لَمْ يَتَرَخَّصْ بَلْ صَارَ بِالنِّيَّةِ مُقِيمًا وَسَوَاءٌ زَمَنُ الرُّجُوعِ وَزَمَنُ الْحُصُولِ فِي الْبَلَدِ فِي الحالتين فحيث ترخص بترخص فِيهِمَا وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَوْضِعِ الرُّجُوعِ إلَى الْوَطَنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَإِنْ كَانَتْ فَهُوَ مُسَافِرٌ فَيَتَرَخَّصُ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ خَرَجُوا مِنْ الْبَلَدِ وَأَقَامُوا فِي مَوْضِعٍ بِنِيَّةِ انْتِظَارِ رُفْقَتِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ خَرَجُوا سَارُوا كُلُّهُمْ وَإِلَّا رَجَعُوا وَتَرَكُوا السَّفَرَ لَمْ يَجُزْ لهم القصر لانهم لم يجزوا بِالسَّفَرِ وَهَذِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَأَمَّا إذَا قَالَ نَنْتَظِرُهُ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً فَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا سِرْنَا فَلَهُمْ الْقَصْرُ لِأَنَّهُمْ جَزَمُوا بِالسَّفَرِ
* (فَرْعٌ)
فِي انْتِهَاءِ السَّفَرِ الَّذِي تَنْقَطِعُ بِهِ الرُّخَصُ: قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ (الْأَوَّلُ) الْعَوْدُ إلَى الْوَطَنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَضَابِطُهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي شَرَطْنَا مُفَارَقَتَهُ فِي إنْشَاءِ السَّفَرِ مِنْهُ فَبِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ تَنْقَطِعُ الرُّخَصُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْوَطَنِ الْوُصُولُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ إذَا عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهِ الْقَدْرَ الْمَانِعَ مِنْ التَّرَخُّصِ فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهِ ذَلِكَ الْقَدْرِ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْقَطِعُ تَرَخُّصُهُ بَلْ يَتَرَخَّصُ فِيهِ لِأَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ مُسْتَمِرٌّ حَتَّى يَقْطَعَهُ بِإِقَامَةٍ أَوْ نِيَّةٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاقِينَ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
يَنْقَطِعُ كَالْوَطَنِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَوْ حَصَلَ فِي طَرِيقِهِ فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مُسْتَوْطَنُهَا الْآنَ فَهَلْ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِدُخُولِهَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْتَهِي بل له الترخص فِيهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقِيمًا وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ مَرَّ فِي سَفَرِهِ بِوَطَنِهِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَنَوَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهَا وَيَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ إقَامَةٍ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهَا لِأَنَّهُ فِي وَطَنِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسَافِرًا
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَبَلَدِ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ فَعَلَى أحدهما(4/350)
العود إلى الوطن لا يَقْتَضِي انْتِهَاءُ السَّفَرِ إلَّا إذَا عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) نِيَّةُ الْإِقَامَةِ
(وَالثَّالِثُ) صُورَةُ الْإِقَامَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَنَشْرَحُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ خَرَجَ إنْسَانٌ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالِيًا عَلَى مَكَّةَ وَأَرَادَ الْحَجَّ وَأَحْرَمَ بِهِ قَصَرَ فِي طَرِيقِهِ مَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ فَإِذَا دَخَلَهَا انْقَطَعَ سَفَرُهُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ فِي خُرُوجِهِ إلَى عَرَفَاتِ وَمِنًى فَإِنْ عُزِلَ عَنْ الْوِلَايَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَصْرُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ بُنَيَّةِ السَّفَرِ إلَى مَسَافَةِ القصر وان ولى بلادا كثيرة فَخَرَجَ إلَيْهَا وَنِيَّتُهُ الْمَقَامُ فِي بَعْضِهَا جَازَ لَهُ الْقَصْرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ يَدْخُلُهُ غَيْرَ بَلَدِ الْإِقَامَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا فِي وِلَايَتِهِ ويقصر " * قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ حَتَّى يَكُونَ جَمِيعُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَلَدِ ثُمَّ سَارَتْ السَّفِينَةُ وَحَصَلَتْ فِي السَّفَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَكَذَا إنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي سَفِينَةٍ فِي السَّفَرِ ثُمَّ اتَّصَلَتْ السَّفِينَةُ بِمَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ اُجْتُمِعَ فِي صَلَاتِهِ مَا يَقْتَضِي الْقَصْرَ وَالْإِتْمَامَ فَغَلَبَ الْإِتْمَامُ وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ حَتَّى يَنْوِيَ الْقَصْرَ فِي الْإِحْرَامِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ عَلَى الْإِتْمَامِ فَلَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ كالمقيم)
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ كَمَا ذَكَرَهَا بِاتِّفَاقٍ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَارَ مُقِيمًا أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا وَلَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْإِتْمَامِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ قَطَعَتْ حُكْمَ الرُّخْصَةِ بِتَعْيِينِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِتْمَامُ مُنْدَرِجٌ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ نَوَيْت الْقَصْرَ مَا لَمْ يَعْرِضْ مَا يُوجِبُ الْإِتْمَامَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا ثُمَّ تَذَكَّرَ عَلَى قُرْبٍ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَضَى جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى حكم الاتمام وكذا لو دخل في فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فِي سَفِينَةِ بَلَدِهِ أَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ بَلَدُهُ أَمْ لَا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بَلَدَهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَسْتَشْكِلُ ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فِي الْبَلَدِ فِي سَفِينَةٍ لِأَنَّهُ إنْ نوى الصلاة(4/351)
تَامَّةً أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً وَلَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْقَصْرِ وَهُوَ نِيَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَإِنْ نَوَى الْقَصْرَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ مَنْ نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ فِي الْبَلَدِ فَصَلَاتُهُ
بَاطِلَةٌ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَيَكْفِي فِي أَشْكَالِهَا أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ مَعَ جَلَالَتِهِ اسْتَشْكَلَهَا فَقَالَ لَيْسَ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كثير فَائِدَةٍ ثُمَّ بَسَطَ الْقَوْلَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَتْهُ وَذَكَرَ احْتِمَالَيْنِ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُقِيمِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ لَيْسَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ نَقْلٌ قَالَ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْمُقِيمَ لَوْ نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ جَزْمًا وَلَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَوَى التَّرَخُّصَ بِالْقَصْرِ فَفِيهِ احْتِمَالٌ هَذَا كَلَامُهُ وَجَزَمَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُقِيمِ الَّذِي نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ و (الجواب) عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُقَالَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ مُطْلَقًا فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَلَدِ ثُمَّ يَسِيرُ وَيُفَارِقُ الْبَلَدَ فِي أَثْنَائِهَا فَيَجِبُ الْإِتْمَامُ لِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) فَقْدُ نِيَّةِ الْقَصْرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ (وَالثَّانِيَةُ) اجْتِمَاعُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِيهَا فبينو أَنَّ اجْتِمَاعَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِي الْعِبَادَةِ يُوجِبُ تَغْلِيبَ حُكْمِ الْحَضَرِ وَيُسْتَدَلُّ بِهِ حِينَئِذٍ فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ وَهِيَ إذَا مَسَحَهُ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ فَعِنْدَنَا يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ فَيَقُولُ اجْتَمَعَ الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ وَاجْتِمَاعُهُمَا يُوجِبُ تَغْلِيبَ الْحَضَرِ وَقَدْ وَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا وَهَذَا الْقِيَاسُ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ(4/352)
أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ حَتَّى يَنْوِيَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَوْ نَوَاهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَلَوْ قَبْلَ السَّلَامِ جَازَ الْقَصْرُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْقَصْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ الْقَصْرُ وَحَكَى الشيخ أبو حامد وصاحب البيان عن المغربي أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ ثُمَّ نَوَى فِي أَثْنَائِهَا أَنْ يَقْصُرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ لِمَا سَبَقَ وَعَلَى الْآخَرِينَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا فَمَتَى وَجَدَ جُزْءٌ مِنْهَا بِغَيْرِ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَجَبَ إتْمَامُهَا تَغْلِيبًا لِلْأَصْلِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَصْرِ الْعِلْمُ بِجَوَازِهِ فَلَوْ جَهِلَ جَوَازَهُ فَقَصَرَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ احتمالا وليس
بشئ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَكَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَمْ يَرَ نَصَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتِّفَاقَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِالْمَسْأَلَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ نَوَى الظُّهْرَ مُطْلَقًا وَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ عَمْدًا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا أَرْبَعًا لِالْتِزَامِهِ الْإِتْمَامَ فَإِنْ صَلَاتُهُ انْعَقَدَتْ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَاهِلُ الْقَصْرَ فَهُوَ مُتَلَاعِبٌ وَإِذَا أَعَادَهَا فَلَهُ الْقَصْرُ إذَا عَلِمَ جَوَازَهُ لِعَدَمِ شُرُوعِهِ فِيهَا وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ فِي الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ لَا يَعْقِدُ صَلَاتَهُ تَامَّةً ثُمَّ فَسَدَتْ وَهُنَا لَمْ تنعقد بِخِلَافِ الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا
*(4/353)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا نِيَّةُ الْقَصْرِ شَرْطٌ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا يَجِبُ اسْتِدَامَةُ ذِكْرِهَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ الِانْفِكَاكُ عَنْ مُخَالِفَةِ الْجَزْمِ بِهَا فَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي الْقَصْرِ والاتمام أو شك فيه جَزَمَ بِهِ أَوْ تَذَكَّرَهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَلَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَاهٍ بِأَنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَرَى الْإِتْمَامَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ بَلْ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ نَوَى مُفَارَقَتَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ حَتَّى يَعُودَ وَيُسْلَمَ مَعَهُ وَإِنَّمَا قَالُوا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ بِقِيَامِ الْإِمَامِ سَاهِيًا تَوَجَّهَ السُّجُودُ عَلَيْهِمَا فَلَوْ أَرَادَ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ أَتَمَّ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْإِمَامِ فِي سَهْوِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ عَلِمْنَا أَنَّ مَا هُوَ فِيهِ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ مِنْ آخِرِ الصَّلَاةِ رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ الْإِمَامُ بَعْدَهَا إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي تَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ قَامَ إمَامُهُ سَاهِيًا أَوْ مُتِمًّا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِتَرَدُّدِهِ وَلَوْ نَوَى الْمُنْفَرِدُ الْقَصْرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ فَإِنْ كَانَ حَدَثَ مَا يقتضى الاتمام كنية الاتمام أَوْ الْإِقَامَةِ أَوْ حُصُولِهِ بِدَارِ الْإِقَامَةِ فِي سَفِينَةٍ فَقَامَ لِذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ وَاجِبَهُ وَإِنْ لم يحدث شئ مِنْ ذَلِكَ وَقَامَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ عَمْدًا كَمَا لَوْ قَامَ الْمُقِيمُ إلَى خَامِسَةٍ وَكَمَا لَوْ قَامَ الْمُتَنَفِّلُ إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ قَبْلَ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ وَإِنْ قَامَ سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَيُسْلَمَ فَلَوْ أَرَادَ الْإِتْمَامَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ يَنْهَضَ مُتِمًّا وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ فِي قِيَامِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ النُّهُوضَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَاجِبٌ وَنُهُوضُهُ كَانَ لَاغِيًا لِسَهْوِهِ وَلَوْ صَلَّى ثَالِثَةً وَرَابِعَةً سَهْوًا وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ فَتَذَكَّرَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَتْ
صَلَاتُهُ مَقْصُورَةً وَتَكُونُ الرَّكْعَتَانِ الزَّائِدَتَانِ لَاغِيَتَيْنِ وَلَا تَبْطُلُ بِهِمَا الصَّلَاةُ لِلسَّهْوِ فَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَتَيْنِ آخِرَتَيْنِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ الاتمام يقتضى(4/354)
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مَحْسُوبَاتٍ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْقَصْرَ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى مَا لَوْ أَحْرَمَ فِي سَفِينَةٍ فِي السَّفَرِ ثُمَّ وَصَلَتْ الْوَطَنَ فِيهَا وَلَوْ نَوَى الْإِمَامُ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ وَالْمَأْمُومِينَ الْإِتْمَامُ قَالَ أبو حامد قال مالك للمأمومين القصر
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِمَنْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ فَإِنْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَا يَقْتَضِي الْقَصْرَ وَالتَّمَامَ فَغَلَبَ التَّمَامُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْصُرَ الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِمُقِيمٍ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَلَاةٌ تَامَّةٌ فَهُوَ كَالْمُؤْتَمِّ بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ تَامَّةً فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ أَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَزِمَهُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِفْسَادِ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَإِنْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بالصلاة في السفر أو في الحضر أَوْ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا أَوْ هَلْ إمَامُهُ مُسَافِرٌ أَوْ مُقِيمٌ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لان الاصل هو التمام والقصر أُجِيزُ بِشُرُوطٍ فَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الشُّرُوطُ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ فَإِنْ ائْتَمَّ بِمُسَافِرٍ أَوْ بِمَنْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَ أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ خَلْفَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِمَامَ مُسَافِرٌ فَإِنْ أَتَمَّ الْإِمَامُ تَبِعَهُ فِي الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ أَوْ بِمَنْ نوى الْإِتْمَامَ وَإِنْ أَفْسَدَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ أَوْ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ قَوْلُ ابى اسحق لِأَنَّهُ شَكٌّ فِي عَدَدِ الصَّلَاةِ وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الصَّلَاةِ لَزِمَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ لَا عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الثَّلَاثُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ لِأَنَّهُ أئتم بمن الظاهر منه انه يقصر)
*(4/355)
(الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِمَنْ ائْتَمَّ بمتم كان الاحسن أن يقول بمقيم لِأَنَّهُ أَعَمُّ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ مؤتم بمقيم كان الاحسن بمتم وقوله لِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَلَاةٌ تَامَّةٌ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ وَسَنُوضِحُهُ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ شَرْطُ الْقَصْرِ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِمُتِمٍّ فَمَنْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ فِي لَحْظَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتِمُّ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ تَرَكَ نِيَّةَ الْقَصْرِ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَيُتَصَوَّرُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُتِمِّ فِي لَحْظَةٍ فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) أَنْ يُدْرِكَهُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ يُحَدِّثَ الْإِمَامُ عَقِبَ إحْرَامِ الْمَأْمُومَ أَوْ يَنْوِيَ مُفَارَقَتَهُ عَقِبَ الِاقْتِدَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ مَقْصُورَةً جَازَ لَهُ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِمُتِمٍّ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً خَلْفَ مَنْ يَقْضِي الصُّبْحَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِمُتِمٍّ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْعَدَدِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا فَلِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ الصُّبْحَ لَا يَخْتَلِفُ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ فِيهَا وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً خَلْفَ الْجُمُعَةِ مُسَافِرًا كَانَ إمَامُهَا أَوْ مُقِيمًا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِمُتِمٍّ (وَالثَّانِي) إنْ قُلْنَا هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ جَازَ الْقَصْرُ كَالظُّهْرِ مَقْصُورَةً خَلْفَ عَصْرٍ مَقْصُورَةٍ وَإِلَّا فَهِيَ كَالصُّبْحِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَمَتَى عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ مُقِيمٌ لَزِمَهُ الاتمام فلو اقتدى به ونوى القصر انعقد صَلَاتُهُ وَلَغَتْ نِيَّةُ الْقَصْرِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُقِيمِ يَنْوِي الْقَصْرَ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ وَالْمُسَافِرُ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يَضُرَّهُ نِيَّتُهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ صَارَ مُقِيمًا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَيْهَا أَمَّا إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إمَامَهُ مُسَافِرًا وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ خَلْفَهُ وَكَذَا لَوْ عَلِمَ أو ظنه مسافرا ولم يدرأ نوى الْقَصْرَ أَمْ لَا فَلَهُ الْقَصْرُ وَرَاءَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَضُرُّهُ الشَّكُّ فِي نِيَّةِ إمَامِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ نِيَّةُ الْقَصْرِ وَلَوْ عَرَضَ هَذَا الشَّكُّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ يُؤَثِّرْ بَلْ لَهُ الْقَصْرُ وَلَوْ جَهِلَ نِيَّةَ إمَامِهِ الْمُسَافِرِ فَعَلَّقَ عَلَيْهَا فَقَالَ إنْ قَصَرَ
قَصَرْت وَإِنْ أَتَمَّ أَتْمَمْت فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ التَّعْلِيقِ فَإِنْ أَتَمَّ الْإِمَامُ أَتَمَّ وَإِنْ قَصَرَ قَصَرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَمُقْتَضَى الْأَطْلَاقِ هُوَ مَا نَوَى
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِلشَّكِّ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوْ أَفْسَدَهَا فَقَالَ كُنْت نَوَيْت الْقَصْرَ جَازَ لِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ وَإِنْ قَالَ كُنْت نَوَيْت الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ انْصَرَفَ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ مَا نَوَاهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذكرهما المصنف(4/356)
بدليلهما (أصحهما) وهو المنصوص وقول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ لَهُ الْقَصْرُ وَلَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ امامه بشئ لَكِنَّهُ عَادَ فَاسْتَأْنَفَ صَلَاتَهُ رَكْعَتَيْنِ فَلِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ وَإِنْ صَلَّاهَا أَرْبَعًا لَزِمَ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ فَيَعْمَلُ بِفِعْلِهِ كَمَا يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ شَكَّ هَلْ إمَامُهُ مُسَافِرٌ أَمْ مُقِيمٌ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ بَانَ الْإِمَامُ مُتِمًّا أَوْ قَاصِرًا أَوْ انصرف وجهل حاله وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ إذَا بَانَ قَاصِرًا فَلَهُ الْقَصْرُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِمُتِمٍّ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوْ بان محدثا أو فسدت صلاة المأموم فستأنفها فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِلَا خِلَافٍ لِالْتِزَامِهِ ذَلِكَ بِشُرُوعٍ صَحِيحٍ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا قَاصِرًا فَبَانَ مُقِيمًا أَوْ مُتِمًّا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِاقْتِدَائِهِ بِمُتِمٍّ وَلَوْ بَانَ مُقِيمًا مُحْدِثًا نَظَرَ إنْ بَانَ كونه مقيما أو لا لزم الاتمام وان بان اولا محدئا ثُمَّ بَانَ مُقِيمًا أَوْ بَانَا مَعًا فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَصْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَقْتِدَاؤُهُ
(وَالثَّانِي)
لَا قَصْرَ لَهُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَهُ الْقَصْرُ وَجْهًا وَاحِدًا وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ أَوْ مُطْلَقًا أَوْ كَانَ مُقِيمًا ثُمَّ بَانَ مُحْدِثًا ثُمَّ سَافَرَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَلَهُ الْقَصْرُ بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ الشُّرُوعِ الصَّحِيحِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ فَبَانَ حَدَثَ الْمَأْمُومُ فَلَهُ الْقَصْرُ لِعَدَمِ شُرُوعِهِ الصَّحِيحِ وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ يَعْرِفُهُ مُحْدِثًا وَيَعْلَمُهُ مُقِيمًا فَلَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا صَلَّى مُسَافِرٌ بمسافرين ومقيمين جاز ويقصر الامام والمسافرين وَيُتِمُّ الْمُقِيمُونَ وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ سَلَامِهِ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمُ سَفَرٍ
* (فَرْعٌ)
إذَا شَكَّ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا أَوْ هَلْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ أَمْ فِي السَّفَرِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ
بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ تَذَكَّرَ عَلَى قُرْبٍ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ وَأَحْرَمَ فِي الْحَضَرِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ مَضَى جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ فِي حَالِ الشَّكِّ عَلَى حُكْمِ الْإِتْمَامِ بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَوَاهَا أَمْ لَا فَإِنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ عَلَى قُرْبٍ وَلَمْ يَفْعَلْ رُكْنًا فِي حَالِ شَكِّهِ يَسْتَمِرُّ فِي صَلَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً أَمْ دُونَهَا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرُونَ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْي وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِلَّا فَلَهُ الْقَصْرُ وقال طاوس والشعبي(4/357)
وَتَمِيمُ بْنُ حَذْلَمَ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مَعَهُ اجزأتاه وقال اسحق بن راهويه له القصر خلف المقيم بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ فَرَغَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ تَشَهَّدَ وَحْدَهُ وَسَلَّمَ وَقَامَ الْإِمَامُ إلَى بَاقِي صَلَاتِهِ وحكاه الشيخ أبو حامد عن طاوس وَالشَّعْبِيِّ وَدَاوُد
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مُسَافِرٍ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ ثُمَّ أَفْسَدَ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ لَزِمَهُ إعَادَتُهَا تَامَّةً وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ فِي رِوَايَةٍ يَقْصُرُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مُسَافِرٍ صَلَّى بِمُسَافِرٍ وَمُقِيمٍ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ الْمُقِيمُ فَصَلَّى خَلْفَهُ الْمُسَافِرُ الْآخَرُ: مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَدَاوُد يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وقال مالك وابو حنيفة له القصر
*
* قال الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وان صلي بِمُقِيمِينَ فَرَعَفَ وَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا أَتَمَّ الرَّاعِفُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ إنَّ الرَّاعِفَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُؤْتَمِّ بِالْمُقِيمِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ فَرْعُ الرَّاعِفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الفرع ولا يلزم الاصل وليس بشئ)
*
(الشَّرْحُ) فِي قَوْلِهِ رَعَفَ لُغَتَانِ أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا فَتْحُ الْعَيْنِ وَالثَّانِيَةُ ضَمُّهَا وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ رَعَفَ وَخَلْفَهُ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَقَدَّمَ مُقِيمًا كَانَ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَالرَّاعِفُ أَنْ يُصَلُّوا أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لَا يُكْمِلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا إلَّا وَهُوَ فِي صَلَاةِ مُقِيمٍ قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا غَلَطٌ فَالرَّاعِفُ لَمْ يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا رَكْعَتَانِ هَذَا نَصُّهُ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) عند الاصحاب وتأويل المزني وابي اسحق وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرَّاعِفَ ذَهَبَ فَغَسَلَ الدَّمَ وَرَجَعَ وَاقْتَدَى بِالْمُقِيمِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالُوا وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَتَعْلِيلُهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ هَذَا التَّأْوِيلُ قول اكثر اصحابنا وصححه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَآخَرُونَ عَنْ أَبِي غَانِمٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرَّاعِفَ حِينَ أَحَسَّ بِالرُّعَافِ وَخَرَجَ مِنْهُ يَسِيرٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ اسْتَخْلَفَ مُقِيمًا وَحَصَلَ مُؤْتَمًّا بِهِ ثُمَّ انْدَفَقَ رُعَافُهُ فَخَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِمَصِيرِهِ مُؤْتَمًّا بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ هَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّهِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ الَّذِي فِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ هُوَ الِاسْتِخْلَافُ بِعُذْرٍ فَأَمَّا الِاسْتِخْلَافُ بِلَا عُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الْإِمَامُ إذَا اسْتَخْلَفَ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّمِ الْكَثِيرِ(4/358)
تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَلَا يَكُونُ مُقْتَدِيًا بِالْمُقِيمِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ الْإِحْسَاسُ بِالرُّعَافِ عُذْرٌ وَمَتَى حَضَرَ أَمَامَ حَالِهِ أَكْمَلَ مِنْهُ جَازَ اسْتِخْلَافُهُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ مُرَادَهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الْقَدِيمِ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ فَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ مُقْتَدِيًا بِمُقِيمٍ وَضَعَّفَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ بَاطِلٌ فِي الْقَدِيمِ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْقَدِيمِ (الرَّابِعُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فَرْعُهُ فَهُوَ أُولَى هَذَا هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا وَضَعَّفَهُ وَحَكَاهُ الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ بِخِلَافِ الرَّاعِفِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ الْمُسَافِرُونَ فَعَلَيْهِمْ الْإِتْمَامُ إنْ نَوَوْا الِاقْتِدَاءَ
بِالْخَلِيفَةِ الْمُقِيمِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْوُوا وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ لَا تَجِبُ فَعَلَيْهِمْ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ كَانُوا مُقْتَدِينَ حتى لو نوووا مُفَارَقَتَهُ عَقِبَ الِاسْتِخْلَافِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الشَّاذِّ إنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ واجبة لزمهم الاتمام أن نووا الاقتدء بِهِ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْقَصْرُ وَلَوْ نَوَى بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ أَتَمَّ النَّاوُونَ وَقَصَرَ الْآخَرُونَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَلَا اسْتَخْلَفُوا فَلِلْمُسَافِرِينَ الْقَصْرُ سَوَاءٌ الْإِمَامُ الرَّاعِفُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ أَوْ اسْتَخْلَفُوا مُسَافِرًا فَلِلرَّاعِفِ وَالْمُسَافِرِينَ الْقَصْرُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَاسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ كَاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ فَفِيهِ الطُّرُقُ الْأَرْبَعَةُ (وَالثَّانِي) لِلرَّاعِفِ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ إذَا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَيْسَ فَرْعًا لِلرَّاعِفِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَخْلَفَ الْمُقِيمُونَ مُقِيمًا وَالْمُسَافِرُونَ مُسَافِرًا جَازَ وَلِلْمُسَافِرِينَ الْقَصْرُ مَعَ إمَامِهِمْ وكذا لو افترقوا ثلاث فرق واكثر
*
* قال المصنف رحمه الله
* (إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِ الدُّخُولِ وَيَوْمِ الْخُرُوجِ صَارَ مُقِيمًا وَانْقَطَعَتْ رُخَصُ السَّفَرِ لِأَنَّ بِالثَّلَاثِ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا " لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِيمُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا وَأَجْلَى عُمَرُ رَضِيَ الله عنه اليهود ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ تَاجِرًا أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثًا " وَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ وَيَخْرُجُ فَلَا يُحْتَسَبُ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ فِيهِ وَإِقَامَتُهُ فِي بَعْضِهِ لَا تَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا لِأَنَّهُ مَا مِنْ مُسَافِرٍ إلَّا وَيُقِيمُ بَعْضَ الْيَوْمِ وَلِأَنَّ مَشَقَّةَ السَّفَرِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِقَامَةِ يَوْمٍ وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عَلَى حَرْبٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَقْصُرُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ " أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اقاموا برام هرمز تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ
(وَالثَّانِي)
لَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا سَفَرَ فِيهَا فَلَمْ يَقْصُرْ كَمَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ في غير حرب واما إذا قام فِي بَلَدٍ عَلَى حَاجَةٍ إذَا انْتُجِزَتْ رَحَلَ ولم ينو مدة ففيه(4/359)
قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَقْصُرُ سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّمَامُ إلَّا فِيمَا وَرَدَتْ فِيهِ الرُّخْصَةُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ " سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَ سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ " وَبَقِيَ فِيمَا زَادَ عَلَى
حُكْمِ الْأَصْلِ
(وَالثَّانِي)
يَقْصُرُ أَبَدًا لِأَنَّهُ إقَامَةٌ عَلَى حَاجَةٍ يَرْحَلُ بَعْدَهَا فَلَمْ يَمْنَعْ الْقَصْرَ كَالْإِقَامَةِ فِي سَبْعَةَ عَشْرَ وَخَرَّجَ أبو إسحق قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَقْصُرُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَبْلَغُ فِي نِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ وَالنِّيَّةُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَقْصُرْ فَلَأَنْ لَا يَقْصُرَ إذَا أقام أولى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ تَحْرِيمِ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ " يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَجْلَى الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ تَاجِرًا أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثًا صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فَرَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ وَحَدِيثُ إقَامَةِ الصَّحَابَةِ بِرَامَهُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ عِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّارٍ وَهُوَ مُخْتَلِفٍ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تِسْعَةَ عَشْرَ بِنُقْصَانِ وَاحِدٍ مِنْ عِشْرِينَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ سَبْعَةَ عَشْرَ بِنُقْصَانِ ثَلَاثَةٍ مِنْ عِشْرِينَ وَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ: أَمَّا أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ أَجْلَى عُمَرُ الْيَهُودَ مَعْنَاهُ أَخْرُجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ جَلَا الْقَوْمُ خَرَجُوا مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَأَجْلَيْتهمْ وَجَلَوْتهمْ أَخْرَجَتْهُمْ وَرَامَهُرْمُزَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ - وَهِيَ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ وَقَوْلُهُ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ هُوَ بِالتَّاءِ فِي أَوَّلِ تِسْعَةِ وَقَوْلُهُ الْإِقَامَةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ هُوَ بِالْفَاءِ أَيْ لَا تُرْفَعُ بَعْدَ وُجُودِهَا وَالنِّيَّةُ يُمْكِنُ قَطْعُهَا وَإِبْطَالُهَا أَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْإِقَامَةِ الْمُقَيَّدَةِ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ تِسْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ سَبْعَةَ عَشْرَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خَمْسَةَ عَشْرَ وَلَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ مُرْسَلَةٌ وَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فِي إقَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ لِحَرْبِ هَوَازِنَ فِي عَامِ الْفَتْحِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يَقْصُرْ الصَّلَاةَ " إلَّا أَنَّ فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ تِسْعَةَ عَشْرَ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ قَالَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ رِوَايَةِ ثَمَانَ عَشْرَةَ
وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ عَشْرَةَ فَإِنَّ مَنْ رَوَى تِسْعَ عَشْرَةَ عَدَّ يَوْمِيِّ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَمَنْ رَوَى سَبْعَ عَشْرَةَ لَمْ يَعُدَّهُمَا وَمَنْ رَوَى ثَمَانَ عَشْرَةَ عَدَّ أَحَدَهُمَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ أَقَامَ رسول(4/360)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ " لَكِنْ رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا قَالَ بَعْضُهُمْ وَرِوَايَةُ الْمُرْسَلِ أَصَحُّ (قُلْت) وَرِوَايَةُ الْمُسْنَدِ تَفَرَّدَ بِهَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَهُوَ إمَامٌ مُجْمَعٌ عَلَى جَلَالَتِهِ وَبَاقِي الْإِسْنَادِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الصَّحِيحِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ فِي الْحَدِيثِ إرْسَالٌ وَإِسْنَادٌ حُكِمَ بِالْمُسْنَدِ
* أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا نَوَى فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا انْقَطَعَ سَفَرُهُ فَلَا يَجُوزُ التَّرَخُّصُ بشئ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ جَدَّدَ السَّيْرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ سَفَرٌ جَدِيدٌ فَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ مَرْحَلَتَيْنِ هَذَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لَهَا مِنْ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ وَادٍ يُمْكِنُ الْبَدْوِيُّ الْإِقَامَةَ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَمَّا الْمَفَازَةُ وَنَحْوُهَا فَفِي انْقِطَاعِ السَّفَرِ وَالرُّخَصِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْقِطَاعُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ فَلَا يَتَرَخَّصُ حَتَّى يُفَارِقَهَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْقَطِعُ وَلَهُ التَّرَخُّصُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ فَنِيَّتُهُ لَغْوٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ وَهُوَ مَاكِثٌ أَمَّا إذَا نَوَاهَا وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ لان سبب القصر السَّفَرُ وَهُوَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةٌ أَمَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلُّ فَلَا يَنْقَطِعُ التَّرَخُّصُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا وَانْقَطَعَتْ الرُّخَصُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ نِيَّةً دُونَ أَرْبَعَةٍ لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ وَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِي كَيْفِيَّةِ احْتِسَابِ الْأَرْبَعَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) يَحْسِبُ مِنْهَا يَوْمَا الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ كما يحسب يوم الحدث وَيَوْمَ نَزْعِ الْخُفِّ مِنْ مُدَّةِ الْمَسْحِ (وَأَصَحُّهُمَا) وبه قطع المصنف والجمهور لا يحسبان لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ دَخَلَ يَوْمَ السَّبْتِ وَقْتَ الزَّوَالِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ: وَقْتَ الزَّوَالِ صَارَ مُقِيمًا وَعَلَى الثَّانِي لَا يَصِيرُ وَإِنْ دَخَلَ ضَحْوَةَ السَّبْتِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ عَشِيَّةَ الْأَرْبِعَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ مَتَى نَوَى إقَامَةَ زِيَادَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا فَمُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ زِيَادَةٌ عَلَى الثَّلَاثِ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ الْأَرْبَعَةُ
ثُمَّ الْأَيَّامُ الْمُحْتَمَلَةُ مَعْدُودَةٌ بِلَيَالِيِهَا وَمَتَى نَوَى أَرْبَعَةً صَارَ مُقِيمًا فِي الْحَالِ وَلَوْ دَخَلَ في الليل(4/361)
لَمْ يَحْسِبْ بَقِيَّةَ اللَّيْلِ وَيَحْسِبُ الْغَدَ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبِ أَمَّا الْمُحَارَبُ وَهُوَ الْمُقِيمُ عَلَى الْقِتَالِ بِحَقٍّ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَقْصُرُ أَبَدًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَعَلَى هَذَا يَقْصُرُ أَبَدًا وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ فَلَا يَقْصُرُ إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فِي مَكَان وَاحِدٍ بَلْ كَانُوا يَتَنَقَّلُونَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ: أَمَّا إذَا أَقَامَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ لِشُغْلٍ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَتَوَقَّعَ انْقِضَاءَ شُغْلِهِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَنَوَى الِارْتِحَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِلَا خِلَافٍ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) منهما قول الْجُمْهُورِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ الْقَصْرُ أَبَدًا سَوَاءُ فِيهِ الْمُقِيمُ لِقِتَالِ أَوْ لِخَوْفِ مِنْ الْقِتَالِ أَوْ لِتِجَارَةٍ وَغَيْرُهَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ أَصْلًا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ الْقَصْرُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ يَوْمًا فَقَطْ وَقِيلَ عَلَى هَذَا يَجُوزُ سَبْعَةَ عَشْرَ وَقِيلَ تِسْعَةَ عَشْرَ وَقِيلَ عِشْرِينَ وَسَمَّى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ أَقْوَالًا وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِي الْمُحَارَبِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قَوْلًا وَاحِدًا وبه قال أبو إسحق كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ وَإِذَا جُمِعَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ وَالْأَوْجُهُ وَسُمِّيَتْ أَقْوَالًا كَانَتْ سَبْعَةً (أَحَدُهَا) لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ إلَى سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا (وَأَصَحُّهَا) إلَى ثَمَانِيَةَ عَشْرَ (وَالرَّابِعُ) إلَى تِسْعَةَ عَشْرَ (وَالْخَامِسُ) الي عشرين (والسادس) ابدا (والسابع) لِلْمُحَارِبِ مُجَاوَزَةُ أَرْبَعَةٍ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ شُغْلَهُ لَا يَفْرُغُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ كَالْمُتَفَقِّهِ وَالْمُقِيمِ لِتِجَارَةٍ كَبِيرَةٍ وَلِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ مُحَارَبًا وقلنا في الحال الاول لا يقصر فههنا(4/362)
أَوْلَيْ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَتَرَخَّصُ أَبَدًا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَتَجَاوَزُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحَارَبٍ
فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ أَصْلًا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ كَالْمُحَارَبِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالُوا هُوَ غَلَطٌ (فَإِنْ قِيلَ) ثَبَتَ فِي صَحِيحَيِّ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَرَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَأَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا فَلَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعَ " فَهَذَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَوَى إقَامَةَ هَذِهِ الْمُدَّةِ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ قَالُوا لَيْسَ مُرَادُ أَنَسٍ أَنَّهُمْ أَقَامُوا فِي نَفْسِ مَكَّةَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ بَلْ طُرُقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ رِوَايَاتِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ فِي حَجَّتِهِ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا ثلاثة ولم يحسب يوم لدخول وَلَا الثَّامِنَ لِأَنَّهُ خَرَجَ فِيهِ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبَاتَ بِهَا وَسَارَ مِنْهَا يَوْمُ التَّاسِعِ إلَى عَرَفَاتٍ وَرَجَعَ فَبَاتَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ أَصْبَحَ فَسَارَ إلَى مِنَى فَقَضَى نُسُكَهُ ثُمَّ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا يقصر ثم نفر منها بَعْدَ الزَّوَالِ فِي ثَالِثِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ وَطَافَ فِي لَيْلَتِهِ لِلْوَدَاعِ ثُمَّ رَحَلَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمْ يُقِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ سَافَرَ عَبْدٌ مَعَ سَيِّدِهِ وَامْرَأَةٌ مَعَ زَوْجِهَا فَنَوَى الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَنْوِ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) يَنْقَطِعُ رُخْصُهُمَا كَغَيْرِهِمَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُمَا فِي الْإِقَامَةِ فَلَغَتْ نِيَّتَهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ نَوَى الْجَيْشُ الْإِقَامَةَ مَعَ الْأَمِيرِ وَلَمْ يَنْوِ هُوَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (قُلْت) الْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُمْ يَتَرَخَّصُونَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ الْجَزْمُ بِالْإِقَامَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ دَخَلَ مُسَافِرَانِ بَلَدًا وَنَوَيَا إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَأَحَدُهُمَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ الْقَصْرِ مَعَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْآخَرُ لَا يَعْتَقِدُهُ كُرِهَ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ صَحَّ وَإِذَا(4/363)
قَصَرَ الْإِمَامُ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَّا إذَا سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَيَقُومُ الْمَأْمُومُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ أَوْ عَقِبَ سَلَامِهِ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ كَمَا لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بحدث وغيره هكذا ذَكَرَ الْفَرْعَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ سَافَرُوا فِي الْبَحْرِ فَرَكَدَتْ بِهِمْ الرِّيحِ فَأَقَامُوا لِانْتِظَارِ هُبُوبِهَا فَهُوَ كَالْإِقَامَةِ لِتَنْجِيزِ حَاجَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فَلَوْ فَارَقُوا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ ثُمَّ أَدَارَتْهُمْ الرِّيحُ وَرَدَّتْهُمْ إلَيْهِ فَأَقَامُوا فِيهِ فَهِيَ إقَامَةٌ جَدِيدَةٌ تُعْتَبَرُ مُدَّتُهَا وَحْدَهَا وَلَا تَنْضَمُّ إلَى الْأُولَى نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَهُوَ ظَاهِرٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابِ إذَا خَرَجَ مُسَافِرًا إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ وَنَوَى أَنَّهُ إذَا وَصَلَهُ أَقَامَ فِيهِ يَوْمًا فَإِنْ لَقَى فُلَانًا أَقَامَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ رَجَعَ فَلَهُ الْقَصْرُ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَلْقَ فُلَانًا فَلَهُ الْقَصْرُ حَتَّى يَرْجِعَ وَإِنْ لَقِيَهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ مِنْ حِينِ لَقِيَهُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ أَنْ لَقِيَهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنْ لَا يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ دُونِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ حَتَّى يُفَارِقَ بُنْيَانَ ذَلِكَ الْبَلَدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي حَقِيقَةِ السَّفَرِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إقَامَةِ الْمُسَافِرِ فِي بَلَدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ نَوَى إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ انْقَطَعَ التَّرَخُّصُ وَإِنْ نَوَى دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَنْقَطِعْ وَهُوَ مَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ إنْ نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشْرَ يوما مع الدُّخُولِ أَتَمَّ وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَصَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ عُمَرَ في رواية عنه وعبيد الله بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ إنْ نَوَى إقَامَةَ اثْنَيْ عَشْرَ يَوْمًا أَتَمَّ وَإِلَّا فَلَا وقال ابن عباس واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ إنْ نَوَى إقَامَةَ تِسْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا أَتَمَّ وَإِنْ(4/364)
نَوَى دُونَهَا قَصَرَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ إنْ نَوَى إقَامَةَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَتَمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَقَالَ أَنَسُ وَابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَاللَّيْثُ إنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا أَتَمَّ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ نَوَى إقَامَةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ وَإِنْ نَوَى أَرْبَعَةً قَصَرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ إنْ نَوَى إقَامَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ وَإِنْ نَوَى إحْدَى وَعِشْرِينَ قَصَرَ وَيُحْسَبُ عِنْدَهُ يَوْمَا الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وروى عن بن المسيب قال ان قام
ثَلَاثًا أَتَمَّ قَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقْصُرُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَارِ وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ قَالَ وَقَالَ رَبِيعَةُ إنْ نَوَى إقَامَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَتَمَّ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَحُكِيَ عن اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ يَقْصُرُ أَبَدًا حَتَّى يَدْخُلَ وَطَنَهُ أَوْ بَلَدًا لَهُ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَالٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ أَمَّا إذَا أَقَامَ فِي بَلَدٍ لِانْتِظَارِ حَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَقْصُرُ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشْرَ يَوْمًا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَقْصُرُ أَبَدًا
* وَقَالَ أَبُو يوسف ومحمد هو مقيم
*
* قال المصنف رحمه الله
*(4/365)
(وان فاتته صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَفِيهِ قولان قال في القديم له أن يقصر لانها صلاة سفر فكان قضاؤها كأدائها في العدد كما لو فاتته في الحضر فقضاها في السفر وقال في الجديد لا يجوز له القصر وهو الاصح لانه تخفيف تعلق بعذر فزال بزوال العذر كالقعود في صلاة المريض وان فاتته في السفر فقضاها في السفر ففيه قولان
(أحدهما)
لا يقصر لانها صلاة ردت من أربع الي ركعتين فكان من شرطها الوقت كصلاة الجمعة والثاني له أن يقصر وهو الاصح لانه تخفيف تعلق بعذر والعذر باق فكان التخفيف باقيا كالقعود في صلاة المريض وان فاتته فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ له القصر لانه ثبت في ذمته صلاة تامة فلم يجز له القصر كما لو نذر أن يصلي أربع ركعات وقال المزني له أن يقصر كما لو فاته صوم في الحضر وذكره في السفر فان له أن يفطر وهذا لا يصح لان الصوم تركه في حال الاداء وكان له تركه وههنا في حال الاداء لم يكن له أن يقصر(4/366)
فوزانه من الصوم أن يتركه من غير عذر فلا يجوز له تركه في السفر)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ فَكَانَ قَضَاؤُهَا كَأَدَائِهَا فِي الْعَدَدِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ فَاتَتْهُ فِي الصِّحَّةِ فَقَضَاهَا فِي الْمَرَضِ قَاعِدًا أَوْ بِالتَّيَمُّمِ
* أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ إلَّا الْمُزَنِيَّ فَجَوَّزَ الْقَصْرَ وَإِنْ فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ (وَالثَّانِي) لَهُ الْقَصْرُ
نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ فَلَوْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي السَّفَرِ فَأَقَامَ وَقَدْ بَقِيَ بَعْضُ الْوَقْتِ فلم يصلى حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا فَاتَتْ بِكَمَالِهَا فِي السَّفَرِ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ: أَمَّا إذَا فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي ذَلِكَ السَّفَرِ فَقَوْلَانِ (أصحهما) عند المصنف هنا وعند أبي اسحق المروزى والشيخ أبو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَهُ الْقَصْرُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ الْقَصْرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ فَاتَتْهُ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ ثُمَّ سَافَرَ سَفَرًا آخَرَ فَقَضَى فِي السَّفَرِ الْبَاقِي هَلْ لَهُ الْقَصْرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ الْقَصْرُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الصُّوَرَ فَقَالَ إذَا فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَظْهَرُهَا) إنْ قَضَى فِي سَفَرٍ قَصَرَ وَإِنْ قَضَى فِي حَضَرٍ أَتَمَّ (وَالثَّانِي) يُتِمُّ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) يَقْصُرُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) إنْ قَضَى فِي ذَلِكَ السَّفَرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُتِمُّ مُطْلَقًا فَشَرَعَ فِي صَلَاةٍ فِي السَّفَرِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ فِي أَثْنَائِهَا فَفِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يَقَعُ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ أَمْ قَضَاءٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ رَكْعَةٌ فَأَدَاءٌ وَإِنْ كَانَ دُونَهَا فَقَضَاءٌ فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً لَمْ يَقْصُرْ وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً قَصَرَ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ لَا يَقْصُرُ وَلَوْ فَاتَهُ صَلَاةٌ وَشَكَّ هَلْ فَاتَتْ فِي الْحَضَرِ أَمْ السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ(4/367)
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ لَوْ نَسِيَ الْمُسَافِرُ صَلَاةَ الظُّهْرِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَصَلَّى الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ صَارَ حَاضِرًا فِي وَقْتِهَا فَقَضَى الظُّهْرَ فِي أَوَاخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا قَوْلًا وَاحِدًا ولا يكون علي القولين فيمن نسبها فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعَصْرِ هُوَ وَقْتٌ لِلظُّهْرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ فَكَأَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا وَهُوَ حَاضِرٍ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَهَذِهِ فَائِتَةُ سَفَرٍ: وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِنَفْيِ الْخِلَافِ لِأَنَّهُ فِي الْأُمِّ يَقُولُ إنَّ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ أَتَمَّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فِي الْأُمِّ خِلَافًا وَقَدْ
قَدَّمْنَا هَذَا عَنْ الْأُمِّ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مِمَّنْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْأُمِّ فَالصَّحِيحُ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فأما إذا دخل وَقْتُ الصَّلَاةِ وَتَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهَا ثُمَّ سَافَرَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاسِ لِأَنَّ السَّفَرَ يُؤَثِّرُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَيْضِ ثُمَّ لَوْ طَرَأَ الْحَيْضُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى فِعْلِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ فَكَذَا السَّفَرُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِحَالِ الاداء لا بحال الوجوب والدليل عليه لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهُوَ عَبْدٌ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى عَتَقَ صَارَ فَرْضُهُ الْجُمُعَةَ وَهَذَا فِي حَالِ الْأَدَاءِ مُسَافِرٌ فَوَجَبَ أَنْ يَقْصُرَ وَيُخَالِفَ الْحَيْضَ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ الْفَرْضِ فَلَوْ أَثَّرَ مَا طَرَأَ مِنْهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ أَفْضَى إلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّفَرُ يُؤَثِّرُ فِي الْعَدَدِ فَلَا يُفْضِي إلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الْحَائِضَ تَفْعَلُ الْقَضَاءَ وَالْقَضَاءَ يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُوبِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالْمُسَافِرُ يَفْعَلُ الْأَدَاءَ وَكَيْفِيَّةُ الْأَدَاءِ تُعْتَبَرُ بِحَالِ الْأَدَاءِ وَالْأَدَاءُ فِي حَالِ السَّفَرِ وان سافر بعد ما ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ لَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَلَاةُ حَضَرٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ المزني وأبى العباس وقوله ان تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ حَضَرٍ يَبْطُلُ بِالْعَبْدِ إذَا عَتَقَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَإِنْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مُؤَدٍّ لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مُؤَدٍّ لِمَا فَعَلَهُ فِي الْوَقْتِ قَاضٍ لِمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الوقت لم يجز القصر
* (الشَّرْحُ) إذَا سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَقَدْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ لَهُ قَصْرَهَا وَنَصَّ فِيمَا إذَا أَدْرَكَتْ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَدْرَ الْإِمْكَانِ ثُمَّ حَاضَتْ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ(4/368)
وَكَذَا سَائِرُ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ الْإِتْمَامُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَائِضِ (وَالثَّانِي) لَا صَلَاةَ عَلَيْهَا وَلَهُ الْقَصْرُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ بظاهر النصين فأوجبوا الصلاة عليها وجوزوا له الْقَصْرَ وَفَرَّقُوا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ سَافَرَ بَعْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ بَقِيَ قَدْرُ الصَّلَاةِ قَصَرَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ
ابْنُ سَلَمَةَ لَا يَقْصُرُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِذَا جُمِعَتْ الصُّورَتَانِ قِيلَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْقَصْرُ
(وَالثَّانِي)
