَكْلُهُ لَمْ يُنْهَ عَنْ قَتْلِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُنْهَ عَنْ قَتْلِ الْمَأْكُولِ فَمِنْ ذَلِكَ النَّمْلُ وَالنَّحْلُ فَهُمَا حَرَامٌ وَكَذَلِكَ الْخُطَّافُ وَالصُّرَدُ وَالْهُدْهُدُ وَالثَّلَاثَةُ حَرَامٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَحَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الصُّرَدِ وَالْهُدْهُدِ
* وَالْخُفَّاشُ حَرَامٌ قطعا قال الرافعى وقد يجئ فِيهِ الْخِلَافُ وَاللَّفَّافُ حَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ) فَلَوْ حَلَّ أَكْلُهُ لَمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَقْتُلُوا الصيد وأنتم حرم) فمن ذلك الحية والفأرة والحدأة وكل سبضار وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا سبق قال أصحابنا وقد يكون للشئ سببا أَوْ أَسْبَابٌ تَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ
* وَتَحْرُمُ الْبُغَاثَةُ - بِفَتْحِ الباء الموحدة -
وبتخفيف الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهَا - وَالرَّخَمَةُ كَمَا تَحْرُمُ الْحِدَأَةُ (وَأَمَّا) الْغُرَابُ فَهُوَ أَنْوَاعٌ (فَمِنْهَا) الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَمِنْهَا) الْأَسْوَدُ الْكَبِيرُ وَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ التَّحْرِيمَ
(وَالثَّانِي)
فيه وجهان (أصحهما) التحريم (الثالث) الحل(9/22)
(وَأَمَّا) غُرَابُ الزَّرْعِ وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ الزَّاغُ وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَلَالٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْغُدَافَ حَرَامٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ الْغِرْبَانِ غُرَابٌ صَغِيرٌ أَسْوَدُ أَوْ رمادي اللون وقد يقال له الْغُدَافُ الصَّغِيرُ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ الْعَقْعَقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) يَحْرُمُ حَشَرَاتُ الطَّيْرِ كَالنَّحْلِ وَالزَّنَابِيرِ وَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَشَبَهِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الْخَامِسَةُ) يَحِلُّ أَكْلُ الْجَرَادِ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَسَوَاءٌ مَاتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ مَجُوسِيٍّ وَسَوَاءٌ قَطَعَ رَأْسَهُ أَمْ لَا وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ جَرَادَةٍ وَبَاقِيهَا حَيٌّ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ الْمَقْطُوعُ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ كَالْمَيِّتِ وَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ
(وَالثَّانِي)
حَرَامٌ وَإِنَّمَا يُبَاحُ مِنْهُ الْجُمْلَةُ لِحُرْمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَرَادَ حَلَالٌ سَوَاءٌ مَاتَ بِاصْطِيَادِ مُسْلِمٍ أَوْ مَجُوسِيٍّ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالْأَبْهَرِيُّ الْمَالِكِيَّانِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (قَالَ) الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ بِأَنْ يقطع منه شئ أَوْ يُصْلَقَ أَوْ يُقْلَى حَيًّا أَوْ يُشْوَى وإن لم يقطف رأسه قال فإن مات حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ فِي وِعَاءٍ لَمْ يُؤْكَلْ وعن أحمد رواية ضفيفة كَمَذْهَبِ مَالِكٍ
* وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (حُرِّمَتْ عليكم الميتة) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى السَّابِقِ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ قَالَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ الْحَدِيثَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (قُلْتُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْقَائِلَ (أُحِلَّتْ لَنَا) مَيْتَتَانِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى ضَعِيفَةٌ جِدًّا لاتفاق(9/23)
الْحُفَّاظِ عَلَى تَضْعِيفِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَوَى حَدِيثًا مُنْكَرًا (أُحِلَّتْ لَنَا
مَيْتَتَانِ) الْحَدِيثَ يَعْنِي أَحْمَدُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى (وَأَمَّا) الثَّانِيَةُ فَصَحِيحَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ هِيَ أَيْضًا مَرْفُوعَةٌ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيُّ أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا أَوْ أُحِلَّ لَنَا كَذَا أَوْ حُرِّمَ عَلَيْنَا كَذَا كُلُّهُ مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَهَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَالِكٌ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَرَادِ فَقَالَ (أَكْثَرُ جُنُودِ اللَّهِ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ هَكَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قُلْتُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ رُوِيَ مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا لِأَنَّ الَّذِي وَصَلَهُ ثِقَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا إنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى إبَاحَةِ الْجَرَادِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحَرِّمْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْكُلْهُ تَقَذُّرًا كَمَا قَالَ فِي الضَّبِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ مِمَّا يَعْدُو عَلَى الْحَيَوَانِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ والفهد والدب وكذا ماله مِخْلَبٌ مِنْ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالشَّاهِينَ وَالْعُقَابِ وَنَحْوِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لا أَجِدُ فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه) الْآيَةَ فَقَدْ سَبَقَ جَوَابُهَا فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ السِّبَاعِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا فِي غُرَابِ الزَّرْعِ وَالْغُدَافِ
* وَقَالَ بِإِبَاحَتِهِمَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأحمد رحمهم الله تعالى
*(9/24)
* قال المصنف رحمه الله
* (وما سوى ذلك من الدواب والطيور ينظر فيه فان كان مما يستطيبه العرب حل أكه وان كان مما لا يستطيبه العرب لم يحل أكله لقوله عز وجل (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ويرجع في ذاك إلى العرب من أهل الريف والقرى وذوى اليسار والغني دون الاجلاف من أهل البادية
والفقراء وأهل الضرورة فان استطاب قوم شيئا واستخبثه قوم رجع إلى ما عليه الاكثر فان اتفق في بلاد العجم ما لا يعرفه العرب نظر إلى ما يشبهه فان كان حلالا حل وإن كان حراما حرم وإن لم يكن له شبيه فيما يحل ولا فيما يحرم ففيه وجهان (قال) أبو إسحق وأبو علي الطبري يحل لقوله عز وجل (قل لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لحم خنزير) وهذا ليس بواحد منها (وقال) ابن عباس رضى الله عنه ما سكت عنه فهو عفو (ومن) أصحابنا من قال لا يحل أكله لان الاصل في الحيوان التحريم فإذا أشكل بقى على أصله)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْهُ هَكَذَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ
* وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ عَفْوِهِ) قَالَ أَصْحَابُنَا مِنْ الْأُصُولِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي هَذَا الْبَابِ الِاسْتِطَابَةُ والاستخباث ورواه الشافعي رحمه الله الاصل الاعم (1) ولهذا أفسخ الْبَابُ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) وقوله تعالى (ويسألونك ماذا أحل لهم
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(9/25)
قل أحل لكم الطيبات) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ هُنَا الْحَلَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَلَالَ لَكَانَ تَقْدِيرُهُ أُحِلَّ لَكُمْ الْحَلَالُ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالطَّيِّبَاتِ مَا يَسْتَطِيبُهُ الْعَرَبُ وَبِالْخَبَائِثِ مَا تَسْتَخْبِثُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى طَبَقَاتِ النَّاسِ وَيَنْزِلُ كُلُّ قَوْمٍ على ما يستطيبونه أو يسخبثونه لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَاضْطِرَابِهَا وَذَلِكَ يُخَالِفُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ قَالُوا فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْعَرَبِ فَهُمْ أَوْلَى الْأُمَمِ بِأَنْ يُؤْخَذَ بِاسْتِطْيَابِهِمْ وَاسْتِخْبَاثِهِمْ لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا وَهُمْ جِيلٌ مُعْتَدِلٌ لَا يَغْلِبُ فِيهِمْ الِانْهِمَاكُ عَلَى الْمُسْتَقْذَرَاتِ وَلَا الْعَفَافَةُ الْمُتَوَلَّدَةُ مِنْ التَّنَعُّمِ فَيُضَيِّقُوا الْمَطَاعِمَ عَلَى النَّاسِ قَالُوا وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَى الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْقُرَى وَالرِّيفِ دُونَ أَجْلَافِ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزِ وَتَغْيِيرِ عَادَةِ أَهْلِ الْيَسَارِ وَالثَّرْوَةِ دُونَ الْمُحْتَاجِينَ وَتَغْيِيرِ حَالَةِ الْخِصْبِ وَالرَّفَاهِيَةِ دُونَ الْجَدْبِ وَالشِّدَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الِاعْتِبَارَ
بِعَادَةِ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَهُمْ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يُرْجَعُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْعَرَبِ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ الْعَرَبُ أَوْ سَمَّتْهُ بِاسْمِ حَيَوَانٍ حَلَالٍ فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ اسْتَخْبَثَتْهُ أَوْ سَمَّتْهُ بِاسْمِ مُحَرَّمٍ فَمُحَرَّمٍ فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ طَائِفَةٌ وَاسْتَخْبَثَتْهُ أُخْرَى اتَّبَعْنَا الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ اسْتَوَيَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ يُتَّبَعُ قُرَيْشٌ لِأَنَّهُمْ قُطْبُ الْعَرَبِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ ولا ترجيح أوشكوا ولم يحكموا بشئ أَوْ لَمْ نَجِدْهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ اعْتَبَرْنَاهُ بِأَقْرَبِ الْحَيَوَانِ بِهِ شَبَهًا وَالشَّبَهُ تَارَةً يَكُونُ فِي الصُّورَةِ وَتَارَةً فِي طَبْعِ الْحَيَوَانِ مِنْ الصِّيَالَةِ وَالْعِدْوَانِ وَتَارَةً فِي طَعْمِ اللَّحْمِ فَإِنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أَوْ لَمْ نَجْدِ مَا يُشْبِهُهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الحل قال(9/26)
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّافِعِيِّ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُرَاجَعُ الْعَرَبُ فِي حَيَوَانٍ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ وَلَا أَمْرٍ بِقَتْلِهِ وَلَا نَهْيٍ عَنْ قَتْلِهِ فان وجد شئ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ اعْتَمَدْنَاهُ وَلَمْ نُرَاجِعْهُمْ قَطْعًا فَمِنْ ذَلِكَ الْحَشَرَاتُ وَغَيْرُهَا مِمَّا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا وَجَدْنَا حَيَوَانًا لَا مَعْرِفَةَ لِحُكْمِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا اسْتِطَابَةٍ وَلَا اسْتِخْبَاثٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَثَبَتَ تَحْرِيمُهُ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَهَلْ يُسْتَصْحَبُ تَحْرِيمُهُ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يُسْتَصْحَبُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنْ اسْتَصْحَبْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ يَثْبُتَ تَحْرِيمُهُ فِي شَرْعِهِمْ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ يَشْهَدَ بِهِ عَدْلَانِ أَسْلَمَا مِنْهُمْ بِعِرْفَانِ الْمُبْدَلِ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا اُعْتُبِرَ حُكْمُهُ فِي أَقْرَبِ الشَّرَائِعِ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ النَّصْرَانِيَّةُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا عاد الوجهان عن تَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يحل ما يولد بين مأكول وغير مأكول كالسمع المتولد بين الذئب والضبع والحمار المتولد بين حمار الوحش وحمار الاهل لانه مخلوق مما يؤكل ومما لا يؤكل فغلب فيه الحظر كالبغل)
* (الشَّرْحُ) السِّمْعُ - بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ - قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ السِّمْعُ وَالْبَغْلُ
وَسَائِرُ مَا يُولَدُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْكُولُ الذَّكَرَ أَوْ الْأُنْثَى لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالزَّرَافَةُ - بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا - حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ(9/27)
مَأْكُولٍ.
وَلَوْ تَوَلَّدَ مِنْ فَرَسٍ وَأَتَانٍ وَحْشِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْجِنْسَيْنِ الْمَأْكُولَيْنِ كَانَ حَلَالًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (ويكره أكل الجلالة وهى التى أكثر أكلها العذرة من ناقة أو بقرة أو شاة أو ديك أو دجاجة لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن ألبان الجلالة) ولا يحرم أكلها لانه ليس فيه أكثر من تغير لحمها وهذا لا يوجب التحريم فان أطعم الجلالة طعاما طاهرا وطاب لحمها لم يكره لما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ تعلف الجلالة علفا طاهرا ان كانت ناقة أربعين يوما وان كانت شاة سبعة أيام وان كانت دجاجة فثلاثة أيام)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ أَصْحَابُنَا الْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَالنَّجَاسَاتِ وَتَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرُ أَكْلِهَا النَّجَاسَةَ فَهِيَ جَلَّالَةٌ وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ أَكْثَرَ فَلَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْكَثْرَةِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالرَّائِحَةِ وَالنَّتْنِ فَإِنْ وُجِدَ فِي عُرْفِهَا وَغَيْرِهِ رِيحُ النَّجَاسَةِ فَجَلَّالَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا تَغَيَّرَ لَحْمُ الْجَلَّالَةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ أَوْ تَحْرِيمٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعْتَمَدِينَ أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ
(وَالثَّانِي)
كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَفَّالُ وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وُجِدَتْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ بِتَمَامِهَا أَوْ قَرُبَتْ الرَّائِحَةُ مِنْ الرَّائِحَةِ فان قلت الرائحة الموجودة لم تضرقطعا(9/28)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ حُبِسَتْ بَعْدَ ظُهُورِ النَّتْنِ وَعُلِفَتْ شَيْئًا طَاهِرًا
فَزَالَتْ الرَّائِحَةُ ثُمَّ ذُبِحَتْ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا قَطْعًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِلْقَدْرِ الَّذِي تَعْلِفُهُ مِنْ حَدٍّ وَلَا لِزَمَانِهِ مِنْ ضَبْطٍ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يُعْلَمُ فِي الْعَادَةِ أَوْ يُظَنُّ أَنَّ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ تَزُولُ بِهِ وَلَوْ لَمْ تُعْلَفْ لَمْ يَزُلْ الْمَنْعُ بِغَسْلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَلَا بِالطَّبْخِ وَإِنْ زَالَتْ الرَّائِحَةُ بِهِ وَلَوْ زَالَتْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ قَالَ الْبَغَوِيّ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ وَقَالَ غَيْرُهُ يَزُولُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَمَا مُنِعَ لَحْمُهَا يُمْنَعُ لَبَنُهَا وَبَيْضُهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي لَبَنِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ الرُّكُوبُ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّاكِبِ حَائِلٌ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا حَرَّمْنَا لَحْمَهَا فَهُوَ نَجِسٌ وَيُطَهَّرُ جِلْدُهَا بِالدِّبَاغِ وَهَذَا يَقْتَضِي نَجَاسَةَ الْجِلْدِ أَيْضًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ نَجِسٌ إنْ ظَهَرَتْ الرَّائِحَةُ فِيهِ وكذا ان لم تظهر على عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَاللَّحْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَظُهُورُ النَّتْنِ وَإِنْ حَرَّمْنَا اللَّحْمَ وَنَجَّسْنَاهُ فَلَا نَجْعَلُهُ مُوجِبًا لِنَجَاسَةِ الْحَيَوَانِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّا لَوْ نَجَّسْنَاهُ صَارَ كَالْكَلْبِ لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ بَلْ إذَا حَكَمْنَا بِتَحْرِيمِ اللَّحْمِ كَانَ الْحَيَوَانُ كَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ وَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
السَّخْلَةُ الْمُرَبَّاةُ بِلَبَنِ الْكَلْبَةِ لَهَا حُكْمُ الْجَلَّالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَفِيهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ أَكْلُهَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَحِلُّ وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَحْرُمُ الزَّرْعُ الْمُزَبَّلُ وَإِنْ كَثُرَ الزبل في أصله ولا مَا يُسْقَى مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ مَاءً نَجِسًا وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بَيَانُ هَذَا مَعَ نَظَائِرِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ عُجِنَ دَقِيقٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَخَبَزَهُ فَهُوَ نَجِسٌ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهُ لِشَاةٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ وَنَحْوِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ(9/29)
السُّنَنِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الدَّائِمِ وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَفِي فَتَاوَى صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إطْعَامُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ نَجَاسَةً وَهَذَا لَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الطَّعَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسِ الْعَيْنِ وَمُرَادُ صَاحِبِ الشَّامِلِ نجس العين ولا يجوز اطعام الْمَعْجُونِ بِمَاءٍ نَجِسٍ لِصُعْلُوكٍ وَسَائِلٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ أَكْلِ المتنجس بخلاف الشاة والبعير ونحوهما قال ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْفَتَاوَى وَلَا يُكْرَهُ أَكْلُ البيض المصلوك بِمَاءٍ نَجِسٍ كَمَا لَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ سُخِّنَ بِالنَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَلَّالَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ لَحْمُهَا كُرِهَتْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا تَحْرُمُ سَوَاءٌ لَحْمُهَا وَلَبَنُهَا وَبَيْضُهَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَدَاوُد وَكَذَا لَا يَحْرُمُ مَا سُقِيَ مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ مَاءً نَجِسًا
* وَقَالَ أَحْمَدُ يَحْرُمُ لَحْمُ الْجَلَّالَةِ وَلَبَنُهَا حَتَّى تُحْبَسَ وَتُعْلَفَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ وَيَحْرُمُ الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ وَالْبُقُولُ الْمَسْقِيَّةُ مَاءً نَجِسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ أَنَّ مَا تَأْكُلُهُ الدَّابَّةُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ يَتَنَجَّسُ إذَا حَصَلَ فِي كَرِشِهَا وَلَا يَكُونُ غِذَاؤُهَا إلَّا بِالنَّجَاسَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي إبَاحَةِ لحمها ولبنها وبيضها ولان النحاسة الَّتِي تَأْكُلُهَا تَنْزِلُ فِي مَجَارِي الطَّعَامِ وَلَا تُخَالِطُ اللَّحْمَ وَإِنَّمَا يَنْتَشِي اللَّحْمُ بِهَا وَذَلِكَ لا يوجب التحريم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وأما حيوان البحر فانه يحل منه السمك لما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ (أحلت لنا ميتتان ودمان فاما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال) ولا يحل أكل الضفدع.
لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل الضفدع ولو حل أكله.
لم ينه عن قتله وفيما سوى(9/30)
ذلك وجهان
(أحدهما)
يحل لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (في البحر اغتسلوا منه وتوضؤا به فانه الطهور ماؤه الحل ميتته) ولانه حيوان لا يعيش إلا في الماء فحل أكله كالسمك
(والثانى)
ما أكل مثله في البر حل أكله وما لا يؤكل مثله في البر لم يحل أكله اعتبارا بمثله)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَكْلِ الْجَرَادِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عثمان بن عبيد الله التميمي الصحابي وهو ابن أخى طلحة بن عبيد الله
* قَالَ سَأَلَ طَبِيبٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ عَنْ قَتْلِهَا (وَأَمَّا) حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ فَصَحِيحٌ وَلَفْظُهُ (سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ بماء البحر فقال هو الطهور ماؤه مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالطِّحَالُ - بِكَسْرِ الطَّاءِ - وَالضِّفْدَعُ - بِكَسْرِ الضَّادِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَنْكَرَ
جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْفَتْحَ (قَوْلُهُ) حَيَوَانٌ لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ احْتِرَازً مِنْ السِّبَاعِ وَنَحْوِهَا
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْحَيَوَانُ الَّذِي لَا يُهْلِكُهُ الْمَاءُ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ كَانَ عَيْشُهُ عَيْشَ الْمَذْبُوحِ كَالسَّمَكِ بِأَنْوَاعِهِ فَهُوَ حَلَالٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَبْحِهِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَحِلُّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ مَاتَ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَضَغْطَةٍ أَوْ صَدْمَةِ حَجَرٍ أَوْ انْحِسَارِ مَاءٍ أَوْ ضَرْبٍ مِنْ الصَّيَّادِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ سَوَاءٌ طَفَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَمْ لَا وَكُلُّهُ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَأَمَّا مَا لَيْسَ عَلَى صُورَةِ السُّمُوكِ الْمَشْهُورَةِ فَفِيهِ(9/31)
ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أقول (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَحِلُّ الْجَمِيعُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لَلشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاخْتِلَافُ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ اسْمَ السَّمَكِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وطعامه) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ صَيْدُهُ مَا صِيدَ وَطَعَامُهُ مَا قُذِفَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ " (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَحْرُمُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (الثَّالِثُ) مَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ كَالْبَقَرِ وَالشَّاةِ وَغَيْرِهِمَا فَحَلَالٌ وَمَا لَا يُؤْكَلُ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ فَحَرَامٌ فَعَلَى هَذَا مَا لَا نَظِيرَ لَهُ حَلَالٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي دَلِيلِ الْأَصَحِّ وَعَلَى هَذَا الثَّالِثِ لَا يَحِلُّ مَا أَشْبَهَ الْحِمَارَ وَإِنْ كَانَ فِي البر حمار الوحش المأكول صرح بن ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا
* وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أبحنا الجميع فهل تشترط الزكاة أَمْ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيُقَالُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ مَيْتَتُهُ (الضَّرْبُ) الثَّانِي مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْبَرِّ أَيْضًا فَمِنْهُ طَيْرُ الْمَاءِ كَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ حَلَالٌ كَمَا سَبَقَ وَلَا يَحِلُّ مَيْتَتُهُ بلا خلاف بل تشترط زكاته وَعَدَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ الضِّفْدَعَ وَالسَّرَطَانَ وَهُمَا مُحَرَّمَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِمَا قول ضعيف انهما حَلَالٌ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي السَّرَطَانِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ.
وَذَوَاتُ السَّمُومِ كَالْحَيَّةِ وَغَيْرِهَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) التِّمْسَاحُ فَحَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ (وَأَمَّا) السُّلَحْفَاةُ فَحَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ الضِّفْدَعَ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ حِلُّ الْجَمِيعِ وَكَذَا اسْتَثْنَوْا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ قَالَ وَمُقْتَضَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يكون(9/32)
نَوْعٌ مِنْهَا كَذَا وَنَوْعٌ كَذَا قَالَ وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ النَّسْنَاسَ أَيْضًا فَجَعَلَهُ حَرَامًا وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَخَالَفَهُمَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ فَأَبَاحُوهُ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْبَحْرِ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ إلَّا الضِّفْدَعَ وَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنْ السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ وَالنَّسْنَاسِ عَلَى مَا يَكُونُ فِي مَاءٍ غَيْرِ الْبَحْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرافعى اطلق مطلوقون الْقَوْلَ بِحِلِّ طَيْرِ الْمَاءِ وَكُلُّهَا حَلَالٌ إلَّا اللَّقْلَقَ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ قَالَ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ لَا يُؤْكَلُ طَيْرُ الْمَاءِ الْأَبْيَضُ لِخُبْثِ لَحْمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا حِلُّ جَمِيعِ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ إلَّا الضِّفْدَعَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ يَحِلُّ الْجَمِيعُ سَوَاءٌ الضِّفْدَعُ وَغَيْرُهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ غَيْرُ السَّمَكِ
* (فَرْعٌ)
السَّمَكُ الطَّافِي حَلَالٌ وَهُوَ الَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَحِلُّ عِنْدَنَا كُلُّ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ غَيْرَ الضِّفْدَعِ سَوَاءٌ مَا مَاتَ بِسَبَبٍ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَبِي أيوب الانصاري وعطاء بن أبى رياح ومكحول والنخغى وأبى ثور رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ مَاتَ بِسَبَبٍ كَضَرْبٍ وَانْحِسَارِ الْمَاءِ عَنْهُ حَلَّ وَإِنْ مَاتَ بِلَا سَبَبٍ حَرُمَ
* وَإِنْ مَاتَ بِسَبَبِ حَرِّ الْمَاءِ أَوْ بَرْدِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَالْخِلَافُ بِمَسْأَلَةِ السَّمَكِ الطَّافِي وَمِمَّنْ قَالَ بِمَنْعِ السَّمَكِ الطَّافِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بن عبد الله وجابر بن زيد وطاووس
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فيه فطفا(9/33)
فَلَا تَأْكُلُوهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ صَيْدُهُ مَا صِدْتُمُوهُ وطعامه ما قدف وَبِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كما سبق بيانه وبحديث جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَمِيرُنَا أَبُو عبيدة ابن الْجَرَّاحِ يَطْلُبُ خَبَرَ قُرَيْشٍ فَأَقَمْنَا عَلَى السَّاحِلِ حَتَّى فَنِيَ زَادُنَا فَأَكَلْنَا الْخَبَطَ ثُمَّ إنَّ الْبَحْرَ أَلْقَى إلَيْنَا دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ
شَهْرٍ حَتَّى صَلُحَتْ أَجْسَامُنَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (غَزَوْنَا فَجُعْنَا حَتَّى إنَّ الْجَيْشَ لَيَقْسِمُ التَّمْرَةَ والتمرتين فبينا نحن على شط البحر إذ رَمَى الْبَحْرُ بِحُوتٍ مَيِّتٍ فَاقْتَطَعَ النَّاسُ مِنْهُ مَا شَاءُوا مِنْ لَحْمٍ وَشَحْمٍ وَهُوَ مِثْلُ الطَّرَبِ فَبَلَغَنِي أَنَّ النَّاسَ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ فقال لهم أمعكم منه شئ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ السَّمَكَةُ الطَّافِيَةُ فِيهِ حَلَالٌ لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وروى البيهقى باسناده عن عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبى طالب قالا الحراد وَالنُّونُ زَكِيٌّ كُلُّهُ) وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي صرمنه الْأَنْصَارِيَّيْنِ أَنَّهُمَا أَكَلَا السَّمَكَ الطَّافِيَ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (لَا بَأْسَ بِالسَّمَكِ الطَّافِي) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِأَكْلِ مَا لَفَظَ الْبَحْرُ بَأْسًا) وَعَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِثْلُهُ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا كُلُّهُ بِأَسَانِيدِهِ الْمُتَّصِلَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ فَهُوَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ لَا يَجُوزُ الاحتجاج به لو لم يعارضه شئ فَكَيْفَ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ(9/34)
الْمُنْتَشِرَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمِّيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَحْيَى ابن سليم الطائفي كثير الوهم سئ الْحِفْظِ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابن أُمِّيَّةَ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ قَالَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ قَالَ وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُهُ قَالَ وَلَا أَعْرِفُ لِأَثَرِ ابْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ شَيْئًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ مَتْرُوكٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عبيد الله عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ ورواه تقيه بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَلَا يُحْتَجُّ بِمَا يَنْفَرِدُ به تقية فَكَيْفَ بِمَا يُخَالِفُ قَالَ وَقَوْلُ الْجَمَاعَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ جَابِرٍ مَعَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ ميتته) والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(وأما غير الحيوان فضربان طاهر ونجس (فأما) النجس فلا يؤكل لقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) والنجس خبيث وَرُوِيَ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مائعا فأريقوه) فلو حل أكله لم يأمر باراقته (وأما) الطاهر فضربان (ضرب) يضر (وضرب) لا يضر فما يضر لا يحل أكله كالسم والزجاج والتراب والحجر والدليل عليه قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) وقَوْله تَعَالَى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وأكل هذه الاشياء تهلكة فوجب أن لا يحل وما لا يضر يحل أكله كالفواكه والحبوب والدليل عليه قوله تعالى (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعبادة والطيبات من الرزق)
*(9/35)
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ فَأْرَةِ السَّمْنِ فَبَعْضُهُ فِي الصَّحِيحِ وَبَعْضُهُ فِي غَيْرِهِ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ " رَوَاهُ) الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وكلوه) وعن أبى هريرة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِ أَبِي دَاوُد ثم قال وهذا حديث غير محفوط قَالَ سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ هُوَ خَطَأٌ قَالَ وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ وَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ وَأَبُو دَاوُد مُتَّفِقَانِ عَلَى السُّكُوتِ عَلَيْهِ مَعَ صِحَّةِ إسْنَادِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ (وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ) (وَأَمَّا) السَّمُّ وَالزُّجَاجُ فَفِيهِمَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ - فَتْحُ السِّينِ وَالزَّايِ وَضَمُّهُمَا وَكَسْرُهُمَا وَالْفَصِيحُ فَتْحِ السِّينِ وَضَمُّ الزَّايِ - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ أَكْلُ نَجِسِ الْعَيْنِ كَالْمَيْتَةِ وَلَبَنِ الْأَتَانِ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَا يَحْرُمُ أَكْلُ الْمُتَنَجِّسِ كَاللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ وَالطَّبِيخِ وَالدُّهْنِ وَغَيْرِهَا إذَا تَنَجَّسَتْ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا غُسِلَ طَهُرَ وَحَلَّ أَكْلُهُ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ قولهم لا يحل أكل شئ نَجِسٍ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْجُبْنِ وَالْخَلِّ وَالْبَاقِلَا وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ فِيمَا تَوَلَّدَ
مِنْهُ نَجِسَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِي حِلِّ أَكْلِ هَذَا الدُّودِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أصحهما) يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ لَا مُنْفَرِدًا
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ مُطْلَقًا فَعَلَى الصَّحِيحِ يَكُونُ نَجِسًا لَا ضَرَرَ(9/36)
فِي أَكْلِهِ وَيَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ قَبْلَ غَسْلِهِ لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَيْهِ يَنْجَسُ فَيَكُونُ أَكْلَ نَجَاسَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَالِغَ فِي غَسْلِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (الثَّانِيَةُ) لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ مِنْ الطَّاهِرَاتِ كَالسَّمِّ الْقَاتِلِ وَالزُّجَاجِ وَالتُّرَابِ الَّذِي يؤذى البدن وهو هذا الَّذِي يَأْكُلُهُ بَعْضُ النِّسَاءِ وَبَعْضُ السُّفَهَاءِ وَكَذَلِكَ الْحَجَرُ الَّذِي يَضُرُّ أَكْلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الطِّينِ وَلَمْ يثبت شئ منها قال وينبغى أن نحكم بِالتَّحْرِيمِ إنْ ظَهَرَتْ الْمَضَرَّةُ فِيهِ وَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ بِتَحْرِيمِ أَكْلِ التُّرَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَابِ الرِّبَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ فِيهِ قَلِيلُ سَمٍّ إذَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ تُصُوِّرَ شَخْصٌ لَا يَضُرُّهُ أكل السموم الطاهرة لم يحرم عليه إذا لا ضرر قال الريانى وَالنَّبَاتُ الَّذِي يُسْكِرُ وَلَيْسَ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى آكِلِهِ قَالَ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الدَّوَاءِ وَإِنْ أَفْضَى إلَى السُّكْرِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ قَالَ وَمَا يُسْكِرُ مَعَ غَيْرِهِ وَلَا يُسْكِرُ بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي دَوَاءٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي التَّدَاوِي حَلَّ التَّدَاوِي بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) كُلُّ طَاهِرٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ إلَّا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ وَذَلِكَ كَالْخُبْزِ وَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْحُبُوبِ وَاللُّحُومِ الطَّاهِرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْإِجْمَاعُ (وَأَمَّا) الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ (فَأَحَدُهَا) الْمُسْتَقْذَرَاتُ كَالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ وَنَحْوِهِمَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا حَلَالٌ وَمِمَّنْ قَالَ به في المنى أبو زيد المروزى وَحُكْمُ الْعَرَقِ حُكْمُ الْمَنِيِّ وَالْمُخَاطِ وَقَدْ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ(9/37)
عَقِبَ كِتَابِ السَّلَمِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ شُرْبُ الْعَرَقِ (الثَّانِي) الْحَيَوَانُ الصَّغِيرُ كَصِغَارِ الْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهَا يَحْرُمُ ابْتِلَاعُهُ حَيًّا بلا خلاف لانه لا يحل الا بزكاة هَذَا فِي غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ
(أَمَّا) السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَيَحِلُّ ابْتِلَاعُهُمَا فِي الْحَيَاةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الثَّالِثُ) جِلْدُ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغُ فِي أَكْلِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَوْ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْآنِيَةِ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ حَرَامٌ
(وَالثَّانِي)
حَلَالٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ جِلْدَ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ فَحَلَالٌ وَإِلَّا فَلَا.
وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَثْنِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الزَّيْتِ إذَا وَقَعَتْ فيه نجاسة فقال جماعة من أصحابنا الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِقَوْلِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَقْرَبُوهُ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَلَا شُرْبُهُ وَيَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ وَبَيْعُهُ
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَيَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ
* وَقَالَ دَاوُد إنْ كان سَمْنًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَإِنْ كَانَ زَيْتًا لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَزَعَمَ أَنَّ الْحَدِيثَ مُخْتَصٌّ بِالسَّمْنِ وَهُوَ لَا يُقَاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ وَالْمُتَنَجِّسِ سَوَاءٌ وَدَكُ الْمَيْتَةِ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَتْ هُنَاكَ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَاسَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
وَقَعَتْ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ دِبْسٍ أَوْ عَجِينٍ أَوْ طَبِيخٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَائِعًا نَجَّسَتْهُ وَإِنْ كَانَ جَامِدًا أُلْقِيَتْ النَّجَاسَةُ وَمَا حَوْلَهَا وَبَقِيَ الْبَاقِي طَاهِرًا قَالُوا وَضَابِطُ الْجَامِدِ أَنَّهُ إذا أخذت(9/38)
مِنْهُ قِطْعَةٌ لَمْ يُرَادَّ إلَى مَوْضِعِهَا مِنْهُ عَلَى الْقُرْبِ مَا يَمْلَؤُهَا فَإِنْ تَرَادَّ فَمَائِعٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِي مَسْأَلَةِ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْعَبْدَرِيُّ لَوْ نَصَبَ قِدْرًا عَلَى النَّارِ وَفِيهَا لَحْمٌ فَوَقَعَ فِيهَا طَائِرٌ فَمَاتَ فَأُخْرِجَ الطَّائِرُ صَارَ مَا فِي الْقِدْرِ نَجِسًا فَيُرَاقُ الْمَرَقُ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ اللَّحْمِ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ عباس.
وعن مالك روايتان
(أحدهما)
كَمَذْهَبِنَا (وَأَصَحُّهُمَا) عَنْهُ أَنَّهُ يُرَاقُ الْمَرَقُ وَيُرْمَى اللَّحْمُ فَلَا يُؤْكَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَوْ وَقَعَتْ ذُبَابَةٌ
أَوْ نَحْلَةٌ فِي قِدْرِ طَبِيخٍ وَتَهَرَّأَتْ أَجْزَاؤُهَا فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُ ذَلِكَ الطَّبِيخِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ أَكْلِ الذُّبَابِ وَالنَّمْلِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا كَانَ لِلِاسْتِقْذَارِ وَلَا يُعَدُّ هَذَا مُسْتَقْذَرًا قَالَ وَلَوْ وَقَعَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ لَمْ يحل أكل شئ مِنْ ذَلِكَ الطَّبِيخِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَحْمُ الآدمى وزن دانق حرم الطبيخ لا لنجاسة فَإِنَّ الْآدَمِيَّ الْمَيِّتَ طَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَكِنْ لِأَنَّ أَكْلَ الْآدَمِيِّ حَرَامٌ لِحُرْمَتِهِ لَا لِاسْتِقْذَارِهِ بِخِلَافِ الذُّبَابِ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَالْمُخْتَارُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الطَّبِيخُ فِي مَسْأَلَةِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فَهُوَ كَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ إذَا وَقَعَ فِي قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لِأَنَّ البول صار باستهلاكه كالمعدوم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ومن اضطر إلى أكل الميتة أو لحم الخنزير فله أن يأكل منه ما يسد به الرمق لقوله تَعَالَى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فلا إثم عليه) وهل يجب أكله فيه وجهان
(أحدهما)
يجب لقوله(9/39)
تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم)
(والثانى)
لا يجب وهو قول أبى اسحق لان له غرضا في تركه وهو أن يجتنب ما حرم عليه وهل يجوز أن يشبع منه فيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز وهو اختيار المزني لانه بعد سد الرمق غير مضطر فلا يجوز له أكل الميتة كما لو اراد أن يبتدئ بالاكل وهو غير مضطر
(والثانى)
يحل لان كل طعام جاز أن يأكل منه قدر سد الرمق جاز له أن يشبع منه كالطعام الحلال وان اضطر إلى طعام غيره وصاحبه غير مضطر إليه وجب عليه بذله لان الامتناع من بذله إعانة على قتله وَقَدْ قَالَ (النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله) وان طلب منه ثمن المثل لزمه أن يشتريه منه ولا يجوز أن يأكل الميتة لانه غير مضطر فان طلب أكثر من ثمن المثل أو امتنع من بذله فله أن يقاتله عليه فان لم يقدر على مقاتلته فاشترى منه بأكثر من ثمن المثل ففيه وجهان
(أحدهما)
يلزمه لانه ثمن في بيع صحيح
(والثانى)
لا يلزمه الا ثمن المثل كالمكره على شرائه فلم يلزمه أكثر من ثمن المثل وان وجد الميته وطعام الغير وصاحبه غائب ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه ياكل الطعام لانه طاهر فكان اولى
(والثانى)
يأكل الميتة لان أكل الميتة ثبت بالنص وطعام الغير ثبت بالاجتهاد فقدم أكل الميتة عليه ولان المنع من أكل الميتة لحق الله سبحانه وتعالى والمنع من طعام الغير لحق الآدمى وحقوق الله تعالى
مبنية على التسهيل وحقوق الآدمى مبنية على التشديد وان وجد ميتة وصيدا وهو محرم ففيه طريقان (من) أصحابنا من قال إذا قلنا أنه إذا ذبح المحرم الصيد صار ميتة أكل الميتة وترك الصيد لانه إذا ذكاه صار ميتة ولزمه الجزاء (وان قلنا) أنه لا يصير ميتة أكل الصيد لانه طاهر ولان تحريمه أخف لانه يحرم عليه(9/40)
وحده والميتة محرمة عليه وعلى غيره (ومن) أصحابنا من قال ان قلنا أنه يصير ميتة أكل الميتة وان قلنا أنه لا يكون ميتة ففيه قولان
(أحدهما)
يذبح الصيد ويأكله لانه طاهر ولان تحريمه أخف على ما ذكرناه
(والثانى)
أنه يأكل الميتة لانه منصوص عليها والصيد مجتهد فيه وان اضطر ووجد آدميا ميتا جاز له أكله لان حرمة الحى آكد من حرمة الميت وان وجد مرتدا أو من وجب قتله في الزنا جاز له أن يأكله لان قتله مستحق وان اضطر ولم يجد شيئا فهل يجوز له أن يقطع شيئا من بدنه ويأكله فيه وجهان (قال) أبو إسحق يجوز لانه احياء نفس بعضو فجاز كما يجوز أن يقطع عضوا إذا وقعت فيه الآكلة لاحياء نفسه ومن أصحابنا من قال لا يجوز لانه إذا قطع عضوا منه كان المخافة عليه أكثر وان اضطر إلى شرب الخمر أو البول شرب البول لان تحريم الخمر أغلظ ولهذا يتعلق به الحد فكان البول أولى وان اضطر إلى شرب الخمر وحدها ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يجوز أن يشرب لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)
(والثانى)
يجوز لانه يدفع به الضرر عن نفسه فصار كما لو أكره على شربها (والثالث) أنه ان اضطر إلى شربها للعطش لم يجز لانها تزيد في الالهاب والعطش وان اضطر إليها للتداوي جاز)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ) رَوَاهُ (1) وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ مَسْتُورٌ وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْمَسْتُورِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ على أن المضطر
__________
(1) بياض بالاصل فحرر(9/41)
إذَا لَمْ يَجِدْ طَاهِرًا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ النَّجَاسَاتِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَفِي وُجُوبِ هَذَا الْأَكْلِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجِبُ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْأَكْلَ فَإِنَّمَا يَجِبُ سَدُّ الرَّمَقِ دُونَ الشِّبَعِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا وَجَدَ طَاهِرًا يَمْلِكُهُ لَزِمَهُ أَكْلُهُ (الثَّانِيَةُ) فِي حَدِّ الضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا خِلَافَ أَنَّ الْجُوعَ الْقَوِيَّ لَا يَكْفِي لِتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا قَالُوا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِامْتِنَاعُ إلَى الْإِشْرَافِ عَلَى الْهَلَاكِ فَإِنَّ الْأَكْلَ حِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُ وَلَوْ انْتَهَى إلَى تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ لَوْ لم يأكل من جوع أو ضعف عن الْمَشْيِ أَوْ عَنْ الرُّكُوبِ وَيَنْقَطِعُ عَنْ رُفْقَتِهِ ويضيع ونحو ذلك فلو خالف حدوث مرض مخوف في جنسه فَهُوَ كَخَوْفِ الْمَوْتِ وَإِنْ خَافَ طُولَ الْمَرَضِ فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ إنَّهُمَا قَوْلَانِ وَلَوْ عِيلَ صَبْرُهُ وَأَجْهَدَهُ الْجُوعُ فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ وَنَحْوُهَا أَمْ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَصِلَ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ فِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَخَافُهُ تَيَقُّنُ وُقُوعِهِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ بَلْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ قَالُوا كَمَا أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهَا إذَا ظَنَّ وُقُوعَ مَا خُوِّفَ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَى الْغَيْبِ وَجُمْلَةُ جِهَاتِ الظَّنِّ مُسْتَنَدُهَا الظَّنُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُبَاحُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي حِلِّ الشِّبَعِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ نَقَلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) لَا يُبَاحُ الشِّبَعُ وَإِنَّمَا يُبَاحُ سَدُّ الرَّمَقِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالَةٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي الِابْتِدَاءِ لَمَا جَازَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَزُولُ بِهَذَا وَالتَّمَادِي فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مُمْتَنِعٌ
(وَالثَّانِي)
يُبَاحُ الشِّبَعُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَيْسَ مَعْنَى الشِّبَعِ أَنْ يَمْتَلِئَ حَتَّى لَا يَجِدَ لِلطَّعَامِ مَسَاغًا وَلَكِنْ إذا انكسرت سورة الجوع بحيث لا ينطق عَلَيْهِ اسْمُ جَائِعٍ أَمْسَكَ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ بعيدا(9/42)
مِنْ الْعُمْرَانِ حَلَّ الشِّبَعُ وَإِلَّا فَلَا.
هَكَذَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَكَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ التَّفْصِيلُ وَذَكَرَ هُوَ وَالْغَزَالِيُّ تَفْصِيلًا
جَاءَ نَقْلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي بَادِيَةٍ وَخَافَ إنْ تَرَكَ الشِّبَعَ أَنْ لَا يَقْطَعَهَا وَيَهْلَكَ وَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَشْبَعُ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ وَتَوَقَّعَ طعاما طاهرا قبل عود الضَّرُورَةِ وَجَبَ الْقَطْعُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ حُصُولُ طَعَامٍ طَاهِرٍ وَأَمْكَنَ الْحَاجَةُ إلَى الْعَوْدِ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إنْ لَمْ يَجِدْ الطَّاهِرَ فَهَذَا مَحِلُّ الْخِلَافِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الامام والغزالي تفصيل حسن وهو الراجع وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ فَرَجَّحَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا حِلَّ الشِّبَعِ وَرَجَّحَ الْقَفَّالُ وَكَثِيرُونَ وُجُوبَ الِاقْتِصَارِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ وَتَحْرِيمَ الشِّبَعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمَيْتَةِ إنْ لَمْ يرج الوصول إلى طاهر قان رَجَاهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَزَادَ الْقَفَّالُ فَقَالَ يَجُوزُ حَمْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَا لَمْ يَتَلَوَّثْ بِهَا (الخامسة) إذا جوزنا الشبع فأكل ماسد رَمَقَهُ ثُمَّ وَجَدَ لُقْمَةً حَلَالًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ حَتَّى يَأْكُلَ تِلْكَ اللُّقْمَةَ فَإِذَا أَكَلَهَا هَلْ لَهُ إتْمَامُ الْأَكْلِ مِنْ الْمَيْتَةِ إلَى الشِّبَعِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ بِوُجُودِ اللُّقْمَةِ عَادَ إلَى الْمَنْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى عَوْدِ الضَّرُورَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ لَمْ يَجِد الْمُضْطَرُّ إلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْبَذْلِ فَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ لَهُ الشِّبَعُ أَمْ يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ فِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) طَرْدُ الْخِلَافِ كَالْمَيْتَةِ
(وَالثَّانِي)
يُبَاحُ الشِّبَعُ قَطْعًا (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ قَطْعًا بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ (السَّادِسَةُ) فِي بَيَانِ جِنْسِ الْمُبَاحِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُحَرَّمُ الَّذِي يَحْتَاجُ الْمُضْطَرُّ إلَى تَنَاوُلِهِ ضَرْبَانِ مُسْكِرٌ وَغَيْرُهُ (أَمَّا) الْمُسْكِرُ فَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا (وَأَمَّا) غَيْرُ الْمُسْكِرِ(9/43)
فَيُبَاحُ جَمِيعُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إتْلَافُ معصوم فيجوز للمضطر أكل المتية وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبُ الْبَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَيَجُوزُ لَهُ قَتْلُ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَأَكْلُهُمَا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُحَارِبُ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ فَفِيهِمْ وَجْهَانِ
(أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يَجُوزُ قَالَ الْإِمَامُ لِأَنَّا إنَّمَا مُنِعْنَا مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ تَفْوِيضًا إلَى السُّلْطَانِ لِئَلَّا يُفْتَاتَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْعُذْرُ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ عِنْدَ تَحَقُّقِ ضَرُورَةِ الْمُضْطَرِّ (وَأَمَّا) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَلَهُ قَتْلُهُ قِصَاصًا وَأَكْلُهُ سَوَاءٌ حَضَرَهُ السُّلْطَانُ أَمْ لَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) نِسَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانُهُمْ فَفِيهِمْ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِلْأَكْلِ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ حَرَامٌ فَأَشْبَهَ الذِّمِّيَّ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ وَلَيْسَ الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهِمْ لِحُرْمَةِ نُفُوسِهِمْ بَلْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى قَاتِلِهِمْ (وَأَمَّا) الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ فمصومون فَيَحْرُمُ قَتْلُهُمْ لِلْأَكْلِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَالِدٍ قَتْلُ وَلَدِهِ لِيَأْكُلَهُ وَلَا لِلسَّيِّدِ قَتْلُ عَبْدِهِ لِيَأْكُلَهُ وَإِنْ كَانَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ (أَمَّا) إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ إلَّا آدَمِيًّا مَيِّتًا مَعْصُومًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (الصَّحِيحُ) الْجَوَازُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكد
(والثانى)
لا لوجوب صيانته وليس بشئ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ كَافِرًا حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَوَجْهَانِ
* ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ الا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ نَبِيًّا فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِكَمَالِ حُرْمَتِهِ وَمَزِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ جَوَّزْنَا الْأَكْلَ مِنْ الْآدَمِيِّ الْمَيِّتِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهُ إلَّا مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ بِلَا خِلَافٍ حِفْظًا لِلْحُرْمَتَيْنِ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ طَبْخُهُ وَشَيُّهُ بَلْ يَأْكُلُهُ نِيئًا لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِذَلِكَ وَفِي طَبْخِهِ هَتْكٌ لِحُرْمَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَيْتَاتِ فَإِنَّ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلَهَا نية وَمَطْبُوخَةً وَلَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ ذِمِّيًّا وَوَجَدَ مُسْلِمًا ميتا فَفِي حِلِّ أَكْلِهِ لَهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَالْقِيَاسُ تَحْرِيمُهُ لِكَمَالِ شرف(9/44)
الْإِسْلَامِ وَلَوْ وَجَدَ مَيْتَةً وَلَحْمَ آدَمِيٍّ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَلَمْ يَجُزْ أَكْلُ الْآدَمِيِّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَيْتَةُ خِنْزِيرًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَلَحْمَ آدَمِيٍّ أَكَلَ الصَّيْدَ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ
* (فرع)
لو أراد المضطر أن يقطع قطعه مِنْ نَفْسِهِ مِنْ فَخِذِهِ أَوْ غَيْرِهَا لِيَأْكُلَهَا فَإِنْ كَانَ
الْخَوْفُ مِنْهُ كَالْخَوْفِ فِي تَرْكِ الْأَكْلِ أَوْ أَشَدَّ حَرُمَ الْقَطْعُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَإِلَّا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ وهو قول ابن سريج وابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ اخْتَارَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَالنُّسَخِ وَإِذَا جَوَّزْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَجِدَ شَيْئًا غَيْرَهُ فَإِنْ وَجَدَ حَرُمَ الْقَطْعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَعْصُومٍ غَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَعْضَائِهِ شَيْئًا لِيَدْفَعَهُ إلَى الْمُضْطَرِّ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ (السَّابِعَةُ) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ طَعَامًا حَلَالًا طَاهِرًا لِغَيْرِهِ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ غَائِبًا فَإِنْ حَضَرَ نُظِرَ إنْ كَانَ الْمَالِكُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ أَيْضًا فَهُوَ أَوْلَى به وليس للآخران يَأْخُذَهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ بَذْلُهُ لَهُ هَكَذَا قَالُوهُ وَالْحُكْمُ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَتُتَصَوَّرُ فِي زَمَنِ نُزُولِ عِيسَى بن مريم عليكم وَقَدْ تَكُونُ مَسْأَلَةً عِلْمِيَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ آثَرَ الْمَالِكُ غَيْرَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) قَالُوا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ مُسْلِمًا فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُؤْثِرُهُ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَكَذَا لَا يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ بَهِيمَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ مُضْطَرًّا فَيَلْزَمُهُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا وَكَذَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْخُذَهُ قَهْرًا وَلَهُ مُقَاتَلَةُ الْمَالِكِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَتَى الْقِتَالُ عَلَى نَفْسِ الْمَالِكِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَإِنْ قَتَلَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرَّ فِي الدَّفْعِ عَنْ طَعَامٍ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ مَنَعَهُ الطَّعَامَ فَمَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ قِيلَ يَضْمَنُ لَكَانَ مَذْهَبًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَالِكَ بَذْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ قَهْرًا وَالْقِتَالُ عَلَيْهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ
(وَالثَّانِي)(9/45)
قَدْرُ الشِّبَعِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ الْأَخْذُ قَهْرًا وَالْقِتَالُ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَجِبَ (وَالْأَصَحُّ) هُنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْأَخْذُ قَهْرًا وَلَا يَجِبُ الْقِتَالُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ دَفْعُ الصَّائِلِ فَهُنَا أَوْلَى وَخَصَّ الْبَغَوِيّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَوْفٌ فِي الْأَخْذِ قَهْرًا قَالَ فَإِنْ خَافَ لَمْ يَجِبْ قَطْعًا وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمَالِكِ بَذْلَهُ لِلْمُضْطَرِّ فَفِي الْحَاوِي وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بذله مجانا ولا يلزم المضطر شئ كما يأكل الميتة بلا شئ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
الْبَذْلُ إلَّا بِعِوَضٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا خَلَصَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ بِالْوُقُوعِ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ بِأَنَّ هُنَاكَ يَلْزَمُهُ التَّخْلِيصُ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى تَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ
* وَسَوَّى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا وَقَالُوا إنْ احْتَمَلَ الْحَالُ هُنَاكَ مُوَافَقَةً عَلَى أُجْرَةٍ يَبْذُلُهَا أَوْ يَلْتَزِمُهَا لَمْ يَلْزَمْ تَخْلِيصُهُ حَتَّى يَلْتَزِمَهَا كَمَا فِي الْمُضْطَرِّ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْحَالُ التَّأْخِيرَ فِي صُورَةِ الْمُضْطَرِّ فَأَطْعَمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنْ بَذَلَ الْمَالِكُ طَعَامَهُ مَجَّانًا لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعَ وَإِنْ بَذَلَهُ بِالْعِوَضِ نُظِرَ إنْ لَمْ يُقَدَّرْ الْعِوَضُ لَزِمَ الْمُضْطَرَّ بَذْلُهُ وَهُوَ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَكَلَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ وَإِنْ قُدِّرَ لَهُ الْعِوَضُ فَإِنْ لَمْ يُفْرِدْ مَا يَأْكُلُهُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وان أفرده فان كَانَ الْمُقَدَّرُ ثَمَنَ الْمِثْلِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلِلْمُضْطَرِّ مَا فَضَلَ عَنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَالْتَزَمَهُ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ لَازِمٍ (وَأَصَحُّهَا) عِنْدَ الرُّويَانِيِّ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثَمَنُ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَا تَشُقُّ عَلَى المضطر ليساره لَزِمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَحْتَالَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ لِيَكُونَ الْوَاجِبُ الْقِيمَةَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنًا لَكِنَّ الْوَجْهَ جَعْلُ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ لِمَعْنًى وَأَنَّ الْمُضْطَرَّ هَلْ هُوَ مُكْرَهٌ أَمْ لَا وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ الشِّرَاءُ بالثمن الغالى لضرورة هل نجعله كَرْهًا حَتَّى لَا يَصِحَّ الشِّرَاءُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَقْيَسُهُمَا) صِحَّةُ الْبَيْعِ قَالَ وَكَذَا الْمُصَادَرُ مِنْ جهة(9/46)
السلطان الظالم إذا باع ماله لِلضَّرُورَةِ فِي الْمُصَادَرَةِ وَدَفْعِ الْأَذَى الَّذِي يَخَافُهُ فيه وجهان (أصحهما) صحة البيع لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ عَلَى نَفْسِ الْبَيْعِ وَمَقْصُودُ الظَّالِمِ تَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ وَاحْتَجَّ بِهِ لِوَجْهِ لُزُومِ الْمُسَمَّى فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ
* (فَرْعٌ)
متى باع المضطر بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَمَعَ الْمُضْطَرِّ مَالٌ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ وَصَرْفُ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَال
إلَى الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ سَاتِرُ عَوْرَتِهِ لَزِمَهُ صَرْفُهُ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَخَفْ الْهَلَاكَ بِالْبَرْدِ وَيُصَلِّي عَارِيًّا لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَخَفُّ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَخْذُ الطَّعَامِ قَهْرًا ولا يجوز أخذ ساتر الْعَوْرَةِ قَهْرًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ لَزِمَهُ الْتِزَامُهُ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَمْ لَا وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ فِي هَذَا الْحَالِ الْبَيْعُ نَسِيئَةً قَالَ أَصْحَابُنَا والشراء هنا واجب بلا خلاف ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ بَلْ يَجُوزُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ يَقُولُ لَا يَجِبُ لِأَنَّ فِيهِ مُبَاشَرَةَ النَّجَاسَةِ وَهَذَا مَقْصُودٌ فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ الطَّاهِرِ
* (فَرْعٌ)
لَيْسَ لِلْمُضْطَرِّ الْأَخْذُ قَهْرًا إذَا بَذَلَ الْمَالِكُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنْ طَلَبَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَيَأْخُذَهُ قَهْرًا وَيُقَاتِلَهُ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِالزِّيَادَةِ مَعَ إمْكَانِ أَخْذِهِ قَهْرًا فَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الزِّيَادَةِ فَيَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى بِلَا خِلَافٍ وَالْخِلَافُ السَّابِقُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ الْأَخْذِ قَهْرًا
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَطْعَمَهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِبَاحَةِ فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا عِوَضَ عَلَيْهِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْمُسَامَحَةِ الْمُعْتَادَةِ بِالطَّعَامِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ الْعِوَضُ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِيمَنْ عُرِفَ بِالْعَمَلِ بِأُجْرَةٍ إذَا اسْتَعْمَلَهُ إنْسَانٌ بِغَيْرِ شَرْطِ أُجْرَةٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَالِكُ أَطْعَمْتُكَ بِعِوَضٍ فَقَالَ الْمُضْطَرُّ بَلْ مَجَّانًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُصَدَّقُ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِدَفْعِهِ
(وَالثَّانِي)
الْمُضْطَرُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَلَوْ أَوْجَرَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرَّ قَهْرًا أَوْ أَوْجَرَهُ وَهُوَ مُغْمَى عَلَيْهِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْقِيمَةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ خَلَّصَهُ مِنْ الْهَلَاكِ كَمَنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ
*(9/47)
(فَرْعٌ)
كَمَا يَجِبُ بَذْلُ الْمَالِ لِإِبْقَاءِ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ يَجِبُ بَذْلُهُ لِإِبْقَاءِ الْبَهِيمَةِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْغَيْرِ وَلَا يَجِبُ الْبَذْلُ لِلْحَرْبِيِّ وَلَا لِلْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ كَلْبٌ مُبَاحُ الْمَنْفَعَةِ جَائِعٌ وَشَاةٌ لَزِمَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ لِإِطْعَامِ الْكَلْبِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلْأَكْلِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ كَلْبٌ مُضْطَرٌّ وَمَعَ غَيْرِهِ شَاةٌ لَيْسَ مُضْطَرًّا إلَيْهَا لَزِمَهُ بَذْلُهَا فَإِنْ امْتَنَعَ فَلِصَاحِبِ الْكَلْبِ قَهْرُهُ وَمُقَاتَلَتُهُ لِمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ غَائِبًا فَيَجُوزُ
لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ طَعَامِهِ وَيَغْرَمُ لَهُ بَدَلَهُ وَفِي وُجُوبِ الْأَكْلِ وَالْقَدْرِ الْمَأْكُولِ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ وَالْوَلِيُّ غَائِبٌ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ فِي مَالِهِمَا كَكَامِلِ الْحَالِ فِي مَالِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذِهِ إحْدَى الصُّوَرِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا بَيْعُ مَالِ الصَّبِيِّ نَسِيئَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَطَعَامَ الْغَيْرِ وَهُوَ غَائِبٌ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ أَكْلِ الطَّعَامِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْآدَمِيِّ وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ حَاضِرًا فَإِنْ بَذَلَهُ بِلَا عِوَضٍ أَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا وَمَعَهُ ثَمَنُهُ أَوْ رَضِيَ بِذِمَّتِهِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَلَمْ يَجُزْ أَكْلُ الْمَيْتَةِ فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فَالْمَذْهَبُ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالطَّبَرِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ الشِّرَاءُ فَهُوَ كَمَا إذَا لَمْ يَبْذُلْهُ أَصْلًا وَإِذَا لَمْ يَبْذُلْهُ لَمْ يُقَاتِلْهُ عَلَيْهِ الْمُضْطَرُّ إنْ خَافَ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ خَافَ إهْلَاكَ الْمَالِكِ فِي الْمُقَاتَلَةِ بَلْ يَعْدِلُ إلَى الْمَيْتَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ لِضَعْفِ الْمَالِكِ وَسُهُولَةِ دَفْعِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيمَا إذَا كَانَ غَائِبًا هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَشْتَرِيهِ بِالثَّمَنِ الْغَالِي وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ثُمَّ يجئ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى أَمْ ثَمَنُ الْمِثْلِ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَبْذُلْ أَصْلًا وَقُلْنَا طَعَامُ الْغَيْرِ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَهُ وَيَأْخُذَهُ قَهْرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (التَّاسِعَةُ) لَوْ اُضْطُرَّ مُحْرِمٌ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا صَيْدًا فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَمَيْتَةً فَلَهُ طَرِيقَانِ(9/48)
ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقِينَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا ذَبَحَ صَيْدًا هَلْ يَصِيرُ مَيْتَةً فَيَحْرُمَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَمْ لَا يَكُونُ مَيْتَةً فَلَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَصِيرُ مَيْتَةً (فَإِنْ قُلْنَا) يَصِيرُ مَيْتَةً أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَإِلَّا فَالصَّيْدُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ قُلْنَا يَصِيرُ مَيْتَةً أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَإِلَّا فَأَيَّهُمَا يَأْكُلُ فِيهِ قَوْلَانِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَوْ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمَهُ أَكْلُ الصَّيْدِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عن أبى على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ عَلَى الْجُمْلَةِ وُجُوبُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ
* وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ لَحْمَ
صَيْدٍ مَذْبُوحٍ وميتة فان كان ذابحه حلال ذَبَحَهُ لِنَفْسِهِ فَهَذَا مُضْطَرٌّ وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامَ الغير وقد سبق حكمه وان ذبح هَذَا الْمُحْرِمُ قَبْلَ إحْرَامِهِ فَهُوَ وَاجِدُ طَعَامِ حَلَالٍ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ مُضْطَرًّا فَإِنْ ذَبَحَهُ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ وَقُلْنَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا
(وَالثَّانِي)
يَتَعَيَّنُ لَحْمُ الصَّيْدِ (وَالثَّالِثُ) الْمَيْتَةُ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ قُلْنَا إنَّهُ مَيْتَةٌ أَكَلَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَغَيْرُ الصَّيْدِ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِمَيْتَةٍ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَأْكُلُهُ
(وَالثَّانِي)
يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَطَعَامَ الْغَيْرِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ أَقْوَالٍ سَوَاءٌ جَعَلْنَاهُ مَيْتَةً أَمْ لَا (أَحَدُهَا) يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ
(وَالثَّانِي)
الطَّعَامُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ هَذَا إذَا كَانَ مَالِكُ الطَّعَامِ غَائِبًا فَإِنْ حَضَرَ وَمَنَعَهُ تَعَيَّنَ الصَّيْدُ وَإِنْ بَذَلَهُ تَعَيَّنَ الطَّعَامُ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَطَعَامَ الْغَيْرِ فَسَبْعَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) يَتَعَيَّنُ الْمَيْتَةُ
(وَالثَّانِي)
الصَّيْدُ (وَالثَّالِثُ) الطَّعَامُ (وَالرَّابِعُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ (وَالْخَامِسُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالْمَيْتَةِ (وَالسَّادِسُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الصَّيْدِ وَالْمَيْتَةِ (وَالسَّابِعُ) بَيْنَ الصَّيْدِ وَالطَّعَامِ
* (فَرْعٌ)
إذَا لَمْ نَجْعَلْ مَا يَذْبَحُهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ مَيْتَةً فَهَلْ عَلَى الْمُضْطَرِّ قِيمَةُ مَا أَكَلَهُ مِنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْرِمِ هَلْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَى الصَّيْدِ (الْعَاشِرَةُ) إذَا وجد ميتتان احدهما مِنْ جِنْسِ الْمَأْكُولِ دُونَ الْأُخْرَى أَوْ إحْدَاهُمَا طَاهِرَةٌ فِي الْحَيَاةِ دُونَ الْأُخْرَى كَشَاةٍ وَحِمَارٍ أَوْ كَلْبٍ فَهَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا أَمْ تَتَعَيَّنُ الشَّاةُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَرْكُ الْكَلْبِ وَالتَّخْيِيرُ في الباقي والله(9/49)
أعلم (الحادية عشر) لَا يَجُوزُ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ حَتَّى يَتُوبَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فلا اثم عليه) وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحَةً فِي بَابِ مَسْحِ الخف وباب صلاة المسافر (الثانية عشر) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَجَدَ مَعَ غَيْرِهِ طَعَامًا يَضُرُّهُ وَيَزِيدُ فِي مرضه جاز له تَرْكُهُ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ كَانَ الطَّعَامُ لَهُ وَعَدُّوا هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ كَمَا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِذَا اُضْطُرَّ وَوَجَدَ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ إلَّا فِي
حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ إذَا خَافَ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَسْقِيَهُ مَسْمُومًا فَلَوْ تَرَكَهُ وَأَكَلَ الْمَيْتَةَ فَلَهُ تركه وأكل الميتة والله أعلم
* (الثالثة عشر) إذَا اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الدَّمِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَائِعَةِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ جَازَ لَهُ شُرْبُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اُضْطُرَّ وَهُنَاكَ خَمْرٌ وَبَوْلٌ لَزِمَهُ شُرْبُ الْبَوْلِ وَلَمْ يَجُزْ شُرْبُ الْخَمْرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ غَيْرِ الْخَمْرِ فَهُوَ جَائِزٌ سَوَاءٌ فِيهِ جَمِيعُ النَّجَاسَاتِ غَيْرُ الْمُسْكِرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ (وَوَجْهٌ ثَالِثٌ) أَنَّهُ يَجُوزُ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ خَاصَّةً لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهَا حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَهُمَا شَاذَّانِ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُرَيْنَةَ وَهِيَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالنُّونِ - أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الاسلام فلستوخموا الْمَدِينَةَ فَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا قَالُوا بَلَى فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَصَحُّوا فَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطْرَدُوا النَّعَمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ (وَفِي رِوَايَةٍ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا أَبْوَالَهَا وَأَلْبَانَهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهَا فَإِنْ وَجَدَهُ حَرُمَتْ النَّجَاسَاتُ بِلَا خِلَافٍ وعليه(9/50)
يُحْمَلُ حَدِيثُ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ حَرَامًا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُتَدَاوِي عَارِفًا بِالطِّبِّ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُ هَذَا مَقَامَهُ أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ عَدْلٌ وَيَكْفِي طَبِيبٌ وَاحِدٌ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَلَوْ قَالَ الطَّبِيبُ يَتَعَجَّلُ لَكَ بِهِ الشِّفَاءُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ تَأَخَّرَ فَفِي إبَاحَتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَقِيَاسُ نَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ جَوَازَهُ (أَمَّا) الْخَمْرُ وَالنَّبِيذُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُسْكِرِ فَهَلْ يَجُوزُ شُرْبُهَا لِلتَّدَاوِي أَوْ الْعَطَشِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي دُونَ الْعَطَشِ (وَالرَّابِعُ) عَكْسُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ
سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ إنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ جَوَازَهَا لِلْعَطَشِ دُونَ التَّدَاوِي وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَحْرِيمُهَا لَهُمَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَسَأُورِدُ دَلِيلَهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فان جوزنا شربها للعطش وكان مَعَهُ خَمْرٌ وَبَوْلٌ لَزِمَهُ شُرْبُ الْبَوْلِ وَحَرُمَ الخمر لان تحريم الخمر أَخَفُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَهَذَا كَمَنْ وَجَدَ بَوْلًا وَمَاءً نَجِسًا فَإِنَّهُ يَشْرَبُ الْمَاءَ النَّجَسَ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ طَارِئَةٌ وَفِي جَوَازِ التَّبَخُّرِ بِالنَّدِّ الْمَعْجُونِ بِالْخَمْرِ وَجْهَانِ بِسَبَبِ دُخَانِهِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ دُخَانَ نَفْسِ النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قدذكرنا أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي وَالْعَطَشِ وَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَّالِيَّ اخْتَارَا جَوَازَهَا لِلْعَطَشِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخَمْرُ يُسْكِنُ الْعَطَشَ فَلَا يَكُونُ اسْتِعْمَالُهَا فِي حُكْمِ الْعِلَاجِ قَالَ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْخَمْرَ لَا يُسْكِنُ الْعَطَشَ فَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَلَا يُعَدُّ قَوْلُهُ مَذْهَبًا بَلْ هو غلط ووهم بل معاقر الخمر يجتزى بِهَا عَنْ الْمَاءِ هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ الْأَصْحَابِ وَالْأَطِبَّاءِ أَنَّهَا لَا تُسْكِنُ الْعَطَشَ بَلْ تَزِيدُهُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ عَادَةِ شَرَبَةِ الْخَمْرِ أَنَّهُمْ يُكْثِرُونَ شُرْبَ الْمَاءِ وَقَدْ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ(9/51)
عَلَى الْمَنْعِ مِنْ شُرْبِهَا لِلْعَطَشِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا تُجِيعُ وَتُعَطِّشُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ سَأَلْتُ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهَا تَرْوِي فِي الْحَالِ ثُمَّ تُثِيرُ عَطَشًا عَظِيمًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَتْ الْأَطِبَّاءُ الْخَمْرُ تَزِيدُ فِي الْعَطَشِ وَأَهْلُ الشُّرْبِ يَحْرِصُونَ عَلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ فَحَصَلَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ فِي دَفْعِ الْعَطَشِ وَحَصَلَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ فِي الدَّوَاءِ فَثَبَتَ تَحْرِيمُهَا مُطْلَقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَسِيغُهَا بِهِ إلَّا الْخَمْرَ فَلَهُ إسَاغَتُهَا بِهِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ بَلْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الْإِسَاغَةِ قَطْعِيَّةٌ بِخِلَافِ التَّدَاوِي وَشُرْبِهَا لِلْعَطَشِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ غَصَّ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ - لَا بِضَمِّهَا - يَغَصُّ - بِفَتْحِهَا - أَيْضًا غَصَصًا - بِالْفَتْحِ - أَيْضًا فَهُوَ غَاصٌّ وَغَصَّانُ وَأَغْصَصْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَكْلُ التِّرْيَاقِ الْمَعْمُولِ بِلَحْمِ الْحَيَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ حَيْثُ تَجُوزُ الْمَيْتَةُ هَذَا لَفْظُهُ وَاحْتَجَّ
* الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَا أُبَالِي مَا أَتَيْتُ إنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهَا مَذْمُومَةً
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضْطَرِّ (إحْدَاهَا) أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهَا لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَفِي قَدْرِ الْمَأْكُولِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ سَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) سَدُّ الرَّمَقِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وداود
(والثانى)
قَدْرُ الشِّبَعِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُضْطَرِّ مَالٌ وكان مع غيره طعام يستغن عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لَهُ بِلَا عِوَضٍ وَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْبَذْلِ حَتَّى يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَبَقَ هَذَا مَذْهَبُنَا
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَقَوْلُ دَاوُد قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِ دَاوُد مَنْ قَالَ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ قَدْرَ(9/52)
مَا تَزُولُ بِهِ الضَّرُورَةُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَآهُ يَغْرَقُ أَوْ يَحْتَرِقُ وَأَمْكَنَهُ تَخْلِيصُهُ لَزِمَ تَخْلِيصُهُ مِنْ غَيْرِ إلْزَامِ عِوَضٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الذِّمَّةَ كَالْمَالِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الطَّعَامِ بَذْلُهُ مَجَّانًا وَكَذَا إذَا أَمْكَنَ الشِّرَاءُ فِي الذِّمَّةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَلْ كُلُّ حَالَةٍ أَمْكَنَ فِيهَا الْمُوَافَقَةُ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا بِالْعِوَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) إذَا وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامًا لِغَائِبٍ فَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة وأحملانه منصوص عليها وطعام غيره مجتهد فيه (والثاني) يَأْكُلُ طَعَامَ غَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَعَ طَهَارَتِهِ وَلَوْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ (الرَّابِعَةُ) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ آدَمِيًّا مَيِّتًا حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الظَّاهِرِ لَا يَجُوزُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ التَّدَاوِي بِجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ سِوَى الْمُسْكِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) وَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ
إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى شُرْبِهِمْ الْأَبْوَالَ لِلتَّدَاوِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
وَحَدِيثِ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يُغْنِي عَنْهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الطَّاهِرَةِ.
وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ إنْ صَحَّا حُمِلَا عَلَى النَّهْيِ عَنْ التَّدَاوِي بِالْمُسْكِرِ وَعَلَى التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (وان مر ببستان لغيره وهو غير مضطر لم يجز أن يأخذ منه شيئا بغير إذن صاحبه لقوله صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفسه)
*(9/53)
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مسلم الا بطيب نفس منه) اسناده ضعيف على ابن زَيْدٍ ضَعِيفٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ (لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ مِنْ طِيبِ نَفْسٍ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَرَّ الْإِنْسَانُ بِثَمَرِ غَيْرِهِ أَوْ زَرْعِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَلَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضْطَرًّا فَيَأْكُلَ حِينَئِذٍ وَيَضْمَنَ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الثِّمَارِ السَّاقِطَةِ مِنْ الْأَشْجَارِ حُكْمُ الثِّمَارِ الَّتِي عَلَى الشَّجَرِ إنْ كَانَتْ السَّاقِطَةُ دَاخِلَ الْجِدَارِ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِإِبَاحَتِهَا فَإِنْ جَرَتْ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا) لَا يَحِلُّ كَالدَّاخِلَةِ وَكَمَا إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الْمَالِكَ لَا يُبِيحُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ بِذَلِكَ وَحُصُولِ الظَّنِّ بِإِبَاحَتِهِ كَمَا يَحْصُلُ تَحَمُّلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْهَدِيَّةَ وَيَحِلُّ أَكْلُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ حُكْمُ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ
* أَمَّا الْقَرِيبُ وَالصَّدِيقُ فَإِنْ تَشَكَّكَ فِي رِضَاهُ بِالْأَكْلِ من ثمره وزرعه وبيته لم يحل الا كل مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ رضاه به وأنه يَكْرَهُ أَكْلَهُ مِنْهُ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ الْقَدْرَ الَّذِي يَظُنُّ رِضَاهُ بِهِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَمْوَالِ وَلِهَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِعْلُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم إلى قوله تعالى أو صديقكم) وَبَيَّنَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي من مَرَّ بِبُسْتَانِ غَيْرِهِ وَفِيهِ ثِمَارٌ أَوْ مَرَّ بزرع غيره فمذهبنا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ الَّتِي يُبَاحُ فِيهَا الْمَيْتَةُ
* وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة ودواد والجمهور
* وقال(9/54)
أَحْمَدُ إذَا اجْتَازَ بِهِ وَفِيهِ فَاكِهَةٌ رَطْبَةٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَائِطٌ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَمَانَ
* وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَى مُجَاهِدُ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (مَنْ مَرَّ مِنْكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ فِي بَطْنِهِ ولا يتخذ خبنة) وعن زيدب ن وَهْبٍ قَالَ (قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَأَمِّرُوا عَلَيْكُمْ وَاحِدًا مِنْكُمْ فَإِذَا مَرَرْتُمْ بِرَاعِي الْإِبِلِ فَنَادُوا يَا رَاعِيَ الْإِبِلِ فَإِنْ أَجَابَكُمْ فَاسْتَسْقُوهُ وَإِنْ لَمْ يُجِبْكُمْ فَأْتُوهَا فَحُلُّوهَا وَاشْرَبُوا ثُمَّ صُرُّوهَا) رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ بِإِسْنَادَيْهِ جَمِيعًا قَالَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا ذَكَرْتُهُ مِمَّا سَبَقَ مِنْهُ وَبِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يؤتى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ مَرَّ لِرَجُلٍ بِزَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شئ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ قَالَ وَقَدْ قيل من مر بحائط فاليأكل ولا يتخذ خبنة ورى فِيهِ حَدِيثٌ لَوْ كَانَ ثَبَتَ عِنْدَنَا لَمْ نُخَالِفْهُ وَالْكِتَابُ
وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ هُوَ حَدِيثُ يحيى بن سليم الطائفي عن عبيد الله بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ فَذَكَرَ إسْنَادَهُ إلَى يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ حديث يحيى بن سليم هذا عن عبيد الله فِي الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالْحَائِطِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ قَالَ هَذَا غَلَطٌ وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ يحيى بن سليم يروى أحاديث عن عبيد الله يَهِمُ فِيهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ جَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ وَلَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ (مِنْهَا) عَنْ عَمْرِو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ سَأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ الضَّالَّةِ فَذَكَرَ(9/55)
الْحَدِيثَ قَالَ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ الثِّمَارِ يُصِيبُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ (مَا أَخَذَ فِي أَكْمَامِهِ يَعْنِي رؤس النَّخْلِ فَاحْتَمَلَهُ فَثَمَنُهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ وَضَرْبُ نَكَالٍ وَمَا كَانَ فِي أَجْرَانِهِ فَأَخَذَهُ فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ وَإِنْ أَكَلَ بفيه ولم يأخذ فيتخذ خبنة فليس عليه شئ) قال البيهقي وهذا إن صح فمحمول على أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَطْعٌ حِينَ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْحِرْزِ (وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فليحلب وليشرب وان لم يكن فيها فَلْيُصَوِّتْ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ وَإِلَّا فَلْيَحْلُبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَحَادِيثُ الْحَسَنِ عن سمرة لَا يُثْبِتُهَا بَعْضُ الْحُفَّاظِ وَيُزْعَمُ أَنَّهَا مِنْ كِتَابٍ غَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ السَّمَاعُ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الضرورة (ومنها) حديث يزيد بن هرون عَنْ سَعِيدِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى راع فليناد يا راع الْإِبِلِ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا فَلْيَحْلُبْ وَلْيَشْرَبْ ولا يَحْمِلَنَّ وَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى حَائِطٍ فَلْيُنَادِ ثَلَاثًا يَا صَاحِبَ الْحَائِطِ فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَحْمِلَنَّ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخر عمره وسماع يزيد بن هرون مِنْهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ فَلَا يَصِحُّ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ (لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحُلَّ صِرَارَ نَاقَةٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا فَإِنَّ خَاتَمَ أَهْلِهَا عَلَيْهَا فَقِيلَ لِشَرِيكٍ أَرْفَعُهُ
قَالَ نَعَمْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا يُوَافِقُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الصَّحِيحَ السَّابِقَ ثُمَّ روى البيهقى باسناده عن أبى عبيد القسيم بْنِ سَلَّامٍ قَالَ إنَّمَا هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ عُمَرَ وَحَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي الرُّخْصَةِ أَنَّهُ أَرْخَصَ فِيهِ لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرِّ الَّذِي لا شئ معه يشترى به وهو معسر في حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ (رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرِّ إذَا مَرَّ بِالْحَائِطِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ ولا يتخذ خبنة) وعن الحجاج ابن أَرْطَاةَ عَنْ سَلِيطِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيِّ عن ذهيل بن عوف بن سماح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ نَاسٌ يارسول اللَّهِ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ مَالِ أَخِيهِ(9/56)
قَالَ (أَنْ يَأْكُلَ وَلَا يَحْمِلَ وَيَشْرَبَ وَلَا يحمل) قال البيهقى هذا اسناد مجهول لا يقوم به حجة والحجاج ابن أَرْطَاةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الْحَجَّاجِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُضْطَرِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الضِّيَافَةُ سُنَّةٌ فَإِذَا اسْتَضَافَ مُسْلِمٌ لَا اضْطِرَارَ بِهِ مُسْلِمًا اُسْتُحِبَّ لَهُ ضِيَافَتُهُ وَلَا تَجِبُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ
* وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هِيَ وَاجِبَةٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً
* قَالَ أَحْمَدُ هِيَ وَاجِبَةٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الْقُرَى دُونَ أَهْلِ الْمُدُنِ واحتجوا بحديث أبى سريج الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جائزته قال وما جائزته يارسول اللَّهِ قَالَ يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ يُقِيمُ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يؤثمه قال يقيم عنده ولا شئ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ (سُئِلَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَقَالَ يُكْرِمُهُ وَيُتْحِفُهُ وَيَحْفَظُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ضِيَافَةً) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ لَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مَا اتَّسَعَ لَهُ مِنْ بِرٍّ وَإِلْطَافٍ وَأَمَّا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَيُقَدِّمُ لَهُ مَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى عَادَتِهِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَمَعْرُوفٌ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ قَالَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ حَتَّى يُؤْثِمَهُ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ مِنْهُ حَتَّى يُوقِعَهُ فِي الْإِثْمِ) وَعَنْ أَبِي كريمة المقدام بن معد يكرب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ
تَرَكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا رَجُلٍ أَضَافَ قَوْمًا فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا فَإِنَّ نَصْرَهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى لَيْلَةٍ مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يَقْرُونَنَا فَمَا تَرَى فَقَالَ لَنَا(9/57)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ) رَوَاهُ أبو دواء بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي مَسْأَلَةِ ثِمَارِ الْإِنْسَانِ وَزَرْعِهِ (وَأَجَابُوا) عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الضِّيَافَةِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَتَأَكُّدِ حَقِّ الضَّيْفِ كَحَدِيثِ (غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أَيْ مُتَأَكِّدُ الِاسْتِحْبَابِ وَتَأَوَّلَ بَعْضَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الخطابى وغيره على المضطر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يحرم كسب الحجام لما روى أبو العالية أن ابن عباس رضى الله عنهما سئل عن كسب الحجام فقال (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم واعطاه أجره ولو كان حراما ما أعطاه) ويكره للحر أن يكتسب بالحجامة وغيرها من الصنائع الدنيئة كالكنس والذبح والدبغ لانها مكاسب دنيئة فينزه الحر منها ولا يكره للعبد لان العبد أدنى فلم يكره له وبالله التوفيق)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاسْمُ أَبِي الْعَالِيَةِ رُفَيْعٌ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ - قَالَ أَصْحَابُنَا كَسْبُ الْحَجَّامِ حَلَالٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَعْرُوفُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الْأَحْرَارِ وَيَجُوزُ إطْعَامُهُ لِلْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالدَّوَابِّ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ لِلْعَبْدِ أَكْلُ كَسْبِ الْحَجَّامِ سَوَاءٌ كَسَبَهُ حُرٌّ أَمْ عبد ويكره أكله للحر سواء كسبه حرأم عَبْدٌ وَلِكَرَاهَتِهِ مَعْنَيَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مُخَالَطَةُ النَّجَاسَةِ
(وَالثَّانِي)
دَنَاءَتُهُ فَعَلَى الثَّانِي يُكْرَهُ كَسْبُ الْحَلَّاقِ وَنَحْوِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ كَسْبُ الْكَنَّاسِ وَالزَّبَّالِ وَالدَّبَّاغِ وَالْقَصَّابِ وَالْخَاتِنِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِي كَسْبِ
الْفَاصِدِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ
(وَالثَّانِي)
يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تنزيه وفى الحمامى والحاثل وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُكْرَهُ الْحَائِلُ وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَسْبَ الصَّوَّاغِينَ(9/58)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَفِي كَرَاهَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ للعبيد وجهان (أصحهما) لا يكره لانه دنئ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أُصُولُ المكاسب الزارعة وَالتِّجَارَةُ وَالصَّنْعَةُ وَأَيُّهَا أَطْيَبُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ لِلنَّاسِ (أَشْبَهُهَا) بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التِّجَارَةَ أَطْيَبُ قَالَ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّ الزِّرَاعَةَ أَطْيَبُ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ وَذَكَرَ الشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَخَذُوهُ عَنْهُ قُلْتُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) فَالصَّوَابُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَمَلُ الْيَدِ فَإِنْ كَانَ زَرَّاعًا فَهُوَ أَطْيَبُ الْمَكَاسِبِ وَأَفْضَلُهَا لِأَنَّهُ عَمَلُ يَدِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَوَكُّلًا كما ذكره الماوردى وقال فيه نفعا عاما للمسلمين والدواب ولانه لابد فِي الْعَادَةِ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَحْصُلَ لَهُ أَجْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْمَلُ بِيَدِهِ بَلْ يَعْمَلُ لَهُ غِلْمَانُهُ وَأُجَرَاؤُهُ فَاكْتِسَابُهُ بِالزِّرَاعَةِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَمَعْنَى يَرْزَؤُهُ يُنْقِصُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (فَلَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا طَيْرٌ إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فيأكل منه انسان ولا دابة ولا شئ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ وَالْحِجَامَةِ
* عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ (اشْتَرَى أَبِي عَبْدًا حَجَّامًا فَأَمَرَ بِمَحَاجِمِهِ فَكُسِرَتْ وَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى(9/59)
عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَثَمَنِ الدَّمِ وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَة وَآكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَلَعَنَ
الْمُصَوِّرَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ) وَعَنْ مُحَيِّصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إجازة الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى قَالَ أَعْلِفْهُ نَوَاضِحَك) رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدِهِمْ الصَّحِيحَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ وَقَالَ خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَاسْتَعَطَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَيَا حَدِيثَهُ السَّابِقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ لَا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْحُرِّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْحُرِّ التَّنَزُّهُ عَنْهُ وَعَنْ أَكْلِهِ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْهُ وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ يَحْرُمُ عَلَى الْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ
* وَاحْتَجُّوا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ
* وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَمَلُوا الْأَحَادِيثَ الْبَاقِيَةَ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالِارْتِفَاعِ عن دنئ الِاكْتِسَابِ وَالْحَثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ
* (فَرْعٌ)
فِي فَضْلِ الْحِجَامَةِ مَعَ مَا سَبَقَ
* عَنْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قال لمريض(9/60)
عَادَهُ (لَا أَبْرَحُ حَتَّى يَحْتَجِمَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إنَّ فِيهِ شِفَاءً) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ أَبَا هِنْدٍ حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَأْفُوخِهِ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ وَقَالَ إن كان في شئ شِفَاءٌ مِمَّا تَدَاوُونَ بِهِ فَالْحِجَامَةُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ الْيَأْفُوخُ بِهَمْزَةٍ - سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْيَاءِ - وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَهْمُوزٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْيَاءِ مِنْهُ هَلْ هِيَ أَصْلِيَّةٌ أَمْ زَائِدَةٌ فَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هِيَ زَائِدَةٌ وَوَزْنُهُ يَفْعُولٌ وقال ابن فَارِسٍ هِيَ أَصْلِيَّةٌ وَهُوَ رُبَاعِيٌّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَمْعُهُ يَآفِيخٌ قَالَ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَحَرَّكُ مِنْ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَهُوَ الرَّأْسُ وَعَنْ سَلْمَى خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (مَا كَانَ أَحَدٌ يَشْتَكِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا مِنْ رَأْسِهِ إلَّا قَالَ احْتَجِمْ ولا وجع فِي رِجْلَيْهِ إلَّا قَالَ اخْضِبْهُمَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَوْضِعِ الْحِجَامَةِ
* عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (احتجم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ صُدَاعٍ كَانَ بِهِ أَوْ وَبًى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا من رواية عبد الله بن بحينة بمعناه وروي البيقهي بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا قَالَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ بُحَيْنَةَ فِي رَأْسِهِ قَالَ وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ عَلَى وَرِكِهِ مِنْ وَبًى كَانَ بِهِ) كَذَا قَالَ عَلَى وَرِكِهِ وَفِي رِوَايَةٍ (احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَبًى كَانَ بِوَرِكِهِ أَوْ قَالَ بِظَهْرِهِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَبًى كَانَ بِهِ أو صدع) وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ ثَلَاثًا اثنتين في الاجد عين وواحد فِي الْكَاهِلِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حديث حسن قال أهل اللغة الاجدعان عِرْقَانِ فِي جَانِبَيْ الْعُنُقِ وَعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَحْتَجِمُ عَلَى هَامَتِهِ وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ وَيَقُولُ مَنْ أَهَرَاقَ دَمًا مِنْ هَذِهِ الدِّمَاءِ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يتداوى بشئ لشئ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادَيْنِ حَسَنَيْنِ
*(9/61)
(فَرْعٌ)
فِي وَقْتِ الْحِجَامَةِ
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَيْرُ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضعيف وعن مغفل بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ الشَّهْرِ كَانَ دَوَاءً لِدَاءِ السَّنَةِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَعَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ (مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ الشَّهْرِ أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهُ دَاءَ سَنَتِهِ) ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ كَيِّسَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ أَبَاهَا كَانَ نَهَى أَهْلَهُ عَنْ الْحِجَامَةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَزْعُمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَرْقَأُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ وَالنَّهْيُ الَّذِي فِيهِ مَوْقُوفٌ وَلَيْسَ بمرفوع وعن سليم بْنِ أَرْقَمَ
عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ السَّبْتِ فَرَأَى وَضَحًا فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ) هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ ضَعِيفٌ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ مَوْصُولًا وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْقَطِعًا وَعَنْ عَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَحْتَجِمُ فِيهَا مُحْتَجِمٌ إلَّا عَرَضَ لَهُ دَاءٌ لَا يُشْفَى مِنْهُ) هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ قَالَ عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ ضَعِيفٌ قَالَ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنِ العلاء الدارى وهو متروك باسناد له عن الحسين ابن على عنه حديثا مرفوعا وليس بشئ والحاصل انه لم يثبت شئ فِي النَّهْيِ عَنْ الْحِجَامَةِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
*(9/62)
(فَرْعٌ)
فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الِاكْتِوَاءِ لِلتَّدَاوِي وَلَيْسَ بِحَرَامٍ
* عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ كَانَ فِي أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ مَا تَدَاوَيْتُمْ به خير فشرطة حجام أو شربة عسل أو لدعة بِنَارٍ تُوَافِقُ دَاءً وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عسل أوكية بنار وانى أَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ فَقُلْتُ مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرِقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَغْتَابُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَاتٍ لِلْبُخَارِيِّ (وَلَا يَكْتَوُونَ) وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالُوا ومن هم يارسول اللَّهِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنْ التَّوَكُّلِ) رَوَاهُ الترمذي باسناد صحيح وعن عمران ابن الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا فَلَا أَفْلَحْنَ وَلَا أَنْجَحْنَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا) وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ
* وَعَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ قَالَ لِي عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ
وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلِيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ فَتُرِكْتُ ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ
* (فَرْعٌ)
فِي جَوَازِ الْكَيِّ وَقَطْعِ الْعُرُوقِ لِلْحَاجَةِ
* عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طبيبا فقطع منه عرفا ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّ أُبَيًّا مَرِضَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ طَبِيبًا فَكَوَاهُ عَلَى أَكْحَلِهِ) وَعَنْهُ قَالَ رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (جَاءَ نَفَرٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ صَاحِبًا لَنَا اشْتَكَى أَفَنَكْوِيهِ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إنْ شِئْتُمْ فَاكْوُوهُ وَإِنْ(9/63)
شِئْتُمْ فَارْمِضُوهُ يَعْنِي بِالْحِجَارَةِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ (أَنَّ أَنَسًا اكْتَوَى وَابْنَ عُمَرَ وَكَوَى ابْنُ عُمَرَ ابْنَهُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي الدَّوَاءِ وَالِاحْتِمَاءِ (أَمَّا) الدَّوَاءُ فَسَبَقَتْ فِيهِ جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَبَائِرِ (وَأَمَّا) الِاحْتِمَاءُ فَفِيهِ حَدِيثُ أُمِّ مُنْذِرِ بِنْتِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ وعلى ناقه ولنادو إلى مُعَلَّقَةٌ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ مِنْهَا وَقَامَ عَلِيٌّ لِيَأْكُلَ فَطَفِقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ مَهْ إنَّك نَاقِهٌ حَتَّى كَفَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَتْ وَصَنَعْتُ شَعِيرًا وَسِلْقًا فَجِئْتُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ أَصِبْ مِنْ هَذَا فَهُوَ أَنْفَعُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ النَّاقِهُ - بِالنُّونِ وَالْقَافِ - هُوَ الَّذِي بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ وَهُوَ قَرِيبُ عَهْدٍ بِهِ لَمْ تَتَكَامَلْ صِحَّتُهُ يُقَالُ نَقِهَ يَنْقَهُ فَهُوَ نَاقِهٌ كَعَلِمَ يَعْلَمُ فَهُوَ عَالَمٌ وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا وَبَيْنَ يَدَيْهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَعَالَ فَكُلْ فَجَعَلْتُ آكُلُ فَقَالَ تَأْكُلُ التَّمْرَ وَبِكَ رَمَدٌ قُلْتُ إنِّي أَمْضُغُهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَتَبَسَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
* (فَرْعٌ)
فِي جَوَازِ الرُّقْيَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَا يُعْرَفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ
* عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الرُّقْيَةِ مِنْ الْحُمَةِ فَقَالَتْ (رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ كُلِّ ذِي حُمَةٍ) رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ - الْحُمَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ - وَهِيَ السُّمُّ وَقَدْ تُشَدَّدُ الْمِيمُ وَأَنْكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَكَثِيرُونَ وأصلها حموأ وحمى كَصُرَدٍ فَأَلِفُهَا فِيهَا عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ وَالْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَسْتَتِرَ مِنْ الْعَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وجهها سفعة فقالوا اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا نَظْرَةً) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ السَّفْعَةُ - بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ - صُفْرَةٌ وَتَغْيِيرٌ وَالنَّظْرَةُ - بِفَتْحِ النُّونِ - هِيَ الْعَيْنُ.
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَالنَّمْلَةِ(9/64)
وَالْحُمَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ النَّمْلَةُ هِيَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَنْبِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (لَدَغَتْ رَجُلًا مِنَّا عَقْرَبٌ وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رجل يارسول اللَّهِ أَرْقِي قَالَ مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاسماء بنت عميس مالى أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمْ الْحَاجَةَ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إلَيْهِمْ قَالَ ارْقِيهِمْ قَالَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْقِيهِمْ) وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الرقا فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ يُرْقَى بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ وَأَنَّكَ نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى قَالَ فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا أَرَى بَأْسًا مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ (كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يارسول الله ما تقول في ذلك فقال اعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعن الشفاء بنت عبيد الله قَالَتْ (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ أَلَا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الْكِتَابَةَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أنه قال يارسول الله أرأيت دواء نتداوى به ورقا نسترقى بها وتقى نتقيها هل يزد ذلك من قدر الله من شئ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ ماجه والبيهقي (وأما) حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا رُقْيَةَ إلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ معناه هما أولى بالرقا مِنْ غَيْرِهِمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ زِيَادَةِ الضَّرَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا يَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ ارْقِيهَا بكتاب الله عزوجل) وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ (سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ الرُّقْيَةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَرْقِيَ الْإِنْسَانُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يَعْرِفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ قُلْتُ أَيَرْقِي أَهْلُ الْكِتَابِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ نَعَمْ إذَا رَقَوْا بِمَا يُعْرَفُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ(9/65)
أو ذكر الله فقلت وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِيهِ غَيْرُ حُجَّةٍ فَإِنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وَهِيَ تَشْتَكِي وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَخْبَارُ فِيمَا رَقَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُقِيَ بِهِ وَفِيمَا تَدَاوَى بِهِ وَأَمَرَ بِالتَّدَاوِي بِهِ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
فِي تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ
* عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول (ان الرقا والتمائم والبولة شِرْكٌ قَالَتْ قُلْتُ لِمَ تَقُولُ هَذَا وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِينِي فَإِذَا رَقَانِي سَكَنْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إنَّمَا كَانَ عَمَلَ الشَّيْطَانِ يَنْخُسُهَا بيده فإذا رقاها كف عنها انما كان يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ البولة - بكسر الباء - هُوَ الَّذِي يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا وَهُوَ من السحر قال وذلك لا يجوز (وأما) الرِّقَاءُ وَالتَّمَائِمُ قَالَ فَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ مَا كَانَ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَا لَا يُدْرَى مَا هُوَ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُقَالُ إنَّ التَّمِيمَةَ خَرَزَةٌ كَانُوا يُعَلِّقُونَهَا يَرَوْنَ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ الْآفَاتِ وَيُقَالُ قِلَادَةٌ يُعَلَّقُ فِيهَا الْعُودُ وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هُوَ أَيْضًا رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وما اشبه مِنْ النَّهْيِ وَالْكَرَاهَةِ فِيمَنْ يُعَلِّقُهَا وَهُوَ يَرَى تَمَامَ الْعَافِيَةِ وَزَوَالَ الْعِلَّةِ بِهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَأَمَّا مَنْ يُعَلِّقُهَا مُتَبَرِّكًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا كَاشِفَ لَهُ إلَّا اللَّهُ وَلَا دَافِعَ عَنْهُ سِوَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا إنْ شَاءَ الله تعالى
* ثم روى البيهقى باستاده عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (لَيْسَتْ التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ قَبْلَ الْبَلَاءِ إنَّمَا التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ
بَعْدَ الْبَلَاءِ لِتَدْفَعَ بِهِ الْمَقَادِيرَ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا قَالَتْ (التَّمَائِمَ مَا عُلِّقَ قَبْلَ نُزُولِ الْبَلَاءِ وَمَا عُلِّقَ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ فَلَيْسَ بِتَمِيمَةٍ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهَا قَالَتْ (ليس بتميمة(9/66)
عُلِّقَ بَعْدَ أَنْ يَقَعَ الْبَلَاءُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا
* وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِهِ حَلْقَةٌ مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ مَا هَذِهِ قَالَ مِنْ الْوَاهِنَةِ قَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ تُوَكَّلَ إلَيْهَا انْبِذْهَا عَنْكَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ
* وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ عَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إلَيْهِ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِتَعْلِيقِ الْقُرْآنِ وَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى مَا قُلْنَا إنَّهُ إنْ رَقَى بِمَا لَا يَعْرِفُ أَوْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ إضَافَةِ الْعَافِيَةِ إلَى الرُّقَى لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَقَى بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِمَا يَعْرِفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَبَرِّكًا بِهِ وَهُوَ يَرَى نُزُولَ الشِّفَاءِ مِنْ اللَّهِ تعالى فلا بَأْسَ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي النُّشْرَةِ - بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - قَالَ الْخَطَّابِيُّ النُّشْرَةُ ضَرْبٌ مِنْ الرُّقْيَةِ وَالْعِلَاجِ يُعَالَجُ مَنْ كَانَ يُظَنُّ بِهِ مَسٌّ مِنْ الْجِنِّ قِيلَ سُمِّيَتْ نُشْرَةً لِأَنَّهُ يَنْشُرُهَا عَنْهُ أَيْ يَحُلُّ عَنْهُ مَا جَاءَ مَرَّةً مِنْ الدَّاءِ وَجَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ وَهُوَ مَعَ إرْسَالِهِ أصح قال والقول فيما يكره من النشرة وفيما لا يُكْرَهُ كَالْقَوْلِ فِي الرُّقْيَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ
* (فَرْعٌ)
فِي الْعَيْنِ وَالِاغْتِسَالِ لَهَا
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعَيْنُ حَقٌّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ (اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَرْعِ الرُّقَى وَالنَّظْرَةُ الْعَيْنُ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شئ سابق القدر سبقته العين وإذا اسْتَغْسَلْتُمْ فَاغْسِلُوا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الِاسْتِغْسَالُ أَنْ يُقَالَ لِلْعَائِنِ وَهُوَ النَّاظِرُ بِعَيْنِهِ بِالِاسْتِحْسَانِ اغْسِلْ دَاخِلَةَ إزَارِكَ مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ بِمَاءٍ ثُمَّ يُصَبُّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَى الْمَعِينِ وَهُوَ(9/67)
الْمَنْظُورُ إلَيْهِ
* وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ (كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
* وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ لَمْ أَرَ كاليوم ولا جلد محياه (1) فما لبث أن لبط به فأتى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا فَقَالَ مَنْ يَتَّهِمُونَ بِهِ قالوا عامر بن ربيعة فقال على ما يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ وَيُصَبَّ الْمَاءُ عليه قال الزهري ويكفأ الاناء من حلقه) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ الْغُسْلُ الَّذِي أَدْرَكْنَا عُلَمَاءَنَا يَصِفُونَهُ أَنْ يُؤْتَى الرَّجُلُ الْعَائِنُ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَيُمْسَكَ لَهُ مَرْفُوعًا مِنْ الْأَرْضِ فَيُدْخِلَ الْعَائِنُ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الْمَاءِ فَيُصَبَّ عَلَى وَجْهِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يُدْخِلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فِي الْمَاءِ صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ ثم يدخل يده فَيَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَمُجَّهُ ثُمَّ يُدْخِلَ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَغْتَرِفَ مِنْ الْمَاءِ فَيَصُبَّهُ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُمْنَى صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يُدْخِلَ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبَّ عَلَى مِرْفَقِ يَدِهِ الْيُمْنَى صبه واحدة في القدح وهو ثانى يَدَهُ إلَى عُنُقِهِ ثُمَّ يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مِرْفَقِ يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى مِنْ عِنْدِ الاصابع واليسرى كذلك ثم يدخل يَدِهِ الْيُسْرَى فَيَصُبَّ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَفْعَلَ بِالْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَغْمِسَ دَاخِلَةَ إزَارِهِ الْيُمْنَى فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَقُومَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْقَدَحُ بِالْقَدَحِ فَيَصُبَّهُ عَلَى رَأْسِ الْمَعِينِ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ يُكْفَأَ الْقَدَحُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ وَرَائِهِ
* وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ طُرُقِهِ زَادَ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ يعطى ذلك الرجل الذى أصابه الْقَدَحَ فَيَحْسُوَ مِنْهُ وَيَتَمَضْمَضَ وَيُهَرِيق عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ يَصُبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يُكْفَأَ الْقَدَحُ عَلَى ظَهْرِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إنَّمَا أَرَادَ بِدَاخِلَةِ الْإِزَارِ طَرَفَ إزَارِهِ الدَّاخِلِ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَصْلٌ فِي الْجُبْنِ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الْجُبْنِ مَا لَمْ يُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ بِأَنْ يُوضَعَ فِيهِ إنْفَحَةٌ ذَبَحَهَا مَنْ لَا يَحِلُّ ذَكَاتُهُ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ في اباحته وقد جمع
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(9/68)
البيهقى في أحاديث كثيرة (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجُبْنٍ فِي تَبُوكَ فَدَعَا بِسِكِّينٍ فَسَمَّى وَقَطَعَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ رَأَى جُبْنَةً فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا هَذَا طَعَامٌ يُصْنَعُ بِأَرْضِ الْعَجَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَعُوا فِيهِ السِّكِّينَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ
* وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (الْجُبْنُ مِنْ اللَّبَنِ وَاللِّبَأِ فَكُلُوا وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ) وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْكُلَ الْجُبْنَ فَضَعْ الشَّفْرَةَ فِيهِ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ وَكُلْ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ مَا يَحِلُّ مِنْ الْجُبْنِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُلُوا الْجُبْنَ مَا صَنَعَهُ أَهْلُ الكتاب) وفى رواية لا تَأْكُلُوا مِنْ الْجُبْنِ إلَّا مَا صَنَعَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ) وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (كُلُوا مِنْ الْجُبْنِ مَا صَنَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا التَّقْيِيدُ لِأَنَّ الْجُبْنَ يُعْمَلُ بِإِنْفَحَةِ السَّخْلَةِ الْمَذْبُوحَةِ فَإِذَا كَانَتْ مِنْ ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ لَمْ تَحِلَّ
* وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ فَقَالَ (سَمِّ وَكُلْ فَقِيلَ لَهُ إنَّ فِيهِ مَيْتَةً فَقَالَ إنْ عَلِمْتَ أَنَّ فِيهِ مَيْتَةً فَلَا تَأْكُلْهُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لا يَسْأَلُ عَنْهُ تَغْلِيبًا لِلطَّهَارَةِ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا وَكَانَ بَعْضُهُمْ يسأل عَنْهُ احْتِيَاطًا وَرَوَيْنَاهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ لَأَنْ أَخُرَّ مِنْ هَذَا الْقَصْرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ آكُلَ جُبْنًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ
* وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ الْجُبْنِ وَلَا يَسْأَلُونَ عَنْ السَّمْنِ
* وَعَنْ أَبَانَ بن أبى عباس عن أنس ابن مَالِكٍ قَالَ (كُنَّا نَأْكُلُ الْجُبْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا نَسْأَلُ عَنْهُ) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَبَانُ بن أبى عباس ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ
*
(فَصْلٌ)
يَحِلُّ أَكْلُ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ من لفظ عُمَرَ هَكَذَا وَأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَقْتَضِي رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى البيهقى(9/69)
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ (إنِّي لَآكُلُ الطِّحَالَ وَمَا بِي إلَيْهِ حَاجَةٌ إلَّا لِيَعْلَمَ أَهْلِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ آكُلُ الطِّحَالَ قَالَ نَعَمْ قَالَ إنَّ عَامَّتَهَا دَمٌ قَالَ إنَّمَا حَرُمَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ مِنْ الشَّاةِ سَبْعًا الدَّمَ وَالْمِرَارَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْحَيَا وَالْغُدَّةَ وَالْمَثَانَةَ وَكَانَ أَعْجَبُ الشَّاةِ إلَيْهِ مُقَدَّمَهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مُرْسَلًا وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ وَرُوِيَ مَوْصُولًا بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ (1) قَالَ وَلَا يَصِحُّ وَصْلُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الدَّمُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعَامَّةُ الْمَذْكُورَاتِ معه مكروهة غير محرمة
*
(فصل)
فما حُرِّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ثُمَّ وَرَدَ شَرْعُنَا بنسخة
* اعلم ان الشافعي رضى الله عنه اعْتَنَى بِهَذَا الْفَصْلِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَهُوَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نفسه) الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم) وَقَالَ تَعَالَى (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أو ما اختلط بعظم) قَالَ الشَّافِعِيُّ الْحَوَايَا مَا حَوْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْبَطْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلُّ ذِي ظُفُرٍ الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ وَمَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا يَعْنِي مَا عَلِقَ بِالظَّهْرِ مِنْ الشَّحْمِ وَالْحَوَايَا الْمَبْعَرُ
* وَبَيَّنَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا) جَمَلُوهَا بِالْجِيمِ أَيْ أَذَابُوهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَزَلْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مُحَرَّمًا مِنْ حِينِ حَرَّمَهُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ الَّذِي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ قَبْلَهُ فَقَالَ تَعَالَى (إِنَّ الدين عند الله الاسلام) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وَقَالَ تَعَالَى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله) الْآيَةَ وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إنْ لَمْ يُسْلِمُوا وَأَنْزَلَ فِيهِمْ (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي الامي الذى يجدونه مكتوبا
__________
(1) بياض بالاصل فحرر(9/70)
عندهم في التوارة وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ اصرهم والاغلال التى كانت عليهم) قَالَ الشَّافِعِيُّ فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَوْزَارُهُمْ وَمَا مُنِعُوا مِمَّا أَحْدَثُوا قَبْلَ مَا شُرِعَ مِنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِنٍّ وَلَا إنْسٍ بَلَغَتْهُ دَعْوَتُهُ إلَّا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ دِينِهِ وَلَزِمَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِحْلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا لَا شَحْمًا وَلَا غَيْرَهُ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ جَمِيعِ الشُّحُومِ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَذَبَائِحِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ فَقُلْتُ هَذَا لِي لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا فَالْتَفَتُّ فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ)
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الشُّحُومَ الَّتِي كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى الْيَهُودِ حَلَالٌ لَنَا لَيْسَتْ مَكْرُوهَةً وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ مِنْهُمْ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ مكروهة ليست محرمة وقال ابن القاسم وابن اشهب وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ هِيَ مُحَرَّمَةٌ وَقِيلَ إنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا قَوْلُ كُبَرَاءِ أَصْحَابِ مَالِكٍ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ مَا حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الذَّبَائِحِ وَبَيَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَشْيَاءَ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي كَانُوا يُنْزِلُونَهَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَالْعِتْقِ فَيُحَرِّمُونَ أَلْبَانَهَا وَلُحُومَهَا وَمِلْكَهَا وَسَاقَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تعالى أعلم
*(9/71)
(باب الصيد والذبائح)
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يحل شئ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ سِوَى السَّمَكِ وَالْجَرَادِ إلَّا بذكاة لقوله تَعَالَى (حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب) ويحل السمك والجراد من غير ذكاة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ السمك والجراد) ولان ذكاتهما لا تمكن في العادة فسقط اعتبارها) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ هُوَ الْقَائِلُ (أُحِلَّتْ لَنَا) وَأَنَّهُ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مَرْفُوعًا وَالْمَيْتَةُ مَا فَارَقَتْ الْحَيَاةَ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وقوله تعالى (وما أهل به لغير الله) أَيْ مَا ذُبِحَ لِصَنَمٍ وَنَحْوِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْمَوْقُوذَةُ الْمَضْرُوبَةُ بِعَصًا وَنَحْوِهَا وَالْمُتَرَدِّيَةُ الَّتِي تَسْقُطُ مِنْ عُلُوٍّ فَتَمُوتُ وَالنَّطِيحَةُ الْمَنْطُوحَةُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يحل شئ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ سِوَى السَّمَكِ وَالْجَرَادِ إلَّا بِذَكَاةٍ كَلَامٌ صَحِيحٌ وَلَا يَرِدُ الصَّيْدُ الَّذِي قَتَلَتْهُ جَارِحَةٌ أَوْ سَهْمٌ فَإِنَّ ذَلِكَ ذَكَاتُهُ وَكَذَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ وَقَدْ أَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ وَكَذَا الْحَيَوَانُ الَّذِي تَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ بَنْدٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَيْثُ أَمْكَنَ وَذَلِكَ ذَكَاةٌ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَأَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَةِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ إلَّا بِذَكَاةٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَى الذَّكَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ ابْتَلَعَ عُصْفُورًا حَيًّا فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْأَطْعِمَةِ
* وَلَوْ ذَكَّى الْحَيَوَانَ وَلَهُ يَدٌ شَلَّاءُ فَهَلْ تَحِلُّ بِالذَّكَاةِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْحِلُّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا مَيْتَةٌ فَلَا تَحِلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَحَلَالٌ وَمَيْتَتُهُمَا حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَبْحِهِ وَلَا قَطْعِ رَأْسِ الْجَرَادِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ ذَبْحُ السَّمَكِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا يَطُولُ بَقَاؤُهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ ذَبْحُهُ رَاحَةً لَهُ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ لِيَمُوتَ بِنَفْسِهِ
* وَلَوْ صَادَ مَجُوسِيٌّ سَمَكَةً حَلَّتْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ(9/72)
مَيْتَتَهَا حَلَالٌ وَلَوْ ابْتَلَعَ سَمَكَةً حَيَّةً أَوْ قَطَعَ فِلْقَةً مِنْهَا وَأَكَلَهَا أَوْ ابْتَلَعَ جَرَادَةً حَيَّةً أَوْ فِلْقَةً مِنْهَا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ
(وَالثَّانِي)
يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَوْ وُجِدَتْ سَمَكَةٌ فِي جَوْفِ سَمَكَةٍ فَهُمَا حَلَالٌ كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أنفها بخلاف ما لوا ابْتَلَعَتْ عُصْفُورًا أَوْ غَيْرَهُ فَوُجِدَ فِي جَوْفِهَا مَيِّتًا فَإِنَّهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ تَقَطَّعَتْ سَمَكَةٌ فِي جَوْفِ سَمَكَةٍ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهَا لَمْ تحل على أصح الوجهين لانها كالروث والقئ وَلَوْ قَلَى السَّمَكَ قَبْلَ مَوْتِهَا وَطَرَحَهَا فِي الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَهِيَ تَضْطَرِبُ قَالَ الشَّيْخُ
أَبُو حَامِدٍ لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ فِي ابْتِلَاعِ السَّمَكَةِ حَيَّةً أَنَّهُ حَرَامٌ فَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ فَكَذَا هَذَا (وَأَمَّا) السَّمَكُ الصِّغَارُ الَّذِي يُقْلَى وَيُشْوَى وَلَا يُشَقُّ جَوْفُهُ وَلَا يُخْرَجُ مَا فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِأَنَّ رَوْثَهُ نَجِسٌ
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَصَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَبِهِ أُفْتِي قَالَ وَرَجِيعُهُ طَاهِرٌ عِنْدِي وَاحْتَجَّ لَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يُعْتَدُّ بِبَيْعِهِ وَقَدْ جَرَى الْأَوَّلُونَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا إبَاحَةُ مَا صَادَهُ الْمَجُوسِيُّ مِنْ السَّمَكِ وَمَاتَ فِي يَدِهِ وَهَكَذَا الْجَرَادُ (فَأَمَّا) السَّمَكُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) الْجَرَادُ فَوَافَقَنَا عَلَيْهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ واسحق وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ اللَّيْثُ وَمَالِكٌ لَا يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ مِنْ الْجَرَادِ بِخِلَافِ السَّمَكِ وَفَرْقُهُمَا ضَعِيفٌ دَلِيلُنَا حَدِيثُ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ)
* (فَرْعٌ)
قد ذكرنا أن مذهبنا اباحة ميتتات السَّمَكِ سَوَاءٌ الَّذِي مَاتَ بِسَبَبٍ وَاَلَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَيُسَمَّى الطَّافِي وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ وَقَدْ(9/73)
سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً بِأَدِلَّتِهَا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ
* (وَأَمَّا) الْجَرَادُ فَتَحِلُّ مَيْتَتُهُ سَوَاءٌ مَاتَ بِسَبَبٍ أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ رَأْسِهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَالْأَبْهَرِيِّ الْمَالِكِيَّيْنِ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَحِلُّ إلَّا إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ بِأَنْ يُقْطَعَ بَعْضُهُ أَوْ يُسْلَقَ أَوْ يُشْوَى أَوْ يُقْلَى حَيًّا وَإِنْ لَمْ يُقْطَفْ رَأْسُهُ قَالَ فَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ فِي وِعَاءٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا مَا قَدَّمْنَاهُ دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والافضل أن يكون المذكى مسلما فان ذبح مشرك نظرت فان كان مرتدا أو وثنيا أو مجوسيا لم يحل لقوله تَعَالَى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وطعامكم حل لهم) وهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب وان كان يهوديا أو نصرانيا من العجم حل للآية الكريمة وان كان من نصارى العرب وهم بهراء وتنوخ وتغلب لم يحل لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (ما نصارى العرب بأهل الكتاب لا تحل لنا ذبائحهم) وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال لا تحل ذبائح نصارى بني تغلب ولانهم دخلوا في النصرانية بعد التبديل ولا يعلم هل دخلوا في دين من بدل منهم أو في دين من لم يبدل
منهم فصاروا كالمجوس لما اشكل امرهم في الكتاب لم تحل ذبائحهم والمستحب أيكون المذكي رجلا لانه أقوى علي الذبح من المرأة فان كانت امرأة جاز لما روى كعب بن مالك (ان جارية لهم كسرت حجرا فذبحت به شاة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بأكلها) ويستحب أن يكون بالغا لانه أقدر على الذبح فان ذبح صبى حل لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه انه قال (من ذبح من ذكر أو انثى أو صغير أو كبير وذكر اسم الله عليه حل)
* وتكره ذكاة الاعمي لانه ربما أخطأ المذبح فان ذبح حل لانه لم يفقد فيه الا النظر وذلك لا يوجب التحريم ويكره ذكاة السكران والمجنون لانه لا يؤمن أن يخطئ المذبح ويقتل الحيوان فان ذبح حل لانه لم يفقد في ذبحهما الا القصد والعلم وذلك لا يوجب التحريم كما لو ذبح شاة وهو يظن انه يقطع حشيشا)
*(9/74)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَصَحَّحَهُ بِلَفْظِهِ (قَوْلُهُ) وَهُمْ بَهْرَاءُ هِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَبِالْمَدِّ - وَتَنُوخُ - بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ ثُمَّ النُّونِ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ - وَبَنُو تَغْلِبَ - بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقَ مَفْتُوحَةٍ وَكَسْرِ اللَّامِ - وَهِيَ قَبَائِلُ مَعْرُوفَاتٌ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُذَكِّي مُسْلِمًا وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا فَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ بالاجماع للآية الكريمة سواء فِيهِ مَا يَسْتَحِلُّهُ الْكِتَابِيُّ وَمَا لَا يَسْتَحِلُّهُ وَحَقِيقَةُ الْكِتَابِيِّ نَبْسُطُهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ وَمُخْتَصَرُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا مِنْ الْعَجَمِ أَوْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَهُمْ تَنُوخُ وَبَهْرَاءُ وَبَنُو تَغْلِبَ أَوْ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ شُكَّ فِي وَقْتِ دُخُولِهِمْ فِي دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ تَحِلَّ ذَبَائِحُهُمْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ وَلَا الْوَثَنِيِّ وَلَا الْمَجُوسِيِّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَكَذَا حُكْمُ الزِّنْدِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ (وَأَمَّا) الْمُتَوَلَّدُ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ غَيْرَ كِتَابِيٍّ وَالْأُمُّ كِتَابِيَّةً فَذَبِيحَتُهُ حَرَامٌ كَمُنَاكَحَتِهِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ كِتَابِيًّا وَالْأُمُّ مَجُوسِيَّةً فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) حَرَامٌ
(وَالثَّانِي)
حَلَالٌ وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي مُنَاكَحَتِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُنَاكَحَةُ وَالذَّكَاةُ مُتَلَازِمَتَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ فَمَنْ حَلَّتْ مُنَاكَحَتُهُ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ وَمَنْ لَا فَلَا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ الْأَمَةُ
الْكِتَابِيَّةُ فَإِنَّهُ تَحِلُّ ذبيحتها ولا تحل مناكحتها
* قال أَصْحَابُنَا وَكَمَا تَحْرُمُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ يَحْرُمُ صَيْدُهُ بِكَلْبٍ أَوْ سَهْمٍ وَيَحْرُمُ مَا شَارَكَ فِيهِ مسلما فلو أمرا سِكِّينًا عَلَى حَلْقٍ أَوْ قَطَعَ هَذَا بَعْضَ الْحُلْقُومِ وَهَذَا بَعْضَهُ أَوْ قَتَلَا صَيْدًا بِسَهْمٍ أو كلب لم يحل ولو رَمَيَا سَهْمَيْنِ أَوْ أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ فَإِنْ سَبَقَ سَهْمُ الْمُسْلِمِ أَوْ كَلْبُهُ فَقَتَلَ الصَّيْدَ أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً ثُمَّ قَدَّهَا الْمَجُوسِيُّ وَإِنْ سَبَقَ مَا أَرْسَلَهُ الْمَجُوسِيُّ أَوْ جَرَحَاهُ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَذْفُفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهَلَّلَ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَيَوَانِ التَّحْرِيمُ حَتَّى تَتَحَقَّقَ ذَكَاةٌ مُبِيحَةٌ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَتَى اشْتَرَكَا فِي إمْسَاكِهِ وَعَقْرِهِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ بِالْآخَرِ(9/75)
أَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ كَلْبَانِ مُعَلَّمٌ وَغَيْرُهُ أَوْ مُعَلَّمَانِ ذَهَبَ أَحَدُهُمَا بِلَا إرْسَالٍ فَقَتَلَا صَيْدًا فَهُوَ كَاشْتِرَاكِ كَلْبَيْ الْمُسْلِمِ وَالْمَجُوسِيِّ وَلَوْ هَرَبَ الصَّيْدُ مِنْ كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَعَارَضَهُ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَلَّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُسْلِمُ شَاةً أَمْسَكَهَا مَجُوسِيٌّ وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمٌ أَوَّلًا ثُمَّ قَتَلَهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا غَيْرَ مُذَفِّفٍ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ قَدْ أَثْخَنَهُ بِجِرَاحَتِهِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَيَلْزَمُ الْمَجُوسِيَّ لَهُ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِجَعْلِهِ مَيْتَةً وَيَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ كَمَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ بِسِكِّينَتِهِ وَلَوْ أَكْرَه مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ أَوْ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى ذَبْحِ صَيْدٍ فَذَبَحَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمَرْأَةِ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَذَكَاةُ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ ذَكَاتِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً طَاهِرًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً فَذَبِيحَتُهَا فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ حَلَالٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ بَالِغًا عَاقِلًا فَإِنْ ذَبَحَ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) الْحِلُّ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ
* وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ فَفِيهِمْ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِحِلِّ ذَبَائِحِهِمْ وبها قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنَّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ وَاخْتَارَهُ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ فَأَشْبَهَ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ سِكِّينٌ وَهُوَ نَائِمٌ فَمَرَّتْ عَلَى حُلْقُومِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالْمَذْهَبُ) الْأَوَّلُ كَمَنْ قَطَعَ حَلْقَ شَاةٍ وَهُوَ يَظُنُّهُ خَشَبَةً فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي السَّكْرَانِ طَرِيقًا آخَرَ قَاطِعًا بِحِلِّ ذَكَاتِهِ مَعَ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي الْمَجْنُونِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الصَّاحِي قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ كَانَ لِلْمَجْنُونِ أَدْنَى تَمْيِيزٍ وَلِلسَّكْرَانِ قَصْدٌ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ قَطْعًا وَحَيْثُ حَلَّلْنَا ذَبْحَ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) تَحِلُّ ذَكَاةُ الْأَعْمَى بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ(9/76)
وَفِي حِلِّ صَيْدِهِ بِالْكَلْبِ وَالرَّمْيِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الصَّيْدَ فَلَا يَصِحُّ إرْسَالُهُ
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ كَذَكَاتِهِ وَقَطَعَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ طَائِفَةٌ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِالتَّحْرِيمِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدِي أَنَّ الْوَجْهَيْنِ مَخْصُوصَانِ بِمَا إذَا أَدْرَكَ حِسَّ الصَّيْدِ وَبَنَى إرْسَالَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَشْبَهُ أَنَّ الخلاف مخصوص بما إذا أَخْبَرَهُ بَصِيرٌ بِالصَّيْدِ فَأَرْسَلَ الْكَلْبَ أَوْ السَّهْمَ وَكَذَا صَوَّرَهُمَا الْبَغَوِيّ وَأَطْلَقَ كَثِيرُونَ الْوَجْهَيْنِ قَالَ الرافعى ويجريان في اصطياد الصبى والمجنون بالكلب وَالسَّهْمِ وَقِيلَ يَخْتَصَّانِ بِالْكَلْبِ وَيُقْطَعُ بِالْحِلِّ فِي السَّهْمِ كَالذَّبْحِ (قُلْتُ) الْمَذْهَبُ حِلُّ صَيْدِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ لعدم القصد وليس بشئ وَالْمُرَادُ صَبِيٌّ لَا يُمَيِّزُ (أَمَّا) الْمُمَيِّزُ فَيَحِلُّ اصْطِيَادُهُ بِالْكَلْبِ وَالسَّهْمِ قَطْعًا كَالذَّبْحِ وَيُحْتَمَلُ عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ السَّابِقِ فِي الذَّبْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْأَخْرَسُ إنْ كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ حلت ذبيحته بالاتفاق ولا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ الْحِلُّ أَيْضًا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلْتَكُنْ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَنْ ذَبَحَ مِمَّنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنْ امْرَأَةٍ حَائِضٍ أَوْ صبي من المسلمين أحب إلى من ذبح اليهودي والنصراني
* قال أَصْحَابُنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالذَّكَاةِ وَأَفْضَلُهُمْ لَهَا الرَّجُلُ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ ثُمَّ الصَّبِيُّ الْمُسْلِمُ ثُمَّ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ أَوْلَى مِنْ الْمَجْنُونِ
وَالسَّكْرَانِ لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُمَا قَتْلُ الْحَيَوَانِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا حِلُّ ذَبِيحَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد لَا تَحِلُّ ذَكَاةُ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى حِلِّ ذَكَاةِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ
* (فَرْعٌ)
نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى إبَاحَةِ مُذَكَّاةِ الْأَخْرَسِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ فَهْمِهِ الْإِشَارَةَ وَعَدَمِهِ
* (فَرْعٌ)
نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ على ذَبِيحَةِ الْجُنُبِ قَالَ وَإِذَا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى حِلِّ إبَاحَةِ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ فَاَلَّذِي نَفَتْ السُّنَّةُ عَنْهُ النَّجَاسَةَ أَوْلَى قَالَ والحائض كالجنب
*(9/77)
(فَرْعٌ)
فِي ذَبِيحَةِ الْأَقْلَفِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يُخْتَنْ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ وَبِهِ نَقُولُ قَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
* وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْأَصْحَابُ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) وَبِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْهُمْ الْأَقْلَفُ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا إبَاحَةُ أَكْلِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ وَسَائِرِ مِنْ تَعَدَّى بِذَبْحِ مَالِ غَيْرِهِ لِصَاحِبِهَا وَمَنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهَا وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ طاوس وعكرمة واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ يُكْرَهُ
* (فَرْعٌ)
ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ سَوَاءٌ ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا أَمْ لَا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ والنخعي وحماد بن سليمان وأبى حنيفة وأحمد واسحق وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ ذَبَحُوا عَلَى صَنَمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ إذَا ذَبَحَ النَّصْرَانِيُّ عَلَى اسْمِ عِيسَى فَكُلْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَقُولُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَكْحُولٌ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إذَا سَمَّوْا اللَّهَ تَعَالَى فَكُلْ وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوهُ فَلَا تَأْكُلْ
* وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَبَائِحِهِمْ لِكَنَائِسِهِمْ فَرَخَّصَ فِيهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ وَالْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ
وَحَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ وعمر بن الاسود ومكحول وجبر بن نفيل وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَكَرِهَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَحَمَّادٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ واسحق وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَمَذْهَبُنَا تَحْرِيمُهُ وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا نَأْكُلُهُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُ ذَكَاةِ نَصَارَى الْعَرَبِ بَنِي تَغْلِبَ وَتَنُوخَ وَبَهْرَاءَ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جبير وأباحه ابْنُ عَبَّاسٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالزُّهْرِيُّ والحكم وحماد وأبو حنيفة واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف
*(9/78)
(فَرْعٌ)
ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَلَالٌ كَذَبَائِحِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
ذَبَائِحُ الْمَجُوسِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ المسيب وعطاء بن أبى رياح وسعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن ابن أبى ليلى والنخعي وعبيد الله بن يزيد ومرة الهمذانى والزهرى ومالك والثوري وأبو حنيفة وأحمد واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ الْمُسْلِمُ مَرِيضًا وَأَمَرَ مَجُوسِيًّا أَنْ يَذْبَحَ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَجُوسِيِّ يُسَمِّي شَيْئًا لِنَارِهِ فَيَذْبَحُهُ مُسْلِمٌ فَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ سِيرِينَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ يَأْكُلُهَا الْمُسْلِمُ إذَا ذَبَحَهَا مُسْلِمٌ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا
* (فَرْعٌ)
فِي ذَبِيحَةِ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَبُ مَجُوسِيًّا فَذَبِيحَةُ الْوَلَدِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْأُمُّ عَلَى الْأَصَحِّ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحِلُّ فِي الصُّورَتَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ لَهُ حُكْمُ الْأَبِ
* (فَرْعٌ)
ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَكَرِهَهَا الثَّوْرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَنْ تولى قوما فهو منهم وقال اسحق إنْ ارْتَدَّ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى حِلِّ ذَبِيحَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْكِتَابِيَّيْنِ الْعَاقِلَيْنِ
* (فَرْعٌ)
فِي ذَبَائِحِ الصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إنْ وَافَقَتْ الصَّابِئُونَ النَّصَارَى وَالسَّامِرَةُ الْيَهُودَ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ حَلَّتْ ذَبَائِحُهُمْ وَمُنَاكَحَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبَاحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضى الله عنه ذبائح السامرة وقال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ لَا بَأْسَ بِذَبَائِحِ أَهْلِ الصَّابِئِينَ لانهم أهل الكتاب وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَحِلُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ (أَمَّا)(9/79)
السَّامِرَةُ فَحُكْمُهُمْ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ (وَأَمَّا) الصَّابِئُونَ فَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَهُمْ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالْوَاوِ
* (فَرْعٌ)
ذَبَائِحُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَلَالٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَحِلُّ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لَوْ أَخْبَرَ فَاسِقٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَكَّى هَذِهِ الشَّاةَ قبلناه وحل أكلها لانه من أهل الزكاة
* (فَرْعٌ)
لَوْ وَجَدْنَا شَاةً مَذْبُوحَةً وَلَمْ نَدْرِ مَنْ ذَبَحَهَا فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ فِيهِ مَنْ لَا يَحِلُّ ذَكَاتُهُ كَالْمَجُوسِ لَمْ تَحِلَّ سَوَاءٌ تَمَحَّضُوا أَوْ كَانُوا مُخْتَلِطِينَ بِالْمُسْلِمِينَ لِلشَّكِّ فِي الذَّكَاةِ الْمُبِيحَةِ وَالْأَصْلُ التَّحْرِيمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَلَّتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (والمستحب أن يذبح بسكين حاد لما روى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) فان ذبح بحجر محدد أو ليطة حل لما ذكرناه من حديث كعب بن مالك في المرأة التى كسرت حجرا فذبحت بها شاة ولما روى أن رافع بن خديج قال يارسول الله انا نرجو أن نلقى العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما انهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر وسأخبركم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة فان ذبح بسن أو ظفر لم يحل لحديث رافع بن خديج)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ شِدَادِ بْنِ أَوْسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ رَافِعٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَوَى بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَالذِّبْحَةَ هُوَ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَالذَّالِ - أَيْ هيأة الْقَتْلِ وَالذَّبْحِ وَلْيُحِدَّ - بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ - يُقَالُ أَحَدَّ السِّكِّينَ وَحَدَّدَهَا وَاسْتَحَدَّهَا كُلُّهُ بِمَعْنًى وَالْمُدَى - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ - وَهُوَ جَمْعُ مدية - بضم(9/80)
الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا سَاكِنَةَ الدَّالِ - وَهِيَ السِّكِّينُ سُمِّيَتْ مُدْيَةً لِأَنَّهَا تَقْطَعُ مَدَى حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَسُمِّيَتْ السِّكِّينُ سِكِّينًا لِأَنَّهَا تُسْكِنُ حَرَكَةَ الْحَيَوَانِ وَفِيهَا لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ (قَوْلُهُ) لِيطَةٌ - بِكَسْرِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَبِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ - وَهِيَ الْقِشْرَةُ الرَّقِيقَةُ لِلْقَصَبَةِ وَقِيلَ مُطْلَقُ قِشْرَةِ الْقَصَبَةِ وَالْجَمَاعَةُ لِيطٌ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) أَيْ أَسَالَهُ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ) هُمَا مَنْصُوبَانِ بِلَيْسَ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) مَعْنَاهُ فَلَا يَجُوزُ بِهِ لِأَنَّهُ مُتَنَجِّسٌ بِالدَّمِ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنْجِيسِ العظام فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهِمَا زَادَ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ (وَأَمَّا) الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الاحكام ففيها مسائل (إحدهما) السُّنَّةُ تَحْدِيدُ السِّكِّينِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَحَبُّ امرارها بقوة وتحامل ذهابا وعودا ليكون أو حي وَأَسْهَلَ فَلَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالَّةٍ كُرِهَ وَحَلَّتْ الذَّبِيحَةُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُحَدِّدَ السِّكِّينَ وَالشَّاةُ تَنْظُرُ السِّكِّينَ وَأَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ وَالْأُخْرَى تَنْظُرُ وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُسَاقَ إلَى الْمَذْبَحِ بِرِفْقٍ وَتُضْجَعَ بِرِفْقٍ وَيُعْرَضَ عَلَيْهَا الْمَاءُ قَبْلَ الذَّبْحِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَلَا بِسَائِرِ الْعِظَامِ وَتَحْصُلُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْمُحَدَّدَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْحَدِيدِ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالسَّهْمِ وَالرُّمْحِ أَوْ مِنْ الرَّصَاصِ أَوْ النُّحَاسِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الْخَشَبِ الْمُحَدَّدِ أَوْ الْقَصَبِ أَوْ الزجاج أو الحجز أَوْ غَيْرِهَا وَلَا خِلَافَ فِي كُلِّ هَذَا عِنْدَنَا وَيَحِلُّ الصَّيْدُ الْمَقْتُولُ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ سِوَى الظُّفُرِ وَالسِّنِّ وَسَائِرِ الْعِظَامِ (وَأَمَّا) الظُّفُرُ وَالسِّنُّ وَسَائِرُ الْعِظَامِ فَلَا تَحِلُّ بِهَا الذَّكَاةُ وَلَا الصَّيْدُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الظُّفُرُ وَالسِّنُّ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ الْمُتَّصِلُ وَالْمُنْفَصِلُ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ أَوْ غيره هذ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْرَهُ بِالْعَظْمِ الذَّكَاةَ وَلَا
يَبِينُ لِي أَنْ أُحَرِّمَ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سِنٍّ وَلَا ظُفُرٍ قَالَ اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ فِي التَّحْرِيمِ الِاسْمَ فَأَجَازَهُ بِالْعَظْمِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الِاسْمِ وَكَرَّرَهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ وَفِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنْ السِّنِّ بِأَنَّهُ(9/81)
عَظْمٌ هَذَا نَقَلَهُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا بَاطِلًا أَنَّ عَظْمَ الْمَأْكُولِ تَحْصُلُ بِهِ الذَّكَاةُ وَهَذَا غَلَطٌ وَلَوْ رُكِّبَ عظم على سهم وجعل نصلاله فَقُتِلَ بِهِ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرافعى قولان قَوْلًا أَنَّهُ يَحِلُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (الثَّالِثَةُ) لَوْ أَرَادَ الذَّكَاةَ بِمُثْقَلٍ فَأَثَّرَ بِثِقَلِهِ دَقًّا أَوْ خَنْقًا لَمْ يَحِلَّ وَكَذَا لَوْ كَانَ مثقلا فقتله بثقله لم يحل بل لابد مِنْ الْجُرْحِ وَلَوْ ذَبَحَهُ بِحَدِيدَةٍ لَا تَقْطَعُ وَتَحَامَلَ عَلَيْهَا حَتَّى أَزْهَقَهُ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّ القطع هنا بقوة الذابح واعتماده الشديدلا بِالْآلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
اعْلَمْ أَنَّهُ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَجُوزُ الذَّبْحُ بكل ماله حد يقطع إلا السن والظفر وهذ اللَّفْظُ يَقْتَضِي جَوَازَ الذَّبْحِ بِالْعِظَامِ الْمُحَدَّدَةِ سِوَى السِّنِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إلَّا الْعَظْمَ وَالظُّفُرَ أَوْ إلَّا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ وَسَائِرَ الْعِظَامِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُهَذَّبِ أَجْوَدُ وَمَعَ هَذَا فَأَهْمَلَ فِيهِ بَيَانَ مَنْعِ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ (فَإِنْ قِيلَ) لَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ (قُلْنَا) (أَمَّا) فِي الْمُهَذَّبِ فَلَهُ فِي هَذَا بَعْضُ الْعُذْرِ (وَأَمَّا) فِي التَّنْبِيهِ فَلَا عُذْرَ لَهُ وَلَا جَوَابَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْحَدِيثَ حَتَّى يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ إيهَامٌ بِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ فِيهِ عَلَى الْعِلَّةِ فِي السِّنِّ وَهُوَ كَوْنُهُ عَظْمًا فَفَهِمْنَا مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَظْمِ لَا تَحِلُّ الذَّكَاةُ بِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبٍ أو مسروق أو كال وقطع الحلقوم والمرئ كُرِهَ ذَلِكَ وَحَلَّتْ الذَّبِيحَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا دَاوُد فَقَالَ لَا تَحِلُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ذَبْحٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلا مَا ذكيتم) وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ المذكور قريبا (ما أنهرم الدَّمَ) وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا) أَنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ فِعْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إبْطَالُ الذَّكَاةِ وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ حَلَالٍ في أرض مغصوب أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ
فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَإِنَّهُ تَحْصُلُ الذَّكَاةُ وَالْوُضُوءُ بِالْإِجْمَاعِ
*(9/82)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ بِمَا تَحْصُلُ بِهِ الذَّكَاةُ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا حُصُولُهُ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ إلَّا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ وَسَائِرَ الْعِظَامِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَاللَّيْثُ وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وأحمد واسحق وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَالْجَمَاهِيرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِالظُّفُرِ وَالْعَظْمِ الْمُتَّصِلَيْنِ وَيَجُوزُ بِالْمُنْفَصَلِينَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بكل شئ حَتَّى بِالسِّنِّ وَالظُّفُرِ وَنَحْوِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ الْمَالِكِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ إبَاحَةُ الذَّكَاةِ بِالْعَظْمِ ومنعهت بِالسِّنِّ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَعِنْدِي تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بِهِمَا وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ تُذَكِّي بِعَظْمِ الْحِمَارِ وَلَا تُذَكِّي بِعَظْمِ الْقِرْدِ لِأَنَّ الْحِمَارَ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَتَسْقِيهِ فِي خُفِّك وَهَذَا مَذْهَبٌ فاسد واستدلال باطل
* دليلنا حديث رافع والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والمستحب أن تنحر الابل معقولة من قيام لِمَا رُوِيَ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما رأى رجلا أضجع بدنة فقال قياما سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وتذبح البقرة والغنم مضجعة لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقَرَنَيْنِ أملحين ذبحهما بيده ووضع رجله على صفاحهما وسمى وكبر) والبقر كالغنم في الذبح فكان مثله في الاضطجاع والمستحب أن يوجه الذبيحة إلى القبلة لانه لابد لها من جهة فكانت جهة القبلة أولى والمستحب أن يسمى الله تعالى علي الذبح لما روى عدى بن حاتم قال (سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصيد فقال أذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه وكل) فان ترك التسمية لم يحرم لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ قوما قالوا يارسول الله ان قوما من الاعراب يأتون باللحم لا ندرى اذكروا اسم الله تعالى عليه أم لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذكر اسم الله تعالى عليه وكل) والمستحب أن يقطع الحلقوم والمرئ والودجين لانه أوحى وأروح للذبيحة فان اقتصر على قطع الحلقوم والمرئ أجزأه لان الحلقوم مجرى النفس والمرئ مجرى الطعام والروح(9/83)
لا تبقي مع قطعهما والمستحب أن ينحر الابل ويذبح البقر والشاة فان خالف ونحر البقر والشاة وذبح الابل أجزأه لان الجميع موت من غير تعذيب ويكره أن يبين الرأس وأن يبالغ في الذبح إلى أن يبلغ النخاع وهو عرق يمتد من الدماغ ويستبطن الفقار إلى عجب الذنب لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نهى عن النخع ولان فيه زيادة تعذيب فان فعل ذلك لم يحرم لان ذلك يوجد بعد حصول الذكاة وان ذبحه من قفاه فان بلغ السكين الحلقوم والمرئ وقد بقيت فيه حياة مستقرة حل لان الذكاة صادفته وهو حي وان لم يبق فيه حياة مستقرة الا حركة مذبوح لم يحل لانه صار ميتا قبل الذكاة فان جرح السبع شاة فذبحها صاحبها وفيها حياة مستقرة حلت وان لم يبق فيها حياة مستقره لم تحل لِمَا رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لابي ثعلبة الخشنى وان رد عليك كلبك غنمك وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وان لم تدرك ذكاته فلا تأكله) والمستحب إذا ذبح أن لا يكسر عنقها ولا يسلخ جلدها قبل أن تبرد لما روى أن الفرافصه قالوا لعمر رضى الله عنه إنكم تأكلون طعاما لا نأكله فقال وما ذاك يا أبا حسان فقال تعجلون الانفس قبل أن تزهق فأمر عمر رضى الله عنه مناديا ينادي إن الذكاة في الحلق واللبة لمن قدر ولا تعجلوا الانفس حتى تزهق)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ وحديث عدى فرواهم الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ رِوَايَتَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ابْعَثْهَا مُقَيَّدَةً سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَذَفَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ مُقَيَّدَةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَآخَرُونَ وَسَبَقَ إيضَاحُهُ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّسْمِيَةِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بَعْضَهُ وَلَفْظُهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ (وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ) (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ فَصَحِيحٌ صَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قِيَامًا مُقَيَّدَةً أَيْ مَعْقُولَةً إحْدَى الرِّجْلَيْنِ (وَقَوْلُهُ) سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِنَصَبِ سُنَّةٍ أَيْ الْزَمْ سُنَّةَ أَوْ افْعَلْهَا وَيَجُوزُ رَفْعُهُ أَيْ هَذِهِ سُنَّةُ وَالْأَعْرَابُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - سَاكِنُ(9/84)
البادية والمرئ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ - وَالرُّوحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ لُغَتَانِ وَالنُّخَاعُ - بِكَسْرِ النُّونِ
وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا - ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَآخَرُونَ وَالنَّخْعُ - بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ - وَقَدْ فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ النَّخْعُ لِلذَّبِيحَةِ أَنْ يُعَجَّلَ الذَّابِحَ فَيَبْلُغَ الْقَطْعُ إلَى النُّخَاعِ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَالنُّخَاعُ خَيْطٌ أَبْيَضُ يَكُونُ دَاخِلَ عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَيَكُونُ مُمْتَدًّا إلَى الصُّلْبِ قَالَ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَيْضًا هُوَ خَيْطُ الْفَقَارِ الْمُتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ هَذَا نَقْلُ الْأَزْهَرِيِّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ النَّخْعُ قَطْعُ النُّخَاعِ وَهُوَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الَّذِي مَادَّتُهُ مِنْ الدِّمَاغِ فِي جَوْفِ الْفَقَارِ كُلِّهَا إلَى عَجْبِ الذَّنَبِ وَإِنَّمَا تُنْخَعُ الذَّبِيحَةُ إذَا أُبِينَ رَأْسُهَا وَالْفَقَارُ - بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ قَافٍ - وَأَمَّا عَجْبُ الذَّنَبِ - فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ - وَهُوَ أَصْلُ الذَّنَبِ (وَأَمَّا) أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ - فَبِضَمِّ الْخَاءِ - وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالنُّونِ - وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ (وَأَمَّا) الْفُرَافِصَةُ فَبِضَمِّ الْفَاءِ الْأُولَى - وَكَسْرِ - الثَّانِيَةِ (وَقَوْلُهُ) لَا تَعْجَلُونَ الْأَنْفُسَ هُوَ - بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - (قَوْلُهُ) الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ هِيَ - بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهِيَ الثُّغْرَةُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) السُّنَّةُ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ وَهُوَ قَطْعُ الْحَلْقِ أَسْفَلَ الْعُنُقِ وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ وَهُوَ قَطْعُ الْحَلْقِ أَعْلَى الْعُنُقِ وَالْمُعْتَبَرُ في الموضعين قطع الحلقوم والمرئ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْبَقَرِ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَالْخَيْلُ كَالْبَقَرِ وَكَذَا حِمَارُ الْوَحْشِ وَبَقَرُهُ وَنَحْوُهَا فَلَوْ خَالَفَ وَذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ حَلَّتْ الْمُذَكَّاةُ وَكَانَ تَارِكًا لِلْمُسْتَحَبِّ وَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ فِيهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ مَا وَرَدَ فِيهِ نهى
(والثانى)
يكره (الثانية) السنة أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرَ قَائِمًا عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ مَعْقُولَ الرُّكْبَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْمَعْقُولَةُ الْيُسْرَى فَإِنْ لَمْ يَنْحَرْهُ قَائِمًا فَبَارِكًا وَالسُّنَّةُ أَنْ تُضْجَعَ الْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ وَتُتْرَكَ رِجْلُهَا الْيُمْنَى وَتُشَدَّ قَوَائِمُهَا الثَّلَاثُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ(9/85)
عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالْخَيْلُ وَالصَّيُودُ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ الذَّابِحُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُوَجِّهَ الذَّبِيحَةَ إلَيْهَا وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ ذَبِيحَةٍ وَهُوَ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا
لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْقُرُبَاتِ وَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْجِيهِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ (أَصَحُّهَا) يُوَجِّهُ مَذْبَحَهَا إلَى الْقِبْلَةِ ولا يوجه وجهها ليمكنه هو أيضا الاستقبال
(وَالثَّانِي)
يُوَجِّهُهَا بِجَمِيعِ بَدَنِهَا (وَالثَّالِثُ) يُوَجِّهُ قَوَائِمَهَا (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الذَّبْحِ وَعِنْدَ إرْسَالِ الْكَلْبِ أَوْ السَّهْمِ إلَى الصَّيْدِ فَلَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَلَّتْ الذَّبِيحَةُ وَالصَّيْدُ لَكِنْ فِي تَرْكِهَا عَمْدًا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ مَكْرُوهٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ (وَالثَّالِثُ) يَأْثَمُ بِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً بِفُرُوعِهَا الْكَثِيرَةِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَعَ بَيَانِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ بِأَدِلَّتِهَا فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبْحِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا لَا تُسْتَحَبُّ وَلَا تُكْرَهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الْخَامِسَةُ) فِي حَقِيقَةِ الذَّبْحِ وَقَدْ لَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمَعَ فِيهِ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَهَذَّبَهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ قَالَ الذَّبْحُ الَّذِي يُبَاحُ بِهِ الْحَيَوَانُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ إنْسِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا أُضْحِيَّةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا هُوَ التَّدْقِيقُ بِقَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ والمرئ مِنْ حَيَوَانٍ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِآلَةٍ لَيْسَتْ عَظْمًا وَلَا ظُفُرًا فَهَذِهِ قُيُودٌ (أَمَّا) الْقَطْعُ فَاحْتِرَازٌ مِمَّا لَوْ اخْتَطَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ وَغَيْرِهِ بِيَدٍ أَوْ بِبُنْدُقَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ (وَأَمَّا) الحلقوم فهو مجرى النفس خروجا ودخولا والمرئ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ تَحْتَ الْحُلْقُومِ وَوَرَاءَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ يُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ وَقِيلَ يحيطان بالمرئ يقال لهما الودجان ويقال للحلقوم والمرئ مَعَهُمَا الْأَوْدَاجُ وَيُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الذَّكَاةِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ والمرئ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ لِأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي قَطْعُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَبْقَى بَعْدَهُ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَخِلَافُ مَقْصُودِ الذَّكَاةِ وَهُوَ الْإِزْهَاقُ بِمَا يُوحِي وَلَا يُعَذِّبُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْطَعَ الْوَدَجَيْنِ مع الحلقوم والمرئ لِأَنَّهُ أَوْحَى وَالْغَالِبُ أَنَّهُمَا يُقْطَعَانِ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ والمرئ فلو تركهما جاز لحصول المقصود بالحلقوم والمرئ قال أصحابنا ولو ترك من الحلقوم والمرئ شَيْئًا وَمَاتَ الْحَيَوَانُ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَكَذَا لَوْ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَقَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَتْرُوكَ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ(9/86)
وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مِنْ الحلقوم أو المرئ شئ يَسِيرٌ لَا يَضُرُّ بَلْ تَحْصُلُ الذَّكَاةُ وَاخْتَارَهُ
الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا ولو قطع من القفاحتى وصل الحلقوم من المرئ عصي لزيادة الايلام ثم ينظران وصل إلى الحلقوم والمرئ وَقَدْ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لَمْ يَحِلَّ بقطع الحلقوم والمرئ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ وَصَلَهُمَا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَطَعَهُمَا حَلَّ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ ذَكَّاهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ حياة مستقرة عند ابتداء قطع المرئ وَلَكِنْ لَمَّا قَطَعَ بَعْضَ الْحُلْقُومِ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لِمَا نَالَهُ مِنْ قَبْلُ بِسَبَبِ قَطْعِ الْقَفَا فَهُوَ حَلَالٌ لِأَنَّ أَقْصَى مَا وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَطْعُ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ كَالْقَطْعِ مِنْ الْقَفَا قَالُوا وَلَوْ أَدْخَلَ السِّكِّينَ فِي أُذُنِ الثَّعْلَبِ ليقطع الحلقوم والمرئ مِنْ دَاخِلِ الْجِلْدِ فَفِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَلَوْ أمر السكين ملتصفا باللحيين فوق الحلقوم والمرئ وَأَبَانَ الرَّأْسَ فَلَيْسَ هُوَ بِذَبْحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يقطع الحلقوم والمرئ وأما كون التدقيق حاصلا بقطع الحلقوم والمرئ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) لَوْ أَخَذَ الذَّابِحُ فِي قطع الحلقوم والمرئ وَأَخَذَ آخَرُونَ فِي نَزْعِ خَيْشُومِهِ أَوْ نَخَسَ خاصرته لم يحل لان التدقيق لم يتمحض للحلقوم والمرئ وَسَوَاءٌ كَانَ مَا تَحَرَّى بِهِ قَطْعَ الْحُلْقُومِ مِمَّا يُدَقِّقُ وَلَوْ انْفَرَدَ أَوْ كَانَ يُعِينُ عَلَى التَّدْقِيقِ وَلَوْ اُقْتُرِنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِقَطْعِ رَقَبَةِ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهَا بِأَنْ كَانَ يُجْرِي سِكِّينًا مِنْ الْقَفَا وَسِكِّينًا مِنْ الْحُلْقُومِ حَتَّى النقتا فَهِيَ مَيْتَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ قَطْعُ الْقَفَا وَبَقِيَتْ الْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ إلَى وُصُولِ السِّكِّينِ الْمَذْبَحَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يَجِبُ أَنْ يَشْرَعَ الذَّابِحُ فِي الْقَطْعِ وَلَا يَتَأَنَّى بِحَيْثُ يَظْهَرُ انْتِهَاءُ الشَّاةِ قَبْلَ اسْتِتْمَامِ قَطْعِ الْمَذْبَحِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ هَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا قَدْ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ أَنَّ الْمُتَعَبَّدَ بِهِ كَوْنُ الْحَيَاةِ مُسْتَقِرَّةً عِنْدَ الِابْتِدَاءِ قَالَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ هُنَا إذَا تَبَيَّنَ مَصِيرَهُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَهُنَاكَ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْحَالُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خِلَافُ مَا سَبَقَ(9/87)
تَصْرِيحَ الْإِمَامِ بِهِ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُقَصِّرٌ فِي التَّأَنِّي لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا تَقْصِيرَ فِي حَقِّهِ وَلَوْ لَمْ يُحْلِلْهُ أَدَّى إلَى حَرَجٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَوَانِ عِنْدَ الْقَطْعِ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَفِيهِ صُوَرٌ (إحْدَاهَا) لَوْ جَرَحَ السَّبُعُ شَاةً أَوْ صَيْدًا أَوْ انْهَدَمَ سَقْفٌ عَلَى بَهِيمَةٍ أَوْ جَرَحَتْ هِرَّةٌ حَمَامَةً ثُمَّ أُدْرِكَتْ حَيَّةً فَذُبِحَتْ فَإِنْ كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّتْ وَإِنْ تَيَقَّنَ هَلَاكَهَا بَعْدَ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ لِمَا
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَحِلَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى قَوْلَ أَنَّهَا تَحِلُّ فِي الْحَالَيْنِ وَقَوْلَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ فِي الْحَالَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّاةِ إذَا مَرِضَتْ وَصَارَتْ إلَى أَدْنَى رَمَقٍ فَذُبِحَتْ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْمَسْأَلَةَ وَأَوْهَمَ فِيهَا خِلَافَ الصَّوَابِ قَالَ إذَا أَشْرَفَتْ الْمَرِيضَةُ عَلَى الْمَوْتِ لَمْ تَحِلَّ بِالذَّكَاةِ قَالَ وَحَكَى صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا مَا دَامَتْ تَضْرِبُ بِذَنَبِهَا وَتَفْتَحُ عَيْنَهَا حَلَّتْ بالذكاة قال وهذا ليس بشئ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِيهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ وَإِنَّمَا حَرَكَتُهَا حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ
* هَذَا كَلَامُهُ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَلَوْ أَكَلَتْ الشَّاةُ نَبَاتًا مُخْضَرًّا فَصَارَتْ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ فَذُبِحَتْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مَرَّةً فِي حِلِّهَا وَجْهَانِ وَجَزَمَ مَرَّةً بِالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَجُرْحِ السبع
*(9/88)
(فَرْعٌ)
كَوْنُ الْحَيَوَانِ مُنْتَهِيًا إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أَوْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ تَارَةً يُسْتَيْقَنُ وَتَارَةً يظن بعلامات وقرائن لا تضبطها العبارة وشبه الْأَصْحَابُ بِعَلَامَاتِ الْخَجَلِ وَالْغَضَبِ وَنَحْوِهِمَا قَالُوا وَمِنْ أَمَارَاتِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ قَطْعِ الحلقوم والمرئ وَانْفِجَارِ الدَّمِ وَتَدَفُّقِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكْفِي دَلِيلًا عَلَى بَقَاءِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ قَالَ وَالْأَصَحُّ ان كلا منهما لا يكفى لانهما قد يحصلا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لَكِنْ قَدْ يَنْضَمُّ إلَى أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا قَرَائِنُ وَأَمَارَاتٌ أُخَرُ تُفِيدُ الظَّنَّ أَوْ الْيَقِينَ فَيَجِبُ النَّظَرُ وَالِاجْتِهَادُ.
هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاخْتَارَ الْمُزَنِيّ وَطَوَائِفُ مِنْ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءَ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَحَكَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ وَقَعَتْ الْمَسْأَلَةُ مَرَّاتٍ فِي الْفَتَاوَى فَكَانَ الْجَوَابُ فِيهَا أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ تُعْرَفُ بِقَرَائِنَ يُدْرِكُهَا النَّاظِرُ وَمِنْ عَلَامَاتِهَا الْحَرَكَةُ الشديدة بعد قطع الحلقوم والمرئ وَجَرَيَانِ الدَّمِ فَإِذَا حَصَلَتْ قَرِينَةٌ مَعَ أَحَدِهِمَا حَلَّ الْحَيَوَانُ وَالْمُخْتَارُ الْحِلُّ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ وَحْدَهَا فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَعْتَمِدُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ الْحَيَوَانُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ بِأَنْ يُشَقَّ جَوْفُهَا وَظَهَرَتْ الْأَمْعَاءُ وَلَمْ تَنْفَصِلْ فَإِذَا ذُكِّيَتْ حَلَّتْ
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُنْزَلٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَإِذَا شَكَّ فِي الْمَذْبُوحِ هَلْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَالَ ذَبْحِهِ أَمْ لَا فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْحِلُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ (وَأَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِلشَّكِّ فِي الذَّكَاةِ الْمُبِيحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) قَوْلُنَا فِي الْآلَةِ لَيْسَتْ ظُفُرًا وَلَا عَظْمًا فَمَعْنَاهُ جواز الذبح بكل ماله حَدٌّ يَقْطَعُ إلَّا الْعَظْمَ أَوْ الظُّفُرَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا وَاضِحَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا قَطَعَ الحلقوم أو المرئ وَالْوَدَجَيْنِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِينَ رَأْسَهُ فِي الْحَالِ وَأَنْ يَزِيدَ فِي الْقَطْعِ وَأَنْ يَكْسِرَ عُنُقَهَا وَأَنْ يَكْسِرَ الْفَقَارَ وَأَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا مِنْهَا وَأَنْ يُحَرِّكَهَا وَأَنْ يَنْقُلَهَا إلَى مَكَان آخَرَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بَلْ يَتْرُكُهُ كُلَّهُ حَتَّى تُفَارِقَهَا الرُّوحُ وَتَبْرُدَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُمْسِكَهَا بَعْدَ الذَّبْحِ مَانِعًا لَهَا مِنْ الِاضْطِرَابِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَدِلَّةَ هَذِهِ الْأُمُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(9/89)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَبْحِ مَا يُنْحَرُ وَنَحْرِ مَا يُذْبَحُ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ السُّنَّةَ ذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَنَحْرِ الْإِبِلِ فَلَوْ خَالَفَ وَذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ جَازَ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ بِهَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ والثوري والليث ابن سعد وابو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ ذَبَحَ الْبَعِيرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ نَحَرَ الشَّاةَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كُرِهَ أَكْلُهَا وَإِنْ نَحَرَ الْبَقَرَ فَلَا بَأْسَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَحَرَ الْإِبِلَ وَذَبَحَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ فَهُوَ مُصِيبٌ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَرَّمَ أَكْلَ بَعِيرٍ مَذْبُوحٍ أَوْ بَقَرَةٍ وَشَاةٍ مَنْحُورَيْنِ قَالَ وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ كَرَاهَةَ تنزيه وقد يكره الانسان الشئ وَلَا يُحَرِّمُهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةً بِالْكَرَاهَةِ وَرِوَايَةً بِالتَّحْرِيمِ وَرِوَايَةً بِإِبَاحَةِ ذَبْحِ الْمَنْحُورِ دُونَ نَحْرِ الْمَذْبُوحِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ إذَا ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ لَمْ يُؤْكَلْ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قبله وبما ذكره المنصف
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهُ لِحُصُولِ الذَّكَاةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشْتِرَاطُ قَطْعِ الحلقوم والمرئ بِكَمَالِهِمَا وَأَنَّ الْوَدَجَيْنِ سُنَّةٌ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ
عَلَى أَنَّهُ إذَا قَطَعَ بِمَا يَجُوزُ الذبج به وسمى وقطع الحلقوم والمرئ وَالْوَدَجَيْنِ وَأَسَالَ الدَّمَ حَصَلَتْ الذَّكَاةُ وَحَلَّتْ الذَّبِيحَةُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي قَطْعِ الْبَعْضِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يقول يشترط قطع الحلقوم والمرئ وَيُسْتَحَبُّ الْوَدَجَيْنِ وَقَالَ اللَّيْثُ وَدَاوُد يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْجَمِيعِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً مِنْ الْأَرْبَعَةِ حَلَّ وَالْأَرْبَعَةُ هي الحلقوم والمرئ والودجين وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا لِرِوَايَاتٍ (إحْدَاهَا) كَأَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِيَةُ) إنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَاثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّالِثَةُ) يَجِبُ قطع الحلقوم والمرئ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنْ قَطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرَهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ قَطْعُ الحلقوم والودجين ولا يشترط المرئ ونقله العبدرى عنه وعن الليث ابن سَعْدٍ فَيَصِيرُ عَنْ اللَّيْث رِوَايَتَانِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَاشْتِرَاطِ قَطْعِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِالْوَدَجَيْنِ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
*(9/90)
(فَرْعٌ)
إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ وَنَحْوَهَا مِنْ قَفَاهَا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ وَصَلَ السكين إلى الحلقوم والمرئ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد لَا تَحِلُّ بِحَالٍ
* وقال احمد فيه روايتان
(أحدهما)
تحل
(والثانى)
لَا تَحِلُّ إنْ تَعَمَّدَ وَقَالَ الرَّازِيّ الْحَنَفِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ مَاتَ بَعْدَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ الْأَرْبَعَةِ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٍ حِلَّ الْمَذْبُوحِ مِنْ قَفَاهُ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدَ مَنْعَهَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ إذَا قَطَعَ رَأْسَ الذَّبِيحَةِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهَا إذَا ذُكِّيَتْ الذَّكَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ وَقَطَعَ رَأْسَهَا فِي تَمَامِ الذَّبْحِ حَلَّتْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٍ وَكَرِهَهَا ابْنُ سِيرِينَ وَنَافِعٌ
* وَقَالَ مَالِكٌ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لَمْ يَأْكُلْهَا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ عَطَاءٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الشَّاةِ الْمَنْخُوعَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّخْعَ أَنْ يُعَجِّلَ الذَّابِحُ فَيَبْلُغَ بِالذَّبْحِ إلَى النُّخَاعِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مَكْرُوهٌ وَالذَّبِيحَةُ حَلَالٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا تُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ
نافع وكرهه اسحق
* وقال مالك لا أحب أن تعمد ذلك قال وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ الْفِعْلَ وَأَبَاحَتْ الْأَكْلَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ أَقُولُ قَالَ وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ مَنَعَ أَكْلَهُ بَعْدَ الذَّكَاةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا يُقْطَعُ مِنْ الشَّاةِ بَعْدَ الذَّكَاةِ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ
* مَذْهَبُنَا أَنَّ الْفِعْلَ مَكْرُوهٌ وَالْعُضْوُ الْمَقْطُوعُ حَلَالٌ وَبِهِ قال مالك وأبو حنيفة واحمد واسحق
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ قَالَ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَيْتَةٌ
* وَقَالَ عَطَاءٌ أَلْقِ ذَلِكَ الْعُضْوَ
* (فَرْعٌ)
فِي مذاهبهم في المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطحية وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ
* إذَا ذُكِّيَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يُدْرِكَهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا الا(9/91)
حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ فَهَذِهِ لَا تَحِلُّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْجُمْهُورُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ حَلَّتْ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يُدْرِكَهَا وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَلَكِنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا تَمُوتُ قَطْعًا فَتَحِلُّ بِالذَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا والصحيح عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يُدْرِكَهَا وَهِيَ بِحَيْثُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَعِيشَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَعِيشَ وَالْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ فَتَحِلُّ عِنْدَنَا
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا تُؤْكَلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد إذَا ذَكَّاهَا قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ حَلَّتْ وَلَمْ يُفَصِّلَا
* وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا تَعِيشُ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ إنْ كَانَتْ تَعِيشُ مَعَهُ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ حَلَّتْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَبْقَى إلَّا كَبَقَاءِ الْمَذْبُوحِ لَمْ تَحِلَّ هَذَا نَقْلُ الْعَبْدَرِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ أَدْرَكَهَا وَهِيَ تُحَرِّكُ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَذَكَّاهَا حَلَّتْ قَالَ وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَمَالِكٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا خَرَقَ السَّبُعُ بَطْنَهَا وَفِيهَا الرُّوحُ فَذَبَحَهَا فَهِيَ ذَكِيَّةٌ وَبِهِ قال احمد واسحق قَالَ اللَّيْثُ إنْ رَكَضَتْ عِنْدَ الذَّبْحِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي نَحْرِ الْإِبِلِ قَائِمَةً
* أَجْمَعُوا أَنَّ الْأَفْضَلَ ذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مُضْجَعَةً (وَأَمَّا) الْإِبِلُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسَنُّ نَحْرُهَا قَائِمَةً مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الثَّوْرِيَّ
وَأَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَا سَوَاءٌ نَحَرَهَا قَائِمَةً وَبَارِكَةً وَلَا فَضِيلَةَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ نَحْرَهَا بَارِكَةً مَعْقُولَةً أَفْضَلُ مِنْ قَائِمَةٍ وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ مَرْدُودَانِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز الصيد بالجوارح المعلمة كالكلب والفهد والبازى والصقر لقوله تعالى (أحل لكم(9/92)
الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) قال ابن عباس رضى الله عنه هي الكلاب المعلمة والبازى وكل طائر يعلم الصيد والمعلم هو الذى إذا أرسله على الصيد طلبه وإذا اشلاه استشلى فإذا أخذ الصيد أمسكه وخلى بينه وبينه فإذا تكرر منه ذلك كان معلما وحل له ما قتله)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ على ابن أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُدْرِكْ ابْنَ عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا رَوَى التَّفْسِيرَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَيْضًا الْأَكْثَرُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ الْمُعَلَّمَةِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَغَيْرِهَا وَبِجَوَارِحِ الطَّيْرِ كَالنَّسْرِ وَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالْبَاشِقِ وَالشَّاهِينَ وَسَائِرِ الصُّقُورِ وَسَوَاءٌ فِي الْكِلَابِ الْأَسْوَدُ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا لِأَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ صَيْدَ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ حَرَامٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فَرِيسَةُ الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ حَرَامٌ فَغَلَطٌ مَرْدُودٌ وَلَيْسَ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ بَلْ لَهَا حُكْمُ الْكَلْبِ فِي الِاصْطِيَادِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَكُلُّهُمْ صَرَّحُوا بِالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَأَنَّهَا كَالْكَلْبِ وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ: كُلُّ مُعَلَّمٍ مِنْ كَلْبٍ وَفَهْدٍ وَنَمِرٍ.
وهكذا عبارة جميعهم (أما) اسْتِبْعَادُ الْغَزَالِيِّ تَعَلُّمَهَا فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ بِالْفُهُودِ الْمُعَلَّمَةِ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ مُشَاهَدٌ وَالنَّمِرُ إذَا أخذ صغيرا تيسر تعليمه فحصل انه لا خِلَافٌ فِي جَوَازِهِ وَأَنَّ الْكَلْبَ وَالنَّمِرَ فِي هَذَا سَوَاءٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْفَهْدَ يَبْعُدُ عَنْهُ التَّعْلِيمُ لِأَنَفَتِهِ وَعَدَمِ انْقِيَادِهِ فَإِنْ تُصُوِّرَ تَعَلُّمُهُ عَلَى نُدُورٍ فَهُوَ كالكلب
* قال الرافعى وهذا الذى قال الامام(9/93)
بخالف مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ وَفِي كَلَامِ الغزالي ما يوهم هذا خلاف قَالَ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِجَوَازِ الِاصْطِيَادِ بِهَذِهِ الْجَوَارِحِ أَنَّ مَا أَخَذَتْهُ وَجَرَحَتْهُ وَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهَا مَيْتًا أَوْ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَلَّ أَكْلُهُ وَيَقُومُ إرْسَالُ الصَّائِدِ وَجُرْحُ الْجَارِحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مَقَامَ الذَّبْحِ فِي غَيْرِ الصَّيْدِ قَالُوا وَأَمَّا الِاصْطِيَادُ بِمَعْنَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ يَحْصُلُ بِأَيِّ طَرِيقٍ تَيَسَّرَ سَوَاءٌ كَانَ بِكَلْبٍ مُعَلَّمٍ أَوْ غَيْرِ كَلْبٍ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ إذَا ذَكَّى وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ لِحِلِّ مَا قَتَلَهُ الْجَارِحُ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا وَشَرْطُ تَعْلِيمِهِ أربعة أمور (احدها) ان ينزجر بزجز صَاحِبِهِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ (وَأَمَّا) إذَا انْطَلَقَ وَاشْتَدَّ عَدْوُهُ فَفِي اشْتِرَاطِهِ (1) (أَصَحُّهُمَا) يُشْتَرَطُ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أُغْرِيَ بِالصَّيْدِ هَاجَ (الثَّالِثُ) أَنْ يُمْسِكَ الصَّيْدَ فيحبسه على صاحبه ولا يخيه (الرَّابِعُ) أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَفِيهِ قَوْلٌ شَاذٌّ إنَّهُ لا يضر الاكل حكاه الرافعى وليس بشئ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْطَلِقَ أَيْضًا بِانْطِلَاقِ صَاحِبِهِ وَأَنَّهُ لَوْ انْطَلَقَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا وَرَآهُ الْإِمَامُ مُشْكِلًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَلْبَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ إذَا رَأَى صَيْدًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى كَلَبِ الْجُوعِ يَبْعُدُ انْكِفَافُهُ
* هَذَا حُكْمُ الْكَلْبِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ (وَأَمَّا) جَوَارِحُ الطَّيْرِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَهِيجَ عِنْدَ الْإِغْرَاءِ أَيْضًا وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ أَكْلِهَا مِنْ الصَّيْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قولين (قال) الامام ولا نطمع في انزجازها بَعْدَ الطَّيَرَانِ (قَالَ) وَيَبْعُدُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ انْكِفَافِهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ المصنف والاصحاب هذه الامور المشترطة في التعليم يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهَا لِيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ تَأَدُّبُ الْجَارِحَةِ وَمَصِيرُهَا مُعَلَّمَةً وَالرُّجُوعُ فِي عَدَدِ ذَلِكَ إلَى أهل الخبرة بالجوارح
__________
(1) بياض بالاصل ولعله قولان أو وجهان(9/94)
هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَكْفِي مَرَّتَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جواز الاصطياد بجميع الجوراح الْمُعَلَّمَةِ مِنْ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصُّقُورِ كُلِّهَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ (قَالَ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا صَيْدَ الْبَازِي وَغَيْرِهِ مِنْ الطُّيُورِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وقتادة واحمد واسحق يَجُوزُ بِذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ أَحْمَدُ مَا أَعْلَمُ أحد يُرَخِّصُ فِيهِ إذَا كَانَ بَهِيمًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ بِإِبَاحَةِ صَيْدِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ كغيره وممن روي عنهم البيهقي جواز أكل صَيْدِ الطُّيُورِ كَالصُّقُورِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ حَكَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ يَنْتَهِي إلَى قَوْلِهِمْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٍ
* وَاحْتُجَّ لِابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا علمتم من الجوارح مكلبين) فَخَصَّهُ بِالْكِلَابِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِلْحَسَنِ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بقوله تعالى (وما علمتم من الجوارح ملكبين) قَالُوا وَالْجَوَارِحُ تُطْلَقُ عَلَى السِّبَاعِ وَالطُّيُورِ وَالْجَارِحَةُ الْكَاسِبُ فَكُلُّ كَاسِبٍ مِنْهَا جَارِحَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ الْجَوَارِحُ مِنْ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ ذَوَاتُ الصيد وبهذه(9/95)
الحروف قاله ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي الْبَسِيطِ الْجَوَارِحُ هِيَ الْكَوَاسِبُ مِنْ الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ ذَوَاتِ الصَّيْدِ وَاحِدُهَا جَارِحَةٌ وَالْكَلْبُ الضَّارِي جَارِحَةٌ سُمِّيَتْ جَوَارِحَ لِأَنَّهَا كَوَاسِبُ أَنْفُسِهَا مِنْ جَرَحَ وَاجْتَرَحَ إذَا اكْتَسَبَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُرِيدُ الطَّيْرَ الصَّائِدَةَ وَالْكِلَابَ وَالْفُهُودَ وَسِبَاعَ الطَّيْرِ كَالشَّوَاهِينِ وَالْبَوَاشِقِ وَالْعُقْبَانِ فَمَا اصْطَادَتْ هَذِهِ فَهُوَ حَلَالٌ قَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ اللَّيْثُ سُئِلَ مُجَاهِدٌ عَنْ الصَّقْرِ وَالْبَازِي وَالْفَهْدِ وَمَا يَصْطَادُ مِنْ السِّبَاعِ فَقَالَ هَذِهِ كُلُّهَا جَوَارِحُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَهَذَا قَوْلُ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالضَّحَّاكِ أَنَّهُمَا قَالَا الْجَوَارِحُ الْكِلَابُ
دُونَ غَيْرِهَا قَالَا وَمَا صَادَ غَيْرُ الْكِلَابِ وَلَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُ لَمْ يَحِلَّ وَمِثْلُهُ عَنْ السُّدِّيِّ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَهَذَا قَوْلٌ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ قَالَ وقَوْله تَعَالَى (مُكَلِّبِينَ) لِلْكَلْبِ الَّذِي يُعَلِّمُ الْكِلَابَ الصَّيْدَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ صَيْدُ الْكِلَابِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ مُؤَدِّبِينَ
* هَذَا آخِرُ نَقْلِ الْوَاحِدِيِّ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الِاسْتِدْلَالِ مَعَ الْقِيَاسِ عَلَى الْكَلْبِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ جماعة من أصحابنا وهو حديث مخالد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ما عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازٍ ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْكَ قُلْتُ وَإِنْ قَتَلَ قَالَ إذَا قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ مخالد ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ذِكْرُ الْبَازِي فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْحُفَّاظُ عَنْ الشعبى وانما أتى به مخالد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَاهَا وَفِي ضِمْنِهِ الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَتْلِهِ تَحْرِيمُ صَيْدِهِ مَعَ أَنَّ الْقَتْلَ مَنْسُوخٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا عَلَّمْتُمْ من الجوارح مكلبين) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيٍّ (إذا أرسلت كلبك فأخذ وَقَتَلَهُ فَكُلْ) قَالَ فَالْقَوْلُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ واحب وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُمَا إلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(9/96)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي ضَبْطِ تَعْلِيمِ الْجَارِحَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي مَصِيرِهِ مُعَلَّمًا أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهُ بِحَيْثُ يَقُولُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ صَارَ مُعَلَّمًا وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَصْحَابُنَا عَدَدَ الْمَرَّاتِ فِي ذَلِكَ بَلْ اعْتَبَرُوا الْعُرْفَ كَمَا ذَكَرْنَا
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ الْمُعَلَّمُ الَّذِي يَفْقَهُ عَنْ مُرْسِلِهِ فَيَأْتَمِرُ إذَا أَمَرَهُ وَيَنْزَجِرُ إذَا زَجَرَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَكْلِ فِيهِ سَوَاءٌ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ تَكَرُّرُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا تَقْدِيرَ فِي التَّعْلِيمِ بَلْ إذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ صَاحِبِهِ مَصِيرُهُ مُعَلَّمًا حَلَّ صَيْدُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ حَدُّهُ أَنْ يَصْطَادَ وَلَا يَأْكُلَ قَالَ وَلَيْسَ له كَتَعَلُّمِ الصِّنَاعَاتِ وَبِهَذَا قَالَ دَاوُد وَقَالَ أَبُو يوسف ومحمد هو أن يصطاد ثلاث مرات ولا يَأْكُلُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ
قَالَ إذَا دَعَا الْكَلْبَ فَأَجَابَ وَزَجَرَهُ فَأَطَاعَ فَمُعَلَّمٌ (وَأَمَّا) الطُّيُورُ فَمَا أَجَابَ مِنْهَا إذَا دُعِيَ فَمُعَلَّمٌ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَا لَمْ يَأْكُلْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ حُصُولَ التَّعَلُّمِ بِمَرَّةٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي اصْطِيَادِ الْمُسْلِمِ بِكَلْبٍ أَوْ طَائِرٍ عَلَّمَهُ مَجُوسِيٌّ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ وَيَحِلُّ مَا قَتَلَهُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عطاء قال وممن كرهه جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَكَرِهَ الْحَسَنُ الِاصْطِيَادَ بِكَلْبِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ كَلْبُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَهْوَنُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا قَتَلَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَأَكَلَ مِنْهُ فَاضْرِبْهُ حتى يمسك عليه
* (فَرْعٌ)
الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَشْلَى الْكَلْبَ أَيْ اسْتَدْعَاهُ وَأَمَّا إرْسَالُهُ فَيُقَالُ فِيهِ أَغْرَاهُ وَاسْتِعْمَالُ الْمُصَنِّفِ لَهُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ عَلَى وَفْقِ هَذَا الْمَشْهُورِ فِي اللُّغَةِ
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ كُلُّ(9/97)
مُعَلَّمٍ مِنْ كَلْبٍ أَوْ فَهْدٍ أَوْ نَمِرٍ فَكَانَ إذَا أُشْلِيَ اسْتَشْلَى وَإِذَا أَخَذَ حَبَسَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ مُعَلَّمٌ
* هَذَا لَفْظُهُ قَالَ أصحابنا اعترض أبو بكر ابن داود والظاهري عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إذَا أَشْلَاهُ اسْتَشْلَى فَقَالَ يُقَالُ أَشَلَاهُ إذَا دَعَاهُ وَأَغْرَاهُ إذَا أَرْسَلَهُ وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِرُ
* أَشْلَيْتُ عِيرِي وَمَسَحْتُ قَعْبِي
* وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمَنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِلُغَتِهِمْ كَالْفَرَزْدَقِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ عَرَبِيُّ النَّسَبِ وَالدَّارِ وَالْعَصْرِ
* قَالَ الْأَصْمَعِيُّ قَرَأْت ديوان الهدلس عَلَى فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالُوا فَيَكُونُ أَشْلَى مِنْ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِدْعَاءِ وَعَلَى الْإِغْرَاءِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْجَوَابَ وَيُوَضِّحُهُ أَكْمَلَ إيضَاحٍ أَنَّ أبا الحسين احمد ابن فَارِسٍ الْمُجْمَعَ عَلَى تَوْثِيقِهِ وَأَمَانَتِهِ فِي اللُّغَةِ قَالَ فِي كِتَابِ الْمُجْمَلِ يُقَالُ
أَشْلَيْتُ الْكَلْبَ إذَا دَعْوَتُهُ وَأَشْلَيْته أَغْرَيْتُهُ قَالَ قَالَ الْأَعْجَمُ
* أَتَيْنَا أَبَا عَمْرٍو فَأَشْلَى كِلَابَهُ
* عَلَيْنَا فَكِدْنَا بَيْنَ بَيْتَيْهِ نُؤْكَلُ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّ الْإِشْلَاءَ وَإِنْ كَانَ هُوَ الِاسْتِدْعَاءَ فَاسْتِعْمَالُهُ هُنَا صَحِيحٌ وَكَأَنَّهُ يَسْتَدْعِيهِ لِيُرْسِلَهُ فَعَبَّرَ بِالْإِشْلَاءِ عَنْ الْإِرْسَالِ لانه يؤل إليه وهو من باب تسميته الشئ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ وَمِنْهُ (إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خمرا) (وَالثَّالِثُ) جَوَابُ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّ مَعْنَى أَشْلَى دَعَا أَيْ أَجَابَ كَأَنَّهُ يَدْعُوهُ لِلصَّيْدِ فَيُجِيبُهُ وَيَقْصِدُ الصيد والله سبحانه أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان أَرْسَلَ مَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً عَلَى الصيد فقتله بظفره أو نابه أو بمنقاره حل اكله لما روي ابو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (إذا كنت في ارض صيد فأرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله تعالى وكل) (وأما) إذا أرسله من لا تحل ذكاته فقتله لم يحل لان الكلب آلة كالسكين والمذكى هو المرسل فإذا لم يكن من أهل الذكاة لم يحل صيده فان أرسل جَارِحَةً غَيْرَ مُعَلَّمَةٍ فَقَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ لما روى ابو ثعلبة إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا أرسلت كلبك الذى ليس بمعلم فما أدركت ذكاته فكل) وان استرسل المعلم بنفسه فقتل الصيد لم يحل(9/98)
لما روى عدي ابن حاتم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (إذا أرسلت كلابك المعلمة فامسكن عليك فكل قلت وان قتلن قال وان قتلن) فشرط أن يرسل وان أرسله فقتل الصيد بثقله ففيه قولان
(أحدهما)
لا يحل لانه آلة للصيد فإذا قتل بثقله لم يحل كالسلاح
(والثانى)
يحل لحديث عدى ولانه لا يمكن تعليم الكلب الجرح وانهار الدم فسقط اعتباره كالعقر في محل الذكاة وان شارك كلبه في قتل الصيد كلب مجوسي أو كلب استرسل بنفسه لم يحل لانه اجتمع في ذبحه ما يقتضى الحظر والاباحة فغلب الحظر كالمتولد بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل وان وجد مع كلبه كلبا آخر لا يعرف حاله ولا يعلم القاتل منهما لم يحل لما روى عدى بن حاتم قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقلت أرسلت كلبى ووجدت مع كلبى كلبا آخر لا أدري أيهما أخذه فقال لا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ على غيره) ولان الاصل فيه الحظر فإذا
أشكل بقى على أصله)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُمَا وَحَدِيثُ عَدِيٍّ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُ اسْمِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَنَسَبِهِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَلُغَاتِ الظُّفُرِ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَقَوْلُهُ مِنْقَارِهِ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - وَقَوْلُهُ بِثِقَلِهِ هُوَ - بِكَسْرِ الثَّاءِ - وَقَوْلُهُ كَالْعَقْرِ فِي مَحِلِّ الذَّكَاةِ يَعْنِي كَمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَقْرِ فِي مَحِلِّ الذَّكَاةِ الَّذِي هُوَ الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا أَرْسَلَ مَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً عَلَى صَيْدٍ(9/99)
فَقَتَلَتْهُ بِظُفُرِهِ أَوْ مِنْقَارِهِ أَوْ نَابِهِ حَلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِذَا أَرْسَلَ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ كَمُرْتَدٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً فَقَتَلَ الصَّيْدَ بِظُفُرِهِ أَوْ نَابِهِ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَّمَهَا مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا مَا شَذَّ بِهِ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ فَحَكَيَا وَجْهًا أَنَّهُ يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ جَارِحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا حَكَى وَجْهًا فِي حِلِّ مُنَاكَحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَذَبِيحَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَحِلُّ صَيْدُهُ كَذَكَاتِهِ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ أَرَادَ هَذَا الْوَجْهَ وَكَيْفَ كَانَ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ اشْتَرَكَ الْمُسْلِمُ وَالْمَجُوسِيُّ فِي إرْسَالِ كَلْبٍ أَوْ سَهْمٍ عَلَى الصَّيْدِ وَاشْتَرَكَ كَلْبَاهُمَا فِي قَتْلِهِ لَمْ يَحِلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ رَمَيَا سَهْمَيْنِ أَوْ أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ فَسَبَقَ كَلْبُ الْمُسْلِمِ أَوْ سَهْمُهُ فَقَتَلَ الصَّيْدَ أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ وَلَا أَثَرَ لِوُقُوعِ سَهْمِ الْمَجُوسِيِّ أَوْ كَلْبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً ثُمَّ قَدَّهَا مَجُوسِيٌّ وَإِنْ سَبَقَ مَا أَرْسَلَهُ الْمَجُوسِيُّ أَوْ جَرَحَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَذْفِفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهَلَكَ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا قَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ مَتَى اشْتَرَكَا فِي إمْسَاكِهِ وَعَقْرِهِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ بِالْآخَرِ أَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ كَلْبَانِ مُعَلَّمٌ وَغَيْرُهُ أَوْ مُعَلَّمَانِ أَرْسَلَ أَحَدَهُمَا وَذَهَبَ الْآخَرُ بِلَا إرْسَالٍ فَقَتَلَا صَيْدًا أَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا آخَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا الْقَاتِلُ فَهُوَ كَاسْتِرْسَالِ كَلْبَيْ الْمُسْلِمِ وَالْمَجُوسِيِّ وَلَوْ تَقَرَّبَ الصَّيْدُ مِنْ كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَعَارَضَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَلَّ كما لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً أَمْسَكَهَا مَجُوسِيٌّ وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمٌ أَوَّلًا ثُمَّ قَتَلَهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا غَيْرَ مُذَفِّفٍ(9/100)
وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ قَدْ أَثْخَنَهُ بِجِرَاحَتِهِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَيَلْزَمُ الْمَجُوسِيَّ قِيمَتُهُ لَهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ
فَجَعَلَهُ مَيْتَةً وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينَتِهِ أَوْ رَمَى بِسَهْمِهِ أَوْ قَوْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ جَارِحَةً غَيْرَ مُعَلَّمَةٍ فَقَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَهُ وَأَدْرَكَ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَذَكَّاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا (الرَّابِعَةُ) لَوْ اسْتَرْسَلَ الْمُعَلَّمُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ فَقَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ أَكَلَ مِنْ هَذَا الصَّيْدِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ مُعَلَّمًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يَقْدَحُ فِي الْأَكْلِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ إذَا أرسله صاحبه (أما) إذا استرسل فزجزه صَاحِبُهُ فَانْزَجَرَ وَوَقَفَ ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَقَتَلَ الصَّيْدَ فَيَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ وَمَضَى لِوَجْهِهِ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ زَادَ عَدْوُهُ وحدته أم لا ولو لم يزجر بَلْ أَغْرَاهُ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَدْوُهُ فَحَرَامٌ قطعا وكذا ان زَادَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنْ كَانَ الْإِغْرَاءُ وَزِيَادَةُ العدو بعد ما زجره فلم ينزجز فطريقان (قطع) العراقيون بالتحريم (وقال) الخرسانيون فِيهِ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ وَأَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبًا وَأَغْرَاهُ مَجُوسِيٌّ فَازْدَادَ عَدْوُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الِاسْتِرْسَالِ وَلَا يُؤَثِّرُ الْإِغْرَاءُ حَلَّ هُنَا وَلَا أَثَرَ لِإِغْرَاءِ الْمَجُوسِيِّ وَإِنْ قَطَعْنَاهُ وَأَحَلْنَا عَلَى الْإِغْرَاءِ لَمْ يَحِلَّ هَذَا.
هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالتَّحْرِيمِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلْأَوَّلِ أَوْ مُشَارَكَةٌ وَكِلَاهُمَا يُحَرِّمُهُ وَلَوْ أَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبًا فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ فَازْدَادَ عَدْوُهُ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى عَكْسِ مَا سَبَقَ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَطَعَ هُنَا بِالتَّحْرِيمِ.
وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبًا فَزَجَرَهُ فُضُولِيٌّ فَانْزَجَرَ ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَأَخَذَ صَيْدًا فَلِمَنْ يَكُونُ الصَّيْدُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْفُضُولِيِّ
(وَالثَّانِي)
لِلْمَالِكِ كَالْوَجْهَيْنِ(9/101)
فِيمَنْ غَصَبَ كَلْبًا فَاصْطَادَ بِهِ وَلَوْ زَجَرَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ فَأَغْرَاهُ أَوْ لَمْ يَزْجُرْهُ بَلْ أَغْرَاهُ وَزَادَ عَدْوُهُ وَقُلْنَا الصَّيْدُ لِلْغَاصِبِ خَرَجَ على الخلاف في أن الْإِغْرَاءِ هَلْ يُقْطَعُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَالصَّيْدُ لِصَاحِبِ الْكَلْبِ وَإِلَّا فَلِلْغَاصِبِ الْفُضُولِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ولا يمتنع تَخْرِيجُ وَجْهٍ بِاشْتِرَاكِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) إذَا لَمْ يَجْرَحْ الْكَلْبُ الصَّيْدَ بَلْ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ وصدمته ققولان مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَحِلُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يَحِلُّ (وَأَمَّا)
إذَا كَدَّ الْجَارِحَةُ الصَّيْدَ حَتَّى أَتْعَبَهُ فَوَقَعَ مَيِّتًا من التعب فلا يحل قولا واحد لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ فَأَشْبَهَ الْمُتَرَدِّيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إرْسَالِ الْجَارِحَةِ أَوْ إرْسَالِ السَّهْمِ عَلَى الصَّيْدِ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الذَّكَاةِ فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَلَّ الصَّيْدُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا وَأَدِلَّتِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَيْدِ الْكِتَابِيِّ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحِلُّ صَيْدُ الْكِتَابِيِّ كَمَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ فَإِذَا أَرْسَلَ جَارِحَةً مُعَلَّمًا أَوْ سَهْمًا فَقَتَلَ صَيْدًا حَلَّ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
فِي صَيْدِ الْمَجُوسِيِّ بِكَلْبِهِ الْمُعَلَّمِ وَسَهْمِهِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَرَامٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وأبو حنيفة واحمد واسحق وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ فِيهِمْ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ (وَالثَّانِي) تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَهُمْ كِتَابٌ
*(9/102)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ يَسْتَرْسِلُ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ فَيَقْتُلُ الصَّيْدَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ خَرَجَ بِهِ لِلِاصْطِيَادِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً قَالَ وَقَالَ الْأَصَمُّ يَحِلُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُؤْكَلُ إنْ كَانَ إخْرَاجُهُ لِلصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا إذَا أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ رَدَّهُ عَلَيْهِ كَلْبٌ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ
* فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حَرَامٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا
* دَلِيلُنَا أَنَّ نَفْسَ الْقَتْلِ لَا شَرِكَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُضَافٌ إلَى كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَأَشْبَهَ ما أمسك المجوسى حيوانا فذبحه مسلم أو رمى الْمُسْلِمُ سَهْمًا وَرَمَى الْمَجُوسِيُّ سَهْمًا فَرَدَّهُ سَهْمُ الْمَجُوسِيِّ وَلَمْ يُصِبْهُ
وَأَصَابَهُ سَهْمُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا إذَا اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ فَأَغْرَاهُ صَاحِبُهُ فَزَادَ فِي عَدْوِهِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ
* قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَحِلُّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَتَلَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ بِثِقَلِهِ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ فَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْمُزَنِيُّ حَرَامٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَوَجَدَ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ وَالصَّيْدُ قَتِيلٌ وَلَا يَعْلَمُ الْقَاتِلَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ
* فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حَرَامٌ وَمِمَّنْ قَالَ به عطاء والقاسم به محمرة وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُمَا(9/103)
إذَا اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ وَكَانَ الْآخَرُ مُعَلَّمًا حل
* دليلنا الحديث المذكور في الكتاب * قال المصنف رحمه الله
* (وان قتل الكلب الصيد أو أكل منه ففيه قولان
(أحدهما)
يحل لما روى أبو ثَعْلَبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله تعالى فكل ما أمسك عليك وان أكل منه)
(والثانى)
لا يحل لِمَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك وان قتلن الا ان يأكل الكلب منه فلا تأكل فانى أخاف أن يكون انما أمسك على نفسه) وان شرب من دمه لم يحرم قولا واحدا لان الدم لا منفعة له فيه ولا يمنع الكلب من شربه فلم يحرم وان كان الجارحة من الطير فأكل من الصيد فهو كالكلب وفيه قولان وقال المزني أكل الطير لا يحرم وأكل الكلب يحرم لان الطير لا يضرب على الاكل والكلب يضرب وهذا لا يصح لانه يمكن أن تعلم الطير ترك الاكل كما يعلم الكلب وان اختلفا في الضرب)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا يقال له أبو ثعلبة قال يارسول اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا قَالَ (فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ) قال البيهقي حديث ابن ثَعْلَبَةَ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأَكْلِ وَحَدِيثُ عَدِيٍّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ إذَا أَكَلَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي الْأَكْلِ وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا ثَبَتَ كَوْنُ الْكَلْبِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ مُعَلَّمًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِهِ فَفِي حِلِّ(9/104)
ذلك الصيد قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليهما (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمُهُ (وَالثَّانِي) إبَاحَتُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَدِدْتُ لَوْ فَرَّقَ فَارِقٌ بَيْنَ أَنْ يَنْكُفَ زَمَانًا ثُمَّ يَأْكُلَ وَبَيْنَ أَنْ يَأْكُلَ بِنَفْسِ الْأَخْذِ قَالَ لَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ
* هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَهَذَا الَّذِي تَمَنَّاهُ الْإِمَامُ قَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مَشْهُورٌ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ نَظَرْتَ فَإِنْ قَتَلَهُ ثُمَّ مَضَى عَنْ الصَّيْدِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ عَقِبَ قَتْلِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ هَذَا لَفْظُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا أَكَلَ مِنْهُ عَقِبَ الْقَتْلِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ إنْ أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْعَقْرِ حَلَّ وَإِنْ أَكَلَهُ مُتَّصِلًا بِالْعَقْرِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ أَكَلَ مِنْهُ فَقَوْلَانِ سَوَاءٌ أَكَلَ قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ وَقِيلَ بَعْدَ الْقَتْلِ يَحِلُّ قَوْلًا وَاحِدًا.
قَالَ فَإِنْ تَرَكَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ وَقْتٍ حَلَّ وَقِيلَ إنْ أَكَلَ مِنْهُ فِي الْحَيَاةِ لَمْ يَحِلَّ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ قَتْلِهِ فَقَوْلَانِ
* هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ مُتَّفِقٌ فِي الْمَعْنَى وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَخْصُوصَانِ بِمَا أَكَلَ مِنْهُ عَقِبَ الْعَقْرِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ فَهُوَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَكَلَ مِنْ غَيْرِ مُفَارَقَةِ مَوْضِعِهِ أَمْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ وَرُجُوعِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَتَرَدَّدَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَفِي الْجَدِيدِ عَلَى التَّحْرِيمِ جَزْمًا وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَيُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ كَلَامِ الْجَمِيعِ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَرَدَّدَ قَوْلَهُ فِي الْجَدِيدِ ثُمَّ مَال فِيهِ إلَى التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ فَأَفْتَى بِهِ فَحَصَلَ قَوْلَانِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَكْلِهِ قَبْلَ الْقَتْلِ
أَوْ عَقِبَهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَذَكَرْنَا عَنْ الدَّارِمِيِّ طَرِيقِينَ آخَرَيْنِ كَمَا سَبَقَ فَحَصَلَ ثلاثة طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) طَرْدُ قَوْلَيْنِ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) إنْ أَكَلَ قَبْلَ الْقَتْلِ حَرُمَ وَإِنْ أَكَلَ بَعْدَهُ فَقَوْلَانِ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَكَلَ بَعْدَ الْقَتْلِ حَلَّ وَإِنْ أَكَلَ قَبْلَهُ فَقَوْلَانِ ثُمَّ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ التَّحْرِيمُ هَكَذَا صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِمَا الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَجْمَعِينَ أَنَّهُمْ صَحَّحُوهُ وَقَطَعَ بِهِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ(9/105)
وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَشَذَّ عَنْهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ حَلَالٌ وَالصَّوَابُ تَصْحِيحُ التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ
* واحتج من قال بالتحريم بقوله تعالى (فلكوا مما أمسكن عليكم) فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَيْنَا وَلَمْ يَحِلَّ لَنَا إلَّا مَا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَيْنَا بِحَدِيثِ عَدِيٍّ قَالُوا وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ مُتَكَاثِرَاتٍ وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ لَا يُقَارِنُهُ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ حَسَنًا وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ وَفَارَقَهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ فَهَذَا لَا يَضُرُّ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَأَوَّلَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْ الصَّيُودِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ هَذَا.
