قَالَ الْغَزَالِيُّ فَإِنْ صَحَّحَنَا الشِّرَاءَ فَبَاعَهُ الْمُحْرِمُ حَرُمَ الْبَيْعُ وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي إرْسَالُهُ فَإِذَا أَرْسَلَهُ فَهَلْ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا مُرْتَدًّا فَقُتِلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي
* هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَالَ قَالَ الْأَئِمَّةُ إذَا بَاعَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَمَرْنَاهُ بِإِطْلَاقِهِ وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي إرْسَالُهُ
* قَالَ فَإِنْ اسْتَبْعَدَ الْفَقِيهُ ذَلِكَ فَهُوَ كَتَصْحِيحِنَا مِنْ الْمُشْتَرِي شِرَاءَهُ مَعَ أَمْرِنَا إيَّاهُ بِإِرْسَالِهِ ثُمَّ إذَا أَرْسَلَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قبضه اتصل هذا بالتفريع فيمن اشترى مُرْتَدًّا فَقُتِلَ فِي يَدِهِ بِالرِّدَّةِ فَمِنْ ضَمَانِ مَنْ هُوَ وَفِيهِ خِلَافٌ
* قَالَ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ الْقَطْعُ هُنَا بِإِرْسَالِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَجْهًا واحدا لانا قد تقول الْمُرْتَدُّ قَدْ يُقْتَلُ لِرِدَّةٍ حَالَّةٍ وَالْخَطَرَاتُ تَتَجَدَّدُ وَالسَّبَبُ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ وُجُوبَ الْإِرْسَالِ دَائِمٌ لَا تَجَدُّدَ فِيهِ
* (قَالَ) ثُمَّ قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ تَلِفَ الصَّيْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ في يد من اشترى منه وهكذا كل شئ كيف تناسخت الايدى فالضمان على المحرم لانه الْمُتَسَبِّبُ إلَى إثْبَاتِ هَذِهِ الْأَيْدِي وَلِلسَّبَبِ فِي الْمَضْمُونَاتِ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ
* هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمُرَادُهُ بِالضَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ ضَمَانُ الْجَزَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا مات للمحرم قريب يملك صيد فَهَلْ يَرِثُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ فيه وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَرِثُهُ (وَالثَّانِي) لَا وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ يَرِثُهُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ قَهْرِيٌّ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِتَوْرِيثِهِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الصَّيْدِ (فَأَمَّا) إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ إنَّهُ يُزِيلُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِالْإِرْثِ
* هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَكْسَهُ فَقَالَ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إذَا قُلْنَا الْإِحْرَامُ يَقْطَعُ دَوَامَ الْمِلْكِ فَفِي الْإِرْثِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِاسْتِمْرَارِ الْمِلْكِ عَلَى الدَّوَامِ فَإِذَا كَانَ الْإِحْرَامُ يُنَافِي دَوَامَ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ يُنَافِي الْمِلْكَ الْمُتَجَدِّدَ الْمُشَبَّهَ بِالدَّوَامِ (وَالثَّانِي) يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالْإِرْثِ وَيُزِيلُهُ فَإِنَّا نَضْطَرُّ إلَى الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ التَّوْرِيثِ فَلْنُجْرِ ذَلِكَ الْحُكْمَ
ثُمَّ نحكم بِالزَّوَالِ
* هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ(7/309)
جمهور الاصحاب لما قاله وهذا القتل الَّذِي أَضَافَهُ الْإِمَامُ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ غَرِيبٌ فِي كتبهم (وأما) المتولي (فقال) ان قلنا يزول مِلْكُهُ فِي الصَّيْدِ لَمْ يَرِثْهُ وَإِلَّا فَيَرِثُهُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قُلْنَا يَرِثُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَزُولُ مِلْكُهُ عَقِبَ ثُبُوتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ عَنْ الصَّيْدِ بِالْإِحْرَامِ قَالَ وَفِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا وَرِثَهُ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُ الْجَزَاءِ حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا أَرْسَلَهُ الْمُشْتَرِي
* هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي أَضَافَهُ إلَى التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ
* قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ كَانَ مِلْكًا لَهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ إلَّا الْقَتْلَ وَالْإِتْلَافَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا قُلْنَا لَا يَرِثُ فَفِي حُكْمِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي يَكُونُ مِلْكُ الصَّيْدِ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ وَيَكُونُ إحْرَامُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّيْدِ مَانِعًا مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمَيِّتِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ الْمُحْرِمُ مِنْ إحْرَامِهِ فَإِنْ تَحَلَّلَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ
* وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ المجموع التجريد وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبُ الْعِدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ فَإِنْ مَاتَ الْوَارِثُ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَأَحْرَمَ فَفِي زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَزُولُ
* مِمَّنْ حَكَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو حامد والماوردي (والاصح) من الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَزُولُ
* مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي الْمُجَرَّدِ والعبد رى وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَخَالَفَهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ الْأَصَحُّ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ وَالْمَشْهُورُ تَصْحِيحُ زَوَالِ مِلْكِهِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ هَلْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَظْهَرُ) يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ (وَقِيلَ) لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ قَوْلًا وَاحِدًا بَلْ
يُسْتَحَبُّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ نُوجِبْ الْإِرْسَالَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ
* وَلَوْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ قَتَلَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِلْمَالِكِ ولا شئ(7/310)
عَلَى الْمَالِكِ
* وَإِنْ أَوْجَبْنَا إرْسَالَهُ فَهَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَزُولُ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ قَتَلَهُ فَلَا شئ عليه ولو أرسله فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُبَاحًا كَمَا كان قبل اصطياده أو لا
* وَلَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى تَحَلَّلَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يلزمه وهو المنصوص اتفقوا عَلَى تَصْحِيحِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ أَمْ الْإِحْرَامُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالَ فَإِذَا أَرْسَلَ زَالَ حِينَئِذٍ (وَالْأَوَّلُ) مِنْهُمَا أَصَحُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَزُولُ مِلْكُهُ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ آخذه فلو اخذه لم يملكه وقتله ضَمِنَهُ
* وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ بعد امكان الارسال لزمه الجزاء لانهما مفرعان عَلَى وُجُوبِ الْإِرْسَالِ وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِالْإِمْسَاكِ وَلَوْ مَاتَ الصَّيْدُ قَبْلَ إمْكَانِ الْإِرْسَالِ وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وصاحب البيان وَمِمَّنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ
* وَإِذَا لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِرْسَالُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَقَتَلَهُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ حَلَالٌ (وَأَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ بِالْيَدِ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ إلَّا بِالْإِرْسَالِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْإِرْسَالِ على الاحرام وممن نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْأَصْحَابُ مَتَى أَمَرَ بِإِرْسَالِ الصَّيْدِ فَأَرْسَلَهُ زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَصَارَ الصَّيْدُ مُبَاحًا فَمَنْ أَخَذَهُ مِنْ النَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ حَلَالٌ مَلَكَهُ وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مَلَكَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَكَغَيْرِهِ مِنْ الصَّيُودِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى صَيْدًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا وَقَدْ أَحْرَمَ الْبَائِعُ فَإِنْ قُلْنَا لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَمْلِكَ الصَّيْدَ
بِالْإِرْثِ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَرُدُّ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَدْخُلُ الصَّيْدُ فِي مِلْكِهِ (وَالثَّانِي) يَرُدُّ لِأَنَّ مَنْعَ الرَّدِّ إضْرَارٌ بِالْمُشْتَرِي
* قَالَ(7/311)
الْمُتَوَلِّي (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَرَهَنَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا وَهُوَ مَرْهُونٌ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا قلنا لارد فَمَاذَا يَصْنَعُ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَيُوقَفُ الصَّيْدُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُتَعَذَّرَ هُوَ رَدُّ الصَّيْدِ دُونَ رَدِّ الثَّمَنِ (وَقَالَ) ابْنُ الصَّبَّاغِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُوقِفَ حَتَّى يَتَحَلَّلَ الْبَائِعُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِالْأَرْشِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي لَزَالَ مِلْكُهُ عَنْ الصَّيْدِ إلَى الْبَائِعِ وَلَوَجَبَ رَدُّهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْعِوَضَانِ لِلْمُشْتَرِي (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ وَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشتري الحلال صيد اثم أَفْلَسَ بِالثَّمَنِ وَالْبَائِعُ مُحْرِمٌ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الصَّيْدِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ هُنَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَوَجْهُ الجواز رفع الضرر عن البائع والمذهب الاول لان هنا يملك الصيدا بالاختيار فلم يجزى مَعَ الْإِحْرَامِ كَالْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ مُجْزِئٌ وَبِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى وَجْهٍ فَإِنَّهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَإِذَا قُلْنَا لَا يَرْجِعُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اسْتَعَارَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْقِيمَةِ لِلْمُعِيرِ وَلَيْسَ لَهُ التَّعَرُّضُ لَهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لزمه الجزاء القيمة فان أرسله عصى ولزمه القيمة لمالك وَسَقَطَ عَنْهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ رَدَّهُ إلَى الْمَالِكِ برئ مِنْ حَقِّ الْمَالِكِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْجَزَاءُ مَا لَمْ يُرْسِلْهُ الْمَالِكُ
* هَكَذَا
ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ اعادة الصيد للمحرم وقد ذكر المصنف تحريم الاعادة فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ (وَأَمَّا) إذَا أَوْدَعَ الصَّيْدَ عِنْدَ الْمُحْرِمِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ القاضي حسين والبغوى وَالرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَهُ لِأَنَّهُ(7/312)
مَمْنُوعٌ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَوْدَعَ مَالًا مَغْصُوبًا
* فَعَلَى هَذَا إنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِلْمَالِكِ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ يَضْمَنُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَإِنْ أَرْسَلَهُ عَصَى وَلَزِمَهُ الْقِيمَةُ لِلْمَالِكِ وَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْجَزَاءُ مَا لَمْ يُرْسِلْهُ المالك (والثاني) لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهُ لِنَفْسِهِ
* وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُنْتَقَضُ بِالْمَغْصُوبِ إذَا أُودِعَ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا فَأَمَّا إذَا اسْتَعَارَ الْحَلَالُ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَزُولُ مِلْكُ الْمُحْرِمِ عَنْ الصَّيْدِ بِالْإِحْرَامِ وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُعِيرِ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا عليه باليد ولا شئ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَا جَزَاءَ وَلَا قِيمَةَ (أَمَّا) الْجَزَاءُ فَلِأَنَّهُ حَلَالٌ (وَأَمَّا) الْقِيمَةُ فَلِأَنَّ الْمُعِيرَ لَا يَمْلِكُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَزُولُ مِلْكُ الْمُحْرِمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا بِالْجِنَايَةِ وَتَجِبُ القيمة على المستعير للمسالك لِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ مَمْلُوكَةٌ فَوَجَبَ ضَمَانُهَا بِالتَّلَفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ صَارَ الصَّيْدُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْجَزَاءِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ فَإِنْ قَتَلَهُ حَلَالٌ فِي يده فالجزاء عَلَى الْمُحْرِمِ وَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَوَجْهَانِ حكاهما الشيخ أبو حامد والماوردي والبغوى وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) الْجَزَاءُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ صَيْدٍ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَيَكُونُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ صَيْدٌ مَمْلُوكٌ لَهُمَا فَأَحْرَمَ أَحَدُهُمَا وَقُلْنَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ إرْسَالُ الصَّيْدِ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَالْإِرْسَالُ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَ نَفْسِهِ عَنْهُ قَالَ وَلَمْ يُوجِبْ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ السَّعْيَ فِي تَحْصِيلِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِيُطْلِقَهُ
وَلَكِنْ تَرَدَّدُوا فِي أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ هَلْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ حِصَّتِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ إطْلَاقُهُ عَلَى مَا ينبغى والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*(7/313)
(وان كان الصيد غير مأكول نظرت فان كان متولدا بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل كالسمع المتولد بين الذئب والضبع والحمار المتولد بين حمار الوحش وحمار الاهل فحكمه حكم ما يؤكل في تحريم صيده ووجوب الجزاء لانه اجتمع فيه جهة التحليل والتحريم فغلب التحريم كما غلبت جهة التحريم في أكله وان كان حيوانا لا يؤكل ولا هو متولد مما يؤكل فالحلال والحرام فيه واحد لقوله تَعَالَى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حرما) فحرم من الصيد ما يحرم بالاحرام وهذا لا يكون الا فيما يؤكل وهل يكره قتله أو لا يكره ينظر فيه فان كان مما يضر ولا ينفع كالذئب والاسد والحية والعقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور والبق والرغوث والقمل والقرقش والزنبور فالمستحب أن يقتله لانه يدفع ضرورة عن نفسه وعن غيره وان كان مما ينتفع به ويستضر به كالفهد والبازى فلا يستحب قتله لما فيه من المنفعة ولا يكره لما فيه من المضرة وان كان مما لا يضر وينفع كالخنافس والجعلان وبنات وردان فانه يكره قتله ولا يحرم
* (الشَّرْحُ) السِّمْعُ بِكَسْرِ السِّينِ وَالضَّبُعُ اسْمٌ لِلْأُنْثَى (وَأَمَّا) الذَّكَرُ فَيُقَالُ لَهُ ضِبْعَانُ بِكَسْرِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالْفَأْرَةُ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ وَالْحِدَأَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبَعْدَ الدَّالِ هَمْزَةٌ وجمعها حِدَأٌ كَعِنَبَةٍ وَعِنَبٍ وَالْبُرْغُوثُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْقِرْقِشُ بِقَافَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ الْبَعُوضُ الصِّغَارُ قَالَ وَيُقَالُ الْجِرْجِسُ بِجِيمَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ وَقِيلَ إنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْبَقِّ (وَأَمَّا) الْبَازِي فَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ تَخْفِيفُ الْيَاءِ وَتَشْدِيدُهَا وَالثَّالِثَةُ بَازٍ بِغَيْرِ يَاءٍ أَفْصَحُهُنَّ الْبَازِي بِالْيَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَلُغَةُ التَّشْدِيدِ غَرِيبَةٌ وَمِمَّنْ حَكَاهَا ابْنُ مَكِّيٍّ وَأَنْكَرَهَا الْأَكْثَرُونَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ جَمْعِ الْكَلِمَةِ وَتَصْرِيفِهَا فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ (أما) الاحكام فنمهذ قَبْلَهَا بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا (فَيُقْتَلْنَ في الحل
والحرم) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وفى رواية لمسلم(7/314)
(فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (خَمْسٌ من قتلهن وهو محرم فلا جُنَاحَ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ (سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ مَا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنْ الدَّوَابِّ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ حدثنى إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة وَالْغُرَابِ وَالْحَيَّةِ) قَالَ وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ قَالَ (الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفُوَيْسِقَةُ وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْحِدَأَةُ وَالسَّبُعُ الْعَادِي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وغيرهم ومن رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ قَوْلُهُ وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يقتله على انه يَتَأَكَّدُ نَدْبُ قَتْلِهِ كَتَأَكُّدِهِ فِي الْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْوَزَغُ فُوَيْسِقٌ وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ الْمُحْرِمَ بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن الجبيرى أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه يفرد بعيرا له في طير بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا مَا لَيْسَ مَأْكُولًا مِنْ الدَّوَابِّ(7/315)
وَالطُّيُورِ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا لَيْسَ فِي أَصْلِهِ مأكولا (والثاني) ما أحد أصليه مأكولا فَالْأَوَّلُ لَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ بِالْإِحْرَامِ فَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ قَتْلُهُ لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فِي الْحَرَمِ وَلَا جَزَاءَ عليه للاحاديث السابقة قال أصحابنا وهذا للضرب ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ الْمُؤْذِيَاتُ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْغُرَابِ
وَالْحِدَأَةِ وَالذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالدُّبِّ وَالنَّسْرِ وَالْعُقَابِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْبَقِّ وَالزُّنْبُورِ وَالْقُرَادِ واللكة والقرقش وَأَشْبَاهِهَا (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا فِيهِ نفع ومضرة كالفهد والعقاب وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا فَلَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهَا وَلَا يُكْرَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي نَفْعُ هَذَا الضَّرْبِ أَنَّهُ يُعَلَّمُ لِلِاصْطِيَادِ وَضَرَرُهُ أَنَّهُ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ (الثَّالِثُ) مَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ نَفْعٌ وَلَا ضُرٌّ كَالْخَنَافِسِ وَالدُّودِ والجعلان والسرطان والبغاثة والرخمة والعضا واللحكاء وَالذُّبَابِ وَأَشْبَاهِهَا فَيُكْرَهُ قَتْلُهَا وَلَا يَحْرُمُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ الطُّيُورِ دُونَ الْحَشَرَاتِ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ عَبَثٌ بِلَا حَاجَةٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (ان الله كتب الاحسان على كل شئ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا) إلَى آخِرِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ قَتْلُهَا عَبَثًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ يُكْرَهُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ مَا لَا يَضُرُّهُ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّحْلِ وَالنَّمْلِ وَالْخَطَّافِ وَالضُّفْدَعِ وَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ الْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِمَا إنْ جَازَ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا
* وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فأحرقت فأوحي الله تعالى إليه في أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْكَلْبُ الَّذِي لَيْسَ بِعَقُورٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ فَقَتْلُهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لم يكن فيه مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ(7/316)
وَسَنُعِيدُهَا وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَادَّتَهَا فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ (أَمَّا) الْقَمْلُ فَقَتْلُهُ مُسْتَحَبٌّ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) فِي حَالِ الْإِحْرَامِ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى ثِيَابِ الْمُحْرِمِ أَوْ بَدَنِهِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ تَنْحِيَتُهُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ فلا شئ
فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَأْكُولًا
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُفَلِّيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَإِنْ فَعَلَ وَأَخْرَجَ مِنْهَا قَمْلَةً وَقَتَلَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ تَصَدَّقَ وَلَوْ بِلُقْمَةٍ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ هَذَا التَّصَدُّقُ مُسْتَحَبٌّ
* وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ وَاجِبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْأَذَى عَنْ الرَّأْسِ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ جَعَلَ الزَّيْتَ فِي رَأْسِهِ فَمَاتَ الْقَمْلُ وَالصِّئْبَانُ فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ
* هَذَا إذَا جَعَلَهُ فِي شَعْرِ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا جَمِيعًا فَإِنْ جَعَلَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَلَا فِدْيَةَ قَطْعًا لَا وَاجِبَةً وَلَا مُسْتَحَبَّةً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلِلصِّئْبَانِ حُكْمُ الْقَمْلِ وَهُوَ بَيْضُ الْقَمْلِ لَكِنَّ فِدْيَتَهُ أَقَلُّ مِنْ فِدْيَةِ الْقَمْلِ لِكَوْنِهِ أَصْغَرَ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَقِيقَةُ الْفِدْيَةِ ليست للقمل بل للترفه بازالة الذي عَنْ الرَّأْسِ فَأَشْبَهَ حَلْقَ شَعْرِ الرَّأْسِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا فِي أَصْلِهِ مَأْكُولٌ كَالْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَضَبُعٍ أَوْ حِمَارِ وَحْشٍ وَإِنْسٍ فَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَيَجِبُ الْجَزَاءُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَلْحَقُ بِهَذَا الضَّرْبِ مَا تَوَلَّدَ مِنْ صَيْدٍ وَحَيَوَانٍ أَهْلِيٍّ كَمُتَوَلَّدٍ بَيْنَ ضَبُعٍ وَشَاةٍ وَدَجَاجَةٍ وَيَعْفُورٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ التَّعَرُّضُ لَهُ وَيَضْمَنُهُ بِالْجَزَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ أَتْلَفَ حَيَوَانًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ مَأْكُولٌ أَمْ لَا أَوْ شَكَّ هَلْ خَالَطَهُ وَحْشِيٌّ مَأْكُولٌ أَمْ لَا لَمْ يَجِبْ الْجَزَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ احْتِيَاطًا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ كَالْحَيَوَانِ عِنْدَ الشَّكِّ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وما حرم على المحرم من الصيد حرم عليه بيضه وإذا كسره وجب عليه الجزاء وقال المزني رحمه الله لا جزاء عليه لانه لا روح فيه
* والدليل عليه ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بيض النعامة (يصيبه المحرم ثمنه) ولانه خارج من الصيد يخلق منه مثله فضمن بالجزاء كالفرخ(7/317)
فان كسر بيضا لم يحل له أكله وهل يحل لغيره فيه قولان كالصيد
* وقال شيخنا القاضى أبو الطيب رحمه الله في تحريمه علي غيره نظر لانه لا روح فيه فلا يحتاج الي ذكاة
* وان كسر بيضا مذرا لم يضمنه من غير النعامة لانه لا قيمة له ويضمنه من النعامة لان لقشر بيض النعامة قيمة
*
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ ابْنُ ماجه والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُهَزِّمِ يَزِيدَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو الْمُهَزِّمِ هَذَا ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَبَالَغُوا فِي تَضْعِيفِهِ حَتَّى قال شعبة لو أَعْطَوْهُ فَلْسًا لَحَدَّثَهُمْ سَبْعِينَ حَدِيثًا
* وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَآثَارًا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الصَّيْدِ احْتِرَازٌ مِنْ بَيْضِ الدَّجَاجِ (وَقَوْلُهُ) يُخْلَقُ مِنْهُ مِثْلُهُ احْتِرَازٌ مِنْ الْبَيْضِ الْمَذِرِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كُلُّ صَيْدٍ حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ حَرُمَ عَلَيْهِ بَيْضُهُ وَإِذَا كَسَرَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْمُزَنِيَّ وَدَاوُد فَقَالَا هُوَ حَلَالٌ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْبَيْضَ الْمَذِرَ لَا يَحْرُمُ وَلَا جَزَاءَ فِي إتْلَافِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْضَ نعامة فعليه قيمته لان قشرهما يُنْتَفَعُ بِهِ مُتَقَوِّمٌ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا إمام الحرمين فانه قل لو كسر بيضة للنعامة مذرة فلا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَإِنْ قُدِّرَتْ قِيمَتُهُ فَهِيَ لِلْقِشْرِ وَلَيْسَ هُوَ مَضْمُونًا كَمَا لَا يُضْمَنُ الرِّيشُ(7/318)
الْمُنْفَصِلُ مِنْ الطَّائِرِ
* هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَفَّرَ صَيْدًا عَنْ بَيْضَتِهِ الَّتِي حَضَنَهَا فَفَسَدَتْ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبِهِ وَلَوْ أَخَذَ بَيْضَ دَجَاجَةٍ فَأَحْضَنَهُ صَيْدًا فَلَمْ يَقْعُدْ الصَّيْدُ عَلَى بَيْضِ نَفْسِهِ فَفَسَدَ أَوْ قَعَدَ على بيضه وبيض الدجاجة فسد بَيْضُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فَسَادَهُ بِسَبَبِ ضَمِّ بَيْضِ الدَّجَاجَةِ إلَيْهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْقُعُودِ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ
* وَلَوْ أَخَذَ بَيْضَ صَيْدٍ وَأَحْضَنَهُ دَجَاجَةً فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَخْرُجَ الْفَرْخُ وَيَسْعَى وَيَسْتَقِلَّ فَإِنْ خَرَجَ وَمَاتَ قَبْلَ الِامْتِنَاعِ لَزِمَهُ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَإِنْ تَلِفَ الْبَيْضُ تَحْتَ الدَّجَاجَةِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ
* وَلَوْ كَسَرَ بَيْضَةَ صَيْدٍ فِيهَا فَرْخٌ له روح فطار وسلم فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ
* ولو نزى دِيكٌ عَلَى يَعْفُورَةٍ أَوْ يَعْفُورٌ عَلَى دَجَاجَةٍ فَبَاضَتْ فَالْبَيْضُ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُتَوَلَّدِ مِنْ الدَّجَاجَةِ وَالْيَعْفُورِ إذَا صَارَ فَرْخًا فَإِنْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَبَيْضُ الْجَرَادِ حَرَامٌ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ لِأَنَّهُ صَيْدٌ (وَأَمَّا) بَيْضُ السَّمَكِ فَمُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ كَالسَّمَكِ وَلَا جَزَاءَ فِيهِمَا
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ رَأَى الْمُحْرِمُ عَلَى فِرَاشِهِ بَيْضَ السَّمَكِ فَأَزَالَهُ عَنْهُ فَفَسَدَ فَقَدْ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِيهِ قَالَ فَخَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ فَسَدَ بِفِعْلِهِ
(وَالثَّانِي)
لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا كَسَرَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ صَيْدٍ أَوْ قَلَاهُ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى الْحَلَالِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) فِيهِ قَوْلَانِ كَلَحْمِ الصَّيْدِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَلَالِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الطَّرِيقَيْنِ وَالْقَائِلِينَ بِهِمَا وَبَيَانُ التَّرْجِيحِ وَمَا يَتَفَرَّع عَلَيْهِمَا وَبَيْضُ صَيْدِ الْحَرَمِ ولبنه وبيض الجراد واوضحناه قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ لَحْمِ صَيْدٍ ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَلَبَ الْمُحْرِمُ لَبَنَ صَيْدٍ ضَمِنَهُ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْعَلَاءِ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ الرُّويَانِيُّ لَا يَضْمَنهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَقَصَ الصَّيْدُ(7/319)
بِذَلِكَ ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَلَا وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْضِ وَالرِّيشِ هَكَذَا اسْتِدْلَالُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
يَجِبُ فِي شَعْرِ الصَّيْدِ الْقِيمَةُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْرَاقِ أَشْجَارِ الحرم فانه لا يضمن ان جزاء الشَّعْرِ يَضُرُّ الْحَيَوَانَ وَبَقَاءَهُ يَنْفَعُهُ بِخِلَافِ الْوَرِقِ
* (فَرْعٌ)
إذَا رَمَى الْحَصَاةَ السَّابِعَةَ ثُمَّ رَمَى صَيْدًا قَبْلَ وُقُوعِ الْحَصَاةِ فِي الْجَمْرَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ رَمَاهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ إلَّا بِوُقُوعِ الْحَصَاةِ فِي الْجَمْرَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وعندي انه لا فائدة في هذه الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ مَوْضِعَ الرَّمْيِ مُتَوَسِّطٌ فِي الْحَرَمِ لَا يُمَكِّنُ أَحَدًا أَنْ يَرْمِيَ مِنْهُ إلَى صيد في الحل فسواه رَمَى الصَّيْدَ قَبْلَ رَمْيِ الْحَصَاةِ أَوْ بَعْدَهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ رَمَى صَيْدًا فِي الْحَرَمِ
* هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَهَذَا عَجَبٌ مِنْهُ وَالصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ وَالصُّورَةُ مَقْصُورَةٌ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ ويلزمه القيمة للمالك ولو كان رب لهذا الصيد بعد وقوع المصاد فِي الْجَمْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ صَيْدٌ مَمْلُوكٌ وَالْحَلَالُ إذَا قَتَلَ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَزَاءُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ
(إحْدَاهَا) إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ
وَالْجُمْهُورُ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً
* وَقَالَ مُجَاهِدٌ إنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَلَا جَزَاءَ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ المحرم إذا(7/320)
قَتَلَ الصَّيْدَ عَمْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إلَّا مُجَاهِدًا فَقَالَ إنْ تَعَمَّدَهُ ذَاكِرًا فَلَا جَزَاءَ وَإِنْ نَسِيَ وَأَخْطَأَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ مُجَاهِدًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ خِلَافُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قال واختلفو فِيمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ وسعيد بن جبير وأبو ثور لا شئ عَلَيْهِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ
* قَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وأحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ
* وَاحْتَجَّ مُجَاهِدٌ بِقَوْلِهِ تعالى (ومن قتله منكم متعمدا) قَالَ وَالْمُرَادُ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ (وَمَنْ عَادَ فينتقم الله منه) فعل الِانْتِقَامَ بِالْعَوْدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ عَامِدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ لَأَثِمَ
* وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم) فَأَوْجَبَ الْجَزَاءَ عَلَى الْعَامِدِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَامِدِ الْقَتْلِ ذَاكِرًا لِلْإِحْرَامِ وَعَامِدِ الْقَتْلِ نَاسِيَ الاحرام فكانت(7/321)
الْآيَةُ مُتَنَاوِلَةً عُمُومَ الْأَحْوَالِ
* وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَغَلَّظُ بِحَسَبِ الْإِثْمِ فَإِذَا وَجَبَتْ فِي الْخَطَأِ فَالْعَمْدُ أَوْلَى (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا معني قوله تعالى (ومن عاد) أَيْ عَادَ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ نُزُولِهَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّا نَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَنُوجِبُ الْجَزَاءَ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَامِدَ يَضْمَنُ دُونَ الْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي بِقَوْلِهِ تعالى
* ومن قتله منكم متعمدا فجزاء
* فَعَلَّقَهُ بِالْعَمْدِ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) وَهُوَ حَدِيثٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَلِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فِي الْإِحْرَامِ فَوَجَبَ فِي الْعَمْدِ دُونَ النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء) فاحتمل أن يكون المراد متعمدا لقتله نسايا لِإِحْرَامِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعُمُومِ يَتَنَاوَلُهُمَا
*
وَبِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ (أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ إنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي فَرَسَيْنِ لَنَا نَسْتَبِقُ إلَى ثُغْرَةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فقال عمر لرجل إلى جنبه تعالى حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِعَنْزٍ) وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَالرَّجُلُ الَّذِي دَعَاهُ عُمَرُ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَهَذَا الْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَبَقَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى قَتْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِي قَتْلِهِ عَمْدًا وَخَطَأً (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا التَّعَمُّدَ تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِقَتْلِ الْآدَمِيِّ عَمْدًا وَلَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْآدَمِيِّ خَطَأً فَقَالَ تَعَالَى
* وَمَنْ قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة
* نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى وُجُوبِهَا بِقَتْلِ الصَّيْدِ الْخَطَأِ فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ(7/322)
الْآيَتَيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى حُكْمٍ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْأُخْرَى (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ حَمْلُهُ هُنَا عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ وَيَسْتَوِي فِيهَا الْعَامِدُ وَالنَّاسِي وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِيهَا فِي الْإِثْمِ
* (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ فَافْتَرَقَ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَقَتْلُ الصَّيْدِ إتْلَافٌ فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ فِي الْغَرَامَةِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْآدَمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَلَزِمَهُ جَزَاؤُهُ ثُمَّ قَتَلَ صَيْدًا آخَرَ لَزِمَهُ لِلثَّانِي جَزَاءٌ آخَرُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً إلَّا مَنْ سَنَذْكُرُهُ
* وَقَالَ ابن المنذر قال ابن عباس وشريج وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ يَجِبُ الْجَزَاءُ بِالصَّيْدِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ دَاوُد لَوْ قَتَلَ مِائَةَ صَيْدٍ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ
* وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* وَأَحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ متعمدا فجزاء) فَعَلَّقَ وُجُوبَ الْجَزَاءِ عَلَى لَفْظِ مَنْ قَالُوا وَمَا عُلِّقَ عَلَى لَفْظِ مَنْ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَلَهُ دِرْهَمٌ أَوْ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَإِذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا دِرْهَمًا بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ وَإِذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهَا لَا يَقَعُ إلَّا طَلْقَةٌ بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ
* قَالُوا وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ منه) وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَى الْعَوْدِ غَيْرَ الِانْتِقَامِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ
تَعَالَى (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ لَنَا دَلَالَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّ لَفْظَ الصَّيْدِ إشَارَةٌ إلَى الْجِنْسِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ يَدْخُلَانِ لِلْجِنْسِ أَوْ الْعَهْدِ وليس في الصيد مَعْهُودٌ فَتَعَيَّنَ الْجِنْسُ وَأَنَّ الْجِنْسَ يَتَنَاوَلُ الْجُمْلَةَ والافراد فقوله تعالى (ومن قتله منكم) يَعُودُ إلَى جُمْلَةِ الْجِنْسِ وَآحَادِهِ (وَالدَّلَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وَحَقِيقَةُ الْمُمَاثَلَةِ أَنْ يَفْدِيَ الْوَاحِدَ بِوَاحِدٍ وَالِاثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ وَالْمِائَةَ بِمِائَةٍ وَلَا يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنْ النعم مثلا لجماعة صبود وَلِأَنَّهَا نَفْسٌ تُضْمَنُ بِالْكَفَّارَةِ فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْقَتْلِ كَقَتْلِ الْآدَمِيِّينَ وَلِأَنَّهَا غَرَامَةُ مُتْلَفٍ فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْإِتْلَافِ كَإِتْلَافِ أَمْوَالِ الْآدَمِيِّ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صيدين دفعة واحدة لزمه جزءان فَإِذَا تَكَرَّرَ بِقَتْلِهِمَا(7/323)
معا وجب تكرره بقتلهما مرتبا كالعبدين وَسَائِرِ الْأَمْوَالِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ لَفْظَ مَنْ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ الثَّانِي وَاقِعًا فِي مَحَلِّ الْأَوَّلِ (فَأَمَّا) إذَا وَقَعَ الثَّانِي فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّ تَكْرَارَهُ يُوجِبُ تَكْرَارَ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَإِذَا دَخَلَ دَارًا لَهُ ثُمَّ دَارًا لَهُ اسْتَحَقَّ دِرْهَمَيْنِ فَكَذَلِكَ الصَّيْدُ لَمَّا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَا تَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ تعالي (ومن عاد) أَنَّ الْمُرَادَ وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَتَلَ صَيْدًا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سلف) أي قبل نزول الآية والله أعلم
* (المسألة الثَّالِثَةُ) مَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ صَادَهُ لَهُ حَلَالٌ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ كَانَ مِنْ الْمُحْرِمِ فِيهِ إشَارَةٌ أَوْ دَلَالَةٌ أَوْ إعَانَةٌ بِإِعَارَةِ آلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَحْمُهُ حَرَامٌ عَلَى هَذَا الْمُحْرِمِ فَإِنْ صَادَهُ حَلَالٌ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُحْرِمَ ثُمَّ أَهْدَى مِنْهُ لِلْمُحْرِمِ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ أَيْضًا
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا صِيدَ لَهُ بِغَيْرِ إعَانَةٍ مِنْهُ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ وَقَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وسعيد بن جبير يقولون للمحرم أكل مَا صَادَهُ الْحَلَالُ قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ
* قال وقال عطاء ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ يَأْكُلُهُ إلَّا مَا صِيدَ مِنْ اجله
* قال(7/324)
وَرُوِيَ بِمَعْنَاهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
* قَالَ ثُمَّ اخْتَلَفَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَنْ أَكَلَ مَا صِيدَ لَهُ فَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ قَالَ وَفِيهِ مَذْهَبٌ ثالث أنه يحرم مطلقا فكان على ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ لَا يَرَيَانِ لِلْمُحْرِمِ أَكْلَ الصَّيْدِ وَكَرِهَ ذَلِكَ طَاوُسٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالثَّوْرِيُّ
* قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ قَوْلًا رَابِعًا قَالَا مَا ذُبِحَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْك
* وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَهُ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دمتم حرما) قالوا أو المراد بالصيد المصيد وبحديث الصعب ابن جَثَّامَةَ السَّابِقِ (أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ طُرُقِهِ وَأَنَّهُ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طُرُقٍ أنه أهدي لحم حمار
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ أَنَّهُ لَمَّا صَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ وَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ صَلَّى الله عليه وسلم للمحرمين (كلوه وَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ) كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ ما لم تصيدوه أو يصاد لَكُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ
* وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ اصْطَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ (فَذَكَرْتُ(7/325)
شَأْنَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَمْتُ وَإِنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَك فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصطدته له) رواه الدارقطني والبيهقي باسناد صحيح
* قال الدارقطني قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ (قَوْلُهُ) إنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَك (وَقَوْلُهُ) لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ مَعْمَرٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ غَرِيبَةٌ وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكل منه قال وإن كان الاسناد ان صَحِيحَيْنِ
* هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ (قُلْتُ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَرَى لِأَبِي قَتَادَةَ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ قَضِيَّتَانِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي فِي الدَّلَالَةِ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَرَدٌّ لِمَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى أَنَّهُ
لَمْ يَقْصِدْهُمْ بِاصْطِيَادِهِ وَحَدِيثُ الصَّعْبِ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَهُمْ بِاصْطِيَادِهِ وَيُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى
* (وحرم عليكم صيد البر مادتم حرما) عَلَى الِاصْطِيَادِ وَعَلَى لَحْمِ مَا صِيدَ لِلْمُحْرِمِ للاحاديث المبينة للمراة مِنْ الْآيَةِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ عَلَّلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ الصَّعْبِ حِينَ رَدَّهُ بِأَنَّهُ مُحْرِمٌ وَلَمْ يَقُلْ لِأَنَّكَ صِدْتَهُ لَنَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَا يَمْنَعُ أَنَّهُ صَادَهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ الصَّيْدُ على الاسنان إذَا صِيدَ لَهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ فَبَيَّنَ الشَّرْطَ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ
* وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ فِي أَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ مَا صِيدَ لَهُ وَحَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ قَالَ (كُنَّا مع طلحة بن عبد اللَّهِ وَنَحْنُ حُرُمٌ فَأُهْدِي لَهُ طَيْرٌ وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَافَقَ مَنْ أَكَلَهُ وَقَالَ أكلناه مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(7/326)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَرَّ بِالْعَرْجِ فإذا هو بحمار عفير فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَهْزٍ فقال برسول اللَّهِ هَذِهِ رَمِيَّتِي فَشَأْنُكُمْ بِهَا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ) رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انه قال (انما نهيب أن يصاد وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ لَحْمِ الصَّيْدِ يهديه الحلال للمحرم فقال كان عمر بأكله) وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّهُ مَرَّ بِهِ قَوْمٌ مُحْرِمُونَ فَاسْتَفْتَوْهُ فِي لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدَهُ نَاسٌ مُحِلُّونَ أَيَأْكُلُونَهُ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ بِمَ أفتيهم قُلْتُ أُفْتِيهِمْ بِأَكْلِهِ قَالَ عُمَرُ لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ) وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ (كَانَ يَتَزَوَّدُ لَحْمَ الظِّبَاءِ فِي الْإِحْرَامِ) فَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يُصَدْ لِلْمُحْرِمِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بأسانيدهم الصحيحة عن عبد الله ابن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ (رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعَرْجِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ ثُمَّ أَتَى بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا قَالُوا أَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ قَالَ إنِّي
لست كهيأتكم إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ أَمْرِ مُهِمٍّ وَهُوَ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ (إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ)
* وذكرنا قبل هذا حيث ذكره الْمُصَنِّفُ بَيَانَ أَلْفَاظِ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ جَاءَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَهْدَى لَحْمَ حِمَارٍ أَوْ شق حمار وذكرنا هنا أنه يتأول قوله حمارا أي بعض لَحْمَ حِمَارٍ أَوْ شِقَّ حِمَارٍ أَوْ عَجُزَ حِمَارٍ يَقْطُرُ دَمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ أَهْدَى لَحْمَ حِمَارٍ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَالْمُصَنِّفَ وَسَائِرَ أَصْحَابِنَا احْتَجُّوا بِهِ في فدية الصَّيْدِ الْحَيِّ وَجَعَلُوهُ حِمَارًا حَيًّا
* وَكَذَا تَرْجَمَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ بَابٌ لَا يَقْبَلُ الْمُحْرِمُ مَا يُهْدَى لَهُ مِنْ الصَّيْدِ حَيًّا ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ (أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا)
* وَكَذَا رَوَاهُ شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حمار وحش وكذلك رواه الليث وصالح ابن كيسان ومعمر بن راشد وابن أبى ديب ومحمد بن اسحق وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلْقَمَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ(7/327)
الزُّهْرِيِّ حِمَارًا وَحْشِيًّا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَخَالَفَهُمْ سُفْيَانُ: بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ لَحْمَ حِمَارِ وَحْشٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنْبِتٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سفيان على الصحة كما رواه سائل الناس عن الزهري ثم ذكره بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ حِمَارَ وَحْشٍ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ فِي لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ يَقْطُرُ دَمًا وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْ.
قَالَ وَكَانَ سُفْيَانُ فِيمَا خَلَا وَرُبَّمَا قَالَ حِمَارُ وَحْشٍ ثُمَّ صَارَ إلَى لَحْمٍ حَتَّى مَاتَ.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال (أهدى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَوْلَا أَنَّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ مِنْك) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي كُرَيْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِإِسْنَادِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبٍ وَخَالَفَهُ شُعْبَةُ فَرَوَاهُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقُّ حِمَارِ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ وَخَالَفَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ كَمَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ) ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَجُزَ حِمَارٍ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطُرُ دَمًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ حَدِيثُ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَجُزَ حِمَارٍ وَحَدِيثُهُ عَنْ حَبِيبٍ حِمَارَ وَحْشٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَقَدْ رَوَاهُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ وَحَبِيبِ ابن أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحَدُهُمَا عَجُزَ حِمَارٍ وَقَالَ الْآخَرُ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ) ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ بِإِسْنَادِهِ كَذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِذَا كَانَتْ الرِّوَايَةُ هَكَذَا وَافَقَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ رِوَايَةَ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ وَوَافَقَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ رِوَايَةَ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ فَيَكُونُ الحكم منفردا بذللك اللَّحْمِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ
* ثُمَّ رَوَى البيهقى باسناده عن المعتبر بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الحكم عن سعية عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ(7/328)
جَثَّامَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ فَرَدَّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عن يحيى عن المعتمر رواه الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ فَإِنْ كَانَ الصَّعْبُ بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِمَارَ حَيًّا فَلَيْسَ لِمُحْرِمٍ ذَبْحُ حِمَارِ وَحْشٍ حَيٍّ وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَهُ لَحْمًا فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ صِيدَ لَهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَإِيضَاحُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ ابن عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي (صَيْدُ الْبَرِّ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادُ لَكُمْ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَنَّ الصَّعْبَ أَهْدَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ من حدث أنه أهدى حم حِمَارٍ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ (أَنَّ الصعب ابن جَثَّامَةَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجُزَ حِمَارٍ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ الْقَوْمُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَكَأَنَّهُ رَدَّ الْحِمَارَ وَقَبِلَ اللحم
* ثم روى البيهقى عن طاووس قَالَ (قَدِمَ زَيْدُ بْنُ أَرَقْمَ فَقَالَ لَهُ عبد الله ابن عَبَّاسٍ تَتَذَكَّرُ كَيْفَ أَخْبَرْتَنِي عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ أهدى إلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَرَامٌ فَقَالَ أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدَّهُ فَقَالَ إنَّا لَا نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحرب صَنَعَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ طَعَامًا وَصَنَعَ فِيهِ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَافِيرِ وَلُحُومِ الْوَحْشِ فَبَعَثَ إلَى علي بن أبى طالب فجاء فَقَالُوا لَهُ كُلْ فَقَالَ أَطْعِمُوهُ قَوْمًا حَلَالًا فَإِنَّا حُرُمٌ) ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ أَنْشُدُ اللَّهَ من كان ههنا من أسجع أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى إلَيْهِ رَجُلٌ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَتَأْوِيلُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي تَأْوِيلِ حَدِيثِ مَنْ رَوَى فِي قِصَّةِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ لَحْمَ حِمَارٍ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَا(7/329)
يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مُطْلَقًا وَخَالَفَهُمَا عُمَرُ وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم ومنعهم حديث أبى قَتَادَةَ وَجَابِرٍ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَمَّاسٍ قَالَ (سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ لَحْمِ الصَّيْدِ يُهْدِيه الْحَلَالُ لِلْمُحْرِمِ فَقَالَتْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بِهِ بَأْسًا وَلَا بَأْسَ بِهِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الرابعة) إذا ذبح المحرم صيد فِي الْحِلِّ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وفى تحريمه على غيره عندنا قَوْلَانِ سَبَقَا (الْأَصَحُّ) التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَيَكُونُ مَيْتَةً
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمِ بن عبد الله ومالك والاوزاعي وأحمد واسحق وأصحاب الرأى قال وقال الحكم وسفيان والثوري وَأَبُو ثَوْرٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ يَأْكُلُهُ الْحَلَالُ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ مُذَكًّى كَذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْكِتَابِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَأَكَلَ مِنْهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ بِالذَّبْحِ وَلَا يلزمه بالاكل شئ فِيهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ عَلَيْهِ جزاآن وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالذَّبْحِ وَعَلَيْهِ قيمة مَا أَكَلَ وَوَافَقَنَا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ أَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ وَأَكَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ
* دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ وَلِأَنَّهُ أَكَلَ مَيْتَةً فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَيْتَاتِ (السَّادِسَةُ) إذَا دَلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ أَثِمَ الدَّالُّ وَلَا جَزَاءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا فَقَتَلَهُ فَالْجَزَاءُ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ الدَّالِّ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَرْبُ الْعُكْلِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إذَا دَلَّ محرم محرما فَقَتَلَهُ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا جَزَاءٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِ وَالْآمِرِ وَالدَّالِّ وَالْمُشْتَرِي جَزَاءٌ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا (إذَا دَلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا فَقَتَلَهُ لَزِمَ الْمُحْرِمَ الْجَزَاءُ) وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ الله وأحمد واسحق وأصحاب الرأى قال وعندي لا شئ عَلَيْهِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَمَنْ قتله منكم متعمدا فجزاء) فَأَوْجَبَ الْجَزَاءَ عَلَى الْقَاتِلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ (السَّابِعَةُ) إذَا قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى وَقِيمَتُهُ لِلْمَالِكِ.
هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ دَاوُد وَقَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ قَوْلٌ غَيْرَهُ قَالَ وَحُكِيَ عَنْهُ خِلَافُ هَذَا وَهُوَ غَلَطٌ وَقَالَ الْمُزَنِيّ عليه القيمة(7/330)
لِمَالِكِهِ وَلَا جَزَاءَ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْأَنْعَامَ.
دَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فجزاء) وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقَّانِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِلْآدَمِيِّ فَوَجَبَ بَدَلُهُ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ امْرَأَةً عَلَى الزِّنَا لَزِمَهُ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ وَكَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَةَ أَبِيهِ بِشُبْهَةٍ لَزِمَهُ مَهْرَانِ مَهْرٌ لَهَا وَمَهْرٌ لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ نِكَاحَهُ وَفَوَّتَ عَلَيْهِ الْبُضْعَ وَيُخَالِفُ الْأَنْعَامَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صيدا وانما ورد اللشرع بِالْجَزَاءِ فِي الصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّامِنَةُ) إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ تَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حنيفة عليه جزءان لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِقَتْلِ الصيد فوجب جزاآن كما لو قتل المفرد في حجه وفى عمرته.
دليلنا الْمَقْتُولَ وَاحِدٌ فَوَجَبَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ وَافَقَنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُ اجتمع في حُرْمَتَانِ (وَأَمَّا) مَا قَاسَ عَلَيْهِ فَالْمَقْتُولُ هُنَاكَ اثْنَانِ (التَّاسِعَةُ) يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِإِتْلَافِ الْجَرَادِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَافَّةً إلَّا أَبَا سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيَّ فَقَالَ لَا جَزَاءَ فِيهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالُوا هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَلَا جَزَاءَ فِيهِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (أَصَبْنَا سِرْبًا مِنْ جَرَادٍ فَكَانَ رَجُلٌ يَضْرِبُ بِسَوْطِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقِيلَ لَهُ إنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِضَعْفِ أَبِي(7/331)
الْمُهَزَّمِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا عِنْدَ ذِكْرِ الْبَيْضِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ مَيْمُونِ بن حابان عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ) قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَبُو الْمُهَزِّمِ ضَعِيفٌ وَالرِّوَايَتَانِ جَمِيعًا وَهْمٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وغيره ميمون بن حابان غَيْرُ مَعْرُوفٍ.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ وَالْبَيْهَقِيُّ عن عبد الله ابن أَبِي عَمَّارٍ أَنَّهُ قَالَ (أَقْبَلْتُ مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي أُنَاسٍ مُحْرِمِينَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَكَعْبٌ عَلَى نَارٍ يَصْطَلِي فَمَرَّتْ بِهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ قَتَلَهُمَا وَنَسِيَ إحْرَامَهُ ثُمَّ ذَكَرَ إحْرَامَهُ فَأَلْقَاهُمَا فَلَمَّا قدمنا المدينة دخل القوم على عمرو دخلت مَعَهُمْ فَقَصَّ كَعْبٌ قِصَّةَ الْجَرَادَتَيْنِ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا جَعَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ يَا كَعْبُ قَالَ دِرْهَمَيْنِ قَالَ بَخٍ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ اجْعَلْ مَا جَعَلْتَ فِي نَفْسِكَ) وَبِإِسْنَادِ الشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ الصَّحِيحِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ (كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهَا قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَلَتَأْخُذُنَّ بِقَبْضَةٍ مِنْ جَرَادَاتٍ وَلَكِنْ وَلَوْ) قَالَ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ) وَلَتَأْخُذُنَّ بِقَبْضَةٍ جَرَادَاتٍ أَيْ إنَّمَا فِيهَا الْقِيمَةُ وَقَوْلُهُ وَلَوْ يقول يحتاط فَتُخْرِجُ أَكُثْرَ مِمَّا عَلَيْكَ بَعْدَ أَنْ أَعْلَمْتُكَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْكَ.
وَبِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ (سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ صَيْدِ الجراد في الحرم فقال لا ونهي عَنْهُ) قَالَ فَإِمَّا قُلْتُ لَهُ وَإِمَّا رَجُلٌ من القوم فان قومك يأخذونه وهم محتبون فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَا يَعْلَمُونَ وَفِي رِوَايَةٍ منحنون قال الشافعي هذا أصواب كَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مُنْحَنُونَ بِنُونَيْنِ بَيْنَهُمَا الْحَاءُ الْمُهْمَلَةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْجَرَادِ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَدَعْوَى أَنَّهُ بَحْرِيٌّ لَا تُقْبَلُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالْإِجْمَاعُ أَنَّهُ مَأْكُولٌ فَوَجَبَ جَزَاؤُهُ كَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْعَاشِرَةُ) كُلُّ طَائِرٍ وَصَيْدٍ حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْضُهُ فَإِنْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ بقيمته.
هذا مذهبنا وبه قال أحمد وآخرن مِمَّنْ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد لَا جَزَاءَ فِي البيض وقال مالك يضمننه بِعُشْرِ ثَمَنِ أَصْلِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي بَيْضِ الْحَمَامِ فَقَالَ عَلِيٌّ وَعَطَاءٌ فِي كُلِّ بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ
الرَّأْيِ وَأَبُو ثَوْرٍ فِيهِ قِيمَتُهُ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ فِيهِ عُشْرُ مَا يَجِبُ فِي أُمِّهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْضِ النَّعَامِ(7/332)
فَقَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ.
وَقَالَ أَبُو عبيدة وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يَجِبُ فِيهِ صِيَامُ يَوْمٍ أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ وَقَالَ الْحَسَنُ فِيهِ جَنِينٌ مِنْ الْإِبِلِ وَقَالَ مَالِكٌ فِيهِ عُشْرُ ثَمَنِ الْبَدَنَةِ كَمَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ.
قَالَ وروينا عَنْ عَطَاءٍ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) كَقَوْلِ الْحَسَنِ (وَالثَّانِي) فِيهَا كَبْشٌ (وَالثَّالِثُ) دِرْهَمٌ (1) دَلِيلُنَا أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الصَّيْدِ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ الَّتِي لَا مِثْلَ لَهَا.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ بَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ وَلَيْسَ فِيهَا ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا أَحْرَمَ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ.
وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة وأحمد لا يزول ملكه ولكن يجب إزَالَةُ يَدِهِ الظَّاهِرَةِ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ مُمْسِكًا لَهُ فِي يَدِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُ فِي بَيْتِهِ وَقَفَصِهِ وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ مُجَاهِدٌ وعبد الله بن الحرث وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَيْسَ عَلَيْهِ إرْسَالُ مَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ؟ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ صَيْدٌ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إرْسَالُ مَا فِي يَدِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهَذَا صَحِيحٌ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُهُ وَأَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْله تَعَالَى (وَطَعَامُهُ متاعا لكم وللسيارة) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ هُوَ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ صَيْدُهُ مَا اصْطَدْت وَطَعَامُهُ مَا تَزَوَّدْت مَمْلُوحًا (قُلْتُ) وَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَعَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فَإِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْعَبْدَرِيُّ الْحَيَوَانُ ضَرْبَانِ أَهْلِيٌّ وَوَحْشِيٌّ فَالْأَهْلِيُّ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ إجْمَاعًا وَالْوَحْشِيُّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إتْلَافُهُ إنْ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ مُتَوَلَّدًا مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَيْسَ مُتَوَلِّدًا مِنْ مأكول وغيره هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إلَّا فِي الذِّئْبِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْإِحْرَامِ الْغُرَابُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ
وَالْحِدَأَةُ)) قَالَ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ هذا الحديث الثوري والشافعي وأحمد وإسحق غَيْرَ أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَذْكُرْ الْفَأْرَةَ قَالَ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ الْكَلْبُ الْعَقُورُ مَا عَقَرَ النَّاسَ وَعَدَا عَلَيْهِمْ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ.
قال فأما ما لا يعد ومن السِّبَاعِ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إن ابتدأه السبع فلا شئ عليه وإن
__________
(1) كذا بالاصل وانظر أين الرابع والخامس(7/333)
ابْتَدَأَ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إلا الكلب والذئب فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ ابْتَدَأَهُمَا.
قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا شئ عَلَيْهِ فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ قَالَ وَأَبَاحَ أَكْثَرُهُمْ قَتْلَ الْغُرَابِ فِي الْإِحْرَامِ مِنْهُمْ أَبُو عُمَرَ ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الحديث إنما يباح الغراب ألا يقع دُونَ سَائِرِ الْغِرْبَانِ (وَأَمَّا) الْفَأْرَةُ فَأَبَاحَ الْجُمْهُورُ قَتْلَهَا وَلَا جَزَاءَ فِيهَا وَلَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ مُنِعَ الْمُحْرِمُ مِنْ قَتْلِهَا قَالَ وَهَذَا لَا مَعْنَى فِيهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ السنة وقول العلماء.
قال ابن المنذر وأجمعوا عَلَى أَنَّ السَّبُعَ إذَا بَدَرَ الْمُحْرِمَ فَقَتَلَهُ فلا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ بَدَأَ السَّبُعَ فَقَالَ مجاهد والنخعي والشعبى والثوري وأحمد وإسحق لا يقتله وقال عطاء وعمر بْنُ دِينَارٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ فِي الْإِحْرَامِ عَدَا عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يَعْدُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرأى لا شئ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الْبَعُوضِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ فِي الْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ وَقَالَ مالك في الذباب والدر والقمل إذا قتلهن ارى ان يتصدق بشئ مِنْ الطَّعَامِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَكْرَهُ قَتْلَ النَّمْلَةِ وَلَا يَرَى عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهَا شَيْئًا قَالَ فَأَمَّا الزُّنْبُورُ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَحْمَدُ لَا جَزَاءَ فِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ يُطْعِمُ شيئا قال ابن المنذر واما القملة إذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ يَتَصَدَّقُ بِحَفْنَةٍ مِنْ طَعَامٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ قال (اهون مقتول أي لا شى فِيهَا) .
وَقَالَ عَطَاءُ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَمِثْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ.
وقال أحمد يطعم شيئا.
وقال اسحق تَمْرَةٌ فَمَا فَوْقَهَا.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهَا.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَقْتُلُهَا وَيُكَفِّرُ إذَا كَرِهَ وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ لَا شئ فِيهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ قَتَلَهَا مِنْ رَأْسِهِ افْتَدِي بِلُقْمَةٍ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي جَسَدِهِ فَقَتَلَهَا فَلَا فِدْيَةَ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا شئ فِيهَا وَلَيْسَ لِمَنْ أَوْجَبَ فِيهَا شَيْئًا حُجَّةٌ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ قَتْلِ الْقُرَادِ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ الْعَبْدَرِيُّ يَجُوزُ عِنْدَنَا لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُقَرِّدَ بَعِيرَهُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُقَرِّدُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ أَبَاحَ تَقْرِيدَ بَعِيرِهِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ زيد وعطاء والشافعي وأحمد وإسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي المحرم(7/334)
يَقْتُلُ قُرَادًا يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ أَوْ تَمْرَتَيْنِ.
قَالَ ابن المنذر وبالاول اقول.
ودليلنا جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ قَرِيبًا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ قَبْلَ مَا لَا يُؤْكَلُ وَاَللَّهُ أعلم.
قال المصنف رحمه الله
* وان احْتَاجَ الْمُحْرِمُ إلَى اللُّبْسِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أو احتاج إلى الطيب لمرض أو إلى حلق الرأس للاذى أو الي شد رأسه بعصابة لجراحة عليه أو إلى ذبح الصيد للجماعة لم يحرم عليه.
وتجب عليه الكفارة لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أو صدقة أو نسك) ولحديث كعب بن عجرة.
فثبت الحلق بالنص وقسنا عليه ما سواه لانه في معناه وإن نبت في عينه شعرة فقلعها أو نزل شعر الراس على عينه فقطع ما غطى العين أو انكسر شئ من ظفره فقطع ما انكسر منه أو صال عليه صيد فقتله دفعا عن نفسه جاز ولا كفارة عليه لان الذى تعلق به المنع الجأه الي إتلافه.
ويخالف إذا اذاه القمل في راسه فحلق الشعر لان الاذى لم يكن من جهة الشعر الذى تعلق به المنع إنما كان من غيره.
وان افترش الجراد في طريقه فقتله ففيه قولان (احدهما) .
يجب عليه الجزاء لانه قتله المنفعة نفسه فأشبه إذا قتله للمجاعة (والثاني) لا يجب لان الجراد الجأه إلى قتله فأشبه إذا صال على الصيد فقتله للدفع.
وان باض صيد على فراشه فنقله ولم يحضنه الصيد فقد حكي الشافعي رحمه الله عن عطاء رحمه الله انه لا يلزمه ضمانه لانه مضطر إلى ذلك قال ويحتمل ان يضمن لانه اتلفه باختياره فحصل فيه قولان كالجراد.
وان كشط من يده جلدا وعليه شعر أو قطع كفه وفيه اظفار لم تلزمه فدية لانه تابع لمحله فسقط حكمه تبعا لمحله كالاطراف مع النفس في
قتل الآدمى) (الشَّرْحُ) قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ به أذى من رأسه ففدية) فِيهِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ وَتَقْدِيرُهُ فَحَلَقَهُ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَالْمَجَاعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ شِدَّةُ الجوع وحديث كعب بن عجرة ورواه البخاري ومسلم وسبق بيانه (قوله) افترش الجواد هُوَ بِرَفْعِ الْجَرَادِ وَهُوَ فَاعِلُ افْتَرَشَ قَالَ أهل اللغة افترش الشئ إذَا انْبَسَطَ قَالُوا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَكَمَةُ مُفْتَرَشَةٌ أي دكا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ وَأَوْضَحْته لِأَنِّي رَأَيْتُ بعض الكبار يغلطه فِيهِ (قَوْلُهُ) وَلَمْ يَحْضُنْهُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الضَّادِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ حَضَنَ الطائر بيضه يخضنه إذَا ضَمَّهُ إلَى نَفْسِهِ تَحْتَ جُنَاحِهِ (قَوْلُهُ) أَوْ قَطَعَ كَفَّهُ وَفِيهِ أَظْفَارٌ هَكَذَا فِي النَّسْخِ وَفِيهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَفِيهَا(7/335)
لِأَنَّ الْكَفَّ مُؤَنَّثَةٌ (وَيُجَابُ) عَنْهُ بِأَنَّهُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْنَى فَعَادَ الضَّمِيرُ إلَى مَعْنَى الْكَفِّ وَهُوَ الْعُضْوِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا احْتَاجَ الْمُحْرِمُ إلَى اللُّبْسِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ قِتَالِ صَائِلٍ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ أَوْ إلَى الطِّيبِ لِمَرَضٍ أَوْ إلَى حَلْقِ الشَّعْرِ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَذًى فِي رَأْسِهِ مِنْ قَمْلٍ أَوْ وَسَخٍ أَوْ حَاجَةٍ أُخْرَى فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ إلَى شَدِّ عِصَابَةٍ عَلَى رَأْسِهِ لِجِرَاحَةٍ أَوْ وَجَعٍ وَنَحْوِهِ أَوْ إلَى ذَبْحِ صَيْدٍ لِلْمَجَاعَةِ أَوْ إلَى قَطْعِ ظُفْرٍ لِلْأَذَى أَوْ مَا فِي مَعْنَى هَذَا كُلِّهِ جَازَ له فعله وعليه الفدية لما ذكره المنصف وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا (الثَّانِيَةُ) إذَا نَبَتَ فِي عَيْنِهِ شَعْرَةٌ أَوْ شَعَرَاتٌ دَاخِلَ الْجَفْنِ وَتَأَذَّى بِهَا جَازَ قَلْعُهَا بِلَا خِلَافٍ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ قَالَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِيهِ طَرِيقِينَ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) تَخْرِيجُ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَرَادِ إذَا افْتَرَشَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فِي الْمَعْنَى فَهُوَ بَعِيدٌ فِي النَّقْلِ
* وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْمُعَايَاةِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا ضَمَانَ
(وَالثَّانِي)
يَضْمَنُ وَالْمَذْهَبُ لَا ضَمَانَ قَطْعًا
* وَلَوْ طَالَ شَعْرُ حَاجِبِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَغَطَّى عَيْنَهُ فَلَهُ قَطْعُ الْمُغَطِّي بِلَا خِلَافٍ وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الطَّرِيقَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْإِمَامُ وَسَلَكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ طَرِيقَةً عَجِيبَةً فَقَطَعَ بِأَنَّهُ إذَا نَبَتَ الشَّعْرُ فِي عَيْنِهِ لَزِمَهُ
الْفِدْيَةُ بِقَلْعِهِ
* قَالَ وَلَوْ انْعَطَفَ هُدْبُهُ إلَى عَيْنِهِ فَآذَاهُ فَنَتَفَهُ أَوْ قَطَعَهُ فَلَا فِدْيَةَ وَفَرَّقَ بِأَنَّ هَذَا كَالصَّائِلِ بِخِلَافِ شَعْرِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا سَبَقَ
* وَلَوْ انْكَسَرَ بَعْضُ ظُفْرٍ فَتَأَذَّى بِهِ فقطع الْمُنْكَسِرَ وَحْدَهُ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ حَكَى فِيهِ الطَّرِيقَيْنِ كَشَعْرِ الْعَيْنِ (أَمَّا) إذَا قَطَعَ الْمَكْسُورَ وَشَيْئًا مِنْ الصَّحِيحِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ الظُّفْرُ بِكَمَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَخَذَ بَعْضَ ظُفْرٍ أَوْ بَعْضَ شَعْرٍ فَهُوَ كَالظُّفْرِ الْكَامِلِ والشعرة الكاملة وفيه وجه ضعيف انه ان اخذ جميع أَعْلَى الظُّفْرِ وَلَكِنَّهُ دُونَ الْمُعْتَادِ وَجَبَ مَا يَجِبُ فِي جَمِيعِ الظُّفْرِ كَمَا لَوْ قَطَعَ بَعْضُ الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ جَانِبٍ دُونَ جَانِبٍ وَجَبَ بِقِسْطِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) لَوْ صَالَ عَلَيْهِ صَيْدٌ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ لِلدَّفْعِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَلَوْ رَكِبَ إنْسَانٌ صَيْدًا وَصَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ أَوْ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ(7/336)
وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ لِلدَّفْعِ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وُجُوبُ الْجَزَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّ الْأَذَى لَيْسَ مِنْ الصَّيْدِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ وَلَا يُطَالَبُ بِهِ الْمُحْرِمُ (وَالثَّانِي) يُطَالَبُ الْمُحْرِمُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاكِبِ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ قَالَ وَكَذَا نَقَلَ الْقَفَّالُ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا فِيمَنْ رَكِبَ دَابَّةً مغصوبة وَقَصَدَ إنْسَانًا فَقَتَلَ الْمَقْصُودُ الدَّابَّةَ فِي ضَرُورَةِ الدَّفْعِ
(أَحَدُهُمَا)
الْغَرَامَةُ عَلَى الرَّاكِبِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الدَّافِعِ
(وَالثَّانِي)
يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الرَّاكِبِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ (الرَّابِعَةُ) إذَا انْبَسَطَ الْجَرَادُ فِي طَرِيقِهِ وَعَمّ الْمَسَالِكَ فَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَعْدِلًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْمَشْيُ إلَّا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ فِي مُرُورِهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ قَوْلَانِ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ ذَكَرَ المنصف دَلِيلَهُمَا
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِأَنَّ لَا ضَمَانَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا ضَمَانَ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْفَارِقِيُّ فِي الْفَوَائِدِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إيجَابَ الضَّمَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ
الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ هَذَا الْخِلَافِ جَرَادُ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) إذَا بَاضَ صَيْدٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَقَلَهُ عَنْهُ فَلَمْ يَحْضُنْهُ الصَّيْدُ حَتَّى فَسَدَ أَوْ تَقَلَّبَ عَلَيْهِ فِي نَوْمِهِ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْجَرَادِ الْمُفْتَرِشِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ(7/337)
وَلَوْ وَضَعَ الصَّيْدُ الْفَرْخَ عَلَى فِرَاشِ الْمُحْرِمِ فَنَقَلَهُ فَتَلِفَ أَوْ تَقَلَّبَ عَلَيْهِ جَاهِلًا فَتَلِفَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (السَّادِسَةُ) إذَا قَطَعَ الْمُحْرِمُ يَدَهُ وَعَلَيْهَا شَعْرٌ أَوْ كَشَطَ جِلْدَةً مِنْهَا عَلَيْهَا شَعْرٌ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ وَعَلَيْهَا أَظْفَارٌ لَمْ يَلْزَمْهُ فِدْيَةٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ كَشَطَ جِلْدَةَ الرَّأْسِ الَّتِي عَلَيْهَا شَعْرٌ فَلَا فِدْيَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ افْتَدَى كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا صَالَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يلزمه الضمان * قال المصنف رحمه الله
* (وان لبس أو تطيب أو دهن رأسه أو لحيته جاهلا بالتحريم أو ناسيا للاحرام لم يلزمه الفدية لما روى أبو يعلى بن أمية رضى الله عنه قَالَ (أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْلَ بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر رأسه ولحيته فقال يا رسول الله أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك) ولم يأمره بالفدية فدل علي أن الجاهل لا فدية عليه وإذا ثبت هذا في الجاهل ثبت في الناسي لان الناسي يفعل وهو يجهل تحريمه عليه فَإِنْ ذَكَرَ مَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ عَلِمَ ما فعله جاهلا نزع اللباس وأزال الطيب حديث يعلى بن أمية فان لم يقدر علي إزالة الطيب لم تلزمه الفدية لانه مضطر إلى تركه فلم تلزمه فديد كما لو أكره علي التطيب وان قدر على إزالته واستدام لزمته الفدية لانه تطيب من غير عذر فأشبه إذا ابتدأ به وهو عالم بالتحريم
* وان مس طيبا وهو يظن أنه يابس فكان رطبا ففيه قولان
(أحدهما)
تلزمه الفدية لانه قصد مس الطيب
(والثانى)
لا تلزمه(7/338)
لانه جهل تحريمه فاشبه إذا جهل تحريم الطيب في الاحرام
* وان حلق الشعر أو قلم الظفر ناسيا أو جاهلا
بالتحريم فالمنصوص أنه تجب عليه الفدية لانه إتلاف فاستوى في ضمانه العمد والسهو كاتلاف مال الآدمى وفيه قول آخر مخرج أنه لا تجب لانه ترفه وزينة فاختلف في فديته السهو والعمد كالطيب
* وان قتل صيدا ناسيا أو جاهلا بالتحريم وجب عليه الجزاء لان ضمانه ضمان المال فاستوي فيه السهو والعمد والعلم والجهل كضمان مال الآدميين وان أحرم ثم جن وقتل صيدا ففيه قولان
(أحدهما)
يجب عليه الجزاء لما ذكرناه (والثاني) لا يجب لان المنع من قتل الصيد تعبد والمجنون ليس من أهل التعبد فلا يلزمه ضمان
* ومن أصحابنا من نقل هذين القولين الي الناسي وليس بشئ وان جامع ناسيا أو جاهلا بالتحريم ففيه قولان (قال) في الجديد لا يفسد حجه ولا يلزمه شئ لانه عبادة تجب بافسادها الكفارة فاختلف في الوطئ فيها العمد والسهو كالصوم (وقال) في القديم يفسد حجه وتلزمه الكفارة لانه معني يتعلق به قضاء الحج فاستوى فيه العمد والسهو كالفوات) (حَدِيثُ يَعْلَى صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَسَبَقَ بَيَانُ الْجِعْرَانَةِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ (قَوْلُهُ) وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ أَيْ مُخَرَّجٌ مِنْ الطِّيبِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ تُرْفَةٌ وَزِينَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ إتْلَافِ مَالِ الْآدَمِيِّ وَمَنْ إتْلَافِ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ.
(قَوْلُهُ) يَتَعَلَّقُ بِهِ قَضَاءُ الْحَجِّ احْتِرَازٌ مِنْ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ.
(قَوْلُهُ) لِأَنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ الْمَالِ يَعْنِي أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ أَوْ القيمة(7/339)
وقيه احْتِرَازٌ مِنْ قَتْلِ الْآدَمِيِّ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ أَوْ نَاسِيًا الْإِحْرَامَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْمُزَنِيَّ فَأَوْجَبَهَا
* دَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ ذَكَرَ مَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ عَلِمَ مَا فَعَلَهُ جَاهِلًا لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ بِإِزَالَةِ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَلَهُ نَزْعُ الثَّوْبِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَلَا يُكَلَّفُ شَقُّهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ السَّلَفِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ شَرَعَ فِي الْإِزَالَةِ وَطَالَ زَمَانُهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَخَّرَ الْإِزَالَةَ مَعَ إمْكَانِهَا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ مُتَطَيِّبٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ إزَالَةُ الطِّيبِ أَوْ اللِّبَاسِ بِأَنْ كَانَ أَقْطَعَ أَوْ بِيَدِهِ عِلَّةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ عَجَزَ عَمَّا يُزِيلُ بِهِ الطِّيبَ فَلَا فِدْيَةَ مَا دَامَ الْعَجْزُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَتَى تَمَكَّنَ وَلَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ
بِالْإِزَالَةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ وَجَهِلَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَهُوَ كَمَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ أَوْ سَرَقَ عَالِمًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ جَاهِلًا وُجُوبَ الْحَدِّ فَيَجِبُ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا لَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْقِصَاصُ وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ وَجَهِلَ كَوْنَ الْمَمْسُوسِ طِيبًا فَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ وَلَكِنَّهُ اعْتَقَدَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الطِّيبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ لِتَقْصِيرِهِ (أَمَّا) إذَا مَسَّ طِيبًا يَظُنُّهُ يَابِسًا فَكَانَ رَطْبًا فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْجَدِيدُ) لَا فِدْيَةَ (وَالْقَدِيمُ) وُجُوبُهَا وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا وَاخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الطَّيِّبِ (أَمَّا) إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّطَيُّبِ فَلَا فِدْيَةَ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ الْمَذْكُورِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا حَلَقَ الشَّعْرَ أَوْ قَلَّمَ الظُّفْرَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ (وَالثَّانِي) مُخَرَّجٌ أَنَّهُ(7/340)
لَا فِدْيَةَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ
* وَقَالَ كَثِيرُونَ مُخَرَّجٌ مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا حَلَقَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الصَّيْدَ نَصَّ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ إذَا أَزَالُوا فِي إحْرَامِهِمْ شَعْرًا أَوْ ظُفْرًا هَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) لَا فِدْيَةَ بِخِلَافِ الْعَاقِلِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ المصنف وآخرين
(والثانى)
على الْخِلَافُ فِي الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ (وَأَمَّا) الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ قَتْلِهِمْ الصَّيْدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَذَكَرْنَاهُ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا فِي أَوَائِلِ فَصْلِ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ (الرَّابِعَةُ) إذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ أَوْ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْحَجِّ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَفِيهِ قولان مشهووان ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ وَلَا كَفَّارَةَ (وَالْقَدِيمُ) فَسَادُهُ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ
* وَلَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَحَلَقَ ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ رَمَى قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَأَنَّ التَّحَلُّلَ لَمْ يَحْصُلْ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ (أَصَحُّهُمَا) كَالنَّاسِي فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ (وَالثَّانِي) يَفْسُدُ حَجُّهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَقْصِيرِهِ
* وَلَوْ أُكْرِهَتْ المحرمة علي الوطئ فَفِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي النَّاسِي وَلَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ بِنَاءً عَلَى الخلاف في تصور اكراهه على الوطئ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ إكْرَاهَهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَكُونُ مُخْتَارًا فَيَفْسُدُ نُسُكُهُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ(7/341)
فَيَكُونُ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى النَّاسِي كَمَا قُلْنَا فِي الْمَرْأَةِ (وَالْأَصَحُّ) لَا يَفْسُدُ لِأَنَّ الاصح تصورا كراهه
* وَلَوْ أَحْرَمَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَجَامَعَ فِي جُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَالنَّاسِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ فِي ضَابِطِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا فَعَلَ الْمُحْرِمُ مَحْظُورًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَإِنْ كَانَ إتْلَافًا كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَإِنْ كَانَ اسْتِمْتَاعًا مَحْضًا كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَدَهْنِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَسَائِرِ الْمُبَاشَرَاتِ بِالشَّهْوَةِ مَا عَدَا الْجِمَاعَ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ كَانَ جِمَاعًا فَلَا فِدْيَةَ فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(7/342)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَلَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ وَالثَّوْرِيُّ واسحق وَدَاوُد
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَقَاسُوهُ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْفَرْقُ أَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ إتْلَافٌ (وَأَمَّا) إذَا وَطِئَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ وَلَا كَفَّارَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَفْسُدُ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَوَافَقَنَا دَاوُد فِي النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وقد ذكر المصنف دليل المذهبين * قال المصنف رحمه الله
*(7/343)
(وان حلق رجل رأسه فان كان باذنه وجبت عليه الفدية لانه أزال شعره بسبب لا عذر له فيه فاشبه إذا حلقه بنفسه وان حلقه وهو نائم أو مكره وجبت الفدية وعلى من تجب فيه قولان
(أحدهما)
تجب على الحالق لانه أمانة عنده فإذا اتلفه غيره وجب الضمان علي من أتلفه كالوديعة إذا أتلفها غاصب
(والثانى)
تجب علي المحلوق لانه هو الذي ترفه بالحلق فكانت الفدية عليه (فان قلنا) تجب الفدية على الحالق فللمحلوق مطالبته باخراجها لانها تجب بسببه فان مات الحالق أو اعسر بالفدية لم تجب علي المحلوق الفدية (وإن قلنا) تجب على المحلوق أخذها من الحالق واخرجها وان افتدى المحلوق(7/344)
نظرت فان افتدى بالمال رجع باقل الامرين من الشاة أو ثلاثة آصع وان اداها بالصوم لم يرجع عليه لانه لا يمكن الرجوع به ومن اصحابنا من قال يرجع بثلاثة امداد لان صوم كل يوم مقدر بمد
* وان حلق رأسه وهو ساكت ففيه طريقان (احدهما) انه كالنائم والمكره لان السكوت لا يجرى مجرى الاذن والدليل عليه انه لو اتلف رجل ماله فسكت لم يكن سكوته اذنا في اتلافه (والثاني) انه بمنزلة ما لو اذن فيه لانه يلزمه حفظه والمنع من حلقه فإذا لم يفعل جعل سكوته كالاذن فيه كالمودع إذا سكت عن اتلاف الوديعة)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الشَّاةِ أَوْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ هَكَذَا اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَالْأَجْوَدُ حَذْفُ الْأَلِفِ فَيُقَالُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الشَّاةِ وَثَلَاثَةِ آصُعٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَفِي أَلْفَاظِ التَّنْبِيهِ (وَقَوْلُهُ) يَجْرِي مَجْرَى هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَقَوْلُهُ) سَكَتَ عَنْ إتْلَافِ الْوَدِيعَةِ يُقَالُ سَكَتَ عَنْهُ وَعَلَيْهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لِلْحَالِقِ وَالْمَحْلُوقِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَا حلالين فلا شئ عَلَيْهِمَا (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا وَالْمَحْلُوقُ حلالا فلا منع منه ولا شئ عَلَيْهِمَا (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا مُحْرِمَيْنِ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا دُونَ الْحَالِقِ وَفِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ يَأْثَمُ الْحَالِقُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْحَلْقُ بِإِذْنِ الْمَحْلُوقِ أَثِمَ أَيْضًا وَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى المحلوق ولا شئ عَلَى الْحَالِقِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ
* دليلنا انه آلة اللمحلوق فَوَجَبَتْ إضَافَةُ الْحَلْقِ إلَى الْمَحْلُوقِ دُونَهُ أَمَّا إذَا حَلَقَ الْحَلَالُ أَوْ الْمُحْرِمُ شَعْرَ مُحْرِمٍ بغير اذنه فانه كَانَ
نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (احدهما) طريقة ابي العباس بن سريج
(والثانى)
ابى اسحق المروزى ان المسألة قولين (احدهما) ان الفدية عليه الْحَالِقِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ(7/345)
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ عَلَى الْمَحْلُوقِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي مختصر الحج الاوسط وقال ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقَةُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ ابْتِدَاءً قَوْلًا وَاحِدًا فما دام موسرا حاضرا فلا شئ عَلَى الْمَحْلُوقِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ إذَا غاب الحالق أو اعسر فهل يلزمه الْمَحْلُوقَ إخْرَاجُ الْفِدْيَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْحَالِقِ إذَا حَضَرَ وَأُيْسِرَ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الرَّاجِحِ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي الصَّحِيحُ طَرِيقَةُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَبِهَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا
* هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَخَالَفَهُ الجمهور فصححوا طريقة ابن سريج وأبى اسحق.
مِمَّنْ صَحَّحَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهَا صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّعْرَ عَلَى رَأْسِ الْمُحْرِمِ هَلْ هُوَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ أَمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ (فَإِنْ) قُلْنَا عَارِيَّةٌ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ ثُمَّ يُرْجَعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) وَدِيعَةٌ وَجَبَتْ عَلَى الْحَالِقِ ولا شئ عَلَى الْمَحْلُوقِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ بِلَا تَفْرِيطٍ
* وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ وَقِيلَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَارِيَّةٌ (وَالثَّانِي) وَدِيعَةٌ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالشَّاشِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّامِلِي وَغَيْرُهُمْ (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ قَالَ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْعَارِيَّةِ انْتِفَاعُ الْمُسْتَعِيرِ بِهَا وَالْمُحْرِمُ لَا يَنْتَفِعُ بِكَوْنِ الشَّعْرِ عَلَى رَأْسِهِ وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ فِي إزَالَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَعَّطَ بِالْمَرَضِ لَمْ يَضْمَنْهُ بِلَا خِلَافٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ وَلَوْ كَانَ كَالْعَارِيَّةِ لَضَمِنَهُ كَالْعَارِيَّةِ التَّالِفَةِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَالَ
الْقَاضِي (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ إذَا تَمَعَّطَ بِالْمَرَضِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعَارِيَّةِ هُوَ الذى اتلفها وهو الله(7/346)
تَعَالَى (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا حَلَقَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ الْحَقِيقِيُّ فِي الْحَلْقِ وَلَا مُحْدِثَ لِلْأَفْعَالِ سِوَاهُ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْحَلْقَ اكْتَسَبَهُ الْعَبْدُ فَضَمِنَهُ وَالتَّمَعُّطَ بِالْمَرَضِ لَيْسَ بِكَسْبٍ فَلَمْ يمضنه
* هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ ذِكْرُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْخِلَافَ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ خَطَأٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ وَلَا يُطَالَبُ الْمَحْلُوقُ أَبَدًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بتصحيحه أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ البيان والفارقي والرافعي وآخرون لان الملحوق مَعْذُورٌ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ النَّاسِي (وأما) قول القائل الآخر انه ترقة بِالْحَلْقِ فَقَالُوا هَذَا يَنْتَقِضُ بِمَنْ عِنْدَهُ شَرَابٌ وَدِيعَةً فَجَاءَ إنْسَانٌ فَأَوْجَرَهُ فِي حَلْقِ الْمُودِعِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ دُونَ الْمُودِعِ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ فِي جَوْفِهِ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا مَعَ قُدْرَتِهِ فَلِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا
* هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا التَّعْوِيلُ عَلَى النَّقْلِ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ وَأَنْكَرَهُ عَلَى الْأَصْحَابِ كَمَا اسْتَشْكَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَةُ الْحَالِقِ بِإِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْإِمَامِ بِالِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ قَالَ والصحيح انه ليس له مطالبته لان الحلق لَيْسَ لَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْإِخْرَاجِ ضَرَرٌ لِأَنَّ الْحَالِقَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِالْإِخْرَاجِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ غَرَضًا وَهُوَ الزَّجْرُ لِصِيَانَةِ مِلْكِهِ
* هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ
(وَالثَّانِي)
لَا وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِلْمَشْهُورِ بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْفَارِقِيّ وَلِأَنَّ حج(7/347)
الْمَحْلُوقِ يُتِمُّ بِإِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِإِخْرَاجِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ فَمَاتَ أَوْ أُعْسِرَ فلا شئ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَلَوْ أَخْرَجَ الْمَحْلُوقُ الْفِدْيَةَ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْحَالِقِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ أَدَّى زَكَاتَهُ وَكَفَّارَتَهُ بِإِذْنِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (الْأَصَحُّ) لَا يُجْزِئُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَجْهًا وَاحِدًا وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ شَبِيهَةٌ بِالْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْعِبَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا قُلْنَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ الْحَالِقُ حَاضِرًا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلِلْمَحْلُوقِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْحَالِقِ وَيُخْرِجُهَا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِلْزَامِ الْمَحْلُوقِ بِإِخْرَاجِهَا ثُمَّ الرُّجُوعُ عَلَى الْحَالِقِ مَعَ إمْكَانِ الْأَخْذِ مِنْ الْحَالِقِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ
* وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْحَالِقِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَ بِالْهَدْيِ أَوْ الْإِطْعَامِ دُونَ الصِّيَامِ هَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ لِهَذِهِ الْفِدْيَةِ عَنْ غَيْرِهِ وَالصَّوْمُ لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّحَمُّلُ
* وَإِنْ غَابَ الْحَالِقُ أَوْ أَعُسِرَ لَزِمَ الْمَحْلُوقَ أَنْ يَفْدِيَ لِيُخَلِّصَ نَفْسَهُ مِنْ الْفَرْضِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَهُ هُنَا أَنْ يَفْدِيَ بِالْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ والصيام واطلق الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ بِالْإِطْعَامِ وَالْهَدْيِ وَالصِّيَامِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ وُجُودِ الْحَالِقِ وَعَدَمِهِ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصِّيَامُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ
* وَإِذَا فَدَى الْمَحْلُوقُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ نُظِرَتْ فَإِنْ فَدَى بِالطَّعَامِ أَوْ الْهَدْيِ رَجَعَ بِأَقَلِّهِمَا قِيمَةً لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا فَعُدُولُهُ إلَى أَكْثَرِهِمَا تَبَرُّعٌ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَيَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وجهين
(أحدهما)(7/348)
هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ إذَا فَدَى بِأَكْثَرِهِمَا لَا يرجع على الحالق بشئ لِأَنَّهُ غَارِمٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ أَنْ يُسْقِطَ الْغُرْمَ بِأَقَلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِذَا عَدَلَ إلَى الْأَكْثَرِ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ فَدَى بِالصِّيَامِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وبه قطع جماعة
لا يرجع بشئ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يَرْجِعُ لِكُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّالِثُ) يَرْجِعُ لِكُلِّ يَوْمٍ بِصَاعٍ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ الشَّرْعَ عَادَلَ بَيْنَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثَةِ آصُعٍ (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ يَرْجِعُ بِمَا يَرْجِعُ بِهِ لَوْ فَدَى بِالْهَدْيِ أَوْ الْإِطْعَامِ
* وَلَوْ أَرَادَ الْحَالِقُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَفْدِيَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ بِالصَّوْمِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بِالْهَدْيِ أَوْ الْإِطْعَامِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَحْلُوقِ جَازَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ والفرق بين هذا وبين من أُكْرِهَ إنْسَانًا عَلَى إتْلَافِ مَالٍ وَقُلْنَا إنَّ الْمُكْرَهَ الْمَأْمُورَ يَضْمَنُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ فَأَدَّاهُ الْآمِرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَأْمُورِ يَبْرَأُ الْمَأْمُورُ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهَا مِمَّنْ لَاقَاهُ الْوُجُوبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَلَقَ إنْسَانٌ رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ عَاقِلٌ غَيْرُ مُكْرَهٍ لَكِنَّهُ سَاكِتٌ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِإِذْنِهِ فَتَكُونُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْحَالِقِ بشئ لان الشعر عنده وديعة أو عادية وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إذَا أُتْلِفَتْ الْعَارِيَّةُ أَوْ الْوَدِيعَةُ وَهُوَ سَاكِتٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْمَنْعِ يَكُونُ ضَامِنًا فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي كَمَا أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَمَرَ حَلَالٌ حَلَالًا بِحَلْقِ رَأْسِ مُحْرِمٍ نائم الفدية عَلَى الْآمِرِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْحَالِقُ الْحَالَ فَإِنْ عَرَفَهُ فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) أَنَّهَا عَلَيْهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ أَكْرَهَ إنْسَانٌ مُحْرِمًا عَلَى حَلْقِ رَأْسِ نَفْسِهِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَمَا لَوْ حَلَقَهُ مُكْرَهًا
* وَلَوْ أُكْرِهَ رَجُلًا عَلَى حَلْقِ الْمُحْرِمِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْآمِرِ
*(7/349)
(فَرْعٌ)
إذَا سَقَطَ شَعْرُ الْمُحْرِمِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْآفَاتِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ آدَمِيٍّ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ طَارَتْ إلَيْهِ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إطْفَاؤُهَا فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ سَقَطَ بِالْمَرَضِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ فَهُوَ كَمَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ
* وَأَطْلَقَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَوْ أُحْرِقَ بِالنَّارِ لَا فِدْيَةَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا فِدْيَةَ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ إنْ قُلْنَا إنَّ الشَّعْرَ كَالْعَارِيَّةِ ضَمِنَهُ وَإِنْ قُلْنَا وَدِيعَةً فَلَا وَالصَّوَابُ
مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِطْفَاءُ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِيهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ حُجَّةً لِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ عَنْ الْمَحْلُوقِ النَّائِمِ وَالْمُكْرَهِ وَبِهِ يَحْصُلُ الِاحْتِجَاجُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَلَالَ إذَا حَلَقَ رَأْسَ الْمُحْرِمِ مُكْرِهًا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي الثَّانِي تَجِبُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَمْ تَخْتَلِفْ الْأَئِمَّةُ فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ قَالَ وَأَقْرَبُ مَسْلَكٍ فِيهِ أَنَّ الشَّعْرَ فِي حَقِّ الْحَلَالِ كَصَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ لَوْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حَلَالٍ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَى الْحَالِقِ صَدَقَةٌ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ.
دَلِيلُنَا أَنَّهُ حَلَقَ شَعْرًا لَا حُرْمَةَ لَهُ بِخِلَافِ شَعْرِ الْمُحْرِمِ وَلَوْ حَلَقَ حَلَالٌ شَعْرَ مُحْرِمٍ نَائِمٍ أَوْ مُكْرَهٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَى الْحَالِقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ وَقَالَ عَطَاءٌ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِ المحرم فعليهما الفدية
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويكره للمحرم أن يحك شعره بأظفاره حتى لا ينتثر شعره فان انتثر منه شعرة لزمته الفدية ويكره أَنْ يُفَلِّيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَإِنْ فَلَّى وَقَتَلَ قملة استحب له ان يفديها قال الشافعي رحمه الله وأى شئ فداها به فهو خير منها فان ظهر القمل علي بدنه أو ثيابه لم يكره ان ينحيه لانه الجأه
* ويكره ان يكتحل(7/350)
بما لا طيب فيه لانه زينة والحاج اشعث اغبر فان احتاج إليه لم يكره لانه إذا لم يكره ما يحرم من الحلق والطيب للحاجة فلان لا يكره ما لا يحرم أولى
* ويجوز أن يدخل الحمام ويغتسل بالماء لما روى ابو ايوب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يغتسل وهو محرم) ويجوز أن يغسل شعره بالماء والسدر لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ اغْسِلُوهُ بماء وسدر) ويجوز أن يحتجم ما لم يقطع شعرا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) ويجوز أن يفتصد كما يجوز أن يحتجم ويجوز أن يستظل سائرا ونازلا لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بقية من شعران تضرب له بنمرة) وإذا ثبت جواز ذلك
بالحر نازلا وجب ان يجوز سائرا قياسا عليه ويكره ان يلبس الثياب المصبغة لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رأى على طلحة ثوبين مصبوغين وهو حرام فقال أيها الرهط انتم أئمة يقتدي بكم ولو ان جاهلا رأى عليك ثوبيك لقال قد كان طلحة يلبس الثياب المصبغة وهو محرم فلا يلبس احدكم من هذه الثياب المصبغة في الاحرام شيئا
* ويكره ان يحمل بازا أو كلبا معلما لانه ينفر به الصيد وربما انفلت فقتل صيدا وينبغى ان ينزه إحرامه من الخصومة والشتم والكلام القبيح لقوله تَعَالَى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فسوق ولا جدال في الحج) قال ابن عباس الفسوق المنابزة بالالقاب وتقول لاخيك يا ظالم يا فاسق والجدال أن تمارى صاحبك حتي تغضبه وروى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كهيئته يوم ولدته امه وبالله التوفيق)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ رِوَايَتِهِمَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ وَحَدِيثُهُ فِي الْحِجَامَةِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْقُبَّةِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فِي جُمْلَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الَّذِي اسْتَوْعَبَ فِيهِ صِفَةَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ الله عنهما قَالَتْ (حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ وَقَوْلُهُ لِطَلْحَةَ فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ باسناد(7/351)
عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) تَفْسِيرُ قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فسوق ولا جدال في الحج) فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ (قَوْلُهُ) يُكْرَهُ أَنْ يَفْلِيَ رَأْسَهُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُكْرَهُ حَكُّ الشَّعْرِ فِي الْإِحْرَامِ بِالْأَظْفَارِ لِئَلَّا يَنْتِفَ شَعْرًا وَلَا يُكْرَهُ بِبُطُونِ الْأَنَامِلِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ أَنْ يَحُكَّ شَعْرَهُ بِأَظْفَارِهِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِأَنَامِلِهِ وَيُكْرَهُ مَشْطُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى نَتْفِ الشَّعْرِ فَإِنْ حَكَّ أَوْ مَشَطَ فَنَتَفَ
بِذَلِكَ شَعْرَةً أَوْ شَعَرَاتٍ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ فَإِنْ سَقَطَ شَعْرٌ وَشَكَّ هل نتفه بفعله أم كان ينتسل بِنَفْسِهِ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا قَوْلَيْنِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَتِهِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وصاحب البيان لافدية لانه محتمل الامرين والاصل برائته فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِالشَّكِّ
(وَالثَّانِي)
تَلْزَمُهُ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ نَظِيرٌ من ضرب بطن امْرَأَةٍ فَأَجْهَضَتْ جَنِينًا يَجِبُ الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ الْإِجْهَاضُ بِسَبَبٍ آخَرَ هَذَا كُلُّهُ فِي حَكِّ الشَّعْرِ (وَأَمَّا) حَكُّ الْجَسَدِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّهَا سُئِلَتْ أَيَحُكُّ الْمُحْرِمُ جَسَدَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَلْيَحُكَّهُ وَلْيَشْدُدْ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ دَلْكُ الْبَدَنِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَفْعَلُهُ فَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ.
دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُمْنَعُ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الدَّلَالَةِ و (أما) مَا يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامًا وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَالَ مَا يعبأ الله بأوساخنا شيأ) فَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْد الْمُحَدِّثِينَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُفَلِّيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَإِنْ فَلَّى وَقَتَلَ قَمْلَةً تَصَدَّقَ وَلَوْ بِلُقْمَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشافعي وفى نص آخر قال أي شئ فَدَاهَا بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهَا كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ بِمَعْنَى(7/352)
الْأَوَّلِ وَهَذَا التَّصَدُّقُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
* هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَأْكُولَةً فَأَشْبَهَتْ قَتْلَ الْحَشَرَاتِ وَالسِّبَاعِ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ التَّصَدُّقَ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إزَالَةَ الْأَذَى عَنْ الرَّأْسِ وَقَدْ سَبَقَ بيانه في فصل قتل مالا يُؤْكَلُ مِنْ السِّبَاعِ وَالْحَشَرَاتِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ ظَهَرَ الْقَمْلُ فِي بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ فَلَهُ إزَالَتُهُ وَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ لَا وَاجِبَةً وَلَا مُسْتَحَبَّةً بِخِلَافِ قَمْلِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إزَالَةَ الْأَذَى مِنْ الرَّأْسِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ الصِّئْبَانَ لَهَا حُكْمُ الْقَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) يَحْرُمُ الِاكْتِحَالُ بحكل فِيهِ طِيبٌ كَمَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الطِّيبِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِدَوَاءٍ جَازَ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ (وَأَمَّا) الِاكْتِحَالُ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ فَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ فَصْلِ تَحْرِيمِ الطِّيبِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي كَرَاهَتِهِ نَصَّانِ فَقِيلَ قَوْلَانِ وَقِيلَ عَلَى حَالَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ كَانَ فِيهِ زِينَةٌ كَالْإِثْمِدِ وَنَحْوِهِ كُرِهَ
إلَّا لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِينَةٌ كَالتُّوتْيَا لَمْ يُكْرَهْ وَبِهَذَا التَّفْصِيلُ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُحَسِّنُ الْعَيْنَ كَالتُّوتْيَا فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ كَانَ يُحَسِّنُهَا كَالْإِثْمِدِ فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ قَالَ فَإِنْ صَحَّ نَقْلُ الْمُزَنِيِّ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِلَّا فَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَالْمَذْهَبُ التَّفْصِيلُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمَةِ الِاكْتِحَالُ بِالْإِثْمِدِ(7/353)
أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِلرِّجَالِ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الزِّينَةِ أَكْثَرُ مِنْ الرَّجُلِ فَإِنْ اكْتَحَلَ بِهِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في المحرم (يعنى يشتكي عينيه قال يضمدهما بِالصَّبِرِ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شُمَيْسَةَ قَالَتْ (اشْتَكَتْ عَيْنَيْ وَأَنَا مُحْرِمَةٌ فَسَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ الْكُحْلِ فَقَالَتْ اكْتَحِلِي بِأَيِّ كُحْلٍ شِئْتِ غَيْرِ الْإِثْمِدِ أَوْ قَالَتْ غَيْرِ كُلِّ كُحْلٍ أَسْوَدَ أَمَا إنَّهُ لَيْسَ بحرام ولكنه زينة نحن نَكْرَهُهُ وَقَالَتْ إنْ شِئْتِ كَحَّلْتُكِ بِصَبِرٍ فَأَبَيْتُ)
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ تَضْمِيدِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا لِلْمُحْرِمِ بِالصَّبِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَى مَا فِيهِ طِيبٌ جَازَ فِعْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَهُ ان يكتحل بمالا طِيبَ فِيهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَلَا فِدْيَةَ وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ لِلزِّينَةِ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ يَكْتَحِلُ الْمُحْرِمُ بِكُلِّ كُحْلٍ لَا طِيبَ فيه قال ورخص في الحكل له الثوري وأحمد واسحق وأصحاب الرأى غير أن اسحق(7/354)
وَأَحْمَدَ قَالَا لَا يُعْجِبُنَا ذَلِكَ لِلزِّينَةِ وَكَرِهَهُ مجاهد وكره الاثمد للمحرم الثوري وأحمد واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُكْرَهُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ وَيَنْغَمِسَ فِي الْمَاءِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَهُ إزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيلَ يُكْرَهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَلَهُ غَسْلُ رَأْسِهِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ
لَا يَفْعَلَ خَوْفًا مِنْ انْتِتَافِ الشَّعْرِ وَلِأَنَّهُ تَرَفُّهٌ وَنَوْعُ زِينَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ كَرَاهَتَهُ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأُولَى
* وَصَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِكَرَاهَتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الْحَنَّاطِيُّ كَرَاهَتَهُ عَنْ الْقَدِيمِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا غَسَلَهُ فينبغي ان يرفق لئلا ينتتف شَعْرَهُ
* هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَمَّا اغتسال المحرم بالماء والا نغماس فِيهِ فَجَائِزٌ لَا يُعْرَفُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ السَّابِقِ (فَأَمَّا) دُخُولُ الْحَمَّامِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْ نَفْسِهِ فَجَائِزٌ أَيْضًا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ
* وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِإِزَالَةِ الْوَسَخِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِخَطْمِي لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ عَنْ بَعِيرِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَرِهَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمَالِكٌ غَسْلَ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يَعْقُوبَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ مُبَاحٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَحْتَجِمَ وَيَفْتَصِدَ وَيَقْطَعَ الْعِرْقَ مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ منهم مسروق وعطاء وعبيد ابن عمير والثوري وأحمد واسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ لَيْسَ لَهُ الْحِجَامَةُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ(7/355)
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إنْ فَعَلَهُ (1) دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْحِجَامَةِ وَنَحْوِهَا وَلَمْ يُمْكِنْ الا بقطع شعر قطعه ولزمه الْفِدْيَةُ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ سَائِرًا وَنَازِلًا لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ رَبِيعَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ وَعَطَاءٍ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُهْدِي لَا أَسْتَظِلُّ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدِي لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ خَبَرًا ثَابِتًا يَمْنَعُ مِنْهُ وَمَا كَانَ لِلْحَلَالِ فِعْلُهُ كَانَ لِلْمُحْرِمِ فِعْلُهُ إلَّا مَا نُهِيَ عنه المحرم
* قال وكل مَا نُهِيَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ يَسْتَوِي فِيهِ الرَّاكِبُ وَمَنْ عَلَى الْأَرْضِ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ السَّابِقَيْنِ فِي حَدِيثِ ضَرْبِ الْقُبَّةِ بِنَمِرَةَ وَحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ
* هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مالك واحمد انهما قالا
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(7/356)
يَجُوزُ الِاسْتِظْلَالُ لِلنَّازِلِ وَلَا يَجُوزُ لِلسَّائِرِ فَإِنْ اسْتَظَلَّ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَوَافَقْنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ زَمَنُ اسْتِظْلَالِهِ يَسِيرًا فَلَا فِدْيَةَ وَكَذَا لَوْ اسْتَظَلَّ بِيَدِهِ وَنَحْوِهَا دَلِيلُنَا الْحَدِيثَانِ السَّابِقَانِ (وَأَمَّا) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ (أَبْصَرَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَدْ اسْتَظَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَقَالَ لَهُ أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ) فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (وَقَوْلُهُ) أَضْحِ أَيْ اُبْرُزْ إلَى الشَّمْسِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ما من محرم يضحى للشمس حى تَغْرُبَ إلَّا غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هُوَ إسْنَادٌ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِظْلَالِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَا فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ سَائِرٍ وَنَازِلٍ
* قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الِاسْتِظْلَالُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَالْبُرُوزُ لِلشَّمْسِ أَفْضَلُ مِنْهُ لِلرَّجُلِ مَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَالسِّتْرُ لِلْمَرْأَةِ أَفْضَلُ (السَّابِعَةُ)
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الثياب المصبغة كراهة تنزيه فان لبسها بلا فِدْيَةَ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَصْبُوغُ بِالنِّيلِ وَالْمَغْرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ
* (الثَّامِنَةُ) يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ بَازِيًا أَوْ كَلْبًا مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي فَصْلِ الصَّيْدِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَنْبَغِي أَنْ يُنَزِّهَ إحْرَامَهُ مِنْ الشَّتْمِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ وَالْخُصُومَةِ وَالْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ وَمُخَاطَبَةِ النِّسَاءِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ وَالْقُبْلَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ وَكَذَا ذِكْرُهُ بِحَضْرَةِ الْمَرْأَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ وَكَلَامُ الْحَلَالِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْكَلَامِ الْمَنْدُوبِ كَتَعْلِيمٍ وَتَعَلُّمٍ وَغَيْرِ ذلك لحديثي أبى سريج(7/357)
عن الْخُزَاعِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
* قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) وَلَا بَأْسَ عَلَيْهِمَا بِالْكَلَامِ الْمُبَاحِ مِنْ شِعْرٍ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلَامِ وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مُرْسَلًا عَنْ عُرْوَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَنَّى وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْعَاشِرَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا بَأْسَ بِنَظَرِ الْمُحْرِمِ فِي الْمِرْآةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ لَا بَأْسَ بِنَظَرِ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ إلَى وَجْهِهِ فِي الْمِرْآةِ قَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ يُكْرَهُ لهما ذلك هذا كلام البدنيجى
* وقال صاحب العدة قال الشافعي في الامام لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ يكره ذلك لانه زينة
* قال صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ لَا يُكْرَهُ قَالَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فَحَصَلَ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ عن ابن عباس وأبي هريرة وطاووس والشافعي واحمد واسحق قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ
* قَالَ وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُكْرَهُ
(وَالثَّانِي)
لَا بَأْسَ بِهِ
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنْظُرَ الْمُحْرِمُ فِي الْمِرْآةِ إلَّا مِنْ وَجَعٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَعَطَاءُ الْخُرَاسَانِيُّ ضَعِيفٌ لِقَوْلِهِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَغَيْرِهِ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْحَاجِّ أَشْعَثَ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى (ثم ليقضوا تفثهم) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى(7/358)
يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ لَهُمْ أنظروا إلى عبادي جاؤني لى شُعْثًا غُبْرًا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ السِّتْرِ فَأَسْتَرُ لَهَا أَنْ تَخْفِضَ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَلَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْقَمِيصَ وَالْقَبَاءَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَشَرَحَ الْأَصْحَابُ هَذَا الْكَلَامَ فاحسنهم شرحا صاحب الحاوى قال (فاما) أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ في شئ مِنْهَا وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي هَيْئَاتِ الْإِحْرَامِ فَهِيَ تُخَالِفُهُ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا)
أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِلُبْسِ الْمَخِيطِ كَالْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ وَمَا هُوَ أَسْتَرُ لَهَا لِأَنَّ عَلَيْهَا سَتْرُ جَمِيعِ بَدَنِهَا غَيْرَ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَالرَّجُلُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمَخِيطِ وَتَلْزَمُهُ بِهِ الْفِدْيَةُ (الثَّانِي) أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِخَفْضِ صَوْتِهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَالرَّجُلُ مَأْمُورٌ بِرَفْعِهِ لِأَنَّ صَوْتَهَا يَفْتِنُ (الثَّالِثُ) أَنَّ إحْرَامَهَا فِي وَجْهِهَا فَلَا تُغَطِّيهِ فَإِنْ سَتَرَتْهُ لَزِمَهَا الْفِدْيَةُ وَلِلرَّجُلِ سَتْرُهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ (الرَّابِعُ) لَيْسَ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ بِلَا خِلَافٍ(7/359)
وَفِي الْمَرْأَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْخَامِسُ) يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَخْتَضِبَ لِإِحْرَامِهَا بِحِنَّاءٍ وَالرَّجُلُ مَنْهِيٌّ عَنْ ذلك (قلت) وتخالفه في شئ سادس من هيآت الاحرام هو أن كراهة الاكتحال فِي حَقِّهَا أَشَدُّ مِنْ الرَّجُلِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَفِي سَابِعٍ وَهُوَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لها مس وجهها عند ارادة الاحرام بشئ من الحناء لتستر بَشَرَتُهُ عَنْ الْأَعْيُنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ
* قَالَ الْأَصْحَابُ وفى أشياء من هيآت الطَّوَافِ (أَحَدُهَا وَالثَّانِي) الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ يُشْرَعَانِ لِلرَّجُلِ(7/360)
دُونَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هِيَ مَنْهِيَّةٌ عَنْهُمَا بَلْ تَمْشِي عَلَى هِينَتِهَا وَتَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهَا غَيْرَ الوجهين وَالْكَفَّيْنِ (الثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ لَيْلًا لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَالرَّجُلُ يَطُوفُ لَيْلًا وَنَهَارًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ لَا تدنوا مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الطَّوَافِ إنْ كَانَ هُنَاكَ رِجَالٌ وَإِنَّمَا تَطُوفُ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ وَالرَّجُلُ بِخِلَافِهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهَكَذَا يُسْتَحَبُّ لَهَا فِي الطَّرِيقِ أَنْ لَا تُخَالِطُ النَّاسَ وَتَسِيرُ عَلَى حاشيتهم(7/361)
تَحَرُّزًا عَنْهُمْ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُخَالِفُهُ فِي أَشْيَاءَ مِنْ هَيْئَاتِ السَّعْيِ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا تَمْشِي جَمِيعَ المسافة بين الصفا والمروة ولا تسعى في شئ مِنْهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ
(وَالثَّانِي)
ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهَا تُمْنَعُ مِنْ السَّعْيِ رَاكِبَةً وَالرَّجُلُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ (وَالثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا أَنَّهَا تَمْتَنِعُ مِنْ صُعُودِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالرَّجُلُ يُؤْمَرُ بِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُخَالِفُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ هَيْئَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ (أَحَدُهَا)(7/362)
يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَقِفَ نَازِلَةً لَا رَاكِبَةً لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لَهَا وَأَسْتَرُ وَالرَّجُلُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا عَلَى
الْأَصَحِّ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَكُونَ جَالِسَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي حَاشِيَةِ الْمَوْقِفِ وَأَطْرَافِ عَرَفَاتٍ وَالرَّجُلُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ السُّودِ بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُخَالِفُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ هَيْئَاتِ بَاقِي الْمَنَاسِكِ (أَحَدُهَا) يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ رَفْعُ يَدِهِ فِي رَمْيِ(7/363)
الجمار ولا يستحب المرأة (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ نُسُكَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ (وَالثَّالِثُ) الْحَلْقُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ وَتَقْصِيرُهَا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ حَلْقِهَا بَلْ حَلْقِهَا مَكْرُوهٌ قَالَ وَمَا سِوَى الْمَذْكُورِ فَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِيهِ سَوَاءٌ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله
* باب ما يجب في محظورات الاحرام من كفارة وغيرها (إذا حلق المحرم رأسه فكفارته ان يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة ايام وهو مخير بين الثلاثة لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أو صدقة أو نسك) ولحديث كعب بن عجرة
* وان حلق ثلاث شعرات كانت كفارته ما ذكرناه في حلق الرأس لانه يقع عليه اسم الجمع المطلق فصار كمن(7/364)
حلق جميع رأسه وان حلق شعر رأسه وشعر بدنه لزمه ما ذكرناه وقال أبو القاسم الانماطي يلزمه فديتان لان شعر الرأس مخالف لشعر البدن ألا ترى انه يتعلق النسك بحلق الرأس ولا يتعلق بشعر البدن والمذهب الاول لانهما وإن اختلفا في النسك إلا ان لجميع جنس واحد فأجزأه لهما(7/365)
فدية واحدة كما لو غطي رأسه ولبس القميص والسراويل
* وان حلق شعرة أو شعرتين ففيه ثلاثة اقوال (أحدها) يجب لكل شعرة ثلث دم لانه إذا وجب في ثلاث شعرات دم وجب في كل شعرة ثلثه (والثاني) يجب لكل شعرة درهم لان إخراج ثلث دم يشق فعدل إلى قيمته وكانت قيمة الشاة ثلاثة دراهم فوجب ثلاثه (والثالث) مد لان الله تعالى عدل في جزاء الصيد من الحيوان إلى الطعام(7/366)
فيجب ان يكون هنا مثله وأقل ما يجب من الطعام مد فوجب ذلك
* وان قلم أظفاره أو ثلاثة أظفار وجب عليه ما يجب في الحلق وان قلم ظفرا أو ظفرين وجب فيهما ما يجب في الشعرة والشعرتين لانه في معناهما
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَمَعْنَى التَّقْدِيرِ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْبَدَلَ الْمَعْدُولَ إلَيْهِ مُقَدَّرًا بِقَدْرٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ فَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَهِيَ ذَبْحُ شَاةٍ أَوْ إطْعَامُ ثَلَاثَةِ آصع(7/367)
لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِلْآيَةِ وَحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ
* وَإِذَا تَصَدَّقَ بِالْآصُعِ وَجَبَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ
* هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ(7/368)
الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ أَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ نُصِيبُ كُلِّ مِسْكِينٍ بَلْ تَجُوزُ الْمُفَاضَلَةُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
* وَلَوْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَهُوَ كَحَلْقِ كُلِّ رَأْسِهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَظْفَارِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ مِنْهُمَا
* هذا إذ أَزَالَهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً فِي مَكَان فَإِنْ فَرَّقَ زمانا(7/369)
أَوْ مَكَانًا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ أَوْ تَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (أَمَّا) إذَا حَلَقَ شَعْرَةً وَاحِدَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أقوال ذكر المصنف الثلاثة لاول مِنْهَا بِدَلَائِلِهَا (أَصَحُّهَا) وَهُوَ(7/370)
نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ يَجِبُ فِي شَعْرَةٍ مُدٌّ وَفِي شَعْرَتَيْنِ مُدَّانِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ فِي شَعْرَةٍ دِرْهَمٌ وَفِي شَعْرَتَيْنِ دِرْهَمَانِ (وَالثَّالِثُ) فِي شَعْرَةٍ ثُلُثُ دَمٍ وَفِي شَعْرَتَيْنِ ثُلُثَاهُ (وَالرَّابِعُ) فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ دَمٌ كَامِلٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ يَنْقَدِحُ تَوْجِيهُهُ فَلَسْتُ أَعُدُّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ فِي شَعْرَةٍ مُدًّا وَفِي شَعْرَتَيْنِ
مُدَّيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ والقاضى حسين في تعليقه والعبد رى والبغوى وصاحب لانتصار وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَفِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَفِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ قَالَ وَعَلَيْهِ يُعَوِّلُ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلُ الَّذِي يَقُولُ يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ ثُلُثُ دَمٍ وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ ثُلُثَانِ هُوَ رواية ابى بكر الحميدى وشيخ البخاري وصاحب الشافعي عن الشافعي وشذ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فَصَحَّحَهُ وَالْمَشْهُورُ تَصْحِيحُ الْمُدِّ كَمَا سَبَقَ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الظُّفْرَ كَالشَّعْرَةِ وَالظُّفْرَيْنِ كَالشَّعْرَتَيْنِ فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ (الْأَصَحُّ) فِي الظُّفْرِ مُدٌّ وَفِي الظُّفْرَيْنِ مُدَّانِ (أَمَّا) إذَا حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ تَجِبُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ الْأَنْمَاطِيِّ فِدْيَتَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ غَلَطٌ
*(7/371)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِإِزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ سَوَاءٌ شَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَسَوَاءٌ النَّتْفُ وَالْإِحْرَاقُ وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ وَالْإِزَالَةُ بِالنُّورَةِ وَغَيْرُهَا فَتَقْصِيرُ الشَّعْرِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ كَحَلْقِهِ مِنْ أَصْلِهِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَيْنِ إلَّا الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ لَوْ قَطَعَ نِصْفَ الشَّعْرَةِ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ جَسَدِهِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا قَلَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا وَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ (الْأَصَحُّ) مُدٌّ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ كَالْحَلْقِ مِنْ أَصْلِهِ فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ فَكَذَا فِي الْفِدْيَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجِبُ بِقِسْطِ مَا أَخَذَ مِنْ الشَّعْرَةِ فَيَكُونُ نِصْفَ مُدٍّ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ وَحَاصِلُهُ نِصْفُ مَا فِي الشَّعْرَةِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَلَّمَ مِنْ ظُفْرِهِ دُونَ الْمُعْتَادِ وَلَكِنْ اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ أَعْلَاهُ فَهُوَ كَقَطْعِ بَعْضِ شَعْرَةٍ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ بِكَمَالِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجَّهَ الْمَاوَرْدِيُّ
* وَلَوْ أَخَذَ مِنْ بَعْضِ جَوَانِبِ الظُّفْرِ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ جَوَانِبَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي الظُّفْرِ الْوَاحِدِ دَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَجَبَ هُنَا بِقِسْطِهِ وَإِنْ قُلْنَا مُدٌّ وَجَبَ هُنَا أَيْضًا مُدٌّ وَلَمْ يُبَعِّضْ
* هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ
الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا قَالَ قَالُوا وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الْمُدَّ فِي بَعْضِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ وَالْفِدْيَةُ فِي الْحَجِّ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّغْلِيبِ
* (فَرْعٌ)
هَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ وَالظُّفْرِ وَالظُّفْرَيْنِ تَجْرِي أَيْضًا فِي تَرْكِ حَصَاةٍ مِنْ الْجَمَرَاتِ وَفِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي مِنًى وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعِهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَوْلُ بِدِرْهَمٍ فِي الشَّعْرَةِ لَا أَرَى لَهُ وَجْهًا إلَّا تَحْسِينَ الِاعْتِقَادِ في عطاء(7/372)
فَإِنَّهُ قَالَهُ وَلَا يَقُولُهُ إلَّا عَنْ ثَبْتٍ
* هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ
* وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ هَذَا القول ليس مذهبا للشافعي انما هُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ (وَأَمَّا) احْتِجَاجُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا أَصْلَ لَهَا فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ فِي الزَّكَاةِ فَجَعَلَ الْجُبْرَانَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا كَانَتْ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِي زَمَنٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ وَلَا يَلْزَمُ اعْتِمَادُ هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ
* وَأَنْكَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَلَى الْأَصْحَابِ قَوْلَهُمْ إنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ هَذَا بَاطِلٌ لِأَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُصَارُ فِيهِ إلَى التَّقْوِيمِ فِي فِدْيَةِ الْحَجِّ لَا تُخْرِجُ الدَّرَاهِمَ بَلْ يُصْرَفُ الطَّعَامُ وَهُوَ جَزَاءُ الصَّيْدِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ فِي الطَّعَامِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْقِيمَةِ بِالْوَقْتِ لَا بِمَا كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي جَزَاءِ الصيد فانه يقوم مالا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ ثُلُثُ قِيمَةِ شَاةٍ (الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّرْعَ خَيَّرَ بَيْنَ الشَّاةِ وَالطَّعَامِ وَالطَّعَامُ يَحْتَمِلُ التَّبْعِيضَ كَمَا ذَكَرْنَا
* قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَأَمَّا تَوْجِيهُ الْقَوْلِ بِأَنَّ فِي الشَّعْرَةِ مُدًّا بِأَنَّ الشَّرْعَ عَدَلَ الْحَيَوَانَ بِالطَّعَامِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَأَقَلُّ مَا يَجِبُ فِي الشَّرْعِ لِلْفَقِيرِ فِي الْكَفَّارَاتِ مُدٌّ وَالشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْقِلَّةِ فَأَوْجَبْنَا فِي مُقَابَلَتِهَا أَقَلَّ مَا يُوَجِّبُ فِدْيَةً فِي الشَّرْعِ فَهَذَا التَّوْجِيهُ فِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الطَّعَامِ فَقَدْ قَابَلَ الشَّرْعُ الشَّاةَ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ وَالْآصُعُ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّقْسِيطَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِي مُقَابِلَةِ الشَّعْرَةِ صَاعٌ قَالَ وَمَنْ
قَالَ يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ ثُلُثُ دِرْهَمٍ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ
* قَالَ وَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ ثُلُثِ شَاةٍ وَبَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا كَمَا يَتَخَيَّرُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ بَيْنَ شَاةٍ وَصَوْمِ ثلاثة أيام واطعام ثلاثة آصع قال لكن هَذَا الْقَوْلَ فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ لانه يضمن فِيمَا لَوْ جَرَحَ ظَبْيَةً فَنَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهَا أَنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ ثَمَنِ شَاةٍ وَمَا أَوْجَبَهُ عُشْرَ شَاةٍ قَالَ فَالْقِيَاسُ(7/373)
يَلْزَمُهُ صَاعٌ أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ
* هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَوْجِيهِ إيجَابِ مُدٍّ فِي الشَّعْرَةِ هَذَا الْقَوْلُ مَشْهُورٌ مُعْتَضِدٌ بِآثَارِ السَّلَفِ وَهُوَ مَرْجُوعٌ إلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ يُقَابَلُ بِمُدٍّ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِكَمَالِهَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ لَزِمَهُ الدم وان حلق دونه فلا شئ وَفِي رِوَايَةٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ عِنْدَهُ صَاعٌ مِنْ أَيِّ طَعَامٍ شَاءَ إلَّا الْبُرَّ فَيَكْفِيهِ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ
* وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ حَلَقَ النِّصْفَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ حَلَقَ مِنْ رَأْسِهِ مَا أَمَاطَ بِهِ عَنْهُ الْأَذَى وَجَبَ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ
* وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَقَوْلِنَا (وَالثَّانِيَةُ) يَجِبُ بِأَرْبَعِ شَعَرَاتٍ
* وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ لَا يَحْصُلُ بِهَا إمَاطَةُ الْأَذَى
* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الرُّبْعَ يَقُومُ مَقَامَ الْجَمِيعِ كَمَا يَقُولُ رَأَيْتُ زَيْدًا وَإِنَّمَا رَأَى بَعْضَهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تَحْلِقُوا رؤسكم) أي شعر رؤسكم وَالشَّعْرُ اسْمُ جِنْسٍ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ دَلِيلِ مَالِكٍ أَنَّ إمَاطَةَ الْأَذَى لَيْسَتْ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا دَعْوَى لَيْسَتْ مَقْبُولَةً (أَمَّا) إذَا حَلَقَ شَعْرَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ مجاهد لا شئ فِي شَعْرَةٍ وَشَعْرَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ يَجِبُ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَقَالَ دَاوُد لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْتِيَ فِي إحْرَامِهِ كُلَّ مَا يَجُوزُ لِلْحَلَالِ فِعْلُهُ إلَّا مَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَلَهُ الِاغْتِسَالُ وَدَهْنُ لِحْيَتِهِ وَجَسَدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الدُّهْنُ مُطَيِّبًا وَلَهُ قَلْمُ أَظْفَارِهِ وَحَلْقُ عَانَتِهِ وَنَتْفُ إبْطِهِ إلَّا أَنْ يَعْزِمَ عَلَى الضحية فَلَا يَأْخُذُ مِنْ أَظْفَارِهِ وَلَا مِنْ
شَعْرِهِ فِي الْعَشْرِ حَتَّى يُضَحِّيَ قَالَ وَلِلْمَرْأَةِ الِاخْتِضَابُ وَلِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ شَمُّ الرِّيحَانِ وَأَكْلُ مَا فِيهِ زَعْفَرَانٌ فَإِنْ فَعَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ لِبَاسٍ وَطِيبٍ لَمْ تَجِبْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ عِنْدَ فِعْلِهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى إيجَابِ ذَلِكَ(7/374)
هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ الْعَبْدَرِيُّ (أَمَّا) إذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ شَعْرَ بَدَنِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ كَحَلْقِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ (وَالثَّانِيَةُ) لَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ إلَّا بِشَعْرِ رَأْسِهِ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ مُحْرِمٌ تَرَفَّهَ بِأَخْذِهِ شَعْرَةً مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ فَلَزِمَهُ الْفِدَاءُ كَشَعْرِ رَأْسِهِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ شَعْرٍ نَبَتَ فِي العين
*(7/375)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ فِدْيَةَ الحلق على التخير بين شاة وصوم ثلاثة أيام وإطعام ثلاثة اصع لست مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَسَوَاءٌ حَلَقَهُ لِأَذًى أَوْ غَيْرِهِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ حَلَقَهُ لِعُذْرٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ كَمَا قُلْنَا وَإِنْ حَلَقَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَعَيَّنَتْ الْفِدْيَةُ بِالدَّمِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ لَا يَثْبُتُ فِيهَا التَّخْيِيرُ إذَا كَانَ سَبَبُهَا مُبَاحًا ثَبَتَ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ
* وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فأثبت التخيير عند العذر من الذى فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ مَعَ عَدَمِهِ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا بِأَنَّ هَذَا تَمَسَّكَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إلَّا أَنَّ السَّبَبِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ (أَمَّا) الْأَظْفَارُ فَلَهَا حُكْمُ الشَّعْرِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ إزَالَتُهَا وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِهَا وَثَلَاثَةُ أَظْفَارٍ كَثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَظُفْرٌ كَشَعْرَةٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَلَمَ أَظْفَارَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِكَمَالِهَا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ الْكَامِلَةُ وَإِنْ قَلَّمَ مِنْ كُلِّ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَرْبَعَةَ أَظْفَارٍ فَمَا دُونَهَا لَزِمَتْهُ صَدَقَةٌ
* وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنْ قَلَّمَ خَمْسَةَ أَظْفَارٍ لَزِمَهُ الدَّمُ سَوَاءٌ مِنْ يَدٍ أَوْ يَدَيْنِ
* وَقَالَ مَالِكٌ حُكْمُ الْأَظْفَارِ حُكْمُ الشَّعْرِ يَتَعَلَّقُ الدَّمُ بِمَا يُمِيطُ الْأَذَى
* وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ إزَالَةُ الْأَظْفَارِ كُلُّهَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِهِ قَرِيبًا
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ كَالشَّعْرِ فِي التَّرَفُّهِ فَكَانَ لَهُ حُكْمُهُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان تطيب أو لبس المخيط في شئ من بَدَنِهِ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أو دهن رأسه أو لحيته وجب
عليه ما يجب في حلق الشعر لانه ترفه وزينة فو كالحلق وان تطيب ولبس وجبت لكل واحد منهما كفارة لانهما جنسان مختلفان وان لبس ومس طيبا وجب كفارة واحدة لان الطيب تابع للثوب فدخل في ضمانه وان لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ في اوقات متفرقة ففيه قولان (احدهما) تتداخل لانها جنس واحد فأشبه إذا كانت في وقت واحد
(والثانى)
لا تتداخل لانها في أوقات مختلفة فكان لكل وقت من ذلك حكم نفسه
* وان حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أوقات فهي علي(7/376)
القولين ان قلنا تتداخل لزمه دم وان قلنا لا تتداخل وجب لكل شعرة مد
* وان حلق تسع شعرات في ثلاثة أوقات فعلى القولين ان قلنا لا تتداخل لزمه ثلاثة دماء وان قلنا تتداخل لزمه دم واحد
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا تَطَيَّبَ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ فِي بدنه أو غطى رأسه أو شيأ مِنْهُ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا أَوْ بَعْضَهُ وَسَوَاءٌ اسْتَدَامَ اللُّبْسَ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً أَوْ لَحْظَةً وَسَوَاءٌ سَتَرَ الرَّأْسَ سَاعَةً أَوْ لَحْظَةً فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَفِي هَذِهِ الْفِدْيَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا كَفِدْيَةِ الْحَلْقِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ شَاةٍ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِطْعَامِ ثَلَاثَةٍ آصُعٍ كَمَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ كَالْمُتَمَتِّعِ فَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَزِمَهُ صَوْمُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ(7/377)
الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ قَوَّمَهُ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (والطريق الثالث) فيه أربع أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ كَالْحَلْقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّرَفُّهِ (والثاني) أنا مُخَيَّرٌ بَيْنَ شَاةٍ وَبَيْنَ تَقْوِيمِهَا وَيُخْرِجُ قِيمَتَهَا طَعَامًا أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ شَاةٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا لَزِمَهُ الطَّعَامُ بِقِيمَتِهَا (وَالرَّابِعُ) كَالْمُتَمَتِّعِ كَمَا سَبَقَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَطَيَّبَ وَلَبِسَ فِي مَجْلِسٍ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا أَوْ فَعَلَهُمَا مَعًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ فِي كُتُبِ العراقيين وغيرهم (أصحها) باتفاق الاصحاب
تجب فدينان لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْصُوصُهُ (وَالثَّانِي تَجِبُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُمَا اسْتِمْتَاعٌ فَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ لَبِسَ قَمِيصًا وَعِمَامَةً (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِي إنْ اتَّحَدَ سَبَبُهُمَا بِأَنْ أَصَابَتْهُ شَجَّةٌ وَاحْتَاجَ فِي مُدَاوَاتِهَا إلَى طِيبٍ وَسَتَرَهَا لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ السَّبَبُ فَفِدْيَتَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو سَعِيدٍ غَلَطٌ وَمُنْتَقَضٌ بِالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ (الثَّالِثَةُ) إذَا لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا أَوْ طَلَى رَأْسَهُ بطيب ثخين بحيث يغطى بعضه بعضا فطريقاه (الْمَذْهَبُ) وُجُوبُ فِدْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (إنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الطِّيبَ وَاللِّبَاسَ جِنْسٌ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمَا جِنْسَانِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) فِدْيَةٌ لِأَنَّهُ تَابِعٌ
(وَالثَّانِي)
فِدْيَتَانِ (الرَّابِعَةُ) إذَا لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً ثُمَّ قَبَّلَهَا فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنْ لَبِسَ قَمِيصًا ثُمَّ سَرَاوِيلَ ثُمَّ عِمَامَةً أَوْ كَرَّرَ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْمَجْلِسِ مَرَّاتٍ أَوْ تَطَيَّبَ بِمِسْكٍ ثُمَّ زعفران ثم كافور أو كرر(7/378)
احداهما فِي الْمَجْلِسِ مَرَّاتٍ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ أُخْرَى أَوْ كَرَّرَ قُبْلَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَفَعَلَ هَذَا كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ طَالَ زَمَنُهُ فِي مُعَالَجَةِ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَلَفِّ الْعِمَامَةِ وَاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ وَمُحَاوَلَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْقُبْلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ قَصَّرَ فَيُكَفِّرُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً مُطْلَقًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُتَوَالِيًا لِأَنَّهُ كَالْفِعْلِ الْوَاحِدِ (أَمَّا) إذَا كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ قبل فعل الثَّانِي فَيَلْزَمُهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ بِالتَّكْفِيرِ كَمَا لَوْ زنا فحد ثم زنا فَإِنَّهُ يُحَدُّ ثَانِيًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ أَوْ فِي مَجْلِسَيْنِ وَتَخَلَّلَ زَمَانٌ طَوِيلٌ مِنْ غَيْرِ تُوَالِي الْأَفْعَالِ نَظَرْتَ فَإِنْ فَعَلَ الثاني بعد التكفير عن الاول لزمه لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ بِالتَّكْفِيرِ وَإِنْ فَعَلَ الثَّانِي قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا بِأَنْ لَبِسَ فِي الْمَرَّتَيْنِ أَوْ الْمَرَّاتِ لِلْبَرْدِ أَوْ لِلْحَرِّ أَوْ تَطَيَّبَ لِمَرَضٍ وَاحِدٍ مَرَّاتٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا تَتَدَاخَلُ فَيَجِبُ لِكُلِّ مَرَّةٍ فِدْيَةٌ (وَالْقَدِيمُ) تَتَدَاخَلُ وَيَكْفِي فِدْيَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ
مَرَّةٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ الْفِعْلُ بِسَبَبَيْنِ أَوْ أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْ لَبِسَ بُكْرَةً لِلْبَرْدِ وَعَشِيَّةً لِلْحَرِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ فِدْيَتَانِ قَطْعًا وَيُجْعَلُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ اتحد(7/379)
السَّبَبُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ اخْتِلَافَ السَّبَبِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ حَيْثُ قُلْنَا يَكْفِيهِ للجميع فدية واحدة فارتكب محظورا وخرج الفدية ونوى باخراجها التفكير.