الْإِتْمَامُ (وَالثَّالِثُ) إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَتَمَّ وَإِلَّا قَصَرَ وَإِنْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ دُونَ قَدْرِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا كُلُّهَا أَدَاءُ قَصْرٍ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ دُونَ قَدْرِ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَافَرَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ الْقَصْرُ إنْ قُلْنَا يَمْتَنِعُ لَوْ مَضَى زَمَنٌ يَسَعُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَاضَتْ وَقَدْ مَضَى زَمَنٌ لَا يَسَعُهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ عُرُوضَ السَّفَرِ لَا يُنَافِي إتْمَامَ الصَّلَاةِ وَعُرُوضُ الْحَيْضِ يُنَافِيهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ شَاذٌّ مَرْدُودٌ فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَافَرَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ الْوَقْتِ زَمَنٌ يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والقاضي وأبو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَقْصُرُ قَالُوا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا مَضَى قَدْرُ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُسَافِرَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا مَضَى قَدْرُهَا صَارَ فِي مَعْنَى مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي الْحَضَرِ وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَنْ سَافَرَ قَبْلَ مُضِيِّ قَدْرِهَا بِكَمَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَمَتَى سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ من الوقت شئ وَقُلْنَا لَهُ الْقَصْرُ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى فَاتَتْ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ بَعْدَهُ فَهِيَ فَائِتَةُ سَفَرٍ فَفِي جَوَازِ قَصْرِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا مُخْتَصَرُ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا إشْكَالٌ عَلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ نَقَلَ هُنَا عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَذَكَرَ قَبْلَ هَذَا عَنْ الْمُزَنِيِّ إذَا فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ قَصَرَ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لِأَنَّهُ إذَا أَبَاحَ الْقَصْرَ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ فِي الْحَضَرِ فَفِي أَثْنَائِهِ أَوْلَى وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَذْكُرْ مَنْعَ الْقَصْرِ هُنَا مَذْهَبًا لَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ إلْزَامًا لِلشَّافِعِيِّ فَقَالَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَائِضِ وَمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُزَنِيَّ يَعْتَقِدُ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْمُزَنِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ خَرَجَ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَقْصُرْ قَالَ الْمُزَنِيّ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فَهَذَا لَفْظُهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَوَافَقَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فَمُرَادُهُ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ(4/369)
خَرَّجَ وَجْهًا عَلَى وَفْقِ إيرَادِ الْمُزَنِيِّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَخْرِيجِ أَبِي الْعَبَّاسِ مِنْ الْحَائِضِ إلَى الْمُسَافِرِ وَعَكْسِهِ
وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي الْحَائِضِ وَالْمُسَافِرِ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَهُ الْقَصْرُ وَلَا قَضَاءَ عليها (والثاني) يلزمه الاتمام ويلزمه الْقَضَاءُ (وَالثَّالِثُ) لَهُ الْقَصْرُ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ النَّقْلَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُتَنَاقِضٌ وَيَنْدَفِعُ تَنَاقُضُهُ بِمَا ذَكَرْتُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَبْطُلُ بِالْعَبْدِ إذَا أُعْتِقَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَمَعْنَاهُ لَوْ أُعْتِقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا وَأَمْكَنَتْ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُ الظُّهْرِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِحَالِ الْفِعْلِ لَا بِتَعَيُّنِ الْفِعْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ يَقْصُرُ: وَلَوْ فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كَمَا سَبَقَ وبه قال الاوزاعي واحمد واسحق وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقْصُرُ وَلَوْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَلَهُ قَصْرُهَا فِي السَّفَرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَفِيهِ التَّخْرِيجُ السَّابِقُ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ في الكتاب
*
* قال المصنف رحمه الله
* (يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ الَّذِي يُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا جدبه السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ " وَرَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ " وَفِي السَّفَرِ الَّذِي لَا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ سَفَرٌ يَجُوزُ فِيهِ التَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَجَازَ فِيهِ الْجَمْعُ كَالسَّفَرِ الطَّوِيلِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ عِبَادَةٍ عَنْ وَقْتِهَا فَلَمْ يَجُزْ فِي السفر القصير كالفطر في الصوم)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُمَا البخاري ومسلم وجد به السير أَسْرَعَ وَمَذْهَبُنَا جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَلَا يَجُوزُ جَمْعُ الصُّبْحِ إلَى غَيْرِهَا وَلَا الْمَغْرِبِ إلَى الْعَصْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَفِي الْقَصِيرِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ جَوَازُهُ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ أصحابنا وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَعَلَّهُ(4/370)
لَمْ يَبْلُغْهُ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ ان رخص السفر ثمان منهما مُخْتَصٌّ بِالطَّوِيلِ وَجَائِزٌ فِيهِمَا وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَمَّا الْحُجَّاجُ مِنْ الْآفَاقِ فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بمزدلفة في وقت العشاء بالاجماع وَفِي سَبَبِ هَذَا الْجَمْعِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا أَنَّهُ بِسَبَبِ السَّفَرِ وَبِهِ قَطَعَ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) بِسَبَبِ النُّسُكِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّفَرِ فَفِي جَمْعِ الْمَكِّيِّ الْقَوْلَانِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ وَلَا يَجْمَعُ الْعَرَفِيُّ بِعَرَفَاتٍ ولا المزدلفى لِأَنَّهُ وَطَنُهُ وَهَلْ يَجْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِالْبُقْعَةِ الْأُخْرَى فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْمَكِّيِّ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي جَازَ الْجَمْعُ لِكُلِّهِمْ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عِبَارَةً أُخْرَى فَقَالَ فِي جَمْعِ الْمَكِّيِّ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) مَنْعُهُ (وَالْقَدِيمُ) جَوَازُهُ وَعَلَى الْقَدِيمِ فِي الْعَرَفِيِّ وَالْمُزْدَلِفِيِّ بِمَوْضِعِهِ وَجْهَانِ وَالْمَذْهَبُ مَنْعُ الْجَمْعِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ وَحُكْمُ الْبُقْعَتَيْنِ فِي الْجَمْعِ حُكْمُ سَائِرِ الْأَسْفَارِ فَيَتَخَيَّرُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لَكِنَّ الافضل في عرفات التقديم وفى المزدلفة التَّأْخِيرُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ بِالسَّفَرِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَفِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَمَالِكٍ واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَرَبِيعَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَأَبِي الزِّنَادِ وَأَمْثَالِهِمْ قَالَ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
* وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِسَبَبِ السَّفَرِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي عَرَفَاتٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ بِسَبَبِ النُّسُكِ لِلْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُزَنِيِّ
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَحَادِيثِ الْمَوَاقِيتِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصلاة حتي يجئ وَقْتُ الْأُخْرَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ فِي الْمَوَاقِيتِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " مَا جَمَعَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَطُّ فِي السَّفَرِ إلَّا مَرَّةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ مِيقَاتِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ يَعْنِي الْجَمْعَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَقِيَاسًا عَلَى جَمْعِ الْمُقِيمِ وَجَمْعِ الْمَرِيضِ وَجَمْعِ الْمُسَافِرِ سَفَرًا قَصِيرًا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْجَمْعِ فِي(4/371)
أَسْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها حديث ابن عمر قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجمع بين المغرب والعشاء إذ جدبه السَّيْرُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بينهما فان زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان إذا جدبه السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَيَقُولُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا جدبه السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ عُمَرَ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ إذَا عُجِّلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ تَرَحَّلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ المغرب والعشاء وإن يرتحل قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ مَحْفُوظٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الْعَصْرَ وَالظُّهْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ " رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ فِي إثْبَاتِ الْجَمْعِ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ هِيَ نُصُوصٌ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا تَأْوِيلٌ وَدَلِيلُهُ فِي الْمَعْنَى الِاسْتِنْبَاطُ مِنْ صُورَةِ الْإِجْمَاعِ وَهِيَ الْجَمْعُ بِعَرَفَاتٍ وَالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ سَبَبَهُ احْتِيَاجُ الْحُجَّاجِ إلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَنَاسِكِهِمْ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ وَوَجَدْنَا الرُّخَصَ لَا يُسْتَدْعَى ثُبُوتَهَا نُسُكًا وَلَكِنَّهَا
تَثْبُتُ فِي الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ الْأَفْرَادَ الْمُتَرَفِّهِينَ فِي السَّفَرِ فَإِنَّا لَوْ تَتَبَّعْنَا ذَلِكَ عُسِّرَتْ الرُّخْصَةُ وَضَاقَ مَحَلُّهَا وَتَطَرَّقَ إلَى كُلِّ مُتَرَخِّصٍ إمْكَانُ الرَّفَاهِيَةِ فَاعْتَبَرَ الشَّرْعُ فِيهِ كَوْنَ السَّفَرِ مَظِنَّةً لِلْمَشَقَّةِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى أَفْرَادِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَبِهَذَا تَمَّتْ الرُّخْصَةُ وَاسْتَمَرَّتْ التَّوْسِعَةُ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) الرُّخْصَةُ ثَبَتَتْ غَيْرَ مُعَلَّلَةٍ وَالْمُتَّبَعُ فِيهَا الشرع ولو عللت بالمشقة لَكَانَ الْمَرِيضُ أَحَقَّ بِرُخْصَةِ الْقَصْرِ (قُلْنَا) الْمَرِيضُ يُصَلِّي قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا إذَا عَجَزَ وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ هِيَ اللَّائِقَةُ بِحَالِهِ فَالِاكْتِفَاءُ بِالْقُعُودِ مِنْهُ وَهُوَ بِلَا شُغْلٍ كَالْمُقِيمِ الَّذِي يُصَلِّي قَائِمًا وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَعَلَيْهِ أَفْعَالٌ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ وَقَدْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ إتْمَامُ الصَّلَاةِ فَخُفِّفَ لَهُ بِالْقَصْرِ وَالْجَمْعِ (فَإِنْ قِيلَ) الْمَرِيضُ أَحْوَجُ(4/372)
إلَى الْجَمْعِ مِنْ الْمُسَافِرِ وَأَنْتُمْ لَا تُجَوِّزُونَهُ (قلنا) الاتيان بصلاتين متعاقبتين افعال كثيرة وقد يَشُقُّ عَلَى الْمَرِيضِ مُوَالَاتُهَا وَلَعَلَّ تَفْرِيقَهَا أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَالْمُسَافِرُ يَشُقُّ عَلَيْهِ النُّزُولُ لِلصَّلَاةِ حَالَ سَيْرِ الْقَوَافِلِ وَقَدْ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرِهِ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ أَنَّ الْجَمْعَ أَرْفَقُ مِنْ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْقَائِمَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ يَضُمُّهُمَا إلَى رَكْعَتَيْهِ وَرِفْقُ الْجَمْعِ واضح: وأما الجواب عن احتجاجهم بِأَحَادِيثِ الْمَوَاقِيتِ فَهُوَ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَأَحَادِيثُ الْجَمْعِ خَاصَّةٌ بِالسَّفَرِ فَقُدِّمَتْ وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَنْ حَدِيثٍ " لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ " فَإِنَّهُ عَامٌّ أَيْضًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا داود قال روى موقوفا علي ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا هَلْ يُحْتَجُّ بِهِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلسَّلَفِ فَإِنْ سَلَّمْنَا الِاحْتِجَاجَ بِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَرِيحَةٌ فِي إخْبَارِهِ عَنْ جَمْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرَدُّهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يَجْمَعُ فِي حَالِ سَيْرِهِ إنَّمَا يَجْمَعُ إذَا نَزَلَ أَوْ كَانَ نَازِلًا فِي وَقْتِ الْأُولَى: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ نَفْيٌ فَالْإِثْبَاتُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَعَ رُوَاتِهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ وَالْجَوَابُ عَنْ جَمْعِ الْمُقِيمِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الْمَرِيضِ سَبَقَ فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْجَوَابُ عَنْ السَّفَرِ الْقَصِيرِ إذَا سَلَّمْنَا امْتِنَاعَ الْجَمْعِ فِيهِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَضَرِ فَإِنَّهُ لَا يَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ فِيهِ (فَإِنْ قِيلَ) فَالسَّفَرُ الْقَصِيرُ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ بِلَا إعَادَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَكُمْ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ مَدَارَ التَّيَمُّمِ عَلَى إعْوَازِ الْمَاءِ وَهُوَ يُعْدَمُ فِي الْقَصِيرِ غَالِبًا كالطويل والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز الجمع بينهما في وقت الاولة مِنْهُمَا وَفِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كان نازلا في وقت الاولة فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ وَإِنْ كَانَ سَائِرًا فالافضل ان يؤخر الاولة إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي الْمَنْزِلِ قَدَّمَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الزَّوَالِ " وَإِذَا سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ولان هذا ارفق بالمسافر فكان افضل)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَهُ شَوَاهِدُ وَسَبَقَ مَعْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان أراد الجمع في وقت الاولة لَمْ يَجُزْ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ ينوى الجمع وقال المزني الْجَمْعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ جَمْعٌ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّ(4/373)
الْعَصْرَ قَدْ يُفْعَلُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى وجه الخطأ فلابد مِنْ نِيَّةِ الْجَمْعِ لِيَتَمَيَّزَ التَّقْدِيمُ الْمَشْرُوعُ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي وَقْتِ النِّيَّةِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ ان ينوى عند ابتداء الاولة لِأَنَّهَا نِيَّةٌ وَاجِبَةٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْإِحْرَامِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْقَصْرِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ النِّيَّةَ تَقَدَّمَتْ عَلَى حَالِ الْجَمْعِ فَأَشْبَهَ إذَا نَوَى عِنْدَ الْإِحْرَامِ (وَالشَّرْطُ الثَّانِي) التَّرْتِيبُ وَهُوَ أَنْ يُقَدِّمَ الْأُولَى ثُمَّ يُصَلِّيَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الْوَقْتَ لِلْأُولَى وَإِنَّمَا يَفْعَلُ الثانية تبعا للاولي فلابد مِنْ تَقْدِيمِ الْمَتْبُوعِ (وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ) التَّتَابُعُ وَهُوَ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا كَالصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِفَصْلٍ طَوِيلٍ بَطَلَ الْجَمْعُ وَإِنْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِفَصْلٍ يَسِيرٍ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ أَخَّرَ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يؤخر للجمع وقد يؤخر لغيره فلابد مِنْ نِيَّةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا التَّأْخِيرُ الْمَشْرُوعُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتُ الْأُولَى
فَجَازَ الْبُدَاءَةُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَأَمَّا التَّتَابُعُ فَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ كَصَلَاةٍ فَائِتَةٍ مَعَ صَلَاةٍ حَاضِرَةٍ فَجَازَ التفريق بينهما)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَرَادَ الْمُسَافِرُ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ أَحَدُهَا التَّرْتِيبُ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْأُولَى لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ لَهَا فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْمَتْبُوعِ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ هَكَذَا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَلَوْ بَدَأَ بِالثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ وَتَجِبُ إعَادَتُهَا بِفِعْلِ الْأُولَى جَامِعًا وَلَوْ صَلَّى الْأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةَ فَبَانَ فَسَادُ الْأُولَى فَالثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ أَيْضًا وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا (الْأَمْرُ الثَّانِي) نِيَّةُ الْجَمْعِ وَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجَمْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ لَا تُشْتَرَطُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نَوَى الْجَمْعَ وَلَا أَمَرَ بِنِيَّتِهِ وَكَانَ يَجْمَعُ مَعَهُ مَنْ تَخْفَى عَلَيْهِ هَذِهِ النِّيَّةُ فَلَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ قَدْ تُفْعَلُ فِي وَقْتِ الْأُولَى جمعا وقد تفعل سهوا فلابد مِنْ نِيَّةٍ تُمَيِّزُهَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَفِي وَقْتِ النِّيَّةِ نَصَّانِ مُخْتَلِفَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ والخراسانيون قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ يَنْوِي عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْأُولَى وَقَالَ فِي الْجَمْعِ بِالسَّفَرِ إذَا نوى قبل التسيلم أَوْ مَعَهُ كَانَ لَهُ الْجَمْعُ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَحَدُهُمَا) تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ فَيَجِبُ فِي الْمَطَرِ أَنْ يَنْوِيَ فِي الْإِحْرَامِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَطَرِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْجَمْعِ فَلَمْ يمكن مَحِلًّا لِنِيَّتِهِ وَفِي السَّفَرِ تَجُوزُ النِّيَّةُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأُولَى لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ شَرْطٌ فَكَانَتْ مَحِلًّا لِلنِّيَّةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا تَجُوزُ النِّيَّةُ فِيهِمَا جَمِيعًا إلَّا عِنْدَ الْإِحْرَامِ(4/374)
بِالْأُولَى كَنِيَّةِ الْقَصْرِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ مَعَ الْإِحْرَامِ بِالْأُولَى أَوْ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ مَعَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا وَلَا يَجُوزُ مَعَ التَّحَلُّلِ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْأُولَى قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلٌ خَرَّجَهُ الْمُزَنِيّ لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوِيٌّ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ نَوَى الْجَمْعَ ثُمَّ نَوَى تَرْكَهُ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى ثُمَّ نَوَى الْجَمْعَ ثَانِيًا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) الْمُوَالَاةُ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ اشْتِرَاطُهَا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الْأُولَى حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَحَكَاهُ
الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ الثَّقَفِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي بَيْتِهِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ جَازَ وهذا نص مُؤَوَّلٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَجْعَلُهُمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَوَجَبَتْ الْمُوَالَاةُ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ وَيَضُرُّ الطَّوِيلُ وَفِي حَدِّ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ وَجْهَانِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ حَدَّ أَصْحَابُنَا الْقَصِيرَ بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ إلى العرف وقد يقتضى العرف احتمال الزيادة عَلَى قَدْرِ الْإِقَامَةِ وَلِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالتَّيَمُّمِ وَقَالُوا لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالطَّلَبِ وَالتَّيَمُّمِ لَكِنْ يُخَفَّفُ الطلب وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِالتَّيَمُّمِ لِحُصُولِ الْفَصْلِ بِالطَّلَبِ وَخَالَفَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالُوا هَذَا فَصْلٌ يَسِيرٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْفَصْلِ الْمَانِعِ مِنْ الْجَمْعِ الْفَصْلَ الْمَانِعَ مِنْ بِنَاءِ الصَّلَاةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا وَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ أَرَادَ بِنَاءَهَا قَالَ فَكُلُّ مَا مَنَعَ الْبِنَاءَ مَنَعَ الْجَمْعَ وَمَا لَا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ صَلَّى بَيْنَهُمَا رَكْعَتَيْنِ سُنَّةً رَاتِبَةً بَطَلَ الْجَمْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يَبْطُلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى طَالَ الْفَصْلُ امْتَنَعَ ضَمُّ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى وَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتِهَا سَوَاءٌ طَالَ بِعُذْرٍ كَالسَّهْوِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهِمَا أَمْ بِغَيْرِهِ وَلَوْ جَمَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الْأُولَى بَطَلَتَا جَمِيعًا وَلَهُ إعَادَتُهُمَا جَامِعًا لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَصِحَّ فَوُجُودُهُمَا كَالْعَدَمِ وَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى فَإِنْ قَرُبَ الْفَصْلُ بَنَى عَلَيْهَا وَمَضَتْ الصَّلَاتَانِ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ الثَّانِيَةُ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ لِطُولِ الْفَصْلِ بِفِعْلِ الثَّانِيَةِ الْبَاطِلَةِ وَيَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِهَا وَلَوْ لَمْ يَدْرِ أَتَرَكَهُ مِنْ(4/375)
الْأُولَى أَمْ الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا لِاحْتِمَالِ التَّرْكِ مِنْ الْأُولَى وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِاحْتِمَالِ التَّرْكِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ تَخْرِيجًا مِمَّا إذَا أُقِيمَتْ جُمُعَتَانِ فِي بَلَدٍ وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ وَالْمَذْهَبُ امْتِنَاعُ الْجَمْعِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى فَإِنْ أَرَادَهُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَالَ الْأَصْحَابُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَتُشْتَرَطُ هَذِهِ النِّيَّةُ فِي وَقْتِ الْأُولَى بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا قَدْرٌ يَسَعُهَا أَوْ أَكْثَرُ فَإِنْ أَخَّرَ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ ضَاقَ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ
الْفَرْضَ عَصَى وَصَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً يَمْتَنِعُ قَصْرُهَا إذَا مَنَعْنَا قَصْرَ الْمَقْضِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ وَنِيَّةُ الْجَمْعِ حال الصلاة والموالاة ففيهما طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا كُلَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَلَوْ تَرَكَهَا كُلَّهَا صَحَّ الْجَمْعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) قَالَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا وَاجِبَاتٌ حَتَّى لَوْ أَخَلَّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا صَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً لَا يَجُوزُ قَصْرُهَا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ قَصْرَ مَقْضِيَّةِ السَّفَرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيثِ أُسَامَةَ ابن زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عَرَفَةَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِجَمْعِ الْمُسَافِرِ (
إحْدَاهَا) إذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا فَصَارَ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى أَوْ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الثَّانِيَةِ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ وُصُولِ سَفِينَتِهِ دَارَ الْإِقَامَةِ بَطَلَ الْجَمْعُ فَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا أَمَّا الْأُولَى فَصَحِيحَةٌ لِأَنَّهَا فِي وَقْتِهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ وَلَوْ صَارَ مُقِيمًا فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ الْجَمْعُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْقَصْرُ بِالْإِقَامَةِ فِي أَثْنَائِهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ فَعَلَى هَذَا هَلْ تَبْطُلُ الثَّانِيَةُ(4/376)
أَمْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي نَظَائِرِهَا (أصحهما) ينقلب نَفْلًا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَالثَّانِي) مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ لَا يَبْطُلُ الْجَمْعُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ انْعَقَدَتْ عَلَى صِفَةٍ فَلَمْ تَتَغَيَّرْ بِعَارِضٍ كَصَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ فِي السَّفَرِ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِيهَا وَيُخَالِفُ الْقَصْرَ فَإِنَّ الْإِتْمَامَ لَا يُبْطِلُ فَرْضِيَّةَ مَا مَضَى أَمَّا إذَا صَارَ مُقِيمًا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قُلْنَا الْإِقَامَةُ فِي أَثْنَائِهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْجَمْعِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ الْجَمْعُ كَمَا لَوْ قَصَرَ ثُمَّ أَقَامَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالثَّانِي تَبْطُلُ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا لِزَوَالِ السَّفَرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْجَمْعِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ مُضِيِّ إمْكَانِ فِعْلِهَا فَإِنْ أَقَامَ فِي
وَقْتِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ إمْكَانِ فِعْلِهَا لَمْ تَجِبُ إعَادَتُهَا بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ مَهْمَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الثانية شئ هَذَا كُلُّهُ إذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا أَمَّا إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَصَارَ مُقِيمًا بَعْدَ فَرَاغِهِمَا لَمْ يَضُرَّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأُولَى صَارَتْ قَضَاءً ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ فَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا جَمَعَ كَانَتْ(4/377)
الصَّلَاتَانِ أَدَاءً سَوَاءٌ جَمَعَ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا جَمَعَ تَأْخِيرًا فَالْمُؤَخَّرَةُ قَضَاءٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ لِلْجَامِعِ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْقَاصِرِ أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ بَابِ آدَابِ السَّفَرِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا وَنَذْكُرُ هُنَاكَ مَتَى يُصَلِّيهَا وَمَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِهَا فِي السَّفَرِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا الْأَفْضَلُ تَرْكُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَيُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ تَرْكَ الْجَمْعِ أَفْضَلُ بِخِلَافِ الْقَصْرِ قَالَ وَالْمُتَّبَعُ فِي الْفَضِيلَةِ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَعْنِي خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَوْجَبَ الْقَصْرَ وَأَبْطَلَ الْجَمْعَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي تَرْكُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ إخْلَاءَ وَقْتِ الْعِبَادَةِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ فِي الْبَلَدِ فِي سَفِينَةٍ فَسَارَتْ فَصَارَ فِيهَا فِي السَّفَرِ فَنَوَى الْجَمْعَ فان قلنا يشترط فيه الْجَمْعِ حَالَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ جَمْعُهُ وَإِلَّا فيصح لوجود السفر وقت النية
*
* قال المصنف رحمه الله
* (يجوز الجمع بين الصلاتين في المطر في وقت الاولة منهما لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ والعصر والمغرب والعشاء جمعا من غير خوف ولا سفر " قال مالك أرى ذلك في المطر وهل يجوز أن يجمع بينهما في وقت الثانية فيه قولان قال في الاملاء يجوز كالجمع في السفر وقال في الام لا يجوز لانه إذا أخر ربما انقطع المطر فجمع من غير عذر
*
(فصل)
فإذا دخل في الظهر من غير مطر ثم جاء المطر لم يجز له الجمع لان سبب الرخصة حدث بعد الدخول فلم يتعلق به كما لو دخل في صلاة ثم سافر فان أحرم بالاولى مع المطر ثم انقطع في أثنائها ثم عاد
قبل أن يسلم ودام حتى أحرم بالثانية جاز الجمع لان العذر موجود في حال الجمع وان عدم فيما سواهما من الاحوال لم يضر لانه ليس بحال الدخول ولا بحال الجمع
*
(فصل)
ولا يجوز الجمع الا في مطر يبل الثياب وأما المطر الذى لا يبل الثياب فلا يجوز الجمع لاجله لانه لا يتأذى به وأما الثلج فان كان يبل الثياب فهو كالمطر وان لم يبل الثياب لم يجز الجمع لاجله فأما الوحل والريح والظلمة والمرض فلا يجوز الجمع لاجلها فانها قد كانت فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ينقل انه جمع لاجلها وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ لَيْسَ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ مَطَرٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ لانه لا مشقة عليه في فعل الصلاة في وقتها وقال في الاملاء يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يجمع في المسجد وبيوت أزواجه الي المسجد وبجنب المسجد)(4/378)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ فِيهِ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ وَقَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ أُرَى ذَلِكَ - هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - أَيْ أَظُنُّهُ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الْإِمَامُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا مِثْلَهُ وَلَكِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ مَرْدُودٌ بِرِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَمَعَ " رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ " وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ رِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَهُوَ إمَامٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَوْثِيقِهِ وَعَدَالَتِهِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمْ يذكرها البخاري مع أن حبيب ابن أَبِي ثَابِتٍ مِنْ شَرْطِهِ قَالَ وَلَعَلَّهُ تَرَكَهَا لِمُخَالَفَتِهَا رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ تَكُونَ مَحْفُوظَةً أَوْلَى يَعْنِي رِوَايَةَ الْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ قَالَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنٍ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ الْجَمْعَ فِي الْمَطَرِ وَذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِالْمَطَرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَطَرِ أَيْ لَا يُلْحِقُهُمْ مَشَقَّةً بِالْمَشْيِ فِي الطِّينِ إلَى الْمَسْجِدِ وَأَجَابَ الشيخ(4/379)
أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ رِوَايَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهُ وَلَا مَطَرٍ كَثِيرٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِرِوَايَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ الْجَمْعُ بِالْمَطَرِ وَالْمُرَادُ بِرِوَايَةِ
وَلَا مَطَرٍ الْجَمْعُ الْمَجَازِيُّ وَهُوَ أَنْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَيُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِهَا هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الثَّانِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ رَوَى هذا الحديث عن ابي الشعشاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عمر وابن دينار قال قلت يا أبا الشعشاء اظنه أخر الظهر عجل الْعَصْرَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ قَالَ وَأَنَا أَظُنُّ ذَلِكَ وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِي تَهْذِيبِهِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا مَطَرٍ أَيْ وَلَا مَطَرٍ مُسْتَدَامٍ فَلَعَلَّهُ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا الْجَوَابَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَأَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَظِلًّا بِسَقْفٍ وَنَحْوِهِ وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ كُلُّهَا لَيْسَتْ ظَاهِرَةً وَالْمُخْتَارُ مَا أَجَابَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ لَيْسَ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ مَطَرٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي القديم لا تجوز وقال في الاملاء تجوز هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فِي الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْإِمْلَاءِ يَجُوزُ وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فَقَالُوا قَالَ فِي الْأُمِّ لَا يَجُوزُ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ يَجُوزُ فَلَمْ يَذْكُرُوا الْقَدِيمَ فَحَصَلَ مِنْ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَحَامِلِيِّ مَعَ نَقْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْجَوَازَ مُخْتَصٌّ بِالْإِمْلَاءِ وَالْمَنْعُ مَنْصُوصٌ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمْلَاءَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ وَقَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَا يَرَى كَلَامَ الْأَصْحَابِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ أَصَحُّ مِنْ مَنْعِهِ حَيْثُ ذَكَرَ الْجَوَازَ عَنْ الاملاء وَهُوَ جَدِيدٌ وَالْمَنْعُ عَنْ الْقَدِيمِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْجَدِيدُ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَلَيْسَ هَذَا التَّوَهُّمُ صَحِيحًا بَلْ الْأَصَحُّ مَنْعُ الْجَمْعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ الْوَحَلُ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ غَيْرَهَا وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ إسْكَانَهَا(4/380)
أَيْضًا وَقَوْلُهُ لِأَجْلِهَا قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي اللُّغَةِ مِنْ أَجْلِهَا وَأَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَلَا يَجُوزُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ قَدِيمًا وَجَدِيدًا وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَوِيُّ الْمَطَرِ وَضَعِيفُهُ إذَا بَلَّ الثَّوْب قَالَ
أَصْحَابُنَا وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ إنْ كَانَا يَذُوبَانِ وَيَبُلَّانِ الثَّوْبَ جَازَ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِالثَّلْجِ وَإِنْ لَمْ يَذُبْ وَلَمْ يَبُلَّ الثِّيَابَ وَهُوَ شَاذٌّ غَلَطٌ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ مُطْلَقًا وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ خَرَّجَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ إتْبَاعًا لِاسْمِ الْمَطَرِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ فَإِنَّ اسْمَ الْمَطَرِ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى وَأَمَّا الشَّفَّانُ - بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بَرَدُ رِيحٍ فِيهَا نَدْوَةٌ فَإِذَا بَلَّ الثَّوْبَ جَازَ الْجَمْعُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَفْسِيرِهِ وَحُكْمِهِ وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ إنَّهُ مَطَرٌ وَزِيَادَةٌ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْتُهُ وَأَمَّا الْوَحَلُ وَالظُّلْمَةُ وَالرِّيحُ وَالْمَرَضُ وَالْخَوْفُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِسَبَبِهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِجَوَازِهِ وَسَنُفْرِدُ فِي ذَلِكَ فَرْعًا مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْجَمْعُ بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الثَّلْجِ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ لمن يصلى جماعة فِي مَسْجِدٍ يَقْصِدُهُ مَنْ بَعُدَ وَيَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ فَأَمَّا مَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ يَمْشِي إلَى الْمَسْجِدِ في كن أَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ فِي بَابِ دَارِهِ أَوْ صَلَّى النِّسَاءُ فِي بُيُوتِهِنَّ أَوْ الرِّجَالُ فِي الْمَسْجِدِ الْبَعِيدِ أَفْرَادًا فَهَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ كَمَا سَبَقَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التحريم لِأَنَّ الْجَمْعَ جُوِّزَ لِلْمَشَقَّةِ فِي تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا وَالثَّانِي وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ يَجُوزُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَجْمَعُ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ إلَى الْمَسْجِدِ " أَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةٌ وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً(4/381)
مِنْهَا بَيْتُ عَائِشَةَ بَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَمُعْظَمُهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ جَمْعِهِ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَاقِي أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَأَمَّا وَقْتُ الْجَمْعِ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي جَوَازِهِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ
وَالْقَدِيمِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَعَكَسَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي جَوَازِهِ فِي وَقْتِ الْأُولَى الْقَوْلَانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَغْلِيطِهِ قَالَ أَصْحَابنَا فَإِذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى اُشْتُرِطَتْ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي جَمْعِ الْمُسَافِرِ وَيُشْتَرَطُ وُجُوبُ الْمَطَرِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاتَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا أَوْ بَاطِلًا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي افْتِتَاحِ الْأُولَى وَفِي اشْتِرَاطِهِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْأُولَى طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَبُو زيد والبغوى وآخرون يشترط وجها واحدا
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يُشْتَرَطُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى وَأَمَّا انْقِطَاعُهُ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ فَلَا يَضُرُّ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْمُصَنَّفِينَ وَيَعْنِي بِهِ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ أَنَّهُ قَالَ فِي انْقِطَاعِهِ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ الْخِلَافُ السابق في طرء ان الْإِقَامَةِ فِي جَمْعِ السَّفَرِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ وَأَنْكَرَهُ وَقَالَ إذَا لَمْ يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْمَطَرِ فِي الْأُولَى فَأَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ افْتَتَحَ الْأُولَى وَلَا مَطَرَ ثُمَّ مَطَرَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَفِي جَوَازِ الْجَمْعِ الْقَوْلَانِ فِي نِيَّةِ الْجَمْعِ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى وَاخْتَارَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَجَزَمَ بِهَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ الْجَمْعَ في وقت(4/382)
الثَّانِيَةِ وَجَوَّزْنَاهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ يُصَلِّي الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ اتَّصَلَ الْمَطَرُ إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَمْ انْقَطَعَ قَبْلَ وَقْتِهَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ بَلْ يُصَلِّي الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا كَالْمُسَافِرِ إذَا أَخَّرَ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ أَقَامَ قَبْلَ وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يُقَالَ لَوْ انْقَطَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ فِعْلِهَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ وَصَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً كَمَا لَوْ صَارَ مُقِيمًا وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ
* وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّهُ جَوَّزَ لَهُ التَّأْخِيرَ فَلَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعَصْرِ فِي الْمَطَرِ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ فَإِنْ قَدَّمَ
الْعَصْرَ إلَى الْجُمُعَةِ اُشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَطَرِ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ وَفِي السَّلَامِ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا فِي غَيْرِهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِصَلَاةٍ بَلْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ الْمَطَرُ فِيهِمَا كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّهَارَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذَا ذَهَابًا إلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلُ الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَ الْجُمُعَةِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ جَازَ إنْ جَوَّزْنَا تَأْخِيرَ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ فَيَخْطُبُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ الْعَصْرَ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَطَرِ وَقْتَ الْعَصْرِ كَمَا سَبَقَ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ جَازَ فِيهِ فِعْلُ الظُّهْرِ أَدَاءً جَازَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتَيْهَا
* (فَرْعٌ)
الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يجوز الجمع بالمرص وَالرِّيحِ وَالظُّلْمَةِ وَلَا الْخَوْفِ وَلَا الْوَحَلِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِعُذْرِ الْخَوْفِ وَالْمَرَضِ كَجَمْعِ الْمُسَافِرِ يَجُوزُ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا والاولى أن يفعل اوفقهما بِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي وَقَوَّاهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ قال مالك واحمد يجوز الْجَمْعُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالْوَحَلِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ قُلْتُ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ جِدًّا وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ "(4/383)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْمَرَضِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ أَوْ دُونَهُ وَلِأَنَّ حَاجَةَ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ آكَدُ مِنْ الْمَمْطُورِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ وَلَا مَرَضٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَنْ الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ الشَّاشِيِّ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ لِلْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ بِأَشْيَاءَ (مِنْهَا) حَدِيثُ الْمَوَاقِيتِ وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ إلَّا بِصَرِيحٍ (وَمِنْهَا) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ أَمْرَاضًا كَثِيرَةً وَلَمْ يُنْقَلْ جَمْعُهُ بِالْمَرَضِ صَرِيحًا (وَمِنْهَا) أَنَّ مَنْ كَانَ ضَعِيفًا وَمَنْزِلُهُ بَعِيدًا من الْمَسْجِدِ بُعْدًا كَثِيرًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ مَعَ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَكَذَا الْمَرِيضُ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ أَلْحَقْتُمْ الْوَحَلَ بِالْمَطَرِ فِي أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ دُونَ الْجَمْعِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ أَنَّ تَارِكَ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي بَدَلَهَا الظُّهْرَ وَتَارِكَ الْجَمَاعَةِ
يُصَلِّي مُنْفَرِدًا فَيَأْتِي بِبَدَلٍ وَاَلَّذِي يَجْمَعُ يَتْرُكُ الْوَقْتَ بِلَا بَدَلٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ بَابَ الْأَعْذَارِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لَيْسَ مَخْصُوصًا بَلْ كُلُّ مَا لَحِقَ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ فَهُوَ عُذْرٌ وَالْوَحَلُ مِنْ هَذَا وَبَابُ الْجَمْعِ مَضْبُوطٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَلَا يَجُوزُ بِكُلِّ شَاقٍّ وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ لِمَنْ هُوَ قَيِّمٌ بِمَرِيضٍ وَشَبَهِهِ وَلَمْ تَأْتِ السُّنَّةُ بِالْوَحَلِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ دُونَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَرْوَانَ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ بِلَا خَوْفٍ ولا سفر وَلَا مَرَضٍ: مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَائِفَةٍ جَوَازَهُ بِلَا سَبَبٍ قَالَ وجوزه بن سِيرِينَ لِحَاجَةٍ أَوْ مَا لَمْ يَتَّخِذْهُ عَادَةً(4/384)
(بَابُ آدَابِ السَّفَرِ)
هَذَا بَابٌ مُهِمٌّ تَتَكَرَّرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَتَأَكَّدُ الِاهْتِمَامُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَرَأَيْتُ تَقْدِيمَهُ هُنَا لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) اسْتِبَاقُ الْخَيْرَاتِ
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ هُنَا أَنْسَبُ وَقَدْ بَسَطَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَسْطًا حَسَنًا فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ وَقَدْ جَمَعْتُ أَنَا جُمَلًا كَبِيرَةً مِنْهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيضَاحِ فِي الْمَنَاسِكِ وَجُمْلَةً صَالِحَةً فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَذْكَارِهِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْإِشَارَةُ إلَى آدَابِهِ مُخْتَصَرَةً
وَفِي الْبَابِ مَسَائِلُ:
(إحْدَاهَا) إذَا أَرَادَ سَفَرًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يُشَاوِرَ مِنْ يَثِقُ بِدِينِهِ وَخِبْرَتِهِ وَعِلْمِهِ فِي سَفَرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيَجِبُ على المستشار النصيحة والتخلي من الهوى وخظوظ النُّفُوسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) وَتَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانُوا يُشَاوِرُونَهُ فِي أُمُورِهِمْ "
(الثَّانِيَةُ) إذَا عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْتَخِيرَ اللَّهَ تَعَالَى فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثم يدعوا بِدُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ
(الثَّالِثَةُ) إذَا اسْتَقَرَّ عَزْمُهُ لِسَفَرِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات ويخرج من مَظَالِمِ الْخَلْقِ وَيَقْضِيَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ دُيُونِهِمْ وَيَرُدَّ الْوَدَائِعَ وَيَسْتَحِلَّ كُلَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ معاملة في شئ أَوْ مُصَاحَبَةٌ وَيَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ وَيُشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَا وَيُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِي مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَائِهِ مِنْ دُيُونِهِ وَيَتْرُكَ لِأَهْلِهِ وَمَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ نَفَقَتَهُمْ إلَى حِينِ رُجُوعِهِ
(الرَّابِعَةُ) فِي إرْضَاءِ وَالِدَيْهِ وَمَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بِرُّهُ وَطَاعَتُهُ فَإِنْ مَنَعَهُ الْوَالِدُ السَّفَرَ أَوْ مَنَعَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ
(الْخَامِسَةُ) إذَا سَافَرَ لِحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ حَلَالًا خَالِصَةً مِنْ الشُّبْهَةِ فَإِنْ خَالَفَ وَحَجَّ أَوْ غَزَا بِمَالٍ مَغْصُوبٍ عَصَى وَصَحَّ حَجُّهُ وَغَزْوُهُ فِي الظَّاهِرِ لَكِنَّهُ لَيْسَ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَأَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَمَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ فِي حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَحْمِلُ فِيهِ الزَّادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الزَّادِ وَالنَّفَقَةِ لِيُوَاسِيَ مِنْهُ الْمُحْتَاجِينَ وَلْيَكُنْ زَادُهُ طَيِّبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) والمراد بالطيب هنا الجيد وبالخبيث الردئ وَيَكُونُ طَيِّبَ النَّفْسِ بِمَا يُنْفِقُهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى قَبُولِهِ
(السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْمُمَاحَكَةِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِأَسْبَابِ سَفَرِ حَجِّهِ وَغَزْوِهِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَسْفَارِ الطَّاعَةِ وَكَذَا كُلُّ قُرْبَةٍ(4/385)
(الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُشَارَكَةِ أَسْلَمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ بِسَبَبِهَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ أَذِنَ شَرِيكُهُ لَمْ يُوثَقْ بِاسْتِمْرَارِهِ فَإِنْ شَارَكَ جَازَ وَاسْتُحِبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى دُونِ حَقِّهِ وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الرِّفْقَةِ عَلَى طَعَامٍ يَجْمَعُونَهُ يَوْمًا يَوْمًا فَحَسَنٌ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ بَعْضِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ إذَا وَثِقَ بِأَنَّ أَصْحَابَهُ لَا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَثِقْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الرِّبَا في شئ وَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ فِي خَلْطِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَزْوَادَهُمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْخَلْطَةِ فِي الْمَوَاشِي وَسَنَزِيدُهَا إيضَاحًا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ قَالَ فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ قَالَ فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ "
(التَّاسِعَةُ) إذَا أَرَادَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ لَزِمَهُ تَعَلُّمُ كَيْفِيَّتِهِمَا إذْ لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهَا وَيُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِ الْحَجِّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ كِتَابًا وَاضِحًا فِي الْمَنَاسِكِ جَامِعًا لِمَقَاصِدِهَا وَيُدِيمَ مُطَالَعَتَهُ وَيُكَرِّرَهَا فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ لِتَصِيرَ مُحَقَّقَةً عِنْدَهُ وَمَنْ أَخَلَّ بِهَذَا مِنْ الْعَوَامّ يُخَافُ أَنْ لَا يَصِحَّ حَجُّهُ لِإِخْلَالِهِ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ أَرْكَانِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَرُبَّمَا قَلَّدَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ عَوَامِّ مَكَّةَ وَتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْمَنَاسِكَ مُحَقَّقَةً فَاغْتَرَّ بِهِمْ وَذَلِكَ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَكَذَا الْغَازِي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ كِتَابًا مُعْتَمَدًا مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ويتعلم الغازى ما يحتاج إليه مِنْ أُمُورِ الْقِتَالِ وَأَذْكَارِهِ وَتَحْرِيمِ الْهَزِيمَةِ وَتَحْرِيمِ الْغُلُولِ وَالْغَدْرِ وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَنْ أَظْهَرَ لَفْظَ الْإِسْلَامِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَيَتَعَلَّمُ الْمُسَافِرُ لِتِجَارَةٍ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَمَا يَصِحُّ وَمَا يَبْطُلُ وَمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيُسْتَحَبُّ وَيُكْرَهُ وَمَا هُوَ رَاجِحٌ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا سَائِحًا مُعْتَزِلًا لِلنَّاسِ تَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَصِيدُ تَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُ الصَّيْدِ وَمَا يُبَاحُ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ وَمَا يُبَاحُ به الصيد وشرط الزكاة وَمَا يَكْفِي فِيهِ قَتْلُ الْكَلْبِ وَالسَّهْمِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ رَاعِيًا تَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّ الْمُعْتَزِلِ مَعَ كيفية الرفق بالدواب ورمحها وَإِنْ كَانَ رَسُولًا إلَى سُلْطَانٍ وَنَحْوِهِ تَعَلَّمَ آداب المخاطبات الْكِبَارِ وَجَوَابَ مَا يَعْرِضُ وَمَا يَحِلُّ مِنْ ضِيَافَاتِهِمْ وَهَدَايَاهُمْ وَمَا يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ مِنْ النُّصْحِ وَتَحْرِيمِ الْغَدْرِ وَمَقَامِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا أَوْ عَامِلَ قِرَاضٍ تَعَلَّمَ مَا يُبَاحُ لَهُ مِنْ السَّفَرِ وَالتَّصَرُّفِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ فِيهِ وَعَلَى كُلِّ الْمَذْكُورِينَ تَعَلُّمُ الْحَالِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا رُكُوبُ الْبَحْرِ وَاَلَّتِي لَا يَجُوزُ إنْ أَرَادُوا رُكُوبَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كُلُّهُ يَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ(4/386)
مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْعَاشِرَةُ) يُكْرَهُ رُكُوبُ الْجَلَّالَةِ وَهِيَ الْبَعِيرُ الَّذِي يَأْكُلُ الْعَذِرَةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَلَّالَةِ فِي الْإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ رَفِيقًا مُوَافِقًا رَاغِبًا فِي الْخَيْرِ كَارِهًا لِلشَّرِّ إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ وَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ مَعَ هَذَا كَوْنُهُ عَالِمًا فَلْيَتَمَسَّكْ بِهِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهُ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ مِنْ سُوءِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْمُسَافِرِ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ وَالضَّجَرِ وَيُعِينُهُ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَيَحُثُّهُ عَلَيْهَا وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَوْنَهُ مِنْ الْأَجَانِبِ لَا مِنْ الْأَصْدِقَاءِ وَلَا الْأَقَارِبِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَرِيبَ وَالصَّدِيقَ الْمَوْثُوقَ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى مُهِمَّاتِهِ وَأَرْفَقُ بِهِ فِي أُمُورِهِ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَى إرْضَاءِ رَفِيقِهِ فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ وَيَحْتَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيَرَى لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ فَضْلًا وَحُرْمَةً وَيَصْبِرَ عَلَى مَا يَقَعُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَافَرَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ فَارِغَةً مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَيُفَوِّتُ بَعْضَ الْمَطْلُوبَاتِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ فِي حَجِّهِ وَغَزْوِهِ وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا الله مخلصين له الدين) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ "
(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَإِنْ فَاتَهُ فَيَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَأَنْ يَكُونَ بَاكِرًا وَدَلِيلُ الْخَمِيسِ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ " وَفِي رواية في الصحيحين " أقل ما كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ " " وَدَلِيلُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ " وَدَلِيلُ الْبُكُورِ حَدِيثُ صَخْرٍ الْعَامِرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا وَكَانَ إذَا بَعَثَ جَيْشًا أَوْ سَرِيَّةً بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ تَاجِرًا فَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
(الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (قُلْ يا أيها الكافرون) وَفِي الثَّانِيَةِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا خَلَفَ عَبْدٌ أَهْلَهُ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا عِنْدَهُمْ حِينَ يُرِيدُ سَفَرًا " وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إلَّا وَدَّعَهُ بِرَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ سَلَامِهِ (آية الكرسي ولايلاف قُرَيْشٍ) فَقَدْ جَاءَ فِيهِمَا آثَارُ السَّلَفِ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ بَرَكَةِ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ شئ وكل وقت ثم يدعوا(4/387)
بِحُضُورِ قَلْبٍ وَإِخْلَاصٍ بِمَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ آخِرَتِهِ وَدُنْيَاهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْإِعَانَةَ وَالتَّوْفِيقَ فِي سَفَرِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِهِ فَإِذَا نَهَضَ مِنْ جُلُوسِهِ قَالَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اللَّهُمَّ إلَيْكَ تَوَجَّهْتُ وَبِكَ اعْتَصَمْتُ اللَّهُمَّ اكْفِنِي مَا هَمَّنِي وَمَا لَا أَهْتَمُّ لَهُ اللَّهُمَّ زَوِّدْنِي التَّقْوَى وَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي "
(الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَدِّعَ أَهْلَهُ وَجِيرَانَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ وَسَائِرَ أَحْبَابِهِ وَأَنْ يُوَدِّعُوهُ وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى وَغَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ وَيَسَّرَ الْخَيْرَ لَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَمِمَّا جَاءَ فِي هَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عبد الله ابن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا أَرَادَ سَفَرًا اُدْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَدِّعُنَا فَيَقُولُ " أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَدِّعَ الجيش قال استودعك اللَّهَ دِينَكُمْ وَأَمَانَتَكُمْ وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكُمْ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي فَقَالَ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى فَقَالَ زِدْنِي فَقَالَ وَغَفَرَ ذَنْبَكَ قَالَ زِدْنِي قَالَ وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ اللَّهَ إذَا اُسْتُوْدِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ "
(السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ مَنْ يُوَدِّعُهُ وَأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الدُّعَاءَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ وَقَالَ لَا تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ " أَشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ فِي دُعَائِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
(السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يستحب أن يتصدق بشئ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَكَذَا أَمَامَ الْحَاجَاتِ مُطْلَقًا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا صَحَّ عَنْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلِيَّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَيَدْعُو بِمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ يَعْنِي إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ يُقَالُ لَهُ كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَيُنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الترمذي حَدِيثٌ حَسَنٌ زَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ فَيَقُولُ الشيطان لشيطان(4/388)
آخَرَ كَيْفَ بِكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ
(الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ وَأَرَادَ رُكُوبَ دَابَّتِهِ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ فَإِذَا اسْتَوَى عَلَيْهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ يَأْتِي بِالتَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الَّذِي ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ (مِنْهَا) :
حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا استوى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا بِاسْمِ الله قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَعْنَى مُقْرِنِينَ مطيعين وَالْوَعْثَاءُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ - هِيَ الشِّدَّةُ: وَالْكَآبَةُ - بِالْمَدِّ - هِيَ تغيير النَّفْسِ مِنْ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ وَالْمُنْقَلَبُ الْمَرْجِعُ وَعَنْ عبد الله ابن سرخس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والجور بَعْدَ الْكَوْنِ وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا هُوَ فِي صحيح مسلم بعد الكون بِالنُّونِ وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ ويروى الكور بالواو كِلَاهُمَا صَحِيحُ الْمَعْنَى قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ بِالرَّاءِ وَالنُّونِ جَمِيعًا الرُّجُوعُ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ أَوْ الزِّيَادَةُ إلَى النَّقْصِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَفِي الرِّيَاضِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ " شَهِدْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى بِدَابَّتِهِ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَكَ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ ثُمَّ ضَحِكَ فَقِيلَ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ من أي شئ ضَحِكْت قَالَ رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ يا رسول الله من أي شئ ضَحِكْت قَالَ إنَّ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذَا قَالَ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَافِقَ فِي سَفَرِهِ جَمَاعَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ(4/389)
النَّاسَ يَعْلَمُونَ مِنْ الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَكْبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عمر بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي أَنْ يَسِيرَ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَنْفَرِدَ بِطَرِيقٍ وَلَا يَرْكَبُ اثْنَتَانِ الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ يُخَافُ الْإِفَارَ بِسَبَبِ ذَلِكَ
* (1) (فَرْعٌ)
قَدْ يُقَالُ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِانْفِرَادُ فِي السَّفَرِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ خَلَائِقَ مِنْ الصَّالِحِينَ الْوَحْدَةُ فِي السَّفَرِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْوَحْدَةَ وَالِانْفِرَادَ إنَّمَا يُكْرَهَانِ لِمَنْ استأنس فَيُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الِانْفِرَادِ الضَّرَرُ بِسَبَبِ الشَّيَاطِينِ وغيرهم أم الصَّالِحُونَ فَإِنَّهُمْ أَنِسُوا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَوْحَشُوا مِنْ النَّاسِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْقَاتِهِمْ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي الْوَحْدَةِ بَلْ مَصْلَحَتُهُمْ وَرَاحَتُهُمْ فِيهَا
(الْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَمِّرَ الرِّفْقَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ افضلهم وأجودهم رأيا ويطيعونه لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ " حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا اربعمائة وخير الجيوش أربع آلَافٍ وَلَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا عَنْ قِلَّةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْمُرَادُ بِالصَّحَابَةِ هُنَا الْمُتَصَاحِبُونَ
(الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ كَلْبًا وَيُكْرَهُ أَنْ يُعَلِّقَ في الدابة جرسا أو يقلدها دثرا سَوَاءٌ الْبَعِيرُ وَالْبَغْلُ وَغَيْرُهُمَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رفقة فيها كلب أو جرس " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَعَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا يَقُولُ " لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قلادة من وتر أو قِلَادَةٌ إلَّا قُطِعَتْ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أُرَى ذَلِكَ مِنْ الْعَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قال الشيخ أبو عمر وابن الصلاح رحمه الله فان وقع شئ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ إزَالَتَهُ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ فَلَا تَحْرِمْنِي ثَمَرَةَ صُحْبَةِ مَلَائِكَتِكَ وَبَرَكَتِهِمْ
(الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَمِّلَ الدَّابَّةَ فَوْقَ طَاقَتِهَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا فَحَمَّلَهَا الْمُؤَجِّرُ مَا لَا تُطِيقُ لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُوَافَقَتُهُ لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ الله كتب الاحسان على كل شئ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَلِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ(4/390)
ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْعُجْمَةِ وَارْكَبُوهَا صَالِحَةً " وَكُلُوهَا صَالِحَةً رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
(الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرِيحَ دَابَّتَهُ بِالنُّزُولِ عَنْهَا غُدْوَةً وَعَشِيَّةً وعند عقبة ونحوها ويتنجب النَّوْمَ عَلَى ظَهْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا صَلَّى الْفَجْرَ فِي السَّفَرِ مَشَى قَلِيلًا وَنَاقَتُهُ تُقَادُ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا الْمُكْثُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَهِيَ وَاقِفَةٌ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لِحَاجَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْنَاهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ وَجَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ " رَوَاهُ أبو داود باسناد جيد وعن ابن أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ارْكَبُوا هَذِهِ الدَّوَابَّ سَالِمَةً وَابْتَدِعُوهَا سَالِمَةً وَلَا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ وَأَمَّا جَوَازُهُ لِلْحَاجَةِ فَفِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ عَلَى نَاقَتِهِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى عَلَى نَاقَتِهِ " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ
(الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ الْإِرْدَافُ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُطِيقَةً فَأَمَّا دَلِيلُ الْمَنْعِ إذَا لَمْ تُطِقْ فَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ قَرِيبًا مَعَ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا جَوَازُهُ إذَا كَانَتْ مُطِيقَةً فَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ (مِنْهَا) :
حَدِيثُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَرْدَفَهُ حِينَ دَفَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَرْدَفَ مُعَاذًا عَلَى الرَّحْلِ وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ مُعَاذًا عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ - بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ أُخْتَهُ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ فَأَرْدَفَهَا وَرَاءَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَرْدَفَ صَفِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَرَاءَهُ حِينَ تَزَوَّجَهَا بِخَيْبَرَ " وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ أَكَافٌ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ وأنه قدم من سفر فسبق بي إليه(4/391)
فحملني بين يديه ثم - جئ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ فَأَدْخَلَنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ " وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَإِذَا أَرْدَفَ كَانَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقَّ بِصَدْرِهَا وَيَكُونُ الرَّدِيفُ وَرَاءَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهَا بِتَقْدِيمِهِ لِجَلَالَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ " الرَّجُلُ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا وَعَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا مُرْسَلًا
(الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ الِاعْتِقَابُ عَلَى الدَّابَّةِ وَهُوَ أَنْ يَرْكَبَ وَاحِدٌ وَقْتًا ثُمَّ يَنْزِلَ وَيَرْكَبَ الْآخَرُ وَقْتًا وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَتْ " فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَعْتَقِبَانِ حَتَّى الْمَدِينَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ اثْنَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةً عَلَى بَعِيرٍ وَكَانَ عَلِيٌّ وَأَبُو أُمَامَةَ زَمِيلَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إذَا حَانَتْ عُقْبَتُهُمَا قَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْكَبْ نَمْشِ عَنْكَ فَيَقُولُ إنَّكُمَا لَسْتُمَا بِأَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ مِنِّي وَلَا أَرْغَبَ عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
(السادس وَالْعِشْرُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يُرَاعِيَ مَصْلَحَةَ الدَّابَّةِ فِي المرعي وَالسُّرْعَةِ وَالتَّأَنِّي بِحَسَبِ الْأَرْفَقِ بِهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ(4/392)
حَظَّهَا مِنْ الْأَرْضِ وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدْبِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ وَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُقٌ لِلدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَعْنَى أَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا اُرْفُقُوا فِي سَيْرِهَا لِتَرْعَى حَالَ مَشْيهَا والنفى - بِنُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ قَافٍ سَاكِنَةٍ - وَهُوَ الْمُخُّ وَمَعْنَاهُ أَسْرِعُوا بِهَا حَتَّى تَصِلُوا الْمَقْصِدَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ مُخُّهَا مِنْ ضَنْكِ السَّيْرِ وَالتَّعْرِيسُ النُّزُولُ فِي اللَّيْلِ وَقِيلَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ خَاصَّةً وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " رَوَاهُ البخاري ومسلم
(السابع وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ السُّرَى فِي آخِرِ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ أَنَسٌ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ " فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ لِلْمُسَافِرِ "
(الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُكْرَهُ السَّيْرُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ترسلوا مواشيكم وَصِبْيَانَكُمْ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ الْآنِيَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ إطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مَا يَقْتَضِي إطْلَاقَ الْكَرَاهَةِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِينَ فَالِاخْتِيَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ
(التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسَنُّ مساعدة الرفيق واعانته لقوله صلي " والله " عليه وسلم فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عون أخيه والله صَحِيحٌ مَشْهُورٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ " وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ " بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان معه فضل طهر فليعد به علي من لا طهر لَهُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ مَعَهُ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَهُ حَتَّى رَأَيْنَا أنه لاحق لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إنَّ مِنْ إخْوَانِكُمْ قَوْمًا لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ وَلَا عشيرة فليضم أحدكم إليه الرحلين والثلاث فما لاحدنا من ظهر يحمله عُقْبَةٌ يَعْنِي كَعُقْبَةِ أَحَدِكُمْ فَضَمَمْت إلَيَّ اثْنَيْنِ أو ثلاثة مالي الا عقبة الا كَعُقْبَةِ أَحَدِهِمْ مِنْ جَمَلِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
(الثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ لِكَبِيرِ الرَّكْبِ أَنْ يَسِيرَ فِي آخره والا فيتعهد آخِرَهُ فَيَحْمِلَ الْمُنْقَطِعَ(4/393)
أَوْ يُعِينَهُ وَلِئَلَّا يُطْمَعَ فِيهِمْ وَيَتَعَرَّضَ اللُّصُوصُ وَنَحْوُهُمْ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّفُ فِي الْمَسِيرِ فَيُرْجِي الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُ وَيَدْعُو لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه كان يفعله
(الحادى وَالثَّلَاثُونَ) يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الرِّفْقَ وَحُسْنَ الخلق مع الغلام والجمال وَالرَّقِيقِ وَالسَّائِلِ وَغَيْرِهِمْ وَيَتَجَنَّبَ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُخَاشَنَةَ وَمُزَاحَمَةَ النَّاسِ فِي الطُّرُقِ وَمُوَارَدَةَ الْمَاءِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَأَنْ يَصُونَ لِسَانَهُ مِنْ الشَّتْمِ وَالْغِيبَةِ وَلَعْنَةِ الدَّوَابِّ وَجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْقَبِيحَةِ وَيَرْفُقَ بِالسَّائِلِ وَالضَّعِيفِ وَلَا يَنْهَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ وَلَا يُوَبِّخَهُ على خروجه بلازاد وَرَاحِلَةٍ بَلْ يُوَاسِيهِ بِمَا تَيَسَّرَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ رَدَّهُ رَدًّا جَمِيلًا وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَشْهُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ واعرض عن الجاهلين) وقال الله اللَّهُ تَعَالَى (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ من عزم الامور) وَالْآيَاتُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا " وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا البذئ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الْعَبْدَ إذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتْ اللَّعْنَةُ إلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دونها ثم تهبط الي الْأَرْضَ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وشمالا فإذا لم تجد مساعدا رَجَعَتْ إلَى الَّذِي لَعَنَ فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَإِلَّا رَجَعَتْ إلَى قَائِلِهَا " رَوَاهُ أَبُو داود وعن عمر ان ابن حُصَيْنٍ قَالَ " بَيْنَمَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خُذُوا مَا عَلَيْهَا
وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ - قَالَ عِمْرَانُ فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ إذْ بَصُرَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى(4/394)
الله عليه وسلم وتضايق بهم الجبل فقال حَلِ اللَّهُمَّ الْعَنْهَا قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَاحِبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا النَّهْيُ يَتَنَاوَلُ الْمُصَاحَبَةَ دُونَ بَاقِي التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا مِنْ السَّفَرِ بِهَا فِي وَجْهٍ آخَرَ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْتُ شَرْحَهُ فِي كِتَابِ الرِّيَاضِ
(الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُكَبِّرَ إذَا صَعِدَ الثَّنَايَا وَشِبْهَهَا وَيُسَبِّحَ إذَا هَبَطَ الْأَوْدِيَةَ وَنَحْوَهَا وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " كُنَّا إذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُيُوشُهُ إذَا عَلَوْا الثَّنَايَا كَبَّرُوا وَإِذَا هَبَطُوا سَبَّحُوا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قَفَلَ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ علي كل شئ قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وحده " رواه البخاري ومسلم الفدفد - بفتح الفائين بَيْنَهُمَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ - الْغَلِيظُ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يارسول اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فَأَوْصِنِي قَالَ " عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ اللَّهُمَّ اطْوِ؟ ؟ ؟ لَهُ الْبَعِيدَ وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنَّا إذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّهُ مَعَكُمْ إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ارْبَعُوا - بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَيْ اُرْفُقُوا بِأَنْفُسِكُمْ
(الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ إذَا أَشْرَفَ عَلَى قَرْيَةٍ يُرِيدُ دُخُولَهَا أَوْ مَنْزِلٍ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا لِحَدِيثِ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمْ يَرَ قَرْيَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا إلَّا قَالَ حِينَ يَرَاهَا " اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبَّ الرياح وما ذرينا فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا(4/395)
وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ
(الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي سَفَرِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ مُجَابَةٌ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَلَى وَلَدِهِ
(الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ) إذَا خَافَ نَاسًا أَوْ غَيْرَهُمْ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَيُسَنُّ أيضا أن يدعوا بِدُعَاءِ الْكَرْبِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يقول عند عِنْدَ الْكَرْبِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ عَلَى الْمُسَافِرِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ مَا جَاءَ عَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ إذَا تَغَوَّلَتْ بِكُمْ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ " الْغِيلَانُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَهُمْ سَحَرَتُهُمْ وَمَعْنَى تَغَوَّلَتْ تَلَوَّنَتْ فِي صُوَرٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ لِلْغُولِ وُجُودٌ أَمْ لَا وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ في تهذيب اللغات
(السادسة والثلاثون) إذا استصعبت دَابَّتُهُ قِيلَ يَقْرَأُ فِي أُذُنِهَا (أَفَغَيْرَ دِينِ الله يبغون وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها واليه ترجعون) وَإِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ نَادَى يَا عِبَادَ اللَّهِ احبسوا مرتين أو ثلاثلا فَقَدْ جَاءَ فِيهَا آثَارٌ أَوْضَحْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَجَرَّبْتُ أَنَا هَذَا الثَّانِي فِي دَابَّةٍ انْفَلَتَتْ مِنَّا وَكُنَّا جَمَاعَةً عَجَزُوا عَنْهَا فَذَكَرْتُ أَنَا هَذَا فَقُلْتُ يَا عِبَادَ اللَّهِ احْبِسُوا فَوَقَفَتْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَحَكَى لِي شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي الْيُسْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ جَرَّبَهُ فَقَالَ فِي بَغْلَةٍ انْفَلَتَتْ فَوَقَفَتْ فِي الْحَالِ
(السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ الْحِدَاءُ وَالرَّجَزُ فِي السَّيْرِ لِلسُّرْعَةِ وَتَنْشِيطِ الدَّوَابِّ وَالنُّفُوسِ وَتَرْوِيحِهَا وَتَيْسِيرِ السَّيْرِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (مِنْهَا) :
حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُوَيْدَكَ يا أنجشة(4/396)
لَا تَكْسِرْ الْقَوَارِيرَ " قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي ضَعْفَةَ النِّسَاءِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هَنَاتِكَ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا السَّائِقُ فَقَالُوا عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ فَقَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ خِدْمَةُ الْمُسَافِرِ الَّذِي لَهُ نَوْعُ فَضِيلَةٍ وَإِنْ كَانَ الْخَادِمُ أَكْبَرَ سِنًّا لِحَدِيثِ أَنَسٍ قال " خرجت مع جرير ابن عَبْدِ اللَّهِ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَخْدُمُنِي فَقُلْتُ لَهُ لَا تَفْعَلْ فَقَالَ إنِّي رَأَيْتُ الْأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا آلَيْتَ أَلَّا أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إلَّا خَدَمْتُهُ قَالَ وَكَانَ جَرِيرٌ أَكْبَرَ مِنْ أَنَسٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) فِي بَيَانِ كيفية مشى من أعيي
* احْتَجَّ فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ شَكَا نَاسٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشى فدعا بهما فقال عليكم بالنسلان فنسلنا فَوَجَدْنَاهُ أَخَفَّ عَلَيْنَا " وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (الْأَرْبَعُونَ) يُكْرَهُ ضَرْبُ الدَّابَّةِ فِي الْوَجْهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ وَالضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَجُوزُ الضَّرْبُ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ لِلْحَاجَةِ عَلَى حَسَبِ الْحَاجَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذلك وإجماع العلماء وسيأتي في الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ) يَنْبَغِي لَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَلَى الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا جَوَّزَهُ مِنْ التَّيَمُّمِ وَالْجَمْعِ وَالْقَصْرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ النُّزُولُ عَنْ الدَّابَّةِ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي وَقْتِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا عَلَى الْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ
(الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا مَا رَوَتْهُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ قَالَتْ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خلق لم يضر بشئ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) يُكْرَهُ النُّزُولُ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ سَبَقَ فِي السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ
(الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ إذَا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اإذا سافر فأقبل(4/397)
اللَّيْلُ قَالَ يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيكِ وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ وَشَرِّ مَا يَدُورُ عَلَيْكِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ أَسَدٍ وَأُسُودٍ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالْأُسُودُ الشَّخْصُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَسَاكِنُ الْبَلَدِ هُمْ الْجِنُّ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ قَالَ وَالْبَلَدُ الْأَرْضُ مَا كَانَ مَأْوَى الْحَيَوَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ بِنَاءٌ وَمَنَازِلُ أَمْ لَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَالِدِ إبْلِيسُ وَمَا وَلَدَ الشَّيَاطِينُ
(الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) يُسْتَحَبُّ لِلرِّفْقَةِ فِي السَّفَرِ أَنْ يَنْزِلُوا مُجْتَمِعِينَ وَيُكْرَهُ تَفَرُّقُهُمْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّاسُ إذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلَمْ يَنْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
(السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ نَوْمِ الْمُسَافِرِ مَا رَوَاهُ أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَرَّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَهُ وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ وَلَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَا مُسْلِمٌ وَغَلِطَ الْحَاكِمُ فِي هَذَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي مُسْلِمٍ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ الْعُلَمَاءُ نَصَبَ الذِّرَاعَيْنِ لِئَلَّا يَسْتَغْرِقَ فِي النَّوْمِ فَتَفُوتَ صَلَاةُ الصُّبْحِ أَوْ أَوَّلُ وَقْتِهَا
(السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ لِلْمُسَافِرِ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ فَلِيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ نَهْمَتُهُ - بِفَتْحِ النُّونِ - مَقْصُودُهُ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَجَّهُ فَلِيُعَجِّلْ الرِّحْلَةَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
(الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ السَّفَرِ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قدير آيبون تائبون حامدون سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كُنَّا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(4/398)
وسلم قال " إذا قدم احدكم من سفر فَلْيُهْدِ إلَى أَهْلِهِ وَلْيُطْرِفْهُمْ وَلَوْ كَانَتْ حِجَارَةً " رواه الدارقطني فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِ حَمْلِ الْمُسَافِرِ هَدِيَّةً لِأَهْلِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ
(الْخَمْسُونَ) يُسْتَحَبُّ إذَا قَرُبَ مِنْ وَطَنِهِ أَنْ يَبْعَثَ إلَى أَهْلِهِ مَنْ يخبرهم لئلا يقدم بغتة فان كَانَ فِي قَافِلَةٍ كَبِيرَةٍ وَاشْتُهِرَ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَدِ وُصُولُهُمْ وَوَقْتُ دُخُولِهِمْ كَفَاهُ ذَلِكَ عَنْ إرْسَالِهِ مُعَيَّنًا
(الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُكْرَهُ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ طُرُوقًا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِمْ فِي اللَّيْلِ بَلْ السُّنَّةُ أَنْ يَقْدُمَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَإِلَّا فَفِي آخِرِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا أَطَالَ أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقَنَّ أَهْلَهُ لَيْلًا " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ وَتَسْتَحِدُّ تُزِيلُ شَعْرَ الْعَانَةِ وَالْمُغِيبَةُ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - الَّتِي غَابَ زَوْجُهَا
(الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُسَنُّ تَلَقِّي الْمُسَافِرِينَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَاسْتَقْبَلَهُ اغيلمة بني عبد المطلب فجعل واحد بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ - وَفِي رِوَايَةٍ قَدِمَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَدِمَ مِنْ سفر تلقي بصبيان أهل بيته وأنه قدم مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يديه ثم جئ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ فَأَدْخَلَنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يُسْرِعَ السَّيْرَ إذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى جُدَرَانِ قَرْيَتِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إلَى جُدْرَانِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(الرَّابِعَةُ والخمسون) إذا وقع بصره على قريته اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا بِهَا قَرَارًا وَرِزْقًا حَسَنًا اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا حِمَاهَا وَأَعِذْنَا مِنْ وَبَاهَا وَحَبِّبْنَا إلَى أَهْلِهَا وَحَبِّبْ صَالِحِي أَهْلِهَا إلَيْنَا وَقَدْ ثَبَتَ دَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْأَذْكَارِ
(الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) السُّنَّةُ إذَا وَصَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَ دُخُولِهِ بِالْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ إلَى مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْقُدُومِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ بَيْعِ جَمَلِهِ فِي السَّفَرِ قَالَ " وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ فَجِئْتُ المسجد فوجدته(4/399)
يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ الْآنَ قَدِمْتَ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَدَخَلْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ " بِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا فِي سَفَرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَإِنْ كَانَ الْقَادِمُ مَشْهُورًا يَقْصِدُهُ النَّاسُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْعُدَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَكَان بَارِزٍ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَاصِدِيهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ وَلَا يُقْصَدُ ذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ
(السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) إذَا وَصَلَ بَيْتَهُ دَخَلَهُ مِنْ بَابِهِ لَا مِنْ ظَهْرِهِ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَتْ الْأَنْصَارُ إذَا حَجُّوا فجاؤا لَا يَدْخُلُونَ مِنْ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ قبل بابه وكأنه عبر بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتقي واتوا البيوت من أبوابها " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) فَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ مَا رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ قَالَ تَوْبًا تَوْبًا لِرَبِّنَا أو بالا يُغَادِرُ حَوْبًا قَوْلُهُ تَوْبًا سُؤَالٌ لِلتَّوْبَةِ أَيْ أَسْأَلُك تَوْبًا أَوْ تُبْ عَلَيَّ تَوْبًا وَأَوْبًا بِمَعْنَاهُ مِنْ آبَ إذَا رَجَعَ وَقَوْلُهُ لَا يُغَادِرُ حَوْبًا أَيْ لَا يَتْرُكُ إثْمًا
(الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِلْقَادِمِ مِنْ غَزْوٍ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوٍ فَلَمَّا دَخَلَ اسْتَقْبَلْتُهُ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَكَ وَأَعَزَّكَ وَأَكْرَمَكَ " وَيُقَالُ لِلْقَادِمِ مِنْ حَجٍّ قَبِلَ اللَّهُ حَجَّكَ وَغَفَرَ ذَنْبَكَ وَأَخْلَفَ نَفَقَتَكَ وَرُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
(التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُسْتَحَبُّ النَّقِيعَةُ وَهِيَ طَعَامٌ يُعْمَلُ لِقُدُومِ الْمُسَافِرِ وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ الْمُسَافِرُ الْقَادِمُ وَعَلَى مَا يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ لَهُ وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَمِمَّا يستدل به لها حديث جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرِهِ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(السِّتُّونَ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
(الْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ النَّوَافِلِ فِي السَّفَرِ سَوَاءٌ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا: هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرحمن ومالك(4/400)
وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَبِهِ قَالَتْ طَائِفَةٌ من الصحابة واحمد واسحق وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ فِي السَّفَرِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَرَوَى حَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ " صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ قُلْنَا يُسَبِّحُونَ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا أَتْمَمْتُ صلاني يَا ابْنَ أَخِي إنِّي صَحِبْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله اسوة حسنة " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا اللَّفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا صَحِبْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ فَهَذَا حُجَّةُ ابْنِ عُمَرَ وَمَنْ وَافَقَهُ وَأَمَّا حُجَّةُ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) :
الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الشَّائِعَةُ فِي باب استقبال القبلة وغير أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي النَّوَافِلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ " وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثُهُ السَّابِقُ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشمس فساروا حتى ارتفت الشَّمْسُ ثُمَّ نَزَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ سُنَّةُ الصُّبْحِ وَهُمَا مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ فِي صَحِيحِهِ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فِي بَيْتِهَا ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَذَلِكَ ضُحًى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ سُبْحَةُ الضُّحَى وَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ التَّطَوُّعِ: وَاحْتَجَّ بِهَا الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ(4/401)
صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَفْرَةً فَمَا رَأَيْتُهُ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ رَأَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ حَسَنًا وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطِيَّةَ وَنَافِعٍ وَقَالَ هُوَ أَيْضًا حَسَنٌ قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَدِيثًا أَعْجَبَ إلَيَّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَعَطِيَّةُ والحجاج وابن ابى ليلي ضعيف وقد حكم بانه حسن فلعله اعتضده عنده بشئ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ الْأُولَى فِي نَفْيِ الزِّيَادَةِ فَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ) يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَى مَا يُسَمَّى سَفَرًا سَوَاءٌ بَعُدَ أَمْ قَرُبَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَيْلَةً وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ مَسِيرَةَ بَرِيدٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا قَالَ انْطَلِقْ فحج مع امرأتك " رواه البخاري ومسلم
* (باب صلاة الخوف)
* قال المصنف رحمه الله
* (تجوز صلاة الخوف في قتال الكفار لقوله تعالى (ان كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) وكذلك يجوز في كل قتال مباح كقتال اهل البغى وقطاع الطريق لانه قتال جائز فهو كقتال الكفار واما القتال المحظور كَقِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقِتَالِ أَهْلِ الْأَمْوَالِ لِأَخْذِ أموالهم فلا يجوز فيه صلاة الخوف لان ذلك رخصة وتخفيف فلا يجوز أن تتعلق بالمعاصى ولان فيه اعانة على المعصية وهذا لا يجوز)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ صَلَاةُ الْخَوْفِ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ قِتَالٍ لَيْسَ بِحِرَامٍ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا كَقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ إذَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَكَذَا الصَّائِلُ عَلَى حَرِيمِ الْإِنْسَانِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَوْجَبْنَا الدَّفْعَ أَوْ كَانَ مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ كَقِتَالِ مَنْ قَصَدَ مَالَ الْإِنْسَانِ أَوْ مَالَ غَيْرِهِ(4/402)
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْقِتَالِ الْمُحَرَّمِ بِالْإِجْمَاعِ كَقِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقِتَالِ أَهْلِ الْأَمْوَالِ لِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ وَقِتَالِ الْقَبَائِلِ عَصَبِيَّةً وَنَحْوِ ذَلِكَ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَقَطَعَ أَصْحَابُنَا العراقيين وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ قُصِدَ مَالُهُ وَدَافَعَ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا قَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ إذَا كَانَ الْمَالُ حَيَوَانًا جَازَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ قَطْعًا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِهِ أَمَّا إذَا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْكُفَّارِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ الْهَزِيمَةُ جَائِزَةً بِأَنْ يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى الضِّعْفِ أَوْ كَانَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَلَهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَإِلَّا فَلَا
وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا وَفُرُوعِهَا فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَيْثُ مَنَعْنَا صَلَاةَ الْخَوْفِ لِكَوْنِ الْقِتَالِ مُحَرَّمًا فَصَلَّوْهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّوْهَا فِي الْأَمْنِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي كُلِّ قِتَالٍ مُبَاحٍ فَاسْتَعْمَلَ الْمُبَاحَ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ(4/403)
وهو مالا إثْمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَإِنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ وَاجِبٌ وَحَقِيقَةُ الْمُبَاحِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا استوى طرفاه بالشرع وانما طلقه الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لِيُدْخِلَ فِيهِ الدَّفْعَ عَنْ الْمَالِ وَغَيْرَهُ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ رُخْصَةٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَادُ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْفَرِيضَةِ فِيهَا إذَا صُلِّيَتْ جَمَاعَةً كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا شُرُوطُ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانُهَا وَسُنَنُهَا وَعَدَدُ ركعاتها فهى في الخوف كالامن من إلَّا أَشْيَاءَ اُسْتُثْنِيَتْ فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ خَاصَّةً سَنُفَصِّلُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَا يَتَغَيَّرُ عَدَدُ رَكَعَاتِهَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَّا ابْنَ الْعَبَّاسِ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَالضَّحَّاكَ واسحق بْنَ رَاهْوَيْهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْوَاجِبُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَطَاوُسٍ لَكِنْ أَبُو حَامِدٍ نَقَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْخَوْفِ عَلَى الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ وَعَلَى الْمَأْمُومِ رَكْعَةٌ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْجُمْهُورُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْوَاجِبَ رَكْعَةٌ فَقَطْ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الحضر اربعا في السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي الْخَوْفِ ظَاهِرَةٌ فَخَفَّفَ عَنْهُ بِالْقَصْرِ دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ " (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَيُصَلِّي الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى وَحْدَهُ وَبِهَذَا الْجَوَابِ أَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الْخَوْفِ مَشَقَّةٌ أَنْ يُنْتَقَضَ بِالْمَرَضِ فَإِنَّ مَشَقَّتَهُ أَشَدُّ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ أَنَّ الْخَوْفَ يُؤَثِّرُ فِي تَخْفِيفِ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ وَصِفَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَصْلِ صَلَاةِ الْخَوْفِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ وَكَانَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْرُوعَةً لِكُلِّ أَهْلِ عَصْرِهِ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُنْفَرِدِينَ عَنْهُ وَاسْتَمَرَّتْ شريعتها(4/404)
إلَى الْآنَ وَهِيَ مُسْتَمِرَّةٌ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا وَبِهَذَا قَالَتْ الْأُمَّةُ بِأَسْرِهَا إلَّا أَبَا يُوسُفَ وَالْمُزَنِيَّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمَنْ يُصَلِّي مَعَهُ وَذَهَبَتْ بِوَفَاتِهِ " وَقَالَ الْمُزَنِيّ كَانَتْ ثُمَّ نُسِخَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذَا كُنْتَ فيهم فاقمت لهم الصلاة) الْآيَةَ قَالَ وَالتَّغْيِيرُ الَّذِي يَدْخُلُهَا كَانَ يَنْجَبِرُ بِفِعْلِهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
* وَاحْتَجَّ الْمُزَنِيّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَهُ صَلَوَاتُ يَوْمِ الْخَنْدَقِ وَلَوْ كَانَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ جَائِزَةً لَفَعَلَهَا وَلَمْ يُفَوِّتْ الصَّلَاةَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَصْلُ هُوَ التَّأَسِّي بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخِطَابُ مَعَهُ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ عَامٌّ وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ صَلَّوْهَا فِي مَوَاطِنَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجَامِعَ بِحَضْرَةِ كِبَارٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ صَلَّاهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي حُرُوبِهِ بِصِفِّينَ وَغَيْرِهَا وَحَضَرَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ خَلَائِقُ لَا يَنْحَصِرُونَ وَمِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ وَحُذَيْفَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَهُمْ الْبَيْهَقِيُّ وَبَعْضُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ رَأَوْا صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَوْفِ لَمْ يَحْمِلْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِزَمَنِهِ بَلْ رَوَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا مَشْرُوعَةً عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَقَدْ سبق أنها حجة لنا لان الْخِطَابِ وَالْأَصْلُ التَّأَسِّي (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ انْجِبَارِ الصَّلَاةِ بِفِعْلِهَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا الصَّلَاةُ خَلْفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَةٌ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَلَاةُ الْخَوْفِ جَائِزَةً مُطْلَقًا لَمَا فَعَلُوهَا (وَأَمَّا دَعْوَى) الْمُزَنِيِّ النَّسْخَ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا عَلِمْنَا تَقَدُّمَ الْمَنْسُوخِ وَتَعَذُّرَ الجمع بين النصين ولم يوجد هنا(4/405)
شى مِنْ ذَلِكَ بَلْ الْمَنْقُولُ الْمَشْهُورُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ نَزَلَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ فَكَيْفَ يُنْسَخُ بِهِ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ جَائِزَةٌ ليس وَاجِبَةً فَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَرْكِهَا النَّسْخُ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَلَوْ كَانَتْ مَنْسُوخَةً لَمَا فعلوها ولا نكروا علي فاعليها والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإذا أراد الصلاة لم يخل اما أن يكون العدو في جهة القبلة أو في غيرها فان كان في غيرها ولم يأمنوا وفى المسلمين كثرة جعل الامام الناس طائفتين طائفة في وجه العدو وطائفة يصلى معهم ويجوز أن يصلى بالطائفة التي معه جميع الصلاة ثم تخرج إلي وجه العدو وتجئ الطائفة الاخرى فتصلى معه فيكون متنفلا في الثانية وهم مفترضون والدليل عليه ما روى ابو بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " صلي صلاة الخوف بالذين معه ركعتين وبالذين جاؤا ركعتين فكانت للنبى صلي الله عليه وسلم اربعا وللذين جاؤا ركعتين " ويجوز أن يصلي باحدى الطائفتين بعض الصلاة وبالاخرى البعض وهو أفضل من أن يصلي بكل واحدة منهما جميع الصلاة لانه أخف فان كانت الصلاة ركعتين صلي بالطائفة التى معه ركعة وثبت قائما وأتمت الطائفة لانفسهم وتنصرف إلى وجه العدو وتجئ الطائفة الاخرى فيصلى معهم الركعة التى بقيت من صلاته وثبت جالسا واتمت الطائفة لانفسهم ثم يسلم بهم والدليل عليه ما روى صالح بن خوات " عن من صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم ذات الرقاع صلاة الخوف فذكر مثل ما قلنا ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ مَوْضِعَهُ لِأَنِّي رَأَيْت إمَامَيْنِ كَبِيرَيْنِ أَضَافَاهُ إلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ خَاصَّةً فَأَوْهَمَا أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَرْوِهِ وَغَلِطَا فِي ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ عن من صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وقوله) عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ سَهْلُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَخَوَّاتٌ - بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَوَاوٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ أَلْفٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ - وَصَالِحٌ(4/406)
تَابِعِيٌّ وَأَبُو خَوَّاتٍ صَحَابِيٌّ وَهُوَ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَذَاتُ الرِّقَاعِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - مَوْضِعٌ قِبَلَ نَجْدٍ
مِنْ أَرْضِ غَطَفَانَ اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا فَالصَّحِيحُ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا نُقِّبَتْ أَقْدَامُنَا فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ عَلَى أَرْجُلِنَا مِنْ الْخِرَقِ وَقَوْلُهُ نُقِّبَتْ - بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا - أَيْ تَقَرَّحَتْ وَتَقَطَّعَتْ جُلُودُهَا وَقِيلَ بِاسْمِ شَجَرَةٍ كَانَتْ هُنَاكَ وَقِيلَ اسْمُ جَبَلٍ فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ وَسَوَادٌ وَيُقَالُ لَهُ الرِّقَاعُ وَقِيلَ لِأَرْضٍ كَانَتْ مُلَوَّنَةً وَقِيلَ لِرِقَاعٍ كَانَتْ فِي أَلْوِيَتِهِمْ (قَوْلُهُ) وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ - هِيَ بِفَتْحِ الْكَافِ - عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ كَسْرُهَا
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ جَاءَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا وَهِيَ مُفَصَّلَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْضُهَا وَمُعْظَمُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ (أَحَدُهَا) صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ (وَالثَّانِي) صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ (وَالثَّالِثُ) صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِصَلَاةِ الْخَوْفِ نَوْعٌ رَابِعٌ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ خِفْتُمْ فرجالا أو ركبانا) وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَوْفِ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ بَطْنَ نَخْلٍ مَوْضِعٌ مِنْ أَرْضِ نَجْدٍ مِنْ أَرْضِ غَطَفَانَ فَهِيَ وَذَاتُ الرِّقَاعِ مِنْ أَرْضِ غطفان لكنها صَلَاتَانِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَفِي كِتَابِ الْمَغَازِي مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ " واعلم ان نخلا هَذَا غَيْرُ نَخْلَةِ الَّذِي جَاءَ إلَيْهَا وَفْدُ الْجِنِّ تِلْكَ عِنْدَ مَكَّةَ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ (وَالْأُخْرَى) يُصَلِّي بِهَا جَمِيعَ الصَّلَاةِ وَيُسَلِّمُ سَوَاءٌ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَإِذَا سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ مَرَّةً ثَانِيَةً تَكُونُ لَهُ نَافِلَةً وَلَهُمْ فَرِيضَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَالْعَدُوُّ قَلِيلٌ وَأَنْ يُخَافَ هُجُومُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَهَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَتْ شَرْطًا لَصِحَّتِهَا فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ فَفِي الْخَوْفِ أَوْلَى وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهَا(4/407)
لا تندب على هذه الهيأة إلَّا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي) فَهُوَ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَمُعْظَمُ مَسَائِلِ الْبَابِ فِيهَا فَتَكُونُ ثَلَاثَةً تَارَةً رَكْعَتَيْنِ صُبْحًا أَوْ مَقْصُورَةً وَتَارَةً ثَلَاثًا وَهِيَ الْمَغْرِبُ وَتَارَةً أَرْبَعًا إذَا لَمْ تُقْصَرْ فَإِنْ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ فَرَّقَ الْإِمَامُ النَّاسَ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَقِفُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَدُوِّ وَفِرْقَةً يَنْحَدِرُ بِهَا الْإِمَامُ إلَى حَيْثُ لَا يَلْحَقُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ فَيُحْرِمُ بِهِمْ وَيُصَلِّي رَكْعَةً وَهَذَا الْقَدْرُ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَفِيمَا يَفْعَلُ بعد ذلك روايتان في الاحاديث الصحيحة (إحداها) أَنَّهُ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ نَوَى الْمُقْتَدِي الْخُرُوجَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ وَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَأَحْرَمُوا خَلْفَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثانية وأطالها حتى يلحقوه ويقرأوا الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ بِهِمْ وَيَسْجُدَ فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَصَلَّوْا ثَانِيَتَهُمْ وَانْتَظَرَهُمْ فَإِذَا لَحِقُوهُ سَلَّمَ بِهِمْ هَذِهِ رِوَايَةُ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ وَهِيَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ لَا يُتِمُّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ الصَّلَاةَ بَلْ يَذْهَبُونَ إلَى مَكَانِ إخْوَانِهِمْ فَيَقِفُونَ قُبَالَةَ الْعَدُوِّ وَهُمْ فِي الصلاة ويقفون سكوتا وتجئ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ فَإِذَا سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْأَوَّلُونَ إلَى مَكَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَصَلَّوْا الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ فَصَلَّوْا رَكْعَتَهُمْ الْبَاقِيَةَ وَسَلَّمُوا وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَر عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْن عُمَرَ لَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تصل فجاؤا فَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ " وَلَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صلي بهم النبي صلي الله عليه وسلم رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً " وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى رِوَايَةَ سَهْلٍ لِأَنَّهَا أَحْوَطُ لِأَمْرِ الْحَرْبِ وَلِأَنَّهَا أَقَلُّ مُخَالَفَةً لِقَاعِدَةِ الصَّلَاةِ وَهَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى وَفْقِ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الخراسانيين(4/408)
(أَحَدُهُمَا)
لَا تَصِحُّ لِكَثْرَةِ الْأَفْعَالِ فِيهَا بِلَا ضَرُورَةٍ احْتِرَازًا مِنْ صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَزَعَمَ الْمُحْتَجُّ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ منسوخة (والقول الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ لِصِحَّةِ الحديث وعدم معارضه فَإِنَّ رِوَايَةَ سَهْلٍ لَا تُعَارِضُهُ فَكَانَتْ هَذِهِ فِي يَوْمٍ وَتِلْكَ فِي يَوْمٍ آخَرَ وَدَعْوَى الْأَوَّلِ النَّسْخَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَيْسَ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَهَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ بَعِيدٌ فَغَلِطَ فِي شَيْئَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
نِسْبَتُهُ إلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي تَضْعِيفُهُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِعْلُ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَ وَاجِبًا بَلْ مَنْدُوبٌ فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِبَعْضِهِمْ كُلَّ الصَّلَاةِ وَبِالْبَاقِينَ غَيْرُهُ أَوْ صَلَّى بَعْضُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ مُنْفَرِدِينَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا يَسْمَحُونَ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِعِظَمِ فَضْلِهَا فَسُنَّتْ لَهُمْ هَذِهِ الصِّفَةُ لِيَحْصُلَ لِكُلِّ طَائِفَةِ حَظٌّ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَالْوُقُوفِ قُبَالَةَ الْعَدُوِّ وتختص الاولى بفضيلاه إدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالثَّانِيَةُ بِفَضِيلَةِ السَّلَامِ مَعَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ هَذِهِ الصَّلَاةُ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِيهَا وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَائِلٌ يَمْنَعُهُمْ لَوْ هَجَمُوا
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وتفارق الطائفة الاولى الامام حكما وفعلا فان لحقها سهو بعد المفارقة لم يتحمل عنهم الامام وان سها الامام لم يلزمه سهوه وهل يقرأ الامام في حال انتظاره قال في موضع إذا جاءت الطائفة الثانية قرأ وقال في موضع يطيل القراءة حتي تدركه الطائفة الثانية فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يقرأ حتى تجئ الطائفة الثانية فيقرأ معها لانه قرأ مع الطائفة الاولي قراءة تامة فيجب ان يقرأ مع الثانية ايضا قراءة تامة (والقول الثاني) انه يقرأ وهو الاصح لان افعال الصلاة لا تخلو من ذكر والقيام لا يصلح لذكر غير القراءة فوجب ان يقرأ ومن اصحابنا من قال ان اراد ان يقرأ سورة قصيرة لم يقرأ حتى لا يفوت القراءة علي الطائفة الثانية وان اراد ان يقرأ سورة طويلة قرأ لانه لا يفوت عليهم القراءة وحمل القولين علي هذين الحالين واما الطائفة الثانية فانهم يفارقون الامام فعلا ولا يفارقونه حكما فان سهوا تحمل عنهم الامام
وإن سها الامام لزمهم سهوه ومتى يفارقونه قال الشافعي رحمه الله في سجود السهو يفارقونه بعد التشهد لان المسبوق لا يفارق الامام الا بعد التشهد وقال في الام يفارقونه عقيب السجود في الثانية وهو(4/409)
الاصح لان ذلك اخف ويفارق المسبوق لان المسبوق لا يفارق حتى يسلم الامام وهذا يفارق قبل التسليم فإذا قلنا بهذا فهل يتشهد الامام في حال الانتظار فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قولان كالقراءة ومنهم من قال يتشهد قولا واحدا ويخالف القراءة فان في القراءة قد قرأ مع الطائفة الاولى فلم يقرأ حتى تدركه الطائفة الثانية فيقرأ معها والتشهد لم يفعله مع الطائفة الاولى فلا ينتظر)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَامَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ مِنْ سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى نَوَوْا مُفَارِقِينَ إذَا انْتَصَبُوا قِيَامًا وَلَوْ فَارَقُوهُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ جَازَ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِيَسْتَمِرَّ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ حَالَةَ النُّهُوضِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الْقُدْوَةِ مُسْتَمِرٌّ مَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقْتَدِي سَبْقُ الْإِمَامِ فَإِذَا فَارَقُوهُ خَرَجُوا عَنْ حُكْمِ الْقُدْوَةِ فِي كل شئ فَلَا يَلْحَقُهُمْ سَهْوُهُ وَلَا يَحْمِلُ سَهْوَهُمْ وَقَوْلُ المصنف والاصحاب يفارقوه حُكْمًا وَفِعْلًا أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ حُكْمًا أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ سَهْوَهُمْ وَلَا يَلْحَقُهُمْ سَهْوُهُ وَلَا يَسْجُدُونَ لِتِلَاوَتِهِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَلْتَزِمُهُ الْمَأْمُومُ وَأَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ وَفِعْلًا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مُنْفَرِدِينَ مُسْتَقِلِّينَ بِفِعْلِهَا وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ حُكْمُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى عَنْ حُكْمِ الْإِمَامِ وَلَا يَحْمِلُ سَهْوَهُمْ ولا يلحقهم سهوه وجهين
(أحدهما)
إذا انْتَصَبَ الْإِمَامُ قَائِمًا (وَالثَّانِي) إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ رَفْع رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَهُمْ فِيهِ فَسَهَوْا فِيهِ لَمْ يَحْمِلْهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ الْوَجْهَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ قَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُمْ يَنْوُونَ الْمُفَارَقَةَ عِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ وَالِانْتِصَابِ فَلَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ فِي وَقْتِ الِانْقِطَاعِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى وَقْتِ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مُتَعَيِّنٌ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَسَهْوُهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَهَا الَّتِي هِيَ ثَانِيَةُ الْإِمَامِ مَحْمُولٌ لِأَنَّهُمْ فِي قُدْوَةٍ حَقِيقَةً وَفِي سَهْوِهِمْ فِي رَكْعَتِهِمْ الثَّانِيَةِ الَّتِي يَأْتُونَ بِهَا وَالْإِمَامُ يَنْتَظِرُهُمْ فِي الْجُلُوسِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَحْمِلُهُ لِمُفَارَقَتِهِمْ لَهُ فِي الْفِعْلِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُمْ(4/410)