يَعْنِي إذَا كَانَ قَدْ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مُعَلَّمًا وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ فِي جَوَارِحِ السِّبَاعِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَغَيْرِهَا (فَأَمَّا) جَوَارِحُ الطَّيْرِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا كَالسِّبَاعِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُهُمْ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالسِّبَاعِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ مَا أَكَلَتْ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنَّفِينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الطَّرِيقِينَ فِي الْكِتَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الصَّيْدِ الَّذِي أَكَلَ وَاشْتُرِطَ اسْتِئْنَافُ التَّعْلِيمِ لِفَسَادِ التَّعْلِيمِ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ قَبْلَ الْأَكْلِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَلَوْ تَكَرَّرَ أَكْلُهُ مِنْ
الصَّيُودِ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَارَ الْأَكْلُ عادة له حرم الصيد الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ آخِرًا بِلَا خِلَافٍ وَفِي تحريم باقى الصيود الذى أكل مِنْهُ قَبْلَ الْأَخِيرِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَهُمْ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ قَالَ الْبَغَوِيّ إذَا قُلْنَا لَا يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ فَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ الثَّانِي حَرُمَ الثَّانِي قَطْعًا وَفِي الْأَوَّلِ الْوَجْهَانِ وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الثَّانِي فَأَكَلَ مِنْ الثَّالِثِ حَرُمَ الثَّالِثُ وَفِيمَا قَبْلَهُ الْوَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا ذَهَابٌ مِنْ الْبَغَوِيِّ إلَى أَنَّ الْأَكْلَ مَرَّتَيْنِ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا وَقَدْ ذَكَرْنَا(9/106)
خِلَافًا فِي تَكَرُّرِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُعَلَّمًا قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَثَرَ التَّعْلِيمِ فِي الْحِلِّ وَأَثَرَ الْأَكْلِ فِي التَّحْرِيمِ فَعَمِلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا فَلِهَذَا لَوْ عَرَفْنَا كَوْنَهُ مُعَلَّمًا لَمْ يَنْعَطِفْ الْحِلُّ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ صَيُودِهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِطَافِ التَّحْرِيمِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ لعلق الْكَلْبُ دَمَ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا حَلَّ لَحْمُهُ
* هَذَا هُوَ الصَّوَابُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَشَذَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ فَحَكَيَا وَجْهًا فِي تَحْرِيمِهِ وَهُوَ غَلَطٌ وَلَوْ أَكَلَ كَلْبٌ حَشْوَةَ الصَّيْدِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ كَاللَّحْمِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالْحِلِّ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَأَشْبَهَتْ الدَّمَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ لَمْ يَسْتَرْسِلْ الْكَلْبُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ لَمْ يَنْزَجِرْ عِنْدَ الزَّجْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي تَحْرِيمِ الصَّيْدِ وَخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إذَا أَكَلَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَفَّالُ لَوْ أَرَادَ الصَّائِدُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ فَامْتَنَعَ وَصَارَ يُقَاتِلُ دُونَهُ فَهُوَ كَالْأَكْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّيْدِ الَّذِي تَقْتُلُهُ الْجَارِحَةُ مِنْ السِّبَاعِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَالشَّافِعِيِّ وأبى حنيفة واصحابه واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَدَاوُد وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِإِبَاحَتِهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ (وَأَمَّا) إذَا أَكَلَتْ مِنْهُ جَارِحَةُ الطَّيْرِ كَالصُّقُورِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا تَحْرِيمُهُ كَمَا سَبَقَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَنَا عليه بل(9/107)
جماهير (1) عَلَى إبَاحَتِهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالثَّوْرِيِّ وأبى حنيفة واصحابه وهو مذهب الشعبى وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الصَّيُودُ الْمَاضِيَةُ قَبْلَ الْأَكْلِ فَلَا تَحْرُمُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْرُمُ جَمِيعُ مَا صَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّهُ تَبَيَّنَ عَدَمُ تَعْلِيمِهِ (وَأَمَّا) إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ فَلَا يَحْرُمُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ انهما كرها أكله وليس بشئ * قال المصنف رحمه الله
* (إذَا أَدْخَلَ الْكَلْبُ ظُفُرَهُ أَوْ نَابَهُ فِي الصيد نجس وهل يجب غسله فيه وجهان
(أحدهما)
يجب غسله سبعا احداهن بالتراب قياسا على غير الصيد
(والثانى)
لا يجب لانا لو أوجبنا ذلك ألزمناه أن يغسل جميعه لان الناب إذا لاقى جزءا من الدم نجس ذلك الجزء ونجس كل ما لاقاه إلى أن ينجس جميع بدنه وغسل جميعه يشق فسقط كدم البراغيث)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ إذَا أَدْخَلَ الْكَلْبُ ظُفُرَهُ أَوْ نَابَهُ فِي الصَّيْدِ نَجِسَ يَعْنِي الْمَوْضِعَ الَّذِي أَدْخَلَ فِيهِ لِأَكْلِ الصَّيْدِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ إذَا أَدْخَلَ ظُفُرَهُ أَوْ نَابَهُ نَجِسَ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَسْلَ (فَمِنْ) الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ نَجِسَ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ لِلْمَشَقَّةِ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْغَسْلَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ نَجِسَ يَجِبُ غَسْلُهُ فَذَكَرَ النَّجَاسَةَ وَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ الْغَسْلِ لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَتْ النَّجَاسَةُ وَجَبَ الْغَسْلُ فَحَذَفَ ذِكْرَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ مَوْضِعَ الظُّفُرِ وَالنَّابِ نَجِسٌ قَطْعًا وَفِي وُجُوبِ غَسْلِهِ وَتَعْفِيرِهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الاصحاب من العراقيين والخراسانيين وَهُوَ الْمَنْصُوصُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَآخَرُونَ فِي نَجَاسَتِهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا) نَجِسَ وَفِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَالتَّعْفِيرِ الْخِلَافُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ طَاهِرٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) وَلَمْ يَأْمُرْ بِغَسْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا أَوْ دَائِمًا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ النبي صلى الله عليه مَعَ ذِكْرِهِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ مَعَ تَكْرَارِ سُؤَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ (والطريق الثالث)
__________
(1) بياض بالاصل ولعله العلماء أو الاصحاب(9/108)
إنْ أَصَابَ الْكَلْبُ غَيْرَ الْعُرُوقِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَصَابَ عِرْقًا نَضَّاحًا بِالدَّمِ سَرَى حُكْمُ النَّجَاسَةِ إلَى جَمِيعِ الصَّيْدِ وَحَرُمَ أَكْلُهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا اتَّصَلَتْ بِالدَّمِ فَالْعِرْقُ وِعَاءٌ حَاجِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ ثُمَّ الدَّمُ إذَا كَانَ يَفُورُ امْتَنَعَ غَوْصُ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَالْمَاءِ الْمُتَصَعِّدِ مِنْ فَوَّارَةٍ إذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي أَعْلَاهُ لَمْ يَنْجَسْ مَا تَحْتَهُ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ نَجِسٌ وَلَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَجِسٌ يَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَيَطْهُرُ حِينَئِذٍ وَيُؤْكَلُ وَإِنَّمَا يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ الظُّفُرِ وَالنَّابِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا مَسَّهُ الْكَلْبُ دُونَ مَا لَمْ يَمَسَّهُ مَعَ الرِّفْقِ بِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ أَصْلًا مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا مشهور ان (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ حَكَاهُ صَاحِبَا الْفُرُوعِ وَالْبَيَانِ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ بَلْ يَجِبُ تَقْوِيرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَطَرْحُهُ لِأَنَّهُ تَشَرَّبَ لُعَابَهُ فَلَا يَتَخَلَّلُهُ الْمَاءُ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْعِرَاقِيُّونَ بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هَذَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَكَيْفَ كَانَ فَهُوَ وَجْهٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْقَائِلُ بِهَذَا الْوَجْهِ يَطَّرِدُ مَا ذَكَرَهُ فِي كُلِّ لَحْمٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إذَا عَضَّهُ الْكَلْبُ بِخِلَافِ مَا يَنَالُهُ لُعَابُهُ بِغَيْرِ عَضٍّ هَذَا مُخْتَصَرُ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أَرَدْت ضَبْطَهُ مُخْتَصَرًا (قُلْت) فِيهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ غَسْلُهُ مَرَّةً (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ طَاهِرٌ (وَالْخَامِسُ) يَجِبُ قَطْعُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ (وَالسَّادِسُ) إنْ أَصَابَ عِرْقًا نَضَّاحًا بِالدَّمِ حَرُمَ جَمِيعُهُ وَلَا طَرِيقَ إلَى أَكْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ ظُفُرِ الْكَلْبِ وَنَابِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ
*(9/109)
(فَرْعٌ)
لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَاصْطَادَ فَالصَّيْدُ لِمَالِكِهِ وَلَوْ غَصَبَ شَبَكَةً أَوْ قَوْسًا وَاصْطَادَ بِهِ فَالصَّيْدُ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِمَا وَلَوْ غَصَبَ كَلْبًا أَوْ صَقْرًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْجَوَارِحِ فَفِي صَيْدِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْغَاصِبِ
(وَالثَّانِي)
لِصَاحِبِ الْجَارِحَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لِلْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إنْ كَانَ مِمَّا تَجُوزُ إجَارَتُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِصَاحِبِهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ مَا نَقَصَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَهَكَذَا حكم العبد والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز الصيد بالرمي لما روى أبو ثعلبة الخشني قال (قلت يارسول الله انا نكون في ارض صيد فيصيب أحدنا بقوسه الصيد ويبعث كلبه المعلم فمنه ما ندرك ذكاته ومنه ما لا ندرك ذكاته فقال صلى الله عليه وسلم ما ردت عليك قوسك فكل وما أمسك كلبك المعلم فكل) وان رماه بمحدد كالسيف والنشاب والمروة المحددة وأصابه بحده فقتله حل وان رمى بما لا حد له كالبندق والدبوس أو بماله حد فأصابه بغير حده فقتله لم يحل لما روى عدي بن حاتم قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الصيد المعراض قال (إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل فانه) وقيذ وان رماه بسهم لا يبلغ الصيد وأعانه الريح حتى بلغه فقتله حل أكله لانه لا يمكن حفظ الرمى من الريح فعفي عنه وان رمى بسهم فأصاب الارض ثم ازدلف فأصاب الصيد فقتله ففيه وجهان بناء على القولين فيمن رمى إلى الغرض في المسابقة فوقع السهم دون الغرض ثم ازدلف وبلغ الغرض وان رمى طائرا فوقع على الارض فمات حل أكله لانه لا يمكن حفظه من الوقوع على الارض وان وقع في ماء فمات أو على حائط أو جبل فتردى منه ومات لم يحل لما روى عدى بن حاتم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله فان وجدته ميتا فكل الا أن تجده قد وقع في الماء فمات فانك لا تدرى الماء قتله أو سهمك ")
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ " قُلْتُ يَا رسول الله(9/110)
إنَّا بِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي أَوْ بِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ فَمَا يَصْلُحُ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا صِدْت بِقَوْسِك فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ " (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ الْمَرْوَةُ الْمُحَدَّدَةُ هِيَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - وَهِيَ الْحَجَرُ - وَالْمِعْرَاضُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ سَهْمٌ لَا رِيشَ لَهُ وَلَا نَصْلَ وَقِيلَ هُوَ حَدِيدَةٌ وَقِيلَ هُوَ خَشَبَةٌ مُحَدَّدَةُ الطَّرْفِ وَالْوَقِيذُ - بِالْقَافِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - الْمَوْقُوذُ وَهُوَ الْمَضْرُوبُ بِالْعَصَا حَتَّى يَمُوتَ (وَقَوْلُهُ) كَالْبُنْدُقِ وَالدَّبُّوسِ هِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ - جَمْعُهُ دَبَابِيسُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَأَنْشَدَ فِيهِ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ أَظُنُّهُ مُعَرَّبًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِنْ أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ " هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ - أَيْ الْعَرْضُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الطُّولِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ الصَّيْدُ بِالرَّمْيِ بِالسِّهَامِ الْمُحَدَّدَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَإِذَا رَمَى الصَّيْدَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ فَقَتَلَهُ فَإِنْ قَتَلَهُ بِحَدِّ مَا رماه به كَالسَّهْمِ الَّذِي لَهُ نَصْلٌ مُحَدَّدٌ وَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالسِّنَانِ وَالْحَجَرِ الْمُحَدَّدَةِ وَالْخَشَبَةِ الْمُحَدَّدَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَدَّدَاتِ سِوَى الْعَظْمِ وَالظُّفُرِ حَلَّ أَكْلُهُ فَإِنْ أَصَابَهُ بِمَا لَا حَدَّ لَهُ فَقَتَلَهُ كالبندقة والدبوس وحجر لاحد له وخشبة لاحد لَهَا أَوْ رَمَاهُ بِمَحْدُودٍ فَقَتَلَهُ بِعَرْضِهِ لَا بحده لم يحل لما ذكره الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ بِحَدِّ عَظْمٍ أَوْ ظُفُرٍ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ آلَةِ الذَّكَاةِ فَهُوَ كَغَيْرِ الْمُحَدَّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قَتَلَهُ بِمَا لَا حَدَّ لَهُ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ جَرَحَهُ بِهِ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ رَمَى طَائِرًا بِبُنْدُقَةٍ فَقَطَعَتْ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ لَمْ يحل لقوله تعالى (والموقوذة) وَهَذِهِ مِنْهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَمَاهُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ أَوْ بِمُحَدَّدٍ فَأَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَذَكَّاهُ حَلَّ وَإِنْ أَدْرَكَهُ ميتا أو فيه حَيَاةٌ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ لَمْ يَحِلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ مُحَدَّدَةٌ فَجَرَحَ الصَّيْدَ بِهَا حَلَّ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا
* هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِالسَّهْمِ الصَّيْدَ وَلَمْ يَقْصِدْهُ بِالْقِلَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قُلْتُ) الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْقَصْدَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الذبح
(فرع)
لو رشق في الحيوان العصا وَنَحْوِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ إنْ كَانَ مُحَدَّدًا يَمُورُ مَوْرَ السَّهْمِ(9/111)
حَلَّ وَإِنْ كَانَ لَا يَمُورُ إلَّا مُسْتَكْرَهًا نُظِرَ إنْ كَانَ الْعُودُ خَفِيفًا قَرِيبًا مِنْ السَّهْمِ حَلَّ وَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَمْ يَحِلَّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ رَمَى الصَّيْدَ بِسَهْمٍ لَا يَبْلُغُهُ فَأَعَانَتْهُ الرِّيحُ فَبَلَغَهُ بِإِعَانَتِهَا وَلَوْلَاهَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَقَتَلَهُ حَلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ وَأَبْدَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ تَرَدُّدًا وَالْمَذْهَبُ الْحِلُّ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَصَابَ السَّهْمُ الْأَرْضَ أَوْ الْحَائِطَ ثُمَّ ازْدَلَفَ وَأَصَابَ الصَّيْدَ أَوْ أَصَابَ حَجَرًا فَنَبَا عَنْهُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ أَوْ نَفَذَ فِيهِ إلَى الصَّيْدِ أَوْ كَانَ الرَّامِي فِي نَزْعِ الْقَوْسِ فَانْقَطَعَ الْوَتَرُ وَصَدَمَ إلَى فَوْقٍ وَارْتَمَى السَّهْمُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ فَفِي حِلِّهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ في المسابقة (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَاتَ الصَّيْدُ بِسَبَبَيْنِ مُحَرَّمٌ وَمُبِيحٌ بِأَنْ مَاتَ مِنْ سهم وبندقة أَصَابَاهُ مِنْ رَامٍ أَوْ رَامِيَيْنِ أَوْ أَصَابَهُ طَرْفُ النَّصْلِ فَجَرَحَهُ ثُمَّ أَثَّرَ فِيهِ عَرْضُ السَّهْمِ فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ مِنْهُمَا أَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ سَهْمًا فَوَقَعَ عَلَى طَرْفِ سَطْحٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ أَوْ عَلَى جَبَلٍ فَتَدَهْوَرَ مِنْهُ أَوْ فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ فَتَصَدَّمَ بِأَغْصَانِهَا أَوْ وَقَعَ عَلَى مُحَدَّدٍ مِنْ سِكِّينٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ جرحه فوقع عَلَى جَبَلٍ فَتَدَحْرَجَ مِنْهُ مِنْ جَنْبٍ إلَى جَنْبٍ وَمَاتَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ التَّدَحْرُجُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ بِخِلَافِ التَّدَهْوُرِ وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ الطَّائِرَ فِي الهوا فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَعْدَهُ لانه لابد مِنْ الْوُقُوعِ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ الصَّيْدُ قَائِمًا وَوَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ وَانْصَدَمَ بِالْأَرْضِ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلَوْ زَحَفَ قَلِيلًا بَعْدَ إصَابَةِ السَّهْمِ وَمَاتَ فَهُوَ كَالْوُقُوعِ عَلَى الْأَرْضِ فَيَحِلُّ قَطْعًا وَلَوْ لَمْ يَجْرَحْهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ بَلْ كَسَرَ جَنَاحَهُ فَوَقَعَ وَمَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ بِجُرْحٍ يحال الهلاك عليه ولو جرح جُرْحًا لَا يُؤَثِّرُ مِثْلُهُ لَكِنْ عَطَّلَ جَنَاحَهُ فَوَقَعَ وَمَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ جَرَحَهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ جُرْحًا ثَقِيلًا فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ وَمَاتَ نُظِرَ إنْ كَانَ فِيهَا مَاءٌ فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا سَبَقَ وَإِلَّا فَهُوَ حَلَالٌ وَقَعْرُ الْبِئْرِ كَالْأَرْضِ وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَصْدِمْهُ جِدَارُ الْبِئْرِ وَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ عَلَى شَجَرَةٍ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ فَهُوَ
حَلَالٌ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غُصْنٍ ثُمَّ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ حَلَالٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الِانْصِدَامُ(9/112)
بِالْأَغْصَانِ أَوْ بِأَحْرُفِ الْجَبَلِ عِنْدَ التَّدَهْوُرِ مِنْ أَعْلَاهُ كَالِانْصِدَامِ بِالْأَرْضِ لِأَنَّ الِانْصِدَامَ بِالْأَغْصَانِ وَالْأَحْرُفِ والتدهور ليس بلازم ولا غالب فلا تدعوا الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَلَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَالِانْصِدَامُ بِالْأَرْضِ لازم لابد مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالٌ فِي الصُّورَتَيْنِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الطَّيْرِ عَلَى الْبَحْرِ وَالِانْصِدَامِ بِطَرَفِ الْجَبَلِ إذَا كَانَ الصَّيْدُ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا رَمَى طَيْرًا فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ وَيَكُونُ الْمَاءُ لَهُ كَالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَاءِ وَوَقَعَ فِي الْمَاءِ بَعْدَ إصَابَةِ السَّهْمِ فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الحلوى وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالتَّحْرِيمِ وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ بِالْحِلِّ فَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ فِي هَوَاءِ الْبَحْرِ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ كَانَ الرَّامِي فِي الْبَرِّ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ حَلَّ
* (فَرْعٌ)
جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ هو فيما إذا لم ينته الصيد بِتِلْكَ الْجِرَاحَةِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَإِنْ انْتَهَى إليها بقطع الحلقوم والمرئ أَوْ أَصَابَ كَبِدَهُ أَوْ أَخْرَجَ حَشْوَتَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حَلَالٌ وَقَدْ تَجِبُ ذَكَاتُهُ وَلَا أَثَرَ لِمَا يَعْرِضُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْمَاءِ وَتَدَهْوُرِهِ مِنْ الْجَبَلِ وَعَلَى أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ وَجُدَرَانِ الْبِئْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَرْسَلَ سَهْمَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَاهُ فَإِنْ أَصَابَاهُ مَعًا فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ أَصَابَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ بطرف فان أرمته الْأَوَّلُ وَلَمْ تُصِبْ الثَّانِي الْمَذْبَحَ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ أَصَابَ الْمَذْبَحَ حَلَّ فَإِنْ لَمْ يَرْمِهِ الْأَوَّلُ وَقَتَلَهُ الثَّانِي حَلَّ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كلبين فارمته الْأَوَّلُ وَقَتَلَهُ الثَّانِي لَمْ يَحِلَّ وَسَوَاءٌ قَطَعَ الْمَذْبَحَ أَمْ لَا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَسَهْمًا فان أرمته السَّهْمُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْكَلْبُ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ أرمته الْكَلْبُ ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ الْمَذْبَحَ حَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا رَمَى طَائِرًا بِسَهْمٍ فَأَصَابَهُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فِي الْحَالِ فَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ يَحِلُّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ رِوَايَةً كَمَذْهَبِنَا وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ وَاتَّفَقُوا هُمْ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَقَطَ الصَّيْدُ المجروح جِرَاحَةً غَيْرُ مُذَفِّفَةٍ فِي الْمَاءِ وَمَاتَ لَا يحل للحديث الصحيح السابق(9/113)
قال المصنف رحمه الله
* (وان رمى صيدا أو أرسل عليه كلبا فعقره ولم يقتله نظرت فان أدركه ولم يبق فيه حياة مستقرة بأن شق جوفه وخرجت الحشوة أو أصاب العقر مقتلا فالمستحب أن يمر السكين على الحلق ليريحه فان لم يفعل حتى مات حل لان العقر قد ذبحه وإنما بقيت فيه حركة المذبوح وان كانت فيه حياة مستقرة ولكن لم يبق من الزمان ما يتمكن فيه من ذبحه حل وان بقي من الزمان ما يتمكن فيه من ذبحه فلم يذبحه أو لم يكن معه ما يذبحه به فمات لم يحل لما روى أبو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ما رد عليك كلبك المكلب وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فدكه وان لم تدرك ذكاته فلا تأكل وما ردت عليك يدك وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وان لم تدرك ذكاته فكله) وان عقره الكلب أو السهم وغاب عنه ثم وجده ميتا والعقر مما يجوز أن يموت منه ويجوز أن لا يموت منه فقد فقال الشافعي رحمه الله لا يحل إلا أن يكون خبر فلا رأى (فَمِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يحل لما روى عدى ابن حاتم قال (قلت يارسول الله إنى أرم الصيد فأطلبه فلا أجده إلا بعد ليلة قال) إذا رأيت سهمك فيه ولم يأكل منه سبع فكل) ولان الظاهر أنه مات منه لانه لم يعرف سبب سواه
(والثانى)
أنه لا يحل لما روى زياد بن أبى مريم قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي رميت صيدا ثم تغيب فوجدته ميتا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هوام الارض كثير ولم يأمره بأكله) (ومنهم) من قال يؤكل قولا واحدا لانه قال لا يؤكل إذا لم يكن خبر وقد ثبت الخبر أنه أمر بأكله)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا وَسَبَقَ بَيَانُ لَفْظِهِ قَرِيبًا وَحَدِيثُ عَدِيٍّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ (فَإِنْ وَجَدْته بَعْدَ لَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ أَثَرِ سَهْمِك فَشِئْت أَنْ تَأْكُلَ مِنْهُ فَكُلْ) هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَغَابَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْ مَا لَمْ يُنْتِنْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهِ إذَا أَنْتَنَ لِلتَّنْزِيهِ لا للتحريم وأما حديث زياد ابن أَبِي مَرْيَمَ فَغَرِيبٌ(9/114)
وَزِيَادٌ هَذَا تَابِعِيٌّ وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ وَهُوَ زِيَادُ ابن ابى مريم القرشى الاموى مولى عثمان ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الصَّيْدِ الَّذِي جَرَحَهُ ثُمَّ غَابَ
عَنْهُ وَلَمْ يَجِدْ أَثَرَ سَبَبٍ آخر شئ وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ نَظَرٌ (فَمِنْ) الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَامِرِ - يَعْنِي الشعبى أن اعرابيا أهدى لرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَبْيًا فَقَالَ (مِنْ أين أصبت هذا فقال رميته أَمْسِ فَطَلَبْته فَأَعْجَزَنِي حَتَّى أَدْرَكَنِي الْمَسَاءُ فَرَجَعْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ اتَّبَعْتُ أَثَرَهُ فَوَجَدْتُهُ فِي غَارٍ أَوْ فِي أَحْجَارٍ وَهَذَا مِشْقَصِي فِيهِ أَعْرِفُهُ قَالَ بَاتَ عَنْكَ لَيْلَةً وَلَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ هَامَّةٌ أَعَانَتْك عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِي فيه) رواه ابو داود في المراسل فَهُوَ مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ضَعِيفٌ وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَيْدٍ فَقَالَ إنِّي رَمَيْتُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَأَعْيَانِي وَوَجَدْتُ سَهْمِي فِيهِ مِنْ الْغَدِ وَقَدْ عَرَفْتُ سَهْمِي فَقَالَ اللَّيْلُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عظيم لعله أعانك عليه شئ انبذها عنك) رواه أبو داود في المراسل قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَبُو رَزِينٍ هَذَا اسْمُهُ مَسْعُودُ مَوْلَى شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ رَجُلٌ مَسْتُورٌ أَوْ مَجْهُولٌ غَيْرُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ (أَتَى أَعْرَابِيٌّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ إنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ فَأُصْمِيَ وَأُنْمِي فَكَيْفَ تَرَى فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا أَصَمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْته) قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا أَصَمَيْتَ مَا قَتَلَتْهُ الْكِلَابُ وَأَنْتَ تَرَاهُ وَمَا أَنْمَيْتَ مَا غَابَ عَنْكَ مَقْتَلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) إذَا أَرْسَلَ سَهْمًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً مِنْ كَلْبٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمُرْسِلُ حَيًّا نُظِرَ إنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِأَنْ كَانَ قَدْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ أَوْ أَخَافَهُ أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ أَوْ أَخْرَجَ حَشْوَتَهُ اُسْتُحِبَّ إمْرَارُ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِهِ لِيُرِيحَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً فاضطربت أو غدت أَمَّا إذَا بَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْ صَائِدِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَيَحِلَّ أَيْضًا لِلْعُذْرِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(9/115)
قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ (مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ كَلْبُكَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذُهُ)
(وَالثَّانِي)
أَنْ لَا يَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ فَيَتْرُكَهُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتَعَذَّرَ بِتَقْصِيرِهِ فَيَمُوتَ فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا لَوْ تَرَدَّى بِئْرًا فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ حَرَامٌ (فَمِنْ) صُوَرِ الْحَالِ الاول ان يشتغل بأخذ الآلة ونيل السِّكِّينِ فَيَمُوتَ قَبْلَ إمْكَانِ
ذَبْحِهِ (وَمِنْهَا) أَنْ يَمْتَنِعَ بِمَا فِيهِ مِنْ بَقِيَّةِ قُوَّةٍ وَيَمُوتَ قَبْلَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) أَنْ لَا يَجِدَ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ الذَّبْحُ فِيهِ (وَمِنْ) صُوَرِ الْحَالِ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ آلَةُ الذَّبْحِ أَوْ تَضِيعَ آلَتُهُ فَلَا يَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ نَشِبَتْ السِّكِّينُ فِي الْغِمْدِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهَا حَتَّى مَاتَ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ حَرَامٌ لِتَقْصِيرِهِ فِي عَدَمِ تَأَمُّلِ السِّكِّينِ قَبْلَ هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ حَلَالٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي على ان أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرِيِّ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَوْ غَصَبَ الْآلَةَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَرَامٌ لِآنِهِ عُذْرٌ نَادِرٌ (وَالثَّانِي) حَلَالٌ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيْدِ سَبُعٌ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَجْهًا وَاحِدًا وَلَوْ اشْتَغَلَ بِتَحْدِيدِ السِّكِّينِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْدِيدُهَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ الْمَذْبَحِ فَلَمْ يَجِدْهُ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَلَالٌ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ تَحْدِيدِ السِّكِّينِ وَلَوْ كَانَ يَمُرُّ ظَهْرُ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِهِ غَلَطًا فَمَاتَ فَحَرَامٌ بِتَقْصِيرِهِ وَلَوْ رَجَعَ الصَّيْدُ مُنَكَّسًا وَاحْتَاجَ إلى قبله لِيَقْدِرَ عَلَى الْمَذْبَحِ فَمَاتَ أَوْ اشْتَغَلَ بِتَوَجُّهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ فَمَاتَ فَحَلَالٌ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ مَوْتِ الصَّيْدِ هَلْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَكَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَمْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَيَحِلُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِتَعَارُضِ الْأَصْلِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَلَالٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِمْكَانِ وَعَدَمُ التَّقْصِيرِ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعَدْوُ إلَى الصَّيْدِ إذا أصابه السَّهْمُ أَوْ الْكَلْبُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَكِنْ لَا يُكَلَّفُ الْمُبَالَغَةَ بِحَيْثُ يَنَالُهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَكْفِي الْمَشْيُ وعلى هذا الصحيح الذي قطع به الصيد لانى وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَوْ مَشَى عَلَى هَيِّنَتِهِ وَأَدْرَكَهُ مَيِّتًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَسْرَعَ لَأَدْرَكَهُ حيا قال أمام الحرمين عندي أنه لابد مِنْ الْإِسْرَاعِ قُلْنَا لَا لِأَنَّ الْمَاشِيَ عَلَى هَيِّنَتِهِ خَارِجٌ عَنْ عَادَةِ الطَّالِبِينَ وَإِذَا شَرَطْنَا الْعَدْوَ فَتَرَكَهُ فَصَارَ الصَّيْدُ مَيِّتًا وَلَمْ يَدْرِ أَمَاتَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَسَعُ الْعَدْوَ بِحَيْثُ لو عدا(9/116)
لَمْ يُدْرِكْهُ أَمْ بَعْدَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ قَرِيبًا فِي الشَّكِّ فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّكَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَدَّهُ قِطْعَتَيْنِ متساويتين أو متفاوتين فَهُمَا حَلَالٌ وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ
بِسَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ عُضْوًا كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ نُظِرَ إنْ أَبَانَهُ بِجِرَاحَةٍ مُذَفِّفَةٍ وَمَاتَ فِي الْحَالِ حَلَّ الْعُضْوُ وَبَاقِي الْبَدَنِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُذَفِّفَةً وَأَدْرَكَهُ وَذَبَحَهُ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا مُذَفِّفًا فَالْعُضْوُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ وَبَاقِي الْبَدَنِ حَلَالٌ وَإِنْ أَثْبَتَهُ بِالْجِرَاحَةِ الْأُولَى فَقَدْ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ ذَبْحُهُ وَلَا تُجْزِئُ سَائِرُ الْجِرَاحَاتِ وَلَوْ مَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَلَّ بَاقِي الْبَدَنِ وَفِي الْعُضْوِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحْرُمُ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَنْ قَطَعَ أَلْيَةَ شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ الْأَلْيَةُ
(وَالثَّانِي)
تَحِلُّ لِأَنَّ الْجُرْحَ كَالذَّبْحِ لِلْجُمْلَةِ فَتَبِعَهَا الْعُضْوُ وَإِنْ جَرَحَهُ جِرَاحَةً أُخْرَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَإِنْ كَانَتْ مُذَفِّفَةً فَالصَّيْدُ حَلَالٌ وَالْعُضْوُ حَرَامٌ وَإِلَّا فَالصَّيْدُ حَلَالٌ أَيْضًا وَفِي الْعُضْوِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لَمْ تَتَجَرَّدْ ذَكَاةً لِلصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ لَا يَحِلُّ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَلَا أَثَرَ لِتَضَمُّخِهِ بِدَمِهِ فَرُبَّمَا جَرَحَهُ الْكَلْبُ وَأَصَابَتْهُ جراحة أخري (أما) إذَا جَرَحَهُ سَهْمُهُ أَوْ كَلْبُهُ ثُمَّ غَابَ الصَّيْدُ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَإِنْ انْتَهَى بِذَلِكَ الْجُرْحِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ وَلَا أَثَرَ لِغَيْبَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ نُظِرَ إنْ وَجَدَهُ فِي مَاءٍ أَوْ وَجَدَ عَلَيْهِ أَثَرَ صَدْمَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أُخْرَى وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ وَجَدَ الْكَلْبَ عَلَيْهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَيْفَ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرٌ آخَرُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) يَحِلُّ قَطْعًا
(وَالثَّانِي)
يَحْرُمُ قَطْعًا (وَأَشْهَرُهَا) على القولين (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ التَّحْرِيمُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ الْحِلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِيهِ وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ الصَّحِيحِ لَهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِنَا إيضَاحُ دَلِيلِ الْجَمِيعِ (وَمَنْ) قَالَ بِالْإِبَاحَةِ يَتَأَوَّلُ كَلَامَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَحَادِيثَ لَوْ صَحَّتْ فِي النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ (وَمَنْ) قَالَ بِالتَّحْرِيمِ يَتَأَوَّلُ أَحَادِيثَ الْإِبَاحَةِ عَلَى(9/117)
ما إذا ما انْتَهَى بِالْجِرَاحَةِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضعيف قال أصحابنا وتسمى هذه المسألة مَسْأَلَةَ الْإِيمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ جَرَحَ الصَّيْدَ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ فَغَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا
* فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَالَ دَاوُد
* وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَوَارَى عَنْهُ الصَّيْدُ
وَالْكَلْبُ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ وَاشْتَغَلَ بِعَمَلٍ غَيْرِهِ كَرِهْنَا أَكْلَهُ
* وَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَدْرَكَهُ مِنْ يَوْمِهِ أَكَلَهُ فِي الْكَلْبِ وَالسَّهْمِ إذَا كَانَ فِيهِ أَثَرُ جَارِحَةٍ وَإِنْ غَابَتْ عَنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ (إحْدَاهَا) يُؤْكَلُ
(وَالثَّانِي)
يُؤْكَلُ مَا لَمْ يبت عنه (والثالث) ان كانت الاصابة موجبة حَلَّ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
إذَا رَمَى الصَّيْدَ فَقَدَّهُ قِطْعَتَيْنِ فَمَاتَ فَجَمِيعُهُ حَلَالٌ سَوَاءٌ كَانَتْ القطعتان سواء أو متفاوتتين وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنْ أَحْمَدَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتَا سَوَاءً أَوْ كَانَتْ الَّتِي مَعَ الرَّأْسِ أَقَلَّ حَلَّ جَمِيعُهُ وَإِنْ كَانَتْ الَّتِي مَعَ الرَّأْسِ أَكْبَرَ حَلَّتْ وَحَرُمَتْ الْأُخْرَى وَقَالَ مَالِكٌ إذَا قَطَعَ وَسَطَهُ أَوْ ضَرَبَ عُنُقَهُ حَلَّ جَمِيعُهُ وَإِنْ قَطَعَ فَخِذَهُ حَرُمَتْ الْفَخِذُ وَحَلَّ الْبَاقِي
* دَلِيلُنَا أَنْ مَا كَانَ ذَكَاةً لِبَعْضِهِ كَانَ ذَكَاةً لِكُلِّهِ كموضع الاتفاق * قال المصنف رحمه الله
* (وان نصب أحبولة وفيها حديدة فوقع فيها صيد فقتلته الحديدة لم يحل لانه مات بغير فعل من جهة أحد فلم يحل)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَتْهُ الْأُحْبُولَةُ كَانَ فِيهَا سِلَاحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأُحْبُولَةُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - هُوَ مَا يُنْصَبُ لِلصَّيْدِ فَيَعْلَقُ بِهِ مِنْ حَبْلٍ أَوْ شَبَكَةٍ أَوْ شَرَكٍ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا حِبَالَةٌ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - جَمْعُهَا حَبَائِلُ فَإِذَا وَقَعَ فِي الْأُحْبُولَةِ صَيْدٌ فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُذَكِّهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الصَّائِدِ إلَّا سَبَبٌ فَهُوَ كَمَنْ نَصَبَ(9/118)
سكينا فربضت عليها شاة ققطعت حَلْقَهَا فَإِنَّهَا حَرَامٌ قَطْعًا وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْحَبْلِ الَّذِي فِي الْأُحْبُولَةِ فِي يَدِهِ فَجَرَّهُ وَمَاتَ بِهِ الصَّيْدُ فَحَرَامٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُنْخَنِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ صَيْدِ الْأُحْبُولَةِ وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يُدْرَكْ ذَكَاتُهُ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يَحِلُّ إنْ كَانَ سَمَّى وقت نصبها * قال المصنف رحمه الله
* (وان ارسل سهما على صيد فأصاب غيره فقتله حل اكله لقوله صلى الله عليه وسلم لابي ثعلبة
(ما ردت عليك قوسك فكل) ولانه مات بفعله ولم يفقد الا القصد وذلك لا يعتبر في الذكاة والدليل عليه انه تصح ذكاة المجنون وان لم يكن له قصد فان ارسل كلبا على صيد فأصاب غيره فقتله نظرت فان أصابه في الجهة التى أرسله فيها حل لقوله صلى الله عليه وسلم (ما رد عليك كلبك ولم تدرك ذكاته فكل) وان عدل إلى جهة أخرى فأصاب صيدا غيره ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يحل وهو قول أبى اسحاق لان للكلب اختيارا فإذا عدل كان صيده باختياره فلم يحل كما لو استرسل بنفسه فأخذ الصيد ومن أصحابنا من قال يحل لان الكلب لا يمكن منعه من العدول في طلب الصيد)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا رَمَى صَيْدًا يَرَاهُ أولا يَرَاهُ لَكِنْ يَحُسُّ بِهِ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ أَشْجَارٍ مُلْتَفَّةٍ وَقَصَدَهُ حَلَّ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ بأن رمي وهو لا يرجوا صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ صَيْدًا فَبَنَى الرَّمْيَ بِأَنْ رَمَى فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَقَالَ رُبَّمَا أَصَبْتُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِحِلِّهِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ (وَالثَّالِثُ) إنْ تَوَقَّعَهُ بِظَنٍّ غَالِبٍ حَلَّ وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدَ تَجْوِيزٍ حَرُمَ وَلَوْ رَمَى إلَى سِرْبٍ مِنْ الظِّبَاءِ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهَا كَلْبًا فَأَصَابَ وَاحِدَةً مِنْهَا فَقَتَلَهَا فَهِيَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَصَدَ وَاحِدَةً مِنْهَا مُعَيَّنَةً بِالرَّمْيِ فَأَصَابَ غَيْرَهَا(9/119)
فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِحِلِّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الْحِلُّ) مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ حَالَةَ الرَّمْيِ يَرَى الْمُصَادَ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا (وَالرَّابِعُ) إنْ كَانَ الْمُصَابُ مِنْ السِّرْبِ الَّذِي رَآهُ وَرَمَاهُ حَلَّ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ وَسَوَاءٌ عَدَلَ السَّهْمُ عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي قَصَدَهَا إلَى غَيْرِهَا أَمْ لَمْ يَعْدِلْ وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا يَعْتَقِدُهُ حَجَرًا وَكَانَ حَجَرًا فَأَصَابَ ظَبْيَةً فَفِي حِلِّهَا وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا تَحِلُّ وَبِهِ قَطَعَ الصيد لانى وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ الشَّاخِصُ صَيْدًا وَمَالَ السَّهْمُ عنه وأصاب صيدا آخر ففيه الوجهان وأولى بِالتَّحْلِيلِ وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا ظَنَّهُ خِنْزِيرًا وَكَانَ خنزيزا أَوْ كَانَ صَيْدًا فَلَمْ يُصِبْهُ وَأَصَابَ ظَبْيَةً لَمْ تَحِلَّ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ خِنْزِيرًا أَضْعَفُ وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا ظَنَّهُ صَيْدًا فَبَانَ حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا وَأَصَابَ السَّهْمُ صَيْدًا
قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ اعْتَبَرْنَا ظَنَّهُ فِيمَا إذَا رَمَى مَا ظَنَّهُ حَجَرًا فَكَانَ صَيْدًا وَأَصَابَ السَّهْمُ صَيْدًا آخَرَ وَقُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَهُنَا يَحِلُّ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَهُ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْحَقِيقَةَ وَقُلْنَا بِالْحِلِّ هُنَاكَ حَرُمَ هُنَا
* هَذَا كُلُّهُ فِي رَمْيِ السَّهْمِ أَمَّا إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَ صَيْدًا آخَرَ فَيُنْظَرُ إنْ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ جِهَةِ الْإِرْسَالِ بَلْ كَانَ فِيهَا صَيُودٌ فَأَخَذَ غَيْرَ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يَحِلُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ
(وَالثَّانِي)
يَحْرُمُ كَمَا لَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ عَدَلَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْحِلُّ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ تَكْلِيفِهِ تَرَكَ الْعُدُولَ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لَوْ عَدَلَ فَتَبِعَهُ الْكَلْبُ وَقَتَلَهُ حَلَّ قَطْعًا
(وَالثَّانِي)
يَحْرُمُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ خَرَجَ عَادِلًا عَنْ الْجِهَةِ حَرُمَ وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهَا فَفَاتَهُ الصَّيْدُ فَعَدَلَ إلَى غَيْرِهَا وَصَادَ حَلَّ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حِذْقِهِ حَيْثُ لَمْ يَرْجِعْ خَائِبًا وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ إذَا عَدَلَ وَظَهَرَ مِنْ عُدُولِهِ اخْتِيَارُهُ بِأَنْ امْتَدَّ فِي جِهَةِ الْإِرْسَالِ زَمَانًا ثُمَّ ظَهَرَ صَيْدٌ آخَرُ فَاسْتَدْبَرَ المرسل إليه وقصد الآخر والله أعلم
*(9/120)
قال المصنف رحمه الله
* (وان أرسل كلبا وهو لا يرى صيدا فأصاب صيدا لم يحل لانه أرسله على غير صيد فلم يحل ما اصطاده كما لو حل رباطه فاسترسل بنفسه واصطاد وان أَرْسَلَ سَهْمًا فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ لَا يَرَى صيدا فأصاب صيدا ففيه وجهان (قال) ابو اسحق يحل لانه قتله بفعله ولم يفقد الا القصد إلى الذبح وذلك لا يعتبر كما لو قطع شيئا وهو يظن أنه خشبة فكان حلق شاة (ومن) أصحابنا من قال لا يحل وهو الصحيح لانه لم يقصد صيدا بعينه فأشبه إذا نصب أحبولة فيها حديدة فوقع فيها صيد فقتلته وان كان في يده سكين فوقعت على حلق شاة فقتلها حل في قول أبى اسحق لانه حصل الذبح بفعله وعلى قول الآخر لا تحل لانه لم يقصد
* وان رأى صيدا فظنه حجرا أو حيوانا غير الصيد فرماه فقتله حل أكله لانه قتله بفعل قصده وانما جهل حقيقته والجهل بذلك لا يؤثر كما لو قطع شيئا فظنه غير الحيوان فكان حلق شاة وان أرسل علي ذلك كلبا فقتله ففيه وجهان
(أحدهما)
يحل كما يحل إذا رماه بسهم
(والثانى)
لا يحل لانه أرسله على غير صيد فأشبه إذا أرسله على غير شئ) (الشرح) قال اصحابنا إذا أَرْسَلَ كَلْبًا وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا فَاعْتَرَضَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَحِلُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا أَوْ أَرْسَلَهُ فِي فَضَاءِ الْأَرْضِ لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ رَمَى إلَى هَدَفٍ فَاعْتَرَضَ صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَقَتَلَهُ وَكَانَ لَا يَخْطِرُ لَهُ الصَّيْدُ أَوْ كَانَ يَرَاهُ وَلَكِنْ رَمَى إلَى هَدَفٍ أَوْ ذِئْبٍ وَلَمْ يَقْصِدْ الصَّيْدَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ لا يحل لعدم قصده
(والثانى)
يحل قاله أبو إسحق وَلَوْ كَانَ يَحُلُّ سَيْفَهُ فَأَصَابَ عُنُقَ شَاةٍ وقطع الحلقوم والمرئ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْحَالِ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ مَيْتَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ وَلَوْ رَمَى مَا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ جُرْثُومَةً أَوْ آدَمِيًّا مَعْصُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ(9/121)
حَيَوَانًا آخَرَ مُحَرَّمًا فَكَانَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ أَوْ ظَنَّهُ صَيْدًا غَيْرَ مَأْكُولٍ فَكَانَ مَأْكُولًا أَوْ قَطَعَ فِي ظُلْمَةٍ مَا ظَنَّهُ ثَوْبًا فَكَانَ حلق شاة فانقطع الحلقوم والمرئ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا إلَى شَاخِصٍ يَظُنُّهُ حَجَرًا فَكَانَ صَيْدًا أَوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شئ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ذَبَحَ فِي ظُلْمَةٍ حَيَوَانًا فَظَنَّهُ مُحَرَّمًا وَكَانَ شَاةً فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَفِي الْجَمِيعِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ حَرَامٌ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَلَوْ رَمَى إلَى شَاتِه الرَّبِيطَةِ سَهْمًا جَارِحًا فَأَصَابَ الْحُلْقُومَ والمرئ وِفَاقًا وَقَطَعَهُمَا فَفِي حِلِّ الشَّاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَبْحِهَا.
احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الذَّبْحَ بِسَهْمِهِ وبين ان يقصد الشاة فيصيب المذبح وَالْأَصَحُّ الْحِلُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ رَمَى شَيْئًا يَظُنُّهُ حَجَرًا وَكَانَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا حِلُّهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
* وَقَالَ مالك لا يحل
* وقال محمد ابن الْحَسَنِ إنْ ظَنَّهُ حَجَرًا لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ ظَنَّهُ حَيَوَانًا مُحَرَّمًا كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ حَلَّ إلَّا أَنْ يَظُنَّهُ آدَمِيًّا فَلَا يَحِلَّ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ إذَا ظَنَّهُ إنْسَانًا لَمْ يَحِلَّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا رَأَى خِنْزِيرًا بَرِّيًّا أَوْ أَسَدًا أَوْ ذِئْبًا وَكَانَ
ظَبْيًا حَلَّ
* وَقَالَ زُفَرُ لَا يَحِلُّ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ وَأَخَذَ غَيْرَهُ فِي طَرِيقِهِ وَسَمْتِهِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وداود لا يحل * قال المصنف رحمه الله
* (وان توحش أهلى أو ند بعير أو تردى في بئر فلم يقدر على ذكاته في حلقه فذكاته حيث يصاب من بدنه لما روي رافع بن خديج قَالَ (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة وقد اصاب القوم غنما وابلا فند منها بعير فرمى بسهم فحبسه الله بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان هذه البهائم لها اوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) وقال ابن عباس رضى الله عنه " ما اعجزك من البهائم فهو بمنزلة الصيد ولانه يتعذر ذكاته في الحلق فصار كالصيد وان تأنس(9/122)
الصيد فذكاته ذكاة الاهلى كما ان الاهلى إذا توحش فذكاته ذكاة الوحشى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ رَافِعٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الجزم فهو صحيح عنده (وقوله) ندهو - بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ - أَيْ هَرَبَ وَالْأَوَابِدُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهِيَ النُّفُورُ وَالتَّوَحُّشُ جَمْعُ آبِدَةٍ - بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْبَاءِ - وَيُقَالُ أَبَدَتْ - بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالتَّخْفِيفِ - يَأْبُدُ وَيَأْبِدُ - بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا - وَتَأَبَّدَتْ أَيْ تَوَحَّشَتْ وَنَفَرَتْ مِنْ الْإِنْسِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْحَيَوَانُ الْمَأْكُولُ الَّذِي لا تحل ميتة ضَرْبَانِ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ وَمُتَوَحِّشٌ فَالْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْإِنْسِيُّ وَالْوَحْشِيُّ إذَا قَدَرَ عَلَى ذَبْحِهِ بِأَنْ أَمْسَكَ الصَّيْدَ أَوْ كَانَ مُتَوَحِّشًا فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ لِمَا ذكره المصنف
* وأما المتوحش كالصيد فجيع أجزائه مذبح مادام مُتَوَحِّشًا فَإِذَا رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَمَاتَ بِهِ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ تَوَحَّشَ إنْسِيٌّ بِأَنْ نَدَّ بَعِيرٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ شَرَدَتْ شَاةٌ أَوْ غَيْرُهَا فَهُوَ كَالصَّيْدِ يَحِلُّ بِالرَّمْيِ إلَى غَيْرِ مَذْبَحِهِ وَبِإِرْسَالِ الْكَلْبِ مِنْ الْجَوَارِحِ عَلَيْهِ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ أَوْ غَيْرُهُ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ النَّادِّ فِي حِلِّهِ بِالرَّمْيِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي حِلِّهِ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا
الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) عندهم حتى البحر وَالْمُسْتَظْهَرَيْ التَّحْرِيمُ (وَاخْتَارَ) الْبَصْرِيُّونَ الْحِلَّ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوَحُّشِ مُجَرَّدَ الْإِفْلَاتِ بَلْ مَتَى تَيَسَّرَ اللُّحُوقُ بِعَدْوٍ أَوْ اسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يُمْسِكُهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ تَوَحُّشًا وَلَا يَحِلُّ حِينَئِذٍ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فِي الْحَالِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْبَعِيرَ وَنَحْوَهُ كَالصَّيْدِ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الذَّبْحَ فِي الْحَالِ فَتَكْلِيفُهُ الصَّبْرَ إلَى الْقُدْرَةِ يَشُقُّ عَلَيْهِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالصَّيْدِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا حَالَةٌ عَارِضَةٌ قَرَّبَتْهَا لَهُ قَالَ لَكِنْ لَوْ كَانَ الصَّبْرُ وَالطَّلَبُ يُؤَدِّي إلَى مَهْلَكَةٍ أَوْ مَسْبَعَةٍ فَهُوَ حِينَئِذٍ كَالصَّيْدِ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى مَوْضِعِ لُصُوصٍ وَعَصَبَاتٍ مترصدين فوجهان(9/123)
الفرق أَنَّ تَصَرُّفَهُمْ وَإِتْلَافَهُمْ مُتَدَارَكٌ بِالضَّمَانِ
* هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي كَيْفِيَّةِ الْجَرْحِ الْمُفِيدِ لِلْحِلِّ فِي النَّادِّ وَالْمُتَرَدِّي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَكْفِي جُرْحٌ يفضي إلى الزهوق كيف كان
(والثانى)
لابد مِنْ جُرْحٍ مُذَفِّفٍ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ
* (فَرْعٌ)
حَيْثُ جَرَحَ النَّادَّ وَالْمُتَرَدِّيَ فَقَتَلَهُ حَلَّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي فَخِذِهِ أَوْ خَاصِرَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ بَدَنِهِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ طَعَنْتَ خَاصِرَتَهُ لَحَلَّتْ لَكَ) قَالَ فَقَالَ الْمَرَاوِزَةُ خَصَّصَ الْخَاصِرَةَ لِيَكُونَ الْجُرْحُ مُذَفِّفًا فَلَا يَجُوزُ جُرْحٌ آخَرُ وَإِنْ كَانَ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَكْفِي كُلُّ جِرَاحَةٍ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ هَذَا لَفْظُهُ فِي الْوَسِيطِ وَفِيهَا مُنْكَرَاتٌ (مِنْهَا) تَغْيِيرُ الْحَدِيثِ (وَمِنْهَا) تَغْيِيرُ الْحُكْمِ (أَمَّا) الْحَدِيثُ فَقَدْ سَبَقَ بِإِنْكَارِهِ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو ابن الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ هَذَا اخْتِصَارٌ مِنْ الْغَزَالِيِّ لِحَدِيثٍ اسْتَدَلَّ بِهِ فِي ذَلِكَ شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا يُعْرَفُ بابى العسراء تَرَدَّى لَهُ بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ فَهَلَكَ فَرُفِعَتْ الْقِصَّةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال (لابي العسراء وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتَ فِي خَاصِرَتِهَا لَحَلَّتْ لَكَ) قال أَبُو عَمْرٍو وَفِيمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثَلَاثَةُ أَغْلَاطٍ
وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ حماد ابن أبى سلمة عن أبى العسراء الدَّارِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ قَالَ (وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتهَا فِي فَخِذِهَا لَأَجْزَأَ عَنْكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ في كتبهم المعتمدة وأبى العسراء - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ الشُّعَرَاءِ - اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ مَالِكٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَوَقَعَ فِيمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْغَلَطُ مِنْ أَوْجُهٍ (أحدها) جعله أبا العسراء هُوَ الَّذِي خَاطَبَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ أبوه وأبو العسراء تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ
(وَالثَّانِي)
فِي ذِكْرِهِ تَرَدَّى الْبَعِيرُ فِي بِئْرٍ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ وانما هو(9/124)
تفسير من أهل العلم للحديث قالوا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي التَّرَدِّي فِي الْبِئْرِ وَأَشْبَاهِهِ وان كان الشيخ أبو حامد الاسفرايني قَدْ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ دُونَ ذِكْرِ التَّرَدِّي وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَقَالَ أَمَا تَصْلُحُ الذَّكَاةُ إلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ (وَالثَّالِثُ) فِي قَوْلِهِ (لَوْ طَعَنْتَ فِي خَاصِرَتِهَا) وَإِنَّمَا قَالَ (فِي فَخِذِهَا) وَذِكْرُ الْخَاصِرَةِ وَرَدَ فِي أَثَرٍ رَوَيْنَاهُ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ (تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ وَطُعِنَ فِي شَاكِلَتِهِ فَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَأَمَرَ بِأَكْلِهِ) وَالشَّاكِلَةُ الْخَاصِرَةُ وَلَا يَثْبُتُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَا رَامَهُ الْمَرَاوِزَةُ مِنْ تَخْصِيصِ الْخَاصِرَةِ وَأَشْبَاهِهَا فَالصَّحِيحُ إذَنْ قَوْلُ غَيْرِهِمْ إنَّهُ يَكْفِي فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا) هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مداره على أبى العسراء قَالُوا وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَهُوَ مَجْهُولٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِعِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَجَاعَةٍ وَنَحْوِ ذلك ولم يوجد شئ من هذا الاستثناء في أبى العسراء فَهُوَ مَجْهُولٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ لِأَبِي العسراء عَنْ أَبِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ في تاريخه في حديث أبى العسراء وَسَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَالصَّوَابُ أَنَّهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ جَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْهُ حَلَّ سَوَاءٌ الْخَاصِرَةُ وَالْفَخِذُ وَغَيْرُهُمَا لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ
وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُخَصِّصٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ فِي كُلِّ مَعْجُوزٍ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَيَتَعَيَّنُ رَدُّ مَا حُكِيَ عَنْ الْمَرَاوِزَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ وَقَعَ بَعِيرَانِ فِي بِئْرٍ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ فَطُعِنَ الْأَعْلَى فَمَاتَ الْأَسْفَلُ بِثِقَلِهِ حَرُمَ الْأَسْفَلُ فَلَوْ تَعَدَّتْ الطَّعْنَةُ فَأَصَابَتْهُ أَيْضًا حَلَّا جَمِيعًا فَإِنْ شَكَّ هَلْ مَاتَ بِالطَّعْنَةِ النَّافِذَةِ أَمْ بِالثِّقَلِ(9/125)
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الطَّعْنَةَ أَصَابَتْهُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ حَلَّ وَإِنْ شَكَّ هَلْ أَصَابَتْهُ قَبْلَ مُفَارِقَةِ الرُّوحِ أَمْ بَعْدَهَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْفَتَاوَى يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْعَبْدِ الْغَائِبِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ هَلْ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَمَى حَيَوَانًا غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَصَارَ مَقْدُورًا فَأَصَابَ غَيْرَ الْمَذْبَحِ لَمْ يَحِلَّ وَلَوْ رَمَى مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَصَارَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَأَصَابَ غَيْرَ مَذْبَحِهِ حَلَّ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا تَوَحَّشَ الْحَيَوَانُ الْإِنْسِيُّ الْمَأْكُولُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ كَالْبَعِيرِ النَّادِّ أَوْ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ وَعَجَزَ عَنْ عَقْرِهِ فِي مَحِلِّ الذَّكَاةِ
* فَمَذْهَبُنَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ مَحِلٌّ لِذَكَاتِهِ فَحَيْثُ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَبِهِ قال جمهور العلماء منهم على ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عباس وطاووس وعطاء والشعبى والحسن البصري والاسود ابن يَزِيدَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمَالِكٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَكَاتِهِ فِي مَوْضِعِ الذَّبْحِ وَهُوَ الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ وَلَا يَتَغَيَّرُ مَوْضِعُ الذَّكَاةِ بِتَوَحُّشِهِ وَتَرَدِّيه
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خديج السابق * قال المصنف رحمه الله
* (وان ذكى ما يؤكل لحمه ووجد في جوفه جنينا ميتا حل اكله لما روى أبو سعيد قال قلنا يارسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة وفى بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله فقال (كلوه ان شئتم فان ذكاته ذكاة امه) ولان الجنين لا يمكن ذبحه فجعل ذكاة الام ذكاة له وان خرج الجنين حيا وتمكن من ذبحه لم يحل من غير ذبح وان مات قبل ان يتمكن
من ذكاته حل)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا والترمذي وابن ماجه من رواية مجاهد عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ(9/126)
قَالَ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
* هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَعَ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد مَدَارُهَا علي مخالد وهو ضعيف لا يحتج به وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَلَعَلَّهُ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ تُقَوِّي بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَيَصِيرُ حَسَنًا كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ رَجُلًا جَرَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ
* وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَرْفُوعًا فَقَدْ تَعَاضَدَتْ طُرُقُهُ كَمَا تَرَى فَلِهَذَا صَارَ حَدِيثًا حَسَنًا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* وَقَوْلُهُ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) هُوَ بِالرَّفْعِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ تَقْدِيرُهُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ
* (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا ذَبَحَ الْمَأْكُولَةَ فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا جَنِينًا مَيِّتًا فَهُوَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَشَعَرَ أَمْ لَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ إنَّمَا يَحِلُّ إذَا سَكَنَ فِي الْبَطْنِ عَقِبَ ذَبْحِ الْأُمِّ أَمَّا إذَا بَقِيَ زَمَنًا طَوِيلًا يَضْطَرِبُ وَيَتَحَرَّكُ ثُمَّ سَكَنَ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ حَرَامٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ جُرِحَ الْجَنِينُ وَبِهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ ثُمَّ مَاتَ حَلَّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الَّذِي مَاتَ فِي الْبَطْنِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَإِنْ جُرِحَ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَأَمْكَنَ ذَبْحُهُ فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَلَالٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قِيَاسًا عَلَى الصَّيْدِ وَلَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ثُمَّ ذُبِحَتْ الْأُمُّ فَمَاتَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ يَحِلُّ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِ الْوَلَدِ كَعَدَمِ خُرُوجِهِ فِي الْعِدَّةِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ لَا يَحِلُّ
إلَّا بِذَبْحِهِ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَخْرَجَ رِجْلَهُ فقياس ما قاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ يَجْرَحُهُ بِسِكِّينٍ وَنَحْوِهِ لِيَحِلَّ كَمَا لَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ وَلَوْ وجد في جوف المذكاة مضغة لم(9/127)
تبين فيها الصورة ولا تشكلت الاعضاء ففحلها وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهَا وَثُبُوتِ حكم الاستيلاد والله أعلم
* (فر) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّ الْحَيَوَانَ الْمَأْكُولَ إذَا ذُكِّيَ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ جَنِينٌ مَيِّتٌ حَلَّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الامصار إلا أبا حنيفة وزفر فقال لَا يَحِلُّ حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى
* وَقَالَ مالك من خَرَجَ مَيِّتًا تَامَّ الْخَلْقِ وَتَمَّ شَعْرُهُ فَحَلَالٌ بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ وَلَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَحَرَامٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ النَّاسُ عَلَى إبَاحَتِهِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ مَا قَالُوهُ إلَى أَنْ جَاءَ أَبُو حَنِيفَةَ فَحَرَّمَهُ وَقَالَ ذَكَاةُ نَفْسٍ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ قَالَ فِي كِتَابٍ آخَرَ لَهُ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِقَوْلِ أبا حَنِيفَةَ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ غَيْرَهُ قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَصْحَابَهُ وَافَقُوهُ عَلَيْهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى إبَاحَتِهِ لَكِنْ اشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الْإِشْعَارَ
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ ذَكَاةَ حَيَوَانٍ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ حَيَوَانٍ آخَرَ قَالَ وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) أَيْ ذَكَاتُهُ كَذَكَاةِ أُمِّهِ أَيْ ذَكُّوهُ كَمَا تُذَكُّونَ أُمَّهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّيْدِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِنَا وَمُبْطِلٌ لِتَأْوِيلِهِمْ الْمَذْكُورِ وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْجَنِينِ مَا كَانَ فِي الْبَطْنِ وَذَبْحُهُ فِي الْبَطْنِ لَا يُمْكِنُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُذَكَّى كَذَكَاةِ أُمِّهِ بَلْ ذَكَاةُ أُمِّهِ كَافِيَةٌ فِي حِلِّهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا (ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا قَالُوهُ لَمْ يَكُنْ لِلْجَنِينِ مَزِيَّةٌ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ فيتبعها في الذكاة كالاعضاء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (إذا أثبت صيدا بالرمي أو بالكلب فازال امتناعه ملكه لانه حبسه بفعله فملكه كما لو أمسكه
بيده فان رماه اثنان واحد بعد واحد فهو لمن اثبته منهما فان ادعى كل واحد منهما انه هو الذي(9/128)
سبق وأزال امتناعه وان الآخر رماه فقتله فعليه الضمان لم يحل أكله لانهما اتفقا على أنه قتل بعد امكان ذبحه فلم يحل ويتحالفان فإذا حلف برئ كل واحد منهما مما يدعي الآخر وان اتفقا على ان أحدهما هو السابق غيران السابق ادعى انه هو الذى أثبته بسهمه وادعى الآخر أنه بقى على الامتناع إلى ان رماه هو فالقول قول الثاني لان الاصل بقاؤه على الامتناع وان كان الصيد مما يمتنع بالرجل والجناح كالقبح والقطا فرماه احدهما فاصاب الرجل ثم رماه الآخر فاصاب الجناح ففيه وجهان (احدهما) أنه يكون بينهما لانه زال الامتناع بفعلهما فتساويا
(والثانى)
انه للثاني وهو الصحيح لان الامتناع لم يزل الا بفعل الثاني فوجب أنه يكون له)
* (الشرح) في الفصل مسألتان (إحداهما) فِيمَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ (وَالثَّانِيَةُ) فِي الِازْدِحَامِ عَلَيْهِ (فَأَمَّا) الثَّانِيَةُ فَنُؤَخِّرُ شَرْحَهَا وَنَذْكُرُهُ مَعَ الْفَصْلَيْنِ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا الْأُولَى) فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُمْلَكُ الصَّيْدُ بِطُرُقٍ (مِنْهَا) أَنْ يَضْبُطَهُ بِيَدِهِ فَيَمْلِكَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قصد التملك في أخده بِيَدِهِ حَتَّى لَوْ أَخَذَ صَيْدًا لِيَنْظُرَ إلَيْهِ مَلَكَهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ سَعَى وَرَاءَ صَيْدٍ لِيَأْخُذَهُ فَوَقَفَ الصَّيْدُ لِلْإِعْيَاءِ لَمْ يَمْلِكْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ (وَمِنْهَا) أَنْ يَجْرَحَهُ جِرَاحَةً مُذَفِّفَةً أَوْ رَمْيَةً مُثْخِنَةً أَوْ يَرْمِيَهُ فَيَمْلِكَهُ وَكَذَا إنْ كَانَ طَائِرًا فَكَسَرَ جَنَاحَهُ فَعَجَزَ عَنْ الْعَدْوِ وَالطَّيَرَانِ جَمِيعًا قَالُوا وَيَكْفِي الْمُتَمَلِّكَ إبْطَالُ شِدَّةِ الْعَدْوِ وَصَيْرُورَتُهُ بِحَيْثُ يَسْهُلُ لِحَاقُهُ وَلَوْ جَرَحَهُ فَعَطِشَ وَثَبَتَ لَمْ يَمْلِكْهُ إنْ كَانَ عَطَشُهُ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ مَلَكَهُ لِأَنَّ عَجْزَهُ بِالْجِرَاحَةِ (وَمِنْهَا) لو نصب شبكة ونحوها لصيد فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ مَلَكَهُ فَلَوْ طَرَدَهُ طَارِدٌ فَوَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ لَا للطارد وقال الماوردى وغيره ولو وقع طائر فِي الشَّبَكَةِ ثُمَّ تَقَطَّعَتْ الشَّبَكَةُ فَأَفْلَتَ وَذَهَبَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقَطْعِ الصَّيْدِ الْوَاقِعِ فِيهَا عَادَ مُبَاحًا فَيَمْلِكُهُ مَنْ صَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ تُثَبِّتْهُ شَبَكَتْهُ وَإِلَّا فَيَمْلِكُهُ صَاحِبُ الشَّبَكَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي بَابِ الْبِئْرِ لَوْ وَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ فَأَفْلَتَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَلَى الصَّحِيحِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْمَذْهَبُ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ(9/129)
الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ تَغَفَّلَ الصَّيْدَ بِالشَّبَكَةِ ثُمَّ قَلَعَ الشَّبَكَةَ وَذَهَبَ بِهَا فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ نُظِرَ إنْ كَانَ يَعْدُو وَيَمْتَنِعُ مَعَ الشَّبَكَةِ فَلَهُ الْأَخْذُ فَإِنْ أَبْطَلَ ثِقَلُ الشَّبَكَةِ امْتِنَاعَهُ بِحَيْثُ تَيَسَّرَ أَخْذُهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ وَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ (وَمِنْهَا) إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا فَأَثْبَتَ صَيْدًا " مَلَكَهُ الْمُرْسِلُ فَلَوْ أَرْسَلَ سَبُعًا " آخَرَ فَعَقَرَهُ وَأَثْبَتَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ لَهُ عَلَى السَّبُعِ يَدٌ مَلَكَ الصَّيْدَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَفْلَتَ الصيد بعد ما أَخَذَهُ الْكَلْبُ قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَلَا زَالَ امْتِنَاعُهُ فَعَلَى هَذَا يَمْلِكُهُ مَنْ صَاحَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَمِنْهَا) إذَا أَلْجَأَهُ إلَى مَضِيقٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِفْلَاتِ مِنْهُ مَلَكَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُدْخِلَهُ بَيْتًا وَنَحْوَهُ وَلَوْ اضْطَرَّ سَمَكَةً إلَى بِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ حَوْضٍ صَغِيرٍ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ مَلَكَهُ كَمَا لَوْ اضْطَرَّ الصَّيْدَ إلَى بَيْتٍ
* وَالصَّغِيرُ هُوَ مَا يَسْهُلُ أَخْذُهَا مِنْهُ وَلَوْ اضْطَرَّهَا إلَى بِرْكَةٍ وَاسِعَةٍ يُعْسَرُ أَخْذُهَا مِنْهَا أَوْ دَخَلَتْهَا السَّمَكَةُ فَسَدَّ مَنَافِذَهَا فَفِيهَا الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِيمَا إذَا دَخَلَ الصَّيْدُ مِلْكَهُ (فَإِنْ قلنا) بالاصح أنه لا يَمْلِكُهُ بِالدُّخُولِ فَسَدَّ مَنَازِلَ الْبِرْكَةِ مَلَكَ السَّمَكَةَ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى ضَبْطِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ تُرْجَعُ جَمِيعُ هَذِهِ الطُّرُقِ إلَى شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ سَبَبُ مِلْكِ الصَّيْدِ إبْطَالُ زَوَالِ امْتِنَاعِهِ وَحُصُولُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَوَحَّلَ صَيْدٌ بِأَرْضِ إنْسَانٍ وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَمْلِكُهُ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِسَقْيِ الْأَرْضِ الِاصْطِيَادَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ سَقْيُ الْأَرْضِ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الِاصْطِيَادُ وَتَوَحُّلُ الصَّيُودِ فَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ فَهُوَ كَنَصْبِ الشَّبَكَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرُّويَانِيُّ لِأَرْضِ الشَّخْصِ بَلْ قَالَ لَوْ تَوَحَّلَ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ لِأَنَّ الطِّينَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَوْ كَانَ هُوَ أَرْسَلَ الْمَاءَ فِي الْأَرْضِ مَلَكَهُ لِأَنَّ الْوَحْلَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ فَهُوَ كَالشَّبَكَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَائِدًا إلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مِنْ قَصْدِ الِاصْطِيَادِ بِالسَّقْيِ وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ في أرض(9/130)
وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَوْ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ طَائِرٌ وَبَاضَ وَفَرَّخَ وَحَصَلَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْبَيْضِ وَالْفَرْخِ لَمْ
يَمْلِكْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
يَمْلِكُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ حَفَرَ حُفْرَةً لَا لِلصَّيْدِ فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنْ حَفَرَ لِلصَّيْدِ مَلَكَ مَا وَقَعَ فِيهَا وَلَوْ أَغْلَقَ بَابَ الدَّارِ لِئَلَّا يَخْرُجَ صَارَ مِلْكًا لَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالدَّارِ فَهُوَ أَوْلَى بِمِلْكِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدْخُلَ مِلْكَهُ وَيَأْخُذَهُ فَإِنْ فَعَلَ فهل يملكه فيه وجهان كمن يحجز مَوَاتًا وَأَحْيَاهُ غَيْرُهُ هَلْ يَمْلِكُهُ وَهَذِهِ الصُّوَرُ أولى بثبوت الملك لان الحجز لِلْإِحْيَاءِ وَلَا يُقْصَدُ بِبِنَاءِ الدَّارِ وُقُوعُ الصَّيْدِ فِيهَا (وَالْأَصَحُّ) فِي الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْمُحْيِيَ وَآخِذَ الصَّيْدِ يَمْلِكَانِ وَإِنْ كَانَا غَاصِبَيْنِ بِتَفْوِيتِ حَقِّ المتحجز وَصَاحِبِ الْأَرْضِ
* وَلَوْ قَصَدَ بِبِنَاءِ الدَّارِ تَعْشِيشَ الطَّيْرِ فَعَشَّشَ فِيهَا طَيْرٌ أَوْ وَقَعَتْ الشَّبَكَةُ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَتَغَفَّلَ فِيهَا صَيْدٌ فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي الْأُولَى قَصْدٌ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَفِي الثَّانِيَةِ حَصَلَ الِاسْتِيلَاءُ بِمِلْكِهِ لَكِنَّهُ بِلَا قَصْدٍ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَمْلِكُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ دَخَلَ بُسْتَانَ غَيْرِهِ أَوْ دَارِهِ وَصَادَ فِيهِ طَائِرًا أَوْ غَيْرَهُ مَلَكَهُ الصَّائِدُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارَ إنْسَانٍ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فَأَغْلَقَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْهُ صَاحِبُ الدَّارِ وَلَا الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لَمْ يَحْصُلْ الصَّيْدُ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَنْ غَصَبَ شَبَكَةً وَاصْطَادَ بِهَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَخَذَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ صَيْدًا بِغَيْرِ إرْسَالٍ ثُمَّ أَخَذَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ فَمِهِ يَمْلِكُهُ الْآخِذُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ
* وَاحْتَجُّوا لِلْأَوَّلِ بِمَا لَوْ أَخَذَ فَرْخَ طَائِرٍ مِنْ شَجَرِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْآخِذَ يَمْلِكُهُ وَأَمَّا الْكَلْبُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ فَأَخَذَ صَيْدًا فَأَخَذَهُ مِنْهُ أَجْنَبِيٌّ وَهُوَ حَيٌّ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرْسِلِ وَيَكُونَ إرْسَالُهُ كَنَصْبِ شَبَكَةٍ تَغَفَّلَ بِهَا الصَّيْدُ قَالَ فَاحْتُمِلَ خِلَافُهُ لِأَنَّ لِلْكَلْبِ اختيارا * قال المصنف رحمه الله
* (وان رمى الصيد اثنان أحدهما بعد الآخر ولم يعلم باصابة من منهما صار غير ممتنع فقد قال في(9/131)
المختصر انه يؤكل ويكون بينهما فحمل أبو إسحق هذا على ظاهره فقال يحل أكله لان الاصل انه بقي بعد عقر الاول على الامتناع إلى أن قتله الآخر فيحل ويكون بينهما لان الظاهر أنهما مشتركان
فيه بحكم اليد ومن أصحابنا من قال ان بقى على الامتناع حتى رماه الآخر فقتله حل وكان للثاني وان زال امتناعه بالاول فهو للاول ولا يحل بقتل الثاني لانه صار مقدورا عليه فيجب أن يتأول عليه إذا لم يمتنع الصيد حتى أدركه وذكاه فيحل واختلفا في السابق منهما فيكون بينهما فان رمي رجل صيدا فأزال امتناعه ثم رماه الآخر نظرت فان أصاب الحلقوم والمرئ فقتله حل أكله لانه قد صار ذكاته في الحلق واللبة وقد ذكاة في الحلق واللبة ويلزمه للاول ما بين قيمته مجروحا ومذبوحا كما لو ذبح له شاة مجروحة وان أصاب غير الحلق واللبة نظرت فان وحاه لم يحل أكله لانه قد صار ذكاته في الحلق واللبة فقتله بغير ذكاة فلم يحل ويجب عليه قيمته لصاحبه مجروحا كما لو قتل له شاة مجروحة فان لم يوحه وبقى مجروحا ثم مات نظرت فان مات قبل أن يدركه صاحبه أو بعد ما أدركه وقبل أن يتمكن من ذبحه وجب عليه قيمته مجروحا لانه مات من جنايته وان أدركه وتمكن من ذبحه فلم يذبحه حتى مات لم يحل أكله لانه ترك ذكاته في الحلق مع القدرة واختلف أصحابنا في ضمانه فقال أبو سعيد الاضطخرى تجب عليه قيمته مجروحا لانه لم يوجد من الاول أكثر من الرمى الذى ملك به وهو فعل مباح وترك ذبحه إلى أن مات وهذا لا يسقط الضمان كما لو جرح رجل شاة لرجل فترك صاحبها ذبحها حتى ماتت (والمذهب) أنه لا يجب عليه كمال القيمة لانه مات بسببين محظورين جناية الثاني وسراية جرح الاول فالسراية كالجناية في ايجاب الضمان فيصير كأنه مات من جناية اثنين وما هلك بجناية اثنين لا يجب على أحدهما كمال القيمة وإذا قلنا بهذا قسم الضمان على الجانبين فما يخص الاول يسقط عن الثاني ويجب عليه الباقي ونبين ذلك في جنايتين مضمونتين ليعرف ما يجب على كل واحد منهما فما وجب على الاول منهما من قيمته أسقطناه عن الثاني فنقول إذا كان لرجل صيد قيمته عشرة فجرحه رجل جراحة نقص من(9/132)
قيمته درهم ثم جرحه آخر فنقص درهم ثم مات ففيه لاصحابنا ستة طرق (أحدها) وهو قول المزني أنه يجب على كل واحد منهما أرش جنايته ثم تجب قيمته بعد الجنايتين بينهما نصفان فيجب على الاول درهم وعلى الثاني درهم ثم تجب قيمته بعد الجنايتين وهى ثمانية بينهما نصفان على كل واحد منهما أربعة فيحصل على كل واحد منهما
خمسه لان كل واحد منهما انفرد بجنايته فوجب عليه أرشها ثم هلك الصيد بجنايتهما فوجب عليهما قيمته
(والثانى)
وهو قول أبى اسحق أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته يوم الجناية ونصف أرش جنايته فيجب على الاول خمسة دراهم ونصف وسقط عنه النصف لان أرش الجناية يدخل في النفس وقد ضمن نصف النفس والجناية كانت على النصف الذى ضمنه وعلى النصف الذي ضمنه الآخر فما حصل على النصف الذى ضمنه يدخل في الضمان فيسقط وما حصل على النصف الذى ضمنه الآخر يلزم فيحصل عليه خمسة دراهم ونصف والآخر جنى وقيمته تسعة فيلزمه نصف قيمته أربعة ونصف وأرش جنايته درهم فيدخل نصفه في النصف الذى ضمنه ويبقى النصف لاجل النصف الذى ضمنه الاول فيجب عليه خمسة دراهم ثم يرجع الاول على الثاني بنصف الارش الذى ضمنه وهو نصف درهم لان هذا الارش وجب بالجناية على النصف الذى ضمنه الاول وقد ضمن الاول كمال قيمة النصف فرجع بأرش الجناية عليه كرجل غصب من رجل ثوبا فخرقه رجل ثم هلك الثوب وجاء صاحبه وضمن الغاصب كمال قيمة الثوب فانه يرجع على الجاني بارش الخرق فيحصل على الاول خمسة دراهم وعلى الثاني خمسة دراهم فهذا يوافق قول المزني في الحكم وان خالفه في الطريق (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته حال الجناية ونصف أرش جنايته ويدخل النصف فيما ضمنه صاحبه كما قال أبو إسحق إلا أنه قال لا يعود من الثاني إلى الاول شئ ثم ينظر لما حصل على كل واحد منهما ويضم بعضه إلى بعض وتقسم عليه العشرة فيجب على الاول خمسة دراهم ونصف وعلى الثاني خمسة دراهم فذلك عشرة ونصف فتقسم العشرة على عشرة ونصف فما يخص خمسة ونصفا يجب على الاول وما يخص خمسا يجب على الثاني (والرابع)(9/133)
ما قال بعض أصحابنا أنه يجب علي الاول ارش جنايته ثم تجب قيمته بعد ذلك بينهما نصفين ولا يجب على الثاني أرش جنايته فيجب على الاول درهم ثم تجب التسعة بينهما نصفان على كل واحد منهما أربعة دراهم ونصف فيحصل على الاول خمسة دراهم ونصف وعلى الثاني أربعة دراهم ونصف لان الاول انفرد بالجناية فلزمه أرشها ثم اجتمع جناية الثاني وسراية الاول فحصل الموت منهما فكانت القمية بينهما
(والخامس) ما قال بعض أصحابنا أن الارش يدخل في قيمة الصيد فيجب على الاول نصف قيمته حال الجناية وهو خمسة وعلى الثاني نصف قيمته حال الجناية وهو أربعة ونصف ويسقط نصف درهم قال لانى لم أجد محلا أوجبه فيه (والسادس) وهو قول أبى على بن خيران وهو أن أرش جناية كل واحد منهما يدخل في القيمة فتضم قيمة الصيد عند جناية الاول إلى قيمة الصيد عند جناية الثاني فتكون تسعة عشر ثم تقسم العشرة على ذلك فما يخص عشرة فهو على الاول وما يخص تسعة فهو على الثاني وهذا أصح الطرق لان أصحاب الطرق الاربعة لا يدخلون الارش في بدل النفس وهذا لا يجوز لان الارش يدخل في بدل النفس وصاحب الطريق الخامس يوجب في صيد قيمته عشرة تسعة ونصفا ويسقط من قيمته نصف درهم وهذا لا يجوز
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ مَعَ الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ مُرْتَبِطَةٌ وَمَسَائِلُهَا مُتَدَاخِلَةٌ وَهِيَ مُتَشَعِّبَةٌ وَقَدْ لَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْقُلُ مَا ذَكَرَهُ وَأَضُمُّ إلَيْهِ مَا تَرَكَهُ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ الِاشْتِرَاكُ فِي الصَّيْدِ وَالِازْدِحَامِ عَلَيْهِ لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (الْحَالُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَتَعَاقَبَ جُرْحَانِ مِنْ اثْنَيْنِ فَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُذَفِّفًا وَلَا مُزْمِنًا بَلْ بَقِيَ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَكَانَ الثَّانِي مذففا أو مزمنا فالصيد للثاني ولا شئ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِجِرَاحَتِهِ وَإِنْ كَانَ جُرْحُ الْأَوَّلِ مُذَفِّفًا فَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ بِرَمْيِهِ وَإِنْ كَانَ جُرْحُ الْأَوَّلِ مُزْمِنًا مَلَكَ الصَّيْدَ بِهِ وَنُفَصِّلُ فِي الثَّانِي فَإِنْ ذَفَّفَ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ والمرئ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الثَّانِي لِلْأَوَّلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا وَمُزْمِنًا قَالَ الْإِمَامُ إنَّمَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ(9/134)
مُسْتَقِرَّةٌ وَإِنْ كَانَ مُتَأَلِّمًا بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُذْبَحْ لَهَلَكَ فَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ بالذبح شئ فان ذفف الثاني لا بقطع الحلقوم والمرئ أَوْ لَمْ يُذَفِّفْ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَهُوَ صَيْدٌ وكذا الحكم رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَزْمَنَهُ ثُمَّ رَمَى إلَيْهِ ثَانِيًا وَذَفَّفَ لَا بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي كَمَالُ قِيمَةِ الصَّيْدِ مَجْرُوحًا إنْ كَانَ ذَفَّفَ فَإِنْ كَانَ جُرْحٌ لَا يُذَفَّفُ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَفِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
كَلَامٌ لَهُ مُقَدِّمَةٌ نَذْكُرُهَا أَوَّلًا وَهِيَ: إذَا جَنَى رَجُلٌ عَلَى عَبْدِ إنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَتِهِ أَوْ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ جِرَاحَةً أَرْشُهَا دِينَارٌ ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً
أَرْشُهَا دِينَارٌ أَيْضًا فَمَاتَ بالجرحين ففميا يَلْزَمُ الْجَارِحَيْنِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ (أَحَدُهَا) يَجِبُ على الاول خسمة دَنَانِيرَ وَعَلَى الثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّ الْجُرْحَيْنِ سريا وصار قَتْلًا فَلَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَضَعَّفَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ فِيهِ ضَيَاعَ نِصْفِ دِينَارٍ عَلَى الْمَالِكِ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ المزني وأبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَفَّالُ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ دِينَارًا فَلَزِمَهُ ثُمَّ مَاتَ بِجُرْحَيْهِمَا فَلَزِمَهُمَا بَاقِي قِيمَتِهِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَصَارَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ نَقَصَتْ جِنَايَةُ الاول دينار أو جناية الثَّانِي دِينَارَيْنِ لَزِمَ الْأَوَّلَ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وَلَزِمَ الثَّانِي خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَلَوْ نَقَصَتْ جِنَايَةُ الْأَوَّلِ ديناران وَجِنَايَةُ الثَّانِي دِينَارًا انْعَكَسَ فَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَيَلْزَمُ الثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وَضَعَّفَ الْأَصْحَابُ هَذَا الْوَجْهَ أَيْضًا لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا مَعَ اخْتِلَافِ قِيمَتِهِ حَالَ أَخْذِهِمَا (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَفَّالِ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَالثَّانِي خَمْسَةٌ لِأَنَّ جِنَايَةَ كُلِّ وَاحِدٍ نَقَصَتْ دِينَارًا ثُمَّ سَرَيَا وَالْأَرْشُ يَسْقُطُ إذَا صَارَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا فَيَسْقُطُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْأَرْشِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ نِصْفُ الْقَتْلِ (وَاعْتَرَضُوا) عَلَى هَذَا بِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُتْلِفِ وَأَجَابَ الْقَفَّالُ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَنْجَرُّ إلَى إيجَابِ زِيَادَةٍ كَمَنْ قَطَعَ يَدَيْ عَبْدٍ ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ (وَأُجِيبُ) عَنْهُ بِأَنَّ قَاطِعَ الْيَدَيْنِ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي الْقَتْلِ بَلْ الْقَتْلُ يَقْطَعُ أَثَرَ الْقَطْعِ وَيَقَعُ مَوْقِعَ الِانْدِمَالِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَنِصْفُ الْأَرْشِ لَكِنْ لَا يَزِيدُ الْوَاجِبُ عَلَى الْقِيمَةِ فَيُجْمَعُ مَا لَزِمَهُمَا تَقْدِيرًا وَهُوَ(9/135)
عَشَرَةٌ وَنِصْفٌ وَتُقْسَمُ الْقِيمَةُ وَهِيَ عَشَرَةٌ عَلَى الْعَشَرَةِ وَالنِّصْفِ لِيُرَاعَى التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فَيُبَسَّطُ أَنْصَافًا فيكون إحدى وعشرين فيلزم الاول احدى عشر جُزْءًا مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ عَشَرَةٍ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ عَشَرَةٌ مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ عَشَرَةٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِإِفْرَادِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَنْ بَدَلِ النَّفْسِ (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَالثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ انْفَرَدَ بِالْجُرْحِ وَالسِّرَايَةِ لَزِمَهُ الْعَشَرَةُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا مَا لَزِمَ الثَّانِيَ وَالثَّانِي إنَّمَا جَنَى عَلَى نِصْفِ
مَا يُسَاوِي تِسْعَةً وَفِيهِ ضَعْفٌ أَيْضًا (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ وَأَطْبَقَ الْعِرَاقِيُّونَ عَلَى تَرْجِيحِهِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَيَكُونُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَيُقَسَّمُ عَلَيْهِ مَا فَوَّتَا وَهِيَ عَشَرَةٌ فَيَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جزء امن عَشَرَةٍ وَعَلَى الثَّانِي تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ عَشَرَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا كَانَتْ الْجُنَاةُ ثَلَاثَةً وَأَرْشُ كُلِّ جِنَايَةٍ دِينَارٌ وَالْقِيمَةُ عَشَرَةٌ فَعَلَى طَرِيقَةِ الْمُزَنِيِّ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ هِيَ ثُلُثُ سَهْمِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَانِ هُمَا ثُلُثَا الْأَرْشِ (1) وَيَلْزَمُ الثَّالِثَ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا دِينَارَانِ وَثُلُثٌ هِيَ ثُلُثُ الْقِيمَةِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَثُلُثَانِ هُمَا ثُلُثَا الْأَرْشِ فَالْجُمْلَةُ عَشَرَةٌ وَثُلُثَانِ وَعَلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ تُوَزَّعُ الْعَشَرَةُ عَلَى عَشَرَةٍ وَثُلُثَيْنِ وَعَلَى الْخَامِسِ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ أَرْبَعَةٌ وَثُلُثٌ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ ثَلَاثَةٌ وَالثَّالِثَ دِينَارَانِ وَثُلُثَانِ وَعَلَى السَّادِسِ تُجْمَعُ الْقِيَمُ فَتَكُونُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ فَتُقَسَّمُ الْعَشَرَةُ عَلَيْهَا (أَمَّا) إذَا جَرَحَ مَالِكُ الْعَبْدِ أَوْ الصَّيْدِ جِرَاحَةً وَأَجْنَبِيٌّ أُخْرَى فَيُنْظَرُ فِي جِنَايَةِ الْمَالِكِ أَهِيَ الْأُولَى أَمْ الثَّانِيَةُ وَيُخْرَجُ عَلَى الْأَوْجَهِ فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ وَتَجِبُ حِصَّةُ الْأَجْنَبِيِّ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْجِنَايَتَيْنِ عَلَى الْعَبْدِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْجِنَايَةِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنْ كَانَ فَلَيْسَ الْعَبْدُ فِيهَا كَالْبَهِيمَةِ وَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ حَتَّى لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ جِنَايَةً لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ فَنَقَصَتْ الْجِنَايَةُ عَشَرَةً ثُمَّ جَنَى آخَرُ جِنَايَةً لَا أَرْشَ لَهَا فَنَقَصَتْ عَشَرَةً أَيْضًا وَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْهُمَا فَعَلَى الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسُونَ يَدْفَعُ مِنْهَا خَمْسَةً إلَى الْأَوَّلِ
* قَالَ فَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ عَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ الْأُخْرَى لَزِمَ الْأَوَّلَ نِصْفُ أَرْشِ اليد
__________
(1) كذا في الاصل وترك ما لزم الثاني وظاهر أنه كالثالث(9/136)
وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَهُوَ خَمْسُونَ وَلَزِمَ الثَّانِيَ نِصْفُ أَرْشِ الْيَدِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَهُوَ أربعون فالجملة مائة وأربعون جميعها للسيدلان الْجِنَايَةَ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ وَاجِبُهَا عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَقَتَلَهُ آخَرُ هَذَا بَيَانُ الْمُقَدِّمَةِ وَنَعُودُ إلَى الصَّيْدِ فَنَقُولُ: إذَا جَرَحَ الثَّانِي جِرَاحَةً غَيْرَ مُذَفِّفَةٍ وَمَاتَ الصَّيْدُ بِالْجُرْحَيْنِ نُظِرَ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْأَوَّلُ مِنْ ذَبْحِهِ لَزِمَ الثَّانِيَ تَمَامُ قِيمَتِهِ مُزْمِنًا لِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَحَ
شَاةَ نَفْسِهِ وَجَرَحَهَا آخَرُ وَمَاتَتْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الثَّانِي إلَّا نِصْفُ الْقِيمَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجُرْحَيْنِ هُنَاكَ حَرَامٌ وَالْهَلَاكُ حَصَلَ بِهِمَا وَهُنَا فِعْلُ الْأَوَّلِ اكْتِسَابٌ وَذَكَاةٌ ثُمَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الصَّيْدُ يُسَاوِي عَشَرَةً غَيْرَ مُزْمِنٍ وَتِسْعَةً مُزْمِنًا لَزِمَ الثَّانِيَ تِسْعَةٌ وَاسْتَدْرَكَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فَقَالَ فِعْلُ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إفْسَادًا فَيُؤَثِّرُ فِي الذَّبْحِ وَحُصُولِ الزُّهُوقِ قَطْعًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فَيُقَالُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُزْمِنٍ يُسَاوِي عَشَرَةً وَمُزْمِنًا تِسْعَةً وَمَذْبُوحًا ثَمَانِيَةً تَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ أَثَّرَ فِي فَوَاتِهِ الْفِعْلَانِ فَوُزِّعَ عَلَيْهِمَا قَالَ الْإِمَامُ وَلِلنَّظَرِ فِي هَذَا مَجَالٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُفْسِدُ يَقْطَعُ أَثَرَ فِعْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ فَذَبَحَهُ لَزِمَ الثَّانِيَ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ إنْ نَقَصَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ وَتَرَكَهُ حَتَّى مات فوجهان
(أحدهما)
لا شئ عَلَى الثَّانِي سِوَى أَرْشُ النَّقْصِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الذَّبْحِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَضْمَنُ زِيَادَةً عَلَى الْأَرْشِ وَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ الذَّبْحَ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ كَمَا لَوْ جَرَحَ رَجُلٌ شَاتَه فَلَمْ يَذْبَحْهَا مَعَ التَّمَكُّنِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَضْمَنُ (وَجْهَانِ) قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ يَضْمَنُ كَمَالَ قِيمَتِهِ مُزْمِنًا كَمَا لَوْ ذَهَبَ بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَحَ عَبْدَهُ أَوْ شَاتَه وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلِ هُنَاكَ إفْسَادٌ وَالتَّحْرِيمُ حَصَلَ بِهِمَا وَهُنَا الْأَوَّلُ إصْلَاحٌ (والاصلاح) قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ بَلْ هُوَ كَمَنْ جَرَحَ عَبْدَهُ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِهِمَا وَكِلَاهُمَا إفْسَادٌ أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَرْكَ الذَّبْحِ مَعَ التَّمَكُّنِ يَجْعَلُ الْجُرْحَ وَسِرَايَتَهُ إفْسَادًا وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْجُرْحُ الثَّانِي فَتَرَكَ الذَّبْحَ كان الصيد ميتة فعلى هذا تجئ الْأَوْجُهُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّوْزِيعِ عَلَى الْجُرْحَيْنِ فَمَا هُوَ فِي حِصَّةِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ وَتَجِبُ حِصَّةُ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقَعَ(9/137)
الجرحان معا فينظران تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الْمِلْكِ فَالصَّيْدُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُذَفِّفًا أَوْ مُزْمِنًا أَوْ انْفَرَدَا وَأَحَدُهُمَا مُذَفِّفًا وَالْآخَرُ مُزْمِنًا وَسَوَاءٌ تَفَاوَتَ الْجُرْحَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا أَوْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَا فِي الْمَذْبَحِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُزْمِنًا أَوْ مُذَفِّفًا لَوْ انْفَرَدَ وَالْآخَرُ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فَالصَّيْدُ لِمَنْ ذَفَّفَ أَوْ أَزْمَنَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرَحْ مِلْكَ الْغَيْرِ وَلَوْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْإِزْمَانُ بِهِمَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا دُونَ ذَاكَ وَذَاكَ دُونَ هَذَا فَالصَّيْدُ بَيْنَهُمَا فِي ظاهر الحكم ويستحب أن يستحيل كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا الْآخَرَ تَوَرُّعًا وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُذَفِّفٌ وَشَكَكْنَا هَلْ الْآخَرُ أَثَّرَ فِي الْإِزْمَانِ وَالتَّذْفِيفِ أَمْ لَا قَالَ الْقَفَّالُ هُوَ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ لَهُ لَوْ جَرَحَ رَجُلٌ جِرَاحَةً مُذَفِّفَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً لَا يَدْرِي أَمُذَفِّفَةٌ هِيَ أَمْ لَا فَمَاتَ فَقَالَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا قَالَ الْإِمَامُ هَذَا بَعِيدٌ وَالْوَجْهُ تَخْصِيصُ الْقِصَاصِ بِصَاحِبِ الْمُذَفِّفَةِ وَفِي الصَّيْدِ يُسَلَّمُ نِصْفُهُ لِمَنْ جُرْحُهُ مُذَفِّفًا وَيُوقَفُ نِصْفُهُ بَيْنَهُمَا إلَى الْمُصَالَحَةِ أَوْ تَبَيُّنِ الْحَالِ فَإِنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ بَيَانٌ جُعِلَ النِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (الْحَالُ الثَّالِثُ) إذَا تَرَتَّبَ الْجُرْحَانِ وَأَحَدُهُمَا مُزْمِنٌ لَوْ انْفَرَدَ وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ وَارِدٌ عَلَى الْمَذْبَحِ وَلَمْ يُعْرَفْ السَّابِقُ فَالصَّيْدُ حلال وان اختلفنا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ جَرَحَهُ أَوَّلًا وَأَزْمَنَهُ أَوْ أَنَّهُ لَهُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَحْلِيفُ الْآخَرِ فان حلفا فالصيد بينهما ولا شئ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالصَّيْدُ لَهُ وَعَلَى الْآخَرِ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ وَلَوْ تَرَتَّبَا وَأَحَدُهُمَا مُزْمِنٌ وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَلَمْ يُعْرَفْ السَّابِقُ فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْإِزْمَانِ فَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ إلَّا بقطع الحلقوم والمرئ وَقِيلَ قَوْلَانِ كَمَسْأَلَةِ الْإِيمَاءِ السَّابِقَةِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ اجْتِمَاعُ الْمُبِيحِ وَالْمُحَرِّمِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ سَبَقَ هُنَاكَ جُرْحٌ يُحَالُ عَلَيْهِ فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ أَزْمَنَهُ أَوَّلًا وَأَنَّ الْآخَرَ أَفْسَدَهُ فَالصَّيْدُ حَرَامٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَحْلِيفُ الْآخَرِ فان حلفا فلا شئ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الثَّانِيَ كُلُّ قِيمَتِهِ مُزْمِنًا وَلَوْ قَالَ الْجَارِحُ أَوَّلًا أَزْمَنْته أَنَا ثُمَّ أَفْسَدْته أَنْتَ بِقَتْلِك فَعَلَيْكَ الْقِيمَةُ وَقَالَ الثَّانِي لَمْ تُزْمِنْهُ أَنْتَ بل كان على امْتِنَاعُهُ إلَى أَنْ رَمَيْتَهُ فَأَزْمَنْته أَوْ ذَفَفْته فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى غَيْرِ جِرَاحَةِ الْأَوَّلِ وَعَلِمْنَا أنه لا يبقي امتناع معها ككسر (1)
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(9/138)
وَكَسْرِ رِجْلِ الْمُمْتَنِعِ بِالْعَدْوِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الِامْتِنَاعِ فَإِنْ حَلَفَ فَالصَّيْدُ لَهُ ولا شئ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْأَوَّلُ وَاسْتَحَقَّ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا الْجِرَاحَةَ الْأُولَى وَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ لانه ميتة برغمه وَهَلْ لِلثَّانِي أَكْلُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا لِأَنَّ إلْزَامَهُ الْقِيمَةَ حُكْمٌ بِكَوْنِهِ مَيْتَةً وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّ النُّكُولَ فِي خُصُومَةِ الْآدَمِيِّ لَا تُغَيِّرُ الْحُكْمَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى
* وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ الْجِرَاحَةَ الْمُذَفِّفَةَ سَابِقَةٌ عَلَى الَّتِي لَوْ انْفَرَدَتْ لَكَانَتْ مُزْمِنَةً فَالصَّيْدُ حَلَالٌ
فَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَا ذَفَفْته فَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَحْلِيفُ الْآخَرِ فَإِنْ حَلَفَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا كَانَ لَهُ وَعَلَى الْآخَرِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَوَجَدْنَاهُ مَيِّتًا وَلَمْ يُدْرَ أَجْعَلهُ الْأَوَّلُ مُمْتَنِعًا أَمْ لاجعلناه بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ حَلَّ أَكْلُهُ وَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ هَذَا الصَّيْدُ لِاجْتِمَاعِ مَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْأَصْلُ التَّحْرِيمُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْحِلِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا بَلْ يَكُونُ لِمَنْ أَثْبَتَهُ مِنْهُمَا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَيْنِ الِاعْتِرَاضَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) تَرْكُ ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَتَسْلِيمُ مَا قَالَهُ الْمُعْتَرِضِ وَتَأْوِيلُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَأَرَادَ بِهِ إذَا عَقَرَهُ أَحَدُهُمَا فَأَثْبَتَهُ ثُمَّ أَصَابَ الثَّانِي مَحِلَّ الذَّكَاةِ فَقَطَعَ الحلقوم والمرئ أَوْ أَثْبَتَاهُ وَلَمْ يَصِرْ فِي حُكْمِ الْمُمْتَنِعِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ أَحَدُهُمَا فَذَكَّاهُ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ بَيْنَهُمَا فَأَرَادَ إذَا كَانَتْ يَدُهُمَا عَلَيْهِ وَلَا يُعْلَمُ مُسْتَحِقُّهُ مِنْهُمَا فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا (فأما) إذ وَجَدَاهُ مَيِّتًا مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْقَاتِلُ كَانَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا.
وَلَا يُمْتَنَعُ التَّصْوِيرُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَقَدْ يجعل الشئ لِاثْنَيْنِ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُهُ فِي الْبَاطِنِ لِأَحَدِهِمَا كَمَنْ مَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ (وَالْوَجْهُ) الثَّانِي تَرْكُ ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَتَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ صَيْدٌ مُمْتَنِعٌ بِرِجْلِهِ وَجَنَاحِهِ كَالْحَجَلِ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا رِجْلَهُ فَكَسَرَهَا وَأَصَابَ الآخر جناحه(9/139)
فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ حَصَلَ بِفِعْلِهَا (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ كَانَ مُمْتَنِعًا بَعْدَ إصَابَةِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا زَالَ امْتِنَاعُهُ بِإِصَابَةِ الثَّانِي فَكَانَ لَهُ
* فَإِنْ قُلْنَا بَيْنَهُمَا فَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيهِ (وَإِنْ قُلْنَا) هُوَ لِلثَّانِي لَمْ يُعْلَمْ الثَّانِي مِنْهُمَا وَيَدُهُمَا عَلَيْهِ فَكَانَ بينهما
* (والوجه الثالث) وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنْ أَزْمَنَاهُ وَمَاتَ الصَّيْدُ وَلَمْ يُدْرَ هَلْ أَثْبَتَهُ الْأَوَّلُ أَمْ لَا فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ إلَى أَنْ عَقَرَهُ الثَّانِي فَيَكُونُ عَقْرُهُ ذَكَاةً وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ الْإِثْبَاتِ مِنْ كِلَيْهِمَا وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ قُلْتُمْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ إلَى أَنْ رَمَاهُ الثَّانِي فَكَيْفَ
لَمْ تَزُلْ يَدُ الْأَوَّلِ (قُلْنَا) هَذَا لَا يُزَالُ بِهِ حُكْمُ الْيَدِ ولهذا لو كان في يده شئ يَدَّعِيهِ حُكِمَ لَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الْمِلْكِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَدَ أَقْوَى مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي حِلِّ هَذَا الصَّيْدِ قَوْلَانِ كَمَسْأَلَةِ الْإِيمَاءِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (الْحَالُ الرَّابِعُ) إذَا تربت الْجُرْحَانِ وَحَصَلَ الْإِزْمَانُ بِهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يُزْمِنْ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الصَّيْدَ لِلثَّانِي
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ بَيْنَهُمَا وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لِلثَّانِي أَوْ كَانَ الْجُرْحُ الثَّانِي مُزْمِنًا لَوْ انْفَرَدَ فلا شئ عَلَى الْأَوَّلِ بِسَبَبِ جُرْحِهِ فَلَوْ عَادَ الْأَوَّلُ بَعْدَ إزْمَانِ الثَّانِي وَجَرَحَهُ جِرَاحَةً أُخْرَى نُظِرَ إنْ أَصَابَ الْمَذْبَحَ فَهُوَ حَلَالٌ وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالذَّبْحِ وَإِلَّا فَالصَّيْدُ حَرَامٌ وَعَلَيْهِ إنْ ذَفَّفَ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتِهِ الْأُولَى وَجِرَاحَةِ الثَّانِي وَكَذَا إنْ لَمْ يُذَفِّفْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الثَّانِي مِنْ ذَبْحِهِ فَإِنْ تَمَكَّنَ وَتَرَكَ الذَّبْحَ عَادَ الْخِلَافُ السَّابِقُ فَعَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَرْشُ الْجِرَاحَةِ الثَّانِيَةِ لِتَقْصِيرِ الْمَالِكِ وَعَلَى أَصَحِّهِمَا لَا يُقْصَدُ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَخَرَّجَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ جَرَحَ عَبْدًا مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ عَادَ الْأَوَّلُ وَجَرَحَهُ ثَانِيًا وَمَاتَ مِنْهُمَا وَفِيمَا يَلْزَمُهُ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
ثُلُثُ الْقِيمَةِ
(وَالثَّانِي)
رُبْعُهَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فَعَلَى هَذَا هُنَا رُبْعُ الْقِيمَةِ وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَعُودُ فِي التوزيع الاوجه الستة السابقة واختار العزالى وُجُوبَ تَمَامِ الْقِيمَةِ وَالْمَذْهَبُ التَّوْزِيعُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*(9/140)
(فَرْعٌ)
الِاعْتِبَارُ فِي التَّرْتِيبِ وَالْمُفْسِدِ بِالْإِصَابَةِ لَا ببدأ الرَّمْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَقَامَ رَجُلَانِ كل واحد منهما بينة أنه اصطاد هذ الصَّيْدَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) سُقُوطُهَا وَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ صَيْدٌ فَقَالَ آخَرُ أَنَا اصْطَدْتُهُ فَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ كَجٍّ لَا نَقْنَعُ مِنْهُ بِهَذَا الْجَوَابِ بَلْ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِيُسَلِّمَهُ إلَى مُدَّعِيهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَوْ أَرْسَلَ جَمَاعَةٌ كِلَابَهُمْ عَلَى صَيْدٍ فَأَدْرَكَهُ الْمُرْسِلُونَ قَتِيلًا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ كَلْبَهُ الْقَاتِلُ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ مَاتَ الصَّيْدُ بَيْنَهُمْ فَهُوَ حَلَالٌ فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَكَانَتْ الْكِلَابُ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَهُوَ بَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِ الْكِلَابِ فَهُوَ لِصَاحِبِ هَذَا الْكَلْبِ وَإِنْ كَانَ قَتِيلًا وَالْكِلَابُ
نَاحِبَةٌ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَأُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ بِالْقُرْعَةِ وقال غير أبى ثور لا تجئ الْقُرْعَةُ بَلْ يُوقَفُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنْ خِيفَ فَسَادُهُ بِيعَ وَوَقَفَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يصطلحوا هذا كلام ابن المنذر
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ومن ملك صيدا ثم خلاه ففيه وجهان
(أحدهما)
يزول ملكه كما لو ملك عبدا ثم أعتقه
(والثانى)
لا يزول ملكه كما لو ملك بهيمة ثم سيبها وبالله التوفيق)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَلَكَ صَيْدًا ثُمَّ أَفْلَتَ مِنْهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَمَنْ أَخَذَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَ يَدُورُ فِي الْبَلَدِ وَحَوْلُهُ أَوْ الْتَحَقَ بالوحوش ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَالِكُهُ وَخَلَّاهُ لِيَرْجِعَ صَيْدًا كَمَا كَانَ فَهَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَزُولُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا لو أرسل بهيمة إلا (1) وَنَوَى إزَالَةَ مِلْكِهِ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِلَا خِلَافٍ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ سَوَائِبَ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ وَحَكَاهُ الْأَصْحَابُ عَنْهُ أنه ان قَصَدَ بِإِرْسَالِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى زَالَ ملكه والا فلا
* هامش)
* (1) كذا بالاصل فحرر(9/141)
وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مُطْلَقًا
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَزُولُ عَادَ مُبَاحًا فَمَنْ صَادَهُ مَلَكَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَزُولُ لَمْ يغيره أَنْ يَصِيدَهُ إذَا عَرَفَهُ فَإِنْ قَالَ عِنْدَ إرْسَالِهِ أَبَحْتُهُ لِمَنْ أَخَذَهُ حَصَلَتْ الْإِبَاحَةُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ أَكَلَهُ لَكِنْ لَا يَنْفُذُ تصرف الآخذ فيه ببيع ونحوه وَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ فَأَرْسَلَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَلْ يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا كَالْعَبْدِ الْمُعْتَقِ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ رَجَعَ لِلْإِبَاحَةِ وَلِئَلَّا يَصِيرَ فِي مَعْنَى سَوَائِبِ الْجَاهِلِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَلْقَى كِسْرَةَ خُبْزٍ مُعْرِضًا عَنْهَا فَهَلْ يَمْلِكُهَا مَنْ أَخَذَهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَهُمَا مُرَتَّبَانِ عَلَى إرْسَالِ الصَّيْدِ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا تُمْلَكَ بَلْ تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُلْقِي لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ فِي الصَّيْدِ الْيَدُ وَقَدْ أَزَالَهَا وَرَدَّهُ إلَى الْإِبَاحَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْخِلَافُ فِي زَوَالِ
الْمِلْكِ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَحَاصِلُهَا لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ الظَّاهِرَةَ كَافِيَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ هَذَا لَفْظُ الْإِمَامِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُوَضِّحُهُ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّالِحِيِّ مِنْ الْتِقَاطِ السَّنَابِلِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ (قُلْتُ) الْأَصَحُّ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا تَرَكَهُ الْوَارِثُ إعْرَاضًا كَالْكِسْرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الطَّعَامِ وَالسَّنَابِلِ وَأَمَّا الَّذِي يُصِيبُهُ فِي شئ ونحو ذلك ويصح تمرق الْأَخْذِ فِيهِ بِالتَّتَبُّعِ وَغَيْرِهِ هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ السلف ولم ينقل أنهم منعوا لتصرف في شئ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ أُخْرَيَاتِ الْأَطْعِمَةِ أَنَّ الثِّمَارَ السَّاقِطَةَ مِنْ الْأَشْجَارِ إنْ كَانَتْ دَاخِلَ الْجِدَارِ لَمْ تَحِلَّ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَجْرِ عَادَاتُهُمْ بِإِبَاحَتِهَا فَإِنْ جَرَتْ بِذَلِكَ فَهَلْ تَجْرِي الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ مَجْرَى الْإِبَاحَةِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَجْرِي وَسَبَقَ هُنَاكَ حُكْمُ الْأَكْلِ مِنْ مَالِ صَدِيقِهِ وَمِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ وَثِمَارِهِ وَزَرْعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَدَبَغَهُ مَلَكَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ اخْتِصَاصٌ فَضَعُفَ بِالْإِعْرَاضِ وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْ خَمْرٍ فَأَخَذَهَا غَيْرُهُ فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْغَصْبِ حَيْثُ ذَكَرَهُ(9/142)
الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
لَوْ صاد صيدا عليه أثر مالك بِأَنْ كَانَ مَرْسُومًا.
أَوْ مُقَرَّظًا أَوْ مَخْضُوبًا أَوْ مَقْصُوصَ الْجَنَاحِ لَمْ يَمْلِكْهُ الصَّائِدُ بَلْ هُوَ لُقَطَةٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا فَأَفْلَتَ وَلَا يُنْظَرُ إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ صَادَهُ مُحْرِمٌ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَرْسَلَهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ بَعِيدٌ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ صَادَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا دُرَّةً مَثْقُوبَةً لَمْ تُمْلَكْ الدُّرَّةُ بَلْ تَكُونُ لُقَطَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فَهِيَ لَهُ مَعَ السَّمَكَةِ وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ إنْ ادَّعَاهَا كَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْبَغَوِيّ قَالَ الرَّافِعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ الدُّرَّةُ لِلصَّائِدِ كَالْكَنْزِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَرْضِ يَكُونُ لِمُحْيِيهَا
*
(فَصْلٌ)
إذَا تَحَوَّلَ بَعْضُ حَمَامٍ إلَى بُرْجِ غَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ الْمُتَحَوِّلُ مِلْكًا لِلْأَوَّلِ
لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ رَدُّهُ فَإِنْ حَصَلَ بَيْنَهُمَا بِيضٌ أَوْ فَرْخٌ فَهُوَ تَبَعٌ لِلْأُنْثَى دُونَ الذَّكَرِ وَإِنْ ادَّعَى تَحَوُّلَ حَمَامِهِ إلَى بُرْجِ غَيْرِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْوَرَعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ كَذِبَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُتَحَوِّلُ مُبَاحًا دَخَلَ بُرْجَ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلى الثاني فعلى الخلاف السابق في دخو الصَّيْدِ مِلْكَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يملكه
(والثانى)
أن يملكه ومن دخل برج حَمَامٌ وَشَكَّ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَمْلُوكٌ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ بِمِلْكِهِ مِلْكُ غَيْرِهِ وَعَسِرَ التَّمْيِيزُ فَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ وَاحِدَةٌ بِحَمَامَاتِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِالِاجْتِهَادِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً حَتَّى تَبْقَى وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ ثَمَرَةُ الْغَيْرِ بِثَمَرِهِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدَةً مِنْهَا حَتَّى يُصَالِحَ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَوْ يُقَاسِمَهُ قَالَ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَنْبَغِي لِلْوَرِعِ أَنْ يَتَجَنَّبَ طَيْرَ الْبُرُوجِ وَأَنْ يَجْتَنِبَ بِنَاءَهَا وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لواحد منهما التصرف في شئ مِنْهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لِثَالِثٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْمِلْكُ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا أَوْ وَهَبَ للآخر صَحَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَتُحْتَمَلُ الْجَهَالَةُ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ بَاعَ الْحَمَامَ الْمُخْتَلِطَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِثَالِثٍ وَلَا يَعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَيْنَ مَالِهِ فان(9/143)
كانت الاعداد معلومة كمأتين وَمِائَةٍ وَالْقِيمَةُ مُتَسَاوِيَةٌ وَوَزَّعَا الثَّمَنَ عَلَى أَعْدَادِهَا صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ جَهِلَا الْعَدَدَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ بِعْتُكَ الْحَمَامَ الَّذِي فِي هَذَا الْبُرْجِ بِكَذَا فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَعْلُومًا وَيُحْتَمَلُ الْجَهْلُ فِي الْمَبِيعِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ لو تصالحا على شئ صَحَّ الْبَيْعُ وَاحْتُمِلَ الْجَهْلُ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ
* وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ مُقَاسَمَتِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ الْمُسَامَحَةُ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ كَالْكَافِرِ إذَا أسلم على أكثر من أربعة نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اصْطِلَاحُهُنَّ عَلَى الْقِسْمَةِ بِالتَّسَاوِي وَبِالتَّفَاوُتِ مَعَ الْجَهْلِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَجُوزُ أَنْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ أَيْضًا بِحَسَبِ تَرَاضِيهِمَا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ بعت مالى مِنْ حَمَامِ هَذَا الْبُرْجِ بِكَذَا وَالْأَعْدَادُ مَجْهُولَةٌ يَصِحُّ أَيْضًا مَعَ الْجَهْلِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَنْفَصِلَ الْأَمْرُ بِحَسَبِ مَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ حَمَامِ الْبُرْجِ بِإِذْنِ الْآخَرِ فَيَكُونُ أَصْلًا فِي الْبَعْضِ وَوَكِيلًا فِي الْبَعْضِ جَازَ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ مَمْلُوكَةٌ أَوْ حَمَامَاتٌ بِحَمَامَاتٍ مُبَاحَةٍ مَحْصُورَةٍ لَمْ يَجُزْ الِاصْطِيَادُ مِنْهَا وَلَوْ اخْتَلَطَتْ بِحَمَامِ
نَاحِيَةٍ جَازَ الِاصْطِيَادُ فِي النَّاحِيَةِ وَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ مَا لَا يُحْصَرُ فِي الْعَادَةِ بِاخْتِلَاطِ مَا يَنْحَصِرُ بِهِ ولو اختلطت حَمَامُ أَبْرَاجٍ مَمْلُوكَةٍ لَا تَكَادُ تُحْصَرُ بِحَمَامِ بَلْدَةٍ أُخْرَى مُبَاحَةٍ فَفِي جَوَازِ الِاصْطِيَادِ مِنْهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَإِلَيْهِ مَال مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ وَمِنْ أَهَمِّ مَا يَجِبُ مَعْرِفَةُ ضَبْطِهِ الْعَدَدُ الْمَحْصُورُ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ وَقَلَّ مَنْ يُنَبِّهُ عَلَيْهِ
* قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ فِي كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ تَحْدِيدُ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّمَا يُضْبَطُ بِالتَّقْرِيبِ قَالَ فَكُلُّ عَدَدٍ لَوْ اجْتَمَعَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يَعْسَرُ عَلَى النَّاظِرِ عَدُّهُمْ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ كَالْأَلْفِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ وَمَا سَهُلَ كَالْعَشَرَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهُوَ مَحْصُورٌ وَبَيْنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْسَاطٌ مُتَشَابِهَةٌ تَلْحَقُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِالظَّنِّ وَمَا وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ اُسْتُفْتِيَ فِيهِ الْقَلْبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا انْصَبَّتْ حِنْطَتُهُ عَلَى حِنْطَةِ غَيْرِهِ أَوْ انْصَبَّ مَائِعُهُ فِي مَائِعِهِ وَجَهِلَا قَدْرَهُمَا فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي الْحَمَامِ الْمُخْتَلِطِ
*(9/144)
(فَرْعٌ)
وَلَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ حَرَامٌ أَوْ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَوْ دُهْنٌ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا طَرِيقُهُ أَنْ يَفْصِلَ قَدْرَ الْحَرَامِ فَيَصْرِفَهُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَجِبُ صَرْفُهُ فِيهَا وَيَبْقَى الْبَاقِي لَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا أَرَادَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا إذَا اخْتَلَطَتْ دَرَاهِمُ أَوْ حِنْطَةٌ وَنَحْوُهَا لِجَمَاعَةٍ أَوْ غُصِبَ مِنْهُمْ وَخُلِطَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُقَسَّمَ الْجَمِيعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ (وَأَمَّا) مَا يَقُولُهُ الْعَوَامُّ اخْتِلَاطُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ يُحَرِّمُهُ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْمَسْأَلَةِ بِأَدِلَّتِهَا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم.