عَمَّا فَعَلَهُ وَمَا سَيَفْعَلُهُ مِنْ جِنْسِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ عَلَى الحنث المحظور ان منعناه فَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ أَلْبَتَّةَ فَيَقَعُ التَّكْفِيرُ عَنْ الاول فقط ويجب التفكير ثَانِيًا عَنْ الثَّانِي وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْفِدْيَةَ كَالْكَفَّارَةِ فِي جَوَازِ التَّقْدِيمِ فَلَا يلزمه للثاني شئ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الثَّانِي مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لم يوجد سبب الثاني ولا شئ مِنْهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَهِيَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ (الْخَامِسَةُ) إذَا حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فِي فِعْلِهِ كَمَا قُلْنَا فِي اللُّبْسِ وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَوَضَعَ الطَّعَامَ وَجَعَلَ يَأْكُلُ لُقْمَةً لُقْمَةً مِنْ بُكْرَةٍ إلَى الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَمْكِنَةٍ أَوْ فِي مَكَان وَاحِدٍ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ فَيُفْرِدُ كُلَّ مَرَّةٍ بِحُكْمٍ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّ مَرَّةٍ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا وَجَبَ لِكُلِّ مَرَّةٍ فِدْيَةٌ وَهِيَ شَاةٌ أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ ثَلَاثَةِ آصُعٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ وَإِنْ كَانَتْ شَعْرَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ فَفِيهَا الْأَقْوَالُ السَّابِقَةُ (الْأَصَحُّ) فِي كُلِّ شَعْرَةٍ مُدٌّ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ دَمٍ (وَالرَّابِعُ) دَمٌ كَامِلٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ فِيمَنْ كَرَّرَ لُبْسًا أَوْ تَطَيُّبًا (إنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَهُوَ التَّدَاخُلُ لَزِمَهُ دَمٌ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَ الْجَمِيعَ فِي مَجْلِسٍ مُتَوَالِيًا (وَإِنْ قُلْنَا) لَا تَدَاخُلَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ (أَمَّا) إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ أو ثلاثة أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) طَرِيقُ أَبِي حَامِدٍ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ يُفْرِدُ كُلَّ شَعْرَةٍ بِحُكْمِهَا وفيها الاقوال(7/380)
السَّابِقَةُ (أَصَحُّهَا) فِي كُلِّ شَعْرَةٍ مُدٌّ فَيَجِبُ ثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ
(وَالثَّانِي)
دِرْهَمٌ فَيَجِبُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ (والثالث) ثلث دم فيجل دَمٌ كَامِلٌ وَعَلَى الْقَوْلِ الرَّابِعِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ دَمٌ كَامِلٌ يَجِبُ هُنَا ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقُ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ (إنْ قُلْنَا) بِالتَّدَاخُلِ وَجَبَ دَمٌ وَإِلَّا فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَمْدَادٍ وَلَا بُدَّ مِنْ جَرَيَانِ بَاقِي الْأَحْوَالِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا أَخَذَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ بَدَنِهِ فَطَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ شَاةٍ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثَةٍ آصُعٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَزَالَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وهذا الطريق حكاه الفورانى فِي الْإِبَانَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ العدة وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ الْوَجْهِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَخْذُ الْأَظْفَارِ فِي مجالس كأخذ الشعرات في مجلس فيجئ فِيهِ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(7/381)
(فَرْعٌ)
فِيمَا إذَا فَعَلَ الْمُحْرِمُ مَحْظُورَيْنِ فَأَكْثَرَ هَلْ تَتَدَاخَلُ الْفِدْيَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآنَ مُعْظَمَهُ فنعيده مع ما بقى مختصرا ليتضبط إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَحْظُورَاتُ تَنْقَسِمُ إلَى اسْتِهْلَاكٍ كَالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَالصَّيْدِ وَإِلَى اسْتِمْتَاعٍ وَتَرَفُّهٍ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ فَإِذَا فَعَلَ مَحْظُورَيْنِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اسْتِهْلَاكًا وَالْآخَرُ اسْتِمْتَاعًا فَيُنْظَرُ إنْ لم يستند إلى سبب واحد كالحق وَلُبْسِ الْقَمِيصِ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ كَمَنْ أَصَابَ رَأْسَهُ شَجَّةٌ وَاحْتَاجَ إلَى حَلْقِ جَوَانِبِهَا وَسَتْرَهَا بِضِمَادٍ وَفِيهِ طِيبٌ فَفِي تَعَدُّدِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ سَبَقَا (الصَّحِيحُ) التَّعَدُّدُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ اسْتِهْلَاكًا وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُقَابَلُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ الصُّيُودُ فَتُعَدَّدُ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ عندنا سواء فدا عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ أَمْ اخْتَلَفَ كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يُقَابَلُ بِمِثْلِهِ دُونَ الآخر كالصيد والحلق فتعدد بِلَا خِلَافٍ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا يُقَابَلُ واحد منهما فَيُنْظَرُ إنْ اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا
كَحَلْقٍ وَقَلْمٍ أَوْ طِيبٍ وَلِبَاسٍ أَوْ حَلْقٍ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ فَرَّقَ أَوْ وَالَى فِي مَكَان أَوْ مَكَانَيْنِ بفعلين أم بِفِعْلٍ وَاحِدٍ إلَّا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا فَقَدْ سَبَقَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ (وَالثَّانِي) فِدْيَتَانِ وَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ بِأَنْ حَلَقَ فَقَطْ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ اسْتِمْتَاعًا فَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ بِأَنْ تَطَيَّبَ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الطِّيبِ أَوْ لَبِسَ أَنْوَاعًا مِنْ الثِّيَابِ كَعِمَامَةٍ وَقَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفٍّ أَوْ نَوْعًا وَاحِدًا مَرَّاتٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُتَوَالِيًا مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ تَكْفِيرٍ كَفَاهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ تَكْفِيرٌ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِلثَّانِي أَيْضًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَكَانَيْنِ أَوْ فِي مَكَان وَتَخَلَّلَ زَمَانٌ فَإِنْ تَخَلَّلَ التَّكْفِيرُ وَجَبَ لِلثَّانِي فِدْيَةٌ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ (وَالْقَدِيمُ) تَتَدَاخَلُ وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ بِأَنْ لَبِسَ وَتَطَيَّبَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَ بَيَانُهَا قَرِيبًا (الْأَصَحُّ) التَّعَدُّدُ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) إنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ تُعَدَّدُ وَإِنْ اتَّحَدَ فَلَا
* هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْجِمَاعِ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْجِمَاعُ ففيه(7/382)
خِلَافٌ سَنُوضِحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِتَعَدُّدِ جِهَةِ التَّحْرِيمِ إذَا اتَّحَدَ الْفِعْلُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُحْرِمٍ قَتَلَ صَيْدًا حَرَمِيًّا وَأَكَلَهُ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ لِلتَّحْرِيمِ وَهِيَ الْحُرُمُ وَالْإِحْرَامُ وَالْأَكْلُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَلَوْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ مباشرة توجب شَاةٌ لَوْ انْفَرَدَتْ ثُمَّ جَامَعَهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) تَكْفِيهِ الْبَدَنَةُ عَنْهُمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ اجنبية فانه يكفيه الحد ولا يعزر لِلْمُبَاشَرَةِ (وَالثَّانِي) تَجِبُ بَدَنَةٌ وَشَاةٌ وَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخِرِ لِاخْتِلَافِهِمَا وَاخْتِلَافِ وَاجِبِهِمَا (وَالثَّالِثُ) إنْ قَصَدَ بِالْمُبَاشَرَةِ الشُّرُوعَ فِي الْجِمَاعِ فَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فَشَاةٌ وَبَدَنَةٌ (وَالرَّابِعُ) إنْ طَالَ الْفَصْلُ فَشَاةٌ وَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فَبَدَنَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا لَبِسَ مِخْيَطًا أَوْ تَطَيَّبَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ لَبِسَ يَوْمًا أَوْ لَحْظَةً وَسَوَاءٌ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا أَوْ بَعْضَهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَوَافَقَنَا أَيْضًا(7/383)
مَالِكٌ إلَّا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الِانْتِفَاعَ بِاللُّبْسِ قَالَ حَتَّى لَوْ خَلَعَهُ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِلُبْسِهِ فَلَا فِدْيَةَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ لَبِسَ يَوْمًا كَامِلًا أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ لَبِسَ دُونَ ذَلِكَ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ قَالَ وَإِنْ غَطَّى
رُبْعَ رَأْسِهِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ لَبِسَ دُونَ ذَلِكَ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ قَالَ وَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ طَيَّبَ بَعْضَهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ عِنْدَهُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ أَيِّ طَعَامٍ إلَّا الْبُرَّ فَيَكْفِيهِ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ وَإِنْ كان زبيبا فعنه روايتان (إحداهما) صَاعٌ (وَالثَّانِيَةُ) نِصْفُ صَاعٍ
* وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِلُبْسِ أَكْثَرِ الْيَوْمِ وَأَكْثَرِ اللَّيْلَةِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ نَحْوُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَجْلِسٍ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَإِنْ حَلَقَهُ فِي مَجَالِسَ لَزِمَهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ فِدْيَةٌ سَوَاءٌ فَدَى عن الاول أم لا والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وإن وطئ في العمرة أو في الحج قبل التحلل الاول فقد فسد نسكه ويجب عليه أن يمضى في فاسده ثم يقضى لما روى عن عمر وعلى وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبى هريرة رضي الله عنهم انهم أوجبوا ذلك وهل يجب القضاء علي الفور أم لا فيه وجهان
(أحدهما)
انه على الفور وهو ظاهر النص لما روى عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة انهم قالوا يقضى من قابل
(والثانى)
انه علي التراخي لان الاداء على التراخي فكذلك القضاء وهذا لا يصح لان القضاء بدل عما أفسده والاداء وجب على الفور فوجب أن يكون القضاء مثله ويجب الاحرام في القضاء من حيث أحرم في الاداء لانه قد تعين ذلك بالدخول فيه فإذا أفسده وجب قضاؤه كحج التطوع فان سلك طريقا آخر لزمه أن يحرم من مقدار مسافة الاحرام في الاداء وان كان قارنا فقضاه بالافراد جاز لان الافراد أفضل من القران ولا يسقط عنه دم القران لان ذلك دم وجب عليه فلا يسقط عنه بالافساد كذم الطيب وفى نفقة المرأة في القضاء وجهان
(أحدهما)
في مالها كنفقة الاداء
(والثانى)
تجب علي الزوج لانها غرامة تتعلق بالوطئ فكانت علي الزوج كالكفارة وَفِي ثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي تَغْتَسِلُ بِهِ وَجْهَانِ
(أحدهما)
يجب على الزوج لما ذكرناه
(والثانى)
يجب عليها لان الغسل يجب للصلاة فكان ثمن مائه عليها وهل يجب عليهما أن يفترقا في موضع الوطئ فيه وجهان(7/384)
(أحدهما)
يجب لما روى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم انهم قالوا يفترقان ولان اجتماعهما
في ذلك المكان يدعو إلى الوطئ فمنع منه (والثاني) لا يجب وهو ظاهر النص كما لا يجب في سائر الطريق ويجب عليه بدنة لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال علي كل واحد منهما بدنة فان لم يجد فعليه بقرة لان البقرة كالبدنة لانها تجزئ في الاضحية عن سبعة فان لم يجد لزمه سبع من الغنم فان لم يجد قوم البدنة دراهم والدراهم طعاما وتصدق به فان لم يجد الطعام صام عن كل مد يوما وقال أبو إسحق فيه قول آخر انه يتخير بين هذه الاشياء الثلاثة قياسا علي فدية الاذى
* (الشَّرْحُ) الْوَجْهُ أَنَّ أَقْدَمَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي الفصل عن يزيد ابن نُعَيْمٍ الْأَسْلَمِيِّ التَّابِعِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُذَامٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ الرَّجُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ لَهُمَا اقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا هَدْيًا ثُمَّ ارْجِعَا حَتَّى إذَا جِئْتُمَا الْمَكَانَ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا فَتَفَرَّقَا وَلَا يَرَى(7/385)
وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى فَتُقْبِلَانِ حَتَّى إذَا كُنْتُمَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا فَأَحْرِمَا وَأَتِمَّا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا مُنْقَطِعٌ
* وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مالك (انه بلغني أن عمر ابن الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أهله وهو محرم بالحج فقالوا (ينفدان لوجههما حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا ثُمَّ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ وَقَالَ عَلِيٌّ فَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا) وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي مُحْرِمٍ أَصَابَ امْرَأَتَهُ يَعْنِي وَهِيَ مُحْرِمَةٌ (فَقَالَ يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عَطَاءً لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَإِنَّمَا وُلِدَ عَطَاءٌ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ وَهِيَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ (اقضيا نسككما وارجعا إلى بلد كما فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَاخْرُجَا حَاجَّيْنِ فَإِذَا أَحْرَمْتُمَا فَتَفَرَّقَا وَلَا تَلْتَقِيَا حَتَّى تَقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا هَدْيًا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةٍ (ثُمَّ أَهِّلَا مِنْ حَيْثُ أَهْلَلْتُمَا أَوَّلَ مرة) وعن(7/386)
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أتى عبد الله بن عمر وَأَنَا مَعَهُ يَسْأَلُهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فَأَشَارَ إلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى ذَلِكَ فَسَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ فَلَمْ يَعْزِمْ الرَّجُلُ فَذَهَبْت مَعَهُ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ بَطَلَ حَجُّكَ فَقَالَ الرَّجُلُ فَمَا أَصْنَعُ قَالَ اُخْرُجْ مَعَ النَّاسِ وَاصْنَعْ مَا يَصْنَعُونَ فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلَ فَحُجَّ وَاهْدِ فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَا مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ فَذَهَبْتُ مَعَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَا مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ قَوْلِي مِثْلُ مَا قَالَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله ابن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ عِكْرِمَةَ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَصَبْتُ أَهْلِي فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا حَجُّكُمَا هَذَا فَقَدْ بَطَلَ فَحُجَّا عَامًا قَابِلًا ثُمَّ أَهِلَّا مِنْ حَيْثُ أَهْلَلْتُمَا وَحَيْثُ وَقَعْتَ عَلَيْهَا فَفَارِقْهَا فَلَا تَرَاكَ وَلَا تَرَاهَا حَتَّى تَرْمِيَا الْجَمْرَةَ وَاهْدِ نَاقَةً وَلِتُهْدِ نَاقَةً) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (إذَا جَامَعَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ) رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ (يُجْزِئُ عَنْهُمَا جَزُورٌ) رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ قَالَ (إنْ كَانَتْ أَعَانَتْك فَعَلَى كُلِّ واحد منهما بَدَنَةٌ حَسْنَاءُ جَمْلَاءُ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُعِنْكَ فَعَلَيْكَ نَاقَةٌ حَسْنَاءُ جَمْلَاءُ) رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ والبيهقي بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ غَرَامَةٌ تتعلق بالوطئ احْتِرَازٌ مِنْ نَفَقَتِهَا فِي حَجَّةِ الْأَدَاءِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنَّ نَفَقَةَ الْأَدَاءِ فِي مَالِ الْمَرْأَةِ الزَّائِدِ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ هَذَا إذَا سَافَرَتْ مَعَهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا وَطِئَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ فِي الْفَرْجِ عَامِدًا عَالَمًا بِتَحْرِيمِهِ وَبِالْإِحْرَامِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ حَجُّهُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ(7/387)
الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ أَوْ بَعْدَهُ وَتَفْسُدُ الْعُمْرَةُ أَيْضًا بِالْجِمَاعِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا وَلَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنْ لَهُ تَحَلُّلَيْنِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَلْقُ نُسُكٌ فَهُوَ مِمَّا يَقِفُ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَلْزَمُ مَنْ أَفْسَدَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَنْ يَمْضِيَ فِي فَاسِدِهِمَا وَهُوَ أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ لَوْلَا الْإِفْسَادُ
* وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إلَّا دَاوُد الظَّاهِرِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ
* وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ والعمرة لله) وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ
صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ وَبِالْآثَارِ السَّابِقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْإِفْسَادِ مُخْتَصٌّ بِهِمَا دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ (وَأَمَّا) بَاقِي الْعِبَادَاتِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِالْإِفْسَادِ وَلَا يَبْقَى لَهَا حُرْمَةٌ بَعْدَهُ إلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ لَكِنَّهُ يَبْقَى لَهُ حُرْمَةٌ فَيَجِبُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ لِحُرْمَةِ الزَّمَانِ
* وقد سبق بيان الْقَاعِدَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّوْمِ فِي مَسْأَلَةِ صَوْمِ الشَّكِّ إذَا ثَبَتَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ(7/388)
(فَرْعٌ)
يَجِبُ عَلَى مُفْسِدِ الْحَجِّ بَدَنَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي مُفْسِدِ الْعُمْرَةِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ كَمُفْسِدِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بَدَنَةٌ
(وَالثَّانِي)
شاة ممن حكاه الرافعي
* (فرع)
يجب مُفْسِدِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا لِأَنَّ النَّفَلَ مِنْهُمَا يَصِيرُ فَرْضًا بِالشُّرُوعِ فِيهِ بِخِلَافِ بَاقِي الْعِبَادَاتِ وَيَقَعُ الْقَضَاءُ عَنْ الْمُفْسِدِ فَإِنْ كَانَ فَرْضًا وَقَعَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا فَعَنْهُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ فَأَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ وَلَزِمَهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ مِائَةَ مَرَّةٍ فَفَسَدَ كُلَّ مَرَّةٍ مِنْهُنَّ يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ وَيَقَعُ عَنْ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي عَامِ الْإِفْسَادِ بِأَنْ يُحْصَرَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ فَيَتَحَلَّلُ ثُمَّ يَزُولُ الْحَصْرُ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَيَحْرُمُ بِالْقَضَاءِ وَيَفْعَلُهُ وَيُجْزِئُهُ فِي سَنَتِهِ قَالُوا وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي سَنَةِ الافساد إلا في هذه الصورة (وأما) وَقْتُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ
(وَالثَّانِي)
عَلَى التَّرَاخِي (فَإِنْ قُلْنَا) عَلَى الْفَوْرِ وَجَبَ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهَا فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَضَاءُ بَلْ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ فِي السَّنَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَهَكَذَا أَبَدًا
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ وَتَحَلَّلَ قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ وَأَمْكَنَهُ الْإِحْرَامُ بِالْقَضَاءِ وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ فِي سَنَتِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَبْعَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَهُمَا الْمِيقَاتُ الشَّرْعِيُّ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ
*
هَذِهِ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ وَشَرَحُوهَا فَقَالُوا إنْ كَانَ أَحْرَمَ فِي الْأَدَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي هَذَا الْقَضَاءِ مِنْ ذَلِكَ(7/389)
الْمَوْضِعِ فَإِنْ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ الدَّمُ كَمَا يَلْزَمُهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ فِي الْأَدَاءِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ نُظِرَ إنْ جَاوَزَهُ مُسِيئًا لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يسئ ثَانِيًا وَهَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ يُحْرِمُ فِي الْقَضَاءِ مِنْ أَبْعَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَإِنْ جاوزه غير مسئ بِأَنْ لَمْ يُرِدْ النُّسُكَ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ فَأَحْرَمَ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ (وَالثَّانِي) لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَسْلُكَ بِالْقَضَاءِ مَسْلَكَ الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ اعْتَمَرَ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَأَفْسَدَهُ كَفَاهُ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ أَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا كَفَاهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي قَضَائِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ بِلَا خِلَافٍ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأَدَاءِ إلَى الْمِيقَاتِ أَمَّا مَنْ كَانَ رَجَعَ ثُمَّ عَادَ فَيَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَجْهًا وَاحِدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لا يلزمه فِي الْقَضَاءِ الطَّرِيقُ الَّذِي سَلَكَهُ فِي الْأَدَاءِ بَلْ سُلُوكُ طَرِيقٍ آخَرِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يحرم من قدر مسافة لاحرام فِي الْأَدَاءِ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ بَلْ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ أَكْمَلُ وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْإِحْرَامِ بِالنَّذْرِ وَلَا يَتَعَيَّنُ زَمَانُهُ بِالنَّذْرِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ فِي شَوَّالٍ لَهُ تَأْخِيرُهُ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا الِاسْتِشْهَادُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ القاضى وهو اسْتِشْهَادٌ مُشْكِلٌ لِأَنَّ طُولَ الْإِحْرَامِ عِبَادَةٌ وَمَا كَانَ عِبَادَةٌ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ قَالَ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ فِي أَيَّامٍ طِوَالٍ لَهُ أَنْ يَصُومَ فِي قِصَارٍ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَطْوَلَ أَيَّامِ السَّنَةِ لَزِمَهُ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَظُنُّ هَذَا الاستشهاد لا يخلوا مِنْ نِزَاعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(7/390)
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ هَلْ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَهُ مَنْعُهَا وَإِلَّا فَلَا
* وَقَالَ الْبَغَوِيّ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَلْزَمُهُ فِي الِابْتِدَاءِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَهَا الْقَضَاءَ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْقَفَّالُ وآخرون من الخراسانيين هما أَنَّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كَوْنِ الْقَضَاءِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي جَارِيَانِ فِي كُلِّ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ بِعِدْوَانٍ (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ بِلَا عُدْوَانٍ فَعَلَى التَّرَاخِي وَذَكَرُوا قَضَاءَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ فِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِ كِتَابِ الصَّوْمِ
* (فَرْعٌ)
اتفق اصحابنا على مَنْ أَفْسَدَ حَجًّا مُفْرَدًا أَوْ عُمْرَةً مُفْرَدَةً فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مَعَ النُّسُكِ الْآخَرِ قَارِنًا وَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مُتَمَتِّعًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِلْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَقْضِيَا عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ بِالْقَضَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَفْسَدَ الْقَارِنُ لَزِمَهُ الْبَدَنَةُ لِلْإِفْسَادِ وَيَلْزَمُهُ شَاةٌ لِلْقِرَانِ وَإِذَا قَضَاهُ قَارِنًا لَزِمَهُ شَاةٌ أُخْرَى لِلْقِرَانِ الثَّانِي وَإِنْ قَضَاهُ مُفْرِدًا لَزِمَهُ أَيْضًا شَاةٌ أُخْرَى لان الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ قَارِنًا فَلَمَّا أَفْرَدَ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالْإِفْرَادِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ
* هَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ إذَا أَفْسَدَهُ وَقَضَاهُ مُفْرِدًا يَلْزَمُهُ مَعَ الْبَدَنَةِ شَاتَانِ شَاةٌ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِلْقِرَانِ الْفَاسِدِ وَشَاةٌ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الْقِرَانُ وَفِيهِ شَاةٌ فَإِذَا عَدَلَ إلَى الْإِفْرَادِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الشَّاةُ وَكُلُّ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحُونَ بِهَذَا (مِنْهُمْ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الحاوى وابن الصباغ والمتولي واصحاب الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ نُسُكَيْهِ مُفْرِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ قَالُوا وَمُرَادُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إسْقَاطُ الدَّمِ عَنْهُ بِالْإِفْرَادِ بَلْ عَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ للقضاء وان قضاه(7/391)
مفردا ولم يُرِدْ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْوَاجِبِينَ بِالْقِرَانِ الفاسد لا يسقطان عنه بافرادهما وَإِنَّمَا
أَرَادَ أَنَّ الدَّمَ لَا يَسْقُطُ هَكَذَا ذَكَرَ التَّأْوِيلَ هَؤُلَاءِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ هَذَا الْكَلَامَ بَعْضَ الْبَسْطِ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُوَضِّحَةٍ لِمَقْصُودِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ مُوهِمَةٌ خِلَافَ الصَّوَابِ وَالْوَهْمُ حَاصِلٌ مِنْ تَعْلِيلِهِ فِي قَوْلِهِ لَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ كدم الطيب وهذا التعليل يوم أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ بِسَبَبٍ إفْسَادِ الْقِرَانِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ مُفْرِدًا دَمٌ آخَرُ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ مُفْرِدًا دَمٌ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَيُجَابُ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْقِرَانِ فِي سَنَةِ الْإِفْسَادِ لَا يَسْقُطُ وَلَمْ يَقُلْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْقَضَاءِ مُفْرِدًا دَمٌ آخَرُ بَلْ سَكَتَ عَنْ إثْبَاتِهِ وَنَفْيِهِ فَيَكُونُ سَاكِتًا عَنْ مَسْأَلَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ غَلَطًا إنَّمَا هُوَ فَوَاتُ فَضِيلَةٍ وَفَائِدَةٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ شَاةٌ فِي سَنَةِ الْإِفْسَادِ لِأَنَّ نُسُكَهُ لم يصح قرانا فلم يلزمه الدَّمُ وَتَابَعَهُ عَلَى حِكَايَتِهِ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وغيره وهذا الوجه غلط انما أَذْكُرهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى بُطْلَانِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبِ وَمِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ (أَمَّا) الْمَذْهَبُ فَالْأَصْحَابُ مُطْبِقُونَ عَلَى خِلَافِهِ (وَأَمَّا) الدَّلِيلُ فَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَيَبْقَى لَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ وَمِنْ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ وُجُوبُ الدَّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وإذا جامع القارن فان كان قبل التحلل الْأَوَّلِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَزِمَتْهُ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ بِسَبَبِ الْإِفْسَادِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ وَيَلْزَمُهُ مَعَ ذَلِكَ شَاةٌ لِلْقِرَانِ(7/392)
وفيه الوجه الضعيف المحكى عن صاحب الابانة
* وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ الثَّانِي لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَوْدَنِيِّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تَفْسُدُ عمرته لانه لم يأت بشئ مِنْ أَعْمَالِهَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ فِي الْقِرَانِ تَتْبَعُ الْحَجَّ فَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ لم تفسد العمرة قالوا وَلِهَذَا يَحِلُّ لِلْقَارِنِ مُعْظَمُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَعْمَالِ(7/393)
العمرة ولانه لَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ فَاتَهُ الْحَجُّ وَكَذَا الْعُمْرَةُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وان كَانَ وَقْتُ الْعُمْرَةِ مُوسَعًا وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدِمَ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى ثُمَّ جَامَعَ بَطَلَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْ أعمال العمرة والله أعلم
* (فرع)
أَصْحَابُنَا إذَا فَاتَ الْقَارِنَ الْحَجُّ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِفَوَاتِ عُمْرَتِهِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ تَبَعًا لِلْحَجِّ كَمَا تَفْسُدُ بِفَسَادِهِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ وَأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِهَا فان قلنا بفواتها فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِلْفَوَاتِ وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ فَإِذَا قَضَاهُمَا فَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَضَائِهِمَا عِنْدَ الْإِفْسَادِ فَإِنْ قَرَنَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ تَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ دَمٌ ثَالِثٌ وَإِنْ أَفْرَدَ فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ عَنْ الابانة ومتابعيه
* (فرع)
إذا كانت المرأة الموطوأة مُحْرِمَةً أَيْضًا نُظِرَ إنْ جَامَعَهَا نَائِمَةً أَوْ مكرهة فهل يفسد حجها وعمرتها فيه طريقان (أصحهما) على القولين في وطئ النَّاسِي هَلْ يَفْسُدُ الْحَجُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَفْسُدُ وبهذا الطريق قطع ابن الْمَرْزُبَانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ وَجْهًا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُكْرَهَةَ لَا فِعْلَ لَهَا بخلاف(7/394)
النَّاسِي وَمِمَّنْ حَكَى الطَّرِيقَيْنِ الدَّارِمِيُّ وَإِنْ كَانَتْ طَائِعَةً عَالِمَةً فَسَدَ نُسُكُهَا كَالرَّجُلِ وَلَزِمَهَا الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ (وَأَمَّا) الْبَدَنَةُ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهَا أَمْ لَا فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ يَجِبُ عَلَيْهَا بدنة في مالها قولا واحد كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بَدَنَةٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ فِيهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ السَّابِقَةَ فِي جِمَاعِ الصَّائِمِ الصَّائِمَةَ (أَحَدُهَا) تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ عَنْ نَفْسِهِ فقط ولا شئ عَلَيْهَا وَهَذَا الطَّرِيقُ أَشْهَرُ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَرَّقَ بِأَنَّ الصَّائِمَةَ تُفْطِرُ بِكُلِّ وَاصِلٍ إلَى بَاطِنِهَا وَلَا يُفْطِرُ الرَّجُلُ إلَّا بِالْجِمَاعِ وَلَوْ أَدْخَلَ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ فِي فَرْجِهَا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَبَطَل صَوْمُهَا وَأَمَّا الْحَجُّ فَلَا يَبْطُلُ حَجُّهَا إلَّا بِالْجِمَاعِ فَلَوْ أَدْخَلَتْ أُصْبُعَهَا أَوْ نَحْوَهَا لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهَا فَهِيَ فِي الْحَجِّ كَالرَّجُلِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْجِمَاعِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ(7/395)
فَإِنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهَا لَا يَتَعَيَّنُ لِكَوْنِهِ جِمَاعًا بَلْ لِدُخُولِ الدَّاخِلِ فَلَا تَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ وَانْفَرَدَ الدَّارِمِيُّ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى سَبَقَ لَهُ مِثْلُهَا فِي الوطئ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ فِي الْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كَكَفَّارَةِ الصِّيَامِ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ عَنْهُ فَقَطْ (وَالثَّانِي) بَدَنَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُهُ بَدَنَتَانِ بَدَنَةٌ عَنْهُ وَبَدَنَةُ عَنْهَا (وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ وَيَلْزَمُهَا فِي مَالِهَا بَدَنَةٌ أُخْرَى وَذَكَرَ الماوردي في الحاوى الاقوال الاربع
* (فَرْعٌ)
أَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ فان كانت معه في القضاء لزمه قَدْرُ نَفَقَةِ الْحَضَرِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الزَّائِدِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُ الزَّوْجَ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ فِي مَالِهَا وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ يَحُجُّ بِامْرَأَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي مُرَادِهِ فَقِيلَ أَرَادَ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ إنَّهُ يَأْذَنُ لَهَا فِي الْحَجِّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ مِنْ النَّفَقَةِ الزَّائِدَةِ(7/396)
فَفِيهَا الْوَجْهَانِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَلَوْ زَمِنَتْ الزَّوْجَةُ وَصَارَتْ مَعْضُوبَةً هَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا قَضَاءً فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي النَّفَقَةِ الزَّائِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ تَجِبُ النَّفَقَةُ فِي مَالِهَا كَنَفَقَةِ الْأَدَاءِ فَمُرَادُهُ إذَا سَافَرَتْ وَحْدَهَا لِلْحَجِّ بِغَيْرِ(7/397)
إذن الزوج أو باذنه فاتها إذَا سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ فَفِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ (الْأَصَحُّ) لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَقَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَأَمَّا) إذَا سَافَرَتْ فِي الْأَدَاءِ مَعَهُ فَيَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَلِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَلَمْ يُوَضِّحْ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَحُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِي ثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي تَغْتَسِلُ به وجهان هذان الوجهان مشهوان وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ حُكْمَ مَاءِ غُسْلِهَا مِنْ الوطئ وَالنِّفَاسِ وَالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَمَاءِ وُضُوئِهَا مِنْ لَمْسَةٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمَاءِ طَهَارَةِ الْمَمْلُوكِ وَأَوْضَحْنَاهُ كُلَّهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ
فَإِنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَجْنَبِيَّةً وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فَمُؤْنَتُهَا فِي مَالِهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لِلْوَاطِئِ فَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا فِي الْقَضَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أعلم
*(7/398)
(فَرْعٌ)
إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ وَزَوْجَتُهُ الْمُفْسِدَيْنِ لِيَقْضِيَا الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ وَاصْطَحَبَا فِي طَرِيقِهِمَا اُسْتُحِبَّ لَهُمَا أَنْ يَفْتَرِقَا مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ فَإِذَا وَصَلَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ فَهَلْ يجب فيه المفارقة فيه خلاف حكاه المصنف والجمهور وجهن وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْخِلَافُ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ (وَالْقَدِيمُ) وَاجِبٌ (فان قلنا) يجب فتركاه أثما وصحح حَجُّهُمَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِمَا وَإِذَا تَفَرَّقَا لَمْ يَجْتَمِعَا إلَّا بَعْدَ التَّحَلُّلِ سَوَاءٌ قُلْنَا التَّفَرُّقُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ويعتزلها في المسير وَالْمَنْزِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(7/399)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُفْسِدُ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ إذَا مضى في فاسده وارتكب محظورا بعد الافساد أثم ولزمه الكفارة فإذ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا إلَّا الْجِمَاعَ مَرَّةً ثَانِيَةً فَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا خِلَافَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلًا شَاذًّا ضَعِيفًا انه لا يلزمه شئ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ كَمَا لَوْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رمضان ثم وطئ ثانيا لا شئ عَلَيْهِ مَعَ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ فِي جِمَاعِ الْعَامِدِ الْعَالَمِ بِتَحْرِيمِهِ الْمُخْتَارِ لَهُ العاقل (فأما) النَّاسِي وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِهِمْ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ
إحْرَامُهُ كَمَا لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ مَعَ الْحَدَثِ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَسَدَ نُسُكُهُ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَالْبَدَنَةُ
* وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّوْمِ فِيمَا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مَجَامِعٌ إنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَسَدَ (وَالثَّالِثُ) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ سَوَاءٌ نَزَعَ أَوْ مَكَثَ (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ فَإِنْ نَزَعَ فِي الحال لم يجب شىء وَإِنْ مَكَثَ وَجَبَتْ وَفِي الْوَاجِبِ الْقَوْلَانِ فِي نَظَائِرِهِ
(أَحَدُهُمَا)
بَدَنَةٌ
(وَالثَّانِي)
شَاةٌ
* وَاسْتَدَلَّ الْبَغَوِيّ لِهَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَبْطُلُ ويخرج مِنْهُ بِمُنَافِيهِ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَلَا يَمْتَنِعُ انْعِقَادُهُ مَعَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ (أَصَحُّهُمَا) يَفْسُدُ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَهَذَا هو الاصح عند الشيخ أبى حَامِدٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يَفْسُدُ كَمَا لَا يَفْسُدُ بِالْجُنُونِ فَعَلَى هَذَا لَا يُعْتَدُّ بِالْمَفْعُولِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ لَكِنْ إذَا أَسْلَمَ بَنَى عَلَى مَا فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ إنْ كَانَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ إنْ كَانَ وَقْتُ الْوُقُوفِ بَاقِيًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَفَ وَأَسْلَمَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْفَوَاتِ وَسَوَاءٌ طَالَ زَمَنُ الرِّدَّةِ أَمْ قَصُرَ فَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ (إنْ قُلْنَا)(7/400)
بِالْفَسَادِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) وبه قطع المنصف وَالْأَكْثَرُونَ يَبْطُلُ النُّسُكُ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَمْضِي فِيهِ لَا فِي الرِّدَّةِ وَلَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْإِفْسَادِ بِالْجِمَاعِ فَيَمْضِي فِي فَاسِدِهِ إنْ أَسْلَمَ لَكِنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَحَكَى الدارمي في آخر باب الاصحار وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ عُمْرَتَهُ بِالْجِمَاعِ دَمٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ هَلْ هُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ أَمْ لَا فَفِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنَّهُ دَمُ ترتيب وتعديل فيجب بدنة فإن عجز عنها فَبَقَرَةٌ وَإِنْ عَجَزَ فَسَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ دَرَاهِمَ بِسِعْرِ مَكَّةَ
حَالَ الْوُجُوبِ ثُمَّ الدَّرَاهِمَ بِطَعَامٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) كَالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ وَالْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ فَأَيُّهَا شَاءَ فَعَلَهُ وَأَجْزَأَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الثَّانِي (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ المصنف والاصحاب عن أبي إسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ فَلَا يُجْزِئُ الْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الثَّلَاثَةِ قَوَّمَ أَيَّهَا شَاءَ وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ يَجِبُ بَدَنَةٌ فَإِنْ عَجَزَ فَبَقَرَةٌ فَإِنْ عَجَزَ فَسَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ وَصَامَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ أَطْعَمَ فَيُقَدِّمُ الصِّيَامَ عَلَى الْإِطْعَامِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَنَحْوِهَا
* وَقِيلَ لَا مَدْخَلَ لِلْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ(7/401)
هُنَا بَلْ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغَنَمِ ثَبَتَ الهدى في ذمته الا أَنْ يَجِدَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي دَمِ الْإِحْصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَحَيْثُ قُلْنَا بِالصِّيَامِ فَإِنْ كُسِرَ مُدٌّ صَامَ عَنْ بَعْضِ الْمُدِّ يَوْمًا كَامِلًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْيَمِينِ وَغَيْرِهَا
* وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْإِطْعَامِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ أَقَلُّ ما يجزى أَنْ يَدْفَعَ الْوَاجِبَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ إنْ أَمْكَنَهُ ثَلَاثَةً فَإِنْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ وَفِي قَدْرِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الثُّلُثُ (وَأَصَحُّهُمَا) مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُمَا كَالْخِلَافِ فِيمَنْ دَفَعَ نَصِيبَ صِنْفٍ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ إلَى اثْنَيْنِ فَإِنْ فَرَّقَ عَلَى مَسَاكِينَ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْمِسْكِينَ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ وَأَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الدَّمَ وفرق اللحم فانه لا يتقدر بشئ ويجزى أن يدفع إلى المسكين القليل والكثير
(والثانى)
يَتَقَدَّرُ بِمُدٍّ كَالْكَفَّارَةِ فَإِنْ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ لَمْ تُحْسَبْ الزِّيَادَةُ وَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ لم يحسب شئ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ تَمَامَ الْمُدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ الشاة فالمراد ما يجزى فِي الْأُضْحِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(7/402)
(فَرْعٌ)
لَوْ وَطِئَ الْمُحْرِمُ زَوْجَاتٍ لَهُ فَهُوَ كوطئ الْوَاحِدَةِ فَيَفْسُدُ حَجُّهُ وَحَجُّهُنَّ وَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِنَّ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَحُكْمُ نَفَقَتِهِنَّ وغيرها كما مضى
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان كان المحرم صبيا فوطئ عامدا بنيت على القولين
* فان قلنا ان عمده خطأ فهو كالناسي وقد بيناه وان قلنا عمده عمد فسد نسكه ووجب ت الكفارة وعلى من تجب فيه قولان
(أحدهما)
في ماله
(والثانى)
علي الولى وقد بيناه في أول الحج وهل يجب عليه القضاء فيه قولان
(أحدهما)
لا يجب لانها عبادة تتعلق بالبدن فلا تجب علي الصبي كالصوم والصلاة
(والثانى)
يجب لان من فسد الحج بوطئه وجب عليه القضاء كالبالغ فان قلنا يجب فهل يصح منه في حال الصغر فيه قولان
(أحدهما)
لا يصح لانه حج واجب فلا يصح من الصبي(7/403)
كحجة الاسلام
(والثانى)
يصح لانه يصح منه أداؤه فصح منه قضاؤه كالبالغ وإن وطئ العبد في إحرامه عامدا فسد حجه ويجب عليه القضاء ومن أصحابنا من قال لا يلزمه لانه ليس من أهل فرض الحج وهذا خطأ لانه يلزمه الحج بالنذر فلا يلزمه القضاء بالافساد كالحر وهل يصح منه القضاء في حال الرق علي القولين علي ما ذكرناه في الصبي
* فان قلنا انه يصح منه القضاء فهل للسيد منعه منه يبنى على الوجهين في أن القضاء علي الفور أم لا فان قلنا ان القضاء على التراخي فله منعه لان حق السيد على الفور فقدم علي الحج وإن قلنا انه على الفور ففيه وجهان
(أحدهما)
انه لا يملك منعه لانه موجب ما أذن فيه وهو الحج فصار كما لو أذن فيه
(والثانى)
انه يملك منعه لان المأذون فيه حجة صحيحة فان أعتق بعد التحلل من الفاسد وقبل القضاء لم يجز أن يقضي حتى يحج حجة الاسلام ثم يقضى وان أعتق قبل التحلل من الفاسد نظرت فان كان بعد الوقوف مضي في فاسده ثم يحج حجة الاسلام في السنة الثانية ثم يحج عن القضاء في السنة الثالثة وان أعتق قبل الوقوف مضي في فاسده ثم يقضى ويجزئه ذلك عن القضاء وعن حجة الاسلام لانه لو لم يفسد لكان أداؤه يجزئه
عن حجة الاسلام فإذا فسد وجب أن يجزئه قضاؤه عن حجة الاسلام)
*(7/404)
(الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ تَقَدَّمَ بَيَانُ جَمِيعِهِ مَعَ فُرُوعٍ كَثِيرَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَأَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بُنِيَتْ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ (وَقَوْلُهُ) فِي الصَّبِيِّ إذَا أُفْسِدَ حَجُّهُ بِالْجِمَاعِ هَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ كَالصَّوْمِ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ وَطِئَ وَهُوَ قَارِنٌ وَجَبَ مَعَ الْبَدَنَةِ دم القران لانه دم وجب بغير الوطئ فلا يسقط بالوطئ كَدَمِ الطِّيبِ وَإِنْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ زَنَى ثُمَّ زَنَى كَفَاهُ لَهُمَا حَدٌّ وَاحِدٌ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ يَجِبُ عَلَيْهِ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَفِي الْكَفَّارَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
شَاةٌ لانها مباشرة لا توجب الفساد فوجبت فيها شَاةٌ كَالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ لِأَنَّهُ وطئ في احرام منعقد فاشبه الوطئ فِي إحْرَامٍ صَحِيحٍ وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الاول لم(7/405)
يَفْسُدْ حَجُّهُ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ الْإِحْرَامُ فَلَا يَلْحَقُهُ فَسَادٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَفِي كَفَّارَتِهِ قَوْلَانِ
(أحدهما)
أنها بَدَنَةٌ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي حَالٍ يَحْرُمُ فِيهِ الوطئ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا شَاةٌ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لَا تُوجِبُ الْفَسَادُ فَكَانَتْ كَفَّارَتُهَا شَاةً كَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَإِنْ جَامَعَ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ لَزِمَتْهُ بَدَنَةٌ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءَ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ وَاحِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا فَسَدَ حَجُّهُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيًا فَفِيهِ خِلَافٌ(7/406)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهُ وَبَاقِيهِ مَشْهُورٌ وَحَاصِلُهُ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَجِبُ بِالْأَوَّلِ بَدَنَةٌ وَبِالثَّانِي شَاةٌ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَدَنَةٌ (وَالثَّالِثُ) يَكْفِي بَدَنَةٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا (وَالرَّابِعُ) إنْ كَفَّرَ عَنْ الاول قبل الجماع الثَّانِي وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِلثَّانِي وَهِيَ شَاةٌ فِي الْأَصَحِّ وَبَدَنَةٌ فِي الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَتْهُ بَدَنَةٌ عَنْهُمَا (وَالْخَامِسُ) إنْ طَالَ الزَّمَانُ بَيْنَ الْجِمَاعِينَ أَوْ اخْتَلَفَ المجلس
ووجبت كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِلثَّانِي وَفِيهَا الْقَوْلَانِ وَإِلَّا فَكَفَّارَةً وَاحِدَةً
* وَلَوْ وَطِئَ مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً وَأَكْثَرَ فَفِيهِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ (الْأَظْهَرُ) يَجِبُ لِلْأَوَّلِ بَدَنَةٌ وَلِكُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَهُ شَاةٌ (وَالثَّانِي) يَجِبُ لِكُلِّ مَرَّةٍ بَدَنَةٌ وَبَاقِي الْأَقْوَالِ ظَاهِرَةٌ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ قَدْ قَضَى فِي كُلِّ جِمَاعٍ وَطَرَهُ قَالَ فَأَمَّا لَوْ كَانَ يَنْزِعُ وَيَعُودُ وَالْأَفْعَالُ مُتَوَاصِلَةٌ وَحَصَلَ قَضَاءُ الْوَطَرِ آخِرًا فَالْجَمِيعُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ التحلل الثاني فهذا الوطئ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَلْ يَفْسُدُ حَجُّهُ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ لَا يَفْسُدُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) فِي فَسَادِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَفْسُدُ
(وَالثَّانِي)
لَا يَفْسُدُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) لَا يَفْسُدُ (وَالْقَدِيمُ) أنه يفسد ما بقى من حجه دون ما يمضي فَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ بَلْ يَخْرُجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَيُجَدِّدُ مِنْهُ إحْرَامًا وَيَأْتِي بِعَمَلِ(7/407)
عُمْرَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ حَجِّهِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَحَلْقٌ وَذَلِكَ هُوَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْوَاحِدَةَ الْمُرْتَبِطَةَ لَا يُوصَفُ بَعْضُهَا بِالْبُطْلَانِ دُونَ بَعْضٍ
* فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَفْسُدُ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَلْزَمُهُ شَاةٌ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَأَشَارَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ إلَى تَرْجِيحِهِ وحكي الرافعي وجها أنه لا شئ عَلَيْهِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَاهُمَا الْجُرْجَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ الْمَنْصُوصُ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ وفيه قول مخرج أنه شاة والمشهورة قَوْلَانِ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا وَقَفَ الْحَاجُّ بِعَرَفَاتٍ وَلَمْ يَرْمِ وَلَا طَافَ وَلَا حَلَقَ وَفَاتَ وَقْتُ الرَّمْيِ ثُمَّ جَامَعَ فَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ فَسَدَ حَجُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ الْبَدَنَةُ وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ لَيْسَ نُسُكًا فَوَجْهَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَفْسُدُ وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ أَنْ رَمْي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إذَا فَاتَ وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ وَهَلْ يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ عَلَى
ذَبْحِ الدَّمِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَوَقَّفُ فَإِنْ قُلْنَا يَتَوَقَّفُ فَسَدَ حَجُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا فَلَا
* هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَحْوَهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا جَامَعَ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ القضاء ولزمه المضي في أفاسده وَالْبَدَنَةُ بِلَا خِلَافٍ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ عَنْ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ وَلَوْ تَكَرَّرَ الْقَضَاءُ وَالْإِفْسَادُ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَجِبْ إلَّا قَضَاءُ وَاحِدٌ وَتَجِبُ الْبَدَنَةُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَفْسَدَهَا
*(7/408)
(فَرْعٌ)
لَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي اللَّيْلِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَحَلَقَ ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ رَمَى قَبْلَ نِصْفِ الليل فطريقان حكاهما الدارمي (أصحهما) كَمَا لَوْ وَطِئَ نَاسِيًا فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ
(وَالثَّانِي)
يَفْسُدُ قَطْعًا لِتَقْصِيرِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ في الباب الماضي
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والوطئ في الدبر واللواط وإتيان البهيمة كالوطئ في القبل في جميع ما ذكرناه لان الجميع وطئ والله أعلم
* (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قطع الجمهور من العراقيين والخراسانيين وقيل لا يفسد الحج بشئ مِنْ ذَلِكَ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا شَاةٌ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْحَجُّ وَلَا الْعُمْرَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ يَفْسُدُ الْحَجُّ والعمرة بالوطئ فِي دُبْرِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَتَجِبُ الْبَدَنَةُ وهو كالوطئ فِي قُبُلِهَا قَالُوا (وَأَمَّا) الْبَهِيمَةُ فَإِنْ قُلْنَا وَطْؤُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَوَجْهَانِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَأَوْلَجَهُ فِي امْرَأَةٍ فَهَلْ يَفْسُدُ حَجُّهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهَا) يَفْسُدُ كَمَا لَوْ لم يلف خرقة لانه يسمى جماعا
(والثانى)
لَا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْلَجَ فِي خِرْقَةٍ (وَالثَّالِثُ) اخْتَارَهُ أَبُو الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ إنْ كَانَتْ الْخِرْقَةُ رَقِيقَةً لَا تَمْنَعُ الْحَرَارَةَ وَاللَّذَّةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ
الْأَوْجُهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَسَبَقَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جِمَاعٌ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(7/409)
(فَرْعٌ)
قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الغسل أن أحكام الوطئ تتعلق بتغييب جميع الحشفة ولا يتعلق شئ من أحكام الوطئ بِبَعْضِ الْحَشَفَةِ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ مَقْطُوعَهَا فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الذَّكَرِ دُونَ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَلَا حُكْمَ لِإِيلَاجِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْرَهَا تَعَلَّقَتْ الْأَحْكَامُ بِتَغْيِيبِهِ كُلِّهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِهَا (وَالثَّانِي) لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِكُلِّ الْبَاقِي وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَرْأَةِ ذَكَرَ بهيمة له حكم وطئ الرَّجُلِ لَهَا وَفِي اسْتِدْخَالِ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَجْهَانِ (الاصح) انه كالوطئ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان قبلها بشهوة أو باشرها فيما دون الفرج بشهوة لم يفسد حجه لانها مباشرة لا يجب الحد بجنسها فلم تفسد الحج كالمباشرة بغير شهوة وتجب عليه فدية الاذى لانه استمتاع لا يفسد الحج(7/410)
فكانت كفارته فدية الاذى كالطيب والاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج في الكفارة لانه بمنزلتها في التحريم والتعزير فكان بمنزلتها في الكفارة)
* (الشَّرْحُ) قَدْ سَبَقَ فِي الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُفَاخَذَةِ وَاللَّمْسِ باليد بِشَهْوَةٍ وَنَحْو ذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَفِي تَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ وَمَتَى ثَبَتَ التَّحْرِيمُ فَبَاشَرَ عَمْدًا عَالَمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَلَا تَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ بِلَا خِلَافٍ وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ الصُّغْرَى وَهِيَ فِدْيَةُ الْحَلْقِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ (وَأَمَّا) اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَنَحْوُهُمَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ كُلُّ مُبَاشَرَةٍ نَقَضَتْ الْوُضُوءَ فَهِيَ حرام على المحرم فغلط وسبق قلم يتأول على أن المراد كل ملامسة تنقص الْوُضُوءَ فَهِيَ مُحْرِمَةٌ بِشَرْطِ كَوْنِهَا بِشَهْوَةٍ وَمُرَادُهُمَا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ اسْتِيعَابُ صُوَرِ اللَّمْسِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ لَوْ قَدِمَ الْمُحْرِمُ مِنْ سَفَرٍ أَوْ قَدِمَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ سَفَرٍ فَقَبَّلَهَا أَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرًا فَوَدَّعَهَا وَقَبَّلَهَا فَإِنْ قَصَدَ تَحِيَّةَ الْقَادِمِ وَالْمُسَافِرِ وَإِكْرَامِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ شَهْوَةً فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ قَصَدَ الشَّهْوَةَ عَصَى وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا فِدْيَةَ لان ظاهر الحال يقتضى التحية (والثاني) تَجِبُ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلشَّهْوَةِ فَلَا تَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَّا بِنِيَّةٍ هَكَذَا قَالُوهُ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا فِدْيَةَ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالشَّهْوَةِ وَلَمْ يَقْصِدْ هُنَا شَهْوَةً وَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ غَيْرِ الشَّهْوَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَبَّلَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ثُمَّ جَامَعَهَا فَلَزِمَتْهُ الْبَدَنَةُ فَهَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الشَّاةُ وَتَنْدَرِجُ فِي الْبَدَنَةِ أَمْ تَجِبَانِ مَعًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هما(7/411)
مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُحْدِثِ إذَا أَجْنَبَ هَلْ يَنْدَرِجُ الْحَدَثُ فِي الْجَنَابَةِ وَيَكْفِيه الْغُسْلُ أم لا ان إنْ أَدْرَجْنَاهُ هُنَاكَ أَدْرَجْنَاهُ هُنَا وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ مَنْ لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ وَذَكَرْنَا فِيهِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) تَكْفِيهِ بَدَنَةٌ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ بَدَنَةٌ وَشَاةٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ قَصَدَ بِالْمُبَاشَرَةِ الشُّرُوعَ فِي الْجِمَاعِ فَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فبدنة وشاة (والرابع) ان قصد الزَّمَانُ بَيْنَهُمَا فَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فَبَدَنَةٌ وَشَاةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ وَطِئَ وَطْئًا يُوجِبُ الْبَدَنَةَ ثُمَّ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ كَانَ كَفَّرَ عَنْ الْجِمَاعِ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ لَزِمَهُ لِلْمُبَاشَرَةِ شَاةٌ وَإِلَّا فَفِي انْدِرَاجِهَا فِي الْبَدَنَةِ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ(7/412)
(فَرْعٌ)
إذَا اسْتَمْنَى بِيَدِهِ وَنَحْوُهَا فَأَنْزَلَ عَصَى بِلَا خِلَافٍ وَفِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ وُجُوبُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنَّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) لَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ مَنْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْفِدْيَةِ فَهِيَ فِدْيَةُ الْحَلْقِ كَمَا قُلْنَا فِي مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ بِالِاسْتِمْنَاءِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) إذَا نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ
بِشَهْوَةٍ وَكَرَّرَ النَّظَرَ حَتَّى أَنْزَلَ فَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْفِدْيَةِ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) تَجِبُ بَدَنَةٌ (وَالثَّانِيَةُ) شَاةٌ وَبِهِ قال سعيد بن جبير واحمد واسحق
* وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ إنْزَالٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ فَأَشْبَهَ إذَا فَكَّرَ فَأَنْزَلَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ
* (فَرْعٌ)
لو باشر غلاما حسنا بغير الوطئ بِشَهْوَةٍ فَهُوَ كَمُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَأَشْبَهَتْهَا فَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ وَأَوْضَحْنَا هُنَاكَ ضَعْفَ هَذَا الْوَجْهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ أَوْلَجَ الْمُحْرِمُ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَجُلٌ فَيَكُونُ قَدْ أَوْلَجَ فِي عُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ رَجُلٍ فَلَا يَفْسُدُ بِالشَّكِّ لَكِنْ إنْ أَنْزَلَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَشَاةٌ كَمُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ بِدُونِ الْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا غَسْلَ ولا شاة ولا شئ سِوَى التَّعْزِيرِ وَالْإِثْمِ
*(7/413)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ مباشرة المحرم المرأة ونحوها
(احداها) إذا وطثها فِي الْقُبُلِ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فَسَدَ حَجُّهُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ خِلَافٌ لَهُمْ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ وَاجِبَهُ بَدَنَةٌ كما سبق
* وبه قال مالك واحمد وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُمْ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ شَاةٌ لَا بَدَنَةٌ وَقَالَ دَاوُد هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ بَدَنَةٍ وَبَقَرَةٍ وشاة
(والثانية) إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَبَدَنَةٌ وَالْقَضَاءُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَفْسُدُ وَلَكِنْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ وَطِئَ فِي إحْرَامٍ كَامِلٍ فَأَشْبَهَ الوطئ قَبْلَ الْوُقُوفِ
* احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ (الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ أدرك عرفة فقد ثم حَجُّهُ) قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ فَقْدُ أَمْنِ الْفَوَاتِ
(الثَّالِثَةُ) إذَا وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ الثَّانِي لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ عِنْدَنَا وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَوَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ
* وَقَالَ مَالِكٌ إذَا وَطِئَ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ
وَقَبْلَ الطَّوَافِ لَزِمَهُ أَعْمَالُ عُمْرَةٍ وَلَا يُجْزِئْهُ حَجُّهُ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ أَعْمَالُ عُمْرَةٍ وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَقَالَا فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ فِي الْفِدْيَةِ هَلْ هِيَ شَاةٌ أَمْ بَدَنَةٌ
(الرَّابِعَةُ) إذَا وَطِئَ فِي الْحَجِّ وَطْئًا مُفْسِدًا لَمْ يَزُلْ بِذَلِكَ عَقْدَ الْإِحْرَامِ بَلْ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وقال الماوردى والعبد رى هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ
* وَقَالَ دَاوُد يَزُولُ الْإِحْرَامُ بِالْإِفْسَادِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ الْإِفْسَادِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ أَيْضًا قَالَ وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ قَالَ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا وَالْفَاسِدُ لَيْسَ مِمَّا عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ
* وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ فِي أَوَّلِ هَذَا(7/414)
الْفَصْلِ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يَجِبُ بِهِ قَضَاءُ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْحَجِّ كَالْفَوَاتِ
* وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي لَيْسَ عليه أمر صاحب الشرع انما هو الوطئ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَأَمَّا الْحَجُّ فَعَلَيْهِ أَمْرُ صَاحِبِ الشَّرْعِ (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْقَوْلِ فَكَذَا بِالْإِفْسَادِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَلِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ تُنَافِيهِمَا بِخِلَافِ الْحَجِّ (الرَّابِعَةُ) إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فسد حجهما وقضيا فرق بَيْنَهُمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ فَلَا يجتمعان بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَهَلْ التَّفْرِيقُ وَاجِبٌ أَمْ يُسْتَحَبُّ فِيهِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ عِنْدَنَا (أَصَحُّهُمَا) مُسْتَحَبٌّ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاجِبٌ وَزَادَ مَالِكٌ فَقَالَ يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ وَلَا يُنْتَظَرُ مَوْضِعُ الْجِمَاعِ
* وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَفْتَرِقَانِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّفْرِيقِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ المسيب والنووي وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الوطئ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُمَا إذَا قَضَيَا لَا يَفْتَرِقَانِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يتذكرا ماجرا فَيَتُوقَا إلَيْهِ فَيَفْعَلَاهُ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الصَّوْمِ أَنَّ زَمَنَهُ قَصِيرٌ فَإِذَا تَاقَ أَمْكَنَهُ الْجِمَاعَ بِاللَّيْلِ بِخِلَافِ الْحَجِّ (الْخَامِسَةُ) إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مِنْ مَوْضِعٍ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بن المسيب وأحمد وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ
عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ حَاجًّا كفاه الاحرام(7/415)
مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَاحْتَجَّا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ (اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تُحْرِمَ مِنْ التَّنْعِيمِ بِالْعُمْرَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا مَسَافَةٌ وَجَبَ قَطْعُهَا فِي أَدَاءِ الْحَجِّ فَوَجَبَ فِي الْقَضَاءِ كَالْمِيقَاتِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَإِنَّهَا صَارَتْ قَارِنَةً فَأَدْخَلَتْ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَمَعْنَى اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ أَيْ دَعِي إتْمَامَ الْعَمَلِ فِيهَا وَاقْتَصِرِي عَلَى أَعْمَالِ الحج فانها تكفيك عن حجك وعمرتك وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (طَوَافُكِ وَسَعْيُكِ يُجْزِئُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ) فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا لَمْ تُبْطِلْهَا مِنْ أَصْلِهَا بَلْ أَعْرَضَتْ عَنْ أَعْمَالِهَا مُنْفَرِدَةً لِدُخُولِهَا فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ وَقَدْ بَسَّطْتُ هَذَا التَّأْوِيلَ بِأَدِلَّتِهِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بَدَنَةٌ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وطاوس ومجاهد ومالك والثوري وأبو ثور وإسحق إلا أن الثوري وإسحق قَالَا إنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً كَفَاهُ شَاةٌ عندنا وَعِنْدَ آخَرِينَ إنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً فَبَقَرَةٌ فَإِنْ فَقَدَهَا فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ فَإِنْ فَقَدَهَا أَخْرَجَ بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ طَعَامًا فَإِنْ فَقَدَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا
* وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ
* دَلِيلُنَا آثَارُ الصَّحَابَةِ (السَّابِعَةُ) إذَا وَطِئَ الْقَارِنُ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِمَا وتلزمه بدنة للوطئ وَشَاةٌ بِسَبَبِ الْقِرَانِ فَإِذَا قَضَى لَزِمَهُ أَيْضًا شاة أخرى سواء قضى قارنا أم مفرد لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَارِنًا فَإِذَا قَضَى مُفْرِدًا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَطِئَ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ(7/416)
فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِمَا وَالْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ شَاتَانِ شَاةٌ لِإِفْسَادِ الْحَجِّ وَشَاةٌ لِإِفْسَادِ الْعُمْرَةِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَذَبْحُ شَاةٍ(7/417)
وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ فَيَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ بِسَبَبِهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ
وَاحِدٌ عَطَاءُ وَابْنُ جُرَيْجٍ ومالك والشافعي وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَكَمُ يَلْزَمُهُ هَدَيَانِ (الثَّامِنَةُ) إذا أفسد المحرم والمحرمة حجهما بالوطئ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ هَلْ يلزمها بَدَنَةٌ أَمْ بَدَنَتَانِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَوْجَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيًا وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إنْ كَانَ(7/418)
قَبْلَ عَرَفَةَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) يُجْزِئُهُمَا هَدْيٌ (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيٌ وَقَالَ عَطَاءٌ واسحق لَزِمَهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ (التَّاسِعَةُ) إذَا جَامَعَ مِرَارًا فقد ذكرنا(7/419)
أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بَدَنَةٌ وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَهَا شَاةٌ قال ابن المنذر وقال عطاء ومالك واسحق عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لِكُلِّ وطئ بَدَنَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَدَمٌ وَإِلَّا فَدَمَانِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَاهُ لَهُمَا كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى
* دَلِيلُنَا أَنَّ الثَّانِيَ مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَمْ تُفْسِدْ نُسُكًا فَوَجَبَتْ فِيهَا شَاةٌ كَالْمُبَاشَرَةِ بِغَيْرِ الوطئ(7/420)
(الْعَاشِرَةُ) لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ لَاطَ بِرَجُلٍ أَوْ أَتَى بَهِيمَةً فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْبَهِيمَةُ لَا تُفْسِدُ وَلَا فِدْيَةَ وَفِي الدُّبْرِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ دَاوُد لَا تُفْسِدُ الْبَهِيمَةُ وَاللِّوَاطُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ وَطِئَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ شَاةٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَبَدَنَةٌ فِي الْآخَرِ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا وَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يَفْسُدُ مِمَّنْ قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثور قال سعد بْنُ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ دَمٌ وَقَالَ ابْنُ المنذر عندي عليه شاة وقال عطاء والقسم بن محمد والحسن ومالك واسحق إنْ أَنْزَلَ فَسَدَ حَجُّهُ وَلَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي فَسَادِهِ رِوَايَتَانِ وَأَمَّا إذَا قَبَّلَهَا بشهوة فهو عندنا كالوطئ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَلَا يَفْسُدُ الْحَجُّ وَتَجِبُ شَاةٌ فِي الْأَصَحِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وأحمد واسحق وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا
ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَيْنَا عَنْهُ أَنَّهُ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعَنْ عَطَاءٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يستغفر الله تعالى ولا شئ(7/421)
عَلَيْهِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ (احداها) كقول بن المسيب (الثانية) عَلَيْهِ بَقَرَةٌ (وَالثَّالِثَةُ) يَفْسُدُ حَجُّهُ (وَالرَّابِعَةُ) لَا شئ عَلَيْهِ بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ رَدَّدَ النَّظَرَ إلَى زَوْجَتِهِ حَتَّى أَمْنَى لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَقَالَ عَطَاءٌ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) عَلَيْهِ بَدَنَةٌ (وَالثَّانِيَةُ) دَمٌ وقال سعيد بن جبير وأحمد واسحق عليه دم (الثالثة عشر) إذَا وَطِئَ الْمُعْتَمِرُ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ السَّعْيِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا وَالْقَضَاءُ وَالْبَدَنَةُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ لَكِنَّهُمَا قَالَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ وَقَالَ عَطَاءٌ عَلَيْهِ شاة ولم يذكر القضاء وقال الثوري وإسحق يُرِيقُ دَمًا وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَقَالَ ابْنُ عباس العمرة والطواف واحتج إسحق بِهَذَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ جَامَعَ بَعْدَ أَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَتْ وَعَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَالْقَضَاءُ وَدَمٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ قَبْلَ الطَّوَافِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ أَمَّا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ فَقَدْ ذَكَرْنَا ان مذهبنا فساد العمرة ان قلنا الحق نُسُكٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا أَحْفَظُ هَذَا عَنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ دَمٌ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ الله تعالى ولا شئ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أعلى * قال المصنف رحمه الله
*(7/422)
(وإن قتل صيدا نظرت أن كان له مثل من النعم وجب عليه مثله من النعم والنعم هي الابل والبقر والغنم والدليل عليه قوله عز وجل (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قتل من النعم) فيجب في النعامة بدنة وفى الحمار الوحش وبقرة الوحش بقرة وفى الضبع كبش وفى الغزال عنز وفى الارنب عاق وفى اليربوع جفرة لما روى عن عثمان وعلى وابن عباس وزيد ابن ثابت وابن الزبير ومعاوية رضى الله عنهم انهم قضوا في النعامة ببدنة
* وعن عمر رضى الله عنهم انه جعل في حمار
الوحش بقرة وحكم في الضبع بكبش وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ
* وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي أم حبين بحلان وهو الحمل فما حكم فيه الصحابة لا يحتاج فيه إلى اجتهاد وما لم تحكم فيه الصحابة يرجع في معرفة المماثلة بينه وبين النعم إلى عدلين من أهل المعرفة لقوله تعالي (يحكم به ذوا عدل منكم هديا)
* وروى قبيصة بن جابر الاسدي قَالَ أَصَبْتُ ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِمٌ فَأَتَيْتُ عُمَرَ رضى الله عنه ومعى صاحب لى فذكرت ذلك له فاقبل على رجل إلى جانبه فشاوره فقال لى اذبح شاة فلما انصرفنا قلت لصاحبي ان أمير المؤمنين لم يدر ما يقول فسمعني عمر فاقبل على ضربا بالدرة وقال أتقتل الصيدا وأنت محرم وتغمص الفتيا أي تحتقرها وتطعن فيها قال الله عز وجل في كتابه (يحكم به ذوا عدل منكم) ها أنا ذا عمر وهذا ابن عوف
* والمستحب أن يكونا فقيهين وهل يجوز أن يكون القاتل أحدهما فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز كما لا يجوز أن يكون المتلف للمال أحد المقومين
(والثانى)
انه يجوز وهو الصحيح لانه يجب عليه لحق الله تعالى فجاز أن يجعل من يجب عليه أمينا فيه كرب المال في الزكاة ويجوز أن يفدى الصغير بالصغير والكبير بالكبير فان فدى الذكر بالانثى جاز لانها أفضل وان فدي الاعور من اليمين بالاعور من اليسار جاز لان المقصود فيهما واحد
*(7/423)
وإن جرح صيدا له مثل فنقص عشر قيمته فالمنصوص انه يجب على عشر ثمن المثل وقال بعض أصحابنا يجب عليه عشر المثل وتأول النص عليه إذا لم يجد عشر المثل لان ما ضمن كمله بالمثل ضمن بعضه بالمثل كالطعام والدليل على المنصوص أن إيجاب بعض المثل يشق فوجب العدول إلى القيمة كما عدل في خمس من الابل إلى الشاة حين شق إيجاب جزء من البعير وإن ضرب صيدا حاملا فاسقطت ولدا حيا ثم ماتا ضمن الام بمثلها وضمن الولد بمثله وان ضربها فاسقطت جنينا ميتا والام حية ضمن ما بين قيمتها حاملا وحائلا ولا يضمن الجنين
* وإن كان الصيد لا مثل له من النعم وجب عليه قيمته في الموضع الذى أتلفه فيه لما روى أن مروان سأل ابن عباس رضى الله عنه عن الصيد يصيده الحرم ولا مثل له من النعم
* قال ابن عباس ثمنه يهدى إلى مكة ولانه تعذر إيجاب المثل فيه فضمن بالقيمة كمال الآدمى فإذا أراد أن يؤدى فهو بالخيار بين أن يشترى بثمنه طعاما ويفرقه
وبين أن يقوم ثمنه طعاما ويصوم عن كل مد يوما وان كان الصيد طائرا نظرت فان كان حماما وهو الذى يعب ويهدر كالذى يقتنيه الناس في البيوت كالدبسي والقمرى والفاختة فانه يجب فيه شاة لانه روى ذلك عن عمر وعثمان ونافع بن عبد الحرث وابن عباس رضى الله عنهم ولان الحمام يشبه الغنم لانه يعب ويهدر كالغنم فضمن به وإن كان أصغر من الحمام كالعصفور والبلبل والجراد ضمنه بالقيمة لانه لا مثل له فضمن بالقيمة وان كان أكبر من الحمام كالقطا واليعقوب والبط والاوز ففيه قولان
(أحدهما)
يجب فيه شاة لانها إذا وجبت في الحمام فلان تجب في هذا وهو أكبر أولى (والثاني) انه يجب فيها قيمتها لانه لا مثل لها من النعم فضمن بالقيمة وان كسر بيض صيد ضمنه بالقيمة وإن نتف ريش طائر ثم نبت ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يضمن
(والثانى)
يضمن بناء على القولين فيمن قلع شيئا ثم نبت
* وان قتل صيدا بعد صيد وجب لكل واحد منهما جزاء لانه ضمان متلف فيتكرر بتكرر الاتلاف وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي قَتْلِ صيد وجب عليهم جزاء واحد لانه بدل متلف يتجزأ فإذا اشترك الجماعة في اتلافه قسم البدل بينهم كقيم المتلفات وإذا اشترك حلال وحرام في قتل صيد وجب علي المحرم نصف الجزاء ولم يجب على الحلال شئ كما لو اشترك رجل وسبع في قتل آدمى وإن أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَالٌ ضَمِنَهُ الْمُحْرِمُ بالجزاء ثم يرجع(7/424)
به على القاتل لان القاتل أدخله فِي الضَّمَانِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ مالا من رجل فاتلفه آخر في يده
* وان جنى علي صيد فازال امتناعه نظرت فان قتله غيره ففيه طريقان
* قال أبو العباس عليه ضمان ما نقص وعلى القاتل جزاؤه مجروحا ان كان محرما ولا شئ عليه ان كان حلالا وقال غيره فيه قولان
(أحدهما)
على ضمان ما نقص لانه جرح ولم يقتل فلا يلزمه جزاء كامل كما لو بقى ممتنعا ولانا لو أوجبنا عليه جزاء كاملا وعلى القاتل ان كان محرما جزاء كاملا سوينا بين القاتل والجارح ولانه يؤدى الي أن نوجب على الجارح أكثر مما يجب على القاتل لانه يجب على الجارح جزاؤه صحيحا وعلى القاتل جزاؤه مجروحا وهذا خلاف الاصول (والقول الثاني) انه يجب عليه جزاه كاملا لانه جعله غير ممتنع فاشبه الهالك فاما إذا كسره ثم أخذه وأطعمه وسقاه حتى برئ نظرت فان
عاد ممتنعا ففيه وجهان كما قلنا فيمن نتف ريش طائر فعاد ونبت فان لم يعد ممتنعا فهو على القولين (أحدهما يلزمه ضمان ما نقص
(والثانى)
يلزمه جزاء كامل
* والمفرد والقارن في كفارات الاحرام واحد لان القارن كالمفرد في الافعال فكان كالمفرد في الكفارات
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْآثَارُ مَشْهُورَةٌ فَالْوَجْهُ أَنْ أَذْكُرَ الْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ (مِنْهَا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ الْأَسْدِي
* رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* وَعَنْ أَبِي حَرِيزٍ بِالْحَاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ قَالَ (أَصَبْتُ ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِمٌ فَأَتَيْتُ عمر فسألته فقال ايت رَجُلَيْنِ مِنْ إخْوَانِكَ فَلِيَحْكُمَا عَلَيْكَ فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعِيدًا فَحَكَمَا تَيْسًا أَعَفْرَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
* وَعَنْ طَارِقٍ قَالَ (خَرَجْنَا حُجَّاجًا فَأَوْطَأَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَرْبَدُ ضَبًّا فَفَزَرَ ظَهْرَهُ فَقَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ أَرْبَدُ فَقَالَ عُمَرُ اُحْكُمْ يَا أَرْبَدُ فَقَالَ أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَمُ فَقَالَ عُمَرُ إنَّمَا أَمَرْتُكَ أَنْ تَحْكُمَ فِيهِ وَلَمْ آمُرْكَ أَنْ تُزَكِّيَنِي فَقَالَ أَرْبَدُ أَرَى فِيهِ جَدْيًا قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ فَقَالَ عُمَرُ بِذَلِكَ فيه) رواه الشافعي والبيهقي باسناد الصحيح
* وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنْ قَتَلَ نَعَامَةً فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ عَبَّاسٍ سَقَطَ بَيْنَهُمَا مُجَاهِدٌ أَوْ غَيْرُهُ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَفِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الْإِبِلِ بَقَرَةٌ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* وَعَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ (أَنَّ عُمَرَ(7/425)
وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا فِي النَّعَامَةِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِمَّنْ لَقِيتُ فَبِقَوْلِهِمْ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَبِالْقِيَاسِ قُلْنَا بِالنَّعَامَةِ لَا بِهَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَجْهٌ ضَعَّفَهُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ فَإِنَّ عَطَاءَ الْخُرَاسَانِيَّ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيًّا وَلَا زَيْدًا وَكَانَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ صَبِيًّا وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ ثم ان عطاء الخراساني منع انْقِطَاعِ حَدِيثِهِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ
* وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابن أَبِي عَمَّارٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ (هِيَ صَيْدٌ وَجَعَلَ فِيهَا كَبْشًا إذَا صَادَهَا الْمُحْرِمُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ وَهُوَ حَدِيثٌ جيد
يقوم به الحج ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ (أَنْزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّبُعَ صَيْدًا وَقَضَى فِيهَا كَبْشًا) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ لَوْ انْفَرَدَ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ.
قَالَ وَرُوِيَ مَوْصُولًا ثم رواه باسناده عن عمر بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْمُحَدِّثِينَ فِي الِاحْتِجَاجِ بعمر وبن أبى عمر هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ هَذَا إسْنَادٌ مُبْلِجٌ صَحِيحٌ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الظَّبْيِ بِشَاةٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ(7/426)
والبيهقي باسنادهما الصحيح عن سريج قَالَ لَوْ كَانَ مَعِي حُكْمٌ حَكَمْتُ فِي التعلب بِجَدْيٍ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ في التعلب سطاة.
وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى فِي أُمِّ حُبَيْنٍ بِحُلَّانٍ مِنْ الْغَنَمِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فِيهِ مُطْرَفٌ بْنُ مَازِنٍ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ كَذَّابٌ والله أعلم
* (أما) الفاظ الغصل فَالْعَنَاقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ خَاصَّةً وَهِيَ الَّتِي (1) (وَأَمَّا) الْجَفْرَةُ فَهِيَ الَّتِي بلغت أربع أَشْهُرٍ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا (وَأَمَّا) أُمُّ حُبَيْنٍ فَمَعْرُوفَةٌ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُخَفَّفَةِ (وَأَمَّا) الْحُلَّانُ فَبِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ (وَأَمَّا) الْحَمَلُ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمِيمِ وهو الخروف
* وقال الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الْجَدْيُ وَيُقَالُ لَهُ حُلَّامٌ بِالْمِيمِ أيضا (قوله) وتمغص الْفُتْيَا هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَحْتَقِرُهَا وَتَسْتَصْغِرُهَا وَيُقَالُ فُتْيَا وَفَتْوَى (الْأُولَى) بِضَمِّ الْفَاءِ (وَالثَّانِيَةُ) بِفَتْحِهَا (قَوْلُهُ) يَجِبُ عَلَيْهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى احْتِرَازٌ مِنْ التَّقْوِيمِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الصَّيْدُ ضَرْبَانِ مثلى وهو ماله مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَغَيْرُ مِثْلِيٍّ وَهُوَ مَا لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ فَالْمِثْلِيُّ
جُزْءَانِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّعْدِيلِ فَيُخَيِّرُ الْقَاتِلُ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ مِثْلَهُ فِي الْحَرَمِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ إمَّا بِأَنْ يُفَرِّقَ لَحْمَهُ عَلَيْهِمْ وَإِمَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ بجملته إليهم مذبوحا وعليهم إيَّاهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِمْ حَيًّا وَبَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ ثُمَّ لَا يَجُوزُ تَفْرِقَةُ الدَّرَاهِمِ بَلْ إنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيَجُوزُ الصِّيَامُ فِي الْحَرَمِ وَفِي جَمِيعِ الْبِلَادِ وَإِنْ انْكَسَرَ مُدٌّ وَجَبَ صِيَامُ يَوْمٍ وَأَمَّا غَيْرُ الْمِثْلِيِّ فَيَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا دَرَاهِمَ بَلْ يُقَوِّمُ بِهَا طَعَامًا ثُمَّ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ الطَّعَامَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا فَإِنْ انْكَسَرَ مُدٌّ صَامَ يَوْمًا فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ فِي الْمِثْلِيِّ مُخَيَّرٌ بَيْنً ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْحَيَوَانُ وَالطَّعَامُ وَالصِّيَامُ وَفِي غَيْرِهِ بَيْنَ الطعام والصيام هذا هو المذهب وهو المتطوع بِهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ
* وَرَوَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ(7/427)
قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ هَكَذَا حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ شَاذَّةٌ وَكَذَا نَقَلَ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ إنْكَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَنَّهُ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى التَّخْيِيرِ لَا غَيْرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي مَحَلِّ الْإِتْلَافِ وَوَقْتِهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فقيمته في مكان يوم الانتقال إلى الاطعام لِأَنَّ مَحَلَّ ذَبْحِهِ مَكَّةُ فَإِذَا عَدَلَ عَنْ ذَبْحِهِ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ بِمَحَلِّ الذَّبْحِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَقِيلَ فِيهِمَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الِاعْتِبَارُ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْإِتْلَافِ
(وَالثَّانِي)
بِقِيمَةِ يَوْمِ الْعُدُولِ إلَى الْإِطْعَامِ وَقِيلَ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَأَمَّا مَالَهُ مِثْلٌ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمِثْلِ حَالَ الْعُدُولِ إلَى الْإِطْعَامِ قَوْلًا وَاحِدًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) مِنْهَا الْأَوَّلُ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ يَقُومُ يَوْمَ إخْرَاجِ الطَّعَامِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ تَقْوِيمُهُ يَوْمَ قَتْلِ الصَّيْدِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَقَوْلُهُ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الِانْتِقَالِ إلَى الْإِطْعَامِ أَرَادَ إذَا كَانَ الصَّيْدُ مِثْلِيًّا وَقَوْلُهُ يُعْتَبَرُ حِينَ الْقَتْلِ أَرَادَ إذَا كَانَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بل هما قولان فيهما ومنهم مَنْ قَالَ بِالطَّرِيقِ الثَّالِثِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَحَيْثُ اعْتَبَرْنَاهُ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ فَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالَانِ فِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُدُولِ إلَى الطَّعَامِ سِعْرُ
الطَّعَامِ في ذلك مكان أَمْ سِعْرُهُ بِمَكَّةَ
(وَالثَّانِي)
مِنْهُمَا أَصَحُّ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْمِثْلِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ الْمِثْلِيُّ مُعْتَبَرًا عَلَى التَّحْقِيقِ وَالتَّحْدِيدِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ التَّقْرِيبُ وَلَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي الْقِيمَةِ بَلْ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ وَالْكَلَامِ فِي الدَّوَابِّ ثُمَّ الطُّيُورِ (أَمَّا) الدَّوَابُّ فَمَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ أَوْ حَكَمَ فِيهِ صَحَابِيَّانِ أَوْ عَدْلَانِ مِنْ التَّابِعِينَ أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ مِنْ النَّعَمِ أَنَّهُ مِثْلُ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ اُتُّبِعَ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْكِيمٍ جَدِيدٍ وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَحَكَمَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرَتِهِ بِبَقَرَةٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي أُمِّ حُبَيْنٍ بِحُلَّانٍ وَعَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ(7/428)
أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي الْوَبَرِ بِشَاةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَفِيهِ جَفْرَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْبَرَ بَدَنًا مِنْهَا وَعَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِي الضَّبِّ جَدْيٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِبِلِ بَقَرَةٌ وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْهُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ وَأَمَّا الْوَعْلُ فَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ حَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ فِيهِ بَقَرَةٌ وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ فِيهِ تَيْسٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي الْأَرْوَى عَضَبٌ وَالْعَضَبُ دُونَ الْجَذَعِ مِنْ الْبَقَرِ أَمَّا الْعَنَاقُ فَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْمَعْزِ مِنْ حِينِ تُولَدُ إلَى حِينِ تَرْعَى مَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ سَنَةً وَجَمْعُهَا أَعْنُقٍ وَعُنُوقٍ وَأَمَّا الْجَفْرَةُ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ مَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ مِنْ حِينِ تُولَدُ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا وَالذَّكَرُ جَفْرٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظُمَا هَذَا مَعْنَاهُمَا فِي اللُّغَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا بِالْجَفْرَةِ مَا دُونَ الْعَنَاقِ لِأَنَّ الْأَرْنَبَ خَيْرٌ مِنْ الْيَرْبُوعِ (وَأَمَّا) أُمُّ حُبَيْنٍ فَدَابَّةٌ عَلَى صُورَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ النَّظَرِ وَفِي حِلِّ(7/429)
أَكْلِهَا خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْأَصَحُّ) أَنَّهَا حَلَالٌ وَفِيهَا الْجَزَاءُ (وَالثَّانِي) حَرَامٌ فَلَا جَزَاءَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَقَعُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ فِي الظَّبْيِ كَبْشٌ وَفِي الْغَزَالِ عَنْزٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَكَذَا قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ وَزَعَمَ أَنَّ الظَّبْيَ ذَكَرُ الْغِزْلَانِ وَالْأُنْثَى غَزَالٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا وَهْمٌ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ في الظبي عنز وَهُوَ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِهَا فَإِنَّهُ أَجْرَدُ
الشَّعْرِ مُتَقَلِّصُ الذَّنَبِ وَأَمَّا الْغَزَالُ فَوَلَدُ الظَّبْيِ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الصِّغَارِ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ هُوَ الصَّوَابُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغَزَالُ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَى حِينِ يَقْوَى وَيَطْلُعُ قَرْنَاهُ ثُمَّ هِيَ ظَبْيَةٌ وَالذَّكَرُ ظَبْيٌ هَذَا بَيَانُ مَا فِيهِ حُكْمٌ (أَمَّا) مَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ عَنْ السَّلَفِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ فَطِنَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُمَا فَقِيهَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَعْرِفُ بِالشَّبَهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُ الصَّيْدِ أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ أَوْ يَكُونُ قَاتِلَاهُ
* هُمَا الْحُكْمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عُدْوَانًا فَلَا لِأَنَّهُ يَفْسُقُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَوْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَدْ ذَكَرَ(7/430)
الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا
* وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ أَنَّ لَهُ مِثْلًا وَعَدْلَانِ أَنْ لَا مِثْلَ فَهُوَ مِثْلِيٌّ لِأَنَّ مَعَهُمَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِمَعْرِفَةِ دَقِيقِ الشَّبَهِ وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَعَدْلَانِ بِمِثْلٍ آخَرَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَخَيَّرُ فِي الْأَخْذِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ
(وَالثَّانِي)
يَأْخُذُ بِأَغْلَظِهِمَا بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي اخْتِلَافِ الْمُفْتِيَيْنِ وَالْأَصَحُّ التَّخْيِيرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الطُّيُورُ فَحَمَامٌ وَغَيْرُهُ فَالْحَمَامَةُ فِيهَا شَاةٌ وَغَيْرُهَا إنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا جُثَّةً كَالزُّرْزُورِ وَالصَّعْوَةِ وَالْبُلْبُلِ وَالْقُبَّرَةِ وَالْوَطْوَاطِ فَفِيهِ الْقِيمَةُ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الْحَمَامِ أَوْ مِثْلِهِ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ إذْ لَا مِثْلَ لَهُ (وَالثَّانِي) شَاةٌ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ فِي الْحَمَامَةِ فَاَلَّذِي أَكْبَرُ مِنْهَا أَوْلَى وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْكُرْكِيُّ وَالْبَطَّةُ وَالْإِوَزَّة وَالْحُبَارَى وَنَحْوُهَا وَالْمُرَادُ بِالْحَمَامِ كُلُّ مَا عَبَّ فِي الْمَاءِ وهو ان يشر به جَرْعًا وَغَيْرُ الْحَمَامِ يَشْرَبُ قَطْرَةً قَطْرَةً كَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا حَاجَةَ فِي وَصْفِ الْحَمَامِ إلَى ذِكْرِ الْهَدِيرِ مَعَ الْعَبُّ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْعَبِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَدْخُلُ فِي اسْمِ الْحَمَامِ الْيَمَامُ اللَّوَاتِي يَأْلَفْنَ الْبُيُوتَ وَالْقَمَرِيُّ وَالْفَاخِتَةُ وَالْدُسِي وَالُقَطَاءُ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مُطَوَّقٍ حَمَامًا
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا أَوْجَبْنَا فِي الْحَمَامَةِ شاة اتباعا يعين إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ إيجَابُ الْقِيمَةِ فِيهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّمَا أُوجِبَتْ الشَّاةُ فِيهَا لِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهَا تَعُبُّ كَالْغَنَمِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَلَيْسَ بشئ بَلْ الْمَنْصُوصُ مَا ذَكَرْنَاهُ
* وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ شَاةٍ فِي الْحَمَامَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ فِيهِ حَمَامُ الْحِلِّ وَحَمَامُ الْحُرُمِ وَقَالَ مَالِكٌ
إنْ قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَإِنْ أُصِيبَتْ فِي الْحَرَمِ فَفِيهَا شَاةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا شَاةٌ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُفْدَى الْكَبِيرُ مِنْ الصيد بكبير من مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ وَالصَّغِيرُ بِصَغِيرٍ وَالسَّمِينُ بِسَمِينٍ وَالْمَهْزُولُ بِمَهْزُولٍ وَالصَّحِيحُ بِصَحِيحٍ وَالْمَرِيضُ بِمَرِيضٍ وَالْمَعِيبُ بِمَعِيبٍ إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ كَأَعْوَرَ بِأَعْوَرَ فَإِنْ اخْتَلَفَ كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ فَلَا وَإِنْ كَانَ عَوَرُ أَحَدِهِمَا فِي الْيَمِينِ(7/431)
وَالْآخَرِ فِي الْيَسَارِ فَفِي إجْزَائِهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَجُوزُ لِأَنَّ المقصود لا يختلف
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ نَوْعُ الْعَيْبِ كَالْجَرَبِ وَالْعَوَرِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَوَرُ الْيُمْنَى فِي الصَّيْدِ أَوْ فِي الْمِثْلِ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ وَرُبَّمَا أَوْهَمَ تَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَ هَذَا وَلَكِنْ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ كَالْمِثَالِ وَلَوْ قَالَ فَدَى الْأَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ بِالْأَعْوَرِ مِنْ أُخْرَى لَكَانَ أَحْسَنَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَابَلَ الْمَرِيضَ بِالصَّحِيحِ أَوْ الْمَعِيبَ بِالسَّلِيمِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلَوْ فَدَى الذَّكَرَ بِالْأُنْثَى فَفِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِجْزَاءُ
(وَالثَّانِي)
الْمَنْعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَرَادَ الذَّبْحَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَرَادَ التَّقْوِيمَ جَازَ لان قيمة الانثي أكثر ولهم الذَّكَرِ أَطْيَبُ (وَالرَّابِعُ) إنْ لَمْ تَلِدْ الْأُنْثَى جَازَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا تَضْعُفُ بِالْوِلَادَةِ (وَالْخَامِسُ) حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ إنْ قَتَلَ ذَكَرًا صَغِيرًا أَجْزَأَهُ أُنْثَى صَغِيرَةً وَإِنْ قَتَلَ كَبِيرًا لَمْ تُجْزِئهُ كَبِيرَةً فَإِنْ جَوَّزْنَا الْأُنْثَى فَهَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ
(وَالثَّانِي)
نَعَمْ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
* وَإِنْ فَدَى الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يُجْزَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وإذا تَأَمَّلْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجَدْتهمْ طَارِدِينَ الْخِلَافَ مَعَ نَقْصِ اللَّحْمِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْقُصْ اللَّحْمُ فِي الْقِيمَةِ وَفِي الطَّيِّبِ فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ النَّقْصَيْنِ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كَلَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَتَلَ نَعَامَةً فَأَرَادَ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ الْبَدَنَةِ إلَى بَقَرَةٍ أَوْ سَبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ لَمْ يَجُزْ على الصيح
الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهَا كَهِيَ فِي الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ جَرَحَ ظَبْيًا فَنَقَصَ عُشْرَ قِيمَتِهِ فَعَلَيْهِ عشر قيمة شاة وقال الْمُزَنِيّ تَخْرِيجًا يَلْزَمُهُ عُشْرُ شَاةٍ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الْحُكْمُ مَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ شَرِيكًا فِي ذَبْحِ شَاةٍ فَأَرْشَدَهُ إلَى مَا هُوَ أَسْهَلُ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ عَلَى التَّخْيِيرِ فَعَلَى هَذَا هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ عُشْرَ الْمِثْلِ وَإِنْ شَاءَ صَرَفَ قِيمَتَهُ فِي طَعَامٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ(7/432)
صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ النَّصِّ وَقَالَ الْوَاجِبُ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ الْمَنْصُوصُ وَتَخْرِيجُ الْمُزَنِيِّ فَعَلَى هَذَا إذَا قُلْنَا بِالْمَنْصُوصِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) تَتَعَيَّنُ الصَّدَقَةُ بِالدَّرَاهِمِ (وَالثَّانِي) لَا تُجْزِئهُ الدَّرَاهِمُ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِالطَّعَامِ أَوْ يَصُومُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ عُشْرِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ إخْرَاجِ الدَّرَاهِمِ (وَالرَّابِعُ) إنْ وَجَدَ شَرِيكًا فِي الدَّمِ اخرجه ولم تجزئه الدراهم وإلا أجزأته (وَالْخَامِسُ) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مُخَيَّرٌ بين اربعة اشياء اخرج الدراهم وان شاء اشترى بها جُزْءًا مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الصَّيْدِ مِنْ النَّعَمِ وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ بِهَا طَعَامًا وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا هَذَا كُلُّهُ فِي الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَأَمَّا غَيْرُهُ فَالْوَاجِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ قَطْعًا ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالطَّعَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَتَلَ صَيْدًا حَامِلًا قَابَلْنَاهُ بِمِثْلِهِ حَامِلًا وَلَا نَذْبَحُ الْحَامِلَ بَلْ يُقَوَّمُ الْمِثْلُ حَامِلًا وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ يَصُومُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُ حَائِلٍ نَفِيسَةٍ بِقِيمَةِ حَامِلٍ وَسَطٍ وَيُجْعَلُ التَّفَاوُتُ كَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ صَيْدٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا نُظِرَ إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَيْضًا فَهُوَ كَقَتْلِ الْحَامِلِ وَإِنْ عَاشَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ مَا نَقَصَتْ لا يَضْمَنُ الْجَنِينَ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بخلاف الجنين الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَيَنْقُصُ الْآدَمِيَّاتُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ فِي الْآدَمِيَّاتِ وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَا ضَمِنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ فَيَضْمَنُ كُلَّ وَاحِدٍ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا
*
وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ الْمُنْفَصِلُ حَيًّا مِنْ آثَارِ الْجِنَايَةِ وَعَاشَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ الولد بانفراده بكمال جزائه وَضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حاملا وحائلا
*(7/433)
(فَرْعٌ)
لَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَانْدَمَلَ جُرْحُهُ وَصَارَ الصَّيْدُ زَمَنًا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ قَوْلَيْنِ وَكَذَا حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي الجامع (أصحهما) يلزمه جزاء كامل كما لَوْ أَزْمَنَ عَبْدًا لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى شَاةٍ فَأَزْمَنَهَا وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا الثَّانِي وَهُوَ تَصْحِيحٌ شَاذٌّ بَلْ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ كِبَارِ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ ونقله الشيخ أبو حامد عن الاصحاب مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِأَرْشِ مَا نَقَصَ مُزَيَّفٌ مَتْرُوكٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَإِنْ قُلْنَا) يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ فَهَلْ يَجِبُ قِسْطٌ مِنْ الْمِثْلِيِّ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ مِنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ قَرِيبًا فِيمَا إذَا جَرَحَهُ فَنَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهِ وَلَوْ أَزْمَنَهُ فَجَاءَ مُحْرِمٌ آخر فَقَتَلَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أَوْ قَبْلَهُ فَعَلَى الْقَاتِلِ جَزَاؤُهُ زَمَنًا بِلَا خِلَافٍ وَيَبْقَى عَلَى الْأَوَّلِ الْجَزَاءُ الَّذِي كَانَ كَمَا كَانَ وَهُوَ كَمَالُ الْجَزَاءِ أَوْ أَرْشُ النَّقْصِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ أَوْجَبْنَا هُنَاكَ جَزَاءً كَامِلًا عَادَ بِجِنَايَةِ الثَّانِي إلَى أَرْشِ النَّقْصِ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ إيجَابُ جَزَاءَيْنِ لِمُتْلِفٍ وَاحِدٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ (أَمَّا) إذَا أَزْمَنَهُ مُحْرِمٌ ثُمَّ عَادَ هُوَ فَقَتَلَهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ فَقَطْ
* وَلَنَا هُنَاكَ وَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الطَّرَفِ مع دية النفس
* قال إمام الحرمين وغيره فيجئ ذَلِكَ الْوَجْهُ هُنَا وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أفردت كل جناية بحكمها ففى القتل جزاءه زَمَنًا وَفِي الْإِزْمَانِ الْوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) جَزَاءٌ كَامِلٌ إذَا أَوْجَبْنَا فِي الْإِزْمَانِ جَزَاءً كَامِلًا وَإِنْ كَانَ لِلصَّيْدِ امْتِنَاعَانِ كَالنَّعَامَةِ تَمْتَنِعُ بِالْعَدْوِ وَبِالْجَنَاحِ فَأَبْطَلَ أَحَدَ امْتِنَاعَيْهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ لِتَعَدُّدِ الِامْتِنَاعِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِاتِّحَادِ الْمُمْتَنِعِ وَعَلَى هَذَا فَمَا الْوَاجِبُ
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَجِبُ مَا نَقَصَ لِأَنَّ امْتِنَاعَ النَّعَامَةِ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرِّجْلِ وَالْجَنَاحِ فَالزَّائِلُ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ
*(7/434)
(فَرْعٌ)
لَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِجِرَاحَتِهِ أَوْ وَقَعَ بِسَبَبِهِ فِي مَاءٍ أَوْ مِنْ جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَزِمَهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ بِأَنْ قَتَلَهُ آخَرُ نُظِرَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ صَيْدُهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَعَلَيْهِ أَرْشُ مَا نَقَصَ وَإِنْ كَانَ صَيْدُهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَفِيمَا عَلَى الْأَوَّلِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَوَاخِرِ الْفَرْعِ قَبْلَهُ
* وَإِنْ شَكَّ فلم يعلم بماذا مَاتَ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ إلَّا ضَمَانُ الْجُرْحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ
* قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَلَالِ إذَا جَرَحَ صَيْدًا وَغَابَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ مَيْتًا هَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ أَمْ لَا (الْأَصَحُّ) لا يحل (فان قلنا) بحل كله فَقَدْ جَعَلْنَاهُ قَاتِلًا فَيَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْجُرْحِ فَقَطْ (أَمَّا) إذَا جَرَحَهُ وغاب ولم يتبين حاله فَلَمْ يَعْلَمْ أَمَاتَ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ حَيَاةُ الصَّيْدِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ قَالُوا وَالِاحْتِيَاطُ إخْرَاجُ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبِهِ
* هَكَذَا قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِالْمَسْأَلَةِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ
* وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ إذَا كَانَ قَدْ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ كَذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ سَلَامَتَهُ
* قَالَ أَبُو حَامِدٍ وهذه من غلطات أبى اسحق عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ
* قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ سَبَبُ الْهَلَاكِ وَلَا يَهْلِكُ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَيَاةُ مَا لَمْ يَعْلَمْ التَّلَفَ
* (فَرْعٌ)
إذَا جَرَحَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَدَاوَاهُ وَأَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ حَتَّى بَرَأَ وَعَادَ مُمْتَنِعًا كَمَا كَانَ فَفِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الْأَصَحُّ) لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ
(وَالثَّانِي)
يَسْقُطُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ فَنَبَتَتْ هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ دِيَتُهَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَسْقُطُ فَعَلَيْهِ مَا كَانَ وَاجِبًا وَهُوَ كَمَالُ
الْجَزَاءِ فِي الْأَصَحِّ وَأَرْشُ مَا نَقَصَ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ جَزَمَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمُنْدَمِلًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِذَا قُلْنَا أَرْشُ مَا نَقَصَ فَهَلْ يَجِبُ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمِثْلِ(7/435)
أَوْ مِنْ الْقِيمَةِ فِيهِ الطُّرُقُ السَّابِقَةُ فِيمَنْ جَرَحَ ظَبْيًا فَنَقَصَ عُشْرَ قِيمَتِهِ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ بَعْدَ بُرْئِهِ فِيهِ نَقْصٌ فَإِنْ صَارَ مُمْتَنِعًا وَلَكِنْ بَقِيَ فِيهِ شَيْنٌ وَنَقْصٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) إذَا دَاوَاهُ حَتَّى بَرَأَ وَبَقِيَ زَمَنًا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِيمَنْ أَزْمَنَهُ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْجَزَاءِ (وَالثَّانِي) أَرْشُ نَقْصِهِ
* وَلَوْ نَتَفَ رِيشَ طَيْرٍ فَهُوَ كَجُرْحِ الصَّيْدِ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ فَإِنْ نَبَتَ وَبَقِيَ نَقْصٌ ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ وَجَبَ اُعْتُبِرَ نَقْصُهُ حَالَ الْجُرْحِ كَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا مَعَ بَاقِي فُرُوعِ جُرْحِ الصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يَجِبُ فِي بَيْضِ الصَّيْدِ قِيمَتُهُ
* وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجِبُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَسَبَقَ هُنَاكَ الْخِلَافُ فِي قِيمَةِ لَبَنِ الصَّيْدِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا وَسَبَقَ أَنَّ الْجَرَادَ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَبَقَ قَوْلٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الجراد ولا ضمان فيه وليس بشئ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَجِبُ فِي الدَّبَا قِيمَتُهُ وَالدَّبَا صِغَارُ الْجَرَادِ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْجَرَادِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ تَقْدِيرِ الْجَزَاءِ فِي الْجَرَادِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ فِي الْبَيْضِ وَالْجَرَادِ وَاللَّبَنِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إخْرَاجِ الطَّعَامِ وَبَيْنَ ان يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا فَإِنْ انْكَسَرَ مُدٌّ وَجَبَ صِيَامُ يَوْمٍ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّيْدِ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ وَجَبَ لِكُلِّ صيد جزاء وان بلغ ماءة صَيْدٍ وَأَكْثَرَ سَوَاءٌ أَخْرَجَ جَزَاءَ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَدَلِيلُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ
* وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ الْإِتْلَافِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَرَّرَ الْمُحْرِمُ لُبْسًا أَوْ طِيبًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ
* وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي قَتْلِ صَيْدٍ لَزِمَهُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ يَتَجَزَّأُ فَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي إتْلَافِهِ قُسِمَ الْبَدَلُ بَيْنَهُمْ كَقَسْمِ الْمُتْلَفَاتِ وَكَالدِّيَةِ وَفِي قَوْلِهِ يَتَجَزَّأُ احْتِرَازٌ مِنْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ
* وَلَوْ اشْتَرَكَ
مُحْرِمٌ وَحَلَالٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ لَزِمَ الْمُحْرِمَ نِصْفُ الْجَزَاءِ وَلَا شئ عَلَى الْحَلَالِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَمُحِلُّونَ(7/436)
أَوْ مَحِلٌّ وَمُحْرِمُونَ وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ الجزاء بقسطه على عدد الرؤس كَبَدَلِ الْمُتْلَفَاتِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنُصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* وَلَوْ أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَالٌ ضَمِنَهُ الْمُحْرِمُ بِالْجَزَاءِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى إتْلَافِهِ وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْحَلَالِ الْقَاتِلِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرْجِعُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ لِأَنَّ الْقَاتِلَ أَدْخَلَ الْمُحْرِمَ فِي الضَّمَانِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ مَالًا فَأَتْلَفَهُ إنْسَانٌ فِي يَدِهِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُتْلِفِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَرْجِعُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ صَيْدًا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَمْلِكُهُ وَإِذَا جَازَ لَهُ إتْلَافُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ فَإِنَّ الْمُتْلِفَ لِلْمَغْصُوبِ مُتَعَدٍّ فَضَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَقَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ الْجَزَاءُ كُلُّهُ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ الْمُمْسِكِ سَبَبٌ وَمَنْ الْقَاتِلِ مُبَاشَرَةٌ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا فِي قَتْلِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ الْجَزَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ ضَمَانِهِ وَهَذَا يُنْتَقَضُ بِضَمَانِ الْآدَمِيِّ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَحَّحَهُ أَبُو الْمَكَارِمِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمُمْسِكُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْقَاتِلُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُمْسِكِ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا فَأَتْلَفَهُ آخَرُ فِي يَدِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا الْوَجْهُ أَقْيَسُ عِنْدِي لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْأَوَّلُ يُنْتَقَضُ بِمِنْ غَصَبَ شَيْئًا وَأَتْلَفَهُ غَيْرُهُ فِي يَدِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الثَّانِي فَاسِدٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ الذى لا يلجئ في شئ مِنْ الْأُصُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ جَرَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ دَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ فَجَرَحَهُ فِيهِ فَمَاتَ مِنْهُمَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ وَجُرْحُ أَحَدِهِمَا مَضْمُونٌ دُونَ الْآخَرِ
* (فَرْعٌ)
الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِي جَمِيعِ كَفَّارَاتِ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ فَإِذَا قَتَلَ
الْقَارِنُ صَيْدًا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا آخَرَ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا خِلَافَ عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ جَزَاءَانِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.(7/437)
(فَرْعٌ)
الصَّوْمُ الْوَاجِبُ هُنَا يَجُوزُ مُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا نص عليه الشافعي ونقله عنه ابْنِ الْمُنْذِرِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِقَوْلِهِ تعالى (أو عدل ذلك صياما)
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ
(إحْدَاهَا) إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ قَتَلَهُ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ وَجَبَ فِيهِ الْجَزَاءُ بِالْإِجْمَاعِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَبْحِ الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ بِقِيمَتِهِ وَالصِّيَامِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا
* وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَدَاوُد إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ يُقَوَّمُ الصَّيْدُ وَلَا يُقَوَّمُ الْمِثْلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ مِنْ النَّعَمِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الصَّيْدِ وَلَهُ صَرْفُ تِلْكَ الْقِيمَةِ فِي الْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ
* وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ وَجَدَ الْمِثْلَ ذَبَحَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ فَقَدَهُ قَوَّمَهُ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا وَصَامَ وَلَا يُطْعِمُ
* قَالَ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ الصِّيَامُ وَوَافَقَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو عِيَاضٍ وَزَفَرُ
* وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ فَإِنْ فَقَدَهُ فَالْإِطْعَامُ فَإِنْ فَقَدَهُ صَامَ
* دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قتل) إلَى آخَرِ الْآيَةِ
* وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِأَنَّ الْمُتْلَفَ يَجِبُ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَلَيْسَتْ النعم واحدا منهما فَلَمْ يَضْمَنْ بِهِ كَالصَّيْدِ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ وَكَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْحَلَالُ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَكَضَمَانِ الْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ لِمَالِكِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا قِيَاسٌ مُنَابِذٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ثُمَّ مَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقِضٌ لِلْآدَمِيِّ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِالْإِبِلِ وَيُضْمَنُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يُضْمَنُ بِهِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ لِلْآدَمِيِّ بِقِصَاصٍ أَوْ إبِلٍ وَيُضْمَنُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْكَفَّارَةِ وَهِيَ عِتْقٌ وَإِلَّا فَصِيَامٌ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَيْدٍ لا مثل له أنه لا يكن فِيهِ الْمِثْلُ فَتَعَذَّرَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْمِثْلِ (الثَّانِيَةُ) إذَا عَدَلَ عَنْ مِثْلِ الصَّيْدِ إلَى الصِّيَامِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ والثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحق وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ
*
(قَالَ) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الصَّوْمُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إلَى عَشْرَةِ وَعَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّوْمِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا
* قَالَ وَمَالَ أَبُو ثَوْرٍ إلَى أَنَّ الْجَزَاءَ فِي هَذَا كَكَفَّارَةِ الْحَلْقِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ(7/438)
اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) وَقَدْ قَابَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صِيَامَ كُلِّ يَوْمٍ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ إطْعَامَ كُلِّ مِسْكِينٍ هُنَاكَ مُدٌّ فَكَذَا هُنَا يَكُونُ كُلُّ يَوْمِ مُقَابِلُ مُدٍّ
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ كَعْبٍ بْنِ عُجْرَةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ مُخَيَّرًا بَيْنَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ مُقَابِلٌ بِأَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ حَدِيثَ كَعْبٍ إنَّمَا وَرَدَ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ فِدْيَةٍ وَلَوْ طُرِدَ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَابِلَ كُلَّ صَاعٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ وَلَا نَحْنُ وَلَا أَحَدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَذْهَبُنَا أَنَّ مَا حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِيهِ بِمِثْلٍ فَهُوَ مِثْلُهُ وَلَا يَدْخُلُهُ بَعْدَهُمْ اجْتِهَادٌ وَلَا حُكْمٌ وَبِهِ قال عطاء واحمد وإسحق وَدَاوُد (وَأَمَّا) أَبُو حَنِيفَةَ فَجَرَى عَلَى أَصْلِهِ السَّابِقِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَيْدٍ وَإِنْ حَكَمَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ
* دَلِيلُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ يَحْكُمُ (به ذوا عدل منكم) وَقَدْ حَكَمَا فَلَا يَجِبُ تَكْرَارُ الْحُكْمِ (الرَّابِعَةُ) الْوَاجِبُ فِي الصَّغِيرِ مِنْ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ صَغِيرٌ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ فِيهِ كَبِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (هَدْيًا بَالِغَ الكعبة) وَالصَّغِيرُ لَا يَكُونُ هَدْيًا وَإِنَّمَا يُجْزِئُ مِنْ الْهَدْيِ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى قَتْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الْكَبِيرَ بِالصَّغِيرِ
* دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم) ومثل الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقِ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَفِي أم حبين بحلال فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ يُجْزِئُ وَأَنَّ الْوَاجِبَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ المضمونات فانها تختلف مقادير الواجب فيها (والجواب) عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَهُنَا مُقَيَّدَةٌ بِالْمِثْلِ وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى قَتْلِ الْآدَمِيِّ أَنَّ تِلْكَ الْكَفَّارَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي قَدْرِهَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الصَّيْدُ الْمَعِيبُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَفْدِيهِ بِمَعِيبٍ وَعَنْ
مَالِكٍ يَفْدِيهِ بِصَحِيحٍ ودليلنا ما سبق في الضمير (الْخَامِسَةُ) إذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ وَهُمْ مُحْرِمُونَ لَزِمَهُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ عمر وعطاء والزهرى وحماد وأحمد اسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ كَامِلٌ كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الْمَقْتُولَ وَاحِدٌ(7/439)
فَوَجَبَ ضَمَانُهُ مُوَزَّعًا كَقَتْلِ الْعَبْدِ وَإِتْلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ (السَّادِسَةُ) إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا لَزِمَهُ جزاء واحد وإذا تطيب أو لبس لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَابْنُ المنذر وداود وقال أبو حنيفة يلزمه جزاآن وَكَفَّارَتَانِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ دَلِيلِنَا عَلَيْهِمْ (السَّابِعَةُ) فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً مِنْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ وَآخَرُونَ إلَّا النَّخَعِيّ فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَنَّ فِي النَّعَامَةِ وَشَبَهِهَا ثَمَنُهَا دَلِيلُنَا الْآيَةُ (الثَّامِنَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الثَّعْلَبَ صَيْدٌ يُؤْكَلُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ السِّبَاعِ وَقَالَ أَحْمَدُ أَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ (التَّاسِعَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ فِي الضَّبِّ جَدْيًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ جَابِرٍ وَعَطَاءٍ أَنَّ فِيهِ شَاةً وَعَنْ مُجَاهِدٍ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَعَنْ مَالِكٍ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ فَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ وَعَنْ قَتَادَة صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَتُهُ (الْعَاشِرَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ فِي الْحَمَامَةِ شَاةٌ سَوَاءٌ قَتَلَهَا مُحْرِمٌ أَوْ قَتَلَهَا حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزبير وقتادة وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي حَمَامَةِ الْحَرَمِ شاة وحمامة الْحِلِّ الْقِيمَةُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَمَامَةِ الْحِلِّ ثَمَنُهَا وَعَنْ النَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ ثَمَنُهَا وَعَنْ قَتَادَةَ دِرْهَمٌ
* دَلِيلُنَا مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ وَنَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي الْحَمَامَةِ شَاةً (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الْعُصْفُورُ فِيهِ قِيمَتُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مُدُّ طَعَامٍ وَعَنْ عَطَاءٍ
نِصْفُ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ثَمَنُهَا عَدْلَانِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) مَا دُونَ الْحَمَامِ مِنْ الْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهَا مِنْ الطُّيُورِ تَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ الجمهور وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ دَاوُد وَقَالَ بَعْضُ أصحاب داود لا شئ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ من النعم) فدل على أنه لا شئ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُمَا أَوْجَبُوا الْجَزَاءَ فِي الْجَرَادَةِ فَالْعُصْفُورُ أَوْلَى
*(7/440)
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي كُلِّ طَيْرٍ دُونَ الْحَمَامِ قِيمَتُهُ (الثَّالِثَةَ عشر) كُلُّ صَيْدٍ يَحْرُمُ قَتْلُهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي إتْلَافِ بَيْضِهِ سَوَاءٌ بَيْضُ الدَّوَابِّ وَالطُّيُورِ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ بَدَنَةٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد لَا جَزَاءَ فِي الْبَيْضِ وَسَبَقَتْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَفْسُقُ بِهِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ عَنْهُ في قصة أربد وبه قال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ
* دَلِيلُنَا فِعْلُ عُمَرَ مَعَ عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ) ولم يفرق بين القاتل وغيره * قال المصنف رحمه الله
* ويحرم صيد الحرم على الحلال والمحرم لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ان الله تعالى حرم مكة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها فقال العباس إلا الاذخر لصاغتنا فقال الا الاذخر) وحكمه في الجزاء حكم صيد الاحرام لانه مثله في التحريم فكان مثله في الجزاء فان قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ واحد لان المقتول واحد فكان لجزاء واحدا كما لو قتله في الحل
* وان اصطاد الحلال صيدا من الحل وأدخله إلى الحرم جاز له التصرف فيه بالامساك والذبح وغير ذلك مما كان يملكه به قبل أن يدخل الي الحرم لانه من صيد الحل فلم يمنع من التصرف فية
* وان ذبح الحلال صيدا من صيود الحرم لم يحل له أكله وهل يحرم على غيره فيه طريقان (من) أصحابنا من قال هو على قولين كالمحرم إذا ذبح صيدا (ومنهم) من قال يحرم ههنا قولا واحدا لان الصيد في الحرم محرم على كل واحد فهو كالحيوان الذي لا يؤكل
* وان رمي من الحل إلى صيد في الحرم فأصابه لزمه الضمان لان الصيد في موضع أمنه وان رَمَى مِنْ الْحَرَمِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فأصابه ضمنه لان
كونه في الحرم يوجب تحريم الصيد عليه
* وان رمي من الحل إلى صيد في الحل ومر السهم في موضع من الحرم فأصابه ففيه وجهان
(أحدهما)
يضمنه لان السهم مر من الحرم الي الصيد
(والثانى)
لا يضمنه لان الصيد في الحل والرامي في الحل وان كان في الحرم شجرة وأغصانها في الحل فوقعت حمامة على غصن في الحل فرماه من الحل فأصابه لم يضمنه لان الحمام غير تابع للشجرة فهو كطير في هواء(7/441)
الحل وان رمي إلى صيد في الحل فعدل السهم وأصاب صيدا في الحرم فقتله لزمه الجزاء لان العمد والخطأ في ضمان الصيد سواء وان أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الحل فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فقتله لم يلزمه الجزاء لان للكلب اختيارا ودخل الحرم باختياره بخلاف السهم
* قال في الاملاء إذا أمسك الحلال صيدا في الحل وله فرخ في الحرم فمات الصيد في يده ومات الفرخ ضمن الفرخ لانه مات في الحرم بسبب من جهته ولا يضمن الام لانه صيد في الحل مات في يد الحلال)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ من طرق والخلا بفتح الخاء المعجمة مقصور هو رطب الكلاء قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَشِيشُ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الكلاء والخلا هُوَ الرَّطْبُ مِنْهُ وَمَعْنَى يُعْضَدُ يَقْطَعُ وَالْإِذْخِرُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ مَعْرُوفٌ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَصَيْدُ حَرَمِ مَكَّةَ حَرَامٌ عَلَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ونبه صلى الله عليه وسلم بالتقتير عَلَى الْإِتْلَافِ وَغَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَحْرُمُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ كُلُّ مَا يَحْرُمُ فِي صَيْدِ الْإِحْرَامِ مِنْ اصْطِيَادِهِ وَتَمَلُّكِهِ وَإِتْلَافِهِ وَإِتْلَافِ أَجْزَائِهِ وَجُرْحِهِ وَتَنْفِيرِهِ وَالتَّسَبُّبِ إلَى ذَلِكَ وَيَحْرُمُ بَيْضُهُ وَإِتْلَافُ رِيشِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ وَلَا يختلفان في شئ مِنْ ذَلِكَ
* وَحُكْمُ لَبَنِهِ حُكْمُ لَبَنِ صَيْدِ الْإِحْرَامِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ قَتَلَ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ أَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهُ أَوْ تَلِفَ بِسَبَبٍ مِنْهُ ضَمِنَهُ وَضَابِطُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ كَصَيْدِ الْإِحْرَامِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْجَزَاءِ وَقَدْرِ الْجَزَاءِ وَصِفَتِهِ
* وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَلَوْ أَدْخَلَ حَلَالٌ إلَى الْحَرَمِ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ كَانَ لَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ كَالنَّعَمِ وَغَيْرِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَإِنْ ذَبَحَ حَلَالٌ صَيْدًا حَرَمِيًّا حُرِّمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا بِفُرُوعِهِمَا فِي الْبَابِ
السَّابِقِ وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُهُ فَيَكُونُ مَيْتُهُ نَجِسًا كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَكَالْحَيَوَانِ الَّذِي لا يؤكل
* ولو رمى من الحل صَيْدًا فِي الْحَرَمِ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ وَأَرْسَلَ كَلْبًا فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَلَوْ رَمَى حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا فَأَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ أَوْ رَمَى مُحْرِمٌ إلَيْهِ فَتَحَلَّلَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَصَحِّ وَسَبَقَ مِثْلُهُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ فِي الْبَابِ(7/442)
السَّابِقِ
* وَلَوْ رَمَى مِنْ الْحِلِّ إلَى صَيْدٍ بَعْضُهُ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ فَفِيهِ خمسة اوجه الثلاثة الاولى منها حكاهما صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَغَيْرُهُمَا (أَحَدُهَا) لا جزاء فيه لانه لم بتمحض حَرَمِيًّا
(وَالثَّانِي)
إنْ كَانَ أَكْثَرَهُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَهُ فِي الْحِلِّ فلا اعتبارا بِالْغَالِبِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ ضَمِنَهُ وَإِنْ كَانَ عَكْسَهُ فَلَا اعتبار بِمَا كَانَ عَلَيْهِ (وَالرَّابِعُ) وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ إنْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ وَقَوَائِمُهُ كُلُّهَا فِي الْحِلِّ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَاحِدَةً تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ (وَالْخَامِسُ) يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ بِكُلِّ حَالٍ حَتَّى لَوْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ وَقَوَائِمُهُ كُلُّهَا فِي الْحِلِّ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُسْتَيْقِظٌ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ تَغْلِيبًا لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا رَمَى مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَمَرَّ السَّهْمُ فِي ذَهَابِهِ فِي طَرَفٍ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَصَابَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَتَخَيَّرَ فِي مُرُورِهِ فِي طَرَفِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَوْ قَوْلٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ يَضْمَنُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (وَأَصَحُّهُمَا) يَضْمَنُ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِ الْكَلْبِ فَإِنَّ لِلْكَلْبِ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ السَّهْمِ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ لَوْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَعَدَلَ الصَّيْدُ فَدَخَلَ الْحَرَمَ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ وَجَبَ الضَّمَانُ وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فَأَصَابَهُ لَمْ يَجِبْ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَتَخَطِّيهِ طَرَفَ الْحَرَمِ إنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا كَانَ لِلصَّيْدِ مُقَرٌّ آخَرُ فَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ دُخُولُهُ الْحَرَمَ عِنْدَ الْهَرَبِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ قَطْعًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْسِلُ عَالِمًا بِالْحَالِ أَوْ جَاهِلًا وَلَكِنْ يَأْثَمُ الْعَالِمُ دُونَ الْجَاهِلِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيمَا إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي
الْحِلِّ فَعَدَلَ الصَّيْدُ إلَى الْحَرَمِ فَتَبِعَهُ الْكَلْبُ فَقَتَلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ مُرْسِلُهُ قَدْ زَجَرَهُ عَنْ اتِّبَاعِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ فَلَمْ يَنْزَجِرْ فَإِنْ لَمْ ينزجر فعليه الاجزاء لِأَنَّ الْكَلْبَ الْمُعَلَّمَ إذَا أُرْسِلَ إلَى صَيْدٍ تَبِعَهُ أَيْنَ تَوَجَّهَ
* هَذَا كَلَامُهُ وَهَذَا الَّذِي شَرَطَهُ مِنْ الزَّجْرِ غَرِيبٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ
*(7/443)
(فَرْعٌ)
لَوْ كَانَتْ شَجَرَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحَرَمِ وَأَغْصَانُهَا فِي الْحِلِّ فَوَقَعَ عَلَى الْغُصْنِ طَائِرٌ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي الْحِلِّ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ قَطَعَ الْغُصْنَ ضَمِنَ الْغُصْنَ لِأَنَّ الْغُصْنَ جُزْءٌ مِنْ الشَّجَرَةِ تَابِعٌ لَهَا وَالشَّجَرَةُ مَضْمُونَةٌ فَكَذَا غُصْنُهَا وَأَمَّا الطَّائِرُ فَلَيْسَ جُزْءًا مِنْ الشَّجَرَةِ وَلَا هُوَ فِي الْحَرَمِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحِلِّ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ وَعَكْسُهُ لَوْ كَانَتْ الشجرة ثابتة؟ فِي الْحِلِّ وَغُصْنُهَا فِي الْحَرَمِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ طَائِرٌ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ فِي هَوَاءِ الْحَرَمِ وَلَوْ قَطَعَ الْغُصْنَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِشَجَرَةٍ فِي الْحِلِّ وَهَذَا الْفَرْعُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُشِيرُ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى الصُّورَتَيْنِ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ وَقَفَ الْحَلَالُ عَلَى الْغُصْنِ وَرَمَى إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ الَّذِي عَلَى الْغُصْنِ فَإِنْ كَانَ الْغُصْنُ فِي هَوَاءِ الْحَرَمِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لو قتل انسان صيدا مملوكا في الحرم فان كان القاتل محرما فقد سبق في الباب الماضي ان عليه الاجزاء للمساكين وعليه القيمة لمالكه وإن كان حلالا فعليه القيمة لمالكه ولا جزاء عليه لانه ليس له حكم صيد الحرم ولهذا لو قتله صاحبه لم يلزمه الجزاء بخلاف صيد الاحرام وممن صرح بالمسألة الماوردى
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَخَذَ حَمَامَةً فِي الْحِلِّ أَوْ أَتْلَفَهَا فَهَلَكَ فَرْخُهَا فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ وَلَا يضمنها لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
* وَلَوْ أَخَذَ الْحَمَامَةَ مِنْ الْحَرَمِ وَقَتَلَهَا فَهَلَكَ فَرْخُهَا فِي الْحِلِّ ضَمِنَ الْحَمَامَةَ وَالْفَرْخَ جَمِيعًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِسَبَبٍ جَرَى مِنْهُ فِي الْحَرَمِ كما رَمَى مِنْ الْحَرَمِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ فَفَسَدَ بَيْضُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ كَمَا يَضْمَنُ الْفَرْخَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَفَّرَ صَيْدًا حَرَمِيًّا عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ تَعَرَّضَ لِضَمَانِهِ فَإِنْ مَاتَ بِسَبَبِ التَّنْفِيرِ بِصَدْمَةٍ أَوْ أَخْذِ
سَبُعٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ الْحِلَّ فقتله حلال لزم المنفر الجزاء ولا شئ على الحلال القاتل فان أخذه محرم في احل وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْآخِذِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى السَّبَبِ
* هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا قتله الحلال فلا جزاء عليه كما ذكرنا
* قَالَ وَأَمَّا الْمُنَفِّرُ لَهُ مِنْ الْحَرَمِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ حِينَ نَفَّرَهُ أَلْجَأَهُ إلَى الْحِلِّ وَمَنَعَهُ مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِأَنَّ الصَّيْدَ مُلْجَأٌ وَالتَّنْفِيرَ سَبَبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الجاءه إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ وَلَا مَنَعَهُ الْعَوْدَ إلَى الْحَرَمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْجَأٍ وَالْمُبَاشَرَةُ أَقْوَى مِنْ السَّبَبِ
* هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ(7/444)
عَلَى الْمُنَفِّرِ مِنْ الْحَرَمِ ضَمَانُهُ إذَا قَتَلَهُ حَلَالٌ فِي الْحِلِّ مَا لَمْ يَسْكُنُ نِفَارُهُ وَلَا يُزَالُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَسْكُنَ نِفَارُهُ وَيَسْكُنَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ فَإِذَا سَكَنَ فِي مَكَان مِنْهُمَا زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَقَبْلَ السُّكُونِ هُوَ فِي ضَمَانِهِ
* هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ لَوْ نَفَّرَ صَيْدًا حَرَمِيًّا فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلضَّمَانِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ النِّفَارُ حَتَّى خَرَجَ من الحرم فسكن في احل وَجَبَ الضَّمَانُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ ثُمَّ قَالَ الْأَئِمَّةُ يَدُومُ التَّعَرُّضُ لِلضَّمَانِ حَتَّى يَزُولَ نِفَارُهُ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْحَرَمِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا أَرَاهُ ذِلَّةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي رَدِّهِ إلَى الْحَرَمِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِخُرُوجِهِ لِلضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا خَرَجَ الصَّيْدُ الْحَرَمِيُّ إلَى الْحِلِّ حَلَّ لِلْحَلَالِ اصْطِيَادُهُ في الحل ولا شئ عليه في إتلافه لانه صار صيد حل كَمَا أَنَّ صَيْدَ الْحِلِّ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ حَرُمَ اصْطِيَادُهُ لِأَنَّهُ صَارَ صَيْدَ حَرَمٍ وَحَكَى الْبَغَوِيّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ صَيْدِ الْحَرَمِ فِي الْحِلِّ كَمَا لَوْ قَلَعَ شجرة من الحرم وَغَرَسَهَا فِي الْحِلِّ لَا يَحِلُّ قَطْعُهَا قَالَ وَالْفَرْقُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ الصَّيْدَ يَتَحَوَّلُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَكَانِ الْمُتَحَوَّلِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ إذَا دخل شئ مِنْ الْجَوَارِحِ إلَى الْحَرَمِ فَفَلَتَ فَأَتْلَفَ صَيْدًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُ هَذَا فِي الْحَرَمِ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ فِيهَا صَيْدٌ فَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي أَنَّهُ إنْ حَفَرَهَا فِي
مَحَلِّ عُدْوَانٍ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِنْ حَفَرَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ فَالْأَصَحُّ الضَّمَانُ أَيْضًا وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً هُنَاكَ
* وَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ بِهَا صَيْدٌ ضَمِنَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ الْحَرَمِ فَنَصَبَهَا فِي الْحِلِّ فَتَلِفَ بِهَا صَيْدٌ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ الْحِلِّ فَنَصَبَهَا فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْحَلَالُ جَالِسًا فِي الْحَرَمِ فَرَأَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَعَدَا إلَيْهِ فَقَتَلَهُ فِي الْحِلِّ فَلَا ضَمَانَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ رَمَى سَهْمًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إنْ ابْتَدَأَ الِاصْطِيَادَ مِنْ حِينِ الرَّمْيِ لِأَنَّ السَّهْمَ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارٌ وَلَيْسَ ابْتِدَاءُ الِاصْطِيَادِ مِنْ حِينِ الْعَدْوِ بَلْ مِنْ حِينِ ضَرْبِهِ وَلِهَذَا شُرِعَ لَهُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ إرْسَالِ السَّهْمِ(7/445)
وَلَا يُشْرَعُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَدْوِ إلَى ضَرْبِهِ بَلْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ ضَرْبِهِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عُلِمَ أَنَّ مُرْسِلَ السَّهْمِ اصْطَادَ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ الْعَادِي قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَهَكَذَا لَوْ عَدَا مِنْ الْحِلِّ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَسَلَكَ الْحَرَمَ ثُمَّ خرج إليه فقتله فلا شئ عليه بلا خلاف
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان دخل كافرا الي الحرم فقتل فيه صيدا فقد قال بعض أصحابنا يجب عليه الضمان لانه ضمان يتعلق بالاتلاف فاستوى فيه المسلم والكافر كضمان الاموال ويحتمل عندي انه لا ضمان عليه لانه غير ملتزم بحرمة الحرم فلا يضمن صيده)
* (الشَّرْحُ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَأَوْهَمَ انْفِرَادَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مَشْهُورٌ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ غَرِيبٌ انْفَرَدَ بِهِ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا فَحَكَاهُ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَرَجَّحَهُ الْفَارِقِيّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ(7/446)
الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي
كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَلَا يُفَارِقُ الكفر الْمُسْلِمَ فِي ضَمَانِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ وَسَائِرِ نباته الا في شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَزَاءُ بالصيام بل يتخير بين المثل والطعام * قال المصنف رحمه الله
* (ويحرم قلع شجر الحرم ومن أصحابنا من قال ما أنبته الآدميون يجوز قلعه والمذهب الاول لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ولان ما حرم لحرمة الحرم استوى فيه المباح والمملوك كالصيد ويجب فيه الجزاء فَإِنْ كَانَتْ شَجَرَةً كَبِيرَةً ضَمِنَهَا بِبَقَرَةٍ وَإِنْ كانت صغيرة ضمنها بشاة لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال (في الدوحة بقرة وفى الشجرة الجزلة شاة) فان قطع غصنا منها ضمن ما نقص فان نبت مكانه فهل يسقط عنه الضمان علي القولين بناء على القولين في السن إذا قلع ثم نبت
* ويجوز أخذ الورق ولا يضمنه لانه لا يضر بها وان قلع شجرة من الحرم لزمه ردها الي موضعها كما إذا أخذ صيدا منه لزمه تخليته فان أعادها إلى موضعها فنبت لم يلزمه شئ وان لم تنبت وجب عليه ضمانها
* ويحرم قطع حشيش الحرم لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) ويضمنه لانه ممنوع من قطعه لحرمة الحرم فضمنه كالشجر وان قطع الحشيش فنبت مكانه لم يلزمه الضمان قولا واحدا لان ذلك يستخلف في العادة فهو كسن الصبى إذا قلعه فنبت مكانه مثله بخلاف الاغصان ويجوز قطع الاذخر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ولان الحاجة تدعو إليه ويجوز رعى الحشيش لان الحاجة تدعو الي ذلك فجاز كقطع الاذخر ويجوز قطع العوسج والشوك لانه مؤذ فلم يمنع من إتلافه كالسبع والذئب)
* (الشرح) قوله ولا مَا حُرِّمَ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فِي حَقِّ الْحَلَالِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُبَاحُ وَالْمَمْلُوكُ بَلْ يَحِلُّ لَهُ اصْطِيَادُ الْمُبَاحِ دُونَ الْمَمْلُوكِ قَالَ الْقَلَعِيُّ وَقِيَاسُهُ عَلَى الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لان الصيد المملوك يجوز ذبحه وتثبت الْيَدُ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ دُونَ الْمُبَاحِ وَإِنَّمَا يستوى المباح والمملوك في التحريم على لمحرم خَاصَّةً وَالدَّوْحَةُ بِدَالٍ مَفْتُوحَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا واو ساكنة وهى العظيمة (وقوله) ممنوع قَطْعِهِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ شَجَرٍ وج والنقيع وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ الْقَلَعِيُّ احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ يَدِ نفسه وهذا صحيح لكن الْأَوَّلَ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ) يَسْتَخْلِفُ لَوْ قَالَ يَخْلُفُ كَانَ أَجْوَدَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ قَطْعُ نَبَاتِ الْحَرَمِ كَمَا يَحْرُمُ اصْطِيَادُ صَيْدِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِنَبَاتِهِ الضَّمَانُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ المصنف والعراقيون وجماعة وغيرهم يَتَعَلَّقُ كَالصَّيْدِ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ(7/447)
(أصحهما) هذا (والثاني) لا ضمان فيه لان الصَّيْدَ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْجَزَاءِ بِخِلَافِ النَّبَاتِ وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَوْهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الضمان
* ثم النبات ضربان شجر وغيره (أما) الشَّجَرُ فَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ بِالْقَلْعِ وَالْقَطْعِ لِكُلِّ شَجَرٍ رَطْبٍ حَرَمِيٍّ غَيْرِ مُؤْذٍ فَاحْتَرَزْنَا بِالرَّطْبِ عَنْ الْيَابِسِ فَلَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ قَدَّ صَيْدًا مَيِّتًا نِصْفَيْنِ
* هَكَذَا قَاسَهُ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ وَاحْتَرَزْنَا بِغَيْرِ مُؤْذٍ عَنْ الْعَوْسَجِ وَكُلِّ شَجَرَةٍ ذَاتِ شَوْكٍ فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِهِ ضَمَانٌ كَالْحَيَوَانِ الْمُؤْذِي
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَاخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ مَضْمُونٌ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَيُخَالِفُ الْحَيَوَانُ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ لِلْأَذَى وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا) وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي هَذَا الْوَجْهَ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْمَذْهَبِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمُؤْذِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَرَزْنَا بِالْحَرَمِيِّ عَنْ أَشْجَارِ الْحِلِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْلَعَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ وَيَنْقُلَهَا إلَى الْحِلِّ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا وَلَوْ نَقَلَ فَعَلَيْهِ رَدُّهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَقَلَ مِنْ بُقْعَةٍ مِنْ الْحَرَمِ إلَى بُقْعَةٍ أُخْرَى مِنْهُ لَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ وَسَوَاءٌ نَقَلَ أَشْجَارَ الْحَرَمِ أَوْ أَغْصَانَهَا إلَى الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ يُنْظَرُ إنْ يَبِسَتْ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ نَبَتَتْ فِي الْمَوْضِعِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فَلَوْ قَلَعَهَا قَالِعٌ لَزِمَ الْقَالِعَ الْجَزَاءُ إبْقَاءً لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَلَوْ قَلَعَ شَجَرَةً أَوْ غُصْنًا مِنْ الْحِلِّ وَغَرَسَهَا فِي الْحَرَمِ فَنَبَتَتْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْحَرَمِ فلو قلعها هو أو غيره فلا شي هـ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ
* اتَّفَقَ(7/448)
أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا فِي الطَّرِيقِينَ
* وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ نَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَهُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَيَجِبُ الْجَزَاءُ لِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ بِأَصْلٍ ثَابِتٍ فَاعْتُبِرَ مَكَانُهُ وَالشَّجَرُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَلَهُ حُكْمُ مَنْبَتِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَصْلُ الشَّجَرَةِ فِي الْحَرَمِ وَأَغْصَانُهَا فِي الْحِلِّ حَرُمَ قَطْعُ أَغْصَانِهَا وَوَجَبَ فِيهِ الضَّمَانُ وَلَوْ كَانَ أَصْلُهَا فِي الْحِلِّ وَأَغْصَانُهَا في الحرم فلا شئ فِي قَطْعِ
أَغْصَانِهَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَصْلِ الشَّجَرَةِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ فَلِجَمِيعِهَا حُكْمُ الْحَرَمِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَخَذَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ وَلَمْ يَخْلُفْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَسَبِيلُهُ ضَمَانِ جُرْحِ الصَّيْدِ وَإِنْ أَخْلَفَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِكَوْنِ الْغُصْنِ لَطِيفًا كَسِوَاكٍ وَغَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ
* وَإِذَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لِعَدَمِ إخْلَافِهِ فَنَبَتَ الغصن وكان المقطوع مثل النابت فَفِي سُقُوطِ الضَّمَانِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ أَخْذِ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ لَكِنْ يُؤْخَذُ بِسُهُولَةٍ وَلَا يَجُوزُ خَبْطُهَا بِحَيْثُ يُؤْذِي قُشُورَهَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ أَخْذُ الْوَرِقِ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَقَطْعُ الْأَغْصَانِ الصِّغَارِ لِلسِّوَاكِ
* وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ يَجُوزُ أَرَادَ إذَا لَقَطَ الْوَرِقَ بِيَدِهِ وَكَسَرَ الْأَغْصَانَ الصِّغَارَ بِيَدِهِ بِحَيْثُ لَا تَتَأَذَّى نَفْسُ الشَّجَرَةِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ لَا يَجُوزُ أَرَادَ إذَا خَبَطَ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَسَاقَطَ الْوَرِقُ وَتَكَسَّرَتْ الْأَغْصَانُ لِأَنَّ ذَلِكَ يضر الشجرة هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّأْوِيلَ لِلْحَصْرِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ أَخْذِ ثِمَارِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَتْ أَشْجَارًا مُبَاحَةً كَالْأَرَاكِ وَيُقَالُ لِثَمَرَةِ الْأَرَاكِ الْكَبَاثُ بِكَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ أَلْفٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَخْذِ عُودِ السِّوَاكِ وَنَحْوِهِ وَسَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي الْفَرْقُ بَيْنَ أَخْذِ الْأَوْرَاقِ وَأَخْذِ شَعْرِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ لِأَنَّ أَخْذَهُ يَضُرُّ الْحَيَوَانَ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ
*(7/449)
(فَرْعٌ)
هَلْ يَعُمُّ التَّحْرِيمُ وَالضَّمَانُ مَا يَنْبُتُ مِنْ الْأَشْجَارِ بِنَفْسِهِ وَمَا يُسْتَنْبَتُ أَمْ يَخْتَصُّ بِمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ (وَأَصَحُّ) الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ التَّعْمِيمُ
(وَالثَّانِي)
التَّخْصِيصُ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالتَّعْمِيمِ
وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَشَجَرُ الْحَرَمِ حَرَامٌ سَوَاءٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ أو أنبته آدمى
* قال وحكي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يَحْرُمُ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ دُونَ مَا أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ
* قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَإِنَّمَا أُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَلَوْ قَطَعَ شَجَرَةً مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إذَا كَانَ لَا مَالِكَ لَهُ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالِكٌ فَلَا جَزَاءَ
* قَالَ أَبُو حامد وهذا ليس بشئ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الشَّجَرَ الَّذِي لَا مَالِكَ لَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْجَزَاءُ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالَهُ مَالِكٌ لِأَنَّ فِيهِ الْجَزَاءَ أَوْ الْقِيمَةَ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَقَطَعَ الْمَاسَرْجِسِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ مَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ مِنْ التَّمْرِ كَالْعِنَبِ وَالنَّخْلِ وَالتُّفَّاحِ وَالتِّينِ وَنَحْوِهَا فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَلَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا عَلَيْهِمْ وَقَالَ هَذَا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَخِلَافُ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّ التَّحْرِيمَ وَالضَّمَانَ عَامٌّ فِي الْجَمِيعِ وَهَكَذَا نَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي شَجَرِ السَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَسَائِرِ مَا أَنْبَتَهُ الْأَرْضُ مِنْ الثِّمَارِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ التَّعْمِيمُ فَإِذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ وَهُوَ التَّخْصِيصُ زِيدَ فِي الضَّابِطِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ قَيْدٌ آخَرُ وَهُوَ كَوْنُ الشَّجَرِ مِمَّا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَعَلَى هَذَا القول يحرم الادراك وَالطَّرَفَا وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَشْجَارِ الْبَوَادِي دُونَ التِّينِ وَالْعِنَبِ وَالتُّفَّاحِ وَالصَّنَوْبَرِ وَسَائِرِ مَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ سَوَاءٌ كَانَ مُثْمِرًا كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ غَيْرُهُ كالحلان وَأَدْرَجَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا الْقَسَمِ الْعَوْسَجَ
* وَأَنْكَرَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ذُو شَوْكٍ وقد سبق اتفاق على ان ماله شَوْكٌ لَا يَحْرُمُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ
* وَعَلَى هذا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَهُوَ التَّخْصِيصُ لَوْ نَبَتَ مَا يُسْتَنْبَتُ أَوْ عَكْسُهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْجِنْسِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ أبى العباس بن العاص فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْقَصْدِ فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ التَّعْمِيمُ فَجَمِيعُ الشَّجَرِ حَرَامٌ سَوَاءٌ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَمَا أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ وَالْمُثْمِرُ وَغَيْرُهُ إلَّا الْعَوْسَجَ وَسَائِرَ شَجَرِ الشَّوْكِ وَكَذَا مَا قَطَعَ(7/450)
مِنْ الْحِلِّ وَغَرَسَ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ فِيمَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ أَنْ يَأْخُذَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ فَيَغْرِسُهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ أَمَّا إذَا أَخَذَ شَجَرَةً
أَوْ غُصْنًا مِنْ الْحِلِّ فَغَرَسَهُ فِي الْحَرَمِ ثُمَّ قَلَعَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا شي عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ انْتَشَرَتْ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ وَمَنَعَتْ النَّاسَ الطَّرِيقَ أَوْ آذَتْهُمْ جَازَ قَطْعُ الْمُؤْذِي مِنْهَا
* هَذَا هو المذهب وبه قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ مرزبان ثُمَّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي الضَّمَانُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ حَيْثُ وَجَبَ ضَمَانُ الشَّجَرِ فَإِنْ كَانَتْ شَجَرَةً كَبِيرَةً ضَمِنَهَا بِبَقَرَةٍ وَإِنْ شَاءَ بِبَدَنَةٍ وَمَا دُونَهَا بِشَاةٍ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَالْمَضْمُونَةُ بِشَاةٍ مَا كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ سُبْعِ الْكَبِيرَةِ فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ الْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ وَالْقِيمَةُ عَلَى التَّعْدِيلِ وَالتَّخْيِيرِ كَالصَّيْدِ فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ الْبَقَرَةَ أو الشاة فَذَبَحَهَا وَفَرَّقَ لَحْمَهَا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتْلِفُ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ صِيَامَهُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الدَّوْحَةُ هِيَ الشَّجَرَةُ الْكَبِيرَةُ ذَاتُ الْأَغْصَانِ وَالْجَزْلَةُ الَّتِي لَا أَغْصَانَ لَهَا وَأَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجَزْلَةَ هِيَ الصَّغِيرَةُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مِنْ نَبَاتِ الْحَرَمِ غَيْرِ الشَّجَرِ وَهُوَ نَوْعَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ والقطفرة والبقول وَالْخَضْرَاوَاتِ فَيَجُوزُ لِمَالِكِهِ قَطْعُهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ وَلَا شئ عَلَيْهِ لِلْمَسَاكِينِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (النَّوْعُ الثَّانِي) مَا لَمْ يُنْبِتْهُ الْآدَمِيُّ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ (الْأَوَّلُ) الْإِذْخِرُ وَهُوَ مُبَاحٌ فَيَجُوزُ قَلْعُهُ وَقَطْعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) الشَّوْكُ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ كَمَا سَبَقَ فِي الْعَوْسَجِ وَشَجَرِ الشَّوْكِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا الْمَاوَرْدِيُّ (الثَّالِثُ) مَا كَانَ دَوَاءً كَالسَّنَا وَنَحْوِهِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَأُلْحِقَ بِالْإِذْخِرِ وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الاذخر للحاجة هذا فِي مَعْنَاهُ
* وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَذَا الطَّرِيقِ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ
* وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لَكِنْ(7/451)
خَصَّ هَؤُلَاءِ الْخِلَافَ بِمَا إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لِلدَّوَاءِ وَلَمْ يَخُصَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ بَلْ عَمَّمَهُ وَجَعَلَهُ مُبَاحًا مُطْلَقًا
كَالْإِذْخِرِ (الرَّابِعُ) الْكَلَأُ فَيَحْرُمُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ إنْ كَانَ رَطْبًا فَإِنْ قَلَعَهُ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إخْرَاجِهَا طَعَامًا وَالصِّيَامِ كَمَا سَبَقَ فِي الشَّجَرِ وَالصَّيْدِ
* هَذَا إذَا لَمْ يَخْلُفْ الْمَقْلُوعَ فَإِنْ أَخْلَفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لان الغالب هنا الا خلاف فَهُوَ كَسِنِّ الصَّبِيِّ فَإِنَّهَا إذَا قُلِعَتْ فَنَبَتَتْ فَلَا ضَمَانَ قَوْلًا وَاحِدًا
* هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ في الطرقتتين الْحُكْمَ وَالدَّلِيلَ
* وَشَذَّ عَنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فقال في تعليه إذَا قَطَعَ الْحَشِيشَ ثُمَّ نَبَتَ ضَمِنَهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْغُصْنِ إذا عاد قال والفرق ان الحشيش بخلف فِي الْعَادَةِ فَلَوْ أَسْقَطْنَا الضَّمَانَ عَنْ قَاطِعِهِ بِعَوْدِهِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِغْرَاءِ بِقَطْعِهِ بِخِلَافِ الْغُصْنِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعُودُ وَقَدْ لَا يَعُودُ
* هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَجَزَمَ هُوَ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ بِسُقُوطِ الضَّمَانِ إذَا نَبَتَ الْحَشِيشُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ
* هَذَا إذَا عَادَ كَمَا كَانَ فَإِنْ عَادَ نَاقِصًا ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْيَابِسِ (أَمَّا) الْيَابِسُ فقال البغوي ان كان قطعه فلا شئ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الشَّجَرِ الْيَابِسِ وَإِنْ قَلَعَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْلَعْهُ لَنَبَتَ ثَانِيًا هَذَا لَفْظُ الْبَغَوِيِّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا جَفَّ الْحَشِيشُ وَمَاتَ جَازَ قَلْعُهُ وَأَخْذُهُ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْبَغَوِيِّ فَيَكُونُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ إنَّ الْقَلْعَ يُوجِبُ الضَّمَانَ فِيمَا إذَا كَانَ الْيَابِسُ لَمْ يَمُتْ بَلْ هُوَ مِمَّا يَنْبُتُ لَوْلَا الْقَلْعُ وَلَمْ يفسد أصله وقول الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا مَاتَ وَلَا يُرْجَى نَبَاتُهُ لَوْ بَقِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ(7/452)
أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ تَسْرِيحِ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ لِتَرْعَى وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ فَوَجَدْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ وَأَرْسَلْتَ الْأَتَانَ يَرْتَعُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمِنًى مِنْ الْحَرَمِ
* ولو أَخَذَ الْكَلَأَ لِعَلَفِ الْبَهَائِمِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
التَّحْرِيمُ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (لا يُخْتَلَى خَلَاهَا) (وَالثَّانِي) الْجَوَازُ وَلَا ضَمَانَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ دَابَّتَهُ تَرْعَى وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ الِاحْتِشَاشِ إنَّمَا كَانَ لِتَوْفِيرِ الْكَلَأِ لِلْبَهَائِمِ وَالصَّيُودِ
* وَقَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْقَائِلُ بقول إنَّمَا يَحْرُمُ الِاخْتِلَاءُ وَالِاحْتِشَاشُ لِلْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْرَاضِ سِوَى الْعَلَفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أهل اللغة العشب والخلا مقصور اسْمٌ لِلرَّطْبِ وَالْحَشِيشُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ
* وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ فِي لَحْنِ الْعَوَامّ إطْلَاقَهُمْ الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ قَالُوا وَالصَّوَابُ اخْتِصَاصُ الْحَشِيشِ بِالْيَابِسِ قَالُوا وَالْكَلَأُ مَهْمُوزٌ يَقَعُ عَلَى الرَّطْبِ واليابس
* هذا كلام أهل اللغة وأما المصنف والاصحاب(7/453)
فأطلقوا الحشيش علي الرطب وَهَذَا يَصِحُّ عَلَى الْمَجَازِ فَسُمِّيَ الرَّطْبُ حَشِيشًا باسم ما يؤل إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى أَفْهَامِ أَهْلِ الْعُرْفِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز إخراج تراب الحرم وأحجاره لما روى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما انهما كانا يكرهان أن يخرج من تراب الحرم إلى الحل أو يدخل من تراب الحل إلى الحرم
* وروى عبد الاعلى ابن عبد الله بن عامر قال (قدمت مع أمي أو مع جدتى مكة فأتينا صفية بنت شيبة فأرسلت إلى الصفا فقطعت حجرا من جنابه فخرجنا به فنزلنا أول منزل فذكر من علتهم جميعا فَقَالَتْ أُمِّي أَوْ جَدَّتِي مَا أَرَانَا أُتِينَا إلَّا أَنَّا أَخْرَجْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنْ الْحَرَمِ قال وكنت أنا أمثلهم فقالت لى انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ إلَى صَفِيَّةَ فَرُدَّهَا وَقُلْ لها ان الله عز وجل وضع في حرمه شيئا لا يَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ مِنْهُ قَالَ(7/454)
عبد الاعلى فما هو إلا أن نحينا ذلك فكأنما أنشطنا من عقال) ويجوز إخراج ماء زمزم لما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (استهدى رواية من ماء زمزم فبعث إليه براوية من ماء ولان الماء يستخلف بخلاف التراب والاحجار)
* (الشرح) أمما حَدِيثُ مَاءِ زَمْزَمَ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (اسْتَهْدَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ) وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ رضى الله عنه قال (أرسلني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أن يفتح مكة إلى سهل بْنِ عَمْرٍو أَنْ أَهْدِ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَلَا تَتْرُكْ فَبَعَثَ إلَيْهِ بِمَزَادَتَيْنِ) وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (كَانَتْ تَحْمِلُ مَاءَ زَمْزَمَ وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يفعله) رواه الترمذي قال حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةٍ (حَمَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الادوى والقرب وكان يصب على
المرضى ويسقهم) (وَأَمَّا) تُرَابُ الْحَرَمِ وَأَحْجَارُهُ فَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يُخْرَجَ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ وَحِجَارَتِهِ إلَى الحل شئ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ الْأَعْلَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظٍ يُخَالِفُ رِوَايَةَ الْمُصَنِّفِ فَلَفْظُهُمَا عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ (قَدِمْتُ مَعَ أُمِّي أَوْ قَالَ جَدَّتِي فَأَتَتْهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ فَأَكْرَمَتْهَا وَفَعَلَتْ بِهَا قَالَتْ صَفِيَّةُ مَا أَدْرِي مَا أُكَافِئُهَا بِهِ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ الرُّكْنِ فَخَرَجْنَا بِهَا فَنَزَلْنَا أَوَّلَ مَنْزِلٍ فَذَكَرنَا مِنْ مَرَضِهِمْ وَعِلَّتِهِمْ(7/455)
جَمِيعًا قَالَ فَقَالَتْ أُمِّي أَوْ جَدَّتِي مَا أَرَانَا أُتِينَا إلَّا أَنَّا أَخْرَجْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنْ الْحَرَمِ فَقَالَتْ لِي وَكُنْتُ أُمَثِّلُهُمْ انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ إلَى صَفِيَّةَ فَرُدَّهَا وَقُلْ لَهَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَضَعَ فِي حَرَمِهِ شَيْئًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ مِنْهُ قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى فَقَالُوا لِي فَمَا هُوَ إلَّا أن تجبنا بِدُخُولِك الْحَرَمَ فَكَأَنَّمَا أُنْشِطْنَا مِنْ عَقْلٍ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ فِي فَضْلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَنَّهَا أَعْطَتْهُمْ قِطْعَةً مِنْ الْحَجَرِ الاسود كانت عندها اصبتها حِينَ اُقْتُلِعَ الْحَجَرُ فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ حَاصَرَهُ الْحَجَّاجُ وَهَذَا مَعْنَى رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ قطعد مِنْ الرُّكْنِ أَيْ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالْمُرَادُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَعَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا تَابِعِيٌّ قُرَيْشِيٌّ (وَأَمَّا) صَفِيَّةُ هَذِهِ فَهِيَ صَحَابِيَّةٌ قُرَيْشِيَّةٌ عبدرية(7/456)
وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ الصَّحَابِيِّ حَاجِبِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُ طَلْحَةَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ قَالَتْ صَفِيَّةُ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَةُ أَحَادِيثَ عَنْ عَائِشَةَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ مَاءِ زَمْزَمَ إلَى جَمِيعِ الْبِلَادِ وَاسْتِحْبَابِ أَخْذِهِ لِلتَّبَرُّكِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا ذَكَرْتُهُ (الثَّانِيَةُ) اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُدْخَلَ تراب(7/457)
الْحِلِّ وَأَحْجَارُهُ الْحَرَمَ لِئَلَّا يَحْدُثَ لَهَا حُرْمَةٌ لَمْ تَكُنْ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ وَأَمَّا قول صاحب البيان قال الشيخ أبو إسحق لا يجوز إدخال شئ مِنْ تُرَابِ الْحِلِّ وَأَحْجَارِهِ
إلَى الْحَرَمِ فَغَلَطٌ منه ولم يذكر الشيخ ابو إسحق هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ تُرَابِ الْحَرَمِ وَأَحْجَارِهِ إلَى الْحِلِّ هَذِهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُمَا وَتَابَعَهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِمَا وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لَا يُخْرِجُهُمَا وَقَالَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ إخْرَاجُهُمَا فَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْكَرَاهِيَةِ
* مِمَّنْ قَالَ يُكْرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ قَالَ(7/458)
الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا أُجِيزُ فِي أَنْ يُخْرَجَ مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ وَتُرَابِهِ شَيْئًا إلَى الْحِلِّ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً قَالَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ثُمَّ أَكْرَهُ إخْرَاجَهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَخَّصَ بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِشِرَاءِ الْبِرَامِ مِنْ مَكَّةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الْبِرَامَ لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ بَلْ تُحْمَلُ مِنْ مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْحَرَمِ
* هَذَا نَقْلُ الْقَاضِي وَهَكَذَا نَقَلَ الْأَصْحَابُ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَحْوَ هَذَا فَحَصَلَ خِلَافٌ لِلْأَصْحَابِ فِي أَنَّ إخْرَاجَهُمَا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِذَا أَخْرَجَهُ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ آخِرُ الْحَجِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَمَالِيِّ الْقَدِيمَةِ وَعَلَّلَهَا بِأَنَّ الْحَرَمَ بُقْعَةٌ تُخَالِفُ سَائِرَ الْبِقَاعِ وَلَهَا شَرَفٌ عَلَى غَيْرِهَا بِدَلِيلِ اخْتِصَاصِ النُّسُكَيْنِ بِهَا وَوُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي صَيْدِهَا فَلَا تَفُوتُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ لِتُرَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي حُكْمِ سُتْرَةِ الْكَعْبَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ قَطْعُ أستار الكعبة ولا قطع شئ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَلَا يَجُوزُ(7/459)
نَقْلُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ خِلَافُ مَا يَفْعَلُهُ العامة يشترونه مِنْ بَنِي شَيْبَةَ وَرُبَّمَا وَضَعُوهُ فِي أَوْرَاقِ الْمَصَاحِفِ قَالَ وَمَنْ حَمَلَ مِنْهُ شَيْئًا لَزِمَهُ رَدُّهُ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدَانَ وَسَكَتَ عليه ولم يذكر غيره فكأنه ارتضاه وواقفه عَلَيْهِ وَكَذَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ
منها شئ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ قَوْلَ الْحَلِيمِيِّ وَابْنِ عَبْدَانَ ثُمَّ قَالَ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى الْإِمَامِ يَصْرِفُهَا فِي بَعْضِ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا وَعَطَاءً وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ مَكَّةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَنْزِعُ كِسْوَةَ الْبَيْتِ كُلَّ سَنَةٍ فَيُقَسِّمُهَا عَلَى الْحَاجِّ وَهَذَا الَّذِي اختاره(7/460)
الشيخ أبو عمرو حسن متعين ليلا يُؤَدِّيَ إلَى تَلَفِهَا بِطُولِ الزَّمَانِ
* وَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا سَبَقَ وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا تُبَاعُ كِسْوَتُهَا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سلمة ولا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ كِسْوَتَهَا مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ مِنْ حَائِضٍ وَجُنُبٍ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(7/461)
(فرع)
لا يجوز أخذ شئ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ لَا لِلتَّبَرُّكِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهَا فَإِنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ أَتَى بِطِيبٍ مِنْ عِنْدِهِ فَمَسَحَهَا بِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مُهِمٌّ فِي بَيَانِ حُدُودِ حَرَمِ مَكَّةَ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَالنَّبَاتُ وَيُمْنَعُ أَخْذُ تُرَابِهِ وَأَحْجَارِهِ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَمَا يُخَالِفُ فِيهِ غَيْرَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَفِيهِ مَسَائِلُ
(إحْدَاهَا) فِي حُدُودِ الْحَرَمِ وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجِزْيَةِ مُخْتَصَرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحَرَمَ هُوَ مَكَّةُ وَمَا أَحَاطَ بِهَا مِنْ جَوَانِبِهَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا حُكْمَهَا فِي الْحُرْمَةِ تَشْرِيفًا لَهَا وَمَعْرِفَةُ حُدُودِ الْحَرَمِ مِنْ أَهَمِّ مَا يُعْتَنَى(7/462)
بِهِ لِكَثْرَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَقَدْ اجْتَهَدْتُ فِي إيضَاحِهِ وَتَتَبُّعِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي إتْقَانِهِ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَدُّ الْحَرَمِ مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ دُونَ النتعيم عند بيوت نِفَارٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْ طريق اليمن طرف اضاة لبن في ثنية لِبْنٍ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى عَرَفَاتٍ مِنْ بَطْنِ نَمِرَةَ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ عَلَى ثَنِيَّةِ جَبَلٍ بِالْمَقْطَعِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ فِي شِعْبِ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ جَدَّةَ مُنْقَطِعُ الْأَعْشَاشِ عَلَى عَشَرَةِ(7/463)
أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ
* هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْحُدُودَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ وَأَبُو الْوَلِيدِ هَذَا أَحَدُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْآخِذِينَ عَنْهُ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْهُ الْحَدِيثَ وَالْفِقْهَ
* وَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْحُدُودَ الْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ
* وَكَذَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ بَعْضِهِمْ أَوْضَحُ مِنْ بَعْضٍ لَكِنَّ الْأَزْرَقِيَّ قَالَ فِي حَدِّهِ مِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ أَحَدَ عَشَرَةَ مِيلًا وَاَلَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ سَبْعَةٌ فَقَطْ بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْبَاءِ وَفِي هَذِهِ الْحُدُودِ أَلْفَاظٌ غَرِيبَةٌ يَنْبَغِي ضبطها فقولهم ببوت نِفَارٍ هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْفَاءِ وَقَوْلُهُمْ أَضَاةُ لِبْنٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى وَزْنِ الْقَنَاةِ وَهِيَ مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ (وَأَمَّا) لِبْنٍ فَبِلَامٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ كَذَا ضَبَطَهَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ الْمُتَأَخِّرُ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فِي أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ (وَقَوْلُهُمْ) الْأَعْشَاشُ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ جَمْعُ عُشٍّ (وَقَوْلُهُمْ) فِي جَدَّةَ مِنْ جِهَةِ الْجِعْرَانَةِ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ هُوَ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ (وأما) الحدود الثلاثة الباقية فانها سبعة سبعة بِتَقْدِيمِ السِّينِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْحَرَمَ عَلَيْهِ عَلَامَاتٌ مَنْصُوبَةٌ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ
* ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدِهِمْ أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّمَهَا وَنَصَبَ الْعَلَامَاتِ فِيهَا وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُرِيهِ مَوَاضِعَهَا ثُمَّ أُمِرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْدِيدِهَا ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهِيَ إلَى الْآنَ بَيِّنَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
* قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ مَكَّةَ أَنْصَابُ الْحَرَمِ الَّتِي عَلَى رَأْسِ الثَّنِيَّةِ مَا كَانَ مِنْ وُجُوهِهَا فِي هذ الشِّقِّ فَهُوَ حَرَمٌ وَمَا كَانَ فِي ظَهْرِهَا فَهُوَ حِلٌّ قَالَ وَبَعْضُ الْأَعْشَاشِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ(7/464)
خلافا للعملاء فِي أَنَّ مَكَّةَ مَعَ حُرْمَتِهَا هَلْ صَارَتْ حَرَمًا آمِنًا بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْ كَانَتْ قَبْلَهُ كَذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمْ تَزَلْ حَرَمًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَانَتْ مَكَّةُ حَلَالًا قَبْلَ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَسَائِرِ الْبِلَادِ وَإِنَّمَا صَارَتْ حَرَمًا بِدَعْوَتِهِ كَمَا صَارَتْ الْمَدِينَةُ حَرَمًا بِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ حَلَالًا
* وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَامًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُرَاقَ فِيهَا دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا يُخْبَطُ فِيهَا شَجَرَةٌ إلَّا لِعَلَفٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ كِتَابِ
الْحَجِّ مِنْ صَحِيحِهِ
* وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ)
* وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حرمت المدينة ما بين لا بيتها لَا يُعْضَدُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مكة وإنى احرم المدينة وما بين لا بيتها) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ (اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ)
* وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مكة وإنى احرم ما بين لا بتيها يريد المدينة)(7/465)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بمثل ما دعي بِهِ إبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لَمْ يَزَلْ مِنْ حِينِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رَوَاهُ البخاري ومسلم
* وعن أبي سريج الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا أَجَابَ عَنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ خَفِيًّا مَهْجُورًا لَا يُعْلَمُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ أَجَابَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ مَكَّةَ سَيُحَرِّمُهَا إبْرَاهِيمُ أَوْ أَظْهَرَ ذَلِكَ لِلْمَلَائِكَةِ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ حِينِ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَاتِهَا وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ عَلَيْهَا وَكَذَا سَائِرُ الْحَرَمِ كَمَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الرَّابِعَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكَّةَ صُلْحًا لَا عَنْوَةً لَكِنْ دَخَلَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَأَهِّبًا لِلْقِتَالِ خَوْفًا مِنْ غَدْرِ أَهْلِهَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا
حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَالْغَنَائِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْخَامِسَةُ) مَذْهَبُنَا جَوَازُ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي الْحَرَمِ سَوَاءٌ كَانَ قَتْلًا أَوْ قَطْعًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجِهِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا وَفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إنْ شَاءَ(7/466)
اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسَةُ) فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي يُخَالِفُ الْحَرَمُ فِيهَا غَيْرَهُ مِنْ الْبِلَادِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ نذكر منها اطراف (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَهُ أَحَدٌ إلَّا بِإِحْرَامٍ وَهَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ (الْأَصَحُّ) مُسْتَحَبٌّ (الثَّانِي) يَحْرُمُ صَيْدُهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ حَتَّى أَهْلِ الْحَرَمِ وَالْمُحِلِّينَ (الثَّالِثُ) يَحْرُمُ شَجَرُهُ وَخَلَاهُ (الرَّابِعُ) مَنْعُ إخْرَاجِ تُرَابِهِ وَأَحْجَارِهِ وَهَلْ هُوَ مَنْعُ كَرَاهَةٍ أَوْ تَحْرِيمٍ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ (الْخَامِسُ) أَنَّهُ يُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مَارًّا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مَا لَمْ يَسْتَوْطِنْهُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا وَفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ(7/467)
الْجِزْيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسُ) لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ لِمُتَمَلِّكٍ وَلَا تَحِلُّ إلَّا لِمُنْشِدٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ (السَّابِعُ) تَغْلِيظُ الدِّيَةِ بِالْقَتْلِ فِيهِ (الثَّامِنُ) تَحْرِيمُ دَفْنِ المشرك فيه ونبشه مِنْهُ (التَّاسِعُ) تَخْصِيصُ ذَبْحِ دِمَاءِ الْجَزَاءَاتِ فِي الْحَجِّ وَالْهَدَايَا (الْعَاشِرُ) لَا دَمَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ (الْحَادِيَ عَشَرَ) لَا يُكْرَهُ صَلَاةُ النَّفْلِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ فِي الْحَرَمِ سَوَاءٌ فِي مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ وَفِيمَا عَدَا مَكَّةَ وَجْهٌ شَاذٌّ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ (الثَّانِيَ عَشَرَ) إذَا نَذَرَ قَصْدَهُ لَزِمَهُ الذَّهَابُ إليه بحج وعمرة بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الذَّهَابُ إلَيْهِ إذَا نَذَرَهُ إلَّا مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ(7/468)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا (الثَّالِثَ عَشَرَ) إذَا نَذَرَ النَّحْرَ وَحْدَهُ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ النَّحْرُ بِهَا وَتَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَلَوْ نَذَرَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الرَّابِعَ عَشَرَ) يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فِي الصَّحْرَاءِ (الْخَامِسَ عَشَرَ) تَضْعِيفُ الْأَجْرِ فِي الصَّلَوَاتِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَذَا سَائِرُ الطَّاعَاتِ (السَّادِسَ
عَشَرَ) يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يُصَلُّوا الْعِيدَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (وأما) غَيْرُهُمْ فَهَلْ الْأَفْضَلُ صَلَاتُهُمْ فِي مَسْجِدِهِمْ أَمْ فِي الصَّحْرَاءِ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ (السَّابِعَ عَشَرَ) لَا يَجُوزُ إحْرَامُ الْمُقِيمِ فِي الْحَرَمِ بِالْحَجِّ خَارِجَهُ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) مَكَّةُ عِنْدَنَا أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ(7/469)
مَكَّةَ وَالْكُوفَةَ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيَّانِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَبْدِ الله بن عدى بن االحمراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِمَكَّةَ يَقُولُ (لِمَكَّةَ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضٍ إلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَنَزِيدُ الْمَسْأَلَةَ بَسْطًا وَإِيضَاحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حيث ذكرهما الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ النَّذْرِ فِيمَنْ(7/470)
نَذَرَ الْهَدْيَ إلَى أَفْضَلِ الْبِلَادِ
* وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
* وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا سِوَاهُ (الثَّامِنَةُ) يُكْرَهُ حَمْلُ السِّلَاحِ بِمَكَّةَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ السِّلَاحُ بِمَكَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ(7/471)
(التَّاسِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ أَنْ تحج الكعبة في كل سنة فلا يعطل وَلَيْسَ لِعَدَدِ الْمُحَصِّلِينَ لِهَذَا الْغَرَضِ قَدْرٌ مُتَعَيَّنٌ بَلْ الْغَرَضُ وُجُودُ حَجِّهَا كُلَّ سَنَةٍ مِنْ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ حَيْثُ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّ وَالْمُزَنِيُّ وَالْأَصْحَابُ فُرُوضَ الْكِفَايَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(الْعَاشِرَةُ) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ(7/472)
فِي الْأَرْضِ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ عَامًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي خَصَائِصِ الْحَرَمِ لَا يُحَارَبُ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا عَنْ الْبَغْيِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنْ الْبَغْيِ إلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تَجُوزُ إضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا فِي الْحَرَمِ أَوْلَى مِنْ إضَاعَتِهَا
* هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِسِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ
* وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ فِي كتابه شرح التخليص(7/473)
فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ (فَإِنْ قيل) فقد ثبت عن أبي سريج الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(7/474)
فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَ يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ (إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَاهُ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ وَأَنَّهَا لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ بِهَا إلَّا سَاعَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَصَّنَّ كُفَّارٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قتالهم على كل وجه وبكل شئ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِسِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ) سَدَانَةُ الْكَعْبَةِ وَحِجَابَتُهَا هِيَ وِلَايَتُهَا وَخِدْمَتُهَا وَفَتْحُهَا وَإِغْلَاقُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لبتى طلحة الحجيين مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا وَمِمَّنْ نَقَلَهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَذَكَرْتُهُ أَنَا هُنَاكَ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَوْضَحْتُهُ بِدَلِيلِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَهِيَ وِلَايَةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبْقَى دَائِمَةً أَبَدًا لهم ولذرياتهم لا نحل لاحد منارعتهم فِيهَا مَا دَامُوا مَوْجُودِينَ صَالِحِينَ لِذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كل مأئرة كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمِي إلَّا سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَسَدَانَةَ الْبَيْتِ)
*(7/475)
(فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْكَعْبَةَ الْكَرِيمَةَ بُنِيَتْ خَمْسَ مَرَّاتٍ (إحْدَاهَا) بَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ آدَمَ وَحَجَّهَا آدَم فَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ الله وسلامه عليهم (الثانية) بناها إبراهيم عليه السلام قال الله تعالى (وإذ بو أنا لابراهيم مكان البيت) وَقَالَ تَعَالَى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ البيت) الْآيَةَ (الثَّالِثَةُ) بَنَتْهَا قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَحَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْبِنَاءَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَقِيلَ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ (الرَّابِعَةُ) بَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (الْخَامِسَةُ) بَنَاهَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ واستقر بناها الَّذِي بَنَاهُ الْحَجَّاجُ إلَى الْآنَ وَقِيلَ إنَّهَا بُنِيَتْ مَرَّتَيْنِ أُخْرَتَيْنِ قَبْلَ بِنَاءِ قُرَيْشٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ فِي آخِرِ مَسْأَلَةِ افْتِتَاحِ الطَّوَافِ بِالِاسْتِلَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ أَنْ تُتْرَكَ الْكَعْبَةُ عَلَى حَالِهَا فَلَا تُهْدَمُ لِأَنَّ هَدْمَهَا يُذْهِبُ حُرْمَتَهَا وَيَصِيرُ كَالتَّلَاعُبِ بِهَا فَلَا يُرِيدُونَ بِتَغْيِيرِهَا إلَّا هَدْمَهَا فَلِذَلِكَ اسْتَحْبَبْنَا تَرْكَهَا عَلَى مَا هِيَ عليه * قال المصنف رحمه الله
* (ويحرم صيد المدينة وقطع شجرها لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مكة وانى حرمت المدينة مثل ما حرم ابراهيم مكة لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا(7/476)
يختلى خلاها ولا تحل لقطتها الا لمنشد) فان قتل فيها صيدا ففيه قولان قال في القديم يسلب القاتل لما روى أن سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخذ سلب رجل قتل صيدا في المدينة وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (من وجدتموه يقتل صيدا في حرم المدينة فاسلبوه) وقال في الجديد لا يسلب لانه موضع يجوز دخوله من غير احرام فلا يضمن صيده كوج فان قلنا يسلب دفع سلبه الي مساكين المدينة كما يدفع جزاء صيد مكة الي مساكين مكة وقال شيخنا أبو الطيب رحمه الله يكون سلبه لمن أخذه لان سعد بن أبى وقاص أخذ سلب القاتل وقال طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
* ويحرم صيد وج وهو واد بالطائف لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل صيد وج فان قتل فيه صيدا قتل لم يضمنه بالجزاء لان الجزاء وجب بالشرع والشرع لم يرد الا في الاحرام والحرم ووج لا يبلغ الحرم من الحرمة فلم يلحق به في الجزاء)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ عَنْ غير أبي هريرة يحصل بِهَا مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ فِي الدَّلَالَةِ هُنَا (مِنْهَا) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أن(7/477)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) الْحَدِيثَ رواه البحارى وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مابين لابتيى الْمَدِينَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَامًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ وَلَا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إلَّا لِعَلَفٍ) رواه مسلم وعن سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ تُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابيتها لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا وَلَا يُحْدَثُ فِيهَا مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَدِينَةِ (لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ(7/478)
أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عامر بن سعد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ سَعْدًا وَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا وَيَخْبِطُهُ فَسَلَبَهُ فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ غُلَامَهُمْ أَوْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا فَعَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أبن عبد الله قال رأيت سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ أَخَذَ رَجُلًا يَصِيدُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ الَّذِي حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَبَهُ ثِيَابَهُ فَجَاءَ مَوَالِيهِ فَكَلَّمُوهُ فِيهِ فَقَالَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ هَذَا الْحَرَمَ وَقَالَ مَنْ أخذ أخذ فِيهِ فَلْيَسْلُبْهُ فَلَا أَرُدُّ عَلَيْكُمْ طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا رسول الله صلى لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ إنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُ إلَيْكُمْ عنه (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ إلا سليمان بن أبى داود عَبْدِ اللَّهِ هَذَا فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ هُوَ بِالْمَشْهُورِ وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ بِمَعْنَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَيَقْتَضِي مَجْمُوعُ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ أَنَّ سَعْدًا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَيَجِدُ الْحَاطِبَ مَعَهُ شَجَرٌ رَطْبٌ قَدْ عَضَدَهُ مِنْ بَعْضِ شَجَرِ الْمَدِينَةِ فَيَأْخُذُ سَلَبَهُ فَيُكَلَّمُ فِيهِ فَيَقُولُ لَا أَدَعُ غَنِيمَةً غَنَّمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَمِنْ أَكْنَزِ الناس مالا والله أعلم (وأما) حديث صيدوج فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ(7/479)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (إلا أن صيدوج وَعِضَاهَهُ يَعْنِي شَجَرَهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ) وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ الطَّائِفَ وَحِصَارِهِ ثَقِيفًا لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ لَا يَصِحُّ وَوَجٌّ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مُشَدَّدَةٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنَّهُ وَادٍ بِالطَّائِفِ فَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ (وَأَمَّا) أَهْلُ اللُّغَةِ فَيَقُولُونَ هو بلد الطَّائِفِ وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فِي الْأَمَاكِنِ وَجٌّ اسْمٌ لِحُصُونِ الطَّائِفِ وَقِيلَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ وَجٌّ هَذَا بِوَحٍّ بالحاء مهملة قَالَ الْحَازِمِيُّ هِيَ نَاحِيَةٌ
بِنُعْمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِصَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَأُخِذَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَحْرُمُ قَتْلُ صَيْدٍ إلَّا صَيْدَ الْحَرَمِ وَأَكْرَهُ قَتْلَ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا النَّقْلُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) نَصُّ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِبَعْضِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا ارْتَكَبَ هَذَا الْحَرَامَ هَلْ يَضْمَنُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْجَدِيدُ) لَا يَضْمَنُ (وَالْقَدِيمُ) يَضْمَنُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَأَجَابُوا لِلْجَدِيدِ عَنْ حَدِيثِ سَعْدٍ فِي سَلَبِ الصَّائِدِ بِجَوَابَيْنِ ضَعِيفَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جَوَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيظِ
(وَالثَّانِي)
جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي تعليقه(7/480)
وَجَمَاعَةٍ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ هَذَا حِينَ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْأَمْوَالِ ثُمَّ نُسِخَ وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ ضَعِيفَانِ بَلْ بَاطِلَانِ وَالْمُخْتَارُ تَرْجِيحُ الْقَدِيمِ وَوُجُوبُ الْجَزَاءِ فِيهِ وَهُوَ سَلَبُ الْقَاتِلِ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ فِيهِ صَحِيحَةٌ بِلَا مُعَارِضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يَضْمَنُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
يَضْمَنُ كَضَمَانِ حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى مَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ انه سلب الصائد وقاطع الشجر أو الكلاء وَعَلَى هَذَا فِي الْمُرَادِ بِالسَّلَبِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ مِنْ الْكُفَّارِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْجُرْجَانِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُصَنَّفُ وَالشَّاشِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يَنْحَصِرُونَ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) إنْ سَلَبَهُ ثِيَابَهُ فَقَطْ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَقَدْ أَشَارَ الْمُتَوَلِّي إلَى هَذَا وَفِي مَصْرِفِ سَلَبِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) انه للسالب كالقتيل ودليله فَإِنَّ سَعْدًا أَخَذَ السَّلَبَ لِنَفْسِهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا الْوَجْهَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ
وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لِفُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَأَشَارَ هُوَ وَالْمُصَنَّفُ إلَى تَرْجِيحِهِ وَلَمْ يُوَافِقَا عَلَى(7/481)
هَذَا التَّرْجِيحِ وَلَيْسَ هُوَ تَرْجِيحًا رَاجِحًا (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ عِبَارَتُهُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّهُ أَوْهَمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ تَفْرِيعًا على القديم ان السلب المساكين وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ انْفَرَدَ بِاخْتِيَارِ كَوْنِهِ لِلسَّالِبِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ مَشْهُورٌ جِدًّا لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فَمِمَّنْ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَهُمَا كَوْنُهُ لِلسَّالِبِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ الشَّيْخُ أَبُو حامد في تعليقه والدارمي وأبو علي البدنيجى وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَلَائِقُ نَحْوُهُمْ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَقْدَمُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَحَكَاهُمَا مِنْ مُعَاصِرِي الْمُصَنِّفِ وَنَحْوِهِمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لَكِنَّ الْجُرْجَانِيَّ حَكَاهُمَا فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ قَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ السَّلَبَ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ قَالَ أَصْحَابُنَا فهو مثله في كل شئ فكل شئ اختلفوا فيه هناك كالنفقة وَالْمِنْطَقَةِ فَفِيهِ هُنَا ذَاكَ الْخِلَافُ
* هَكَذَا صَرَّحَ به الشيخ أبو حامد وأبو علي البندينجى وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ السَّلَبَ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ وَأَنَّهُ لِلسَّالِبِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد(7/482)
يَأْخُذُ جَمِيعَ مَا مَعَهُ مِنْ ثِيَابٍ وَفُرُشٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُعْطِيهِ إزَارًا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ أَخَذَ مِنْهُ الْإِزَارَ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ يَأْخُذُهُ السَّالِبُ وَيَسْتُرُ الْمَسْلُوبُ نَفْسَهُ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُخَلِّي لَهُ سَاتِرًا وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَتْرُكُ لَهُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَتْرُكُ لَهُ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ وَاخْتَارَ أَنَّهُ يَتْرُكُ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ كَانَ عَلَى الصَّائِدِ وَالْمُحْتَطِبِ ثِيَابٌ مَغْصُوبَةٌ لَمْ يُسْلَبْ بِلَا خِلَافٍ
* صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ الْحَرْبِيِّ الْمَقْتُولِ مَالٌ أَخَذَهُ مِنْ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ السَّالِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْلَبُ إذَا اصْطَادَ
وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِتْلَافُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا أَدْرِي أَيُسْلَبُ إذَا أَرْسَلَ الصَّيْدَ أَمْ لَا يُسْلَبُ حَتَّى يُتْلِفَهُ قَالَ وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ قَالَ وَلَيْسَ عِنْدَنَا فِيهِ ثَبْتٌ مِنْ تَوْقِيفٍ وَلَا قِيَاسٍ قَالَهُ الْإِمَامُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَذْكُورِ بَيْنَ صَيْدٍ وَصَيْدٍ وَلَا شجرة وشجرة وكان السلب في معنى العاقبة لِلْمُتَعَاطِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ أَكْرَهُ صَيْدَ وَجٍّ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ
* قَالُوا وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ تحريم (الطريق(7/483)
(الثَّانِي) حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحْرُمُ
(وَالثَّانِي)
يُكْرَهُ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي شَجَرِهِ وَخَلَاهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الشَّجَرَ كَالصَّيْدِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ تَحْرِيمُهُ فَاصْطَادَ فِيهِ أَوْ احْتَطَبَ أَوْ احْتَشَّ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَلَا ضَمَانَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا ضَمَانَ إلَّا فِيمَا وَرَدَ فِيهِ الشَّرْعُ وَلَمْ يَرِدْ فِي هذا شئ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ خِلَافٌ (الصَّحِيحُ) لَا ضَمَانَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ كَصَيْدِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهَا وَخَلَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) النَّقِيعُ بِالنُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِالْبَاءِ وَهُوَ الْحِمَى الَّذِي حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا لَيْسَ هُوَ بِحَرَمٍ وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) خَلَاهُ فَحَرَامٌ بِاتِّفَاقِهِمْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) شَجَرُهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ بتحريمه وقال أبو على والامام والغزالي في تحريمه وجهان لتردد الصيد والخلافان أَخَذَ مِنْهُ شَجَرًا أَوْ كَلَأً فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيٍّ وَالْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وغيرهم (احدهما)(7/484)
لَا كَصَيْدِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الضَّمَانِ كَحَرَمِ مَكَّةَ
* صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُسْلَبُ الْقَاتِلُ
* قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ تُصْرَفُ الْقِيمَةُ فِي مَصْرَفِ نَعَمِ
الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ
* هَذَا كَلَامُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مصرفه بيت المال والله اعلم
* واستدلو لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُخْبَطُ وَلَا يُعْضَدُ حِمَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ يُهَشُّ هَشًّا رَفِيقًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قوى لكنه لَمْ يُضَعِّفْهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ (قَالَ لِرَجُلٍ إنِّي أَسْتَعْمِلُك عَلَى الْحِمَى فَمَنْ رَأَيْتَ يَعْضِدُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُ فخذ فأسه وحبله قال الرجل آخُذُ رِدَاءَهُ قَالَ لَا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(7/485)
(فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي بَيَانِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ (مِنْهَا) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عِيرٍ إلى تور) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَكَذَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إلَى كَذَا
* قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عِيرٌ وَيُقَالُ لَهُ عائر جبل معروف بالمدينة قالوا وأما تور فَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِهَا جَبَلًا يُقَالُ له تور وإنما تور جَبَلٌ بِمَكَّةَ قَالُوا فَنَرَى أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ عِيرٍ إلَى أُحُدٍ وَلَكِنَّهُ غَيَّرَهُ غَلَطُ الرُّوَاةِ فِيهِ وَاسْتَمَرَّتْ الرِّوَايَةُ
* وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ فِي الْأَمَاكِنِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ مَا بَيْنُ عِيرٍ إلَى أُحُدٍ قال وقيل إلى تور قَالَ وَلَيْسَ لَهُ مَعْنَى
* هَذَا كَلَامُهُمْ فِي هذا الْحَدِيثِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْجَبَلَ كَانَ يُسْمَى تورا ثُمَّ هُجِرَ ذَلِكَ الِاسْمُ
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ما بين لابيتها حرام)(7/486)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (حَرَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بين لابيتى الْمَدِينَةِ) وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُلْبَسَةُ حِجَارَةً سَوْدَاءَ وَالْمَدِينَةُ بَيْنَ لَابَتَيْنِ فِي شَرْقِهَا وَغَرْبِهَا
* وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُهْرَاقَ فيها دم ولا يحمل سِلَاحٌ لِقِتَالٍ وَلَا يُخْبَطَ فِيهَا شَجَرٌ إلَّا لِعَلَفٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لا بتيها لَا يُقْطَعُ
عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ (اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ(7/487)
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ فِي بَابِ التَّعَوُّذِ مِنْ غَلَبَاتِ الرِّجَالِ وَفِيهَا أَحَادِيثُ أُخَرُ سَبَقَتْ
* وَعَنْ عَدِّي بْنِ زَيْدٍ الْخُزَاعِيِّ الصَّحَابِيِّ قَالَ حَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(7/488)
(كُلَّ نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ بَرِيدًا بَرِيدًا لَا تُخْبَطُ شَجَرَةٌ وَلَا تُعْضَدُ إلَّا مَا يُسَاقُ بِهِ الْجَمَلُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قَوِيٍّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا طُولًا وَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا عَرْضًا وَاَللَّهُ أعلم
*(7/489)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِصَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ
(إحْدَاهَا) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً وَقَالَ دَاوُد لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تعالى (لا تقتلوا الصيد وانتم حرم) فقيده بالمجرمين
* دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَلِفَ بِسَبَبِهِ الطَّائِرُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ وَمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْجَرَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ وَقِيَاسًا عَلَى صَيْدِ الْإِحْرَامِ وَدَاوُد وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالْقِيَاسِ فَيُسْتَدَلُّ عَلَى إثْبَاتِ(7/490)
الْقِيَاسِ (الثَّانِيَةُ) حُكْمُ جَزَاءِ الْحَرَمِ كَجَزَاءِ الْإِحْرَامِ فَيُتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا مَدْخَلَ لِلصِّيَامِ فِيهِ قَالَ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْحَرَمُ فَأَشْبَهَ مَالَ الْآدَمِيِّ
* دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى صَيْدِ الْإِحْرَامِ
* وَلَوْ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ مَالِ الْآدَمِيِّ لَمْ يَدْخُلْهُ الْمِثْلُ وَالْإِطْعَامُ وَلْيَعْتَبِرْ نَقْدَ الْبَلَدِ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي صَيْدِ الْإِحْرَامِ وَيُنْتَقَضُ مَا قَالُوهُ أَيْضًا بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ (الثَّالِثَةُ) إذَا صَادَ الْحَلَالُ فِي الْحِلِّ وَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالذَّبْحِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِهَا وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ(7/491)
وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ بَلْ يَجِبُ إرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مذبوحا جاز أكله وقاسوا عَلَى الْمُحَرَّمِ
* وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَخٌ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ وَكَانَ لَهُ نُغَرٌ يُلَقَّبُ بِهِ فَمَاتَ النُّغَرُ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ(7/492)
وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ النُّغَرَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّيْدِ وَكَانَ مَعَ أَبِي عُمَيْرٍ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي عَنَى الشَّرْعُ مِنْهُ صَيْدَ الْحَرَمِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ أَدْخَلَ شَجَرَةً مِنْ(7/493)
الْحِلِّ أَوْ حَشِيشًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) شَجَرُ الْحَرَمِ عِنْدَنَا حَرَامٌ مَضْمُونٌ سِوَى مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ وَمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ كَمَا سَبَقَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ أَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ وَنَبَتَ بِنَفْسِهِ حَرُمَ(7/494)
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد هُوَ حَرَامٌ لَكِنْ لَا ضَمَانَ فِيهِ
* اُحْتُجَّ لَهُمْ بِالْقِيَاسِ على الزرع
* احتج أصحابنا بعموم النهى وفرقوا بان الزرع تدعوا إليه الحاجة (لخامسة) يَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَخَلَاهُ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْن عَبَّاسٍ السَّابِقُ حَيْثُ أَرْسَلَ الْأَتَانَ يَرْتَعُ(7/495)
فِي مِنًى وَمِنًى مِنْ الْحَرَمِ (السَّادِسَةُ) إذَا أَتْلَفَ شَجَرَةً فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ الْكَبِيرَةَ بِبَقَرَةٍ وَالصَّغِيرَةَ بِشَاةٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حنيفة يضمنها بالقيمة
* دليلنا أَثَرُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ عَبَّاسٍ (السَّابِعَةُ)(7/496)
إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ
* وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يَلْزَمُهُ (الثَّامِنَةُ) صَيْدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ لَيْسَ بِحَرَامٍ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَإِذَا أَتْلَفَ صَيْدَ الْمَدِينَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي مَذْهَبِنَا
وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يُسْلَبُ الْقَاتِلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا ضَمَانَ فِيهِ لَا سَلَبَ وَلَا غَيْرَهُ (التَّاسِعَةُ) صَيْدُ وَجٍّ حَرَامٌ عِنْدَنَا
* قَالَ العبدرى وقال العلماء كافة لا يحرم * قال المصنف رحمه الله
*(7/497)
(إذا وجب علي المحرم دم لاجل الاحرام كدم التمتع والقران ودم الطيب وجزاء الصيد عليه صرفه لمساكين الحرم لقوله تعالى (هديا بالغ الكعبة) فان ذبحه في الحل وأدخله الحرم نظرت فان تغير وانتن لم يجزئه لان المستحق لحم كامل غير متغير فلا يجزئه المنتن المتغير وإن لم يتغير ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يجزئه لان الذبح أحد مقصودي الهدى فاختص بالحرم كالتفرقة
(والثانى)
يجزئه لان المقصود هو اللحم وقد أوصل ذلك إليهم وان وجب عليه طعام لزمه صرفه إلى مساكين الحرم قياسا على الهدى وان وجب عليه صوم جاز أن يصوم في كل مكان لانه لا منفعة لاهل الحرم في الصيام وان وجب عليه هدى واحصر عن الحرم جاز له أن يذبح ويفرق حيث احصر لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (خرج معتمرا فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وبين الحديبية وبين الحرم ثلاثة أميال) ولانه إذا جاز أن يتحلل في غير موضع التحلل لاجل الاحصار جاز أن ينحر الهدى في غير موضع النحر)
*(7/498)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ تُقَالُ - بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفُ أَجْوَدُ وَالْمُنْتِنُ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا - وَالْهَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ اليا لغتان أَفْصَحُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْحَجِّ لَهَا زَمَانٌ وَمَكَانٌ (أَمَّا) الزَّمَانُ فَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِحْرَامِ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ بَلْ تَجُوزُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ بِيَوْمِ النحر والتشريق الضحايا
* ثُمَّ مَا سِوَى دَمِ الْفَوَاتِ يُرَاقُ فِي النُّسُكِ الَّذِي هُوَ فِيهِ (وَأَمَّا) دَمُ الْفَوَاتِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ وَهَلْ يَجُوزُ إرَاقَتُهُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا بَلْ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ
بِدَلِيلِهِمَا فِي بَابِ الْفَوَاتِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ فَوَقْتُ الْوُجُوبِ سَنَةُ الْفَوَاتِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ فَفِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَقْتُهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ كَمَا يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْفَائِتِ لَمْ يَجُزْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ
* هَذَا إذَا كَفَّرَ بِالذَّبْحِ فَإِذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ (فَإِنْ قُلْنَا) وَقْتُ الْوُجُوبِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ لَمْ يُقَدِّمْ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَيَصُومُ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ (وَإِنْ قُلْنَا) يَجِبُ بِالْفَوَاتِ فَفِي جَوَازِ صَوْمِ ثَلَاثَةٍ فِي حَجَّةِ الْفَوَاتِ وَجْهَانِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ إحْرَامٌ نَاقِصٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْمَكَانُ فَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْمُحْرِمِ ضَرْبَانِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُحْصَرِ بِالْإِحْصَارِ أَوْ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ الدِّمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالضَّرْبُ الثَّانِي) وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ الْمُحْصَرِ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ وَيَجِبُ تَفْرِيقُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ سَوَاءٌ الْغُرَبَاءُ الطَّارِئُونَ وَالْمُسْتَوْطِنُونَ لَكِنَّ الصَّرْفَ إلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ أَفْضَلُ وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا(7/499)
عَلَيْهِ وَفِي اخْتِصَاصِ ذَبْحِهِ بِالْحَرَمِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ آخَرُونَ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَخْتَصُّ فَلَوْ ذَبَحَهُ فِي طَرَفِ الْحِلِّ وَنَقَلَهُ فِي الْحَالِ طَرِيًّا إلَى الْحَرَمِ لَمْ يُجْزِئْهُ (والثاني) لَا يَخْتَصُّ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ بِشَرْطِ أَنْ يَنْقُلَهُ وَيُفَرِّقَهُ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ تَغْيِيرِ اللَّحْمِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَسَائِرِ مَا يَجِبُ بِسَبَبٍ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ أَوْ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَالْحَلْقِ لِلْأَذَى أَوْ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي القديم قول ان ما أنشي سَبَبُهُ فِي الْحِلِّ يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ فِي الْحِلِّ قِيَاسًا عَلَى دَمِ الْإِحْصَارِ
* وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ (1) وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٌ أَنَّ مَا وَجَبَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لَا يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ بِالْحَرَمِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ وصوله الحرم وذبح وفرق حيث جَازَ وَكُلُّ هَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي جَمِيعِ بِقَاعِ الْحَرَمِ قَرِيبِهَا وَبِعِيدِهَا لَكِنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ الْحَاجِّ الذَّبْحُ بِمِنًى وَفِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ لِأَنَّهُمَا مَحِلُّ تَحَلُّلِهِمَا
* وَكَذَا حُكْمُ ما يسوقانه من الهدى
* (فرع)
قال القاصي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى لَوْ لَمْ يَجِدْ فِي الْحَرَمِ مِسْكِينًا لَمْ يَجُزْ نَقْلُ الدَّمِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ وَجَبَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ كَمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ عَلَى مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَلَمْ يَجِدْ
فِيهِ مَسَاكِينَ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَهُمْ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ الْهَدْيِ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ الْوَاجِبُ الْإِطْعَامَ بَدَلًا عَنْ الذَّبْحِ وَجَبَ صَرْفُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ سَوَاءٌ الْمُسْتَوْطِنُونَ وَالطَّارِئُونَ كَمَا قُلْنَا فِي لَحْمِ الْمَذْبُوحِ (أَمَّا) إذَا كَانَ الْوَاجِبُ الصَّوْمَ فَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لما ذكره المصنف
*
__________
(1) بياض بالاصل فحرر(7/500)
(فرع)
قال الماوردي والروياني أقل ما يجزى أَنْ يَدْفَعَ الْوَاجِبَ مِنْ اللَّحْمِ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ إنْ قَدَرَ فَإِنْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ وَفِي قَدْرِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الثُّلُثُ (وَأَصَحُّهُمَا) أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالْقَوْلَيْنِ فِي الزَّكَاةِ (وَأَمَّا) إذَا فَرَّقَ الطَّعَامَ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَقَدَّرُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ كَالْكَفَّارَةِ فَلَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ فَإِنْ زَادَ لَمْ يُحْسَبْ وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يُجْزِئْهُ حَتَّى يُتِمَّهُ مُدًّا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مُدٍّ وَالنَّقْصُ عَنْهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ ذَبَحَ الْهَدْيَ فِي الْحَرَمِ فَسُرِقَ مِنْهُ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ الذَّبْحِ وَلَهُ شِرَاءُ اللَّحْمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ بَدَلَ الذَّبْحِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَكْفِيهِ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ تَلْزَمُهُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْمَنَاسِكِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ حَيْثُ أَطْلَقْنَاهَا أَرَدْنَا بِهَا شَاةً فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ غَيْرَهَا كَالْبَدَنَةِ فِي الْجِمَاعِ نَصَصْنَا عَلَيْهَا وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا جَمِيعًا إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَيَجِبُ الْمِثْلُ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَفِي الْمَعِيبِ وَالْمَكْسُورِ مِثْلُهُ كَمَا سَبَقَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ مَنْ لَزِمَهُ شَاةٌ جَازَ لَهُ ذَبْحُ بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ مَكَانَهَا لِأَنَّهَا أَكْمَلُ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَلَا يُجْزِئُ حَيَوَانٌ عَنْ الْمِثْلِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً مَكَانَ الشَّاةِ فَهَلْ الْجَمِيعُ فَرْضٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ أكل شئ مِنْهَا أَمْ
الْفَرْضُ سُبْعُهَا فَقَطْ حَتَّى يَجُوزَ أَكْلُ الْبَاقِي فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) سُبْعُهَا صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَتْ(7/501)
نَظَائِرُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَوَاضِعَ أُخْرَى
* وَلَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً وَنَوَى التَّصَدُّقَ بِسُبْعِهَا عَنْ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَأَكَلَ الْبَاقِي جَازَ وَلَهُ نَحْرُ الْبَدَنَةِ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ لَزِمَتْهُ
* وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي ذَبْحِ بَدَنَةٍ أَوْ بقرة وأراد بَعْضُهُمْ الْهَدْيَ وَبَعْضُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ جَازَ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاكُ اثْنَيْنِ فِي شَاتَيْنِ لِأَنَّ الانفراد ممكن
*(7/502)
(فَرْعٌ)
فِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّمَاءِ وَإِبْدَالِهَا وَقَدْ سَبَقَتْ مَقَاصِدُهُ مُفَرَّقَةً فَأَحْبَبْتُ جَمْعَهَا مُلَخَّصًا كَمَا فَعَلَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدْ لَخَّصَهَا الرَّافِعِيُّ مُتْقَنَةً فَأَقْتَصِرُ عَلَى نَقْلِهِ قَالَ فِي ذَلِكَ نَظَرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
النَّظَرُ فِي أَنَّ أَيَّ دَمٍ يَجِبُ مُرَتَّبًا وَأَيَّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ فَمَعْنَى التَّرْتِيبِ أَنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْهُ وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غيره(7/503)
مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (النَّظَرُ الثَّانِي) فِي أَنَّهُ أَيُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ وَأَيُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدِيلِ وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ فَمَعْنَى التَّقْدِيرِ أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ الْبَدَلَ الْمَعْدُولَ إلَيْهِ تَرْتِيبًا أَوْ تَخْيِيرًا أَيْ مُقَدَّرًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَمَعْنَى التَّعْدِيلِ أَنَّهُ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ وَكُلُّ دَمٍ بِحَسَبِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) التَّقْدِيرُ وَالتَّرْتِيبُ (وَالثَّانِي) التَّرْتِيبُ(7/504)
وَالتَّعْدِيلُ (وَالثَّالِثُ) التَّخْيِيرُ وَالتَّقْدِيرُ (وَالرَّابِعُ) التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ وتفصيلها بِثَمَانِيَةِ أَنْوَاعٍ (أَحَدُهَا) دَمُ التَّمَتُّعِ وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ كَمَا وَرَدَ بِهِ نَصُّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَدَمُ الْقِرَانِ فِي مَعْنَاهُ وَفِي دَمِ الْفَوَاتِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَالثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي أَنَّهُ كَدَمِ الْجِمَاعِ فِي الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ هَذَا شَاةٌ(7/505)
وَالْجِمَاعَ بَدَنَةٌ لِاشْتِرَاكِ الصُّورَتَيْنِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) جَزَاءُ الصَّيْدِ وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ وَيَخْتَلِفُ بِكَوْنِ الصَّيْدِ مِثْلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَسَبَقَ إيضَاحُهُ وَجَزَاءُ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَقَدْ سَبَقَ حِكَايَةُ قَوْلٍ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّ دَمَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَهُوَ شَاذٌّ (الثَّالِثُ) دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ فَإِذَا حَلَقَ جَمِيعَ شَعْرِهِ أَوْ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ تَخَيَّرَ بَيْنَ دَمٍ وَثَلَاثَةِ آصُعٍ لستة(7/506)
مَسَاكِينَ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ (الرَّابِعُ) الدَّمُ الْوَاجِبُ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَبِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ وَالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَفِي هَذَا الدَّمِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أصحها) وبه قطع العراقون وَكَثِيرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ فَإِنْ(7/507)
عَجَزَ عَنْ الدَّمِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّرْتِيبِ بِتَوْقِيفٍ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ شَاةٌ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَهَا دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا(7/508)
طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا
* وَإِذَا تَرَكَ حَصَاةً فَفِيهِ أَقْوَالٌ مَشْهُورَةٌ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ مُدٌّ
(وَالثَّانِي)
دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ شَاةٍ فَإِنْ عَجَزَ فَالطَّعَامُ ثُمَّ الصوم على ما يقتضيه التعديل بالقيمة(7/509)
(والثالث) أَنَّهُ دَمُ تَرْتِيبٍ فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ صَوْمُ الحلق (والرابع) أَنَّهُ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ (الْخَامِسُ) دَمُ الِاسْتِمْتَاعِ كَالتَّطَيُّبِ وَالِادِّهَانِ وَاللُّبْسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أصحها) أنه دم تخيير وتقدير كالحلق لا شتراكهما في الترفه(7/510)
(وَالثَّانِي)
دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ كَالصَّيْدِ (وَالثَّالِثُ) دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ (وَالرَّابِعُ) دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ كَالتَّمَتُّعِ (السَّادِسُ) دَمُ الْجِمَاعِ وَفِيهِ طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ وَاخْتِلَافٌ مُنْتَشِرٌ الْمَذْهَبُ مِنْهُ أَنَّهُ تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ(7/511)
فيجب بدنة فإن عجز عنها فبقرة فَإِنْ عَجَزَ فَسَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ البدنة بِدَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ بِطَعَامٍ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَقِيلَ) إذَا عَجَزَ عَنْ الْغَنَمِ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ وَصَامَ فان عجز(7/512)
أَطْعَمَ فَيُقَدِّمُ الصِّيَامَ عَلَى الْإِطْعَامِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَنَحْوِهَا وَقِيلَ لَا مَدْخَلَ لِلْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ هُنَا بَلْ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغَنَمِ ثَبَتَ الْفِدَاءُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَجِدَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي دَمِ الْإِحْصَارِ ولنا(7/513)
قَوْلٌ وَقِيلَ وَجْهٌ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْغَنَمِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَالْإِطْعَامُ ثُمَّ الصَّوْمُ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشِّيَاهِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ (السَّابِعُ) دَمُ الْجِمَاعِ الثَّانِي أَوْ الْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ خِلَافٌ فِي أن واجبها بَدَنَةٌ أَمْ شَاةٌ (فَإِنْ قُلْنَا) بَدَنَةٌ فَهِيَ فِي الْكَيْفِيَّةِ كَالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ(7/514)
التَّحَلُّلَيْنِ كَمَا سَبَقَ
* (وَإِنْ قُلْنَا) شَاةٌ فَكَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ (الثَّامِنُ) دَمُ الْإِحْصَارِ فَمَنْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ وَلَا عُدُولَ عَنْهَا إنْ وَجَدَهَا فَإِنْ عَدِمَهَا فَهَلْ لَهُ بَدَلٌ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ(7/515)
كَسَائِرِ الدِّمَاءِ
(وَالثَّانِي)
لَا إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ بَدَلُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْبَدَلِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ(7/516)
(أَحَدُهَا) بَدَلُهُ الْإِطْعَامُ بِالتَّعْدِيلِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَقِيلَ) يَتَخَيَّرُ عَلَى هَذَا بَيْنَ صَوْمِ(7/517)
الْحَلْقِ وَإِطْعَامِهِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) بَدَلُهُ الْإِطْعَامُ فَقَطْ وَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
ثَلَاثَةُ آصُعٍ كَالْحَلْقِ (وَالثَّانِي)(7/518)
يُطْعِمُ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْدِيلُ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) بَدَلُهُ الصَّوْمُ فَقَطْ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) عَشَرَةُ(7/519)
أيام
(وَالثَّانِي)
ثَلَاثَةٌ (وَالثَّالِثُ) بِالتَّعْدِيلِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلَا مَدْخَلَ لِلطَّعَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ غير أنه(7/520)
يعتبر به قدر الصيام (والمذهب) عَلَى الْجُمْلَةِ التَّرْتِيبُ وَالتَّعْدِيلُ
* هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرافعي(7/521)
والله أعلم
*(7/522)
المجموع شرح المهذب
للامام أبي زكريا محيى الدين بن شرف النووي
المتوفي سنة 676 هـ
الجزء الثامن
دار الفكر(8/1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
* (باب صفة الحج)
(إذا أراد دخول مكة وهو محرم بالحج اغتسل بذي طوى لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما جاء وادي طوى بات حتى صلى الصبح فاغتسل ثم دخل من ثنية كداء ويدخل من ثنية كداء من أعلى مكة ويخرج من السفلى لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَرَوَيَاهُ أَيْضًا بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَيْضًا (وَأَمَّا) حَدِيثُهُ الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُهُمَا عَنْ نَافِعٍ قَالَ (كان(8/2)
ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طَوًى ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ وَيُحَدِّثَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) طَوًى - فَبِفَتْحِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْفَتْحُ أَجْوَدُ وَمِمَّنْ حَكَى اللُّغَاتِ الثَّلَاثَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَجَمَاعَاتٌ قَالُوا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَاقْتَصَرَ الْحَازِمِيُّ فِي الْمُؤْتَلِفِ عَلَى ضَمِّهِ وَاقْتَصَرَ آخَرُونَ عَلَى الْفَتْحِ وَهُوَ مُنَوَّنٌ مَصْرُوفٌ مَقْصُورٌ لَا يَجُوزُ مَدُّهُ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَوَقَعَ في لباب المستملى ذوالطواء مَمْدُودٌ وَهُوَ وَادٍ بِبَابِ
مَكَّةَ (وَأَمَّا) الثَّنِيَّةُ فَهِيَ الطَّرِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ (وَأَمَّا) كَدَاءٍ الْعُلْيَا - فَبِفَتْحِ الْكَافِ - وَبِالْمَدِّ مَصْرُوفٌ (وَأَمَّا) السُّفْلَى فَيُقَالُ لها ثنية كدا - بِالضَّمِّ - مَقْصُورٌ (وَأَمَّا) مَكَّةُ فَلَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَقَدْ قَالُوا كَثْرَةُ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ المسمى ولهذا كَثُرَتْ أَسْمَاءُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفُ اسم وللنبي صلى الله عليه وسلم (1) وَقَدْ أَشَرْت إلَى هَذَا فِي أَوَّلِ تَهْذِيبِ الاسماء واللغات في أول ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم فمما حَضَرَنِي مِنْ أَسْمَاءِ مَكَّةَ سِتَّةَ عَشَرَ اسْمًا (أَحَدُهَا) مَكَّةُ - وَالثَّانِي بَكَّةُ - وَالثَّالِثُ - أُمُّ الْقُرَى - وَالرَّابِعُ - الْبَلَدُ الْأَمِينُ - وَالْخَامِسُ - رُحْمٌ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - لِأَنَّ النَّاسَ يَتَرَاحَمُونَ فِيهَا وَيَتَوَادَعُونَ - السَّادِسُ - صَلَاحِ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - مَبْنِيٌّ عَلَى الكسر كقطام وَنَظَائِرِهَا سُمِّيَتْ بِهِ لِأَمْنِهَا - السَّابِعُ - الْبَاسَّةُ - بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ - لِأَنَّهَا تَبُسُّ مَنْ أَلْحَدَ فِيهَا أَيْ تُحَطِّمُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (وَبُسَّتِ الجبال) الثَّامِنُ - النَّاسَّةُ - بِالنُّونِ - التَّاسِعُ - النَّسَّاسَةُ (قِيلَ) لِأَنَّهَا تَنُسُّ الْمُلْحِدَ أَيْ تَطْرُدُهُ وَقِيلَ لِقِلَّةِ مَائِهَا والنس اليبس - العاشر - الحاطمة لحطهما الْمُلْحِدِينَ فِيهَا - الْحَادِيَ عَشَرَ - الرَّأْسُ كَرَأْسِ الْإِنْسَانِ - الثَّانِي عَشَرَ - كُوثَى - بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْح الْمُثَلَّثَةِ - بِاسْمِ مَوْضِعٍ بِهَا - الثَّالِثَ عَشَرَ - الْعَرْشُ - الرَّابِعَ عَشَرَ - الْقَادِسُ - الْخَامِسَ عَشَرَ - الْمُقَدَّسَةُ مِنْ التَّقْدِيسِ - السَّادِسَ عَشَرَ - الْبَلْدَةُ (وَأَمَّا) مَكَّةُ وَبَكَّةُ فَقِيلَ هُمَا اسْمَانِ لِلْبَلْدَةِ وَقِيلَ مَكَّةُ الْحَرَمُ كُلُّهُ وبكة المسجد خاصة وهو مَحْكِيٌّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقِيلَ مَكَّةُ اسْمٌ لِلْبَلَدِ وَبَكَّةُ اسْمُ الْبَيْتِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ مَكَّةُ الْبَلَدُ وبكة(8/3)
البيت وموضوع الطَّوَافِ سُمِّيَتْ بَكَّةَ لِازْدِحَامِ النَّاسِ فِيهَا يَبُكُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَيْ يَدْفَعُهُ فِي زَحْمَةِ الطَّوَافِ وقيل لانهاتبك - أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ أَيْ تَدُقُّهَا وَالْبَكُّ الدَّقُّ
* وَسُمِّيَتْ مَكَّةَ لِقِلَّةِ مَائِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ امْتَكَّ الْفَصِيلُ ضَرْعَ أُمِّهِ إذَا امْتَصَّهُ وَقِيلَ لِأَنَّهَا تَمُكُّ الذُّنُوبَ أَيْ تَذْهَبُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) مَدِينَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهَا أَسْمَاءٌ - الْمَدِينَةُ - وَطَيْبَةُ وَطَابَةُ وَالدَّارُ قَالَ اللَّهُ تعالى (ما كان لاهل المدينة) ويقولون لئن رجعنا إلى المدينة) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَتْ طَابَةَ وَطَيِّبَةَ مِنْ
الطَّيِّبِ وَهُوَ الطَّاهِرُ لِخُلُوصِهَا مِنْ الشِّرْكِ وَطَهَارَتِهَا (وَقِيلَ) مِنْ طِيبِ الْعَيْشِ وَقِيلَ مِنْ الطِّيبِ وَهُوَ الرَّائِحَةُ الْحَسَنَةُ وَسُمِّيَتْ الدَّارُ لِأَمْنِهَا وَلِلِاسْتِقْرَارِ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِدُخُولِ الْمُحْرِمِ مَكَّةَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَغْسَالِ الْحَجِّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ وَذَكَرْنَا فِيهِ فُرُوعًا كَثِيرَةً وَيُسْتَحَبُّ هَذَا الْغُسْلُ بِذِي طَوًى إنْ كَانَتْ فِي طَرِيقِهِ وَإِلَّا اغْتَسَلَ فِي غَيْرِ طَرِيقِهَا كَنَحْوِ مَسَافَتِهَا وَيَنْوِي بِهِ غُسْلَ دُخُولِ مَكَّةَ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مُحْرِمٍ حَتَّى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّبِيِّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ خَرَجَ إنْسَانٌ مِنْ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحِلِّ وَاغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ من موضع بعيد من مَكَّةَ كَالْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَغْتَسِلَ أَيْضًا لِدُخُولِ مَكَّةَ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ كَالتَّنْعِيمِ أَوْ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ يَغْتَسِلْ لِدُخُولِ مَكَّةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ عِنْدَ دُخُولِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِغُسْلِهِ السَّابِقِ
* وَهَذَا الْغُسْلُ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ دَاخِلٍ مُحْرِمٍ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ بِلَا خِلَافٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَأَوْهَمَ اخْتِصَاصَهُ بِهِ (وَالصَّوَابُ) حَذْفُ لَفْظَةِ الْحَجِّ كَمَا حَذَفَهَا فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَسَائِرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (وَأَمَّا) مَا يَفْعَلُهُ حَجِيجُ الْعِرَاقِ مِنْ قُدُومِهِمْ إلَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ فَخَطَأٌ مِنْهُمْ وَجَهَالَةٌ وَفِيهِ ارْتِكَابُ بِدْعَةٍ وَتَفْوِيتُ سُنَنٍ (مِنْهَا) دُخُولُ مَكَّةَ(8/4)
أَوَّلًا (وَمِنْهَا) تَفْوِيتُ طَوَافِ الْقُدُومِ وَتَفْوِيتُ تَعْجِيلِ السَّعْيِ وَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ وَكَثْرَةُ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحُضُورُ خُطْبَةِ الْإِمَامِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَالصَّلَاةُ بِهَا وَالنُّزُولُ بِنَمِرَةَ وَحُضُورُ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ إذَا وَصَلَ الْحَرَمَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَيَتَذَكَّرُ جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا حَرَمُك وَأَمْنُك فَحَرِّمْنِي عَلَى النَّارِ وَآمِنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك (الرَّابِعَةُ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يُسْتَحَبُّ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَهِيَ - بِفَتْحِ الْكَافِ - وَالْمَدِّ كَمَا سَبَقَ وَمِنْهَا يَتَجَرَّدُ إلَى مَقَابِرِ مَكَّةَ وَإِذَا خَرَجَ رَاجِعًا إلَى بَلَدِهِ خَرَجَ مِنْ ثَنِيَّةِ كدا - بضم الكاف - وبالقصر وهي باسفل مكة بقرب جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ وَإِلَى صَوْبِ ذِي طَوًى قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ الْخُرُوجَ إلَى عَرَفَاتٍ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذِهِ السُّفْلَى (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الدُّخُولَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مُحْرِمٍ دَاخِلٍ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صَوْبِ طَرِيقِهِ أَمْ لَمْ تَكُنْ وَيَعْتَدِلُ إلَيْهَا مَنْ لَمْ تَكُنْ فِي طَرِيقِهِ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ مِنْهَا لِمَنْ كَانَتْ فِي طَرِيقِهِ (وَأَمَّا) مَنْ لَمْ تَكُنْ فِي طَرِيقِهِ فَقَالُوا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْعُدُولُ إلَيْهَا قالوا وانما دخل النبي صلى إليه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّفَاقًا لِكَوْنِهَا كَانَتْ فِي طَرِيقِهِ
* هَذَا كَلَامُ الصَّيْدَلَانِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ لَيْسَتْ الْعُلْيَا عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بَلْ عَدَلَ إلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَعَمِّدًا لَهَا قَالَ فَيُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ مِنْهَا لِكُلِّ أَحَدٍ قَالَ وَوَافَقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُمْهُورَ فِي الْحُكْمِ وَوَافَقَ أَبَا مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ مَوْضِعَ الثَّنِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ
* وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ كَوْنِ الثَّنِيَّةِ لَيْسَتْ عَلَى نَهْجِ الطَّرِيقِ بَلْ عَدَلَ إلَيْهَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَقْضِي بِهِ الْحِسُّ وَالْعِيَانُ فَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ الدُّخُولِ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا لِكُلِّ مُحْرِمٍ قَصَدَ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صَوْبِ طَرِيقِهِ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّهُ قَالَ وَيَدْخُلُ الْمُحْرِمُ من ثنية كدا وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانُ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ
*(8/5)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ رَاكِبًا وماشيا وأيهما أفضل فيه وجهان وحكاهما الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) مَاشِيًا أَفْضَلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ وَلَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَلَا فَوَاتُ مُهِمٍّ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ فِي الدُّخُولِ مُتَعَرِّضٌ لَأَنْ يُؤْذِيَ النَّاسَ بِدَابَّتِهِ فِي الزَّحْمَةِ وَاَللَّهُ أعلم
* وإذا دخل ماشيا فالافضل كونه حافيالو لم يلحقه مشقة ولاخاف نَجَاسَةَ رِجْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا له دخول مكة ليلا ونهاراولا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ فِيهَا كَمَا سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْفَضِيلَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) دُخُولُهَا نَهَارًا أَفْضَلُ حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْعَبْدَرِيُّ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ
* وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ الْأَمْرَانِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِهِمَا وَلَا نَهْيٌ فَكَانَا سَوَاءً
* وَاحْتَجَّ مَنْ رَجَّحَ النَّهَارَ بِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ وَحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَالَ فِي آخِرِهَا (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَهَذَا تَرْجِيحٌ ظَاهِرٌ لِلنَّهَارِ وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ للداخل وارفق به واقرب إلى مراعاته للوضائف الْمَشْرُوعَةِ لَهُ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهَا وَأَسْلَمُ لَهُ مِنْ التَّأَذِّي وَالْإِيذَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثَانِ الْوَارِدَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ (فَأَحَدُهُمَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (بَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طَوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مكة الابات بِذِي طَوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا وَيَذْكُرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طَوًى وَيَبِيتُ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ) (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَعَنْ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَرَجَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا مُعْتَمِرًا فَدَخَلَ لَيْلًا فَقَضَى عُمْرَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ بِالْجِعْرَانَةِ كَبَائِتٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ(8/6)
وَلَا يُعْرَفُ لِمُحَرِّشٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَثَبَتَ فِي ضَبْطِ مُحَرِّشٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا مُحَرِّشٌ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ - (وَالثَّانِي) مِحْرَشٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ - (وَالثَّالِثُ) مِخْرَشٌ - بكسر الميم واسكان الخاء المعجمة -
وهو قول علي بن المدني وادعى انه الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فممن اسْتَحَبَّ دُخُولَهَا نَهَارًا ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّهُ لَيْلًا عَائِشَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
* وَمِمَّنْ قَالَ هُمَا سَوَاءٌ طَاوُسٌ وَالثَّوْرِيُّ
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَفَّظَ فِي دُخُولِهِ مِنْ إيذَاءِ النَّاسِ فِي الزَّحْمَةِ وَيَتَلَطَّفَ بِمَنْ يُزَاحِمُهُ وَيَلْحَظَ بِقَلْبِهِ جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَالْكَعْبَةِ الَّتِي هُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا وَيُمَهِّدَ عُذْرَ مَنْ زَاحَمَهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ دُخُولُ مَكَّةَ بِخُشُوعِ قَلْبِهِ وَخُضُوعِ جَوَارِحِهِ دَاعِيًا مُتَضَرِّعًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ مَا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول عند دخول (اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُك وَالْبَيْتُ بَيْتُك جِئْت أَطْلُبُ رَحْمَتَك وَأَؤُمُّ طَاعَتَك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَدَرِك مُبَلِّغًا لِأَمْرِك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إلَيْك الْمُشْفِقِ مِنْ عَذَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي وَأَنْ تَتَجَاوَزَ عَنِّي برحمتك وأن تدخلني جنتك) * قال المصنف رحمه الله
* (وإذا رأى البيت دعا لما روى أبو أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (تفتح أبواب السماء وتستجاب دعوة المسلم عند رؤية الكعبة) ويستحب أن يرفع اليد في الدعاء لما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ترفع الايدي في الدعاء لاستقبال البيت) ويستحب أن يقول: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا لما روى ابن جريج أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا رأى البيت (رفع يديه وقال ذلك) ويضيف إليه اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام لما روي أن عمر كان إذا نظر إلى البيت قال ذلك)
*(8/7)
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَغَرِيبٌ لَيْسَ بِثَابِتٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْإِمَامُ سعيد ابن مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ فَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُرْسَلٌ مُعْضَلٌ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فرواه البيقهي وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاعْلَمْ أَنَّ بناء البيت زاده الله فضلا وشرفا رفيع يُرَى قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فِي مَكَان يُقَالُ لَهُ رَأْسُ الرَّدْمِ إذَا دَخَلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ وَهُنَاكَ يَقِفُ وَيَدْعُو
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا رَأَى الْبَيْتَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ وَيَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَيَدْعُو مَعَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَهَمُّهَا سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ مَعَ هَذَا الدُّعَاءِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ لَا أَكْرَهُهُ وَلَا أَسْتَحِبُّهُ وَلَكِنْ إنْ رَفْعَ كَانَ حَسَنًا
* هَذَا نَصُّهُ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ هَذَا النَّصَّ مَحْمُولٌ عَلَى وَفْقِ النص والذي نَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ
* وَقَدْ قَدَّمْت فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَصْلًا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هذا الذكر الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيّ فِي المختصر فغيره فقال وزد من شرفه وعظمته مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً
* وَقَدْ كَرَّرَ الْمَهَابَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقِينَ هَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي الثَّانِي وَبِرًّا لِأَنَّ الْمَهَابَةَ تَلِيقُ بِالْبَيْتِ وَالْبِرُّ(8/8)
يَلِيقُ بِالْإِنْسَانِ وَهَكَذَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ وَفِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى تَغْلِيطِ الْمُزَنِيِّ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَكَذَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ
* وَوَقَعَ فِي الْوَجِيزِ ذِكْرُ الْمَهَابَةِ وَالْبِرِّ جَمِيعًا فِي الْأَوَّلِ وَذُكِرَ الْبِرُّ وَحْدَهُ ثَانِيًا وَهَذَا أَيْضًا مَرْدُودٌ وَالْإِنْكَارُ فِي ذِكْرِهِ الْبِرَّ فِي الْأَوَّلِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ التَّكْبِيرُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ أَصْلًا قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إذَا رَآهَا كَبَّرَ قَالَ الْقَاضِي هَذَا ليس بشئ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ) الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ السَّلَامَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَقَوْلُهُ (وَمِنْك السَّلَامُ) أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ
* وَقَوْلُهُ (حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ) أَيْ اجْعَلْ تَحِيَّتَنَا فِي وُفُودِنَا عَلَيْك السَّلَامَةَ مِنْ الْآفَاتِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وابن المبارك وأحمد واسحق قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَرْفَعُ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ قَالَ (سئل جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي يَرَى الْبَيْتَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا إلَّا الْيَهُودَ قَدْ حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ أَيْضًا قَالَ (سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَيَرْفَعُ الرَّجُلُ يَدَيْهِ إذَا رَأَى الْبَيْتَ فَقَالَ حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا نَفْعَلُهُ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ
* قَالَ أَصْحَابُنَا رِوَايَةُ الْمُثْبِتِ لِلرَّفْعِ أَوْلَى لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةُ غَيْرِ جَابِرٍ فِي إثْبَاتِ الرَّفْعِ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ قَالَ وَالْقَوْلُ فِي مِثْلِ هَذَا قَوْلُ مَنْ رَأَى وَأَثْبَتَ والله أعلم
*(8/9)
(فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْبِ طَرِيقِهِ أَمْ لَا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْدِلَ إلَيْهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا عَلَى اخْتِيَارِ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَيْثُ قَالُوا لَا يُسْتَحَبُّ الْعُدُولُ إلَيْهَا كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي الْعُدُولِ إلَى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ بِخِلَافِ الثَّنِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَدَلَ إلَى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِهِ)
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ لِلدُّخُولِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْأَعْظَمِ وَقَدْ جَلَسَتْ قُرَيْشٌ مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ)
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي دُخُولِهِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَخُرُوجِهِ مِنْ بَابِ الْحَنَّاطِينَ قَالَ وَإِسْنَادُهُ عَنْهُ قَوِيٌّ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ (يَدْخُلَ الْمُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى الصَّفَا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ فِي دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَفِي خُرُوجِهِ الْيُسْرَى وَيَقُولَ الْأَذْكَارَ الْمَشْرُوعَةَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ
* وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالتَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ وَالْمَهَابَةِ وَالْإِجْلَالِ فَهَذِهِ عَادَةُ الصَّالِحِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الْعَارِفِينَ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَيْتِ تُشَوِّقُ إلَى رَبِّ الْبَيْتِ وَقَدْ حَكَوْا أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ مَكَّةَ فَجَعَلَتْ تَقُولُ أَيْنَ بَيْتُ رَبِّي فَقِيلَ الْآنَ تَرَيْنَهُ فَلَمَّا لَاحَ الْبَيْتُ قِيلَ لَهَا هَذَا بَيْتُ رَبِّكِ فَاشْتَدَّتْ نَحْوَهُ فَأَلْصَقَتْ جَبِينَهَا بِحَائِطِ الْبَيْتِ فَمَا رُفِعَتْ إلَّا مَيِّتَةً
* وَأَنَّ الشِّبْلِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُشِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ أَفَاقَ فَأَنْشَدَ(8/10)
هذه دارهم وَأَنْتَ مُحِبٌّ
* مَا بَقَاءُ الدُّمُوعِ فِي الْآمَاقِ * قال المصنف رحمه الله
* (ويبتدئ بطواف القدوم لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أول شئ بدأ به حين قدم مكة انه توضأ ثم طاف بالبيت) فان خاف فوت مكتوبة أو سنة مؤكدة أتى بها قبل الطواف لانها تفوت والطواف لا يفوت وهذا الطواف سنة لانه تحية فلم يجب كتحية المسجد)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أصحابنا يستحب للمحرم أَوَّلِ دُخُولِهِ مَكَّةَ أَنْ لَا يُعَرِّجَ عَلَى اسْتِئْجَارِ مَنْزِلٍ وَحَطِّ قُمَاشٍ وَتَغْيِيرِ ثِيَابِهِ وَلَا شئ آخَرَ غَيْرَ الطَّوَافِ بَلْ يَقِفُ بَعْضُ الرُّفْقَةِ عِنْدَ مَتَاعِهِمْ وَرَوَاحِلِهِمْ حَتَّى يَطُوفُوا ثُمَّ يَرْجِعُوا إلَى رَوَاحِلِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ وَاسْتِئْجَارِ الْمَنْزِلِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ رَأْسِ الرَّدْمِ قَصَدَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَهُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ كما ذكر فاول شئ يَفْعَلُهُ طَوَافُ الْقُدُومِ
* وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مِنْ هَذَا الْمَرْأَةَ الْجَمِيلَةَ وَالشَّرِيفَةَ
الَّتِي لَا تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ قَالُوا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا تَأْخِيرُ الطَّوَافِ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ إلَى اللَّيْلِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَأَسْلَمُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَا يَشْتَغِلُ بِصَلَاةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا غَيْرِهَا بَلْ يَبْدَأُ بِالطَّوَافِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَيَقْصِدُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَهُوَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِابْتِدَاءُ بِالطَّوَافِ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ دَاخِلٍ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ غَيْرَهُ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ أَوْ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا وَاسِعًا أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ كُلَّ هَذَا عَلَى الطَّوَافِ ثُمَّ يَطُوفُ وَلَوْ دَخَلَ وَقَدْ مُنِعَ النَّاسُ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ فِيهَا طَوَافُ قُدُومٍ وَإِنَّمَا فِيهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ يُقَالُ لَهُ طَوَافُ الْفَرْضِ وَطَوَافُ الرُّكْنِ (وَأَمَّا) الْحَجُّ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْوِفَةٍ - طَوَافُ الْقُدُومِ - وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ - وَطَوَافُ الْوَدَاعِ - وَيُشْرَعُ لَهُ وَلِلْعُمْرَةِ طَوَافٌ رَابِعٌ وَهُوَ الْمُتَطَوَّعُ(8/11)
بِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّوَافِ (فَأَمَّا) طَوَافُ الْقُدُومِ فَلَهُ خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ طَوَافُ الْقُدُومِ - وَالْقَادِمِ وَالْوُرُودِ وَالْوَارِدِ - وَطَوَافُ التَّحِيَّةِ (وَأَمَّا) طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَلَهُ أَيْضًا خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ - وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ - وَطَوَافُ الْفَرْضِ - وَطَوَافُ الرُّكْنِ - وَطَوَافُ الصَّدَرِ - بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ - (وَأَمَّا) طَوَافُ الْوَدَاعِ فَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا طواف الصدر
* ومحل طواف القدم أَوَّلُ قُدُومِهِ وَمَحَلُّ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَنِصْفَ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَمَحَلُّ طَوَافِ الْوَدَاعِ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِ كُلِّهَا
* وَاعْلَمْ أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ (وَالثَّانِي) سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ أَرَاقَ دَمًا (إنْ قُلْنَا) هُوَ وَاجِبٌ فَالدَّمُ وَاجِبٌ وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ فَالدَّمُ سُنَّةٌ (وَأَمَّا) طَوَافُ الْقُدُومِ فَسُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فلو تركه فحجه صحيح ولا شئ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ونص عليه الشافعي وقطع به جماهير العراقيين والخراسانيين وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ فِي وُجُوبِهِ وَجْهًا ضَعِيفًا شَاذًّا وَأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ
* مِمَّنْ قَالَهُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْحَجِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ - بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ - وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ أَوَّلَ قُدُومِهِ فَلَوْ أَخَّرَهُ فَفِي فَوَاتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ
* (فَرْعٌ)
اعْلَمْ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ مُفْرِدِ الْحَجِّ وَفِي حَقِّ الْقَارِنِ إذَا كَانَا قَدْ أَحْرَمَا مِنْ غَيْرِ مَكَّةَ وَدَخَلَاهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فَأَمَّا الْمَكِّيُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ إذْ لَا قُدُومَ لَهُ (وَأَمَّا) الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ طَوَافُ قُدُومٍ بَلْ إذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا وَيَتَضَمَّنُ الْقُدُومَ كَمَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ عَنْ الْفَرْضِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا حَتَّى لَوْ طَافَ الْمُعْتَمِرُ بِنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهَا تَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ إلَّا بَعْدَ(8/12)
الْوُقُوفِ فَلَيْسَ فِي حَقِّهِ طَوَافُ قُدُومٍ بَلْ الطَّوَافُ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَلَوْ نَوَى بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إنْ كَانَ دَخَلَ وَقْتُهُ وَهُوَ نِصْفُ لَيْلَةِ النَّحْرِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُعْتَمِرِ إذَا نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَنُّ طَوَافُ الْقُدُومِ لِكُلِّ قَادِمٍ إلَى مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ حَاجًّا أَوْ تَاجِرًا أَوْ زَائِرًا أَوْ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ دَخَلَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
فِي صِفَةِ الطَّوَافِ الْكَامِلَةِ
* وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْصِدْ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَهُوَ فِي الرُّكْنِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْبَيْتِ مِنْ جَانِبِ الْمَشْرِقِ وَيُسَمَّى الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَيُقَالُ لَهُ وَلِلرُّكْنِ الْيَمَانِي الرُّكْنَانِ الْيَمَانِيَانِ وَارْتِفَاعُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثُ أَذْرُعٍ إلَّا سَبْعَ أَصَابِعَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِوَجْهِهِ وَيَدْنُوَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا بِالْمُزَاحَمَةِ فَيَسْتَلِمَهُ ثُمَّ يُقَبِّلَهُ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ يَظْهَرُ فِي الْقُبْلَةِ وَيَسْجُدَ عَلَيْهِ وَيُكَرِّرَ التَّقْبِيلَ وَالسُّجُودَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَبْتَدِئَ الطَّوَافَ وَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي الطَّوَافِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ التَّلْبِيَةِ وَيَضْطَبِعَ مَعَ دُخُولِهِ فِي الطَّوَافِ فَإِنْ اضْطَبَعَ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ فَلَا بَأْسَ وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ عِنْدَ إبْطِهِ وَيَطْرَحَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَيَكُونَ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا
* وَصِفَةُ الطَّوَافِ أَنْ يُحَاذِيَ جَمِيعُهُ جَمِيعَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ وَيَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي إلَى جِهَةِ
الرُّكْنِ الْيَمَانِي بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَصِيرُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ مَارًّا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَيَمِينَهُ إلَى خَارِجٍ وَلَوْ فَعَلَ هَذَا مِنْ الْأَوَّلِ وَتَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْحَجَرِ جَازَ لَكِنَّهُ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ ثُمَّ يَمْشِي هَكَذَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ طَائِفًا حَوْلَ الْبَيْتِ كُلِّهِ فَيَمُرُّ عَلَى الْمُلْتَزَمِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْبَابُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَلْزَمُونَهُ عِنْدَ الدُّعَاءِ ثُمَّ يَمُرُّ إلَى الرُّكْنِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَسْوَدِ ثُمَّ يَمُرُّ وَرَاءَ الْحِجْرِ - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ - وَهُوَ فِي صَوْبِ الشَّامِ وَالْمَغْرِبِ فَيَمْشِي حَوْلَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَيُقَالُ لِهَذَا الرُّكْنِ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ الرُّكْنَانِ الشَّامِيَّانِ وَرُبَّمَا قِيلَ الْمَغْرِبِيَّانِ ثُمَّ يَدُورُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الرُّكْنِ الرَّابِعِ الْمُسَمَّى بِالرُّكْنِ الْيَمَانِي ثُمَّ يَمُرُّ مِنْهُ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَصِلُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ فَيَكْمُلُ لَهُ حِينَئِذٍ طَوْفَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَطُوفُ كَذَلِكَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً حَتَّى يُكْمِلَ سَبْعَ طَوْفَاتٍ فَكُلُّ مَرَّةٍ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَيْهِ طَوْفَةٌ وَالسَّبْعُ طَوَافٌ كَامِلٌ
* هَذِهِ صِفَةُ(8/13)
الطَّوَافِ الَّتِي إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا صَحَّ طَوَافُهُ وَبَقِيَتْ مِنْ صِفَاتِهِ الْمُكَمِّلَةِ أَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ نَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الطَّوَافَ يَشْتَمِلُ عَلَى شُرُوطٍ وَوَاجِبَاتٍ لَا يَصِحُّ بِدُونِهَا وَعَلَى سُنَنٍ يَصِحُّ بِدُونِهَا (فَأَمَّا) الشُّرُوطُ الْوَاجِبَاتُ فَثَمَانِيَةٌ مُخْتَلَفٌ فِي بَعْضِهَا (أَحَدُهَا) الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَعَنْ النجس في الثوب والبدن والمكان الذي يطوه فِي مَشْيِهَا (الثَّانِي) كَوْنُ الطَّوَافِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ (الثَّالِثُ) إكْمَالُ سَبْعِ طَوْفَاتٍ (الرَّابِعُ) التَّرْتِيبُ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَأَنْ يَمُرَّ عَلَى يَسَارِهِ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ جَمِيعِ الْبَيْتِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ وَاجِبَةٌ بِلَا خِلَافٍ (السَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ) نِيَّةُ الطَّوَافِ وَصَلَاتُهُ وَمُوَالَاتُهُ وَفِي الثَّلَاثَةِ خِلَافٌ (الْأَصَحُّ) أَنَّهَا سُنَّةٌ (وَالثَّانِي) وَاجِبَةٌ (وَأَمَّا) السُّنَنُ فَثَمَانِيَةٌ أَيْضًا (أحدها) أن يكون ماشيا (الثاني) الِاضْطِبَاعُ (الثَّالِثُ) الرَّمَلُ (الرَّابِعُ) اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَتَقْبِيلُهُ وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَيْهِ (الْخَامِسُ) الْمُسْتَحَبَّةُ فِي الطَّوَافِ وَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسُ) الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوْفَاتِ (السَّابِعُ) صَلَاةُ الطَّوَافِ (الثَّامِنُ) أَنْ يَكُونَ فِي طَوَافِهِ خَاشِعًا خَاضِعًا مُتَذَلِّلًا حَاضِرَ الْقَلْبِ مُلَازِمَ الْأَدَبِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَفِي حركته
ونظره وهيئته فهذه خُلَاصَةُ الْقَوْلِ فِي الطَّوَافِ وَبَيَانِ صِفَتِهِ وَوَاجِبَاتِهِ وَمَنْدُوبَاتِهِ وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ترتيب المصنف والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ومن شرط الطواف الطهارة لقوله صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة الا أن الله تعالى أباح فيه الكلام) ومن شرطه ستر العورة لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بعث أبا بكر رضي الله عنه إلى مكة فنادى ألا لا يطوفن بالبيت مشرك ولا عريان) وهل يفتقر إلى النية فيه وجهان (احدهما) يفتقر إلى النية لانها عبادة تفتقر إلى البيت فافتقرت إلى النية كركعتي المقام (والثاني) لا يفتقر لان نية الحج تأتي على ذلك كما تأتي على الوقوف
* (الشَّرْحُ) (أَمَّا) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَمَرْوِيٌّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) حَدِيثُ بَعْثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ فِي صحيحي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَكِنْ غَيَّرَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَهُ وَإِنَّمَا لَفْظُ رِوَايَتِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ(8/14)
الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبُلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رُوِيَ فَأَتَى بِهِ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ مَعَ أَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بِهِ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (وَالصَّوَابُ) الْعَكْسُ فِيهِمَا (وَقَوْلُهُ) عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى الْبَيْتِ احْتِرَازٌ مِنْ الْوُقُوفِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ كَرَكْعَتَيْ الْمَقَامِ فَيُوهَمُ أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَخْتَصَّانِ بِالْمَقَامِ وَتَفْتَقِرَانِ إلَى فِعْلِهِمَا عِنْدَ الْبَيْتِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا تَصِحَّانِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ بَيْنَ أَقْطَارِ الْأَرْضِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنْ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِافْتِقَارِهِمَا إلَى الْبَيْتِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا إلَّا إلَى الْبَيْتِ حَيْثُ كَانَ الْمُصَلَّى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ والنجس في الثوب والبدن والمكان الذي يطوه فِي طَوَافِهِ فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ
مُبَاشِرًا لِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمُرَادُ لِلْأَئِمَّةِ تَشْبِيهُ مَكَانِ الطَّوَافِ بِالطَّرِيقِ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ وَهُوَ تَشْبِيهٌ لَا بَأْسَ بِهِ هَذَا كَلَامُهُ (قُلْت) وَاَلَّذِي أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ لَاقَى النَّجَاسَةَ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَشَى عَلَيْهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ
* وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ فِي مَوْضِعِ الطَّوَافِ مِنْ جِهَةِ الطَّيْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُحَقِّقِينَ الْمُطَّلِعِينَ الْعَفْوَ عَنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا عُفِيَ عَنْ دَمِ الْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ وَهُوَ رَوْثُهُ وَكَمَا عُفِيَ عن أثر الاستنجاء بِالْأَحْجَارِ وَكَمَا عُفِيَ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ الَّذِي تَيَقَّنَّا نَجَاسَتَهُ وَكَمَا عُفِيَ عَنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ عَلَى الْأَصَحِّ وَنَظَائِرُ مَا ذَكَرْتُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَاضِحَةً فِي مَوَاضِعِهَا وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَحْوِ هَذَا فَقَالَ بِالْعَفْوِ ثُمَّ قَالَ الْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ كَأَنَّهُ يَسْتَمِدُّ مِنْ قَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَلِأَنَّ مَحَلَّ الطَّوَافِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا لَمْ يَزَلْ عَلَى هَذَا الْحَالِ وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْ الْمَطَافِ لِذَلِكَ وَلَا أَلْزَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٍ بَعْدَهُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ بِتَطْهِيرِ الطَّوَافِ عَنْ ذَلِكَ(8/15)
ولا ألزمووا اعادة الطواف بسبب ذلك والله أَعْلَمُ
* وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي الطَّوَافِ مُلَامَسَةُ النِّسَاءِ لِلزَّحْمَةِ فَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُزَاحِمَهُنَّ وَيَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ لَا يُزَاحِمْنَ بَلْ يَطُفْنَ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ فَإِنْ حَصَلَ لَمْسٌ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي بَابِهِ فَمَتَى انْكَشَفَ جُزْءٌ مِنْ عَوْرَةِ أَحَدِهِمَا بِتَفْرِيطِهِ بَطَلَ مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الطَّوَافِ (وَأَمَّا) مَا سَبَقَ مِنْهُ فَحُكْمُهُ فِي الْبِنَاءِ حُكْمُ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِهِ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي آخِرِ أَحْكَامِ الطَّوَافِ حَيْثُ ذَكَرَهُ المصنف ان اشاء اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْنِي وَإِنْ انْكَشَفَ بِلَا تَفْرِيطٍ وَسَتَرَ فِي الْحَالِ لَمْ يَبْطُلْ طَوَافُهُ كَمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي نِيَّةِ الطَّوَافِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ الطَّوَافُ فِي غَيْرِ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ لَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِلَا خِلَافٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الطَّوَافَ فَإِنْ طَافَ بِلَا
نِيَّةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) صِحَّتُهُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَالثَّانِي) بُطْلَانُهُ فَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إلَى غَرَضٍ آخَرَ مِنْ طَلَبِ غَرِيمٍ وَنَحْوِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يتشرط قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَرُبَّمَا كَانَ شَيْخِي يَقْطَعُ بِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ فَإِنْ صَرَفَهُ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَلَا يُعَدُّ طَائِفًا (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطُ وَلَوْ صَرَفَهُ صَحَّ طَوَافُهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَنَوَى غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عَنْهَا فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (احدها) لا يصح طوافه إلا بِنِيَّةٍ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا يَضُرُّ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ (وَأَصَحُّهَا) يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ
* وَلَوْ نام في الطواف أو بعضه على هيأة لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا يقرب من صرف النية إلى طلب لغريم قَالَ وَنَحْوُهُ أَنْ يَقْطَعَ بِصِحَّةِ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ الطَّوَافَ إلَى غَيْرِ النُّسُكِ فَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ غَيْرَ ذَاكِرٍ
* هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ (وَالْأَصَحُّ) صِحَّةُ طَوَافِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَجِّ كَمَا لَوْ طَافَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ طَوَافٌ عَنْ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي مَسَائِلِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَفْعَالُ(8/16)
الْحَجِّ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَبِمُزْدَلِفَةَ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ هَلْ يَفْتَقِرُ كُلُّ فِعْلٍ مِنْهَا إلَى نِيَّةٍ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يفتقر شئ مِنْهَا إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ تَشْمَلُهَا كُلَّهَا كَمَا أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ تَشْمَلُ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فِي رُكُوعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَاسِيًا أَجْزَأَهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي اسحق المروزي لا يفتقر شئ مِنْهَا إلَى النِّيَّةِ إلَّا الطَّوَافَ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَالصَّلَاةُ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا كَانَ مِنْهَا مُخْتَصًّا بِفِعْلٍ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ افْتَقَرَ وَمَا لَا يَخْتَصُّ وَإِنَّمَا هُوَ لُبْثٌ مُجَرَّدٌ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَبِمُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتِ لَا يَفْتَقِرُ
* هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي (وَالصَّحِيحُ) مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ إلَّا الْوَجْهَ الضَّعِيفَ فِي إيجَابِ نِيَّةِ الطَّوَافِ وَالصَّحِيحُ أَيْضًا عِنْدَهُ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهَا أَنَّهَا لَا
تَجِبُ كما سبق وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الطَّوَافُ إلَّا بِطَهَارَةٍ سَوَاءٌ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الطَّوَافِ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا وَجْهًا ضَعِيفًا بَاطِلًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الْأَبِيوَرْدِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَصِحُّ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِلَا طَهَارَةٍ وَتُجْبَرُ الطَّهَارَةُ بِالدَّمِ قَالَ الْإِمَامُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الدَّمَ إنَّمَا وَجَبَ جَبْرًا لِلطَّوَافِ لَا لِلطَّهَارَةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلطَّوَافِ فَلَوْ طَافَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا صَحَّ طَوَافُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي كون الطهارة واجبة مع اتفاقهم عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَمَنْ أَوْجَبَهَا مِنْهُمْ قَالَ إنْ طَافَ مُحْدِثًا لَزِمَهُ شَاةٌ وَإِنْ طَافَ جُنُبًا لَزِمَهُ بَدَنَةٌ قَالُوا وَيُعِيدُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَمَذْهَبِنَا (وَالثَّانِيَةُ) إنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَبَرَهُ بِدَمٍ
* وَقَالَ دَاوُد الطَّهَارَةُ لِلطَّوَافِ وَاجِبَةٌ فَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا أَجْزَأَهُ إلَّا الْحَائِضَ وَقَالَ الْمَنْصُورِيُّ مِنْ أَصْحَابِ دَاوُد الطَّهَارَةُ شَرْطٌ كَمَذْهَبِنَا
* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ بِعُمُومِ قوله تعالى (وليطوفوا بالبيت) وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الطَّوَافَ بِلَا طَهَارَةٍ قِيَاسًا عَلَى الْوُقُوفِ وَسَائِرِ أَرْكَانِ الْحَجِّ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اول شئ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ(8/17)
أَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي آخِرِ حَجَّتِهِ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) قَالَ أَصْحَابُنَا فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ طَوَافَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانٌ لِلطَّوَافِ الْمُجْمَلِ فِي الْقُرْآنِ (وَالثَّانِي) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) يَقْتَضِي وُجُوبَ كُلِّ مَا فَعَلَهُ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ
* وَعَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا حِينَ حَاضَتْ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ (اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهَا عَنْ الطَّوَافِ حَتَّى تَغْتَسِلَ
وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فِي الْعِبَادَاتِ (فان قيل) أنما نهاها لان الحائظ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ (قُلْنَا) هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (حَتَّى تَغْتَسِلِي) وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُك
* وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقُ (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ) وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَحْصُلُ مِنْهُ الدَّلَالَةُ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ اشْتَهَرَ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ حُجَّةً كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا عَنْ عُمُومِ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا عَامَّةٌ فَيَجِبُ تَخْصِيصُهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) أَنَّ الطَّوَافَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى طَوَافٍ مَكْرُوهٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِالْمَكْرُوهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوُقُوفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فِي غَيْرِ الطَّوَافِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَمْ تَكُنْ شَرْطًا بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُمْ سلموا وجوبا فِيهِ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي النِّيَّةِ فِي طَوَافِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة
* وقال احمد واسحق وأبوثو وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْكِتَابِ
*(8/18)
(فَرْعٌ)
سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِشَرْطٍ
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ) وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ وَتَقُولُ الْيَوْمَ يبدوا كله أو بعضه فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ) فَنَزَلَتْ (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي حُكْمِ طَوَافِ الْقُدُومِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَأْثَمْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ عَلَيْهِ دَمٌ
* وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَرِوَايَةٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُضَايِقًا لِلْوُقُوفِ فَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ * قال المصنف رحمه الله
* (والسنة ان يضطبع فيجعل وسط ردائه تحت منكبه الايمن ويطرح طرفيه على منكبه الايسر ويكشف الايمن لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا فامرهم النبي
صلى الله عليه وسلم فاضطبعوا فجعلوا أرديتهم تحت آباطهم وقذفوها على عواتقهم)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ فَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عواقتهم الْيُسْرَى) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (اضْطَبَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَرَمَلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَمَشَوْا أَرْبَعًا) وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ مُضْطَبِعًا بِبُرْدٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ مُضْطَبِعًا) إسْنَادُهُ صَحِيحٌ
* وَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ (فِيمَ الرملان الدان وَالْكَشْفُ عَنْ الْمَنَاكِبِ وَقَدْ وَطَّدَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا نَتْرُكُ شَيْئًا كُنَّا نَصْنَعُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الِاضْطِبَاعُ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّبُعِ - بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ - وَهُوَ الْعَضُدُ وَقِيلَ النِّصْفُ الْأَعْلَى مِنْ الْعَضُدِ وَقِيلَ مُنْتَصَفُ الْعَضُدِ وقيل هوا لابط قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَيُقَالُ لِلِاضْطِبَاعِ أَيْضًا التَّوَشُّحُ وَالتَّأَبُّطُ (وَقَوْلُهُ) وَسَطَ رِدَائِهِ هُوَ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ
* وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي غَيْرِ(8/19)
طَوَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَنَّهُ يُسَنُّ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَفِي طَوَافٍ وَاحِدٍ فِي الْحَجِّ وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ أَوْ الْإِفَاضَةِ وَلَا يُسَنُّ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ فِي طَوَافٍ يُسَنُّ فِيهِ الرَّمَلُ وَلَا يُسَنُّ فِيمَا لَا يُسَنُّ فِيهِ الرَّمَلُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ طواف الَّذِي يُسَنُّ فِيهِ الرَّمَلُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ إنَّمَا يُسَنُّ الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ فِي طَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ وَهُوَ إمَّا الْقُدُومُ وإما الافاضة ولا يتصور ان فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُمَا يُسَنَّانِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ سَعَى بَعْدَهُ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَكِنْ يَفْتَرِقُ الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ في شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ مَسْنُونٌ فِي جَمِيعِ الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ وَأَمَّا الرَّمَلُ إنَّمَا يُسَنُّ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَيَمْشِي
فِي الْأَرْبَعِ الْأَوَاخِرِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَنُّ الِاضْطِبَاعُ أَيْضًا فِي السَّعْيِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِيهِ مِمَّنْ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* وَهَلْ يُسَنُّ الِاضْطِبَاعُ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يُسَنُّ لِأَنَّ صُورَةَ الِاضْطِبَاعِ مَكْرُوهَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُسَنُّ فِي الصَّلَاةِ طَافَ مُضْطَبِعًا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ أَزَالَ الِاضْطِبَاعَ وَصَلَّى ثُمَّ اضْطَبَعَ فَسَعَى وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَضْطَبِعُ فِي الصَّلَاةِ اضْطَبَعَ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ ثُمَّ أَدَامَهُ فِي الطَّوَافِ ثُمَّ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ فِي السَّعْيِ وَلَا يُزِيلُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ السَّعْيِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِ الِاضْطِبَاعِ فِي ركعتي الطواف ومشهور ان فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ بِعَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ وَاتَّفَقَ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا سَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ وَيُدِيمُ الِاضْطِبَاعَ حَتَّى يُكْمِلَ سَعْيَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سَعْيُهُ - بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ - بَعْدَ الْعَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَبْعَةٌ - بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ - قَبْلَ الْعَيْنِ إلَى الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ
* ثُمَّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَضْطَبِعُ فِي جَمِيعِ مَسَافَةِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمِنْ أَوَّلِ السَّعْيِ إلَى آخِرِهِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْطَبِعُ فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ دُونَ مَوْضِعِ مَشْيِهِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الِاضْطِبَاعُ مَسْنُونٌ لِلرَّجُلِ وَلَا يُشْرَعُ لِلْمَرْأَةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يُشْرَعُ] [أَيْضًا لِلْخُنْثَى وَفِي الصَّبِيِّ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُسَنُّ لَهُ فَيَفْعَلُهُ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَفْعَلُهُ بِهِ وَلِيُّهُ كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يُشْرَعُ لَهُ قَالَهُ أَبُو علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ(8/20)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَضْطَبِعُ الصَّبِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجَلَدِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ المارودي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَوْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ فِي بعض الطواف أتى به فيما بي وَلَوْ تَرَكَهُ فِي الطَّوَافِ أَتَى بِهِ فِي السَّعْيِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الِاضْطِبَاعِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُشْرَعُ الِاضْطِبَاعُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا مُنْتَقِضٌ بِالرَّمَلِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
*
*
قَالَ المصنف رحمه الله تعالى
* (ويطوف سبعا لما روى جابر قَالَ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قدم مكة فطاف بالبيت سبعا ثم صلى) فان ترك بعض السبعة لم يجزه لان النبي صلى الله عليه وسلم (طاف سبعا وقال خذوا عني مناسككم))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ (خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَفَرَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ (وَاتَّخِذُوا من مقام ابراهيم مصلى) وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَرَوَاهُ جَابِرٌ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي أَبْوَابِ رَمْيِ الْجِمَارِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ الْإِسْرَاعِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ لَعَلِّي لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَشَرْطُ الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ سَبْعَ طَوْفَاتٍ كُلُّ مَرَّةٍ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَلَوْ بَقِيَتْ خُطْوَةٌ مِنْ السَّبْعِ لَمْ يُحْسَبْ طَوَافُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَاقِيًا فِي مَكَّةَ أَوْ انْصَرَفَ عَنْهَا وَصَارَ في وطنه ولا ينجبر شئ مِنْهُ بِالدَّمِ وَلَا بِغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الطَّوَافِ أَوْ السَّعْيِ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الاكثر لزمه الاخذ بالاقل(8/21)
المتقين كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ
* وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَوْ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ إنَّمَا طَافَ أَوْ سَعَى سِتًّا وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَكْمَلَ السَّبْعَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِمَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الشَّكُّ وَهُوَ فِي الطَّوَافِ أَمَّا إذا شك بعد فراغه فلا شئ عليه ويحتمل أن يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وهل يشترط موالاة الطوافات السبع فيه خلافا سَنَذْكُرُهُ مَبْسُوطًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أواخر أحكام الطواف حيث ذكره الْمُصَنِّفُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذكرنا أنه لو بقي شئ مِنْ الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ سَوَاءٌ قَلَّتْ الْبَقِيَّةُ أَمْ كَثُرَتْ وَسَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَمْ فِي وَطَنِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا مَذْهَبُ عطاء ومالك وأحمد وإسحق وَابْنِ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ لَزِمَ الْإِتْمَامُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ انْصَرَفَ مِنْهَا وَقَدْ طَافَ ثَلَاثَ طَوْفَاتٍ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ لِلْإِتْمَامِ وَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَ أَرْبَعًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ بَلْ أَجْزَأَهُ طَوَافُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ
* دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ الطَّوَافَ الْمَأْمُورَ بِهِ سَبْعًا فَلَا يَجُوزُ النَّقْصُ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الشَّاكِّ فِي الطَّوَافِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ شك في عد طَوَافِهِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ (قَالَ) وَلَوْ اخْتَلَفَ الطائفان في عدد الطواف قال عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ يَأْخُذُ بِقَوْلِ صَاحِبِهِ الَّذِي لَا يَشُكُّ وَقَالَ مَالِكٌ أَرْجُو أن يكون فيه سبعة
* قَالَ الشَّافِعِيُّ فَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عِلْمُ نَفْسِهِ لَا يَقْبَلُ قَوْلَ غَيْرِهِ
* قَالَ ابن المنذر وبه اقول والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجزئه حتى يطوف حول جميع البيت فان طاف على جدار الحجر لم يجزه لان الحجر من البيت والدليل عليه ما روت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الحجر من البيت) وان طاف علي شاذروان البيت لم يجزه لان ذلك كله من البيت)
* (الشَّرْحُ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجدار أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ قَالَ إنَّ قَوْمَك قَصُرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ (قُلْت) فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَالَ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا من شاؤا ويمنعوا من شاؤا ولولا أن قومك(8/22)
حديث عَهْدِهِمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بالارض) رواه البخاري ومسلم والجدر - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - هُوَ الْحِجْرُ
* وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (آهًا يَا عَائِشَةُ لَوْلَا أن قومك حديث عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْت بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ فَأُدْخِلُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ وَجَعَلْت لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلَغْت بِهِ
أَسَاسَ إبْرَاهِيمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (لولا أن قومك حديثوا عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَالَ بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْت كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَجَعَلْت بَابَهَا بِالْأَرْضِ وَلَأَدْخَلْت فِيهَا مِنْ الْحِجْرِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (يَا عَائِشَةُ لَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حديثوا عَهْدٍ بِشِرْكٍ لَنَقَضْت الْكَعْبَةَ فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ وَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا وَرَدَدْت فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حِينَ بَنَتْ الْكَعْبَةَ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (خَمْسُ أَذْرُعٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ قَوْمَك اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيْتِ وَلَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ أَعَدْت مَا تَرَكُوا مِنْهُ فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِك مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ فهلمي لا ريك ما تركوا منه فاراها قريبا من سبع أَذْرُعٍ) هَذِهِ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ فِي الْحِجْرِ وَهُوَ - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ - وَهُوَ مُحَوَّطٌ مُدَوَّرٌ على نصف دائراة وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ جِدَارِ الْبَيْتِ فِي صَوْبِ الشَّامِ تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ حِينَ بَنَتْ الْبَيْتَ فَأَخْرَجَتْهُ عَنْ بِنَاءِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَبَقَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَحَوَّطَ عَلَيْهِ جِدَارٌ قَصِيرٌ وَقَدْ وَصَفَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ فَأَحْسَنَ وَأَجَادَ فَقَالَ هُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ وَالْغَرْبِيِّ وَأَرْضُهُ مَفْرُوشَةٌ بِرُخَامٍ وَهُوَ مُسْتَوٍ بِالشَّاذَرْوَانِ قَالَ وَعَرْضُ الْحِجْرِ مِنْ جِدَارِ الْكَعْبَةِ الَّذِي تَحْتَ الْمِيزَابِ إلى جدار الحجر سبع عشرة ذِرَاعًا وَثَمَانِ أَصَابِعَ وَلِلْحِجْرِ بَابَانِ مُلْتَصِقَانِ بِرُكْنَيْ الْكَعْبَةِ الشَّامِيَّيْنِ
* قَالَ الْأَزْرَقِيُّ بَيْنَ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ عشرون ذراعا وعرضه اثنان وعشرون ذراعا وذراع جِدَارِهِ مِنْ دَاخِلِهِ فِي السَّمَاءِ ذِرَاعٌ وَأَرْبَعَ عشرة أصبعا وذرع جدار الْغَرْبِيِّ فِي السَّمَاءِ ذِرَاعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَذَرْعُ جدار الحجر من خارج مما يلي الركن الشامي ذراع وستة عشر أصبعا وطوله من وسطه في السماء ذراعا وَثَلَاثُونَ أُصْبُعًا وَعَرْضُ الْجِدَارِ ذِرَاعَانِ إلَّا أُصْبُعَيْنِ وَذَرْعُ تَدْوِيرِ الْحِجْرِ مِنْ دَاخِلِهِ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ(8/23)
ذِرَاعًا وَذَرْعُ تَدْوِيرِهِ مِنْ خَارِجِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وست اصابع وذرع طوفته وَاحِدَةٍ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَالْحِجْرِ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَاثْنَتَا عَشْرَةَ أُصْبُعًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْأَزْرَقِيِّ
* (وَأَمَّا) الشَّاذَرْوَانُ فَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي تَرَكُوهُ مِنْ عَرْضِ
الْأَسَاسِ خَارِجًا عَنْ عَرْضِ الْجِدَارِ مُرْتَفِعًا عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ
* قَالَ الْأَزْرَقِيُّ طُولُهُ فِي السَّمَاءِ سِتَّ عَشْرَةَ أُصْبُعًا وَعُشْرُ ذِرَاعٍ (قَالَ) وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الشَّاذَرْوَانُ جُزْءٌ مِنْ الْبَيْتِ نَقَضَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ أَصْلِ الْجِدَارِ حِينَ بَنَوْا الْبَيْتَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ عِنْدَهُ شَاذَرْوَانُ هَذَا بَيَانُ حَقِيقَتَيْ الْحِجْرِ وَالشَّاذَرْوَانُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الطَّائِفِ خَارِجًا عَنْ الشَّاذَرْوَانِ فَإِنْ طَافَ مَاشِيًا عَلَيْهِ وَلَوْ فِي خُطْوَةٍ لَمْ تَصِحَّ طَوْفَتُهُ تِلْكَ لِأَنَّهُ طَافَ فِي الْبَيْتِ لَا بِالْبَيْتِ
* ولو طاف خارجه الشَّاذَرْوَانُ وَكَانَ يَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ أَحْيَانًا عَلَى الشَّاذَرْوَانِ وَيَثِبُ بِالْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ بِالِاتِّفَاقِ
* ولو طاف خارج الذروان وَكَانَ يَمَسُّ الْجِدَارَ بِيَدِهِ فِي مُوَازَاةِ الشَّاذَرْوَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ فَفِي صِحَّةِ طَوَافِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ فِرَقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ طَافَ وَبَعْضُهُ فِي الْبَيْتِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ وَاسْتَبْعَدَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِجُمْلَةِ الْبَدَنِ وَلَا نَظَرَ إلَى عُضْوٍ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَائِفًا بِالْبَيْتِ
* وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ وَهِيَ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَرَأْسُهُ فِي حَالِ التَّقْبِيلِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْبَيْتِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ قَدَمَيْهِ فِي مَوْضِعِهِمَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّقْبِيلِ وَيَعْتَدِلَ قَائِمًا لِأَنَّهُ لَوْ زَلَّتْ قَدَمَاهُ عَنْ مَوْضِعِهِمَا إلَى جِهَةِ الْبَابِ قَلِيلًا وَلَوْ قَدْرَ شِبْرٍ أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّقْبِيلِ اعْتَدَلَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي زَلَّتَا إلَيْهِ وَمَضَى مِنْ هُنَاكَ فِي طَوَافِهِ لَكَانَ قَدْ قَطَعَ جُزْءًا مِنْ مَطَافِهِ وَيَدُهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ فَتَبْطُلُ طَوْفَتُهُ تِلْكَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى فَعَلَ فِي مُرُورِهِ مَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ طَوْفَتِهِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ مَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الطَّوْفَةِ لَا مَا مَضَى فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيَطُوفَ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ وَتُحْسَبُ طَوْفَتُهُ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي(8/24)
لَهُ أَنْ يَطُوفَ خَارِجَ الْحِجْرِ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ طَافَ فَسَلَكَ الْحَجَرَ أَوْ عَلَى جدار أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ
الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ أَحَدَ بَابَيْ الْحِجْرِ وَخَرَجَ مِنْ الْآخَرِ لم يحسب له ذلك ولاما بَعْدَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ منه في طوفته الاخرى
* واختلف أحصابنا فِي حُكْمِ الْحِجْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ كُلَّهُ مِنْ الْبَيْتِ فَيُشْتَرَطُ الطَّوَافُ خَارِجَهُ كُلَّهُ (وَالثَّانِي) أَنَّ بَعْضَهُ مِنْ الْبَيْتِ وَمَا زَادَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ وَفِي هَذَا الْبَعْضِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْمُفَرِّعِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سِتُّ أَذْرُعٍ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) سَبْعُ أَذْرُعٍ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَالثَّالِثُ) سِتُّ أَذْرُعٍ أَوْ سَبْعٌ وَبِهِ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي وَحَكَاهُ غَيْرُهُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ كَثِيرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْحِجْرَ كُلَّهُ مِنْ الْبَيْتِ
* قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ لَكِنْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي مِنْ الْبَيْتِ قَدْرُ سِتِّ أَذْرُعٍ يَتَّصِلُ بِالْبَيْتِ (وَقِيلَ) سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ قَالَ وَنَصُّ الْمُخْتَصَرِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا قَالَ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ بَابِ الْحِجْرِ بَلْ اقْتَحَمَ جِدَارَهُ وَخَلَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْقَدْرَ الَّذِي هُوَ مِنْ الْبَيْتِ وَقَطَعَ مَسَافَةَ الْحِجْرِ عَلَى السَّمْتِ صَحَّ طَوَافُهُ
* هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ جَزَمَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ والبغوي والمتولي وَجَمَاهِيرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَلَيْسَ هُوَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ هَكَذَا بَلْ الَّذِي فِي تعليقه انه لو طاف في شئ مِنْ الْحِجْرِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي تَعْلِيقِهِ غَيْرَهُ فَحَصَلَ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الطَّوَافُ خَارِجَ الْحِجْرِ أَمْ يَجُوزُ دَاخِلَهُ فَوْقَ الْأَذْرُعِ الْمَذْكُورَةِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ اشْتِرَاطُ الطَّوَافِ خَارِجَ جَمِيعِ الْحِجْرِ وَخَارِجَ جِدَارِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي النَّصِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنْ الْمُخْتَصَرِ وَدَلِيلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ خَارِجَ الْحِجْرِ وَهَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الطَّوَافِ خَارِجَ الْحِجْرِ سَوَاءٌ كَانَ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ أَمْ بَعْضُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مِنْ الْبَيْتِ فَالْمُعْتَمَدُ فِي بَابِ الْحَجِّ الِاقْتِدَاءُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَبَ الطَّوَافُ بِجَمِيعِهِ وَفِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا مِنِّي مَا أقول لكم وأسمعوني ي ما تقولون ولا تذهبوا فتقوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ) (أَمَّا) حَدِيثُ(8/25)
عَائِشَةَ فَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ الرِّوَايَاتُ قَدْ اضْطَرَبَتْ فِيهِ فَرُوِيَ الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ وَرُوِيَ سِتُّ أَذْرُعٍ وَرُوِيَ سِتٌّ أَوْ نَحْوُهَا وَرُوِيَ خَمْسُ أَذْرُعٍ وَرُوِيَ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِ أَذْرُعٍ قَالَ وَإِذَا اضْطَرَبَتْ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِأَكْثَرِهَا لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِمَّنْ قَطَعَ بِمَا ذَكَرَتْهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الطَّوَافِ خَارِجَ الْحِجْرِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ والقاضي أبو الطيب والمحاملي وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَوْ طَافَ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَوْ سَلَكَ فِي الْحِجْرِ أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد كَذَا حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ (الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ) قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ سَلَكَ الْحِجْرَ فِي طَوَافِهِ فَقَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يَصِحُّ مَا أَتَى بِهِ فِي الْحِجْرِ فَيُعِيدُ ذَلِكَ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُعِيدُ طَوَافَهُ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَحَلَّلَ لَزِمَهُ دَمٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْمَتْرُوكِ فَقَطْ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لَزِمَهُ دَمٌ
* قال ابن المنذر بقول عطاء أقول * قال المصنف رحمه الله
* (والافضل أن يطوف راجلا لانه إذا طاف راكبا زاحم الناس وأذاهم وان كان به مرض يشق معه الطواف راجلا لم يكره الطواف راكبا لما روت أم سلمة أنها قدمت مريضة فقال لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طوفي وراء الناس وأنت راكبة) وان كان راكبا من غير عذر جاز لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف راكبا ليراه الناس ويسألوه)
* (الشّرْحُ) حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَثَبَتَ طَوَافُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَثَبَتَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ وَلَفْظُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (طاف فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ)
* رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَفِي حَدِيثٍ (طَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجة الوادع عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ فَيَسْأَلُوهُ فَإِنَّ النَّاسَ غَشُّوهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (طَافَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كَرَاهَةَ أَنْ يُضْرِبَ عَنْهُ النَّاسُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فقال أصحابنا(8/26)
الْأَفْضَلُ أَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا وَلَا يَرْكَبَ إلَّا لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَى ظُهُورِهِ لِيُسْتَفْتَى وَيُقْتَدَى بِفِعْلِهِ فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا بِلَا عُذْرٍ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ لَكِنَّهُ خَالَفَ الْأَوْلَى كَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ
* وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْقَلْبِ مِنْ إدْخَالِ الْبَهِيمَةِ التي لا يؤمن تلويثها المسجد شئ فَإِنْ أَمْكَنَ الِاسْتِيثَاقُ فَذَلِكَ وَإِلَّا فَإِدْخَالُهَا الْمَسْجِدَ مَكْرُوهٌ
* هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِكَرَاهَةِ الطَّوَافِ رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطيب والعبدردي وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ
* قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِي الرُّكُوبِ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَحُكْمُ طَوَافِ الْمَحْمُولِ عَلَى أَكْتَافِ الرِّجَالِ كَالرَّاكِبِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ وَإِذَا كَانَ مَعْذُورًا فَطَوَافُهُ مَحْمُولًا أَوْلَى مِنْهُ رَاكِبًا صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ مِنْ الدابة (قال) وركوب الابل أيسر حالا مِنْ رُكُوبِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا فِي طَوَافِ الرَّاكِبِ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْمَاشِي أَوْلَى مِنْ طَوَافِ الرَّاكِبِ فَلَوْ طَافَ رَاكِبًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ صَحَّ طَوَافُهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْحَالَيْنِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنْ طَافَ رَاكِبًا لِعُذْرٍ أجزأه ولا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ طَافَ رَاكِبًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَ الطَّوَافَ وَاحْتَجَّا بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ فَلَا يُجْزِئُ فِعْلُهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ كَالصَّلَاةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ قَالُوا (إنَّمَا طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا لِشَكْوَى عَرَضَتْ لَهُ) كَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الثَّابِتَةَ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ طَوَافَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا لَمْ يَكُنْ لِمَرَضٍ بَلْ كَانَ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَيَسْأَلُوهُ وَلَا يُزَاحِمُوا عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فَضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضعيف قال البيهقي وهذه الرواية تفرد به يزيد هذا (وأما) قِيَاسُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ فَفَاسِدٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ رَاكِبًا إذَا كَانَتْ فَرِيضَةً وَقَدْ سَلَّمُوا صِحَّةَ الطَّوَافِ وَلَكِنْ ادَّعَوْا وُجُوبَ الدَّمِ وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ طَافَ زَحْفًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمَشْيِ فَطَوَافُهُ صَحِيحٌ لَكِنْ يُكْرَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِصِحَّتِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي أَثْنَاءِ دَلَائِلِ مَسْأَلَةِ طَوَافِ الرَّاكِبِ فَقَالَ طَوَافُهُ زَحْفًا كطوافه ماشيا منتصبا لا فرق بينهما * قال المصنف رحمه الله
*(8/27)
(وإن حمل محرم محرما وطاف به ونويا لم يجز عنهما جميعا لانه طواف واحد فلا يسقط به طوافان ولمن يكن الطواف فيه قولان
(أحدهما)
للمحمول لان الحامل كالراحلة (والثاني) انه للحامل لان المحمول لم يوجد منه فعل وإنما الفعل للحامل فكان الطواف له)
* (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ التَّعْلِيقِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الطَّوَافَ لِلْحَامِلِ وَنَصَّ فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ أَنَّهُ لِلْمَحْمُولِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ لِلْحَامِلِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْعَبْدَرِيُّ وَآخَرُونَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّوَافُ عَنْهُمَا هَكَذَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ قَوْلًا وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي (1) وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ رَأَيْت لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا أَنَّهُ يَقَعُ الطَّوَافُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْت فِي مُخْتَصَرٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الْمُزَنِيِّ سَمَّاهُ كِتَابَ الْمُسَافِرِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّهُ وُجِدَ الطَّوَافُ مِنْهُمَا مَعَ نِيَّتِهِمَا فَوَقَعَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ وَقَفَا بِعَرَفَاتٍ كَذَلِكَ
* (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْوُقُوفَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِعْلٌ إنَّمَا يُشْتَرَطُ السُّكُونُ فِيهَا فَأَجْزَأَهُمَا بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) وُقُوعُ الطَّوَافِ عَنْ الْحَامِلِ فَقَطْ (وَالثَّانِي) عَنْ الْمَحْمُولِ فَقَطْ (وَالثَّالِثُ) عَنْهُمَا هَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ الطَّوَافَ فَأَمَّا إذَا نَوَى الْمَحْمُولُ دُونَ الْحَامِلِ وَلَمْ يَكُنْ الْحَامِلُ مُحْرِمًا فَيَقَعُ عَنْ الْمَحْمُولِ بِلَا خِلَافٍ وَسَلَكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ طَرِيقَةً أُخْرَى اخْتَصَرَهَا الرافعي وجمع
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)(8/28)
مُتَفَرِّقَهَا فَقَالَ لَوْ حَمَلَ رَجُلٌ مُحْرِمًا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَطَافَ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْحَامِلُ حَلَالًا أَوْ
مُحْرِمًا قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ حُسِبَ الطَّوَافُ لِلْمَحْمُولِ بِشَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا وَلَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ نُظِرَ إنْ قَصْدَ الطَّوَافَ عَنْ الْمَحْمُولِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَقَعُ لِلْمَحْمُولِ فَقَطْ تَخْرِيجًا عَلَى قَوْلِنَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُصْرَفَ إلَى غَرَضٍ آخَرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَالثَّانِي) يَقَعُ عَنْ الْحَامِلِ فَقَطْ تَخْرِيجًا عَلَى قَوْلِنَا لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَإِنَّ الطَّوَافَ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَحْسُوبًا لَهُ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلَ مُحْرِمَيْنِ وَطَافَ بِهِمَا وَهُوَ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّ الطَّوَاف غَيْرُ مَحْسُوبٍ لِلْحَامِلِ فَيَكُونُ الْمَحْمُولَانِ كَرَاكِبَيْ دَابَّةٍ (وَالثَّالِثُ) يَقَعُ عَنْهُمَا جَمِيعًا
* وَإِنْ قَصَدَ الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَقَعَ عَنْهُ وَلَا يُحْسَبُ عَنْ الْمَحْمُولِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الطَّوَافَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمَحْمُولِ
* وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهَيْنِ فِي حُصُولِهِ لِلْحَمْلِ مَعَ الْحَامِلِ
* وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْ الْأَقْسَامِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَصَدَ نَفْسَهُ أَوْ كِلَيْهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي الصَّبِيِّ الْمَحْمُولُ حَمَلَهُ وَلِيُّهُ الَّذِي أَحْرَمَ عَنْهُ أَوْ غيره
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويبتدئ الطواف من الحجر الاسود والمستحب أن يستقبل الحجر الاسود لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (استقبله ووضع شفتيه عليه) فان لم يستقبله جاز لانه جزء من البيت فلا يجب استقباله كسائر اجزاء البيت ويحاذيه ببدنه لا يجزئه غيره وهل تجزئه المحاذاة ببعض البدن فيه قولان (قال) في القديم تجزئه محاذاته ببعضه لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ الْحَجَرِ جَازَتْ محاذاته ببعض البدن (وقال) في الجديد يجب أن يحاذيه بجميع البدن لان ما وجب فيه محاذاة البيت وجبت محاذاته بجميع البدن كالاستقبال في الصلاة
* ويستحب أن يستلم الحجر لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ اول ما يطوف) ويستحب أن يستفتح الاستلام بالتكبير لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يطوف على راحلته كلما أتى على الركن أشار بشئ في يده وكبر وقبله) ويستحب أن يقبله لما روى ابن عمر (ان عمر رضي الله عنه قبل الحجر ثم قال والله لقد علمت أنك حجر ولولا إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبلك ما قبلتك) فان لم يمكنه أن يستلم أو يقبل من الزحام أشار إليه بيده لما روى أبو مالك سعد بن طارق عن أبيه قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى(8/29)
الله عليه وسلم يطوف حول البيت فإذا ازدحم الناس على الطواف استلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحجن في يده) ولا يشير إلى القبلة بالفم لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يفعل ذلك
* ويستحب أن يقول عند الاستلام وابتداء الطواف بسم اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّى الله عليه وسلم لِمَا رَوَى جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استلم الركن الذي فيه الحجر وكبر ثم قال اللهم وفاء بعهدك وتصديقا بكتابك) وعن علي كرم الله وجهه أنه كان يقول إذا استلم الركن (اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم) وعن ابن عمر رضي الله عنهما مثله
* ثم يطوف فيجعل البيت على يساره ويطوف على يمينه لِمَا رَوَى جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أخذ في الطواف أخذ عن يمينه) فان طاف عن يساره لم يجزه لانه صلى الله عليه وسلم (طاف على يمينه وقال خذوا عني مناسككم) ولانه عبادة تتعلق بالبيت فاستحق فيها الترتيب كالصلاة)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطَوَافً مِنْ السَّبْعِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ استلام النبي صلى الله عليه وسلم الحجر فِي طَوَافِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ ابْنِ عُمَرَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إلَيْهِ بشئ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ عمربن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَقَالَ لولا أني رأيت رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَك مَا قَبَّلْتُك) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَبَّلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَجَرَ ثُمَّ قَالَ أما والله لقد علمت أنك حجر ولولا إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ الصَّحَابِيِّ قَالَ (رَأَيْت الْأَصْلَعَ يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأُقَبِّلُك وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ وَأَنَّك لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَك مَا قَبَّلْتُك) وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ عَابِسٍ
- بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - ابْنِ رَبِيعَةَ التَّابِعِيِّ قَالَ (رَأَيْت عُمَرَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ إنِّي لَأُقَبِّلُك وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ وَلَوْلَا إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك لَمْ أُقَبِّلْك) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غفلة(8/30)
- بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - قَالَ (رَأَيْت عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِك حَفِيًّا) وَإِنَّمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّك حَجَرٌ وَإِنَّك لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ لِيَسْمَعَ النَّاسُ هَذَا الْكَلَامَ وَيَشِيعَ بَيْنَهُمْ وَقَدْ كَانَ عَهْدُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ قَرِيبًا بِعِبَادَةِ الْأَحْجَارِ وَتَعْظِيمِهَا وَاعْتِقَادِ ضُرِّهَا وَنَفْعِهَا فَخَافَ أَنْ يَغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ مَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ عَنْ أَبِيهِ فَغَرِيبٌ فَيُغْنِي فِي الدَّلَالَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي سَبَقَ الْآنَ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ الطَّوَافِ سَبْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَكَانَ كَذَّابًا (وَأَمَّا) اسْتِحْبَابُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَاسْتَدَلَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ (كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَدْخُلُ مَكَّةَ ضُحًى فَيَأْتِي الْبَيْتَ فَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أكبر) والله أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَفِيهِ الِاسْتِلَامُ - بِكَسْرِ التَّاءِ - قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ افْتِعَالٌ مِنْ السَّلَامِ وَهُوَ التَّحِيَّةُ كَمَا يُقَالُ اقْتَرَأْتُ السَّلَامَ قَالَ وَلِذَلِكَ يُسَمِّي أَهْلُ الْيُمْنِ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ الْمُحَيَّا مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يُحْيُونَهُ
* قَالَ الْهَرَوِيُّ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ هُوَ افْتِعَالٌ مِنْ السِّلَامِ - بِكَسْرِ السِّينِ - وَهِيَ الْحِجَارَةُ وَاحِدَتُهَا سَلِمَةٌ - بِكَسْرِ اللَّامِ - تَقُولُ اسْتَلَمْت الْحَجَرَ إذَا لَمَسْته كَمَا تَقُولُ اكْتَحَلْت مِنْ الْكُحْلِ هَذَا كَلَامُ الْهَرَوِيِّ
* وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِالْيَدِ قَالَ وَلَا يُهْمَزُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السِّلَامِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ قَالَ وَهَمَزَهُ بَعْضُهُمْ
* وَقَالَ صاحب الحمكم اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَاسْتِلَامُهُ بِالْهَمْزِ أَيْ قَبَّلَهُ أَوْ اعْتَنَقَهُ قَالَ وَلَيْسَ أَصْلُهُ الْهَمْزُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ الِاسْتِلَامُ هُوَ أَنْ يُقَبِّلَ الْحَجَرَ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ وَفِي آخِرِهِ بَلْ فِي كُلِّ نَوْبَةٍ فَإِنْ عَجَزَ بِالزَّحْمَةِ مَسَّهُ بِالْيَدِ فَقَدْ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَغَلَّطُوهُ فِي تَفْسِيرِهِ الِاسْتِلَامَ بِالتَّقْبِيلِ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ هُوَ اللَّمْسُ بِالْيَدِ
وَالتَّقْبِيلُ سُنَّةٌ أُخْرَى مُسْتَحَبَّةٌ وَقَدْ يُتَأَوَّلُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَيَسْتَمِرُّ تَصْحِيحُهُ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ وصاحب المحكم (قوله) استلمه بمحجن هو - بِمِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ - وَهِيَ عَصَا مُعَقَّفَةُ الرَّأْسِ كَالصَّوْلَجَانِ وَجَمْعُهُ مَحَاجِنُ (قَوْلُهُ) إيمَانًا بِك أَيْ أَفْعَلُ هَذَا لِلْإِيمَانِ بِك (قَوْلُهُ) عَلَى يَسَارِهِ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (أَفْصَحُهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْفَتْحُ(8/31)
وَعَكَسَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ (قَوْلُهُ) عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ فَاسْتُحِقَّ فِيهَا التَّرْتِيبُ احْتِرَازٌ مِنْ تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ وَقَضَاءِ الصَّوْمِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجِبُ ابْتِدَاءُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ حَتَّى يَصِلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَإِذَا وَصَلَهُ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَوَافِهِ
* وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ بِوَجْهِهِ وَيَدْنُوَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا وَإِذَا أَرَادَ هَذَا الِاسْتِقْبَالَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَصِيرُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مَارًّا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ فَإِذَا جَاوَزَهُ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ وَانْفَتَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَيَمِينَهُ إلَى خَارِجٍ وَلَوْ فَعَلَ هَذَا مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ وَتَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّالِثَةُ) يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحَاذِيَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ جَمِيعَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَطَرِيقُهُ مَا سَبَقَ بَيَانُهُ الْآنَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَنْ يَقِفَ قِبَلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي ثُمَّ يَمُرُّ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ طَائِفًا حَوْلَ الْبَيْتِ فَيَمُرُّ جَمِيعُهُ بِجَمِيعِ الْحَجَرِ وَلَا يُقَدِّمُ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ فَلَوْ حَاذَاهُ بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَكَانَ بَعْضُهُ مُجَاوِزًا إلَى جِهَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَكَذَا ذكرهما الاصحاب قولين الا إمام الحرمين والغزالي فَحَكَوْهُمَا وَجْهَيْنِ
* وَالصَّوَابُ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) لَا يُجْزِئُهُ وهو الاصح (والقديم) يجزئه
* ولو حاذى بجيمع الْبَدَنِ بَعْضَ الْحَجَرِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ صَحَّ طَوَافُهُ بِلَا خِلَافٍ
* صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا كَمَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ فِي الصَّلَاةِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَعْضَ الْكَعْبَةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ الْحَجَرِ
جَازَتْ مُحَاذَاتُهُ بِبَعْضِ الْبَدَنِ أَيْ لَمَّا جَازَتْ مُحَاذَاةُ بَعْضِ الحجر بجيمع الْبَدَنِ بِلَا خِلَافٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ مُحَاذَاةُ كُلِّ الْحَجَرِ بِبَعْضِ الْبَدَنِ
* وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ (وَالْمَذْهَبُ) مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) يَنْبَغِي لَهُ فِي طَوَافِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ وَيَمِينُهُ إلَى خَارِجٍ وَيَدُورَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ كَذَلِكَ فَلَوْ خَالَفَ فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ وَمَرَّ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ الْبَيْتَ عَلَى يَمِينِهِ وَلَا يَسَارِهِ بَلْ اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ مُعْتَرِضًا وَطَافَ كَذَلِكَ أَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَمِينِهِ وَمَشَى قَهْقَرَى إلَى جِهَةِ الْبَابِ فَفِي صِحَّةِ طَوَافِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ
* قَالَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِعِبَارَةِ الاكثرين(8/32)
وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي فِي صُورَةِ مَنْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ وَمَشَى قَهْقَرَى بِأَنَّهُ يَصِحُّ لَكِنْ يُكْرَهُ (وَالْأَصَحُّ) الْبُطْلَانُ كَمَا سَبَقَ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ الْقِيَاسُ جَرَيَانَ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ مَرَّ مُعْتَرِضًا مُسْتَدْبِرًا
* هَذَا كَلَامُهُ (وَالصَّوَابُ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ مُنَابِذٌ لِمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ بِيَدِهِ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَعَ الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ بِأَنْ يَضَعَ الْجَبْهَةَ عَلَيْهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَ السُّجُودَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الثَّلَاثِ فَعَلَ الْمُمْكِنَ
* وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ وَقَالَ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَكَذَا فَفَعَلْت) وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ (رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ جَاءَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مُلَبِّدًا رَأْسَهُ فَقَبَّلَ الرُّكْنَ ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَبَّلَهُ ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى الْحَجَرِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُشِيرَ إلَى الْقُبْلَةِ بِالْفَمِ إذَا تَعَذَّرَتْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَنَعَتْهُ الزَّحْمَةُ وَنَحْوُهَا مِنْ التَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ عَلَيْهِ وَأَمْكَنَهُ الِاسْتِلَامُ اسْتَلَمَ فَإِنْ لَمْ
يُمْكِنْهُ أَشَارَ بِالْيَدِ إلَى الِاسْتِلَامِ وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَ الِاسْتِلَامِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِزَحْمَةٍ وَنَحْوِهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَلِمَ ثُمَّ يُقَبِّلَ الْيَدَ وَبَيْنَ أَنْ يُقَبِّلَ الْيَدَ ثُمَّ يَسْتَلِمَ بِهَا وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الِاسْتِلَامِ ثُمَّ يُقَبِّلُهَا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِلَامِ بِالْيَدِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَلِمَ بِعَصَا وَنَحْوِهَا لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ أشار بيده أو بشئ فِي يَدِهِ إلَى الِاسْتِلَامِ ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ
* وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَا ذَكَرْته فِي هَذَا الْفَرْعِ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَدِلَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ
* وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ (رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى تَعَذُّرِ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيثُ فِي اسْتِلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ بِالْمِحْجَنِ
*(8/33)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ تَقْبِيلُ الحجر ولا استلامه إلا عند خلوا لمطاف فِي اللَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِهِنَّ وَضَرَرِ الرِّجَالِ بِهِنَّ
* (فَرْعٌ)
لِلْكَعْبَةِ الْكَرِيمَةِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ - الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ - ثُمَّ الرُّكْنَانِ الشَّامِيَّانِ ثُمَّ الرُّكْنُ الْيَمَانِي وَيُقَالُ لِلْأَسْوَدِ وَالْيَمَانِي الْيَمَانِيَانِ - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ
* فَالْأَسْوَدُ وَالْيَمَانِي مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّامِيَّانِ لَيْسَا عَلَى قَوَاعِدِهِ بَلْ مُغَيَّرَانِ لِأَنَّ الْحِجْرَ يَلِيهِمَا وَكُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مِنْ الْبَيْتِ كَمَا سَبَقَ
* وَلِلرُّكْنِ الْأَسْوَدِ فَضِيلَتَانِ كَوْنُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِيهِ وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلرُّكْنِ الْيَمَانِي فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ لِلشَّامِيِّينَ شئ مِنْ الْفَضِيلَتَيْنِ
* فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَالسُّنَّةُ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ وَالسُّنَّةُ فِي الرُّكْنِ اليماني استلامه ولا يقبل والسنة أن لَا يُقَبَّلُ الشَّامِيَّانِ وَلَا يُسْتَلَمَانِ فَخَصَّ الْأَسْوَدَ بِالتَّقْبِيلِ مَعَ الِاسْتِلَامِ لِأَنَّ فِيهِ فَضِيلَتَيْنِ وَالْيَمَانِيَ بِالِاسْتِلَامِ لِأَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَاحِدَةً وَانْتَفَتْ الْفَضِيلَتَانِ فِي الشَّامِيَّيْنِ
* وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا لِمَا ذَكَرْته بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (مَا تَرَكْت اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ
الْيَمَانِي وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ قَالَ (لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنْ البيت الي الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ حِينَ بَلَغَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ (لَوْلَا أن قومك حديثوا عَهْدٍ بِكُفْرٍ) الْحَدِيثَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لم يتم عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ (كَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّهُ لَا يستلم هذان الركنان فقال ليس شئ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَسْتَلِمُهُنَّ كُلُّهُنَّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَهَذَا مَذْهَبُ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِيَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَخَذَاهُ بِاجْتِهَادِهِمَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ خَالَفَهُمَا فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ اسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ (وَأَمَّا) قول معاوية (ليس شئ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا) فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ(8/34)
فَقَالَ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّ عَدَمَ اسْتِلَامِهِمَا هَجْرٌ لِلْبَيْتِ لَكِنَّهُ اسْتَلَمَ مَا اسْتَلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْسَكَ مَا أَمْسَكَ عَنْهُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِلَامُ الْيَمَانِي دُونَ تَقْبِيلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا اسْتَلَمَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ
* وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي إنْ شَاءَ قَبَّلَهَا قَبْلَ الِاسْتِلَامِ وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ وَلَا فَضِيلَةَ فِي تَقْدِيمِ الِاسْتِلَامِ
* وَذَكَرَ الْفُورَانِيُّ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا أَيْضًا عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُقَبِّلُ يَدَهُ وَيَسْتَلِمُهُ كَأَنَّهُ يَنْقُلُ الْقُبْلَةَ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَنْقُلُ بَرَكَتَهُ إلَى نَفْسِهِ (وَالْمَذْهَبُ) اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ الِاسْتِلَامِ
* وَجَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُوَافِقُ الْمَذْهَبَ وَالْآخَرُ يُخَالِفُهُ فَالْمُوَافِقُ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ فَقَبَّلَهُ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ فَقَبَّلَ يَدَهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ
* وَالْمُخَالِفُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسلم
ابن هُرْمُزَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ قَبَّلَهُ وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ قَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الله ابن مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ وَالْأَخْبَارُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالسُّجُودِ عَلَيْهِ (1) قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَإِنَّهُ أَيْضًا يُسَمَّى بِذَلِكَ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ فِي الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ عَلَى الْحَجَرِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَتَقْبِيلُهُ وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَتَقْبِيلُ الْيَدِ بَعْدَهُ عِنْدَ مُحَاذَاتِهِمَا فِي كُلِّ طَوْفَةٍ مِنْ السَّبْعِ وَهُوَ فِي الْأَوْتَارِ آكَدُ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَوَّلًا وَعِنْدَ ابْتِدَائِهِ بِالْمَشْيِ فِي الطَّوَافِ أَيْضًا بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْتِي بِهَذَا الذِّكْرِ أَيْضًا عَنْدَ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ آكَدُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ وَمَا ذَكَرَ اللَّهَ تعالى به وصلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسَنٌ
*(8/35)
(فَرْعٌ)
فِي فَضِيلَةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ قال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ يَاقُوتُتَانِ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُمَا ولولا ذلك لاضاءا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ (الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ وَلَوْلَا مَا مَسَّهُمَا مِنْ خَطَايَا بَنِي آدَمَ لاضاءا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا مَسَّهُمَا مِنْ ذِي عَاهَةٍ وَلَا
سَقِيمٍ إلَّا شُفِيَ) وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةٍ (لَوْلَا مَا مَسَّهُ مِنْ أَنْجَاسِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا مَسَّهُ ذُو عَاهَةٍ إلَّا شفى وما على الارض شئ مِنْ الْجَنَّةِ غَيْرُهُ) إسْنَادُهَا صَحِيحٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَبْعَثْنَ اللَّهُ الْحَجَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ (لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ) وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذَا الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْجَنَّةِ وانه لا ينبغي لشئ يَخْرُجُ مِنْ الْجَنَّةِ إلَّا رَجَعَ إلَيْهَا قَبْلَ يوم القيامة) رواه القاسم الطبراني
* (فرع)
قد ذكرنا فِي آخِرِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ أَنَّ الْكَعْبَةَ الكريمة بنيت خمس مرات وقيل سبع وَفَصَّلْنَاهُنَّ وَذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُحِبُّ أَنْ لَا تُهْدَمَ الْكَعْبَةُ وَتُبْنَى لِئَلَّا تَذْهَبَ حُرْمَتُهَا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ جُمَلًا مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَرَمِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الدارمي لو محى الحجر الاسود العياذ بِاَللَّهِ مِنْ مَوْضِعِهِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الَّذِي كَانَ فيه وقبله وسجد عليه * قال المصنف رحمه الله
* (والمستحب أن يدنو من البيت لانه هو المقصود فكان القرب منه أفضل فإذا بلغ الركن اليماني فالمستحب أن يستلمه لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (كان يستلم الركن اليماني والاسود ولا يستلم الآخران) ولانه ركن بني على قواعد ابراهيم عليه السلام فيسن فيه الاستلام كالركن الاسود
* ويستحب أن يستلم الركنين في كل طوفة لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يستلم الركنين في كل طوفة) ويستحب كلما حاذى الحجر الاسود أن يكبر ويقبله لانه مشروع في محل فتكرر بتكرره كالاستلام
* ويستحب إذا استلم أن يقبل يده لما روى نافع قال (رأيت ابن عمر]
__________
(1) بياض بالاصل فحرر(8/36)
استلم الحجر بيده وقبل يَدَهُ وَقَالَ مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله) ويستحب أن يدعو بين الركن اليماني والركن الاسود لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال (عند الركن اليماني
ملك قائم يقول آمين فإذا مررتم به فقولوا رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار)
* (الشَّرْحُ) جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الَّتِي فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ سَبَقَ بَيَانُهَا وَاضِحَةً فِي الْقِطْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا إلَّا مَسْأَلَةَ الدُّنُوِّ مِنْ الْبَيْتِ وَسَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً مَعَ مَسْأَلَةِ الدُّعَاءِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَسَبَقَ بَيَانُ حَدِيثَيْ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمِيعًا وَلَفْظُهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ وَالْحَجَرَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ) (وأما) الاثر المذكور عن ابْنِ عَبَّاسٍ فَغَرِيبٌ لَكِنْ يُغْنِي عَنْهُ أَجْوَدُ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ(8/37)
فِيهِ رَجُلَانِ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْعُلَمَاءُ فِيهِمَا بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَيَقْتَضِي أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ عِنْدَهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ
* (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ الرُّكْنُ الْيَمَانِي هُوَ - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَكَذَا الرُّكْنَانِ الْيَمَانِيَانِ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ تَشْدِيدُهَا لِأَنَّهَا نِسْبَةٌ إلَى الْيَمَنِ فَجُعِلَتْ الْأَلِفُ عِوَضًا مِنْ إحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا تَشْدِيدَهَا فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَتَكُونُ الْأَلِفُ زَائِدَةً كَمَا زِيدَتْ الْأَلِفُ وَالنُّونُ فِي رَقَبَانِي مَنْسُوبٌ إلَى الرَّقَبَةِ وَنَظَائِرُهُ
* (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ رُكْنٌ بُنِيَ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ احْتِرَازٌ مِنْ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُسْتَحَبُّ إذَا اسْتَلَمَ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَهُ فَكَلَامٌ نَاقِصٌ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَسْتَلِمَ وَيُقَبِّلَ فَإِذَا قَبَّلَهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَبِّلَ الْيَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ تَعَذَّرَ التَّقْبِيلُ اسْتَلَمَ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ
* هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ عِبَارَتُهُ نَاقِصَةٌ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا سَبَقَتْ وَاضِحَةً إلَّا مَسْأَلَتَيْ الدُّنُوِّ مِنْ الْبَيْتِ وَالدُّعَاءِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ (فَأَمَّا) الدُّعَاءُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَهُمَا الْأَسْوَدُ وَالْيَمَانِي فاتفق الشافعي والاصحاب على استحبابه وباي شئ حَصَلَ الِاسْتِحْبَابُ وَأَفْضَلُهُ رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار للحديث السا بق وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ (أَنَّ هَذَا كَانَ أَكْثَرَ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى استحبابه ايضا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ الدُّنُوُّ مُسْتَحَبٌّ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْبَيْتَ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ فَالدُّنُوُّ مِنْهُ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ أَيْسَرُ فِي اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ الْبَيْتِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ الْبُعْدِ فَكَذَا فِي الطَّوَافِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَلَا يَتَأَذَّى بِالزَّحْمَةِ فَإِنْ تَأَذَّى أَوْ آذَى بِالْقُرْبِ لِلزَّحْمَةِ فَالْبُعْدُ إلَى حَيْثُ يَزُولُ التَّأَذِّي وَالْأَذَى أَوْلَى هَكَذَا أَطْلَقُوهُ
* وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ الِاسْتِلَامَ مَا لَمْ يُؤْذِ غَيْرَهُ بِالزِّحَامِ أَوْ يُؤْذِهِ غَيْرُهُ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ الِاسْتِلَامُ وَإِنْ كَانَ فِي الزِّحَامِ أَوْ فِي آخِرِ الطَّوَافِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقُرْبُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يُنْظَرُ إلَى كثرة الخطا فِي الْبُعْدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إكْرَامُ الْبَيْتِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْقُرْبِ هُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ لَا تَدْنُوَ فِي حَالِ طَوَافِ الرِّجَالِ بَلْ تَكُونُ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ بِحَيْثُ لَا تُخَالِطُ الرِّجَالَ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ فِي اللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَصُونُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا(8/38)
مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْفِتْنَةِ فَإِنْ كَانَ الْمَطَافُ خَالِيًا مِنْ الرِّجَالِ اُسْتُحِبَّ لَهَا الْقُرْبُ كَالرَّجُلِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَى الرَّجُلِ الْقُرْبُ مِنْ الْكَعْبَةِ مَعَ الرَّمَلِ لِلزَّحْمَةِ فَإِنْ رَجَا فُرْجَةً اُسْتُحِبَّ أَنْ يَنْتَظِرَهَا لِيَرْمُلَ إنْ لَمْ يُؤْذِ بوقوفه احد وَإِنْ لَمْ يَرْجُهَا فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الرَّمَلِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الْقُرْبِ بِلَا رَمَلٍ
* هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالُوا لِأَنَّ الرَّمَلَ شِعَارٌ مُسْتَقِلٌّ وَلِأَنَّ الرَّمَلَ فَضِيلَةٌ تتعلق بنفس العبادة والقرب فضيلة تتعلق بموضع الْعِبَادَةِ
* قَالُوا وَالْمُتَعَلِّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَأَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ قَالُوا وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلَ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقُرْبُ مِنْ الْكَعْبَةِ بِلَا خِلَافٍ
* وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّبَاعُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هَذَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَافَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَصِحَّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا شَرْطُ الطَّوَافِ وُقُوعُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَا بَأْسَ بِالْحَائِلِ
فِيهِ بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْبَيْتِ كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي وَغَيْرِهَا
* قَالُوا وَيَجُوزُ الطَّوَافُ فِي أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ وَأَرْوِقَتِهِ وَعِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ دَاخِلِهِ
* قَالُوا وَيَجُوزُ عَلَى سُطُوحِ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْبَيْتُ أَرْفَعَ بِنَاءً مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ الْيَوْمُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ جُعِلَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ أَعْلَى مِنْ سَطْحِ الْكَعْبَةِ فقد ذكر صاحب العداة أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الطَّوَافُ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ لَوْ صَحَّ قَوْلُهُ لَزِمَ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ لَوْ انْهَدَمَتْ الْكَعْبَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ لَمْ يَصِحَّ الطَّوَافِ حَوْلَ عَرْصَتِهَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِأَنَّهُ لَوْ طَافَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ صَحَّ وَإِنْ ارْتَفَعَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ قَالَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ مَعَ ارْتِفَاعِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَسُعَ الْمَسْجِدُ اتَّسَعَ الْمَطَافُ وَصَحَّ الطَّوَافُ فِي جَمِيعِهِ وَهُوَ الْيَوْمَ أَوْسَعُ مِمَّا كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ زِيدَتْ فِيهِ فَأَوَّلُ من راده عمر بن الخطاب رضي الله عَنْهُ اشْتَرَى دُورًا فَزَادَهَا فِيهِ وَاِتَّخَذَ لِلْمَسْجِدِ جِدَارًا قَصِيرًا دُونَ الْقَامَةِ وَكَانَ عُمَرُ أَوَّلَ مَنْ اتَّخَذَ لَهُ الْجِدَارَ ثُمَّ وَسَّعَهُ عُثْمَانُ وَاِتَّخَذَ لَهُ الْأَرْوِقَةَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهَا ثُمَّ وَسَّعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ ثُمَّ وَسَّعَهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثُمَّ الْمَنْصُورُ ثُمَّ الْمَهْدِيُّ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ بِنَاؤُهُ إلَى وَقْتِنَا هَذَا وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا مَعَ نَفَائِسَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْكَعْبَةِ فِي كِتَابِ المناسك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*(8/39)
(والسنة ان يرمل في الثلاثة الاولى ويمشي في الاربعة لما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا طاف بالبيت الطواف الاول خب ثلاثا ومشي اربعا) فان كان راكبا حرك دابته في موضع الرمل وإن كان محمولا رمل به الحامل
* ويستحب أن يقول في رمله اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مشكورا ويدعو بما أحب من أمر الدين والدنيا قال في الام ويستحب ان يقرأ القرآن لانه موضع ذكر والقرآن من أعظم الذكر
* فان ترك الرمل في الثلاث لم يقض في الاربعة لانه هيئة في محل فلا يقضي في غيره كالجهر بالقراءة في الاوليين ولان السنة في الاربع المشي فإذا قضي الرمل في الاربعة أخل بالسنة في جميع الطواف
* وإذا اضطبع ورمل في طواف
القدوم نظرت فان سعي بعده لم يعد الرمل والاضطباع في طواف الزيارة لِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا طاف الطواف الاول خب ثلاثا ومشي اربعا) فدل على انه لم يعد في غيره وان لم يسع بعده وأخر السعي إلى ما بعد طواف الزيارة اضطبع ورمل في طواف الزيارة لانه يحتاج إلى الاضطباع للسعي فكره أن يفعل ذلك في السعي ولا يفعله في الطواف وان طاف للقدوم وسعي بعده ونسي الرمل والاضطباع في الطواف فهل يقضيه في طواف الزيارة فيه وجهان
(أحدهما)
انه يقضي لانه ان لم يقض فاتته سنة الرمل والاضطباع ومن اصحابنا من قال لا يقضي وهو المذهب لانه لو جاز أن يقضي الرمل لقضاه في الاشواط الاربعة
* فان ترك الرمل والاضطباع والاستلام والتقبيل والدعاء في الطواف جاز ولا يلزمه شئ لان الرمل والاضطباع هيئة فلم يتعلق بتركها جبران كالجهر والاسرار في القراءة والتورك والافتراش في التشهد والاستلام والتقبيل والدعاء كمال فلا يتعلق به جبران كالتسبيح في الركوع والسجود
* ولا ترمل المراة ولا تضطبع لان في الرمل تبين أعظاؤها وفي الاضطباع ينكشف ما هو عورة منها)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ هُنَا وَمَعْنَى خَبَّ رَمَلَ وَالرَّمَلُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ - وَهُوَ سُرْعَةِ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الخطا وَهُوَ الْخَبَبُ يُقَالُ رَمَلَ يَرْمُلُ - بِضَمِّ الْمِيمِ - رَمَلًا وَرَمَلَانًا (قَوْلُهُ) حَجًّا مَبْرُورًا هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ إثْمٌ وَقِيلَ هُوَ الْمَقْبُولُ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ أَوَّلَ كِتَابِ الْحَجِّ (وَالْقَوْلُ) الْأَوَّلُ قَوْلُ شِمْرٍ وَآخَرِينَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبِرِّ وَهُوَ الطَّاعَةُ (وَالْقَوْلُ) الثَّانِي قَوْلُ الْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَصْلُهُ مِنْ الْبِرِّ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ وَمِنْهُ بَرَرْتُ فُلَانًا أَيْ وَصَلْتُهُ وَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ بِرٌّ وَيُقَالُ بَرَّ اللَّهُ(8/40)
حَجَّهُ وَأَبَرَّهُ (قَوْلُهُ) وَذَنْبًا مَغْفُورًا قَالَ الْعُلَمَاءُ تَقْدِيرُهُ اجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ اجْعَلْهُ عَمَلًا مُتَقَبَّلًا يُذْكَرُ لِصَاحِبِهِ ثَوَابُهُ فَهَذَا مَعْنَى الْمَشْكُورِ عِنْدَ الْأَزْهَرِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ عَمَلًا يُشْكَرُ صَاحِبُهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَمَسَاعِي الرَّجُلِ أَعْمَالُهُ وَاحِدَتُهَا مَسْعَاةٌ (قَوْلُهُ) والقرآن من اعظم الذكر هكذا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالْأَجْوَدُ حَذْفُ مِنْ فَيُقَالُ أَعْظَمُ الذِّكْرِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ احْتِرَازٌ مِمَّنْ تَرَكَ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاتِهِ (قَوْلُهُ) الْأَشْوَاطُ الْأَرْبَعَةُ خِلَافُ طَرِيقَةِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا
تَسْمِيَتَهُ أَشْوَاطًا كَمَا سَأُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الرَّمَلِ فِي الطَّوْفَاتِ الثَّلَاثِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِثْلِهِ قَالُوا وَالرَّمَلُ هُوَ إسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى قَالُوا وَلَا يَثِبُ وَلَا يَعْدُو عَدْوًا قَالُوا وَالرَّمَلُ هُوَ الْخَبَبُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (خَبَّ ثَلَاثًا) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَلَّطَ الْأَئِمَّةُ مَنْ قَالَ دُونَ الْخَبَبِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الرَّمَلُ فَوْقَ سَجِيَّةِ الْمَشْيِ وَدُونَ الْعَدْوِ قَالَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي الصَّيْدَلَانِيُّ هُوَ سُرْعَةٌ فِي الْمَشْيِ دُونَ الْخَبَبِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا عِنْدِي زَلَلٌ فَإِنَّ الرَّمَلَ فِي فِعْلِ النَّاسِ كَافَّةً كَأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الْخَبَبِ يُشِيرُ إلَى قَفَزَانٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَنُّ الرَّمَلُ فِي الطوفات الثلاث الاول وَيُسَنُّ الْمَشْيُ عَلَى الْهِينَةِ فِي الْآخِرَةِ فَلَوْ فَاتَهُ فِي الثَّلَاثِ لَمْ يَقْضِهِ فِي الْأَرْبَعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ قُطِعَتْ مُسَبَّحَتُهُ الْيُمْنَى لَا يُشِيرُ فِي التَّشَهُّدِ بِالْيُسْرَى وَسَبَقَ إيضَاحُهُ مَعَ نَظَائِرِهِ
* وَهَلْ يَسْتَوْعِبُ الْبَيْتَ بِالرَّمَلِ فِيهِ طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَسْتَوْعِبُهُ فَيَرْمُلُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَلَا يَقِفُ إلَّا فِي حَالِ الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ عَلَى الْحَجَرِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَذَكَرَهُمَا الْغَزَالِيُّ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَرْمُلُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ بَلْ يَمْشِي
* وَجَاءَ الْأَمْرَانِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَثَبَتَ الثَّانِي مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهِنَتْهُمْ الْحُمَّى فَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ وَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا) وَكَذَا
* قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنَّا) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
*(8/41)
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ الثَّلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ الْحَجَرِ
إلَى الْحَجَرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ الثَّلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُبْطِلُونَهُ وَقَدْ جَاءَتْ لَهُ نَظَائِرُ فِي الصَّحِيحِ فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ فِي اسْتِيعَابِ الرَّمَلِ بِالْبَيْتِ وَعَدَمِ اسْتِيعَابِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ في عمرة القضاء سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَكَانَ أَهْلُهَا مُشْرِكِينَ حِينَئِذٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا فَيَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الطَّوَافِ الَّذِي يُشْرَعُ بِهِ الرَّمَلُ وَقَدْ اضْطَرَبَتْ طُرُقُ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَلَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ مُتْقَنَةً فَقَالَ لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّمَلَ لَا يُسَنُّ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَلْ إنَّمَا يُسَنُّ فِي طَوَافٍ وَاحِدٍ وَفِي ذَلِكَ الطَّوَافِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يُسَنُّ فِي طَوَافٍ يَسْتَعْقِبُ السَّعْيَ (وَالثَّانِي) يُسَنُّ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ مُطْلَقًا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا رَمَلَ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ بِلَا خِلَافٍ
* وَيَرْمُلُ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِوُقُوعِ طَوَافِهِ مُجْزِئًا عَنْ الْقُدُومِ مَعَ اسْتِعْقَابِهِ السَّعْيَ وَيَرْمُلُ أَيْضًا الْحَاجُّ الْأُفُقِيُّ إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ (أَمَّا) مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَأَرَادَ طَوَافَ الْوُقُوفِ فَهَلْ يَرْمُلُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ لَا يَسْعَى عَقِبَهُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (الْأَوَّلُ) الْأَصَحُّ لَا يَرْمُلُ (وَالثَّانِي) يرمل(8/42)
وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِاسْتِعْقَابِهِ السَّعْيَ فَأَمَّا إنْ كَانَ يَسْعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَيَرْمُلُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا رَمَلَ فِيهِ وَسَعَى بَعْدَهُ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِلَا خِلَافٍ إنْ لَمْ يُرِدْ السَّعْيَ بَعْدَهُ وَإِنْ أَرَادَ إعَادَةَ السَّعْيِ بَعْدَهُ لَمْ يَرْمُلْ بَعْدَهُ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ لَا يَرْمُلُ (وَالثَّانِي) يَرْمُلُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ
* وَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ وَنَوَى أَنْ لَا يَسْعَى بَعْدَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ وَسَعَى وَلَمْ يَكُنْ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ فَهَلْ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ
* وَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ فَرَمَلَ فِيهِ وَلَمْ يَسْعَ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِبَقَاءِ السَّعْيِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فَرَّعُوهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي يَعْتَبِرُ اسْتِعْقَابَ السَّعْيِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَعْتَبِرُ اسْتِعْقَابَ السَّعْيِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَرْمُلَ فِي الْإِفَاضَةِ (وَأَمَّا) الْمَكِّيُّ الْمُنْشِئُ
حَجَّةً مِنْ مَكَّةَ فَهَلْ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الثَّانِي لَمْ يَرْمُلْ إذْ لَا قُدُومَ فِي حَقِّهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ رَمَلَ لِاسْتِعْقَابِهِ السَّعْيَ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ (وَأَمَّا) الطَّوَافُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ طَوَافَيْ الْقُدُومِ وَالْإِفَاضَةِ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ الرَّمَلُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الطَّائِفُ حَاجًّا أو معتمرا متبرع بِطَوَافٍ آخَرَ أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بطواف قدوم ولا يستعقب سَعْيًا وَإِنَّمَا يَرْمُلُ فِي قُدُومٍ أَوْ مَا يَسْتَعْقِبُ سَعْيًا كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاضْطِبَاعُ مُلَازِمٌ لِلرَّمَلِ فَحَيْثُ اسْتَحْبَبْنَا الرَّمَلَ بِلَا خِلَافٍ فَكَذَا الِاضْطِبَاعُ وَحَيْثُ لَمْ نَسْتَحِبَّهُ بِلَا خِلَافٍ فَكَذَا الِاضْطِبَاعُ وَحَيْثُ جَرَى خِلَافٌ جَرَى فِي الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ جَمِيعًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الِاضْطِبَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ الْبَيْتِ مُسْتَحَبٌّ لِلطَّائِفِ وَأَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ الرَّمَلُ مَعَ الْقُرْبِ لِلزَّحْمَةِ فَإِنْ رَجَا فُرْجَةً وَلَا يَتَأَذَّى أَحَدٌ بِوُقُوفِهِ وَلَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ وَقَفَ لِيَرْمُلَ وَإِلَّا فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الرَّمَلِ مَعَ الْبُعْدِ أَوْلَى فَلَوْ كَانَ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ نِسَاءٌ وَلَمْ يَأْمَنْ مُلَامَسَتَهُنَّ لَوْ تَبَاعَدَ فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى مِنْ الْبُعْدِ مَعَ الرَّمَلِ حَذَرًا مِنْ انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ
* وَكَذَا لَوْ كَانَ بِالْقُرْبِ أَيْضًا نِسَاءٌ وَتَعَذَّرَ الرَّمَلُ فِي جَمِيعِ الْمَطَافِ لِخَوْفِ الْمُلَامَسَةِ فَتَرْكُ الرَّمَلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَفْضَلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى تَعَذَّرَ الرَّمَلُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَحَرَّكَ فِي مَشْيِهِ وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الرَّمَلُ لَرَمَلَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ كَمَا قُلْنَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لاشعر عَلَى رَأْسِهِ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ
*(8/43)
(فَرْعٌ)
لَوْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا فَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَرِّكَ الدَّابَّةَ لِيُسْرِعَ كَإِسْرَاعِ الرَّامِلِ وَيُسْرِعَ بِهِ الْحَامِلُ أَمْ لَا فِيهِ أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ فِيهِمَا قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ كَحَرَكَةِ الرَّاكِبِ وَالْمَحْمُولِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ الرَّمَلَ مُسْتَحَبٌّ لِلطَّائِفِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودٌ هُنَا وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ وَالْحَامِلَ قَدْ يُؤْذِيَانِ الطَّائِفَيْنِ بِالْحَرَكَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي الْجَامِعِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ إنْ طَافَ رَاكِبًا حَرَّكَ دَابَّتَهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ حُمِلَ فَقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) يَرْمُلُ بِهِ الْحَامِلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَالْقَدِيمُ) لَا يَرْمُلُ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) إنْ كَانَ الْمَحْمُولُ صَبِيًّا رَمَلَ
حَامِلُهُ قَطْعًا وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ (وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ) يَرْمُلُ بِهِ الْحَامِلُ وَيُحَرِّكُ الدَّابَّةَ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِي رَمَلِهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا والآخرة وآكده (اللهم اجلعه حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا) نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهَا ويستحب أن يدعوا أَيْضًا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي يَمْشِيهَا وَأَفْضَلُ دُعَائِهِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار نص عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَعَجَبٌ كَيْفَ أَهْمَلَهُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الطَّوَافِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ غَيْرِ الْمَأْثُورِ فِي الطَّوَافِ قَالَ (وَأَمَّا) الْمَأْثُورُ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي وَجْهٍ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُ (وَأَمَّا) فِي غَيْرِ الطَّوَافِ فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ إلَّا الذِّكْرَ الْمَأْثُورَ فِي مَوَاضِعِهِ وَأَوْقَاتِهِ فَإِنَّ فِعْلَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ وَلِهَذَا أُمِرَ بِالذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنُهِيَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ الذِّكْرِ
* وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِتَفْضِيلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْأَحَادِيثُ في ترجيح(8/44)
الْقِرَاءَةِ عَلَى الذِّكْرِ كَثِيرَةٌ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّ أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ قَالَ مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لعباده سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ) وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا أَحَبُّ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ وَأَفْضَلُهُ لَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي تُكْرَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ فِي الرَّمَلِ بَلْ يَرْمُلُ عَلَى الْعَادَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) (فَرْعٌ)
لَوْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ وَالرَّمَلَ وَالِاسْتِلَامَ وَالتَّقْبِيلَ وَالدُّعَاءَ فِي الطَّوَافِ فَطَوَافُهُ صَحِيحٌ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ
* قَالَ الشافعي والاصحاب وهو مسئ يعتون إسَاءَةً لَا إثْمَ فِيهَا وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَرْمُلُ وَلَا تَضْطَبِعُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ رَكِبَتْ دَابَّةً أَوْ حُمِلَتْ فِي الطَّوَافِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ لَمْ تَضْطَبِعْ وَلَا يَرْمُلُ حَامِلُهَا
* قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ سَوَاءٌ فِي هَذَا الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ وَالصَّحِيحَةُ وَالْمَرِيضَةُ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالْخُنْثَى فِي هَذَا كَالْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَيَاهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ سَعْيٌ بِالْبَيْتِ وَلَا بين الصفا والمروة) * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز الكلام في الطواف لقوله صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله تعالى أباح فيه الكلام) والافضل أن لا يتكلم لما روى أبو هريرة أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (من طاف بالبيت سبعا لم يتكلم فيه إلا بسبحان اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بالله كتب الله له عشر حسنات ومحا عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ)
*(8/45)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ) سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلِ أَحْكَامِ الطَّوَافِ وَذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لَا مَرْفُوعٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَغَرِيبٌ لَا أَعْلَمُ مَنْ رَوَاهُ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (أَقِلُّوا الْكَلَامَ فِي الطَّوَافِ
إنَّمَا أَنْتُمْ فِي صَلَاةٍ) وَبِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ (طُفْتُ خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَمَا سَمِعْتُ وَاحِدًا مِنْهُمَا مُتَكَلِّمًا) حَتَّى فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ) (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الْكَلَامُ فِي الطَّوَافِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ وَلَا يُكْرَهُ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَلَامًا فِي خَيْرٍ كَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ تَعْلِيمِ جَاهِلٍ أَوْ جَوَابِ فَتْوَى وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إلَى إنْسَانٍ بِسَيْرٍ أَوْ بخيط اوشئ غير ذلك فقطه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ قُدْ بِيَدِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَهَذَا الْقَطْعُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ إزَالَةَ هَذَا الْمُنْكَرِ إلَّا بِقَطْعِهِ أَوْ أَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى صَاحِبِهِ فَتَصَرَّفَ فِيهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ فِي طَوَافِهِ خَاشِعًا مُتَخَشِّعًا حَاضِرَ الْقَلْبِ مُلَازِمَ الْأَدَبِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وفي هئيته وَحَرَكَتِهِ وَنَظَرِهِ فَإِنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ فَيَتَأَدَّبُ بِآدَابِهَا وَيَسْتَشْعِرُ بِقَلْبِهِ عَظَمَةَ مَنْ يَطُوفُ بِبَيْتِهِ
* وَيُكْرَهُ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الطَّوَافِ وَكَرَاهَةُ الشُّرْبِ أَخَفُّ وَلَا يَبْطُلُ الطَّوَافُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا بِهِمَا جَمِيعًا
* قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِشُرْبِ الْمَاءِ فِي الطَّوَافِ وَلَا أَكْرَهُهُ بِمَعْنَى الْمَأْثَمِ لَكِنِّي أُحِبُّ تَرْكَهُ لِأَنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ فِي الْأَدَبِ
* وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَأَنَّ الشُّرْبَ أَخَفُّ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ شَرِبَ وَهُوَ يَطُوفُ قَالَ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ وَهُوَ يَطُوفُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَعَلَّهُ أَرَادَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مَاءً فِي الطَّوَافِ) وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُكْرَهُ لِلطَّائِفِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى فِيهِ كَمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ أَوْ يَتَثَاءَبَ فَإِنَّ السُّنَّةَ وَضْعُ اليد على الفم عند الشارب لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
يُكْرَهُ أَنْ يُشَبِّكَ أَصَابِعَهُ أَوْ يُفَرْقِعَ بِهَا كَمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يطوف(8/46)
وَهُوَ يُدَافِعُ الْبَوْلَ أَوْ الْغَائِطَ أَوْ الرِّيحَ أَوْ وَهُوَ شَدِيدُ التَّوَقَانِ إلَى الْأَكْلِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا تُكْرَهُ
الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ
* (فَرْعٌ)
يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُونَ نَظَرَهُ عن من لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ أَمْرَدَ حَسَنِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ وَالْحَسَنِ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَسَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ الشَّرِيفِ وَيَصُونُ نَظَرَهُ وَقَلْبَهُ عَنْ احْتِقَارِ مَنْ يَرَاهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَغَيْرِهِمْ كَمَنْ فِي بَدَنِهِ نَقْصٌ وَكَمَنْ جَهِلَ شَيْئًا مِنْ الْمَنَاسِكِ أَوْ غَلِطَ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ الصَّوَابَ بِرِفْقٍ
* وَقَدْ جَاءَتْ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ فِي تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ كَثِيرٍ مِمَّنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ فِي الطَّوَافِ كَمَنْ نَظَرَ امْرَأَةً وَنَحْوَهَا
* وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ مِنْ ذَلِكَ جُمَلًا فِي تَارِيخِ مَكَّةَ وَهَذَا الْأَمْرُ مِمَّا يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ لانه في أشرف الارض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان أقيمت الصلاة وهو في الطواف أَوْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا قطع الطواف فإذا فرغ بني لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (كَانَ يطوف بالبيت فلما أفيت الصلاة صلى مع الامام ثم بنى على طوافه) وان أحدث وهو في الطواف توضأ وبنى لانه لا يجوز افراد بعضه عن بعض فإذا بطل ما صادفه الحدث منه لم يبطل الباقي فجاز له البناء عليه)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَغِي لِلطَّائِفِ أَنْ يُوَالِيَ طَوَافَهُ فَلَا يُفَرِّقَ بَيْنَ الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ وَفِي هذه الموالات قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فَلَوْ فَرَّقَ تَفْرِيقًا كَثِيرًا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَبْطُلُ طَوَافُهُ بَلْ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْهُ وَإِنْ طال الزمان ببنهما وَبِهَذَا قَطَعَ كَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَيَبْطُلُ الطَّوَافُ بِالتَّفْرِيقِ الْكَثِيرِ بِلَا عُذْرٍ فَعَلَى هَذَا إنْ فَرَّقَ يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ فَرَّقَ كَثِيرًا لِعُذْرٍ فَفِيهِ طَرِيقَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ (وَالْمَذْهَبُ) جَوَازُ التَّفْرِيقِ مُطْلَقًا
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ هُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَرْكُهُ الطَّوَافَ
* وَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ إنْ كَانَ طَوَافَ نَفْلٍ اُسْتُحِبَّ قَطْعُهُ لِيُصَلِّيَهَا ثُمَّ يَبْنِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ طَوَافًا مَفْرُوضًا كُرِهَ قَطْعُهُ لَهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ أَوْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ قَطَعَهُ فَإِذَا فَرَغَ بَنَى إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وكذا إن طال على الْمَذْهَبُ وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ
* قَالَ الْبَغَوِيّ(8/47)
وَآخَرُونَ إذَا كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا كُرِهَ قَطْعُهُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلِسُنَّةِ الضُّحَى وَالْوِتْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرَّوَاتِبِ لِأَنَّ الطَّوَافَ فَرْضُ عَيْنٍ وَلَا يُقْطَعُ لِنَفْلٍ وَلَا لِفَرْضِ كِفَايَةٍ قَالُوا وَكَذَا حُكْمُ السَّعْيِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأُمِّ فَقَالَ قَالَ فِي الْأُمِّ إنْ كَانَ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَحْبَبْتُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ ثُمَّ يَعُودَ إلَى طَوَافِهِ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةِ الضُّحَى أَوْ حضرت جنازة فلا أحب ترك الطواف لشئ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقْطَعَ فَرْضًا لِنَفْلٍ أَوْ فرض كفاية والله أعلم
* (أما) إذَا أَحْدَثَ فِي طَوَافِهِ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا يَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ طَوَافِهِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ يبطل فيجب الاستثناف (والطريق الثاني) وبه قطع الشيخ أبي حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْ العراقيين ان قرب الفصل بنى قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ طَالَ فَقَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ يَبْنِي (وَالْقَدِيمُ) يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ
* وَاحْتَجَّ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْبِنَاءِ عَلَى قُرْبٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ الْيَسِيرَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا يَضُرُّ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ عَمْدًا مُقَصِّرٌ وَمَعَ مُنَافَاةِ الْحَدَثِ فُحْشُهُ
* هَذَا كُلُّهُ فِي الْحَدَثِ عَمْدًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَحُكْمُ الْحَدَثِ سَهْوًا كَالْعَمْدِ (وَأَمَّا) سَبْقُ الْحَدَثِ فَإِنْ قُلْنَا يَبْنِي الْعَامِدُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَسَبْقِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْنِي (وَالثَّانِي) يَسْتَأْنِفُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا إنْ قُلْنَا سَبْقُ الْحَدَثِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَالطَّوَافُ أَوْلَى أَنْ لَا يُبْطِلَ وَإِنْ قُلْنَا يُبْطِلُهَا فَهُوَ كَالْحَدَثِ فِي الطَّوَافِ عَمْدًا
* وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الطَّوَافِ قَالَ الْأَصْحَابُ ان(8/48)
قُلْنَا سَبْقُ الْحَدَثِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَالطَّوَافُ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا يُبْطِلُهَا فَفِي إبْطَالِهِ الطَّوَافَ قَوْلَانِ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي حُكْمِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِالْكَلَامِ عَمْدًا وَكَثْرَةِ الْأَفْعَالِ
* وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ يَبْنِي عَلَى طَوَافِهِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ أَحْدَثَ الطَّائِفُ فَتَوَضَّأَ وَعَادَ قَرِيبًا بَنَى نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْقَيْصَرِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ كَالصَّلَاةِ قَالَ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ
الْعَمْدِ وَالسَّبْقِ كَالصَّلَاةِ قَالَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ
* فَهَذِهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ وَمُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ الْبِنَاءِ مُطْلَقًا فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَقُرْبِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَحَيْثُ لَا نُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فنستحبه والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
حَيْثُ قَطَعَ الطَّوَافَ فِي أَثْنَائِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقُلْنَا يَبْنِي عَلَى الْمَاضِي فَظَاهِرُ عِبَارَةِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَبْنِي مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ وَصَلَ إلَيْهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي إنْ كَانَ خُرُوجُهُ مِنْ الطَّوَافِ عِنْدَ إكْمَالِ طَوْفَةٍ بِوُصُولِهِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عاد فابتدأ الطوافة الَّتِي تَلِيهَا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ فِي أَثْنَاءِ طَوْفَةٍ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَسْتَأْنِفُ هَذِهِ الطَّوْفَةَ مِنْ أَوَّلِهَا لِأَنَّ لِكُلِّ طَوْفَةٍ حُكْمَ نَفْسِهَا (وَأَصَحُّهُمَا) يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا وَيَبْتَدِئُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ وَصَلَهُ
* وَحَكَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَ الْبِنَاءَ كَمَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أولا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وإذا فرغ من الطواف صلى ركعتي الطواف وهل يجب ذلك فيه قولان
(أحدهما)
أنها واجبة لقوله عز وجل (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) والامر يقتضي الوجوب (والثاني) لا يجب لانها صلاة زائدة على الصلوات الخمس فلم تجب بالشرع على الاعيان كسائر النوافل
* والمستحب أن يصليهما عند المقام لما روى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين) فان صلاهما في مكان آخر جَازَ لِمَا رُوِيَ (أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طاف بعد الصبح ولم ير أن الشمس قد طلعت فركب فلما أتى ذا طوى أناخ راحلته وصلى ركعتين) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يطوف بالبيت ويصلي ركعتين في البيت
* والمستحب أن يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قُلْ يَا أيها الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَرَأَ في ركعتي الطواف قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون)
* ثم يعود إلي الركن فيستلمه ويخرج من باب الصفا لما روى جابر بن عبد الله (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ سبعا وصلى ركعتين ثم رجع إلى الحجر فاستلمه ثم خرج من باب الصفا)
*(8/49)
(الشَّرْحُ) أَحَادِيثُ جَابِرٍ الثَّلَاثَةُ رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ وَهِيَ كُلُّهَا بَعْضٌ مِنْ حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ
فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَفْظُهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ (دَخَلْنَا عَلَى جَابِرٍ فَقَالَ جَابِرٌ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَفَرَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ ابراهيم مصلى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إلَّا عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فَلَمَّا طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إلَى الْمَقَامِ وقال (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ (ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ طَافَ بِالْبَيْتِ فَرَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثَلَاثًا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا قُلْ يَا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا وَجَدْتُهُ وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَلَاتُهُ بِذِي طُوًى فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِلَفْظِهِ الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَعْلِيقًا أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَارِجَ الْحَرَمِ فَقَالَ فَصَلَّى عُمَرُ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ
* وَاسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ بِمَا رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لَهَا حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ (إذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بعيرك والناس يصلون ففعلت ذلك فلم تصلي حَتَّى خَرَجَتْ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِوَجْهَيْنِ فَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا عَلَى الْخَبَرِ وَعَلَى الْأَمْرِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ أَنَّ الَّذِي فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةَ الطَّوَافِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ غَيْرَ صَلَاةِ الطَّوَافِ لَا يَجِبُ عِنْدَ الْمَقَامِ بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَتْ هِيَ (فَإِنْ قِيلَ) فَأَنْتُمْ لَا تَشْتَرِطُونَ وُقُوعَهَا خَلْفَ الْمَقَامِ بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ (قُلْنَا) مَعْنَى الْآيَةِ الْأَمْرُ بِصَلَاةٍ هُنَاكَ وَقَامَتْ الدَّلَائِلُ
السَّابِقَةُ عَلَى أَنَّهَا يَجُوزُ فعلها في غير المقام والله أعلم (قوله) فَلَمْ تَجِبْ بِالشَّرْعِ احْتِرَازٌ مِنْ النَّذْرِ (وَقَوْلُهُ) عَلَى الْأَعْيَانِ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا فرض كفاية وينكر على المصنف قوله قال روي عن(8/50)
عُمَرَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَمْثَالِ هَذَا مَرَّاتٍ وَفِي فِعْلِ عُمَرَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَرَى كَرَاهَةَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِهَا وَسَأُعِيدُ بَعْضَهَا هُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسَائِلِ مذاهب العلماء (قوله) ثُمَّ يَعُودُ إلَى الرُّكْنِ فَيَسْتَلِمُهُ الْمُرَادُ بِهِ الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ طَافَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَهَلْ هُمَا وَاجِبَتَانِ أَمْ سُنَّتَانِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ سُنَّةٌ (وَالثَّانِي) وَاجِبَتَانِ ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَيْنَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِمَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ كَوْنُهُمَا سُنَّةً
* وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَامِعِهِ نَصَّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ
* وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَخَرَّجَهُمَا أَصْحَابُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَاجِبَتَانِ (وَالثَّانِي) سُنَّتَانِ وَكَذَا حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ
* هَذَا إذَا كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا فَإِنْ كَانَ نَفْلًا كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَغَيْرِهِ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْهُمْ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُمَا سُنَّةٌ (وَالثَّانِي) أَنَّ فِيهِمَا الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ وَغَلَّطُوهُ فِيهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا كَانَ الطَّوَافُ نَفْلًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَعْدَهُ الرَّكْعَتَانِ قَالَ وَنَقَلَ الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ أَنَّهُ أَوْجَبَهُمَا قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ رَدَّهُ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ قَالَ الْإِمَامُ ثُمَّ مَا أَرَاهُ يَصِيرُ إلَى إيجَابِهِمَا عَلَى التَّحْقِيقِ وَلَكِنَّهُ رَآهُمَا جُزْءًا مِنْ الطَّوَافِ وأنه لا تعبد بِهِ دُونَهُمَا قَالَ وَقَدْ قَالَ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي النَّفْلِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْفَرْضِ كَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ الْإِمَامُ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مِنْ مَعَانِي
كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافٌ فِي أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مَعْدُودَتَانِ مِنْ الطَّوَافِ أَمْ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِصَالِ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ
* وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ ابن الحداد يجوز أن يكون الشئ غَيْرَ وَاجِبٍ وَيَقْتَضِي وَاجِبًا كَالنِّكَاحِ غَيْرَ وَاجِبٍ وَيَقْتَضِي وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ
*(8/51)
(فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَإِنْ أَوْجَبْنَاهُمَا فليستا بشرط في صحته ولاركنا مِنْهُ بَلْ يَصِحُّ الطَّوَافُ بِدُونِهِمَا قَالَ وَفِي تَعْلِيلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطُهُمَا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُمَا شَرْطٌ فِيهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِهِمَا يَجْرِيَانِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّوَافُ سُنَّةً أَمْ وَاجِبًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الطَّوَافُ حَتَّى يأتي بالركعتين هذا كلامه وهو غَلَطٌ مِنْهُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِشَرْطٍ وَلَا ركن لِلطَّوَافِ بَلْ يَصِحُّ بِدُونِهِمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمِمَّا يَتَعَيَّنُ التَّنْبِيهُ لَهُ أَنَّا وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى وُجُوبِ الرَّكْعَتَيْنِ وَحَكَمْنَا بِأَنَّهُمَا مَعْدُودَتَانِ مِنْ الطَّوَافِ فَلَا يَنْتَهِي الْأَمْرُ إلَى تَنْزِيلِهِمَا مَنْزِلَةَ شَوْطٍ مِنْ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِمَا رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الطَّوَافِ الواقع ركنا ولم يصر إلَى هَذَا أَحَدٌ قَالَ وَبِهَذَا يَبْعُدُ عَدُّهُمَا مِنْ الطَّوَافِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ واجبتان لم تسقط بفعل فريضة ولا غيرهما كَمَا لَا تَسْقُطُ صَلَاةُ الظُّهْرِ بِفِعْلِ الْعَصْرِ
* وَإِذَا قُلْنَا هُمَا سُنَّةٌ فَصَلَّى فَرِيضَةً بَعْدَ الطَّوَافِ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاهِيرُ الاصحاب منهم الصيدلاني والقاضي حسين والبغوي وصاحب الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ قَالَ وَالْأَصْحَابُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ لِأَنَّ الطَّوَافَ يَقْتَضِي صَلَاةً مَخْصُوصَةً بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ حَقَّ الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يَجْلِسَ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ
* وَنَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وَعَجَبٌ دَعْوَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مَا ادَّعَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا صَلَاةُ الطَّوَافِ سُنَّةٌ جَازَ فِعْلُهَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ وَإِنْ
قُلْنَا وَاجِبَةٌ فَهَلْ يَجُوزُ فِعْلُهَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ الطَّوَافُ رَاكِبًا وَمَحْمُولًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ وَالصَّلَاةُ تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ
*(8/52)
(فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَيَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ لَيْلًا وَيُسِرُّ نَهَارًا كَصَلَاةِ الْكُسُوفَ وَغَيْرِهَا
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ وَإِلَّا فَفِي الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَفِي الْحَرَمِ فَإِنْ صَلَّاهُمَا خَارِجَ الْحَرَمِ فِي وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ صَحَّتْ وَأَجْزَأَتْهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا أَضَفْتُهُ إلَيْهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُصَلِّهِمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ فَإِنْ قُلْنَا هُمَا وَاجِبَتَانِ صَلَّاهُمَا وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ فَهَلْ يُصَلِّيهِمَا فِيهِ الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ النَّوَافِلِ إذَا فَاتَتْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ وَغَلَطٌ بَلْ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا حَيْثُ كَانَ وَمَتَى كَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُ هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي وَطَنِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَرْضِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَفُوتُ هَذِهِ الصَّلَاةُ مَا دَامَ حَيًّا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُجْبَرُ تَأْخِيرُهَا بِدَمٍ
* وَكَذَا لَوْ مَاتَ لَا يُجْبَرُ تَرْكُهَا بِدَمٍ هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ تَصْرِيحًا وَإِشَارَةً
* وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّهِمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ صَلَّاهُمَا وَأَرَاقَ دَمًا قَالَ وَإِرَاقَةُ الدَّمِ مُسْتَحَبَّةٌ لاواجبة قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ اسْتِحْبَابَ الاراقة على قولنا نجب الصَّلَاةُ لَا عَلَى قَوْلِنَا سُنَّةٌ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ هَذَا كَلَامُهُ
* وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ تَرَكَ هَذِهِ الصَّلَاةَ حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرِيقَ دَمًا قَالَ وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ قَالَ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِلتَّأْخِيرِ
* وَقَالَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا لَمْ يُصَلِّهِمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ صَلَّاهُمَا وَأَرَاقَ دَمًا قَالَا قَالَ أَصْحَابُنَا الدَّمُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَوْ فُعِلَتْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى الْوَطَنِ وَتَخَلُّلِ مُدَّةٍ وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَلَا تَنْتَهِي إلَى الْقَضَاءِ وَالْفَوَاتِ قَالَ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ الْأَئِمَّةُ لِجُبْرَانِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِمَا وَالسَّبَبُ
فِيهِ أَنَّهُمَا لَا تَفُوتَانِ وَالْجُبْرَانُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْفَوَاتِ فَإِنْ قُدِّرَ فَوَاتُهُمَا بِالْمَوْتِ لَمْ يَمْتَنِعْ وُجُوبُ جَبْرِهِمَا بِالدَّمِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْمَجْبُورَاتِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
إذَا لَمْ يُصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ وَقُلْنَا هُمَا وَاجِبَتَانِ فَهَلْ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ فِعْلِهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَحْصُلُ وَيَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمَا لانهما كالجزء من(8/53)
الطواف ولو بقي شئ مِنْ الطَّوَافِ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الِاسْتِذْكَارِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ وَلَا تَعَلُّقَ لِلصَّلَاةِ بِالتَّحَلُّلِ بَلْ هِيَ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَطَعَ بِهِ سَائِرُ الْأَصْحَابِ وَالْأَوَّلُ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَإِنَّمَا أَذْكُرُهُ لِأُبَيِّنَ بُطْلَانَهُ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّةِ السَّعْيِ قَبْلَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَوَافَقَ عَلَيْهِ الدَّارِمِيُّ وَوَافَقَهُ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ أَنْ يَطُوفَ فِي الْحَالِ طَوَافَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِبَ كُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ أَكْثَرَ بِلَا صَلَاةٍ ثُمَّ صَلَّى لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْنِ جَازَ لَكِنْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الصَّيْمَرِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وَرَوَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ والمسود بْنِ مَخْرَمَةَ
* قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ لَوْ طَافَ أَسَابِيعَ مُتَّصِلَةً ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ جَازَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا قُلْنَا هُمَا سُنَّةٌ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الَّذِي قَالَهُ مُتَعَيَّنٌ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا هُمَا وَاجِبَتَانِ لم يتداخلا ولابد مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِكُلِّ طَوَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا تَمْتَازُ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَنْ غَيْرِهَا من الصلوات بشئ وَهِيَ أَنَّهَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فَإِنَّ الْأَجِيرَ فِي الْحَجِّ يُصَلِّيهَا وَتَقَعُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَأَشْهَرِهِمَا (وَالثَّانِي) أَنَّهَا تَقَعُ عَنْ الْأَجِيرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ صَلَاةٌ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ
غَيْرُ هَذِهِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ
* وَيَلْتَحِقُ بِالْأَجِيرِ وَلِيُّ الصَّبِيِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ الْمُتَّصِلِ بِهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا طَافَ بِنَفْسِهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ طَافَ بِهِ وَلِيُّهُ وَصَلَّى الْوَلِيُّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَسَبَقَ إيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي مَسَائِلِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَهَلْ تَقَعُ صَلَاةُ الْوَلِيِّ هَذِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ عن الصبي فيه(8/54)
وجهان حكاهما صاحب البين وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
عَنْ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلنِّيَابَةِ فِي الصَّلَاةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عَنْ الصَّبِيِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ تَبَعًا لِلطَّوَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ عَقِبَ صَلَاتِهِ هَذِهِ خلف المقام بما أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هذا بلدك وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَبَيْتُكَ الْحَرَامُ وَأَنَا عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ أَتَيْتُكَ بِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ وَخَطَايَا جَمَّةٍ وَأَعْمَالٍ سَيِّئَةٍ وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ النَّارِ فَاغْفِرْ لِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ اللَّهُمَّ إنَّكَ دَعَوْتَ عِبَادَكَ إلَى بَيْتِكِ الحرام وقد جئت طالبا رحتمك مُبْتَغِيًا مَرْضَاتَكَ وَأَنْتَ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ فَاغْفِرْ لي وارحمني انك على كل شئ قَدِيرٌ
* (فَرْعٌ)
وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَعُودَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا لِلسَّعْيِ وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ فَصْلِ السَّعْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالطَّوَافِ
(إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ مَتَى كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَنَوَى غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ تَطَوُّعًا أو وداعا أو قدوما وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُمَا فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ الْفَرْضُ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ فَطَافَ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنْ كَانَ زَمَانُ النَّذْرِ مُعَيَّنًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَطُوفَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ معين أو معين وَطَافَ فِي غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلنَّذْرِ فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يَطُوفَ عَنْ غَيْرِهِ وَالنَّذْرُ فِي ذِمَّتِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ كَطَوَافِ
الْإِفَاضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَفِي الْإِمْلَاءِ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ لَوْ طَافَ الْمُحْرِمُ وَهُوَ لَابِسٌ الْمَخِيطَ وَنَحْوَهُ صَحَّ طَوَافُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ تَحْرِيمَ اللُّبْسِ لَا يَخْتَصُّ بِالطَّوَافِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ كَالصَّلَاةِ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ يَأْثَمُ وَتَصِحُّ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ أَنْ يُسَمَّى الطَّوَافُ شَوْطًا وَكَرِهَهُ مُجَاهِدٌ أَيْضًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا
* قَالَ الشَّافِعِيُّ كَرِهَ مُجَاهِدٌ أَنْ يُقَالَ شَوْطٌ أَوْ دَوْرٌ وَلَكِنْ يَقُولُ طَوَافٌ وَطَوَافَانِ قَالَ(8/55)
الشَّافِعِيُّ وَأَكْرَهُ مَا كَرِهَ مُجَاهِدٌ لِأَنَّ اللَّهَ تعالى سماه طوافا فقال تعالى (وليطفوا بالبيت العتيق) وقد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي عَنْهُمَا قَالَ (أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ) وَهَذَا الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ
* ثُمَّ إنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِنَهْيِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَسْمِيَتِهِ شَوْطًا نَهْيٌ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يكره والله علم (الرَّابِعَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّطَوُّعِ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الطَّوَافُ أَفْضَلُ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ الصَّلَاةُ) أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ
* وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذِكْرِ اللَّهِ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ صَحِيحٌ إلَّا عُبَيْدَ اللَّهِ فَضَعَّفَهُ أَكْثَرُهُمْ ضَعْفًا يَسِيرًا وَلَمْ يُضَعِّفْ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ فَهُوَ حَسَنٌ عنده كما سبق
* وروى الترمذي في هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَلَعَلَّهُ اعْتَضَدَ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى(8/56)
بحديث اتصف بذلك والله أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من طَافَ بِالْبَيْتِ خَمْسِينَ مَرَّةً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كيوم ولدته امه) راه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ غَرِيبٌ (قَالَ) وَسَأَلْتُ
الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ إنَّمَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالطَّوَافِ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا جَائِزٌ (وَأَمَّا) صَلَاةُ الطَّوَافِ فَمَذْهَبُنَا جَوَازُهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ والحسين بني عَلِيٍّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ محمد وعروة ومجاهد وأحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ
* وَكَرِهَهُمَا مَالِكٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ فَنَظَرَ الشمس فلم يراها طَلَعَتْ فَرَكِبَ حَتَّى أَنَاخَ بِذِي طُوًى فَصَلَّى)
* (فَرْعٌ)
أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا مَعَ ذَلِكَ تَقْبِيلُهُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَقْبِيلِهِ قَبَّلَ الْيَدَ بَعْدَهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَقْبِيلِ الْيَدِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَعُرْوَةُ وأيوب السختياني والثوري وأحمد واسحق حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمَالِكٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلُوهُ وَتَبِعَهُمْ جُمْلَةُ النَّاسِ عَلَيْهِ.