سَهْوُهُ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ لَهُمْ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قطع المصنف والاكثرون يحمله ويلحقهم سهوه لانهم في حكم القدوة وهو منتظر لهم فهو كَسَهْوِهِمْ فِي سَجْدَةٍ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْهَا وَيُعَبَّرُ عن الوجهين بانهم يفارقوه حُكْمًا أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُ حكما قالوا وتجرى الْوَجْهَانِ فِي الْمَزْحُومِ فِي الْجُمُعَةِ إذَا سَهَا فِي وَقْتِ تَخَلُّفِهِ وَأَجْرُوهُمَا فِيمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَسَهَا ثُمَّ نَوَى الِاقْتِدَاءَ فِي أَثْنَائِهَا وَجَوَّزْنَاهُ وَأَتَمَّهَا مَأْمُومًا وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إجْرَاءَهُمَا هُنَا وَقَالَ الْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ حُكْمَ السَّهْوِ لَا يَرْتَفِعُ بِالْقُدْوَةِ اللَّاحِقَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ هُنَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ سَهْوَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يلحق الطائفتين فَتَسْجُدُ لَهُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى إذَا تَمَّتْ صَلَاتُهَا فَإِنْ سَهَا بَعْضُهُمْ فِي رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى سَجْدَتَيْنِ أَمْ يَسْجُدُ أَرْبَعًا لِكَوْنِهِ سَهَا فِي حَالِ قُدْوَةٍ وَفِي حَالِ انْفِرَادٍ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ (أَصَحُّهُمَا) سَجْدَتَانِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنْ قُلْنَا سجدتان فعماذا تَصِحَّانِ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي بَابِ سجود السهو (احدهما) تَقَعَانِ عَنْ سَهْوِهِ وَيَكُونُ سَهْوُ إمَامِهِ تَابِعًا (وَالثَّانِي) عَكْسُهُ (وَأَصَحُّهَا) يَقَعَانِ عَنْهُمَا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ نَوَى خِلَافَ مَا جَعَلْنَاهُ مَقْصُودًا قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى الثَّانِيَةِ هَلْ يَقْرَأُ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ فراغ الاولي ومجئ الثَّانِيَةِ فِيهِ نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ يَقْرَأُ وَيُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فَإِذَا جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ قَرَأَ مَعَهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً قَصِيرَةً وَقَالَ فِي الْأُمِّ لَا يَقْرَأُ بَلْ يُسَبِّحُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ هَذَانِ نَصَّانِ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِمَا ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ فَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وبعدها سورة طويلة حتى تجئ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا جَاءَتْ قَرَأَ مِنْ السُّورَةِ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةً قَصِيرَةً لِتَحْصُلَ لَهُمْ قِرَاءَةُ الفاتحة وشئ مِنْ زَمَنِ السُّورَةِ وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ لَا سُكُوتَ فِيهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَا يُشْرَعُ فِيهِ إلَّا الْقِرَاءَةُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يُسْتَحَبُّ أَنْ لا يقرأ حتى تجئ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ قَرَأَ مَعَ الْأُولَى الْفَاتِحَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا أَيْضًا مَعَ الثَّانِيَةِ وَلَا يُشْرَعُ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ قَبْلَهَا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَشْتَغِلُ بِمَا شَاءَ مِنْ الذِّكْرِ كَالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِ (وَالطَّرِيقُ(4/411)
الثاني) وبه قال أبو اسحق إنْ أَرَادَ قِرَاءَةَ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ لَمْ يَقْرَأْ لِئَلَّا تَفُوتَ الْقِرَاءَةُ عَلَى الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ أَرَادَ سُورَةً طَوِيلَةً قَرَأَ لِأَنَّهُ لَا تَفُوتُهُمْ وَحَمَلَ النَّصَّيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَى لِأَنَّهَا حَالَةُ شُغْلٍ وَحَرْبٍ وَمُخَاطَرَةٍ عَنْ خِدَاعِ الْعَدُوِّ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلطَّائِفَتَيْنِ تَخْفِيفُ قِرَاءَةِ رَكْعَتِهِمْ الثَّانِيَةِ لِئَلَّا يَطُولَ الِانْتِظَارُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي حَالِ الِانْتِظَارِ أَمْ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَرْكَعَ حَتَّى تَفْرُغَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْفَاتِحَةِ فَلَوْ لَمْ يَنْتَظِرْهُمْ الْإِمَامُ فَأَدْرَكَتْهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ رَاكِعًا أَدْرَكُوا الرَّكْعَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا في غير حالة الخوف كذا قالوه ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ السَّابِقُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَنْ ابْن خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تُحْسَبَ الرَّكْعَةُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَلَا تُحْسَبَ حَتَّى يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ قِيَامِ الْإِمَامِ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَارَقُوهُ لِيُتِمُّوا الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَنْوُونَ مُفَارَقَتَهُ وَمَتَى يُفَارِقُونَهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ منها الاول والثانى وأحدهما يفارقوونه بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ فَعَلَى هَذَا إذَا قَارَبَ السَّلَامَ فَارَقُوهُ ثُمَّ انْتَظَرَهُمْ وَطُوَّلَ الدُّعَاءَ حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَتَهُمْ وَيَتَشَهَّدُوا ثُمَّ يُسَلِّمَ بِهِمْ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَأَشْهَرُهَا وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ يُفَارِقُونَهُ عَقِبَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ وَيُخَالِفُ الْمَسْبُوقَ فَإِنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ إلَّا بَعْدَ السَّلَامِ وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا فَارَقَ لَا يَنْتَظِرُهُ أَحَدٌ وَهُنَا يَنْتَظِرُهُ الْإِمَامُ لِيُسَلِّمَ بِهِ فَكُلَّمَا طَالَ مُكْثُهُ طَالَ انْتِظَارُ الْإِمَامِ وَطَالَتْ صَلَاتُهُ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ الْقَدِيمِ يُفَارِقُهُ عَقِبَ السَّلَامِ كَالْمَسْبُوقِ حَقِيقَةً وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ عَقِبَ السُّجُودِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَلَّى رُبَاعِيَّةً يَتَشَهَّدُ مَعَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ سِيَاقَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَرُدُّهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ عَقِبَ السُّجُودِ فَهَلْ يَتَشَهَّدُ فِي حَالِ انْتِظَارِهِمْ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ وَهُمَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَتَشَهَّدُ قَوْلًا وَاحِدًا وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يُقْرَأُ عَلَى قَوْلٍ لِيُسَوِّيَ بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَهُمْ وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يَتَشَهَّدَ لِئَلَّا يَخُصَّ الثَّانِيَةَ بِالتَّشَهُّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَتَشَهَّدُ اشْتَغَلَ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ بِالذِّكْرِ(4/412)
كَمَا قُلْنَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهِمْ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا سَهَا فِي الْأُولَى لَحِقَ الطَّائِفَتَيْنِ سَهْوُهُ فَإِذَا فَارَقَتْهُ الْأُولَى قَالَ الشَّافِعِيُّ أَشَارَ إلَيْهِمْ إشَارَةً يَفْهَمُونَ بِهَا أَنَّهُ سَهَا لِيَسْجُدُوا فِي آخِرِ صَلَاتِهِمْ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ فيه وجهين (أصحهما) وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ إنَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ سَهْوًا يَخْفَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ سَهْوًا جَلِيًّا لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ لَمْ يُشِرْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَظُنُّ الشَّافِعِيَّ أَشَارَ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْإِمْلَاءِ وَجَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ (وَالثَّانِي) يُشِيرُ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ السَّهْوُ جَلِيًّا لِأَنَّ الْمَأْمُومَ قَدْ يَجْهَلُ السُّجُودَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ تُفَارِقُهُ عَقِبَ السُّجُودِ فَكَانَ الْإِمَامُ قَدْ سَهَا سَجَدُوا مَعَهُ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا يَتَشَهَّدُونَ مَعَهُ سَجَدُوا لِلسَّهْوِ مَعَهُمْ ثُمَّ قَامُوا إلَى رَكْعَتِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي إعَادَتِهِمْ سُجُودَ السَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِمْ الْقَوْلَانِ فِي الْمَسْبُوقِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ (أَصَحُّهُمَا) يُعِيدُونَ وَإِنْ قُلْنَا يَقُومُونَ عَقِبَ السُّجُودِ وَيَنْتَظِرُهُمْ بِالتَّشَهُّدِ فَتَشَهَّدَ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ فَأَدْرَكُوهُ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ تَشَهُّدِهِمْ فَهَلْ يُتَابِعُونَهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُتَابِعُونَهُ بل يتشهدون ثم(4/413)
يسجدون للسهو ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ (وَالثَّانِي) يَسْجُدُونَ لِأَنَّهُمْ تَابِعُونَ له فعلي هذا هل يُعِيدُونَهُ بَعْدَ تَشَهُّدِهِمْ قَالُوا فِيهِ الْقَوْلَانِ يَنْبَغِي ان يقطع بانهم لا يعيدونه
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان كانت الصلاة مغربا صلي باحدى الطائفتين ركعة وبالثانية ركعتين لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صلي ليلة الهرير هكذا وقال في الام الافضل ان يصلي بالاولي ركعتين وبالثانية
ركعة وهو الاصح لان ذلك أخف لانه تتشهد كل طائفة تشهدين وعلى القول الآخر تتشهد الطائفة الثانية ثلاث تشهدات فان قلنا بقوله في الاملاء فارقته الطائفة الاولى في القيام في الركعة الثانية لان ذلك موضع قيامها وان قلنا بقوله في الام فارقته بعد التشهد لانه موضع تشهدها وكيف ينتظر الامام الطائفة الثانية فيه قولان قال في المختصر ينتظرهم جالسا حتى يدركوا معه القيام من أول الركعة وإذا انتظرهم قائما فاتهم معه بعض القيام وقال في الام ان انتظرهم قائما فحسن وان انتظرهم جالسا فجائز فجعل الانتظار قائما افضل وهو الاصح لان القيام افضل من القعود وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى + النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ " صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ ابن الحصين ورواه مسلم من رواية بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَمَا سَبَقَ هُنَاكَ وَلَيْلَةُ الْهَرِيرِ - بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - لَيْلَةٌ مِنْ لَيَالِي صِفِّينَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانَ لَهُمْ هَرِيرٌ عِنْدَ حَمْلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَأَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ فَقَالَ وَيُذْكَرُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى الْمَغْرِبَ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَيْلَةَ الْهَرِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ مِنْ الْقُعُودِ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إطَالَةِ الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ إطَالَةَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَتَشَهَّدُ كُلُّ طَائِفَةِ تَشَهُّدَيْنِ هَذَا تَفْرِيعٌ(4/414)
عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الثَّانِيَةَ تُفَارِقُ الْإِمَامَ عَقِبَ السُّجُودِ وَلَا يَتَشَهَّدُونَ مَعَهُ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِنَصِّهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ بَعْدَ تَشَهُّدِهِ فَإِنَّهُمْ يَتَشَهَّدُونَ ثَلَاثَةَ تَشَهُّدَاتٍ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَيَجُوزُ عَكْسُهُ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ طَرِيقَانِ الْمَشْهُورُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً
(وَالثَّانِي)
عَكْسُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَدَاوُد (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأُولَى رَكْعَةً فَارَقَتْهُ إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ وَأَتَمَّتْ
لِأَنْفُسِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي ذَاتِ الرَّكْعَتَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ جَازَ أَنْ يَنْتَظِرَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجَازَ فِي قِيَامِ الثَّالِثَةِ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ الِانْتِظَارُ فِي الْقِيَامِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الْفَاتِحَةَ وَمَا بَعْدَهَا أَمْ لا يقرأ ويشتغل بِالذِّكْرِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي ذَاتِ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى لَا تُفَارِقُهُ إلَّا بَعْدَ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِهِمْ وَهَلْ تُفَارِقُهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ عَقِبَ سُجُودِهِ فِي الثَّالِثَةِ أَمْ عَقِبَ التَّشَهُّدِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي انه يشتهد فِي حَالِ انْتِظَارِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يَنْتَظِرُهُمْ فِي التَّشَهُّدِ انْتَظَرَهُمْ حَتَّى يُحْرِمُوا خَلْفَهُ ثُمَّ يَقُومُ مُكَبِّرًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وغيره ويكبرون متابعة له قالوا وانما يَنْتَظِرُهُمْ جَالِسًا حَتَّى يُحْرِمُوا لِيُدْرِكُوا مَعَهُ الرَّكْعَةَ من اولها كما ادركها الطائفة الاولي من اولها
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن كانت الصلاة ظهرا أو عصرا أو عشاء وكان في الحضر صلي بكل طائفة ركعتين وان جعلهم أربع فرق وصلى بكل طائفة ركعة ففى صلاة الامام قولان
(أحدهما)
انها تبطل لان الرخصة وردت بانتظارين فلا تجوز الزيادة عليهما (والثاني) انها لا تبطل وهو الاصح لانه قد يحتاج الي أربع انتظارات بأن يكون المسلمون أربعمائة والعدو ستمائة فيحتاج أن يقف بازاء العدو ثلثمائة ويصلى بمائة مائة ولان الانتظار الثالث والرابع بالقيام والقراءة والجلوس والذكر وذلك لا يبطل الصلاة فان قلنا ان صلاة الامام لا تبطل صحت صلاة الطائفة الاخيرة لانهم لم يفارقوا الامام والطائفة الاولى والثانية والثالثة فارقوه بغير عذر ومن فارق الامام بغير عذر ففى بطلان صلاته قولان فان قلنا ان صلاة الامام تبطل ففى وقت بطلانها وجهان قال أبو العباس تبطل بالانتظار الثالث فتصح صلاة الطائفة الاولى والثانية والثالثة وأما الرابعة فان علموا ببطلان صلاته بطلت صلاتهم(4/415)
وان لم يعلموا لم تبطل وقال أبو اسحق المنصوص انه تبطل صلاة الامام بالانتظار الثاني لان النبي صلى الله عليه وسلم انتظر الطائفة الاولى حتى فرغت ورجعت الي وجه العدو وجاءت الطائفة الاخرى وانتظر بقدر ما أتمت صلاتها وهذا قد زاد علي ذلك لانه انتظر الطائفة الاولي حتي اتمت صلاتها ومضت إلى وجه
العدو وانتظر الثانية حتى أتمت صلاتها ومضت إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الثالثة وهذا زائد علي انتظار رسول الله صلي الله عليه وسلم فعلي هذا ان علمت الطائفة الثانية بطلت صلاتهم وإن لم يعلموا لم تبطل
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِأَنْ صَلَّى فِي الْحَضَرِ أَوْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَيُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ هَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْتَظِرَ الثَّانِيَةَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَمْ فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَغْرِبِ وَيَتَشَهَّدُ بِكُلِّ طَائِفَةٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِ الْجَمِيعَ وَإِذَا قُلْنَا فِي الْقِيَامِ فَهَلْ يَقْرَأُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَإِذَا قُلْنَا يَنْتَظِرُهُمْ فِي التَّشَهُّدِ انْتَظَرَهُمْ فِيهِ حَتَّى يُحْرِمُوا فَلَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ فَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ ركعة وينتظر فراغها ومجئ الَّتِي بَعْدَهَا فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عليهما في المختصر والام وينبغي عَلَيْهِمَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ جَوَازُ وَصِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِيَةُ) تَحْرِيمُهُ وَبُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزِدْ عَلَى انْتِظَارَيْنِ وَالرُّخَصُ لَا يُتَجَاوَزُ فِيهَا النُّصُوصُ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ يكون العدو ستمائة والمسلمون أربع مائة فيقف بازائهم ثلثمائة وَيُصَلِّي مَعَهُ مِائَةٌ مِائَةٌ وَلِأَنَّ الِانْتِظَارَ إنَّمَا هُوَ بِإِطَالَةِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَهَذَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى انْتِظَارَيْنِ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي احْتَاجَ إلَيْهِ وَلَعَلَّهُ لَوْ احْتَاجَ زِيَادَةً زَادَ وَهَذَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمُسَافِرِ إذَا أقام لحاجة يرجو قضاها هَلْ يَقْصُرُ أَبَدًا أَمْ لَا يَتَجَاوَزُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمِثْلُهُ الْوِتْرُ هَلْ هُوَ مُنْحَصِرٌ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ أَمْ لا حضر لَهُ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ شَرْطُهُ الْحَاجَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ فَهُوَ كَفِعْلِهِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْثَرُونَ هَذَا الشَّرْطَ بَلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَطُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْحَاجَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ كَالثَّانِيَةِ فِي ذَاتِ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَعُودُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ أَمْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ السَّلَامِ أَمْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَالصَّحِيحُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ وَتَتَشَهَّدُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مَعَهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَفِي وَجْهٍ تُفَارِقُهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا(4/416)
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالطَّائِفَةِ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ وَفِي الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ بِلَا عُذْرٍ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّهُمْ فَارَقُوا بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُضْطَرِّينَ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِإِمْكَانِ صَلَاتِهِ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ صَلَاتِهِمْ فُرَادَى وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَ بِعُذْرٍ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ إخْرَاجَ أَنْفُسِهِمْ لَيْسَ إلَى اخْتِيَارِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا الْبَقَاءَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُمْكِنْهُمْ فَكَانَ عُذْرًا وَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَيْسَ عُذْرًا وَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ فَصَلَاةُ الْإِمَامُ تَبْطُلُ وَفِي وَقْتِ بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نص الشافعي وقول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ زَائِدٌ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ فِي الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ انْتِظَارَانِ ويحرم الثالث وانما يحصل الثالث بانتظار مجئ الرَّابِعَةِ فَعَلَى هَذَا تُفَارِقُهُ الثَّالِثَةُ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) تَبْطُلُ بِمُضِيِّ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّانِي بِمُضِيِّ قَدْرِ رَكْعَةٍ مِنْ انْتِظَارِهِ الثَّانِي وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ فَالطَّائِفَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَارَقَتَاهُ قَبْلَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِمْ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا سَبَقَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى قول صحة صلاته ويجئ وَجْهُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِمَا وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِيمَنْ فَارَقَ بِلَا عُذْرٍ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرُوا كُلُّهُمْ الْخِلَافَ فِيمَا إذا قلنا صلاة الامام صحيحة وهنا أَوْلَى بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ هُنَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ كَانُوا عالمين ولا تبطل إنْ لَمْ يَعْلَمُوا وَفِيمَا يُعْتَبَرُ عِلْمُهُمْ بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ (أَحَدُهُمَا) يُعْتَبَرُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْإِمَامَ انْتَظَرَ مَنْ لَا يَجُوزُ انْتِظَارُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ صَلَاةَ الْإِمَامِ كَمَا أَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ جُنُبٌ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ جَهِلَ كَوْنَ الْجَنَابَةِ تُبْطِلُ الِاقْتِدَاءَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ عَلِمَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَعْلَمَ ان هذا لا يبطل الصلاة لان مَعْرِفَةُ هَذَا غَامِضَةٌ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ لَا سيما إذا رأو الْإِمَامَ يُصَلِّي بِهِمْ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يخفى حكمها علي احد اإلا فِي نَادِرٍ
جِدًّا وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ فَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ هِيَ كَالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا فَارَقَتْ الْإِمَامَ قَبْلَ بُطْلَانِ(4/417)
صَلَاتِهِ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهَا تَابَعَتْهُ بَعْدَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ فَرَّقَهُمْ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ فِرَقٍ فَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً فَإِنْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا سَبَقَ فِي الْفِرَقِ الْأَرْبَعِ عَلَى قَوْلِ الْجَوَازِ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ فَصَلَاةُ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ صحيحة عن ابن سريج واما عند الجمهور فصلاة الاولتين عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْأَرْبَعِ وَصَلَاةُ الثَّالِثَةِ بَاطِلَةٌ إنْ عَلِمُوا وَإِلَّا فَصَحِيحَةٌ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ العلم فيه الخلاف السابق وإذا اخْتَصَرْتُ حُكْمَ الْفِرَقِ الْأَرْبَعِ قُلْتُ فِيهِمْ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) صِحَّةُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ (وَالثَّانِي) بُطْلَانُ الْجَمِيعِ (وَالثَّالِثُ) صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالطَّائِفَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ (وَالرَّابِعُ) صِحَّةُ صَلَاةِ الْأُولَتَيْنِ وَبُطْلَانُ صَلَاةِ الْآخِرَتَيْنِ إنْ عَلِمَتَا (وَالْخَامِسُ) صِحَّةُ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَبُطْلَانُ الْإِمَامِ وَالرَّابِعَةِ إنْ عَلِمَتْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَمَّا إذَا فَرَّقَهُمْ فِي الرُّبَاعِيَّةِ فِرْقَتَيْنِ فَصَلَّى بِالْفِرْقَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ ثَلَاثًا أَوْ عَكْسَهُ فَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبَا الْحَاوِي وَالشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالطَّائِفَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَكَانَتْ مَكْرُوهَةً وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ سُجُودَ السَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بَعْدَ أَنْ حَكَى هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَامِدَ كَالسَّاهِي فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ فَعَلَيْهِمْ سُجُودُ السَّهْوِ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ قَالَ وَهَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا لَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ تَصِحُّ فَهُنَا أولا وَإِلَّا فَقَدْ انْتَظَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيَكُونُ كَمَنْ قَنَتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَالَ وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ فَعَلَى التَّفْصِيلِ فِيمَا لَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ
*(4/418)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ جَائِزَةٌ فِي الْحَضَرِ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ مَالِكٌ لَا تجوز فِي الْحَضَرِ دَلِيلُنَا عُمُومُ الْآيَةِ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ جُوِّزَتْ لِلِاحْتِيَاطِ لِلصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ وَهَذَا مَوْجُودٌ وَلِأَنَّهَا
تَجُوزُ فِي الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ وَهُمَا تَامَّتَانِ (فان قالوا) يَطُولُ انْتِظَارُهُ لِمَنْ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ طُولِهِ لِمَنْ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَإِنَّمَا انْتَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ فقط فالجواب أن الانتظار ليس له مَحْدُودٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ أَنْ تُطَوِّلَ صَلَاتَهَا لنفسها والامام ينظرها وَلَوْ طَالَتْ رَكْعَتُهَا قَدْرَ رَكَعَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي بَلَدٍ وَحَضَرَتْ الْجُمُعَةُ فَالْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ لَهُمْ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَقِيلَ فِي جَوَازِهَا قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ ثُمَّ لِلْجَوَازِ شَرْطَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَخْطُبَ بِجَمِيعِهِمْ ثُمَّ يُفَرِّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ أَوْ يَخْطُبَ بِفِرْقَةٍ وَيَجْعَلَ مِنْهَا مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا فَلَوْ خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى لَمْ يَجُزْ (الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الْفِرْقَةُ الْأُولَى أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا فَلَوْ نَقَصَتْ عَنْ أَرْبَعِينَ لَمْ تَنْعَقِدْ الْجُمُعَةُ وَلَوْ نَقَصَتْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَرْبَعِينَ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَا يَضُرُّ قَطْعًا لِلْحَاجَةِ وَالْمُسَامَحَةِ فِي صَلَاةِ الخوف
(والثانى)
انه علي الخلاف فِي الِانْفِضَاضِ وَلَوْ خَطَبَ بِهِمْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةَ عُسْفَانَ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَلَا يَجُوزُ كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ
* (فَرْعٌ)
صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا أَعْدَلُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَلِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَتِلْكَ صَلَاةُ مفترض خلف متنفل وفيها خلاف للعلماء
(والثانى)
وهو قول أبي اسحق صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ أَفْضَلُ لِتُحَصِّلَ كُلُّ طَائِفَةٍ فَضِيلَةَ جَمَاعَةٍ تَامَّةٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالطَّائِفَةُ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلَّ مِنْ طَائِفَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَهُ أَقَلُّ مِنْ طَائِفَةٍ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا قالوا فالطائفة الَّتِي يُصَلِّي بِهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ جَمْعًا أَقُلُّهُمْ ثَلَاثَةٌ وَكَذَلِكَ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَحْرُسُهُ يَكُونُونَ جَمْعًا أَقَلُّهُمْ ثَلَاثَةٌ وَيُكْرَهُ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةٌ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَقَلُّ(4/419)
الطَّائِفَةِ ثَلَاثَةٌ خَطَأٌ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ يُطْلَقُ عَلَى وَاحِدٍ فَأَمَّا اللُّغَةُ فَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ
قَالَ مَسْمُوعٌ مِنْ الْعَرَبِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْوَاحِدُ وَأَمَّا الشَّرْعُ فَهُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ احْتَجَّ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فرقة منهم طائفة) فَحَمَلَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْوَاحِدِ وَقَالَ تَعَالَى (وَلْيَشْهَدْ عذابهما طائفة من المؤمنين) وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ تَسْلِيمُ أَنَّ الطَّائِفَةَ يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الطَّائِفَةَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَكُونَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سجدوا فليكونوا من ورائكم) وَقَالَ تَعَالَى فِي الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وأسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم) فَذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ فِي قَوْله تَعَالَى (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) فَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَاحِدِ لِلْقَرِينَةِ وَهُوَ حُصُولُ الْإِنْذَارِ بِالْوَاحِدِ كَمَا حَمَلْنَاهُ هُنَا عَلَى الثَّلَاثَةِ بقرينة وهو ضمير الْجَمْعِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قومهم إذا رجعوا إليهم) فَأَعَادَ عَلَى الطَّائِفَةِ ضَمَائِرَ الْجَمْعِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الطَّائِفَةِ ثَلَاثَةً (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْجَمْعَ هُنَا عَلَى عَوْدِ الضَّمَائِرِ إلَى الطَّوَائِفِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى (مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُكْرَهُ صَلَاةُ الْخَوْفِ إذَا كَانُوا خَمْسَةً سِوَى الْإِمَامِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى يَكُونُوا سِتَّةً فَإِذَا كَانُوا خَمْسَةً أَوْ أَقَلَّ صَلَّى مَعَهُمْ جَمِيعَ الصَّلَاةِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ جَمَاعَةً قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ خَالَفَ وَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَهُمْ خَمْسَةٌ فَأَقَلُّ أَسَاءَ وَكُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَصَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان كان العدو من ناحية القبلة لا يسترهم عنهم شئ وفى المسلمين كثرة صلا بهم صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعسفان فيحرم بالطائفتين ويسجد معه الصف الذى يليه فإذا رفعوا رؤسهم سجد الصف الآخر فإذا سجد في الثانية حرس الصف الذى سجد في الاولي وسجد الصف الآخر فإذا رفعوا سجد الصف الآخر لما روي جابر وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى هكذا)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَيَّاشٍ - بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ من تحت الشين المعجمة - الزرقى الصحابي الانصاري واسمه(4/420)
زيد ابن الصَّامِتِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَحَدِيثُهُ صَحِيحٌ وَلَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَلَفْظَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي عَيَّاشٍ فِيهَا كُلِّهَا مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَلْفَاظُهَا كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ " شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الْخَوْفِ فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْن الْقِبْلَةِ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا فَرَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ رَفْعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ في نحو الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا " هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَكُلُّ طُرُقِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى تَأَخُّرِ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ وَتَقَدُّمِ الْمُؤَخَّرِ بَعْدَ سُجُودِهِ فِي الْأُولَى وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فَمُخَالِفٌ لِمَا فِي الْحَدِيثِ وَلِمَا فِي الْمُهَذَّبِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ صَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ وَرَكَعَ وَسَجَدَ بِهِمْ جَمِيعًا إلَّا صَفًّا يَلِيهِ وَبَعْضَ صف ينتظرون العدو فإذا قَامُوا بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ سَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَسَهُمْ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعَ بِهِمْ جَمِيعًا وَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الَّذِينَ حَرَسُوا أَوَّلًا إلَّا صَفًّا أَوْ بَعْضَ صَفٍّ يَحْرُسُهُ مِنْهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا سَجْدَتَيْنِ وَجَلَسُوا سَجَدَ الَّذِينَ حَرَسُوهُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا مَعًا وَهَذَا نَحْوُ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان قَالَ وَلَوْ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَس إلَى الصَّفِّ الثَّانِي وَتَقَدَّمَ الثَّانِي فَحَرَسَ فَلَا بَأْسَ هَذَا نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَنَصُّهُ فِي الْأُمِّ مِثْلُهُ سَوَاءً وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْقَفَّالُ وَمُتَابِعُوهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يُصَلِّي كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ هُوَ الصَّوَابُ قَالُوا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَوْصَى إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ وَهُوَ مَذْهَبُهُ وَأَنَّهُ يَتْرُكُ نَصَّهُ الْمُخَالِفَ لَهُ قَالُوا وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ(4/421)
أو ذهل عنه وقال الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُحَقِّقِينَ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْأُمِّ كَمَا ثبت في الصحيح وصرح فيه سجود الصَّفِّ الَّذِي يَلِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ الْكَيْفِيَّةَ الْمَشْهُورَةَ فَأَشَارَ إلَى جَوَازِهِمَا وَاسْتَغْنَى بِثُبُوتِ الْحَدِيثِ عَنْ أَنْ يَقُولَ وَيَجُوزُ أَيْضًا مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ إنَّ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي ذَكَرهَا هِيَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ بَلْ قَالَ وَهَذَا نَحْوُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ فَأَشْبَهَ تَجْوِيزُهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الام أن الكيفة الَّتِي ذَكَرَهَا وَهِيَ حِرَاسَةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَسُجُودُ الثَّانِي رَوَاهَا أَبُو عَيَّاشٍ وَأَمَّا الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْحَدِيثِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَكِنَّهَا جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ تَقَدُّمَ الصَّفِّ الْمُتَأَخِّرِ وَتَأَخَّرَ الْمُقَدَّمِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ جَوَازَ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَتَرْكَهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْأَفْضَلِ لِمُتَابَعَةِ السُّنَّةِ وَلِتَفْضِيلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَخُصُّوا بِالسُّجُودِ أَوَّلًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحِرَاسَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالسُّجُودِ وَلَا يَحْرُسُونَ فِي غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُمْ يَحْرُسُونَ فِي الرُّكُوعِ أَيْضًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لِهَذِهِ الصَّلَاةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا يسترهم شئ من أبصار المسلمين وأن يكون في الْمُسْلِمُونَ كَثْرَةً تَسْجُدُ طَائِفَةٌ وَتَحْرُسُ أُخْرَى وَقَدْ ذكر المصنف هذه الشرط قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَمْتَنِعُ الزِّيَادَةُ عَلَى صَفَّيْنِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا صُفُوفًا كَثِيرَةً ثُمَّ يَحْرُسُ صَفَّانِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرُسَ جَمِيعُ الصَّفِّ وَلَا صَفَّانِ بَلْ لَوْ حَرَسَ فِرْقَتَانِ مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ حَرَسَتْ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَفِي صِحَّةِ صَلَاةِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا
* (فَرْعٌ)
إذَا تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ السَّاجِدُونَ أَوَّلًا مَعَ الْإِمَامِ عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ وَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ جَازَ بِلَا شَكٍّ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ لَكِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكْثُرَ عَمَلُهُمْ وَلَا يَزِيدَ
عَلَى خُطْوَتَيْنِ بَلْ يَتَقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ خُطْوَتَيْنِ وَيَتَأَخَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوَّلِينَ خُطْوَتَيْنِ وَيَدْخُلُ الَّذِي يَتَقَدَّمُ(4/422)
بَيْنَ مَوْقِفَيْنِ وَأَمَّا عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ يَحْرُسُ فَيَجُوزُ التَّقَدُّمُ أَيْضًا وَالتَّأَخُّرُ وَلَكِنْ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَمْ مُلَازَمَةُ كُلِّ إنْسَانٍ مَوْضِعَهُ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ التَّقَدُّمُ أَفْضَلُ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الْمُلَازَمَةُ أَفْضَلُ وَفِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ إشَارَةٌ إلَى هَذَا لِأَنَّهُ قَالَ فَلَا بَأْسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ عُسْفَانَ هَذِهِ مَشْرُوعَةٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَلْ تَتَعَيَّنُ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يحمل في الصلاة سلاحا نجسا ولا ما يتأذى به الناس كالرمح في وسط الناس وهل يجب حمل ما سواه قال في الام يستحب وقال بعده يجب قال أبو إسحق المروزى فيه قولان
(أحدهما)
يجب لقوله عز وجل (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أسلحتكم) فدل على أن عليهم جناحا إذا وضعوا من غير اذى ولا مرض
(والثانى)
لا يجب لان السلاح انما يجب حمله للقتال وهو غير مقاتل في حال الصلاة فلم يجب حمله ومن أصحابنا من قال ان كان السلاح يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين وجب حمله وان كان يدفع به عن نفسه وعن غيره كالرمح والسنان لم يجب وحمل القولين على هذين الحالين والصحيح ما قال ابو اسحق)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابنَا حَمْلُ السِّلَاحِ فِي صَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ وَصَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَصَلَاةِ عُسْفَانَ مَأْمُورٌ بِهِ وَهَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ وَاجِبٌ فِيهِ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَحَدُ الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْأُمِّ
(وَالثَّانِي)
وَاجِبٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ كَانَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَجَبَ وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ كَالنُّشَّابِ وَالرُّمْحِ اُسْتُحِبَّ وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالرَّابِعُ) لَا يَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا
حَكَاهُ هَؤُلَاءِ فَمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْيَأْخُذُوا اسلحتهم) وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَمَنْ قَالَ بِالنَّدْبِ حَمَلَ الْأَمْرَ عليه ولان المغالب السَّلَامَةُ وَمَنْ قَالَ بِالْفَرْقِ قَالَ لِأَنَّهُ مُتَحَقِّقُ الْحَاجَةِ إلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِلْخِلَافِ شُرُوطٌ (أَحَدُهَا) طَهَارَةُ السلاح فان كان نجسا كالسيف المطلخ بِدَمٍ وَاَلَّذِي سُقِيَ سُمًّا نَجُسَ وَالنَّبْلُ الْمُرَيَّشُ بِرِيشِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ بِرِيشِ مَيْتَةٍ لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ بِلَا خِلَافٍ (الثَّانِي) أَلَّا يَكُونَ مَانِعًا مِنْ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ كَبَيْضَةٍ تَمْنَعُ مُبَاشَرَةَ الْجَبْهَةِ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ رَفْعُهَا حَالَ السُّجُودِ فَيَجُوزُ حَمْلُهَا وَلَا يَجِبُ (الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ أَحَدٌ كَرُمْحٍ فِي وسط(4/423)
النَّاسِ فَإِنْ خِيفَ الْأَذَى كُرِهَ حَمْلُهُ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ فِي تَرْكِ السِّلَاحِ خَطَرٌ مُحْتَمَلٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ وَلَا مَظْنُونٌ فَأَمَّا إذَا تَعَرَّضَ لِلْهَلَاكِ غَالِبًا لَوْ تَرَكَهُ فَيَجِبُ حَمْلُهُ قطعا صرح به امام الحرمين وغيره قال الْإِمَامُ وَيَحْرُمُ تَرْكُ السِّلَاحِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ تَرْجَمُوا الْمَسْأَلَةَ بحمل السلاح قال امام الحرمين وليس الْحَمْلُ مُتَعَيِّنًا بَلْ لَوْ وَضَعَ السَّيْفَ بَيْن يَدَيْهِ وَكَانَ مَدُّ الْيَدَ إلَيْهِ فِي السُّهُولَةِ كَمَدِّهَا إلَيْهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْحَمْلِ وَلَهُ حُكْمُهُ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ فِي تَرْكِهِ خَلَلٌ وَلَكِنْ لَا يُؤْمَنُ إفْضَاؤُهُ إلَى خَلَلٍ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَوْجَبْنَا حَمْلَهُ فَتَرَكُوهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ بِلَا خِلَافٍ كَالصَّلَاةِ في ارض مغصوبة واولى بالصحة قام إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَخِّصُ فِي تَغْيِيرِ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ هُوَ الْأَخْذُ بِالْجَزْمِ فَتَارِكُهُ كَمَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ بلا خوف وهذا الذى قالاه احتمالا لَهُمَا وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الصِّحَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ تَرْكُ السِّلَاحِ لِلْعُذْرِ بِمَرَضٍ أَوَ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أذى من مطر أن تضعوا أسلحتكم) قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ وَالسِّلَاحُ يَقَعُ عَلَى السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالرُّمْحِ وَالنُّشَّابِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا التُّرْسُ وَالدِّرْعُ فَلَيْسَ بِسِلَاحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ السِّلَاحُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ حَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ وَمُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ وَمُخْتَلِفُ الْحَالِ فَالْحَرَامُ النجس كالنشاب الْمُرَيَّشِ بِرِيشٍ نَجِسٍ وَالسِّلَاحِ الْمُلَطَّخِ بِدَمٍ وَغَيْرِهِ وَالْمَكْرُوهُ مَا كَانَ ثَقِيلًا يَشْغَلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ كالجوشن وَالتُّرْسِ وَالْجَعْبَةِ وَنَحْوِهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِهِ
مَا سِوَى ذَلِكَ وَمُخْتَلِفُ الْحَالِ كَالرُّمْحِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ جَارُهُ فَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الناس كره وان كان في طرفهم فَلَا إذَا قُلْنَا الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا بِالطَّرِيقِ الثَّانِي إنَّهَا عَلَى حَالَيْنِ كَانَ السِّلَاحُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ مُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَوَاجِبٌ وَهُوَ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَمُسْتَحَبُّ وَهُوَ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ غيره ومتخلف الْحَالِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَمْلِ السلاح: الاصح عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَاحْتَجَّ من أوجبه بقوله تعالى (وليأخذوا اسلحتهم) وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بكم اذى من مطر ان تضعوا اسلحتكم) قَالُوا وَرَفْعُ الْجُنَاحِ عِنْدَ الْعُذْرِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَرَفْعُ الْجُنَاحِ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ الْوُجُوبُ بَلْ مَعْنَاهُ رَفْعُ الْكَرَاهَةِ فَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ نَقُولُ يُكْرَهُ تَرْكُ السِّلَاحِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِذَا كَانَ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ وَالْجُنَاحُ هَكَذَا أَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان اشتد الخوف ولم يتمكن من تفريق الجيش صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير(4/424)
مستقبليها لقوله تعالي (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وروى نافع عن ابن عمر قال إذا كان الخوف اكثر من ذلك صلى راكبا وقائما يومئ ايماء " قال الشافعي ولا بأس ان يضرب الضربة ويطعن الطعنة فان تابع أو عمل ما يطول بطلت صلاته وحكى الشيخ أبو حامد الاسفراينى عن أبى العباس رحمهما الله أنه قال ان لم يكن مضطرا إليه بطلت صلاته وان كان مضطرا إليه لم تبطل كالمشي وحكي عن بعض اصحابنا أنه قال ان اضطر إليه فعل ولكن تلزمه الاعادة كما نقول فيمن لم يجد ماء ولا ترابا انه يصلي ويعيد فان استفتح الصلاة راكبا أمن فنزل فان استدبر القبلة في النزول بطلت صلاته لانه ترك القبلة من غير خوف وان لم يستدبر قال الشافعي رحمه الله بنى علي صلاته لانه عمل قليل فلم يمنع البناء وان استفتحها راجلا فخاف فركب قال الشافعي ابتدأ الصلاة وقال أبو العباس ان لم يكن مضطرا إليه ابتدأ لانه عمل كثير لا ضرورة به إليه وان كان مضطرا لم تبطل لانه مضطر إليه فلم تبطل كالمشى وقول أبي العباس اقيس والاول أشبه بظاهر النص)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ البخاري بقريب من معناه وقد سبق بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أيضا أن قوله تعالي (رجالا) جَمْعُ رَاجِلٍ لَا جَمْعُ رَجُلٍ وَقَوْلُهُ وَيَطْعُنُ هُوَ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا يُقَالُ طَعَنَ فِي النَّسَبِ وَنَحْوِهِ يَطْعَنُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَيَطْعُنُ بِالرُّمْحِ بِضَمِّهَا وَقِيلَ لُغَتَانِ فِيهِمَا: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا الْتَحَمَ(4/425)
الْقِتَالُ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ بِحَالٍ لِقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ فَلَمْ يَأْمَنُوا أَنْ يَرْكَبُوا أَكْتَافَهُمْ لَوْ وَلَّوْا عَنْهُمْ وَانْقَسَمُوا فِرْقَتَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَلَيْسَ لَهُمْ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ وَيُصَلُّونَ رُكْبَانًا وَمُشَاةً وَلَهُمْ تَرْكُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مَعَ الِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ كَالْمُصَلِّينَ فِي الْكَعْبَةِ وَحَوْلَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِي هَذَا الْحَالِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ كَحَالَةِ الْأَمْنِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِي فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَفْضِيلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ هُنَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا صَلَّوْا جَمَاعَةً لَا يُمْكِنُهُمْ الِاقْتِدَاءُ لِعَدَمِ الْمُشَاهَدَةِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِاقْتِدَاءِ الْعِلْمُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ لَا الْمُشَاهَدَةُ كَمَا لَوْ صَلَّى فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا يَرَاهُ لَكِنْ يَعْلَمُ صَلَاتَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ جَمَاعَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنُوا جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى مِنْ إتْمَامِ الرُّكُوعِ والسجود أو مأوا بِهِمَا وَجَعَلُوا السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَاشِيَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا فِي الْإِحْرَامِ وَلَا وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْمُتَنَفِّلِ فِي السَّفَرِ وَالْفَرْقُ شِدَّةُ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ هُنَا وَلَا يَجُوزُ الصِّيَاحُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْكَلَامِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ صَاحَ فَبَانَ مَعَهُ حَرْفَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بلا خلاف لانه ليس محتاج إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ وَغَيْرِهِ وَلَا تَضُرُّ الْأَفْعَالُ الْيَسِيرَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَا تَضُرُّ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَفِيهِ أَوْلَى وَأَمَّا الْأَفْعَالُ الْكَثِيرَةُ فَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْقِتَالِ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ كَالطَّعَنَاتِ وَالضَّرَبَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا أَبْطَلَتْ(4/426)
بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا لِأَنَّهَا عَبَثٌ وَإِنْ احْتَاجَ إليها ففيه ثلاثة أوجه (أصحهما) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَبْطُلُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سريج وأبو إسحق وَالْقَفَّالُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْمَشْيِ وَلِأَنَّ مَدَارَ الْقِتَالِ عَلَى الضَّرْبِ وَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ غَالِبًا بِضَرْبَةٍ وَضَرْبَتَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الضَّرَبَاتِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَبْطُلُ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ عَنْ النَّصِّ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ وَادَّعَى الْمُحْتَجُّونَ لَهُ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَتَابُعِ الضَّرَبَاتِ نَادِرٌ فَلَمْ تَسْقُطْ الْإِعَادَةُ كَصَلَاةِ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ (وَالثَّالِثُ) تَبْطُلُ إنْ كَرَّرَ فِي شَخْصٍ وَلَا تَبْطُلُ إنْ كَرَّرَ فِي أَشْخَاصٍ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ(4/427)
وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ عَنْ الْأَوْجُهِ بِأَقْوَالٍ وَمِمَّنْ سَمَّاهَا أَقْوَالًا الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَوْجُهٌ وَمَنْ قَالَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ تَأَوَّلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَنْ تَابَعَ الضَّرَبَاتِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ تَلَطَّخَ سِلَاحُهُ بِدَمٍ أَلْقَاهُ أَوْ جَعَلَهُ فِي قُرَابَةٍ تَحْتَ رِكَابِهِ إنْ احْتَمَلَ الْحَالُ ذَلِكَ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى إمْسَاكِهِ فَلَهُ إمْسَاكُهُ لِلضَّرُورَةِ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ لِنُدُورِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ كَوْنَهُ عُذْرًا نَادِرًا وَقَالَ تَلَطُّخُ السِّلَاحِ فِي الْقِتَالِ بِالدَّمِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ فِي حَقِّ الْمُقَاتِلِ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَكْلِيفِهِ تَنْحِيَةَ السِّلَاحِ فَتِلْكَ النَّجَاسَةُ فِي حَقِّهِ ضَرُورِيَّةٌ كَنَجَاسَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي حَقِّهَا ثُمَّ جَعَلَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ مُرَتَّبَيْنِ عَلَى القولين في من صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَجَعَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ لِإِلْحَاقِ الشَّرْعِ الْقِتَالَ لِسَائِرِ مُسْقِطَاتِ الْإِعَادَةِ فِي سَائِرِ الْمُحْتَمَلَاتِ كَاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَالْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْخَوْفِ مُمْسِكًا عِنَانَ فَرَسِهِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَسِيرٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ نَازَعَهُ فَرَسُهُ فَجَبَذَهُ إليه جبذة أو جبذتين أو ثلاثا وَنَحْوَ ذَلِكَ غَيْرُ مُنْحَرِفٍ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلَا بَأْسَ فَإِنْ كَثُرَتْ مُجَاذَبَتُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ قَالَ وَإِنَّمَا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْجَبَذَاتِ أَخَفُّ عَمَلًا مِنْ الضَّرَبَاتِ
قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَبِرُ كَثْرَةَ الْعَمَلِ دُونَ الْعَدَدِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَلَا تَجُوزُ صلاة الاستسقاء وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ دُونَ الِاسْتِسْقَاءِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَجُوزُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ فِي كُلِّ مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِتَالِ وَلَا تَجُوزُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَسَبَقَ إيضَاحُ صُورَةٍ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَلَا يَجُوزُ لِلْبُغَاةِ وَلَا لِلْقُطَّاعِ وَلَوْ قُصِدَتْ نَفْسُهُ أَوْ نَفْسُ غَيْرِهِ فَاشْتَغَلَ بِالدَّفْعِ فَلَهُ هَذِهِ الصَّلَاةُ وَلَوْ قُصِدَ مَالُهُ فَلَهُ هَذِهِ الصَّلَاةُ إنْ كَانَ الْمَالُ حَيَوَانًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهَا (والثاني) منعها لخفة امر وَلَوْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ كُفَّارٍ إنْ كَانُوا منحرفين لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ أَوْ كَانَ بِإِزَائِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ مِثْلَيْهِمْ فَالْهَزِيمَةُ جَائِزَةٌ فَلَهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ(4/428)
فَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَكَانُوا بِحَيْثُ لَوْ أَكْمَلُوا الصَّلَاةَ عَلَى الْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ فَاتَهُمْ الْعَدُوُّ لَمْ يَجُزْ صَلَاةُ شَدِّهِ الْخَوْفِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا خَائِفِينَ بَلْ يَطْلُبُونَ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ لِلْخَائِفِ فَإِنْ خَافُوا كَمِينًا أَوْ كَرَّهُمْ فَلَهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا تَخْتَصُّ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْقِتَالِ بَلْ تَجُوزُ فِي كُلِّ خَوْفٍ فَلَوْ هَرَبَ مِنْ سَيْلٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ جَمَلٍ أَوْ كَلْبٍ ضَارٍ أَوْ صَائِلٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ حَيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَعْدِلًا فَلَهُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الْخَوْفِ وَأَمَّا الْمَدْيُونُ الْمُعْسِرُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ وَلَا يُصَدِّقُهُ غَرِيمُهُ وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ حَبَسَهُ فَإِذَا هَرَبَ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ مَنْ طُلِبَ لَا ليقتل بل ليحبس أو يؤخذ منه شئ لا يصليها حكاه عنه (1) وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ خَائِفٌ مِنْ ظُلْمٍ فَأَشْبَهَ خَوْفَ الْعَدُوِّ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَيَرْجُو الْعَفْوَ إذَا سَكَنَ غَضَبُ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ الْأَصْحَابُ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ وَيُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ هَارِبًا وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَحِقِّ الْعَفْوُ فَكَأَنَّهُ مُسَاعِدٌ لَهُ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى
الْعَفْوِ إذَا سَكَنَ غَضَبُهُ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ جَوَازَ هَذِهِ الصَّلَاةِ لَهُ وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لَهُ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ غَيْرَ الْقِتَالِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ خَرَّجَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْخَوْفِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى أَفْرَادِهِ كَمَا أَنَّ الْمَرَضَ عُذْرٌ عَامٌّ فَلَوْ وُجِدَ نَوْعُ مَرَضٍ مِنْهُ نَادِرٍ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْعَامِّ فِي التَّرَخُّصِ أَمَّا إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَضَاقَ وَقْتُ وُقُوفِهِ وَخَافَ فَوْتَ الْحَجِّ إنْ صَلَّى لَابِثًا عَلَى الْأَرْضِ بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَقَدْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرُ مَا يَسَعُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَقَطْ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ عَنْ الْقَفَّالِ (الصَّحِيحُ)
__________
(1) كذا بالاصل فليحرر
*(4/429)
يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَيَذْهَبُ إلَى عَرَفَاتٍ لِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْحَجِّ ضَرَرًا وَمَشَقَّةً شَدِيدَةً وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ يَجُوزُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَمَشَقَّتُهُ دُونَ هَذَا (وَالثَّانِي) يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي مَوْضِعِهِ وَيُفَوِّتُ الْحَجَّ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْهُ لِأَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا الوجه وقال يشبه أَنْ يَكُونَ أَشْبَهَ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ (وَالثَّالِثُ) لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَيُحَصِّلُ الْحَجَّ وَالصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لَا خَائِفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا صَلَّى مُتَمَكِّنًا عَلَى الْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ فَحَدَثَ خَوْفٌ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَرَكِبَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ مَشْهُورَةٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ إنْ اُضْطُرَّ إلَى الرُّكُوبِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَيَبْنِي وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ بَلْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِتَالِ وَإِتْمَامِ الصَّلَاةِ رَاجِلًا فَرَكِبَ احْتِيَاطًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ وَهَذَا الطَّرِيقُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وأبي اسحق وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) بُطْلَانُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَاخْتَارَهُ المصنف في التنبيه (والطريق الثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ والبندنيجى والمحاملي والماوردي والمتولي وآخرون (أصحهما) عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ تَبْطُلُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ لَا تَبْطُلُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَقْيَسُ فَمَعْنَاهُ
الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُضْطَرِّ وَغَيْرِهِ أَقْيَسُ مِنْ ظَاهِرِ النَّصِّ وَهُوَ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا لَا تَبْطُلُ(4/430)
بِالرُّكُوبِ فَإِنْ قَلَّ عَمَلُهُ بَنَى وَإِنْ كَثُرَ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي الضَّرَبَاتِ وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ لِلْحَاجَةِ أَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي رَاكِبًا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَأَمِنَ وَجَبَ النُّزُولُ فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ نَزَلَ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وذكر جماعة من الخراسانيين أَنَّهُ إنْ قَلَّ فِعْلُهُ فِي نُزُولِهِ بَنَى وَإِنْ كَثُرَ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الضَّرَبَاتِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْنِي مُطْلَقًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَدْبِرْهَا بَلْ انْحَرَفَ يَمِينًا وَشِمَالًا يُكْرَهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْن الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ حَيْثُ نَصَّ عَلَى الْبِنَاءِ فِي النُّزُولِ وَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ فِي الرَّكُوبِ بِأَنَّ النُّزُولَ عَمَلٌ خَفِيفٌ وَالرُّكُوبَ كَثِيرٌ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَقَالَ قَدْ يَكُونُ الْفَارِسُ أَخَفَّ رُكُوبًا وَأَقَلَّ شُغْلًا لِفُرُوسِيَّتِهِ مِنْ نُزُولِ ثَقِيلٍ غَيْرِ فَارِسٍ فَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ الْغَالِبَ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ نَادِرٌ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فَإِنْ وُجِدَ مِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ أُلْحِقَ بِالْغَالِبِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ حَالَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَالْوَاحِدُ الْخَفِيفُ الرُّكُوبِ نُزُولُهُ أَخَفُّ مِنْ رُكُوبِهِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ شخص فِي نُزُولِ أَحَدِهِمَا وَرُكُوبِ الْآخَرِ