* (كتاب البيوع)
* قال المصنف رحمه الله
* (البيع جائز والاصل فيه قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنو لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)
* (الشَّرْحُ) قَوْله تَعَالَى (إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ لَكُمْ أَكْلُهَا بِتِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ خَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَكْلَ بِالنَّهْيِ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ
مِنْ الْمَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) وقوله تعالى (الذين يأكلون الربا) وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ بِالْبَاطِلِ حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ أَكْلًا أَوْ بَيْعًا أَوْ هِبَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى (بِالْبَاطِلِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ (إلَّا بِحَقِّهَا) قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي الْبَاطِلُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ كَالرِّبَا وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَكُلِّ مُحَرَّمٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ وقَوْله تَعَالَى (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً) فيها قراء تان الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فَمَنْ رَفْعَ جَعَلَ كَانَ تَامَّةً إلَّا أَنْ تَقَعَ تِجَارَةٌ وَمَنْ نَصَبَ قَالَ تَقْدِيرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْكُولُ تِجَارَةً أَوْ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ أَمْوَالَ تِجَارَةٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَالْأَجْوَدُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ وَأَمَّا صَاحِبُ الْحَاوِي فَبَسَطَ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فِي الْحَاوِي فَقَالَ قَوْله تَعَالَى (أَمْوَالَكُمْ) فِيهِ تَأْوِيلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمُرَادُ مَالُ كُلِّ(9/145)
إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ أَيْ لَا يَصْرِفُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ لَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مَالَ بعض كما قال تعالى (لا تقتلوا أنفسكم) (وَقَوْلُهُ) بِالْبَاطِلِ قِيلَ مَعْنَاهُ الصَّرْفُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَقِيلَ النَّهْبُ وَالْغَارَاتُ (وَالثَّالِثُ) التِّجَارَاتُ الْفَاسِدَةُ وَنَحْوُهَا وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَهْلِ الْمَعَانِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ تَفْسِيرَهَا مُسْتَوْفًى مَعَ اخْتِصَارٍ وَشَرَحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَعْنَى الْآيَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا عَامَّةٌ فَإِنَّ لَفْظَهَا لَفْظُ عُمُومٍ يَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ وَيَقْتَضِي إبَاحَةَ جَمِيعِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا قَالَ فِي الْأُمِّ هَذَا أَظْهَرُ مَعَانِي الْآيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّلِيلُ لِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بُيُوعٍ كَانُوا يَعْتَادُونَهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجَائِزَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تَنَاوَلَتْ إبَاحَةَ جَمِيعِ الْبُيُوعِ إلَّا مَا خُصَّ مِنْهَا وَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَخْصُوصَ قَالَ فَعَلَى هَذَا فِي الْعُمُومِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
إنَّهُ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَإِنْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ
(وَالثَّانِي)
إنَّهُ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْعُمُومَ الْمُطْلَقَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ وَإِنْ دَخَلَهُ تَخْصِيصٌ كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُ بِالتَّخْصِيصِ أَقَلَّ مِمَّا بَقِيَ عَلَى الْعُمُومِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْبَيَانَ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مُقَدَّمٌ عَلَى اللَّفْظِ وَفِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ اللَّفْظِ أَوْ مُقْتَرِنٌ بِهِ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا
يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ تَخْصِيصٍ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ الْعُمُومِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ إنَّهَا مُجْمَلَةٌ لَا يُعْقَلُ مِنْهَا صِحَّةُ بَيْعٍ مِنْ فَسَادِهِ إلَّا بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلِيلُهُ أَنَّ فِي الْبِيَاعَاتَ الْجَائِزَ وَغَيْرَهُ وَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ مَا يُمَيِّزُ هَذَا مِنْ ذَاكَ فَاقْتَضَتْ كَوْنَهَا مُجْمَلَةً فَعَلَى هَذَا هَلْ هِيَ مُجْمَلَةٌ بِنَفْسِهَا أَمْ بِعَارِضٍ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بِنَفْسِهَا لِأَنَّ قوله تعالى (وأحل الله البيع) يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ مُتَفَاضِلًا وقَوْله تَعَالَى (وَحَرَّمَ الربا) يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ مُتَفَاضِلًا فَصَارَ آخِرُهَا مُعَارِضًا لِأَوَّلِهَا فَحَصَلَ الْإِجْمَالُ فِيهَا بِنَفْسِهَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهَا جَوَازُ كُلِّ بَيْعٍ مِنْ غَرَرٍ وَمَعْدُومٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بالنهي عن بيع الغرر وبيغ الْمُلَامَسَةِ وَغَيْرِهِمَا فَوَقَعَ الْإِجْمَالُ فِيهَا بِغَيْرِهَا قَالَ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْإِجْمَالِ عَلَى وَجْهَيْنِ
(أحدهما)(9/146)
أَنَّ الْإِجْمَالَ وَقَعَ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِهِ دُونَ صِيغَةِ لَفْظِهَا لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ اسْمٌ لغوى لم يَرِدْ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ وَمَعْنَاهُ مَعْقُولٌ لَكِنْ لَمَّا قَامَ بِإِزَائِهِ مِنْ الشَّبَهِ مَا يُعَارِضُهُ بدافع الْعُمُومَانِ وَحْدَهُمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْمُرَادُ مِنْهُمَا إلَّا بِبَيَانِ الشَّبَهِ فَصَارَا مُجْمَلَيْنِ لِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُشْكِلُ الْمَعْنَى
*
(وَالثَّانِي)
أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمَلٌ وَالْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنْهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ مَا وَقَعَ عليه الاسم وتبينا أَنَّ لَهُ شَرَائِطَ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً فِي اللغة خرج اللفظ بالشرائط عن موضوعه فاللغة إلَى مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ شَرَائِطُ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ مَعْقُولَةٌ كَمَا قُلْنَا فِي الصَّلَاةِ إنَّهَا مُجْمَلَةٌ لِأَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ شَرَائِطَ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً فِي اللُّغَةِ كَالْخُضُوعِ فكذلك البيع قال الماوردى وعلى الوجهين جميعا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا فَسَادِهِ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْمُجْمَلِ حَيْثُ جَازَ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِ الْمُجْمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا فَيَكُونُ عُمُومًا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ وَمُجْمَلًا لَحِقَهُ التَّفْسِيرُ لِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَجْهِ دُخُولِ ذَلِكَ فِيهِمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْعُمُومَ فِي اللَّفْظِ وَالْإِجْمَالَ فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا مَخْصُوصًا وَالْمَعْنَى مُجْمَلًا لَحِقَهُ التَّفْسِيرُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْعُمُومَ فِي قَوْله تعالى (وأحل الله البيع) والاجمال في قوله (وحرم الربا) (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ كَانَ مُجْمَلًا فَلَمَّا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَ عَامًّا فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْمُجْمَلِ قَبْلَ
الْبَيَانِ وَفِي الْعُمُومِ بَعْدَ الْبَيَانِ قَالَ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِهَا فِي الْبُيُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالْقَوْلِ الثَّانِي (وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ) إنَّهَا تَنَاوَلَتْ بَيْعًا مَعْهُودًا وَنَزَلَتْ بَعْدَ أَنْ أَحَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُيُوعًا وَحَرَّمَ بُيُوعًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أَيْ الْبَيْعَ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلُ وَعَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ فَتَنَاوَلَتْ الْآيَةُ بَيْعًا مَعْهُودًا وَلِهَذَا دَخَلَتْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِأَنَّهُمَا لِلْعَهْدِ أَوْ للجنس ولا يكون الجنس هنا مراد الخروج بَعْضِهِ عَنْ التَّحْلِيلِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَهْدُ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِهَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا فَسَادِهِ بَلْ يُرْجَعُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَا تَقَدَّمَهَا مِنْ السُّنَّةِ الَّتِي عُرِفَ بِهَا الْبُيُوعُ الصَّحِيحَةُ فَيَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُجْمَلِ مِنْ وَجْهٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعُمُومِ مِنْ(9/147)
وَجْهَيْنِ (فَأَمَّا) الْوَجْهُ الْوَاحِدُ فَهُوَ أَنَّ بَيَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبُيُوعِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِهَا وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ يَكُونُ مُقْتَرِنًا لِلَّفْظِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ
* وَأَمَّا الْوَجْهَانِ (فَأَحَدُهُمَا) مَا سَبَقَ مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيَانِ فِي الْمَعْهُودِ وَإِقْرَارِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ بِالْعُمُومِ
(وَالثَّانِي)
جَوَازُ الِاسْتِدْلَالِ بِظَاهِرِ الْعُمُومِ دون الظاهر الْمَعْهُودِ
* هَذَا آخَرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا نَحْوَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَصَحَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ إلَّا مَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ جَوَازُ الْبَيْعِ فَهُوَ مِمَّا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا صَحِيحًا يَصِيرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي أَوَّلِ بُيُوعِ الْوَسِيطِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ سَبَبٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ الْفَسْخُ إلَّا بِأَحَدِ سَبْعَةِ أَسْبَابٍ وَهِيَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ وخيار الحلف بِأَنْ كَانَ شَرَطَهُ كَاتِبًا فَخَرَجَ غَيْرَ كَاتِبٍ والاقالة والتحالف وَتَلَفُ الْمَبِيعِ وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَفِي بَيْعِ الْغَائِبِ إذَا جَوَّزْنَاهُ فَهُوَ مُلْتَحِقٌ فِي الْمَعْنَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ ابن قتيبة وغيره يقال بعت الشئ بمعنى بعته وبمعنى شريته ويقال شريت الشئ بِمَعْنَى شَرَيْته وَبِعْتُهُ وَأَكْثَرُ الِاسْتِعْمَالِ بِعْتَهُ إذَا أَزَلْتَ الْمِلْكَ فِيهِ بِالْمُعَاوَضَةِ وَاشْتَرَيْتَهُ إذَا تَمَلَّكْته بِهَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْعَرَبُ تَقُولُ بِعْتُ بِمَعْنَى بِعْتُ مَا كُنْتُ مَلَكْتُهُ وَبِعْتُ بِمَعْنَى اشْتَرَيْتُ قَالَ وَكَذَلِكَ شَرَيْتُ بِالْمَعْنَيَيْنِ قَالَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مَبِيعٌ وَبَائِعٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَبِيعٌ وَيُقَالُ بِعْتُهُ أَبِيعُهُ فَهُوَ مَبِيعٌ وَمَبْيُوعٌ مخيط ومخيوط قال الخليل المحذوف مِنْ مَبِيعٍ وَاوُ مَفْعُولٍ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ فَهِيَ أَوْلَى بِالْحَذْفِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ الْمَحْذُوفُ عَيْنُ الْكَلِمَةِ قَالَ الْمَازِنِيُّ كِلَاهُمَا حَسَنٌ وَقَوْلُ الْأَخْفَشِ أَقْيَسُ وَالِابْتِيَاعُ الِاشْتِرَاءُ وَبَايَعْتُهُ وَتَبَايَعْنَا وَاسْتَبَعْتُهُ سَأَلْتُهُ أَنْ يبيعني وأبعت الشئ عرضته للبيع وبيع الشئ - بكسر(9/148)
الْبَاءِ وَضَمِّهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَبُوعَ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِالْوَاوِ - لُغَةٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي كِيلَ وَقِيلَ وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (أَفْصَحُهُمَا) الْمَدُّ (وَالثَّانِيَةُ) الْقَصْرُ فَمَنْ مَدَّ كَتَبَهُ بِالْأَلِفِ وَإِلَّا فَبِالْيَاءِ وَجَمْعُهُ أَشْرِيَةٌ وَهُوَ جَمْعٌ نَادِرٌ ويقال شريت الشئ أشريته شَرْيًا إذَا بِعْتُهُ وَإِذَا اشْتَرَيْتُهُ كَمَا سَبَقَ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ عَلَى اصْطِلَاحِ اللُّغَوِيِّينَ وَمِنْ المشترك على اصطلاح الاصوليين قال اللَّهِ تَعَالَى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ) وقال تعالى (وشروه بثمن بخس) وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِي الشَّرْعِ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِمَالٍ أَوْ نَحْوِهِ تَمْلِيكًا
* (فَرْعٌ)
أَرْكَانُ الْبَيْعِ ثَلَاثَةٌ العاقدان والصيغة والمعقود عليه وشروط الْعَاقِدِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا بَصِيرًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْمُشْتَرِي إنْ كان المبيع عبدا مسلما أو مصفحا وَعِصْمَتُهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ سِلَاحًا وَشُرُوطُ الْمَبِيعِ خَمْسَةٌ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَعْلُومًا ومقدورا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَمْلُوكًا لِمَنْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي الضَّابِطِ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمَرْهُونُ وَالْمَوْقُوفُ وَالْمُكَلَّفُ وَالْجَانِي إذَا مَنَعْنَا بَيْعَهُمَا وَالْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ وَهَذَا الْحَدُّ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَجْهُولُ وَالْمَعْجُوزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ فَالصَّوَابُ الْحَدُّ الاول وهذه الشروط ستأنى مُفَصَّلَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهَا
* (فَرْعٌ)
سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ أَطْيَبَ الْمَكَاسِبِ التِّجَارَةُ أَمْ الزِّرَاعَةُ أَمْ الصَّنْعَةُ
*
(فَصْلٌ)
فِي الْوَرَعِ فِي الْبَيْعِ وغيره واجتناب الشهبات
* قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ الله عظيم) وقال تعالى (ان ربك لبالمرصاد) وَعَنْ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا شُبُهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ(9/149)
طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي عَدَدِهَا وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ حَاكَ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ - أَيْ تَرَدَّدَ فِيهِ
* وَعَنْ وَابِصَةَ بن مصدر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ الْبِرِّ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ الْبِرُّ مَا أَطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إلَيْهِ الْقَلْبُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصدور وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتُوكَ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا
* وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ تزوج امرأة لابي اهاب بن عرير فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَاَلَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا فَقَالَ لَهَا مَا أَعْلَمُ أنك أرضعتيني ولا أخبرتيني فَرَكِبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إهَابٌ - بكسر الهمزة وعرير بفتح العين وبراء مُكَرَّرَةٍ - وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ مَعْنَاهُ اُتْرُكْ مَا تَشُكُّ فِيهِ وَخُذْ مَا لَا تَشُكُّ فِيهِ
* وَعَنْ عَطِيَّةَ بْنِ عُرْوَةَ السَّعْدِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ (مَا رَأَيْتُ
شَيْئًا أَهْوَنَ مِنْ الْوَرَعِ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) وَحَسَّانُ هَذَا مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا كُتِبَ لَهُ مِنْهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ(9/150)
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدٌ يَمُوتُ حَتَّى يَبْلُغَهُ بِآخِرِ رِزْقٍ هُوَ لَهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ مِنْ الْحَلَالِ وَتَرْكِ الْحَرَامِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ
*
(فَصْلٌ)
فِي النَّهْيِ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (الْحَلِفُ منفقة للسلعة ممحقة للربح: وفى رواية: للبروفى رِوَايَةٍ لِلْكَسْبِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله وَسَلَّمَ يَقُولُ (إيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا من هم يارسول اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إلَيْهِ فَقَالَ إنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أبى غررة بغين - معجمة ثم راء ثم راء مَفْتُوحَاتٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَقَالَ(9/151)
يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ البيع فثوبوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
*
(فَصْلٌ)
فِي التَّبْكِيرِ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ
* عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا) وَكَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ إذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
*
(فَصْلٌ)
فِي اسْتِحْبَابِ السَّمَاحَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْيِ وَالتَّقَاضِي وَالِاقْتِضَاءِ وَإِرْجَاحِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ
* قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) وقال تعالى (يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا الناس أشياءهم) وقال تعالى (ويل للمطففين) الْآيَةَ
* وَعَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ(9/152)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ (قَالَ اشْتَرَى مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا فَوَزَنَ لِي وَأَرْجَحَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ قَالَ (جَلَبْت أَنَا وَمَخْرَمَةُ العبدى برا مِنْ هَجَرَ فَجَاءَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَامَنَا بِسَرَاوِيلَ وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان زِنْ وَأَرْجِحْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْمَحْ يُسْمَحْ لَكَ) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وبينا بورك لها في بيعها وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (بَايَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إقام الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من أصاب من شئ فَلْيَلْزَمْهُ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
* وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أُجَهِّزُ إلَى الشَّامِ وَإِلَى مِصْرَ فَجَهَّزْت إلَى الْعِرَاقِ فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كُنْتُ أُجَهِّزُ إلَى الشَّامِ فَجَهَّزْت إلى العراق فقالت لا تفعل مالك مَنْزِلٌ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا سَبَّبَ اللَّهُ لِأَحَدٍ رِزْقًا مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدَعْهُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَهُ أَوْ يَتَنَكَّرَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ (لَا تَكُونَنَّ إنْ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ)(9/153)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا مَوْقُوفًا عَلَى سَلْمَانَ وَرَوَاهُ الزقانى فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فِيهَا بَاضَ الشَّيْطَانُ وَفَرَّخَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الذَّمُّ لِمَنْ أَكْثَرَ مُلَازَمَةَ السُّوقِ وَصَرَفَ أَكْثَرَ الْأَوْقَاتِ إلَيْهَا وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عَنْ الْعِبَادَةِ وَهَذَا كَمَا قَالُوهُ لِثُبُوتِ الْأَحَادِيثِ فِي دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسْوَاقَ مَعَ نَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الاسواق) وَقَالَ تَعَالَى (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ انْصَرَفَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَيْنُقَاعُ قَبِيلَةٌ مِنْ الْيَهُودِ - بِفَتْحِ الْقَافِ الْأُولَى وَضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا - وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي السُّوقِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ السُّوقَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ السُّوقِ وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُصِيبَ فِيهَا يَمِينًا فَاجِرَةً أَوْ صَفْقَةً خَاسِرَةً) رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ
*
(فَصْلٌ)
سَبَقَ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ التِّجَارَةَ لَزِمَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَهَا فَيَتَعَلَّمَ
شُرُوطَهَا وَصَحِيحَ الْعُقُودِ مِنْ فَاسِدِهَا وَسَائِرَ أَحْكَامِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
(فَصْلٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ غَيْرِ النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِحُرُوفِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لِلِاسْتِحْبَابِ بقوله تعالى (وأشهد وإذا تبايعتم) هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ والحسن وأصحاب الرأى وأحمد واسحق وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْبَيْعِ وَهُوَ فَرْضٌ لَازِمٌ يُعْصَى بِتَرْكِهِ قَالَ رَوَيْنَا هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا بَاعَ بِنَقْدٍ أَشْهَدَ ولم يكتب(9/154)
قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ثَلَاثَةٌ لَا يستجاب لهم دعوة رجل باع بنقد (1) قَالَ وَرَوَيْنَا نَحْوَ هَذَا عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْمَرْعَشِيِّ وَاحْتَجُّوا بقوله تعالى (واشهد وإذا تبايعتم) وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ وَاشْتَرَى وَلَمْ يُنْقَلْ الْإِشْهَادُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ فِي زَمَنِهِ وَبَعْدَهُ وَحَمَلُوا الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِمَا ذكرناه والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ويصح البيع من كل بالغ عاقل مختار فاما الصبى والمجنون فلا يصح بيعهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق) ولانه تصرف في المال فلم يفوض إلى الصبى والمجنون كحفظ المال)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وعائشة رضي الله عنهما سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَوَّلِ كِتَابَيْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَوْلُهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ احْتِرَازٌ مِنْ اخْتِيَارِ الصَّبِيِّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ وَهُوَ مميز ومن عباداته وحمله الهدية ومن وطئ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ امْرَأَتَيْهِمَا وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ فَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي قوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أموالهم) وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَصِحُّ الْبَيْعُ مِنْ كُلِّ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُخْتَارٍ فَمِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَعْمَى وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا هُوَ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ
وَيَدْخُلُ أَيْضًا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ بَصِيرًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ قَرِيبًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا إسْلَامُ الْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ (وَأَمَّا) السَّكْرَانُ فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَسَائِرِ عُقُودِهِ الَّتِي تَضُرُّهُ وَاَلَّتِي تنفعه
(والثانى)
لا يصح شئ مِنْهَا (وَالثَّالِثُ) يَصِحُّ مَا عَلَيْهِ دُونَ مَالِهِ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ دُونَ إيهَابِهِ وَتَصِحُّ رِدَّتُهُ دُونَ إسْلَامِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْأَوْجُهَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَهُنَاكَ نُوَضِّحُهَا بِفُرُوعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الصَّبِيُّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ سواء
__________
(1) بياض بالاصل(9/155)
بَاعَ بِغَبْنٍ أَوْ بِغِبْطَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ مُمَيِّزًا أو غيره وسواء بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَسَوَاءٌ بَيْعُ الاختبار وغيره وبيع الاختبار هو الذى يمتحن الْوَلِيُّ بِهِ لِيَسْتَبِينَ رُشْدَهُ عِنْدَ مُنَاهِزَةِ الِاحْتِلَامِ وَلَكِنَّ طَرِيقَ الْوَلِيِّ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ الِاسْتِلَامَ وَتَدْبِيرَ الْعَقْدِ فَإِذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الْعَقْدِ أتى به الولى ولا خلاف في شئ مِمَّا ذَكَرْتُهُ عِنْدَنَا إلَّا فِي بَيْعِ الِاخْتِبَارِ فَإِنَّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَصِحُّ وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْبَيْعُ لَزِمَ مِنْهُ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ عَلَى الصَّبِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَجِبُ عليه شئ وَقِيلَ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ إسْقَاطُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْفُقَهَاءُ إذَا اشْتَرَى الصَّبِيُّ شَيْئًا وَسُلِّمَ إلَيْهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَا لَوْ اقْتَرَضَ مَالًا لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُضَيِّعُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً فَلِلْمَالِكِ الِاسْتِرْدَادُ وَإِنْ قَبَضَهَا الْوَلِيُّ مِنْ الصَّبِيِّ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْوَلِيِّ وَلَوْ سَلَّمَ الصَّبِيُّ إلَى الْبَائِعِ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ لَمْ يَصِحَّ تَسْلِيمُهُ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ رَدُّهُ إلَى الْوَلِيِّ وَيَلْزَمُ الْوَلِيِّ طَلَبُهُ وَاسْتِرْدَادُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ رَدَّهُ إلَى الصَّبِيِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ الصَّبِيُّ دِرْهَمًا إلَى صَرَّافٍ لِيَنْقُدَهُ أَوْ سَلَّمَ مَتَاعًا إلَى مُقَوِّمٍ لَيُقَوِّمَهُ فَإِذَا قَبَضَهُ مِنْ الصَّبِيِّ دخل في ضمان القابض ولم يجزله رَدُّهُ إلَى الصَّبِيِّ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُرَدَّهُ إلَى وَلِيِّهِ إنْ كَانَ الْمَالُ لِلصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ لِكَامِلٍ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ أَوْ وَكِيلِهِ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ
أَمَرَهُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ بِدَفْعِهِ إلَى الصَّبِيِّ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ إنْ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلِيِّ فَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ لَمْ يَسْقُطْ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِلْقَاءِ مَالِ الصَّبِيِّ فِي بَحْرٍ فَأَلْقَاهُ فَإِنَّهُ يلزمه ضمانه قطعا
* (فرع)
* لو تبايعا صَبِيَّانِ وَتَقَابَضَا وَأَتْلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا قَبَضَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ جَرَى ذَلِكَ بِإِذْنِ الْوَلِيَّيْنِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيَّيْنِ وَيَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيَّيْنِ الضَّمَانُ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُمَا لَا يُعَدُّ تَسْلِيطًا وَتَضْيِيعًا بِخِلَافِ تَسْلِيمِ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الصَّبِيِّ بِنَفْسِهِ وَلَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ لَكِنْ فِي تَدْبِيرِهِ(9/156)
وَوَصِيَّتِهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُمَا أَيْضًا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ أَذِنَ الْوَلِيُّ أَمْ لَا لِأَنَّ عِبَارَتَهُ مُلْغَاةٌ فَلَا أَثَرَ لاذن الولى كما لو اذن لمجنون أما إذَا فَتَحَ الصَّبِيُّ بَابًا وَأَخْبَرَ بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّارِ فِي الدُّخُولِ أَوْ أَوْصَلَ هَدِيَّةً وَأَخْبَرَ عَنْ إهْدَاءِ مُهْدِيهَا فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ انْضَمَّتْ إلَى ذَلِكَ قَرَائِنُ تُحَصِّلُ الْعِلْمَ بِذَلِكَ جَازَ الدُّخُولُ وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَمَلٌ بِالْعِلْمِ لَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ نُظِرَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونِ الْقَوْلِ لَمْ يجر اعْتِمَادُ قَوْلِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ لِإِطْبَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلِحُصُولِ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ فِي الْعَادَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا سَمِعَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ حَدِيثًا فَهَلْ يَصِحُّ تَحَمُّلُهُ وَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أحدها) لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا لَا قَبْلَ بُلُوغِهِ وَلَا بَعْدَهُ لِضَعْفِ ضَبْطِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
تَصِحُّ رِوَايَتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ كَمَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَسَائِرِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَاحْتُمِلَ فِيهَا أَشْيَاءُ لَا تُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا كَاعْتِمَادِهِ عَلَى خَطِّهِ وَكَوْنِهَا لَا تُرَدُّ بِالتُّهْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَامَحَةِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهَا تُقْبَلُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا تُقْبَلُ قَبْلَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ وَمِمَّا يَرُدُّ الْأَوَّلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى قَبُولِ رِوَايَاتِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ مَا تَحَمَّلُوهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَرَوَوْهُ بَعْدَهُ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ جَعْفَرٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَخَلَائِقَ لَا يُحْصَوْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ تَصَرُّفَاتُهُ الْقَوْلِيَّةُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فِي تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ فَلَوْ اتَّهَبَ لَهُ الْوَلِيُّ شَيْئًا وَقَبِلَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْمِلْكُ فِيهِ بِهَذَا الْقَبْضِ وَلَوْ وُهِبَ لَأَجْنَبِيٍّ وَأَذِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَهُ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ سَلِّمْ حَقِّي إلَى هَذَا الصَّبِيِّ فَسَلَّمَ قَدْرَ حَقِّهِ إلَى(9/157)
الصَّبِيِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الدَّيْنِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَكُونُ مَا سَلَّمَهُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ ضَاعَ ضَاعَ عَلَى الدَّافِعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّ الدَّافِعَ ضَيَّعَهُ بِتَسْلِيمِهِ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَلَا يَزُولُ الدَّيْنُ عَنْ الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ أَلْقِ حَقِّي فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَى قَدْرَ حَقِّهِ لَا يَبْرَأُ بِلَا خِلَافٍ وَمَا يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِ الْمُلْقِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَالَ مَالِكُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ سَلِّمْ وَدِيعَتِي إلَى هَذَا الصَّبِيِّ فَسَلَّمَ إلَيْهِ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمَرَهُ فِي حَقِّهِ الْمُعَيَّنِ كَمَا لَوْ قَالَ أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَاهَا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي إتْلَافِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ لِصَبِيٍّ فَسَلَّمَهَا إلَى الصَّبِيِّ ضَمِنَ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لانه ليس للمودع تضعييها وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِيهِ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ هَذَا الْفَرْعَ عَنْ الْأَصْحَابِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
* وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأحمد واسحق يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ
* وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجَازَ أحمد واسحق بيعه وشراءه في الشئ الْيَسِيرِ يَعْنِي بِلَا إذْنٍ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فأما المكره فان كان بغير حق لم يصح بيعه لقوله تَعَالَى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فدل على أنه إذا لم يكن عن تراض لم يحل الاكل وروي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (انما البيع عن تراض) فدل على أنه لا بيع عن غير تراض ولانه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر إذا أكره عليها
المسلم وان كان بحق صح لانه قول حمل عليه بحق فصح ككلمة الاسلام إذا أكره عليها الحربى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لَأَلْقَيَنَّ اللَّهَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُعْطِيَ أَحَدًا مِنْ مَالِ أَحَدٍ شَيْئًا بِغَيْرِ(9/158)
طِيبِ نَفْسِهِ إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ) وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ احْتَرَزَ بِالْقَوْلِ عَنْ الْفِعْلِ بِأَنْ أُكْرِهَتْ عَلَى الْإِرْضَاعِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا وَكَذَا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْقَتْلِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ عَنْ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ كَإِكْرَاهِ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِكْرَاهِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُتَمَكِّنٌ فِي الْبَيْعِ فِي أَدَائِهِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ إنْ كَانَ إكْرَاهُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ صَحَّ وَصُورَةُ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ بَيْعِهِ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْمَالِكِ مِنْ الْوَفَاءِ وَالْبَيْعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَالْأَصْحَابُ الْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَاعَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِهِ وَعَزَّرَهُ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا التَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ الَّتِي يُكْرَهُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ الرِّدَّةُ وَالْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَسَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ وَالْإِعْتَاقُ وَغَيْرُهَا (وَأَمَّا) مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَهُوَ صَحِيحٌ قَالُوا فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ وَالْحَرْبِيَّ إذَا أُكْرِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إسْلَامُهُمَا لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَكَذَا الْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِحَقٍّ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الذِّمِّيُّ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ إكْرَاهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّا شَرَطْنَا فِي الذِّمَّةِ أَنْ نُقِرَّهُ عَلَى دِينِهِ فَإِذَا أُكْرِهَ فَهَلْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ المصنف هنا وآخرون (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في كتاب الطلاق وفى كتاب الكفارات وحكاهما الْغَزَالِيُّ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لَكِنَّهُ حَكَاهُمَا فِي الْكَفَّارَاتِ قَوْلَيْنِ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَصِحُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَصِيرُ إلَى صِحَّتِهِ مَعَ أَنَّ إكْرَاهَهُ غَيْرُ سَائِغٍ وَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي إكْرَاهِ الْحَرْبِيِّ لِكَوْنِهِ إكْرَاهًا بِحَقٍّ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فِي الذِّمِّيِّ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ مَمْنُوعٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أُكْرِهَ
الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ تَحْتَ السَّيْفِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْغُمُوضِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ نَازِلَتَانِ فِي الْإِعْرَابِ عَنْ الضَّمِيرِ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ(9/159)
والظاهر ممن يقولها تَحْتَ السَّيْفِ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إخْبَارِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْمَوْلَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِذَا طَلَّقَ بِإِكْرَاهِ الْقَاضِي لَهُ نَفَذَ طَلَاقُهُ لانه إكراه بحق أو لانه لَيْسَ بِحَقِيقَةِ إكْرَاهٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ بَلْ يَلْزَمُهُ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ هَذَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ فَإِذَا تَلَفَّظَ بِهَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِالْفِسْقِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ وَلَغَتْ الزيادة (وإن قلنا) ينعزل لم يقع شئ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ الْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ أَثَرَ التَّصَرُّفَاتِ عندنا الا في خمسة مواضع (احداها) الْإِسْلَامُ فَيَصِحُّ إسْلَامُ الْحَرْبِيِّ الْمُكْرَهِ وَلَا يَصِحُّ إكْرَاهُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْأَصَحِّ (الثَّانِي) الْإِرْضَاعُ فَإِذَا أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ ثَبَتَ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ لَا بِالْقَصْدِ (الثَّالِثُ) الْقَتْلُ فإذا أكره عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ (الرَّابِعُ) الزِّنَا فَإِذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْحَدُّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ التَّرَدُّدُ فِي تَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ (الْخَامِسُ) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ وَقَعَ طَلَاقُهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ لَا يَقَعُ وَأَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْمُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا قَالَ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي التَّحْقِيقِ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ فَحَسْبُ وَإِلَى الْقَتْلِ عَلَى قَوْلٍ (وَأَمَّا) مَا عَدَاهُ فَسَبَبُهُ عَدَمُ تَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ (وَقَوْلُهُ) إنَّهُ إنَّمَا يَسْتَثْنِي هَذِهِ الْخَمْسَةَ يَرِدُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ فَفِي فِطْرِهِ قَوْلَانِ سبقا في موضعهما الْأَصَحُّ لَا يُفْطِرُ (وَمِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ الْمُصَلِّي عَلَى الْكَلَامِ فَتَكَلَّمَ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) تَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَمِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ الْمُصَلِّي حَتَّى فَعَلَ أَفْعَالًا كَثِيرَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَطْعًا (وَمِنْهَا) لَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ فِي الفريضة مع القدرة فصلى قاعد الزمه الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ
* (فَرْعٌ)
الْمُصَادَرُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَظْلِمُهُ بِطَلَبِ مَالٍ وَقَهْرِهِ عَلَى إحْضَارِهِ إذَا بَاعَ
مَالَهُ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ وَالْأَذَى الَّذِي يَنَالُهُ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ وَقَدْ سَبَقَا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ فِي مَسَائِلِ أَكْلِ الْمُضْطَرِّ مَالَ الْأَجْنَبِيِّ
(أَحَدُهُمَا)(9/160)
لَا يَصِحُّ كَالْمُكْرَهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ عَلَى نَفْسِ الْبَيْعِ وَمَقْصُودُ الظَّالِمِ تَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُكْرَهَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فِي حَالِ اخْتِيَارِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بما ذكره المصنف وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَهَذَا مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ
* وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَشْيَاءَ لَا يُحْتَجُّ بِهَا (مِنْهَا) مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ خَطَبَنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ وَبَيْعِ الْغَرَرِ وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْرَكَ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (وَلا تنسوا الفضل بينكم) وشهد الاسرار وَيُسْتَذَلُّ الْأَخْيَارُ وَمَا يُمْنَعُ الْمُضْطَرُّونَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بَيْعِ الْمُضْطَرِّ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُطْعِمَ) وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا الشَّيْخَ مَجْهُولٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَكُلُّهَا غَيْرُ قَوِيَّةٍ (وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يركبن رجلا بَحْرًا إلَّا غَازِيًا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجًّا فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا وَتَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَلَا يُشْتَرَى مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فِي ضَغْطَةٍ) .
قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الْعَقْدِ مِنْ طَرِيقِ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الْبَيْعِ لِدَيْنٍ أَوْ مُؤْنَةٍ تُرْهِقُهُ فَيَبِيعُ مَا فِي يَدِهِ فَالْوَكْسُ مِنْ أَجْلِ الضَّرُورَةِ فَسَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمُرُوءَةُ
أَنْ لَا يُتْرَكَ حَتَّى يَبِيعَ مَالَهُ وَلَكِنْ يُعَانُ وَيُقْرَضُ وَيُسْتَمْهَلُ لَهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ فِيهِ بَلَاغٌ فَإِنْ عَقَدَ(9/161)
الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ وَلَمْ يُفْسَخْ ولكن كرهه عامة أهل العلم.
هذا الفظ الخطابى رضى الله عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (ولا ينعقد البيع إلا بالايجاب والقبول فاما المعاطاة فلا ينعقد بها البيع لان اسم البيع لا يقع عليه والايجاب أن يقول بعتك أو ملكتك أو ما أشبههما والقبول أن يقول قبلت أو ابتعت أو ما أشبههما فان قال المشترى بعني فقال البائع بعتك انعقد البيع لان ذلك يتضمن الايجاب والقبول وان كتب رجل الي رجل ببيع سلعة ففيه وجهان
(أحدهما)
ينعقد البيع لانه موضع ضرورة
(والثانى)
لا ينعقد وهو الصحيح فانه قادر على النطق فلا ينعقد البيع بغيره وقول القائل الاول أنه موضع ضرورة لا يصح لانه يمكنه أن يوكل من يبيعه بالقول)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا تَصِحُّ الْمُعَاطَاةُ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْمُعَاطَاةِ خَرَّجَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْهَدْيِ إذَا قَلَّدَهُ صَاحِبُهُ فَهَلْ يَصِيرُ بِالتَّقْلِيدِ هَدْيًا مَنْذُورًا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ لَا يَصِيرُ (وَالْقَدِيمُ) أَنَّهُ يَصِيرُ وَيُقَامُ الْفِعْلُ مَقَامَ الْقَوْلِ فَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَجْهًا فِي صِحَّةِ البيع بالمعاطاة
* ثُمَّ إنَّ الْغَزَالِيَّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيَّ وَالْجُمْهُورَ نَقَلُوا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ تَجُوزُ الْمُعَاطَاةُ فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ جَوَّزَهَا فِي الْمُحَقَّرَاتِ دُونَ الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ جَوَّزَهَا وَلَمْ يُقَيِّدْ الْإِمَامُ فِي نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ بِالْمُحَقَّرَاتِ كَمَا قَيَّدَ فِي نَقْلِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ وَاكْتَفَى بِالتَّقْيِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ أَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ عَلَى الْغَزَالِيِّ كَوْنَهُ حَكَى عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ تَجْوِيزَهَا فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَقَالَ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ بِالْمُحَقَّرَاتِ وَهَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى الْغَزَالِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ التَّخْصِيصُ بِالْمُحَقَّرَاتِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاخْتَارَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا جَوَازَ الْبَيْعِ بالمعاطاة فيما يعد بيعا وقال مالك كلما عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمِمَّنْ اخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُعَاطَاةَ فِيمَا يُعَدُّ بَيْعًا
صَحِيحَةٌ وَأَنَّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَكَانَ الرويانى(9/162)
يُفْتِي بِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى وَكَذَا قَالَهُ آخَرُونَ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ لَفْظٌ لَهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى العرف فكلما عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا كَانَ بَيْعًا كَمَا فِي الْقَبْضِ وَالْحِرْزِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَلَفْظَةُ الْبَيْعِ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ اشْتَهَرَتْ الْأَحَادِيثُ بِالْبَيْعِ من النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي زَمَنِهِ وَبَعْدَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ في شئ مِنْهَا مَعَ كَثْرَتِهَا اشْتِرَاطُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَاَللَّهُ أعلم
* وأحسن من هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَوْضَحَهَا الْمُتَوَلِّي فَقَالَ الْمُعَاطَاةُ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ بِأَنْ يَزِنَ النَّقْدَ وَيَأْخُذَ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ لَيْسَتْ بَيْعًا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ كُلُّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِالْمُعَاطَاةِ وَعَدَّهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمَا لَمْ تَجْرِ فِيهِ الْعَادَةُ بِالْمُعَاطَاةِ كَالْجَوَارِي وَالدَّوَابِّ وَالْعَقَارِ لَا يَكُونُ بَيْعًا قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى
* وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ المعاطاة بيع في المحقرات فاما النفيس فلابد فِيهِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ الْقِيَاسُ عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِاللَّفْظِ وَقِيَاسًا عَلَى الْعَقَارِ وَالنَّفَائِسِ وَوَجْهُ طَرِيقَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَعْهُودًا قَبْلَ وُرُودِ الشرع فورد ولم يغير حقيقته بَلْ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَكُلُّ مَا كَانَ عَدُّوهُ بَيْعًا جَعَلْنَاهُ بَيْعًا كَمَا يُرْجَعُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ إلَى الْعُرْفِ قَالَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ لَفْظُ التَّبَايُعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
صُورَةُ الْمُعَاطَاةِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ أَنْ يُعْطِيَهُ دِرْهَمًا أَوْ غَيْرَهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فِي مقابلته وَلَا يُوجَدُ لَفْظٌ أَوْ يُوجَدُ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِذَا ظَهَرَ وَالْقَرِينَةُ وُجُودُ الرِّضَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَصَلَتْ الْمُعَاطَاةُ وَجَرَى فِيهَا الْخِلَافُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّصْوِيرِ الْمُتَوَلِّي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ آخَرُونَ قَالَ الشيخ أبو عمر وبن الصَّلَاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا وُجِدَ مِنْ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا فِي تَصْوِيرِهَا مِنْ ذِكْرِ لَفْظٍ كقوله خذ واعطى فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقَرِينَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْبَيْعَ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي قُرِنَ بِالْعَطِيَّةِ فَإِنْ نَوَاهُ بِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ وَفِي صِحَّتِهِ بِالْكِنَايَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ مَعَ قَوْلِنَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو
* فَأَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَتَلَفَّظَا بِبَيْعٍ بَلْ نَوَيَا أَخْذَهُ بِثَمَنِهِ الْمُعْتَادِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الناس(9/163)
فَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلَا مُعَاطَاةٍ وَلَا يُعَدُّ بَيْعًا فَهُوَ بَاطِلٌ وَلْنَعْلَمْ هَذَا وَلْنَحْتَرِزْ مِنْهُ وَلَا نَغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَأْخُذُ الْحَوَائِجَ مِنْ الْبَيَّاعِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مِنْ غَيْرِ مُبَايَعَةٍ وَلَا مُعَاطَاةٍ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبُهُ وَيُعْطِيهِ الْعِوَضَ وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الرُّجُوعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمُحَقَّرِ وَالنَّفِيسِ إلَى الْعُرْفِ فَمَا عَدُّوهُ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ وَعَدُّوهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَإِلَّا فَلَا
* هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ الْمُعَاطَاةِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْمُحَقَّرَ دُونَ نِصَابِ السَّرِقَةِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بَلْ يَتَجَاوَزُهُ إلَى مَا يَعُدُّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ بَيْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ إنَّ الْمُعَاطَاةَ لَا يَصِحُّ بِهَا الْبَيْعُ فَفِي حُكْمِ الْمَأْخُوذِ بِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مَجْمُوعَةً وَحَكَاهَا مُتَفَرِّقَةً آخَرُونَ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ لَهُ حُكْمُ الْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَيُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ منهما صاحبه بما دفعه إليه ان كان باقيا أو بدله إن كان تالفا ويجب على كُلَّ وَاحِدٍ رَدَّ مَا قَبَضَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَرَدُّ بَدَلِهِ فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ مِثْلَ الْقِيمَةِ فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ هَذَا مُسْتَحِقٌّ ظَفَرَ بِمِثْلِ حَقِّهِ وَالْمَالِكُ رَاضٍ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ لَا مَحَالَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهَا مُطْلَقًا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا إبَاحَةٌ لَازِمَةٌ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ وَأَوْرَدْتُ عَلَيْهِ وَأَجَابَ فَأَوْرَدْتُ عَلَى جَوَابِهِ وَذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَحَاصِلُهُ تَضْعِيفُ هَذَا الْوَجْهِ بِمَا ضَعَّفَهُ بِهِ هُوَ وَالْمُتَوَلِّي وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ أَحَدُهُمَا مَا أَخَذَهُ وَبَقِيَ مَعَ الْآخَرِ مَا أَخَذَهُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْبَاقِيَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ بَدَلَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا إبَاحَةً لَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ أَبَاحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ طَعَامَهُ وَأَكَلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ لِلْآكِلِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِبَاحَةِ وَيَسْتَرِدَّ طَعَامَهُ بِلَا خِلَافٍ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْعِوَضَيْنِ يُسْتَرَدَّانِ فَإِنْ تَلِفَا فَلَا مُطَالَبَةَ لِأَحَدِهِمَا وَيَسْقُطُ عَنْهُمَا الضَّمَانُ وَيُتَرَادُّ مِنْهُمَا بِالتَّرَاضِي السَّابِقِ وَهَذَا قَوْلُ الشيخ أبى حامد الاسفراينى وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ سَائِرَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرَاهُ فِيهَا وَإِنْ وُجِدَ الرِّضَى قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلِأَنَّ إسْقَاطَ الْحُقُوقِ طَرِيقُهُ اللَّفْظُ كالعفو عن(9/164)
الْقِصَاصِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدُّيُونِ فَإِنْ أَقَمْنَا التَّرَاضِيَ مَقَامَ اللَّفْظِ فِي الْإِسْقَاطِ وَجَبَ أَنْ نُقِيمَهُ مَقَامَهُ فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ أَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ بَيْنَ النَّاسِ فِيهَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ لِوُجُودِ طِيبِ النَّفْسِ بِهَا وَوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا هَذَا لَفْظُهُ فِي كِتَابِهِ الِانْتِصَارِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَالثَّانِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ بِهَا فِي الدَّارِ الآخرة وان كانت المطالبة ثابة فِي الدُّنْيَا عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) الْهَدِيَّةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَفِيهَا خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْبَيْعِ إنْ صَحَّحْنَاهُ بالمعاطاة ولم نشترط فيهما لفظا فهما أَوْلَى بِذَلِكَ وَإِنْ شَرَطْنَا اللَّفْظَ فِي الْبَيْعِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الصَّدَاقِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ يَشْتَرِطُ فِيهِمَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ كالبيع و (أصحهما) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ قَرَارُ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْأَثْبَاتُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ
* وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تُحْمَلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأخدها وَلَا لَفْظَ هُنَاكَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى النَّاسُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَلِهَذَا كَانُوا يَبْعَثُونَ بِهَا عَلَى أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا عِبَارَةَ لَهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قِيلَ) كَانَ هَذَا إبَاحَةً لَا هَدِيَّةً وَتَمْلِيكًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ إبَاحَةً مَا تَصَرَّفُوا فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا قَبِلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهَدَايَا كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيُمَلِّكُهُ غَيْرَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ مَنْ اعْتَبَرَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ عَلَى الْأَمْرِ الْمُشْعِرِ بِالرِّضَا دُونَ اللَّفْظِ وَيُقَالُ الْإِشْعَارُ بِالرِّضَا يَكُونُ لَفْظًا وَيَكُونُ فِعْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَطْنَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ بِاللَّفْظِ فَالْإِيجَابُ كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُكَ هَذَا أَوْ مَلَّكْتُكَ(9/165)
وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ وَفِي مَلَّكْتُكَ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْهِبَةِ وَادَّعَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَالْقَبُولُ كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ أَوْ ابْتَعْتُ أَوْ اشْتَرَيْتُ أَوْ تَمَلَّكْتُ قَالَ الرافعى ويجئ فِي تَمَلَّكْتُ ذَلِكَ الْوَجْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ قَوْلُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ فَقَالَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ بِعْتُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْحَالَيْنِ بِلَا خِلَافٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ بَلْ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ أَوْ اشْتَرَيْتُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي تَمَلَّكْتُ أَوْ قَالَ الْبَائِعُ مَلَّكْتُكَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ وَكَذَا فِي النِّكَاحِ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي فَقَالَ قبلت نكاحها أو قال أنكحتكها فَقَالَ قَبِلْتُ تَزْوِيجَهَا صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا خِلَافٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ الشَّخْصُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِبْرَاءِ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَنْعَقِدُ بِالصَّرِيحِ وَأَمَّا مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ فَضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ كَالنِّكَاحِ وَبَيْعِ الْوَكِيلِ إذَا شَرَطَ الْمُوَكِّلُ الْإِشْهَادَ فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَعْلَمُ النِّيَّةَ
(وَالثَّانِي)
مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ وَهُوَ نَوْعَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا يَقْبَلُ مَقْصُودُهُ التَّعْلِيقَ بِالْغَرَرِ كَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ فَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكِتَابَةِ الْعِتْقُ وَمَقْصُودَ الْخُلْعِ الطَّلَاقُ وَهُمَا يَصِحَّانِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ
(وَالثَّانِي)
مَا لَا يَقْبَلُهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وغيرها وفي انقعاد هَذِهِ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) الِانْعِقَادُ كَالْخُلْعِ وَلِحُصُولِ التَّرَاضِي مَعَ جَرَيَانِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةِ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ السُّنَّةُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ بَيْعِهِ جَمَلَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِيهِ (قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعْنِي جَمَلَكَ فَقُلْتُ إنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِثَالُ الْكِنَايَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ خُذْهُ مِنِّي بِأَلْفٍ أَوْ تَسَلَّمْهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَدْخَلْتُهُ فِي مِلْكِي بِأَلْفٍ أَوْ جَعَلْتُهُ لَكَ أَوْ هُوَ لَكَ بِأَلْفٍ وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَوْ قَالَ أَبَحْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ فَلَيْسَ بكناية بلا خلاف لانه صريح في الاباحة فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ سَلَّطْتُكَ عَلَيْهِ
بِأَلْفٍ فَفِي كَوْنِهِ كِنَايَةً وَجْهَانِ كَقَوْلِهِ أَبَحْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ (وَأَصَحُّهُمَا) يَكُونُ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي(9/166)
الْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ أَبَحْتُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِي هَذَا الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ هُوَ فِيمَا إذَا عُدِمَتْ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ فَإِنْ تَوَفَّرَتْ وَأَفَادَتْ التَّفَاهُمَ وَجَبَ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ (وَأَمَّا) الْبَيْعُ الْمُقَيَّدُ بِالْإِشْهَادِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ الظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ عِنْدَ تَوَفُّرِ الْقَرَائِنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِعْنِي فَقَالَ قَدْ بَاعَكَ اللَّهُ أَوْ بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ أَوْ قَالَ فِي النِّكَاحِ زَوَّجَكَ اللَّهُ ابْنَتِي أَوْ قَالَ فِي الْإِقَالَةِ قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ أو قد رده الله عليك فَهَذَا كُلُّهُ كِنَايَةٌ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِكُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالْإِقَالَةُ فَإِنْ نَوَاهُمَا صَحَّا وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا نَوَاهُمَا كَانَ التَّقْدِيرُ قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ لِأَنِّي أَقَلْتُكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا كَتَبَ إلَى غَائِبٍ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ هَلْ يَقَعُ بِالْكَتْبِ مَعَ النِّيَّةِ وَفِيهِ خِلَافٌ الاصح صِحَّتُهُ وَوُقُوعُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ فَهَذِهِ الْعُقُودُ أَوْلَى أَنْ لَا تَنْعَقِدَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَفِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ الْوَجْهَانِ فِي انْعِقَادِهِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ لَا يَصِحُّ
(وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ ونحوه بالمكاتبة لحصول التراضي لاسيما وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الرَّاجِحَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بِتَرْجِيحِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْمُكَاتَبَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا (وَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ فَشَرْطُهُ أَنْ يَقْبَلَ المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب هذا هُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَلْ يَكْفِي التَّوَاصُلُ اللَّائِقُ بَيْنَ الكتابين أما إذا تبايعا حَاضِرَانِ بِالْكِتَابَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ مَنَعْنَاهُ فِي الغيبة فههنا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَإِذَا صَحَّحْنَا الْبَيْعَ بِالْمُكَاتَبَةِ جَازَ الْقَبُولُ بِالْكَتْبِ وَبِاللَّفْظِ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الْكَتْبِ عَلَى الْقِرْطَاسِ والرق اللوح وَالْأَرْضِ وَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَاحِدٌ وَلَا أَثَرَ لِرَسْمِ الْأَحْرُفِ عَلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْمُكَاتَبَةِ لَوْ قَالَ بِعْتُ دَارِي لِفُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ قَالَ قَبِلْتُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّ النُّطْقَ أَقْوَى مِنْ الْكَتْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
أَمَّا النِّكَاحُ فَفِي انْعِقَادِهِ بِالْمُكَاتَبَةِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ إمَامُ(9/167)
الحرمين والبغوى وآخرون قَالُوا إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (وَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِيهِ وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ وَلَوْ قَالَا بَعْدَ الْمُكَاتَبَةِ نَوَيْنَا كَانَتْ شَهَادَةٌ عَلَى إقْرَارِهِمَا لَا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ وَمَنْ جَوَّزَهُ اعْتَمَدَ الْحَاجَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِالْمُكَاتَبَةِ فَلْيَكْتُبْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَيَحْضُرُ الْكِتَابَ عَدْلَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْضِرَهُمَا وَلَا أَنْ يَقُولَ لَهُمَا اشْهَدَا بَلْ لَوْ حَضَرَا بِأَنْفُسِهِمَا كَفَى فَإِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ الزَّوْجَ فَلْيَقْبَلْ لَفْظًا وَيَكْتُبُ الْقَبُولَ وَيَحْضُرُ الْقَبُولَ شَاهِدَا الْإِيجَابِ فَإِنْ شَهِدَهُ آخَرَانِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ شَاهِدٌ لَهُ
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ حَضَرَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ شَاهِدَانِ وَيُحْتَمَلُ تَغَايُرُهُمَا كَمَا اُحْتُمِلَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ثُمَّ إذَا قَبِلَ لَفْظًا أَوْ كِتَابَةً يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ وَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ كَذَا مِنْ مَالِي أَوْ إعْتَاقِ عَبْدِي فَإِنْ قُلْنَا الْوَكَالَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَكَتْبِ الطَّلَاقِ وَإِلَّا فَكَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى إذَا صَحَّحْنَا الْبَيْعَ بِالْمُكَاتَبَةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ فَقَبِلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ثَبَتَ له خيار المجلس مادام فِي مَجْلِسِ الْقَبُولِ قَالَ وَيَتَمَادَى خِيَارُ الْكَاتِبِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِيجَابِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَجْلِسَهُ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) لَوْ قَالَ الطَّالِبُ بِعْنِي فَقَالَ بِعْتُكَ إنْ قَالَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَهُ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلًا بِعْنِي فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الصِّحَّةُ
(وَالثَّانِي)
الْبُطْلَانُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ وَنَصَّ مِثْلَهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَقِيلَ قَوْلَانِ فِيهِمَا بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ فِيهِمَا (وَالثَّانِي) الْبُطْلَانُ فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ
بِالْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصَّيْنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِعْنِي عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ بِحَذْفِ الهمزة(9/168)
بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بَعْدَ طَلَبٍ وَمُرَاوَدَةٍ فَلَا يُرَادُ بِهِ الِاسْتِفْهَامُ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ كَالصُّورَةِ السَّابِقَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْعَقِدُ قَطْعًا أَمَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَتَبِيعُنِي عَبْدَكَ بِكَذَا أَوْ قَالَ بِعْتَنِي بِكَذَا فَقَالَ بِعْتُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْتُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَتَشْتَرِي دَارِي أَوْ أَشْتَرَيْتَ مِنِّي فَقَالَ اشْتَرَيْتُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَهُ بِعْتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَأَنْ لَا يَتَخَلَّلَهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ فَإِنْ طَالَ أَوْ تَخَلَّلَ لَمْ يَنْعَقِدْ سَوَاءٌ تَفَرَّقَا مِنْ المجلس أم لَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ ويضر الطويل وهو ما أشعر بِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقَبُولِ وَلَوْ تَخَلَّلَتْ كَلِمَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ بَطَلَ الْعَقْدُ
* وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِيجَابِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ وَوَارِثُهُ حَاضِرٌ فَقَبِلَ (فَوَجْهَانِ) الصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ وَبِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لِأَنَّ الْوَارِثَ كَالْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا وُجِدَ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ مِنْ أَحَدِهِمَا اُشْتُرِطَ إصْرَارُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يُوجَدَ الشِّقُّ الْآخَرُ وَاشْتُرِطَ أَيْضًا بَقَاؤُهُمَا عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَقْدِ فَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ وُجُودِ الشِّقِّ الْآخَرِ أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَطَلَ الايجاب فلو قَبِلَ الْآخَرُ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا لَوْ أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا حَيْثُ يُشْتَرَطُ إذْنُهَا ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَقْدِ بَطَلَ إذْنُهَا وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتُكَ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْعَقْدُ فَلَوْ كَانَ وَارِثُهُ حَاضِرًا فَقَبِلَ أَوْ جُنَّ فَقَبِلَ وَلِيُّهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُ الْوَارِثِ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ وَسَنُوَضِّحُ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ انْتِقَالِ خِيَارِ الشَّرْطِ وخيار المجلس إلى الوراث فِي مَسَائِلِ الْخِيَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ الْقَبُولِ الْإِيجَابَ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ صِحَاحٍ فَقَالَ قَبِلْتُ(9/169)
بِأَلْفٍ قِرَاضَةٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِأَلْفٍ حَالٍّ فَقَبِلَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ إلَى شَهْرٍ فَقَبِلَ بِمُؤَجَّلٍ إلَى شَهْرَيْنِ أَوْ نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ بِأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ نِصْفَهُ بخمسائة لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ قَبُولًا وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ قبلت نصفه بخمسائة ونصفه بخمسائة قَالَ الْمُتَوَلِّي يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ الْبَيْعُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا غَرِيبٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالظَّاهِرُ هُنَا فَسَادُ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ السِّمْسَارُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا لِلْبَائِعِ بِعْتَ بِكَذَا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ بِعْتُ وَقَالَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتَ بِكَذَا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ اشْتَرَيْتُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرافعي (أصحهما) عند الرافعى وغيره الانقعاد لِوُجُودِ الصِّيغَةِ وَالتَّرَاضِي
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ تَخَاطُبِهِمَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ فَقَطْ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا وَالْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ لِلْإِبْضَاعِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ إنْ شِئْتَ فَقَالَ شِئْتُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّ لَفْظَ الْمَشِيئَةِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ وَإِنْ قَالَ قَبِلْتُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ فَإِنَّ الْقَبُولَ إلَى مَشِيئَةِ الْقَابِلِ وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ أَلْفَاظِ التَّعْلِيقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ أَوْ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ فَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى صِيغَتَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَمْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الْأَصَحُّ) يَفْتَقِرُ فَيَقُولُ بِعْتُ مَالَ وَلَدِي بِكَذَا وَاشْتَرَيْتُهُ لَهُ أَوْ قَبِلْتُهُ لَهُ لِتَنْتَظِمَ صُورَةِ الْبَيْعِ
(وَالثَّانِي)
يكفى أحدهما لانه لَمَّا قَامَ الْوَالِدُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مَقَامَ
اثْنَيْنِ قَامَ لَفْظُهُ مَقَامَ لَفْظَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(9/170)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأَخْرَسِ وَشِرَاؤُهُ بِالْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ وَبِالْكِتَابَةِ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ بِهِمَا جَمِيعُ عُقُودِهِ وَفُسُوخِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالظِّهَارِ وَالرَّجْعَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَنَحْوِهَا بَلْ قَالُوا إشَارَتُهُ الْمَفْهُومَةُ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ فِيهِمَا خِلَافٌ وَهُمَا شَهَادَتُهُ وَإِشَارَتُهُ بِالْكَلَامِ فِي صَلَاتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُحْتَاطُ لَهَا وَالصَّلَاةُ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِكَلَامٍ حَقِيقِيٍّ وَهَذَا مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ إنْسَانٌ بَاعَ وَهُوَ يُصَلِّي فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَهَذِهِ صُورَتُهُ وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ بَاعَ فِيهَا بِالْكَلَامِ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يُطِلْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابُ تَقْدِيمُ الْمُسَاوَمَةِ عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهِ بَلْ لَوْ لَقِيَ رَجُلًا فِي طَرِيقِهِ فَقَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ أَوْ اشْتَرَيْتُ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي حُكْمِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ وَلَا سَابِقَةٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعُ مَا سَبَقَ مِنْ صِيغَتَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هُوَ فِيمَا لَيْسَ بِضِمْنِيٍّ مِنْ الْبُيُوعِ فَأَمَّا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ فِيمَا إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الصِّيَغُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا بَلْ يَكْفِي فِيهِ الِالْتِمَاسُ وَالْإِعْتَاقُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ بِالْعَجَمِيَّةِ وسائر اللغات سواء احسن العربية أم لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ بِأَنَّ فِي النِّكَاحِ مَعْنَى التَّعَبُّدِ وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ فَأَشْبَهَ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ فِي حَالِ الْعَقْدِ فَيَقُولُ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا فَقَالَ الْمُخَاطَبُ اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا
يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلْقَابِلِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا وَالثَّانِي يَكُونُ هِبَةً(9/171)
وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَكُونُ تَمْلِيكًا فَقَبَضَهُ الْقَابِلُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ فِي المقبوض بها وجهين (احدهما) انه مضمون (واصحهما) لَا وَالصَّحِيحُ هُنَا الضَّمَانُ قَطْعًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ قَالَ وَهَبْتُ لَكَ هَذَا بِأَلْفٍ أَوْ هَذَا لَكَ هِبَةٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ هَلْ يَنْعَقِدُ هَذَا الْعَقْدُ هَذَا فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِظَوَاهِرِهَا أَمْ بِمَعَانِيهَا وَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الِاعْتِبَارُ بِظَوَاهِرِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ مَوْضُوعَةٌ لِإِفَادَةِ الْمَعَانِي وَتَفْهِيمِ الْمُرَادِ مِنْهَا عِنْدَ إطْلَاقِهَا فَلَا تُتْرَكُ ظَوَاهِرُهَا وَلِهَذَا لَوْ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَأَرَادَ بِهِ الظِّهَارَ أَوْ عَكْسَهُ تَعَلَّقَ بِاللَّفْظِ دُونَ الْمَنْوِيِّ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ اللَّفْظِ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ أَلْفَاظَ اللُّغَةِ لَا يُعْدَلَ بِهَا عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ فِي اللُّغَةِ فَيُطْلَقُ اللَّفْظُ لُغَةً عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ فَكَذَا أَلْفَاظُ الْعُقُودِ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ تَفْسُدُ بِاقْتِرَانِ شَرْطٍ مُفْسِدٍ فَفَسَادُهَا بِتَغَيُّرِ مُقْتَضَاهَا أَوْلَى (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَعَانِيهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ فَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ حَمَلْنَاهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَأَصْلُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ فَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ حَمَلْنَاهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَكَذَا هُنَا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مُقْتَضَاهُ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَاهُ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْعَقْدِ إذ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ لَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهُ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ أَحَدُهَا غَالِبٌ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْغَالِبِ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ إذَا قَالَ وَهَبْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ بَيْعًا وَإِنْ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فَسَدَ الْعَقْدُ فَإِذَا حَصَّلَ الْمَالَ فِي يَدِهِ كَانَ مَقْبُوضًا بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ هِبَةً وَإِلَّا فَبَيْعٌ فَاسِدٌ (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ أَسْلَمْتُ هَذَا الدِّينَارَ أَوْ دِينَارًا فِي هَذَا الثَّوْبِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ بَيْعُ عَيْنٍ وَإِلَّا فَهُوَ سَلَمٌ فَاسِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَ بَائِعٍ وَوَكِيلِ الْمُشْتَرِي فَلْيَقُلْ الْبَائِعُ لَهُ بِعْتُكَ وَيَقُولُ الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُ وَيَنْوِي مُوَكِّلَهُ فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُ مُوَكِّلَك فُلَانًا فَقَالَ
الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا تَعَاقُدٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ(9/172)
الْوَلِيَّ يَقُولُ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْتُ بِنْتِي فُلَانًا يَعْنِي الزَّوْجَ وَيَقُولُ الْوَكِيلُ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لَهُ فَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِيمَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ قَبِلْتُ وَلَمْ يَقُلْ نِكَاحَهَا (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ فَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي لَكَ فَقَالَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِفُلَانٍ لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ قَالَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ وَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ جَرَى النِّكَاحُ بَيْنَ وَكِيلَيْنِ فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُ فُلَانَةَ فُلَانًا فَقَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِفُلَانٍ صَحَّ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ بِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الزَّوْجَيْنِ كَالثَّمَنِ كالثمن والمثمن ولابد مِنْ تَسْمِيَتِهِمَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ وَالنِّكَاحُ يَرِدُ عَلَى الْبُضْعِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَلِهَذَا لَوْ قَبِلَ النِّكَاحَ لِزَيْدٍ بِوَكَالَتِهِ فَأَنْكَرَهَا زَيْدٌ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَى لِزَيْدٍ بِوَكَالَةٍ فَأَنْكَرَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَه زَيْدًا فَزَوَّجَهَا وَكِيلُ زَيْدٍ لِزَيْدٍ صَحَّ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ وَكِيلُ زَيْدٍ لِزَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يقبل نقل الْمِلْكَ وَالْبَيْعَ يَقْبَلُهُ وَلِهَذَا يَقُولُ وَكِيلُ النِّكَاحِ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْ مُوَكِّلِي وَلَا يَقُولُ زَوِّجْنِي لِمُوَكِّلِي وَيَقُولُ فِي الْبَيْعِ بِعْنِي لِمُوَكِّلِي وَلَا يَقُولُ بع موكله والله أعلم
* قال أصحابنا وفى الْهِبَةِ يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ وَكِيلِ الْمُتَّهَبِ أَنْ يسمى موكلي فِي الْقَبُولِ فَيَقُولَ قَبِلْتُ لِفُلَانٍ أَوْ لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَقَعَ لِلْمُخَاطِبِ لِجَرَيَانِ الْعَقْدِ مَعَهُ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُوَكِّل بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ يَقْصِدُ بِتَبَرُّعِهِ الْمُخَاطَبَ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُسْمَحُ عَلَيْهِ بِالتَّبَرُّعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الْعِوَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ الْهَازِلِ وَشِرَائِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ كَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ الطلاق يقبل الاعزار قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَسْأَلَةِ السر والعلانية في الصداق وهى إذا تواطئا فِي السِّرِّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ ثُمَّ عَقَدَاهُ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ فَقَوْلَانِ هَلْ الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ أَوْ الْعَلَانِيَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالسِّرِّ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْهَازِلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بيعا والا فينقعد عملا باللفط وَلَا مُبَالَاةَ بِالْقَصْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَكَذَا ذَكَرَ الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ هُمَا قَوْلَانِ
قَالَ وَقِيلَ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم
*(9/173)
قال المصنف رحمه الله
* (وإذا انعقد البيع ثبت لكل واحد من المتبايعين الخيار بين الفسخ والامضاء إلى أن يتفرقا أو يتخايرا لما روى ابن عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر) والتفرق أن يتفرقا بأبدانهما بحيث إذا كلمه على العادة لم يسمع كلامه لما روى نافع (ان ابن عمر رضى الله عنه كان إذا اشترى شيئا مشى أذرعا ليجب البيع ثم يرجع) ولان التفرق في الشرع مطلق فوجب أن يحمل على التفرق المعهود وذلك يحصل بما ذكرناه وان لم يتفرقا ولكن جعل بينهما حاجز من ستر أو غيره لم يسقط الخيار لان ذلك لا يسمى تفرقا
* وأما التخاير فهو أن يقول أحدهما للآخر اختر امضاء البيع أو فسخه فيقول الآخر اخترت امضاءه أو فسخه فينقطع الخيار لقوله عليه السلام (أو يقول أحدهما للآخر اختر) فان خير أحدهما صاحبه فسكت لم ينقطع خيار المسؤول وهل ينقطع خيار السائل فية وجهان
(أحدهما)
لا ينقطع خياره كما لو قال لزوجته اختاري فسكتت فان خيار الزوج في طلاقها لا يسقط
(والثانى)
أنه ينقطع لقوله عليه السلام أو يقول أحدهما للآخر اختر) فدل على أنه إذا قال يسقط خياره ويخالف تخيير المرأة فان المرأة لم تكن مالكة للخيار وإذا خيرها فقد ملكها ما لم تكن تملكه فإذا سكتت بقى على حقه وههنا المشترى يملك الفسخ فلا يفيد تخييره اسقاط حقه من الخيار فان أكرها على التفرق ففيه وجهان
(أحدهما)
يبطل الخيار لانه كان يمكنه أن يفسخ بالتخاير فإذا لم يفعل فقد رضى باسقاط الخيار