وَرَوَيْنَاهُ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا) السُّجُودُ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بدعة
* واعترف(8/57)
الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَالِكِيُّ بِشُذُوذِ مَالِكٍ عَنْ الْجُمْهُورِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يستحب تقبيل اليد إلا مالك فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَا لَا يُقَبِّلُهَا قَالَ وَقَالَ جَمِيعُهُمْ يَسْجُدُ عَلَيْهِ إلا مالك وَحْدَهُ فَقَالَ بِدْعَةٌ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا الرُّكْنُ الْيَمَانِي فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِلَامُهُ وَلَا يُقَبِّلُهُ بَلْ يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَسْتَلِمُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَسْتَلِمُهُ وَلَا يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَهُ بَلْ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُقَبِّلُ يَدَهُ بَعْدَهُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَرُوِيَ عَنْ
أَحْمَدَ أَنَّهُ يُقَبِّلُهُ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا الرُّكْنَانِ الشَّامِيَّانِ وَهُمَا اللَّذَانِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ فَلَا يُقَبَّلَانِ وَلَا يُسْتَلَمَانِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ
* قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ إجْمَاعُ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ وَالْفُقَهَاءِ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَانْقَرَضَ الْخِلَافُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُسْتَلَمَانِ وَمِمَّنْ كان يقول باستلامهما الحسن والحسين ابنا عَلِيٍّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وانس ابن مَالِكٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ
* وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الِاضْطِبَاعُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُنَا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد فِيهِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّمَلَ فِي الطَّوْفَاتِ الثلاث يُسْتَحَبُّ فِي جَمِيعِ الْمَطَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَيْهِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ والنخعي ومالك والثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحق وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لَا يَرْمُلُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ
*(8/58)
(فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الرَّمَلَ مُسْتَحَبٌّ فِي الطَّوْفَاتِ الثَّلَاثِ الْأُولَى مِنْ السَّبْعِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَرْمُلُ فِي السَّبْعِ كُلِّهَا
* وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرْمُلُ فِي شئ مِنْ الطَّوَافِ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ (إنَّمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الرَّمَلُ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفي صحيح البخاري عن عمربن الخطاب رضي الله عنه قال (مالنا والرمل إنما كنا راءينا به المشركين وقد أهلكم ثم قال شئ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ
*
(فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَوْ ترك الرمل فاته الفضيلة ولا شئ عَلَيْهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ
* وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ الْمَالِكِيُّ عَلَيْهِ دَمٌ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ عَلَيْهِ دَمٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ أَوْ الِاضْطِبَاعَ أَوْ الِاسْتِلَامَ لَزِمَهُ دَمٌ لِحَدِيثِ (مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دم)
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ المرأة لا ترمل ولا تسعى بل تمشي
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الطَّوَافِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وابو حنيفة وابو ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَكَرِهَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّوَافِ
* وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الطَّوَافَ مَاشِيًا أَفْضَلُ فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا بِلَا عُذْرٍ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَذَكَرْنَا الْمَذَاهِبَ فِيهِ فِيمَا سَبَقَ
*(8/59)
(فَرْعٌ)
التَّرْتِيبُ عِنْدَنَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَيَطُوفَ عَلَى يَمِينِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَإِنْ عَكَسَهُ لَمْ يَصِحَّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعِيدُهُ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ وَلَمْ يُعِدْهُ لَزِمَهُ دَمٌ وَأَجْزَأَهُ طَوَافُهُ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ طَافَ فِي الْحِجْرِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ (مِنْهُمْ) عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ بِلَا إعَادَةٍ أَرَاقَ دَمًا وَأَجْزَأَهُ طَوَافُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَقَطَعَهُ لِيُصَلِّيَهَا فَصَلَّاهَا جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ (مِنْهُمْ) ابْنُ عُمَرَ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ
وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ ذَلِكَ إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ يَسْتَأْنِفُ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ إتْمَامَ الطَّوَافِ أَوْلَى وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَخْرُجُ لَهَا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يَخْرُجُ فَإِنْ خَرَجَ اسْتَأْنَفَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُطَافُ بِالصَّبِيِّ وَيُجْزِئُهُ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُطَافُ بِالْمَرِيضِ وَيُجْزِئُهُ إلَّا عَطَاءً فَعَنْهُ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَطُوفُ عَنْهُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الشُّرْبَ فِي الطَّوَافِ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى فَإِنْ خَالَفَ وَشَرِبَ لَمْ يَبْطُلْ طَوَافُهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِيهِ طَاوُسٌ وعطاء واحمد واسحق وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مَنَعَهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ طَافَتْ الْمَرْأَةُ مُنْتَقِبَةً وَهِيَ غَيْرُ مُحْرِمَةٍ فَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا كَرَاهَتُهُ كَمَا يُكْرَهُ صَلَاتُهَا مُنْتَقِبَةً
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَطُوفُ مُنْتَقِبَةً وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ واحمد واسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَرِهَهُ طَاوُسٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ
*(8/60)
(فَرْعٌ)
لَوْ حَمَلَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا وَطَافَ بِهِ وَنَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الطَّوَافَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ عِنْدَنَا (احصها) يَقَعُ الطَّوَافُ لِلْحَامِلِ (وَالثَّانِي) لِلْمَحْمُولِ (وَالثَّالِثُ) لَهُمَا وَمِمَّنْ قَالَ لَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ لِلْحَامِلِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ للحامل ورواية لهما
* (فرع)
لو بقي شئ مِنْ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ وَلَوْ طَوْفَةً أَوْ بَعْضَهَا لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُتِمَّهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يأتي به هذا مذهبنا وبه قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَسَبَقَ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَكْفِي لِلْقَارِنِ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَنْ الْإِفَاضَةِ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ (مِنْهُمْ) ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ وَالْمَاجِشُونُ وَأَحْمَدُ واسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد
* وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَجَابِرُ بن زيد وعبد الرحمن ابن الْأَسْوَدِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ
عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* وَأَقْرَبُ مَا اُحْتُجَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان معه هدي فيهل بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَتْ فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حلوا ثم طافوا أطوافا أخر بعد ما رَجَعُوا مِنْ مِنًى بِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافَهُ الْأَوَّلَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَارِنًا
* وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَالَ رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ
* هَذَا(8/61)
كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَرْفُوعًا (وَأَمَّا) الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ فَضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ كَمَا سَبَقَ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْمُنْذِرِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ عَلِيٍّ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ قَالَ (لَقِيتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ هُوَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقُلْت هَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ كَمَا فَعَلْتَ قَالَ ذَلِكَ لَوْ كُنْتَ بَدَأْتَ بِالْعُمْرَةِ قُلْتُ كَيْفَ أَفْعَلُ لَوْ أَرَدْتُ ذلك قال تهل بهما جيمعا ثُمَّ تَطُوفُ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَتَسْعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَبُو نَصْرٍ هَذَا مَجْهُولٌ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا قَالَ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ قَالَ ومداره على الحارث عُمَارَةَ وَحَفْصِ بْنِ أَبِي دَاوُد وَعِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَحَمَّادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِمْ (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ فَرْضٍ فَنَوَى بِطَوَافِهِ غَيْرَهُ انْصَرَفَ إلَى الْفَرْضِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَقَعُ عَنْ فَرْضِهِ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ قِيَاسًا
عَلَى الصَّلَاةِ وَقِيَاسُ أَصْحَابِنَا عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَعَلَى الْوُقُوفِ وَغَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
رَكْعَتَا الطَّوَافِ سُنَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاجِبَتَانِ
* (فَرْعٌ)
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَصِحَّانِ حَيْثُ صَلَّاهُمَا إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ كَرِهَ فِعْلَهُمَا فِي الْحِجْرِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْحِجْرِ كَغَيْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا صَلَّاهُمَا فِي الْحِجْرِ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّهِمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى بِلَادِهِ أَرَاقَ دَمًا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا حُجَّةَ لِمَالِكٍ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ فِي الْحِجْرِ صَحِيحَةً فَلَا إعَادَةَ سَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ إعَادَتُهَا وَإِنْ رَجَعَ إلَى (1) فَأَمَّا وجوب الدم فلا أعلمه يجب في شئ مِنْ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ
* هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ
و* نقل أَصْحَابُنَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ الْمَقَامِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا حَيْثُ شاء من الحرم
*
__________
(1) بياض لاصل فحرر)
*)(8/62)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ سُنَّةٌ وَفِي قَوْلٍ وَاجِبَةٌ فَإِنْ صَلَّى فَرِيضَةً عَقِبَ الطَّوَافِ أَجْزَأَتْهُ عَنْ صَلَاةِ الطَّوَافِ إنْ قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ وَإِلَّا فَلَا وَمِمَّنْ قَالَ يُجْزِئُهُ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الاسود وإسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَلَا أَظُنُّهُ يَثْبُتُ عَنْهُ وَقَالَ أَحْمَدُ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُجْزِئُهُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلِيَّ يُصَلِّي صَلَاةَ الطَّوَافِ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ لَا يُصَلِّي عَنْهُ
* (فَرْعٌ)
فيمن طاف أطوفة ولم يصلي لَهَا ثُمَّ صَلَّى لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِبَ كُلِّ طَوَافٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْمِسْوَرِ وَعَائِشَةَ وَطَاوُسٍ وعطاء وسعيد بن جبير وأحمد وإسحق وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ وَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ
جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِنَهْيِ الشَّارِعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا نَهْيٌ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الدَّلِيلِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعٍ جَمِيعًا ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى خَلْفَهُ سِتَّ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَنَا) فَهَذَا الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ
* وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ فَهُوَ ضعيف ايضا والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ثم يسعي وهو ركن من أركان الحج لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عليكم) فلا يصح السعي إلا بعد طواف فان سعى ثم طاف لم يعتد بالسعي لما روى ابن عمر قال (لما قدم رسول الله صلى عليه وسلم طاف بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ طاف بين الصفا والمروة سبعا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أسوة حسنة) فنحن نصنع ما صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) والسعي أن يمر سبع مرات بين الصفا والمروة لِمَا رَوَى جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (نبدأ بالذي بدأ الله به وبدأ بالصفا حتى فرغ من آخر سعيه على المروة) فان مر من الصفا إلى المروة حسب ذلك مرة وإذا رجع من المروة إلى الصفا حسب ذلك مرة أخرى وقال أبو بكر الصيرفي لا يحسب رجوعه(8/63)
من المروة إلى الصفا مرة وهذا خطأ لانه استوفى ما بينهما بالسعي فحسب مرة كما لو بدأ من الصفا وجاء إلى المروة
* فأن بدأ بالمروة وسعى إلى الصفا لم يجزه لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ابدأوا بما بدأ الله به) ويرقى على الصفا حتى يرى البيت فيستقبله ويقول اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إله إلا الله مخصلين له الدين ولو كره الكافرون لما روى جابر قال (خرج رسول الله إلى الصفا فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى إذا رأى البيت توجه إليه وكبر ثُمَّ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي ويميت وهو على كل شئ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دعا ثم قال مثل هذا ثلاثا ثم نزل) ثم يدعوا لنفسه بما احب من امر الدين والدنيا لما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يدعو بعد التهليل
والتكبير لنفسه فإذا فرغ من الدعاء نزل من الصفا ويمشي حتي يكون بينه وبين الميل الاخضر المعلق بفناء المسجد نحو من ستة اذرع فيسعي سعيا شديدا حتى يحاذي الميلين الاخضرين اللذين بفناء المسجد وحذاء دار العباس ثم يمشي حتى يصعد المروة لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا نزل من الصفا مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعي حتي يخرج منه إذا صعد مشى حتى يأتي المروة والمستحب ان يقول بين الصفا والمروة رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك انت الاعز الاكرم لما روت صفية بنت شيبة عن امرأة من بني نوفل إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذلك
* فان ترك السعي ومشى في الجميع جاز لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه كان يمشي بين الصفا والمروة وقال ان امشي فقد رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشى وأنا شيخ كبير
* وان سعي راكبا جاز لما روى جابر قَالَ (طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طواف حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس ويسألوه) والمستحب إذا صعد المروة أن يفعل مثل ما فعل على الصفا لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فعل على المروة مثل ما فعل على الصفا) قال في الام فان سعي بين الصفا والمروة ولم يرق عليهما اجزأه وقال أبو حفص بن الوكيل لا يجزئه حتى يرقى عليهما ليتيقن انه(8/64)
استوفى السعي بينهما وهذا لا يصح لان المستحق هو السعي بينهما وقد فعل ذلك وان كانت امراة ذات جمال فالمتسحب ان تطوف وتسعي ليلا فان فعلت ذلك نهارا مشت في موضع السعي
* وان اقيمت الصلاة أو عرض عارض قطع السعي فإذا فرغ بنى لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يطوف بين الصفا والمروة فأعجله البول فتنحى ودعا بماء فتوضأ ثم قام فأتم على ما مضى)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ) فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَبِيبَةَ بِنْتِ تَجْرَاةَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ - وَحَبِيبَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ - هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ حَبِيبَةُ - بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - وَحَدِيثُهَا هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ فِيهِ اضْطِرَابٌ
(وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَى قَوْلِهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي جُمْلَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ الطويل (واما) حديث (ابدؤا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ لَكِنَّ لَفْظَهُ (أَبْدَأُ) عَلَى الْخَبَرِ والذي في نسخ المهذب (ابدؤا) بِوَاوِ الْجَمْعِ عَلَى الْأَمْرِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ فابدؤا بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ الثَّانِي فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنَّ فِي لَفْظِهِ مُخَالَفَةً وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ قَالَ (فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَهُ وَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وهو على كل شئ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَتَيْنِ لِلنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادَيْنِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي ويميت وهو على كل شئ قَدِيرٌ) زَادَ يُحْيِي وَيُمِيتُ كَمَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ (وَأَمَّا) دُعَاءُ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ لِنَفْسِهِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْمَشْيِ وَالسَّعْيِ(8/65)
فصحيح رواه بِمَعْنَاهُ وَهَذَا لَفْظُهُ قَالَ (ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ (ثُمَّ نَزَلَ حَتَّى إذَا تَصَوَّبَتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ فَسَعَى حَتَّى صَعِدَتْ قَدَمَاهُ ثُمَّ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَصَعِدَ عَلَيْهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ الْبَيْتُ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِمَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِلَفْظِهِ هَذَا الْمَذْكُورِ فِي الْمُهَذَّبِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ جَمِيعَ طُرُقِهِ تَدُورُ عَلَى عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ بِضَمِّ الْجِيمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ عَطَاءً اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَتَرَكُوا الاحتجاج
بروايات من سمع آخِرًا وَالرَّاوِي عَنْهُ فِي التِّرْمِذِيِّ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ آخِرًا وَلَكِنْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ وَسُفْيَانُ مِمَّنْ سُمِعَ منه قديما وكثير ابن جُمْهَانَ مَسْتُورٌ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ أَيْضًا حَسَنٌ عِنْدَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) فرواه مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ أَيْ الطَّوَائِفَ الَّتِي تَحَزَّبَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَصَرُوا الْمَدِينَةَ (وَقَوْلُهُ) وَحْدَهُ مَعْنَاهُ هَزَمَهُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ مِنْكُمْ بَلْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا (قَوْلُهُ) فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ هُوَ - بِكَسْرِ الْقَافِ يُقَالُ رَقِيَ يَرْقَى كَعَلِمَ يَعْلَمُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أَوْ تَرْقَى فِي السماء) وقوله الميل الاخضر هو العمود (وقوله) مُعَلَّقٌ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ - وَالْمُرَادُ رُكْنُ الْمَسْجِدِ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ الْمُعَلَّقُ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ وَمَعْنَاهُ الْمَبْنِيُّ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ (قَوْلُهُ) وَحِذَاءَ دَارِ الْعَبَّاسِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي](8/66)
التَّنْبِيهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ غَلَطٌ فِي اللَّفْظِ وَصَوَابُهُ حَذْفُ لَفْظَةِ حِذَاءَ بَلْ يُقَالُ الْمُعَلَّقَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالدَّارِمِيُّ والماوردي والقاضي حسين أبو عَلِيٍّ وَالْمَسْعُودِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ بِحَذْفِ لَفْظَةِ حِذَاءَ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِ حَائِطِ دَارِ الْعَبَّاسِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجِدَارُ دَارِ الْعَبَّاسِ بِجِيمٍ وَبِرَاءٍ بَعْدَ الْأَلِفِ وَهَذَا حَسَنٌ والمراد بالجدال الحائط والعباس صاحب هذا الدَّارِ وَهُوَ أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُ (وَأَمَّا) صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ فَصَحَابِيَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ تَابِعِيَّةٌ وَسَبَقَ ذِكْرُهَا في آخر باب محظورات الاحرام (وأما) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْحَجَرِ الأسود فيستلمه ثم يخرج من باب الصفا إلَى الْمَسْعَى ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَيَّنَّاهُ فِي آخِرِ فَصْلِ الطَّوَافِ
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمُ وَيَدْعُوَ فِيهِ وَيَدْخُلَ الْحِجْرَ وَيَدْعُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ
وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ إذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ قَبْلَ ركعتيه ثم يصليهما
* وقال ابن جريج الطَّبَرِيُّ يَطُوفُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ ثُمَّ يَأْتِي الْمُلْتَزَمُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا وَكُلُّ هَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْأَحَادِيثَ - الصَّحِيحَةَ بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ ثُمَّ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ عَقِبَ صَلَاةِ الطواف بشئ إلَّا اسْتِلَامَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثُمَّ الْخُرُوجَ إلَى الصفا والله أَعْلَمُ
* ثُمَّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلسَّعْيِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا فَيَأْتِيَ سَفْحَ جَبَلِ الصَّفَا فَيَرْقَى عَلَيْهِ قَدْرَ قَامَةٍ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ وَهُوَ يَتَرَاءَى لَهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ بَابِ الصَّفَا لَا مِنْ فَوْقِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْمَرْوَةِ فَإِذَا صَعِدَهُ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بيده الخير وهو على كل شئ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَنْجَزَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ(8/67)
الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
* ثُمَّ يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ شَاءَ وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّكَ قُلْتَ (اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَإِنِّي أَسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ لِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ هَذَا عَلَى الصَّفَا وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَلَى الصَّفَا (اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا بدينك وطواعتيك وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِكَ وَجَنِّبْنَا حُدُودَكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا نُحِبُّكَ ونحب ملائكتك وأنبيائك وَرُسُلَكَ وَنُحِبُّ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ حَبِّبْنَا إلَيْكَ وَإِلَى مَلَائِكَتِكَ وَإِلَى أَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ وَإِلَى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى وَجَنِّبْنَا الْعُسْرَى وَاغْفِرْ لَنَا فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَاجْعَلْنَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ) وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الصَّفَا (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُلَبِّي عَلَى الصَّفَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُلَبِّي إنْ كَانَ حَاجًّا وَهُوَ فِي طَوَافِ
الْقُدُومِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ يُعِيدُ هَذَا الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ثَانِيًا وَيُعِيدُ الذِّكْرَ ثَالِثًا وَهَلْ يُعِيدُ الدُّعَاءَ ثَالِثًا فِيهِ وَجْهَانِ(8/68)
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُعِيدُهُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (وَأَصَحُّهُمَا) يُعِيدُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَآخَرُونَ وَهَذَا هُوَ الصواب لحديث جابر الذي ذكرناه قَرِيبًا عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الدُّعَاءِ ثَلَاثًا
* فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ نَزَلَ مِنْ الصَّفَا مُتَوَجِّهًا إلَى الْمَرْوَةِ فَيَمْشِي عَلَى سَجِيَّةِ مَشْيِهِ الْمُعْتَادِ حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِهِ قَدْرُ سِتِّ أَذْرُعٍ ثُمَّ يَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا حَتَّى يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِدَارِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ يَتْرُكُ شِدَّةَ السَّعْيِ وَيَمْشِي عَلَى عَادَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ الْبَيْتُ إنْ ظَهَرَ فَيَأْتِيَ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الَّذِي قَالَهُ عَلَى الصَّفَا فَهَذِهِ مَرَّةٌ مِنْ سَعْيِهِ ثُمَّ يَعُودُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَى الصَّفَا صَعِدَهُ وَفَعَلَ مِنْ الذِّكْرِ والدعاء ما فعله أولا وهذه مَرَّةٌ ثَانِيَةٌ مِنْ سَعْيِهِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ أَوَّلًا ثُمَّ يَعُودُ إلَى الصَّفَا وَهَكَذَا حَتَّى يُكْمِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي مَشْيِهِ وَسَعْيِهِ وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ فَهَذِهِ صِفَةُ السَّعْيِ
* (فَرْعٌ)
فِي بيانه وَاجِبَاتِ السَّعْيِ وَشُرُوطِهِ وَسُنَنِهِ وَآدَابِهِ (أَمَّا) الْوَاجِبَاتُ فَأَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَقْطَعَ جَمِيعَ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَوْ بَقِيَ مِنْهَا بَعْضُ خُطْوَةٍ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ رَاكِبًا اُشْتُرِطَ أَنْ يُسَيِّرَ دَابَّتَهُ حَتَّى تَضَعَ حَافِرَهَا عَلَى الْجَبَلِ أَوْ إلَيْهِ حَتَّى لَا يَبْقَى من المسافة شئ وَيَجِبُ عَلَى الْمَاشِي أَنْ يُلْصِقَ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ رِجْلَهُ بِالْجَبَلِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُلْصِقَ الْعَقِبَ بِأَصْلِ مَا يذهب منه ويلصق رؤوس أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بِمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَصْعَدْ عَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ فَإِنْ صَعِدَ فَهُوَ الْأَكْمَلُ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَهَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَهَكَذَا عَمِلَتْ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَيْسَ هَذَا الصُّعُودُ شَرْطًا
وَاجِبًا بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَلَكِنَّ بَعْضَ الدَّرَجِ مُسْتَحْدَثٌ فَلْيَحْذَرْ مِنْ أَنْ يُخَلِّفَهَا وَرَاءَهُ فَلَا يَصِحَّ سَعْيُهُ حِينَئِذٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصْعَدَ فِي الدَّرَجِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ الصُّعُودُ(8/69)
عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَدْرًا يَسِيرًا وَلَا يَصِحُّ سَعْيُهُ إلَّا بِذَلِكَ لِيَسْتَيْقِنَ قَطْعَ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ كَمَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ لِيَسْتَيْقِنَ إكْمَالَ الْوَجْهِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصُّعُودُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَعَى رَاكِبًا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّاكِبَ لَا يَصْعَدُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا اسْتِيقَانُ قَطْعِ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ فَيَحْصُلُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إلْصَاقِ الْعَقِبِ وَالْأَصَابِعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْوَكِيلِ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ صُعُودُ الصفا والمروة بشئ قَلِيلٍ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ صُعُودُهُمَا قَدْرَ قَامَةِ رَجُلٍ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ الْأَوَّلُ (وَالْوَاجِبُ الثَّانِي) التَّرْتِيبُ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ الصَّفَا فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَمْ يُحْسَبْ مُرُورُهُ مِنْهَا إلَى الصَّفَا فَإِذَا عَادَ مِنْ الصَّفَا كَانَ هَذَا أَوَّلَ سَعْيِهِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَرْوَةِ وَفِي الثَّالِثَةِ مِنْ الصَّفَا وَالرَّابِعَةِ مِنْ الْمَرْوَةِ وَالْخَامِسَةِ مِنْ الصَّفَا وَالسَّادِسَةِ مِنْ الْمَرْوَةِ وَالسَّابِعَةِ مِنْ الصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ فَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا أراد االعود مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَدَلَ عَنْ مَوْضِعِ السَّعْيِ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَابْتَدَأَ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الصَّفَا أَيْضًا لَمْ يُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الْمَرَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ
* وَحَكَى الرويانى وغيره وجها شاذا أنها تحسب الصواب الْأَوَّلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَعَى هَكَذَا وَقَالَ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ نَكَسَ السَّعْيَ فَبَدَأَ أَوَّلًا بِالْمَرْوَةِ وَخَتَمَ السَّابِعَةَ بِالصَّفَا لَمْ تَجْزِهِ الْمَرَّةُ الْأُولَى الَّتِي بَدَأَهَا مِنْ الْمَرْوَةِ وَتَصِيرُ الثَّانِيَةُ الَّتِي بَدَأَهَا مِنْ الصَّفَا أُولَى وَيُحْسَبُ مَا بَعْدَهَا فَيَحْصُلُ لَهُ سِتُّ مَرَّاتٍ وَيَبْقَى عَلَيْهِ سَابِعَةٌ فيبدأها مِنْ الصَّفَا فَإِذَا وَصَلَ الْمَرْوَةَ تَمَّ سَعْيُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ نَسِيَ بَعْضَ السَّبْعِ فَإِنْ نَسِيَ السَّابِعَةَ أَتَى بِهَا يَبْدَؤُهَا مِنْ الصَّفَا وَلَوْ نَسِيَ السَّادِسَةَ وَسَعَى السَّابِعَةَ حُسِبَتْ لَهُ الْخَمْسُ الْأُوَلُ وَلَا تُحْسَبُ
السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ فَلَا تَصِحُّ السَّابِعَةُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالسَّادِسَةِ فَيَلْزَمُهُ سَادِسَةٌ يَبْدَؤُهَا مِنْ الْمَرْوَةِ ثُمَّ سَابِعَةٌ يَبْدَؤُهَا مِنْ الصَّفَا فَيَتِمُّ سَعْيُهُ بِوُصُولِهِ الْمَرْوَةَ وَقَالَ لَوْ نَسِيَ الْخَامِسَ لَمْ يَعْتَدَّ بِالسَّادِسِ وَجَعَلَ السَّابِعَ خَامِسًا ثُمَّ أَتَى بِالسَّادِسِ ثُمَّ السَّابِعِ قَالَ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْمَسْعَى لَمْ يَسْتَوْفِهِ فِي سَعْيِهِ فَلَوْ تَرَكَ ذِرَاعًا مِنْ الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يتركه من آخر السابقة فيعود ويأتي(8/70)
بِالذِّرَاعِ وَيُجْزِئَهُ فَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِهِ كَانَ عَلَى إحْرَامِهِ (1) (الثَّانِي) أَنْ يَتْرُكَهُ مِنْ أَوَّلِ السَّابِعَةِ فَيَلْزَمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّابِعَةِ بِكَمَالِهَا مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا كَمَنْ تَرَكَ الْآيَةَ الْأُولَى مِنْ الْفَاتِحَةِ يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ بِكَمَالِهَا (الثَّالِثُ) أَنْ يَتْرُكَهُ مِنْ وَسَطِ السَّابِعَةِ فَيَحْسُبَ مَا مَضَى مِنْهَا وَيَلْزَمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا تَرَكَهُ وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ السَّابِعَةِ
* وَلَوْ تَرَكَ ذِرَاعًا مِنْ السَّادِسَةِ لَمْ تُحْسَبْ السَّابِعَةُ لِأَنَّهَا لَا تُحْسَبُ حَتَّى تَصِحَّ السَّادِسَةُ (وَأَمَّا) السَّادِسَةُ فَحُكْمُهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي السابعة إذا ترك منها ذراعا ويجئ فِيهَا الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْوَاجِبُ الثَّالِثُ) إكْمَالُ سَبْعِ مَرَّاتٍ يُحْسَبُ الذَّهَابُ مِنْ الصَّفَّا إلَى الْمَرْوَةِ مَرَّةً وَالرُّجُوعُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَّا مَرَّةً ثَانِيَةً وَالْعَوْدَ إلَى الْمَرْوَةِ ثَالِثَةً وَالْعَوْدَ إلَى الصَّفَا رَابِعَةً وَإِلَى الْمَرْوَةِ خَامِسَةً وإلى الصفا سادسة ومنه إلي الصفا سَابِعَةً فَيَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَجَمَاهِيرُ العلماء وعليه عمر النَّاسِ وَبِهِ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ
* وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَحْسُبُ الذَّهَابَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالْعَوْدَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَتَكُونُ الْمَرَّةُ مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا كَمَا أَنَّ الطَّوَافَ تَكُونُ الْمَرَّةُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَكَمَا أَنَّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ يُحْسَبُ الذَّهَابُ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ وَالرُّجُوعُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَقَالَ بِهِ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَعَى سَبْعًا بَدَأَ بِالصَّفَا وَفَرَغَ عَلَى الْمَرْوَةِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَحْصُلُ فِيهِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ كُلِّهَا إلَّا بِالْمُرُورِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ
الْأَسْوَدِ وَأَمَّا هُنَا فَيَحْصُلُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ كُلِّهَا بِالْمُرُورِ إلَى الْمَرْوَةِ وَإِذَا رَجَعَ إلَى الصَّفَا حَصَلَ قَطْعُهَا مَرَّةً أُخْرَى فَحَسَبَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ
* وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي حِكَايَةِ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُمْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ يَقُولُ يَحْسُبُ الذَّهَابَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالْعَوْدَ إلَى الصَّفَا كِلَاهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُحْسَبُ أَحَدُهُمَا مَرَّةً وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ قَالَ إذَا وَصَلَ الْمَرْوَةَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى حَصَلَ لَهُ مَرَّةٌ مِنْ السَّبْعِ قال وعوده إلى الصفا ليس بشئ فَلَا يُحْسَبُ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ تَوَصُّلٌ إلَى(8/71)
السَّعْيِ قَالَ حَتَّى لَوْ عَادَ مَارًّا فِي الْمَسْجِدِ لَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ جَازَ وَحُسِبَ كُلُّ مَرَّةٍ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْجُمْهُورِ وَالرِّوَايَتَانِ عَنْهُ بَاطِلَتَانِ وَالصَّوَابُ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ الذَّهَابَ مرة والعود أخرى والله أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ سَعَى أَوْ طَافَ وَشَكَّ فِي الْعَدَدِ قَبْلَ الْفَرَاغِ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ فَلَوْ اعْتَقَدَ إتْمَامَ سَعْيِهِ فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ أو عدلان ببقاء شئ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْوَاجِبُ الرَّابِعُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ لِأَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ هُوَ الْوَاقِعُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَنَاسِكِ.
فَإِذَا بَقِيَ السَّعْيُ لَمْ يَكُنْ الْمَفْعُولُ طَوَافَ الْوَدَاعِ
* وَاسْتَدَلَّ الْمَاوَرْدِيُّ لِاشْتِرَاطِ كَوْنِ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عيله وَسَلَّمَ (سَعَى بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مناسككم) وباجماع الْمُسْلِمِينَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَشَذَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبِ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا لَوْ قَدَّمَ السَّعْيَ عَلَى الطَّوَافِ اعْتَدَّ بِالسَّعْيِ وَهَذَا النَّقْلُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَبِالْإِجْمَاعِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَقْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ يَجُوزُ لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ لِخُرُوجِهِ إلَى مِنًى أَنْ يُقَدِّمَ السَّعْيَ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ قَالَ وَبِمَذْهَبِنَا هَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وقال مالك وأحمد وإسحق لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْقَادِمِ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ إذَا
جَازَ ذَلِكَ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ خَارِجِ مَكَّةَ جَازَ لِلْمُحْرِمِ مِنْهَا
* هَذَا نَقْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ(8/72)
مَا يُوَافِقُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الاضافة كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ سَعَى ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الطَّوَافِ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَقِيَّةِ الطَّوَافِ إنْ قُلْنَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَإِلَّا فَيَسْتَأْنِفُ فَإِذَا أَتَى بِبَقِيَّتِهِ أَوْ اسْتَأْنَفَهُ أَعَادَ السَّعْيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْمُوَالَاةُ بَيْنَ مَرَاتِبِ السَّعْيِ سُنَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَوْ تَخَلَّلَ فَصْلٌ يَسِيرٌ أَوْ طَوِيلٌ بَيْنَهُنَّ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ فَرَّقَ يَسِيرًا جَازَ وَإِنْ فَرَّقَ كَثِيرًا فَإِنْ جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ الْكَثِيرَ بَيْنَ مَرَّاتِ الطَّوَافِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَهَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِي السَّعْيِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ لَا يَجُوزُ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ يَجُوزُ لِأَنَّ السَّعْيَ أَخَفُّ مِنْ الطَّوَافِ وَلِهَذَا يَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ وَكَشْفِ الْعَوْرَةِ هَذَا نَقْلُ الْمَاوَرْدِيُّ
* وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنْ فَرَّقَ يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ وَجَازَ الْبِنَاءُ وَكَذَا إنْ فَرَّقَ كَثِيرًا لِعُذْرٍ كَالْخُرُوجِ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ فَرَّقَ كَثِيرًا بِلَا عُذْرٍ فَقَوْلَانِ قَالَ فِي الْأُمِّ يَبْنِي وَفِي الْقَدِيمِ يَسْتَأْنِفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَسُنَّةٌ فَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا جَازَ وَصَحَّ سَعْيُهُ مَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا الْوُقُوفُ فَإِنْ تَخَلَّلَ الْوُقُوفُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْعَى بَعْدَهُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَلْ يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا أَنَّ الْغَزَالِيَّ قَالَ فِي الْوَسِيطِ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْخُهُ التَّرَدُّدَ بَلْ حَكَى قَوْلَ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَسَكَتَ(8/73)
عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ دَخَلَ وَقْتَ الطواف المفروض فلم يجزأن يَسْعَى سَعْيًا تَابِعًا لِطَوَافِ نَفْلٍ مَعَ إمْكَانِ طَوَافِ فَرْضٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُوَالَاةِ بين الطواف والسعي سنة وانه لو تخل
زَمَانٌ طَوِيلٌ كَسَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ جَازَ أَنْ يَسْعَى وَيَصِحُّ سَعْيُهُ وَيَكُونُ مَضْمُومًا إلَى السَّعْيِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَكُلُّهُمْ يُمَثِّلُونَ بِمَا لَوْ أَخَّرَهُ سَنَتَيْنِ جَازَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَفَّالُ وَالْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَلْ تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ لَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ يَوْمًا وَشَهْرًا وَأَكْثَرَ لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا كَالْوُقُوفِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ
(وَالثَّانِي)
تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ فَرَّقَ كَثِيرًا لَمْ يَصِحَّ السَّعْيُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ لِأَنَّ السَّعْيَ لَمَّا افْتَقَرَ إلَى تَقَدُّمِ الطَّوَافِ لِيَمْتَازَ عَمَّا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَ إلَى الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لِيَقَعَ الْمَيْزُ بِهِ ولا يحصل الميز إذا أَخَّرَهُ هَذَا نَقْلُ الْمَاوَرْدِيُّ
* وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِي اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ قَالَ وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّهُمَا رُكْنَانِ فِي عِبَادَةٍ وَأَمْكَنَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا فَصَارَ كَالْيَدِ مَعَ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ قِيَاسًا عَلَى تَأْخِيرِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ عَنْ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ سِنِينَ كَثِيرَةً وَلَا آخِرَ لَهُ مَا دَامَ حَيًّا بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي سُنَنِ السَّعْيِ وَهِيَ جَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي كَيْفِيَّةِ السَّعْيِ سِوَى الْوَاجِبَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَقِبَ الطَّوَافِ وَأَنْ يُوَالِيَهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ الطَّوَافِ أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَرَّاتِهِ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا الْوُقُوفُ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ الْآنَ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْعَى عَلَى طَهَارَةٍ مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ سَاتِرًا عَوْرَتَهُ فَلَوْ سَعَى مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ جَازَ وَصَحَّ سَعْيُهُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَقَدْ حَاضَتْ (اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ (الثَّالِثَةُ) الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَحَرَّى زمان الحلوة لسعيه(8/74)
وَطَوَافِهِ وَإِذَا كَثُرَتْ الزَّحْمَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَفَّظَ من أيدى الناس وترك هيئة من هيآت السَّعْيِ أَهْوَنُ
مِنْ إيذَاءِ مُسْلِمٍ وَمِنْ تَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِلْأَذَى وَإِذَا عَجَزَ عَنْ السَّعْيِ فِي مَوْضِعِهِ لِلزَّحْمَةِ تَشَبَّهَ فِي حَرَكَتِهِ بِالسَّاعِي كَمَا قُلْنَا فِي الرَّمَلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْعَى فِي اللَّيْلِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَأَسْلَمُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ فَإِنْ طَافَتْ نَهَارًا جَازَ وَتَسْدُلُ عَلَى وَجْهِهَا مَا يَسْتُرُهُ مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّتِهِ الْبَشَرَةَ (الرَّابِعَةُ) الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَرْكَبَ فِي سَعْيِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَا سَبَقَ فِي الطَّوَافِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بالتواضع لكنه سبق هناك خلاف في تسمية ان الطواف راكبا مكروه وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ السَّعْيَ رَاكِبًا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ لِأَنَّ سَبَبَ الْكَرَاهَةِ هُنَاكَ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا خَوْفُ تَنَجُّسِ الْمَسْجِدِ بِالدَّابَّةِ وصيانته امتهانه بها هذا الْمَعْنَى مُنْتَصَفٌ فِي السَّعْيِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْحَاوِي الرُّكُوبُ فِي السَّعْيِ أَخَفُّ مِنْ الرُّكُوبِ فِي الطَّوَافِ
* وَلَوْ سَعَى بِهِ غَيْرُهُ مَحْمُولًا جَازَ لَكِنَّ الْأَوْلَى سَعْيُهُ بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَبِيًّا صَغِيرًا أَوْ لَهُ عُذْرٌ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ (الْخَامِسَةُ) أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ إلَى السَّعْيِ مِنْ بَابِ الصَّفَا (السَّادِسَةُ) أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ قَدْرَ قَامَةٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (السَّابِعَةُ) الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي مُرُورِهِ بَيْنَهُمَا رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَأَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَسَبَقَ بَيَانُ أَدِلَّةِ كُلِّ هَذَا (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ سَعْيُهُ فِي مَوْضِعِ السَّعْيِ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ سَعْيًا شَدِيدًا فَوْقَ الرَّمَلِ
* وَالسَّعْيُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ السَّبْعِ بِخِلَافِ الرَّمَلِ فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالثَّلَاثِ الْأُوَلِ كَمَا أَنَّ السَّعْيَ الشَّدِيدَ فِي مَوْضِعِهِ سُنَّةٌ فَكَذَلِكَ الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ فِي بَاقِي الْمَسَافَةِ سُنَّةٌ
* وَلَوْ سَعَى فِي جَمِيعِ الْمَسَافَةِ أَوْ مَشَى فِيهَا صَحَّ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا الْمَرْأَةُ ففيها وجهان (الصحيح) المشهور به قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تَسْعَى فِي مَوْضِعِ السَّعْيِ بَلْ تَمْشِي جَمِيعَ الْمَسَافَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فِي الْخَلْوَةِ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَأَمْرُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى السَّتْرِ وَلِهَذَا لَا تَرْمُلُ في الطواف
(والثانى)
انها لا سَعَتْ فِي اللَّيْلِ حَالَ خُلُوِّ الْمَسْعَى اُسْتُحِبَّ لَهَا السَّعْيُ فِي مَوْضِعِ السَّعْيِ كَالرَّجُلِ وَاَللَّهُ أعلم
*(8/75)
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ رَأَيْتُ النَّاسَ إذَا فَرَغُوا مِنْ السَّعْيِ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ عَلَى
الْمَرْوَةِ قَالَ وَذَلِكَ حَسَنٌ وَزِيَادَةُ طَاعَةٍ ولكن لم يثبت ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* هَذَا كَلَامُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ابتداء شعار وقد قال الشافعي رحمهم اللَّهُ لَيْسَ فِي السَّعْيِ صَلَاةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*] [ (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ السَّعْيُ فِي غير موضع السعي فلو مر رواء مَوْضِعِ السَّعْيِ فِي زُقَاقِ الْعَطَّارِينَ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ لِأَنَّ السَّعْيَ مُخْتَصٌّ بِمَكَانٍ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ كَالطَّوَافِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ مَوْضِعُ السَّعْيِ بَطْنُ الْوَادِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ فَإِنْ الْتَوَى شَيْئًا يَسِيرًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ عَدَلَ حَتَّى يُفَارِقَ الْوَادِيَ الْمُؤَدِّيَ إلَى زُقَاقِ الْعَطَّارِينَ لَمْ يَجْزِ وَكَذَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ الْتَوَى فِي السَّعْيِ يَسِيرًا جَازَ وَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَوْ زُقَاقَ الْعَطَّارِينَ فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الدَّارِمِيُّ يُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ فِي سَعْيِهِ لِحَدِيثٍ (1) وَنَحْوِهِ فَإِنْ فَعَلَهُ أَجْزَأَهُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ الطَّوَافِ أَنَّهُ يُسَنُّ الِاضْطِبَاعُ فِي جَمِيعِ الْمَسْعَى وَذَكَرْنَا وَجْهًا شَاذًّا عَنْ حِكَايَةِ الدَّارِمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْطَبِعُ فِي مَوْضِعِ السَّعْيِ الشَّدِيدِ دُونَ مَوْضِعِ الْمَشْيِ وَهَذَا غَلَطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
السَّعْيُ ركن من أركان الحج لايتم الْحَجُّ إلَّا بِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا يَفُوتُ مَا دَامَ صَاحِبُهُ حَيًّا فَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ مَرَّةٌ مِنْ السَّعْيِ أَوْ خُطْوَةٌ لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ سِنِينَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا إلَّا مَا شَذَّ بِهِ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ تَرَكَ السَّعْيَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَزِمَهُ فِي كُلِّ شَوْطٍ إطْعَامُ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ فَفِيهَا الدَّمُ قَالَ وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ قَوْلًا آخَرَ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ وَغَلَطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَتَى بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقَعَ رُكْنًا وَلَا يُعَادُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَإِنْ أَعَادَهُ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى
* وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)(8/76)
وَغَيْرُهُمَا يُكْرَهُ إعَادَتُهُ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَمْ
يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافَهُ الْأَوَّلَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ يَعْنِي بِالطَّوَافِ السَّعْيَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَلا جُنَاحَ عليه أن يطوف بهما)
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَوْ سَعَى راكبا جاز ولايقال مكروه لكنه خلاف الاولى ولادم عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَطَاءٌ ومجاهد
* قال ابن المنذر وكره الركوب عاشة وعروة وأحمد واسحق وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَلَا دَمَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ بِلَا إعَادَةٍ لزمه دم
* دلينا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ السَّابِقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَعَى رَاكِبًا)
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ السَّعْيِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَا يَتِمُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ خُطْوَةٌ لَمْ يَتِمَّ حَجُّهُ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ وَبِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَمَالِكٌ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ وَاجِبٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ بَلْ يَنُوبُ عَنْهُ
* وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَيْسَ هُوَ بِرُكْنٍ وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ وَالْأَصَحُّ عَنْهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ وَقَالَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَسٌ وَابْنُ سِيرِينَ هُوَ تطوع ليس بركن ولا واجب ولادم فِي تَرْكِهِ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَرَكَ مِنْ السَّعْيِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ تَرَكَ دُونَهَا لَزِمَهُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ وَلَيْسَ هُوَ بركن وهو مذهب أبو حَنِيفَةَ
* وَعَنْ عَطَاءٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ لَا شئ فِي تَرْكِهِ وَرِوَايَةٌ فِيهِ الدَّمُ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ ثَبَتَ حَدِيثُ بِنْتِ أَبِي تَجْرَاةَ الذى قدمناه انها سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ) فَهُوَ رُكْنٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ قَالَ وَحَدِيثُهَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمِّلِ وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عليه أن يطوف بهما) وَفِي الشَّوَاذِّ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا) وَرَفْعُ الْجُنَاحِ فِي الطَّوَافِ بِهِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا وَاجِبٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّهُنَّ سَمِعْنَ من(8/77)
رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ فِي الْمَسْعَى وَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ مَا أَجَابَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا سَأَلَهَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ هَذَا فَقَالَتْ (إنَّمَا نَزَلَتْ الْآيَةُ هَكَذَا لِأَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيْ يَخَافُونَ الْحَرَجَ فِيهِ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ سَعَى قَبْلَ الطَّوَافِ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ انه يصح وحكاه أَصْحَابُنَا عَنْ عَطَاءٍ وَدَاوُد
* دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَعَى بَعْدَ الطَّوَافِ وقال صلي الله عليه وسلم لتأخذوا مَنَاسِكَكُمْ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ شَرِيكٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا فَكَانَ النَّاسُ يأنونه فَمِنْ قَائِلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا أَوْ قَدَّمْتُ شَيْئًا فَكَانَ يَقُولُ لَا حَرَجَ إلَّا عَلَى رَجُلٍ اقْتَرَضَ عِرْضَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَهُوَ ظَالِمٌ فذلك الذى هلك وخرج) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كُلُّ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ إلَّا أُسَامَةَ بْنَ شَرِيكٍ الصَّحَابِيَّ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا حَمَلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ أَيْ سَعَيْتُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقَبْلَ طوف الْإِفَاضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي السَّعْيِ شَرْطٌ فَيَبْدَأُ بِالصَّفَا فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ
* قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِالْمَرْوَةِ
* وَعَنْ عَطَاءٍ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَمَذْهَبِنَا (وَالثَّانِيَةُ) يَجْزِي الْجَاهِلَ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم (ابدؤا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/78)
(فَرْعٌ)
لَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ قَطَعَهُ وَصَلَّاهَا ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُهُ سَالِمٌ وَعَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَقْطَعُهُ لِلصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَضِيقَ وَقْتُهَا
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الجمهور أن السي يَصِحُّ مِنْ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ أَعَادَ السَّعْيَ وإن كان بعده فلا شئ عَلَيْهِ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَدْ حَاضَتْ (اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بالبيت) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (ويخطب الامام اليوم السابع من ذى الحجة بعد الظهر بمكة ويأمر الناس بالغدو من الغد إلى منى وهى احدى الخطب الاربع المسنونة في الحج والدليل عليه ما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس وأخبرهم بمناسكهم) ويخرج إلي مني في اليوم الثامن ويصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت بها إلى أن يصلى الصبح لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى يوم التروية بمني الظهر والعصر والمغرب والعشاء والغداة) فإذا طلعت الشمس صار الي الموقف لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (ثم مكث قليلا حتي طلعت الشمس ثم ركب فأمر بقبة من شعر أن تضرب له بنمرة فنزل بها) فإذا زالت(8/79)
الشمس خطب الامام وهي الخطبة الثانية من الخطب الاربع فيخطب خطبة خفيفة ويجلس ثم يقوم إلى الثانية ويبتدئ المؤذن بالاذان حتى يكون فراغ الامام مع فراغ المؤذن لما روي أن سالم بن عبد الله قال للحجاج (إن كنت تريد أن تصيب السنة فَأَقْصِرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما صدق) ثم يصلي الظهر والعصر اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ فِي الْخُطْبَةِ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ بِمَعْنَاهُ وَهَذَا لفظه
* عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الظُّهْرُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْفَجْرُ يَوْمَ
عَرَفَةَ بِمِنًى) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ قَالَ (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى وَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ) وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ وَقَوْلُهُ ثُمَّ مكث قليلا فرواه مسلم كما ذكرناه الْآنَ عَنْهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَالِمٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِهِ هُنَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جابر في(8/80)
حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) يَوْمَ التَّرْوِيَةِ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّوْنَ بِحَمْلِ الْمَاءِ مَعَهُمْ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَاتٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَيُسَمَّى يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يوم النقلة ايضا لان الناس ينقلون فِيهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى (وَأَمَّا) نَمِرَةُ فَبِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ كَمَا سَبَقَ مَرَّاتٍ فِي نَظَائِرِهَا وَنَمِرَةُ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ خَارِجَ الْحَرَمِ بَيْنَ طَرَفِ الْحَرَمِ وَطَرَفِ عَرَفَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا إذ فَرَغَ الْمُحْرِمُ مِنْ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا مُتَمَتِّعًا أَوْ غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ فيحلق رَأْسَهُ أَوْ يُقَصِّرْهُ فَإِذَا فَعَلَ صَارَ حَلَالًا تحل له النساء وكل شئ كَانَ حُرِّمَ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَوْ مُعْتَمِرًا غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ سَوَاءٌ سَاقَ هَدْيًا أَمْ لَا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ عِنْدَنَا وَقَدْ قَدَّمْتُ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمِرُ مُتَمَتِّعًا أَقَامَ بِمَكَّةَ حَلَالًا يَفْعَلُ مَا أَرَادَ مِنْ الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ تَطَوُّعًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يستحب له ذلك
* ويتسحب لَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاعْتِمَارِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ
* فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ وَكَذَا مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُحْرِمُ بِهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُسْتَوْطِنِينَ بِهَا أَمْ الْغُرَبَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ
* وَإِنْ كَانَ الَّذِي فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ حَاجًّا مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا فَإِنْ وَقَعَ
سَعْيُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَقَدْ فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ كُلِّهَا وَإِنَّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ الْمَبِيتُ بِمِنًى وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
* وَإِنْ وَقَعَ سَعْيُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَلْيَمْكُثْ بِمَكَّةَ إلَى وَقْتِ خُرُوجِهِمْ إلَى مِنًى فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ خَطَبَ الْإِمَامُ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ خُطْبَةً فَرْدَةً وَهِيَ أَوَّلُ الْخُطَبِ الْأَرْبَعِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْحَجِّ وَيَأْمُرُ النَّاسَ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بِأَنْ يَتَأَهَّبُوا إلَى الذَّهَابِ إلَى مِنًى فِي الْغَدِ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الْمُسَمَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيُعَلِّمُهُمْ الْمَنَاسِكَ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ الْمَشْرُوعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ بِنَمِرَةَ فَيَذْكُرُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَخْرُجُوا غَدًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ(8/81)
الله تعالى إلى منى وأن يصلو بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَبِيتُوا بِهَا وَيُصَلُّوا بِهَا الصُّبْحَ وَيَمْكُثُوا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ على ثببر ثُمَّ يَسِيرُوا إلَى نَمِرَةَ وَيَغْتَسِلُوا لِلْوُقُوفِ وَلَا يَصُومُوا وَلَا يَدْخُلُوا عَرَفَاتٍ قَبْلَ صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمْعًا وَأَنْ يَحْضُرُوا الصَّلَاتَيْنِ وَالْخُطْبَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ وَيَذْكُرَ لَهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَيَأْمُرَ الْمُتَمَتِّعِينَ أَنْ يَطُوفُوا قَبْلَ الْخُرُوجِ وَهَذَا الطَّوَافُ مُسْتَحَبٌّ لَهُمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ يَوْمَ جُمُعَةٍ خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ وَصَلَّاهَا ثُمَّ خَطَبَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ التَّأْخِيرُ عَنْ الصَّلَاةِ وَشَرْطُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ تَقَدُّمُهَا عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا تَدْخُلُ إحْدَاهَا فِي الْأُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ الْإِمَامُ الَّذِي خَطَبَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ يَوْمَ السَّابِعِ مُحْرِمًا افْتَتَحَ الْخُطْبَةَ بِالتَّلْبِيَةِ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا افْتَتَحَهَا بِالتَّكْبِيرِ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا بِمَكَّةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُحْرِمَ وَيَصْعَدَ الْمِنْبَرَ مُحْرِمًا ثُمَّ يَخْطُبَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ إحْرَامِ الْإِمَامِ غَرِيبٌ مُحْتَمَلٌ
* (فَرْعٌ)
الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ فِي الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ (إحْدَاهُنَّ) يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بِمَكَّةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا قَرِيبًا وَاضِحَةً (الثَّانِيَةُ) يَوْمَ عَرَفَةَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ (الثَّالِثَةُ) بِمِنًى (الرَّابِعَةُ) يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بِمِنًى أَيْضًا وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَذْكُرُ لَهُمْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخُطَبِ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إلَى الْخُطْبَةِ الْأُخْرَى قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَخْطُبُ فَقِيهًا قَالَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ هَذِهِ الْخُطَبِ الْأَرْبَعِ أَفْرَادٌ وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ
إلَّا الَّتِي بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّهُمَا خُطْبَتَانِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الزَّوَالِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُنَّ فِي مَوْضِعِهِنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
أَيَّامُ الْمَنَاسِكِ سَبْعَةٌ (أَوَّلُهَا) بَعْدَ الزَّوَالِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَآخِرُهَا بَعْدَ الزَّوَالِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْهُ وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَالسَّابِعُ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ مَخْصُوصٌ وَالثَّامِنُ يُسَمَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ كَمَا سَبَقَ وَالتَّاسِعُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْعَاشِرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ يَوْمُ الْقَرِّ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ - سُمِّيَ(8/82)
بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنًى أَوْ يُقِيمُونَ مُطْمَئِنِّينَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَ عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي (وَأَمَّا) قَوْلُ الصَّيْمَرِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ إنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَةِ الثَّامِنِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَقِيلَ لِأَنَّهُمْ يَتَرَوَّوْنَ الْمَاءَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقِيلَ لِأَنَّ آدَمَ رَأَى فيه حواء وقيل لان جبريل رأى فِيهِ إبْرَاهِيمَ الْمَنَاسِكَ فَكَلَامٌ فَاسِدٌ وَنَقْلٌ عَجِيبٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ
* (فَرْعٌ)
السُّنَّةُ لِلْخَلِيفَةِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ الْحَجَّ بِنَفْسِهِ أَنْ يُنَصِّبَ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِيجِ يُقِيمُ لَهُمْ الْمَنَاسِكَ وَيُطِيعُونَهُ فِيمَا يَنُوبُهُمْ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلٌ حَسَنٌ فِي صِفَاتِ هذا لامير وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِوِلَايَتِهِ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْنَاهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فَقَدْ فُتِحَتْ مَكَّةُ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي رَمَضَانَ (فَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ مَكَّةَ وَأَقَامَ الْمَنَاسِكَ لِلنَّاسِ تِلْكَ السَّنَةَ ثُمَّ أَمَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْحَجِّ فَحَجَّ بِالنَّاسِ وَحَجَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ عَلَى الْحَجِّ بِالنَّاسِ) وَإِذَا لَمْ يَحْضُرُوا اسْتَنَابُوا أَمِيرًا وَوَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخِلَافَةَ عَشْرَ سِنِينَ حَجَّهُنَّ كُلَّهُنَّ وَقِيلَ حَجَّ تِسْعَ سِنِينَ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَالْحَجِيجُ إلَى مِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَكُونُ خُرُوجُهُمْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ بِحَيْثُ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِمِنًى هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِمَكَّةَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ
* وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْمُرُهُمْ بِالْغُدُوِّ إلَى مِنًى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَأْمُرُهُمْ بِالرَّوَاحِ
* قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَكُلُّ هَذَا قَرِيبٌ إلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِمِنًى
* وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ هُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يَغْدُوا بُكْرَةً وَبَيْنَ أَنْ يَرُوحُوا بَعْدَ الزَّوَالِ قَالَ وَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى
* هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ خَرَجَ إلَى مِنًى وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ بِمَكَّةَ وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ فحصل(8/83)
خِلَافٌ فِي وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ بَعْدَ الصُّبْحِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ خَرَجُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ إلَى حَيْثُ لَا تُصَلَّى الْجُمُعَةُ حَرَامٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَمَكْرُوهٌ فِي الْآخَرِ فَيَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ مِنْهُ بِالْخُرُوجِ قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ بِمِنًى وَلَا بِعَرَفَاتٍ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ دَارَ الْإِقَامَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ بُنِيَ بِهَا قَرْيَةٌ وَاسْتَوْطَنَهَا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ أَقَامُوا الْجُمُعَةَ وَصَلَّاهَا مَعَهُمْ الْحَجِيجُ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِذَا كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ بِمَكَّةَ وَسَارَ هُوَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي
* وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ تَرَكُوا الْخُرُوجَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَصَلَّوْا الْجُمُعَةَ فِي وَقْتِهَا بِمَكَّةَ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا فَرْضٌ وَالْخُرُوجُ إلَى مِنًى مُسْتَحَبٌّ وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَخِلَافُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى عَرَفَاتٍ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي صُورَتَيْنِ وَهُمَا الْمُتَمَتِّعُ وَالْمَكِّيُّ إذَا أَحْرَمَا بالج مِنْ مَكَّةَ (الثَّالِثَةُ) إذَا خَرَجُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى فَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلُّوا بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ
* وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبِيتُوا بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ وَهَذَا الْمَبِيتُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ فَلَوْ تَرَكَهُ فلا شئ عَلَيْهِ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةً لَا خِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْمُتَوَلِّي إنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ فَمُرَادُهُمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُ لا فضيلة فِيهِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ اذابات بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ وَصَلَّى بِهَا الصُّبْحَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْكُثَ بِهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ عَلَى ثببر - بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ هُنَاكَ فَإِذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ سَارَ مُتَوَجِّهًا إلَى عَرَفَاتٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي(8/84)
مَسِيرِهِ هَذَا (اللَّهُمَّ إلَيْكَ تَوَجَّهْتُ وَلِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَرَدْتُ فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي إنَّكَ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ)
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ التَّلْبِيَةِ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَ أَنْ يَسْلُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي سَلَكَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُدُوِّهِ إلَى عَرَفَاتٍ وَهِيَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فِي أَصْلِ الْمَأْزِمَيْنِ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ إلَى عَرَفَاتٍ يُقَالُ لَهُ طَرِيقُ ضَبٍّ
* هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسِيرَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ وَيَعُودَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَكُونَ عَائِدًا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ الَّتِي ذَهَبَ فِيهَا كَالْعِيدِ
* وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ نَحْوَ هَذَا قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَطَرِيقُ ضَبٍّ طَرِيقٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى عَرَفَةَ وَهُوَ فِي أَصْلِ الْمَأْزِمَيْنِ عَنْ يَمِينِكَ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى عَرَفَةَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي تَعْلِيقِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْلُكَ فِي ذَهَابِهِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ طَرِيقَ الْمَأْزِمَيْنِ لِأَنَّهُ طَرِيقُ الْأَئِمَّةِ فَهُوَ مُتَأَوَّلٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَزْرَقِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسِيرُونَ مُلَبِّينَ ذَاكِرِينَ اللَّهَ لِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ (سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ مِنَّا فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (وَذَكَرَهَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ كَانَ يُلَبِّي الْمُلَبِّي لا ينكر وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى
* وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ مِنَّا الْمُلَبِّي وَمِنَّا الْمُكَبِّرُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ إذَا وَصَلُوا نَمِرَةَ أَنْ تُضْرَبَ بِهَا قُبَّةُ الْإِمَامِ وَمَنْ كَانَ لَهُ قُبَّةٌ ضَرَبَهَا اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ بِنَمِرَةَ حَيْثُ نَزَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ منزل الخلفاء اليوم وهو إلى الصخرة السافطة بِأَصْلِ الْجَبَلِ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ إلَى عَرَفَاتٍ وكذا روى الازرقي في هذا التقييد عن عطاء قال الازرقي وغيره نمرة عند الجبل الذى عليه انصاب الْحَرَمِ عَنْ يَمِينِكَ
إذَا خَرَجْتَ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَاتٍ تُرِيدُ الْمَوْقِفَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَدْخُلُ عَرَفَاتٍ إلَّا فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ(8/85)
بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مَجْمُوعَتَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) مَا يَفْعَلُهُ مُعْظَمُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ دُخُولِهِمْ أَرْضَ عَرَفَاتٍ قَبْلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَخَطَأٌ وَبِدْعَةٌ وَمُنَابَذَةٌ لِلسُّنَّةِ
* وَالصَّوَابُ أَنْ يَمْكُثُوا بِنَمِرَةَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَيَغْتَسِلُوا بِهَا لِلْوُقُوفِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ذَهَبَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ إلَى المسجد المسمى إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِيهِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ يُبَيِّنُ لَهُمْ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا كَيْفِيَّةَ الْوُقُوفِ وَشَرْطَهُ وَآدَابَهُ وَمَتَى الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى مُزْدَلِفَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَاسِكِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ إلَى الْخُطْبَةِ الَّتِي تَكُونُ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهَذِهِ الْمَنَاسِكُ الَّتِي يَذْكُرُهَا فِي خُطْبَةِ عَرَفَةَ هِيَ مُعْظَمُ الْمَنَاسِكِ وَيُحَرِّضُهُمْ فِيهَا عَلَى إكْثَارِ الدُّعَاءِ وَالتَّهْلِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَذْكَارِ وَالتَّلْبِيَةِ فِي الْمَوْقِفِ وَيُخَفِّفُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ تَخْفِيفُهَا تَخْفِيفَ الثَّانِيَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَقَلُّ مَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ إلَى الْخُطْبَةِ الْآتِيَةِ قَالَ فَإِنْ كَانَ فَقِيهًا قَالَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلسُّؤَالِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ قَدْرَ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَيُخَفِّفُهَا جِدًّا وَيَأْخُذُ الْمُؤَذِّنُ في الاذان من شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ بِحَيْثُ يَفْرُغُ مِنْهَا مَعَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ
* هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْبَغَوِيُّ
* وَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ يَفْرُغُ مَعَ فَرَاغِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَعَلَى مُرْتَفِعٍ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى بَعِيرٍ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضُرِبَتْ لَهُ الْقُبَّةُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ امر بالقصوى فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ) ورواه مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) فَرُحِلَتْ - بِتَخْفِيفِ الْحَاءِ - أَيْ جُعِلَ الرحل(8/86)
عَلَيْهَا (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ أَنْ يَنْزِلَ فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ
الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ صِفَةِ الْجَمْعِ وَشُرُوطِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ مَا قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَيَكُونُ هَذَا الْجَمْعُ بِأَذَانٍ لِلْأُولَى وَإِقَامَتَيْنِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إقَامَةٌ كَمَا قَرَرْنَاهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسِرُّ الْقِرَاءَةَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجْهَرُ كَالْجُمُعَةِ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَهْرُ فَظَاهِرُ الْحَالِ الْإِسْرَارُ وَهَلْ هَذَا الْجَمْعُ بِسَبَبِ النُّسُكِ أَمْ بِسَبَبِ السَّفَرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
بِسَبَبِ النُّسُكِ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِكُلِّ أَحَدٍ هُنَاكَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ عَرَفَاتٍ أَوْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ مُسَافِرًا وَبِهَذَا قَطَعَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ بِسَبَبِ السَّفَرِ فَعَلَى هَذَا مَنْ كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا جَمَعَ وَمَنْ كَانَ قَصِيرًا كَالْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ فَفِي جَوَازِ الْجَمْعِ لَهُ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَجُوزُ (وَالْقَدِيمُ) جَوَازُهُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ
* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِنَمِرَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَمَعَهُ حِينَئِذٍ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ)
* وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ جَمَعُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْقَصْرُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِمَنْ كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقَصْرُ بِالنَّاسِ فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ سَفَرُهُ قَصِيرٌ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاتَيْنِ وَيَجْمَعَهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ كَمَا ذَكَرْنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَقْصُرَهُمَا وَيَجْمَعَهُمَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْصُرَهُمَا وَلَا يَجْمَعَهُمَا بَلْ يُصَلِّي كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا وَلَا(8/87)
يَقْصُرَهُمَا بَلْ يُتِمَّهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يُتِمَّ إحْدَاهُمَا وَيَقْصُرَ الْأُخْرَى
* هَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا كَسَائِرِ صَلَوَاتِ السَّفَرِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ وَالسُّنَّةَ جَمْعُهُمَا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ مَقْصُورَتَيْنِ وَاَللَّهُ اعلم
*
قال الشافعي والاصحاب فلو فات إنسان مِنْ الْحَجِيجِ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ فِي صَلَاتِهِ وَحْدَهُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا كَسَائِرِ صَلَوَاتِ السَّفَرِ وَسَنَذْكُرُ فِيهِ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ أَصْحَابنَا فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا وَنَحْوَهُ مِمَّنْ سَفَرُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا الْجَمْعُ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا لو جَمَعَ بَعْضُ النَّاسِ قَبْلَ الْإِمَامِ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى أَوْ صَلَّى إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ وَالْأُخْرَى مُنْفَرِدًا جَمْعًا وَقَصْرًا جَازَ بِشَرْطِهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ وَلَكِنَّ السُّنَّةَ صَلَاتُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَصَلَّى بِهِمْ قَصْرًا وَجَمْعًا لَزِمَهُ نِيَّةُ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (وَأَمَّا) الْمَأْمُومُونَ فَيَلْزَمُهُمْ نِيَّةُ الْقَصْرِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُمْ نِيَّةُ الْجَمْعِ كَمَا يَلْزَمُهُمْ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ
* فَعَلَى هَذَا يُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِذَلِكَ وَيُعْلِمُ عَالِمُهُمْ بِذَلِكَ جَاهِلَهُمْ
(وَالثَّانِي)
لَا يَلْزَمُهُمْ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ (1) وَلِلْمَشَقَّةِ فِي إعْلَامِ جَمِيعِهِمْ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ هُنَاكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنَادِيَ بِالْجَمْعِ وَلَا أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ نِيَّتَهُ وَاجِبَةٌ وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَمَنْ لَا يَعْلَمُ وُجُوبَ هَذِهِ النِّيَّةِ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ هذا كله ينتقض بنية القصر فقد اتَّفَقْنَا عَلَى وُجُوبِهَا مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا دَخَلَ الْحُجَّاجُ مَكَّةَ وَنَوَوْا أَنْ يُقِيمُوا بِهَا أَرْبَعًا لَزِمَهُمْ إتْمَامُ الصَّلَاةِ فَإِذَا خَرَجُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَنَوَوْا الذَّهَابَ إلَى أَوْطَانِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِ مَنَاسِكِهِمْ كَانَ لَهُمْ الْقَصْرُ من حين خرجوا لانهم أنشأوا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ
* (فَرْعٌ)
وَيُسَنُّ لَهُ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا يُسَنُّ لغيره من الجامعين القاصرين
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)(8/88)
وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَفِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فَيُصَلِّي أَوَّلًا سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي بَعْدَهَا ثُمَّ سُنَّةَ الْعَصْرِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يَتَنَفَّلُونَ
بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ بِغَيْرِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ بَلْ يُبَادِرُونَ بِتَعْجِيلِ الْوُقُوفِ
* وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَنَفُّلِ الْمَأْمُومِ بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ بِغَيْرِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ بِغَيْرِ الرَّوَاتِبِ قَطْعًا لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ وَافَقَ يَوْمُ عرفة يوم جمعة لَمْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ هُنَاكَ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا دَارَ الْإِقَامَةِ وَأَنْ يُصَلِّيَهَا مُسْتَوْطِنُونَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ قَالُوا لَوْ بُنِيَ بِهَا قَرْيَةٌ وَاسْتَوْطَنَهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ صُلِّيَتْ بِهَا الْجُمُعَةُ ولم يصلي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ بِعَرَفَاتٍ مَعَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عمربن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ (إحْدَاهَا) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْحَجِّ أَرْبَعُ خُطَبٍ وَهِيَ يَوْمُ السَّابِعِ بِمَكَّةَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ بِمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ وَيَوْمُ النَّحْرِ بِمِنًى وَيَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بِمِنًى أَيْضًا وَبِهِ قَالَ دَاوُد
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ خُطَبُ الْحَجِّ ثَلَاثٌ يَوْمُ السَّابِعِ وَالتَّاسِعِ وَيَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي قَالَا وَلَا خُطْبَةَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ
* وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ فِي السَّابِعِ خُطْبَةٌ
* وَقَالَ زُفَرُ خُطَبُ الْحَجِّ ثَلَاثٌ يَوْمُ الثَّامِنِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَلَقَدْ ذَكَرْنَا دَلِيلَنَا فِي خُطْبَةِ السَّابِعِ وَخُطْبَةِ يَوْمِ عَرَفَةَ (وَأَمَّا) خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ فَفِيهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٍ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ كُنْتُ أَحْسِبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صحيحهما يَعْنِي بِالثَّلَاثِ الرَّمْيَ يَوْمَ النَّحْرِ وَالْحَلْقَ وَنَحْرَ الْهَدْيِ وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ(8/89)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي خُطْبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى وَبَيَانَهُ تَحْرِيمَ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا
قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ قَدْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ قَدْ بَلَّغْتُ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* وَعَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ أحدهما يقود به راحتله فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا كَثِيرًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ الْهِرْمَاسِ بْنِ زياد الصحابي بن الصَّحَابِيِّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب على ناقته العضبي يَوْمَ الْأَضْحَى بِمِنًى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ آخَرَ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا صَبِيٌّ أَرْدَفَنِي أَبِي يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى يَوْمَ الْأَضْحَى عَلَى راحتله)
* وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ (سَمِعْتُ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ لَكِنَّ لَفْظَهُ (سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْبُرُ عَنْهُ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) خُطْبَةُ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَفِيهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ قَالَا (رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَنَحْنُ عِنْدَ رَاحِلَتِهِ وَهِيَ خُطْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي خَطَبَ بِمِنًى) رَوَاهُ(8/90)
أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ سُرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ - بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ - وَبِالْإِمَالَةِ قَالَتْ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الروس فَقَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَلَيْسَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ (إِذَا جاء نصر الله والفتح) عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ وَعَرَفَ أَنَّهُ الْوَدَاعُ فأمر براحلته القصوى فَرُحِلَتْ لَهُ فَرَكِبَ فَوَقَفَ بِالْعَقَبَةِ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي خُطْبَتِهِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَمْ يُنْقَلْ فِي الْخُطْبَةِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ من أيام التشريق شئ والله أعلم
* (فرع)
مَذْهَبُنَا أَنَّ فِي خُطْبَةِ عَرَفَاتٍ يَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الْأُولَى قَبْلَ الْأَذَانِ ثُمَّ يَشْرَعُ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْأَذَانِ كما سبق
* وقال أَبُو حَنِيفَةَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ كَالْجُمُعَةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَقَالَ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِ خُطْبَتَيْهِ قَالَ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ فَخَطَبَ النَّاسَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ فَفَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَبِلَالٌ مِنْ الْأَذَانِ ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ) قال البيهقى تفرد بهذا ابراهيم ابن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى قُلْتُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأُبَيِّنَ حَالَ حديثه هذا والمعتمد رواية مسلم والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ قَاصِرًا قَصَرَ خَلْفَهُ الْمُسَافِرُونَ سَفَرًا طَوِيلًا وَلَزِمَ الْمُقِيمِينَ الْإِتْمَامُ
* وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ لِلْجَمِيعِ الْقَصْرُ وَاحْتَجَّ بِمَا نَقَلُوهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ ثُمَّ قَصَرَ لَمَّا خَرَجَ إلَى مِنًى
* دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فِي اشْتِرَاطِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مُطْلَقًا (وَأَمَّا) ابْنُ عُمَرَ فَكَانَ مُسَافِرًا لَهُ الْقَصْرُ فَقَصَرَ في موضع(8/91)
وَأَتَمَّ فِي مَوْضِعٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا) هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ دَلِيلٌ لَنَا لَا لَهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ أَيْضًا فِي مِنًى وَلَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَرَكَهُ اكْتِفَاءً بِقَوْلِهِ فِي مَكَّةَ إذْ لَا فَرْقَ
بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ أَهْلِ مَكَّةَ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَلَا يُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ إذَا جَمَعَهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَ عَرَفَاتٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ يُؤَذِّنُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيُقِيمُ
* وَقَالَ احمد واسحق يُقِيمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُؤَذِّنُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ السَّابِقُ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فَلَوْ فَاتَ بَعْضَهُمْ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مُنْفَرِدًا جَامِعًا بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَوَافَقْنَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ لِلصَّلَاةِ أَحَدٌ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَعَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ فَاتَهُ الصَّلَاتَانِ بِالْمُزْدَلِفَةِ مَعَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مُنْفَرِدًا جَامِعًا فَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ بِمَا وَافَقَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ قَالَ وَمِمَّنْ حُفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ والشافعي وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ
* وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْجَهْرَ كَالْجُمُعَةِ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُنَا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ منهم الثوري ومالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ فَلْيَخْرُجْ إلَى مِنًى
* قَالَ وَصَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ الظُّهْرَ بِمَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَتَأَخَّرَتْ عَائِشَةُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ
* قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ترك المبيت بمنى ليلة عرفة لا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَنْزِلُ مِنْ منى حيث شاء والله اعلم
*(8/92)
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
* (ثم يروح إلى عرفة ويقف الوقوف ركن من أركان الحج لما روى عبد الرحمن الديلى أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (الحج عرفات فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج) والمستحب أن يغتسل لما روى نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (كَانَ يغتسل إذا راح إلى عرفة) وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ يَجْتَمِعُ لَهَا الْخَلْقُ فِي مَوْضِعٍ واحد فشرع لها الغسل كصلاة الجمعة والعيد ويصح الوقوف في جميع عرفة لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عَرَفَةُ كُلُّهَا موقف) والافضل أن يقف عند الصخرات لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ عند الصخرات وجعل بطن ناقته إلى(8/93)
الصخرات)
* ويستحب أن يستقبل القبلة لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ولانه إذا لم يكن بد من جهة فجهة القبلة أولى لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خير المجالس ما استقبل به القبلة)
* ويستحب الاكثار من الدعاء وأفضله لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له لما روى طلحة بن عبد الله إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له)
* ويستحب أن يرفع يديه لما روى ابن عباس وابن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ترفع الايدى عند الموقفين يعنى عرفة والمشعر الحرام) وهل الافضل أن يكون راكبا أم لا فيه قولان (قال) في الام النازل والراكب سواء (وقال) في القديم والاملاء الوقوف راكبا أفضل وهو الصحيح لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ راكبا) ولان الراكب أقوى على الدعاء فكان الركوب أولى ولهذا كان الافطار بعرفة أفضل لان المفطر أقوى على الوقوف والدعاء
* وأول وقته إذا زالت الشمس لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وقف بعد الزوال وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وآخر وقته إلى أن يطلع الفجر الثاني لحديث عبد الرحمن الديلي
* فان حصل بعرفة في وقت الوقوف قائما أو قاعدا أو مجتازا فقد أدرك الحج لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ مَعَنَا وَقَدْ قَامَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تفثه) وان وقف وهو مغمى عليه لم يدرك الحج وان وقف وهو نائم فقد أدرك الحج لان المغمى عليه ليس من أهل العبادات والنائم من أهل العبادات ولهذا لو أغمي عليه في جميع نهار الصوم لم يصح صومه وان نام في جميع النهار صح صومه وان وقف وهو لا يعلم انه عرفة فقد أدرك لانه وقف بها وهو مكلف فأشبه إذا علم انها عرفة
* والسنة أن يقف بعد الزوال إلى
أن تغرب الشمس لِمَا رَوَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ (وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ ثم أفاض حين غابت الشمس)
* فان دفع منها قبل الغروب نظرت فان رجع إليها قبل طلوع الفجر لم يلزمه شئ لانه جمع في الوقوف بين الليل والنهار فأشبه إذا قام بها إلى أن غربت الشمس وإن لم يرجع قبل طلوع الفجر أراق دما
* وهل يجب ذلك أو يستحب فيه قولان
(أحدهما)
يجب لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ ترك نسكا فعليه دم) ولانه نسك يختص بمكان فجاز ان(8/94)
يجب بتركه الدم كالاحرام من الميقات
(والثانى)
انه يستحب لانه وقف في احد زماني الوقوف فلا يلزمه دم للزمان الآخر كما لو وقف في الليل دون النهار)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّيلِيِّ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي الحج عرفة من جاء ليلة جمع قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَنَادَى الْحَجُّ الْحَجُّ يَوْمُ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ حَجٍّ فَيَتِمُّ حَجُّهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْحَجُّ عَرَفَاتٌ الْحَجُّ عَرَفَاتٌ فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ) وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قُلْتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَيْسَ عِنْدَكُمْ بِالْكُوفَةِ حَدِيثٌ أَشْرَفُ وَلَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنْ يُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَقَفْتُ هَهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ إلَى الصَّخَرَاتِ فَرَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ (أَمَّا) قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ أَيْضًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ (خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ) (1) (وَأَمَّا) حَدِيثُ (أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ) فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عبيد الله ابن كَرِيزٍ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَآخِرُهُ زَايٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) هَكَذَا رَوَاهُ
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)(8/95)
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ آخِرُ حَدِيثٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمُوَطَّأِ وَهُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّ طَلْحَةَ هَذَا تَابِعِيٌّ خُزَاعِيٌّ كُوفِيٌّ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لِمَا رَوَى طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ طلحة ابن عبيد الله التميمي أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ مَوْصُولًا قَالَ وَوَصْلُهُ ضَعِيفٌ
* وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَطْوَلَ مِنْ هَذَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ) فَضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي إسْنَادِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ دُعَائِي وَدُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا) إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ تَفَرَّدَ بِهِ مُوسَى وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخُوهُ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا (1) (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ رَاكِبًا) فَصَحِيحٌ
__________
(1) كذا بالاصل وانظر اين الوجه الثاني)
*)(8/96)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةِ الْعَبَّاسِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ أَيْضًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ وُقُوفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) كَرِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْآخَرُ (مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ مَعَنَا) فَصَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسٍ الطَّائِيِّ الصَّحَابِيِّ قَالَ (أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ لِلصَّلَاةِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي جئت
من جبل طئ أَكْلَلْت رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَاَللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ فَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ(8/97)
بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ
* قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِهِ هُنَا وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ
* قَالَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ سَنَذْكُرُهُ بِطُولِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ(8/98)
جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل بنمرة حتى إذا زاعت الشمس أمر بالقصوى فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) فَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَا مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ (مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا) قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي قَالَ تَرَكَ أَمْ نَسِيَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ (مَنْ تَرَكَ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ لَهُ دَمًا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَكَأَنَّهُ قَالَهُمَا(8/99)
يَعْنِي الْبَيْهَقِيَّ أَنَّ أَوْ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ بَلْ لِلتَّقْسِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ يُرِيقُ دَمًا سَوَاءٌ تَرَكَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الدِّيلِيُّ الصَّحَابِيُّ - بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ - وَهُوَ مِنْ سَاكِنِي الْكُوفَةِ وَأَبُو يَعْمُرَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا - (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ يَجْتَمِعُ لَهَا الْخَلْقُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ احْتِرَازٌ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَالْأَذْكَارِ وَلَكِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ (وَقَوْلُهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ مَعَنَا وَقَدْ قَامَ قَبْلَ ذَلِكَ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَقَدْ قَامَ وَقَدْ وَقَفَ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ) (قَضَى تَفَثَهُ) هُوَ مَا يَفْعَلُهُ
الْمُحْرِمُ عِنْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ إزَالَةِ الشَّعَثِ وَالْوَسَخِ وَالْحَلْقِ وَقَلْمِ الْأَظْفَارِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ) وَلِهَذَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَلَوْ نَامَ جَمِيعَهُ صَحَّ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَفِيهِمَا مَا سَبَقَ (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ(8/100)
نُسُكٌ يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ احْتِرَازٌ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَالْأَذْكَارِ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا فَرَغُوا مِنْ صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسِيرُوا فِي الْحَالِ إلَى الْمَوْقِفِ وَيُعَجِّلُوا الْمَسِيرَ وَهَذَا التَّعْجِيلُ مُسْتَحَبٌّ بِالْإِجْمَاعِ لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ (كتب عبد الملك ابن مَرْوَانَ إلَى الْحَجَّاجِ أَنْ يَأْتَمَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْحَجِّ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَصَاحَ عِنْدَ فُسْطَاطِهِ أَيْنَ هَذَا فَخَرَجَ إلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ الرَّوَاحَ فَقَالَ الْآنَ قَالَ نَعَمْ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ لَهُ إنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَأَقْصِرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ صَدَقَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ أَتَى الْمَوْقِفَ) (الثَّانِيَةُ) وَقْتُ الْوُقُوفِ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي يَوْمَ النَّحْرِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ
* وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ
* وَحَكَى الْفُورَانِيُّ قَوْلًا مِثْلَ هَذَا وَفِيهِ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا
* وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْوُقُوفِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ مُضِيِّ إمْكَانِ صَلَاةِ الظُّهْرِ
* وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ عَنْ الْجُمْهُورِ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَمَنْ حَصَلَ(8/101)
بِعَرَفَاتٍ فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُقُوفِ صَحَّ وُقُوفُهُ وَأَدْرَكَ بِذَلِكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ هَذَا الزَّمَانُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ مِنْ حِينِ يَفْرُغُ مِنْ صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ ثُمَّ يَدْفَعُ عَقِبَ الْغُرُوبِ إلَى مُزْدَلِفَةَ فَلَوْ وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَحَجُّهُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرْنَا
* ثُمَّ إنْ عَادَ إلَى عَرَفَاتٍ وَبَقِيَ بِهَا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَلَا دَمَ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ أَرَاقَ دَمًا وَهَلْ هَذَا الدَّمُ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ
(أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ سُنَّةٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ
(وَالثَّانِي)
وَاجِبٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَفَاضَ مَعَ الْإِمَامِ فَمَعْذُورٌ فَيَكُونُ الدَّمُ مُسْتَحَبًّا قَطْعًا وَإِلَّا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَجِبُ فَعَادَ فِي اللَّيْلِ إلَى عَرَفَاتٍ فَفِي سُقُوطِ الدَّمِ عَنْهُ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَطَائِفَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ يَسْقُطُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَسْقُطُ (أَمَّا) مَنْ لَمْ يَحْضُرْ عَرَفَاتٍ إلَّا فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ فَحَصَلَ فِيهَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَقِيلَ بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَصِحُّ وُقُوفُهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ وَقَفَ نَهَارًا ثُمَّ انْصَرَفَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِالْإِعْرَاضِ وَقَطْعِ الْوُقُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ أَشْهَرُ أَرْكَانِ الْحَجِّ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ(8/102)
(الْحَجُّ عَرَفَةَ) وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كَوْنِهِ رُكْنًا
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْحُضُورُ فِي جُزْءٍ مِنْ عَرَفَاتٍ وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ سَوَاءٌ حَضَرَهَا عَمْدًا أَوْ وَقَفَ مَعَ الْغَفْلَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّحَدُّثِ وَاللَّهْوِ أَوْ فِي حَالَةِ النَّوْمِ أَوْ اجْتَازَ فِيهَا فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَاتٌ وَلَمْ يَمْكُثْ أَصْلًا بَلْ مَرَّ مسرعا في طرق من أطراقها أَوْ كَانَ نَائِمًا عَلَى بَعِيرٍ فَانْتَهَى الْبَعِيرُ إلَى عَرَفَاتٍ فَمَرَّ بِهَا الْبَعِيرُ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَاكِبُهُ حَتَّى فَارَقَهَا أَوْ اجْتَازَهَا فِي طَلَبِ غَرِيمٍ هَارِبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بَهِيمَةٍ شَارِدَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فَيَصِحُّ وُقُوفُهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَحْوِهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ
* وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَمِنْهَا) وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْمُرُورُ الْمُجَرَّدُ بَلْ يُشْتَرَطُ لُبْثٌ يَسِيرٌ حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَا يُشْتَرَطُ اللُّبْثُ
* (وَمِنْهَا) وَجْهٌ أَنَّهُ إذَا مَرَّ بِهَا وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَاتٌ لَا يُجْزِئُهُ حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* (وَمِنْهَا) وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُقُوفُ النَّائِمِ حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي هَذَا الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ
النَّائِمِ وَمَسْأَلَةِ الْجَاهِلِ بِكَوْنِهَا عَرَفَاتٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ النِّيَّةُ أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ
*
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ لِكُلِّ رُكْنٍ نِيَّةٌ لِأَنَّ أَرْكَانَهُ يَنْفَصِلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فَيَكُونُ كُلُّ رُكْنٍ كَعِبَادَةٍ مُنْفَرِدَةٍ فَإِنْ شَرَطْنَاهَا لَمْ يَصِحَّ مع النوم(8/103)
وَلَا مَعَ الْجَهْلِ بِالْمَكَانِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ (أَمَّا) إذَا حَضَرَ فِي طَلَبِ غَرِيمٍ أَوْ دَابَّةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ هَكَذَا قَطَعَ الْأَصْحَابُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ يُجْزِئُهُ قَالَ وَظَاهِرُ النَّصِّ يُشِيرُ إلَيْهِ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْخِلَافَ السَّابِقَ فِيمَنْ صَرَفَ الطَّوَافَ إلَى طَلَبِ غَرِيمٍ وَنَحْوِهِ قَالَ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الطَّوَافَ قَدْ يَقَعُ قُرْبَةً مُسْتَقِلَّةً بِخِلَافِ الْوُقُوفِ قَالَ وَلَا يَمْتَنِعُ طَرْدُ الْخِلَافِ (أَمَّا) إذَا وَقَفَ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَفِي صِحَّةِ وُقُوفِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَصِحُّ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ الْمَشْهُورُ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ
* وَلَوْ وَقَفَ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ (وَالثَّانِي) فِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ
* وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ ابْنُ الْقَطَّانِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ
* وَلَوْ وَقَفَ وَهُوَ سَكْرَانُ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إنْ كَانَ سُكْرُهُ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْصِيَةٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ
* (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ كَالصَّاحِي فِي الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا قُلْنَا فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ وُقُوفُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجِّ الْفَرْضِ لَكِنْ يَقَعُ نَفْلًا كَحَجِّ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ ارْتَضَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ(8/104)
الْجُنُونَ لَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ أَوْ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَكَانَ عَاقِلًا فِي حَالِ فِعْلِ الْأَرْكَانِ لَا يَضُرُّ بَلْ يَصِحُّ حَجُّهُ وَيَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ
الْمُتَوَلِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) يَصِحُّ الْوُقُوفُ فِي أَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وعرفه كُلُّهَا مَوْقِفٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَفْضَلُهَا مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمُفْتَرِشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ إلَالُ - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ - عَلَى وَزْنِ هِلَالٍ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ أَنَّهُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - وَالْمَشْهُورُ كَسْرُهَا (وَأَمَّا) حَدُّ عَرَفَاتٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ(8/105)
مَا جَاوَزَ وَادِيَ عُرَنَةَ - بِعَيْنٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ - إلَى الْجِبَالِ الْقَابِلَةِ مِمَّا يَلِي بَسَاتِينَ ابْنِ عَامِرٍ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
* وَنَقَلَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَدُّ عَرَفَاتٍ مِنْ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى بَطْنِ عُرَنَةَ إلَى جِبَالِ عَرَفَاتٍ إلَى وَصِيقٍ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ - إلَى مُلْتَقَى وَصِيقٍ وَوَادِي عُرَنَةَ
* قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِعَرَفَاتٍ اربع حدود (احدها) ينتهي إلى حادة طَرِيقِ الْمَشْرِقِ (وَالثَّانِي) إلَى حَافَاتِ الْجَبَلِ الَّذِي وَرَاءَ أَرْضِ عَرَفَاتٍ (وَالثَّالِثُ) إلَى الْبَسَاتِينِ الَّتِي تَلِي قَرْيَةَ عَرَفَاتٍ وَهَذِهِ الْقَرْيَةُ عَلَى يَسَارِ مُسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةِ إذَا وَقَفَ بِأَرْضِ عَرَفَاتٍ (وَالرَّابِعُ) يَنْتَهِي إلَى وَادِي عُرَنَةَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيُطِيفُ بِمُنْعَرَجَاتِ عَرَفَاتٍ جِبَالِ وُجُوهِهَا الْمُقْبِلَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَادِي عرنة ولانمرة ولا المسجد(8/106)
الْمُسَمَّى مَسْجِدَ إبْرَاهِيمَ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا مَسْجِدُ عُرَنَةَ بَلْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ خَارِجَةٌ عَنْ عَرَفَاتٍ عَلَى طَرَفِهَا الْغَرْبِيِّ مِمَّا يَلِي مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَمَكَّةَ
* هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ كَوْنِ وَادِي عُرَنَةَ لَيْسَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَا خِلَافَ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) نَمِرَةُ فَلَيْسَتْ أَيْضًا مِنْ عَرَفَاتٍ بَلْ بِقُرْبِهَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ الْأَوْسَطِ وَفِي غَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَطَائِفَةٌ هِيَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ غَرِيبٌ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ وَلَا هُوَ فِي الشَّامِلِ وَلَا هُوَ صَحِيحٌ بَلْ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ وَلِمَا تَطَابَقَتْ عَلَيْهِ كُتُبُ الْعُلَمَاءِ (وَأَمَّا) مَسْجِدُ إبْرَاهِيمَ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَأَنَّ مَنْ وَقَفَ(8/107)
بِهِ لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُ هَذَا نَصُّهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ
* وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ مُقَدَّمُ هَذَا الْمَسْجِدِ مِنْ طَرَفِ وَادِي عُرَنَةَ لَا فِي عَرَفَاتٍ وَآخِرُهُ فِي عَرَفَاتٍ قَالُوا فَمَنْ وَقَفَ فِي مُقَدَّمِهِ لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُ وَمَنْ وَقَفَ فِي آخِرِهِ صَحَّ وُقُوفُهُ قَالُوا وَيَتَمَيَّزُ ذَلِكَ بِصَخَرَاتٍ كِبَارٍ فُرِشَتْ هُنَاكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَنَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ هَذَا القدر الذى ذكروه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (قُلْتُ) قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ذَرْعٌ سَعَتُهُ(8/108)
مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَثَلَاثٌ وَسِتُّونَ ذِرَاعًا قَالَ وَمِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ مِنْ عَرَفَةَ وَالطَّرِيقِ مِائَتَا ذِرَاعٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا قَالَ وَلَهُ مِائَةُ شُرْفَةٍ وثلاثة شُرُفَاتٍ وَلَهُ عَشَرَةُ أَبْوَابٍ قَالَ وَمِنْ حَدِّ الْحَرَمِ إلَى مَسْجِدِ عُرَنَةَ أَلْفُ ذِرَاعٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَخَمْسُ أَذْرُعٍ قَالَ وَمِنْ مَسْجِدِ عَرَفَاتٍ هَذَا إلَى مَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميل والله أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ عُرَنَةَ وَنَمِرَةَ بَيْنَ عَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ لَيْسَتَا مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَأَمَّا) جَبَلُ الرَّحْمَةِ فَفِي وَسَطِ عَرَفَاتٍ
* فَإِذَا عُلِمَتْ عَرَفَاتٌ بِحُدُودِهَا فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ حَيْثُ وَقَفَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَاتٍ فِي جَوَانِبِهَا وَنَوَاحِيهَا وَجِبَالِهَا وسهلها وبطاحها واوديتها وسوقتها الْمَعْرُوفَةِ بِذِي الْمَجَازِ أَجْزَأَهُ قَالَ فَأَمَّا إنْ وَقَفَ بِغَيْرِ عَرَفَاتٍ مِنْ وَرَائِهَا أَوْ دُونَهَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِهَا فَلَا يُجْزِئُهُ وَقَالَ مَالِكٌ يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاَللَّهُ أعلم
*(8/109)
(فَرْعٌ)
وَاجِبُ الْوُقُوفِ وَشَرْطُهُ شَيْئَانِ
(أَحَدُهُمَا)
كَوْنُهُ فِي أَرْضِ عَرَفَاتٍ وَفِي وَقْتِ الْوُقُوفِ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ
(وَالثَّانِي)
كَوْنُ الْوَاقِفِ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ (وَأَمَّا) سُنَنُهُ وَآدَابُهُ فَكَثِيرَةٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَغْتَسِلَ بِنَمِرَةَ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ لِلْوُقُوفِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ (الثَّانِي) أَنْ لَا يَدْخُلَ أَرْضَ عَرَفَاتٍ إلَّا بَعْدَ صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (الثَّالِثُ) الْخُطْبَتَانِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (الرَّابِعُ) تَعْجِيلُ الْوُقُوفِ عَقِبَ الصَّلَاتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا كُلُّهُ مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا سَوَاءٌ أَطَاقَ الصَّوْمَ
أَمْ لَا وَسَوَاءٌ ضَعُفَ بِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْفِطْرَ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى الدُّعَاءِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ مُفْطِرًا (السَّادِسُ) أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فَلَوْ وَقَفَ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ أَوْ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ صَحَّ وُقُوفُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ حَاضَتْ (اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ) قال اصحابنا ولا تشترط الطهارة في شئ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ (السَّابِعُ) السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ (الثَّامِنُ) أَنْ يَطُوفَ حَاضِرَ الْقَلْبِ فَارِغًا(8/110)
مِنْ الْأُمُورِ الشَّاغِلَةِ عَنْ الدُّعَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ قَضَاءَ أَشْغَالِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَتَفَرَّغَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ عَنْ جَمِيعِ الْعَلَائِقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ فِي مَوْقِفِهِ طُرُقَ الْقَوَافِلِ وَغَيْرِهِمْ لِئَلَّا يَنْزَعِجَ بِهِمْ وَيَتَهَوَّشَ عَلَيْهِ حَالُهُ وَيَذْهَبَ خُشُوعُهُ (التَّاسِعُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ مَاشِيًا أَوْ كَانَ يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الدُّعَاءِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيَحْتَاجُ النَّاسُ إلَى ظُهُورِهِ لِيُسْتَفْتَى وَيُقْتَدَى بِهِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ وُقُوفُهُ رَاكِبًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ رَاكِبًا) كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَالرُّكُوبُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ (وَأَمَّا) إذَا كَانَ لَا يَضْعُفُ بِالْوُقُوفِ مَاشِيًا وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ مِمَّنْ يُحْتَاجُ إلَى ظُهُورِهِ فَفِي الْأَفْضَلِ فِي حَقِّهِ أَقْوَالٌ لِلشَّافِعِيِّ
* (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ رَاكِبًا أَفْضَلُ لِلِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى الدُّعَاءِ وَهُوَ الْمُهِمُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ
(وَالثَّانِي)
تَرْكُ الرُّكُوبِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْخُضُوعِ (وَالثَّالِثُ) هُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ لِتَعَادُلِ الْفَضِيلَتَيْنِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْعَاشِرُ) أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الْوُقُوفِ بِمَوْقِفِ(8/111)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا جَعَلَ نَظَرَ رَاحِلَتِهِ إلَى الصَّخَرَاتِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ رَاجِلًا وَقَفَ عَلَى الصَّخَرَاتِ أَوْ عِنْدَهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي وَلَا يَتَأَذَّى قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَيْهِ لِلزَّحْمَةِ تَقَرَّبَ
مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ
* (وَأَمَّا) مَا اشْتَهَرَ عِنْدَ الْعَوَامّ مِنْ الِاعْتِنَاءِ بِالْوُقُوفِ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ الَّذِي هُوَ بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَتَرْجِيحِهِمْ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ حَتَّى رُبَّمَا تُوُهِّمَ مِنْ جَهَلَتِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ إلَّا فِيهِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ وَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ فِي صعود هذاالجبل فَضِيلَةً يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ لَهُ حُكْمُ سَائِرِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ غَيْرِ مَوْقِفِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ قصد هذاالجبل الَّذِي يُقَالُ لَهُ جَبَلُ الدُّعَاءِ قَالَ وَهُوَ مَوْقِفُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَذَكَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ نَحْوَهُ
* وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا(8/112)
ضَعِيفٌ فَالصَّوَابُ الِاعْتِنَاءُ بِمَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي خَصَّهُ الْعُلَمَاءُ بِالذِّكْرِ وَحَثُّوا عَلَيْهِ وَفَضَّلُوهُ وَحَدِيثُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ
* وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي وَسَطِ عَرَفَاتٍ جَبَلٌ يُسَمَّى جَبَلَ الرَّحْمَةِ لَا نُسُكَ فِي صُعُودِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَادُهُ النَّاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْحَادِيَ عَشَرَ) السُّنَّةُ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الدُّعَاءِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّلْبِيَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّضَرُّعِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَهَذِهِ وَظِيفَةُ هَذَا الْيَوْمِ وَلَا يُقَصِّرَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُعْظَمُ الْحَجِّ وَمَطْلُوبُهُ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْحَجُّ عَرَفَةَ) فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَصِّرَ فِي الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِيهِ
* وَيُكْثِرُ مِنْ هَذَا الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ وَلَا يَتَكَلَّفُ السَّجْعَ فِي الدُّعَاءِ وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ الْمَسْجُوعِ إذَا كَانَ مَحْفُوظًا أَوْ قَالَهُ بِلَا تَكَلُّفٍ وَلَا فَكَّرَ فِيهِ بَلْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ تَكَلُّفَ تَرْتِيبِهِ وَإِعْرَابِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُ قَلْبَهُ
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْفِضَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَيُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا رُفِعَتْ أَصْوَاتُنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تدعون أصما وَلَا غَائِبًا إنَّهُ مَعَكُمْ إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)
* رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* ارْبَعُوا - بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَيْ اُرْفُقُوا بِأَنْفُسِكُمْ
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ التَّضَرُّعَ وَالْخُشُوعَ
وَالتَّذَلُّلَ وَالْخُضُوعَ وَإِظْهَارَ الضَّعْفِ وَالِافْتِقَارِ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ وَلَا يَسْتَبْطِئُ الْإِجَابَةَ بَلْ يَكُونُ قَوِيَّ الرَّجَاءِ لِلْإِجَابَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ(8/113)
فَيَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي)
* رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِدَعْوَةٍ إلَّا آتَاهُ اللَّهُ إيَّاهَا أَوْ صَرَفَ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أو قطعية رحم فقال رجل من القوم إذا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَزَادَ فِيهِ (أَوْ يَدَّخِرُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَهَا)
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَ كُلَّ دُعَاءٍ ثَلَاثًا وَيَفْتَتِحُ دُعَاءَهُ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالتَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَخْتِمُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ
* وَلْيَكُنْ مُتَطَهِّرًا مُتَبَاعِدًا عَنْ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَلِبَاسِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا مَعَهُ فَإِنَّ هَذِهِ آدَابٌ لِجَمِيعِ الدَّعَوَاتِ وَلْيَخْتِمْ دُعَاءَهُ بِآمِينَ وَلْيُكْثِرْ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ وَأَفْضَلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ)
* وَفِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَكْثَرُ مَا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْمَوْقِفِ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ كَاَلَّذِي نَقُولُ وَخَيْرٍ مِمَّا نَقُولُ اللَّهُمَّ لَك صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي وَإِلَيْك مَآبِي لَك رَبِّ قُرْآنِي اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ وَشَتَاتِ الْأَمْرِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تجئ بِهِ الرِّيحُ)
* وَإِسْنَادُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ضَعِيفٌ لَكِنْ مَعْنَاهُمَا صَحِيحٌ وَأَحَادِيثُ الْفَضَائِلِ يُعْمَلُ فِيهَا(8/114)
بِالْأَضْعَفِ كَمَا سَبَقَ مَرَّاتٍ
* وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ رافعا بها صوته مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الْأَذْكَارِ كُلِّهَا فَتَارَةً يُهَلِّلُ وَتَارَةً يُكَبِّرُ وَتَارَةً يُسَبِّحُ وَتَارَةً يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَتَارَةً يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتارة يدعوا وتارة يستغفر ويدعوا مُفْرَدًا وَفِي
جَمَاعَةٍ وَلْيَدْعُ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَمَشَايِخِهِ وَأَقَارِبِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَأَحِبَّائِهِ وَسَائِرِ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ التقصير في شئ مِنْ هَذَا فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
* وَيَنْبَغِي أَنْ يُكَرِّرَ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّلَفُّظَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمُخَالَفَاتِ مَعَ النَّدَمِ بِالْقَلْبِ وَأَنْ يُكْثِرَ الْبُكَاءَ مَعَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فهناك تسكب العبرات وتستقل الْعَثَرَاتُ وَتُرْتَجَى الطَّلَبَاتُ وَإِنَّهُ لَمَجْمَعٌ عَظِيمٌ وَمَوْقِفٌ جَسِيمٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُخْلِصِينَ وَالْخَوَاصِّ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ وَهُوَ أَعْظَمُ مَجَامِعِ الدُّنْيَا وَقَدْ قِيلَ إذَا وَافَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ غُفِرَ لِكُلِّ أَهْلِ الْمَوْقِفِ
* وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ) وَرَوَيْنَا عَنْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَحَدَ الْعَشَرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم (ما رؤى الشيطان اصفر ولا اخضر وَلَا أَدْبَرَ وَلَا أَغْيَظَ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ الرَّحْمَةَ تُنَزَّلُ فيه(8/115)
فَيُتَجَاوَزُ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ) وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (أَنَّهُ رَأَى سَائِلًا يَسْأَلُ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ يَا عَاجِزُ فِي هَذَا الْيَوْمِ يُسْأَلُ غير الله تعالى)
* وعن الفضل بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى بُكَاءِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا إلَى رَجُلٍ فَسَأَلُوهُ دَانِقًا أَكَانَ يَرُدُّهُمْ قِيلَ لَا قَالَ وَاَللَّهِ لَلْمَغْفِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ أَهْوَنُ مِنْ إجَابَةِ رَجُلٍ لَهُمْ بِدَانِقٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
وَمِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمُخْتَارَةِ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا كَبِيرًا وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي رَحْمَةً أَسْعَدُ بِهَا فِي الدَّارَيْنِ وَتُبْ على توبة نصوحا لاأنكثها أَبَدًا وَأَلْزِمْنِي سَبِيلَ الِاسْتِقَامَةِ لَا أَزِيغُ عَنْهَا أبدا اللهم أنقلني عن ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ وَاكْفِنِي بِحَلَالِك عَنْ حَرَامِك وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ وَنَوِّرْ قَلْبِي وَقَبْرِي وَاغْفِرْ لِي مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ واجمع لى الخير
* اللهم إنى أسئلك الهدى والتقى والعفاف والفني
* اللَّهُمَّ يَسِّرْنِي لِلْيُسْرَى وَجَنِّبْنِي الْعُسْرَى وَارْزُقْنِي طَاعَتَك مَا أَبْقَيْتَنِي أَسْتَوْدِعُك مِنِّي وَمِنْ أَحْبَابِي وَالْمُسْلِمِينَ أَدْيَانَنَا وَأَمَانَاتِنَا وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِنَا وَأَقْوَالَنَا وَأَبْدَانَنَا وَجَمِيعَ
مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْنَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
لِيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ مَا أَمْكَنَهُ فَإِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْوَقْتِ الْمُهِمِّ فِيمَا لَا يَعْنِي مَعَ أَنَّهُ يُخَافُ انْجِرَارُهُ إلَى حَرَامٍ مِنْ غِيبَةٍ وَنَحْوِهَا
* وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ غَايَةَ الِاحْتِرَازِ عَنْ احْتِقَارِ مَنْ يراه رث الهيئة أو مقصرا في شئ وَيَحْتَرِزُ مِنْ انْتِهَارِ السَّائِلِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ خَاطَبَ ضَعِيفًا تَلَطَّفَ فِي مُخَاطَبَتِهِ فَإِنْ رَأَى مُنْكَرًا مُحَقَّقًا لَزِمَهُ إنْكَارُهُ وَيَتَلَطَّفُ فِي ذَلِكَ
*(8/116)
(فَرْعٌ)
لِيَسْتَكْثِرْ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ فِي يَوْمِ عَرَفَة وَسَائِرِ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي هَذِهِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ إلَّا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرج بشئ) والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْأَفْضَلُ لِلْوَاقِفِ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ بَلْ يَبْرُزَ لِلشَّمْسِ إلَّا لِلْعُذْرِ بِأَنْ يَتَضَرَّرَ أَوْ يَنْقُصَ دُعَاؤُهُ أَوْ اجْتِهَادُهُ فِي الْأَذْكَارِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَظَلَّ بِعَرَفَاتٍ مَعَ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ظُلِّلَ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ) وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ مَذْهَبِنَا غَيْرَ مَا فِي اسْتِظْلَالِ الْمُحْرِمِ بِغَيْرِ عَرَفَاتٍ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي التَّعْرِيفِ بِغَيْرِ عَرَفَاتٍ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ الْمَعْرُوفُ فِي الْبُلْدَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ رَوَيْنَاهُ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ قَالَ (رَأَيْتُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَوْمَ عَرَفَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ جَلَسَ فَدَعَا وَذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ) وَفِي رِوَايَةٍ (رَأَيْت الحسن خرج يوم عرفة من المعصورة بَعْدَ الْعَصْرَ فَعُرِفَ
* وَعَنْ شُعْبَةَ قَالَ (سَأَلْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا عَنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْمَسَاجِدِ فَقَالَا هُوَ مُحْدَثٌ)
* وَعَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ هُوَ مُحْدَثٌ
* وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ
* وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْهُ فقال أرجوا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ الْحَسَنُ وَبَكْرٌ وَثَابِتٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ كَانُوا يَشْهَدُونَ
الْمَسْجِدَ يَوْمَ عَرَفَةَ
* وَكَرِهَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ والحكم وحماد ومالك ابن أَنَسٍ وَغَيْرُهُمْ
* وَصَنَّفَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ الْمَالِكِيُّ الزَّاهِدُ كِتَابًا فِي الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ جَعَلَ مِنْهَا هَذَا التَّعْرِيفَ وَبَالَغَ فِي إنْكَارِهِ وَنَقَلَ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ بِدْعَةً لَا يُلْحِقُهُ بِفَاحِشَاتِ الْبِدَعِ بَلْ يُخَفِّفُ أَمْرَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/117)
(فَرْعٌ)
مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ الْعَوَامّ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ إيقَادِ الشَّمْعِ بِجَبَلِ عَرَفَةَ لَيْلَةَ التَّاسِعِ أَوْ غَيْرِهَا وَيَسْتَصْحِبُونَ الشَّمْعَ مِنْ بُلْدَانِهِمْ لِذَلِكَ وَيَعْتَنُونَ بِهِ وَهَذِهِ ضَلَالَةٌ فَاحِشَةٌ جَمَعُوا فِيهَا أَنْوَاعًا مِنْ الْقَبَائِحِ (مِنْهَا) إضَاعَةُ الْمَالِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ (وَمِنْهَا) إظْهَارُ شِعَارِ الْمَجُوسِ فِي الِاعْتِنَاءِ بِالنَّارِ (وَمِنْهَا) اخْتِلَاطُ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالشُّمُوعُ بَيْنَهُمْ وَوُجُوهُهُمْ بَارِزَةٌ (وَمِنْهَا) تَقْدِيمُ دُخُولِ عَرَفَاتٍ عَلَى وَقْتِهَا الْمَشْرُوعِ وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَكُلِّ ومكلف تَمَكَّنَ مِنْ إزَالَةِ هَذِهِ الْبِدَعِ إنْكَارُهَا وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تتعلق بالوقوف
* (إحداهما) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ وُقُوفُ غَيْرِ الطَّاهِرِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِمَا
* وَاخْتَلَفُوا فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَذَاهِبَ فِيهِ فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ
* (الثَّانِيَةُ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُقُوفُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وحكاه ابن المنذر عن الشافعي واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ (الثَّالِثَةُ) لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَاتٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا(8/118)
أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّةُ وُقُوفِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ
* (الرَّابِعَةُ) إذَا وَقَفَ فِي النَّهَارِ وَدَفَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَعُدْ فِي نَهَارِهِ إلَى عَرَفَاتٍ هَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِيهِ قَوْلَانِ سَبَقَا
* (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يلزمه (وقال) أو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَلْزَمُهُ فَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ فَعَادَ فِي اللَّيْلِ سَقَطَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يَسْقُطُ
* وَإِذَا دَفَعَ بِالنَّهَارِ وَلَمْ يَعُدْ أَجْزَأَهُ وُقُوفُهُ وَحَجُّهُ صَحِيحٌ سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الدَّمَ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ
مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَالِكًا
* وَقَالَ مَالِكٌ الْمُعْتَمَدُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ هُوَ اللَّيْلِ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ اللَّيْلِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
* وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَقَالَ لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ)
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ السَّابِقِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ يَعْنِي الصُّبْحَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَجِبُ لَكِنْ يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا بُدَّ مِنْ(8/119)
الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ طَرِيقُ الْجَمْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) وَقْتُ الْوُقُوفِ بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ
* وقال القاضى أبو الطيب والعبد رى هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَحْمَدَ فَإِنَّهُ قَالَ وَقْتُهُ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَطُلُوعِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُرْوَةَ السَّابِقِ قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى الْيَوْمِ وَمَا نُقِلَ أَنَّ أَحَدًا وَقَفَ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالُوا وَحَدِيثُ عُرْوَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ (السَّادِسَةُ) لَوْ وَقَفَ بِبَطْنِ عرنة لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ
* وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ هَذَا الذى حكاه أصحابنا عن مَالِكٍ لَمْ أَرَهُ لَهُ بَلْ مَذْهَبُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَالَ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ بِعُرَنَةَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عرفة كلها موقف وارتفعوا عن عرنة) وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا لِأَنَّ فِيهِ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَجْمَعُوا(8/120)
عَلَى تَضْعِيفِ الْقَاسِمِ هَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ كَذَّابٌ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ فَتَرَكَ النَّاسُ حَدِيثَهُ
* وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ ضعيف ليس بشئ
* وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ مَتْرُوكٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ هُوَ ضَعِيفٌ لَا يُسَاوِي
شَيْئًا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
* وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ
* وَرَوَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مَرْفُوعًا وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مَرْفُوعًا بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ على شرط(8/121)
مُسْلِمٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَلَيْسَ هُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ وَلَمْ يَرْوِ لَهُ مسلم وقد ضعفه جمهور الائمة والله أَعْلَمُ
* (قُلْتُ) فَتَحْصُلُ الدَّلَالَةُ عَلَى مَالِكٍ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) الرِّوَايَةُ الْمُرْسَلَةُ فَإِنَّ الْمُرْسَلَ عِنْدَهُ حُجَّةٌ (وَالثَّانِي) الْمَوْقُوفُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الَّذِي قُلْنَا بِهِ مِنْ تَحْدِيدِ عَرَفَاتٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يَدَّعِيهِ مِنْ دُخُولِ عُرَنَةَ فِي الْحَدِّ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ صَحِيحٌ وَلَا ضعيف في ذلك والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*(8/122)
(وإذا غربت الشمس دفع إلى المزلفة لحديث علي كرم الله وجهه ويمشي وعليه السكينة لما روى الفضل بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وغداة جمع حين دفعوا (عليكم بالسكينة) فإذا وجد فرجة أسرع لما روى أسامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كان يسير العنق) فإذا وجد فجوة نص ويجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة على ما بيناه في كتاب الصلاة فان صلى كل واحدة منهما في وقتها جاز لان الجمع رخصة لاجل السفر فجاز له تركه
* ويثبت بها إلى أن يطلع الفجر الثاني لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء واضطجع حتى إذا طلع الفجر صلى الفجر) وفى أي موضع من المزدلفة بات أجزأه لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا موقف وارتفعوا(8/123)
عن بطن محسر) وهل يجب المبيت بمزدلفة أم لا فيه قولان
(أحدهما)
يجب لانه نسك مقصود في موضع فكان واجبا كالرمي
(والثانى)
انه سنة لانه مبيت فكان سنة كالمبيت بمنى ليلة عرفة (فان قلنا) انه يجب وجب بتركه الدم (وان قلنا) انه سنة لم يجب بتركه الدم
* ويستحب ان يؤخذ منها حصى جمرة
العقبة لما روى الفضل بن الْعَبَّاسُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غداة يوم النحر (القط لي حصى فلقطت له حصيات مثل حصي الخذف) ولان السنة إذا أتي منى لا يعرج على غير الرمي فاستحب أن يأخذ الحصي حتى لا يشتغل عن الرمى وان أخذ الحصى من غيرها جاز لان الاسم يقع عليه
*(8/124)
ويصلي الصبح بالمزدلفة في أول الوقت وتقديمها أفضل لما روى عبد الله قَالَ (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلي صلاة الا لميقاتها الا المغرب والعشاء بجمع وصلاة الفجر يومئذ قبل ميقاتها) ولانه يستحب الدعاء بعدها فاستحب تقديمها ليكثر الدعاء
* فإذا صلى وقف على قزح وهو المشعر الحرام ويستقبل القبلة ويدعو الله تعالى لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ركب القصواء حتى رقى على المشعر الحرام واستقبل القبلة فدعا الله عز وجل وكبر وهلل ووحد ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع قبل أن تطلع الشمس)
* والمستحب أن يدفع قبل طلوع الشمس لحديث جابر فان أخر الدفع حتى طلعت الشمس كره لما روى المسور بن مخرمة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (كانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس على رؤس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس ليخالف هدينا هدى أهل الاوثان والشرك)
* فان قدم الدفع بعد نصف الليل وقبل طلوع الفجر جَازَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (ان سودة رضى الله عنها كانت امرأه ثبطة فاستأذنت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تعجيل الافاضة ليلا في ليلة المزدلفة فأذن لها)
* والمستحب إذا دفع من المزدلفة أن يمشى وعليه السكينة لما ذكرناه من حديث الفضل بن عباس وإذا وجد فرجة أسرع كما يفعل في الدفع من عرفة
* والمستحب إذا بلغ وادى محسر ان يسرع إذا كان ماشيا أو يحرك دابته إذا كان راكبا بقدر رمية حجر لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرك قليلا في وادى محسر)
*(8/125)
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَبَقَ فِي فَصْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
* وَمِمَّا فِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَحَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ
* وَحَدِيثُ أُسَامَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ) إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بِالْمُزْدَلِفَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَجَابِرٌ وَكُلُّ رِوَايَاتِهِمْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلَّا جَابِرًا فَفِي مُسْلِمٍ خَاصَّةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ في مذاهب العلماء قبل هذا الفصل ويغني عنه حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (نحرت ههنا ومنى كلها منحر فا نحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ)
* رَوَاهُ مُسْلِمٌ
*(8/126)
وَجَمْعٌ هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي لَقْطِ الْحَصَيَاتِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ إسْنَادِ النَّسَائِيّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهُمَا رَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُطْلَقًا وَظَاهِرُ رِوَايَتِهِمَا أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لَا الْفَضْلُ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي مُسْنَدِ الْفَضْلِ وَالْجَمِيعُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَيَكُونُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَصَلَهُ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَأَرْسَلَهُ فِي رِوَايَتَيْ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ وَهُوَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ وَهُوَ حُجَّةٌ لَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْمُرْسَلُ عَنْهُ فَإِذَا عُرِفَ فَأَوْلَى بِالِاحْتِجَاجِ وَالِاعْتِمَادِ وَقَدْ عُرِفَ هُنَا أَنَّهُ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً إلَّا لِمِيقَاتِهَا) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) فِي الصُّبْحِ قَبْلَ مِيقَاتِهَا أَيْ قَبْلَ مِيقَاتِهَا الْمُعْتَادِ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَقِبَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ الْوَاقِعِ هُنَا وَهُوَ بَعْضٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ(8/127)
الطَّوِيلِ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ سَوْدَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حديث جابر الذى بعده في واد مُحَسِّرٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) لُغَاتُ الْفَصْلِ وَأَلْفَاظُهُ فَالْمُزْدَلِفَةُ - بِكَسْرِ اللَّامِ - قَالَ الْأَزْهَرِيُّ سُمِيَتْ بِذَلِكَ مِنْ التَّزَلُّفِ وَالِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ إذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ ازْدَلَفُوا إلَيْهَا أَيْ مَضَوْا إلَيْهَا وَتَقَرَّبُوا مِنْهَا
* وَقِيلَ سميت بذلك لمجئ النَّاسِ إلَيْهَا فِي زُلَفٍ مِنْ اللَّيْلِ أَيْ سَاعَاتٍ وَسُمِّيَتْ الْمُزْدَلِفَةُ جَمْعًا - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا مِنْ الْحَرَمِ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ حَدُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَا بَيْنَ وَادِي مُحَسِّرٍ وما زمى عَرَفَةَ وَلَيْسَ الْحَدَّانِ مِنْهَا وَيَدْخُلُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعُ تِلْكَ الشِّعَابِ الْقَوَابِلِ وَالظَّوَاهِرِ وَالْجِبَالِ الدَّاخِلَةِ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ
* (وَأَمَّا) وَادِي مُحَسِّرٍ - فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالرَّاءِ - سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الفيل حسر(8/128)
فيه أي اعى وَكَلَّ عَنْ السَّيْرِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (يَنْقَلِبْ اليك البصر خاسئا وهو حسير) وَوَادِي مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ ليس مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
* قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَادِي مُحَسِّرٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا (وَأَمَّا) مِنًى - فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ وَالتَّذْكِيرُ والتأنيث والاجود الصرف
* وجزم ابن قتيبية في آداب الكتاب بِأَنَّهَا لَا تُصْرَفُ
* وَجَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ بِأَنَّ مِنًى مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَتْ منى لما يمن فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ وَيُصَبُّ هَذَا هو الصواب الذى جزم به لجمهور مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالتَّوَارِيخِ وَغَيْرِهِمْ
* وَنَقَلَ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ آدَمَ لَمَّا أَرَادَ مُفَارَقَةَ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له تمنى قَالَ أَتَمَنَّى الْجَنَّةَ
* وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ قولهم منى الله الشئ أَيْ قَدَّرَهُ فَسُمِّيَتْ مِنًى لِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الشَّعَائِرِ فِيهَا
* قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ يُونُسُ يُقَال امْتَنَى الْقَوْمُ إذَا أَتَوْا مِنًى وقال ابن الاعراب يُقَالُ أَمْنَى الْقَوْمُ أَتَوْا مِنًى
* وَاعْلَمْ أَنَّ مِنًى مِنْ الْحَرَمِ وَهِيَ شِعْبٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) ثَبِيرٌ (وَالْآخَرُ) الصَّانِعُ قَالَ(8/129)
الْأَزْرَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ حَدُّ مِنًى مَا بَيْنَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَوَادِي مُحَسِّرٍ وَلَيْسَتْ الْجَمْرَةُ وَلَا وَادِي مُحَسِّرٍ مِنْ مِنًى قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْأَصْحَابُ مَا أَقْبَلَ عَلَى مِنًى مِنْ الْجِبَالِ فَهُوَ مِنْهَا وَمَا أَدْبَرَ فَلَيْسَ مِنْهَا
* قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ ذَرْعُ مَا بَيْنَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَمُحَسِّرٍ سَبْعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَعَرْضُ مِنًى مِنْ مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يَلِي الْجِبَالَ إلَى الْجَبَلِ بِحِذَائِهِ أَلْفُ ذِرَاعٍ وَثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَمِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ إلَى الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى أَرْبَعُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَسَبْعٌ وَثَمَانُونَ ذِرَاعًا وَنِصْفُ ذِرَاعٍ وَمِنْ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى إلَى الْجَمْرَةِ التى تلي مسجد الخيف ثلاثمائة ذراع وخمس أَذْرُعٍ وَمِنْ الْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ إلَى أَوْسَطِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ أَلْفُ ذِرَاعٍ وَثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ ان بين مكة ومنى مسافة فرسخ وهو ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَمِنْ مِنًى إلَى مُزْدَلِفَةَ فَرْسَخٌ وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى عَرَفَاتٍ فَرْسَخٌ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى فَرْسَخَانِ (وَالصَّوَابُ) فَرْسَخٌ فَقَطْ كَذَا قَالَهُ الْأَزْرَقِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ فِي هَذَا الْفَنِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ - فَبِفَتْحِ الْمِيمِ - هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الْمِيمِ لَكِنْ لَمْ يَرِدْ إلَّا بِالْفَتْحِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ الْكَسْرَ وَمَعْنَى الْحَرَامِ الْمُحَرَّمُ أَيْ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ أَنْ يكون معناه ذو الْحُرْمَةِ
* وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ هَلْ هو المزدلفة كلها أم بعهضا وَهُوَ قُزَحُ خَاصَّةً وَسَنُوَضِّحُ الْخِلَافَ فِيهِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَ مَشْعَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّعَائِرِ وَهِيَ مَعَالِمُ الدِّينِ وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ) فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً وَهِيَ - بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا - وَيُقَالُ فُرْجٌ بِلَا هَاءٍ ثَلَاثُ لُغَاتٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (وَقَوْلُهُ) يَسِيرُ - الْعَنَقَ بِفَتْحِ(8/130)
النُّونِ - وَهُوَ ضَرْبٌ مَعْرُوفٌ مِنْ السَّيْرِ فِيهِ إسْرَاعٌ يَسِيرٌ وَالنَّصُّ - بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ - الْمُهْمَلَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْعَنَقِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ نُسُكٌ مَقْصُودٌ فِي مَوْضِعِهِ فَكَانَ وَاجِبًا كَالرَّمْيِ احْتَرَزَ عَنْ الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ فَإِنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلطَّوَافِ وَكَذَا صَلَاةُ الطَّوَافِ وَتَقْبِيلُ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ وَبِطَوَافِ الْقُدُومِ وَبِالْخُطَبِ وَالتَّلْبِيَةِ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اُلْقُطْ لِي حَصًى) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ (قَوْلُهُ) وَيُصَلِّي الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُقَدِّمُهَا أَفْضَلَ تَقْدِيمٍ أَيْ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ التَّقْدِيمِ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَهَا
أَوَّلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (قَوْلُهُ) وَقَفَ عَلَى قُزَحَ هُوَ - بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ - وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ (قَوْلُهُ) إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب القصوى - هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَبِالْمَدِّ - قَالَ أهل اللغة يقال شاة قصوى وناقة قصوى إذا قطع من أذنها شئ لَا يُجَاوِزُ الرُّبُعَ فَإِنْ جَاوَزَ فَهِيَ عَضْبَاءُ قال العلماء ولم تَكُنْ نَاقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقطوعا من أذنها شئ قال صاحب المطالع قال الدارودي انما قيل لها القصوى لِأَنَّهَا كَانَتْ لَا تَكَادُ تُسْبَقُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يقال شاة قصوى وناقة قصوى وَلَا يُقَالُ جَمَلٌ أَقْصَى وَإِنَّمَا يُقَالُ مَقْصُوٌّ ومقصى كما يقال امرأه حسنى وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ أَحْسَنُ وَكَانَ يُقَالُ لِهَذِهِ الناقة القصوى وَالْقَصِيُّ وَالْجَدْعَا قَالَ الْعُلَمَاءُ هِيَ اسْمٌ لِنَاقَةٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ هُنَّ ثَلَاثٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (قَوْلُهُ) رَقِيَ عَلَى الْمَشْعَرِ هُوَ - بِكَسْرِ الْقَافِ - وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ) حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا هُوَ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ جد وَمَعْنَاهُ إسْفَارًا ظَاهِرًا (قَوْلُهُ) امْرَأَةً ثَبْطَةً هِيَ - بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ - أَيْ ثَقِيلَةَ الْبَدَنِ جَسِيمَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) وَهِيَ مُقَدِّمَةٌ لِمَا بَعْدَهَا فِي بَيَانِ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي سَبَقَ الْوَعْدُ بِهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ (وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ فَقَالَ هَذِهِ عَرَفَةُ وَهُوَ الْمَوْقِفُ(8/131)
وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ وَيَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ ثُمَّ أَتَى جَمْعًا فَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى قُزَحَ وَوَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا قُزَحُ وَهُوَ الْمَوْقِفُ وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ثُمَّ أَفَاضَ حَتَّى انْتَهَى إلَى وَادِي مُحَسِّرٍ فَقَرَعَ نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ حَتَّى جَازَ الْوَادِيَ فَوَقَفَ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ ثُمَّ أَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى الْمَنْحَرَ فَقَالَ هَذَا الْمَنْحَرُ وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ وَاسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ وَقَدْ أَدْرَكَتْهُ فريضة الله في الحج أفيجزي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ حُجِّي عَنْ أَبِيكِ وَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ قَالَ رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَفَضْتُ قَبْلَ أَنْ أَحْلِقَ أَوْ أُقَصِّرَ قَالَ احْلِقْ وَلَا حَرَجَ قَالَ وَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ قَالَ ثُمَّ أَتَى الْبَيْتَ فَطَافَ بِهِ ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ فَقَالَ
يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ عليه الناس لنزعت) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا وَفِي رِوَايَتِهِ (وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ) (الثَّانِيَةُ) السُّنَّةُ لِلْإِمَامِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَحَقَّقَ غُرُوبُهَا أَنْ يُفِيضَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيُفِيضَ النَّاسُ مَعَهُ وَأَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ إلَى الْعِشَاءِ وَيُكْثِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّلْبِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فإذا افضتم من عرفات فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو اشد ذكرا) (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَسْلُكَ فِي ذَهَابِهِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ وَهُوَ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا حَدُّ الْحَرَمِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَالْمَأْزِمُ - بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ - هُوَ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمِيعُ(8/132)
الاصحاب على انه يسن الذهاب إلى المزذلفة على طريق المأزمين لا على طريق صب
* وَعَجَبٌ إهْمَالُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا مَعَ شُهْرَتِهَا وَذِكْرُهُ لَهَا فِي التَّنْبِيهِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَقَدْ ثَبَتَ مَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (الرَّابِعَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَسِيرَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ عَلَى عَادَةِ سَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا وَيَحْتَرِزُ عَنْ إيذَاءِ النَّاسِ فِي الْمُزَاحَمَةِ فَإِنْ وَجَدَ فُرْجَةً فَالسُّنَّةُ الْإِسْرَاعُ فِيهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ النَّاسُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ يَتَأَخَّرُوا عَنْهُ لَكِنْ مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يؤخروا صلاة المغرب ويجمعوا بينها وَبَيْنَ الْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ هَكَذَا أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُؤَخِّرُهُمَا إلَى الْمُزْدَلِفَةِ مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ وَهُوَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَنِصْفُهُ فِي الْآخَرِ فَإِنْ خَافَهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَلْ يَجْمَعُ بالناس في الطريق
* وممن قال بهذا التفضيل الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْعُدَّةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ
* وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِيَتَّفِقَ قَوْلُهُمْ مَعَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ الْكَثِيرَةُ الْكَبِيرَةُ والله أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ إذَا وَصَلُوا مُزْدَلِفَةَ أَنْ يُصَلُّوا قَبْلَ حَطِّ رِحَالِهِمْ
وَيُنِيخُ كُلُّ إنْسَانٍ جَمَلَهُ وَيَعْقِلُهُ ثُمَّ يُصَلُّونَ لِحَدِيثِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(8/133)
رَكِبَ حَتَّى جِئْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَمْ يَحُلُّوا حَتَّى أَقَامَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَصَلَّى ثُمَّ حَلُّوا)
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ تَرَكَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَصَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوْ جَمَعَ وَحْدَهُ لَا مَعَ الْإِمَامِ أَوْ صَلَّى إحْدَاهُمَا مَعَ الْإِمَامِ وَالْأُخْرَى وَحْدَهُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا أَوْ صَلَّاهُمَا فِي عَرَفَاتٍ أَوْ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ
* وَإِنْ جَمَعَ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ أَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا يُؤَذِّنُ لِلثَّانِيَةِ وَفِي الْأَذَانِ لِلْأُولَى الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِيمَنْ جَمَعَ فِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَالْأَصَحُّ أَنْ يُؤَذِّنَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ الْأَذَانِ
* (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَحَادِيثُهُ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَمِمَّنْ رَوَى فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَمَعَ بِالْمُزْدَلِفَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ
* وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (السَّادِسَةُ) إذَا وَصَلُوا مُزْدَلِفَةَ وَحَلُّوا بَاتُوا بِهَا وَهَذَا الْمَبِيتُ نُسُكٌ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) وَاجِبٌ
(وَالثَّانِي)
سُنَّةٌ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) قَوْلَانِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْإِيجَابِ (وَالثَّالِثُ) بِالِاسْتِحْبَابِ فَإِنْ تَرَكَهُ أَرَاقَ دَمًا
* فَإِنْ قُلْنَا الْمَبِيتُ وَاجِبٌ فَالدَّمُ لِتَرْكِهِ وَاجِبٌ وَإِلَّا فَسُنَّةٌ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ حَجُّهُ
* هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ إمَامَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ كَالْوُقُوفِ بعرفات قاله أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بكر محمد بن اسحق(8/134)
ابن خُزَيْمَةَ (فَأَمَّا) ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ
وَغَيْرُهُمَا وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى تَرْجِيحِهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ
* ثُمَّ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّ هَذَا الْمَبِيتَ يَحْصُلُ بِالْحُضُورِ فِي مُزْدَلِفَةَ فِي سَاعَةٍ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَأَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ يَحْصُلُ أَيْضًا بِسَاعَةٍ فِي النِّصْفِ الثَّانِي أَوْ سَاعَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَقْلِ شَيْخِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَصَاحِبِ التَّقْرِيبِ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْمَبِيتِ قَوْلَيْنِ (أَظْهَرُهُمَا) مُعْظَمُ اللَّيْلِ
(وَالثَّانِي)
الْحُضُورُ حَالَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ وَضَعِيفٌ
* وَقَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَحْصُلْ بِمُزْدَلِفَةَ إلَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لَزِمَهُ دَمٌ قَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ فِيهَا إلَّا أَقَلَّ اللَّيْلِ وَهَذَا الْحُكْمُ وَالدَّلِيلُ ضَعِيفَانِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ وَحَصَلَ الْمَبِيتُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا مِمَّا يَرُدُّ نَقْلَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ بمزدلفة غالبا الا قريب رُبُعِ اللَّيْلِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِذَا دَفَعَ عَقِبَ نِصْفِ اللَّيْلِ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَضَرَ مُعْظَمَ اللَّيْلِ بِمُزْدَلِفَةَ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّفْعُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِعُذْرٍ أَمْ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الْمَبِيتُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ بِيَسِيرٍ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فَقَدْ تَرَكَ الْمَبِيتَ فَلَوْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَعَادَ إلَيْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ الْمَبِيتُ ولا شئ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذَا الَّذِي ذكرناه من(8/135)
وُجُوبِ الدَّمِ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ مِنْ أَصْلِهِ إذَا قُلْنَا الْمَبِيتُ وَاجِبٌ هُوَ فِيمَنْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ (أَمَّا) مَنْ انْتَهَى إلَى عَرَفَاتٍ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ عَنْ الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَلَا شئ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
* وَلَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى مَكَّةَ وَطَافَ الْإِفَاضَةَ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَفَاتَهُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِسَبَبِ الطَّوَافِ قَالَ صَاحِبُ التقريب والقفال لا شئ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِرُكْنٍ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَغِلَ بِالْوُقُوفِ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ عِنْدِي لِأَنَّ الْمُنْتَهِيَ إلَى عَرَفَاتٍ فِي الليل مضطرا إلَى التَّخَلُّفِ عَنْ الْمَبِيتِ (وَأَمَّا) الطَّوَافُ فَيُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَفُوتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يَحْصُلُ هَذَا الْمَبِيتُ بِالْحُضُورِ فِي أَيَّةِ بُقْعَةٍ كَانَتْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَالْعُمْدَةُ فِي دَلِيلِهِ أَنَّهُ يَصْدُقُ
عَلَيْهِ اسْمُ مُزْدَلِفَةَ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَعْدَ الصُّبْحِ لَا فِي الْمَبِيتِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَعَجَبٌ كَيْفَ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ تَحْدِيدُ الْمُزْدَلِفَةِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْقَى بِالْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَاتَ بِهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ
* (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَغْتَسِلَ بِالْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِلْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَلِلْعِيدِ وَلِمَا فِيهَا مِنْ الِاجْتِمَاعِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ تَيَمَّمَ كَمَا سَبَقَ
* وَهَذِهِ اللَّيْلَةُ لَيْلَةٌ عَظِيمَةٌ جَامِعَةٌ لِأَنْوَاعٍ مِنْ الْفَضْلِ مِنْهَا شَرَفُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَإِنَّ الْمُزْدَلِفَةَ مِنْ الْحَرَمِ كَمَا سَبَقَ وَانْضَمَّ إلَى هَذَا جَلَالَةُ أَهْلِ الْمَجْمَعِ الْحَاضِرِينَ بِهَا وَهُمْ وَفْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ(8/136)
لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْنَى الْحَاضِرُ هُنَاكَ بِإِحْيَائِهَا بِالْعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ تِلَاوَةٍ وَذِكْرٍ وَدُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ وَيَتَأَهَّبَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِلِاغْتِسَالِ أَوْ الْوُضُوءِ وَيُحَصِّلَ حَصَاةَ الْجِمَارِ وَتَهْيِئَةَ مَتَاعِهِ (الثَّامِنَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعَ حَصَيَاتٍ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَزِيدَ فربما سقط منها شئ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مَعَ ذَلِكَ لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ فَعَلَى هَذَا يَأْخُذُ سَبْعِينَ حَصَاةً سَبْعًا لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَثَلَاثًا وَسِتِّينَ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَشْهُورُ لَا يَأْخُذُ إلَّا سَبْعَ حَصَيَاتٍ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ المصنف والشيخ (1) وَالصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّهِ قَالَ وَجَعَلُوهُ بَيَانًا لِمَا أَطْلَقَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ وَجَمَعَ مَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ يُسْتَحَبُّ الْأَخْذُ لِلْجَمِيعِ لَكِنْ لِيَوْمِ النَّحْرِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا هَذَا كَلَامُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ(8/137)
مُخَالِفٌ لِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَلِصَرِيحِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ
* وَقَدْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ زِيَادَةً عَلَى سَبْعِ حَصَيَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَأْخُذُونَ الْحَصَى مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ فِي اللَّيْلِ لِئَلَّا يَشْتَغِلُوا بِالنَّهَارِ بِتَحْصِيلِهِ وَخَالَفَهُمْ الْبَغَوِيّ فَقَالَ يَأْخُذُونَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ الْحَصَى مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ قَوْمٌ يَأْخُذُهَا مِنْ الْمَأْزِمَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمِنْ أَيْ مَوْضِعٍ أَخَذَهَا أَجْزَأَهُ لَكِنْ يُكْرَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ الْمَسْجِدِ وَالْحِلِّ وَالْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَمِنْ الْجِمَارِ الَّتِي رَمَاهَا هُوَ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا (أَنَّ مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا رُفِعَ وَمَا لَمْ يُقْبَلْ تُرِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسَدَّ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ)
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْمَرْفُوعَانِ ضَعِيفَانِ
* وَكَرِهَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَخْذَهَا مِنْ جَمِيعِ مِنًى لِانْتِشَارِ مَا رُمِيَ فِيهَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ رَمَى بِكُلِّ مَا كَرِهْنَاهُ أَجْزَأَهُ وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ شَاذٌّ أَنَّهُ إذَا رَمَى حَصَاةً ثُمَّ أَخَذَهَا وَرَمَاهَا هُوَ فِي تِلْكَ الْجَمْرَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يُجْزِئُهُ وَوَافَقَ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الشَّخْصُ أَوْ الزَّمَانُ أَوْ الْمَكَانُ أجزأه(8/138)
الرَّمْيُ بِالْمَرْمِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّهُ يُسَمَّى رَمْيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكْسِرَ الْحَصَى بَلْ يَلْتَقِطُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِالْتِقَاطِ الْحَصَيَاتِ لَهُ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الحديث وقد ورد نهي في الكسر ههنا وَلِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْأَذَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا أَكْرَهُ غَسْلَ حَصَى الْجِمَارِ بَلْ لَمْ أَزَلْ أَعْمَلُهُ وَأُحِبُّهُ هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا غَسْلُهُ مُسْتَحَبٌّ حَتَّى قَالَ الْبَغَوِيّ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ الْحَصَى صِغَارًا بِقَدْرِ حصى الخزف لَا أَكْبَرَ وَلَا أَصْغَرَ وَيُكْرَهُ بِأَكْبَرَ مِنْهُ وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ تَقْدِيمُ الضُّعَفَاءِ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى مِنًى لِيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ زَحْمَةِ النَّاسِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ (اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً المزدلفة تدفع قبله وقبل خطمة النَّاسِ وَكَانَتْ امْرَأَةً ثَبْطَةً فَأَذِنَ لَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم(8/139)
لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ وَقَبْلَ أَنْ يدفع فمنهم من يقدم منى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوْا الْجَمْرَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ (أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ (أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ لَا فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَتْ فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلْنَا فَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتْ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا فَقُلْتُ لَهَا مَا أُرَانَا إلَّا قَدْ غَلَّسْنَا قَالَتْ يَا بُنَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِلظُّعُنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا حُكْمُ الضَّعَفَةِ فَأَمَّا غيرهم فيمكثون بمزدلفة حتى يصلون الصُّبْحَ بِهَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَنْ يُبَادِرَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ في أول وقتها قالوا والمبالغة في التكبير بِهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ آكَدُ مِنْ بَاقِي الْأَيَّامِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى(8/140)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِوَظَائِفِ هَذَا الْيَوْمِ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَلَيْسَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ أَكْثَرُ عَمَلًا مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَرْتَحِلُوا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ مَوْضِعِ مَبِيتِهِمْ مُتَوَجِّهِينَ إلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ قُزَحُ - بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَبِالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ آخِرُ الْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ فَإِذَا وَصَلَهُ صَعِدَهُ إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا وَقَفَ عِنْدَهُ وَتَحْتَهُ وَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ فَيَدْعُو وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُهُ وَيُهَلِّلُهُ وَيُوَحِّدُهُ وَيُكْثِرُ من التلبية واستحب أَصْحَابُنَا
أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ كَمَا وَقَفْتَنَا فِيهِ وَأَرَيْتَنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِكَ وَقَوْلُك الْحَقُّ (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ من قبله لمن الضالين ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا الله ان الله غفور رحيم) وَيُكْثِرُ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار ويدعوا بما أحب ويختار الدعوات الجامعة والامور المبهمة وَيُكَرِّرُ دَعَوَاتِهِ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ
* وَقَدْ اسْتَبْدَلَ النَّاسُ بِالْوُقُوفِ عَلَى قُزَحَ الْوُقُوفَ عَلَى بِنَاءٍ مُسْتَحْدَثٍ فِي وَسَطِ الْمُزْدَلِفَةِ وَفِي حُصُولِ أَصْلِ هَذِهِ السُّنَّةِ بِالْوُقُوفِ فِي ذَلِكَ الْمُسْتَحْدَثِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ مِمَّا سِوَى قُزَحَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَحْصُلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ(8/141)
عَلَى قُزَحَ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهَا تَحْصُلُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثِ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (نَحَرْتُ ههنا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ وَوَقَفْتُ ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَجَمْعٌ هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ وَالْمُرَادُ وَقَفْتُ عَلَى قُزَحَ وَجَمِيعُ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ لَكِنَّ أَفْضَلَهَا قُزَحُ كَمَا أَنَّ عَرَفَاتٍ كُلَّهَا مَوْقِفٌ وَأَفْضَلَهَا مَوْقِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْقُوا وَاقِفِينَ عَلَى قُزَحَ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ الصُّبْحُ إسْفَارًا جِدًّا لِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ بَعْدَ الْإِسْفَارِ يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ تَرَكُوا هَذَا لوقوف مِنْ أَصْلِهِ فَاتَهُمْ الْفَضِيلَةُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِمْ وَلَا دَمَ كَسَائِرِ الْهَيْئَاتِ وَالسُّنَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَيَكْفِي مِنْ أَصْلِ هَذَا الْوُقُوفِ بِقُزَحَ الْمَذْكُورِ كَمَا قُلْنَا في الموقف بعرفات والله أعلم
* (الحادية عشرة) إذَا أَسْفَرَ الْفَجْرُ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مُتَوَجِّهًا إلَى مِنًى وَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ دَفَعَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَذَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ(8/142)
خِلَافُ السُّنَّةِ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَكَذَا مُقْتَضَى عِبَارَةِ آخَرِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَدْفَعُ إلَى
مِنًى وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ كَمَا سَبَقَ فِي الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيَكُونُ شِعَارُهُ فِي دَفْعِهِ التَّلْبِيَةَ وَالذِّكْرَ وَلْيَتَجَنَّبْ الْإِيذَاءَ فِي الْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا بَلَغَ وَادِيَ مُحَسِّرٍ اُسْتُحِبَّ لِلرَّاكِبِ تَحْرِيكُ دَابَّتِهِ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَاشِي الْإِسْرَاعُ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ أَيْضًا حَتَّى يَقْطَعَا عَرْضَ الْوَادِي وَقَدْ سَبَقَ ضَبْطُ وَادِي مُحَسِّرٍ وَتَحْدِيدُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَلَيْسَ وَادِي مُحَسِّرٍ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَلَا مِنْ مِنًى بَلْ هُوَ مَسِيلُ مَا بَيْنَهُمَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَاعِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لا يستحب الاسراع للماشي وليس بشئ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَاسْتُحِبَّ الْإِسْرَاعُ فِيهِ لِلِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ وَادِيَ مُحَسِّرٍ كَانَ مَوْقِفَ النَّصَارَى فَاسْتُحِبَّتْ مُخَالَفَتُهُمْ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا(8/143)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يوضع ويقول اليك تعدوا قلقا وضنيها مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَعْنِي الْإِيضَاعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ ان ناقتي تعدوا إلَيْك يَا رَبِّ مُسْرِعَةً فِي طَاعَتِك قَلِقًا وضينها وهو الجبل الَّذِي كَالْحِزَامِ وَإِنَّمَا صَارَ قَلِقًا مِنْ كَثْرَةِ السير والاقبال التام والاجهاد الْبَالِغِ فِي طَاعَتِك وَالْمُرَادُ صَاحِبُ النَّاقَةِ (وَقَوْلُهُ) مخالف دين النصارى دونها - بِنَصْبِ دِينِ النَّصَارَى وَرَفْعِ دِينِهَا - أَيْ إنِّي لَا أَفْعَلُ فِعْلَ النَّصَارَى وَلَا أَعْتَقِدُ اعْتِقَادَهُمْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ يُسْتَحَبُّ لِلْمَارِّ بِوَادِي مُحَسِّرٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ عمر رضي الله عنه والله أَعْلَمُ (وَأَمَّا) تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ مَسَافَةَ اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَاعِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ بِقَدْرِ رَمْيَةِ حَجَرٍ فيستدل له بما ثبت في موطئ مالك عن نافع أن ابن عمر (كان يُحَرِّكُ رَاحِلَتَهُ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ قَدْرَ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ)
* وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ المسائل(8/144)
[أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انتهى إلى وادى محسر قرع راحتله فَخَبَّتْ حَتَّى جَاوَزَ الْوَادِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ سَائِرًا إلَى مِنًى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْلُكَ الطَّرِيقَ
الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ إلَى الْعَقَبَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَخْرُجُ إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِسْرَاعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ سُنَّةٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهَا فَمِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُثْبِتَةِ لِلْإِسْرَاعِ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى(8/145)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَفَعَ مِنْ الْمَشْعَرِ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْضَعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ)
* وَعَنْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَاضَ مِنْ قُزَحَ حَتَّى انْتَهَى إلَى وَادِي مُحَسِّرٍ فَقَرَعَ نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ حَتَّى جَاوَزَ الْوَادِيَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَفَعَ مِنْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ حَتَّى إذَا بَلَغَ مُحَسِّرًا أَوْضَعَ شَيْئًا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (كَانَ يُوضِعُ قَالَ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُوضِعُ أَشَدَّ الْإِيضَاعِ أَخَذَهُ عَنْ عُمَرَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ يَعْنِي الْإِيضَاعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ
* وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يحرك راحلته في بطن محسر قد رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ) وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ الْمُعَارِضَةُ فَمِنْهَا عن ابن عباس قال(8/146)
(انما كان بدو الْإِيضَاعِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانُوا يَقِفُونَ حَافَتَيْ النَّاسِ قَدْ عَلَّقُوا الْقِعَابَ وَالْعِصِيَّ فَإِذَا أَفَاضُوا يُقَعْقِعُونَ فَأَنْفَرَتْ بِالنَّاسِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ دقرى نَاقَتِهِ لَيَمَسُّ حَارِكَهَا وَهُوَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شرط (1) وَعَنْ أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرْدَفَهُ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ فَأَفَاضَ بِالسَّكِينَةِ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وقال ليس البر بايجاب الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ فَمَا رَأَيْتُ نَاقَتَهُ رَافِعَةً يَدَهَا حَتَّى أَتَى مِنًى) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ ظَاهِرُهُمَا مُخَالَفَةُ مَا سَبَقَ وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا تَصْرِيحٌ بِتَرْكِ الْإِسْرَاعِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ فَلَا
يُعَارِضَانِ الصَّرِيحَ بِإِثْبَاتِ الْإِسْرَاعِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ صُرِّحَ فِيهِمَا بِتَرْكِ الْإِسْرَاعِ كَانَتْ رِوَايَةُ الْإِسْرَاعِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ
* (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا إثْبَاتٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا أَكْثَرُ رُوَاةً وَأَصَحُّ أَسَانِيدَ وَأَشْهَرُ فهى اولى والله اعلم
*
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)(8/147)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ
* أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِمُزْدَلِفَةَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ لِلْمُسَافِرِ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ محمد وسعيد بن جبير ومالك واحمد واسحق وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَا قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ جَمْعَهُمْ بِالنُّسُكِ أَمْ بِالسَّفَرِ فَعِنْدَنَا بِالسَّفَرِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالنُّسُكِ
*(8/148)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْأَذَانِ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلْأُولَى وَيُقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رواية وأبو ثور وعبد الملك ابن الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ
* وَقَالَ مَالِكٌ يُصَلِّيهِمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَابْنُهُ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ بن محمد واسحق وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ يُصَلِّيهِمَا بِإِقَامَتَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عَنْهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُصَلِّيهِمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا مُسْتَوْفَاةً فِي بَابِ الْأَذَانِ
*(8/149)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ حَجُّهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَصْحَابُنَا وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ
وَالْخَلَفِ وَقَالَ خَمْسَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ هُوَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ هَذَا قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَبِهِ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بكر ابن خُزَيْمَةَ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَاذْكُرُوا اللَّهَ عند المشعر الحرام) وَبِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ السَّابِقِ فِي فَضْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَأَجَابُوا عَنْ الآية بان المأمور به فبها إنَّمَا هُوَ الذِّكْرُ وَلَيْسَ هُوَ بِرُكْنٍ بِالْإِجْمَاعِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا مَعْرُوفٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى فَوَاتِ كَمَالِ الْحَجِّ لافوات أصله
*(8/150)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَنَا أَنْ يَبْقَى بِمُزْدَلِفَةَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ إلَّا الضَّعَفَةَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ الدَّفْعُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنْ دَفَعَ غَيْرُ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ جَازَ وَلَا دَمَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَزِمَهُ دَمٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي دَفْعِ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا أُرْخِصَ فِي الدَّفْعِ قَبْلَ الْفَجْرِ لِلضَّعَفَةِ (قُلْنَا) لَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا اخْتَلَفَ بِالضَّعَفَةِ وَغَيْرِهِمْ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى قُزَحَ وَلَا يَزَالُ وَاقِفًا بِهِ يَدْعُو وَيَذْكُرُ حَتَّى يُسْفِرَ الصُّبْحُ جِدًّا وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ العلماء قال ابن المنذر هو قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ غَيْرِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يَدْفَعَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِسْفَارِ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ السَّابِقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ صحيح
*(8/151)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الْإِسْرَاعِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ وَتَبِعَهُمْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
المشعر الحرام المذكور في القرآن الذى يؤمر بالوقوف عليه هو قزح جبل معروف
بالمزدلفة هذا مذهبنا
* وقال جمهور المفسرين وأصحاب الحديث والسير المشعر الحرام جميع المزدلفة ومما يستدل به لاصحابنا ما ثبت في صحيح البخاري في باب من قدم ضعفة أهله بليل عن سالم ابن عبد الله قال (كان عبد الله بن عمر يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بالمزدلفة
* فيذكرون الله
*(8/152)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ حَصَى الْجِمَارِ وَيُسْتَحَبُّ الْتِقَاطُهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكْسِرَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتَارَ قَوْمٌ كَسْرَهَا وَاخْتَارَ قَوْمٌ أَنْ لَا تُغْسَلَ بَلْ كَرِهُوا غَسْلَهَا
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُعْلَمُ فِي شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسَلَهَا وَأَمَرَ بِغَسْلِهَا قَالَ وَلَا مَعْنَى لِغَسْلِهَا قَالَ وَكَانَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ غَسْلَهَا قَالَ وروينا عن طاوس انه كان يغسلها
* قال المنصف رحمه الله
* (وإذا اتى منى بدأ برمى جمرة العقبة وهو من واجبات الحج لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى وقال (خذوا عنى مناسككم) والمستحب ان لا يرمى إلا بعد طلوع الشمس لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بضعفة أهله فامرهم ان لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس) وان رمى بعد نصف الليل وقبل طلوع الفجر اجزأه لما روت عائشة رضى عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أرسل أم سلمة رضى الله عنها يوم النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت وكان ذلك(8/153)
اليوم الذى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندها) والمستحب ان يرمي من بطن الوادي وان يكون راكبا وأن يكبر مع كل حصاة لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَهُوَ راكب وهو يكبر مع كل حصاة) والمستحب ان يرفع يده حتى يرى بياض ابطه لان ذلك اعون على الرمى ويقطع التلبية مع أول حصاة لما روى الفضل بن الْعَبَّاسُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يلبى حتى رمى جمرة العقبة) ولان التلبية للاحرام فإذا رمى فقد شرع في التحلل فلا معنى للتلبية ولايجوز الرمي إلا بالحجر فان رمى بغيره من مدر أو خزف لم يجزه لانه لا يقع عليه اسم
الحجر والمستحب ان يرمى بمثل حصى الخزف وهو بقدر الباقلا لما روى الفضل بن الْعَبَّاسُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا (عليكم بمثل حصى الخزف فان رمي بحجر كبير أجزأه لانه يقع عليه اسم الحجر ولا يرمى بحجر قد رمي به لان ما قبل منها يرفع وما لا يقبل منها يترك والدليل عليه ما روى أبو سعيد قال (قلنا يا رسول الله أن هذه الجمار ترمى(8/154)
كل عام فنحسب انها تنقص قال أما انه ما يقبل منها يرفع ولولا ذلك لرأيتها مثل الجبال) فان رمى بما رمى به أجزأه لانه يقع عليه الاسم ويجب ان يرمي فان أخذ الحصاة وتركها في المرمى لم يجزه لانه لم يرم ويجب أن يرميها واحدة واحدة لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَمَى واحدة واحدة قال خذوا عني مناسككم) ويجب ان يقصد بالرمي إلى المرمى فان رمى حصاة في الهواء فوقعت في المرمى لم يجزه لانه لم يقصد الرمى إلى المرمى وان رمي حصاة فوقعت على أخرى ووقعت الثانية في المرمى(8/155)
لم يجزه لانه لم يقصد رمى الثانية وان رمي حصاة فوقعت على محمل أو ارض فازدلفت ووقعت على المرمى أجزأه لانه حصل في المرمى بفعله وان رمي فوق المرمى فتدحرج لتصويب المكان الذى أصابه فوقع في المرمى ففيه وجهان
(أحدهما)
انه يجزئه لانه لم يوجد في حصوله في المرمى فعل غيره
(والثانى)
لا يجزئه لانه لم يقع في المرمى بفعله وانما أعان عليه تصويب المكان فصار كما لو وقع في ثوب رجل فنفضه حتى وقع في المرمى)
*(8/156)
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ بِلَفْظِهِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي إرْسَالِ أَمِّ سَلَمَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ لِمَا رَوَتْ أَمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عمر وبن الْأَحْوَصِ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَهُوَ رَاكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَجَمِيعُ أَصْحَابِ كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أُمِّهِ وَيُقَالُ لَهَا أُمُّ جُنْدُبٍ الْأَزْدِيَّةُ وَوَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ أُمُّ سَلَمَةَ وَفِي بَعْضِهَا أُمُّ سُلَيْمٍ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَتَصْحِيفٌ ظَاهِرٌ (وَالصَّوَابُ) أُمُّ سُلَيْمَانَ - بِالنُّونِ - أَوْ أُمُّ جُنْدُبٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَإِسْنَادُ حَدِيثِهَا هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ يُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى الْجَمْرَةَ يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كل حصاة منها مثل حصى الخزف وَهِيَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ) رَوَاهُ مسلم(8/157)
بِهَذَا اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عن الفضل بن عباس فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ الْفَضْلِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَغَدَاةَ جَمْعٍ حِينَ دفعوا (عليكم بمثل حصى الخزف) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (عَلَيْكُمْ بِحَصَى الخزف) وفى المهذب لا بمثل حصى الخزف) (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي رَفْعِ الْجِمَارِ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ يزيد وسنان الرَّهَاوِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ظَاهِرُ الضَّعْفِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَإِنَّمَا هُوَ مَشْهُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَمَى وَاحِدَةً وَاحِدَةً) فَصَحِيحٌ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْتُهُ قَبْلَ حَدِيثِ الْفَضْلِ وَقَوْلُهُ فِيهِ (يُكَبِّرُ مَعَ كل حصاة) صريح بأنه رمي من واحدة(8/158)
وَاحِدَةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَوَّلُهَا فَضْلُ الطَّوَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) لُغَاتُ الْفَصْلِ وَأَلْفَاظُهُ فَمِنْهَا مِنًى وَسَبَقَ بَيَانُ ضَبْطِهَا وَاشْتِقَاقِهَا فِي فَصْلِ الْمُزْدَلِفَةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ ذِكْرُ حَدِّهَا (قَوْلُهُ) بِضَعَفَةِ أَهْلِهِ هُوَ - بِفَتْحِ الضَّادِ وَالْعَيْنِ - جَمْعُ ضَعِيفٍ والمراد النساء
والصبيان ونحوهم (قَوْلُهُ) يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ هُوَ - بِضَمِّ أَوَّلِ يُرَى وَالْإِبْطُ - سَاكِنَةُ الْبَاءِ - وَيُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ لُغَتَانِ وَالتَّذْكِيرُ أَفْصَحُ وَفِي الْبَاقِلَّا لُغَتَانِ سَبَقَتَا الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَالْمَحْمِلُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ - (وقوله) التصويب الْمَكَانُ أَيْ لِكَوْنِهِ فِي حُدُورٍ وَنُزُولٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ يَسْلُكُ إلَى مِنًى الطَّرِيقَ الْوُسْطَى(8/159)
وَشِعَارُهُ الذِّكْرُ وَالتَّلْبِيَةُ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ فَإِذَا وَصَلَ مِنًى بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَتُسَمَّى الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَلَا يُعَرِّجُ على شئ قَبْلَهَا وَهِيَ تَحِيَّةُ مِنًى فَلَا يَبْدَأ قَبْلَهَا بشئ بَلْ يَرْمِيهَا قَبْلَ نُزُولِهِ وَحَطِّ رَحْلِهِ وَهِيَ عَلَى يَمِينِ مُسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةِ إذَا وَقَفَ فِي الْجَادَّةِ وَالْمَرْمَى مُرْتَفَعٌ قَلِيلٌ فِي سَفْحِ الْجَبَلِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ لِلْحَاجِّ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ وُصُولِهِ مِنًى أَرْبَعَةٌ وَهِيَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ ذَبْحُ الْهَدْيِ ثُمَّ الْحَلْقُ ثُمَّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ هَكَذَا سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَوْ طَافَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ أَوْ ذَبَحَ فِي وَقْتِ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ(8/160)
لَكِنْ فَاتَهُ الْأَفْضَلُ
* وَلَوْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ فَإِنْ قُلْنَا الرَّمْيُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ نُسُكٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَسَأُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الْحَلْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ثُمَّ يَذْبَحُ ثُمَّ يَحْلِقُ ثُمَّ يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَيَقَعُ الطَّوَافُ ضَحْوَةً وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ بِشَرْطِ تَقَدُّمِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِحَالٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَدْخُلُ أَيْضًا وَقْتُ الْحَلْقِ بِنِصْفِ اللَّيْلَةِ إنْ قُلْنَا نُسُكٌ وَلَا آخِرَ لِوَقْتِ الطَّوَافِ وَالْحَلْقِ بَلْ يَمْتَدُّ وَقْتُهُمَا مَا دام(8/161)
حَيًّا وَإِنْ مَضَى سُنُونَ مُتَطَاوِلَةٌ
* وَكَذَلِكَ السَّعْيُ فَفِي آخِرِ وَقْتِهِ وَجْهَانِ سَنَذْكُرُهُمَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ هُوَ بِرُكْنٍ فَلَوْ تَرَكَهُ
حَتَّى فَاتَ وَقْتُهُ صَحَّ حَجُّهُ وَلَزِمَهُ الدَّمُ وَأَمَّا وَقْتُ الرَّمْيِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ أَنْ يَصِلُوا مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَرْمُوا بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ فَإِنْ قَدَّمُوا الرَّمْيَ عَلَى هَذَا جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَبَعْدَ الْوُقُوفِ وَلَوْ أَخَّرُوهُ عَنْهُ جَازَ وَيَكُونُ أَدَاءً إلَى آخِرِ نَهَارِ يَوْمِ النَّحْرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعُ فَجْرِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَمْتَدُّ (وَالثَّانِي) يمتد (الثالثة)(8/162)
الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوفِهِ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَنْ يَقِفَ تَحْتَهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي فَيَجْعَلَ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الْعَقَبَةَ ثُمَّ يَرْمِي وَبِهَذَا جَزَمَ الدَّارِمِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ(8/163)
الْجَمْرَةِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ وَمَكَّةَ وَبِهَذَا جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
* وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ وَتَكُونُ الْجَمْرَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَذْهَبُ(8/164)
الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ (انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ثُمَّ قَالَ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ)(8/165)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ (رَمَى عَبْدُ اللَّهِ من بطن الوادي(8/166)
فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَقَالَ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ حِين رَمَى جمرة(8/167)
الْعَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِي حَتَّى إذَا حَاذَى الشَّجَرَةَ اعْتَرَضَهَا فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ قَالَ مِنْ هَهُنَا وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) قُلْتُ إنَّمَا خَصَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ
بِالذِّكْرِ لان معظم المناسك فيها والله أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا إنْ كَانَ قَدِمَ مِنًى رَاكِبًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يُكَبِّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ لِلْحَدِيثِ(8/168)
السَّابِقِ وَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَقَالَ الْقَفَّالُ إذَا رَحَلُوا مِنْ مُزْدَلِفَةَ خَلَطُوا التَّلْبِيَةَ بِالتَّكْبِيرِ فِي مَسِيرِهِمْ فَإِذَا افْتَتَحُوا الرَّمْيَ مَحَّضُوا التَّكْبِيرَ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِ الْقَفَّالِ
* قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ فِي هَذَا التَّكْبِيرِ مَعَ الرَّمْيِ أَنْ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لاإله إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ(8/169)
ولو كره الكافرون لا إله إلا وَحْدَهُ صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ غَرِيبٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَإِنَّمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَهَذَا مُقْتَضَاهُ مُطْلَقُ التَّكْبِيرِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ طَوِيلٌ لَا يَحْسُنُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْحَصَيَاتِ بِهِ
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ وَالطَّوَافَ عَلَى الرَّمْيِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِشُرُوعِهِ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ وَكَذَا فِي أَوَّلِ الْحَلْقِ إذَا بَدَأَ بِهِ وَقُلْنَا هُوَ نُسُكٌ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا الْمُعْتَمِرُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِشُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ تَحَلُّلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ فِي الرَّمْيِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَلَوْ رَمَى بِالْيُسْرَى أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الرَّمْيِ وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْيُمْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّيَمُّنِ فِي الطَّهُورِ وَالتَّنَعُّلِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (السَّابِعَةُ) شَرْطُ الْمَرْمِيِّ بِهِ أَنْ يَكُونَ حَجَرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِالْمَرْمَرِ وَالْبِرَامِ وَالْكَذَّانِ وَالرُّخَامِ وَالصَّوَّانِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْحَجَرِ وَيُجْزِئُ(8/170)
حجرالنورة قَبْلَ أَنْ يُطْبَخَ وَيَصِيرُ نُورَةً (وَأَمَّا) حَجَرُ الْحَدِيدِ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِإِجْزَائِهِ لِأَنَّهُ حَجَرٌ
فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّ فِيهِ حَدِيدًا كَامِنًا يُسْتَخْرَجُ بِالْعِلَاجِ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ
* وَفِيمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْفُصُوصُ كَالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ وَالْعَقِيقِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْبَلُّورِ وَنَحْوِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهَا أَحْجَارٌ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ (وَأَمَّا) مَا لَيْسَ بِحَجَرٍ كَالْمَاءِ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْإِثْمِدِ وَالْمَدَرِ وَالْجِصِّ وَالْآجُرِّ وَالْخَزَفِ وَالْجَوَاهِرِ الْمُنْطَبِعَةِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ ونحوها فلا يجزئ الرمى بشئ مِنْ هَذَا بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّامِنَةُ) السنة ان يرمي بحصى مثل حصي الخزف وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ
* وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَمَى بِمِثْلِ حَصَى الخزف وأمر ان يرمى بمثل حصي الخزف) قال أصحابنا وحصاة الخرف دُونَ الْأُصْبُعِ طُولًا وَعَرْضًا وَفِي قَدْرِ حَبَّةِ الْبَاقِلَّا وَقِيلَ كَقَدْرِ النَّوَاةِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قال الشافعي حصاة الخزف أَصْغَرُ مِنْ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا قَالَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَقَدْرِ النَّوَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَالْبَاقِلَّا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذِهِ الْمَقَادِيرُ مُتَقَارِبَةٌ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ رَمَى بِأَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْبَرَ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَأَجْزَأَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِوُجُودِ الرَّمْيِ بِحَجَرٍ
* وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ لِكَرَاهَةِ اكبر من حصى الخزف بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ على راحتله (هَاتِ اُلْقُطْ لِي فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِنْ حصى الخزف فَلَمَّا وَضَعْتهنَّ فِي يَدِهِ قَالَ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ واياكم والغلو في الدين فانما كان أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) وراه النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
* (فَرْعٌ)
فِي كَيْفِيَّةِ الرَّمْيِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يكون كصفة رمي الحاذف فَيَضَعُ الْحَصَاةَ عَلَى بَطْنِ إبْهَامِهِ وَيَرْمِيهَا بِرَأْسِ السَّبَّابَةِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يرميه على غير صفة الحذف وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نهى عن الحذف وَقَالَ إنَّهُ لَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ) رَوَاهُ البخاري ومسلم وهذا الحديث عام يتناول الحذف فِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يَصِحَّ فِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الوجه الاول شئ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ على(8/171)
العلة في كراهة الحذف وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَفْقَأَ الْعَيْنَ أَوْ يَكْسِرَ السِّنَّ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (التَّاسِعَةُ) يَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الْحَجَرِ لَكِنْ يُكْرَهُ بِأَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ (أَحَدُهَا) الْحَجَرُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْحُلِيِّ
(وَالثَّانِي)
الْمَأْخُوذُ مِنْ مَسْجِدٍ فِي الْحَرَمِ (وَالثَّالِثُ) الْحَجَرُ النَّجِسُ (الرَّابِعُ) الْحَجَرُ الَّذِي رَمَى بِهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مَرَّةً أُخْرَى فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعَةُ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَإِنْ رَمَى بِهَا أَجْزَأَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا وَجْهًا شاذا ضعيفا حكاه الخراسانيون فيما إذا اتحد الزمان والمكان والشخص فان رَمَى بِحَصَاةٍ فِي جَمْرَةٍ ثُمَّ أَخَذَهَا فِي الْحَالِ وَرَمَى بِهَا فِي تِلْكَ الْجَمْرَةِ لَا يُجْزِئُهُ وَوَافَقَ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الزَّمَانُ بِأَنْ رَمَى بِالْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ فِي جَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنْ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَ الْمَكَانُ بِأَنْ رَمَى الشَّخْصُ الْوَاحِدُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بِالْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ لَكِنْ فِي جَمْرَتَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَ الشَّخْصُ بِأَنْ رَمَى بِالْحَصَاةِ فَأَخَذَهَا آخَرُ فَرَمَاهَا فِي الْحَالِ فِي تِلْكَ الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَالْمَذْهَبُ الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا
* وَعَلَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرْمِيَ جَمِيعُ الْحُجَّاجِ بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ جَمِيعَ الرَّمْيِ الْمَشْرُوعِ لَهُمْ إنْ اتَّسَعَ لَهُمْ الْوَقْتُ وقاسه أصحابنا على مالو دَفَعَ مُدَّ طَعَامٍ فِي كَفَّارَةٍ إلَى فَقِيرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى آخَرَ ثُمَّ فعل ذلك ثالثا ورابعا واكثر بلغ حتى قَدْرَ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ شِرَاءُ مَا أَخْرَجَهُ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ كَمَا يُكْرَهُ الرَّمْيُ بِمَا رَمَى بِهِ
* وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ مَا رَمَى بِهِ هو ويجوز بمارمى به غيره(8/172)
وَغَلَّطُوهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ جَوَّزْتُمْ الرَّمْيَ بِحَجَرٍ قَدْ رُمِيَ بِهِ وَلَمْ تُجَوِّزُوا الْوُضُوءَ بِمَا تُوُضِّئَ بِهِ (قُلْنَا) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ الْفَرْقُ أَنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ إتْلَافٌ لَهُ فَأَشْبَهَ الْعِتْقَ فَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ الرَّمْيِ وَنَظِيرُ الْحَصَاةِ الثَّوْبُ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ صَلَوَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْعَاشِرَةُ) يُشْتَرَطُ فِي الرَّمْيِ أَنْ يَفْعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى رَمْيًا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّمْيِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّمْيِ فَلَوْ وَضَعَ الْحَجَرَ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ قَرِيبُ الشَّبَهِ مِنْ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ هَلْ يَكْفِي فِيهِ
وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ بِلَا مَرٍّ وَكَذَا فِي الْمَضْمَضَةِ لَوْ وَضَعَ الْمَاءَ فِي فِيهِ وَلَمْ يُدِرْهُ وَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ فِي الرَّأْسِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالصَّحِيحُ هُنَا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى التَّعَبُّدِ بِخِلَافِهِمَا (وَالثَّانِي) أَنَّ في مسألة وضع الحجر لم يأت بشئ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّمْيِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ الْمَرْمَى فَلَوْ رَمَى فِي الْهَوَاءِ فَوَقَعَ الْحَجَرُ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ لَمَا ذَكَره الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْحَجَرِ فِي الْمَرْمَى فَلَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي الْمَرْمَى ثُمَّ تَدَحْرَجَ مِنْهُ وَخَرَجَ عَنْهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ وُجِدَ الرَّمْيُ إلَى الْمَرْمَى وَحُصُولُهُ فِيهِ
* وَلَوْ انْصَدَمَتْ الْحَصَاةُ الْمَرْمِيَّةُ بالارض خارج الجمرة أو بمحل فِي الطَّرِيقِ أَوْ عُنُقِ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْبِ إنْسَانٍ ثُمَّ ارْتَدَّتْ فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى(8/173)
أَجْزَأَتْهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُصُولِهَا فِي الْمَرْمَى بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَنَةٍ فَلَوْ حَرَّكَ صَاحِبُ الْمَحْمِلِ مَحْمِلَهُ أَوْ صَاحِبُ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ فَنَفَضَهَا أَوْ تَحَرَّكَ الْبَعِيرُ فَدَفَعَهَا فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ فِي الْمَرْمَى بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ
* وَلَوْ تَحَرَّكَ الْبَعِيرُ فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى وَلَمْ يَدْفَعْهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يجزئه وهو مقتضى كلام لاصحاب
* وَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَحْمِلِ أَوْ عَلَى عُنُقِ الْبَعِيرِ ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ إلَى الْمَرْمَى فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ لِاحْتِمَالِ تَأَثُّرِهَا بِهِ وَلَوْ وَقَعَتْ فِي غَيْرِ الْمَرْمَى مِنْ الْأَرْضِ الْمُرْتَفِعَةِ ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ إلَى الْمَرْمَى أَوْ رَدَّتْهَا الرِّيحُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ لِحُصُولِهِ فِي الْمَرْمَى لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ وُقُوفُ الرَّامِي خَارِجَ الْمَرْمَى بَلْ لَوْ وَقَفَ فِي طَرَفِهِ وَرَمَى إلَى طَرَفِهِ الْآخَرِ أَوْ وَسَطِهِ أجزأه لوجود الرمي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ رَمَى حَصَاةً فَوَقَعَتْ عَلَى حَصَاةٍ خَارِجَ الْمَرْمَى فَوَقَعَتْ هَذِهِ الْحَصَاةُ فِي الْمَرْمَى وَلَمْ تَقَعْ الْمُرْمَى بِهَا لَمْ تُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/174)
(فَرْعٌ)
لَوْ رَمَى حَصَاةً إلَى الْمَرْمَى وَشَكَّ هَلْ وَقَعَتْ فِيهِ أَمْ لَا فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ
قالوا كلهم هما جديد وقديم (الجديد) لصحيح لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِيهِ وَالْأَصْلَ أَيْضًا بَقَاءُ الرَّمْيِ عَلَيْهِ (وَالْقَدِيمُ) يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ فِي الْمَرْمَى قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا القول المنقول عن القديم ليس مذهبنا لِلشَّافِعِيِّ بَلْ حَكَاهُ عَنْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُجْزِئُهُ الرَّمْيُ عَنْ الْقَوْسِ وَلَا الدَّفْعُ بِالرِّجْلِ لِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّمْيِ
* قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَلَوْ رَمَى حَصَاةً إلَى فَوْقَ فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُجْزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/175)
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى لَا مَا سَالَ مِنْ الْحَصَى فَمَنْ أَصَابَ مُجْتَمَعَ الْحَصَى بِالرَّمْيِ أَجْزَأَهُ وَمَنْ أَصَابَ سَائِلَ الْحَصَى الَّذِي لَيْسَ بِمُجْتَمَعِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَالْمُرَادُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى فِي مَوْضِعِهِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ حُوِّلَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَرَمَى النَّاسُ فِي غَيْرِهِ وَاجْتَمَعَ الْحَصَى فِيهِ لَمْ يُجْزِهِ وَلَوْ نُحِّيَ الْحَصَى مِنْ مَوْضِعِهِ الشَّرْعِيِّ وَرَمَى إلَى نَفْسِ الْأَرْضِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ رَمَى فِي مَوْضِعِ الرَّمْيِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الصَّوَابُ
* وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ إذَا رَمَى حَصَاةً فَوَقَعَتْ في مسيل الماء ففيه قَوْلَانِ
* (قَالَ) فِي الْأُمِّ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى إلَى الْمَرْمَى مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَسِيلَ الْمَاءِ مُتَّصِلٌ بِالْمَرْمَى لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَهُوَ كَجُزْءٍ مِنْهُ هَذَا نَقْلُ الْقَاضِي وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْمِيَ الْحَصَيَاتِ فِي دَفَعَاتٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ رَمَى حَصَاتَيْنِ أَوْ سَبْعًا دَفْعَةً فَإِنْ وَقَعْنَ فِي الْمَرْمَى فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حُسِبَتْ حَصَاةً وَاحِدَةً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَرَتَّبْنَ فِي الْوُقُوعِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَحْسُوبَ حَصَاةٌ وَاحِدَةٌ أَيْضًا وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاهِيرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِأَنَّهَا رَمْيَةٌ وَاحِدَةٌ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ يُحْسَبُ بِعَدَدِ الْحَصَيَاتِ الْمُتَرَتِّبَاتِ في الوقوع قال الامام هذا ليس بشئ
* وَلَوْ رَمَى حَصَاتَيْنِ أَحَدُهُمَا بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَالْأُخْرَى بِالْيُسْرَى دَفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يُحْسَبْ إلَّا وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ
* وَلَوْ رَمَى حَصَاةً ثُمَّ أَتْبَعَهَا أُخْرَى فَإِنْ وَقَعَتْ الْأُولَى فِي الْمَرْمَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَهُمَا(8/176)
حَصَاتَانِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ الثَّانِيَةُ قَبْلَ الْأُولَى فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَصَحَّهُمَا أَنَّهُ يُحْسَبُ حصاتان اعتبار بِالرَّمْيِ (وَالثَّانِي) حَصَاةٌ اعْتِبَارًا بِالْوُقُوعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الصَّوَابُ أَنَّهُمَا حَصَاتَانِ وَمَا سِوَاهُ خَبْطٌ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ الْقَائِلُ حَصَاتَانِ أَبُو حَامِدٍ يَعْنِي الْمَرْوَزِيَّ وَالْقَائِلُ حَصَاةٌ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْمُوَالَاةُ بين الحصيات والموالاة بين جمارات أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الطَّوَافِ الصَّحِيحُ لَا يُشْتَرَطُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ هَذَا إذَا فَرَّقَ طَوِيلًا (فَأَمَّا) التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ فَلَا يَضُرُّ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ ذكر المسألة المتولي والرافعي
*
__________
(1) بياض بالاصل)
*)(8/177)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً حُسِبَتْ حَصَاةً وَاحِدَةً وَلَوْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى إنْسَانٍ فَجُلِدَ بِمِائَةٍ مَشْدُودَةٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً حُسِبَتْ مِائَةً قَالَ أَصْحَابُنَا الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْإِيقَاعُ وَقَدْ حصل (واما) الرمي فتعبد فاتيح فِيهِ التَّوْقِيفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/178)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ هُوَ رُكْنٌ
* دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
*(8/179)
(فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا جَوَازُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَعِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ واسحق لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه سلم (أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ
* وَاحْتَجَّ(8/180)
أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَعْجِيلِ دَفْعِ الضَّعَفَةِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَفْضَلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي وَقْتِ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ يَوْمَ النَّحْرِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَقْطَعُهَا عِنْدَ أَوَّلِ شُرُوعِهِ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ(8/181)
بعدهم
* وقال أحمد واسحق وَطَائِفَةٌ يُلَبِّي حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى اخْتِيَارِهِ
* وَقَالَ مَالِكٌ يَقْطَعُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَحَكَاهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ
* وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقْطَعُهَا عَقِبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أخذ حصاة الجمار بين مُزْدَلِفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وسعيد بن جبير ومجاهد واسحق قَالَ قَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَأْخُذُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذَ أَجْزَأَهُ لَكِنْ أُحِبُّ لَقْطَهُ وَأَكْرَهُ كَسْرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يؤدى (1)
__________
بياض بالاصل)
*)(8/182)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ كَوْنِ الْحَصَى قَدْرَ حَصَى الْخَذْفِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَالِكٍ (أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَكْبَرُ إلَيَّ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ الرَّمْيَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ فَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ
*
(فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا إنْ كَانَ دَخَلَ مِنًى رَاكِبًا وَيَرْمِي فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَاشِيًا إلَّا يَوْمَ النَّفْرِ فَرَاكِبًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ(8/183)
الزبير وسالم يرمون مشاة واستحبه أحمد واسحق وكره جابر الركوب إلى شئ مِنْ الْجِمَارِ إلَّا لِضَرُورَةٍ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ يُجْزِئُهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ رَمَاهُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَرْمَى
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السابقة أن النبي صلى الله عليه وسلم (رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحَ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي مَوْقِفِ الرَّامِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَنْ يَقِفَ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَتَكُونُ مِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَمَكَّةُ عَنْ يَسَارِهِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٌ وَعَطَاءٌ وَنَافِعٌ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَافَ الزِّحَامَ فَرَمَاهَا مِنْ فَوْقِهَا
*(8/184)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَوْ رَمَى بِمَا رَمَى بِهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد قَالَ الْمُزَنِيّ يَجُوزُ بِمَا رَمَى بِهِ غَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ بِمَا رَمَى هُوَ بِهِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ قَالَ وَرَخَّصَ فِيهِ الشَّعْبِيُّ وَقَالَ اسحق يُجْزِئُهُ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ يُكْرَهُ وَيُجْزِئُهُ قَالَ إذْ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إعَادَةً
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَوْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ رَمْيَةً وَاحِدَةً حُسِبَ لَهُ حَصَاةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَقَعْنَ فِي الْمَرْمَى مُتَعَاقِبَاتٍ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيُكَبِّرُ لِكُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةً قَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ جاهلا أجزأه
*(8/185)
(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا يُسَمَّى حَجَرًا وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يُسَمَّى حَجَرًا كَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْكُحْلِ وَنَحْوِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ويجوز بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَدَرِ وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَيْسَ
مِنْ جِنْسِهَا.