* (فَرْعٌ)
إذَا رأوا سوادا إبِلًا أَوْ شَجَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَبَانَ الْحَالُ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِعَدَمِ الْخَوْفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ (وَالثَّانِي) لَا إعَادَةَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ لِوُجُودِ الْخَوْفِ حَالَ الصَّلَاةِ واختلفوا(4/431)
فِي مَحِلِّ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُمَا إذَا أَخْبَرَهُمْ ثِقَةٌ بِالْخَوْفِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنْ ظَنُّوا الْعَدُوَّ مِنْ غَيْرِ إخْبَارٍ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ الْجُمْهُورُ هُمَا جَارِيَانِ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ
وَغَيْرِهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (الْجَدِيدُ) تَجِبُ الْإِعَادَةُ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ فِي الْإِمْلَاءِ لَا إعَادَةَ (وَالْقَدِيمُ) إنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا لِأَنَّ الْخَوْفَ غَالِبٌ فِيهَا وَإِذَا ضُمَّ إلَيْهَا الطَّرِيقُ السَّابِقُ صَارَتْ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يُعِيدُونَ
(وَالثَّانِي)
لَا (وَالثَّالِثُ) يُعِيدُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (وَالرَّابِعُ) يُعِيدُونَ إنْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ ثِقَةٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْخِلَافِ فَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَاحَبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ عَدَمَ الْإِعَادَةِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَعَلَّهُ الْأَصَحُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَيْسَ هُوَ مَذْهَبَ الْمُزَنِيِّ بَلْ هُوَ إلْزَامٌ لَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُزَنِيِّ أَنَّ كان مَنْ صَلَّى بِحَسَبِ طَاقَتِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قُلْتُ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُمْ تَيَقَّنُوا الْغَلَطَ فِي الْقِبْلَةِ (وَأَمَّا قَوْلُ) الْمُصَنِّفِ فِي احْتِجَاجِهِ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ لَا إعَادَةَ كَمَا لَوْ رَأَوْا عَدُوًّا فَصَلَّوْهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْعَدُوَّ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لَهُمْ (فَالْجَوَابُ) عَنْهُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَا يُنْسَبُونَ فِيهَا إلَى تَفْرِيطٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْغَلَطِ في السواد فَإِنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ فِي تَامَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا بَانَ لَهُمْ أَنَّ السَّوَادَ لَيْسَ عَدُوًّا وَكَذَا لَوْ شَكُّوا فِيهِ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ تَيَقَّنُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَدُوًّا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا تَحَقَّقُوا الْعَدُوَّ فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ دُونَهُمْ حَائِلٌ كَخَنْدَقٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ نار وما أشبهه فيه طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي تَأَمُّلِ الْحَائِلِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ السَّوَادِ السَّابِقَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاتَّفَقُوا(4/432)
عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُنَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ قَالَ الخراسانيون وتجرى الْقَوْلَانِ فِي كُلِّ سَبَبٍ جَهِلُوهُ بِحَيْثُ لَوْ عَلِمُوهُ امْتَنَعَتْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ كَالْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ وَكَمَا لَوْ كَانَ بِقُرْبِهِمْ حِصْنٌ يُمْكِنُ التَّحْصِينُ فِيهِ أَوْ كَانَ الْعَدُوُّ قَلِيلًا وَظَنُّوهُ كَثِيرًا أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَدَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ الْبَغَوِيّ وغيره ولو صَلَّوْا فِي هَذِهِ
الْأَحْوَالِ صَلَاةَ عُسْفَانَ جَرَى القولان ولو صلوا صلاة ذات صلاة الرِّقَاعِ فَإِنْ جَوَّزْنَاهَا فِي الْأَمْنِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا جَرَى الْقَوْلَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلَانِ هُنَا يُشْبِهَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي نِسْيَانِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَنِسْيَانِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَنِسْيَانِ الْفَاتِحَةِ وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ أَوْ صَامَ فَصَادَفَ مَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَمَنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الْقِبْلَةِ وَمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَهِلَهَا وَكَذَا لَوْ نَسِيَهَا عَلَى طَرِيقَةٍ لِبَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَكَذَا لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَنَّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا أَوْ اسْتَنَابَ المغصوب فِي الْحَجِّ فَبَرِئَ وَنَظَائِرُهَا وَقَدْ سَبَقَتْ فِي باب أَبْوَابِهَا (1)
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ: هِيَ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بَلْ يَجِبُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ حَتَّى يَزُولَ الْخَوْفُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّهُ قَدْ يَمُوتُ وَتَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ لِلْقِيَاسِ عَلَى إيمَاءِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا قِصَّةُ الْخَنْدَقِ فَمَنْسُوخَةٌ فَإِنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَمَا سَبَقَ وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ سَوَاءٌ الْتَحَمَ الْقِتَالُ أَمْ لَا وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْوَقْتِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ اشْتَدَّ وَلَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ فَإِنْ الْتَحَمَ قَالَ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ: دَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى (فَإِنْ خِفْتُمْ فرجالا أو ركبانا) وَيَجُوزُ عِنْدَنَا صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ رِجَالًا وَرُكْبَانًا جَمَاعَةً كَمَا يَجُوزُ فُرَادَى وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْأَمْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِكَثْرَةِ الْمُنَافِيَاتِ فِيهَا وَإِنْ صَلَّوْا صَلَاةَ بَطْنِ نَخْلٍ صَحَّتْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا صَلَاةُ مُفْتَرِضٍ خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَإِنْ صَلَّوْا صَلَاةَ عُسْفَانَ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ سَجَدَ مَعَهُ صحيحة(4/433)
وَفِي صَلَاةِ الْحَارِسِينَ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَا إذَا تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ فِي الِاعْتِدَالِ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ السَّجْدَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) تَصِحُّ وَإِنْ صَلَّوْا صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِصِحَّتِهَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَادَّعَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ وَالتَّشَهُّدِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ قَوْلَيْنِ كَمَا
لَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ لِأَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ بِلَا عُذْرٍ: وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ فَصَلَاةُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فِيهَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ بِغَيْرِ عُذْرٍ (أَصَحُّهُمَا) صَحِيحَةٌ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَبْطَلْنَا صَلَاةَ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إنْ عَلِمُوا وَهَلْ الْمُعْتَبَرُ عِلْمُهُمْ بِبُطْلَانِ صلاته أم بصورة حَالِهِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ صَحَّحْنَا صَلَاةَ الْإِمَامِ أَوْ أَبْطَلْنَاهَا وَلَمْ يَعْلَمُوا فَإِحْرَامُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ صَحِيحٌ وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِمُفَارَقَتِهِمْ لَهُ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِمْ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ قال اصحابنا هو مبنى علي الوجهين السَّابِقَيْنِ فِي أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَ الْإِمَامَ حُكْمًا أَمْ لَا إنْ قُلْنَا يُفَارِقُونَهُ حُكْمًا فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِمْ قَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ قُلْنَا يَبْطُلُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيَبْنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بَعْدَ الِانْفِرَادِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ فِعْلًا وَلَا يُفَارِقُونَهُ حُكْمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُمْ انْفَرَدُوا بِرَكْعَةٍ عَمْدًا وَهُمْ فِي حُكْمِ الْقُدْوَةِ وَإِنَّمَا كَانَ يُحْتَمَلُ هَذَا فِي الْخَوْفِ لِلْحَاجَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقٌ آخَرُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ أَحْبَبْتُ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ صَلَّوْا فِي الْأَمْنِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقَةِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ كُلِّهِمْ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي قِتَالٍ حَرَامٍ أَعَادُوا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ مُرَادُهُ إذَا صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَإِنْ صَلَّوْا إحْدَى صَلَوَاتِ الْخَوْفِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ صَلَاتِهِمْ فِي الْأَمْنِ وَقَدْ سَبَقَ بيانه والله اعلم
*(4/434)
(باب ما يكره لبسه وما لا يكره)
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* (يحرم عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ فِي اللُّبْسِ والجلوس وغيرهما لما روي حذيفة قَالَ " نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه وقال هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ حُذَيْفَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَى قَوْلِهِ " هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ
فِي الْآخِرَةِ " وَإِلَى قَوْلِهِ " وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ " فَإِنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ دُونَ مُسْلِمٍ وَالدِّيبَاجُ - بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَهُوَ عَجَمِيٌّ معرب وجمعه دبابيج ودبابج وَقَوْلُهُ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ - بِفَتْحِ النُّونِ -
* أَمَّا حكم المسألة فيحرم علي الرجل استعمال الدبياج وَالْحَرِيرِ فِي اللُّبْسِ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَالتَّغَطِّي بِهِ وَاِتِّخَاذُهُ سَتْرًا وَسَائِرُ وُجُوهِ اسْتِعْمَالِهِ ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا مُنْكَرًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْوَجْهُ بَاطِلٌ وَغَلَطٌ صَرِيحٌ مُنَابِذٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ هَذَا مَذْهَبُنَا فَأَمَّا اللُّبْسُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَوَافَقَنَا عَلَى تَحْرِيمِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ دَلِيلُنَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَلِأَنَّ سَبَبَ تَحْرِيمِ اللُّبْسِ مَوْجُودٌ فِي الْبَاقِي وَلِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ اللُّبْسُ مَعَ الْحَاجَةِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى هَذَا حُكْمُ الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ: فَأَمَّا الصَّبِيُّ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ (أَحَدُهَا) يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ وَتَمْكِينُهُ مِنْهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ " حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي " وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ كَخْ كَخْ " أَيْ أَلْقِهَا وَهُوَ - بِفَتْحِ الْكَافِ - وَيُقَالُ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ التَّنْوِينِ(4/435)
وَكَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَغَيْرِهِمَا
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لَهُ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ مَا لَمْ يَبْلُغْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الرَّجُلِ فِي هَذَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا: وَأَمَّا حَدِيثُ التَّمْرَةِ فَلِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ لِغَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ تَجِبُ غَرَامَتُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ (وَالثَّالِثُ) إنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ ابْنَ سَبْعٍ لَهُ حُكْمُ الْبَالِغِينَ في اشيا كَثِيرَةٍ هَكَذَا ضَبَطُوهُ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْوَجْهِ وَلَوْ ضُبِطَ بِسِنِّ التَّمْيِيزِ لَكَانَ حَسَنًا لَكِنَّ الشرع اعتبر السبع في الامر بالصلاة وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّاجِحِ مِنْ الْأَوْجُهِ فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَطَعَ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ بِالتَّحْرِيمِ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ لِلصِّبْيَانِ لُبْسُ الْحَرِيرِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يُنْهَى عَنْهُ هَذَا لَفْظُهُ وَحَمَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْقَطْعِ مِنْهُ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ وَصَحَّحَهُ وَلَيْسَ هُوَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ
أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ حَتَّى يَبْلُغَ وَتَجْرِي الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي إلْبَاسِهِمْ حُلِيَّ الذَّهَبِ وَسَنُوَضِّحُهَا فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
* (فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ إبْرَيْسَم وَبَعْضُهُ قُطْنًا فَإِنْ كَانَ الْإِبْرَيْسَمُ أَكْثَرَ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَالْخَزِّ لُحْمَتُهُ صُوفٌ وَسَدَاهُ إبْرَيْسَمٌ حَلَّ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ(4/436)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ " فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسَدَا الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَلِأَنَّ السَّرَفَ يَظْهَرُ فِي الْأَكْثَرِ دُونَ الْأَقَلِّ وَإِنْ كَانَ نِصْفَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ الْحَلَالَ (وَالثَّانِي) يَحِلُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ ثَبَتَ بِغَلَبَةِ الْمُحَرَّمِ وَالْمُحَرَّمُ لَيْسَ بِغَالِبٍ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّوْبِ قَلِيلٌ من الحرير والديباج كالجبة المكفوفة بالحرير والمجيب بالديباج وما اشبههما لَمْ يَحْرُمْ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَرِيرِ إلَّا فِي مَوْضِعِ اصبعين أو ثلاثة أو اربعة " وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم جبة مكفوفة الحبيب وَالْكُمَّيْنِ وَالْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ " فَإِنْ كَانَ لَهُ جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ بِإِبْرَيْسَمٍ لَمْ يَحْرُمْ لُبْسُهَا لِأَنَّ السَّرَفَ فِيهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ)
* (الشَّرْحُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ الْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ هَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٌ إلَّا رَجُلًا اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ أَيْضًا بِبَعْضِ مَعْنَاهُ فَقَالَ مَكْفُوفَةُ الْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ (وَقَوْلُهُ) إبْرَيْسَم هُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ اسْمُ جِنْسٍ مُنْصَرِفٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ أَوْ بَعْضِهَا فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ إبْرَيْسَم وَالصَّوَابُ إبْرَيْسَمًا وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ كَانَ هِيَ الَّتِي لِلشَّأْنِ والقصة وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَالثَّالِثَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ حَكَاهَا ابْنُ السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَقَوْلُهُ) لُحْمَتُهُ صُوفٌ - هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ - عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَكَذَلِكَ لُحْمَةُ النَّسَبِ وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هُمَا بِالْفَتْحِ قَوْلُهُ وَسَدَاهُ
- هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ - مَقْصُورٌ وَحَكَى ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ جَوَازَ مَدِّهِ وَقَوْلُهُ الْمُصْمَتُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - الثَّانِيَةِ أَيْ الْحَرِيرُ الْخَالِصُ وَالسَّرَفُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ (قَوْلُهُ) إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَهُوَ الْأَصْوَبُ وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُصْبُعِ الْعُضْوُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عمرو ابن الصَّلَاحِ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ سَدَا الْخَزِّ إبْرَيْسَمٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ وَاللُّحْمَةُ أَكْثَرُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ(4/437)
أَنَّ سَدَا كُلِّ ثَوْبٍ مُطْلَقًا أَقَلُّ مِنْ لُحْمَتِهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصيغة وَاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ فَمِنْهَا مَا يَدْفِنُ الصَّانِعُ اللحمة منه في السدا ويجعل السدا هُوَ الظَّاهِرَ وَمِنْهَا مَا يُظْهِرُ اللُّحْمَةَ عَلَى السدا ويدفن السدا فِيهِ وَكَذَلِكَ مِنْهَا مَا يَكُونُ سَدَاهُ أَكْثَرَ وَزْنًا وَمِنْهَا مَا يَكُونُ لُحْمَتُهُ أَكْثَرَ وَزْنًا وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخَزُّ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِحَسَبِ " الصَّنْعَةِ أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ حَرِيرًا وَبَعْضُهُ غَيْرَهُ وَنُسِجَ مِنْهُمَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَالَهُ الْقَفَّالُ وَقَلِيلٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنْ كَانَ الْحَرِيرُ ظَاهِرًا يُشَاهَدُ حَرُمَ وَإِنْ قَلَّ وَزْنُهُ وَإِنْ اسْتَتَرَ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ كَثُرَ وَزْنُهُ لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ وَالْمُفَاخَرَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالظَّاهِرِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ فَإِنْ كَانَ الْحَرِيرُ أَقَلَّ وَزْنًا حَلَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ حَرُمَ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْحِلُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا حَرَّمَ ثَوْبَ الْحَرِيرِ وَهَذَا لَيْسَ بِحَرِيرٍ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْبَصْرِيِّينَ وَصَحَّحَهُ وَلَيْسَ كَمَا صَحَّحَ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لُبْسُ الْمُطَرَّزِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ طِرَازُ الْحَرِيرِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَحَرَامٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَيَجُوزُ لبس الثوب المطرز والمجيب وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْعَادَةَ فِيهِ فان جاوزها حرم بالاتفاق ولو وقع ثَوْبَهُ بِدِيبَاجٍ قَالُوا هُوَ كَتَطْرِيزِهِ وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ لَوْ رُقِّعَ بِقَلِيلِ دِيبَاجٍ جَازَ مَحْمُولٌ عَلَى ما ذكرناه وَلَوْ خَاطَ ثَوْبًا بِإِبْرَيْسَمٍ جَازَ لُبْسُهُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِذَهَبٍ قَلِيلٍ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ لِكَثْرَةِ الْخُيَلَاءِ فِيهِ وَلَوْ اتَّخَذَ سُبْحَةً فِيهَا خَيْطٌ حَرِيرٌ لَمْ يَحْرُمْ اسْتِعْمَالُهَا لِعَدَمِ الْخُيَلَاءِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ اتَّخَذَ جُبَّةً مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ وَحَشَاهَا حَرِيرًا أَوْ حَشَا الْقَبَاءَ وَالْمِخَدَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ الْحَرِيرَ جَازَ لُبْسُهَا وَاسْتِعْمَالُ كُلِّ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ فَأَشَارَ إلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَوْ كَانَتْ ظِهَارَةُ الْجُبَّةِ حَرِيرًا وَبِطَانَتُهَا قُطْنًا أَوْ ظِهَارَتُهَا قُطْنًا وَبِطَانَتُهَا حَرِيرًا فَهِيَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ(4/438)
الْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا ظِهَارَتُهُ وَبِطَانَتُهُ قُطْنٌ وَفِي وَسَطِهِ حَرِيرٌ مَنْسُوجٌ جَازَ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ جَازَ لُبْسُهُ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِتَارُ بِهِ عَنْ الْعُيُونِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا فِي الْخَلْوَةِ إذَا أَوْجَبْنَا السَّتْرَ فِيهَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ طَهَارَةِ البدن * قال الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في الام فان توقي المحارب لبس الديباج كان احب الي فان لبسه فلا بأس والدليل عليه انه يحصنه ويمنع وصول السلاح إليه)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الدِّيبَاجِ فِي حَالِ مُفَاجَأَةِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الدِّيبَاجُ الثَّخِينُ الَّذِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ السِّلَاحِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ فَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهُ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ تَحْرِيمُهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ قِيَاسًا عَلَى الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ فِي الْحَرْبِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ
(وَالثَّانِي)
جَوَازُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَوَجْهُهُ الْقِيَاسُ عَلَى التَّضَبُّبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْفِضَّةِ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ وَجَدَ نُحَاسًا وَغَيْرَهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ بِأَنَّ الْحَرِيرَ يُسَامَحُ بِقَلِيلِهِ كَالْعَلَمِ وَالْجَيْبِ وَنَحْوِهِمَا وَعَمَّا دُونَ نِصْفِ الثَّوْبِ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ فِي التَّجْرِيدِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَآخَرِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُ الدِّيبَاجِ الثَّخِينِ الَّذِي لَا يَقُومُ غيره مقامه في دفع السلاح
* قل المصنف رحمه الله
*
(وان احتاج الي لبس الحرير للحكة جاز له لما روى ان أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام من الحكة ")
*(4/439)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ " رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ بِهِمَا " وَالْحِكَّةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - وَوَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْوَسِيطِ وَقَالَ رَخَّصَ لِحَمْزَةَ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ كَمَا هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ وَلِلْجَرَبِ وَنَحْوِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وفيه وجه أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ والرافعي وليس بشئ وَيَجُوزُ لِدَفْعِ الْقُمَّلِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لا يجوز الا في السفر واختاره أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي رواية في الصحيحين في هذا الحديث ارخص لَهُمَا فِي ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَاقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الباقين * قال المصنف رحمه الله
* (واما المذهب فلا يحل للرجال استعماله لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الحرير والذهب " إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لاناثها " ولا فرق في الذهب بين القليل والكثير لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهي عن التختم بالذهب فحرم الخاتم مع قلته ولان السرف في الجميع ظاهر فان كان في الثوب ذهب قد صدئ وتغير بحيث لا يبين لم يحرم لبسه لانه ليس فيه سرف ظاهر فان كان له درع منسوجة بالذهب أو بيضة مطلية بالذهب فاراد لبسها في الحرب فان وجد ما يقوم مقامه لم يجز وان لم يجدو فاجأته الحرب جاز لانه موضع ضرورة فان اضطر إلى استعمال الذهب جاز لما روى " ان عرفجة بن أسعد أصيب انفه يوم الكلاب فاتخذ انفا من فضة فانتن عليه فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يتخذ انفا من ذهب " ويحل للنساء لبس الحرير ولبس الحلي من الذهب لحديث علي رضي الله عنه)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ إلَّا قَوْلَهُ حِلٌّ لِإِنَاثِهَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ(4/440)
وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ عَرْفَجَةَ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَشَرْحُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَقَطَ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَسْأَلَتُهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي مُعْظَمِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ " أَيْ حَرَامٌ اسْتِعْمَالُهُمَا وَالْحِلُّ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - بِمَعْنَى الْحَلَالِ يُقَالُ حِلٌّ وَحَلَالٌ وَحِرْمٌ وَحَرَامٌ بِمَعْنًى وَفِي الْخَاتَمِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ التَّاءِ وَكَسْرُهَا وَخَاتَامٌ وَخَيْتَامٌ وَيُقَالُ صدئ يصدأ بالهمز فِيهِمَا كَبَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ يَبْرَأُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ صَدَأُ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ وَسَخُهُ مَهْمُوزٌ وَقَدْ صَدِئَ يَصْدَأُ فَاضْبُطْهُ فَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ فَيَتَوَهَّمُهُ غَيْرَ مَهْمُوزٍ وَدِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ تَذْكِيرُهَا ودرع المرأة مذكر لا غير والمطلية - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ بِمَعْنَى الْمُمَوَّهَةِ وَالْحَرْبُ مُؤَنَّثَةٌ وَفِي لُغَةٍ شَاذَّةٍ مُذَكَّرَةٌ قَوْلُهُ مَقَامَهُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قام الشئ مَقَامَ غَيْرِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَأَقَمْتُهُ مُقَامَهُ بِالضَّمِّ وفاجأته بهمزة بعد الجيم أي بغتته وَالْكُلَابُ - بِضَمِّ الْكَافِ - وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْآنِيَةِ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ حُلِيِّ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَحْرِيمِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ كَانَ الْخَاتَمُ فِضَّةً وَفِيهِ سِنٌّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فَصٌّ حَرُمَ بِالِاتِّفَاقِ لِلْحَدِيثِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَبْعُدُ تَشَبُّهُهُ بِالضَّبَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي الْإِنَاءِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ وَمَنْ لَبِسَ هَذَا الْخَاتَمَ يُعَدُّ لَابِسَ ذَهَبٍ وَهُنَاكَ حَرُمَ إنَاءُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهَذَا لَيْسَ بِإِنَاءٍ (الثَّانِيَةُ) لَوْ كَانَ الْخَاتَمُ فِضَّةً وَمَوَّهَهُ بِذَهَبٍ أَوْ مَوَّهَ السَّيْفَ وَغَيْرَهُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِهَا بِذَهَبٍ فَإِنْ كَانَ تَمْوِيهًا يَحْصُلُ منه شئ إنْ عُرِضَ عَلَى النَّارِ فَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وإن لم يحصل منه شئ فطريقان (أصحهما) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يَحْرُمُ لِلْحَدِيثِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَسَائِرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ أَحَدُهُمَا (يَحْرُمُ) (وَالثَّانِي) يَحِلُّ لِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِمَنْ ذَهَبَ أَنْفُهُ أَوْ سِنُّهُ أَوْ انملته أن يتخذ(4/441)
مكانها ذهبا سوا أَمْكَنَهُ فِضَّةٌ وَغَيْرُهَا أَمْ لَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لَهُ شَدُّ السِّنِّ وَالْأُنْمُلَةِ وَنَحْوِهِمَا بِخَيْطٍ ذَهَبٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْأَنْفِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهَلْ لِمَنْ ذَهَبَتْ إصْبَعُهُ أَوْ كَفُّهُ أَوْ قَدَمُهُ أَنْ يَتَّخِذَهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ مُسْتَوْفَاةً (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَتْ دِرْعٌ مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ بَيْضَةٌ مَطْلِيَّةٌ بِهِ أَوْ جَوْشَنٌ مُتَّخَذٌ مِنْهُ وَنَحْوُهَا حَرُمَ لُبْسُهُ عَلَى الرَّجُلِ فِي غَيْرِ مُفَاجَأَةِ الْحَرْبِ وَيَحْرُمُ حَالَ مفاجأة الحرب أَيْضًا إنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَفَاجَأَتْهُ الْحَرْبُ جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْأُمِّ سَوَاءٌ كَانَتْ كُلُّهَا مَنْسُوجَةً أَوْ بَعْضُهَا وَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ (الْخَامِسَةُ) حَيْثُ حَرَّمْنَا اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ الْمُرَادُ بِهِ إذَا لَمْ يَصْدَأْ فَإِنْ صَدِئَ بِحَيْثُ لَمْ يَبِنْ لَمْ يَحْرُمْ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الذَّهَبُ لَا يَصْدَأُ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ مِنْهُ مَا يَصْدَأُ وَمِنْهُ مَا لَا يَصْدَأُ وَيُقَالُ الَّذِي يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ يَصْدَأُ وَالْخَالِصُ لَا يَصْدَأُ (السَّادِسَةُ) يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالتَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ وَبِالذَّهَبِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُنَّ الْجُلُوسُ عَلَى الْحَرِيرِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ وَجْهًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي كُتُبِهِمْ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حِلٌّ لِإِنَاثِهَا " (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أبو عمر لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُنَّ لُبْسُهُ لِلتَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَالْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ لِلْحَدِيثِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ إبَاحَتَهُ لِمُجَرَّدِ التَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاخْتَصَّ بِذَاتِ الزَّوْجِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ
* (فَرْعٌ)
كُلُّ حُلِيٍّ حَرَّمْنَاهُ على الرجل حرمناه علي الخنثى المشكل وكذلك الْحَرِيرُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الْفَتْحِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْبَيَانِ والرافعي وغيرهم واشار المتولي الا انه يجوز لُبْسُ حُلِيِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ لُبْسُهُمَا فِي الصِّغَرِ فَيَبْقَى وَحُكِيَ فِي إبَاحَتِهِ الْحَرِيرَ لَهُ احْتِمَالٌ وَقِيَاسُ الْمُتَوَلِّي جَوَازُهُ وَالْمَذْهَبُ التحريم فيهما
*(4/442)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ كُلِّهَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَاتَمِ وَالْحَلْقَةِ وَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَالطَّوْقِ وَالْعِقْدِ وَالتَّعَاوِيذِ وَالْقَلَائِدِ وَغَيْرِهَا وَفِي جَوَازِ لُبْسِهِنَّ نِعَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ كَسَائِرِ الْمَلْبُوسَاتِ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ لِلْإِسْرَافِ وَأَمَّا التَّاجُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ جَازَ وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّهُ شِعَارُ عُظَمَاءِ الرُّومِ قَالَ وَكَأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِعَادَةِ أَهْلِ النواحى فحيث جرت عادت النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ جَازَ وَحَيْثُ لَمْ يَجْرِ حَرُمَ حِذَارًا مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ هَذَا نَقْلُ الرَّافِعِيِّ والمختار بل الصواب الجواز من غير ترديد لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَلِدُخُولِهِ فِي اسْمِ الْحُلِيِّ وَفِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تُثْقَبُ وَتُجْعَلُ فِي الْقِلَادَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَقَالَ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ عَلَيْهِنَّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ لِدُخُولِهِمَا فِي اسْمِ الْحُلِيِّ قَالَ وَفِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ قُلْتُ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدَانَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُنَّ اتِّخَاذُ زِرِّ الْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ والفرجية منهما قال الرافعى ولعله تَفْرِيعٌ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي لُبْسِ الْمَنْسُوجِ بِهِمَا قُلْتُ الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالْجَوَازِ وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ قَالَ ثُمَّ كُلُّ حُلِيٍّ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ فلذلك إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ التَّحْرِيمُ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ وَإِنَّمَا تُبَاحُ الزِّينَةُ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ فَأَشْبَهَ اتِّخَاذَ عَدَدٍ مِنْ الْخَلَاخِيلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِثْلُهُ إسْرَافُ الرَّجُلِ فِي آلَاتِ الْحَرْبِ قَالَ ولو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة والمرأة خلاليل كثيرة لتلبس الواحدة مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَقِيلَ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الثَّقِيلِ وليس بشئ
*
(فَصْلٌ)
فِي التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ
* عَادَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ذِكْرُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى بَعْضٍ مِنْهُ هُنَاكَ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ أن هذا الباب أنسب به لاسيما وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ(4/443)
فِيهِ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ خَاتَمُ الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا مَا سِوَاهُ مِنْ حُلِيِّ الْفِضَّةِ كَالسِّوَارِ
وَالْمُدَمْلَجِ وَالطَّوْقِ وَنَحْوِهَا فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِتَحْرِيمِهَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْفِضَّةِ إلَّا تَحْرِيمُ الْأَوَانِي وَتَحْرِيمُ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِي هَذَا تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ حَرَامٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالْفِضَّةِ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَأَطْرَافِ السِّهَامِ وَالدِّرْعِ وَالْمِنْطَقَةِ والرانين والخفين وغيرها لان فيه ارعاب الْعَدُوِّ وَفِي تَحْلِيَةِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالشَّفْرِ بِالْفِضَّةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ وَمُوسَى بْنِ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَجْرَوْا هَذَا الْخِلَافَ فِي الرِّكَابِ وَبَرَّةِ النَّاقَةِ مِنْ الْفِضَّةِ قَالَ وَقَطَعَ كَثِيرُونَ بِتَحْرِيمِ قِلَادَةِ الدَّابَّةِ مِنْ فِضَّةٍ وَاتَّفَقُوا علي انه لا يجوز تحلية شئ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ بِذَهَبٍ قَالَ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهِنَّ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ التَّشَبُّهُ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّ آلَاتِ الْحَرْبِ إنْ قُلْتُمْ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهَا بِلَا تَحْلِيَةٍ جَازَ مَعَ التَّحْلِيَةِ لِأَنَّهَا حَلَالٌ لَهُنَّ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ بِلَا تَحْلِيَةٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلَمْ يُحَرِّمْ زِيَّ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ بَلْ كَرِهَهُ فَكَذَا عَكْسُهُ وَلِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ جَائِزَةٌ لِلنِّسَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي جَوَازِهَا جَوَازُ لُبْسِ آلَاتِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ هُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ كَمَا قَالَا بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ تَشَبُّهَ الرِّجَالِ(4/444)
بِالنِّسَاءِ وَعَكْسَهُ حَرَامٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " لَعَنْ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ " وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِهَذَا لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيٌّ لَهُنَّ مُخْتَصٌّ بِهِنَّ لَازِمٌ فِي حَقِّهِنَّ
* (فَرْعٌ)
فِي اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي غَيْرِ اللُّبْسِ: أَمَّا الْأَوَانِي مِنْهَا فَحَرَامٌ وَسَبَقَتْ تَفَارِيعُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ الْيَاقُوتِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ حَلَّى شَاةً أو عزالا أَوْ دَجَاجَةً أَوْ غَيْرَهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَحَرَامٌ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَفِي تَحْلِيَةِ سَكَاكِينِ الْمِهْنَةِ
وَسِكِّينِ الْمُقَلَّمَةِ بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ آلَةَ حَرْبٍ (وَالثَّانِي) الْجَوَازُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِبَاسًا وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُهَا عَلَى النِّسَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ فِيهِ الْوَجْهَانِ كالرجل حكاه الرافعى وغير وَفِي تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَفِي حَرْمَلَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجَدِيدِ إكْرَامًا لِلْمُصْحَفِ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ الْجَدِيدِ وَفِي تَحْلِيَتِهِ بِالذَّهَبِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الْأَصَحُّ) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ جَوَازُهُ فِي مُصْحَفِ المرأة وتحريمه في مصحف الرجل
(والثانى)
جَوَازُهُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) تَحْرِيمُهُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) تَجُوزُ حِلْيَةُ نَفْسِ الْمُصْحَفِ دُونَ غِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ سَائِرِ الْكُتُبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ وَالْمِقْرَاضِ بِالْفِضَّةِ فَحَرَامٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ إلَى طَرْدِ خِلَافٍ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ وَفِي تَحْلِيَةِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَعْلِيقِ قَنَادِيلِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ مَعَ أَنَّهُ سَرَفٌ
(وَالثَّانِي)
الْجَوَازُ كَمَا يَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالدِّيبَاجِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ حُلِيٍّ حُلَّ لِبَعْضِ النَّاسِ اسْتِعْمَالُهُ اسْتَحَقَّ صَانِعُهُ الْأُجْرَةَ وَوَجَبَ عَلَى كَاسِرِهِ أَرْشُهَا وَمَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ فَحُكْمُ صَنْعَتِهِ حُكْمُ صَنْعَةِ الْإِنَاءِ وَقَدْ سَبَقَ وَجْهَانِ(4/445)
فِي بَابِ الْآنِيَةِ (أَصَحُّهُمَا) لَا أُجْرَةَ وَلَا أَرْشَ
(وَالثَّانِي)
ثُبُوتُهُمَا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ * قَالَ المصنف رحمه الله
* (وَيَجُوزُ أَنْ يُلْبِسَ دَابَّتَهُ وَأَدَاتَهُ جِلْدَ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَدْبُوغًا فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَالْمَنْعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا تَعَبُّدَ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْأَدَاةِ وَأَمَّا جِلْدُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا يَجُوزُ ان يستعمله في شئ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَالْكَلْبُ لَا يَحِلُّ إلَّا لِلْحَاجَةِ وَهِيَ الصَّيْدُ وَحِفْظُ الْمَاشِيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ " وَلَا حَاجَةَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَلَمْ يَحِلَّ)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ هَكَذَا وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمَا قِيرَاطٌ وَفِي أَكْثَرِهَا قِيرَاطَانِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ كَلْبُ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَيُنْكَرُ
عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ لَا يَحِلُّ إلَّا لِحَاجَةٍ وَهِيَ الصَّيْدُ وَحِفْظُ الْمَاشِيَةِ مَعَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِلزَّرْعِ بِلَا خِلَافٍ وَيَحِلُّ أَيْضًا لِحِفْظِ الدُّرُوبِ وَالدُّورِ وَنَحْوِهَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كُلَّ هَذَا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الصَّيْدَ وَالْمَاشِيَةَ وَنَحْوَهُمَا وَأَهْمَلَ اسْتِيفَاءَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ سَيَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَقَوْلُهُ) وَأَدَاتُهُ هُوَ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِدَالٍ مُهْمَلَةٍ - وَهِيَ الْآلَةُ (وَقَوْلُهُ) لَا تَعَبُّدَ عَلَى الدَّابَّةِ أَيْ لَيْسَتْ مُكَلَّفَةً
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لِلشَّافِعِيِّ نُصُوصٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فَقِيلَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ اسْتِعْمَالِهَا كُلِّهَا قَوْلَانِ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ وَالْقَفَّالُ وَأَصْحَابُهُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يجوز استعمال شئ مِنْهَا فِي ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا إنْ كَانَتْ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً وَهِيَ غَيْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرَعِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً وَهِيَ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْفَرَعِ لم يجز فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لُبْسُ جِلْدِ الْكَلْبِ وَلَا الْخِنْزِيرِ وَلَا فَرَعِ أَحَدِهِمَا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ بِحَالٍ وَكَذَا الْكَلْبُ إلَّا لِمَقَاصِدَ مَخْصُوصَةٍ فَبَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْلَى وَيَجُوزُ طَلْيُ السُّفُنِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ وَكَذَا دَهْنُ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُتَنَجِّسَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا وَإِنْ فَاجَأَتْهُ حَرْبٌ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ جِلْدِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ جَازَ لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ وَأَمَّا جِلْدُ الْمَيْتَةِ مِنْ شَاةٍ وَبَقَرَةٍ وسائر(4/446)
الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرَعِ أَحَدِهِمَا وَغَيْرِ الْآدَمِيِّ فَلَا يَحِلُّ لُبْسُهُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا جِلْدُ الْآدَمِيِّ وَالثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ شَعْرِهِ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِاللُّبْسِ وَبِغَيْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي باب الا نية وَأَمَّا الْجُلُودُ الطَّاهِرَةُ فَيَجُوزُ لُبْسُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالنُّصُوصِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي لُبْسُ غَيْرِ الْجُلُودِ أَوْلَى مِنْ لُبْسِهَا قَالَا " لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِنَزْعِ الْخِفَافِ وَالْفِرَاءِ عَنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ دُونَ سَائِرِ ثِيَابِهِمْ " وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ فيه نظر هذا حُكْمُ اسْتِعْمَالِ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ فِي الْبَدَنِ(4/447)
فَأَمَّا إذَا أَلْبَسَ دَابَّتَهُ وَأَدَاتَهُ وَنَحْوَهُمَا جِلْدًا نَجِسًا فَإِنْ كَانَ جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ فَرَعَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِالِاتِّفَاقِ
لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ جِلْدَ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ آدَمِيٍّ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ جَلَّلَ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا بِجِلْدِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي غِلَظِ النَّجَاسَةِ هَكَذَا أَطْلَقُوهُمَا وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ تَجْلِيلُ كَلْبٍ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ وَخِنْزِيرٍ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِ خِلَافًا وَتَفْصِيلًا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ تَسْمِيدُ الْأَرْضِ بِالزَّبْلِ النَّجِسِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ أَحَدٌ وَفِي كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ مَا يَقْتَضِي خِلَافًا فِيهِ وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ سَوَاءٌ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ أَوْ كَانَ مُتَنَجِّسًا بِعَارِضٍ كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ وَسَمْنٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلًا وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَحْرُمُ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ لَكِنْ يُكْرَهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَذَكَرَ هُنَاكَ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ وَسَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ أَكْلِ النَّجِسِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِعْمَالِ الْأَدْهَانِ النَّجِسَةِ وَغَيْرِهَا فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَفِي غَيْرِ الْبَدَنِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحَ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِالدُّهْنِ الْمُتَنَجَّسِ وَشَحْمِ الْمَيْتَةِ فِي الِاسْتِصْبَاحِ وَدَهْنِ السُّفُنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ هَذَا الدُّهْنِ الصَّابُونَ فَيَسْتَعْمِلَهُ وَلَا يَبِيعَهُ وَلَهُ إطْعَامُ الْعَسَلِ الْمُتَنَجَّسِ لِلنَّحْلِ وَالْمَيْتَةِ لِلْكِلَابِ وَالطُّيُورِ الصَّائِدَةِ وَغَيْرِهَا وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ الْمُتَنَجَّسِ لِلدَّوَابِّ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي غَيْرِ شَحْمِ الْمَيْتَةِ وَمَنَعُوا شَحْمَ الْمَيْتَةِ وَقَالَ أَحْمَدُ بن حنبل واحمد بن صالح والماجشون المالكي لا يجوز شئ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْجَمِيعَ بِدَلَائِلِهِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ تَحْرِيمِ بيع الميتة
*(4/448)
(فَصْلٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بالباب (إحْدَاهَا) يَجُوزُ لُبْسُ ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ
وَالشَّعْرِ وَالْوَبَرِ وَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةَ الْأَثْمَانِ لِأَنَّ نَفَاسَتَهَا بِالصَّنْعَةِ لَا فِي جِنْسِهَا بِخِلَافِ الْحَرِيرِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لُبْسُ الْخَزِّ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ حَرِيرٌ وَصُوفٌ لَكِنَّ حَرِيرَهُ مُسْتَتِرٌ وَأَقَلُّ وَزْنًا (الثَّانِيَةُ) الْقَزُّ كَالْحَرِيرِ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُهُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وحكى المتولي فيه وجهان وَهُوَ شَاذٌّ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله(4/449)
نَهَى الرَّجُلَ عَنْ الْمُزَعْفَرِ وَأَبَاحَ لَهُ الْمُعَصْفَرَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ فِي فَصْلِ النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا أَرْخَصْتُ فِي الْمُعَصْفَرِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَحْكِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيَ عَنْهُ إلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَانِي وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ يَعْنِي حَدِيثَ عَلِيٍّ " نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَلِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَثَبَتَ مَا دَلَّ عَلَى النَّهْيِ عَلَى الْعُمُومِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " رَآنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى ثَوْبَانِ مُعَصْفَرَانِ فَقَالَ هَذِهِ ثِيَابُ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَاتٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَلَى الْعُمُومِ عَنْ الْمُعَصْفَرِ ثُمَّ قَالَ وَفِي كُلِّ هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ نَهْيَ الرِّجَالِ عَنْ لُبْسِهِ عَلَى الْعُمُومِ قَالَ وَلَوْ بَلَغَ الشَّافِعِيُّ لَقَالَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ(4/450)
مَا هُوَ مَشْهُورٌ صَحِيحٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُ وَكَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ مِمَّا يَصِحُّ فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَلَا تُقَلِّدُونِي قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَنْهَى الرَّجُلَ حَلَالًا بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يُزَعْفِرَ وَيَأْمُرُهُ إذَا تَزَعْفَرَ بِغَسْلِهِ عَنْهُ قَالَ فَيَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِي الْمُزَعْفَرِ فَمُتَابَعَتُهَا فِي الْمُعَصْفَرِ أَوْلَى بِهِ(4/451)
وَقَدْ كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ يَعْنِي بَعْضَ السَّلَفِ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَالسُّنَّةُ أَلْزَمُ (الرَّابِعَةُ) يَجُوزُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَخْضَرِ وَالْمُخَطَّطِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ وَلَا خِلَافَ في هذا ولا كراهة في شئ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ سُمْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَدَلِيلُ جَوَازِ الْأَحْمَرِ وَغَيْرِهِ مَعَ الْإِجْمَاعِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى أَيْضًا مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابي حنيفة وعن ابي رمثة " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَصْفَرَانِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سوداء " رواه مسلم وعن عمر بن حرب قَالَ " كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سوداء " وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ(4/452)
مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْمِرْطُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - كِسَاءٌ الْمُرَحَّلُ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - الَّذِي فِيهِ صُورَةُ رِحَالِ الْإِبِلِ وَهِيَ الْأَكْوَارُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ جُبَّةً شَامِيَّةً مِنْ صُوفٍ ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ " كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِبَرَةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْحِبَرَةُ بُرْدٌ مُخَطَّطٌ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ وَيَكُونُ أَحْمَرَ غالبا (الخامس) يُسْتَحَبُّ تَرْكُ التَّرَفُّعِ فِي اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَسَّطَ فِيهِ وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى مَا يُزْدَرَى بِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَقْصُودٍ شَرْعِيٍّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ يُكْرَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْخَشِنَةِ الا لغرض مع الاستغناء والمختار ما قدمناه ومما يَدُلُّ لِلطَّرَفَيْنِ حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ(4/453)
يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ علي رؤوس الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وعن عمر بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (السَّادِسَةُ) لَوْ بَسَطَ فَوْقَ ثَوْبِ الْحَرِيرِ ثَوْبَ قُطْنٍ وَجَلَسَ عَلَيْهِ جَازَ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ كَمَا لَوْ حَشَا الْجُبَّةَ وَالْمِخَدَّةَ بِهِ وكما لو بسط علي النجاسة ثوب وَكَذَا لَوْ جَلَسَ عَلَى جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بِهِ (السَّابِعَةُ) يَحْرُمُ إطَالَةُ الثَّوْبِ وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ عَلَى الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ(4/454)
وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من جر وبه خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ(4/455)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّك لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ بَعْضَهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَنْظُرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فِي النَّارِ " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ(4/456)
عن أبي سعد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا حَرَجَ أَوْ لَا جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي مُسْبِلًا إزَارَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَتَوَضَّأَ وَقَالَ إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مُسْبِلًا إزَارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ " وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَجَمَعْتُ مِنْهَا جُمْلَةً صَحِيحَةً
* (فَرْعٌ)
الْإِسْبَالُ فِي الْعِمَامَةِ هُوَ إرْسَالُ طَرَفِهَا إرْسَالًا فَاحِشًا كَإِسْبَالِ الثَّوْبِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ والعمامة من جر شيثا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ تَقْصِيرُ الْكُمِّ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ " كَانَ كُمُّ قميص رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الرُّسْغِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا وَبِغَيْرِ إرْسَالِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ ارسالها شئ وَصَحَّ فِي الْإِرْخَاءِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الرابعة
*(4/457)
(فَرْعٌ)
لِلْمَرْأَةِ إرْسَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ لِحَدِيثِ ابن عمر " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ(4/458)
ترخين شيرا قالت إذا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَتُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا تَزِدْنَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
*(4/459)
(فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا أَوْ نَعْلًا أَوْ نَحْوَهُ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ باسمه عمامة أو قميصا أو رداءا يقول اللهم(4/460)
لَك الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُك خَيْرَهُ وَخَيْرَ ما صنع له وأعوذ بك من شره وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي لُبْسِ الثَّوْبِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالنَّعْلِ وَالْخُفِّ وغيرهما بِالْيَمِينِ وَيَخْلَعَ بِالْيَسَارِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ يَحْرُمُ تَنْجِيدُ الْبُيُوتِ بِالثِّيَابِ الْمُصَوَّرَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ الْحَرِيرُ وَغَيْرُهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَسْتِيرِ الْجِلْدِ وَإِطْلَاقُهُ التَّحْرِيمَ فِي غَيْرِ الْمُصَوَّرَةِ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَتْ " أَخَذْت نَمَطًا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى النَّمَطَ عَرَفْتُ الكراهية في وجهه فجذبه حتى هبله أَوْ قَطَعَهُ وَقَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ "
فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ هَذَا النَّمَطَ كَانَ فِيهِ صُورَةُ الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَاقِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَقِيقَةِ اللَّفْظِ تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِهِ بَلْ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَهَذَا انما يقتضي(4/461)
أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ (الْعَاشِرَةُ) يَجُوزُ للرجل لبس خاتم الفضة في خنصره بمينه وَإِنْ شَاءَ فِي خِنْصَرِ يَسَارِهِ كِلَاهُمَا صَحَّ فِعْلُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ فِي الْيَسَارِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْيَمِينَ صَارَ شِعَارَ الرَّوَافِضِ فَرُبَّمَا نُسِبَ إلَيْهِمْ هَذَا كَلَامُهُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ هُوَ فِي مُعْظَمِ الْبُلْدَانِ شِعَارًا لَهُمْ وَلَوْ كَانَ شِعَارًا لَمَا تُرِكَتْ الْيَمِينُ وَكَيْفَ تُتْرَكُ السُّنَنُ لِكَوْنِ طَائِفَةٍ مُبْتَدِعَةٍ تَفْعَلُهَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ(4/462)
وَبِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ وَيَجُوزُ الْخَاتَمُ بِفَصٍّ وَبِلَا فَصٍّ وَيَجْعَلُ الْفَصَّ مِنْ بَاطِنِ كَفِّهِ أَوْ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنُهَا أَفْضَلُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَيَجُوزُ نَقْشُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي الصَّحِيحَيْنِ " كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَبَعْضُهُمْ لِخَوْفِ امْتِهَانِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلْحَدِيثِ وَلِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ إصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَلَهُ أَنْ يَنْقُشَ فِيهِ اسْمَ نَفْسِهِ أَوْ كَلِمَةَ حِكْمَةٍ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِلرَّجُلِ جَعْلُ خَاتَمِهِ فِي خِنْصَرِهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " نَهَانِي يَعْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَجْعَلَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ أَوْ الَّتِي تَلِيهَا " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " فِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ " وَأَشَارَ الرَّاوِي إلَى الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي(4/463)
دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ السَّبَّابَةُ وَالْوُسْطَى قَالَ شَكَّ فِيهِ الرَّاوِي