(والثانى)
أنه لا يبطل لانه لم يوجد منه أكثر من السكوت والسكوت لا يسقط الخيار
* فان باعه على أن لا خيار له ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا يصح لان الخيار جعل رفقا بهما فجاز لهما تركه ولان الخيار غرر فجاز اسقاطه وقال أبو إسحق لا يصح وهو الصحيح لانه خيار يثبت بعد تمام البيع فلم يجز اسقاطه قبل تمامه كخيار الشفيع (فان قلنا) بهذا فهل بطل العقد بهذا الشرط فيه وجهان
(أحدهما)
لا يبطل لان هذا الشرط لا يؤدى إلى الجهل بالعوض والمعوض
(والثانى)
يبطل لانه يسقط موجب العقد فأبطله
كما لو شرط أن لا يسلم المبيع)
*(9/174)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي أَذْرُعًا فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فَارَقَ صَاحِبَهُ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَامَ فَمَشَى هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ قَالَ نَافِعٌ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيَجِبَ له
* وقوله صلى الله عليه وسلم (أَوْ يَقُولَ) هَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي المهذب أو يقول وهو منصوب اللام وأوهنا ناصبة بتقدير الا ان يقول أو إلى أن يقول ولو كان معطوفا على مالكان مَجْزُومًا وَلَقَالَ أَوْ لِيَقُلْ (وَقَوْلُهُ) لِيَجِبَ الْبَيْعُ معناه ليلزم (قوله) وههنا الْمُشْتَرِي يَمْلِكُ الْفَسْخَ كَانَ الْأَجْوَدَ لِلْقَابِلِ بَدَلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْقَابِلَ قَدْ يَكُونُ الْبَائِعِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ قَالَ الْقَلَعِيُّ قِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ خِيَارِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا احْتِرَازَ فِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ مَعْنَى الْعِلَّةِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْخِيَارُ ضَرْبَانِ خِيَارُ نَقْصٍ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِ شئ مَظْنُونِ الْحُصُولِ وَخِيَارُ شَهْوَةٍ وَهُوَ مَا لَا يتعلق بفوات شئ فَالْأَوَّلُ لَهُ بَابٌ مُسْتَقِلٌّ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بَابَ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَهُ سَبَبَانِ الْمَجْلِسُ وَالشَّرْطُ فَيُقَالُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَإِذَا صَحَّحْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ أَثْبَتْنَا فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فَتَصِيرُ الْأَسْبَابُ ثَلَاثَةً
* ثُمَّ فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِيمَا ثَبَتَ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مِنْ الْعُقُودِ وَقَدْ جَمَعَهَا أَصْحَابُنَا هُنَا وَأَعَادُوهَا فِي أَبْوَابِهَا مُفَرَّقَةً وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِهَا فِي أَبْوَابِهَا مُفَرَّقَةً وَالْمُخْتَارُ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ فَنَسْلُكُهَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْعُقُودُ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ إمَّا مِنْ الطرفين كالشركة والوكالة والوديعة والعارية والدين والقراض وَالْجَعَالَةِ وَإِمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا كَالضَّمَانِ وَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ فَلَا خِيَارَ فِيهَا كُلِّهَا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ مَتَى شَاءَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْكِتَابَةِ وَالضَّمَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمِمَّنْ حَكَاهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَتَطَرَّقُ الْفَسْخُ بِسَبَبٍ آخَرَ إلَى الرَّهْنِ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعِ وَأَقْبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيُمْكِنُ فَسْخُ الرَّهْنِ بِأَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فَيُفْسَخَ الرَّهْنُ تَبَعًا (الضرب الثَّانِي) الْعُقُودُ اللَّازِمَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ وَارِدَةٌ عَلَى الْعَيْنِ وَوَارِدَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَالْأَوَّلُ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَبَيْعِ
الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا كُلِّهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَيُسْتَثْنَى منها(9/175)
صُوَرٌ (إحْدَاهَا) إذَا بَاعَ مَالَهُ لِوَلَدِهِ أَوْ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وجهان (أصحهما) ثُبُوتُهُ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ خِيَارٌ لِلْوَلَدِ وَخِيَارٌ لِلْأَبِ وَيَكُونُ الْأَبُ نَائِبَ الْوَلَدِ فَإِنْ أَلْزَمَ الْبَيْعَ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَلَدِ لَزِمَ وَإِنْ أَلْزَمَ لِنَفْسِهِ بَقِيَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ فَإِذَا فَارَقَ الْمَجْلِسَ لَزِمَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْإِلْزَامِ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ نَفْسَهُ وَإِنْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْوَجْهَ الاول قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ وَالثَّانِي قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا قَالَ فَعَلَى الثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ إلَّا بِأَنْ يَخْتَارَ الْأَبُ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ ثبت الخيار للولد إذا ابلع وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ صِرْفًا فَفَارَقَ الْمَجْلِسَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَا يَبْطُلُ عَلَى الثَّانِي إلَّا بِالتَّخَايُرِ (الثَّانِيَةُ) لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يُبْنَى خِيَارُ الْمَجْلِسِ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ (فَإِنْ قُلْنَا) هُوَ لِلْبَائِعِ فَلَهُمَا الْخِيَارُ وَلَا يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنُ الْخِيَارِ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ فَلَهُمَا الْخِيَارُ فَإِذَا أَمْضَيَا الْعَقْدَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عَتَقَ بِالشِّرَاءِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ وَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ وَفِي عِتْقِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنُ الْخِيَارِ ثُمَّ حُكِمَ بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ
(وَالثَّانِي)
يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ حِينَ الشَّرْيِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَنْقَطِعُ خِيَارُ الْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْأَجْنَبِيَّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْكَمَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَأَنْ لَا يُعْتِقَ الْعَبْدَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا إلَّا بِأَصْلِ الْعَقْدِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ
* وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ وَقَالَ الْأَوْدَنِيُّ يَثْبُتُ وَتَابَعَ الْغَزَالِيُّ إمَامَهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاخْتِيَارُهُمَا شَاذٌّ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَيْعِ الْأَعْطِيَةِ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ قَالَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) قَالَ وَصُورَتُهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَأَعْتَقَهُ صَحَّ قَالَ وَلَوْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي صَحَّ الْعَقْدُ وَلَمْ يُتَصَوَّرْ إعْتَاقُهُ لِأَنَّهُ صَارَ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ حُرًّا (الثَّالِثَةُ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ(9/176)
أَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ جَائِزٌ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَوْ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فِيهَا طَرِيقَيْنِ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ صِحَّتُهُ
(وَالثَّانِي)
عَلَى قَوْلَيْنِ فَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الحسن العبادي والقاضى حسين ومالا إلَى تَرْجِيحِ ثُبُوتِهِ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي بِتَرْجِيحِ ثُبُوتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ فَأَشْبَهَ الْكِتَابَةَ (الرَّابِعَةُ) فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي شَرْيِ الْجَمْدِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ يَتْلَفُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ (وَالْأَصَحُّ) ثُبُوتُهُ (الْخَامِسَةُ) إنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ وَلَمْ يَثْبُتْ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَهَذَا الْمَبِيعُ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِثْنَاءِ (السَّادِسَةُ) إنْ بَاعَ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَنَذْكُرُهَا مَبْسُوطَةً قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَحَدُهَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةً
* هَذَا حُكْمُ الْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ وَاَللَّهُ أعلم
* ولا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَلَا فِي الْإِبْرَاءِ وَلَا فِي الْإِقَالَةِ (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا فَسْخٌ (وَإِنْ قُلْنَا) هِيَ بَيْعٌ فَفِيهَا الْخِيَارُ وَلَا يَثْبُتُ فِي الْحَوَالَةِ (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا لَيْسَتْ مُعَاوَضَةً (وَإِنْ قُلْنَا) مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُعَاوَضَاتِ وَلَا يَثْبُتُ فِي الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي وَفِي ثُبُوتِهِ لِلشَّفِيعِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْفَارِقِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابَيْهِ التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ الراجح في الدليل أيضا فان أثبتناه فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ مادام فِي الْمَجْلِسِ مَعَ تَفْرِيعِنَا عَلَى قَوْلِنَا الشُّفْعَةُ عَلَى الْفَوْرِ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ له الخيار في نقض الملك ورده مادام فِي الْمَجْلِسِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهِيَ حَقِيقَةُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ (وَأَمَّا) مَنْ اخْتَارَ عَيْنَ مَالِهِ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ أنه يثبت له الخيار مادام فِي الْمَجْلِسِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَا خِيَارَ فِي الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَفَسْخِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَا فِي الْهِبَةِ إنْ لَمْ يكن ثَوَابٌ فَإِنْ كَانَ ثَوَابٌ مَشْرُوطٌ أَوْ قُلْنَا نَقِيصَتُهُ الْإِطْلَاقُ فَلَا خِيَارَ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا وَالْحَدِيثُ وَرَدَّ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ (قَالَ) الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مَوْضِعُ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ(9/177)
أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا خِيَارَ قَطْعًا (وَأَمَّا) إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ لِفَلَسِ الْمُشْتَرِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ قَوْلَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْقِسْمَةِ إنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ وَإِلَّا فَإِنْ جَرَتْ بِالْإِجْبَارِ فَلَا رَدَّ وَإِنْ جَرَتْ بِالتَّرَاضِي (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا إقْرَارٌ فَلَا خِيَارَ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَلَا خِيَارَ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ (وَقَالَ) الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَتْ قِسْمَةَ إجْبَارٍ وَقُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فَلَا خِيَارَ لِلْمُجْبَرِ وَفِي الطَّالِبِ وَجْهَانِ كَالشَّفِيعِ (النَّوْعُ الثَّانِي) الْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَمِنْهُ النِّكَاحُ وَلَا خِيَارَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِيَارَ فِي الصَّدَاقِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ أَثْبَتْنَاهُ فَفُسِخَتْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ ثُبُوتُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي عِوَضِ الْخُلْعِ وَالْأَصَحُّ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ وَلَا تَنْدَفِعُ الْفُرْقَةُ بِحَالٍ
* وَمِنْهُ الْإِجَارَةُ وَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الْقَاسِمِ الْكَرْخِيِّ - بِالْخَاءِ - يَثْبُتُ وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَابْنُ الْقَاصِّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيِّ وَالْجُمْهُورِ لَا يَثْبُتُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ الْخِلَافُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ (أَمَّا) الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا قَطْعًا كَالسَّلَمِ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ فَفِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مِنْ وَقْتِ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الْمُؤَجِّرُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (قَالَ) الْإِمَامُ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَحَدٌ فِيمَا أَظُنُّ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فِي الْقِيَاسِ (وَأَصَحُّهُمَا) أنه يحسب من وقت العقد فعلى هذا فعلى من تحسب مدة الخياران كَانَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَهِيَ محسوبة على المؤجر وان كَانَ بَعْدَهُ (فَوَجْهَانِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الخيار على ضمان من يكون وفيه وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى هَذَا تُحْسَبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَيْهِ تَمَامُ الْأُجْرَةِ
(وَالثَّانِي)
مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَعَلَى هَذَا تُحْسَبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَيَحُطُّ مِنْ الْأُجْرَةِ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ تِلْكَ الْمُدَّةَ
* (وَأَمَّا) الْمُسَاقَاةُ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ المجلس فيها طريقان أصحهما في الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْإِجَارَةِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ لِعِظَمِ الْغَرَرِ فِيهَا فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرُ الخيار
* (وأما المسابقة) فَكَالْإِجَارَةِ إنْ قُلْنَا إنَّهَا لَازِمَةٌ وَكَالْعُقُودِ الْجَائِزَةِ إنْ قُلْنَا إنَّهَا جَائِزَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ تَبَايَعَا بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا(9/178)
وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَذَكَرَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَقْوَالًا (أَصَحُّهَا) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْقَدِيمِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ (وَالثَّالِثُ) صَحِيحٌ وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ وَلَوْ شَرَطَا نَفْيَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَى قَوْلِنَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَطَرَدَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ الْخِلَافَ وَهَذَا الْخِلَافُ يُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَا إذَا قَالَ لعبده ان بعتك فانت حرثم بَاعَهُ بِشَرْطِ نَفْيِ الْخِيَارِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْبَيْعُ بَاطِلٌ أَوْ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ لَمْ يَعْتِقْ (وَإِنْ قُلْنَا) صَحِيحٌ وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ عَتَقَ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ نَافِذٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِيمَا يَنْقَطِعُ بِهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ عَقْدٍ ثَبَتَ فِيهِ هَذَا الْخِيَارُ حَصَلَ انْقِطَاعُ الْخِيَارِ فِيهِ بِالتَّخَايُرِ وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِالتَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ (أَمَّا) التَّخَايُرُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَا تَخَايَرْنَا أَوْ اخترنا امضاء العقد أو أمضيناه أَوْ أَجَزْنَاهُ أَوْ أَلْزَمْنَاهُ وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا اخْتَرْتُ إمْضَاءَهُ انْقَطَعَ خِيَارُهُ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ كَمَا إذَا أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا خِيَارَ الشَّرْطِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْآخَرِ خِيَارٌ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَتَبَعَّضُ ثُبُوتُهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ سُقُوطُهُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ القاضى حسين وإمام الحرمين أنه لا يبط خِيَارُ الْقَائِلِ وَلَا صَاحِبِهِ لِأَنَّ شَأْنَ الْخِيَارِ أَنْ يَثْبُتَ بِهِمَا أَوْ يَسْقُطَ فِي حَقِّهِمَا ولا يمكن حَقُّ السَّاكِتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّ القائل أيضا وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ فَاسِدٌ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) سُقُوطُ خِيَارِ الْقَائِلِ فَقَطْ
(وَالثَّانِي)
يَسْقُطُ خِيَارُهُمَا (وَالثَّالِثُ) يَبْقَى خِيَارُهُمَا (أَمَّا) إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ أَوْ خَيَّرْتُك فَقَالَ الْآخَرُ اخْتَرْتُ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ سَكَتَ الْآخَرُ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُ السَّاكِتِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي خِيَارِ الْقَائِلِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ هُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْقُطُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اخْتَارَ وَاحِدٌ وَفَسَخَ الْآخَرُ حُكِمَ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الخيار ولو قالا أبطلنا أَوْ قَالَا أَفْسَدْنَا (فَوَجْهَانِ) حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ وَالِدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ يُشْعِرُ بِمُنَاقَضَةِ الصِّحَّةِ وَمُنَافَاةِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ كَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تَصَرُّفٌ(9/179)
فِي الْخِيَارِ
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ الْخِيَارُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَالَ) الْإِمَامُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَكِنْ رَمَزَ إلَيْهِ شَيْخِي وَذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ (أَمَّا) إذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ وَتَبَايَعَا الْعِوَضَيْنِ بَيْعًا ثَانِيًا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ الثَّانِي أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ رِضَاءٌ بِلُزُومِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ هَلْ يُمْنَعُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُمْنَعُ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فُسِخَ وَالصَّوَابُ
* الْأَوَّلُ وَلَوْ تَقَابَضَا فِي الصَّرْفِ ثُمَّ أَجَازَا فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَ الْعَقْدُ فَإِنْ اخْتَارَاهُ قبل التقابض فوجهان
(أحدهما)
تلغو الاجارة فَيَبْقَى الْخِيَارُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَأْثَمَانِ إنْ تَفَرَّقَا عَنْ تَرَاضٍ وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْمُفَارَقَةِ أَثِمَ هُوَ وَحْدَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِالتَّخَايُرِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ التَّخَايُرَ كَالتَّفَرُّقِ وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً فِي بَابِ الرِّبَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا التَّفَرُّقُ فَهُوَ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا فَلَوْ أَقَامَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مُدَّةً مُتَطَاوِلَةً كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أو قاما وتماشيا مَرَاحِلَ فَهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُمَا لَوْ شَرَعَا فِي أَمْرٍ آخَرَ وَأَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ فَطَالَ الْفَصْلُ انْقَطَعَ الْخِيَارُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالرُّجُوعُ فِي التَّفَرُّقِ إلَى الْعَادَةِ فَمَا عَدَّهُ الناس تفرقا فهو تفرق ملتزم للعقد ومالا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا كَانَا فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ فَالتَّفَرُّقُ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا أَوْ يَصْعَدَ السَّطْحَ وَكَذَا لَوْ كَانَا فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ أَوْ سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً حَصَلَ التَّفَرُّقُ بِأَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ أَوْ مِنْ الصَّحْنِ إلَى بَيْتٍ أَوْ صُفَّةٍ وَإِنْ كَانَا فِي سُوقٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ سَاحَةٍ أَوْ بِيعَةٍ فَإِذَا وَلَّى أَحَدُهُمَا ظَهْرَهُ وَمَشَى قَلِيلًا حَصَلَ التَّفَرُّقُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ بِشَرْطِ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ صَاحِبِهِ بِحَيْثُ لَوْ كَلَّمَهُ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الصَّوْتِ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَحَّحَهُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ عَنْ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ سِوَى الْإِصْطَخْرِيِّ
* وَاحْتَجُّوا لَهُ بِمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ عن(9/180)
ابن عمر وهو صحيح عن ابن عمر كَمَا سَبَقَ وَدَلَالَتُهُ لِلْجُمْهُورِ ظَاهِرَةٌ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يُوَلِّيَهُ ظَهْرَهُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ لَكِنَّهُ مُؤَوَّلٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَكِنْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ مِنْ سِتْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ شُقَّ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ لَمْ يَحْصُلْ التَّفَرُّقُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ كَمَا لَوْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْقَطْعُ بِهِ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ سِتْرٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ
(وَالثَّانِي)
يَسْقُطُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَادَّعَى أَنَّهُ يُسَمَّى تَفَرُّقًا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ (وَقَالَ) الرُّويَانِيُّ إنْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ أَوْ غيره لم يحصل التفرق لانهما لم يفترقا وَلِأَنَّهُمَا لَوْ غَمَّضَا أَعْيُنَهُمَا لَمْ يَحْصُلْ التَّفَرُّقُ وَقَالَ وَالِدِي إنْ جُعِلَ الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا بِأَمْرِهِمَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ قَالَ وَقِيلَ إنْ أُرْخِيَ سِتْرٌ لَمْ يَحْصُلْ وَإِنْ بُنِيَ حائط حصل وليس بشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصَحْنُ الدَّارِ وَالْبَيْتُ الْوَاحِدُ إذَا تَفَاحَشَ اتِّسَاعُهُمَا كَالصَّحْرَاءِ فَيَحْصُلُ التَّفَرُّقُ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَنَادَيَا وَهُمَا مُتَبَاعِدَانِ وَتَبَايَعَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْخِيَارُ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا خِيَارَ لَهُمَا لِأَنَّ التَّفَرُّقَ الطَّارِئَ يَقْطَعُ الْخِيَارَ فَالْمُقَارِنُ يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يقال يثبت ماداما فِي مَوْضِعِهِمَا فَإِذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُ الْآخَرِ أَمْ يَدُومُ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَكَانَهُ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وقطع المتولي بأن الخيار يثبت لهما ماداما فِي مَوْضِعِهِمَا فَإِذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ فِي الْمَوْضِعِ عُدَّ تَفَرُّقًا حَصَلَ التَّفَرُّقُ وَسَقَطَ الْخِيَارُ هَذَا كَلَامُهُ وَالْأَصَحُّ فِي الْجُمْلَةِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَهُ وَيَنْقَطِعُ بِذَلِكَ خِيَارُهُمَا جَمِيعًا وَسَوَاءٌ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ كَانَا مُتَبَاعِدَيْنِ فِي صَحْرَاءَ أَوْ سَاحَةٍ أَوْ كَانَا فِي بَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ أَوْ فِي صَحْنٍ وَصُفَّةٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أُكْرِهَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ فَحُمِلَ مُكْرَهًا حَتَّى أُخْرِجَ مِنْهُ أَوْ أُكْرِهَ حَتَّى خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْفَسْخِ بِأَنْ سُدَّ فَمُهُ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ(9/181)
أَبُو حَامِدٍ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الاصحاب وقيل في انقطاعه وجهان قاله الفقال وَحَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالُوا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالْمَوْتِ قَالُوا وَهُنَا أَوْلَى بِبَقَائِهِ لِأَنَّ إبْطَالَ حَقِّهِ قهرا بعيد ما إذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْفَسْخِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْقَطِعُ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَحَكَاهُ جَمَاعَاتٌ
(وَالثَّانِي)
هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فيه وجهان ذكر المصنف دليلهما
(أحدهما)
ينقطع قاله أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْقَطِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ قَرِيبًا أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ أَثَرَ ذَلِكَ الْمَشْيِ وَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ سَوَاءٌ مُنِعَ مِنْ الْفَسْخِ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ انْقَطَعَ أَيْضًا خِيَارُ الْمَاكِثِ فِي الْمَجْلِسِ لِحُصُولِ التَّفَرُّقِ وإلا فله التصرف بِالْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ إذَا تَمَكَّنَ وَهَلْ خِيَارُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ مَجْلِسِ التَّمَكُّنِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ سَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا مَاتَ وَقُلْنَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِوَارِثِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُقَيَّدُ بالفور وكان مستقراحين زَايَلَهُ الْإِكْرَاهُ فِي مَجْلِسٍ امْتَدَّ الْخِيَارُ امْتِدَادَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَ مَارًّا فَإِذَا فَارَقَ فِي مُرُورِهِ مَكَانَ التَّمَكُّنِ انْقَطَعَ خِيَارُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِيَجْتَمِعَ هُوَ وَالْعَاقِدُ الْآخَرُ إنْ طَالَ الزَّمَانُ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ انْقَطَعَ حِسًّا فَلَا مَعْنَى لِلْعَوْدِ إلَيْهِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ قَالَ فَإِنْ قَصُرَ الزَّمَانُ فَفِي تَكْلِيفِهِ الرُّجُوعَ احْتِمَالٌ وَاَللَّهُ أعلم
* و (إذا قُلْنَا) لَا يُبْطِلُ خِيَارُ الْمُكْرَهِ عَلَى الْمُفَارَقَةِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُ الْمَاكِثِ أَيْضًا إنْ مُنِعَ الْخُرُوجَ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْنَعْ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يبطل هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يُفَرَّقُوا بَيْنَ مَنْ حُمِلَ مُكْرَهًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّفَرُّقِ و (قال) الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَطَائِفَةٌ هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا إذَا حمل مكرها فان أكرها حَتَّى تَفَرَّقَا بِأَنْفُسِهِمَا فَفِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ قَوْلَانِ كحنث الناسي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ هَرَبَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ فَقَدْ أَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا مِمَّنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (وَقَالَ) البغوي(9/182)
والرافعي إن لم يتبعه الآخر مع التمكن بَطَلَ خِيَارُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بَطَلَ خِيَارُ الْهَارِبِ دُونَ الْآخَرِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ وَلِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ إذَا مَشَى عَلَى الْعَادَةِ بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْ والله أَعْلَمُ
* فَلَوْ هَرَبَ وَتَبِعَهُ الْآخَرُ قَالَ الْمُتَوَلِّي يدوم الخيار ماداما مُتَقَارِبَيْنِ فَإِنْ تَبَاعَدَا بِحَيْثُ يُعَدُّ فُرْقَةً بَطَلَ اختيارهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ جَاءَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَعًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا تَفَرَّقْنَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَنَلْزَمُهُ وَقَالَ الثَّانِي لَمْ نَتَفَرَّقْ وَأَرَادَ الْفَسْخَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّفَرُّقِ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى التَّفَرُّقِ وَقَالَ الآخر فَسَخْتُ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (فَوَجْهَانِ) الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْبَاقُونَ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسْخِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِتَصَرُّفِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ
* وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّفَرُّقِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَدَعْوَاهُ الْفَسْخَ فَسْخٌ وَلَوْ أَرَادَ الفسخ فقال الآخر أنت اخترت قَبْلَ هَذَا فَأَنْكَرَ الْإِجَازَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكَرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا فَسَخْتُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقَالَ الْآخَرُ بَعْدَهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ رَاجَعْتُكِ فَقَالَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ قَالَ وَحَاصِلُهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُصَدَّقُ الْبَائِعُ
(وَالثَّانِي)
الْمُشْتَرِي (وَالثَّالِثُ) السَّابِقُ بالدعوي (والرابع) يقبل قول من يدع الْفَسْخَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي فَسَخَ فِيهِ وَقَوْلُ الْآخَرِ فِي وَقْتِ التَّفَرُّقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ مَنْ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ وَالنَّاظِرِ فِي أَمْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَسَنُوَضِّحُهُ بِفُرُوعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَإِنْ خَرِسَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِلَّا نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ يَعْمَلُ مَا فِيهِ حَظُّهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(9/183)
(أَمَّا) إذَا نَامَا فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يُسَمَّى تَفَرُّقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَاقِدِ فَلَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ هَلْ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنُوَضِّحُهُ فِي الْمُكَاتَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا مَاتَ هَلْ يَنْتَقِلُ خِيَارُهُ إلَى سَيِّدِهِ (الْأَصَحُّ) الِانْتِقَالُ قَالَ وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ كَمَا أَنَّهُ حَصَلَ لِلسَّيِّدِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ خِلَافٌ آخَرُ سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ فَلَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ صَحَّ فَسْخُهُ وَأَجْبَرْنَاهُ عَلَى بَيْعِهِ ثَانِيًا وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَالْفَسْخُ وَهَكَذَا أَبَدًا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ
* مَذْهَبُنَا ثُبُوتُهُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ الصَّحَابِيِّ وَسَعِيدِ ابن المسيب وطاووس وعطاء وسريج والحسن البصري والشعبى والزهرى والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ بن عيينة وابن المبارك وعلي ان المدايني وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ بَلْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ الايجاب والقبول وحكي هذا عن سريج وَالنَّخَعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فَظَاهِرُ الْآيَةِ جَوَازُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَبِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ بيعه في المجلس قبل التفرق وعن عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وغيره(9/184)
بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالُوا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لا يملك الفسخ الا من مِنْ جِهَةِ الِاسْتِقَالَةِ
* وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِهِمَا وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ بِمَجْهُولٍ فَإِنَّ مُدَّةَ الْمَجْلِسِ مَجْهُولَةٌ فَأَشْبَهَ لَوْ شَرَطَا خِيَارًا مَجْهُولًا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تبايعا الْمُتَبَايِعَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا تَبَايَعَ الْبَيْعَ وَأَرَادَ أَنْ يَجِبَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ خِيَارًا قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا اشترى الشئ يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ بيعين لابيع بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبَائِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا محقت بركت بيعهما) رواه البخاري ومسلم وعن أبى الوضئ - بكسر الضاد المعجمة وبالهمز - واسمه عباد ابن نُسَيْبٍ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ قَالَ (غَزَوْنَا غَزْوَةً فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا لِغُلَامٍ ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا فَلَمَّا أَصْبَحَا مِنْ الْغَدِ حَضَرَ الرَّحِيلُ فَقَامَ إلَى فَرَسِهِ يُسْرِجُهُ وَنَدِمَ وَأَتَى الرَّجُلَ وَأَخَذَهُ بِالْبَيْعِ فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إليه فقال بينى وبينك أبوبرزة صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيَا أَبَا بَرْزَةَ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَقَالُوا لَهُ الْقِصَّةَ فَقَالَ أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ (مَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خير(9/185)
أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الْبَيْعِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعَ رَجُلًا فَلَمَّا بَايَعَهُ قَالَ اخْتَرْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا الْبَيْعُ) رَوَاهُ أَبُو داود الطيالسي والبيهقي وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ رواية أبى هريرة وجابر وسمرة وعمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ عَنْ ابن عمر قال (بعث أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ مَالًا بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ تخيير فَلَمَّا تَبَايَعَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى خَرَجْتُ من بينه خشية أن يرد فِي الْبَيْعِ وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَلَمَّا وَجَبَ بيعي وبيعه رأيت انى قد غبنته فأتى سعيه إلَى أَرْضِ ثَمُودَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ وَسَاقَنِي إلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُتَّصِلًا بِإِسْنَادِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ الْحَدِيثُ (فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) أَثْبَتُ مِنْ هَذِهِ الْأَسَاطِيرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عن على بن المدائني عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ الْكُوفِيِّينَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ فَحَدَّثُوا بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ أَبُو حنيفة ليس هذا بشئ أَرَأَيْتَ إنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ قَالَ ابْنُ المدائني إنَّ اللَّهَ سَائِلُهُ عَمَّا قَالَ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ اعْتَرَضَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهَا بَلَغَتْهُمَا (فَأَمَّا) مَالِكٌ فَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (وَأَمَّا) أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ الْآنَ مِنْ قَوْلِهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَفَرُّقُهُمَا (وَأَمَّا) مَالِكٌ فَقَالَ الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَة لَا يُثْبِتُونَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا خَالَفَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَرَكَهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَالِاعْتِرَاضَانِ بَاطِلَانِ مَرْدُودَانِ لِمُنَابَذَتِهِمَا السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ (وَأَمَّا) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ فَنَحْنُ نقول به فان خيارهما يدوم ماداما مجتمعين في السفينة ولو بقياسنة وَأَكْثَرَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُبَيَّنَةً وَدَلِيلُهَا إطْلَاقُ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) قَوْلُ مَالِكٍ فَهُوَ اصْطِلَاحٌ لَهُ وَحْدَهُ مُنْفَرِدٌ بِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ السُّنَنِ لِتَرْكِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الْعَمَلَ بِهَا وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْمَذْهَبُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ وَرُوَاةَ الْأَخْبَارِ لَمْ يَكُونُوا فِي عَصْرِهِ وَلَا فِي الْعَصْرِ الَّذِي قَبْلَهُ مُنْحَصِرِينَ فِي الْمَدِينَةِ وَلَا فِي الْحِجَازِ بَلْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ قِطْعَةٌ مِنْ(9/186)
الْأَخْبَارِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ فَنَقَلَهَا وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَبُولُهَا وَمَعَ هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ مُتَصَوَّرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ غَنِيَّةٌ عَنْ الْإِطَالَةِ فِيهَا هُنَا هَذَا كُلُّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَكِنْ لَيْسَ هُمْ مُتَّفِقِينَ فَهَذَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَحَدُ أَئِمَّةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مالك قد أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَغْلَظَ فِي الْقَوْلِ بِعِبَارَاتٍ مَشْهُورَةٍ حَتَّى قَالَ يُسْتَتَابُ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى اتِّفَاقِهِمْ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخيار أراد ماداما فِي الْمُسَاوَمَةِ وَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا يُسَمَّيَانِ مُتَبَايِعَيْنِ حقيقة وإنما يقال كانا مبتايعين (قَالَ أَصْحَابُنَا) فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ
* (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشافعي رحمه الله وهو أنهما ماداما فِي الْمُقَاوَلَةِ يُسَمَّيَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ وَلَا يُسَمَّيَانِ مُتَبَايِعَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ مَا بَايَعَ وَكَانَ مُسَاوِمًا وَتَقَاوَلَا فِي الْمُسَاوَمَةِ وَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَعْقِدَا لَمْ يَحْنَثْ بِالِاتِّفَاقِ
(والثانى)
أن المتبايعان اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْعِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْبَيْعُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَقَّ مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ مَعْنَى لَا يَصِحُّ اشْتِقَاقُهُ حَتَّى يُوجَدَ
* (الْمَعْنَى الثَّالِثُ) إنْ حُمِلَ الْخِيَارُ عَلَى مَا قُلْنَا يَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةٌ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً قَبْلَ الْحَدِيثِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمُسَاوَمَةِ يَخْرُجُهُ عَنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَا عَقَدَا وَإِنْ شَاءَا تَرَكَا (الرَّابِعُ) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدَّ الْخِيَارَ إلَى التَّفَرُّقِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِثُبُوتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَقْدِ (الْخَامِسُ) أَنَّ رَاوِي الْحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ إلْزَامَ الْبَيْعِ مَشَى قَلِيلًا لِيَنْقَطِعَ الْخِيَارُ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْحَدِيثِ
* (فَإِنْ قِيلَ) الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ ما جاءتهم البينة) فَالْمُرَادُ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ (قُلْنَا) الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَيْسَ تَفَرُّقًا مِنْهُمَا فِي الْقَوْلِ لِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْقَوْلَ فَغَرَضُهُ أَنْ يَقْبَلَهُ صَاحِبُهُ فَإِذَا قَبِلَهُ فَقَدْ وَافَقَهُ وَلَا يُسَمَّى مُفَارَقَةً وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً وَقِيَاسَاتٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ منكم) فهو انه عام مخصوص بما ذكرنا وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يستوفيه) فانه عام مخصوص بما ذكرنا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) فَهُوَ أَنَّهُ دليل لنا كما جعله(9/187)
التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ دَلِيلًا لِإِثْبَاتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَخَافَةَ أن يختار الفسخ فعبر بالاقالة عَنْ الْفَسْخِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَشْيَاءُ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
الْخِيَارَ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ثُمَّ ذَكَرَ الْإِقَالَةَ فِي الْمَجْلِسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِقَالَةِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِقَالَةِ الْفَسْخُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْإِقَالَةِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُفَارَقَةِ مَخَافَةَ أَنْ يُقِيلَهُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا الْمَالَ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدَانِ بِفَسَادِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ خِيَارٌ مَجْهُولٌ أَنَّ الْخِيَارَ الثَّابِتَ شَرْعًا لَا يَضُرُّ جَهَالَةُ زَمَنِهِ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِشَرْطِهِمَا فَاشْتُرِطَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا إذَا قَامَا مِنْ مَجْلِسٍ وَتَمَاشَيَا جَمِيعًا دَامَ خِيَارُهُمَا ماداما مَعًا وَإِنْ بَقِيَا شَهْرًا أَوْ سَنَةً هَذَا مذهبنا وحكى الرويانى عن عبيد الله بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَنْقَطِعُ بِهِ مفارقة مجلسهما وإن كانا (1) وَدَلِيلُنَا عُمُومُ الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِإِبْطَالِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ هَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ حَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُنْقَضُ لِلِاخْتِلَافِ
(وَالثَّانِي)
يُنْقَضُ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز شرط خيار ثلاثة أيام في البيوع التى لا ربا فيها لما روى مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنَ حِبَّانَ قَالَ كَانَ جدى قد بلغ ثلاثين ومائة سنة لا يترك البيع والشراء ولا يزال يخدع فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بايعته فقل لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثا.
(فأما) في البيوع التى فيها الربا وهى الصرف وبيع الطعام بالطعام فلا يجوز فيها شرط الخيار لانه لا يجوز أن يتفرقا قبل تمام البيع ولهذا لا يجوز أن يتفرقا إلا عن قبض العوضين فلو جوزنا شرط الخيار لتفرقا ولم يتم البيع بينهما وجاز شرط الخيار في ثلاثة أيام وفيما دونها لانه إذا جاز شرط الثلاث فما دونها أولى
__________
(1) بياض بالاصل(9/188)
بذلك ولا يجوز اكثر من ثلاثة ايام لانه غرر وإنما جوز في الثلاث لانه رخصة فلا يجوز فيما زاد ويجوز أن يشترط لهما ولاحدهما دون الآخر ويجوز أن يشترط لاحدهما ثلاثة أيام وللآخر
يوم أو يومان لان ذلك جعل إلى شرطهما فكان على حسب الشرط فان شرط ثلاثة أيام ثم تخايرا سقط قياسا على خيار المجلس
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ أَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ مُرْسَلًا لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ فَثَبَتَ أَنَّهُ وَقَعَ هُنَا مُرْسَلًا وَحَبَّانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ تَصَحَّفَهُ الْمُتَفَقِّهُونَ وَنَحْوُهُمْ وَهُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْغَبْنُ وَالْخَدِيعَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسحق قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يَشْكُو إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَكَأَنِّي الْآنَ أَسْمَعُهُ إذَا ابْتَاعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ قال ابن اسحق فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنَ حبان قال كان جدى منقد بْنَ عَمْرٍو وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أُصِيبَ فِي رأس أمه وَكُسِرَتْ لِسَانُهُ وَنَقَصَتْ عَقْلُهُ وَكَانَ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ وَكَانَ لَا يَدْعُ التِّجَارَةَ فَشَكَا ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إذَا ابْتَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ بَيْعٍ تَبْتَاعُهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ إنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ) فَبَقِيَ حَتَّى أَدْرَكَ زَمَنَ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَكَبِرَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ فَكَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَرَجَعَ بِهِ فَقَالُوا لَهُ لِمَ تَشْتَرِي أَنْتَ فَيَقُولُ قَدْ جَعَلَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ابْتَعْتُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَيَقُولُونَ أَرْدُدْهُ فَإِنَّكَ قَدْ غُبِنْتَ أَوْ قَالَ غُشِشْتَ فَيَرْجِعُ إلَى بَيْعِهِ فَيَقُولُ خُذْ سِلْعَتَكَ وَأَرْدُدْ دَرَاهِمِي فَيَقُولُ لَا أَفْعَلُ قد رضيت فدهبت حَتَّى يَمُرَّ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَنِي بِالْخِيَارِ فِيمَا(9/189)
تَبْتَاعُ ثَلَاثًا فَيَرُدُّ عَلَيْهِ دَرَاهِمَهُ وَيَأْخُذُ سِلْعَتَهُ) هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي ترجمة منقد بْنِ عَمْرٍو بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ اسحق ومحمد بن اسحق الْمَذْكُورُ فِي إسْنَادِهِ هُوَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَالْأَكْثَرُونَ وَثَّقُوهُ وَإِنَّمَا عَابُوا عَلَيْهِ التَّدْلِيسَ وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي أَوْ سَمِعْتُ وَنَحْوَهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُصَرِّحَةِ بِالسَّمَاعِ اُحْتُجَّ بِهِ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسَائِرِ الْمُحَدِّثِينَ وَجُمْهُورِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَإِنَّمَا يَتْرُكُونَ مِنْ حَدِيثِ المدلس ما قال فيه عنه وقد سبقت هذه المسألة مقررة مرات لكن القطعة التى ذكرها محمد بن اسحق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ مُرْسَلَةٌ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ وَلَكِنْ مِثْلُ هَذَا الْمُرْسَلِ يَحْتَجُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْمُرْسَلَ إذَا اعْتَضَدَ بِمُرْسَلٍ آخَرَ أَوْ بِمُسْنَدٍ أَوْ بِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ بِفُتْيَا عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ احْتَجَّ بِهِ وَهَذَا الْمُرْسَلُ قَدْ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى جَوَازِ شَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) مَا وَقَعَ فِي الْوَسِيطِ وَبَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَهُ وَاشْتُرِطَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ) أَيَّامٍ فَمُنْكَرٌ لَا يُعْرَفُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ أَقْوَى مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الشَّرْطِ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ نَقَلُوا فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَهُوَ كَافٍ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنْ فِي دَلَالَتِهِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَتْ مُدَّتُهُ مَعْلُومَةً (الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَكَانَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَنْعَ شَرْطِ الْخِيَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُذْرِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ للحاجة فيقتصر فيه على ما تدعوا إلَيْهِ الْحَاجَةُ غَالِبًا وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَتْ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَهُ فِي الْإِشْرَافِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ لَحْظَةً بَطَلَ الْبَيْعُ (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَجُوزُ دُونَهَا إذَا كَانَ مَعْلُومًا كَمَا ذكره المصنف ويجوز أن(9/190)
يشرط الخيار لاحدهما ويجوز لهما وَيَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةٌ وَلِلْآخَرِ يَوْمَانِ أَوْ يَوْمٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ مَعْلُومًا وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَبَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ (أَصَحُّهُمَا) يبطل البيع
(والثانى)
يصح ويباع عند الاشرف عَلَى الْفَسَادِ وَيُقَامُ ثَمَنُهُ مَقَامَهُ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ فَلَوْ شَرَطَا خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهَا مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ الغد أو متى شاءا أَوْ شَرَطَا خِيَارَ الْغَدِ دُونَ الْيَوْمِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ (قَالَ أَصْحَابُنَا) وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُدَّةِ مَعْلُومَةً فَإِنْ شَرَطَا الْخِيَارَ مُطْلَقًا وَلَمْ يقدراه بشئ أَوْ قَدَّرَاهُ بِمُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ كَقَوْلِهِ بَعْضُ يَوْمٍ أو إلى أن يجئ.
زَيْدٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَوْ شَرَطَاهُ إلَى وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ شَرَطَاهُ إلَى طُلُوعِهَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي كِتَابِ الْفُصُولِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ قَدْ لَا يَحْصُلُ لِحُصُولِ غَيْمٍ فِي السَّمَاءِ قَالَ فَلَوْ قَالَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ إلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ صَحَّ لِأَنَّ الْغُرُوبَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي سُقُوطِ قُرْصِ الشَّمْسِ هَذَا كَلَامُ الزُّبَيْرِيِّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْهُ الْمُتَوَلِّي وَسَكَتَ عَلَيْهِ (فَأَمَّا) شَرْطُهُمَا إلَى وَقْتِ الطُّلُوعِ وَإِلَى الْغُرُوبِ أَوْ وَقْتِ الْغُرُوبِ فَيَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الزُّبَيْرِيُّ وَأَمَّا إذَا شَرَطَاهُ إلَى الطُّلُوعِ فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ الْغَيْمَ إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ إشْرَاقِ الشَّمْسِ وَاتِّصَالِ الشُّعَاعِ لَا مِنْ نَفْسِ الطُّلُوعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا تَبَايَعَا نَهَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ أَوْ لَيْلًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى النَّهَارِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَدْخُلُ الزَّمَنُ الْآخَرِ فِي الشَّرْطِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَدْخُلُ لِأَنَّ لَفْظَةَ إلَى قَدْ تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (لا تأكلوا أموالهم الي أموالكم) دَلِيلُنَا أَنَّ أَصْلَ إلَى الْغَايَةُ فَهَذَا حَقِيقَتُهَا فَلَا تُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنَى مَعَ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ فَفِيهِ جَوَابَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ فَفِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقْدِيرُهُ.
مُضَافَةً إلَى أَمْوَالِكُمْ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ بِمَعْنَى مَعَ مَجَازًا فَلَا يَصِيرُ إلَى الْمَجَازِ فِي غَيْرِهَا بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَلِأَنَّهُمْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ رَمَضَانُ فِي الْأَجَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرابعة)(9/191)
ذا شَرَطَا الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ غَيْرَهَا ثُمَّ أَسْقَطَاهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ سَقَطَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا خِيَارَهُ سَقَطَ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ وَلَوْ أَسْقَطَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ سَقَطَ الْجَمِيعُ وَلَوْ أَسْقَطَا الثَّالِثَ لَمْ يَسْقُطْ
مَا قَبْلَهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فَلَوْ قَالَ أَسْقَطْتُ الْخِيَارَ فِي الْيَوْم الثَّانِي بِشَرْطِ أَنَّهُ يَبْقَى فِي الثَّالِثِ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ ان يشرط خِيَارًا مُتَرَاخِيًا عَنْ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ خِيَارًا مُتَرَاخِيًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ الْيَوْمَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْقَاطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الشَّرْطَ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَإِذَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ حُكِمَ بِلُزُومِ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ مِنْ الْعُقُودِ قَالَ أَصْحَابُنَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ مَعَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مُتَلَازِمَانِ غَالِبًا لَكِنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ أَسْرَعُ وَأَوْلَى ثُبُوتًا مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ فَقَدْ يَنْفَكَّانِ لِهَذَا فَإِذَا أَرَدْتَ التَّفْصِيلَ فَرَاجِعْ مَا سَبَقَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي صُوَرِ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْبُيُوعَ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ كَالصَّرْفِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ أَوْ الْقَبْضِ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَالسَّلَمِ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ يَثْبُتُ فِيهَا وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ السَّلَمِ هُنَا وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ (الثَّانِي) أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ فِي الشُّفْعَةِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِي الْحَوَالَةِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهِمَا خِلَافٌ سَبَقَ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ إذَا كَانَ رَجَعَ فِي سِلْعَةٍ بَاعَهَا ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ (الرَّابِعُ) فِي الْهِبَةِ بشرط الثواب وَفِي الْإِجَارَةِ طَرِيقٌ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِهِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ (وَأَمَّا) شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الصَّدَاقِ فَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيضَاحُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَفَسَادُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَدْ اشْتَهَرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا خِلَابَةَ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا أَطْلَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَهُمَا عَالِمَانِ بِمَعْنَاهَا كَانَ كَالتَّصْرِيحِ بِالِاشْتِرَاطِ وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ قَطْعًا فَإِنْ عَلِمَهُ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي(9/192)
وَابْنُ الْقَطَّانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَثْبُتُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ غَلَطٌ لِأَنَّ مُعْظَمَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ عَارِفٍ بِهِ
(فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ رَدَّ الثَّمَنَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وغيره
(أحدهما)
يصح العقد ويكون تقدير الصُّورَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمُشْتَرِي شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَقَطْ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْبَائِعَ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ فقط وهذا قول أبى اسحق قَالَ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَازَ ذَلِكَ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطِ خِيَارٍ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ شَرْطًا مُطْلَقًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ الْقَوْمَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا يَوْمًا وَفِي الْآخَرِ يَوْمَيْنِ (وَالْأَصَحُّ) صِحَّةُ الْبَيْعِ فَإِنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِيمَا شُرِطَ عَلَى مَا شَرَطَ
* وَلَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ فِيهِمَا ثُمَّ أَرَادَا الْفَسْخَ فِي أَحَدِهِمَا فَعَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (الْأَصَحُّ) لَا يَجُوزُ وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا مِنْ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ بِشَرْطِ خِيَارِ يَوْمٍ اقْتَضَى إطْلَاقَهُ الْيَوْمَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ نِصْفَ النَّهَارِ مَثَلًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إلَى أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَيَدْخُلَ اللَّيْلُ فِي حُكْمِ الْخِيَارِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ ثَبَتَ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي اللَّيْلِ ثَبَتَ الْخِيَارُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْمُتَّصِلِ بِذَلِكَ اللَّيْلِ
*(9/193)
(فَرْعٌ)
إذَا شَرَطَا فِي الْبَيْعِ خِيَارًا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فَلَوْ أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا
لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ ثُمَّ قُدِّرَ الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يُتَوَهَّمَ دُخُولُ وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَا خِلَافَ فِي الصُّورَتَيْنِ
* عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَقَعَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَبِإِسْقَاطِ الزِّيَادَةِ وَالْجَهَالَةِ يَعُودُ صَحِيحًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَقَعَ صَحِيحًا وَإِذَا لَمْ تَسْقُطْ الزِّيَادَةُ فَسَدَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَوْقُوفٌ
* دَلِيلُنَا أَنَّ مَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ دَائِمًا لَمْ يُعَدَّ صَحِيحًا كَمَا لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْخَامِسَةِ (أَمَّا) إذَا أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هُنَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ جَارِيَانِ فِي كُلِّ شَرْطٍ فَاسِدٍ قَارَنَ الْعَقْدَ ثُمَّ حُذِفَ فِي الْمَجْلِسِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَجْلِسِ حُكْمٌ حَالَةَ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ الله قال لو لم يذكروا فِي السَّلَمِ أَجَلًا ثُمَّ ذَكَرَاهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ إنَّمَا ثَبَتَ لِعَقْدٍ صَحِيحٍ لَا لِفَاسِدٍ (وَأَمَّا) السَّلَمُ فَفَرَّعَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ صِحَّةُ السَّلَمِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ حَالًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَبَايَعَا بِغَيْرِ إثْبَاتِ خِيَارِ الشَّرْطِ ثُمَّ شَرَطَا فِي الْمَجْلِسِ خِيَارًا أَوْ أَجَلًا فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ (الْأَصَحُّ) ثُبُوتُهُ وَيَكُونُ كَالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ مِنْ الشُّرُوطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يشرط الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْبَيْعَ بِلَا شَرْطٍ فَلَا يَجُوزُ الشَّرْطُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَهُ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ(9/194)
مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ هُنَا وَالْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوَكِّل فِي هَذَا وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَهَذَا مِنْهَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَجَوَّزْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ أَذِنَ
فِيهِ الْمُوَكِّلُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ بِخِلَافِ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَحَّحْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يلزمه رعاية الحط لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْتَمَنٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُ استئمان قَالَ وَهَذَا الْمَعْنَى أَظْهَرُ إذَا جَعَلْنَاهُ نَائِبًا عَنْ الْعَاقِدِ ثُمَّ هَلْ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ مَعَ الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَقُلْنَا يَثْبُتُ لَهُ هَلْ يَثْبُتُ لِلشَّارِطِ فِيهِ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْطِ فَكَانَ لِمَنْ شَرَطَهُ خَاصَّةً أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَأَطْلَقَ فَشَرَطَ الْوَكِيلُ الْخِيَارَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لِمُوَكِّلِي فَقَدْ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ
(وَالثَّانِي)
لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ (وَالثَّالِثُ) لَهُمَا وَالْأَصَحُّ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَحْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَلَا إجَازَةٍ تَمَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَلْزَمُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى حُكْمُ الْإِيلَاءِ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ دَلِيلُنَا أَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ لَزِمَ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ * قال المصنف رحمه الله (وان شرط الخيار لاجنبي ففيه قولان
(أحدهما)
لا يصح لانه حكم من أحكام العقد فلا يثبت لغير المتعاقدين كسائر الاحكام
(والثانى)
يصح لانه جعل إلى شرطهما للحاجة وربما دعت الحاجة إلى شرطه للاجنبي بأن يكون أعرف بالمبتاع منهما
* فان شرطه للاجنبي (وقلنا) إنه يصح فهل يثبت له فيه وجهان
(أحدهما)
يثبت له لانه إذا ثبت للاجنبي من جهة فلان يثبت له أولى
(والثانى)
لا يثبت لان ثبوته بالشرط فلا يثبت الا لمن شرطه له
* قال الشافعي رحمه الله في الصرف(9/195)
إذا اشتري بشرط الخيار على أن لا يفسخ حتى يستأمر فلانا لم يكن لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَتَّى يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بالفسخ فمن أصحابنا من قال له أن يفسخ من غير اذنه لان له أن يفسخ من غير شرط الاستئمار فلا يسقط حقه بذكر الاستئمار وتأول ما قاله على انه أراد أنه لا يقول استأمرته الا
بعد أن يستأمره لئلا يكون كاذبا (ومنهم) من حمله على ظاهره أنه لا يجوز أن يفسخ لانه ثبت بالشرط فكان على ما شرط)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْعَاقِدَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ شَرَطَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجْهًا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ قَالَ وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا لَا خِيَارَ فِيهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ بُطْلَانَ الْخِيَارِ يَخْتَصُّ بِالْأَجْنَبِيِّ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ وَكُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْعَبْدِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْعَقْدِ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ وَأَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي صُورَةِ الْعَبْدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَأَمَّا إذَا صَحَّحْنَاهُ لِلْأَجْنَبِيِّ فَيَصِحُّ لِلْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ على القولين بين أن يشرطا جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ يَشْرِطُ أَحَدُهُمَا لِوَاحِدٍ وَالْآخَرُ لَآخِرَ فَلَوْ شَرَطَهُ أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ مِنْ جِهَتِهِ وَشَرَطَهُ الْآخَرُ لِزَيْدٍ أَيْضًا مِنْ جِهَتِهِ صَحَّ عَلَى قَوْلِنَا بِصِحَّتِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ الْوَاحِدِ فِي طَرَفَيْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَلَا يَنْفَرِدُ وَكِيلُهُمَا (وَأَمَّا) الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَانْفَرَدَ بِهِ وَكِيلُهُمَا
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِذَا شَرَطَهُ لِأَجْنَبِيِّ وَصَحَّحْنَاهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُ الْأَجْنَبِيِّ بِاللَّفْظِ بَلْ يَكُونُ امْتِثَالُهُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ مَالِي فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي قَبُولِ الْوَكَالَةِ إقْدَامُهُ(9/196)
عَلَى الْبَيْعِ قَالُوا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُصَرِّحَ بِالرَّدِّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمَشْرُوطِ لَهُ فَهَلْ يَثْبُتُ لِلشَّارِطِ أَيْضًا فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَجَمَاعَةً حَكَوْهُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ
الرُّويَانِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَثْبُتُ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَفِي الْإِمْلَاءِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً عَلَى رِضَاءِ غَيْرِهِ كَانَ لِلَّذِي شُرِطَ لَهُ الرِّضَا الرَّدُّ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهُ لِلشَّارِطِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بَلْ خَصَصْنَا بِهِ الْأَجْنَبِيَّ فَمَاتَ الْأَجْنَبِيُّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَهَلْ يَثْبُتُ الْآنَ لِلشَّارِطِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا يَثْبُتُ كَمَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَالشَّارِطِ جَمِيعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْفَسْخِ فَلَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَارَ الْآخَرُ قُدِّمَ الْفَسْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنْ يُؤَامِرَ فُلَانًا فَيَأْتِيَ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَتَّى يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بِالْفَسْخِ
* وَتَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ فِي النَّصِّ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَهُ إذَا شَرَطَ أَنْ يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ وَأَيُّ مَدْخَلٍ لَوْ أُمِرَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ هَذَا وَقَالَ الْقَائِلُونَ بِالْأَصَحِّ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ إنَّ الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ لِلْأَجْنَبِيِّ يَخْتَصُّ بِالْأَجْنَبِيِّ هَذَا جَوَابٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي بيناه ومؤيد به وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ مَذْكُورٌ احْتِيَاطًا وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِئْمَارُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ استأمرته إلا بعد الاستئمار لئلا يكون كاذبا ونقل المارودى هذا عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْبَصْرِيِّينَ كَافَّةً وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ النَّصِّ لِأَنَّهُ قَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ (الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي) أَنَّهُ أَطْلَقَ فِي التَّصْوِيرِ شَرْطَ الْمُؤَامَرَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا باتفاقهم وبه قطع الجمهور أنه محمول عَلَى مَا إذَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِالثَّلَاثَةِ فَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ
(وَالثَّانِي)
يُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي بَيْعِ الغائب(9/197)
إذَا جَوَّزْنَاهُ فَإِنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (قَالَ) الْبَغَوِيّ وَإِذَا شَرَطَ الْمُؤَامَرَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَضَتْ الثَّلَاثَةُ وَلَمْ يُؤَامِرْهُ وأمره ولم يشر بشئ لَزِمَ الْعَقْدُ وَلَا يَنْفَرِدُ هُوَ بِالْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ في مدة الثلاثة حتى يؤامر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَقُلْنَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لَهُ وَثَبَتَ لَهُ وَلَهُمَا فَتَبَايَعَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَرَّحَا بِنَفْيِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَفِي صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ وَالنَّفْيِ وَجْهَانِ حكاهما امام الحرمين (أحدها) يَصِحُّ اتِّبَاعًا لِلشَّرْطِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أصح * قال المصنف رحمه الله
* (وإذا شرط الخيار في البيع ففى ابتداء مدته وجهان
(أحدهما)
من حين العقد لانه مدة ملحقة بالعقد فاعتبر ابتداؤها من حين العقد كالاجل ولانه لو اعتبر من حين التفرق صار أول مدة الخيار مجهولا لانه لا يعلم متى يفترقان
(والثانى)
انه يعتبر من حين التفرق لان ما قبل التفرق الخيار ثابت فيه بالشرع فلا يثبت فيه بشرط الخيار (فان قلنا) ان ابتداءه من حين العقد فشرط ان يكون من حين التفرق بطل لان وقت الخيار مجهول ولانه يزيد الخيار على ثلاثة أيام (وإن قلنا) ان إبتداءه من حين التفرق فشرط أن يكون من حين العقد ففيه وجهان
(أحدهما)
يصح لان ابتداء الوقت معلوم
(والثانى)
لا يصح لانه شرط ينافى موجب العقد فأبطله)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا قُلْنَا لَا يُحْسَبُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَبَايَعَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا فَفِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ
(وَالثَّانِي)
مِنْ حِينِ انْقِطَاعِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إمَّا بِالتَّخَايُرِ وَإِمَّا بِالتَّفَرُّقِ قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَطَّانِ وَابْنِ الْمَرْزُبَانِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُصَنِّفِينَ حَتَّى قال الرويانى قول ابن القطان ليس بشئ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَشَرَطَاهُ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ بَطَلَ الْبَيْعُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ البيع(9/198)
وَالشَّرْطُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ (فَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ فَشَرَطَاهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَوَجْهَانِ مشهوران ذكرهما الصمنف بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ الْبَيْعُ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَبْطُلُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) ابْتِدَاءُ
الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَانْقَضَتْ وَهُمَا مُصْطَحِبَانِ فَقَدْ انْقَطَعَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَفَرَّقَا وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ فَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ وَلَوْ أَسْقَطَا أَحَدَ الْخِيَارَيْنِ سَقَطَ وَلَمْ يَسْقُطْ الْآخَرُ وَلَوْ قَالَا أَلْزَمْنَا الْعَقْدَ أَوْ أَسْقَطْنَا الْخِيَارَ سَقَطَا جَمِيعًا وَلَزِمَ الْبَيْعُ هَذَا تَفْرِيعُ كَوْنِهِ مِنْ الْعَقْدِ (فَأَمَّا) إذَا قُلْنَا مِنْ التَّفَرُّقِ فَإِذَا تَفَرَّقَا انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَابْتُدِئَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَإِنْ أَسْقَطَا الْخِيَارَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَنْقَطِعُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ فَكَيْفَ يَسْقُطُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ شَرَطَا الْخِيَار بَعْد الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقُلْنَا بِصِحَّتِهِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ (فَإِنْ قُلْنَا) ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ التَّفَرُّقِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ الْعَقْدِ حُسِبَتْ الْمُدَّةُ هُنَا مِنْ حِينِ الشَّرْطِ لَا مِنْ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ التَّفَرُّقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَفِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ الْأَجَلِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَجْهًا وَاحِدًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مُرَتَّبٌ على ابتداء مدة الخيار ان جَعَلْنَاهَا مِنْ الْعَقْدِ فَالْأَجَلُ أَوْلَى بِذَلِكَ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ التَّفَرُّقِ فَفِي الْأَجَلِ وَجْهَانِ وَهَذَا الطريق مشهور في كتب الخراسانين وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو عَلِيِّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجَمَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالُوا فِي ابْتِدَاءِ مُدَّةِ الخيار والاجل ثلاثة أوجه (أصحها) مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فِيهِمَا
(وَالثَّانِي)
مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ (وَالثَّالِثُ) الْأَجَلُ مِنْ الْعَقْدِ وَالْخِيَارُ مِنْ التَّفَرُّقِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا أَقْرَبَ بِخِلَافِ خيار الشَّرْطِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ يُحْسَبُ الْأَجَلُ مِنْ التَّفَرُّقِ وَقُلْنَا الْخِيَارُ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ كَالْأَجَلِ فَكَانَ قَرِيبًا وَالْخِيَارُ فِي التَّحْقِيقِ تَأْجِيلٌ لِإِلْزَامِ(9/199)
الْمِلْكِ أَوْ نَقْلِهِ وَالْأَجَلُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَمَنْ قَالَ بِتَأْخِيرِ الْأَجَلِ عَنْ الْعَقْدِ عن خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبِشَرْطِ الْأَجَلِ أَنْ يَفْسَخَ أَوَّلَ الْأَجَلِ بَعْدَ انْقِضَاءِ خِيَارِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ
* وَالْمَذْهَبُ أَنَّ
الْأَجَلَ مِنْ الْعَقْدِ سَوَاءٌ شُرِطَ خِيَارُ الثَّلَاثِ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الوسيط (وأما) مُدَّةُ الْإِجَازَةِ إذَا قُلْنَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ فَفِي ابْتِدَائِهَا هَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَجَلِ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مِنْ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ومن ثبت له الخيار فله أن يفسخ في محضر من صاحبه وفى غيبته لانه رفع عقد جعل إلى اختياره فجاز في حضوره وغيبته كالطلاق)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ جُعِلَ إلَى اخْتِيَارِهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُجْعَلَا إلَى اخْتِيَارِهِ وَحْدَهُ بَلْ إلَى اخْتِيَارِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ فِي حَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَفِي غيبته لما ذكره المصنف وهذا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي حَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَلِهَذَا قَاسَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ مَجْمَعٌ عَلَى نُفُوذِهِ بِغَيْرِ حُضُورِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِحُضُورِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِيهَا وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ إذَا قَالَ أَقِلْنِي ثُمَّ غَابَ فِي الْحَالِ ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ أَقَلْتُكَ بِحَيْثُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِكَلَامِهِ صَحَّتْ الاقالة وان لم يسمعه لبعد مِنْهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا فَسَخَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ مَالِكِهَا فَفِي صِحَّةِ الْفَسْخِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ هُنَا (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِالْقَوْلِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ فَسَخْتُ الْأَمَانَةَ كَانَ عَلَى الْأَمَانَةِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ إمْكَانِ الرَّدِّ لَا ضَمَانَ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ وَيَرْتَفِعُ حُكْمُ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَيَبْقَى حُكْمُ الْأَمَانَةِ كَالثَّوْبِ إذَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي دَارِ إنْسَانٍ يَكُونُ أَمَانَةً وَإِلَّا يَكُونُ وَدِيعَةً فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ(9/200)
أَخَّرَ الْإِعْلَامَ مَعَ الْقُدْرَةِ ضَمِنَ هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ
* وَجَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِصِحَّةِ فَسْخِ الْوَدِيعَةِ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تَنْفَسِخُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ دَفَعَهَا إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَهَلَكَتْ ضَمِنَ (فَإِنْ قِيلَ)
لَوْ انْفَسَخَتْ الْوَدِيعَةُ لَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهَا إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَنْفَسِخَ وَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً (قُلْنَا) لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَنْفَسِخَ وَتَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً وَلِهَذَا لَوْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَقَالَ فَسَخْتُ وديعتي انفسخت وتكون امانة في يد إلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا فَإِنْ ذَهَبَ لِيُحْضِرَهَا فَتَلِفَتْ قبل التمكن لم يضمنها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* فان تصرف في المبيع تصرفا يفتقر إلى الملك كالعتق والوطئ والهبة والبيع وما أشبهها نظرت فان كان ذلك من البائع كان ذلك اختيارا للفسخ لانه تصرف يفتقر إلى الملك فجعل اختيارا للفسخ والرد إلى الملك وان كان ذلك من المشترى ففيه وجهان (قال) أبو إسحق ان كان ذلك عتقا كان اختيارا للامضاء وان كان غيره لم يكن ذلك اختيارا لان العتق لو وجد قبل العلم بالعيب منع الرد فاسقط خيار المجلس وخيار الشرط وما سواه لو وجد قبل العلم بالعيب لم يمنع الرد بالعيب فلم يسقط خيار المجلس وخيار الشرط (وقال) أبو سعيد الاصطخرى الجميع اختيار للامضاء وهو الصحيح لان الجميع يفتقر إلى الملك فكان الجميع اختيارا للملك ولان في حق البائع الجميع واحد فكذلك في حق المشترى فان وطئها المشترى بحضرة البائع وهو ساكت فهل ينقطع خيار البائع بذلك فيه وجهان
(أحدهما)
ينقطع لانه أمكنه أن يمنعه فإذا سكت كان ذلك رضاء بالبيع
(والثانى)
لا ينقطع لانه سكوت عن التصرف في ملكه فلا يسقط عليه حكم التصرف كما لو رأى رجلا يخرق ثوبه فسكت عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ احْتِرَازً مِنْ الِاسْتِخْدَامِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ سُكُوتٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُودِعِ إذَا رَأَى مَنْ يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ فَسَكَتَ عَنْهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ(9/201)
بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ كَقَوْلِ الْبَائِعِ فَسَخْتُ الْبَيْعَ أَوْ اسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ أَوْ رَدَدْتُهُ أَوْ رَدَدْتُ الثَّمَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا فَسْخٌ وَالْإِجَازَةُ أَجَزْتُ الْبَيْعَ وَأَمْضَيْتُهُ وَأَسْقَطْتُ الْخِيَارَ وَأَبْطَلْتُ الْخِيَارَ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَقَوْلُ البائع في زمن الخيار لا أبتع حَتَّى يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ مَعَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي لَا أَفْعَلُ يَكُونُ فَسْخًا وَكَذَا قَوْلُ الْمُشْتَرِي لَا أَشْتَرِي حَتَّى يُنْقِصَ عَنِّي مِنْ الثَّمَنِ مَعَ قَوْلِ الْبَائِعِ لَا أَفْعَلُ وَكَذَا طَلَبُ
الْبَائِعِ حُلُولَ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ وَطَلَبُ الْمُشْتَرِي تَأْجِيلَ الثَّمَنِ الْحَالِّ كُلُّ هَذَا فَسْخٌ
* هَذَا كَلَامُ الصَّيْمَرِيِّ وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَسَكَتُوا عَلَيْهِ مُوَافِقِينَ لَهُ (الثَّانِيَةُ) إعْتَاقُ الْبَائِعِ إذا كان الخيار لهما أوله وَحْدَهُ يَنْفُذُ وَيَكُونُ فَسْخًا بِلَا خِلَافٍ وَفِي بَيْعِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَيْسَ بِفَسْخٍ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ فَسْخٌ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فَعَلَى هَذَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ كَالْعِتْقِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ بَلْ يَحْصُلُ الْفَسْخُ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الوجهان في التزويج والاجازة وَكَذَا الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ إنْ اتَّصَلَ بِهِمَا الْقَبْضُ سَوَاءٌ وَهَبَ لِوَلَدِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنْ تَجَرَّدَ الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ عَنْ الْقَبْضِ فَهُوَ كَالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ مُتَّصِلًا بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْإِذْنُ فِي الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلُ فِيهِ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِمَا قَبْضٌ فِي جَمِيعِ هَذَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا كُلَّهَا فَسْخٌ إنْ صَدَرَتْ مِنْ الْبَائِعِ وَإِجَازَةٌ إنْ صَدَرَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا لَيْسَتْ فَسْخًا وَلَا إجَازَةً
* وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ قُلْنَا لَا يَزُولُ مِلْكُ الْبَائِعِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْهِبَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْقَبْضِ وَإِنْ قُلْنَا يَزُولُ فَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ أَبْقَى لِنَفْسِهِ مُسْتَدْرَكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) لَوْ وَطِئَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَهُمَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ فَسْخٌ لِإِشْعَارِهِ بِاخْتِيَارِ الْإِمْسَاكِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَكُونُ فَسْخًا وَلَوْ وَطِئَ الرَّجْعِيَّةَ لَا تَكُونُ رَجْعَةً (وَالثَّالِثُ) إنْ نَوَى بِهِ الْفَسْخَ كَانَ فَسْخًا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَّانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَحَكَى الثَّالِثَ مِنْهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ قَالُوا وَالْفَرْقُ(9/202)