وَاحْتَجَّ بِالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي الرَّمْيِ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فِي غَدَاةِ جَمْعٍ يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَصَى فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ وَالْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى
*
__________
(1) الجملة التي بين القوسين غير موجودة في النسخة التي بأيدينا وهى زيادة لا بأس بها)
*)(8/186)
* قال المصنف رحمه الله
* (وإذا فرغ من الرمي يذبح هديه ان كان معه لما روى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رمى سبع حصيات من بطن الوادي ثم انصرف إلى النحر فنحر) ويجوز النحر في جميع منى لما روى](8/187)
جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (منى كلها منحر))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثَا جَابِرٍ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الرَّمْيِ انْصَرَفَ فَنَزَلَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ مِنًى وَحَيْثُ نَزَلَ مِنْهَا جَازَ لَكِنَّ أَفْضَلَهَا مَنْزِلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَارَبَهُ
* وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمِنًى عَنْ يَسَارِ مُصَلَّى الْإِمَامِ
* فَإِذَا نَزَلَ ذَبَحَ وَنَحَرَ الْهَدْيَ إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ (وَاعْلَمْ) أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَدْ أَعْرَضَ النَّاسُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ عَنْهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ هَدْيُهُ مَعَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ مُشْعِرًا مُقَلِّدًا وَلَا يَجِبُ الْهَدْيُ إلَّا بِالنَّذْرِ وَالْأَفْضَلُ سَوْقُ الْهَدْيِ مِنْ بَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ طَرِيقِهِ وَإِلَّا فَمِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَمِنْ(8/188)
مِنًى
* وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَ هَدْيِهِ وَأُضْحِيَّتَهُ بِنَفْسِهِ وَيَنْوِيَ عِنْدَ ذَبْحِهَا فَإِنْ كَانَ مَنْذُورًا نَوَى الذَّبْحَ عَنْ هَدْيِهِ أَوْ أُضْحِيَّتِهِ المنذور وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَوَى التَّقَرُّبَ بِهِ وَلَوْ اسْتَنَابَ فِي ذَبْحِهِ جَازَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخُصَّ عِنْدَ الذَّبْحِ
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ ذَكَرًا مُسْلِمًا فَإِنْ اسْتَنَابَ امْرَأَةً أَوْ كِتَابِيًّا جَازَ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ
* وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ أَوْلَى مِنْ الْكِتَابِيِّ
* وَيَنْوِي صَاحِبُ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ أَوْ عِنْدَ ذَبْحِهِ فَإِنْ فَوَّضَ النِّيَّةَ إلَى الْوَكِيلِ جَازَ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ بَلْ يَنْوِي صَاحِبُهَا عِنْدَ دَفْعِهَا(8/189)
إلَيْهِ أَوْ عِنْدَ ذَبْحِهِ (وَأَمَّا) صِفَةُ الذَّبْحِ وَآدَابِهِ وَتَقْلِيدُ الْهَدْيِ وَإِشْعَارُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ فَسَنُوَضِّحُهَا فِي بَابِ الْهَدْيِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) وَقْتُ ذَبْحِ الْهَدْيِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ كَوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَدْخُلُ بَعْدَ طُلُوعِ شَمْسِ يَوْمِ النَّحْرِ وَمُضِيِّ قَدْرِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْخُطْبَتَيْنِ وَيَخْرُجُ بِخُرُوجِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنْ خَرَجَتْ وَلَمْ يَذْبَحْهُ فَإِنْ كَانَ نَذْرًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ وَيَكُونُ قَضَاءً وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَقَدْ فَاتَ الْهَدْيُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنْ ذَبَحَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَانَ شَاةَ لَحْمٍ لَا هَدْيًا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ بَلْ يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَفِيهِ وَبَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَدِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ ذَبْحَ الْهَدْيِ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ بِمِنًى
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَرَمُ(8/190)
كُلُّهُ مَنْحَرٌ حَيْثُ نَحَرَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَكِنَّ السُّنَّةَ فِي الْحَجِّ أَنْ يَنْحَرَ بِمِنًى لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ وَفِي الْعُمْرَةِ بِمَكَّةَ وَأَفْضَلُهَا عِنْدَ الْمَرْوَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَجُوزُ النَّحْرُ فِي جَمِيعِ مِنًى فَعِبَارَةٌ نَاقِصَةٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الِاخْتِصَاصَ بِمِنًى دُونَ سَائِرِ الْحَرَمِ وَهَذَا الْإِيهَامُ غَلَطٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ يَجُوزُ فِي كُلِّ الْحَرَمِ وَأَفْضَلُهُ مِنًى وَأَفْضَلُهَا مَوْضِعُ نَحْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَارَبَهُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*(8/191)
(ثم يحلق لما روى أَنَسٍ قَالَ (لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم الجمرة وفرغ من نسكه ناول الحالق شقه الايمن فحلقه ثم أعطاه شقه الايسر فحلقه) فان لم يحلق وقصر جاز لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ اصحابه أن يحلقوا أو يقصروا) والحلق افضل لما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (رحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال رحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله(8/192)
والمقصرين قال رحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال في الرابعة والمقصرين) وأقل ما يحلق ثلاث شعرات لانه يقع عليه اسم الجميع المطلق فاشبه الجمع والفضل ان يحلق الجميع لحديث أنس
* وان كان أصلع فالمستحب ان يمر الموسى على رأسه لما روى ابن عمر رضى الله عنه(8/193)
انه قال في الاصلع يمر الموسي على رأسه ولا يجب ذلك لانه قربة تتعلق بمحل فسقطت بفواته كغسل اليد إذا قطعت وان كانت امرأة قصرت ولم تحلق لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ عَلَى النساء حلق انما على النساء تقصير) ولان الحلق في النساء مثلة فلم يفعل وهل الحلاق نسك أو استباحة محظور فيه قولان
(أحدهما)
انه ليس بنسك لانه محرم في الاحرام فلم يكن نسكا كالطيب
(والثانى)
انه نسك وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم (رحم الله المحلقين) فان حلق قبل الذبح جاز لما روى عبد الله بن عمر قَالَ (وَقَفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجة الوداع بمنى فجاءه رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت رأسي قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فجاءه آخر فقال يا رسول الله لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ ارم ولا حرج) فما سئل عن شئ(8/194)
قدم أو أخر إلا قال افعل ولا حرج
* فان حلق قبل الرمي (فان قلنا) ان الحلق نسك جاز لما روى ابن عباس قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رجل حلق قبل ان يذبح أو قبل ان يرمي فكان يقول (لا حرج لا حرج) (وان قلنا) انه استباحة محظور لم يجز لانه فعل محظور فلم يجز قبل الرمي من غير عذر كالطيب)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طُرُقٍ (مِنْهَا) عَنْ أَنَسٍ قَالَ (لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ فَقَالَ احْلِقْ فَحَلَقَهُ فاعطي(8/195)
أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ) هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهَا (وَقَوْلُهُ) فِي الرِّوَايَةِ
الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَفَرَغَ مِنْ نُسُكِهِ يَعْنِي مِنْ ذَبْحِ هَدْيِهِ كَمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَنَحَرَ نُسُكَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَلَفْظُهُمَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ لَهُمْ (أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا) هَذَا لَفْظُهُمَا وَقَدْ رَوَى التَّقْصِيرَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ (مِنْهَا) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (حَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلَقَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ (قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ عَلَى الْمَرْوَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ (قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَتِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي إمْرَارِ الْمُوسَى فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ باسناد ضعيف(8/196)
فِيهِ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ الْجَادِيُّ - بِالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي بَعْدَهُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِنَحْوِ مَعْنَاهُ وَهَذَا لَفْظُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي الذَّبْحِ والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لاحرج) وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ (شَهِدَ النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر في حجة الوداع وهم يسألونه فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ فَمَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عن شئ قدم ولا أخر إلا قال(8/197)
افعل ولاحرج) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ وَأَتَاهُ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ إنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ قَالَ فَمَا رَأَيْتُهُ
سُئِلَ يومئذ عن شئ إلا قال افعلوا ولاحرج) هَذَا لَفْظُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِمُسْلِمٍ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا اسْتَدَلَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ تَقْدِيمِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ (فَقَوْلُهُ) وَفَرَغَ مِنْ نُسُكِهِ أَيْ مِنْ ذَبْحِ هَدْيِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (وَقَوْلُهُ) نَاوَلَ الْحَالِقَ هَذَا الَّذِي حَلَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ (زَعَمُوا أَنَّهُ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي مُخْتَصَرِ الْأَنْسَابِ فِي تَرْجَمَةِ الْكُلَيْبِيِّ - بِضَمِّ الْكَافِ - خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ الْكُلَيْبِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (قَوْلُهُ) يُمِرُّ الْمُوسَى قَالَ أَهْلُ اللُّغَةُ الْمُوسَى يُذَّكَرُ وَيُؤَنَّثُ
* قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ الْكِسَائِيُّ هُوَ فُعْلَى وَقَالَ غَيْرُهُ مُفْعَلُ من(8/198)
أَوْسَيْتُ رَأْسَهُ أَيْ حَلَقْتُهُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْكِسَائِيُّ والفرا يَقُولَانِ هِيَ فُعْلَى مُؤَنَّثَةٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ يَقُولُ مُفْعَلُ مُذَكَّرٌ قَالَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ لَمْ نَسْمَعْ تَذْكِيرَهُ إلَّا مِنْ الْأُمَوِيِّ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَحَلٍّ فَسَقَطَتْ بِفَوَاتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ لَا بِمَحَلٍّ وَلَا تَسْقُطُ بِالْفَوَاتِ (وَقَوْلُهُ) الْحِلَاقُ هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ - بمعنى الحلق والله أعلم
* (وأما) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا فَرَغَ الْحَاجُّ مِنْ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ فَلْيَحْلِقْ رَأْسَهُ وَلْيُقَصِّرْ وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ ثَابِتَانِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُجْزِئُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْحَلْقُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَفْضَلُ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى (مُحَلِّقِينَ رؤسكم ومقصرين) وَالْعَرَبُ تَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ وَالْأَفْضَلِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ (اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ) وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَلَقَ فِي حَجَّتِهِ) وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ
* وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحْلِقَ جَمِيعَ الرَّأْسِ إنْ أَرَادَ الْحَلْقَ أَوْ يُقَصِّرَ مِنْ جَمِيعِهِ إنْ أَرَادَ التَّقْصِيرَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا(8/199)
مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ فَتُجْزِئُ الثَّلَاثُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهَا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَجْهًا أَنَّهُ تُجْزِئُ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ غَلَطٌ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَا وَجْهًا بَعِيدًا فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ أَنَّهُ إذَا أَزَالَهَا الْمُحْرِمُ فِي غَيْرِ
وَقْتِهَا لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ كَحَلْقِ الرَّأْسِ قَالَ وَذَلِكَ الوجه عائد هنا فتجزى الشَّعْرَةُ وَلَكِنَّهُ مُزَيَّفٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِأَقَلِّ الْمُجْزِئِ من التقصير حد بل يجزى مِنْهُ أَقَلُّ جُزْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى تَقْصِيرًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَلَى قَدْرِ أُنْمُلَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ بِأَنْ كَانَ أَصْلَعَ أَوْ مَحْلُوقًا فلا شئ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ وَلَا إمْرَارُ الْمُوسَى وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ(8/200)
الْمُصَنِّفُ وَلَوْ نَبَتَ شَعْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ حَلْقٌ وَلَا تَقْصِيرٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حَالَةَ التَّكْلِيفِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ مِنْ شَعْرِ لِحْيَتِهِ شَيْئًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِيَكُونَ قَدْ وَضَعَ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى
* هَكَذَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَذَا النَّصَّ وَنَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ وَلَسْتُ أَرَى ذَلِكَ وَجْهًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْنَدَهُ إلَى أَثَرٍ
* وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الشُّعُورِ الَّتِي يُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهَا لِلْفِطْرَةِ كَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ لِئَلَّا يَخْلُوَ نُسُكُهُ عَنْ حَلْقٍ
* وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إذَا حَلَقَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ وَبِرَأْسِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ بِسَبَبِهَا التَّعَرُّضُ لِلشَّعْرِ لَزِمَهُ الصَّبْرُ إلَى الْإِمْكَانِ وَلَا يَفْتَدِي وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَلْقُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ مَنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِحَلْقِهِ بَعْدَ نَبَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ(8/201)
وَغَيْرُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ النُّسُكَ هُوَ حَلْقُ شَعْرٍ يَشْتَمِلُ الْإِحْرَامُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ فيمن لم يكن على راسه شعرا اصلا فاما من كان على راسه ثلاثه شَعَرَاتٍ أَوْ شَعْرَتَانِ أَوْ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَلْزَمُهُ إزَالَتُهَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ زَغَبٌ يَسِيرٌ لَزِمَهُ أَنْ يُزِيلَ مِنْهُ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ هُنَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِشَعْرِ الرَّأْسِ فَلَا يَحْصُلُ بِشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ شُعُورِ الْبَدَنِ وَلَا بِشَعْرِ الْعِذَارِ وَفِي الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي مَوْضِعِ
التَّحْذِيفِ وَشَعْرِ الصُّدْغِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ هَلْ مِنْ الْوَجْهِ أَوْ مِنْ الرَّأْسِ (إنْ قُلْنَا) مِنْ الرَّأْسِ أَجْزَأَهُ حَلْقُهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا قَصَّرَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَأَكْثَرَ جَازَ تَقْصِيرُهُ مِمَّا يُحَاذِي الرَّأْسَ وَمِمَّا نزل عنه ومما استرسل عنه وهذا هُوَ الْمَذْهَبُ
* وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمُسْتَرْسِلُ كَمَا لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْمُسْتَرْسِلِ عَنْ حَدِّهِ قَالُوا وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَسْحِ مَسْحُ الرَّأْسِ وَهَذَا خَارِجٌ عنه فلا يجزئ والواجب في الحلق شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرُهُ وَهَذَا مِنْ شَعْرِ الرأس (الرابعة)(8/202)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَادُ بِالْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ إزَالَةُ الشَّعْرِ فيقوم مقامه النتف ولا حرق ولا اخذ بِالنُّورَةِ أَوْ بِالْمِقَصِّ وَالْقَطْعُ بِالْأَسْنَانِ وَغَيْرِهَا وَيَحْصُلُ الْحَلْقُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (الْخَامِسَةُ) الْأَفْضَلُ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ الْجَمِيعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَلَوْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ أَجْزَأَهُ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ هَذَا هو المذهب
* وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي دَفَعَاتٍ فَهُوَ مَقِيسٌ بِحَلْقِهَا الْمَحْظُورِ فَإِنْ كَمَّلْنَا الْفِدْيَةَ مَعَ التَّفْرِيقِ حَكَمْنَا بِكَمَالِ النُّسُكِ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ وَلَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ عَادَ وَأَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ عَادَ ثَالِثَةً وَأَخَذَ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ مُتَوَاصِلًا لَمْ يُكْمِلْ الْفِدْيَةَ وَلَمْ يَحْصُلْ النُّسُكُ وَإِنْ طال الزمان ففى المسئلتين خِلَافٌ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ لَوْ أَخَذَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي دَفَعَاتٍ أَوْ أَخَذَ مِنْ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ فَإِنْ كَمَّلْنَا الْفِدْيَةَ بِهِ لَوْ كَانَ محضورا حَصَلَ النُّسُكُ وَإِلَّا فَلَا (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِحَلْقِ شِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمَحْلُوقُ الْقِبْلَةَ وَأَنْ يَدْفِنَ شَعْرَهُ وَيَبْلُغَ بالحلق إلى العظمين اللَّذَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى الصُّدْغَيْنِ وَهَذِهِ الْآدَابُ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْمُحْرِمِ بَلْ كُلُّ حَالِقٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ هَذَا
* وَدَلِيلُ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ في(8/203)
يأذن في الكتاب قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي الْحَلْقِ أَرْبَعُ سُنَنٍ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَأَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ وَأَنْ يَدْفِنَ شَعْرَهُ قال قال الشافعي ويبلغ بالحلق إلى العظمين لِأَنَّهُمَا مُنْتَهَى نَبَاتِ
شَعْرِ الرَّأْسِ لِيَكُونَ مُسْتَوْعِبًا لِجَمِيعِ رَأْسِهِ هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا التَّكْبِيرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ فَإِنَّهُ غَرِيبٌ وَقَدْ اسْتَحَبَّ التَّكْبِيرَ أَيْضًا لِلْمَحْلُوقِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ أَصْحَابِنَا (السَّابِعَةُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُؤْمَرُ الْمَرْأَةُ بِالْحَلْقِ بَلْ وَظِيفَتُهَا التَّقْصِيرُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُكْرَهُ لَهَا الْحَلْقُ
* وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا لَا يَجُوزُ لَهَا الْحَلْقُ وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِلْكَرَاهَةِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ اضْطِرَابٌ
* وَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِضَعْفِهِ لَكِنْ يُسْتَدَلُّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ مَرَّاتٍ فِي نَهْيِ النِّسَاءِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ويستحب للمرأه ان تقصر بقدر أُنْمُلَةٍ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِ رَأْسِهَا
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا تَقْطَعُ مِنْ ذَوَائِبِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَشِينُهَا لَكِنْ تَرْفَعُ الذَّوَائِبَ وَتَأْخُذُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَحْتَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا (1) فَلَوْ حَلَقَتْ أَجْزَأَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتَكُونُ مُسِيئَةً
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ في
__________
(1) بياض بالاصل)
*)(8/204)
كِتَابِ الْخَنَاثَى وَظِيفَةُ الْخُنْثَى التَّقْصِيرُ دُونَ الْحَلْقِ قَالَ وَالتَّقْصِيرُ أَفْضَلُ كَالْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّامِنَةُ) هَلْ الْحَلْقُ نُسُكٌ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ نُسُكٌ يُثَابُ عَلَيْهِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحَلُّلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ وانما هو شئ أُبِيحَ لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا كَالطِّيبِ واللباس وعلى هذا لاثواب فِيهِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالتَّحَلُّلِ قَالُوا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ اللَّهُمَّ (ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ) إنَّمَا دَعَا لَهُمْ لِتَنَظُّفِهِمْ وَإِزَالَتِهِمْ التَّفَثَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ نُسُكٌ يُثَابُ عَلَيْهِ وَيَتَحَلَّلُ بِهِ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ فَعَلَى هَذَا هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ وَلَا الْعُمْرَةُ إلَّا بِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يَفُوتُ وَقْتُهُ مَا دَامَ حَيًّا لَكِنَّ أَفْضَلَ أَوْقَاتِهِ ضَحْوَةُ النَّهَارِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَلَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَفْعَلَهُ الْحَاجُّ بِمِنًى وَالْمُعْتَمِرُ بِالْمَرْوَةِ فَلَوْ فَعَلَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ إمَّا وَطَنُهُ وَإِمَّا غَيْرُهُ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَزَالُ حُكْمُ الْإِحْرَامِ جَارِيًا عَلَيْهِ
حَتَّى يَحْلِقَ وَكُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى قَوْلِنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفُ جَعَلَ الْحَلْقَ وَاجِبًا عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ نُسُكٌ وَلَمْ يَجْعَلْهُ رُكْنًا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ رُكْنٌ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ نُسُكٌ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ فَهُوَ رُكْنٌ وَلَيْسَ كَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ ثُمَّ قَالَ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقُومُ الْفِدْيَةُ مَقَامَهُ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ فِي الرَّأْسِ عِلَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ الْحَلْقِ وَجَبَ الصَّبْرُ إلَى إمْكَانِ الْحَلْقِ وَلَا تَقُومُ الْفِدْيَةُ مَقَامَهُ
* هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ
*(8/205)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا الَّذِي سَبَقَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَلْقِ هُوَ كُلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ حَلْقَهُ (أَمَّا) مَنْ نَذَرَ الْحَلْقَ فِي وَقْتِهِ فيلزمه حلقه كله ولا يجزئه التقصير ولاحلق بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَا النَّتْفُ وَالْإِحْرَاقُ وَلَا اسْتِئْصَالٌ الشعر بِالْمِقَصَّيْنِ وَلَا أَخْذُهُ بِالنُّورَةِ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يُسَمَّى حَلْقًا
* وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي اسْتِئْصَالِ الشَّعْرِ بِالْمِقَصَّيْنِ وَإِمْرَارِ الْمُوسَى مِنْ غَيْرِ اسْتِئْصَالٍ احْتِمَالًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَلْقًا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِمْعَانُ فِي الِاسْتِئْصَالِ بَلْ يَكْفِي مَا يُسَمَّى حَلْقًا قَالَ وَيَقْرُبُ الرُّجُوعُ إلَى اعْتِبَارِ رُؤْيَةِ الشَّعْرِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا صَرَّحَ بِنَذْرِ الْحَلْقِ فَلَوْ لَبَّدَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ فَهَذَا فِي الْعَادَةِ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا مَنْ أَرَادَ حَلْقَهُ يَوْمَ النَّحْرِ لِلنُّسُكِ فَهَلْ يُنَزَّلُ هَذَا مَنْزِلَةَ نَذْرِ الْحَلْقِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَا وَذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النَّذْرِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا يَلْزَمُهُ حَلْقُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّقْصِيرُ (وَالْقَدِيمُ) أَنَّهُ يَلْزَمهُ الْحَلْقُ كَمَا لَوْ نَذَرَهُ
* وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ هَلْ يَصِيرُ مَنْذُورًا فِيهِ(8/206)
قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النَّذْرِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا يَصِيرُ
(وَالثَّانِي)
يَصِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْحَلْقِ عَلَى مَنْ نَذَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ أَوْ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّا إذَا قُلْنَا لَيْسَ هُوَ بِنُسُكٍ لَا يُلْزَمُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعَةُ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَشْرُوعَةَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ وُصُولِهِ مِنًى أَرْبَعَةٌ وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ ثُمَّ الذَّبْحُ ثُمَّ الْحَلْقُ ثُمَّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسُّنَّةُ تَرْتِيبُهَا هَكَذَا فَإِنْ
خَالَفَ تَرْتِيبَهَا نَظَرَ إنْ قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ قَدَّمَ الذَّبْحَ عَلَى الْجَمِيعِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ أَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَالَ لَا حَرَجَ) وَإِنْ طَافَ ثُمَّ حَلَقَ ثُمَّ رَمَى جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ جَازَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَدَّمَ الطَّوَافَ (وَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِنُسُكٍ لَمْ يَجُزْ وَيَلْزَمُهُ بِهِ الدَّمُ كَمَا لَوْ حَلَقَ قَبْلَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
* وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ نُسُكٌ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ
* وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّ الْحَلْقَ اسْتِبَاحَةُ محظور وجهين
(أحدهما)
قال وهو قول البغدادين مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَيْهِ الدَّمُ لِمَا ذَكَرْنَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ لَا دَمَ عَلَيْهِ لحديث عبد الله ابن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّابِقِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سُئِلَ عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَقَالَ لَا حَرَجَ) فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِيمَنْ حَلَقَ قَبْلَ الرمي والطواف (احدها) لادم
(والثانى)(8/207)
يَجِبُ (وَأَصَحُّهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ إنْ قُلْنَا الْحَلْق لَيْسَ بِنُسُكِ وَجَبَ الدَّم وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَيَدْخُلُ وَقْتُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ بِشَرْطِ تَقَدُّمِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَالْحَلْقُ إنْ قُلْنَا نُسُكٌ فَكَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ إلَّا بِفِعْلِ الرَّمْيِ أَوْ الطَّوَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
وَقْتُ الْحَلْقِ فِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ إذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ فَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ فَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ لِوُقُوعِ جِمَاعِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِنُسُكٍ لَمْ تَفْسُدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَلْقِ هَلْ هُوَ نُسُكٌ؟ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ نُسُكٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ أَحَدٌ غَيْرَ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَلَكِنْ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا
*(8/208)
(فَرْعٌ)
أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ وَأَنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِئُ إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَلْزَمُهُ الْحَلْقُ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ وَلَا يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ إلَى بَعْدِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَلَقَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ طَالَ زَمَنُهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَمْ لَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ
*(8/209)
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا خَرَجَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لزمه الحلق ودم وقال سفيان الثوري واسحق ومحمد عليه الحلق ودم
* دليلنا الاصل لادم
* (فرع)
قال ابن المنذر أجمعوا أن لاحلق عَلَى النِّسَاءِ إنَّمَا عَلَيْهِنَّ التَّقْصِيرُ قَالُوا وَيُكْرَهُ لَهُنَّ الْحَلْقُ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ فِي حَقِّهِنَّ وَفِيهِ مُثْلَةٌ
* وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ مَا تُقَصِّرُهُ فَقَالَ ابن عمر والشافعي وأحمد واسحق(8/210)
وَأَبُو ثَوْرٍ تُقَصِّرُ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ مِثْلَ الْأُنْمُلَةِ
* وَقَالَ قَتَادَةُ تُقَصِّرُ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبُعَ وَقَالَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ إنْ كَانَتْ عَجُوزًا مِنْ الْقَوَاعِدِ أَخَذَتْ نَحْوَ الرُّبُعِ وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً فَلْتُقَلِّلْ
* وَقَالَ مَالِكٌ تَأْخُذُ مِنْ جَمِيعِ قُرُونِهَا أَقَلَّ جُزْءٍ وَلَا يَجُوزُ مِنْ بَعْضِ الْقُرُونِ
* دَلِيلُنَا فِي إجْزَاءِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ أَنَّهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِالتَّقْصِيرِ وَهَذَا يُسَمَّى تَقْصِيرًا
*(8/211)
(فَرْعٌ)
مَنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ لَا حَلْقَ عَلَيْهِ وَلَا فِدْيَةَ وَيُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَلَا يَجِبُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَعَ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ
* وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ ابن دَاوُد أَنَّهُ قَالَ لَا يُسْتَحَبُّ إمْرَارُهُ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْإِمْرَارُ وَاجِبٌ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُحْرِمُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ) قَالُوا وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ فَإِذَا فُقِدَ(8/212)
الشَّعْرُ انْتَقَلَ الْوُجُوبُ إلَى نَفْسِ الرَّأْسِ كَالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا فَوَجَبَ التَّشْبِيهُ فِي أَفْعَالِهَا كَالصَّوْمِ فِيمَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ فِي أَثْنَاءِ يَوْمِ الشَّكِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ فَرْضٌ تَعَلَّقَ بِجُزْءٍ من الآدمى فيسقط بِفَوَاتِ الْجُزْءِ كَغَسْلِ الْيَدِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِقَطْعِهَا (فَإِنْ) قِيلَ الْفَرْضُ هُنَاكَ مُتَعَلِّقٌ بِالْيَدِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَهُنَا مُتَعَلِّقٌ بِالرَّأْسِ وَهُوَ بَاقٍ (قُلْنَا) بَلْ الْفَرْضُ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّعْرِ فَقَطْ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَلَى بَعْضِ رَأْسِهِ شَعْرٌ دُونَ بَعْضٍ لَزِمَهُ الْحَلْقُ فِي الشَّعْرِ وَلَا يَكْفِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى مَا لَا شَعْرَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَلَّقَ الْفَرْضُ عَلَيْهِ لاجزأ
*(8/213)
وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ ظَاهِرُ الضَّعْفِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ لَا يَصِحُّ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ مَرْوِيٌّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ (قُلْتُ) وَهُوَ مَوْقُوفٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى النَّدْبِ
* وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْفَرْضَ هُنَاكَ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ قال الله تعالى (وامسحوا برؤسكم) وَهُنَا تَعَلَّقَ بِالشَّعْرِ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ إذَا مَسَحَ بِشَعْرِ الرَّأْسِ سُمِّيَ مَاسِحًا فَلَزِمَهُ وَإِذَا أَمَرَّ الْمُوسَى لَا يُسَمَّى حَالِقًا
* (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّوْمِ فَهُوَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِمْسَاكِ جَمِيعِ النَّهَارِ فَبَقِيَّتُهُ بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ الْأَمْرُ وَهُنَا إنَّمَا هُوَ مأمور بأزالة الشعر ولم يبق شئ منه والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ عِنْدَنَا ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ(8/214)
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجِبُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ رُبْعُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ نِصْفُهُ
* احْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ مَرَّاتٍ
* قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَالِقًا بِدُونِ أَكْثَرِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تعالي (محلقين رؤسكم) والمراد شعور رؤسكم وَالشَّعْرُ أَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى حَالِقًا يُقَال حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبْعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ فَجَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا يُسَمَّى حَلْقَ شَعْرٍ (وأما) حلق النبي صلى الله عيه وَسَلَّمَ جَمِيعَ
رَأْسِهِ فَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَا يُسَمَّى حَلْقًا بِدُونِ أَكْثَرِهِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ وَاللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مذهبنا انه يتسحب فِي الْحَلْقِ أَنْ يَبْدَأَ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ مِنْ رَأْسِ الْمَحْلُوقِ وَإِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِ الْحَالِقِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْدَأُ بِالشِّقِّ الْأَيْسَرِ لِيَكُونَ عَلَى يَمِينِ الْحَالِقِ وَهَذَا مُنَابِذٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَيَّنَّاهُ
*(8/215)
(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ جَازَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ فَالْأَصَحُّ أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ لَزِمَهُ دَمٌ إنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَلَا شئ عَلَى الْمُفْرِدِ
* وَقَالَ مَالِكٌ إذَا قَدَّمَهُ عَلَى الذَّبْحِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَدَّمَهُ عَلَى الرَّمْيِ لَزِمَهُ الدَّمُ
* وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ قَدَّمَهُ عَلَى الذَّبْحِ أَوْ الرَّمْيِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا دَمَ وَإِنْ تَعَمَّدَ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ فِيمَنْ قَدَّمَ طواف الافاظة عَلَى الرَّمْيِ (إحْدَاهُمَا) يُجْزِئُهُ الطَّوَافُ وَعَلَيْهِ دَمٌ (وَالثَّانِيَةُ) لَا يُجْزِئُهُ
* وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَرِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ الدَّمُ مَتَى قَدَّمَ شَيْئًا على شئ من هذه
* دليلنا(8/216)
الاحاديث الصحيحة السابقة (لاحرج) وَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَالِمٍ وَجَاهِلٍ (فَإِنْ قَالُوا) الْمُرَادُ لَا إثم لكونه ناسيا (قلنا) ظاهره لا شئ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَحَرَ قبل الرمى لا شئ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/217)
(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَنْذُرَ حَلْقَهُ لَا يَلْزَمُهُ حَلْقُهُ بَلْ يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ كَمَا لَوْ لَمْ يُلَبِّدْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ
* وَأَوْجَبَ الْحَلْقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ قَالَ وَكَانَ ابْنُ
عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ إذَا رَمَى الجمرة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (والسنة أن يخطب الامام يوم النحر بمنى وهى إحدى الخطب الاربع ويعلم الناس الرمى والافاضة وغيرهما من المناسك لما روى ابن عمر قَالَ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النحر بعد رميه الجمرة وكان في خطبته ان هذا يوم الحج الاكبر) ولان في هذا اليوم وما بعده مناسك يحتاج إلى العلم بها فسن فيها الخطبة لذلك)
*(8/218)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ فِي إثْبَاتِ خُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرَ ذَكَرْنَاهَا عِنْدَ ذِكْرِ خُطْبَةِ الْيَوْمِ السَّابِعِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَدِلَّةَ الْخُطَبِ الْأَرْبَعِ مَبْسُوطَةً وَفُرُوعَهَا وَمَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَتَى تَكُونُ هَذِهِ الْخُطْبَةُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ هَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهَا وَالْأَحَادِيثُ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ كَانَتْ ضَحْوَةَ يَوْمِ النَّحْرِ لَا بَعْدَ الظُّهْرِ (وَجَوَابُهُ) (1) قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْحُجَّاجِ حُضُورُ هَذِهِ الْخُطْبَةِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ وَلِلْإِمَامِ الِاغْتِسَالُ لَهَا وَالتَّطَيُّبُ إنْ كَانَ قَدْ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَيْنِ أَوْ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ تَكُونُ بِمِنًى هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ تَكُونُ بِمَكَّةَ وَهَذَا فَاسِدٌ مُخَالِفٌ للنقل والدليل * قال المصنف رحمه الله
*
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)(8/219)
(ثم يفيض إلى مكة ويطوف طواف الافاضة ويسمى طواف الزيارة لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (رمى الجمرة ثم ركب وأفاض إلى البيت) وهذا الطوف رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إلا به والاصل فيه قوله عز وجل (وليطوفوا بالبيت العتيق) وروت عائشة ان صفية رضي الله عنهما حاضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحابستناهى قلت يا رسول الله انها قد أفاضت
قال فلا) إذا فدل على انه لا بد من فعله وأول وقته إذا انتصفت ليلة النحر لما روت عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ارسل ام سلمة يوم النحر فرمت قبل الفجر ثم افاضت) والمستحب ان يطوف يوم النحر لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَافَ يَوْمَ النحر) فان أخر إلى ما بعده وطاف جاز لانه أتي به بعد دخول الوقت)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الاول في قضية صَفِيَّةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُهَا الْآخَرُ فِي قِصَّةِ أُمِّ سَلَمَةَ (1) (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَالسُّنَّةُ إذَا رَمَى وَذَبَحَ وَحَلَقَ أَنْ يُفِيضَ إلَى مَكَّةَ وَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الافاضة وقد سبق في اوائل الْبَابِ أَنَّ لَهُ خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ وَقَدْ سَبَقَتْ كيفية الطواف وسيق بَيَانُ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يَرْمُلُ وَيَضْطَبِعُ فِي هَذَا الطَّوَافِ أَمْ لَا وَهَذَا الطَّوَافُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ
* قَالَ الْأَصْحَابُ وَيَدْخُلُ وَقْتُ هَذَا الطَّوَافِ مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَيَبْقَى إلَى آخِرِ الْعُمْرِ وَلَا يَزَالُ مُحْرِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ
* وَالْأَفْضَلُ طَوَافُهُ يَوْمَ النَّحْرِ وان يكون قبل الزوال في الضحاء بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُودَ إلَى مِنًى قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنًى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَخُرُوجُهُ مِنْ مَكَّةَ بِلَا طَوَافٍ أَشَدُّ كَرَاهَةً
* وَمَنْ لَمْ يَطُفْ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَإِنْ مَضَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ طَافَ لِلْوَدَاعِ وَلَمْ يَكُنْ طَافَ الْإِفَاضَةَ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَأَجْزَأَهُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي فَصْلِ طَوَافِ الْقُدُومِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا طَافَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَزِمَهُ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَا يَزَالُ مُحْرِمًا حَتَّى يَسْعَى وَلَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِدُونِهِ وَإِنْ كَانَ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يُعِدْهُ بَلْ تُكْرَهُ إعَادَتُهُ كَمَا سَبَقَ فِي فَصْلِ السَّعْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَلْ يَصِحُّ مَا دَامَ حيا لكن يكره
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)(8/220)
تَأْخِيرُهُ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِذَا أَخَّرَهُ عَنْ أيام التشريق قال المتولي يكره قَضَاءً قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً بَلْ يَقَعُ أَدَاءً لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ هُوَ بِمُؤَقَّتٍ وَهَذَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا
* قَالَ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ نَصٌّ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا أَلْحَقُوهُ بِالرَّمْيِ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِهِ (وَأَمَّا) وَقْتُ الْفَضِيلَةِ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ ضَحْوَةُ يَوْمَ النَّحْرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ
* وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا
(أَحَدُهُمَا)
مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ وَزَوَالِهَا لِحَدِيثِ ابن عمر وجابر الذين سَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَرْعِ بَعْدَهُ (وَالثَّانِي) مَا بَيْنَ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ إلَيْهِمْ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَطُوفَ الْإِفَاضَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَرْجِعَ إلَى مِنًى فَيُصَلِّيَ بِهَا الظُّهْرَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ
* وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) الْأَفْضَلُ أَنْ يَمْكُثَ بِمِنًى حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَشْهَدَ الْخُطْبَةَ ثُمَّ يُفِيضَ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفَ وَاسْتَدَلَّ هَذَا الْقَائِلُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الصَّيْفِ عَجَّلَ الْإِفَاضَةَ لِاتِّسَاعِ النَّهَارِ وَإِنْ كَانَ شِتَاءً أَخَّرَهَا إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِضِيقِهِ هَذَا كَلَامُهُ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ
* وَقَدْ صَحَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ مُتَعَارِضَةٌ يُشْكِلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْجَمْعُ بَيْنَهَا حَتَّى أن ابن حزم الطاهري صَنَّفَ كِتَابًا فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ(8/221)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَى فِيهِ بِنَفَائِسَ وَاسْتَقْصَى وَجَمَعَ بَيْنَ طُرُقِ الْأَحَادِيثِ فِي جَمِيعِ الحج ثم قال ولم يبق شئ
لَمْ يُبِنْ لِي وَجْهَهُ إلَّا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَأَنَا أَذْكُرُ طُرُقَهَا ثُمَّ أَجْمَعُ بَيْنَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَمِنْهَا) حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ عن ابن الزبير عن عائشة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الطَّوَافَ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ فَقَالَ وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ (أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ إلَى اللَّيْلِ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ سَمِعَ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي سماعه من عائشة نظر قال الْبُخَارِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ أَبِي سلمة عن عائشة أنها قَالَتْ (حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ) قَالَ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى) وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ فَزَارُوا الْبَيْتَ ظَهِيرَةً وَزَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نِسَائِهِ لَيْلًا) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَافَ عَلَى نَاقَتِهِ لَيْلًا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصَحُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ (قُلْت) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أفاض قبل الزوال وطاف وصلى الظهر بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ مَرَّةً أُخْرَى إمَامًا لِأَصْحَابِهِ كَمَا صَلَّى بِهِمْ فِي بَطْنِ نَخْلٍ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِطَائِفَةٍ وَمَرَّةً بِطَائِفَةٍ أُخْرَى فَرَوَى جَابِرٌ صَلَاتَهُ بِمَكَّةَ وَابْنُ عُمَرَ بِمِنًى وَهُمَا صَادِقَانِ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ فجوابها(8/222)
مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ رِوَايَاتِ جَابِرٍ وَابْنِ عمر وأبى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَأَكْثَرُ رُوَاةً فوجب تقديهما وَلِهَذَا رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ دُونَ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ
أَخَّرَ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ أَيْ طواف نسائة ولابد مِنْ التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا التَّأْوِيلُ يَرُدُّهُ رِوَايَةُ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ (وَزَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نِسَائِهِ لَيْلًا) فَجَوَابُهُ لَعَلَّهُ عَادَ لِلزِّيَارَةِ لَا لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَزَارَ مَعَ نِسَائِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى فَبَاتَ بِهَا والله أعلم
* (فرع)
قد ذكرنا ان لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ (مِنْهَا) طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي تَسْمِيَتِهِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ مِنْ امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ مِثْلَ مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ فَقَالُوا إنَّهَا حَائِضٌ فَقَالَ إنَّهَا لَحَابِسَتُنَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ فَلْتَنْفِرْ مَعَكُنَّ وَمَعْنَاهُ قَدْ طَافَتْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ إلَى اللَّيْلِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَدَلَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَدَلَالَةُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلُهَا الشَّرْعِيُّ
* (فَرْعٌ)
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مَتَى هُوَ فَقِيلَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَإِنَّمَا قِيلَ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ الْحَجِّ الْأَصْغَرِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ
* هَكَذَا أُثْبِتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
* وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ حَدِيثُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ يَعْنِي حَجَّةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ(8/223)
بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِيَرَاهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لِيَرَاهُ وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَكَانَ حُمَيْدٌ يَقُولُ النَّحْرُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما وَمَعْنَى قَوْلِ حُمَيْدٍ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهَذَا الْأَذَانِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَأَذَّنُوا بِهِ يَوْمَ النَّحْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ الْمَأْمُورُ بِالْأَذَانِ
فِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يوم الحج الاكبر) الْآيَةَ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَنَاسِكَ تُفْعَلُ فِيهِ
* وَمَنْ قَالَ يَوْمَ عَرَفَةَ احْتَجَّ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ (الْحَجُّ عَرَفَةَ) وَلَكِنْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرُدُّهُ
* وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ بَلْ يَبْقَى مَا دَامَ حَيًّا وَلَا يَلْزَمُهُ بِتَأْخِيرِهِ دَمٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ وَفَعَلَهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فقد قال جمهور العلماء كمذهبنا لادم
* مِمَّنْ قَالَهُ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِلطَّوَافِ فَيَطُوفُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ مَالِكٍ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدَّمِ حَتَّى يَرِدَ الشَّرْعُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ طَوَافِ الْقُدُومِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ الْإِفَاضَةَ وَتَرَكَ مِنْ الطوافات السَّبْعِ وَاحِدَةً أَوْ بَعْضَهَا لَا يَصِحُّ طَوَافُهُ حَتَّى يُكْمِلَ السَّبْعَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَسَبَقَ فِيهِ بَيَانُ مَذْهَبِ أبى حنيفة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وأذا رمي وحلق وطاف حصل له التحلل الاول والثانى وبأي شئ حصل له التحلل ان قلنا إن الحلق نسك حصل له الاول باثنين من ثلاثة وهي الرمي والحلق والطواف وحصل له الثاني بالثالث
* وان قلنا ان الحلق ليس بنسك حصل له التحلل الاول بواحد من اثنين - الرمي -(8/224)
والطواف - وحصل له التحلل الثاني بالثاني
* وقال أبو سعيد الاصطخرى إذا دخل وقت الرمي حصل له التحلل الاول وإن لم يرم كما إذا فات وقت الرمى حصل له التحلل الاول وإن لم يرم والمذهب الاول لما روت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ الطيب واللباس وكل شئ إلا النساء) فعلق التحلل بفعل الرمى ولان ما تعلق به التحلل لم يتعلق بدخول وقته كالطواف
* ويخالف إذا فات الوقت فان بفوات الوقت يسقط فرض الرمي كما يسقط بفعله
وبدخول الوقت لا يسقط الفرض فلم يحصل به التحلل
* وفيما يحل بالتحلل الاول والثانى قولان
(أحدهما)
وهو الصحيح يحل بالاول جميع المحظورات الا الوطئ وبالثانى يحل الوطئ لحديث عائشة رضي الله عنها (والثاني) يحل بالاول كل شئ الا الطيب والنكاح والاستمتاع بالنساء(8/225)
وقتل الصيد لما روى مكحول عن عمر أنه قال (إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شئ الا النساء والطيب والصيد) والصحيح هو الاول لان حديث عمر مرسل ولان السنة مقدمة عليه
* هذا إذا كان قد سعى عقب طواف القدوم (فاما) إذا لم يسع وقف التحلل على الطواف والسعى لان السعي ركن كالطواف)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا مِنْ رواية(8/226)
الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
* وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شئ إلَّا النِّسَاءَ) هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ إلَّا أَنَّ يَحْيَى بْنَ معين وغيره قالوا يقال ان الحسن العرني لم يسمع ابن عياس وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ أعلم
*(8/227)
(وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ فَحَدِيثُهُ عَنْهُ مُنْقَطِعٌ ومرسل والله اعلم (أما) حكم الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ أَوَّلٌ وَثَانٍ يَتَعَلَّقَانِ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ هَذَا إنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ وَإِلَّا فَيَتَعَلَّقَانِ بِالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ (وَأَمَّا) النَّحْرُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي(8/228)
التَّحَلُّلِ
* (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَلْقُ نُسُكٌ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَأَيُّ اثْنَيْنِ مِنْهَا أَتَى بِهِمَا حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ كَانَا رميا وحلقا أو رميا وطوافا اطَوَافًا وَحَلْقًا وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالْعَمَلِ الْبَاقِي
مِنْ الثَّلَاثَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحَلُّلُ بَلْ يَحْصُلُ التَّحَلُّلَانِ بِالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ أَيَّهُمَا فَعَلَهُ حَصَلَ بِهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَيَحْصُلُ الثَّانِي بِالثَّانِي
* وَلَوْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى خَرَجَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَقَدْ فَاتَ الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ بِفَوَاتِهِ الدَّمُ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَمْيٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُصُولِ التَّحَلُّلِ بِهِ وَهَلْ(8/229)
يَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِبَدَلِ الرَّمْيِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ (وَالثَّانِي) لَا إذْ لَا رَمْيَ (وَالثَّالِثُ) إنْ افْتَدَى بِالدَّمِ تَوَقَّفَ وَإِنْ افْتَدَى بِالصَّوْمِ فَلَا لِطُولِ زَمَنِهِ (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَرْمِ وَلَمْ تَخْرُجْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَلَا يُجْعَلُ دُخُولُ وَقْتِ الرَّمْيِ كَالرَّمْيِ فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
* وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْإِصْطَخْرِيِّ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ والاصحاب أن دُخُولُ وَقْتِ الرَّمْيِ كَالرَّمْيِ فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ مَعَ دَلِيلِ الْمَذْهَبِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا لِلدَّارِكِيِّ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ حَصَلَ التَّحَلُّلَانِ جَمِيعًا بِالْحَلْقِ مَعَ الطَّوَافِ مِنْ غَيْرِ رَمْيٍ أَوْ بِالطَّوَافِ وَالرَّمْيِ وَلَا يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ إلَّا أَحَدُ التَّحَلُّلَيْنِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِالرَّمْيِ فَقَطْ أَوْ الطَّوَافِ فَقَطْ وَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهًا أَنَّا إذَا لَمْ نَجْعَلْ الْحَلْقَ نُسُكًا حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ لِوُجُودِ اسْمِ الْيَوْمِ
* وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا شَاذَّةٌ ضعيفة(8/230)
(والمذهب) ما قدمناه أَوَّلًا
* وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُفْتَى بِهِ أَنَّ التَّحَلُّلَ يَحْصُلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالثَّانِي بِالثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا بُدَّ مِنْ السَّعْيِ مَعَ الطَّوَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ فَيُعَدُّ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ سَبَبًا وَاحِدًا مِنْ أسباب(8/231)
التَّحَلُّلِ فَلَوْ لَمْ يَرْمِ وَلَكِنْ طَافَ وَحَلَقَ وَلَمْ يَسْعَ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ السَّعْيَ كَالْجُزْءِ فَكَأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ الْمَرَّاتِ مِنْ الطواف وهذا لا خلاف فيه والله أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَيُضَمُّ إلَيْهِمَا الْحَلْقُ إنْ قُلْنَا هُوَ نُسُكٌ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا
وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْعُمْرَةِ تَحَلُّلٌ وَفِي الْحَجِّ تَحَلُّلَانِ لِأَنَّ الْحَجَّ يَطُولُ زَمَنُهُ وَتَكْثُرُ أَعْمَالُهُ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ(8/232)
فَأُبِيحَ بَعْضُ مُحَرَّمَاتِهِ فِي وَقْتٍ وَبَعْضُهَا فِي وَقْتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ اللُّبْسُ وَالْقَلْمُ وَسَتْرُ الرَّأْسِ وَالْحَلْقُ إنْ لَمْ نَجْعَلْهُ نُسُكًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَحِلُّ الْجِمَاعُ إلَّا بِالتَّحَلُّلَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَ حَتَّى يَرْمِيَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَفِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالتَّحَلُّلَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالرُّويَانِيِّ يَحِلُّ بِالْأَوَّلِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَحِلُّ بِالْأَوَّلِ الْمُبَاشَرَةُ وَيَحِلُّ الصَّيْدُ وَالنِّكَاحُ وَالطِّيبُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ قَالَ وَهُوَ الْجَدِيدُ وَيَحِلُّ الصَّيْدُ بِالْأَوَّلِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِاتِّفَاقِهِمْ (وَأَمَّا) الطِّيبُ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِحِلِّهِ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ(8/233)
تَعَالَى وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ فِيهِ طَرِيقِينَ (أَصَحُّهُمَا) حِلُّهُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ كَالصَّيْدِ وَعَقْدِ النِّكَاحِ
* وَهَذَا بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ حَدِيثٍ مُشْكِلٍ مُخَالِفٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْن مَعِينٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أبي عدي عن محمد بن اسحق قال حدثنا أبو عبيدة ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمِّهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ (كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي يَصِيرُ إلَيَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَصَارَ إلَيَّ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهْبُ بن زمعة ومعه رجل مقتمصين فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَضْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ انْزِعْ عَنْك الْقَمِيصَ فَنَزَعَهُ مِنْ رَأْسِهِ وَنَزَعَ صَاحِبُهُ قَمِيصَهُ مِنْ رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ فِيهِ لَكُمْ إذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إلَّا النِّسَاءَ
فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كَمَبِيتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ) هَذَا لَفْظُهُ وَهَذَا الْإِسْنَادُ صحيح والجمهور على الاحتجاج بمحمد بن اسحق إذا قال حدثنا وانما عابوا عليك التَّدْلِيسَ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ حَدَّثَنَا اُحْتُجَّ بِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ فَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهِ
* هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ (قُلْت) فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَنْسُوخًا دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَسْخِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ وَلَا يَنْسَخُ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى ناسخ والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ فِي الْحَجِّ تَحَلُّلَيْنِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ قَالَ وَقَوْلُنَا تَحَلُّلَانِ مَجَازٌ بَلْ إذَا رَمَى جمرة(8/234)
الْعَقَبَةِ زَالَ إحْرَامُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَحْلِقَ وَيَطُوفَ كَمَا أَنَّ الْحَائِضَ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا زَالَ الْحَيْضُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ وَهُوَ تَحْرِيمُ وَطْئِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ
* قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الطَّوَافَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَكَيْفَ يَزُولُ الْإِحْرَامُ وَبَعْضُ الْأَرْكَانِ بَاقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَيْنِ صار حلالا في كل شئ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْحَجِّ وَهُوَ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْمَبِيتِ لَيَالِيهَا بِمِنًى مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ كَمَا يُسَلِّمُ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الصلاة بالاولى * قال المصنف رحمه الله
* (وإذا فرغ من الطواف رجع إلى منى وأقام بها أيام التشريق يرمى في كُلَّ يَوْمٍ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ كُلُّ جَمْرَةٍ سَبْعُ حصيات فيرمي الْجَمْرَةَ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ويقف قدر سورة البقرة يدعوا الله عز وجل ثم يرمي الجمرة الوسطى ويقف ويدعو الله تعالى كما ذكرنا ثم يرمي الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة ولا يقف عندها لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ حتى صلى الظهر ثم رجع إلى منى فاقام بها أيام التشريق الثلاث يرمي الجمار فرمى الجمرة الاولى إذا زالت الشمس بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يقف فيدعو الله تعالى ثم يأتي الجمرة الثانية فيقول مثل ذلك ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها ولا يقف عندها) ولا يجوز أن يرمي الجمار في هذه الايام الثلاثة الا مرتبا يبدأ بالاولى ثم بالوسطى ثم بجمرة العقبة لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى هكذا وقال (خذوا عني مناسككم)
فان نسي حصاة ولم يعلم من أي الجمار تركها جعلها من الجمرة الاولى ليسقط الفرض بيقين ولا يجوز الرمي في هذه الايام الثلاثة الا بعد الزوال لان عائشة رضي الله عنها قالت (أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامُ التشريق الثلاثة يرمي الجمار الثلاث حين تزول الشمس) فان ترك الرمي في اليوم الثالث سقط الرمي لانه فات أيام الرمي ويجب عليه دم لقوله صلى الله عليه وسلم (من ترك نسكا فعليه دم) فان ترك الرمي في اليوم الاول إلى اليوم الثاني أو ترك الرمي في اليوم الثاني إلى الثالث فالمشهور من المذهب أن الايام الثلاثة كاليوم الواحد فما ترك في الاول يرميه في اليوم الثاني وما تركه في(8/235)
اليوم الثاني يرميه في اليوم الثالث والدليل عليه أنه يجوز لرعاة الابل أن يؤخروا رمي يوم إلى يوم بعده فلو لم يكن اليوم الثاني وقتا لرمي اليوم الاول لما جاز الرمي فيه وقال في الاملاء رمي كل يوم يوم مؤقت بيومه والدليل عليه أنه رمى مشروع في يوم ففات بفواته كرمي اليوم الثالث فان تدارك عليه رمي يومين أو ثلاثة أيام (فان قلنا) بالمشهور بدأ ورمى عن اليوم الاول ثم عن اليوم الثاني ثم عن اليوم الثالث فان نوى بالرمي الاول عن اليوم الثاني ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه لا يجزئه لانه ترك الترتيب (والثاني) أنه يجزئه عن الاول لان الرمي مستحق عن اليوم الاول فانصرف إليه كما لو طاف بنية الوداع وعليه طواف الفرض (فان قلنا) بقوله في الاملاء إن رمى كل يوم موقت بيومه وفات اليوم ولم يرم ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أن الرمي يسقط وينتقل إلى الدم كاليوم الاخير (والثاني) أنه يرمي ويريق دما للتأخير كما لو أخر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر فانه يصوم ويفدي (والثالث) أنه يرمي ولا شئ عليه كما لو ترك الوقوف بالنهار فانه يقف بالليل ولا دم عليه فعلى هذا إذا رمى عن اليوم الثاني قبل اليوم الاول جاز لانه قضاء فلا يجب فيه الترتيب كالصلاة الفائتة (فأما) إذا نسي رمي يوم النحر فَفِيهِ طَرِيقَانِ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ كرمي أيام التشريق فيرمي رمى يوم النحر في أيام التشريق وتكون أيام التشريق وقتا له وعلى قوله في الاملاء يكون على الاقوال الثلاثة (ومن) أصحابنا من قال يسقط رمى يوم النحر قولا واحدا لانه لما خالف رمى أيام التشريق في المقدار والمحل خالفه في الوقت
* ومن ترك رمى الجمار الثلاث في يوم لزمه دم لقوله صلى
الله عليه وسلم (من ترك نسكا فعليه دم) فان ترك ثلاث حصيات فعليه دم لانه يقع اسم الجمع المطلق عليه فصار كما لو ترك الجميع وان ترك حصاة ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) يجب عليه ثلث دم (والثاني) مد (والثالث) درهم
* وان ترك حصاتين لزمه في أحد الاقوال ثلثا دم وفي الثاني مدان وفي الثالث درهمان
* وان ترك الرمي في أيام التشريق وقلنا بالقول المشهور أن الايام الثلاثة كاليوم الواحد لزمه دم كاليوم الواحد (فان قلنا) بقوله في الاملاء ان رمى كل يوم مؤقت بيومه لزمه ثلاثة دماء وان ترك رمى يوم النحر وأيام التشريق (فان قلنا) ان رمى يوم النحر كرمي أيام التشريق لزمه على(8/236)
القول المشهور دم واحد (وإن قلنا) إنه ينفرد عن رمي أيام التشريق (فان قلنا) ان رمى أيام التشريق كرمي اليوم الواحد لزمه دمان (وإن قلنا) إن رمي كل يوم مؤقت بيومه لزمه أربعة دماء)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِهِ وَلَكِنْ مُحَمَّدُ بن اسحق مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يتقدم ثم يسهل فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشمال فيسهل وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلًا ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مُتَوَالِيَةٍ
* وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِي رِوَايَتِهِمْ (فَيَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ طَوِيلًا يُكَبِّرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُسَبِّحُهُ ويحمده ويدعوا اللَّهَ تَعَالَى) (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَمَى الْجِمَارَ مُرَتَّبًا) فَهُوَ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ الَّتِي ذَكَرْتهَا الْآنَ وَمِنْ غَيْرِهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي هَذَا الْبَابِ مَرَّاتٍ (وَأَمَّا) حَدِيثِ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجِمَارَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ الذي فيه محمد بن اسحق وَقَدْ بَيَّنْته الْآنَ وَيُغْنِي عَنْهُ
حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ أَوَّلَ يَوْمٍ ضُحًى ثُمَّ لَمْ يَرْمِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ رَمَيْنَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ(8/237)
(وَأَمَّا) حَدِيثُ (مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) فَسَبَقَ بَيَانُهُ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ مَسْجِدُ الْخَيْفِ هُوَ - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَيْفُ مَا انْحَدَرَ عَنْ غِلَظِ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ وَبِهِ يُسَمَّى مَسْجِدُ الْخَيْفِ وَهُوَ مَسْجِدٌ عَظِيمٌ وَاسِعٌ جِدًّا فِيهِ عِشْرُونَ بَابًا وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ جُمَلًا تَتَعَلَّقُ بِهِ
* (قَوْلُهُ) رَمْيٌ مَشْرُوعٌ فِي يَوْم احْتِرَاز مِنْ رَجْمِ الزَّانِي (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا فَرَغَ الْحَاجُّ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ إنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِنًى عَقِبَ فَرَاغِهِ فَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَحَضَرَ الْخُطْبَةَ ثُمَّ يُقِيمُ فِي مِنًى لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَمَبِيتِ لَيَالِيهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُسَمَّى يَوْمَ الْقَرِّ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ - لِأَنَّهُمْ قَارُّونَ بِمِنًى وَالْيَوْمُ الثَّانِي يُسَمَّى النَّفْرَ الْأَوَّلَ وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ يَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي
* وَمَجْمُوعُ حَصَى الرَّمْيِ سَبْعُونَ حَصَاةً سَبْعٌ مِنْهَا لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالْبَاقِي لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَرْمِي كُلَّ يَوْمٍ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ كُلُّ جَمْرَةٍ سَبْعُ حَصَيَاتٍ كَمَا سَبَقَ وَصْفُهُ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَيَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ إحدى وعشرون حَصَاةً فَيَأْتِي الْجَمْرَةَ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَهِيَ أَوَّلُهُنَّ مِنْ جِهَةِ عَرَفَاتٍ وَهِيَ فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ الْجَادَّةِ فَيَأْتِيهَا مِنْ أسفل منها(8/238)
فَيَصْعَدُ إلَيْهَا وَيَعْلُوهَا حَتَّى يَكُونَ مَا عَنْ يساره اقل ما عَنْ يَمِينِهِ وَيَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَاحِدَةً وَاحِدَةً يُكَبِّرُ عَقِبَ كُلِّ حَصَاةٍ كَمَا سَبَقَ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ عَنْهَا وَيَنْحَرِفُ قَلِيلًا وَيَجْعَلُهَا فِي قَفَاهُ وَيَقِفُ فِي مَوْضِعٍ لَا يُصِيبُهُ الْمُتَطَايَرُ مِنْ الْحَصَى الَّذِي يُرْمَى فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُ وَيُهَلَّلُ وَيُسَبِّحُ وَيَدْعُو مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ وَخُضُوعِ الْجَوَارِحِ وَيَمْكُثُ كَذَلِكَ قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الْوُسْطَى وَيَصْنَعُ فِيهَا كَمَا صَنَعَ فِي الْأُولَى وَيَقِفُ لِلدُّعَاءِ كَمَا وَقَفَ فِي الْأُولَى إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ عَنْ يَسَارِهَا بِخِلَافِ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ
فِيهَا بَلْ يَتْرُكُهَا عَنْ يَمِينِهِ وَيَقِفُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ مُنْقَطِعًا عَنْ أَنْ يُصِيبَهُ الْحَصَى ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّالِثَةَ وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ الَّتِي رَمَاهَا يَوْمَ النَّحْرِ فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا لِلذِّكْرِ والدعاء
* هذه الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الْمَسْنُونَةُ وَالْوَاجِبُ مِنْهَا أَصْلُ الرَّمْيِ بِصِفَتِهِ السَّابِقَةِ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ بِمَا يُسَمَّى حَجَرًا وَيُسَمَّى رَمْيًا (وَأَمَّا) الدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا زَادَ عَلَى أصل الرمي فمستحب لا شئ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ
* وَيَرْمِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا رَمَى فِي الْأَوَّلِ وَيَرْمِي فِي الثَّالِثِ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْفِرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْوُقُوفِ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ (وَأَمَّا) كَوْنُهُ قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ فِعْلِ ابن عمر والله أعلم (الثانية) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ كُلَّ يَوْمٍ لِلرَّمْيِ (الثَّالِثَةُ) لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَيَبْقَى وَقْتُهَا إلَى غُرُوبِهَا وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ يَبْقَى إلَى الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ (وَالصَّحِيحُ) هَذَا فِيمَا سِوَى الْيَوْمِ الْآخِرِ (وَأَمَّا) الْيَوْمُ الْآخِرُ فَيَفُوتُ رَمْيُهُ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا جَمِيعُ الرَّمْيِ يَفُوتُ بِغُرُوبِ شَمْسِ الثَّالِثِ مِنْ التَّشْرِيقِ لِفَوَاتِ زَمَنِ الرَّمْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَنْ يُقَدِّمَ الرَّمْيَ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الاصحاب وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقُ قَرِيبًا (الرَّابِعَةُ) الْعَدَدُ شَرْطٌ فِي الرَّمْيِ فَيَرْمِي فِي كُلِّ يَوْمٍ إحْدَى وَعِشْرِينَ حَصَاةً إلَى كُلِّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَكُونُ كُلُّ حَصَاةٍ بِرَمْيَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ كَمَا سَبَقَ فِي جَمْرَةِ العقبة (الخامسة) يشترط التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فَيَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِهِ فَلَوْ تَرَكَ حَصَاةً مِنْ الْأُولَى أَوْ جَهِلَ فَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيْنَ تَرَكَهَا جَعَلَهَا مِنْ الْأُولَى فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَرْمِيَ إلَيْهَا(8/239)
حَصَاةً ثُمَّ يَرْمِيَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ (السَّادِسَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ الْحَصَيَاتِ فِي الْجَمْرَةِ الْوَاحِدَةِ وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ وَهَذِهِ الْمُوَالَاةُ سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ شَرْطٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (السَّابِعَةُ) إذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ رَمْيِ يَوْمِ الْقَرِّ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا هَلْ يَتَدَارَكُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ تَرَكَ رَمْيَ الْيَوْمِ الثَّانِي أو رمي اليومين
الاوليين هَلْ يُتَدَارَكُ فِي الثَّالِثِ مِنْهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يُتَدَارَكُ (وَالثَّانِي) نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يُتَدَارَكُ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُتَدَارَكُ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ فَهَلْ يُتَدَارَكُ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَهُ مِنْ لَيَالِي التَّشْرِيقِ (إذَا قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّ وَقْتَهُ لَا يَمْتَدُّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّدَارُكِ فَتَدَارَكَ فَهَلْ هو أداء أم قضاء فيه قولان (أصحهما) أداء كما في حل أَهْلِ السِّقَايَةِ وَالرُّعَاةِ
* (فَإِنْ قُلْنَا) أَدَاءٌ فَجُمْلَةُ أَيَّامِ مِنًى فِي حُكْمِ الْوَقْتِ الْوَاحِدِ فَكُلُّ يَوْمٍ لِلْقَدْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ كَأَوْقَاتِ اخْتِيَارِ الصَّلَوَاتِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ رَمْيِ يَوْمِ التَّدَارُكِ عَلَى الزَّوَالِ
* وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَمْتَنِعُ تَقْدِيمُ رَمْيِ يَوْمٍ إلَى يَوْمٍ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ وَقْتَهُ يَتَّسِعُ مِنْ جِهَةِ الْآخِرِ دون الاول ولايجوز التَّقْدِيمُ عَلَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِمَنْعِ التَّقْدِيمِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ تَصْرِيحًا وَمَفْهُومًا
* (وَإِذَا قُلْنَا) إنَّهُ قَضَاءٌ فَتَوْزِيعُ الْأَقْدَارِ الْمُعَيَّنَةِ عَلَى الْأَيَّامِ مُسْتَحَقٌّ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَقْدِيمِ رَمْيِ يَوْمٍ إلَى يَوْمٍ وَلَا إلى تَقْدِيمِهِ عَلَى الزَّوَالِ وَهَلْ يَجُوزُ بِاللَّيْلِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَتَأَقَّتْ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الرَّمْيَ عِبَادَةُ النَّهَارِ كَالصَّوْمِ وَهَلْ يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ الْمَتْرُوكِ وَرَمْيِ يَوْمِ التَّدَارُكِ فِيهِ قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ كَالتَّرْتِيبِ فِي الْمَكَانِ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّدَارُكَ قَضَاءٌ أَمْ أَدَاءٌ (إنْ قُلْنَا) أَدَاءٌ وَجَبَ التَّرْتِيبُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ لَمْ نُوجِبْ التَّرْتِيبَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعُذْرِ كَالرُّعَاةِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الْمُتَوَلِّي نَظِيرُهُ إنْ فَاتَتْهُ الظُّهْرُ لَا يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ وَلَوْ أَخَّرَهَا لِلْجَمْعِ فَوَجْهَانِ وَلَوْ رَمَى إلَى الْجَمَرَاتِ كُلِّهَا عَنْ يَوْمٍ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ إلَيْهَا عَنْ أَمْسِهِ أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ نُوجِبْ التَّرْتِيبَ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ وَيَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ أَصْلًا
* قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ صُرِفَ الرَّمْيُ إلَى غَيْرِ النُّسُكِ بِأَنْ رَمَى إلَى شَخْصٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي الْجَمْرَةِ فَفِي انْصِرَافِهِ عَنْ النُّسُكِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي صَرْفِ الطَّوَافِ (وَالْأَصَحُّ) الِانْصِرَافُ فَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفْ وَقَعَ عَنْ أَمْسِهِ وَلَغَا قَصْدُهُ وَإِنْ انْصَرَفَ فَإِنْ شَرْطَنَا التَّرْتِيبَ لَمْ يُجْزِهِ أَصْلًا وَإِنْ لَمْ نَشْتَرِطْ أَجْزَأَهُ عَنْ يَوْمِهِ
* وَلَوْ رَمَى إلَى كُلِّ جَمْرَةٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ حَصَاةً سَبْعًا عن يومه(8/240)
وَسَبْعًا عَنْ أَمْسِهِ جَازَ إنْ لَمْ نَشْتَرِطْ التَّرْتِيبَ وَإِنْ شَرَطْنَاهُ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ
* هَذَا كُلُّهُ فِي رَمْيِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (أَمَّا) إذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ فَفِي تَدَارُكِهِ فِي أيام الشتريق طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّدَارُكِ لِلْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الرَّمْيَيْنِ قَدْرًا؟ ؟ ؟ وَوَقْتًا وَحُكْمًا
* فَإِنَّ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ يُؤَثِّرُ فِي التَّحَلُّلِ بِخِلَافِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَرَكَ رَمْيَ بَعْضِ الْأَيَّامِ وَقُلْنَا يَتَدَارَكُ فَتَدَارَكَ فَلَا دَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجِبُ دَمٌ مَعَ التَّدَارُكِ كَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ وَيَفْدِي
* ولو نفر يوم النحر أو يوم القر قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ ثُمَّ عَادَ وَرَمَى قَبْلَ الْغُرُوبِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ وَلَوْ فُرِضَ ذَلِكَ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَكَذَا عَلَى الْأَصَحِّ وَفِيهِ وَجْهٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِأَنَّ النَّفْرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا نَفَرَ فِيهِ خَرَجَ عَنْ الْحَجِّ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِعَوْدِهِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَتَدَارَكُ أَوْ قُلْنَا بِهِ فَلَمْ يَتَدَارَكْ وَجَبَ الدَّمُ وَكَمْ قَدْرُهُ فِيهِ صُوَرٌ
* فَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالصُّورَةُ فِيمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ التَّشْرِيقِ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) دَمٌ (وَالثَّانِي) دَمَانِ (وَالثَّالِثُ) أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ وَدَلِيلُهَا فِي الْكِتَابِ
* وَهَذَا الثَّالِثُ أَظْهَرُهَا عِنْدُ الْبَغَوِيِّ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ
* وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ عَشَرَةُ دِمَاءٍ يَجْعَلُ كُلَّ جَمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ
* وَلَوْ تَرَكَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ رَمْيَ يَوْمٍ مِنْ التَّشْرِيقِ وَجَبَ دَمٌ
* وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ بَعْضِ التَّشْرِيقِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْجَمَرَاتُ الثَّلَاثُ كَالشَّعَرَاتِ الثَّلَاثِ فَلَا يُكْمِلُ الدَّمَ فِي بَعْضِهَا بَلْ إنْ تَرَكَ جَمْرَةً فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمَشْهُورَةُ فِيمَنْ حَلَقَ شَعْرَةً (أَظْهَرُهَا) مُدٌّ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ دَمٍ
* وَإِنْ تَرَكَ جَمْرَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ حَصَاةً مِنْ جَمْرَةٍ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (إنْ قُلْنَا) فِي الْجَمْرَةِ ثُلُثُ دَمٍ فَفِي الْحَصَاةِ جُزْءٌ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ دَمٍ (وَإِنْ قُلْنَا) فِي الْجَمْرَةِ مُدٌّ أَوْ دِرْهَمٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ نُوجِبَ سُبْعَ مُدٍّ أَوْ سُبْعَ دِرْهَمٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا نُبَعِّضَهُمَا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي وَظِيفَةِ الْجَمْرَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا يَكْمُلُ فِي جَمْرَةِ النَّحْرِ فِي الْحَصَاةِ وَالْحَصَاتَيْنِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ هَذَا فِي الْحَصَاةِ وَالْحَصَاتَيْنِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (فَأَمَّا) إذَا تَرَكَهَا مِنْ الْجَمْرَةِ الْآخِرَةِ يَوْمَ الْقَرِّ أَوْ
النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْفِرْ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ التَّدَارُكِ وَرَمْيِ الْوَقْتِ صَحَّ رَمْيُهُ لَكِنْ تَرْكُ حَصَاةٍ فَفِيهِ الْخِلَافُ (1) وَإِنْ أَوْجَبْنَا التَّرْتِيبَ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّ الرمي بنية اليوم هل
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)(8/241)
يَقَعُ عَنْ الْمَاضِي (إنْ قُلْنَا) نَعَمْ تَمَّ الْمَتْرُوكُ بِمَا أَتَى بِهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ لَكِنْ يَكُونُ تَارِكًا لِلْجَمْرَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا كَانَ تَارِكًا رَمْيَ حَصَاةٍ وَوَظِيفَةِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ نُفْرِدْ كُلَّ يَوْمٍ بِدَمٍ وَإِنْ أَفْرَدْنَا فَعَلَيْهِ لِوَظِيفَةِ الْيَوْمِ دَمٌ وفيما يجب لترك الحصاة الخلا ف
* وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ إحْدَى الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ
* كَانَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْمَكَانِ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا تَرَكَ بَعْضَ يَوْمٍ مِنْ التَّشْرِيقِ فَإِنْ تَرَكَ بَعْضَ رَمْيِ النَّحْرِ فَقَدْ أَلْحَقهُ الْبَغَوِيّ بِمَا إذَا تَرَكَ مِنْ الْجَمْرَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْآخِرِ
* وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَلْزَمُهُ دَمٌ وَلَوْ تَرَكَ حَصَاةً فَقَطْ لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يَتَحَلَّلْ إلَّا بِبَدَلٍ كَامِلٍ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا غَرِيبًا ضَعِيفًا أَنَّ الدَّمَ يَكْمُلُ فِي حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ مِنْ جُمْلَةِ الْأَيَّامِ لَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهَا أَخَذَ بِالْأَسْوَأِ وَهُوَ أَنَّهُ تَرَكَ حَصَاةً مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَحَصَاةً مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى يَوْمَ الْقَرِّ وَحَصَاةً مِنْ الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَحْسِبْ مَا يَرْمِيهِ بِنِيَّةِ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ عَنْ الْفَائِتِ فَالْحَاصِلُ سِتُّ حَصَيَاتٍ مِنْ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ سَوَاءٌ شَرَطْنَا التَّرْتِيبَ بَيْنَ التَّدَارُكِ وَرَمْيِ الْوَقْتِ أَمْ لَا وَإِنْ حَسِبْنَاهُ فَالْحَاصِلُ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَحَدِ أَيَّامٍ التَّشْرِيقِ لَا غَيْرُ سَوَاءٌ شَرَطْنَا التَّرْتِيبَ أَمْ لَا وَدَلِيلُهُ يُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْأُصُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رَمْيُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ التَّشْرِيقِ مَاشِيًا وَأَنْ يَكُونَ رَاكِبًا فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ فَيَرْمِي بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَاكِبًا وَيَنْفِرُ عَقِبَ الرَّمْيِ كَمَا أَنَّهُ يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا ثُمَّ يَنْزِلُ هَكَذَا قَالَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ
* وَشَذَّ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْأَصْحَابِ فَحَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرْمِي مَاشِيًا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ
كَانَ يَأْتِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَيُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْعُمَرِيَّ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مِنْ هَذَا رِوَايَةِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا رَمَى الْجِمَارَ مَشَى إلَيْهِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/242)
(فَرْعٌ)
لَا يَفْتَقِرُ الرَّمْيُ إلَى نِيَّةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ طَوَافِ الْقُدُومِ عِنْدَ ذِكْرِ نِيَّةِ الطَّوَافِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي الْحِكْمَةِ فِي الرَّمْيِ
* قَالَ الْعُلَمَاءُ أَصْلُ الْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ وَكُلُّ عِبَادَةٍ فَلَهَا مَعْنًى قَطْعًا لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَأْمُرُ بِالْعَبَثِ ثُمَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ قَدْ يَفْهَمُهُ الْمُكَلَّفُ وَقَدْ لَا يَفْهَمُهُ فَالْحِكْمَةُ فِي الصَّلَاةِ التَّوَاضُعُ وَالْخُضُوعُ وَإِظْهَارُ الِافْتِقَارِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْحِكْمَةُ فِي الصَّوْمِ كَسْرُ النَّفْسِ وَقَمْعُ الشَّهَوَاتِ وَالْحِكْمَةُ فِي الزَّكَاةِ مُوَاسَاةُ الْمُحْتَاجِ وَفِي الْحَجِّ إقْبَالُ الْعَبْدِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ إلَى بَيْتٍ فَضَّلَهُ اللَّهُ كَإِقْبَالِ الْعَبْدِ إلَى مَوْلَاهُ ذَلِيلًا
* وَمِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهَا السَّعْيُ وَالرَّمْيُ فَكُلِّفَ الْعَبْدُ بِهِمَا لِيَتِمَّ انْقِيَادُهُ فَإِنَّ هذا النوع لاحظ لِلنَّفْسِ فِيهِ وَلَا (1) لِلْعَقْلِ بِهِ وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ إلَّا مُجَرَّدُ امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَكَمَالُ الِانْقِيَادِ
* فَهَذِهِ إشَارَةٌ مُخْتَصَرَةٌ تُعْرَفُ بِهَا الْحِكْمَةُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ طَوَافِ الْقُدُومِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر اللَّهِ) وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى الْمَنَاسِكَ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الشَّيْطَانَ تَرْجُمُونَ وَمَكَّةَ بَيْنَكُمْ تَبْتَغُونَ)
*
قال المصنف رحمه الله
* (ومن عجز عن الرمي بنفسه لمرض مأيوس أو غير مأيوس جاز أن يستنيب من يرمي عنه لان وقته مضيق وربما مات قبل أن يرمي بخلاف الحج فانه على التراخي
* ولا يجوز لغير المأيوس أن يستنيب لانه قد يبرا فيؤديه بنفسه
* والافضل ان يضع كل حصاة في يد النائب ويكبر ويرمي النائب فان رمى عنه النائب ثم برئ من المرض فالمستحب ان يعيد بنفسه
* وإن أغمي عليه فرمى عنه غيره فان كان بغير إذنه لم يجزه وان كان أذن له فيه قبل أن يغمى عليه جاز)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ الْعَاجِزُ عَنْ الرَّمْيِ بِنَفْسِهِ لِمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ وَنَحْوِهِمَا يَسْتَنِيبُ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَرَضُ مَرْجُوَّ(8/243)
الزَّوَالِ أَوْ غَيْرَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ اسْتَنَابَ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا وَسَوَاءٌ اسْتَنَابَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَاوِلَ النَّائِبَ الْحَصَى إنْ قَدَرَ وَيُكَبِّرُ الْعَاجِزُ وَيَرْمِي النَّائِبُ وَلَوْ تَرَكَ الْمُنَاوَلَةَ مَعَ قُدْرَتِهِ صَحَّتْ الِاسْتِنَابَةُ وَأَجْزَأَهُ رَمْيُ النَّائِبِ لِوُجُودِ الْعَجْزِ عَنْ الرَّمْيِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَيَجُوزُ لِلْمَحْبُوسِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الرَّمْيِ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ
* ثُمَّ إنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ أَطْلَقُوا جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ لِلْمَرِيضِ سَوَاءٌ كَانَ مَأْيُوسًا مِنْ بُرْئِهِ أَمْ لَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مُتَابِعِي الْإِمَامِ إنَّمَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ لِعَاجِزٍ بِعِلَّةٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الرَّمْيِ قَالُوا وَلَا يَضُرُّ رَجَاءُ الزَّوَالِ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ وَمُتَابِعُوهُ مُتَعَيَّنٌ وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ فَلَوْ زَالَ الْعَجْزُ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ لَزِمَهُ رَمْيُ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ ثُمَّ يَزُولُ نَادِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُحْرِمِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَلَمْ يَكُنْ أَذِنَ فِي الرَّمْيِ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ الرَّمْيُ عَنْهُ فِي إغْمَائِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ أَذِنَ فِيهِ جَازَ الرَّمْيُ عَنْهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ
* وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجَوَازَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ فَقَالَ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَوْ اسْتَنَابَ الْعَاجِزُ عَنْ الرَّمْيِ وَصَحَّحْنَا الِاسْتِنَابَةَ فَأُغْمِيَ عَلَى
الْمُسْتَنِيبِ دَامَتْ النِّيَابَةُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْإِغْمَاءِ الطَّارِئِ عَلَى إذْن انْقِطَاع إذْنه إذَا كَانَ أَصْلُ الاذن جائزا كالوكالة وَلَكِنْ الْغَرَضُ هُنَا إقَامَةُ النَّائِبِ مَقَامَ الْعَاجِزِ قَالَ وَمَا ذَكَرُوهُ مُحْتَمَلٌ جِدًّا وَلَا يَمْتَنِعُ خِلَافُهُ
* قَالَ وَقَدْ قَالُوا لَوْ اسْتَنَابَ الْمَعْضُوبُ فِي حَيَاتِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَعْضُوبُ لَمْ تَنْقَطِعْ الِاسْتِنَابَةُ هَكَذَا ذَكَرُوهُ فِي الاذن المجرد وهو بعيد لكن لَوْ فُرِضَ فِي الْإِجَارَةِ فَالْإِجَارَةُ تَبْقَى وَلَا تَنْقَطِعُ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُمْكِنٌ فَلَا مُنَافَاةَ وَقَدْ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةَ الْأَجِيرِ قَالَ وَاَلَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْإِذْنِ جَائِزٌ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ فِي الْإِغْمَاءِ بَعِيدٌ فِي الْمَوْتِ
* هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ
* ثُمَّ إنَّ الْأَصْحَابَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ أَطْلَقُوا أَنَّهُ إذَا اسْتَنَابَ قَبْلَ الْإِغْمَاءِ جَازَ رَمْيُ النَّائِبِ عَنْهُ فِي الْإِغْمَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ حِينَ أَذِنَ مُطِيقًا لِلرَّمْيِ لَمْ يَصِحَّ الرَّمْيُ عَنْهُ فِي الْإِغْمَاءِ لِأَنَّ الْمُطِيقَ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ عَنْهُ فَلَمْ يَصِحَّ إذْنُهُ وَإِنْ كَانَ حِينَ الْإِذْنِ عَاجِزًا بان كان مريضا فاذن لم أُغْمِيَ عَلَيْهِ صَحَّتْ النِّيَابَةُ وَصَحَّ رَمْيُ النَّائِبِ
* هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَأَشَارَ إلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ
* وَفِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي حَكَيْته عَنْهُ الْآنَ مُوَافَقَتُهُ(8/244)
فَلْيُحْمَلْ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَى مَنْ اسْتَنَابَ فِي حَالِ الْعَجْزِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ فِي حَالِ إغْمَائِهِ لَمْ يَصِحَّ إذْنُهُ وَإِنْ رُمِيَ عَنْهُ بِذَلِكَ الْإِذْنِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ إذْنَهُ ساقط في كل شئ الله أَعْلَمُ
* وَالْمَجْنُونُ كَالْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ هَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الرَّمْيِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي أَصْلِ الْحَجِّ قَالُوا وَالرَّمْيُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَنِيبَ الْعَاجِزُ حَلَالًا أَوْ مَنْ قَدْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَنَابَ مَنْ لَمْ يَرْمِ عَنْ نفسه فينبغي أن يرمي الغائب عن نفسه ثم عن المستنيب فيجزئهما الرميان بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رَمْيِ وَاحِدٍ وَقَعَ عَنْ الرَّامِي لَا عَنْ الْمُسْتَنِيبِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إذَا رَمَى النَّائِبُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ ثُمَّ عَنْ نَفْسِهِ رَمْيًا آخَرَ أَجْزَأَهُ الرَّمْيُ عَنْ نَفْسِهِ وَفِي الرَّمْيِ الْمَحْسُوبِ عَنْ نَفْسِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ الرَّمْيُ الثَّانِي لِأَنَّهُ الَّذِي
قَصَدَهُ عَنْ نَفْسِهِ (وَالثَّانِي) الْأَوَّلُ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ نُسُكٌ إذَا فَعَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَنْ نفسه كأصل الحج وكالطواف قَالَا وَفِي رَمْيِهِ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُجْزِئُهُ عَنْهُ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَا الرَّمْيَ الاول عن النائب فلم يقصده بِالثَّانِي وَإِنْ جَعَلْنَا الثَّانِي عَنْ النَّائِبِ فَقَدْ رَمَى عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ الرَّمْيِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يُجْزِئُ الرَّمْيُ عَنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّ الْمَرِيضَ أَخَفُّ مِنْ أَصْلِ الْحَجِّ وَأَرْكَانِهِ فَجَازَ فِعْلُهُ عَنْ غَيْرِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا رَمَى النَّائِبُ ثُمَّ زَالَ عُذْرُ الْمُسْتَنِيبِ وَأَيَّامُ الرَّمْيِ بَاقِيَةٌ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرَّمْيِ بِنَفْسِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّ رَمْيَ النَّائِبِ وَقَعَ عَنْهُ فَسَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرَّمْيَةِ بِنَفْسِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ فِعْلُ النَّائِبِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ قَالُوا وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْمَعْضُوبِ إذَا أحج عنه ثم برأ
* وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ والبغوي ووالده صاحب الْبَحْرِ وَحَكَاهُ أَيْضًا طَائِفَةٌ وَضَعَّفَتْهُ
* ثُمَّ إنَّ الْخِلَافَ فِي الرَّمْيِ الَّذِي فَعَلَهُ النَّائِبُ قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ (أَمَّا) الرَّمْيُ الَّذِي يُدْرِكُهُ الْمُسْتَنِيبُ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ فَيَلْزَمُهُ فِعْلُهُ بِلَا خِلَافٍ صرح به الماوردي والاصحاب والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويبيت بمنى ليالي الرمي (لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ) وهل يجب ذلك أو يستحب فيه قولان
(أحدهما)
أنه مستحب لانه مبيت فلم يجب كالمبيت ليلة عرفة (والثاني) أنه يجب (لان(8/245)
النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس في ترك المبيت لاجل السقاية) فدل على انه لا يجوز لغيره تركه (فان قلنا) أنه يستحب لم يجب بتركه دم (وإن قلنا) يجب وجب بتركه الدم فعلى هذا إذا ترك المبيت في الليالي الثلاث وجب دم وإن ترك ليلة ففيه ثلاثة أقوال على ما ذكرناه في الحصاة ويجوز لرعاة الابل وأهل سقاية العباس رضي الله عنه أن يدعوا المبيت ليالي منى ويرموا يوما ويدعوا يوما ثم يرموا ما فاتهم لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أرخص للعباس أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى مِنْ أَجْلِ سقايته) وروى عاصم بن عدى (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لرعاة الابل
في ترك البيتوتة يرمون يوم النحر ثم يرمون يوم النفر) فان أقام الرعاة إلى أن تغرب الشمس لم يجز لهم ترك المبيت وان أقام أهل السقاية إلى أن تغرب الشمس جاز لهم ترك المبيت لان حاجة أهل السقاية بالليل موجودة وحاجة الرعاة لا توجد بالليل لان الراعي لا يكون بالليل ومن أبق له عبد ومضى في طلبه أو خاف أمرا يفوته ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه لا يجوز له ما يجوز للرعاة وأهل سقاية العباس (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ للرعي وأهل السقاية) (والثاني) أنه يجوز لانه صاحب عذر فاشبه الرعاة وأهل السقاية)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ مَبِيتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى لَيَالِي التَّشْرِيقِ فَصَحِيحٌ مَشْهُورٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (اسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ) (وَأَمَّا) حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالسِّقَايَةُ - بِكَسْرِ السِّينِ - وَهِيَ مَوْضِعٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يُسْتَقَى فِيهِ الْمَاءُ وَيُجْعَلُ فِي حِيَاضٍ وَيُسْبَلُ لِلشَّارِبِينَ وَكَانَتْ السِّقَايَةُ فِي يَدِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ ثُمَّ ورثها منه ابنه عبدمناف ثُمَّ مِنْهُ ابْنُهُ هَاشِمٌ ثُمَّ مِنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ مِنْهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ ثُمَّ مِنْهُ ابْنُهُ عَلِيٌّ ثُمَّ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَقَدْ بَسَطْتُ بَيَانَهَا شَافِيًا فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ (قَوْلُهُ) رِعَاءُ الْإِبِلِ هُوَ - بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ - جَمْعُ رَاعٍ كَصَاحِبٍ وَصِحَابٍ وَيَجُوزُ رُعَاةٌ - بِضَمِّ الرَّاءِ وهاء بعد الاف - بِغَيْرِ مَدٍّ كَقَاضٍ وَقُضَاةٍ (قَوْلُهُ) وَمَنْ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ يَجُوزُ فِيهِ - فَتْحُ الْبَاءِ وَكَسْرُهَا - لُغَتَانِ كَضَرَبَ وَشَرِبَ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إذ أبق) وَيَجُوزُ لِعَبْدِ آبِق(8/246)
بِمَدِّ الْأَلِفِ وَكَسْرِ الْبَاءِ - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ مُخْتَصَرُهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَلْ الْمَبِيتُ بِهَا وَاجِبٌ أَمْ سُنَّةٌ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَاجِبٌ (وَالثَّانِي) سُنَّةٌ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) سُنَّةٌ قَوْلًا وَاحِدًا
حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ جَبَرَهُ بِدَمٍ بِلَا خِلَافٍ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمَبِيتُ وَاجِبٌ كَانَ الدَّمُ وَاجِبًا وَإِنْ قُلْنَا سنة فسنة
* ويؤمر بالميبت فِي اللَّيَالِي الثَّلَاثِ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ سَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ
* وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَبِيتَ بِهَا كُلَّ اللَّيْلِ وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ (أَصَحُّهُمَا) مُعْظَمُ اللَّيْلِ (وَالثَّانِي) الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا بِهَا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي (وَأَمَّا) قَدْرُ الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَحُكْمُهُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ
* فَإِنْ تَرَكَ مَبِيتَ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَحْدَهَا جَبَرَهَا بِدَمٍ كَامِلٍ وَإِنْ تَرَكَ لَيَالِي التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَ لَزِمَهُ دَمٌ فَقَطْ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّهُ يَجِبُ فِي كل ليلة دم وليس بشئ
* وَإِنْ تَرَكَ إحْدَى اللَّيَالِي الثَّلَاثَ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ كَالْأَقْوَالِ فِي تَرْكِ حصاة وفي حلق شعرة (اصحها) فِي اللَّيْلَةِ مُدٌّ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ دَمٍ
* وَإِنْ تَرَكَ لَيْلَتَيْنِ فَعَلَى الْأَصَحِّ يَجِبُ مُدَّانِ وَعَلَى الثَّانِي دِرْهَمَانِ وَعَلَى الثَّالِثِ ثُلُثَا دَمٍ
* وَلَوْ تَرَكَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَيَالِي التَّشْرِيقِ كُلِّهَا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ دَمَانِ دَمٌ لِلَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَدَمٌ لِلَيَالِي مِنًى (وَالثَّانِي) يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ لِلَّيَالِيِ الْأَرْبَعِ
* هَذَا مَنْ كَانَ بِمِنًى وَقْتَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَبِتْ وَقُلْنَا تُفْرَدُ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ بِالدَّمِ فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا لَيْلَتَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ مُدَّانِ أَوْ دِرْهَمَانِ أَوْ ثُلُثَا دَمٍ عَلَى حَسَبِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَلْزَمُهُ دَمٌ كَامِلٌ لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ تَرَكَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَيْلَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ (أَمَّا) مَنْ تَرَكَ مَبِيتَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لِعُذْرٍ فَلَا دَمَ وَهُمْ أَصْنَافٌ (أَحَدُهَا) رِعَاءُ الْإِبِلِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ فَلَهُمْ إذَا رَمَوْا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَنْفِرُوا وَيَدَعُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِي التَّشْرِيقِ وَلِلصِّنْفَيْنِ جَمِيعًا أَنْ يَدَعُوا رَمْيَ يَوْمِ الْقَرِّ وَهُوَ الْأَوَّلُ مِنْ التَّشْرِيقِ وَيَقْضُوهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ قَبْلَ رَمْيِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَيْسَ لَهُمْ تَرْكُ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ فان تركوارمي الْيَوْمَ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِأَنْ نَفَرُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الرَّمْيِ عَادُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَإِنْ تَرَكُوا رَمْيَ الْأَوَّلَ بِأَنْ نَفَرُوا يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ(8/247)
عَادُوا فِي الثَّانِي ثُمَّ لَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا مَعَ النَّاسِ
* هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* وَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَالرِّعَاءُ بِمِنًى لَزِمَهُمْ الْمَبِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَرَمْيُ الْغَدِ وَيَجُوزُ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ أَنْ يَنْفِرُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِاللَّيْلِ بِخِلَافِ الرَّعْيِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ بَلْ للحديث الصحيح السابق
* قال أَصْحَابُنَا وَرُخْصَةُ السِّقَايَةِ لَا تَخْتَصُّ بِالْعَبَّاسِيَّةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِمْ حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ
* وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ يَخْتَصُّ بِبَنِي هَاشِمٍ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدِ وَالرُّويَانِيُّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أُحْدِثَتْ سِقَايَةٌ لِلْحُجَّاجِ جَازَ لِلْمُقِيمِ بِشَأْنِهَا تَرْكُ الْمَبِيتِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ
* قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ لَهُ
* وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَالْمَنْصُوصُ فِي كِتَابِ الْأَوْسَطِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ (وَالصَّحِيحُ) مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِنْ الْمَعْذُورِينَ مَنْ انْتَهَى إلَى عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ عَنْ مَبِيتِ المزدلفة فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْمَبِيتِ الْمُتَفَرِّغُونَ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
* وَلَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَفَاتَهُ المبيت قال القفال لا شئ عَلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالطَّوَافِ قَالَ الْإِمَامُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ
* وَمِنْ الْمَعْذُورِينَ مَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْمَبِيتِ أَوْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ يَشُقُّ مَعَهُ الْمَبِيتُ أوله مَرِيضٌ يَحْتَاجُ إلَى تَعَهُّدِهِ أَوْ يَطْلُبُ آبِقًا أَوْ يَشْتَغِلُ بِأَمْرٍ آخَرَ يَخَافُ فَوْتَهُ فَفِي هَؤُلَاءِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ المبيت ولا شئ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِهِ وَلَهُمْ النَّفْرُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ نَاسِيًا كَانَ كَتَرْكِهِ عَامِدًا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لِلرِّعَاءِ فِي تَرْكِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَا فِي تَأْخِيرِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنْ أَخَّرُوهُ عَنْهُ كَانَ مَكْرُوهًا كَمَا لَوْ أَخَّرَهُ غَيْرُهُمْ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا وَرَدَتْ لَهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ إذَا لَمْ يَبِتْ لَيْلَتَيْ الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ التَّشْرِيقِ وَرَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَأَرَادَ النَّفْرَ مَعَ النَّاسِ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ وَإِنَّمَا جُوِّزَ
ذَلِكَ لِلرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ لِلْعُذْرِ وَجُوِّزَ لِعَامَّةِ النَّاسِ أَنْ يَنْفِرُوا لِأَنَّهُمْ أَتَوْا بِمُعْظَمِ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ ومن لا عذر لَمْ يَأْتِ بِالْمُعْظَمِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ النَّفْرُ * قال المصنف رحمه الله
*(8/248)
(والسنة ان يخطب الامام يوم النفر الاول وهو اليوم الاوسط من ايام التشريق وهي إحدى الخطب الاربع ويودع الحاج ويعلمهم جواز النفر (لان النبي صلى الله عليه وسلم خطب أوسط أيام التشريق) ولانه يحتاج فيه إلى بيان من يجوز له النفر ومن لا يجوز ومن أراد أن ينفر مع النفر الاول فنفر في اليوم الثاني من أيام التشريق قبل غروب الشمس سقط عنه الرمي في اليوم الثالث ومن لم ينفر حتى غربت الشمس لزمه أن يقيم حتى يرمي في اليوم الثالث لقوله عز وجل (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ومن تأخر فلا اثم عليه) فان نفر قبل الغروب ثم عاد زائرا أو ليأخذ شيئا نسيه لم يلزمه المبيت لانه حصلت له الرخصة بالنفر فان بات لم يلزمه أن يرمي لانه لم يلزمه المبيت فلا يلزمه الرمي)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْخُطْبَةِ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ خُطْبَةِ الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي خُطَبِ الْحَجِّ الْأَرْبَعِ وَوَقْتِهَا وَصِفَتِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَنَا وَوَقْتُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا سَبَقَ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَنْفِرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ وَعَجَّلَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ لِيَنْفِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ جَازَ قَالَ وَتُسَمَّى هَذِهِ خُطْبَةَ الْوَدَاعِ
* وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ الْحُجَّاجِ حُضُورُهَا وَالِاغْتِسَالُ لَهَا وَيُوَدِّعُ الْإِمَامُ الْحُجَّاجَ وَيُعْلِمُهُمْ جَوَازَ النَّفْرِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهِ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى أَنْ يَخْتِمُوا حَجَّهُمْ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يَكُونُوا بَعْدَ الْحَجِّ خَيْرًا منه قَبْلِهِ وَأَنْ لَا يَنْسَوْا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ النَّفْرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ التَّشْرِيقِ وَيَجُوزُ فِي الثَّالِثِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) قَالُوا وَالتَّأَخُّرُ إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَفْضَلُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَالتَّأَخُّرُ لِلْإِمَامِ آكَدُ مِنْهُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ وَلِأَنَّهُ يُقِيمُ النَّاسُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ بِإِقَامَتِهِ فَإِنْ تَعَجَّلَ جَازَ
وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ مَنْ أَرَادَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ نَفَرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا نَفَرَ قَبْلَ غُرُوبِهَا سَقَطَ عَنْهُ مَبِيتُ لَيْلَةِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَرَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَرْمِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الثَّالِثِ بَلْ ان بقي معه شئ مِنْ الْحَصَى طَرَحَهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ لِمَنْ لَمْ يَرْمِ وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ دَفْنِهَا فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ أَثَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ بَعْدُ فِي مِنًى لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَرَمَى يَوْمَهَا
* وَلَوْ رحل فغربت(8/249)
الشَّمْسُ وَهُوَ سَائِرٌ فِي مِنًى قَبْلَ انْفِصَالِهِ مِنْهَا فَلَهُ الِاسْتِمْرَارُ فِي السَّيْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ وَلَا الرَّمْيُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ فِي الْغَدِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي
* وَلَوْ غَرَبَتْ وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ فَفِي جَوَازِ النَّفْرِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرُّويَانِيُّ وآخرون
(أحدهما)
يلزمه الرمى والمبيت (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يَلْزَمُهُ الرَّمْيُ وَلَا الْمَبِيتُ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ حَلَّ الرَّحْلِ وَالْمَتَاعِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ
* وَلَوْ نَفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَادَ لِشُغْلٍ أَوْ زِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ أَمْ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ فَإِنْ بَاتَ لَمْ يَلْزَمُهُ الرَّمْيُ فِي الْغَدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَفَرَ مِنْ مِنًى مُتَعَجِّلًا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَفَارَقَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ رَمَى يَوْمًا وَبَعْضَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَذْكُرَ ذلك قبل غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُدْرِكُ الرَّمْيَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى مِنًى وَرَمْيُ مَا تَرَكَهُ ثُمَّ يَنْفِرُ مِنْهَا إنْ لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ وَهُوَ بِهَا فَإِنْ غَرَبَتْ وَهُوَ بِهَا لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِهَا وَالرَّمْيُ مِنْ الْغَدِ (وَالْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَذْكُرَهُ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى مِنًى لِفَوَاتِ وَقْتِ الرَّمْيِ وَقَدْ اسْتَقَرَّ الدَّمُ فِي ذِمَّتِهِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَبْلَ غُرُوبِ الشمس منه (فان قُلْنَا) لِكُلِّ يَوْمٍ حُكْمُ نَفْسِهِ لَمْ يَعُدْ لِلرَّمْيِ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ وَقَدْ
اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الدَّمُ (وان قلنا) أيام التشريق كالشئ الْوَاحِدِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِلرَّمْيِ فَإِنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ الدَّمُ هَذَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ
* وَجَمَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَفَصَّلَهَا أَحْسَنَ تَفْصِيلٍ فَقَالَ: لَوْ نَفَرَ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَرْمِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ اسْتَقَرَّتْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ فِي الرَّمْيِ الَّذِي تَرَكَهُ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَإِنْ عَادَ نَظَرَ إنْ عَادَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ فَاتَ الرَّمْيُ وَلَا اسْتِدْرَاكَ وَانْقَضَى أَثَرُهُ مِنْ مِنًى وَلَا حُكْمَ لِمَبِيتِهِ وَإِنْ رَمَى فِي النَّفْرِ الثَّانِي لَمْ يُعْتَدَّ بِرَمْيِهِ لِأَنَّهُ بِنَفْرِهِ أَقْلَعَ عَنْ مِنًى وَالْمَنَاسِكِ فَاسْتَقَرَّتْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَجْمَعُ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبُ إذْ قَالَ حَاصِلُ الْخِلَافِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إذَا نَفَرَ فَقَدْ انْقَطَعَ الرَّمْيُ وَلَا يَنْفَعُهُ الْعَوْدُ (وَالثَّانِي) يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ وَيَرْمِي مَا عَلَيْهِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ فَإِنْ غَرَبَتْ تَعَيَّنَ الدَّمُ (وَالثَّالِثُ) لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَجَعَ وَرَمَى وَسَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ لَا يَرْجِعَ وَيُرِيقَ دَمًا(8/250)
جَازَ قَالَ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ تَجْرِي فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ عَنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَرَمَى لَمْ يَقَعْ رَمْيُهُ مَوْقِعَهُ وَإِنْ خَرَجَ فِي النَّفْرِ الثَّانِي وَلَمْ يَرْمِ ثُمَّ عَادَ وَرَمَى قَبْلَ الْغُرُوبِ وَقَعَ الرَّمْيُ مَوْقِعَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُرُوجَ فِي النَّفْرِ الثَّانِي لَا حُكْمَ لَهُ لِأَنَّهُ مُنْتَهَى الْوَقْتِ نَفَرَ أَمْ لَمْ يَنْفِرْ فَكَانَ خُرُوجُهُ سَوَاءً وَلِلْخُرُوجِ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ حُكْمٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِيهِ بَقِيَ إلَى النَّفْرِ الثَّانِي فَأَثَّرَ خُرُوجُهُ فِي قَطْعِ الْعَلَائِقِ مِنْهُ فَإِذَا انْقَطَعَتْ الْعَلَائِقُ لَمْ يَعُدْ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّشْرِيقِ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ رَمَى إذْ لَا حُكْمَ لِلنَّفْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَهَذَا رَجُلٌ فَاتَهُ الرَّمْيُ وَفِيهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ فِي التَّدَارُكِ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ لَا أَثَرَ لِلْخُرُوجِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّشْرِيقِ (وَأَمَّا) يَوْمُ النَّحْرِ فَالْأَمْرُ فِيهِ أَظْهَرُ وَلَا أَثَرَ لِلْخُرُوجِ فِيهِ كَمَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فِي أَوَّلِ التَّشْرِيقِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْخُرُوجُ فِي النَّفْرَيْنِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ قَالَ ثُمَّ إذَا قُلْنَا مَنْ خَرَجَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ بِلَا رَمْيٍ وَعَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَرْمِي فَإِذَا رَمَى وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ تَقَيَّدَ وَلَزِمَهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ مِنْ الْغَدِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرْمِي إذَا عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَبِيتُ وَلَوْ بَاتَ لَمْ يَكُنْ لِمَبِيتِهِ حُكْمٌ لِأَنَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَكَمْنَا بِانْقِطَاعِ عَلَائِقِ مِنًى لِخُرُوجِهِ ثُمَّ لَمْ نَحْكُمْ بِعَوْدِهَا لَمَّا عَادَ
* قَالَ لَوْ
خَرَجَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ ثُمَّ عَادَ وَزَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ بِمِنًى فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ لَا حُكْمَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ فِي وَقْتِ الرَّمْيِ وَإِمْكَانِهِ
* وَلَوْ خَرَجَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَلَمْ يَعُدْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعَلَائِقُ وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْخُرُوجِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ حَلَّتْ مَحَلَّ إنْشَاءِ الْخُرُوجِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ
* وَلَوْ خَرَجَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَعَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْمِي وَيُعْتَدُّ بِرَمْيِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يُنْزِلُ هَذِهِ الصُّورَةَ مَنْزِلَةَ صُورَةِ الْأَقْوَالِ فَإِنَّهُ لَوْ خَرَجَ قَبْل الزَّوَالِ وَلَمْ يَعُدْ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ كَانَ كَخُرُوجِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَعُدْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا تَشَابَهَا فِي ذَلِكَ فَلْيَتَشَابَهَا فِي الْعَوْدِ قُبَيْلِ الْغُرُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ
*(8/251)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَفَرَ مِنْ مِنًى النَّفْر الْأَوَّل وَالثَّانِي انْصَرَفَ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا كَمَا هُوَ وَهُوَ يُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى بَلْ يُصَلِّيهَا بِالْمَنْزِلِ وَهُوَ الْمُحَصَّبُ أَوْ غَيْرُهُ وَلَوْ صَلَّاهَا بِمِنًى جَازَ لَكِنْ السُّنَّةُ مَا ذَكَرْنَاهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِي الْفَصْلِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ بَعْدَ نَفْرِهِ مِنْ مِنًى عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ الا طواف الوداع * قال المصنف رحمه الله
* ويستحب إذا خرج من منى أن ينزل بالمحصب لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ والمغرب والعشاء ورقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف للوداع به) فان ترك النزول بالمحصب لم يؤثر ذلك في نسكه لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (المحصب ليس بشئ انما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقالت عائشة رضي الله عنها (نزول المحصب ليس من النسك انما نزله رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي حديث عائشة زيادة في الصحيحين قالت (نزله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (قَالَ لَنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَبَنِي كِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ قَالَ (لَمْ يَأْمُرُنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى وَلَكِنِّي جِئْت فَضَرَبَتْ الْقُبَّةَ فَجَاءَ فَنَزَلَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً وَكَانَ يصلى الظهر يوم النفر بالمحصبة قَالَ نَافِعٌ قَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ(8/252)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَالْمُحَصَّبُ - بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ صَادٍ مَفْتُوحَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ - وهو اسم لمكان متسع بين مكة قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبُ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ وَيُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا فَرَغَ الْحَاجُّ مِنْ الرَّمْيِ وَنَفَرَ مِنْ مِنًى اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ وَيَنْزِلَ بِهِ وَيُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ويبيت به ليلة الرابع عشر لو ترك النزول به فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي نُسُكِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ النُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَهُوَ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ أَوْكَدُ مِنْهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ قَالَ وَأَجْمَعُوا على أنه ليس بواجب والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا فرغ من الحج وأراد المقام بمكة لم يكلف طواف الوداع فان أراد الخروج طاف للوادع وصلى ركعتي الطواف وهل يجب طواف الوداع أم لا فيه قولان
(أحدهما)
أنه يجب لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالبيت) (والثاني) لا يجب لانه لو وجب لم يجز للحائض تركه فان قلنا انه واجب وجب بتركه الدم لقوله صلى الله عليه وسلم (من ترك نسكا فعليه دم) (وان قلنا) لا يجب لم يجب بتركه دم لانه سنة فلا يجب بتركه دم كسائر سنن الحج وان طاف للوداع ثم أقام لم يعتد بطوافه عن الوداع لانه لا توديع مع المقام فإذا أراد ان يخرج
أعاد طواف الوداع وان طاف ثم صلى في طريقه أو اشترى زادا لم يعد الطواف لانه لا يصير بذلك مقيما وان نسي الطواف وخرج ثم ذكره (فان قلنا) انه واجب نظرت فان كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ تَقْصُرُ(8/253)
فيها الصلاة استقر عليه الدم فان عاد وطاف لم يسقط الدم لان الطواف الثاني للخروج الثاني فلا يجزئه عن الخروج الاول فان ذكر وهو على مسافة لا تقصر فيها لصلاة فعاد وطاف سقط عنه الدم لانه في حكم المقيم ويجوز للحائض أن تنفر بلا وداع لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا انه قد خفف عن المراة الحائض) فان نفرت الحائض ثم طهرت فان كانت في بنيان مكة عادت وطافت وان خرجت من البنيان لم يلزمها الطواف)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلِ (لَا يَنْفِرَنَّ أحد حتى يكون آخر عهده) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ (أَمَرَ النَّاسَ) إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ (مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) سَبَقَ بَيَانُهُ فِي هَذَا الْبَابِ مَرَّاتٍ
* وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْفِرَ إذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خبائها كئيبة حزينة فقال عقرني حَلْقَى إنَّكِ لَحَابِسَتُنَا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَالْوَدَاعُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ - وَتَنْفِرُ - بِكَسْرِ الْفَاءِ - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ فَرَغَ مِنْ مَنَاسِكِهِ وَأَرَادَ الْمَقَامَ بِمَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ غَرِيبًا وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ طَافَ لِلْوَدَاعِ وَلَا رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا اضْطِبَاعَ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا طَافَ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَفِي هَذَا الطَّوَافِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ (وَالثَّانِي) سُنَّةٌ وَحُكِيَ طَرِيقٌ آخَرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ وَاجِبٌ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ وَالِاسْتِحْبَابُ هُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ فَإِنْ تَرَكَهُ أَرَاقَ دَمًا (فَإِنْ قُلْنَا) هُوَ وَاجِبٌ فَالدَّمُ وَاجِبٌ (وَإِنْ قُلْنَا) سُنَّةٌ فَالدَّمُ سُنَّةٌ
* وَلَوْ أَرَادَ الْحَاجُّ الرُّجُوعَ إلَى بَلَدِهِ مِنْ مِنًى لَزِمَهُ دُخُولُ مَكَّةَ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ إنْ قُلْنَا هُوَ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّانِيَةُ) إذَا خَرَجَ بِلَا وَدَاعٍ وَقُلْنَا يَجِبُ طواف الوداع عصى الزمه الْعَوْدُ لِلطَّوَافِ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ بَلَغَهَا لَمْ يَجِبْ الْعَوْدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَتَى لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ الدَّمُ فان(8/254)
عَادَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ بُلُوغِهَا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يَسْقُطُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ (الثَّالِثَةُ) لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ وَلَا عَلَى النُّفَسَاءِ طَوَافُ وَدَاعٍ وَلَا دَمٌ عَلَيْهَا لِتَرْكِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِهِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَقِفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وتدعو بما سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَلَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ بِنَاءِ مَكَّةَ لَزِمَهَا طَوَافُ الْوَدَاعِ لِزَوَالِ عُذْرِهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ بِلَا خِلَافٍ
* وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ وَقَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا وَنَصَّ أَنَّ الْمُقَصِّرَ بِتَرْكِ الطَّوَافِ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الْفَرْقُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِخِلَافِ الْحَائِضِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِمَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهَا (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجِبُ الْعَوْدُ فَهَلْ الِاعْتِبَارُ فِي الْمَسَافَةِ بِنَفْسِ مَكَّةَ أَمْ بِالْحَرَمِ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ بِنَفْسِ مَكَّةَ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) الْحَرَمُ (وَأَمَّا) الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا نَفَرَتْ فِي يَوْمِ حَيْضِهَا فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهَا وَإِنْ نَفَرَتْ فِي يَوْمِ طُهْرِهَا لَزِمَهَا طَوَافُ الْوَدَاعِ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ فَتَرَكَتْ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَانْصَرَفَتْ ثُمَّ اتَّصَلَ الدَّمُ وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَيُنْظَرُ هَلْ هِيَ مُمَيِّزَةٌ أَمْ مُعْتَادَةٌ أَمْ مُبْتَدَأَةٌ وَأَيُّ مَرَدِّ رُدَّتْ إلَيْهِ إنْ كَانَ تَرْكُهَا الطَّوَافَ فِي حال حيضها فلا شئ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ طُهْرِهَا لَزِمَهَا الدم والله أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ طَوَافُ الْوَدَاعِ بَعْدَ جَمِيعِ الْأَشْغَالِ وَيَعْقُبُهُ الْخُرُوجُ بِلَا مُكْثٍ فَإِنْ مَكَثَ نُظِرَ إنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ لِشُغْلٍ غَيْرِ أَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَشِرَاءِ مَتَاعٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ زِيَارَةِ صَدِيقٍ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ لَزِمَهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَشِرَاءِ الزَّادِ وَشَدِّ الرَّحْلِ وَنَحْوِهِمَا فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (قَطَعَ) الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ وَجْهَيْنِ
* وَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّاهَا مَعَهُمْ لم(8/255)
يُعِدْ الطَّوَافَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) حُكْمُ طَوَافِ
الْوَدَاعِ حُكْمُ سَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّوَافِ فِي الاركان والشروط وفيه وجه لابي يعقوب الايبوردي أَنَّهُ يَصِحُّ بِلَا طَهَارَةٍ وَتُجْبَرُ الطَّهَارَةُ بِالدَّمِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْوَجْهِ فِي فَصْلِ طَوَافِ القدوم وهو غلط ظاهر والله أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) هَلْ طَوَافُ الْوَدَاعِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنَاسِكِ أَمْ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِيهِ خِلَافٌ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ هُوَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَلَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ طَوَافُ وَدَاعٍ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لِخُرُوجِهِ (وَقَالَ) الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا لَيْسَ طَوَافُ الْوَدَاعِ مِنْ الْمَنَاسِكِ بَلْ هُوَ عبادة مستقلة يومر بِهَا كُلُّ مَنْ أَرَادَ مُفَارَقَةَ مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ سَوَاءٌ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ أُفُقِيًّا وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ وَتَشْبِيهًا لِاقْتِضَاءِ خُرُوجِهِ الْوَدَاعَ بِاقْتِضَاءِ دُخُولِهِ الْإِحْرَامَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ الْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا حَجَّ وَنَوَى عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِوَطَنِهِ لَا يُؤْمَرُ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَكَذَا الْأُفُقِيُّ إذَا حَجَّ وَأَرَادَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنَاسِكِ لَعَمَّ الْحَجِيجُ
* هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ
* وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ السُّنَّةِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يَكُونُ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَسَمَّاهُ قَبْلَهُ قَاضِيًا لِلْمَنَاسِكِ وحقيقته أن يكون قضاها كلها والله أعلم
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يَتَوَجَّهُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ مُفَارَقَةَ مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ قَالَ وَلَوْ أَرَادَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَدُونَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مَسَافَةً بَعِيدَةً أَمْ قَرِيبَةً لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفِرَ مِنْ مِنًى وَيَتْرُكَ طَوَافَ الْوَدَاعِ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهِ فَلَوْ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ لِلْإِفَاضَةِ وَطَافَ بَعْدَهُ لِلْوَدَاعِ ثُمَّ أَتَى مِنًى ثُمَّ أَرَادَ النَّفْرَ مِنْهَا فِي وَقْتِ النَّفْرِ إلَى وَطَنِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى طَوَافِ الْوَدَاعِ السَّابِقِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ فَقَالَ الشَّرِيفُ الْعُثْمَانِيُّ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يُرَادُ لِمُفَارَقَتِهِ الْبَيْتَ وَهَذَا قَدْ أَرَادَهَا (وَمِنْهُمْ) مِنْ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ وَلَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الرَّمْيِ أَيَّامَ مِنًى إلَّا وَدَاعُ الْبَيْتِ فَيُوَدِّعُ وَيَنْصَرِفُ إلَى أَهْلِهِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ
وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/256)
(فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِي الْمُعْتَمَدِ لَيْسَ عَلَى الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ الْخَارِجِ إلَى التَّنْعِيمِ وَدَاعٌ وَلَا دَمٌ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ عِنْدَنَا
* وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَلْزَمُ الدَّمُ
* دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ وَلَمْ يَأْمُرْهَا عِنْدَ ذَهَابِهَا إلَى التَّنْعِيمِ بِوَدَاعٍ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ وَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ وَقُلْنَا دُخُولُ الْحَرَمِ يُوجِبُ الْإِحْرَامَ قَالَ الدَّارِمِيُّ يَلْزَمُ الْإِحْرَامُ لِأَنَّهُ دُخُولٌ جَدِيدٌ قَالَ وَلَوْ رَجَعَ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إنْ قُلْنَا طَوَافُ الْوَدَاعِ وَاجِبٌ فَتَرَكَ طَوْفَةً مِنْ السَّبْعِ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لَمْ يَحْصُلْ الْوَدَاعُ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِكَمَالِهِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ يَكُونُ كَتَارِكِ كُلِّ الطَّوَافِ الا في الدم فانه على الاقوال إلى ثَلَاثٌ فَدَمٌ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَرَكَ طَوْفَةً فَفِيهَا الْأَقْوَالُ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ ثُلُثُ دَمٍ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ (وَأَصَحُّهَا) مُدٌّ وَفِي طَوْفَتَيْنِ الْأَقْوَالُ أَيْضًا وَفِي ثَلَاثِ طَوْفَاتٍ دَمٌ كَامِلٌ هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ (وَالصَّوَابُ) أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَأَرَادَ الحجاج النَّفْرَ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِمْ فَالْأَوْلَى لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُقِيمَ حَتَّى تَطْهُرَ فَتَطُوفَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فِي هَذَا فَإِنْ أَرَادَتْ النَّفْرَ مَعَ النَّاسِ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ جَازَ وَتَبْقَى مُحْرِمَةً حَتَّى تَعُودَ إلَى مَكَّةَ فَتَطُوفَ مَتَى مَا كَانَ وَلَوْ طَالَ سِنِينَ وَقَدْ سَبَقَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَيَانُ هَذَا (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْفِرَ حَتَّى تَطُوفَ بَعْدَ أَنْ تَطْهُرَ فَشَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ نَفْرُهَا قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ وَلَا يَكُونُ مُرَادُهُ التَّحْرِيمُ
* وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَكْرُوهَ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَيُفَسَّرُ الْجَائِزُ بِمُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَاضَتْ الْحَاجَّةُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَنَفَرَ الْحُجَّاجُ بَعْدَ قَضَاءِ
مَنَاسِكِهِمْ وَقَبْلَ طُهْرِهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تُقِيمَ إلَى أَنْ تَطْهُرَ وَكَانَتْ مُسْتَأْجِرَةً جَمَلًا لَمْ يَلْزَمْ الْجَمَّالَ انْتِظَارُهَا بَلْ لَهُ النَّفْرُ بِجَمَلِهِ مَعَ النَّاسِ وَلَهَا أَنْ تُرْكِبَ فِي مَوْضِعِهَا مِثْلَهَا هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ
* وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ(8/257)
أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَنْتَظِرَهَا أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
* وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ مَرِضَتْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ انْتِظَارُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَالِكِيُّ مَوْضِعُ الْخِلَافِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ لَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ آمِنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمٌ لَمْ يَنْتَظِرْهَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ السَّيْرُ بِهَا وَحْدَهُ قَالَ وَلَا يُحْبَسُ لَهَا الرُّفْقَةُ إلَّا أَنْ يكون كاليوم واليومين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (فإذا فرغ من طواف الوداع فالمستحب ان يقف في الملتزم وهو ما بين الركن والباب فيدعو ويقول (اللهم أن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن امتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فان كنت رضيت عني فازدد عني رضى والا فمن الان قبل أن تناءى عن بيتك داري هذا أوآن انصرافي ان أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم اصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما ابقيتني) فانه قد روي ذلك عن بعض السلف ولانه دعاء يليق بالحال ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الدُّعَاءُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ (وَقَوْله) الْمُلْتَزَمُ هُوَ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ - سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَلْزَمُونَهُ لِلدُّعَاءِ وَيُقَالُ لَهُ الْمُدَّعَى وَالْمُتَعَوَّذُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ - وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَبَابُ الْكَعْبَةِ وَهُوَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ هُنَاكَ وَسَأُفْرِدُهَا بِفَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا (وَقَوْلُهُ) وَإِلَّا فَمُنَّ الْآنَ يَجُوزُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَجْوَدُهَا) ضَمُّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدُ النُّونِ (وَالثَّانِي) كَسْرُ الْمِيمِ وَتَخْفِيفُ
النُّونِ وَفَتْحُهَا (وَالثَّالِثُ) كَذَلِكَ لَكِنَّ النُّونَ مَكْسُورَةٌ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ إذَا جَاءَ بَعْدَ مِنْ الجارة اسم(8/258)
مَوْصُولٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَلِفٌ وَلَامٌ كَانَ الْأَجْوَدُ فِيهِ فَتْحَ النُّونِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ الْأَجْوَدُ كَسْرَهَا وَيَجُوزُ الْفَتْحُ (مِثَالُ) الْأَوَّلُ مِنْ اللَّهِ مِنْ الرَّجُلِ مِنْ النَّاسِ (مِثَالُ) الثَّانِي مِنْ ابْنِك مِنْ اسْمِك مِنْ اثْنَيْنِ (وَأَمَّا) الْآنَ فَهُوَ الْوَقْتُ الْحَاضِرُ هَذَا حَقِيقَتُهُ وَأَصْلُهُ وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْقَرِيبِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبِلِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْحَاضِرِ وَمِنْهُ قوله تعالى (فالآن باشروهن) تَقْدِيرُهُ فَالْآنَ أَبَحْنَا لَكُمْ مُبَاشَرَتَهُنَّ فَعَلَى هَذَا هو على حقيقة (قبل أن تنآى) أن تَبْعُدَ (وَقَوْلُهُ) هَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَوَانُ الْحِينُ وَالْوَقْتُ وَجَمْعُهُ آوِنَةٌ كَزَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافٍ صلى ركعتي الطَّوَافَ خَلْفَ الْمَقَامِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ثُمَّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ فَيَلْتَزِمَهُ وَيَقُولَ هَذَا الدُّعَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ فَحَسَنٌ قَالَ الْأَصْحَابُ وَقَدْ زِيدَ فِيهِ (وَاجْمَعْ لِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّك قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ)
* وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي التَّنْبِيهِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الدُّعَاءَ وَزَادَ فِيهِ وَنَقَصَ مِنْهُ
* وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَزَادَ فِيهِ كَثِيرًا وَنَقَصَ مِنْهُ وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرْنَاهُ وبأي شئ دَعَا حُصِلَ الْمُسْتَحَبُّ وَيَأْتِي بِآدَابِ الدُّعَاءِ السَّابِقَةِ فِي فَصْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ مِنْ الْحَمْدِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ كِتَابِ الْحَجِّ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ فَيَلْصَقُ بَطْنَهُ وَصَدْرَهُ بِحَائِطِ الْبَيْتِ وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ فَيَجْعَلُ الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَالْيُسْرَى مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا اُسْتُحِبَّ أَنْ تَأْتِيَ بِهَذَا الدُّعَاءِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَتَمْضِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وما جَاءَ فِي الْمُلْتَزَمِ وَالْتِزَامِ الْبَيْتِ حَدِيثُ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ (كُنْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - يَعْنِي ابْنَ الْعَاصِ - فَلَمَّا جِئْنَا دُبُرَ الْكَعْبَةِ قُلْت أَلَا تَتَعَوَّذُ(8/259)
قَالَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَأَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَرَفَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ
وَكَفَّيْهِ هَكَذَا وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمُثَنَّى بْنَ الصَّبَّاح ضَعِيفٌ
* وَعَنْ يَزِيدَ ابن أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ (لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قُلْت لَأَلْبِسَنَّ ثيابي فلا نظرن كَيْفَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقْت فَرَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ اسْتَلَمُوا الْبَيْتَ مِنْ الْبَابِ إلَى الْحَطِيمِ وَقَدْ وَضَعُوا خُدُودَهُمْ عَلَى الْبَيْتِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطُهُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ يَزِيدَ ضَعِيفٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ كَانَ يَلْتَزِمُ مَا بين(8/260)
الرُّكْنِ وَالْبَابِ وَكَانَ يَقُولُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ والباب يدعي المتزم لَا يَلْزَمُ مَا بَيْنَهُمَا أَحَدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّسَامُحِ فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِسَالَتِهِ الْمَشْهُورَةِ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا - فِي الطَّوَافِ - وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ - وَتَحْتَ الْمِيزَابِ - وَفِي الْبَيْتِ - وَعِنْدَ زَمْزَمَ - وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - وَفِي المسعى - وخلف المقام - وفي عرفات - وفي المزدلفة - وفي منى وعند الجمرات الثلاث * قال المصنف رحمه الله
*(8/261)
(وان كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا وَأَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ فعل ما ذكرناه في الدخول للحج فإذا دخل مكة طاف وسعى وحلق وذلك جميع أفعال العمرة والدليل عليه مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحج فأما من أهل بالعمرة فأحلوا حين طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة واما من أهل بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر) وإن كان قارنا بين الحج والعمرة فعل ما يفعله المفرد بالحج فيقتصر على طواف واحد وسعي واحد وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(8/262)
وسلم قال (مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ لَهُمَا طواف واحد وسعى واحد) ولانه يدخل فيهما بتلبية واحدة ويخرج منهما بحلاق واحد فوجب ان يطوف لهما طوافا واحدا ويسعى لهما سعيا واحدا كالمفرد بالحج)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْأَوَّلِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا فِي مَعْنَاهُمَا فِي فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ عَقِبَ مَسَائِلِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَدِلَّتَهَا وَالْجَوَابَ عَنْهَا (وَقَوْل) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِمَا بِتَلْبِيَةٍ وَاحِدَةٍ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ إلْزَامٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ وَوَافَقَ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ وَحَلْقٌ وَاحِدٌ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) الْقَارِنُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُفْرِدُ لِلْحَجِّ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ الْمُفْرِدُ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ شَيْئًا أصلا فيكفيه(8/263)
للافاضة طواف واحد ويكفيه إمَّا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَإِمَّا بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَدَّمْته فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَطُوفَ الْقَارِنُ لِلْإِفَاضَةِ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا وَأَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ فَعَلَ مَا ذَكَرَهُ فِي الدُّخُولِ لِلْحَجِّ مِنْ الْآدَابِ فَإِذَا دَخَلَ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ هَذَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ (فَإِنْ قُلْنَا) ليس هو نسك كَفَاهُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَقَدْ حَلَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ صِفَةُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ صِفَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَالتَّطَيُّبِ والتنظف عند ارارة الْإِحْرَامِ وَمَا يَلْبَسُهُ وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ مِنْ اللباس والطيب والصيد وازالة الشعر والظفر والوطئ وَالْمُبَاشَرَةِ بِشَهْوَةٍ وَدَهْنِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ حِينَ يَبْتَدِئُ السَّيْرَ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ فِي مَكَّةَ وَأَرَادَ الْعُمْرَةَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ وَيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ الْحُرْمِ إلَى الْحِلِّ فَيَغْتَسِلُ هُنَاكَ لِلْإِحْرَامِ وَيَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ لِلْإِحْرَامِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ وَيُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ إذَا سَارَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَفِي
الْقَوْلِ الْآخَرِ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَيُلَبِّي وَيَسْتَمِرُّ فِي السَّيْرِ مُلَبِّيًا وَكُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَجِّ وَلَا يَزَالُ يُلَبِّي حَتَّى يَبْدَأَ فِي الطَّوَافِ فَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ شُرُوعِهِ فيه ويرمل في المطوفات الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْ السَّبْعِ وَيَمْشِي فِي الْأَرْبَعِ كَمَا سَبَقَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى رَكْعَتَيْهِ خَلْفَ الْمَقَامِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا فَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا وَصَفْنَاهُ فِي الْحَجِّ وَشُرُوطُ سَعْيِهِ وَآدَابِهِ هُنَاكَ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَجِّ فَإِذَا تَمَّ سَعْيُهُ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا تَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَحَلَّ مِنْهَا حِلًّا وَاحِدًا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا تحال وَاحِدٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ(8/264)
فِيهِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ اُسْتُحِبَّ ذَبْحُهُ بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ وَحَيْثُ نَحَرَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ سَائِرِ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ لَكِنْ الْأَفْضَلُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ الذَّبْحُ بِمِنًى لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ جَامَعَ الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ حَتَّى لَوْ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ شَعْرَتَيْنِ فَجَامَعَ قَبْلَ إزَالَةِ الشَّعْرَةِ الثَّالِثَةِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ إنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ وَحُكْمُ فَسَادِهَا كَفَسَادِ الْحَجِّ فَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْبَدَنَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ صَحَّ إحْرَامُهُ وَكَانَ مُسِيئًا وَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بَلْ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَقْصَاةً بِفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ المواقيت والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (اركان الحج أربعة الاحرام والوقوف بعرفه وطواف الافاضة والسعي بين الصفا والمروة
* وواجباته الاحرام من الميقات والرمي وفي الوقوف بعرفة إلى أن تغرب الشمس والمبيت بالمزدلفة والمبيت بمنى في ليالي الرمي وفي طواف الوداع قولان (احدهما) أنه واجب (والثاني) ليس بواجب
* وسننه الغسل وطواف القدوم والرمل والاضطباع في الطواف والسعي واستلام الركن وتقبيله والسعي في موضع السعي والمشي في موضع المشي والخطب والاذكار والادعية
* وأفعال العمرة كلها أركان الا الحلق
* فمن ترك ركنا لم يتم نسكه ولا تحلل حتى يأتي به
* ومن ترك واجبا لزمه الدم
* ومن ترك سنة لم يلزمه شئ)
*
(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا أَعْمَالُ الْحَجِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ - أَرْكَانٌ - وَوَاجِبَاتٌ - وَسُنَنٌ - (أَمَّا) الْأَرْكَانُ فَخَمْسَةٌ - الْإِحْرَامُ - وَالْوُقُوفُ - وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ - وَالسَّعْيُ - وَالْحَلْقُ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِنُسُكٍ فَأَرْكَانُهُ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى (وَأَمَّا) الْوَاجِبَاتُ فَاثْنَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَلَفٌ(8/265)
فِيهَا (أَمَّا) الِاثْنَانِ فَإِنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ فَهَذَانِ وَاجِبَانِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْأَرْبَعَةُ (فَأَحَدُهَا) الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِمَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِي) الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ (الثَّالِثُ) الْمَبِيتُ لَيَالِي مِنًى (الرَّابِعُ) طَوَافُ الْوَدَاعِ وَفِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْوُجُوبُ (وَالثَّانِي) الِاسْتِحْبَابُ
* وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الثَّلَاثَةِ الْآخِرَةِ دُونَ الْجَمْعِ (وَأَمَّا) السُّنَنُ فَجَمِيعُ مَا سَبَقَ مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ الْحَاجُّ سِوَى الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ وَذَلِكَ كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَتَقْبِيلِهِ وَالسُّجُودِ عَلَيْهِ وَالرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ وَسَائِرِ مَا نُدِبَ إلَيْهِ مِنْ الْهَيْئَاتِ السَّابِقَةِ فِي الطَّوَافِ وَفِي السَّعْيِ وَالْخُطَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتْ كُلُّهَا وَاضِحَةً (وَأَمَّا) أَحْكَامُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَالْأَرْكَانُ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ وَيُجْزِئُ حَتَّى يَأْتِيَ بِجَمِيعِهَا وَلَا يَحِلُّ مِنْ إحْرَامِهِ مَهْمَا بَقِيَ مِنْهَا شئ حَتَّى لَوْ أَتَى بِالْأَرْكَانِ كُلِّهَا إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ طَوْفَةً مِنْ السَّبْعِ أَوْ مَرَّةً مِنْ السَّعْيِ لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ وَلَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ الثَّانِي وَكَذَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَتَيْنِ لَمْ يَتِمَّ وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحْلِقَ شَعْرَةً ثَالِثَةً وَلَا يجبر شئ مِنْ الْأَرْكَانِ بِدَمٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ
* وَثَلَاثَةٌ مِنْهَا وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا بَلْ لَا تَفُوتُ مَا دَامَ حَيًّا وَلَا يَخْتَصُّ الْحَلْقُ بِمِنًى وَالْحَرَمِ بَلْ يَجُوزُ فِي الْوَطَنِ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ فِي هَذِهِ الْأَرْكَانِ فَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الْإِحْرَامِ عَلَى جَمِيعِهَا وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الْوُقُوفِ عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ وَلَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الْوُقُوفِ عَلَى السَّعْيِ بَلْ يَصِحُّ سَعْيُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا سَبَقَ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالْحَلْقِ وَهَذَا كُلُّهُ سَبَقَ بَيَانُهُ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ مُلَخِّصًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْوَاجِبَاتُ فَمَنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا لزمه الدم ويصح الحج بدونه سواء تَرَكَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَكِنَّ الْعَامِدَ يَأْثَمُ (وَأَمَّا) السُّنَنُ فَمَنْ تَرَكَهَا كلها لا شئ عَلَيْهِ لَا إثْمَ وَلَا دَمَ وَلَا غَيْرَهُ لَكِنْ فَاتَهُ الْكَمَالُ وَالْفَضِيلَةُ وَعَظِيمُ ثَوَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَأَرْكَانُهَا الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ
وَالْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الْحَلْقَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي التَّنْبِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا فِي الْوَاجِبَاتِ وَلَا فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ (وَالصَّوَابُ) أَنَّهُ رُكْنٌ إذَا جعلناه نسكا هكذا صرح به * قال المصنف رحمه الله
*(8/266)
(ويستحب دخول البيت لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفورا له) ويستحب أن يصلى فيه لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فانه أفضل بمائة صلاة) ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ماء زمزم لما شرب له) ويستحب إذا خرج من مكة أن يخرج من أسفلها لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها) - قال أبو عبد الله الزبيري ويخرج وَبَصَرُهُ إلَى الْبَيْتِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالبيت))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمِّلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورُ فَغَرِيبٌ وَيُغْنِي عَنْهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ رِوَايَةِ مَيْمُونَةَ كُلُّهُمْ بِهَذَا اللَّفْظِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
* وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ أَفْضَلُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ قال تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمِّلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الباب
والله أَعْلَمُ (وَأَمَّا) زَمْزَمُ فَبِئْرٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا (قِيلَ) سُمِيَتْ زَمْزَمَ لِكَثْرَةِ مَائِهَا يُقَالُ مَاءٌ زَمْزَمُ وَزُمْزُومٌ وَزُمَازِمٌ إذَا كَانَ كَثِيرًا
* (وَقِيلَ) لِضَمِّ هَاجَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِمَائِهَا حِينَ انْفَجَرَتْ وَزَمِّهَا إيَّاهُ
* وَقِيلَ لِزَمْزَمَةِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامِهِ وَقِيلَ إنَّهَا غَيْرُ مُشْتَقَّةٍ وَلَهَا أَسْمَاءٌ أُخَرُ (مِنْهَا) بَرَّةٌ وَهَزْمَةُ جِبْرِيلَ وَالْهَزْمَةُ الْغَمْزَةُ بِالْعَقِبِ فِي الْأَرْضِ (وَمِنْهَا) الْمَضْنُونَةُ وَتُكْتَمُ وَشُبَاعَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ نَفَائِسُ أُخْرَى(8/267)
تَتَعَلَّقُ بِزَمْزَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْكَعْبَةِ وَالصَّلَاةُ فِيهَا وَأَقَلُّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَيُغْنِي عَنْهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْت أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ فَلَقِيت بِلَالًا فَسَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نعم بين العمودين اليمانيين خف) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (إنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ)
* وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ سَأَلَ بِلَالًا أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي فِي الْكَعْبَةِ - فَأَرَاهُ بِلَالٌ حَيْثُ صَلَّى وَلَمْ يَسْأَلْهُ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ ثُمَّ مَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ثُمَّ صَلَّى يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِلَالٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أَخْبَرَنِي أسامة ابن زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيه كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ بِلَالٍ فِي إثْبَاتِ الصَّلَاةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ فَقُدِّمَ عَلَى النَّافِي وَلِأَنَّهُ شَاهَدَ بِعَيْنِهِ مَا لَمْ يُشَاهِدْهُ أُسَامَةُ وَسَبَبُهُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ قَرِيبًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى رَاقَبَهُ فِي ذَلِكَ فَرَآهُ يُصَلِّي وَكَانَ أُسَامَةُ مُتَبَاعِدًا مُشْتَغِلًا بِالدُّعَاءِ وَالْبَابُ مُغْلَقٌ فَلَمْ يَرَ الصَّلَاةَ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ بِلَالٍ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ
* وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَقُولُ عَجَبًا لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ كَيْفَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ قِبَلَ السَّقْفِ يَدَعُ ذَلِكَ إجْلَالًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِعْظَامًا
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ مَا خَلَفَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ (قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ فِي عُمْرَتِهِ قَالَ لا) روا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِي وَهُوَ قَرِيرُ الْعَيْنِ طَيِّبُ النَّفْسِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيَّ وَهُوَ حَزِينٌ فَقُلْت يَا رَسُولَ(8/268)
اللَّهِ خَرَجْت مِنْ عِنْدِي وَأَنْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ إنِّي دَخَلْت الْكَعْبَةَ وَوَدِدْت أَنِّي لَمْ أَكُنْ فَعَلْتُهُ إنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ أَتْعَبْت أُمَّتِي بَعْدِي) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا كَانَ فِي حَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وحديث أَبِي أَوْفَى فِي عُمْرَتِهِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لِدَاخِلِ الْكَعْبَةِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا خَاضِعًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْأَرْضِ وَمَحَلُّ الرَّحْمَةِ وَالْأَمَانِ وَيَدْخُلُ حَافِيًا وَيُصَلِّي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ السَّابِقِ وَهُوَ مُقَابِلُ بَابِ الْكَعْبَةِ عَلَى ثَلَاثِ أَذْرُعٍ مِنْ الْجِدَارِ الْمُقَابِلِ لِلْبَابِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الْكَعْبَةِ وَأَنَّ النَّفَلَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ خَارِجِهَا وَكَذَا الْفَرْضُ الَّذِي لَا يُرْجَى لَهُ جَمَاعَةٌ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ دُخُولِ الْحِجْرِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ أَوْ بَعْضُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِمَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فِي الْكَعْبَةِ الْمُكَرَّمَةِ
* قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ابتداع مِنْ قَرِيبٍ بَعْضُ الْفَجَرَةِ الْمُخْتَالِينَ فِي الْكَعْبَةِ الْمُكَرَّمَةِ أَمْرَيْنِ بَاطِلَيْنِ عَظُمَ ضَرَرُهُمَا عَلَى الْعَامَّةِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى عَمَدُوا إلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مِنْ جِدَارِ الْبَيْتِ الْمُقَابِلِ لِبَابِ الْبَيْتِ فَسَمَّوْهُ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَأَوْقَعُوا فِي نُفُوسِ الْعَامَّةِ أَنَّ مَنْ نَالَهُ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى فَأَحْوَجُوهُمْ إلَى مُقَاسَاةِ عَنَاءٍ وَشِدَّةٍ فِي الْوُصُولِ إلَيْهَا وَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَرُبَّمَا صَعِدَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ظَهْرِ الرَّجُلِ وَلَامَسَتْ الرِّجَالَ وَلَامَسُوهَا فَلَحِقَهُمْ بِذَلِكَ أَنْوَاعٌ مِنْ الضَّرَرِ دِينًا وَدُنْيَا (الثَّانِي) مِسْمَارٌ فِي وَسَطِ الْكَعْبَةِ سَمَّوْهُ سُرَّةَ
الدُّنْيَا وَحَمَلُوا الْعَامَّةَ عَلَى أَنْ يَكْشِفَ أَحَدُهُمْ سُرَّتَهُ وَيَنْبَطِحَ بِهَا عَلَى ذَلِكَ الْمِسْمَارِ لِيَكُونَ وَاضِعًا سُرَّتَهُ عَلَى سُرَّةِ الدُّنْيَا قَاتَلَ اللَّهُ وَاضِعَ ذَلِكَ وَمُخْتَرِعَهُ
* هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ كَمَا قَالَ فَهُمَا أَمْرَانِ بَاطِلَانِ أَحْدَثُوهُمَا لِأَغْرَاضٍ فَاسِدَةٍ وَلِلتَّوَصُّلِ إلَى سُحْتٍ يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْعَامَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/269)
(فرع)
هذا الذي ذكرناه مِنْ اسْتِحْبَابِ دُخُولِ الْبَيْتِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ هُوَ وَلَا يَتَضَرَّرْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنْ تَأَذَّى أَوْ آذَى لَمْ يَدْخُلْ وَهَذَا مِمَّا يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَيَتَزَاحَمُونَ زَحْمَةً شَدِيدَةً بِحَيْثُ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَرُبَّمَا انْكَشَفَتْ عَوْرَةُ بَعْضِهِمْ أَوْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَرُبَّمَا زَاحَمَ الْمَرْأَةَ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الْوَجْهِ وَلَامَسَهَا وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ تَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ وَيَغْتَرُّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَكَيْفَ يُحَاوِلُ الْعَاقِلُ سُنَّةً بِارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ مِنْ الْأَذَى وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لِلْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ وَالنَّظَرُ إلَيْهَا وَالْقُرْبُ مِنْهَا وَيَنْظُرُ إلَيْهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ كَثِيرَةٌ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ أَنْ يَغْتَنِمَ مُدَّةَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ وَيُكْثِرَ الِاعْتِمَارَ وَالطَّوَافَ وَالصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِي مَسَائِلِ طَوَافِ الْقُدُومِ
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزُورَ الْمَوَاضِعَ الْمَشْهُورَةَ بِالْفَضْلِ فِي مَكَّةَ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ (مِنْهَا) بَيْتُ الْمَوْلِدِ وَبَيْتُ خَدِيجَةَ ومسجد دار الاقم وَالْغَارُ الَّذِي فِي ثَوْرٍ وَالْغَارُ الَّذِي فِي حِرَاءٍ وَقَدْ أَوْضَحْتهَا فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ أَيْ يَتَمَلَّى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبَاتِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَهُ لِلْمَغْفِرَةِ أَوْ الشِّفَاءِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ لِتَغْفِرَ لِي اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لِي أَوْ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ مُسْتَشْفِيًا بِهِ مرضي اللَّهُمَّ فَاشْفِنِي) وَنَحْوَ هَذَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَفَّسَ ثَلَاثًا كَمَا فِي كُلِّ شُرْبٍ فَإِذَا فَرَغَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَقَدْ جَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ (ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
يَسْتَقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْت مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَاءِ زمزم(8/270)
(إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سُقْمٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُمْ يَسْقُونَ مِنْ زَمْزَمَ فَقَالَ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ كَذَا فَاصْنَعُوا) وَفِي رِوَايَةٍ (إنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ
* وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ (حَدَّثَنِي جَلِيسٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَيْنَ جِئْت قُلْت شَرِبْت مِنْ زَمْزَمَ قَالَ شَرِبْت كَمَا يَنْبَغِي قُلْت كَيْفَ أَشْرَبُ قَالَ إذَا شَرِبْت فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ ثُمَّ اُذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ تَنَفَّسْ ثَلَاثًا وَتَضَلَّعْ مِنْهَا فَإِذَا فَرَغْت فَاحْمَدْ اللَّهَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ جِئْت قال شربت من زمزم فذكره بِنَحْوِهِ) رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ إنْ كَانَ هُنَاكَ نَبِيذٌ قَالُوا وَالنَّبِيذُ الَّذِي يَجُوزُ شُرْبُهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ (وَاحْتَجُّوا) لِلْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ يَعْنِي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إلَى زَمْزَمَ فَاسْتَسْقَى قَالَ فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ)
* (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى وَطَنِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ أَسْفَلِهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى - بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ - وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي أَوَّلِ الْبَابِ
* وَعَجَبٌ كَيْفَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبَابِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الزُّبَيْرِ (يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ وَبَصَرُهُ إلَى الْبَيْتِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ) وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ
* وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ يَلْتَفِتُ إلَيْهِ فِي حَالِ انْصِرَافِهِ كَالْمُتَحَزِّنِ عَلَيْهِ
* وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَخْرُجُ مَاشِيًا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ويولي الكعبة ظهره ولا يمشي قهقرة أَيْ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ قَالُوا بَلْ الْمَشْيُ قَهْقَرَى مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ لَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ مَرْوِيَّةٌ وَلَا أَثَرٌ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ فَهُوَ مُحْدَثٌ لَا أَصْلَ لَهُ فَلَا يُفْعَلُ
*
وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ كَرَاهَةُ قِيَامِ الرَّجُلِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ نَاظِرًا إلَى الْكَعْبَةِ إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَى وَطَنِهِ بَلْ يَكُونُ آخِرُ عَهْدِهِ الدُّعَاءَ فِي الْمُلْتَزَمِ وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّالِثُ هُوَ الصَّوَابُ وَمِمَّنْ(8/271)
قَطَعَ بِهِ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا أَبُو عَبْدِ الله الحليمي والماوردي * قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب زيارة قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من زار قبري وجبت له شفاعتي) ويستحب ان يصلى فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ المساجد))
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي) فَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِكَوْنِهِ حَذَفَ مِنْهُ الِاسْتِثْنَاءَ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْبَرَاءُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ باسنادين ضعيفين
* ومما جَاءَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ
* وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ (كَانَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ قُلْت يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاك تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ قَالَ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتَاهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهَمِّ الْقُرُبَاتِ وَأَنْجَحِ الْمَسَاعِي فَإِذَا انْصَرَفَ الْحُجَّاجُ وَالْمُعْتَمِرُونَ مِنْ مَكَّةَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ
اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا أَنْ يَتَوَجَّهُوا إلَى الْمَدِينَةِ لِزِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وينوي الزائر مع الزِّيَارَةِ التَّقَرُّبَ وَشَدَّ الرَّحْلِ إلَيْهِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ وَإِذَا تَوَجَّهَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(8/272)
وَسَلَّمَ فِي طَرِيقِهِ فَإِذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى أَشْجَارِ الْمَدِينَةِ وَحَرَمِهَا وَمَا يُعْرَفُ بِهَا زَادَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَهُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ وَأَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُ
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَيَلْبَسَ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ وَيَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ شَرَفَ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا أَفْضَلُ الْأَرْضِ بَعْدَ مَكَّةَ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَفْضَلُهَا مُطْلَقًا وَأَنَّ الَّذِي شُرِّفَتْ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْخَلَائِقِ
* وَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قُدُومِهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ مُسْتَشْعِرًا لِتَعْظِيمِهِ مُمْتَلِئَ الْقَلْبِ مِنْ هَيْبَتِهِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ فَإِذَا وَصَلَ بَابَ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَقُلْ الذِّكْرَ الْمُسْتَحَبَّ فِي دُخُولِ كُلِّ مَسْجِدٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ فَإِذَا دَخَلَ قَصَدَ الرَّوْضَةَ الْكَرِيمَةَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَنْبِ الْمِنْبَرِ
* وَفِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ عَمُودَ الْمِنْبَرِ حِذَاءَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَسْتَقْبِلَ السَّارِيَةَ التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَذَلِكَ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* وَقَدْ وسع المسجد بعده صلى الله عليه وسلم
* وَفِي كِتَابِ الْمَدِينَةِ أَنَّ ذَرْعَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَمَقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى تُوُفِّيَ أَرْبَعَةَ عشر ذِرَاعًا وَشِبْرًا وَأَنَّ ذَرْعَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَشِبْرًا فَإِذَا صَلَّى التَّحِيَّةَ فِي الرَّوْضَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَسَأَلَهُ إتْمَامَ مَا قَصَدَهُ وَقَبُولَ زِيَارَتِهِ ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الْكَرِيمَ فَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَسْتَقْبِلُ جِدَارَ الْقَبْرِ وَيُبْعِدُ مِنْ رَأْسِ الْقَبْرِ نَحْوَ أَرْبَعِ أَذْرُعٍ وَيَجْعَلُ الْقِنْدِيلَ الَّذِي فِي الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ عَلَى رَأْسِهِ وَيَقِفُ نَاظِرًا إلَى أَسْفَلِ مَا يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ جِدَارِ الْقَبْرِ غَاضَّ الطَّرْفِ فِي مَقَامِ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا مُسْتَحْضِرًا فِي قَلْبِهِ جَلَالَةَ مَوْقِفِهِ وَمَنْزِلَةَ مَنْ هُوَ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بَلْ يَقْصِدُ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا نَبِيَّ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا خِيرَةَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يا حبيب الله السلام عيك يَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا خَيْرَ
الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ السَّلَامُ عَلَيْك وَعَلَى آلِكَ وَأَهْلِ بَيْتِك وَأَزْوَاجِك وَأَصْحَابِك أَجْمَعِينَ السَّلَامُ عليك وعلى سائر النبيين وجميع عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ جَزَاك اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَزَى نَبِيًّا وَرَسُولًا عَنْ أُمَّتِهِ وَصَلَّى عَلَيْك كُلَّمَا ذَكَرَك ذَاكِرٌ وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِك غَافِلٌ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ مَا صَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْ(8/273)
الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّك عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّك بَلَّغْت الرِّسَالَةَ وَأَدَّيْت الْأَمَانَةَ وَنَصَحْت الْأُمَّةَ وَجَاهَدْت فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ اللَّهُمَّ آتِهِ الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ وَآتِهِ نِهَايَةَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُ السَّائِلُونَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ
* وَمَنْ طَالَ عَلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِ وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رسول الله صلى الله عليك وَسَلَّمَ
* وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ الِاقْتِصَارُ جِدًّا فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَعَنْ مَالِكٍ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
* وَإِنْ كَانَ قَدْ أُوصِيَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ الله من فلان بن فُلَانٍ وَفُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ يُسَلِّمُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ لِلسَّلَامِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ رَأْسَهُ عِنْد مَنْكِبِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ صَفِيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَانِيَهُ فِي الْغَارِ جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا
* ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ لِلسَّلَامِ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا عُمَرُ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا
* ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَقُولُ مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا عَنْ الْعُتْبِيِّ مُسْتَحْسِنِينَ لَهُ قَالَ (كُنْت جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وَقَدْ جِئْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي
مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ
* يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنْت بِالْقَاعِ أَعْظَمُهُ
* فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ نَفْسِي الْفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ
* فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ ثُمَّ انْصَرَفَ فَحَمَلَتْنِي عَيْنَايَ فَرَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ يَا عُتْبِيُّ الْحَقْ الْأَعْرَابِيَّ فَبَشِّرْهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَهُ)
* ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إلَى رَأْسِ الْقَبْرِ فَيَقِفُ بَيْنَ الْأُسْطُوَانَةِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ(8/274)
وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُمَجِّدُهُ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ وَلِوَالِدَيْهِ وَمَنْ شَاءَ مِنْ أَقَارِبِهِ وَمَشَايِخِهِ وَإِخْوَانِهِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الرَّوْضَةِ فَيُكْثِرُ فِيهَا مِنْ الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ وَيَقِفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَيَدْعُو
* (فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ أَنْ يُطَافَ بِقَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ الظُّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يَبْعُدَ مِنْهُ كَمَا يَبْعُدُ مِنْهُ لَوْ حَضَرَهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِمُخَالَفَةِ كَثِيرِينَ مِنْ الْعَوَامّ وَفِعْلِهِمْ ذَلِكَ.
فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ وَالْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مُحْدَثَاتِ الْعَوَامّ وَغَيْرِهِمْ وَجَهَالَاتِهِمْ
* وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ) مَنْ عَمِلَ عملا ليس عليه عملنا فَهُوَ رَدٌّ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تجعلوا قبري عبدا وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حيث ما كُنْتُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* وَقَالَ الفضل ابن عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا مَعْنَاهُ اتَّبِعْ طُرُقَ الْهُدَى وَلَا يَضُرُّك قِلَّةُ السَّالِكِينَ وَإِيَّاكَ وَطُرُقَ الضَّلَالَةِ وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ وَمَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَنَّ الْمَسْحَ بِالْيَدِ وَنَحْوَهُ أَبْلَغُ فِي الْبَرَكَةِ فَهُوَ مِنْ جَهَالَتِهِ وَغَفْلَتِهِ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ إنما هي فيما وافق الشرع وكيف ينبغي الْفَضْلُ فِي مُخَالَفَةِ الصَّوَابِ
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لَهُ مُدَّةَ إقَامَتِهِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ كُلَّ يَوْمٍ إلَى الْبَقِيعِ خُصُوصًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا وَصَلَهُ دَعَا بِمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَمِنْهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مؤمنين وانا إن شاء الله بكم لا حقون اللهم اغفر لاهل الفرقد اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ
* وَيَزُورُ الْقُبُورَ الطَّاهِرَةَ فِي الْبَقِيعِ كَقَبْرِ إبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُثْمَانَ وَالْعَبَّاسِ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَيَخْتِمُ بِقَبْرِ صَفِيَّةَ عَمَّةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا
*(8/275)
(فَرْعٌ)
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزُورَ قُبُورَ الشُّهَدَاءِ بِأُحُدٍ وَأَفْضَلُهُ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَيَبْدَأُ بِالْحَمْزَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَرَجَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ (صَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْوَدَاعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ الدُّعَاءُ لَهُمْ (وَقَوْلُهُ) صَلَاتهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْ دَعَا بِدُعَاءِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَأْوِيلُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا أن يأتي مَسْجِدَ قُبَاءَ وَهُوَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ آكَدُ نَاوِيًا التَّقَرُّبَ بِزِيَارَتِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ (أَنَّهُ صَلَّى الله عليه وسلم صلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ أُسَيْدُ بن ظهير أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح
* ويستحب أن يأتي بئر أويس الَّتِي رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَلَ فِيهَا وَهُوَ عِنْدَ مَسْجِدِ قُبَاءَ فَيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يزور المشاهد التي بالمدينة وهي نحو ثلاثين مَوْضِعًا يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَيَقْصِدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهَا وَكَذَلِكَ يَأْتِي الْآبَارَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا أَوْ يَغْتَسِلُ وَهِيَ سَبْعُ آبَارٍ فَيَتَوَضَّأُ مِنْهَا وَيَشْرَبُ
* (فَرْعٌ)
مِنْ جَهَالَاتِ الْعَامَّةِ وَبِدَعِهِمْ تَقَرُّبُهُمْ بِأَكْلِ التَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ فِي الرَّوْضَةِ الْكَرِيمَةِ وَقَطْعُهُمْ
شُعُورَهُمْ وَرَمْيُهَا فِي الْقِنْدِيلِ الْكَبِيرِ وَهَذَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُسْتَشْنَعَةِ وَالْبِدَعِ الْمُسْتَقْبَحَةِ
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لَهُ فِي مُدَّةِ مَقَامِهِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ يُلَاحِظَ بِقَلْبِهِ جَلَالَتَهَا وَأَنَّهَا الْبَلْدَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِهِجْرَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِيطَانِهِ وَمَدْفِنِهِ وَتَنْزِيلِ الْوَحْيِ وَيَسْتَحْضِرُ تَرَدُّدَهُ فِيهَا وَمَشْيَهُ فِي بِقَاعِهَا وَتَرَدُّدَ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْوَحْيِ الْكَرِيمِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِهَا
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ بِالْمَدِينَةِ مَا أَمْكَنَهُ وَأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى جِيرَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ الْمُقِيمُونَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِهَا وَالْغُرَبَاءَ بِمَا أَمْكَنَهُ وَيَخُصُّ أَقَارِبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَزِيدٍ (1) لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (أذكركم الله
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(8/276)
فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بيتي) رواه مسلم
* وعن ابي عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ (اُرْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* (فَرْعٌ)
عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَحَدِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ (قَالَ بَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا أَوْ يَزِيدُ) قال اهل السير جعل عثمان ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طُولَ الْمَسْجِدِ مِائَةً وَسِتِّينَ ذِرَاعًا وَعَرْضَهُ مِائَةً وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا وَجَعَلَ أَبْوَابَهُ سِتَّةً كَمَا كَانَتْ فِي زَمَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ زَادَ فِيهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَجَعَلَ طُولَهُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَعَرْضَهُ فِي مُقَدَّمِهِ مِائَتَيْنِ وَفِي مُؤَخَّرِهِ مِائَةً وَثَمَانِينَ ثُمَّ زَادَ فِيهِ الْمَهْدِيُّ مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ فَقَطْ دُونَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ
* فَإِذَا عَرَفْت حَالَ الْمَسْجِدِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَعْتَنِيَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ السَّابِقَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ) إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ إنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَالتَّقَدُّمُ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ مَا يَلِيهِ أَفْضَلُ فَلْيَتَفَطَّنْ لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ شَيْئًا مِنْ الْأُكَرِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ تُرَابِ حرم المدينة ويخرجه إلَى وَطَنِهِ الَّذِي هُوَ خَارِجُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وكذا حكم الكيران وَالْأَبَارِيقِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ حَرَمِ الْمَدِينَةِ كَمَا سَبَقَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَكَذَا حُكْمُ الْأَحْجَارِ وَالتُّرَابِ
*
(فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ السَّفَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يودع المسجد بركعتين ويدعوا بِمَا أَحَبَّ وَيَأْتِيَ الْقَبْرَ وَيُعِيدَ السَّلَامَ وَالدُّعَاءَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي ابْتِدَاءِ الزِّيَارَةِ وَيَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ الْعَهْدِ بِحَرَمِ رَسُولِك وَسَهِّلْ لِي الْعَوْدَ إلَى الْحَرَمَيْنِ سَبِيلًا سَهْلَةً وَالْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَرُدَّنَا إلَيْهِ سَالِمِينَ غَانِمِينَ وَيَنْصَرِفُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ لَا قَهْقَرَى إلَى خَلْفٍ
* (فَرْعٌ)
مِمَّا شَاعَ عِنْدَ الْعَامَّةِ فِي الشَّامِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ مَا يَزْعُمُهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبِي إبْرَاهِيمَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ ضَمِنْت لَهُ الْجَنَّةَ) وَهَذَا بَاطِلٌ لَيْسَ هُوَ مَرْوِيًّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُعْرَفُ فِي كِتَابٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ بَلْ وَضَعَهُ بَعْضُ الْفَجَرَةِ وَزِيَارَةُ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَةٌ لا تنكر إنما الْمُنْكَرُ مَا رَوَوْهُ وَاعْتَقَدُوهُ وَلَا تَعَلُّقَ لِزِيَارَةِ الخليل صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ بَلْ هِيَ قُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ إذَا حَجَّ وَقَدَّسَ حجتين فيذهب فيزور بيت المقدس ويروي ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ وَهَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا
* وَزِيَارَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَضِيلَةٌ وَسُنَّةٌ لَا شَكَّ فِيهَا لَكِنَّهَا غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ(8/277)
(فَرْعٌ)
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَعَلَى فَضْلِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حوله) وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَمَنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ المسجد الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا) وَعَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِلَالًا ثَلَاثًا سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حين فرغ من بناء المسجد أن لا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لَا يَنْهَزُهُ إلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا اثنتين فقد أعطيهما وأرجوا أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ) وَعَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ وَيُقَالُ بِنْتُ سَعِيدٍ مَوْلَاةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ (يَا نَبِيَّ اللَّهِ
أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ الْمَنْشَرُ وَالْمَحْشَرُ ايتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ قَالَتْ أَرَأَيْت مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إلَيْهِ لَوْ يَأْتِيه قَالَ فَلْيُهْدِ إلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّهُ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ بِهِ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا قَالَتْ (قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فقال ايتوه فصلوا فيه وكانت البلاد إذا ذَاكَ حَرْبًا فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ) هَذَا لَفْظُ رواية ابي داود ذكره فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
* (فَرْعٌ)
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ وَقَالَ أَحْمَدُ وَآخَرُونَ تُسْتَحَبُّ
* وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ مَنْ كَرِهَ خَوْفُ الْمِلْكِ وَقِلَّةِ الْحُرْمَةِ لِلْأُنْسِ وَخَوْفُ مُلَابَسَةِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ الذَّنْبَ فِيهَا أَقْبَحُ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْحَسَنَةَ فِيهَا أَعْظَمُ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا
* وَدَلِيلُ مَنْ اسْتَحَبَّهَا أَنَّهُ يَتَيَسَّرُ فِيهَا مِنْ الطَّاعَاتِ مَا لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَتَضْعِيفِ الصَّلَوَاتِ وَالْحَسَنَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
* وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ مُسْتَحَبَّةٌ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الْمَذْمُومَةِ أَوْ بَعْضِهَا (وَقَدْ جَاوَرَ بِهِمَا خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيَنْبَغِي لِلْمُجَاوِرِ أَنْ يُذَكِّرَ نَفْسَهُ بِمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (لَخَطِيئَةٌ أُصِيبُهَا بِمَكَّةَ أَعَزُّ(8/278)
عَلَيَّ مِنْ سَبْعِينَ خَطِيئَةً بِغَيْرِهَا) وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من صبر على لا وا الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا كُنْت لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يوم القيامة)
*
(فصل)
مما تدعوا إلَيْهِ الْحَاجَةُ صِفَةُ الْإِمَامِ الَّذِي يُقِيمُ لِلنَّاسِ الْمَنَاسِكَ وَيَخْطُبُ بِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ بَابًا فِي الْوِلَايَةِ عَلَى الْحَجِيجِ أَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَقَاصِدَهُ قَالَ وِلَايَةُ الْحَاجِّ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَكُونُ عَلَى تَسْيِيرِ الْحَجِيجِ (وَالثَّانِي) عَلَى إقَامَةِ الْحَجِّ (فَأَمَّا) الْأَوَّلُ فَهُوَ وِلَايَةُ سِيَاسَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَشَرْطُ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَكُونَ مُطَاعًا ذَا رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ وَهِدَايَةٍ وَيَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الْوِلَايَةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) جَمْعُ النَّاسِ فِي مَسِيرِهِمْ وَنُزُولِهِمْ حَتَّى لَا يَتَفَرَّقُوا فَيُخَافُ عَلَيْهِمْ (الثَّانِي) تَرْتِيبُهُمْ فِي السَّيْرِ وَالنُّزُولِ وَإِعْطَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
مُقَادًا حَتَّى يَعْرِفَ كُلُّ فَرِيقٍ مُقَادَهُ إذَا سَارَ وَإِذَا نَزَلَ وَلَا يَتَنَازَعُوا وَلَا يَضِلُّوا عَنْهُ (الثَّالِثُ) يَرْفُقُ بِهِمْ فِي السَّيْرِ وَيَسِيرُ بِسَيْرِ أَضْعَفِهِمْ (الرَّابِعُ) يَسْلُكُ بِهِمْ أَوْضَحَ الطُّرُقِ وَأَخْصَبَهَا (الْخَامِسُ) يرتاد لهم المياه والمياه (1) إذَا قَلَّتْ (السَّادِسُ) يَحْرُسُهُمْ إذَا نَزَلُوا وَيَحُوطُهُمْ إذَا رَحَلُوا حَتَّى لَا يَتَخَطَّفَهُمْ مُتَلَصِّصٌ (السَّابِعُ) يَكُفُّ عَنْهُمْ مَنْ يَصُدُّهُمْ عَنْ الْمَسِيرِ بِقِتَالٍ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَوْ بِبَذْلِ مَالٍ إنْ أجاب الحجيج إليه ولا يحمل لَهُ إجْبَارُ أَحَدٍ عَلَى بَذْلِ الْخِفَارَةِ إنْ امْتَنَعَ لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ لِلْخِفَارَةِ لَا يَجِبُ (الثَّامِنُ) يُصْلِحُ مَا بَيْنَ الْمُتَنَازَعَيْنِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَهُوَ قَائِمٌ بِشُرُوطٍ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ دَخَلُوا بَلَدًا جَازَ لَهُ وَلِحَاكِمِ الْبَلَدِ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ
* وَلَوْ تَنَازَعَ وَاحِدٌ مِنْ الْحَجِيجِ وَوَاحِدٌ مِنْ الْبَلَدِ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ إلَّا حَاكِمُ الْبَلَدِ (التَّاسِعُ) يُؤَدِّبُ خَائِنَهُمْ وَلَا يُجَاوِزُ التَّعْزِيرَ الا أن يؤذن له الْحَدِّ فَيَسْتَوْفِيَهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ فَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا فِيهِ مُتَوَلًّى لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى أَهْلِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي مِنْ الْحَجِيجِ أَتَى بِالْخِيَانَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْبَلَدِ فَوَالِي الْحَجِّ أَوْلَى بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِهِ الْبَلَدَ فَوَالِي الْبَلَدِ أَوْلَى بِهِ (الْعَاشِرُ) يُرَاعِي اتِّسَاعَ الْوَقْتِ حَتَّى يُؤْمَنَ الْفَوَاتُ وَلَا يَلْحَقُهُمْ ضِيقٌ مِنْ الْحَثِّ عَلَى السَّيْرِ فَإِذَا وَصَلُوا الْمِيقَاتَ أَمْهَلَهُمْ لِلْإِحْرَامِ وَإِقَامَةِ سُنَنِهِ فان كان الوقت وسعا دَخَلَ بِهِمْ مَكَّةَ وَخَرَجَ مَعَ أَهْلِهَا إلَى مِنًى ثُمَّ عَرَفَاتٍ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا عَدَلَ إلَى عَرَفَاتٍ مَخَافَةَ الْفَوَاتِ فَإِذَا وَصَلُوا مَكَّةَ فَمَنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْعَوْدِ زَالَتْ وِلَايَةُ وَالِي الْحَجِيجِ عَنْهُ وَمَنْ كَانَ عَلَى عَزْمِ الْعَوْدِ فَهُوَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ مُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ طَاعَتِهِ فَإِذَا قَضَى النَّاسُ حَجَّهُمْ أَمْهَلَهُمْ الْأَيَّامَ الَّتِي جرت العادة
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(8/279)
بِهَا لِإِنْجَازِ حَوَائِجِهِمْ وَلَا يُعَجِّلُ عَلَيْهِمْ فِي الْخُرُوجِ فَإِذَا رَجَعُوا سَارَ بِهِمْ إلَى مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ فَهُوَ مِنْ مَنْدُوبَاتِ الشَّرْعِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَعَادَاتِ الْحَجِيجِ الْمُسْتَحْسَنَةِ ثُمَّ يَكُونُ فِي عَوْدِهِ بِهِمْ مُلْتَزِمًا مِنْ الْحُقُوقِ لَهُمْ مَا كَانَ مُلْتَزِمًا فِي ذَهَابِهِ حَتَّى يصل البلد الذي سار بهم منه وتقطع وِلَايَتُهُ بِالْعَوْدِ إلَيْهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الْوِلَايَةُ عَلَى إقَامَةِ الْحَجِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ وَإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ فَمِنْ شُرُوطِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ مَعَ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي أَئِمَّةِ الصَّلَوَاتِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَأَحْكَامِهِ وَمَوَاقِيتِهِ وَأَيَّامِهِ وَتَكُونُ مُدَّةُ
وِلَايَتِهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ الْيَوْمَ السَّابِعَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَآخِرُهَا الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مِنْ الرَّعِيَّةِ ثُمَّ إنْ كَانَ مُطْلَقَ الْوِلَايَةِ عَلَى الْحَجِّ فَلَهُ إقَامَتُهُ كُلَّ سَنَةٍ مَا لَمْ يُعْزَلْ عَنْهُ وَإِنْ عُقِدَتْ وِلَايَتُهُ سَنَةً لَمْ يَتَجَاوَزْهَا إلَّا بِوِلَايَةٍ وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِوِلَايَتِهِ وَيَكُونُ نَظَرُهُ عَلَيْهِ مَقْصُورًا خَمْسَةَ أَحْكَامٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَسَادِسٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (أَحَدُهَا) إعْلَامُ النَّاسِ بِوَقْتِ إحْرَامِهِمْ وَالْخُرُوجِ إلَى مَشَاعِرِهِمْ لِيَكُونُوا معه مقتدين بافعاله (الثاني) تَرْتِيبُهُ الْمَنَاسِكَ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ فَلَا يُقَدِّمُ مُؤَخَّرًا وَلَا يُؤَخِّرُ مُقَدَّمًا سَوَاءٌ كَانَ التَّقْدِيمُ مُسْتَحَبًّا أَوْ وَاجِبًا لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ (الثَّالِثُ) تَقْدِيرُ الْمَوَاقِيتِ بِمَقَامِهِ فِيهَا وَمَسِيرِهِ عَنْهَا كَمَا تَتَقَدَّرُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ (الرَّابِعُ) اتِّبَاعُهُ فِي الْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ وَالتَّأْمِينِ عَلَى دُعَائِهِ (الْخَامِسُ) إقَامَتُهُمْ الصَّلَوَاتِ الَّتِي شُرِعَتْ خُطَبُ الْحَجِّ فِيهَا وَجَمْعُهُمْ لَهَا وَهِيَ أَرْبَعُ خُطَبٍ سَبَقَ بَيَانُهُنَّ أُولَاهُنَّ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهِيَ أَوَّلُ شُرُوعِهِ فِي مناسكه بعد الاحرام فيفتتحها بِالتَّلْبِيَةِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَبِالتَّكْبِيرِ إنْ كَانَ حَلَالًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ بَلْ يُقِيمُ بِمِنًى لَيْلَةَ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التشريق وينفر النَّفْرَ الثَّانِيَ مِنْ غَدِهِ بَعْدَ رَمْيِهِ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ فَلَمْ يَنْفِرْ إلَّا بَعْدَ إكْمَالِ الْمَنَاسِكِ فَإِذَا نَفَر النَّفْرَ الثَّانِي انْقَضَتْ وِلَايَتُهُ (وَأَمَّا) الْحُكْمُ السَّادِسُ الْمُخْتَلِفُ فِيهِ فَثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) إذَا فَعَلَ بَعْضُ الْحَجِيجِ مَا يَقْتَضِي تَعْزِيرًا أَوْ حَدًّا فَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْزِيرُهُ وَلَا حَدُّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَجِّ فَلَهُ تَعْزِيرُهُ وَهَلْ له حده فيه وجهان (الثاني) لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْحَجِيجِ فِيمَا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ وَفِي الْمُتَعَلِّقِ بِالْحَجِّ كَالزَّوْجَيْنِ إذَا تَنَازَعَا فِي إيجَابِ الكفارة بالوطئ وَمُؤْنَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ (الثَّالِثُ) أَنْ يَفْعَلَ بَعْضُهُمْ مَا يَقْتَضِي فِدْيَةً فَلَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ وُجُوبَهَا وَيَأْمُرَهُ بِإِخْرَاجِهَا وَهَلْ لَهُ إلْزَامُهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ لَيْسَ(8/280)
لِأَمِيرِ الْحَجِّ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ مَا يُسَوَّغُ فِعْلُهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ اقْتِدَاءَ النَّاسِ بِفَاعِلِهِ وَلَيْسَ لَهُ حَمْلُ النَّاسِ عَلَى مَذْهَبِهِ
* وَلَوْ اقام للناس الْمَنَاسِكَ وَهُوَ حَلَالٌ كُرِهَ ذَلِكَ وَصَحَّ الْحَجُّ
* وَلَوْ قَصَدَ النَّاسُ التَّقَدُّمَ عَلَى الْأَمِيرِ أَوْ التَّأَخُّرَ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْرُمْ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
نُبْذَةً صَالِحَةً مِنْ آدَابِ السَّفَرِ وَالْمُسَافِرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِمَسِيرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْت فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ بَابًا حَسَنًا في ذلك والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ حَجَّ حَاجٌّ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ أَيْضًا وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ (وَأَمَّا) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إنِّي صَرُورَةٌ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بِصَرُورَةٍ وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إنِّي حَاجٌّ فَإِنَّ الْحَاجَّ هُوَ الْمُحْرِمُ) فَهُوَ مَوْقُوفٌ مُنْقَطِعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالْمَسْأَلَةُ تَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ بَقَاءَ وَجْهِ الِاشْتِقَاقِ شرط لصدق المشتق منه ام لَا وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلْأُصُولِيِّينَ (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ شَرْطٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا فَلَا يُقَالُ لِمَنْ ضَرَبَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الضَّرْبِ ضَارِبٌ وَلَا لِمَنْ حَجَّ بَعْدَ انْقِضَائِهِ حَاجٌّ إلَّا مَجَازًا (وَمِنْهُمْ) مَنْ يُقَالُ لَهُ ضَارِبٌ وَحَاجٌّ حَقِيقَةً وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ كَمَا ذَكَرْنَا (وَأَمَّا) جَوَازُ الْإِطْلَاقِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ رُبْعِ الْعِبَادَاتِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَهَذَا الذي قالوه غلط ظاهر وخطأ فاحش ولولا خوف اغترار بعض الاغنياء بِهِ لَمْ أَسْتَجِزْ حِكَايَتَهُ فَإِنَّهُ وَاضِحُ الْبُطْلَانِ وَمُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي تَسْمِيَتِهَا حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَمُنَابِذٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمْكِنُ إحْصَاءُ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى تَسْمِيَتِهَا حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (كُنَّا نَتَحَدَّثُ عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ حَتَّى حَمِدَ اللَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَر تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/281)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ سَبَقَتْ (مِنْهَا) أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ رَمْيِ الْجِمَارِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحِجَارَةِ مِنْ الرُّخَامِ وَالْبِرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسَمَّى حَجَرًا وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَجَرِ كَالْكُحْلِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَوْضَحْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَدَرِ وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَيْسَ مِنْ
جِنْسِهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حل لكم كل شئ إلَّا النِّسَاءَ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَأَطْلَقَ الرَّمْيَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْحَجَرَ وقال صلى الله عليه وسلم (لتأخذوا مَنَاسِكَكُمْ) وَالرَّمْيُ الْمُطْلَقُ فِي قَوْلِهِ ارْمُوا مَحْمُولٌ عَلَى الرَّمْيِ الْمَعْرُوفِ
* (فَرْعٌ)
إذَا رَمَى حَصَاةً فَوَقَعَتْ عَلَى مَحَلٍّ فَتَدَحْرَجَتْ بِنَفْسِهَا فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى أَجْزَأَهُ بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ فَنَفَضَهَا صَاحِبُهُ فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُجِزْهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَعَنْ أَحْمَدَ يُجْزِئْهُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَآخِرُهُ آخِرُ عُمْرِ الْإِنْسَانِ وَإِنْ بَقِيَ خمسين سنة وأكثر ولادم عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلُهُ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَآخِرُهُ الْيَوْمُ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ لَزِمَهُ دَمٌ
* دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (وليطوفوا بالبيت) وَهَذَا قَدْ طَافَ
* (فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ رَمْيُ جَمْرَةِ التَّشْرِيقِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ يَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَبْلَ الزَّوَالِ ولا يجوز في اليومين الاولين (والثانية) يَجُوزُ فِي الْجَمِيعِ
* وَسَبَقَ دَلِيلُنَا حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ
* (فَرْعٌ)
تَرْتِيبُ الْجَمَرَاتِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ شَرْطٌ فَيُشْتَرَطُ رَمْيُ الْأُولَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُسْتَحَبٌّ قَالَ فَإِنْ نَكَسَهُ اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمٌ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ مُطْلَقًا
*(8/282)
(فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا تَفْرِيقُ الْحَصَيَاتِ فَيُفْرِدُ كُلَّ حَصَاةٍ بِرَمْيَةٍ فَإِنْ جَمَعَ السَّبْعَ بِرَمْيَةٍ وَاحِدَةٍ حُسِبَتْ وَاحِدَةً وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أبو دَاوُد يَحْسِبُ سَبْعًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَقَعْنَ
مُتَفَرِّقَاتٍ حُسِبْنَ سَبْعًا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً
* (فَرْعٌ)
إذَا تَرَكَ ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ مِنْ جَمْرَةٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا بِتَرْكِ أَكْثَرِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بِتَرْكِ أَكْثَرِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعُوا عَلَى الرَّمْيِ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّمْيِ لِصِغَرِهِ (1) (وَأَمَّا) الْعَاجِزُ عَنْ الرَّمْيِ لِمَرَضٍ وَهُوَ بَالِغٌ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُرْمَى عَنْهُ كَالصَّبِيِّ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
* وَقَالَ النَّخَعِيُّ يُوضَعُ الْحَصَى فِي كَفِّهِ ثُمَّ يُؤْخَذُ وَيُرْمَى فِي الْمَرْمَى
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لِلدُّعَاءِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَرَكَ هَذَا الْوُقُوفَ للدعاء فمذهبنا لا شئ عليه وبه قال أبو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُطْعِمُ شَيْئًا فَإِنْ أَرَاقَ دَمًا كَانَ أَفْضَلَ
* وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ كَمَا يُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ غَيْرَ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي اسْتِحْبَابِهِ رِوَايَتَانِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ تَرَكَ حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ فِي حَصَاةٍ مُدًّا وَفِي حَصَاتَيْنِ مُدَّيْنِ وَفِي ثَلَاثٍ دَمًا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ واسحاق لا شئ عليه في حصاة
* وقال مجاهد لا شئ عَلَيْهِ فِي حَصَاةٍ وَلَا حَصَاتَيْنِ وَقَالَ عَطَاءٌ من رمى ستا يعطم تَمْرَةً أَوْ لُقْمَةً
* وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْمَاجِشُونُ عَلَيْهِ دَمٌ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ
* وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ تَرَكَ حَصَاةً إنْ كَانَ مُوسِرًا أَرَاقَ دَمًا وَإِلَّا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ لَهُ التَّعْجِيلُ فِي النَّفْرِ مِنْ مِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مَا لَمْ تَغْرُبْ الشمس ولايجوز بعد الغروب وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ التَّعْجِيلُ مَا لَمْ يَطْلُعْ فَجْرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ
* دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يومين فلا إثم عليه) وَالْيَوْمُ اسْمٌ لِلنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ
* وَقَالَ ابْنُ المنذر
__________
(1) كذا بالاصل والمقصود ظاهر(8/283)
ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (مَنْ أَدْرَكَهُ الْمَسَاءُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِمِنًى فَلْيُقِمْ إلَى الْغَدِ حَتَّى يَنْفِرَ مَعَ النَّاسِ) قال وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَهْلُ
الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْل الْعِرَاقُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وإسحاق وبه أقول
* قال وروينا عَنْ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ قَالَا (مَنْ أَدْرَكَهُ الْعَصْرُ وَهُوَ بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى الْغَدِ) قَالَ وَلَعَلَّهُمَا قَالَا ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ (مَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ بِمِنًى مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا يَنْفِرَنَّ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنْ الْغَدِ) وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ طلحة عن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (إذَا انْسَلَخَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ النَّفْرِ الْآخِرِ فَقَدْ حَلَّ الرَّمْيُ وَالصَّدَرُ) فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ الْمَكِّيَّ هَذَا الرَّاوِي ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ كَمَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَنَعَهُمْ ذَلِكَ
* وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ لَهُمْ عُذْرٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا
* دَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثم عليه)
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَاجِبٌ يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
* وَقَالَ مَالِكٌ وداود وابن المنذر هو سنة لا شئ فِي تَرْكِهِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهَا
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ طَوَافُ الْوَدَاعِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهَذَا قَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ منهم مالك والاوزاعي والثوري واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهم أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِبَقَائِهَا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدٍ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ وَتَرَكْنَا قَوْلَ عُمَرَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ
*(8/284)
(فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ إذَا تَرَكَ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَقُلْنَا بِوُجُوبِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَهُوَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ وَيَلْزَمُهُ الدَّمُ
* وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إنْ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِلَّا فَلَا
*
(فَرْعٌ)
إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ فَشَرْطُ الِاعْتِدَادِ بِهِ أَنْ لَا يُقِيمَ بَعْدَهُ فَإِنْ أَقَامَ لِشُغْلٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُحْسَبْ عَنْ الطَّوَافِ وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَ طَوَافِهِ فَصَلَّاهَا مَعَهُمْ لَمْ يَضُرَّهُ (1) يَسِيرٌ لِعُذْرٍ ظَاهِرٍ مَأْمُورٍ بِهِ
* وَوَافَقَنَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ وَقْتُ النَّفْرِ لَمْ يضره الاقامة بعده ولو بلغت شهر أو أكثر وَطَوَافُهُ مَاضٍ عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ (فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ)
* (فَرْعٌ)
إذَا حَاضَتْ وَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ لِلْإِفَاضَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ أَكْرَاهَا الْإِقَامَةُ لَهَا بَلْ لَهَا أَنْ تَجْعَلَ مَكَانَهَا مَنْ شَاءَتْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُ مَنْ أَكْرَاهَا الْإِقَامَةُ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وزيادة ثلاثة أيام والله أعلم
* (باب الفوات والاحصار)
* قال المصنف رحمه الله
* ومن أحرم بالحج ولم يَقِفْ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وعليه أن يتحلل بعمل عمرة وهي الطواف والسعي والحلق ويسقط عنه المبيت والرمي وقال المزني لا يسقط المبيت والرمي كما لا يسقط الطواف والسعي وهذا خطأ لما روى الاسود عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لمن فاته الحج (تحلل بعمل عمرة وعليك الحج من قابل وهدى) ولان المبيت والرمي من توابع الوقوف ولهذا لا يجب على المعتمر حين لم يجب عليه الوقوف وقد سقط الوقوف ههنا فسقطت توابعه بخلاف الطواف والسعي فانهما غير تابعين للوقوف فبقي فرضهما ويجب عليه القضاء لحديث عمر رضي الله عنه ولان الوقوف معظم الحج وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الحج عرفة) وقد فاته ذلك فوجب قضاؤه وهل يجب القضاء على الفور أم لا فيه وجهان كما ذكرناه فيمن أفسد الحج ويجب عليه هدي لقول عمر رضي الله عنه ولانه تحلل من الاحرام قبل الاتمام فلزمه الهدي كالمحصر ومتى يجب الهدي فيه وجهان
__________
(1) كذا بالاصل وفيه سقط ولعله (لانه تأخير)(8/285)
(أحدهما)
يجب مع القضاء لقول عمر رضي الله عنه ولانه كالمتمتع ودم المتمتع لا يجب الا إذا أحرم بالحج (والثاني) يجب في عامه كدم الاحصار) (الشَّرْحُ) أَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (الْحَجُّ عَرَفَةَ) فسبق بيانه في فصل الوقوف بِعَرَفَاتٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِالْإِجْمَاعِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ (فَأَمَّا) الطَّوَافُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) السَّعْيُ فَإِنْ كَانَ سَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَفَاهُ ذَلِكَ وَلَا يَسْعَى بَعْدَ الْفَوَاتِ وقد أهمل المصنف بيان هذا ولابد مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ
* وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى وَجَبَ السَّعْيُ بَعْدَ الطَّوَافِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وقال الخراسانيون لِلشَّافِعِيِّ نَصَّانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ (وَالثَّانِي) نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يَطُوفُ وَيَحْلِقُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَحَرْمَلَةَ وَنَقَلَهُ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُ البحر عن نصه في القديم قال الخراسانيون للاصحاب في هذين النصين طريقين (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ السَّعْيُ لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ السَّعْيَ مُلَازِمٌ لِلطَّوَافِ فِي النُّسُكِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ (وَالطَّرِيقُ) الثَّانِي يَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا
* وَاخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا فِي تَأْوِيلِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَحَرْمَلَةَ وَالْقَدِيمِ فَذَكَرَ الْقَاضِي حسين والبغوي والروياني والاكثرون أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ
* وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الطَّوَافِ فِي اللَّفْظِ وَمُرَادُهُ الطَّوَافُ مَعَ السَّعْيِ وَإِنَّمَا حَذَفَهُ اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ قَالَ وَهَذَا مُعْتَادٌ فِي الْكَلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْحَلْقُ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ نُسُكٌ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا وَالْحَاصِلُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ الطَّوَافُ قَطْعًا وَفِي السَّعْيِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وُجُوبُهُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ وَفِي الْحَلْقِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُهُ (وَالثَّانِي) لَا وَإِنْ اقْتَصَرْت عَلَى الراجح قلت يجب الطواف والسعي والحلق و (أما) الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ فَإِنْ فَاتَ وَقْتُهُمَا لَمْ يَجِبَا وَإِنْ بَقِيَ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَجِبَانِ (وَالثَّانِي)(8/286)
يَجِبَانِ قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الكتاب والله أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ لَا يَنْقَلِبُ حَجُّهُ عُمْرَةً وَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا تُحْسَبُ عُمْرَةً أُخْرَى هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ أَنَّهُ حَكَى فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَجْهًا
أَنَّهُ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً مُجْزِئَةً وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا وعلى هذا الشاذ لابد مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَكَذَا الْحَلْقُ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَتَحَلَّلَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَعَبَّرَ بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ عِبَارَةً أُخْرَى تُوَافِقُ هَذِهِ فِي الْحُكْمِ فَقَالُوا إنْ كَانَ تَحَلُّلُهُ مِنْ حَجَّةٍ وَاجِبَةٍ بَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَتْ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَجَّةِ تَطَوُّعٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا كَمَا لَوْ أَفْسَدَهَا
* وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ وَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الْإِفْسَادِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ عُمْرَةٍ مَعَ قَضَاءِ الْحَجِّ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ للفوات وَهُوَ شَاذٌّ
* وَهَلْ يَجِبُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ أَمْ فِي سَنَةِ الْقَضَاءِ فِيهِ خِلَافٌ مِنْهُمْ مَنْ يَحْكِيهِ قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْكِيهِ وَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ وَإِنْ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ كَمَا يجب فيها القضاء (وأصحهما) أن الوجو ب فِي سَنَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ لَجَازَ إخْرَاجُهُ فِيهَا فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيَانُ هَذَا الْخِلَافِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ وَبَيَانُ بَدَلِ هَذَا الدَّمِ إذَا عَجَزَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَيْنِ
* وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ قَوْلًا آخَرَ غَرِيبًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ
(أَحَدُهُمَا)
فِي مُقَابَلَةِ الْفَوَاتِ (وَالثَّانِي) لِأَنَّهُ فِي قَضَاءٍ يُشْبِهُ التَّمَتُّعَ؟ لِكَوْنِهِ تَحَلَّلَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا فَرْقَ فِي الْفَوَاتِ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي الْإِثْمِ فَلَا يَأْثَمُ الْمَعْذُورُ وَيَأْثَمُ غَيْرُهُ كَذَا صَرَّحَ بِإِثْمِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أعلم(8/287)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَكِّيُّ وَغَيْرُ الْمَكِّيِّ سَوَاءٌ فِي الْفَوَاتِ وَتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ وَوُجُوبِ الدَّمِ بِخِلَافِ التمتع فان المكي لادم عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّ الْفَوَاتَ يَحْصُلُ مِنْ الْمَكِّيِّ كَحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِهِ (وَأَمَّا) دَمُ التَّمَتُّعِ فَإِنَّمَا يَجِبُ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَالْمَكِّيُّ لَا يَتْرُكُ الْمِيقَاتَ لِأَنَّ مِيقَاتَهُ مَوْضِعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَفَاتَهُ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ دُونَ العمرة ويلزمه دَمَانِ دَمُ الْفَوَاتِ وَدَمُ التَّمَتُّعِ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الذي سبق كله في من أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَفَاتَهُ (فَأَمَّا) مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَوَاتُهَا لِأَنَّ جَمِيعَ الزَّمَانِ وَقْتٌ لَهَا (وَأَمَّا) مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَارِنًا فَفَاتَهُ الْوُقُوفُ فَإِنَّ الْعُمْرَةَ تَفُوتُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ لِأَنَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِيهِ وَتَابِعَةٌ لَهُ وَلِأَنَّهُ إحْرَامٌ وَاحِدٌ فَلَا يَتَبَعَّضُ حُكْمُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ
* وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي الْعُمْرَةِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ قَضَائِهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ إذَا تَحَلَّلَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ حَصَلَتْ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِخِلَافِ الْحَجِّ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ النُّسُكَ الْوَاحِدَ هَلْ يَتَبَعَّضُ حُكْمُهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ وَكَانَ(8/288)
الْمُسْتَأْجِرُ قَدْ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ فَأَحْرَمَ الْأَجِيرُ بِهِمَا وَفَرَغَ مِنْهُمَا وَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَتَبَعَّضُ فَيَكُونَانِ عَنْ الْمُسْتَأْجَرِ فَعَلَى هَذَا تَفُوتُهُ الْعُمْرَةُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) يَتَبَعَّضُ فَيَقَعُ أَحَدُهُمَا عَنْهُ فَعَلَى هَذَا لَا تَفُوتُ الْعُمْرَةُ
* وَقَالَ الْمُتَوَلِّي أَصْلُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْعُمْرَةَ هَلْ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا فِي الْقِرَانِ أَمْ يَقَعُ الْعَمَلُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا فَاتَتْ بِفَوَاتِ الْحَجِّ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا بَلْ تَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُمَا حُسِبَتْ عُمْرَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمٌ لِلْفَوَاتِ وَدَمٌ لِلْقِرَانِ الْفَائِتِ وَدَمٌ ثَالِثٌ لِلْقِرَانِ الَّذِي أَتَى بِهِ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ قَضَاهُمَا مُفْرِدًا أَجْزَأَهُ عَنْ النُّسُكَيْنِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ الثَّالِثُ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ الْفَوَاتِ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ وَدَمُهُ فَإِذَا تَبَرَّعَ بِالْإِفْرَادِ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ الْوَاجِبُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قَضَاهُ مُفْرِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ بِالْفَوَاتِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَارِنًا مَعَ دَمٍ فَإِذَا قَضَى الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مُفْرِدًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْقِرَانِ وَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا فِي الْإِمْلَاءِ
*
وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ فَحَكَى وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّهُ إذَا قَضَاهُ مُفْرِدًا سَقَطَ الدَّمُ الثَّالِثُ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَضَاهُ مُفْرِدًا فَأَتَى بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ يَحْرُمُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ الْمِيقَاتِ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ قَالَ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ الْمِيقَاتِ وَدَمُ الْقِرَانِ بِسَبَبِ الْمِيقَاتِ فَتَدَاخَلَا
* قَالَ وَإِنْ قَضَاهُ مُتَمَتِّعًا أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ وَجَبَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَخَلَ فِيهِ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ سَوَاءٌ قَضَى مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَم
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَفَّالُ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَمَا أَنَّ الْعُمْرَةَ تَابِعَةٌ لِلْحَجِّ لِلْفَوَاتِ فِي حَقِّ الْقَارِنِ فَهِيَ أَيْضًا تَابِعَةٌ لَهُ فِي الْإِدْرَاكِ فِي حَقِّ الْقَارِنِ حَتَّى لَوْ رَمَى الْقَارِنُ وَحَلَقَ ثُمَّ جَامَعَ لَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ كَمَا لَا يَفْسُدُ(8/289)
حَجُّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَى بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ هُوَ الْمَذْهَبُ
* وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ جِدًّا غَرِيبٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِي مَسَائِلِ الْجِمَاعِ أَنَّهُ يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ذَبَحَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ لَمْ يَفُتْهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْفَوَاتِ اسْتِدَامَةَ إحْرَامِهِ إلَى السَّنَةِ الْآتِيَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَالْبَقَاءُ عَلَى الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ وَنَقَلَ أَبُو حَامِدٍ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ (1) صَاحِبُ الْفَوَاتِ لَهُ حُكْمُ مَنْ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهُ الْوُقُوفُ سَقَطَ عَنْهُ الرَّمْيُ فصار كمن رمى فان وطئ لَمْ يَفْسُدْ إحْرَامُهُ وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ قَالَ الْقَاضِي وَالرُّويَانِيُّ وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ (فَإِنْ قُلْنَا) (2) احْتَاجَ إلَى الْحَلْقِ أَوْ الطَّوَافِ حَتَّى يَحْصُلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَقَدْ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ بِمَا قَالَهُ القاضي والروياني
*
(فرع)
لو أفسد حجه باجماع ثُمَّ فَاتَهُ قَالَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْإِفْسَادِ وَهُوَ بَدَنَةٌ وَدَمٌ لِلْفَوَاتِ وَهُوَ شَاةٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ التَّحَلُّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَدَمٌ وَهُوَ شَاةٌ وَلَا يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا قَالَا لَا دَمَ عَلَيْهِ وَوَافَقَا فِي الْبَاقِي
* وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً مُجْزِئَةً عَنْ عُمْرَةٍ سَبَقَ وُجُوبُهَا وَلَا دَمَ
* وَقَالَ الْمُزَنِيّ كَقَوْلِنَا وَزَادَ وُجُوبَ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ كَمَا سَبَقَ عَنْهُ
* دَلِيلُنَا مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ حتى طلع الفجر فقد فاته الحج فليأ ت البيت فليطف به سبعا وليطوف بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا ثُمَّ لِيَحْلَقْ أَوْ يُقَصِّرْ إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ
__________
(1) بياض بالاصل فحرر (2) بياض ولعله (ان الحلق نسك) كما يفهم من سياق الكلام(8/290)
فَلْيَنْحَرْهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ فَلْيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ ثُمَّ لِيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فليحجج إنْ اسْتَطَاعَ وَلْيُهْدِ فِي حَجِّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدِهِمْ الصَّحِيحَةِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ (أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إذَا كَانَ بِالنَّازِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْت فَإِذَا أَدْرَكْت الْحَجَّ قَابِلًا فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا ثُمَّ ارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ) وَعَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ (سَأَلْت عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ فَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ ثُمَّ سَأَلْت فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عنه فقال يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ هَكَذَا مِنْ طُرُقٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى عَنْ إدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ عَنْهُ قَالَ وَيُهْرِيقُ دَمًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَاتُ الْأَسْوَدِ عن عمر متصلات ورواية سليمان ابن يَسَارٍ عَنْهُ مُنْقَطِعَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ الرِّوَايَةُ الْمُتَّصِلَةُ عَنْ عُمَرَ فِيهَا زِيَادَةٌ وَاَلَّذِي يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِمَّنْ لَمْ يَزِدْ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا سَبَقَ مُتَّصِلًا وَرِوَايَةُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ إنْ صَحَّتْ تَشْهَدُ لِرِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ بِالصِّحَّةِ
* وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ هَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ فَاتَهُ الْحَجُّ فَذَكَرَهُ مَوْصُولًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (وان اخطأ الناس الوقوف فوقفوا في اليوم الثامن أو العاشر لم يجب عليهم القضاء لان الخطأ في ذلك انما يكون بان يشهد اثنان برؤية الهلال قبل الشهر بيوم فوقفوا في الثامن بشهادتهما ثم بان(8/291)
كذبهما أو يغم الهلال فوقفوا في اليوم العاشر ومثل هذا لا يؤمن في القضاء فسقط)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا غَلِطُوا فِي الْوُقُوفِ نُظِرَ إنْ غَلِطُوا فِي الْمَكَانِ فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ يَظُنُّونَهَا عَرَفَاتٍ لَمْ يُجْزِهِمْ بِلَا خِلَافٍ لِتَفْرِيطِهِمْ وَإِنْ غَلِطُوا فِي الزَّمَانِ بِيَوْمَيْنِ بِأَنْ وَقَفُوا فِي السَّابِعِ أَوْ الْحَادِيَ عَشَرَ لَمْ يُجْزِهِمْ بِلَا خِلَافٍ لِتَفْرِيطِهِمْ وَإِنْ غَلِطُوا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ فَوَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَجْزَأَهُمْ وَتَمَّ حَجُّهُمْ وَلَا قَضَاءَ
* هَذَا إذَا كَانَ الْحَجِيجُ عَلَى الْعَادَةِ فَإِنْ قَلُّوا أَوْ جَاءَتْ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ فَظَنَّتْ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَّ النَّاسَ قَدْ أَفَاضُوا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ وَلِأَنَّهُ نَادِرٌ يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُهُمْ كَالْجَمْعِ الْكَثِيرِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ قُلْنَا يُجْزِئُهُمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَالُ بَعْدَ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْوُقُوفِ
* وَلَوْ بَانَ الْحَالُ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَوَقَفُوا عَالِمِينَ بِالْحَالِ قَالَ الْبَغَوِيّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ وقوفهم لانهم وقفوا متيقنين الخطأ بخلاف مالو عَلِمُوا فِي حَالِ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُمْ لِأَنَّ وُقُوفَهُمْ قَبْلَ الْعِلْمِ وَقَعَ مُجْزِئًا
* هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ لِأَنَّ عَامَّةَ الْأَصْحَابِ قَالُوا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الْعَاشِرِ وَهُمْ بِمَكَّةَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْوُقُوفُ فِي اللَّيْلِ وَقَفُوا مِنْ الْغَدِ وَحُسِبَ لَهُمْ الْوُقُوفُ كَمَا لَوْ
قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ الْغَدِ الْعِيدَ فَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِالْفَوَاتِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَيْلَةَ العاشر لزم مِثْلُهُ يَوْمَ الْعَاشِرِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ شَهِدَ واحد أو جماعة برؤية هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لَزِمَ الشُّهُودَ الْوُقُوفُ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ عِنْدَهُمْ وَالنَّاسُ يَقِفُونَ بَعْدَهُ فَلَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْوُقُوفِ مَعَ النَّاسِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُ الشُّهُودِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُمْ الْوُقُوفُ مَعَ النَّاسِ أَيْ وَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ الْعَاشِرَ قَالَ وَلَا يُجْزِئُهُمْ التَّاسِعُ عِنْدَهُمْ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي يَقِفُ(8/292)
النَّاسُ فِيهِ الْعَاشِرَ فَلَمْ يُجْزِ وُقُوفُهُمْ فِيهِ كما لو قبل شَهَادَتُهُمْ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا غَلِطُوا فَوَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ (أَمَّا) إذَا غَلِطَ الْحَجِيجُ فَوَقَفُوا فِي الثَّامِنِ بِأَنْ شَهِدَ بِالرُّؤْيَةِ فُسَّاقٌ أَوْ كُفَّارٌ أَوْ عَبِيدٌ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُمْ ثُمَّ عُلِمَ فَإِنْ بَانَ الْحَالُ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ لَزِمَهُمْ الْوُقُوفُ فِيهِ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْهُ وَإِنْ بَانَ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
يُجْزِئُهُمْ كَالْعَاشِرِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعَبْدَرِيُّ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُمْ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَكَثِيرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ فِيمَنْ اجْتَهَدَ فَصَلَّى أَوْ صَامَ فَبَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا أَحْرَمَ النَّاسُ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِالِاجْتِهَادِ فَبَانَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ خَطَأً عَامًّا فَفِي انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ وَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ غَلَطًا وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُكْنٌ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ حَجًّا وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ أَبْطَلْنَا الْوُقُوفَ فِي الْعَاشِرِ أَبْطَلْنَاهُ مِنْ أَصْلِهِ وَفِيهِ إضْرَارٌ وَأَمَّا هُنَا فَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْغَلَطِ فِي الْوُقُوفِ
* اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ إذَا غَلِطُوا فَوَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ وَهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ عَلَى الْعَادَةِ أَجْزَأَهُمْ وَإِنْ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا لَا يُجْزِئُهُمْ وَبِهِ قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لا يجزئهم * قال المصنف رحمه الله
* (ومن أحرم فاحصره العدو نظرت فان كان العدو من المسلمين فالاولى ان يتحلل ولا يقاتله لان التحلل أولى من قتال المسلمين وان كان من المشركين لم يجب عليه القتال لان قتال(8/293)
الكفار لا يجب الا إذا بدؤا بالحرب فان كان في المسلمين ضعف وفي العدو قوة فالاولى أن لا يقاتلهم لانه ربما انهزم المسلمون فيلحقهم وهن وان كان في المسلمين قوة وفي المشركين ضعف فالافضل أن يقاتلهم ليجمع بين نصرة الاسلام واتمام الحج فان طلبوا مالا لم يجب اعطاء المال لان ذلك ظلم ولا يجب الحج مع احتمال الظلم فان كانوا مشركين كره أن يدفع إليهم لان في ذلك صغار على الاسلام فلا يجب احتماله من غير ضرورة وان كانوا مسلمين لم يكره)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ وَحَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَقِيلَ حُصِرَ وَأُحْصِرَ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ
* وَأَصْلُ الْحَصْرِ الْمَنْعُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَحْصَرَ الْعَدُوُّ الْمُحْرِمِينَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْحَجِّ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَدُوُّ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا لَكِنْ إنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ التَّحَلُّلِ فَلَعَلَّهُ يَزُولُ الْمَنْعُ وَيَتِمُّ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا فَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ التَّحَلُّلِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْحَجِّ
* وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ التَّحَلُّلُ عِنْدَ الْإِحْصَارِ بِلَا خِلَافٍ وَدَلِيلُ التَّحَلُّلِ وَإِحْصَارِ الْعَدُوِّ نَصُّ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي تَحَلُّلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا مُحْرِمِينَ بِعُمْرَةٍ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ (وَأَمَّا) إذَا مَنَعُوا وَطُلِبَ مِنْهُمْ مَالٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ الْمُضِيُّ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ بَذْلُهُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ قَلَّ الْمَطْلُوبُ أَمْ كَثُرَ فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ كُفَّارًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا يَحْرُمُ قَالَ(8/294)
الشَّافِعِيُّ كَمَا لَا تَحْرُمُ الْهِبَةُ لِلْكُفَّارِ وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) إذَا احْتَاجَ الْحَجِيجُ إلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ لِيَسِيرُوا فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَانِعُونَ مُسْلِمِينَ جَازَ لَهُمْ التَّحَلُّلُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِتَالِهِمْ لِتَعْظِيمِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قَاتَلُوهُ جَازَ لِأَنَّهُمْ صَائِلُونَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) وَفِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ كُفَّارًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَدُوُّ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجِبْ قِتَالُهُمْ وَإِلَّا وَجَبَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِمُرْضٍ بَلْ شَرْطُهُ وُجْدَانُهُمْ السِّلَاحَ وَأُهْبَةُ الْقِتَالِ قَالَ فَإِنْ وَجَدُوا ذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّحَلُّلِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَآخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِتَالُ سَوَاءٌ كَانَ عَدَدُ الْكُفَّارِ مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَقَلَّ لَكِنْ إنْ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَتَحَلَّلُوا بَلْ يُقَاتِلُوهُمْ لِيَجْمَعُوا بَيْنَ الْجِهَادِ وَنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَالْحَجِّ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ التَّحَلُّلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْكُفَّارَ فَلَهُمْ لِبْسُ الدُّرُوعِ وَالْمَغَافِرِ وَعَلَيْهِمْ الْفِدْيَةُ كَمَنْ لَبِسَ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ التَّحَلُّلِ بِلَا خِلَافٍ هُوَ فِيمَا إذَا مُنِعُوا الْمُضِيَّ دُونَ الرُّجُوعِ (فَأَمَّا) إذَا(8/295)
أَحَاطَ بِهِمْ الْعَدُوُّ مِنْ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ هُمَا قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُ التحلل لعموم قوله تعالى (فان أحصرتم) (وَالثَّانِي) لَا إذْ لَا يَحْصُلُ بِهِ أَمْنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِيمَا إذَا صَدُّوهُمْ وَلَمْ يَجِدُوا طَرِيقًا آخَرَ (فاما) ان وجدوا طريقا غيره لاضرر فِي سُلُوكِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ طَرِيقِهِمْ الَّتِي صُدُّوا عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ التَّحَلُّلُ لِأَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْوُصُولِ فَإِنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْ طَرِيقِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ نَفَقَةٌ تَكْفِيهِمْ لِذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ
* وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ نَفَقَةٌ تَكْفِيهِمْ لِطَرِيقِهِمْ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ التَّحَلُّلُ وَلَزِمَهُمْ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْآخَرِ سَوَاءٌ عَلِمُوا أَنَّهُمْ بِسُلُوكِ هَذَا الطَّرِيقِ يَفُوتُهُمْ الْحَجُّ أَمْ لَا لِأَنَّ سَبَبَ التَّحَلُّلِ هُوَ الْحَصْرُ لَا خَوْفُ الْفَوَاتِ وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ بِالشَّامِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ بِسَبَبِ الْفَوَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا حَتَّى لَوْ أُحْصِرَ بِالشَّامِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَوَجَدَ طَرِيقًا آخَرَ كَمَا ذَكَرْنَا لَزِمَهُ السَّيْرُ فِيهِ وَوُصُولُ الْكَعْبَةِ وَالتَّحَلُّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا
سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ كَمَا أَمَرْنَاهُ فَفَاتَهُ الْحَجُّ بِطُولِ الطَّرِيقِ الثَّانِي أَوْ خُشُونَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَحْصُلُ الْفَوَاتُ بِسَبَبِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بَلْ يَتَحَلَّلُ تَحَلُّلَ الْمُحْصَرِ لِأَنَّهُ مُحْصَرٌ وَلِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ سَلَكَهُ ابْتِدَاءً فَفَاتَهُ بِضَلَالٍ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ
* وَلَوْ اسْتَوَى الطَّرِيقَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ فَوَاتٌ مَحْضٌ
* وَلَوْ أُحْصِرَ وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ إلَّا فِي الْبَحْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَتَفْصِيلُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ فَحَيْثُ قُلْنَا يَجِبُ رُكُوبُهُ يَكُونُ(8/296)
كَقُدْرَتِهِ عَلَى طَرِيقِ أَمْنٍ فِي الْبَرِّ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ أُحْصِرَ فَصَابَرَ الْإِحْرَامَ مُتَوَقِّعًا زَوَالَهُ فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَالْإِحْصَارُ دَائِمٌ تَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ وَفِي الْقَضَاءِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ فَاتَهُ بِطُولِ الطَّرِيقِ الثَّانِي (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ بِالْمُصَابَرَةِ فِي الْفَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَتَحَلَّلْ بِالْإِحْصَارِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَحَيْثُ قُلْنَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ يَتَحَلَّلُ وَعَلَيْهِ دَمُ الْإِحْصَارِ دُونَ دَمِ الْفَوَاتِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ فَإِنْ كَانَ قَدْ زَالَ الْعَدُوُّ وَأَمْكَنَهُ وُصُولُ الْكَعْبَةِ لَزِمَهُ قَصْدُهَا وَالتَّحَلُّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ دَمُ الْفَوَاتِ دُونَ دَمِ الْإِحْصَارِ وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ بَاقِيًا فَلَهُ التَّحَلُّلُ وَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْفَوَاتِ وَدَمُ الْإِحْصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَحَلَّلَ الْحَاجُّ فَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْإِحْصَارُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ وَإِنْ انْصَرَفَ الْعَدُوُّ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ تَجْدِيدُ الْإِحْرَامِ وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ حجه تطوعا فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَجُّهُ تَقَدَّمَ وُجُوبَهَا بَقِيَ وُجُوبُهَا كَمَا كَانَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَدِّدَ الْإِحْرَامَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَهُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ كان حَجَّةً وَجَبَتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِأَنْ اسْتَطَاعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ مَا قَبْلَهَا فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ لِتَمَكُّنِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَهُ التَّأْخِيرُ لِأَنَّ الْحَجَّ عِنْدَنَا عَلَى التَّرَاخِي وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ سَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنْ اسْتَطَاعَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَقَ وُجُوبُهَا قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ وَاسْتَقَرَّتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ الْعَدُوُّ الصَّادُّونَ بَعْدَ صَدِّهِمْ قَدْ آمَنَّاكُمْ وَخَلَّيْنَا لَكُمْ الطَّرِيقَ
فَإِنْ وَثِقُوا بِقَوْلِهِمْ فَأَمِنُوا غَدْرَهُمْ لَمْ يَجُزْ التَّحَلُّلُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ تَحَلَّلَ لِأَنَّهُ لَا صَدَّ وَإِنْ خَافُوا غَدْرَهُمْ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ
* (فَرْعٌ)
اعْتَرَضَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَصْرُونَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ قِتَالَ الكفار لا يجب(8/297)
الا إذا بدؤا بِالْحَرْبِ وَقَالَ هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ بَلْ قِتَالُ الْكُفَّارِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ بَلْ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لَكِنْ زَادَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ فِيهَا لَفْظَةً فَقَالُوا لِأَنَّ قِتَالَ الْكُفَّارِ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا بدؤا به أو استنفر الامام أو الثغور النَّاسَ لِقِتَالِهِمْ فَهَذِهِ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ وَمُرَادُهُمْ لَا يَجِبُ عَلَى آحَادِ الرَّعِيَّةِ وَالطَّائِفَةِ مِنْهُمْ (وَأَمَّا) الْإِمَامُ فَيَلْزَمُهُ الْغَزْوُ بِالنَّاسِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِسَرَايَاهُ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى تَأْخِيرِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كِتَابِ السير والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان أحصره العدو عن الوقوف أو الطواف أو السعي فان كان له طريق آخر يمكنه الوصول منه إلى مكة لم يجز له التحلل قرب أو بعد لانه قادر على أداء النسك فلا يجوز له التحلل بل يمضي ويتمم النسك وان سلك الطريق الاخر ففاته الحج تحلل بعمل عمرة وفي القضاء قولان
(أحدهما)
يجب عليه لانه فاته الحج فَأَشْبَهَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ أَوْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ (والثاني) لا يجب عليه لانه تحلل من غير تفريط فلم يلزمه القضاء كما لو تحلل بالاحصار
* فان احصر ولم يكن له طريق آخر جاز له ان يتحلل لقوله عز وجل (فان احصرتم فما استيسر من الهدى) ولان النبي صلى الله عليه وسلم احصره المشركون في الحديبية فتحلل ولانا لو الزمناه البقاء على الاحرام ربما طال الحصر سنين فتلحقه المشقة العظيمة في البقاء على الاحرام وقد قال الله عز وجل (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فان كان الوقت واسعا فالافضل أن لا يتحلل لانه ربما زال الحصر وأتم النسك وان كان الوقت ضيقا فالافضل أن يتحلل حتى لا يفوته الحج فان اختار التحلل نظرت فان كان واجدا للهدي لم يجز له أن يتحلل حتى يهدي لقوله تَعَالَى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فان كان في الحرم ذبح الهدي فيه وان(8/298)
كان في غير الحرم ولم يقدر على الوصول إلى الحرم ذبح الهدي حيث أحصر لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ هَدْيَهُ
بالحديبية وهي خارج الحرم وأن قدر على الوصول إلى الحرم ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز له أن يذبح في موضعه لانه موضع تحلله فجاز فيه الذبح كما لو أحصر في الحرم (والثاني) لا يجوز أن يذبح إلا في الحرم لانه قادر على الذبح في الحرم فلا يجوز أن يذبح في غيره كما لو أحصر فيه ويجب أن ينوي بالهدي التحلل لان الهدي قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فوجب أن ينوي ليميز بينهما ثم يحلق لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج معتمرا فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية (فان قلنا) ان الحلق نسك حصل له التحلل بالهدي والنية والحلق (وإن قلنا) انه ليس بنسك حصل له التحلل بالنية والهدي
* وان كان عادما للهدي ففيه قولان
(أحدهما)
لا بدل للهدي لقوله عز وجل (فان أحصرتم فما استيسر من الهدي) فذكر الهدى ولم يذكر له بدلا ولو كان له بدل لذكره كما ذكره في جزاء الصيد (والقول الثاني) له بدل لانه دم يتعلق وجوبه بالاحرام فكان له بدل كدم التمتع (فان قلنا) لا بدل للهدي فهل يتحلل فيه قولان
(أحدهما)
لا يتحلل حتى يجد الهدي لان الهدي شرط في التحلل فلا يجوز التحلل قبله (والثاني) أنه يتحلل لانا لو ألزمناه البقاء على الاحرام إلى أن يجد الهدي أدى ذلك إلى المشقة (فان قلنا) له بدل ففي بدله ثلاثة أقوال (أحدها) الاطعام (والثاني) الصيام (والثالث) أنه مخير بين الصيام والاطعام (وإن قلنا) إن بدله الاطعام ففي الاطعام وجهان
(أحدهما)
اطعام التعديل كالاطعام في جزاء الصيد لانه أقرب إلى الهدي ولانه يستوفي فيه قيمة الهدي (والثاني) اطعام فدية الاذى لانه وجب للترفه فهو كفدية الاذى (وإن قلنا) إن بدله الصوم ففي الصوم ثلاثة أوجه (أحدها) صوم التمتع(8/299)
لانه وجب للتحلل كما وجب صوم التمتع للتحلل بين الحج والعمرة في أشهر الحج (والثاني) صوم التعديل لان ذلك أقرب إلى الهدي لانه يستوفي قيمة الهدي ثم يصوم عن كل مد يوما (والثالث) صوم فدية الاذى لانه وجب للترفه فهو كصوم فدية الاذى (فان قلنا) انه مخير فهو بالخيار بين صوم فدية الاذى وبين اطعامها لانا بينا أنه في معنى فدية الاذى فان أوجبنا عليه الاطعام وهو واجد أطعم وتحلل وإن كان عادما له فهل يتحلل أم لا يتحلل حتى يجد الطعام على القولين كما قلنا في الهدي
وان أوجبنا الصيام فهل يتحلل قبل أن يصوم فيه وجهان
(أحدهما)
لا يتحلل كما لا يتحلل بالهدي حتى يهدي (والثاني) يتحلل لانا لو ألزمناه البقاء على الاحرام إلى أن يفرغ من الصيام أدى إلى المشقة لان الصوم يطول فإذا تحلل نظرت فان كان في حج تقدم وجوبه بقي الوجوب في ذمته وان كان في تطوع لم يجب القضاء لانه تطوع أبيح له الخروج منه فإذا خرج لم يلزمه القضاء كصوم التطوع
* وان كان الحصر خاصا بان منعه غريمه ففيه قولان
(أحدهما)
لا يلزمه القضاء كما لا يلزمه في الحصر العام (والثاني) يلزمه لانه تحلل قبل الاتمام بسبب يختص به فلزمه القضاء كما لو ضل الطريق ففاته الحج
* وإن أحصر فلم يتحلل حتى فاته الوقوف نظرت فان زال العذر وقدر على الوصول تحلل بعمل عمرة ولزمه القضاء وهدي للفوات وان فاته والعذر لم يزل تحلل ولزمه القضاء وهدي للفوات وهدي للاحصار فان أفسد الحج ثم أحصر تحلل لانه إذا تحلل من الحج الصحيح فلان يتحلل من الفاسد أولى فان لم يتحلل حتى فاته الوقوف لزمه ثلاثة دماء دم الفساد ودم الفوات ودم الاحصار ويلزمه قضاء واحد لان الحج واحد
*)
*(8/300)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ تَحَلُّلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ ثَابِتٌ فِي الصحيحين وكذا حديث هدية نحره بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَاتِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عنهم وكانت قضية الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ وأنها تقال بتخفيف الباء وَتَشْدِيدِهَا وَالتَّخْفِيفُ أَفْصَحُ
* وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ دَمٌ تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ بِالْإِحْرَامِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ (وَقَوْلُهُ) تَطَوُّعٌ أُبِيحَ الْخُرُوجُ مِنْهُ احْتِرَازٌ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ إذَا تَحَلَّلَ مِنْهُ بِالْفَوَاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ (وَقَوْلُهُ) بِسَبَبٍ يَخْتَصُّ بِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَصْرِ الْعَامِّ (وَقَوْلُهُ) فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فَأَشْبَهَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ أَوْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ وَهُوَ وَحْدَهُ أَوْ فِي طَائِفَةٍ يَسِيرَةٍ فَأَمَّا الْجَمْعُ الْكَثِيرُ فَلَا يَلْزَمُهُمْ الْقَضَاءُ بِالْخَطَأِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لافرق فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا بَيْنَ الْإِحْصَارِ عَنْ الْبَيْتِ فَقَطْ أَوْ الْمَوْقِفِ فَقَطْ أَوْ عنهما أو عن المسعئ فَيَجُوزُ التَّحَلُّلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ
بِلَا خِلَافٍ
* فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ يُمْكِنُهُ سُلُوكُهُ فَإِنْ كَانَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ وَاضِحًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ تَعْجِيلَ التَّحَلُّلِ أَفْضَلُ أَمْ تَأْخِيرُهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا كَانَ حَصْرُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّحَلُّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ مَعَ الْحَلْقِ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا لَزِمَهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْحَصْرُ تَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ وَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ هَدْيَانِ هَدْيٌ لِلْفَوَاتِ وَهَدْيٌ لِلتَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا
* وَإِنْ كَانَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَإِنْ تَحَلَّلَ فَذَاكَ وَهَلْ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى إذَا زَالَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ (الْجَدِيدُ) الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ (وَالْقَدِيمُ) الْجَوَازُ وَعَلَى هَذَا يُحْرِمُ إحْرَامًا ناقصا(8/301)
وَيَأْتِي بِبَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَنَى مَعَ الْإِمْكَانِ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَقِيلَ) فِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ فَهُوَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ الدَّمِ لِفَوَاتِهِمَا كَغَيْرِ الْمُحْصَرِ وَبِمَاذَا يَتَحَلَّلُ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ أَمْ لَا وَعَلَى أن فَوَاتِ زَمَانِ الرَّمْيِ كَالرَّمْيِ أَمْ لَا فِيهِمَا خِلَافٌ سَبَقَ (فَإِنْ قُلْنَا) فَوَاتُ زَمَانِ الرَّمْيِ كَالرَّمْيِ وَقُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ حَلَقَ وَحَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِنُسُكٍ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِمُضِيِّ زَمَانِ الرَّمْيِ
* وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالطَّوَافُ بَاقٍ عَلَيْهِ فَمَتَى أَمْكَنَهُ طَافَ فَيُتِمُّ حَجَّهُ وَلَا بُدَّ مِنْ السَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى
* ثُمَّ إذَا تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ (فَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَآخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ لَكِنْ لَا تُجْزِئُهُ حَجَّتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهَا
* وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلَيْنِ وَطَرَدُوهُمَا فِي كُلِّ صُورَةٍ أَتَى فِيهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِنُسُكٍ لِتَأَكُّدِهَا الْإِحْرَامَ بِذَلِكَ النُّسُكِ
* وَلَوْ صُدَّ عَنْ عَرَفَاتٍ وَلَمْ يُصَدَّ عَنْ مَكَّةَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْأُمِّ لَزِمَهُ دُخُولُ مَكَّةَ وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) لَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ مُحْصَرٌ (وَالثَّانِي) يَجِبُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوُقُوفِ وَحْدَهُ فَأَشْبَهَ الْفَوَاتَ وَهَذَا الْقَائِلُ بِفَوَاتِ الْمُحْصَرِ هُوَ الْمَصْدُودُ عَنْ الْكَعْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ لَزِمَهُ دَمٌ وَهُوَ شَاةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ(8/302)
الْإِحْرَامِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ الشَّاةِ إلَى صَوْمٍ وَلَا إطْعَامٍ مَعَ وُجُودِهَا وَلَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ ذَبْحِهَا إذَا وَجَدَهَا فَإِنْ كَانَ الْمُحْصَرُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ ذَبْحُهَا فِيهِ وَتَفْرِقَتُهَا هُنَاكَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إيصَالُ الْهَدْيِ وَهُوَ الشَّاةُ إلَى الْحَرَمِ جَازَ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَيَتَحَلَّلُ وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ دِمَاءِ الْمَحْظُورَاتِ قَبْلَ الْإِحْصَارِ وَكَذَا مَا مَعَهُ مِنْ هَدْيٍ فَكُلُّهُ يَذْبَحُهُ فِي مَوْضِعِ إحْصَارِهِ وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ هُنَاكَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ إيصَالُهُ إلَى الْحَرَمِ وَذَبْحُهُ فِيهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُوصِلَهُ أَوْ يَبْعَثَهُ إلَيْهِ فَإِنْ ذَبَحَهُ فِي مَوْضِعِ إحْصَارِهِ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أُحْصِرَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ الْحَرَمِ فَذَبَحَ الْهَدْيَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ الْحَرَمِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْصَارِ صَارَ فِي حَقِّهِ كَنَفْسِ الْحَرَمِ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا وَجَدَ الْهَدْيَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَمَعَهُ ثَمَنُهُ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَوْ وَجَدَهُ مَعَ مَنْ لَا يَبِيعُهُ أَوْ يَبِيعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَذَلِكَ الْحَالِ أَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلثَّمَنِ أَوْ وَاجِدٌ وَهُوَ محتاج إليه لمونة سَفَرِهِ فَهَلْ لَهُ بَدَلٌ أَمْ لَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَهُ بَدَلٌ وَفِي بَدَلِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) الْإِطْعَامُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَوْسَطِ (وَالثَّانِي) الصِّيَامُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ (وَالثَّالِثُ) مخير بينهما قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الثَّالِثُ مُخْرِجٌ مِنْ فِدْيَةِ الْأَذَى (فَإِنْ قُلْنَا) الْإِطْعَامُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) إطْعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ وَتُقَوَّمُ الشَّاةُ دَرَاهِمَ وَيُخْرِجُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا فَإِنْ عَجَزَ صام عن كل مد يوما (والثاني) إطْعَامُ فِدْيَةِ الْأَذَى وَهُوَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ لِسِتَّةِ مساكين كما سبق ويجئ فِي كَيْفِيَّةِ تَفْرِقَتِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مَوْضِعِهِ (الْأَصَحُّ) لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَقِيلَ(8/303)
يجوز المفاضلة (وان قلنا) هو مخير فهو مُخَيَّرٌ بَيْنَ صَوْمِ فِدْيَةِ الْأَذَى وَإِطْعَامِهَا وَصَوْمِهَا ثلاثة أيام واطعام ثلاثة آصع ودليل الجميع فِي الْكِتَابِ (وَإِنْ قُلْنَا) بَدَلُهُ الصَّوْمُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلَائِلِهَا (أَحَدُهَا) عَشْرَةُ أَيَّامٍ كَالْمُتَمَتِّعِ (وَالثَّانِي) ثَلَاثَةٌ (وَالثَّالِثُ) بِالتَّعْدِيلِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلَا مَدْخَلَ لِلطَّعَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَكِنْ يُعْتَبَرُ بِهِ قَدْرُ الصِّيَامِ وَحَيْثُ انْكَسَرَ بَعْضُ مُدٍّ وَجَبَ بِسَبَبِهِ
صَوْمُ يَوْمٍ كَامِلٍ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّ بَدَلَهُ الْإِطْعَامُ بِالتَّعْدِيلِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَمَّا وَقْتُ التَّحَلُّلِ فَيَنْظُرُ إنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْهَدْيِ ذَبَحَهُ وَنَوَى التَّحَلُّلَ عِنْدَ ذَبْحِهِ وَهَذِهِ النِّيَّةُ شَرْطٌ بِاتِّفَاقِ الاصحاب لما ذكره الْمُصَنِّفُ ثُمَّ يَحْلِقُ وَهُوَ شَرْطٌ لِلتَّحَلُّلِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الذَّبْحُ وَالنِّيَّةُ والحلق والا فبالذبح وَالنِّيَّةُ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ فِي وَقْتِ تَحَلُّلِ وَاجِدِ الْهَدْيِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ أَنْ يَتَحَلَّلَ ثُمَّ يَذْبَحَ وَهَذَا غَلَطٌ (وَأَمَّا) إذَا فَقَدَ الْهَدْيَ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا بَدَلَ لَهُ فَهَلْ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ بِالنِّيَّةِ وَالْحَلْقِ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) يتحلل فِي الْحَالِ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَطْعًا وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا (وَالثَّانِي) لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِذَبْحِهِ مَعَ النِّيَّةِ وَالْحَلْقِ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْهَدْيِ بَدَلٌ فَإِنْ(8/304)
قُلْنَا هُوَ الْإِطْعَامُ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ وَعَلَى النِّيَّةِ وَالْحَلْقِ إنْ وُجِدَ الْإِطْعَامُ فَإِنْ فَقَدَهُ فَهَلْ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا إذَا قُلْنَا لَا بَدَلَ (الْأَصَحُّ) يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ (وَالثَّانِي) لَا حَتَّى يُطْعِمَ (وَإِنْ قُلْنَا) بَدَلُهُ الصَّوْمُ أَوْ مُخَيَّرٌ وَاخْتَارَ الصَّوْمَ فَهَلْ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ أَمْ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّوْمِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْأَكْثَرُونَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ فِي التَّنْبِيهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ فَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ قُلْنَا هُوَ نُسُكٌ والا فالنية وحدها والله أعلم
* (فرع)
قال المصنف والاحصاب الْحَصْرُ ضَرْبَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَالْعَامُّ سَبَقَ حُكْمُهُ وَالْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَقَعُ لِوَاحِدٍ أَوْ شِرْذِمَةٍ مِنْ الرُّفْقَةِ فَيُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْصُورُ مَعْذُورًا فِيهِ كَمَنْ حُبِسَ فِي دَيْنٍ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ بَلْ عَلَيْهِ أَدَاءُ الدَّيْنِ وَالْمُضِيُّ فِي الْحَجِّ فَإِنْ تَحَلَّلَ لَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَجِّ بِذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ كَانَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا إحْصَارٍ فَيَلْزَمُهُ قَصْدُ مَكَّةَ وَالتَّحَلُّلُ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ كَمَا سَبَقَ
* وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا
كَمَنْ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ ظُلْمًا أَوْ بِدَيْنٍ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُ التَّحَلُّلِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ والله أعلم
*(8/305)
(فَرْعٌ)
إذَا تَحَلَّلَ الْمُحْصَرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنْ كَانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَطَوُّعًا نُظِرَ إنْ كَانَ وَاجِبًا مُسْتَقِرًّا كَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي اسْتَقَرَّ وُجُوبُهَا قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ بَقِيَ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ وَإِنَّمَا أَفَادَهُ الْإِحْصَارُ جَوَازَ الْخُرُوجِ مِنْهَا
* وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ وَهِيَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ سَقَطَتْ الِاسْتِطَاعَةُ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهِ شُرُوطُ الِاسْتِطَاعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ
* فَلَوْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ وَأَمْكَنَهُ الْحَجُّ مِنْ سَنَتِهِ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ لَكِنْ لَهُ أن يؤخر الحج عن هذه السنة لا ن الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ وَهُوَ فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ جَمِيعًا وَفِي الْخَاصِّ قَوْلٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ لِنُدُورِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ ودليله ممنوع والله أَعْلَمُ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حُبِسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْتَقِرُّ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ لَزِمَهُ الدَّمُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا إنْ لَمْ يَكُنْ سَبَقَ مِنْهُ شَرْطٌ فَإِنْ كَانَ شَرَطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ فَفِي تَأْثِيرِ هَذَا الشَّرْطِ فِي إسْقَاطِ الدَّمِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لَا أَثَرَ لَهُ فَيَجِبُ الدَّمُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ جَائِزٌ بِلَا شَرْطٍ فشرطه(8/306)
لَغْوٌ (وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ) فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الدَّمُ (وَالثَّانِي) لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الصَّحِيحِ
وَأَوْلَى فَإِذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ جِمَاعًا مُفْسِدًا ثُمَّ أُحْصِرَ تَحَلَّلَ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْإِفْسَادِ وَدَمٌ لِلْإِحْصَارِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِسَبَبِ الْإِفْسَادِ فَلَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ لِقَاءُ الْكَعْبَةِ تَحَلَّلَ فِي مَوْضِعِهِ تَحَلُّلَ الْمُحْصَرِ وَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمٌ لِلْإِفْسَادِ وَدَمٌ لِلْفَوَاتِ وَدَمٌ لِلْإِحْصَارِ فَدَمُ الْإِفْسَادِ بَدَنَةٌ وَالْآخَرَانِ شَاتَانِ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ وَاحِدٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَمُنِعَ مَا سِوَى الطَّوَافِ وَالَسْعَى وَمُكِّنَ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالْحَلْقِ وَفَوَاتُ الرَّمْيِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ وَيَجْبُرُ الرَّمْيَ بِدَمٍ وَتَقَعُ حَجَّتُهُ مُجْزِئَةً عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ أُحْصِرَ فَتَحَلَّلَ ثُمَّ زَالَ الْحَصْرُ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ فَأَمْكَنَهُ الْحَجُّ مِنْ سَنَتِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ الْفَاسِدَ مِنْ سَنَتِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَلَا يُمْكِنُ قَضَاءُ الْحَجِّ فِي سَنَةِ الْإِفْسَادِ إلَّا فِي هذه المسألة
*(8/307)
(فَرْعٌ)
لَوْ أُحْصِرَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَلَمْ يَتَحَلَّلْ وَجَامَعَ لَزِمَتْهُ الْبَدَنَةُ وَالْقَضَاءُ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَامَعَ الصَّائِمُ الْمُسَافِرُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ قَصَدَ التَّرَخُّصَ بِالْجِمَاعِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجِمَاعَ فِي الصَّوْمِ يَحْصُلُ به الخروج من الصوم بخلاف الحج * قال المصنف رحمه الله
* (ومن أحرم فاحصره غريمه وحبسه ولم يجد ما يقضي دينه فله أن يتحلل لانه يشق البقاء على الاحرام كما يشق بحبس العدو
* وان أحرم وأحصره المرض لم يجز له أن يتحلل لانه لا يتخلص بالتحلل من الاذى الذي هو فيه فهو كمن ضل الطريق)
* (الشَّرْحُ) فِي الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ الْحَصْرَ نَوْعَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ وَسَبَقَ بَيَانُ النَّوْعَيْنِ (الثَّانِيَةُ) فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ هَذَا مَبْسُوطَةً فِي فَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ (فَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ فَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَإِنِّي شَاكِيَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ تحلى حيث حبستي وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ أهلى بالحج واشترطي أن تحلي حيث حبستي قال فادركت (1)) رواه (2)
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ فَأَشْتَرِطَ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ فَكَيْفَ أَقُولُ قَالَ قُولِي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ مَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي) رَوَاهُ الامام
__________
(1) كذا بالاصل فحرر (2) كذا بالاصل فحرر(8/308)
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعَنْ سُوَيْد بْن غَفَلَةَ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - قَالَ (قَالَ لي عمر ابن الْخَطَّابِ يَا أَبَا أُمَيَّةَ حُجَّ وَاشْتَرِطْ فَإِنَّ لَك مَا اشْتَرَطْت وَلِلَّهِ عَلَيْك مَا اشْتَرَطْت) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (حُجَّ وَاشْتَرِطْ وَقُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَك عَمَدْت فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
* وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةِ (هَلْ تَسْتَثْنِي إذَا حَجَجْت فَقَالَ مَاذَا أَقُولُ قَالَتْ قُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ يَسَّرْته فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَهُوَ عُمْرَةٌ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَيَقُولُ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ عِنْدِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَوْ بَلَغَهُ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ فِي الِاشْتِرَاطِ لَمْ يُنْكِرْهُ كَمَا لَمْ يُنْكِرْهُ أَبُوهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ السُّنَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ ابن عباس (لاحصر إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ) فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ (وَأَمَّا) مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ (وَالْأَظْهَرُ) أَنَّهُ أَرَادَ مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَرِيبًا وَالسُّنَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى قَوْلِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عِكْرِمَةَ قَالَ (سَمِعْت الحجاج ابن عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ الصَّحَابِيَّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ قَالَ عِكْرِمَةُ فَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ بَعْدَ فَوَاتِهِ بِمَا يَحِلُّ بِهِ مَنْ يَفُوتُهُ الْحَجُّ بِغَيْرِ مَرَضٍ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ(8/309)
فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا شرط التحلل به والله اعلم
* (اما) احكام الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَرِضَ الْمُحْرِمُ وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْآثَارِ قَالُوا بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا وَإِنْ كَانَ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ (أما) إذا شرط في احرامه أنه إذا مَرِضَ تَحَلَّلَ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى صِحَّةِ الشَّرْطِ لِحَدِيثِ ضُبَاعَةَ وَنَصَّ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ مِنْ الْجَدِيدِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ ضُبَاعَةَ مُرْسَلًا فَقَالَ (عن عروة بن عروة بن الزبير أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِضُبَاعَةَ) الْحَدِيثَ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عُرْوَةَ لَمْ أَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدِي خِلَافُ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَوَى الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ السَّابِقَةَ فِيهِ هَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ
* (وَأَمَّا) الْأَصْحَابُ فَلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ قَوْلًا وَاحِدًا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ قَالُوا وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِي نَصِّهِ الَّذِي حَكَيْته الْآنَ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ عُرْوَةَ لَمْ أَعْدُهُ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِصِحَّةِ الِاشْتِرَاطِ لِلْأَحَادِيثِ
* وَأَجَابَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ محلي حَيْثُ حَبَسْتنِي بِالْمَوْتِ مَعْنَاهُ حَيْثُ أَدْرَكَتْنِي الْوَفَاةُ أَقْطَعُ إحْرَامِي وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَعَجَبٌ مِنْ جَلَالَةِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ كَيْفَ قَالَ هذا وكيف يصح حُكْمُهُ عَلَى أَمْرِهَا بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَوْتِ قَاطِعَ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/310)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ لِغَرَضٍ آخَرَ كَضَلَالِ الطَّرِيقِ وَفَرَاغِ النَّفَقَةِ وَالْخَطَأِ فِي الْعَدَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ حُكْمُ اشْتِرَاطِ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ فَيَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ أَصْحَابُنَا العراقيون والبغوي وجمهور الخراسانين
* وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ قَالُوا بِأَنَّ كُلَّ مُهِمٍّ يَحِلُّ مَحَلَّ الْمَرَضِ الثَّقِيلِ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَرَضِ قَالَ وَكَانَ شَيْخِي يَقْطَعُ بِأَنَّ الشَّرْطَ لَاغٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ عَلَى الْقَوْلِ إلَّا بالمرض للحديث والله أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ صَحَّحْنَا الشَّرْطَ فَتَحَلَّلَ فان كان شرط التحلل بالهدي لزمه الْهَدْيُ وَإِنْ كَانَ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِلَا هَدْيٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْهَدْيُ وَإِنْ أَطْلَقَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ كَالْمُحْصَرِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ضُبَاعَةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَصَحَّحُوهُ وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وغيره وينكر على المصنف والبغوي جزمهما بالوجوب
* وفرق الاصحاب بينه وبين المحصر بان مقتضي الشرط انتهاء الاحرام بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ شئ مِنْ أَفْعَالِ النُّسُكِ (وَأَمَّا) الْمُحْصَرُ فَقَدْ(8/311)
تَرَكَ الْأَفْعَالَ الَّتِي كَانَ يَقْتَضِيهَا إحْرَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً عِنْدَ الْمَرَضِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ
* وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ شَرْطِ الْمَرَضِ فَيَقْتَضِي إثْبَاتَ خِلَافٍ ضَعِيفٍ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ كَمَا(8/312)
نَصَّ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْته عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَالَ إنْ مَرِضْت وَفَاتَنِي الْحَجُّ كَانَ عُمْرَةً كَانَ عَلَى مَا شَرَطَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا وَجَدَ الْمَرَضَ هَلْ يَصِيرُ حَلَالًا بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ أَمْ يُشْتَرَطُ إنْشَاؤُهُ كَالْمُحْصَرِ يَنْظُرُ إنْ قَالَ إنْ مَرِضْت تَحَلَّلْت مِنْ إحْرَامِي فَلَا يخرج من(8/313)
الْإِحْرَامِ إذَا وَجَدَ الْمَرَضَ إلَّا بِالتَّحَلُّلِ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ الْخُرُوجَ وَيَحْلِقَ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَيَذْبَحَ إنْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ
وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا وَكَذَا لَوْ قَالَ مَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ حَبَسْتنِي لَا يَتَحَلَّلُ عِنْدَ(8/314)
الْحَبْسِ إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَوْ قَالَ إنْ مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ أَوْ قَالَ إنْ حَبَسَنِي مَرَضٌ فَأَنَا حَلَالٌ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يَصِيرُ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ وَهُوَ المنصوص ونقلوه(8/315)
عَنْ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّحُوهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ إلَّا عَلَى هَذَا وَفِيهِ تَأْوِيلُ الْبَيْهَقِيُّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) لَا بُدَّ مِنْ التَّحَلُّلِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (الْأَصَحُّ)(8/316)
لَا يَلْزَمُهُ فَيَلْزَمُهُ النِّيَّةُ فَقَطْ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَغَلِطَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ الْقَائِلُ بِوُجُوبِ الدَّمِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا
* وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِلَا عُذْرٍ بِأَنْ قَالَ فِي إحْرَامِهِ مَتَى شِئْت خَرَجْت مِنْهُ أَوْ إنْ نَدِمْت أَوْ كَسِلْت وَنَحْوَ ذلك فلا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/317)
(فَرْعٌ)
إذَا صَحَّحْنَا اشْتِرَاطَ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّمَا يَنْفَعُ الشَّرْطُ وَيَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِهِ إذَا كَانَ مُقْتَرِنًا بِإِحْرَامِهِ فَإِنْ تَقَدَّمَهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ الشَّرْطُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ به الماوردي وغيره
* (فرع)
إذا شرط التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا خِلَافًا فِي صحة الشرط قال اصحابنا وينعقد الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ صَحَّحْنَا الشَّرْطَ أَمْ لَا
*
(فَرْعٌ)
مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا لِجَوَازِ اشْتِرَاطِ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ وَصِحَّةِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِعُذْرٍ صَحَّ الشَّرْطُ وَجَازَ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِذَلِكَ الْعُذْرِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ
*(8/318)
(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ تَأَوَّلَ حَدِيثَ ضُبَاعَةَ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي بِالْمَوْتِ وَذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَتَأَوَّلَهُ الرُّويَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِضُبَاعَةَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ أَيْضًا وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا قَالَ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَمْ أَعْدُهُ وَلَمْ يَتَأَوَّلْهُ وَلَمْ يَخُصَّهُ
* (فَرْعٌ)
قال أصحابنا التحلل بالمرض ونحوه إذا صَحَّحْنَاهُ لَهُ حُكْمَ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ تَطَوُّعًا لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِضُبَاعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ (اشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي) وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ فَلَيْسَ ضُبَاعَةُ أَسْلَمِيَّةً بَلْ هِيَ هَاشِمِيَّةٌ وَهِيَ بِنْتُ عم رسول(8/319)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ ضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا عَنْ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن أحرم العبد بغير إذن المولى جاز للمولى أن يحلله لان منفعته مستحقة له فلا يملك أبطالها عليه بغير رضاه فان ملكه السيد مالا وقلنا أنه يملك تحلل بالهدي وإن لم يملكه أو ملكه وقلنا انه لا يملك فهو كالحر المعسر وهل يتحلل قبل الهدي أو الصوم على ما ذكرناه من القولين في الحر ومن أصحابنا من قال يجوز للعبد أن يتحلل قبل الهدي والصوم قولا واحدا لان على المولى ضررا في بقائه على الاحرام لانه ربما يحتاج أن يستخدمه في قتل صيد أو إصلاح طيب وإن أحرم باذن المولى لم يجز له أن يحلله لانه عقد لازم عقده باذن المولى فلم يملك اخراجه منه كالنكاح وإن أحرم(8/320)
المكاتب بغير اذن المولى ففيه طريقان أحدهما أنه على قولين بناء على القولين في سفره للتجارة
ومن أصحابنا من قال له أن يمنعه قولا واحدا لان في سفر الحج ضررا على المولى عن غير منفعة وسفر التجارة فيه منفعة للمولى)
*(8/321)
(الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ احْتِرَازٌ مِمَّا لَوْ رَآهُ يَحْتَطِبُ أَوْ يَحْتَشُّ فَمَنَعَهُ إتْمَامَهُ (وَقَوْلُهُ) لَازِم احْتِرَازٌ مِنْ الْجَعَالَةِ إذَا شَرَعَ الْعَبْدُ فِيهَا (وَقَوْلُهُ) عَقْدٌ بِإِذْنٍ احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْمَأْذُونِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ شَرْحِ جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ جُمَلٍ مِنْ الفوائد والفروع المستكثرات في أول كتاب الج عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُهُ الحج ويصح منه والله أعلم
*(8/322)
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
* (وان أحرمت المراة بغير إذن الزوج فان كان في تطوع جاز له أن يحللها لان حق الزوج واجب فلا يجوز ابطاله عليه بتطوع وان كان في حجة الاسلام ففيه قولان
(أحدهما)
أن له أن يحللها(8/323)
لان حقه على الفور والحج على التراخي فقدم حقه (والثاني) أنه لا يملك لانه فرض فلا يملك تحليلها منه كالصوم والصلاة)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ فَلَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا مِنْهُ يَنْتَقِضُ بِصَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَضَاءِ الَّذِي لَمْ يُنْتَقَضْ فَإِنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَرْضٌ بِأَصْلِ(8/324)
الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تُحْرِمَ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِهَا وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي كُتِبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا قَالَ فَانْطَلِقْ فَاحْجُجْ مَعَ امْرَأَتِك) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* فان(8/325)
أَرَادَتْ حَجَّ إسْلَامٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَأَذِنَ الزَّوْجُ وَأَحْرَمَتْ بِهِ لَزِمَهُ تَمْكِينُهَا مِنْ إتْمَامِهِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَمَا سَبَقَ فِيمَا لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ وَكَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ تَحْلِيلُهَا لَا يَجُوزُ لَهَا التَّحَلُّلُ فَإِنْ تَحَلَّلَتْ لَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْحَجِّ كَمَا لَوْ نَوَى غَيْرُهَا الْخُرُوجَ مِنْ الْحَجِّ بِلَا إحْصَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ
* وَإِنْ أَرَادَتْ حَجَّ الْإِسْلَامِ فَمَنَعَهَا الزَّوْجُ فَهَلْ لَهُ الْمَنْعُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ(8/326)
وَعَجَبٌ كَيْفَ أَهْمَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ الْمَنْصُوصُ فِي بَابِ حَجِّ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ مِنْ الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِدِ مِنْ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا
* وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا وَاتَّفَقُوا(8/327)
عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْطَلِقَ إلَى الْحَجِّ إلَّا باذن زوجها)(8/328)
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ
* وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي فَقُدِّمَ مَا كَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا تُقَدَّمُ الْعِدَّةُ عَلَى الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ (وَالْقَوْلُ) الثَّانِي لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم من رواية ابن عمرو قياسا عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ(8/329)
(وَأَجَابَ) الْأَوَّلُونَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى انه نهي تَنْزِيهٌ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْمُتَزَوِّجَاتِ لِأَنَّ غَيْرَ المزوجات لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِنَّ حَقٌّ عَلَى الْفَوْرِ وَذَلِكَ كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّ الْمُرَادَ لَا تَمْنَعُوهُنَّ مَسَاجِدَ اللَّهِ لِلصَّلَوَاتِ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ مُدَّتَهُ طَوِيلَةٌ بِخِلَافِهِمَا والله أَعْلَمُ
* فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجِّ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ مَنْعُهَا فَهَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران(8/330)
وَهُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَجِّ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ قَالَ أَصْحَابُنَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ لَهُ تَحْلِيلَهَا وَهُوَ نصه في مختصر المزني وممن صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ فِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَغَيْرُهُمْ
* وَشَذَّ عَنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا لِأَنَّهُ يَضِيقُ بِالشُّرُوعِ (وَالْمَذْهَبُ) أَنَّ لَهُ تَحْلِيلَهَا كَمَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ سَابِقٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(8/331)