* (فَرْعٌ)
يُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ كَمَا يَجُوزُ لَهَا خَاتَمُ الذَّهَبِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا كَرَاهَةَ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُكْرَهُ لَهَا خَاتَمُ الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الرِّجَالِ قَالَ فَإِنْ لَمْ
تَجِدْ خَاتَمَ ذَهَبٍ فَلْتُصَفِّرْهُ بِزَعْفَرَانٍ وَشِبْهِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا كَرَاهَةَ عَلَيْهَا
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ سَوَاءٌ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ وَغَيْرُهَا وَهَذَا مَجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الشَّامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ كَرَاهَةِ لُبْسِهِ لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ فَشَاذٌّ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَقَدْ نَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِيهِ (الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ يُكْرَهُ الْخَاتَمُ(4/464)
مِنْ حَدِيدٍ أَوْ شَبَهٍ بِفَتْحِ الشِّين وَالْبَاءِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ النُّحَاسِ وَتَابَعَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ يُكْرَهُ الْخَاتَمُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ نُحَاسٍ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ قَالَ مَالِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ فَطَرَحَهُ ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ مَالِي أَرَى عَلَيْكَ حُلَّةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ فَقَالَ يا رسول الله من أي شئ أَتَّخِذُهُ فَقَالَ اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَا يُكْرَهُ الْخَاتَمُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ لِلْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلَّذِي خَطَبَ الْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا " اُطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " قَالَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ كَرَاهَةٌ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ بِهِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ مُعَيْقِيبٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كَانَ خاتم النبي(4/465)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٌّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ " فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَ الْأَوَّلَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ إنَّمَا قَالَ " أَجِدُ رِيحَ الْأَصْنَامِ " لِأَنَّهَا كَانَتْ تُتَّخَذُ مِنْ الشَّبَهِ قَالَ وَأَمَّا الْحَدِيدُ فَقِيلَ كَرِهَهُ لِسَهُوكَةِ رِيحِهِ قَالَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ زِيُّ بَعْضِ الْكُفَّارِ وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ (الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ وَلَا أَكْرَهُ لُبْسَ يَاقُوتٍ أَوْ زَبَرْجَدٍ إلَّا مِنْ جِهَةِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ هَذَا نَصُّهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ (الثَّالِثَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ خُفٍّ وَاحِدٍ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
" لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ لِيُنْعِلْهُمَا جميعا أو ليخلعهما جميعا " وفى رواية ليخفهما جَمِيعًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِي فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا (الرَّابِعَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ النَّعْلَ وَالْخُفَّ وَنَحْوَهُمَا قَائِمًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ(4/466)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ قَائِمًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ سَبَبُ النَّهْيِ خَوْفُ انْقِلَابِهِ إذَا انْتَعَلَ قَائِمًا فَأُمِرَ بِالْقُعُودِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَأَعْوَنُ وَأَسْلَمُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ قَالَ وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ كُلُّ لِبَاسٍ شَفْعٍ كَالْخُفَّيْنِ وَإِدْخَالِ الْيَدَيْنِ فِي الْكُمَّيْنِ قَالَ فَيُكْرَهُ أَنْ يُدْخِلَ يَدًا فِي كُمِّهِ وَيُخْرِجَ أُخْرَى لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي أَنَّهُ قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْأُمِّ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ (الْخَامِسَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ تَعْلِيقُ الْجَرَسِ فِي الْبَعِيرِ وَالنَّعْلِ وَغَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَصْحَبُ الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس " رواه مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْجَرَسُ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مسلم وعن بنابه - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ - أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَدُخِلَ عليها بجارية عليها جلاجل تصوت فقال لا تدخلنها عَلَيَّ إلَّا أَنْ تَقْطَعُوا جَلَاجِلَهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (السَّادِسَةَ عَشَرَةَ) يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الثَّوْبِ إذَا تَوَسَّخَ وَإِصْلَاحُ الشَّعْرِ إذَا شَعِثَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ وَرَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (السَّابِعَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَاشْتِمَالُ الْيَهُودِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهُمَا فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ (الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ) يَحْرُمُ وَصْلُ الشَّعْرِ(4/467)
والوسم والوشر سبق بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَتَعْرِيفُهُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَيَحْرُمُ التَّصْوِيرُ بِصُوَرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ وَاِتِّخَاذُ الصُّوَرِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ وَتَفْرِيعُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ وَسَبَقَ فِي بَابِ السِّوَاكِ (التَّاسِعَةَ عَشَرَةَ) يَجُوزُ لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالْفَرْجِيَّةِ وَنَحْوِهَا
مُزَرَّرًا وَمَحْلُولَ الْأَزْرَارِ إذَا لَمْ تَبْدُ عَوْرَتُهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قُرَّةَ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ فَبَايَعْنَاهُ وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ ثُمَّ أَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِ الْقَمِيصِ فَنَسِيتُ الْخَاتَمَ فَقَالَ عُرْوَةُ فَمَا رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ وَلَا ابْنَهُ قَطُّ إلَّا مُطْلِقَيْ أَزْرَارِهِمَا فِي شِتَاءٍ وَلَا حَرٍّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (الْعِشْرُونَ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْمَرْأَةِ فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ(4/468)
وَذَكَرْنَا كَلَامَ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ فِيهَا وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِ وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِلتَّحْرِيمِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَةَ الرَّجُلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ أَبِي مليكة قال " قيل لعائشة أن امرأة تَلْبَسُ النَّعْلَ فَقَالَتْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَةَ مِنْ النِّسَاءِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات روسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ(4/469)
مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قِيلَ مَعْنَى كَاسِيَاتٍ أَيْ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَارِيَّاتٍ مِنْ شُكْرِهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَسْتُرُ بَعْضَ بَدَنِهَا وَتَكْشِفُ بَعْضَهُ إظْهَارًا لِجَمَالِهَا وَنَحْوِهِ وَقِيلَ تَلْبَسُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ بَدَنِهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَمَعْنَى مَائِلَاتٍ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُهُنَّ حِفْظُهُ مُمِيلَاتٍ أَيْ يُعَلِّمْنَ غَيْرَهُنَّ فِعْلَهُنَّ الْمَذْمُومَ وَقِيلَ يَمْشِينَ مُتَبَخْتِرَاتٍ مُمِيلَاتٍ لِأَكْتَافِهِنَّ وَقِيلَ مَائِلَاتٌ يتمشطن الْمِشْطَةَ الْمَيْلَاءَ وَهِيَ مِشْطَةُ الْبَغَايَا وَمُمِيلَاتٌ(4/470)
يمشطن غيرهن تلك المشطة ومعنى روسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ أَيْ يُكَبِّرْنَهَا وَيُعَظِّمْنَهَا بِلَفِّ عِمَامَةٍ أَوْ نَحْوِهَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ إذَا جَلَسَ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ وَنَحْوَهُمَا وَأَنْ يَجْعَلَهُمَا وَرَاءَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِمَا أَوْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مِنْ السُّنَّةِ إذَا جَلَسَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ فَيَجْعَلَهُمَا بِجَنْبِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ اتِّخَاذُ السُّتُورِ عَلَى الابواب(4/471)
وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَرِيرًا وَلَا فِيهَا صور محرمة للاحاديث الصحيحة المشهور فِيهَا (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ الْقُعُودُ مُتَرَبِّعًا وَمُفْتَرِشًا وَمُتَوَرِّكًا وَمُحْتَبِيًا وَالْقُرْفُصَاءَ وَالِاسْتِلْقَاءُ عَلَى الْقَفَا وَمَدُّ الرِّجْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ هَيْئَاتِ الْقُعُودِ وَنَحْوِهَا ولا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكْشِفْ عَوْرَتَهُ وَلَمْ يَمُدَّ رِجْلَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى(4/472)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ وَوَصَفَ بِيَدَيْهِ الِاحْتِبَاءَ وَهُوَ الْقُرْفُصَاءُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ " أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صحيحة وعن الشريد بن(4/473)
سويد " قال مربي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْت عَلَى أَلْيَةَ يَدِي فَقَالَ أَتَقْعُدُ قَعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا أَرَادَ النَّوْمَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ اضْطِجَاعٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَيُكْرَهُ الِاضْطِجَاعُ عَلَى بَطْنِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ وَأَنْ(4/474)
يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَفْضَلُ أَذْكَارِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ (مِنْهَا) حَدِيثُ الْبَرَاءِ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ لَا ملجأ ولا منجا منك
إلا إليك آمنت بكتابك الذى أنزلت ونبيك الَّذِي أَرْسَلْتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رواية(4/475)
لَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لِلْبَرَاءِ إذَا أَتَيْت مَضْجَعَك فَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضطجع على شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ وَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِيهِ وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ " وَعَنْ حُذَيْفَةَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ(4/476)
" كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ " رواه البخاري ومسلم وعن طِخْفَةَ الْغِفَارِيِّ - بِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ فَاءٍ - قَالَ " بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بَطْنِي إذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ لِمَنْ قَعَدَ فِي مَكَان أن يفارقه(4/477)
قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من اللَّهِ تِرَةٌ وَمَنْ اضْطَجَعَ مُضْطَجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ فيه تِرَةٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ التِّرَةُ - بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ - النَّقْصُ وَقِيلَ التَّبِعَةُ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ(4/478)
فِيهِ إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِي آدَابِ الْمَجْلِسِ وَالْجَلِيسِ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ رَجُلًا مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " وَلَا يَجْلِسْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا " وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ " كُنَّا إذَا أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ(4/479)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يقوم سبحانك(4/480)
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ إلَّا غُفِرَ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَاكَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي هَذَا الْفَصْلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ وَقَدْ ذَكَرْتُ مِنْهَا جُمْلَةً فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَالرِّيَاضِ (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ مَا ذُكِرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَانَ مِنْ كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ في خاصرته وتقول ان اليهود تفعله (الثامنة والعشرون) في آداب تتعلق بالرؤيا في المنام (1)
*
__________
(1) كذا بالاصل وفي بعض النسخ سقط الثامنة والعشرون
*(4/481)
(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)
هِيَ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا - حَكَاهُنَّ الْوَاحِدِيُّ عَنْ الْفَرَّاءِ وَالْمَشْهُورُ الضَّمُّ وَبِهِ قُرِئَ فِي السَّبْعِ وَالْإِسْكَانُ تَخْفِيفٌ مِنْهُ وَوَجَّهُوا الْفَتْحَ بِأَنَّهَا تَجْمَعُ النَّاسَ كَمَا يُقَالُ هُمَزَةٌ وَضُحَكَةٌ لِلْمُكْثِرِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَالْفَتْحُ لُغَةُ بَنِي عَقِيلٍ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ قُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ بِاللُّغَاتِ الثَّلَاثِ وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْعُرُوبَةَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَكَانَ يُسَمَّى عُرُوبَةً وَالْعُرُوبَةَ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي بَيْنَ الْخَمِيسِ وَالسَّبْتِ وَأَرَادَ إيضَاحَهُ لِمَنْ يَعْرِفُ الْعُرُوبَةَ وَلَا يَعْرِفُ الْجُمُعَةَ
وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ يَظْهَرُ خَطَأُ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا وَزَعَمَ أَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْمَعْلُومِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ " وَزَادَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ " وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَمَا مِنْ دابة الا وهى مصبخة يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ " (قوله) مصبخة - بالخاء المعجمة - وفى رواية ابى داود مسبخه - بِالسِّينِ - أَيْ مُصْغِيَةٌ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا لله له فهم لنا فيه تبع واليهود غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قِيلَ مَعْنَى بَيْدَ أَنَّهُمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ وَقِيلَ مَعَ أَنَّهُمْ وَقِيلَ عَلَى أَنَّهُمْ وَقَالَ سَعِيدُ ابن الْمُسَيِّبِ أَحَبُّ الْأَيَّامِ أَنْ أَمُوتَ فِيهِ ضُحَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَاجِبَةٌ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَةَ فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ اسْتِخْفَافًا أَوْ جُحُودًا فَلَا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أمره)
*(4/482)
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَهُوَ بَعْضٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِيهِ قَوَاعِدُ مِنْ الْأَحْكَامِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي إسْنَادِهِ ضَعِيفَانِ وَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله) وَحَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ وَامْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلَّا أَنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو دَاوُد لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ عَدَمُ سَمَاعِهِ يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ وَمُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عِنْدَ أصحابنا وجميع العلماء الا أبو إسحق
الاسفرايني وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
* أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْجُمُعَةُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ غَيْرَ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَالنَّقْصِ الْمَذْكُورِينَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ غَلِطَ فَقَالَ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالُوا وَسَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ قَالُوا وَغَلِطَ مَنْ فَهِمَهُ لِأَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ مَنْ خُوطِبَ بِالْجُمُعَةِ وُجُوبًا خُوطِبَ بِالْعِيدَيْنِ مُتَأَكَّدًا وَاتَّفَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ مَنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ علي غلط قائله قال القاضى أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْكَى هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ كِتَابِ الْإِجْمَاعِ الْإِشْرَافِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَدَلِيلُ وُجُوبِهَا مَا سَبَقَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الهجرة وفيما قاله نظر * قال المصنف رحمه الله
* (ولا تجب الجمعة علي صبى ولا مجنون لانه لا تجب عليهما سائر الصلوات فالجمعة أولي ولا تجب علي المرأة لما روى جَابِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ(4/483)
الآخر فعليه الجمعة الا على امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض " ولانها تختلط بالرجال وذلك لا يجوز)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ السَّابِقُ وَالْإِجْمَاعُ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا تَخْتَلِطُ بِالرِّجَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لبس كَمَا قَالَ فَإِنَّهَا لَا يَلْزَمُ مِنْ حُضُورِهَا الْجُمُعَةَ الِاخْتِلَاطُ بَلْ تَكُونُ وَرَاءَهُمْ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ وَصَلَّتْ الْجُمُعَةَ جَازَ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُصَلِّينَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَسْجِدِهِ خَلْفَ الرِّجَالِ وَلِأَنَّ اخْتِلَاطَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ خَلْوَةً لَيْسَ بِحَرَامٍ
* أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الظُّهْرُ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَمَنْ
يَلْزَمُهُ الظُّهْرُ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إلَّا أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورِينَ فَلَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مُغْمًى عليه وسائر من زال عقله أو انغمر بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَيَجِبُ عَلَى السَّكْرَانِ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَتَفْرِيعُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ لَا يُطَالَبُ بِهَا وَهَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِهَا تُزَادُ فِي عُقُوبَتِهِ بِسَبَبِهَا فِي الْآخِرَةِ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ وَتَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ وَدَلِيلُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ سَبَقَ هُنَاكَ وَلَا تَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَجِبُ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِلشَّكِّ فِي الْوُجُوبِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ يُسْتَحَبُّ لِلْعَجُوزِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ قَالَ وَيُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ حُضُورُ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا العيدين
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا تجب على المسافر للخبر ولانه مشغول بالسفر وأسبابه فلو أجبنا عليه انقطع عنه ولا تجب(4/484)
على العبد للخبر ولانه ينقطع عن خدمة مولاه ولا تجب على المريض للخبر ولانه يشق عليه القصر وأما الاعمي فانه ان كان له قائد لزمته وان لم يكن له قائد لم تلزمه لانه يخاف الضرر مع عدم القائد ولا يخاف مع القائد
* (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمُسَافِرِ هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ إذَا سمع نداء لَزِمَتْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجُمُعَةُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلِأَنَّهَا أَكْمَلُ هَذَا إذَا أَمْكَنَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلْخُنْثَى وَالصَّبِيِّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْمُسَافِرِ وَلَوْ كَانَ سَفَرُهُ قَصِيرًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ فَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِيِّ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لَزِمَتْهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِقَادِهَا بِهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ دُونِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَمَّا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَلَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَبَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَغَيْرِهِمَا (الثَّانِيَةُ) لَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا الْمُكَاتَبِ وَسَوَاءٌ الْمُدَبَّرُ وَغَيْرُهُ
هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الكوفة واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنْ مَنَعَهُ السَّيِّدُ فَلَهُ التَّخَلُّفُ وَعَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وُجُوبُهَا عَلَى عَبْدٍ يُؤَدِّي الضَّرِيبَةَ وَهُوَ الْخَرَاجُ وَقَالَ دَاوُد تَجِبُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ دَلِيلُنَا حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ السَّابِقُ وَأَمَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَسَوَاءٌ كان بينه وبين سيده مهيايأة أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سيده مهايأة وصادف يوم الجمعة نويته لَزِمَتْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْعَبْدِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْكَامِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ(4/485)
لَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهَا وَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا وَلَا تَجِبُ (الثَّالِثَةُ) لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمَرِيضِ سَوَاءٌ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِتَخَلُّفِهِ لِنُقْصَانِ الْعَدَدِ أَمْ لَا لِحَدِيثِ طَارِقٍ وَغَيْرِهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْمَشَقَّةَ وَحَضَرَ كَانَ أَفْضَلَ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَرَضُ الْمُسْقِطُ لِلْجُمُعَةِ هُوَ الَّذِي يَلْحَقُ صَاحِبَهُ بِقَصْدِ الْجُمُعَةِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَلْتَحِقُ بِالْمَرِيضِ فِي هَذَا مَنْ بِهِ اسهال كثير قال فان كان بحيث يَضْبِطُ نَفْسَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهُ الْمَسْجِدَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَهَذَا الْمَرَضُ الْمُسْقِطُ لِلْجُمُعَةِ أَخَفُّ مِنْ الْمَرَضِ الْمُسْقِطِ لِلْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِمَشَقَّةِ الْوَحَلِ وَالْمَطَرِ وَنَحْوِهِمَا (الرَّابِعَةُ) الْأَعْمَى إنْ وَجَدَ قَائِدًا مُتَبَرِّعًا أَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهُوَ وَاجِدُهَا لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي تَلْزَمُهُ إنْ أَحْسَنَ الْمَشْيَ بِالْعَصَا بِلَا قَائِدٍ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَعْمَى الَّذِي يَجِدُ قَائِدًا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الزَّمِنِ إنْ وَجَدَ مَرْكُوبًا مِلْكًا أَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ قَالُوا وَالشَّيْخُ الْهَرِمُ الْعَاجِزُ عن المشي له حكم الزمن
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا تجب علي المقيم في موضع لا يسمع النداء من البلد الذى تقام فيها الجمعة أو القرية التى تقام فيها الجمعة لما روى عبد الله بن عمرو إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الجمعة على من سمع النداء " والاعتبار في سماع النداء ان يقف المؤذن في طرف البلد والاصوات هادئة والريح ساكنة وهو مستمع فإذا سمع لزمه وان لم يسمع لم يلزمه)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَمْرٍو وَاَلَّذِي رَفَعَهُ ثِقَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَهُ شَاهِدٌ فَذَكَرَ حَدِيثًا شَاهِدًا لَهُ وَرَاوِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ(4/486)
عبد الله بن عمرو ابن الْعَاصِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُصَحَّفَ بِابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِي النِّدَاءِ لُغَتَانِ كَسْرُ النُّونِ وَضَمُّهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا من أهل الكمال وجبت الجمعة علي كل فِيهِ وَإِنْ اتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْبَلَدِ فَرَاسِخَ وَسَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَمْ لَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَمَّا الْمُقِيمُونَ فِي غَيْرِ قَرْيَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ بَلَغُوا أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ فَعَلُوهَا فِي قَرْيَتِهِمْ فَقَدْ أَحْسَنُوا وَإِنْ دَخَلُوا الْبَلَدَ وَصَلَّوْهَا مَعَ أَهْلِهِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَانُوا مُسِيئِينَ بِتَعْطِيلِهِمْ الْجُمُعَةَ فِي قَرْيَتِهِمْ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ (1) وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُسِيئِينَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُ الْجُمُعَةَ فِي قَرْيَةٍ فَفِيمَا فَعَلُوهُ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ وَغَلَّطَ الْأَصْحَابُ قَائِلَهُ أَمَّا إذَا نَقَصُوا عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ فَلَهُمْ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ لَا يَبْلُغَهُمْ النِّدَاءُ مِنْ قَرْيَةٍ تُقَامُ فِيهَا جُمُعَةٌ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَرْيَتَانِ أَوْ قُرًى مُتَقَارِبَةٌ يَبْلُغُ بَعْضَهَا النِّدَاءُ مِنْ بَعْضِهَا وَكُلُّ وَاحِدَةٍ يَنْقُصُ أَهْلُهَا عَنْ أَرْبَعِينَ لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي بَعْضِهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُتَوَطِّنِينَ فِي مَحَلِّ الْجُمُعَةِ (الثَّانِي) أَنْ يَبْلُغَهُمْ النِّدَاءُ مِنْ قَرْيَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَيَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ المعتبر نداء رجل علي الصَّوْتِ يَقِفُ عَلَى طَرَفِ الْبَلَدِ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْقَرْيَةَ وَيُؤَذِّنُ وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ وَالرِّيَاحُ سَاكِنَةٌ فَإِذَا سَمِعَ صَوْتَهُ مَنْ وَقَفَ فِي طَرَفِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الَّذِي يَلِي بَلَدَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ أَصْغَى إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي سَمْعِهِ خَلَلٌ وَلَا جَاوَزَ سَمْعُهُ فِي الْجَوْدَةِ عَادَةَ النَّاسِ وَجَبَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ فيها وإلا فلا وفى وجه مشهوران
المعتبران يَقِفَ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْجُمُعَةُ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ الْمُعْتَبَرُ وُقُوفُهُ فِي نَفْسِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ضَعْفِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ سَاقِطٌ لِأَنَّ الْبَلَدَ قَدْ يَتَّسِعُ خُطَّتُهُ بِحَيْثُ إذَا وَقَفَ الْمُنَادِي فِي وَسَطٍ لَا يَسْمَعُهُ الطَّرَفُ فَكَيْفَ يَتَعَدَّى إلَى قَرْيَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُعْتَبَرُ وُقُوفُهُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ أو سور ونحوهما هكذا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ كَطَبَرِسْتَانَ فَإِنَّهَا بَيْنَ غِيَاضٍ وَأَشْجَارٍ تَمْنَعُ الصوت فيعتبر فيها الارتفاع علي شئ يَعْلُو الْغِيَاضَ وَالْأَشْجَارَ وَلَوْ بَلَغَ النِّدَاءُ مَنْ وَقَفَ فِي طَرَفِ الْقَرْيَةِ دُونَ مَنْ وَقَفَ فِي وَسَطِهَا لَزِمَ جَمِيعَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الْجُمُعَةُ صرح به امام الحرمين والمتولي وغيرهما
__________
(1) بياض بالاصل فحرر
*(4/487)
لِأَنَّ الْقَرْيَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فِي حِدَّةِ السَّمَاعِ فَلَا تَعْوِيلَ عَلَى سَمَاعِهِ وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَةً عَلَى قُلَّةِ جَبَلٍ فَسَمِعَ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِعُلُوِّهَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ لَمْ يَسْمَعُوا أَوْ كَانَتْ قَرْيَةً فِي وَادٍ وَنَحْوِهِ لَا يَسْمَعُ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِانْخِفَاضِهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ لَسَمِعُوا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاعْتِبَارُ بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ فَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْعَالِيَةِ وَتَجِبُ عَلَى الْمُنْخَفِضَةِ
(وَالثَّانِي)
عَكْسُهُ اعْتِبَارًا بِنَفْسِ السَّمَاعِ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَمَّا إذَا سَمِعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ النَّاقِصُونَ عَنْ أَرْبَعِينَ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدَيْنِ فَأَيَّهُمَا حَضَرُوهُ جَازَ وَالْأَوْلَى حُضُورُ أَكْثَرِهِمَا جَمَاعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ خَارِجَ الْبَلَدِ وَنَقَصَ عَدَدُهُمْ عَنْ أَرْبَعِينَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ بَلَغَهُ نِدَاءُ الْبَلَدِ دُونَ غَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَمْرِو بْنُ الْعَاصِ وسعيد بن المسيب واحمد واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةُ وَالْحَسَنُ وَنَافِعٌ مولي بن عُمَرَ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ تَجِبُ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ إذَا فَعَلَهَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فَيَبِيتَ فِيهِمْ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ تَجِبُ عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَرَبِيعَةُ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَهْلِ الرَّأْيِ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ خَارِجُ الْبَلَدِ سَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَمْ لَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ " وَاحْتُجَّ لِابْنِ عُمَرَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " الجمعة عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إلَى أَهْلِهِ " دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ (وَأَمَّا حَدِيثُ) " لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ " (فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) انه ضعف جِدًّا
(وَالثَّانِي)
لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مِصْرٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَضَعِيفٌ جِدًّا وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَآخَرُ مَجْهُولٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم شئ
*
* قال المصنف رحمه الله
*(4/488)
(ولا تجب علي خائف علي نفسه أو ماله لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من سمع النداء فلم يجبه فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعُذْرُ قَالَ خَوْفٌ أو مرض " ولا تجب علي من في طريقه الي المسجد مطر تبتل به ثيابه لانه يتأذى بالقصد ولا تجب علي من له مريض يخاف ضياعه لان حق المسلم آكد من فرض الجمعة ولا يجب علي من له قريب أو صهر أو ذوود يخاف موته لما روى " انه استصرخ علي سعيد بن زيد وابن عمر يسعي الي الجمعة فترك الجمعة ومضى إليه " وذلك لما بينهما من القرابة فانه ابن عمه ولانه يلحقه بفوات ذلك من الالم اكثر مما يلحقه من مرض أو اخذ مال)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَحَدِيثُ الِاسْتِصْرَاخِ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ يَعْنِي مَجَازًا فَإِنَّهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بن عمر بْنِ نُفَيْلٍ وَابْنُ عُمَرَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن عمر بن الخطاب ابن نُفَيْلٍ وَقَوْلُهُ اُسْتُصْرِخَ هُوَ مِنْ الصُّرَاخِ وَهُوَ الصَّوْتُ يُقَالُ صَرَخَ يَصْرُخُ - بِضَمِّ الرَّاءِ - فِي المضارع وقوله ذوود هُوَ - بِضَمِّ الْوَاوِ - أَيْ صِدِّيقٌ وَقَوْلُهُ يَخَافُ ضَيَاعَهُ بِفَتْحِ الضَّادِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا
كُلُّ عُذْرٍ سَقَطَتْ بِهِ الْجَمَاعَةُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ سَقَطَتْ بِهِ الْجُمُعَةُ إلَّا الرِّيحَ فِي الليل لعدم تصوره وفي الوجل ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ (الصَّحِيحُ) عَنْهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ عُذْرٌ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ
(وَالثَّانِي)
لَيْسَ بِعُذْرٍ فِيهِمَا (وَالثَّالِثُ) هُوَ عُذْرٌ فِي الْجَمَاعَةِ دُونَ الْجُمُعَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْمَكَارِمِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ قَالَ وَبِهِ أَفْتَى أَئِمَّةُ طَبَرِسْتَانَ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يَوْمِ رَدْغٍ أَيْ طِينٍ وَزَلَقٍ لَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ وَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقَالَ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الْجُمُعَةَ عَزِيمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ تَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ مَطَرٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تَقْدَحُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمَطَرَ كَانَ مَوْجُودًا فَلَمْ يُعَلِّلْ سُقُوطَ الْجُمُعَةِ إلَّا بِالطِّينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ الضَّابِطِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الصُّوَرُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهَا مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاة الْجَمَاعَةِ وَلَوْ قَالَ المصنف(4/489)
عِبَارَةَ الْأَصْحَابِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَخْصَرَ وَأَعَمَّ: أَمَّا التمريض فقال أصحابنا إنْ كَانَ لِلْمَرِيضِ مُتَعَهِّدٌ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ وَحَاجَتِهِ نظر ان ذَا قَرَابَةٍ زَوْجَةً أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ صِهْرًا أَوْ صَدِيقًا وَنَحْوَهُمْ فَإِنْ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ أَوْ غَيْرَ مُشْرِفٍ لَكِنْ يَسْتَأْنِسُ بِهَذَا الشَّخْصِ حَضَرَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْرِفًا وَلَا يَسْتَأْنِسُ بِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا تَسْقُطُ لِأَنَّ الْقَلْبَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَلَا يَتَقَاصَرُ عَنْ عُذْرِ الْمَطَرِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا لَيْسَ لَهُ حَقٌّ بِوَجْهٍ مِنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ لَمْ تَسْقُطْ الْجُمُعَةُ عَنْ الْمُتَخَلِّفِ عِنْدَهُ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لَهُ متعهد فان لم يكن متعهدا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ إنْ خَافَ هَلَاكَهُ إنْ غَابَ عَنْهُ فَهُوَ عُذْرٌ يُسْقِطُ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا قَالُوا لِأَنَّ؟ ؟ ؟ الْمُسْلِمِ مِنْ الْهَلَاكِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُ بِغَيْبَتِهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا يَبْلُغُ دَفْعُهُ مَبْلَغَ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ عُذْرٌ أَيْضًا
(وَالثَّانِي)
لَا (وَالثَّالِثُ) عُذْرٌ فِي الْقَرِيبِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ كَانَ لَهُ مُتَعَهِّدٌ لَا يَتَفَرَّغُ لِخِدْمَتِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِشِرَاءِ الْأَدْوِيَةِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَمَنْ لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ لفوات مقصود المتعهد
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* (ومن لا جمعة عليه لا تجب عليه وان حضر الجامع الا المريض ومن في طريقه مطر لانه انما لم تجب عليهما للمشقة وقد زالت بالحضور)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ نَاقِصٌ يَرِدُ عَلَيْهِ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَجِدُ قَائِدًا وَغَيْرُهُ مِمَّنْ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَضَرَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَالْمُسَافِرُونَ الْجَامِعَ فَلَهُمْ الِانْصِرَافُ وَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَخَرَّجَ ابْنُ الْقَاصِّ وَجْهًا فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَأَمَّا الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَجِدُ قَائِدًا فَإِذَا حَضَرَ لَزِمَتْهُ وَلَا خِلَافَ لِزَوَالِ الْمَشَقَّةِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ بَلْ إذَا حضر لزمته الجمعة وَإِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّتِهَا فَإِنْ لَمْ تَلْحَقْهُ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ بِانْتِظَارِهَا لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَحِقَتْهُ لَمْ تَلْزَمْهُ بَلْ لَهُ الِانْصِرَافُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ(4/490)
وَاسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ لَا يَبْعُدُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَأَلْحَقُوا بِالْمَرَضِ الْأَعْذَارَ الْمُلْحَقَةَ بِهِ وَقَالُوا إذَا حَضَرُوا لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى التَّفْصِيلِ أَيْضًا إنْ لَمْ يَزِدْ ضَرَرُ الْمَعْذُورِ بِالصَّبْرِ إلَى فَرَاغِ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُ وَإِنْ زَادَ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْرَعُوا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُمْ ثُمَّ أَرَادُوا قَطْعَهَا قَالَ فِي الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَفِي جَوَازِهِ لِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَلَمْ يُصَحِّحْ أَحَدَهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا قَطْعُهَا لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ عَنْ فَرْضِهِمَا فَتَعَيَّنَ إتْمَامُهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الْفَرِيضَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ الا احتمالا لامام الحرمين *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ اتَّفَقَ يوم عيد ويوم جمعة فحضر أهل السواد فصلوا العيد جاز ان ينصرفوا ويتركوا الجمعة لما روى عن عثمان رضي الله عنه انه قال في خطبته " ايها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم فمن أراد من اهل العالية ان يصلي معنا الجمعة فليصل ومن اراد ان ينصرف فلينصرف " ولم ينكر عليه احد
ولانهم إذا قعدوا في البلد لم يتهيؤا بالعيد فان خرجوا ثم رجعوا للجمعة كان عليهم في ذلك مشقة والجمعة تسقط بالمشقة ومن اصحابنا من قال تجب عليهم الجمعة لان من لزمته الجمعة في غير يوم العيد وجبت عليه في يوم العيد كأهل البلد والمنصوص في الام هو الاول)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَالْعَالِيَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ قَرْيَةٌ بِالْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ وَأَهْلُ السَّوَادِ هُمْ أَهْلُ الْقُرَى وَالْمُرَادُ هُنَا اهل القرى الذين يبلغهم النداء ويلزمهم حُضُورُ الْجُمُعَةِ فِي الْبَلَدِ فِي غَيْرِ الْعِيدِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى نَظَائِرِهِ وَقَوْلُهُ يَتَهَيَّأُ مَهْمُوزٌ
* اما الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا اتَّفَقَ يَوْمُ جُمُعَةٍ يَوْمَ عِيدٍ وَحَضَرَ أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ لِبُلُوغِ نِدَاءِ الْبَلَدِ فَصَلَّوْا الْعِيدَ لَمْ تَسْقُطْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَفِي أَهْلِ الْقُرَى وَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا تَسْقُطُ
(وَالثَّانِي)
لَا تَسْقُطُ وَدَلِيلُهَا فِي الْكِتَابِ وَأَجَابَ هَذَا الثَّانِي عَنْ قَوْلِ عُثْمَانَ وَنَصِّ الشَّافِعِيّ فَحَمَلَهُمَا عَلَى مَنْ لَا يَبْلُغُهُ النِّدَاءُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا التَّأْوِيلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَنْ لَا يَبْلُغُهُ النِّدَاءُ لَا جُمُعَةَ(4/491)
عَلَيْهِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْعِيدِ فَفِيهِ أَوْلَى فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْقَوْلِ لَهُ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَؤُلَاءِ إذَا حَضَرُوا الْبَلَدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَيْرَ يَوْمِ الْعِيدِ يُكْرَهُ لَهُمْ الْخُرُوجُ قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ صَرَّحَ بِهَذَا كُلِّهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّجْرِيدِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا فَإِذَا كَانَ يَوْمَ عِيدٍ زَالَتْ تِلْكَ الْكَرَاهَةُ فَبَيَّنَ عُثْمَانُ وَالشَّافِعِيُّ زَوَالَهَا وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَهُوَ سُقُوطُهَا عَنْ أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ النِّدَاءُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الجمعة علي اهل البلد وسقوطها عن عن اهل القرى وبه قال عثمان ابن عَفَّانَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ إذَا صَلَّوْا الْعِيدَ لَمْ تَجِبْ بَعْدَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَلَا الظُّهْرِ وَلَا غَيْرِهِمَا إلَّا الْعَصْرَ لَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَلَا أَهْلِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِّينَا نَحْوَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* وَقَالَ أَحْمَدُ تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَنْ أَهْلِ الْقُرَى وَأَهْلِ الْبَلَدِ وَلَكِنْ يَجِبُ الظُّهْرُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَلَا أَهْلِ الْقُرَى
* وَاحْتَجَّ الَّذِينَ أَسْقَطُوا الْجُمُعَةَ عَنْ الْجَمِيعِ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ
وَقَالَ " شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فَصَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلِيُصَلِّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " قَدْ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَخَّرَ أَمْرَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجْتَمِعُونَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْوُجُوبُ وَاحْتَجَّ عَطَاءٌ بِمَا رَوَاهُ هُوَ قَالَ " اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ عِيدٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ صَلَّى " ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ رُحْنَا إلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ له فقال أصحاب السُّنَّةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَتَأَوَّلُوا الْبَاقِيَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى لَكِنْ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ السُّنَّةِ مَرْفُوعٌ وَتَأْوِيلُهُ أضعف
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
* (ومن لا جمعة عليه مخير بين الظهر والجمعة فان صلى الجمعة أجزأه عن الظهر لان الجمعة انما سقطت عنه لعذر فإذا حمل علي نفسه وفعل أجزأه كالمريض إذا حمل علي نفسه فصلى من قيام وان أراد أن يصلي الظهر جاز لانه فرضه غير أن المستحب ان لا يصلي حتى يعلم ان الجمعة قد فاتت لانه(4/492)
ربما زال العذر فيصلي الجمعة فان صلى في أول الوقت ثم زال عذره والوقت باق لم تجب عليه الجمعة وقال ابن الحداد إذا صلي الصبي الظهر ثم بلغ والوقت باق لزمه الجمعة وان صلى غيره من المعذورين لم تلزمه الجمعة لان ما صلي الصبى ليس بفرض وما صلي غيره فرض والمذهب الاول لان الشافعي نص علي أن الصبي إذا صلى في غير يوم الجمعة الظهر ثم بلغ والوقت باق لم تجب عليه اعادة الظهر فكذلك الجمعة فان صلي المعذور الظهر ثم صلى الجمعة سقط الفرض بالظهر وكانت الجمعة نافلة وحكى أبو إسحق المروزى انه قال في القديم يحتسب الله له بأيهما شاء والصحيح هو الاول وان أخر المعذور الصلاة حتى فاتت الجمعة صلي الظهر في الجماعة قال الشافعي واحب إخفاء الجماعة لئلا
يتهموا في الدين قال اصحابنا إنْ كَانَ عُذْرُهُمْ ظَاهِرًا لَمْ يُكْرَهْ إظْهَارُ الجماعة لانهم لا يتهمون مع ظهور العذر)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَعْذُورُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَنْ يُتَوَقَّعُ زَوَالُ عُذْرِهِ وَوُجُوبُ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَنَحْوِهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا الظُّهْرَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهَا إلَى الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ لِاحْتِمَالِ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا وَيَحْصُلُ الْيَأْسُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يُرَاعَى تَصَوُّرُ الْإِدْرَاكِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا فَانْتَهَى الْوَقْتُ الَّذِي بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ حَصَلَ الْفَوَاتُ فِي حَقِّهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَنْ لَا يَرْجُو زَوَالَ عُذْرِهِ كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قطع الماوردى والدارمى والخراسانيون وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ تَعْجِيلُ الظُّهْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ كَالضَّرْبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَنْشَطُونَ لِلْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَلَاةُ الْكَامِلِينَ فَاسْتُحِبَّ كَوْنُهَا الْمُتَقَدِّمَةَ وَلَوْ قِيلَ بِالتَّفْصِيلِ لَكَانَ حَسَنًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا الشَّخْصُ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَإِنْ تَمَكَّنَ اُسْتُحِبَّ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ وَأَنْ لَوْ تَمَكَّنَ أَوْ نَشِطَ حَضَرَهَا اُسْتُحِبَّ التَّأْخِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ويستحب(4/493)
للمعذورين الجماعة في ظهرهم وحكي (1) وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمَشْرُوعَةَ هَذَا الْوَقْتَ الْجُمُعَةُ وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانُوا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ تُسْتَحَبُّ فِي ظُهْرِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ فَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَسْتَحِبُّ لَهُمْ إخْفَاءُ الْجَمَاعَةِ لئلا يتهموا في الدين وينسبون إلى ترك الجماعة تَهَاوُنًا قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ هَذَا إذَا كَانَ عُذْرُهُمْ خَفِيًّا فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَمْ يُسْتَحَبَّ الْإِخْفَاءُ لِأَنَّهُمْ لَا يُتَّهَمُونَ حِينَئِذٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ مُطْلَقًا عَمَلًا بِظَاهِرِ نَصِّهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُفْطَنُ لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ وَقَدْ يُتَّهَمُ صَاحِبُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِعُذْرِهِ(4/494)
لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الظُّهْرِ مَعَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى الْجُمُعَةِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا كَانَ الْعُذْرُ خَفِيًّا
فَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ أُحِبُّ إخْفَاءَ الْجَمَاعَةِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا كَثِيرُونَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُكْرَهُ إخْفَاءُ الْجَمَاعَةِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ عُذْرُهُمْ ظَاهِرًا لَمْ يُكْرَهْ إظْهَارُ الْجَمَاعَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَلَّى الْمَعْذُورُ الظُّهْرَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْجُمُعَةِ أَجْزَأَتْهُ ظُهْرُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا الصَّبِيَّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا ضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا زَالَ إشْكَالُهُ فَيَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَهُوَ الْآنَ مُتَمَكِّنٌ وَهَذَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ صحاب الْأَعْذَارِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ هُوَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُنْثَى أَمَّا إذَا زَالَ الْعُذْرُ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ كَرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ بِالتَّيَمُّمِ وَهَذَا يَقْتَضِي خِلَافًا فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ كَالْخِلَافِ هناك ويقتضى خلافا في استحباب قطعها والاكتفاء فِيهَا وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي بُطْلَانِ هَذِهِ الظُّهْرَ وَجْهَيْنِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ لِاتِّصَالِهَا بِالْمَقْصُودِ وَقِيَاسًا عَلَى الْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا وَجَدَ الرَّقَبَةَ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ وَجَدَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ أَوْ تَمَكَّنَ مَنْ تزويج أَمَةً مِنْ نِكَاحِ حُرَّةٍ وَنَظَائِرِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ تَفْرِيعٌ عَلَى إبْطَالِ ظُهْرِ غَيْرِ الْمَعْذُورِ إذَا قَدَّمَهَا عَلَى الْجُمُعَةِ أَمَّا إذَا لَمْ تَبْطُلْ تِلْكَ فَهَذِهِ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَعْذُورِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الْجَدِيدُ أَنَّ فَرْضَهُ الظُّهْرُ وَتَقَعُ الْجُمُعَةُ نَافِلَةً لَهُ كَمَا تَقَعُ لِلصَّبِيِّ نَافِلَةً
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْقَدِيمُ يَحْتَسِبُ اللَّهَ تَعَالَى بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا وَقَدْ سَبَقَ نَحْوُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ودليل هذه المسائل تفهم مما ذكره المصنف مع ما أشرت إليه
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَعْذُورِينَ كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِمْ فَرْضُهُمْ الظُّهْرُ فَإِنْ صَلَّوْهَا صَحَّتْ وَإِنْ تَرَكُوا الظُّهْرَ وَصَلَّوْا الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْهُمْ بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا (فان(4/495)
قِيلَ) إذَا كَانَ فَرْضُهُمْ الظُّهْرَ أَرْبَعًا فَكَيْفَ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمْ بِرَكْعَتَيْ الْجُمُعَةِ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ الْجُمُعَةَ وَإِنْ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ فَهِيَ أَكْمَلُ مِنْ الظُّهْرِ بِلَا شَكٍّ وَلِهَذَا وَجَبَتْ عَلَى أَهْلِ الْكَمَالِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْ الْمَعْذُورِ
تَخْفِيفًا فَإِذَا تَكَلَّفَهَا فَقَدْ أَحْسَنَ فَأَجْزَأَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَرِيضِ إذَا تَكَلَّفَ الْقِيَامَ وَالْمُتَوَضِّئِ إذَا تَرَكَ مَسْحَ الْخُفِّ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَشِبْهِهِ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ كَحُضُورِهَا لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَشَرَحْنَاهُ هُنَاكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا تُشْتَهَى كُرِهَ حُضُورُهَا وَإِلَّا فلا وهكذا صرح به هنا المتولي وغيره
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وأما من تجب عليه الجمعة ولا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ فانه مخاطب بالسعي إلي الجمعة فان صلي الظهر قبل صلاة الامام ففيه قولان قال في القديم يجزئه لان الفرض هو الظهر لانه لو كان الفرض الجمعة لوجب قضاؤها كسائر الصلوات وقال في الجديد لا تجزئه ويلزمه إعادتها وهو الصحيح لان الفرض هو الجمعة ولو كان الفرض الظهر والجمعة بدل عنه لما أثم بترك الجمعة الي الظهر كما لا يأثم بترك الصوم إلى العتق في الكفارة وقال أبو إسحق ان اتفق اهل بلد علي فعل الظهر أثموا بترك الجمعة إلا أنه يجزيهم لان كل واحد منهم لا تنعقد به الجمعة والصحيح أنه لا يجزئهم لانهم صلوا الظهر وفرض الجمعة متوجه عليهم)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْجُمُعَةِ فَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُهَا (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهَا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ بُطْلَانُهَا قَالَ الْأَصْحَابُ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ الْأَصْلِيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَاذَا فَالْجَدِيدُ يَقُولُ الْجُمُعَةُ وَالْقَدِيمُ الظُّهْرُ وَالْجُمُعَةُ بَدَلٌ وَهَذَا بَاطِلٌ إذْ لَوْ كَانَتْ بَدَلًا لَجَازَ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَصْلِ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ إذَا عَصَى بِفِعْلِ الظُّهْرِ هل يحكم بصحتها قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا تَرَكَ آحَادُ أَهْلِ الْبَلَدِ الْجُمُعَةَ وَصَلَّوْا الظُّهْرَ أَمَّا إذَا تَرَكَهَا جَمِيعُ أَهْلِ الْبَلَدِ وَصَلَّوْا الظُّهْرَ فَيَأْثَمُونَ وَيَصِحُّ ظُهْرُهُمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْكِ الْجَمِيعِ وَالْآحَادِ فَفِي الْجَدِيدِ لَا يَصِحُّ ظُهْرُهُمْ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْهَا وَفَرْضُ الْجُمُعَةِ مُتَوَجَّهٌ عَلَيْهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ(4/496)
عِنْدَ جَمِيعِ الْمُصَنِّفِينَ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَفَرْضُ الْجُمُعَةِ بَاقٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُهَا فَإِنْ حَضَرَهَا وَصَلَّاهَا فَذَاكَ وَإِنْ فَاتَتْهُ لَزِمَهُ قَضَاءُ الظُّهْرِ وَهَلْ تَكُونُ صَلَاتُهُ الْأُولَى بَاطِلَةً أَمْ يَتَبَيَّنُ وُقُوعُهَا نقلا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي نَظَائِرِهَا كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَقَدْ سَبَقَتْ جُمْلَةٌ مِنْ نَظَائِرِهَا فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْخِطَابُ بِالْجُمُعَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَبْقَى الْخِطَابُ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ مَا دَامَتْ مُمْكِنَةً وَإِنَّمَا مَعْنَى صِحَّةِ الظُّهْرِ الِاعْتِدَادُ بِهَا حَتَّى لَوْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ أَجْزَأَتْهُ الظُّهْرُ وَسَوَاءٌ قُلْنَا يَسْقُطُ أَمْ لَا فَإِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ فَفِي الْفَرْضِ مِنْهُمَا طريقان
(أحدهما)
الفرض أحدهما مُبْهَمَةً وَيَحْتَسِبُ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا شَاءَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) الْفَرْضُ الظُّهْرُ (وَالثَّانِي) الْجُمُعَةُ (وَالثَّالِثُ) كِلَاهُمَا وَهُوَ قَوِيٌّ (وَالرَّابِعُ) إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً هَذَا كُلُّهُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ فَلَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ وَقَبْلِ سَلَامِهِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ
(أَحَدُهُمَا)
صِحَّتُهَا قَطْعًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ فَاتَتْ (وَأَصَحُّهُمَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ قَالَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا لَا يَتَحَقَّقُ فَوَاتُهَا إلَّا بِسَلَامِ الْإِمَامِ لِاحْتِمَالِ عَارِضٍ بَعْدَهَا فَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا وَلَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَصَلَّوْا الظُّهْرَ فَالْفَوَاتُ فِي حَقِّهِمْ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ ضِيقِهِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي من لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ فَصَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِهَا
* ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وبه قال الثوري ومالك وزفر واحمد واسحق وَدَاوُد: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَأَبُو ثَوْرٍ يُجْزِئُهُ الظُّهْرُ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ الظُّهْرُ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِالْإِحْرَامِ بِالْجُمُعَةِ وَقَالَ عَلِيٌّ إنَّهُ يَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ مَا لَمْ تَفُتْ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ومن لزمه الجمعة وهو يريد السفر فان كان يخاف فوت السفر جاز له ترك الجمعة لانه ينقطع(4/497)
عن الصحبة فيتضرر وأن لم يخف الفوت لم يجز أن يسافر بعد الزوال لان الفرض قد توجه عليه فلا يجوز
تفويته بالسفر وهل يجوز قبل الزوال فيه قولان
(أحدهما)
يجوز لانه لم تجب فلا يحرم التفويت كبيع المال قبل الحول (والثاني) لا يجوز وهو الاصح لانه وقت لوجوب التسبب بدليل أن من كان داره على بعد لزمه القصد قبل الزوال ووجوب التسبب كوجوب الفعل فإذا لم يجز السفر بعد وجوب الفعل لم يجز بعد وجوب التسبب)
*(4/498)
(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ يبيح تَرْكَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَهُ إلَّا السَّفَرَ فَفِيهِ صُوَرٌ (إحْدَاهَا) إذَا سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ بِكُلِّ حَالٍ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنْ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فِي طَرِيقِهِ بِأَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقِهِ مَوْضِعٌ يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا فِيهِ جَازَ لَهُ السَّفَرُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ أَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِهِ مَوْضِعٌ يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي تَأْخِيرِ السَّفَرِ بِأَنْ تَكُونَ الرِّفْقَةُ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ السَّفَرُ خَارِجِينَ فِي الْحَالِ وَيَتَضَرَّرُ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُمْ جَازَ السَّفَرُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيَّ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالْجَوَازِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يُسَافِرَ بَيْنَ الزَّوَالِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ فَحَيْثُ جَوَّزْنَاهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَحَرْمَلَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي مَحِلِّهِمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى جَرَيَانِهَا فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ الَّذِي طَرَفَاهُ كَالتِّجَارَةِ فَأَمَّا الطَّاعَةُ وَاجِبَةً كَانَتْ أَمْ مُسْتَحَبَّةً فَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي سَفَرِهَا وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِجَوَازِهِ وَخَصُّوا الْقَوْلَيْنِ بِالْمُبَاحِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِي الطَّاعَةِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الْجَوَازُ (وَالثَّانِي) قَوْلَانِ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا السَّفَرَ فَسَافَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّصُ مَا لَمْ تَفُتْ الْجُمُعَةُ ثُمَّ حَيْثُ بَلَغَ وَقْتُ فَوَاتِهَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا
* أَمَّا لَيْلَتُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً الا ما حكاه الْعَبْدَرِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُسَافِرُ بَعْدَ دُخُولِ الْعِشَاءِ مِنْ
يَوْمِ الْخَمِيسِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَأَمَّا السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرِّفْقَةِ وَلَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ فِي طَرِيقِهِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن ابن عمرو وَعَائِشَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَأَمَّا السَّفَرُ بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَجَوَّزَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بحديث ابن(4/499)
رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جدا وليس في المسألة حديث صحيح
*
* قال المصنف رحمه الله
* (واما البيع فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كان بعده وقبل ظهور الامام كره فان ظهر الامام واذن المؤذن حرم لقوله تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فاسعوا الي ذكر الله وذروا البيع) فان تبايع رجلان احدهما من اهل فرض الجمعة والآخر ليس من اهل فرضها اثما جميعا لان احدهما توجه عليه الفرض فاشتغل عنه والآخر شغله عنه ولا يبطل البيع لان النهي لا يختص بالعقد فلم يمنع صحته كالصلاة في ارض مغصوبة)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَبَايَعَ رَجُلَانِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَحْرُمْ بِحَالٍ وَلَمْ يُكْرَهْ (الثَّانِيَةُ) إذَا تَبَايَعَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ ظُهُورِ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَبْلَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَشُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ في الاذان حرم البيع علي المتابعين جميعا سواء كان مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ دُونَ الْآخَرِ حَرُمَ عَلَى صَاحِبِ الْفَرْضِ وَكُرِهَ لِلْآخَرِ وَلَا يَحْرُمُ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ عَلَيْهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْصُلُ التَّحْرِيمُ بِمُجَرَّدِ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْأَذَانِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَإِنْ أَذَّنَ قَبْلَ
جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ كُرِهَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَحْرُمْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ النَّصِّ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا الْبَيْعَ فَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ جَلَسَ لَهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَامَ فِي الْحَالِ قَاصِدًا الْجُمُعَةَ فَتَبَايَعَ فِي طَرِيقِهِ وَهُوَ يَمْشِي وَلَمْ يَقِفْ أَوْ قَعَدَ فِي الْجَامِعِ فَبَاعَ فَلَا يَحْرُمُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ (الثَّالِثَةُ) حَيْثُ حَرَّمْنَا الْبَيْعَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْعُقُودُ والصنائع وَكُلُّ مَا فِيهِ تَشَاغُلٌ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ فِي تَهْذِيبِهِ وَلَا يُزَالُ التَّحْرِيمُ حَتَّى يَفْرَغُوا مِنْ الْجُمُعَةِ(4/500)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا تَبَايَعَا بَيْعًا مُحَرَّمًا بَعْدَ النِّدَاءِ
* مَذْهَبُنَا صِحَّتُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد فِي رواية عنه لا يصح
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا تصح الجمعة إلَّا فِي أَبْنِيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الجمعة من بلد أو قرية لانه لم تقم الْجُمُعَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا في أيام الخلفاء الا في بلد أو قرية ولم ينقل أنها أقيمت في بدو فان خرج أهل البلد إلي خارج البلد فصلوا الجمعة لم يجز لانه ليس بوطن فلم تصح فيه الجمعة كالبدو وإن انهدم البلد فاقام أهله علي عمارته فحضرت الجمعة لزمهم إقامتها لانهم في موضع الاستيطان)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تقام في أبينة مجتمعة يستوطنها شتاءا وصيفا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ سَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ مِنْ أَحْجَارٍ أَوْ أَخْشَابٍ أَوْ طِينٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ سَعَفٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ فِيهِ الْبِلَادُ الْكِبَارُ ذَوَاتُ الْأَسْوَاقِ وَالْقُرَى الصِّغَارُ وَالْأَسْرَابُ الْمُتَّخَذَةُ وَطَنًا فَإِنْ كَانَتْ الْأَبْنِيَةُ مُتَفَرِّقَةً لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ قَرْيَةً وَيُرْجَعُ فِي الِاجْتِمَاعِ وَالتَّفَرُّقِ إلَى الْعُرْفِ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا مُجْتَمِعَةً مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَأَمَّا أَهْلُ الْخِيَامِ فَإِنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَوْضِعِهِمْ شِتَاءً أَوْ صَيْفًا لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانُوا دَائِمِينَ
فِيهَا شِتَاءً وَصَيْفًا وَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَتَصِحُّ مِنْهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ إقَامَتُهَا فِي مَسْجِدٍ وَلَكِنْ تَجُوزُ فِي سَاحَةٍ مَكْشُوفَةٍ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً فِي الْقَرْيَةِ أَوْ الْبَلْدَةِ مَعْدُودَةً مِنْ خُطَّتِهَا فَلَوْ صَلَّوْهَا خَارِجَ الْبَلَدِ لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ سواء كان بقرب البلدة أو بعيدا منه وسواء صَلَّوْهَا فِي كِنٍّ أَمْ سَاحَةٍ وَدَلِيلُهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَلَمْ يُصَلِّ هَكَذَا وَلَوْ انْهَدَمَتْ أَبْنِيَةُ الْقَرْيَةِ أَوْ الْبَلْدَةِ فَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى عِمَارَتِهَا لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانُوا فِي سَقَائِفَ وَمَظَالَّ أَمْ لَا لِأَنَّهُ(4/501)
محل الاستيطان نص عليه الشافعي والاصحاب وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي غير بناء إلا في هذه المسألة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا تصح الجمعة الا باربعين نفسا لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مضت السنة أن في كل ثلاثة اماما وفى كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطرا " ومن شرط العدد أن يكونوا رجالا أحرارا مقيمين في الموضع فاما النساء والعبيد والمسافرون فلا تنعقد بهم الجمعة لانه لا تجب عليهم الجمعة فلا تنعقد بهم كالصبيان وهل تنعقد بمقيمين غير مستوطنين فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ تنعقد بهم لانه تلزمهم الجمعة فانعقدت بهم كالمستوطنين وقال أبو إسحق لا تنعقد لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ إلَى عرفات ومعه أهل مكة وهم في ذلك الموضع مقيمون غير مستوطنين " فلو انعقدت بهم الجمعة لاقامها)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفُوهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونُوا رِجَالًا يَعْنِي بَالِغِينَ عُقَلَاءَ وَاحْتِجَاجُهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ بِعَرَفَاتٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحِلَّ اسْتِيطَانٍ بل هو فضاء لَا يُنَافِيهِ
وَلِأَنَّ الْحَاضِرِينَ هُنَاكَ كُلَّهُمْ لَيْسُوا مقيمون هُنَاكَ وَالْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِالسَّفَرِ الْقَصِيرِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَوْطِنًا وَالِاسْتِيطَانُ شَرْطٌ هَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ أَبَا اسحق صَاحِبَ هَذَا الْوَجْهِ عَلَّلَهُ بِهَذَا
* أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا بالغين عقلاء احرارا مستوطنين للقرية أَوْ الْبَلْدَةَ الَّتِي يُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا سَفَرَ حَاجَةٍ فَإِنْ انْتَقَلُوا عَنْهُ شِتَاءً وَسَكَنُوهُ صَيْفًا أَوْ عَكْسُهُ فَلَيْسُوا مُسْتَوْطِنِينَ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ أَرْبَعِينَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَمَعْنَاهُ أَرْبَعُونَ باالامام فيكونون تسعة وثلاثين اماما وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ قَدِيمًا أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ إمَامٍ وَمَأْمُومَيْنِ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَلَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ فِي التَّلْخِيصِ ثَلَاثَةٌ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ إنَّ هَذَا القول(4/502)
الَّذِي حَكَاهُ غَرِيبٌ أَنْكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَغَلَّطُوهُ فيه قال القفال في شرحه التَّلْخِيصِ هَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ قَطُّ وَلَا أَعْرِفُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنْكَرَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا هَذَا الْقَوْلَ وَقَالُوا لَا يُعْرَفُ هَذَا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ نَقْلَهُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَيْضًا مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالشَّاشِيُّ قَالَ صَاحِبُ الحاوى هو قول ابى على بن أَبِي هُرَيْرَةَ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ قَوْلًا قَدِيمًا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَلْ تَنْعَقِدُ بِمُقِيمِينَ غَيْرِ مُسْتَوْطِنِينَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَنْعَقِدُ اتَّفَقُوا عَلَى تَصْحِيحِهِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَرْعِ الْآتِي بَيَانُ مَحِلِّ الْوَجْهَيْنِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا النَّاسُ فِي الْجُمُعَةِ سِتَّةُ اقسام
(أحدهما)
مَنْ تَلْزَمُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ وَهُوَ الذَّكَرُ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْمُسْتَوْطِنُ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ (الثَّانِي) مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا تَلْزَمُهُ وَهُوَ الْمَرِيضُ وَالْمُمَرِّضُ وَمَنْ فِي طَرِيقِهِ مَطَرٌ وَنَحْوُهُمْ مِنْ الْمَعْذُورِينَ وَلَنَا قَوْلٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْمَرِيضِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (الثَّالِثُ) مَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا تصح منه وهو المجنون والمغمي عليه وكذا الْمُمَيِّزُ وَالْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى (الْخَامِسُ) مَنْ تَلْزَمُهُ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ وَهُوَ الْمُرْتَدُّ (السَّادِسُ) مَنْ تَلْزَمُهُ وَتَصِحُّ
مِنْهُ وَفِي انْعِقَادِهَا بِهِ خِلَافٌ وَهُوَ الْمُقِيمُ غَيْرُ الْمُسْتَوْطِنِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَنْعَقِدُ بِهِ ثُمَّ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ الْوَجْهَيْنِ فِي كُلِّ مُقِيمٍ لَا يَتَرَخَّصُ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ جَارِيَانِ فِي الْمُسَافِرِ الَّذِي نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هُمَا جَارِيَانِ فِيمَنْ نَوَى إقَامَةً يَخْرُجُ بِهَا عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا قَصِيرَةً كَانَتْ أَوْ طَوِيلَةً وَشَذَّ الْبَغَوِيّ فَقَالَ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ طَالَ مَقَامُهُ وَفِي عَزْمِهِ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ كَالْمُتَفَقِّهِ وَالتَّاجِرِ قَالَ فَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَعْنِي وَنَحْوِهَا مِنْ الْإِقَامَةِ الْقَلِيلَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمَشْهُورُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ وَأَمَّا أَهْلُ الْخِيَامِ وَالْقُرَى الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ نِدَاءُ الْبَلَدِ وَيَنْقُصُونَ عَنْ أَرْبَعِينَ فَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُقِيمِينَ فِي بَلَدِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الْمُقِيمِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ وَطَرَدَ الْمُتَوَلِّي فِيهِمْ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَدَدِ الَّذِي يُشْتَرَطُ لِانْعِقَادِ الْجُمُعَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشتراط أربعين وبه قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة واحمد واسحق وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ(4/503)
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ بِاشْتِرَاطِ خَمْسِينَ وَقَالَ رَبِيعَةُ تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَمُحَمَّدٌ تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعَةٍ أَحَدُهُمْ الْإِمَامُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ انْعِقَادَهَا بِثَلَاثَةٍ أَحَدُهُمْ الْإِمَامُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَدَاوُد تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا الْإِمَامُ وَهُوَ مَعْنَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَكْحُولٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُشْتَرَطُ عَدَدٌ مُعِينٌ بَلْ يُشْتَرَطُ جَمَاعَةٌ تُسْكَنُ بِهِمْ قَرْيَةٌ وَيَقَعُ بَيْنَهُمْ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَلَا يَحْصُلُ بِثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَنَحْوِهِمْ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عن الفاسانى انها تنعقد بواحد منفرد والفاساني لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَقَدْ نَقَلُوا الاجماع انه لابد مِنْ عَدَدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاحْتُجَّ لِرَبِيعَةَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ بخطب قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنْ الشَّامِ فَانْفَتَلَ النَّاسُ إلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا " وَاحْتُجَّ لِلْبَاقِينَ بِحَدِيثٍ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ قَرْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا أَرْبَعَةٌ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَ طُرُقَهُ كُلَّهَا وَبِأَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ فَأَشْبَهَ الْأَرْبَعِينَ
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ شَرَطَ خَمْسِينَ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ " فِي الْخَمْسِينَ جُمُعَةٌ وليس فيما دون ذلك " رواه الدارقطني بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعِيفَانِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَبِأَحَادِيثَ بِمَعْنَاهُ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَأَقْرَبُ مَا يُحْتَجُّ به ما احتج به الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي الْمَدِينَةِ سَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ قُلْت كَمْ كُنْتُمْ قَالَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا " حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وغيره وهو صحيح والنقيع هُنَا بِالنُّونِ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْحَازِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالْخَضِمَات - بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ - قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ قَرْيَةٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ عَلَى مِيلٍ مِنْ مَنَازِلِ بَنِي سَلَمَةَ قال أَصْحَابُنَا وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا بِعَدَدٍ ثَبَتَ فِيهِ التَّوْقِيفُ وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهَا بِأَرْبَعِينَ فَلَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَرِيحٍ وَثَبَتَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَلَمْ تَثْبُتْ صَلَاتُهُ لَهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وَأَمَّا حَدِيثُ انْفِضَاضِهِمْ فَلَمْ يبق(4/504)
الا اثنا عشر وليس فيه انه ابتداء الصَّلَاةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَادُوا هُمْ أَوْ غَيْرُهُمْ فَحَضَرُوا أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةَ وَجَاءَ فِي رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ انْفَضُّوا فِي الْخُطْبَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ انْفَضُّوا فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْخُطْبَةِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْخُطْبَةَ لِأَنَّ مُنْتَظِرَ الصَّلَاةِ فِي صلاة وقد جاء في رواية للدار قطني وَالْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُمْ انْفَضُّوا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَرْبَعُونَ رجلا والمشهور في الروايات اثني عَشَرَ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي الْقَرْيَةِ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِي قَرْيَتِهِمْ وَلَزِمَتْهُمْ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سُوقٌ وَنَهْرٌ أَمْ لا وبه قال مالك واحمد واسحق وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا جمعة ولا تشريق إلا في مصر " واحتج أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " إنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ عبد القيس بحواثا
مِنْ الْبَحْرَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فَضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُنْقَطِعٍ
* (فَرْعٌ)
لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ عِنْدَنَا إلَّا فِي أَبْنِيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَلَا تَصِحُّ فِي الصَّحْرَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ إقَامَتُهَا لِأَهْلِ الْمِصْرِ فِي الصَّحْرَاءِ كَالْعِيدِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَفْعَلُوهَا فِي الصَّحْرَاءِ مَعَ تَطَاوُلِ الْأَزْمَانِ وَتَكَرُّرِ فِعْلِهَا بِخِلَافِ الْعِيدِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "
* (فَرْعٌ)
لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ عِنْدَنَا بِالْعَبِيدِ وَلَا الْمُسَافِرِينَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ
* وَقَالَ أبو حنيفة تنعقد
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان أحرم بالعدد ثم انفضوا عنه ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) ان نقص العدد عن أربعين لم تنعقد الجمعة لانه شرط في الجمعة فشرط في جميعها كالوقت
(والثانى)
إن بقى معه اثنان أتم الجمعة لانهم(4/505)
يصيرون ثلاثة وذلك جمع مطلق فأشبه الاربعين (والثالث) إن بقي معه واحد أتم الجمعة لان الاثنين جماعة وخرج المزني قولين آخرين
(أحدهما)
ان بقى وحده جاز ان يتم الجمعة كما قال الشافعي في إمام احرم بالجمعة ثم أحدث انهم يتمون صلاتهم وحدانا ركعتين (والثاني) أنه ان كان صلي ركعة ثم انفضوا اتم الجمعة وان انفضوا قبل الركعة لم يتم الجمعة كما قال في المسبوق إذا ادرك مع الامام ركعة اتم الجمعة وإن لم يدرك ركعة اتم الظهر فمن اصحابنا من اثبت القولين وحكي في المسألة خمسة اقوال ومنهم من لم يثبتهما فقال إذا احدث الامام يبنون على صلاتهم لان الاستخلاف لا يجوز على هذا القول فيبنون على صلاتهم على حكم الجماعة مع الامام وههنا ان الامام لا تتعلق صلاته بصلاة من خلفه واما المسبوق فانه يبنى علي جمعة تمت بشروطها وههنا لم تتم جمعة فيبنى الامام عليها)
* (الشَّرْحُ) الِانْفِضَاضُ التَّفَرُّقُ وَالذَّهَابُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْفِضَّةُ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي
انْفِضَاضِهِمْ عَنْ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَهِيَ الْمَنْصُوصَةُ وَلَمْ يُثْبِتُوا الْمُخَرَّجِينَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ بِإِثْبَاتِ الْمُخَرَّجِينَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلَائِلَهَا (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ تَبْطُلُ الْجُمُعَةُ لِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ فَشُرِطَ فِي جَمِيعِهَا فَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَتَبَاطَأَ الْمُقْتَدُونَ ثُمَّ أَحْرَمُوا فَإِنْ تَأَخَّرَ إحْرَامُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ وَلَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ رُكُوعِهِ قَالَ الْقَفَّالُ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ إحْرَامِهِ وَإِحْرَامِهِمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الشَّرْطُ أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ الْفَصْلُ وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ هَذَا (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) إنْ بَقِيَ اثْنَانِ مَعَ الْإِمَامِ أَتَمَّ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا بَطَلَتْ (وَالثَّالِثُ) إنْ بَقِيَ مَعَهُ وَاحِدٌ لَمْ تبطل وهذه الثلاثة منصوصة ألا ولان فِي الْجَدِيدِ وَالْأَخِيرُ فِي الْقَدِيمِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدِ صِفَةُ الْكَمَالِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْجُمُعَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي (أَصَحُّهُمَا) يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا صَلَاةُ جُمُعَةٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ بَقِيَ مَعَهُ صَبِيَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أو إمرأتان أو مسافران أو صبى وعبد أَوْ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ إذَا اعتبرنا واحدا كفى واتم الجمعة لان هذا القول يكتفى باسم الجميع أَوْ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الظَّاهِرُ الِاشْتِرَاطُ قَالَ وَلِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ احْتِمَالٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَالَ وَهَذَا مُزَيَّفٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ (وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ) الْمُخَرَّجُ لَا تَبْطُلُ وَإِنْ بَقِيَ وَحْدَهُ (وَالْخَامِسُ) إنْ انْفَضُّوا(4/506)
فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ انْفَضُّوا بَعْدَهَا لَمْ تَبْطُلْ الْجُمُعَةُ بَلْ يُتِمُّهَا الْإِمَامُ وَحْدَهُ وَكَذَا مَنْ مَعَهُ إنْ بَقِيَ مَعَهُ أَحَدٌ هَذَا حُكْمُ الِانْفِضَاضِ فِي نَفْسِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْخُطْبَتَيْنِ فَيُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمْ الْآنَ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ حَضَرَ الْعَدَدُ ثُمَّ انْفَضُّوا قَبْلَ افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ لَمْ يَجُزْ افْتِتَاحُهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ وَإِنْ انْفَضُّوا فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِالرُّكْنِ الْمَفْعُولِ فِي غَيْبَتِهِمْ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الِانْفِضَاضِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ فِيهِ الْأَقْوَالَ الْخَمْسَةَ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَسُومِحَ بِنَقْصِ الْعَدَدِ عَلَى قَوْلٍ وَالْخَطِيبُ لَا يَخْطُبُ لِنَفْسِهِ إنَّمَا الْغَرَضُ إسْمَاعُهُمْ فَمَا جَرَى وَلَا مُسْتَمِعَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ الْغَرَضُ فَلَمْ تَصِحَّ ثُمَّ إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ بَنَى عَلَى خُطْبَتِهِ وَإِنْ عَادُوا بَعْدَهُ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ وَيُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِأَنَّ
الْمُوَالَاةَ فِي الْخُطْبَةِ وَاجِبَةٌ أَمْ لَا الْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ
(وَالثَّانِي)
غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَيَبْنِي وَبَنَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلٌ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ أَمْ لَا فَلَا يجب قالوا ولا فرق بين فوات الموالات لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ الْأَوَّلُونَ وَجَاءَ غَيْرُهُمْ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَتَيْنِ قَصُرَ الْفَصْلُ أَمْ طَالَ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا انْفَضُّوا بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ فَإِنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ وَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وفيه قولان مشهوران (أصحهما) وهو الجديد أصحهما الِاشْتِرَاطُ فَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطُ فَعَلَى هَذَا يُصَلِّي بِهَا وَهَلْ تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْخُطْبَةَ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى كَلَامِهِ هَذَا على ثلاثة أوجه حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَالْأَصْحَابُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ أَوْجَبْتُ وَلَكِنَّهُ صُحِّفَ وَمِنْهُمْ مَنْ تأوله وقال اراد باحببت أو جبت قَالُوا وَقَوْلُهُ صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَبِهِ قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ لَكِنْ تُسْتَحَبُّ وَتَجِبُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ أَمَّا وُجُوبُ الْجُمُعَةِ فَلِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْخُطْبَةُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ انْفِضَاضُهُمْ ثَانِيًا فَصَارَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي سقوطها (والثالث) وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ(4/507)
وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ أَيْضًا لَكِنْ يُسْتَحَبَّانِ عَمَلًا بِظَاهِرِ نَصِّهِ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبَيْ الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ قَالَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقَوْلُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَقَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ أَظْهَرُ قَالَ وَقَدْ أَخْطَأَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي تَخْطِئَتِهِ الْمُزَنِيِّ لِأَنَّ الْبُوَيْطِيَّ وَالرَّبِيعَ وَالزَّعْفَرَانِيّ نَقَلُوهُ هَكَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَالُوا قَالَ أَحْبَبْتُ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ أَوْجَبْتُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يُخْطِئْ فِي نَقْلِهِ وَإِنَّمَا أَخْطَأَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي تَأْوِيلِهِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَخَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَغَيْرُهُمْ هَذَا الوجه الثالث ضعيف قالوا وهو اضعف الا وجه وَهُوَ كَمَا قَالُوا لِأَنَّهُ
مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى احْتِمَالِ انْفِضَاضِهِمْ ثَانِيًا فَإِنَّهُ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ نَادِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أُعِيدَتْ الْخُطْبَةُ وَصُلِّيَتْ الْجُمُعَةُ فَلَا إثْمَ عَلَى وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ تُعَدْ وَأَوْجَبْنَا إعَادَتَهَا أَثِمُوا كُلُّهُمْ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْ إعَادَتَهَا أَثِمَ الْمُنْفَضُّونَ دُونَ الْإِمَامِ وَالْبَاقِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ الِاعْتِبَارُ فِي طول الفصل بالعرف فما عد طويل طويلا وَإِلَّا فَقَصِيرٌ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ عَنْ ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ تَفْرِيعًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ هُنَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّوْا الظُّهْرَ وَتَرَكُوا الْجُمُعَةَ جَازَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صَلَّوْا الظُّهْرَ جَازَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ قَوْلِهِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ طَالَ الْفَصْلُ وَالْخَطِيبُ سَاكِتٌ أَوْ مُسْتَمِرٌّ فِي الْخُطْبَةِ ثُمَّ أَعَادَ مَا جَرَى مِنْ أَرْكَانِهَا فِي حَالِ غَيْبَتِهِمْ حِينَ عَادُوا أَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ بِالْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ وَأَحْرَمُوا ثُمَّ حَضَرَ أَرْبَعُونَ آخَرُونَ وَأَحْرَمُوا بِهَا ثُمَّ انْفَضَّ الْأَوَّلُونَ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَا يَضُرُّ بَلْ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ كَانَ اللَّاحِقُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ أَمْ لَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يَمْتَنِعُ عِنْدِي أَنْ يُقَالُ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ أَرْبَعِينَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ أَمَّا إذَا انْفَضُّوا بعد الاحرام ثم حضر أربعون متصلين بِهِمْ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ يَسْتَمِرُّ صِحَّةُ الْجُمُعَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ اللَّاحِقُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ مُنْفَرِدٍ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِأَرْبَعِينَ أَيْ فِي جَمَاعَةٍ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ قال أصحابنا وشروط الجماعة هُنَا كَشُرُوطِهَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَيُشْتَرَطُ هُنَا أُمُورٌ زَائِدَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا وَهُوَ كَوْنُهُمْ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ وَوُقُوعُهَا فِي خُطَّةِ الْبَلَدِ وَفِي الْوَقْتِ وَسَبَقَتْ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ وَمَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ الامام(4/508)
وَالْمَأْمُومِينَ فِي الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ حُضُورُ السُّلْطَانِ وَلَا إذْنُهُ فِيهَا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سبق * قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا تصح الجمعة إلا في وقت الظهر لانهما فرض في وقت واحد فلم يختلف وقتهما كصلاة
الحضر وصلاة السفر وان خطب قبل دخول الوقت لم تصح لان الجمعة ردت إلي ركعتين بالخطبة فإذا لم تجز الصلاة قبل الوقت لم تجز الخطبة فان دخل فيها في وقتها ثم خرج الوقت لم يجز فعل الجمعة لانه لا يجوز ابتداؤها بعد خروج الوقت فلا يجوز اتمامها كالحج ويتم الظهر لانه فرض رد من أربع إلى ركعتين بشرط يختص به فإذا زال الشرط أتم كالمسافر إذا دخل في الصلاة ثم قدم قبل أن يتم وان أحرم بها في الوقت ثم شك هل خرج الوقت أتم الجمعة لان الاصل بقاء الوقت وصحة الفرض ولا تبطل بالشك وان ضاق وقت الصلاة ورأى ان خطب خطبتين خفيفتين وصلى ركعتين لم يذهب الوقت لزمهم الجمعة وان رأي انه لا يمكنه ذلك صلي الظهر)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَسَأَذْكُرُ دَلَائِلَهُ وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى عَلَى صُورَتِهَا جُمُعَةً وَلَكِنَّ مَنْ فَاتَتْهُ لَزِمَتْهُ الظُّهْرُ (الثَّانِيَةُ) يُشْتَرَطُ لِلْخُطْبَةِ كَوْنُهَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَأَذْكُرُهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا (الثَّالِثَةُ) إذَا شَكُّوا فِي خُرُوجِ وَقْتِهَا فَإِنْ كَانُوا لَمْ يَدْخُلُوا فِيهَا لَمْ يَجُزْ الدُّخُولُ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْوَقْتُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْهُ فَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ مَعَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ وَإِنْ دَخَلُوا فِيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ شَكُّوا قَبْلَ السَّلَامِ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَكُتُبُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْجُمْهُورُ يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ العدة وآخرون للشك في شروطها أما إذَا صَلَّوْا الْجُمُعَةَ ثُمَّ شَكُّوا بَعْدَ فَرَاغِهَا هَلْ خَرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَإِنَّهُمْ تُجْزِئهُمْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَفَّالُ وَهَذَا كمن تسحر ثم شك هل كان طَلَعَ الْفَجْرُ أَمْ لَا أَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَالْوُقُوفُ
*(4/509)
(فَرْعٌ)
قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي مَسَائِلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْهِلَالِ لَوْ دَخَلُوا فِي الْجُمُعَةِ فَأَخْبَرَهُمْ عَدْلٌ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُصَلُّوا ظُهْرًا قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُمْ يُتِمُّونَ جُمُعَةً إلَّا أَنْ
يَعْلَمُوا (الرَّابِعَةُ) إذَا شَرَعُوا فِيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ السَّلَامِ مِنْهَا فَاتَتْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي حُكْمِ صَلَاتِهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ يَجِبُ إتْمَامُهَا ظُهْرًا وَيُجْزِئُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ مَشْهُورٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ (الْمَنْصُوصُ) يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ مُخَرَّجٌ لَا يَجُوزُ إتْمَامُهَا ظُهْرًا فَعَلَى هَذَا هَلْ تَبْطُلُ أَوْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ (أَصَحُّهُمَا) تَنْقَلِبُ نَفْلًا وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ يُتِمُّهَا ظُهْرًا أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينَئِذٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الظُّهْرِ كَالْمُسَافِرِ إذَا نَوَى الْقَصْرَ ثُمَّ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِإِقَامَةٍ أَوْ غَيْرَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ تجب نية الظهر وليس بشئ (الْخَامِسَةُ) لَوْ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَقَامَ هُوَ إلَى الثَّانِيَةِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِجُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ وَهِيَ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ إتْمَامُهَا جُمُعَةً بَلْ يُتِمُّهَا ظهرا ويجئ فِي بُطْلَانِهَا وَانْقِلَابِهَا نَفْلًا مَا سَبَقَ وَالْمَذْهَبُ إتْمَامُهَا ظُهْرًا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا (السَّادِسَةُ) لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ وَالثَّانِيَةَ خَارِجُهُ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ لِأَنَّهَا تَمَّتْ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ الْأُولَى خَارِجَ الْوَقْتِ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَزِمَهُمْ قَضَاءُ الظُّهْرِ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَبَعْضُهُمْ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ وَسَلَّمَهَا بَعْضُهُمْ خَارِجَ الْوَقْتِ فَإِنْ بَلَغَ عَدَدُ الْمُسَلَّمِينَ فِي الْوَقْتِ أَرْبَعِينَ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَإِلَّا فَقَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ شَبِيهٌ بِمَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ وَالصَّحِيحُ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا الْمُسَلِّمُونَ خَارِجَ الْوَقْتِ فَصَلَاتُهُمْ بَاطِلَةٌ وَفِيهِمْ وَجْهٌ ضَعِيفٌ إنْ كَانَ الْمُسَلِّمُونَ فِي الْوَقْتِ أَرْبَعِينَ إنَّهُ تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ وَهُوَ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي سَلَامِ الْمَسْبُوقِ بَعْدَ الْوَقْتِ ثُمَّ سَلَامُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ خَارِجَ الْوَقْتِ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِلَّا فَلَهُمْ إتْمَامُهَا ظُهْرًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ (السَّابِعَةُ) إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ خُطْبَتَانِ وَرَكْعَتَانِ يقتصر فيهما علي الوجبات لَزِمَهُمْ ذَلِكَ وَإِلَّا صَلَّوْا الظُّهْرَ نَصَّ عَلَيْهِ في الأم(4/510)
وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَشْرَعُوا فِي الظُّهْرِ فِي الْحَالِ وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ
بِالِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ أَحْمَدُ تَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ وَقَالَ أَصْحَابُهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُفْعَلُ فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدِ وَقَالَ الْخِرَقِيُّ فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزوال الا احمد ونقل الماورى فِي الْحَاوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَقَوْلِ أَحْمَدَ ونقله ابن المنذر عن عطاء واسحق " قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ لَا يَثْبُتُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاوِيَةَ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَذْهَبُ إلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ " رواه مسلم عن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمعة ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفئ " وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " مَا كُنَّا نقيل ولا نتغدى(4/511)
إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عَبْدِ الله بن سيدان قَالَ " شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ انْتَصَفَ النَّهَارُ ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ زَالَ النَّهَارُ وَلَا رَأَيْتُ أَحَدًا عاب ذلك ولا انكره " رواه أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثم نرجع نتتبع الفئ " رواه مسلم وهذا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ قَالَ الشَّافِعِيُّ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ كُلَّ جُمُعَةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهَا كُلَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى شِدَّةِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْجِيلِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ غير إبراد وَلَا غَيْرِهِ
هَذَا مُخْتَصَرُ الْجَوَابِ عَنْ الْجَمِيعِ وحملنا عليه الجمع مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَهَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَتَفْصِيلُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِيهِ إخْبَارٌ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالرَّوَاحَ إلَى جِمَالِهِمْ كَانَا حِينَ الزَّوَالِ لَا أَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَهُ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ حِينَ الزَّوَالِ لَا يَسَعُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ الْمُرَادَ نَفْسُ الزَّوَالِ وَمَا يُدَانِيهِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى بِي الْعَصْرَ حين كان كل شئ مِثْلَ ظِلِّهِ " (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ أَنَّهُ حجة لنا في كونها بعد الزال لانه ليس معناه انه ليس للحيطان شئ من الفى وانما معناه ليس لها في كَثِيرٌ بِحَيْثُ يَسْتَظِلُّ بِهِ الْمَارُّ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يُسْتَظَلُّ بِهِ فَلَمْ يَنْفِ أَصْلَ الظِّلِّ وَإِنَّمَا نَفَى كَثِيرَهُ الَّذِي يُسْتَظَلُّ بِهِ وَأَوْضَحُ مِنْهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى نَتَتَبَّعُ الفئ فهذا فيه صريح بوجود الفئ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ حِيطَانَهُمْ قَصِيرَةٌ وَبِلَادَهُمْ متوسطة من الشمس ولا يظهر هناك الفئ بِحَيْثُ يُسْتَظَلُّ بِهِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَهْلٍ " مَا كُنَّا نَقِيلُ ولا نتغدى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ " (فَمَعْنَاهُ) أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ القيلولة والغداء فِي هَذَا الْيَوْمِ إلَى مَا بَعْدَ صَلَاةِ الجمعة لانهم ندبوا إلى التكبير إليها فلو اشتغلوا بشئ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَهَا خَافُوا فَوْتَهَا أَوْ فَوْتَ التكبير إلَيْهَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " كُنْت أَرَى طُنْفُسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تُطْرَحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ فَإِذَا غَشِيَ الطُّنْفُسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ نَخْرُجُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضُّحَى (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ (فضعيف) باتفاقهم لان أبن سيدان ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُتَأَوَّلًا لِمُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
*(4/512)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهُمْ فِيهَا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا تَفُوتُ الْجُمُعَةُ وَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ وَيَسْتَأْنِفُونَ الظُّهْرَ وَقَالَ عَطَاءٌ يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ كَانَ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَإِنْ كَانَ أقل يتمها ظهرا
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا تصح الجمعة حتى يتقدمها خطبتان لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَلَمْ يُصَلِّ الجمعة إلا بخطبتين وروى ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين يجلس بينهما " ولان السلف قالوا إنما قصرت الجمعة لاجل الخطبة فإذا لم يخطب رجع إلى الاصل ومن شرط الخطبة العدد الذى تنعقد به الجمعة لقوله تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فاسعوا إلي ذكر الله) والذكر الذى يفعل بعد النداء هو الخطبة ولانه ذكر شرط في صحة الجمعة فشرط فيه العدد كتكبيرة الاحرام فان خطب بالعدد ثم انفصوا وعادوا قبل الاحرام فان لم يطل القصل صلى الجمعة لانه ليس بأكثر من الصلاتين المجموعتين ثم الفصل اليسير لا يمنع الجمع فكذلك لا يمنع الجمع بين الخطبة والصلاة وإن طال الفصل قال الشافعي رحمه الله أحببت ان يبتدئ الخطبة ثم يصلى بعدها الجمعة فان لم يفعل صلى الظهر واختلف أصحابنا فيه فقال أبو العباس تجب إعادة الخطبة ثم يصلى الجمعة لان الخطبة مع الصلاة كالصلاتين المجموعتين فكما لا يجوز الفصل الطويل بين الصلاتين لم يجز بين الخطبة والصلاة وما نقله المزني لا يعرف وقال أبو إسحق يستحب أن يعيد الخطبة لانه لا يأمن أن يفضوا مرة أخرى فجعل ذلك عذرا في جواز البناء وأما الصلاة فانها واجبة لانه يقدر علي فعلها فان صلى بهم الظهر جَازَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صَلَّوْا الظُّهْرَ أجزأهم وقال بعض أصحابنا يستحب إعادة الخطبة والصلاة على ظاهر النص لانهم انفضوا عنه مرة فلا يأمن أن ينفضوا عنه ثانيا فصار ذلك عذرا في ترك الجمعة)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَسَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ احْتِرَازٌ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْعَدَدُ وَقَوْلُهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَذَانِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَمَسْأَلَةُ الانفضاض إلى آخرها فسبق شَرْحُهَا وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهَا فِي مَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ فِي الصَّلَاةِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ حَتَّى يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ وَمِنْ شَرْطِهَا الْعَدَدُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ حَيْثُ كَانَتْ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا وَالْعِيدُ بَعْدَهُ لِأَنَّ خُطْبَةَ(4/513)
الْجُمُعَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَشَأْنُ الشَّرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةٌ فَأُخِّرَتْ الصَّلَاةُ لِيُدْرِكَهَا
الْمُتَأَخِّرُ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَمِنْ شَرْطِ الْخُطْبَتَيْنِ كَوْنُهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَوْ خَطَبَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ بَعْضَهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ هَذَا الشَّرْطِ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخُطْبَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ تَقَدُّمَ خُطْبَتَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْعَدَدُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَبِهَذِهِ الْجُمْلَةِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْخُطْبَةُ شَرْطٌ وَلَكِنْ تُجْزِئُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ ولا يشترط العدد لسماعها كالاذان وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَصِحُّ بِلَا خُطْبَةٍ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَثَبَتَتْ صَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم بعد خطبتين
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
* (ومن شرطها القيام مع القدرة والفصل بينهما بجلسة لما روى جابر بن سمرة قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر الله تعالي " ولانه أحد فرضي الجمعة فوجب فيه القيام والقعود كالصلاة)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَكِنْ قَالَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ وَجَابِرٌ وَأَبُوهُ سَمُرَةُ صَحَابِيَّانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْخُطْبَتَيْنِ الْقِيَامُ فِيهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا لِلْعَجْزِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ كَالصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ أَمْ سَكَتَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قُعُودَهُ لِلْعَجْزِ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ دُونَهُ وَإِنْ نَقَصَ لَمْ تصح بلا خلاف ولا تصح صلاته هو عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا فَلَوْ عَلِمُوا قُدْرَتَهُ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ قُدْرَتُهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِعَجْزِهِ اعْتَمَدُوهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ فَإِنْ عَلِمَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ بِقُدْرَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْعَالِمِينَ وَتَصِحُّ
صَلَاةُ الْآخَرِينَ إنْ تَمَّ بِهِمْ الْعَدَدُ وَإِلَّا فَلَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْخُطْبَةَ تَصِحُّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَأَمَّا الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا فَوَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْجُلُوسُ خَفِيفٌ جِدًّا قَدْرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ تَقْرِيبًا(4/514)
وَالْوَاجِبُ مِنْهُ قَدْرُ الطُّمَأْنِينَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قَدْرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا لِلْعَجْزِ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْطَجِعَ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ السَّكْتَةَ وَاجِبَةٌ لِيَحْصُلَ الْفَصْلُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ كَلَامَهُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ صَحَّتَا لِأَنَّهُ تَخَلَّلَهُ سَكَتَاتٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تُسْتَحَبُّ هَذِهِ السَّكْتَةَ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ قَائِمًا كَفَاهُ الْفَصْلُ بسكتة غَيْرِ جُلُوسٍ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْقِيَامِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِهِمَا
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ تَصِحُّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ قَالُوا وَالْقِيَامُ سُنَّةٌ وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَهُمْ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إنَّ الطَّحَاوِيَّ قَالَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ بِاشْتِرَاطِ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ وَكَذَا القيام دليلنا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْطُبُ خطبتين قائما يجلس بينهما " * قال المصنف رحمه الله تعالي
* (وهل يشترط فيها الطهارة فيه قولان قال في القديم تصح من غير طهارة لانه لو افتقر إلى الطهارة لافتقر إلى استقبال القبلة كالصلاة وقال في الجديد لا تصح من غير طهارة لانه ذكر شرط في الجمعة فشرط فيه الطهارة كتكبيرة الاحرام)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا هَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ فِيهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ كُلِّهِ (وَالْقَدِيمُ) لَا يشترط شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْقَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ الْقَوْلَانِ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَإِنْ خَطَبَ جُنُبًا لَمْ تَصِحَّ قَوْلًا
وَاحِدًا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْخُطْبَةِ وَاجِبَةٌ وَلَا تُحْسَبُ قِرَاءَةُ الْجَنْبِ وَصَرَّحَ الْمُتَوَلِّي والرافعي في المحرر يجريان الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ جُنُبًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُونَ ثُمَّ عَلِمُوا بَعْدَ فَرَاغِهَا أَجْزَأَتْهُمْ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْقَوْلَانِ فِيهِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا هُوَ فِي التَّنْبِيهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد لَا تُشْتَرَطُ
* دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْطُبُ(4/515)
مُتَطَهِّرًا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أصلي "
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وفرضها أربعة أشياء (احدها) ان يحمد الله تعالي لِمَا رَوَى جَابِرٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب يوم الجمعة فحمد الله تعالى واثنى عليه ثم يقول علي اثر ذلك وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ كأنه منذر جيش ثم يقول بعثت انا والساعة كهاتين واشار باصبعه الوسطي والتي تلي الابهام ثم يقول ان افضل الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الامور محدثاتها وكل بدعة ضلالة من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا فالى "
(والثانى)
أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كالاذان والصلاة (والثالث) الوصية بتقوى الله تعالي لحديث جابر ولان القصد من الخطبة الموعظة فلا يجوز الاخلال بها (والرابع) أَنْ يَقْرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لِحَدِيثِ جَابِرِ بن سمرة ولانه احد فرضي الجمعة فوجب فيه القراءة كالصلاة ويجب ذكر الله وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم والوصية في الخطبتين وفى قراءة القرآن وجهان (احدهما) يجب فيها لان ما وجب في احداهما وجب(4/516)
فيهما كذكر اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (والثاني) لا تجب الا في احداهما وهو المنصوص لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من آية قرأ في الخطبة ولا يقتضى ذلك أكثر من مرة
ويستحب أن يقرأ سورة ق لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقرأها في الخطبة فان قرأ آية فيها سجدة فنزل وسجد جاز لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ ثم فعله عمر رضى الله عنه بعده فان فعل هذا وطال الفصل ففيه قولان قال في القديم يبنى وقال في الجديد يستأنف وهل يجب الدعاء فيه وجهان (احدهما) يجب رَوَاهُ الْمُزَنِيّ فِي أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسم الخطبة ومن أصحابنا من قال هو مستحب وأما الدعاء للسلطان فلا يستحب لما روى انه سئل عطاء عن ذلك فقال انه محدث وانما كانت(4/517)
الخطبة تذكيرا)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ الْأَوَّلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِكَمَالِهِ وَهُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَقَوْلُهُ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً مِنْ القرآن لحديث جابر ابن سمرة حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْقِيَامِ وَحَدِيثُ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ ق فِي الْخُطْبَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " مَا أَخَذْتُ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يقرأها كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إذَا خَطَبَ النَّاسَ " وَحَدِيثُ نُزُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمِنْبَرِ وَسُجُودِهِ لِلتِّلَاوَةِ فِي الْخُطْبَةِ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ فِي أَبْوَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَقَوْلُهُ وَفَعَلَهُ عُمَرُ هُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ وَقَوْلُهُ وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ ذَلِكَ عو عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَاسْمُ أَبِي رَبَاحٍ أَسْلَمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحميد عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت لِعَطَاءٍ فَذَكَرَهُ وَهُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ إلَّا عَبْدَ الْمَجِيدِ فَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ أبو حاتم الرازي والدارقطني
* أما لُغَاتُ الْفَصْلِ (فَقَوْلُهُ) يَقُولُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ فِيهِ لُغَتَانِ كَسْرُ الْهَمْزَةِ مَعَ إسْكَانِ الثَّاءِ وَفَتْحُهُمَا (قَوْلُهُ) وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ واحمرت وجنتاه هذا كله هَذَا كُلُّهُ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلُغُ فِي الْوَعْظِ وَالْوَجْنَةُ الْخَدُّ وَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ الْوَاوِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا وَالرَّابِعَةُ أُجْنَةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ) كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ مَعْنَاهُ يُنْذِرُ قَوْمَهُ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ جَيْشٍ يَقْصِدُهُمْ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ "
هُوَ بِنَصْبِ السَّاعَةِ وَرَفْعِهَا النَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ مَعَ وَهُوَ مَفْعُولٌ مَعَهُ وَالرَّفْعُ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ وَالْإِبْهَامُ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ ويجوز تذكيرها وسبق بيانها فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ " رُوِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَلَى وَجْهَيْنِ ضَمُّ الْهَاءِ مَعَ فَتْحِ الدَّالِ وَفَتْحُ الْهَاءِ مَعَ إسْكَانِ الدَّالِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَمَنْ فَتَحَ فَمَعْنَاهُ الطَّرِيقَةُ وَالْأَخْلَاقُ وَمَنْ ضَمَّ مَعْنَاهُ الْإِرْشَادُ وَقَدْ بَسَطْتُ شَرْحَ الرِّوَايَتَيْنِ وَسَائِرِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مُوَضَّحَةً فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ) صَلَّى الله عليه(4/518)
وَسَلَّمَ " كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ " هَذَا مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ كُلُّ مَا عُمِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهِيَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ وَمُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ وَقَدْ ذَكَرْت أَمْثِلَتَهَا وَاضِحَةً فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَمِنْ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ تَعَلُّمُ أَدِلَّةِ الْكَلَامِ لِلرَّدِّ عَلَى مُبْتَدِعٍ أَوْ مُلْحِدٍ تَعَرَّضَ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَنْدُوبَاتِ بِنَاءُ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطُ وَتَصْنِيفُ الْعِلْمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالضَّيَاعُ - بِفَتْحِ الضَّادِ - الْعِيَالُ أَيْ مَنْ تَرَكَ عِيَالًا وَأَطْفَالًا يَضِيعُونَ بَعْدَهُ فَلِيَأْتُونِي لِأَقُومَ بِكِفَايَتِهِمْ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي دَيْنَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَخْلُفْ لَهُ وَفَاءً وَكَانَ هَذَا الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحَبًّا وَلَا يَجِبُ الْيَوْمَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَفِي وُجُوبِ قَضَائِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ فِيهِ سَعَةٌ وَلَمْ يَضِقْ عَنْ أَهَمَّ مِنْ هَذَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَسَيَأْتِي كُلُّ هَذَا وَاضِحًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الْخَصَائِصِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ) لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّوْمِ (وَقَوْلُهُ) الرَّسُولِ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَكَذَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ قَالَ الرَّسُولُ بَلْ يُقَالُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ نَبِيُّ اللَّهِ (فَإِنْ قِيلَ) فَفِي الْقُرْآنِ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) (فَالْجَوَابُ) أَنَّ نِدَاءَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْرِيفٌ لَهُ وَتَبْجِيلٌ بِأَيِّ خِطَابٍ كَانَ بِخِلَافِ كَلَامِنَا (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ رَوَاهُ الْمُزَنِيّ فِي أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ مَعْنَاهُ نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْخُطْبَةِ فَجَعَلَهُ وَاجِبًا
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا فُرُوضُ
الْخُطْبَةِ خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَاثْنَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا (أَحَدُهَا) حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَمْدِ وَلَا يَقُومُ مَعْنَاهُ مَقَامَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَأَقَلُّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ (الثَّانِي) الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَا يُوهِمُ أَنَّ لَفْظَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ لَا يَتَعَيَّنَانِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ وَجْهًا مَجْزُومًا بِهِ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُمَا مُتَعَيِّنَانِ (الثَّالِثُ) الْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَلْ يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحِ) الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَيُّ وَعْظٍ كَانَ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الخراسانيين(4/519)
أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَلَفْظِ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ تَعَبَّدَنَا بِهِ فِي مَوَاضِعَ وَأَمَّا لَفْظُ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِالْأَمْرِ بِهِ وَلَا بِتَعَيُّنِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّحْذِيرُ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِالدُّنْيَا وَزَخَارِفِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قد يتواصى به منكروا الشرائع بل لابد مِنْ الْحَثِّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَنْعِ مِنْ الْمَعَاصِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ فِي الْمَوْعِظَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ بَلْ لَوْ قَالَ أَطِيعُوا اللَّهَ كَفَى وَأَبْدَى فِي الِاكْتِفَاءِ بِهِ احْتِمَالًا وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَوَافَقَهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى لَفْظَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ كَافٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ أَوْ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ رَسُولِ اللَّهِ كَفَى وَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلرَّحْمَنِ أَوْ لِلرَّحِيمِ لَمْ يَكْفِ كَمَا لَوْ قَالَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذِهِ الْأَرْكَانُ الثَّلَاثَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْفِي فِي إحْدَاهُمَا وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (الرَّابِعُ) قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ تَجِبُ فِي إحْدَاهُمَا أيتهما شَاءَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمُخْتَصَرِ المزني تجب في الاولي ولا تجزئ فِي الثَّانِيَةِ (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ غَلَطٌ (وَالرَّابِعُ) لَا تَجِبُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَوْلًا وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَجِبُ فِي إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ جَعْلُهَا فِي الْأُولَى وَنَصَّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَقَلَّهَا آيَةٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ كَانَتْ وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا أَوْ حُكْمًا أَوْ قِصَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بشطر آية طويلة كانت وَالْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِاشْتِرَاطِ آيَةٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ (ثُمَّ