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ أَنَّ الرَّجْعَةَ جُعِلَتْ لَتَدَارُكِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَابْتِدَاءُ مِلْكِ النِّكَاحِ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ وَأَمَّا فَسْخُ الْبَيْعِ فَلِتَدَارُكِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَابْتِدَاءُ مِلْكِ الْيَمِينِ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَسَبْيِ الْجَارِيَةِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْجَارِيَةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ رَكِبَهَا هَلْ يَكُونُ فَسْخًا فِيهِ وَجْهَانِ
حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وغيره (احدهما) يكون وبه القطع البغوي كالوطئ وَالْعِتْقِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ فَسْخًا وَزَيَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَ مَنْ قَالَ الرُّكُوبُ وَالِاسْتِخْدَامُ فَسْخٌ وَقَالَ هُوَ هَفْوَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ لَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ تَعْيِينًا لِلطَّلَاقِ فِي الْأُخْرَى عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا مِمَّا أَوْرَدَهُ الْغَزَالِيُّ على الشافعي في مسألة وطئ الْبَائِعِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ نَحْوَ مَا سَبَقَ فِي فَرْقِ الرَّجْعَةِ وَحَاصِلُهُ الِاحْتِيَاطُ لِلنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ (الرابعة) وطئ الْمُشْتَرِي هَلْ هُوَ إجَازَةٌ مِنْهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يكون اجازة لانه متضمن للرضا وكما جعلنا وطئ البائع فسخا لتضمنه الرضا كذا وطئ المشتري اجازة لتضمنه الرضا
(والثانى)
لا لان وطئ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَإِنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ عَالِمًا بِثُبُوتِ الخيار له حالة الوطئ بطل خياره وان كان جاهلا فلا وصور جَهْلُهُ بِأَنْ يَرِثَ الْجَارِيَةَ مِنْ مُوَرِّثِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَاسَهُ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ وَطِئَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَإِنْ وَطِئَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ فَحَصَلَ وَجْهٌ رَابِعٌ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ دُونَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) إعْتَاقُهُ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ نَفَذَ وَحَصَلَتْ الْإِجَازَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَلَزِمَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفِي نُفُوذِهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ وَاضِحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْرِيعِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِمَنْ هُوَ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ فَإِنْ(9/203)
كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ نَفَذَ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْفُذُ حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْحُصُولُ أَيْضًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا وَاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَتَّجِهُ ان يقال ان أعتق وهو يعلم عدم نُفُوذَهُ لَمْ يَكُنْ إجَازَةً قَطْعًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ (أَمَّا) إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَقَفَ أَوْ وَهَبَ وَأَقْبَضَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فلا ينفذ شئ مِنْ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَكُونُ إجَازَةً فِيهِ وَجْهَانِ
مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَكُونُ إجَازَةً وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ والاصحاب
(والثانى)
لا يكون قاله ابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاشَرَ الْمُشْتَرِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ نَفْسِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ التَّصَرُّفِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِجَازَةُ
(وَالثَّانِي)
لَا لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ تَقَدُّمِ الْإِجَازَةِ (قَالَ) ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا يَصِيرُ الْبَيْعُ لَازِمًا وَيَسْقُطُ الْخِيَارُ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ أَنَّا إذَا لَمْ نُنَفِّذْهَا كَانَ سُقُوطُ الْخِيَارِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَمُوَافِقُوهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ فِي طَحْنِ الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ فَطَحَنَهَا فَإِنَّهُ إجَازَةٌ مِنْهُمَا (قَالَ) الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَمُجَرَّدُ الْإِذْنِ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَكُونُ إجَازَةً مِنْ الْبَائِعِ مَا لَمْ يَتَصَرَّفَ حَتَّى لَوْ رَجَعَ الْبَائِعُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَانَ عَلَى خِيَارِهِ وَفِي هَذَا الَّذِي قَالُوهُ نظر لان الاعتبار بالدلالة على الرضا وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ خِلَافٌ فِي هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) إذَا وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَةَ فَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ إجَازَةً مِنْهُ وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ فان كان جاهلا بوطئ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ قَطْعًا وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ مِنْهُ قَطْعًا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مهر ولا قيمة الوطئ قَطْعًا وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَطَأُ أَوْ رَآهُ يَطَأُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُ البائع ويكون مخيرا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ مُجِيزًا قَطْعًا وَكَمَا لَوْ سَكَتَ على وطئ أَمَتِهِ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْمَهْرُ قَطْعًا أَوْ عَلَى تَخْرِيقِ ثَوْبِهِ لَا يُسْقِطُ الْقِيمَةَ قَطْعًا هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يُفَرَّقُوا بَيْنَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا أبطلنا(9/204)
خيار المشترى بالوطئ وكان البائع جاهلا بوطئ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ فِيمَا إذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ هَلْ يَسْقُطُ خِيَارُ الْبَائِعِ أَمْ لَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالشَّرْطِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ أَذِنَ له البائع في الوطئ وَلَمْ يَطَأْهَا هَلْ يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ (إنْ قُلْنَا) إذَا رآه يطاء فَسَكَتَ يَبْطُلُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُجِدَ هُنَا صَرِيحُ الْإِذْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ بِبَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ وَنَحْوِهَا وَصَحَّحْنَاهُ يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ إذَا لَمْ يَكُنْ أُذِنَ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تُبْطِلُ مَالِيَّةَ الممتنع وهى قابلة للرفع والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان جن من له الخيار أو أغمى عليه انتقل الخيار إلى الناظر في ماله وإن مات فان كان في خيار الشرط انتقل الخيار الى من ينتقل إليه المال لانه حق ثابت لاصلاح المال فلم يسقط بالموت كالرهن وحبس المبيع على الثمن فان لم يعلم الوارث حتى مضت المدة ففيه وجهان
(أحدهما)
يثبت له الخيار في القدر الذى بقى من المدة لانه لما انتقل الخيار إلى غير من شرط له بالموت وجب أن ينتقل إلى غير الزمان الذى شرط فيه
(والثانى)
انه تسقط المدة ويثبت الخيار للوارث على الفور لان المدة فاتت وبقى الخيار فكان على الفور كخيار الرد بالعيب وان كان في خيار المجلس فقد روى المزني أن الخيار للوارث وقال في المكاتب إذا مات وجب البيع فمن أصحابنا من قال لا يسقط الخيار بالموت في المكاتب وغيره (وقوله) في المكاتب وجب البيع أراد به انه لا ينفسخ بالموت كما تنفسخ الكتابة ومنهم من قال يسقط الخيار في بيع المكاتب ولا يسقط في بيع غيره لان السيد يملك بحق الملك فإذا لم يملك في حياة المكاتب لم يملك بعد موته والوارث يملك بحق الارث فانتقل إليه بموته ومنهم من نقل جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وخرجهما على قولين(9/205)
(أحدهما)
انه يسقط الخيار لانه إذا سقط الخيار بالتفرق فلان يسقط بالموت - والتفرق فيه أعظم - أولى
(والثانى)
لا يسقط وهو الصحيح لانه خيار ثابت لفسخ البيع فلم يبطل بالموت كخيار الشرط فعلى هذا ان كان الذى انتقل إليه الخيار حاضرا ثبت له الخيار الا أن يتفارقا أو يتخايرا وان كان غائبا ثبت له الخيار إلى أن يفارق الموضع الذى بلغه فيه)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِإِصْلَاحِ الْمَالِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَأَسْلَمْنَ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّ الْخِيَارَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ (وَقَوْلُهُ) خِيَارٌ ثَابِتٌ لِفَسْخِ البيع احترز بِالْفَسْخِ عَنْ خِيَارِ الْقَبُولِ فِي إيجَابِ الْبَيْعِ وَهُوَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ
يَقْبَل الْوَارِثُ عَنْهُ وَاحْتَرَزَ بِالْبَيْعِ عَنْ فَسْخِ النِّكَاحِ بِالْعَيْبِ وَبِعِتْقِ الْأَمَةِ تَحْتَ عَبْدِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ وَخِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَإِلَى السَّيِّدِ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ فِي مُدَّتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إلَّا أَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى أَنَّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ مُخَرَّجًا مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَمَرْدُودٌ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَإِنْ كانت المدة باقية عند بلوع الْخَبَرِ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ الْخِيَارُ إلَى انْقِضَائِهَا وَإِنْ كانت قد انقضت فأربعة أوجه الوجهان الْأَوَّلَانِ مِنْهَا مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَثْبُتُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ بَقِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ (والثالث) يبقى الخيار مادام الْمَجْلِسُ الَّذِي بَلَغَهُ فِيهِ الْخَبَرُ حَكَاهُ الْقَفَّالُ والرويانى(9/206)
وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) يَسْقُطُ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ لِفَوَاتِ الْمُدَّةِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْخِيَارَ لِوَارِثِهِ وَقَالَ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا بَاعَ وَمَاتَ فِي الْمَجْلِسِ وَجَبَ الْبَيْعُ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثُ طُرُقٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بدلائلها واضحة (احدها) وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ وَلِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَثْبُتُ بَلْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمُفَارَقَةِ مِنْ مُفَارَقَتِهِ بِالْبَدَنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَثْبُتُ لَهُمَا قَطْعًا وَتَأْوِيلُ نَصِّ الْمُكَاتَبِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّالِثُ) تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْوَارِثِ دُونَ السَّيِّدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ السَّيِّدِ
* وَلَوْ مَاتَ الْعَاقِدَانِ فِي الْمَجْلِسِ فَفِي انْتِقَالِ الْخِيَارِ إلَى وَارِثِهِمَا وَسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَوْتِ أَحَدِهِمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ أَوْ اشْتَرَى وَمَاتَ فِي الْمَجْلِسِ فَكَالْمُكَاتَبِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا مَاتَ فِي الْمَجْلِسِ هَلْ لَلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ فِيهِ الْخِلَافُ كَالْمُكَاتَبِ هَذَا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَجْلِسِ الْوَكِيلِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ ضَعِيفٍ يُعْتَبَرُ مجلس الموكل
وهو شاذ ليس بشئ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ فَقَدْ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَيِّتِ (وَأَمَّا) الْعَاقِدُ الْآخَرُ الْحَيُّ فَذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَنَّ خِيَارَهُ لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى يُفَارِقَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَلْزَمُ الْعَقْدُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ تَقْرِيرُ خِلَافٍ لِمَا سَبَقَ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَتَبَعَّضُ سُقُوطُهُ كَمَوْتِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَجْلِسَهُ ثُمَّ يَنْقَطِعَ
(وَالثَّانِي)
يَبْقَى إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ هُوَ وَالْوَارِثُ الْآخَرُ (وَالثَّالِثُ) يَمْتَدُّ إلَى مُفَارَقَتِهِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ(9/207)
وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ فَإِذَا بَلَغَ الْخَبَرُ إلَى وَارِثِهِ حَدَثَ لِهَذَا الْحَيِّ الْخِيَارُ مَعَهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ (فَإِنْ قُلْنَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ امْتَدَّ الْخِيَارُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَاقِدِ الْآخَرِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَتَخَايَرَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا وَصَلَهُ الْخَبَرُ وَهَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إذَا وَرِثَهُ الْوَارِثُ وَبَلَغَهُ الْخَبَرُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَفِي وَجْهٍ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي وَجْهٍ يَمْتَدُّ كَمَا كَانَ يَمْتَدُّ لِلْمَيِّتِ لَوْ بَقِيَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِهِ لِلْعَاقِدِ الْبَاقِي
(أحدهما)
له الخيار مادام فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ خِيَارُ الْوَارِثِ ثَابِتًا فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يُشَاهِدُ فِيهِ الْمَبِيعَ
(وَالثَّانِي)
يَتَأَخَّرُ خِيَارُهُ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ هُوَ وَالْوَارِثُ فِي مَجْلِسٍ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ وَجَمَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الخلاف فحكى في المسألة ثلاثة أوجه (أحدها) يَثْبُتُ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ
(وَالثَّانِي)
مَا لَمْ يُفَارِقْ مَجْلِسَ بُلُوغِ الْخَبَرِ (وَالثَّالِثُ) مَا لَمْ يَجْتَمِعْ هُوَ وَالْعَاقِدُ الْآخَرُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا أَبْصَرَ السِّلْعَةَ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ ذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّ خيار الوارث يثبت مادام فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ
* (فَرْعٌ)
إذَا وَرِثَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَكَانُوا حُضُورًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَلَهُمْ الْخِيَارُ إلَى أَنْ يُفَارِقُوا الْعَاقِدَ الْآخَرَ وَلَا يَنْقَطِعُ بِمُفَارَقَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَشْهُورِ وَبِهِ جَزَمَ الْأَكْثَرُونَ فَإِنْ كَانُوا غَائِبِينَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ قُلْنَا فِي الْوَارِثِ الْوَاحِدِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ مُشَاهَدَةِ الْمَبِيعِ
فَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعَ هُوَ وَالْعَاقِدُ وَكَذَا لَهُمْ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعُوا هُمْ وَهُوَ وَمَتَى فَسَخَ بَعْضُهُمْ وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ (احدهما) لا ينفسخ في شئ (وَأَصَحُّهُمَا) يَنْفَسِخُ فِي الْجَمِيعِ كَالْمُوَرِّثِ لَوْ فَسَخَ فِي حَيَاتِهِ فِي بَعْضِهِ وَأَجَازَ فِي بَعْضٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُبَعَّضُ الفسخ لان فيه اضرار بِالْعَاقِدِ الْآخَرِ قَالَ وَلَوْ حَضَرَ بَعْضُهُمْ وَغَابَ الْبَعْضُ فَلِلْحَاضِرِ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ وَقُلْنَا يَغْلِبُ الْفَسْخُ نَفَذَ الْفَسْخُ(9/208)
فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ أَجَازَ تَوَقَّفْنَا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ إلَى الْغَائِبِ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ فِي حِصَّتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَثْبُتُ الْفَسْخُ لِكُلٍّ مِنْ وَرَثَتِهِ كَعَكْسِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَيْسَ لِأَحَدِهِمْ الْفَسْخُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَيَزُولُ عَنْهُ الضَّرَرُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ المتولي
* (فرع)
لوجن الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْقَطِعْ الْخِيَارُ بَلْ يَقُومُ وَلِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فَيَفْعَلُ مَا فِيهِ الْحَظُّ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ مُخَرَّجٌ مِنْ الْمَوْتِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ قَالَ وليس هو بشئ وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ فهو على خياره والانصب الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
* (فَرْعٌ)
إذَا جُنَّ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَأَقَامَ الْقَاضِي فِيمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْخِيَارِ فَفَسَخَ الْقَيِّمُ أَوْ أَجَازَ فَأَفَاقَ الْعَاقِدُ وَادَّعَى أَنَّ الْغِبْطَةَ خِلَافُ مَا فَعَلَهُ الْقَيِّمُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ وَجَدَ الْأَمْرَ كَمَا يَقُولُ الْمُفِيقُ مَكَّنَهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَنَقَضَ فِعْلَ الْقَيِّمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَاهُ الْمُفِيقُ ظَاهِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَيِّمِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فَعَلَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُفِيقُ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ حَيْثُ أَثْبَتْنَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ لِلْوَارِثِ وَكَانَ وَاحِدًا فَإِنْ
قَالَ أَجَزْتُ انْبَرَمَ الْعَقْدُ وَإِنْ قَالَ فَسَخْتُ انْفَسَخَ وَإِنْ قَالَ أَجَزْتُ وَفَسَخْتُ أَوْ فَسَخْتُ وَأَجَزْتُ فَالْحُكْمُ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا وَإِنْ قَالَ أَجَزْتُ في النصف وفسخت فِي النِّصْفِ غَلَبَ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ فَسَخَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَأَجَازَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْفَسْخُ كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ مَجْلِسَ الْعَقْدِ فَحَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَمَنَعَهُ الْفَسْخَ وَالْإِجَازَةَ فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الِامْتِثَالُ(9/209)
فَيَنْقَطِعُ خِيَارُ الْوَكِيلِ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ رُجُوعُ الْخِيَارِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مُشْكِلٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يَمْتَثِلُ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْمَنْعُ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ بَيَانَ (1) الْوَكَالَةِ الَّتِي مُقْتَضَاهَا امْتِثَالُ قَوْلِ الْمُوَكِّلِ وَهَذَا الثَّانِي أَرْجَحُ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ مُوهِمَةً إثْبَاتَ خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَمَاتَ من لا خيار له بقى الخيار للآخر بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا كَمَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَا يَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ وَإِنَّمَا يَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ وَتُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرْطِ وَتُتَصَوَّرُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ إذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ مَاتَ الْمُخَيَّرُ فِي الْمَجْلِسِ
* (فَرْعٌ)
إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَحَّحْنَاهُ وَخَصَّصْنَاهُ بِهِ دُونَ الشَّارِطِ فَمَاتَ فَفِي انْتِقَالِهِ إلَى الشَّارِطِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُكَاتَبِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِ الْأَجْنَبِيِّ قَالَ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْوَكِيلُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ حَيْثُ يَصِحُّ وَخَصَّصْنَاهُ بِهِ فَمَاتَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْتِقَالِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ الْخِلَافُ كَالْمُكَاتَبِ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِ الْوَكِيلِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَحَكَى أَيْضًا طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَطْعًا وَادَّعَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَطَرِيقًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ قَطْعًا وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا الطَّرِيقَ وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ وَالصَّحِيحُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ثُمَّ عَجَّزَ نَفْسَهُ هَلْ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى سَيِّدِهِ فِيهِ
الْخِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ بِلَا خِلَافٍ إذَا مَاتَ الْوَارِثُ قَبْلَ التَّقْصِيرِ الْمُسْقِطِ
* وَهَذَا حُكْمُ خِيَارِ الْخُلْفِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّ الْعَبْدَ كَاتِبٌ فَأَخْلَفَ وَنَحْوَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَكَذَا الْخِيَارُ الثَّابِتُ لِلْبَائِعِ عِنْدَ عَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ ينتقل إلى الوارث
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(9/210)
فَأَمَّا خِيَارُ الْقَبُولِ فَلَا يُورَثُ بِلَا خِلَافٍ وَصُورَتُهُ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَهُ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي وَوَارِثُهُ حَاضِرٌ فَقَبِلَ فِي الْحَالِ لَا يَصِحُّ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ
* وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا قَبِلَ وَارِثُهُ فِي الْحَالِ صَحَّ الْبَيْعُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي مَسَائِلِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِعُ لَوْ قَالَ رَجَعْتُ أَوْ أَبْطَلْتُ الْإِيجَابَ بَطَلَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ أَبْطَلْتُ عَلَيْكَ خِيَارَكَ لَمْ يَبْطُلْ حقه يبطل فَمَا كَانَ جَائِزًا سَقَطَ بِالْمَوْتِ وَمَا كَانَ لَازِمًا لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَالْعُقُودِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ الْجَائِزُ مِنْهَا دُونَ اللَّازِمِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا فَمَاتَ الْوَاهِبُ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِيهِ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ الْعَيْنَ فَلَا يَرِثُونَ الْخِيَارَ مِنْهَا وَكَمَا لَا يُورَثُ حَقُّ النِّكَاحِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَحَدُّ مَا يُورَثُ وَمَا لَا يُورَثُ مِنْ الْحُقُوقِ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ لَازِمٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَالِ يُورَثُ بِوِرَاثَةِ الْمَالِ هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ حَدًّا صَحِيحًا فَإِنَّهُ تَرَكَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّهِ: (مِنْهَا) حَدُّ الْقَذْفِ (وَمِنْهَا) الْقِصَاصُ (وَمِنْهَا) النَّجَاسَاتُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا كَالْكَلْبِ وَالسِّرْجِينِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ وَقُلْنَا يُنْتَقَلُ إلَى الْوَرَثَةِ فَكَانُوا أَطْفَالًا أَوْ مجانين قال الرويانى وغيره ينصب القاضى (1) فيما يَفْعَلُ مَا هُوَ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ كَمَا لَوْ جُنَّ صَاحِبُ الْخِيَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قال المصنف رحمه الله:
(وفى الوقت الذى ينتقل الملك في البيع الذي فيه خيار المجلس أو خيار الشرط ثلاثة أقوال (أحدها) ينتقل بنفس العقد لانه عقد معاوضة يوجب الملك فانتقل الملك فيه بنفس العقد كالنكاح
(والثانى)
أنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار لانه لا يملك التصرف إلا بالعقد وانقضاء الخيار فدل على أنه لا يملك إلا بهما (والثالث) أنه موقوف مراعى فان لم يفسخ العقد تبينا أنه ملك بالعقد وان فسخ تبينا
__________
(1) كذا بالاصل ولعله من(9/211)
أنه لم يملك لانه لا يجوز أن يملك بالعقد لانه لو ملك بالعقد لملك التصرف ولا يجوز أن يملك بانقضاء الخيار لان انقضاء الخيار لا يوجب الملك فثبت أنه موقوف مراعى فان كان المبيع عبدا فأعتقه البائع نفذ عتقه لانه ان كان باقيا على ملكه فقد صادف العتق ملكه وإن كان قد زال ملكه عنه الا انه يملك الفسخ فجعل العتق فسخا وان أعتقه المشترى لم يخل إما أن يفسخ البائع البيع أو لا يفسخ فان لم يفسخ وقلنا إنه يملكه بنفس العقد أو قلنا انه موقوف نفذ عتقه لانه صادف ملكه (وإن قلنا) إنه لا يملك بالعقد يعتق لانه لم يصادف ملكه وان فسخ البائع وقلنا إنه لا يملك بالعقد أو موقوف لم يعتق لانه لم يصادف ملكه (وان قلنا) إنه يملك بالعقد ففيه وجهان (قال) أبو العباس ان كان موسرا عتق وان كان معسرا لم يعتق لان العتق صادف ملكه وقد تعلق به حق الغير فاشبه عتق المرهون (ومن) أصحابنا من قال لا يعتق وهو المنصوص لان البائع اختار الفسخ والمشترى اختار الاجازة بالعتق والفسخ والاجازة إذا اجتمعا قدم الفسخ ولهذا لو قال المشترى اجزت وقال البائع بعده فسخت قدم الفسخ وبطلت الاجازة وان كانت سابقة للفسخ (فان قلنا) لا يعتق عاد العبد إلى ملك البائع (وان قلنا) يعتق فهل يرجع البائع بالثمن أو القيمة قال أبو العباس يحتمل وجهين
(أحدهما)
يرجع بالثمن ويكون العتق مقررا للعقد ومبطلا للفسخ
(والثانى)
أنه يرجع بالقيمة لان البيع انفسخ وتعذر الرجوع إلى العين فرجع إلى قيمته كما لو اشترى عبدا بثوب وأعتق العبد ووجد البائع بالثوب عيبا فرده فانه يرجع بقيمة العبد فان باع البائع المبيع أو رهنه صح لانه اما أن يكون على ملكه فيملك العقد عليه وإما أن يكون للمشترى الا أنه يملك الفسخ فجعل البيع والهبة فسخا وان باع المشترى المبيع أو وهبه نظرت فان كان
بغير رضا البائع (فان قلنا) انه في ملك البائع لم يصح تصرفه (وان قلنا) انه في ملكه ففيه وجهان (قال) أبو سعيد الاصطخرى يصح وللبائع ان يختار الفسخ فإذا فسخ بطل تصرف المشترى ووجهه ان التصرف صادف ملكه الذى ثبت للغير فيه حق الانتزاع فاشبه إذا اشترى شقصا فيه شفعة فباعه (ومن) اصحابنا من قال لا يصح لانه باع عينا تعلق بها حق الغير من غير رضاه فلم يصح كما لو باع(9/212)
الراهن المرهون فأما إذا تصرف فيه برضا البائع نظرت فان كان عتقا نفذ لانهما رضيا بامضاء البيع وان كان بيعا أو هبة ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يصح لانه ابتدأ بالتصرف قبل أن يتم ملكه
(والثانى)
يصح لان المنع من التصرف لحق البائع وقد رضى البائع)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ احْتَرَزَ بِالْمُعَاوَضَةِ عَنْ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْقَبْضِ وَعَنْ الْوَصِيَّةِ (وَبِقَوْلِهِ) يُوجِبُ الْمِلْكَ عَنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَكِنْ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَبَدًا وَإِنَّمَا فَائِدَةُ عِتْقِهِ تَقَدُّمُ مِلْكٍ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) فَأَشْبَهَ عِتْقَ الْمَرْهُونِ يَعْنِي عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) ثَبَتَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقٌّ هَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالَ لَفْظَةُ غَيْرُ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا الْأَلِفُ وَكَذَا كُلٌّ وَبَعْضٌ وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي مِلْكِ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهَا (احدها) أنه ملك المشترى يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا نَصُّهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ (وَالثَّالِثُ) مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ وإلا بَانَ أَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ وَهَكَذَا يَكُونُ الثَّمَنُ مَوْقُوفًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَفِي موضع الاقوال ثلاث طُرُقٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا إمَّا بِالشَّرْطِ وَإِمَّا بِالْمَجْلِسِ (أَمَّا) إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَالْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّصَرُّفَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَلْ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْمِلْكُ لَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ وَتَنْزِلُ الْأَقْوَالُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ (وَالثَّالِثُ) طَرْدُ الْأَقْوَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ
وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْحَلِيمِي هَذَا نَقْلُ الرَّافِعِيِّ
* وَقَالَ إمَامُ الحرمنين طَرَدَ الْأَئِمَّةِ الْأَحْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَفِيهِ الْأَقْوَالُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ (فَالْأَصَحُّ)(9/213)
أَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ يُتَّجَهُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ قَوْلًا رَابِعًا
* وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يملك بنفس العقد منهم الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ قَوْلَ الْوَقْفِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ التَّفْصِيلَ فَقَالُوا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا التَّفْصِيلَ القفال حكاه عَنْهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَأَشَارَ إلَى مُوَافَقَتِهِ وصححه أيضا صاحب (1) والرافعي في كتابيه الشرح وَالْمُحَرَّرِ وَقَطَعَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (التَّفْرِيعُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا يُذْكَرُ فِي أَبْوَابِهِ وَمِنْهَا مَا يُذْكَرُ هُنَا (فَمِنْهَا) كَسْبُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الْمَبِيعَيْنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ الْكَسْبُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ عِنْدَ حُصُولِهِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ هُوَ لِلْمُشْتَرِي وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ سَبَبَ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ مَوْجُودٌ حال وجود الزِّيَادَةِ فَلَمْ يُجْعَلْ لَهَا حُكْمٌ وَجُعِلَتْ تَابِعَةً للعين وكانت لِمَنْ اسْتَقَرَّ مِلْكُ الْعَيْنِ لَهُ وَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْمُشْتَرِي
(وَالثَّانِي)
لِلْبَائِعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) مِنْ حِينِهِ
(وَالثَّانِي)
مِنْ أَصْلِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْكَسْبِ اللَّبَنُ وَالشَّعْرُ وَالثَّمَرَةُ وَمَهْرُ الْجَارِيَةِ إذَا
وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا وَكَوْنُ الْجَمِيعِ حُكْمُ كَسْبِ الْعَبْدِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ (وَمِنْهَا) النِّتَاجُ فَإِنْ وُجِدَ حُدُوثُ الْوَلَدِ وَانْفِصَالِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِامْتِدَادِ الْمَجْلِسِ فَهُوَ كَالْكَسْبِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أو البيهمة حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَوَلَدَتْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ حُكْمٌ وَهَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا(9/214)
مِنْ الثَّمَنِ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا كَالْأَعْضَاءِ فَعَلَى هَذَا هُوَ كَالْكَسْبِ كَمَا سَبَقَ بِلَا فَرْقٍ (وَأَصَحُّهُمَا) لَهُ قِسْطٌ كَمَا لَوْ بِيعَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ مَعَ الْأُمِّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَمْلُ مَعَ الْأُمِّ كَعَيْنَيْنِ بِيعَتَا مَعًا فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ فَهُمَا لِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي (وَمِنْهَا) الْعِتْقُ فَإِذَا أَعْتَقَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ نَفَذَ إعْتَاقُهُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَنْفُذْ إنْ فُسِخَ الْبَيْعُ قَطْعًا وَكَذَا إنْ تَمَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ فَالْعِتْقُ أَيْضًا مَوْقُوفٌ فان تم البيع بان نفوذ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَفِي نفوذه الْعِتْقِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لَا يَنْفُذُ صِيَانَةً لِحَقِّ الْبَائِعِ عَلَى الِاتِّصَالِ
(وَالثَّانِي)
يَنْفُذُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا كَالْمَوْهُوبِ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ
(وَالثَّانِي)
يَنْفُذُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفُذُ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ الْإِجَازَةَ فَفِي الْحُكْمِ بِنُفُوذِهِ الْآنَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْفُذُ (فَإِنْ قلنا) ينفذ فهل ينفذ مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ أَمْ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَفِي بُطْلَانِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ لَكِنْ لَا يُرَدُّ الْعِتْقُ بَلْ إذَا فَسَخَ أَخَذَ قِيمَةَ الْعَبْدِ كَنَظِيرِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ وَتَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهَا لِمَوْتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ غَارِمٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ (أَمَّا) إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَيَنْفُذُ إعْتَاقُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ إمَّا مُصَادِفُ مِلْكِهِ وَإِمَّا إجَازَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفُذْ
سَوَاءٌ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ فُسِخَ وَفِيمَا إذَا فُسِخَ الْوَجْهُ الشَّاذُّ السَّابِقُ النَّاظِرُ إلَى الْمَالِ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ لَمْ يَنْفُذْ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَيَنْفُذُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَطَلَ الْعِتْقُ وَإِلَّا فقد اعتق(9/215)
تَبَيَّنَّا ثُبُوتَ الِاسْتِيلَادِ وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ الْقَوْلَانِ وَعَلَى قَوْلِنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْهُ فِي الْحَالِ وَتَمَّ الْبَيْعُ تَبَيَّنَّا ثُبُوتَهُ وَرَتَّبَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِيلَادِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعِتْقِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فقيل الاستيلاد أولى بالثوت وَقِيلَ عَكْسُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا تَبْعُدُ التَّسْوِيَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلُ فِي وُجُوبِ قِيمَةِ الولد على المشترى كالقول مِلْكِهِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَهُوَ كاعتاق المرهون والله أعلم
* (ومنها) الوطئ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ فَفِي حِلِّهِ لِلْبَائِعِ طُرُقٌ (أَحَدُهَا) إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ فَحَلَالٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَجْهُ الْحِلِّ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ وَفِي ذَلِكَ عَوْدُ الْمِلْكِ إلَيْهِ مَعَهُ أَوْ قُبَيْلَهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ قُلْنَا لَا مِلْكَ لَهُ فَحَرَامٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَجْهُ التَّحْرِيمِ ضَعْفُ الْمِلْكِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْحِلِّ مُطْلَقًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْحِلُّ إنْ جَعَلْنَا الْمِلْكَ لَهُ وَالتَّحْرِيمُ إنْ لَمْ نَجْعَلْهُ لَهُ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ بِحَالٍ بِلَا خلاف (وأما) وطئ الْمُشْتَرِي فَحَرَامٌ قَطْعًا وَالصُّورَةُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ مَلَكَ عَلَى قَوْلٍ فَمِلْكٌ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ لَوْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا بِلَا خِلَافٍ لِوُجُودِ الْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ (وَأَمَّا) الْمَهْرُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ لَمْ يَلْزَمْهُ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وُجُوبُ الْمَهْرِ لَهُ (وقال) أبو إسحق لا يجب نطرا إلَى الْمَالِ فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ وَجَبَ الْمَهْرُ لِلْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا مَهْرَ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَزَوَالِهِ
* فَإِنْ أَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي فَالْوَلَدُ نَسِيبٌ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْأَقْوَالِ كلها لانه وطئ فِي مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ وَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَثْبُتْ ثُمَّ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَفِي ثُبُوتِهِ حِينَئِذٍ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِيمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ غيره بشهبة ثُمَّ مَلَكَهَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَعَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ النَّاظِرِ إلَى الْمَالِ يَثْبُتُ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ بِلَا خِلَافٍ وَعَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ تَبَيَّنَّا ثُبُوتَ الِاسْتِيلَادِ وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ الْقَوْلَانِ وَعَلَى قَوْلِنَا
الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهُ فِي الْحَالِ وَتَمَّ الْبَيْعُ(9/216)
فِي الْمَهْرِ وَإِذَا وَجَبَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ اُعْتُبِرَتْ يوم الولادة فان وضعته ميتا لم تجب قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ هَذَا كله إذ اكَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ (فَأَمَّا) إذَا كَانَ للمشترى وحده فحكمه حل الوطئ لَهُ كَمَا سَبَقَ فِي حِلِّهِ فِي طَرَفِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وأما البائع فيحرم عليه الوطئ هُنَا فَلَوْ وَطِئَ فَالْقَوْلُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ وَفِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي طَرَفِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (إذَا قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَأَحْبَلَهَا ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَفِي بُطْلَانِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ فَإِنْ أَبْطَلْنَاهُ انْبَرَمَ الْعَقْدُ وَاسْتَقَرَّ الثَّمَنُ وَإِنْ لَمْ نُبْطِلْهُ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ الْإِجَازَةَ فَكَذَلِكَ فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ فَهَلْ يَبْطُلُ الِاسْتِيلَادُ (إنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فَالِاسْتِيلَادُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِعْلٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَرِيضِ وَالْأَبِ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ دُونَ إعْتَاقِهِمْ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُفْسَخُ الِاسْتِيلَادُ رَجَعَ بِقِيمَتِهَا (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ فَسْخُهُ اسْتَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَمِنْهَا) بَيْعُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهِبَتُهُمَا وَسَائِرُ عُقُودِهِمَا وَسَبَقَ بَيَانُهَا قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ وَاَللَّهُ أعلم
* (فرع)
إذا اشتري عبد الجارية ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا مَعًا فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ إعْتَاقَ الْبَائِعِ نَافِذٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْفَسْخِ وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهِ لِمُشْتَرِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِهِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِنَفَاذِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَا تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَعْتِقُ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ أَجَازَهُ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ
(وَالثَّانِي)
تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ لِأَنَّ عِتْقَهَا فَسْخٌ فَقُدِّمَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَوْ فَسَخَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَأَجَازَ الْآخَرُ قُدِّمَ الْفَسْخُ (وَالثَّالِثُ) لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِبَائِعِ الْعَبْدِ وحده فالمتعق بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعَبْدِ مُشْتَرٍ وَالْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ وَبِالْإِضَافَةِ إلَى الْجَارِيَةِ بَائِعٌ وَالْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي إعْتَاقِهِمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي يُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ فَإِنْ فَسَخَ صَاحِبُهُ نَفَذَ فِي الْجَارِيَةِ وَإِلَّا فَفِي الْعَبْدِ
* وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَأَعْتَقَهُمَا مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ فَلْيُقَسْ الْحُكْمُ بِمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا عَتَقَ الْعَبْدُ دُونَ الْجَارِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ(9/217)
وَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ وَحْدَهُ فَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فَفِي الْأَوَّلِ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَفِي الثَّانِي الْجَارِيَةُ وَلَا يَخْفَى حُكْمُ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذا اعتق الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (إنْ قلنا) الخيار يمنع نَفَذَ عِتْقُهُ فِيمَا بَاعَ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْنَعُ قُلْنَا لَهُ عَيِّنْ أَحَدَهُمَا لِلْعِتْقِ فَإِنْ عَيَّنَ مَا اشْتَرَاهُ كَانَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَإِنْ عَيَّنَ فِيمَا بَاعَ نَفَذَ قطعا * قال المصنف رحمه الله
* (وان كان المبيع جارية لم يمنع البائع من وطئها لانها باقية على ملكه في بعض الاقوال ويملك ردها إلى ملكه في بعض الاقوال فإذا وطئها انفسخ البيع ولا يجوز للمشترى وطؤها لان في أحد الاقوال لا يملكها وفى الثاني مراعى فلا يعلم هل يملكها أم لا وفي الثالث يملكها ملكا غير مستقر فان وطئها لم يجب الحد وان أحبلها ثبت نسب الولد وانعقد الولد حرا لانه إما أن يكون في ملك أو شبهة ملك
* وأما المهر وقيمة الولد وكون الجارية أم ولد فانه يبنى على الاقوال فان اجاز البائع البيع بعد وطئ المشترى وقلنا ان الملك للمشترى أو موقوف لم يلزمه المهر ولا قيمة الولد وتصير الجارية أم لولد لانها مملوكة (وان قلنا) ان الملك للبائع فعليه المهر وقال أبو إسحق لا يلزمه كما لا تلزمه أجرة الخدمة والمذهب الاول لانه وطئ في ملك البائع ويخالف الخدمة فان الخدمة تستباح بالاباحة والوطئ لا يستباح وفى قيمة الولد وجهان
(أحدهما)
لا تلزمه لانها وضعته في ملكه والاعتبار بحال الوضع الا ترى أن قيمة الولد تعتبر حال الوضع
(والثانى)
تلزمه لان العلوق حصل في غير ملكه والاعتبار بحال العلوق لانها حالة الاتلاف وانما تأخر التقويم إلى حالة الوضع لانه لا يمكن تقويمه في حل العلوق وهل تصير الجارية أم ولد فيه قولان كما قلنا فيمن احبل جارية غيره بشبهة فأما إذا فسخ البيع وعادت إلى ملكه (فان قلنا) ان الملك للبائع أو موقوف وجب عليه المهر وقيمة الولد ولا تصير الجارية في الحال ام ولد وهل تصير أم ولد إذا ملكها فيه قولان (وان قلنا) ان الملك للمشترى لم يجب عليه المهر لان الوطئ صادف ملك ومن أصحابنا من قال يجب لانه لم يتم ملكه عليها وهذا يبطل به إذا أجاز البائع البيع وعلى قول أبي العباس تصير(9/218)
أم ولد كما تعتق إذا أعتقها عنده وهى ترجع البائع بقيمتها أو بالثمن فيه وجهان وقد بينا ذلك في العتق وعلى المنصوص أنها لا تصير أم ولد له لان حق البائع سابق فلا يسقط بأحبال المشترى فان ملكها المشترى بعد ذلك صارت أم ولد لانها إنما لم تصر أم ولد له في الحال لحق البائع فإذا ملكها صارت أم ولد
* وان اشترى جارية فولدت في مدة الخيار بنينا على أن الحمل هل له حكم في البيع وفيه قولان
(أحدهما)
له حكم ويقابله قسط من الثمن وهو الصحيح لان ما أخذ قسطا من الثمن بعد الانفصال أخذ قسطا من الثمن قبل الانفصال كاللبن (الثاني) لا حكم ولا قسط له من الثمن لانه يتبعها في العتق فلم يأخذ قسطا من الثمن كالاعضاء (فان قلنا) إن له حكما فهو مع الام بمنزلة العينين المتبعتين فان أمضى العقد كانا للمشتري وان فسخ العقد كانا للبائع كالعينين المبيعتين (وان قلنا) لا حكم له نظرت فان أمضي العقد (وقلنا) ان الملك ينتقل بالعقد أو موقوف فهما للمشترى (وان قلنا) إنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار فالولد للبائع فان فسخ العقد (وقلنا) إنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار أو قلنا إنه موقوف فالولد للبائع (وإن قلنا) يملك بالعقد فهو للمشترى وقال أبو إسحق الولد للبائع لان على هذا القول لا ينفذ عتق المشترى وهذا خطأ لان العتق يفتقر إلى ملك تام والنماء لا يفتقر إلى ملك تام
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا وَاضِحَةٌ وَسَبَقَ شَرْحُهَا في الفصل السابق والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن تلف البيع في يد المشترى في مدة الخيار فلمن له الخيار الفسخ والامضاء لان الحاجة التى دعت إلى الخيار باقية بعد تلف المبيع فان فسخ وجبت القيمة على المشترى لانه تعذر رد العين فوجب رد القيمة وإن أمضينا العقد (فان قلنا) إنه يملك بنفس العقد أو موقوف فقد هلك من ملكه (وان قلنا) يملك بالعقد وانقضاء الخيار وجب على يشترى قيمته والله أعلم)
* (الشرح) قوله وجبت قيمته لو قَالَ وَجَبَ بَدَلُهُ كَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ(9/219)
مِثْلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْقَطِعْ الْخِيَارُ بَلْ يَبْقَى الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ لِمَنْ كَانَ لَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ كَالتَّلَفِ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ نُظِرَ إنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ بُنِيَ عَلَى مَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ هُنَاكَ فَهُوَ كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ ان شاء الله تَعَالَى (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَكَذَا هُنَا وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ الْبَدَلُ وَهُوَ الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ وَيَبْقَى الْخِيَارُ بِحَالِهِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَالْبَدَلُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَإِنْ أَتْلَفَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَجَعَلْنَا إتْلَافَهُ قَبْضًا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَالَ المتولي يبني على أن إتْلَافِهِ كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ أَمْ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ (فَقَالَ) الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَفِي انْفِسَاخِهِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ بَطَلَ خِيَارُ الْبَائِعِ وَفِي خِيَارِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ (إن قلنا) لا يبطل فَذَاكَ فَإِنْ أَجَازَ أَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ الْقِيمَةَ ورجع إليه الثمن
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ (وَقُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ أَيْضًا فَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَيَغْرَمُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الْبَدَلَ وَهُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْقِيمَةِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِي كَيْفِيَّةِ غَرَامَةِ الْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ فَوَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْفَسِخُ أَيْضًا لِحُصُولِ الْهَلَاكِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْفَسِخُ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَلَا أَثَرَ لِوِلَايَةِ الْفَسْخِ كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنْ قُلْنَا بِالِانْفِسَاخِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُنَا نَقْطَعُ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ فَفِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْقَطِعُ كَمَا يَنْقَطِعُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا كَمَا لَا يمتنع التحالف بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَيُخَالِفُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الضَّرَرَ هُنَاكَ يَنْدَفِعُ بِالْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ(9/220)
اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَلَزِمَ الثَّمَنُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَإِنْ تَمَّ الْعَقْدُ وَجَبَ الثَّمَنُ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّ الثَّمَنَ وَإِنْ تَنَازَعَا في قد رالقيمة فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ وَقَطَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْإِمَامُ وَذَكَرُوا تَفْرِيعًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفَسِخْ حَتَّى انْقَضَى زَمَنُ الْخِيَارِ فَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا تَخْلِيطٌ ظَاهِرٌ واللع أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَقَبَضَهُمَا فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَفِي الِانْفِسَاخِ في التالف الخلاف السابق فَإِنْ انْفَسَخَ جَاءَ فِي الْآخَرِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ بَقِيَ خِيَارُهُ فِي الْبَاقِي إنْ قُلْنَا يَجُوزُ رَدُّ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ إذَا اشْتَرَاهُمَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَإِلَّا فَفِي بَقَاءِ الْخِيَارِ فِي الْبَاقِي الْوَجْهَانِ وَإِذَا بَقِيَ الْخِيَارُ فِيهِ فَفُسِخَ رَدَّهُ مَعَ قِيمَةِ التَّالِفِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَتَّى إذا فرعنا عى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيُسْتَرَدُّ الثَّمَنُ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ ثُمَّ أَبْدَى احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ فِي سُقُوطِ الْقِيمَةِ لِحُصُولِ التَّلَفِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ
* وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ.
قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَوْدَعِ يَدُ الْمُودِعِ حُكْمًا (قَالَ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجِبُ عَلَى البائع تسليم المبيع ولا على الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَا عِنْدَهُ وَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَدْفُوعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَلَهُ أَخْذُ مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ (1) لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ فِي زمن الخيار فان تم القد
__________
(1) كذا بالاصل(9/221)
وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ وَقَعَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ فَسَخَ
(وَقُلْنَا) هُوَ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ وَقَعَ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ وَلَيْسَ له الوطئ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَطَأُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالزَّوْجِيَّةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وفيه وجه ضعيف ان له الوطئ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ استبراؤها فيه وجهان بناء علي جواز الوطئ (إنْ حَرَّمْنَاهُ) وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ وَإِنْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَنْفَسِخُ لِحُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ
(وَالثَّانِي)
قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النِّكَاحَ بِحَالِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ اسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ فُسِخَ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ أَوْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ
*
(فَصْلٌ)
فِي مَسَائِلَ وَفُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ
(مِنْهَا) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) وَفِي رِوَايَةٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ خِيَارًا) وَفِي رِوَايَةٍ (أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ (أَوْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ جَمَعَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا (أَصَحُّهَا) الْمُرَادُ التَّخْيِيرُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَقَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَتَقْدِيرُهُ لَهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يتخايرا في المجلس فيلزم الْبَيْعُ بِنَفْسِ التَّخَايُرِ وَلَا يَدُومُ إلَى الْمُفَارَقَةِ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ إلَّا بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهَا فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَارُ فِيهِ بِالْمُفَارَقَةِ بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ (وَالثَّالِثُ) مَعْنَاهُ إلَّا بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ أَنْ لَا خِيَارَ لَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ فيلزم الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ خِيَارٌ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ السَّابِقِ لِأَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا تَبَايَعَا عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ وَقُلْنَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ فَهَذَا يَنْفَسِخُ عَلَى الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَفْسِيرِهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَنَقَلُوهُ عَنْهُ وَأَبْطَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَا سِوَاهُ وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ الرِّوَايَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ مِنْ(9/222)
الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْأُولَى ثُمَّ بَسَطَ دَلَائِلَهُ وَضَعَّفَ مَا يُعَارِضُهَا
ثُمَّ قَالَ وَذَهَبَ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى تَضْعِيفِ الْأَثَرِ الْمَنْقُولِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ الْخِيَارُ وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ قَطْعِ الْخِيَارِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِبَيْعِ الْخِيَارِ التَّخْيِيرُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ بَيْعٌ شُرِطَ فِيهِ خِيَارُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِالتَّفَرُّقِ) ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَنَّ نَافِعًا رُبَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ وَرُبَّمَا فَسَّرَهُ قَالَ وَاَلَّذِي يُبَيِّنُ هَذَا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونَ بَيْعَ خِيَارٍ قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ نَافِعٌ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صحيحه) هذا كلام البيهقى ومن قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ فِي جَامِعِهِ الْمَشْهُورِ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يُخَيِّرَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بَعْدَ إيجَابِ الْبَيْعِ فَإِذَا احضره فاختار البيع ليس لَهُمَا خِيَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ هَكَذَا فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ وَمَنْ ذَكَرَ مِنْهُمْ خِلَافًا صَحَّحَهُ وَنَقَلَ ابْنُ المنذر في الاشرف هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ بن عيينة وعبيد الله بن الحسن العنبري والشافعي واسحق ابن رَاهْوَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ فِي سِلْعَةٍ وَعَيْنٍ وَصَرْفٍ وَغَيْرِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ حَتَّى يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ إلَى آخِرِهِ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا غَلِطَ الْمُزَنِيّ فِي قوله سلعة وعين فانهما شئ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي سَلَفٍ بِالْفَاءِ أَوْ عَيْنٍ وَأَرَادَ بِالسَّلَفِ السَّلَمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ فَاحْتِرَازٌ مِنْ تَأْوِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا بِالْقَوْلِ وَهُوَ تَمَامُ عَقْدِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَا بَأْسَ بِنَقْدِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ بِنَقْدِ الثَّمَنِ تَسْلِيمَهُ إلَى الْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَا يُكْرَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ فِي مدة الخيار الى البائع وتسليم الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ
* وَإِنَّمَا يسلم(9/223)
بَعْدَهَا قَالَ لِأَنَّ قَبْضَهُ تَصَرُّفٌ وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا وَسَلَفًا فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ إلَيْهِ الثَّمَنَ ثُمَّ فَسَخَا الْبَيْعَ اسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ مِنْهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَقْرَضَهُ الثَّمَنَ وَاسْتَرْجَعَهُ مِنْهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْقَبْضَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَكَانَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ كَالْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّ امْتِنَاعَ التَّسْلِيمِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لِحَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ كَالْإِقَالَةِ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ الْقَبْضُ تَصَرُّفٌ فَلَا يُسَلِّمُهُ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَا يُسَلِّمُونَ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَلَا يُؤَدِّي إلَيْهِ وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُمَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ مالك اسقاط الخيار لانه يتضمن الرضا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِالتَّسْلِيمِ الْخَلَاصُ مِنْ عُهْدَةِ ضَمَانِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهَلْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْعِوَضِ الْآخَرِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ لِأَنَّ هَذَا التَّسْلِيمَ لَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ فلا يسقط حق الحبس
(والثانى)
ليس له لِتَضَمُّنِهِ إسْقَاطَ حَقِّ الْحَبْسِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَلْحَقْنَا بِالْحَبْسِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ نَقْصًا أَوْ زيادة خيار أو أجالا وَشَرَطَا نَقْدًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَهَلْ يُلْحَقُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَنَذْكُرُهَا بِفُرُوعِهَا مَبْسُوطَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ البيع من الشروط (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ كَالْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَغْوٌ
(وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَكَالْمُقَارِنِ وَإِنْ كَانَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَغْوٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إذَا تَقَابَضَا الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ثُمَّ تَفَاسَخَا لَزِمَهُمَا تَرْدَادُ الْعِوَضَيْنِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَبْسُ مَا فِي يَدِهِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِهِ فَلَيْسَ لَهُ إذَا طَلَبَ صَاحِبُهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَرُدُّ حَتَّى تَرُدَّ أَنْتَ بَلْ إذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا بِالْمُطَالَبَةِ لَزِمَ الْآخَرَ الدَّفْعُ إلَيْهِ ثُمَّ يَرُدُّ مَا كَانَ فِي يَدِهِ قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حَتَّى يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ فَإِنَّ(9/224)
كُلَّ وَاحِدٍ حَبَسَ مَا فِي يَدِهِ حَتَّى يَدْفَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِيهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَسْخَ هُنَا رَفَعَ حُكْمَ الْعَقْدِ وَبَقِيَ التَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الْيَدِ دُونَ الْعَقْدِ وَالْيَدُ تُوجِبُ الرَّدَّ وَهُنَاكَ التَّسْلِيمُ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِهِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ وَزُفَرُ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى والحسن بن صالح وعبيد الله بن الحسن العنبري وأحمد ابن حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ يَجُوزُ فِي كل شئ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فِيهِ فَيَجُوزُ فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ وَفِي الْجَارِيَةِ وَنَحْوِهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَسَبْعَةٌ وَفِي الدَّارِ نَحْوُ الشَّهْرِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ إذَا تَبَايَعَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ غَيْرِ مُؤَقَّتٍ مذهبنا بطلان البيع لان فيه غرر وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ أحمد واسحق الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَأَنَّ الْخِيَارَ بَاطِلٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ) قَالَا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي إبْطَالِ الشَّرْطِ وَصِحَّةِ الْبَيْعِ وَقَالَ مَالِكٌ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ مدة تليق بذلك البيع والله أعلم* (بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ* (الاعيان ضربان نجس وطاهر فأما النجس فعلى ضربين في نفسه ونجس بملاقاة النجاسة فأما النجس في نفسه فلا يجوز بيعه وذلك مثل الكلب والخنزير والخمر والسرجين وما أشبه ذلك من النجاسات والاصل فيه ما رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تعالى حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام) وروى أبو مسعود البدرى وأبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ(9/225)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن ثمن الكلب فنص على الكلب والخنزير والخمر والميتة وقسنا عليها سائر الاعيان النجسة)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صحيحهما طَوِيلًا وَلَفْظُهُ فِيهِمَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ (إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يارسول اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ
إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شحومها حملوه ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ) فَقَالَ حَمَلَهُ - بِالْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ - أَحْمَلَهُ أَيْ أَدَامَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ الْأَنْصَارِيِّ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وَلَفْظُهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ وَاسْمُ أَبِي مَسْعُودٍ عَمْرُو بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْبَدْرِيُّ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَزْوَةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ الْبَدْرِيُّ لِأَنَّهُ سَكَنَ بَدْرًا وَلَمْ يشهدها وقال محمد بن إسحق إما الْمَغَازِي وَمُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ إمَامُ الْمَغَازِي وَغَيْرُهُمَا وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ صَاحِبُ الصَّحِيحِ فِي صَحِيحِهِ إنَّهُ شَهِدَهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِينَ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ رُوِيَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةُ حَدِيثٍ وَحَدِيثَانِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى تِسْعَةِ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثٍ وَمُسْلِمٌ بِسَبْعَةٍ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا وَقِيلَ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَأَمَّا السِّرْجِينُ - فَبِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَبِالْجِيمِ - وَيُقَالُ بِالْقَافِ - بَدَلَهَا وَسَبَقَ إيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ شُرُوطَ الْبَيْعِ خَمْسَةٌ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا مَمْلُوكًا لِمَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ فَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ فَقَالَ النَّجِسُ ضَرْبَانِ نَجِسٌ فِي نَفْسِهِ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا والخمر والنبيد وَالسِّرْجِينِ وَالْعَذِرَةِ وَدُهْنِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَشَعْرِهَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ نَجِسٌ وَكَذَا(9/226)
رِيشُهَا وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ نَجِسٌ وَسَائِرُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَوَاءٌ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ الْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا
* وَدَلِيلُ المسألة ما ذكره المنصنف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْفَيْلَجُ - بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ - هُوَ الْقَزُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ وَآخَرُونَ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي بَاطِنِ الدُّودِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ مِنْ مَصَالِحِهِ كَالنَّجَاسَةِ الَّتِي فِي جَوْفِ الْحَيَوَانِ قَالُوا وَسَوَاءٌ بَاعَهُ وَزْنًا أَوْ جُزَافًا وَسَوَاءٌ كَانَ الدُّودُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَبَيْعُهُ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ فَأْرَةِ الْمِسْكِ أَوْ بَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَدُودَةِ الْقَزِّ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهَا وَنَجَاسَتِهَا (أَصَحُّهُمَا) الطَّهَارَةُ وَجَوَازُ الْبَيْعِ (وَأَمَّا) دُودُ الْقَزِّ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي حَيَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ
لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يُنْتَفَعُ بِهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَسَبَقَ إيضَاحُهَا فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَزْرِ الْقَزِّ وَلَا دُودِهِ دَلِيلُنَا أَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الطَّاهِرِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي حُكْمِ لبن مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكَرْنَا فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا أَنَّهُ نَجِسٌ
(وَالثَّانِي)
طَاهِرٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا (إنْ قُلْنَا) إنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَإِنْ قُلْنَا) طَاهِرٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ جَازَ بَيْعُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) طَاهِرٌ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ بَاعَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ تَبَايَعَهَا ذِمِّيَّانِ أَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي شِرَائِهَا لَهُ فَكُلُّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَهَذَا فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ الْخَمْرِ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهَا حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَالَ المتولي المسألة مبينة عَلَى أَصْلٍ مَعْرُوفٍ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافِرَ عِنْدَنَا مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ وَعِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ إزَالَةِ النجاسة
*(9/227)
(فَرْعٌ)
لَوْ أَتْلَفَ لِغَيْرِهِ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ سِرْجِينًا أَوْ ذَرْقَ حَمَامٍ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ قَبْلَ دِبَاغِهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ لَا قِيمَةَ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ كَلْبًا مُعَلَّمًا حَتَّى قَالَ بِهِ عظائم تابعة مَالِكٌ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ جِرْوًا أَوْ كَبِيرًا وَلَا قِيمَةَ عَلَى مَنْ أَتْلَفَهُ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ العلماء وهو مذهب أبى هريرة وحسن الْبَصْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادِ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ بَيْعُ جَمِيعِ الْكِلَابِ الَّتِي فِيهَا نَفْعٌ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ جَوَازَ بَيْعِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ
عَلَى مُتْلِفِهِ وَإِنْ كَانَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةً وَعَنْهُ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَرِوَايَةٌ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجَّ لِمَنْ جَوَّزَ بَيْعَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ) وَفِي رِوَايَةٍ (ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ سُحْتٌ فَذَكَرَ كَسْبَ الْحَجَّامِ وَمَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ) وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ غَرَّمَ رَجُلًا عَنْ كَلْبٍ قَتَلَهُ عِشْرِينَ بَعِيرًا) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَضَى فِي كَلْبِ صَيْدٍ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَقَضَى فِي كَلْبِ مَاشِيَةٍ بِكَبْشٍ
* وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْفَهْدَ وَلِأَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْحِمَارَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ فَمِنْ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم
* وعن أبى حنيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَعَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابن الزُّبَيْرِ قَالَ (سَأَلْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ فَقَالَ زَجَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ(9/228)
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ إنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلَأْ كَفَّهُ تُرَابًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَلَا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَلَا مَهْرُ الْبَغِيِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد باسناد صحيح حَسَنٍ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِيًا عِنْدَ الرُّكْنِ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ثَلَاثًا إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ إذَا حرم على قوم أكل شئ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صحيح ولانه حَيَوَانٌ نَجِسٌ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْخِنْزِيرِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَهَكَذَا وَضَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ ضَعْفَهَا وَلِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِهِ بَلْ يُجَوِّزُونَ بَيْعَ الْجَمِيعِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ
الضَّعِيفَةُ فَارِقَةٌ بَيْنَهُمَا
* وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْفَهْدِ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ بِخِلَافِ الْكَلْبِ
* والجواب عن قياسهم على الوصية أنها محتمل فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا وَلِهَذَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ وَالْآبِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا مَعْنَى لِمَنْ جَوَّزَ بيع الكلب لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَنَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْكِلَابِ قَالَ وَلَا يُعْلَمُ خَبَرٌ عَارَضَ الْأَخْبَارَ النَّاهِيَةَ يَعْنِي خَبَرًا صَحِيحًا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْإِسْنَادُ الْمَذْكُورُ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ الْهِرَّةِ الْأَهْلِيَّةِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا إلَّا مَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ فِي شرح مختصر المزني عن ابن العاص أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْجُمْهُورِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَهُ جَائِزٌ وَرَخَّصَ فِي بَيْعِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ سِيرِينَ والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي وأحمد واسحق وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ قَالَ وَكَرِهَتْ طائفة بيعه منهم أبو هريرة ومجاهد وطاووس وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهِ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ وَإِلَّا فَجَائِزٌ هذا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَهُ بِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ فَقَالَ زَجَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(9/229)
عَنْ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَوَجَدَ فِيهِ جَمِيعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
جَوَابُ أَبِي العباس بن العاص وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ وَالْقَفَّالِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الهرة الوحشية فلا يصح بيعها لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِجَوَازِ أَكْلِهَا (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَلَى الْعَادَةِ بِتَسَامُحِ النَّاسِ فيه ويتعاوزونه فِي الْعَادَةِ فَهَذَانِ الْجَوَابَانِ هُمَا الْمُعْتَمَدَانِ (وَأَمَّا) ما ذكره الخطابى وابن عبد الله أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَغَلَطٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَوْلُ ابْنِ عبد الله إنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَغَلَطٌ أَيْضًا فَقَدْ رَوَاهُ مسلم في صحيحه من رواية معقل ابن عبيد الله عن أبى الزبير فهذان ثقتان رواياه عن أبى الزبير هو ثِقَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أجمع العلماء عل تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَشِرَائِهَا قَالَ واختلفوا في الانتفاع بسعر الْخَمْرِ فَمَنَعَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالشَّافِعِيُّ واحمد واسحق وَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ عَظْمَ الْفِيلِ نَجِسٌ سَوَاءٌ أُخِذَ مِنْهُ بَعْدَ ذكاته أو بعد مَوْتِهِ وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّ عِظَامَ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّ الْفِيلَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَعَلَى هَذَا إذَا ذُكِّيَ كَانَ عَظْمُهُ طَاهِرًا وَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ مُطْلَقًا وَلَا يَجُوزُ بيعه ولا يحل ثمنه وبهذا قال طاووس وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَخَّصَ فيه عروة بن الزبير وابن سريج قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مَذْهَبُ مَنْ حَرَّمَ هُوَ الْأَصَحُّ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ سِرْجِينِ الْبَهَائِمِ الْمَأْكُولَةِ وَغَيْرِهَا وَذَرْقِ الْحَمَامِ بَاطِلٌ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْجِينِ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ(9/230)
ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ان لله إذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ شَيْئًا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَهَذَا عَامٌّ إلَّا مَا خُرِّجَ بِدَلِيلٍ كَالْحِمَارِ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْعَذِرَةِ فَإِنَّهُمْ وَافَقُوا عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِهَا مَعَ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهَا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الماوردى أن بيعه إنما يفعله الجهلة والارزال فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً فِي دِينِ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا نَجِسٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
جِلْدُ الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ نَحْوُ مَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَمِمَّنْ حَكَى بُطْلَانَ بَيْعِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ الْعَبْدَرِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ كِلَابٌ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ فَمَاتَ قُسِّمَتْ بَيْنَ وَرَثَتِهِ كَمَا يُقَسَّمُ السِّرْجِينُ وَجُلُودُ الْمَيْتَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ
الْمُنْتَفَعِ بِهَا
* (فَرْعٌ)
الْوَصِيَّةُ بِالْكَلْبِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ
* وَالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهَا من النجاسات جائزة بالاتفاق وفي إجازة الْكَلْبِ وَهِبَتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبُطْلَانُ وَسَنُوَضِّحُ كُلَّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَيُورَثُ الْكَلْبُ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الدَّارِمِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الدَّارِمِيُّ يَجُوزُ قِسْمَةُ الْكِلَابِ وَلَيْسَتْ بَيْعًا وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ إذَا مَاتَ وَخَلَفَ كِلَابًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُقَسَّمُ بِالْقِيمَةِ قال وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ
(وَالثَّانِي)
يُقَسَّمُ عَلَى طَرِيقِ الِانْتِفَاعِ وَقِيلَ عَلَى طَرِيقِ نَقْلِ الْيَدِ (وَالثَّالِثُ) لَا يُقَسَّمُ بَلْ يُتْرَكُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ كَمَا لَوْ خَلَفَ وَرَثَةً وَجَوْهَرَةً لَا تُقَسَّمُ بَلْ تُتْرَكُ بَيْنَهُمْ هَذَا مَا حَكَاهُ البغوي (والاصح) أنها تقسم باعتبار قيتمها عند ما يُرَى لَهَا قِيمَةٌ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (فأما اقتناؤها فينظر فيه فان لم يكن فيها منفعة مباحة كالخمر والخنزير والميتة والعذرة لم يجز اقتناؤها لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سأل رجل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ تصنع خلا فكرهه وقال أهرقها) ولان اقتناء ما لا منفعة فيه سفه فلم يجز فان كان فيه منفعة مباحة كالكلب(9/231)
جاز اقتناؤه للصيد والماشية والزرع لما روى سالم بن عبد الله عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ ماشية نقص من أجره يوم قيراطان) وفى حديث أبى هريرة (إلا كلب صيد أو ماشية أو زرع) ولان الحاجة تدعو إلى الكلب في هذه المواضع فجاز اقتناؤه وهل يجوز اقتناؤه لحفظ الدروب فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز للخبر (والثاني) يجوز لانه حفظ مال فأشبه الزرع والماشية وهل يجوز لمن لا يصطاد أن يقتنيه ليصطاد به إذا أراد فيه وجهان
(أحدهما)
يجوز للخبر
(والثانى)
لا يجوز لانه لا حاجة به إليه وهل يجوز اقتناء الجرو للصيد والماشية والزرع فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز لانه ليس فيه منفعة يحتاج إليها
(والثانى)
يجوز لانه إذا جاز اقتناؤه للصيد جاز اقتناؤه لتعليم ذلك (وأما) السرجين فانه يكره اقتناؤه وتربية الزرع به لما فيه من مباشرة النجاسة)
*
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سئل عن الخمر يتخذ خَلًّا فَقَالَ لَا وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَرِيحَةٌ فِي إرَاقَةِ الْخَمْرِ (مِنْهَا) حَدِيثٌ لِأَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ وَلَعَلَّ اللَّهَ سَيُنْزِلُ فِيهَا فمن كان عنده منها شئ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ قَالَ فَمَا لَبِثْنَا إلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ ادركته هذه الآية وعنده منها شئ فَلَا يَشْرَبُهُ وَلَا يَبِيعُهُ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا(9/232)
فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راوية خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا قَالَ لَا فَسَارَرَ إنْسَانًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَ سَارَرْتَهُ قَالَ أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا فَقَالَ إنَّ الَّذِي حرم شربها حرم بيعها ففتح المزاد حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ أَمَرَهُ أَبُو طَلْحَةَ أَنْ يُرِيقَ الْخَمْرَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ فَأَرَاقَهَا) وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ فِي بَعْضِهَا نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ وَفِي بَعْضِهَا قِيرَاطٌ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْقِيرَاطُ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءٍ مِنْ عَمَلِهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ يَنْقُصُ مِنْ مَاضِي عَمَلِهِ وَقِيلَ مِنْ مستقبله قال واختلفوا في محل نقص القراطين فَقَالَ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ اللَّيْلِ وَقِيلَ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْضِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّفْلِ هَذَا كَلَامُهُ (وَأَمَّا) اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي قِيرَاطٍ وَقِيرَاطَيْنِ فَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِنَوْعَيْنِ مِنْ الْكِلَابِ أَحَدُهُمَا أَشَدُّ ضَرَرًا أَوْ لِمَعْنًى فِيهِمَا أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ فَيَكُونُ الْقِيرَاطَانِ فِي الْمَدِينَةِ خَاصَّةً لِزِيَادَةِ فَضْلِهَا وَالْقِيرَاطُ فِي غَيْرِهَا أَوْ الْقِيرَاطَانِ فِي الْقُرَى وَالْقِيرَاطُ فِي الْبَرَارِيِّ أَوْ أَنَّهُ فِي زَمَنَيْنِ فَذَكَرَ الْقِيرَاطَ ثُمَّ زَادَ التَّغْلِيظَ فَذَكَرَ قِيرَاطَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا مَعَ سَبَبِ النَّقْصِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَسَالِمٌ الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ
* وَالْجِرْوُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ ضَمَّهَا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ عَدْوَى تَعْدُو النَّاسَ أَمْ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ إنْ كَانَ فِيهِ عَدْوَى وَجَبَ قَتْلُهُ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ قَتْلُهُ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ قَتْلُهُ ويجوز ارساله(9/233)