نَظَرَ) لَمْ يَكْفِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُودَةً آيَةً بَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مُفْهِمَةً قَالَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْخُطْبَةِ سُورَةَ ق قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا بِكَمَالِهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ وَلِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوَاعِظِ وَالْقَوَاعِدِ وَإِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَدَلَائِلِهِ والترغيب وَالتَّرْهِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَرَأَ سَجْدَةً نَزَلَ وَسَجَدَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ لَمْ يَنْزِلْ بَلْ يَسْجُدُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ السُّجُودُ عَلَيْهِ وكان عاليا وهو بطئ الْحَرَكَةِ بِحَيْثُ لَوْ نَزَلَ لَطَالَ الْفَصْلُ تَرَكَ السُّجُودَ وَلَمْ يَنْزِلْ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ قَرَأَ سَجْدَةً فَنَزَلَ فَسَجَدَ فَلَا بَأْسَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الَّذِي أَسْتَحِبُّهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْخُطْبَةَ وَيَشْتَغِلَ(4/520)
بِالسُّجُودِ لِأَنَّ السُّجُودَ نَفْلٌ فَلَا يُشْتَغَلُ بِهِ عَنْ الْخُطْبَةِ وَهِيَ فَرْضٌ فَلَوْ نَزَلَ فَسَجَدَ وَعَادَ إلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَنَى عَلَى خُطْبَتِهِ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ فَقَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَسَبَقَ ذِكْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ وَاجِبَةٌ لِأَنَّ فَوَاتَهَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْوَعْظِ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَةِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ مُسْتَحَبَّةٌ فَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ الِاسْتِئْنَافُ فَإِنْ بَنَى جَازَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَرَأَ آيَةً فِيهَا مَوْعِظَةٌ وَقَصَدَ إيقَاعَهَا عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى وَعَنْ الْقِرَاءَةِ لَمْ تُحْسَبْ عَنْ الْجِهَتَيْنِ بَلْ تُحْسَبُ قِرَاءَةً وَلَا يُجْزِئُهُ الْإِتْيَانُ بِآيَاتٍ تَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً وَلَوْ أَتَى بِبَعْضِهَا فِي ضِمْنِ آيَةٍ جَازَ (الْخَامِسُ) الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ قَوْلَانِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَمَقْصُودُ الْخُطْبَةِ الْوَعْظُ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَمِمَّنْ نَقَلَهُ عَنْ الْإِمْلَاءِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ وَاجِبٌ وَرُكْنٌ لَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ إلَّا بِهِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْأُمِّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ فرجح جمهور العراقيين اسحبابه وَبِهِ قَطَعَ شَيْخُهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مواضع من تعليقه وادعى الاجماع أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُصَنِّفُ فِي
التَّنْبِيهِ وَقَطَعَ بِهِ قَبْلَهُمْ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَرَجَّحَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وُجُوبَهُ وَقَطَعَ بِهِ شَيْخُهُمْ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَقَطَعَ به الْعِرَاقِيِّينَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ فَمَحِلُّهُ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرَيْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيِّ فَلَوْ دَعَا فِي الْأُولَى لَمْ يُجْزِئْهُ قَالُوا ويكفى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الدُّعَاءِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَرَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ مُتَعَلِّقًا بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَخْصِيصِهِ بِالسَّامِعِينَ بِأَنْ يَقُولَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ وَأَمَّا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ إمَّا مَكْرُوهٌ وَإِمَّا خِلَافُ الْأَوْلَى هَذَا إذا دعا بِعَيْنِهِ فَأَمَّا الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِجُيُوشِ الْإِسْلَامِ فَمُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ بِعَيْنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجَازَفَةً فِي وَصْفِهِ وَنَحْوَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ(4/521)
ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ فَشُرِطَ فِيهِ الْعَرَبِيَّةُ كَالتَّشَهُّدِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَكَانَ يَخْطُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
مُسْتَحَبٌّ وَلَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَعْظُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلِّ اللُّغَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاطِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ جَازَ أَنْ يَخْطُبَ بِلِسَانِهِ مُدَّةَ التَّعَلُّمِ وَكَذَا إنْ تَعَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ التَّكْبِيرَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ مَضَى زَمَنُ التَّعَلُّمِ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَصَوْا بِذَلِكَ وَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَلَا تَنْعَقِدُ لَهُمْ جُمُعَةٌ
* (فَرْعٌ)
التَّرْتِيبُ بَيْنَ أَرْكَان الْخُطْبَةِ مَأْمُورٌ بِهِ وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ هُوَ بِشَرْطٍ فَلَهُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ شَرْطٌ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْحَمْدِ ثُمَّ الصَّلَاةِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ الْقِرَاءَة ثُمَّ الدُّعَاءِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْحَمْدِ ثُمَّ الصَّلَاةِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ
الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَعْظُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرَعٌ)
لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْخَطِيبِ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ أَحْدَثَ وَشَرْطُنَا الطَّهَارَةُ فَهَلْ يَبْنِي عَلَيْهَا غَيْرُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِخْلَافِ فِي الصَّلَاةِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَفَرَّقَ بِأَنَّ فِي الِاسْتِخْلَافِ يَسْتَخْلِفُ مَنْ كَانَ شَارَكَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تُتَصَوَّرُ مُشَارَكَةُ غَيْرِهِ فِي الْخُطْبَةِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ اسْتِخْلَافُ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَالِ تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودٌ هُنَا (فَالْجَوَابُ) بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْخُطْبَةِ أَيْضًا الْوَعْظُ وَلَا يَحْصُلُ بِبِنَاءِ كَلَامِ رَجُلٍ عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ وَالْأَصَحُّ هُنَا مَنْعُ الْبِنَاءِ قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ اُشْتُرِطَ كَوْنُ الثَّانِي مِمَّنْ سَمِعَ الْمَاضِيَ مِنْ الْخُطْبَةِ وَإِلَّا اسْتَأْنَفَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ فِي الْخُطْبَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَرْكَانَهَا عِنْدَنَا خَمْسَةٌ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد الْوَاجِبُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمَالِكِيُّ إنْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ أَجْزَأَهُ
* (فَرْعٌ)
شُرُوطُ الْخُطْبَةِ سَبْعَةٌ وَقْتُ الظُّهْرِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقِيَامُ وَالْقُعُودُ بَيْنَهُمَا وطهارة(4/522)
الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الخطبتين والستر وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَالسَّابِعُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ سِرًّا وَلَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ صَحَّتْ وَهُوَ غَلَطٌ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهَا وَلَوْ خَطَبَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ قَدْرًا يَبْلُغهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا صُمًّا فَلَمْ يَسْمَعُوا كُلُّهُمْ أَوْ سَمِعَ دُونَ أَرْبَعِينَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) لَا تَصِحُّ كَمَا لَوْ بَعُدُوا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ (وَالثَّانِي) تَصِحُّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِصَمَمِهِ يَحْنَثُ وَكَمَا لَوْ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ فَلَمْ يَفْهَمُوهَا فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَى الْإِمَامِ وَيَسْتَمِعُوا
لَهُ وَيُنْصِتُوا وَالِاسْتِمَاعُ هُوَ شغل القلب بالاسماع وَالْإِصْغَاءِ لِلْمُتَكَلِّمِ وَالْإِنْصَاتُ هُوَ السُّكُوتُ وَهَلْ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِتَفْرِيعِهِمَا فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْجَدِيدِ يُسْتَحَبُّ الْإِنْصَاتُ وَلَا يَجِبُ وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ مِنْ الْجَدِيدِ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْأَوَّلُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ طَرِيقًا غَرِيبًا جَازِمًا بِالْوُجُوبِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَفِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ عَلَى الْخَطِيبِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَحْرُمُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَكَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ " وَالْأَوْلَى أَنْ يُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِحَاجَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ الْقَوْمِ وَالْإِمَامِ فِي كَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ فَلَوْ رَأَى أَعَمًى يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ عَقْرَبًا وَنَحْوَهَا تَدِبُّ إلَى إنْسَانٍ غَافِلٍ وَنَحْوِهِ فَأَنْذَرَهُ أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا خَيْرًا أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ لَكِنْ قَالُوا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِشَارَةِ إنْ حَصَلَ بِهَا الْمَقْصُودُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلَامِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ أَمَّا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَبَعْدَ فَرَاغِهَا فَيَجُوزُ الْكَلَامُ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الِاسْتِمَاعِ فَأَمَّا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ بِالْجَوَازِ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ بِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَمَادَى الي الخطبة الثانية ولان الخطبتين كشئ وَاحِدٍ فَصَارَ كَكَلَامٍ فِي أَثْنَائِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِلدَّاخِلِ الْكَلَامَ مَا لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ مَكَانًا وَالْقَوْلَانِ إنَّمَا هما فيما بعده قُعُودِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلدَّاخِلِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ سَوَاءٌ قُلْنَا الْإِنْصَاتُ وَاجِبٌ أَمْ لَا فَإِنْ خَالَفَ وَسَلَّمَ قَالَ(4/523)
أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ حَرُمَتْ إجَابَتُهُ بِاللَّفْظِ وَيُسْتَحَبُّ بِالْإِشَارَةِ كَمَا لَوْ سَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ تَحْرِيمُهُ كَرَدِّ السَّلَامِ (وَالثَّانِي) اسْتِحْبَابُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ بِخِلَافِ الْمُسَلِّمِ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُرَدُّ السَّلَامُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَا يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَلَا يُتْرَكُ لَهَا الْإِنْصَاتُ الْوَاجِبُ وَإِذَا قُلْنَا لَا يُحْرَمُ الْكَلَامُ جَازَ رَدُّ السَّلَامِ
وَالتَّشْمِيتُ بِلَا خِلَافٍ وَيُسْتَحَبُّ التَّشْمِيتُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِهِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ آكَدُ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ وَأَمَّا السَّلَامُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ (وَالثَّالِثُ) يَجِبُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَأَمَّا مَنْ لَا يَسْمَعُهَا لِبُعْدِهِ مِنْ الْإِمَامِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِ الْكَلَامِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُحْرَمُ الْكَلَامُ اُسْتُحِبَّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَإِنْ قُلْنَا يَحْرُمُ حَرُمَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَذْكُرُ إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَيْنَمَةٍ وَتَهْوِيشٍ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا وَهُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ هَلْ يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْإِمَامَ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ أَنَّهُ يَقْرَأُ وَكَذَا هُنَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ الَّذِي يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَذْكُرُ وَإِنْ جَوَّزْنَا لَهُ الْكَلَامَ لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ آكَدُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا الْكَلَامَ فَتَكَلَّمَ أَثِمَ وَلَا تَبْطُلُ جُمُعَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ أَيْ لَا جُمُعَةَ كَامِلَةٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ هَلْ يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى مَنْ عَدَا الْأَرْبَعِينَ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا التَّقْدِيرُ بَعِيدٌ وَمُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ أَمَّا بُعْدُهُ فَلِأَنَّ كَلَامَهُ مَفْرُوضٌ فِي السَّامِعِينَ لِلْخُطْبَةِ وَإِذَا حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ زَائِدُونَ عَلَى أَرْبَعِينَ لَمْ يُمْكِنْ أن يفرل تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَرْبَعِينَ مِنْهُمْ مُعَيَّنِينَ حَتَّى يَحْرُمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ قَطْعًا وَيَكُونَ الْخِلَافُ فِي الْبَاقِينَ بَلْ الْوَجْهُ الْحُكْمُ بِانْعِقَادِهَا بِجَمِيعِهِمْ أَوْ بِأَرْبَعِينَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِنَقْلِ الْأَصْحَابِ فَلِأَنَّك لَا تَجِدُ لِلْأَصْحَابِ إلَّا إطْلَاقَ قَوْلَيْنِ فِي السَّامِعِينَ وَوَجْهَيْنِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ كَمَا سَبَقَ والله اعلم
*(4/524)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَتَحْرِيمِ الْكَلَامِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ
وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وأبو حنيفة واحمد يحرم
* واحتج لهم بقول الله تعالي (وإذا قرى القرآن فاستمعوا له وانصتوا) وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أبى الدارداء قَالَ " دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَرَأَ سُورَةَ بَرَاءَةٍ فقلت لابي ابن كَعْبٍ مَتَى نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي فلما صلينا قلت له سألتك فلم تكلمني فقال مالك مِنْ صَلَاتِكَ إلَّا مَا لَغَوْتَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَدَقَ أَبِي " حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ فَحَرُمَ بَيْنَهُمَا الْكَلَامُ كَالصَّلَاةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَرَّاتٍ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ " دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ يارسول اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ فَأَشَارَ إلَيْهِ النَّاسُ أَنْ اسكت فسأله ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يُشِيرُونَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُتْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْحَكَ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا قَالَ " بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَذَكَرَ حَدِيثَ الِاسْتِسْقَاءِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ هَذَا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْخُطْبَةُ وَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْمُرَادِ وَعَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّغْوِ الْكَلَامُ الْفَارِغُ وَمِنْهُ لَغْو الْيَمِينِ وَعَنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ الْمُرَادَ نَقْصُ جُمُعَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّاكِتِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا تَفْسُدُ بِالْكَلَامِ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وسننها أن يكون علي منبر لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يخطب على المنبر ولانه أبلغ(4/525)
في الاعلام ومن سنها إذا صعد المنبر ثم أقبل علي الناس أن يسلم عليهم لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان إذا صعد المنبر يوم الجمعة واستقبل الناس بوجهه قال السلام عليكم " ولانه استدبر الناس
في صعوده فإذا اقبل عليهم سلم ومن سننها أن يجلس إذا سلم حتى يؤذن المؤذن لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذا خرج يوم الجمعة جلس يعنى علي المنبر حتى يسكت المؤذن ثم قام فخطب " ويقف على الدرجة التي تلى المستراح لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقف على هذه الدرجة ولان ذلك أمكن له ويستحب أن يعتمد علي قوس أو عصى لما روى الحكم بن حزن رضي الله عنه قال " وفدت الي النبي صلي الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئا علي قوس أو عصي فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات " ولان ذلك أمكن له فان لم يكن معه شئ سكن يديه ومن سننها أن يقبل علي الناس ولا يلتفت يمينا ولا شمالا لما روى سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا خطبنا استقبلناه بوجوهنا واستقبلنا بوجهه " ويستحب أن يرفع صوته لحديث جابر " علا صوته واشتد غضبه " ولانه أبلغ في الاعلام قال الشافعي رحمه الله ويكون كلامه مترسلا مبينا معربا من غير لغى ولا تمطيط لان ذلك أحسن وأبلغ ويستحب أن يقصر الخطبة لما روى عن عثمان " أنه خطب وأوجز فقيل له لو كنت تنفست فقال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " قصر خطبة الرجل مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الْخُطْبَةِ ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ " صَحِيحٌ مَشْهُورٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَاتِ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَإِسْنَادُهُمَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ " إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد باسناد ضعيف ويغنى عنه ما ثبت في صحيح البخاري عن السائب ابن يَزِيدَ الصَّحَابِيِّ قَالَ " كَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " فَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْجُلُوسِ حِينَئِذٍ وَبِهِ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقِفُ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ فَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْجُودٌ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُقَابَلَةِ بِأَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ حَزَنٍ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ(4/526)
حَسَنَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ (1) وَأَمَّا حديث عثمان فرواه مسلم في صحيحه
* اما لغات الفصل والفاظه فالمنبر مِنْ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ (وَقَوْلُهُ) تَلِي الْمُسْتَرَاحَ هُوَ أَعْلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي يَقْعُدُ عَلَيْهِ الْخَطِيبُ لِيَسْتَرِيحَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ حَالَ الْأَذَانِ وَالْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَجُنْدُبٌ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا (قَوْلُهُ) يَكُونُ كَلَامُهُ مُتَرَسِّلًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ يَتَمَهَّلُ فِيهِ وَيُبَيِّنُهُ تَبْيِينًا يَفْهَمُهُ سَامِعُوهُ قَالَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ اذْهَبْ عَلَى رِسْلِكَ أَيْ عَلَى هِينَتِكَ غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ وَلَا تُتْعِبْ نَفْسَكَ (قَوْلُهُ) مُعْرِبًا أَيْ فَصِيحًا والبغي باسكان الغين المعجمة قال الازهرى أَنْ يَكُونَ رَفْعُهُ صَوْتِهِ يَحْكِي كَلَامَ الْجَبَابِرَةِ وَالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَفَيْهِقِينَ قَالَ وَالْبَغْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكِبْرُ وَالْبَغْيُ الضَّلَالُ والبغي الفساد قال التَّمْطِيطُ الْإِفْرَاطُ فِي مَدِّ الْحُرُوفِ يُقَالُ مَطَّ كَلَامَهُ إذَا مَدَّهُ فَإِذَا أَفْرَطَ فِيهِ قِيلَ مَطَّطَهُ (قَوْلُهُ) لَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْت يَعْنِي مَدَدْتَهَا وَطَوَّلْتهَا (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَئِنَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ نُونٌ مُشَدَّدَةٌ أَيْ عَلَامَةٌ أَوْ دَلَالَةٌ عَلَى فِقْهِهِ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْخُطْبَةِ عَلَى مِنْبَرٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَلِأَنَّ النَّاسَ إذَا شَاهَدُوا الْخَطِيبَ كَانَ أَبْلَغَ فِي وَعْظِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ أَيْ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ إذَا قَامَ فِي الْمِحْرَابِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهَكَذَا الْعَادَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى يَمِينِ الْمِنْبَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ وَإِلَّا فَإِلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْطُبُ إلى جذع قبل اتخاذ المنبر " قالوا وَيُكْرَهُ الْمِنْبَرُ الْكَبِيرُ جِدًّا الَّذِي يُضَيِّقُ عَلَى الْمُصَلِّينَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ مُتَّسِعًا (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ السَّلَامُ عَلَى النَّاسِ مَرَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ هُنَاكَ وَعَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إذَا انتهى إليه (الثانية) إذا وصل أعلا الْمِنْبَرِ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا سَلَّمَ لَزِمَ السَّامِعِينَ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ الثَّانِي مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ (الثَّالِثَةُ) يُسَنُّ لَهُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَأَقْبَلَ عَلَى
النَّاسِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْلِسَ وَيُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْأَذَانِ قَامَ فَشَرَعَ فِي الْخُطْبَةِ وَيَكُونُ الْمُؤَذِّنُ وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَفِيهِ كَلَامٌ وَتَفْصِيلٌ سَبَقَ فِي بَابِ الْأَذَانِ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَزَلَ عَنْ مَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَرَجَةً وَعُمَرَ دَرَجَةً أُخْرَى وَعُثْمَانَ أُخْرَى وَوَقَفَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى الله
__________
(1) بياض بالاصل فحرر
*(4/527)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْنَا) كُلٌّ مِنْهُمْ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ حَجَّةً عَلَى بَعْضٍ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مُوَافَقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْخَامِسَةُ) يُسَنُّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى قَوْسٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ عَصًا أَوْ نَحْوِهَا لِمَا سَبَقَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ الْيَدَ الَّتِي يَأْخُذُهُ فِيهَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْغَلَ يَدَهُ الْأُخْرَى بِأَنْ يَضَعَهَا عَلَى حَرْفِ الْمِنْبَرِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَيْفًا أَوْ عَصًا وَنَحْوَهُ سَكَّنَ يَدَيْهِ بِأَنْ يَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُرْسِلَهُمَا وَلَا يُحَرِّكَهُمَا وَلَا يَعْبَثَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَالْمَقْصُودُ الْخُشُوعُ وَالْمَنْعُ مِنْ الْعَبَثِ (السَّادِسَةُ) يُسَنُّ أَنْ يُقْبِلَ الْخَطِيبُ عَلَى الْقَوْمِ فِي جَمِيعِ خُطْبَتَيْهِ وَلَا يلتفت في شئ مِنْهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَلَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْخُطَبَاءِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ الِالْتِفَاتِ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا غَيْرِهَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ هَذَا الِالْتِفَاتِ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَ وَجْهِهِ ولا يلتفت في شئ مِنْ خُطْبَتِهِ عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي بَعْضِ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْأَذَانِ وَهَذَا غَرِيبٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ الْإِقْبَالُ بِوُجُوهِهِمْ عَلَى الْخَطِيبِ وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَلِأَنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْأَدَبُ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْوَعْظِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ سَبَبُ اسْتِقْبَالِهِمْ لَهُ وَاسْتِقْبَالِهِ إيَّاهُمْ وَاسْتِدْبَارِهِ الْقِبْلَةَ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ فَلَوْ اسْتَدْبَرَهُمْ كَانَ قَبِيحًا خَارِجًا عَنْ عُرْفِ الْخِطَابِ وَلَوْ وَقَفَ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَإِنْ اسْتَدْبَرُوهُ كَانَ قَبِيحًا وَإِنْ اسْتَقْبَلُوهُ اسْتَدْبَرُوا الْقِبْلَةَ فَاسْتِدْبَارٌ وَاحِدٌ وَاسْتِقْبَالُ الْجَمْعِ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَخَطَبَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُسْتَدْبِرَ النَّاسِ صَحَّتْ خُطْبَتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ خُطْبَتُهُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَطَعَ بِهِ وَأَنَّ لَهُ بَعْضَ
الِاتِّجَاهِ وَطَرَدَ الدَّارِمِيُّ الْوَجْهَ فِيمَا إذَا اسْتَدْبَرُوهُ أَوْ خَالَفُوا هُمْ أَوْ هُوَ الْهَيْئَةَ الْمَشْرُوعَةَ بِغَيْرِ ذَلِكَ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْخُطْبَةِ فَصِيحَةً بَلِيغَةً مُرَتَّبَةً مُبَيَّنَةً مِنْ غَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلَا تَقْعِيرٍ وَلَا تَكُونُ أَلْفَاظًا مبتذلة ملففة فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ فِي النُّفُوسِ مَوْقِعًا كَامِلًا وَلَا تَكُونُ وَحْشِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهَا بَلْ يَخْتَارُ أَلْفَاظًا جَزْلَةً مُفْهِمَةً قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُكْرَهُ الْكَلِمَاتُ الْمُشْتَرَكَةُ وَالْبَعِيدَةُ عَنْ الْأَفْهَامِ وَمَا يَكْرَهُ عُقُولُ الْحَاضِرِينَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ صَحِيحِهِ (التَّاسِعَةُ) يُسْتَحَبُّ تَقْصِيرُ الْخُطْبَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَحَتَّى لَا يَمَلُّوهَا قَالَ أَصْحَابُنَا(4/528)
وَيَكُونُ قِصَرُهَا مُعْتَدِلًا وَلَا يُبَالِغُ بِحَيْثُ يَمْحَقُهَا (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ لَا يَحْضُرَ لِلْجُمُعَةِ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يَشْرَعُ فِيهَا أَوَّلَ وُصُولِهِ الْمِنْبَرَ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا وَصَلَ الْمِنْبَرَ صَعِدَهُ وَلَا يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَتَسْقُطُ هُنَا التَّحِيَّةُ بِسَبَبِ الِاشْتِغَالِ بِالْخُطْبَةِ كَمَا تَسْقُطُ فِي حَقِّ الْحَاجِّ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِسَبَبِ الطَّوَافِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا تُسْتَحَبُّ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّاهَا وَحِكْمَتُهُ مَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ التَّحِيَّةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَى الْخَطِيبِ مُسْتَمِعِينَ وَلَا يَشْتَغِلُوا بِغَيْرِهِ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ لَهُمْ شُرْبُ الْمَاءِ لِلتَّلَذُّذِ ولا بأس يشربه لِلْعَطَشِ لِلْقَوْمِ وَالْخَطِيبِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِي الشُّرْبِ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَنَهَى عَنْهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ تَبْطُلُ الْجُمُعَةُ إذَا شَرِبَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْجَوَازَ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ حُجَّةً لِمَنْ مَنَعَهُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَخْتِمَ خُطْبَتَهُ بِقَوْلِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّزُولِ من المنبر غقب فَرَاغِهِ وَيَأْخُذُ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَيَبْلُغُ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِ الْإِقَامَةِ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) يُكْرَهُ فِي الْخُطْبَةِ أَشْيَاءُ (مِنْهَا) مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ جَهَلَةِ الْخُطَبَاءِ مِنْ الدَّقِّ
بِالسَّيْفِ عَلَى دَرَجِ الْمِنْبَرِ فِي صُعُودِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَبِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ وَمِنْهَا الدُّعَاءُ إذَا انْتَهَى صُعُودُهُ قَبْلَ جُلُوسِهِ وَرُبَّمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ جَهَلَتِهِمْ أَنَّهَا سَاعَةُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَذَلِكَ خَطَأٌ إنَّمَا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ بَعْدَ جُلُوسِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْبَابِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْهَا) الِالْتِفَاتُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَكْرُوهٌ وَمِنْهَا الْمُجَازَفَةُ فِي أَوْصَافِ السَّلَاطِينِ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ وَكَذِبُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ السُّلْطَانُ الْعَالِمُ الْعَادِلُ وَنَحْوِهِ (وَمِنْهَا) مُبَالَغَتُهُمْ فِي الْإِسْرَاعِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ بِهَا (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِذَا حُصِرَ الْإِمَامُ لُقِّنَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَنَصَّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ قَالَ القاضى(4/529)
أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَقَوْلُهُ يُلَقِّنُهُ أَرَادَ إذَا استظعمه التلقين بحيث سكت ولم ينطق بشئ وقوله لا يلقنه أراد ما دام الكلام ويرجوا ان؟ ؟ ؟ عَلَيْهِ فَيُتْرَكُ حَتَّى يَنْفَتِحَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَنْفَتِحْ لُقِّنَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ هَذَا التَّفْصِيلُ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ * قال المصنف رحمه الله
* (والجمعة ركعتان لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " صلاة الاضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد خاب من افترى " ولانه نقل الخلف عن السلف والسنة أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الجمعة وفى الثانية المنافقين لما روى عبد الله بن أبى رافع قال " استخلف مروان ابا هريرة على المدينة فصلي بالناس الجمعة فقرأ بالجمعة والمنافقين فقلت يا أبا هريرة قرأت بسورتين سمعت عليا رضى الله عنه قرأ بهما قال سمعت حبي ابا القاسم صلي الله عليه وسلم يقرأ بهما " والسنة ان يجهر فيهما بالقراءة لانه نقل الخلف عن السلف)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمْ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا تَابِعِيٌّ وَأَبُوهُ
أَبُو رَافِعٍ صَحَابِيٌّ وَهُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهُ أَسْلَمُ وَيُقَالُ ابراهيم ويقال ثابت ويقال هرمز وله وَقَوْلُهُ حِبِّي - بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَيْ مَحْبُوبِي
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ رَكْعَتَانِ وَعَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ الْجَهْرُ فيهما وتسن القراءة فيهما بِالسُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ بِكَمَالِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ(4/530)
يقرأ فِي الْأُولَى سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ وَفِي الثَّانِيَةِ هل اتاك حديث الغاشية وَقَالَ الرَّبِيعُ وَهُوَ رَاوِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدَةِ سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَخْتَارُ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ وَلَوْ قَرَأَ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ كَانَ حَسَنًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في الجمعة بسبح وهل اتاك ايضا والصواب هاتين سنة وهاتين سُنَّةٌ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَاتَيْنِ تَارَةً وَبِهَاتَيْنِ تَارَةً وَالْأَشْهَرُ عَنْ الشافعي والاصحاب الجمعة والمنافقين قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى الْمُنَافِقِينَ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الْجُمُعَةَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَا يُعِيدُ الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى غَيْرَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ السُّورَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الْجَهْرَ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ لَا يَجْهَرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْإِسْرَارُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا يُمْكِنُهُ تَدَارُكُ السُّنَّةِ الْفَائِتَةِ إلَّا بِتَفْوِيتِ السُّنَّةِ الْمَشْرُوعَةِ الْآنَ وَأَمَّا هُنَا فَيُمْكِنُهُ جَمْعُ السُّورَتَيْنِ بِغَيْرِ إخْلَالٍ بِسُنَّةٍ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ الْأَدَبَ لَا يُقَاوِمُ فَضِيلَةَ السُّورَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا مَزِيَّةَ لِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ وَلَا لِغَيْرِهِمَا وَالسُّوَرُ كُلُّهَا سَوَاءٌ فِي هَذَا وَقَالَ مَالِكٌ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْجُمُعَةَ وَالثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ
* (فَرْعٌ)
هَلْ الْجُمُعَةُ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَمْ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَمِمَّنْ نَقَلَهُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ حَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْآخَرِينَ أَنَّهُ وَجْهَانِ وَلَعَلَّهُمَا قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا قَوْلَيْنِ وَوَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا صلاة مستقلة ويستدل له حديث عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِأَنَّ ادِّعَاءَ الْقَصْرِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَعَبَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ فِي الْجُمُعَةِ
وَالظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) كُلُّ وَاحِدَةٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ
(وَالثَّانِي)
الظُّهْرُ أَصْلٌ وَالْجُمُعَةُ بَدَلٌ وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ أَصَحُّهَا أَنَّ الْجُمُعَةَ أَصْلٌ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ وَبَنَى الْأَصْحَابُ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهَا ظُهْرًا مَقْصُورَةً أَمْ مُسْتَقِلَّةً مَسَائِلَ كَثِيرَةً (مِنْهَا) مَا سَأَذْكُرُهُ فِي فَرْعٍ(4/531)
بَعْدَ هَذَا فِي نِيَّةِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لِمُصَلِّي الْجُمُعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْجُمُعَةَ بِمَجْمُوعِ مَا يُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ فَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ إنْ قُلْنَا الْجُمُعَةُ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فلابد مِنْ نِيَّةِ الْجُمُعَةِ فَلَوْ نَوَى ظُهْرًا مَقْصُورَةً لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فَنَوَى ظُهْرًا مَقْصُورَةً فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَصِحُّ جُمُعَتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا
(وَالثَّانِي)
لَا تَصِحُّ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّيَّاتِ التَّمْيِيزُ فَوَجَبَ التَّمْيِيزُ بِمَا يَخُصُّ الْجُمُعَةَ قَالَ وَلَوْ نَوَى الْجُمُعَةَ فَإِنْ قُلْنَا هِيَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ قلنا ظهر مقصورة فَهَلْ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَصْرِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يُشْتَرَطُ بَلْ تَكْفِي نِيَّةُ الْجُمُعَةِ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا ضَعِيفٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْقَصْرِ لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ
* (باب هيئة الجمعة)
* قال المصنف رحمه الله
* (السنة لمن اراد الجمعة ان يغتسل لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ جاء منكم الي الجمعة فليغتسل ووقته ما بين طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةَ فان اغتسل قبل طلوع الفجر لَمْ يُجْزِئْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " فعلقه على اليوم والافضل ان يغتسل عند الرواح لحديث ابن عمر ولانه انما يراد لقطع الروائح فإذا فعله عند الرواح كان أبلغ في المقصود فان ترك الغسل جاز لما روى سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ(4/532)
" مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أفضل " فان كان جنبا فنوى بالغسل الجنابة والجمعة
اجزأه عنهما كما لو اغتسلت المرأة ونوت الجنابة والحيض وان نوى الجنابة ولم ينوى الجمعة اجزأه عن الجنابة وفى الجمعة قولان
(أحدهما)
يجزئه لانه يراد للتنظيف وقد حصل (والثاني) لا يجزئه لانه لم ينوه فأشبه إذا اغتسل من غير نية وإن نوى الجمعة ولم ينو الجنابة لم يجزئه عن الجنابة وفى الجمعة وجهان
(أحدهما)
وهو المذهب أنه يجزئه عنهما لانه نواها
(والثانى)
لا تجزئه لان غسل لجمعة يراد للتنظيف والتنظيف لا يحصل مع بقاء الجنابة)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إلَى الجمعة " معناه من أراد المجئ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ الْمُرَادُ بِالْمُحْتَلِمِ الْبَالِغُ وَبِالْوُجُوبِ وُجُوبُ اخْتِيَارٍ لَا وُجُوبُ الْتِزَامٍ كَقَوْلِ الْإِنْسَانِ لِصَاحِبِهِ حَقُّكَ وَاجِبٌ عَلَيَّ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَعْنَاهُ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ السُّنَّةُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ أَوْ نِعْمَتْ الْفِعْلَةُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ تَاءُ التَّأْنِيثِ لِإِظْهَارِ السُّنَّةِ أَوْ الْخَصْلَةِ أَوْ الْفِعْلَةِ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ مَا سَبَقَ ثُمَّ قَالَ وَسَمِعْتُ الْفَقِيهَ أَبَا حَاتِمٍ الشَّارِكِيَّ يَقُولُ مَعْنَاهُ فَبِالرُّخْصَةِ أَخَذَ لِأَنَّ السُّنَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْغُسْلُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَبِالْفَرِيضَةِ أَخَذَ وَلَعَلَّ الْأَصْمَعِيَّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَبِالسُّنَّةِ أَيْ فِيمَا جَوَّزَتْهُ السَّنَةُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِعْمَتْ - بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ قَالَ الْقَلَعِيُّ وَرُوِيَ نَعِمْتَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ التَّاءِ أَيْ نَعَّمَكَ اللَّهُ وَهَذَا تَصْحِيفٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَسَائِرِ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي فَصْلٍ عَقِيبَ بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ وَنُعِيدُ مِنْهُ هُنَا قِطْعَةً مُخْتَصَرَةً تَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وُجُوبًا يُعْصَى بِتَرْكِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَفِيمَنْ يُسَنُّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ حُضُورَ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْمُسَافِرُ وَالْعَبْدُ وَغَيْرُهُمْ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ النَّظَافَةُ وَهُمْ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَلَا يُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ الْحُضُورَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَلِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ وَلِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من أتى الجمعة(4/533)
مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الثَّانِي) يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَهَا وَلِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَمَنَعَهُ عُذْرٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّهُ شُرِعَ لَهُ الْجُمُعَةُ وَالْغُسْلُ فَعَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ الْآخَرَ (وَالثَّالِثُ) لَا يُسَنُّ إلَّا لِمَنْ لَزِمَهُ حُضُورُهَا حَكَاهُ الشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَالرَّابِعُ يُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ مَنْ حضرها وغيره لانه كيوم العيد وهو مشهور مِمَّنْ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَوَقْتُ جَوَازِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ قَالُوا وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَانْفَرَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِحِكَايَةِ وَجْهٍ أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَغُسْلِ الْعِيدِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيُخَالِفُ الْعِيدَ فَإِنَّهُ يُصَلَّى فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَيَبْقَى أَثَرُ الْغُسْلِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى تَقْدِيمِ غُسْلِ الْعِيدِ لِكَوْنِ صَلَاتِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْفَجْرِ ضاق الوقت وتأخر عن التكبير إلَى الصَّلَاةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهُ إلَى وَقْتِ الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الذَّهَابِ وَلَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَحْدَثَ أَوْ أَجْنَبَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَبْطُلْ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عِنْدَنَا بَلْ يَغْتَسِلُ لِلْجَنَابَةِ وَيَبْقَى غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ وَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِهِ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ لِنَفَادِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ له التيمم ويجوز بِهِ فَضِيلَةَ الْغُسْلِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مَقَامَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ الظَّاهِرُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُرَادَ بِالْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَلَا تَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ ورجح الغزالي هذا الاحتمال وليس بشئ وَلَوْ تَرَكَ الْغُسْلَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَجُمُعَتُهُ صَحِيحَةٌ وَسَنَبْسُطُ دَلَائِلَهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَسْلُ جَنَابَةٍ فَنَوَى الْغُسْلَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ مَعًا فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ غُسْلِهِ لَهُمَا جَمِيعًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي سَهْلٍ
الصُّعْلُوكِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَاسْتَدَلَّ لِلْمَذْهَبِ بِمَا إذَا لَزِمَهَا غُسْلُ حَيْضٍ وَغُسْلُ جَنَابَةٍ فَنَوَتْهُمَا أَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا وَلَوْ نَوَى غسل الجمعة لم تحصل الْجَنَابَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ للخراسانيين أَنَّهَا تَحْصُلُ وَسَبَقَ بيانه في(4/534)
كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ حَصَلَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَفِي صِحَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ حُصُولُهُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ
(وَالثَّانِي)
لَا يَحْصُلُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِذَا اخْتَصَرْتَ قُلْتَ إذَا نَوَى غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) حُصُولُهَا دُونَ الْجَنَابَةِ
(وَالثَّانِي)
حُصُولُهُمَا (وَالثَّالِثُ) مَنْعُهُمَا وَلَوْ نَوَى الْغُسْلَ لِلْجَنَابَةِ حَصَلَ بِلَا خِلَافٍ وَفِي حُصُولِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَكْثَرِينَ لَا يَحْصُلُ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَلَمْ يَنْوِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ حُصُولُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ يَعْصِي بِتَرْكِهِ بَلْ لَهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمَنْدُوبَاتِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ هُوَ فَرْضٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَنْ رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ " غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " وَبِحَدِيثِ " مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلِيَغْتَسِلْ " وَهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ
* وَاحْتَجَّ اصحابنا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ (أَحَدُهُمَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَبِهَا " وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِمَّا سَبَقَ فِي تَفْسِيرِهِ تَحْصُلُ الدَّلَالَةُ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ " وَالْأَصْلُ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى مُشْتَرِكَيْنِ فِي الْفَضْلِ يُرَجَّحُ أَحَدَهُمَا فِيهِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أتي الجمعة فدنى وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ عُثْمَانُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ عُمَرُ فَقَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ فَقَالَ عُثْمَانُ مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ أَنْ
تَوَضَّأْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ فَقَالَ عُمَرُ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا أَلَمْ تَسْمَعُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ دَخَلَ رَجُلٌ وَلَمْ يُسَمِّ عُثْمَانَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ وَهُمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ أَقَرُّوا عُثْمَانَ عَلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَلَمْ يَأْمُرُوهُ بِالرُّجُوعِ لَهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَتْرُكْهُ وَلَمْ يَتْرُكُوا أَمْرَهُ بِالرُّجُوعِ لَهُ قَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَتَحَرَّيَنَّهُ (وَقَوْلُهُ) وَالْوُضُوءَ أَيْضًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ وَتَوَضَّأْتَ الْوُضُوءَ أَيْضًا وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ(4/535)
قَالَتْ " كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ وَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ فيخرج منهم الريح فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو أنكم تطهرتم ليؤمكم هَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " غُسْلُ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَكِنَّهُ أَطْهُرُ وَخَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْغُسْلِ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَائِشَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَالْجَوَابُ) عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ يُجْزِئُ غُسْلٌ وَاحِدٌ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ ومكحول ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وقال احمد ارجوا أَنْ يُجْزِئَهُ وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الصَّحَابِيُّ لِمَنْ اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ أَعِدْ غُسْلًا لِلْجُمُعَةِ وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يُجْزِئُهُ (وَمِنْهَا) لَوْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ قبل الفجر لم يجزئه عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُجْزِئُهُ (وَمِنْهَا) لَوْ اغْتَسَلَ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ والنخعي والثوري واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عِنْدَ الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ وَكُلُّهُمْ يَقُولُونَ لَا يُجْزِئُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ يُجْزِئُهُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ (وَمِنْهَا) لَوْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ ثُمَّ أَجْنَبَ لَمْ يَبْطُلْ غُسْلُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَبْطُلُ وَلَوْ أَحْدَثَ لَمْ يَبْطُلْ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ إعَادَةِ الْغُسْلِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَحَكَى عَنْ طَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ اسْتِحْبَابَهُ (وَمِنْهَا) الْمُسَافِرُ إذَا لَمْ يُرِدْ حُضُورَ
الْجُمُعَةِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ عِنْدَنَا وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ تَرَكَهُ فِي السفر ابن عمر وعلقمة وعطاء وقال وروى عن طلحة بن عبيد الله أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ مِثْلُهُ (وَمِنْهَا) الْمَرْأَةُ إذَا حَضَرَتْ الْجُمُعَةَ اُسْتُحِبَّ لَهَا الْغُسْلُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا تَغْتَسِلُ
* دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ " وعلي مالك اشتراط الذهاب عقب الغسل (قوله) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ " إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَفْظَةُ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَعَلَى أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِزِيَادَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تطيب ولا تزين
*(4/536)
* قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب أن يتنظف بسواك وأخذ الظفر والشعر وقطع الروائح ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه لما روى أبو سعيد وأبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجمعة واستن ومس من طيب ان كان عنده ولبس أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع وانصت إذا خرج الامام كانت كفارة لما بينهما وبين الجمعة التى قبلها " وأفضل الثياب البياض لما روى سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم البسوا ثياب البيض فانها اطهر وأطيب " ويستحب للامام من الزينة أكثر مما يستحب لغيره لانه يقتدى به والافضل أن يعتم ويرتدى ببرد لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذلك)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَهُوَ مِنْ رواية محمد بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ومحمد بن اسحق يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إذَا قَالَ أَخْبَرَنِي أَوْ حَدَّثَنِي أَوْ سَمِعْتُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا قَالَ عَنْ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى تَدْلِيسٍ وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ سَمَاعُهُ وَصَارَ الْحَدِيثُ حَسَنًا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَحَادِيثُ بِمَعْنَى
بَعْضِهِ (مِنْهَا) عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ من سواك وَيَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي النَّدْبِ إلَى إحْسَانِ الثِّيَابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ (وَأَمَّا) إزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ (فَاحْتَجَّ) لَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي بَابِ السِّوَاكِ فِي النَّدْبِ الْعَامِّ إلَيْهِمَا وانهما من خصال الفطرة المندوب(4/537)
إليها (وَأَمَّا) مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَبَاطِلٌ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ الِاعْتِمَامِ فَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا لُبْسُ الْبُرْدِ فَرَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدٌ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَنَّ - بِتَشْدِيدِ النُّونِ - أي تسوك ويقال انصت ونصت وتنصت ثلث لغات ذكرهن الازهرى وغيره افصحهن أَنْصَتَ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَسَبَقَ فِي الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِمَاعِ وسمرة بن جندب ضم الدَّالِ وَفَتْحِهَا (وَقَوْلُهُ) أَفْضَلُ الثِّيَابِ الْبَيَاضُ كَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ الْبِيضُ وَيَصِحُّ الْبَيَاضُ عَلَى تَقْدِيرِ أَفْضَلُ أَلْوَانِ الثِّيَابِ الْبَيَاضُ وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْبَسُوا ثِيَابَ الْبِيضِ أَيْ ثِيَابَ الْأَلْوَانِ البيض والبسوا بفتح الباء
* اما أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ مَعَ الِاغْتِسَالِ لِلْجُمُعَةِ أَنْ يَتَنَظَّفَ بِإِزَالَةِ أَظْفَارٍ وَشَعْرٍ وَمَا يحتاج الي ازالتهما كَوَسَخٍ وَنَحْوِهِ وَأَنْ يَتَطَيَّبَ وَيَدَّهِنَ وَيَتَسَوَّكَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ مِنْ الزِّينَةِ وَغَيْرِهَا وَأَنْ يَتَعَمَّمَ وَيَرْتَدِيَ وَأَفْضَلُ ثِيَابِهِ الْبِيضُ كَغَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ كَرَاهَةَ لِبَاسِهِ السَّوَادَ وَقَالَهُ قَبْلَهُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ وَخَالَفَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ فِي الْحَاوِي
يَجُوزُ لِلْإِمَامِ لُبْسُ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ يَلْبَسُونَ الْبَيَاضَ وَاعْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ قَالَ وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ السَّوَادَ بَنُو العباس في خلاقتهم شِعَارًا لَهُمْ وَلِأَنَّ الرَّايَةَ الَّتِي عُقِدَتْ لِلْعَبَّاسِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَتْ سَوْدَاءَ وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ صَفْرَاءَ قَالَ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَلْبَسَ السَّوَادَ إذَا كَانَ السُّلْطَانُ لَهُ مُؤْثِرًا لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يلبس السواد ويستدل بحديث عمرو ابن حُرَيْثٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْبَسُ الْبَيَاضَ دُونَ السَّوَادِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَرَتُّبُ مَفْسَدَةٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ وَالطِّيبِ وَالتَّنَظُّفِ بِإِزَالَةِ الشُّعُورِ الْمَذْكُورَةِ وَالظُّفْرِ وَالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَلُبْسِ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْجُمُعَةِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ حُضُورَ مَجْمَعٍ مِنْ مَجَامِعِ النَّاسِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَكُلِّ مَجْمَعٍ تَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ قَالَ وَأَنَا لِذَلِكَ فِي الْجُمَعِ وَنَحْوِهَا أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَتُسْتَحَبُّ هَذِهِ الْأُمُورُ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ حُضُورَ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا سَوَاءٌ الرِّجَالُ وَالصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ إلَّا النِّسَاءَ فَيُكْرَهُ لِمَنْ أَرَادَتْ مِنْهُنَّ الْحُضُورَ الطِّيبُ وَالزِّينَةُ وَفَاخِرُ الثِّيَابِ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا قَطْعُ الرائحة الكريهة وازالة الظفر والشعور المكروهة
*(4/538)
* قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب أن يبكر إلي الجمعة لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ومن راح الساعة في الثالثة فكانما قرب كبشا اقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّ السَّاعَاتِ خَمْسٌ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ سِتُّ سَاعَاتٍ قَالَ فِي الْأُولَى بَدَنَةً وَفِي الثَّانِيَةِ
بَقَرَةً وَالثَّالِثَةِ كَبْشًا وَالرَّابِعَةِ بَطَّةً وَالْخَامِسَةِ دَجَاجَةً وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ أَيْضًا فِي الرَّابِعَةِ دَجَاجَةً وفى الخامسة عصفورا وفى السادسة بيضة واسنادا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَانِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ هُمَا شَاذَّانِ لِمُخَالِفَتِهِمَا سَائِرَ الرِّوَايَاتِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ مَعْنَاهُ غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي صِفَاتِهِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ فِيهِ وَلَا يُكْمِلَ آدَابَهُ وَمَنْدُوبَاتِهِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً لَيْسَ بِوَاجِبٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ غَيْرَهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَهُ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ حَقِيقَةً قَالُوا وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أَمَتَهُ لِتَسْكُنَ نَفْسُهُ فِي يَوْمِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ هَذَا مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ عَلَى أَحَدِ الْمَذَاهِبِ فِي تَفْسِيرِهِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ " يَسْتَدِلُّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الرَّوَاحِ عَقِبَهُ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَيَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فِي تجويزه الاغتسال لها قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَيْسَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ الْمُطْلَقِ فِي غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَاحَ أَيْ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَأَمَّا حَقِيقَةُ الرَّوَاحِ وَالْمُرَادُ بِهِ فَسَنَذْكُرُهُ عَقِبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَّبَ بَدَنَةً إلَى آخِرِهِ مَعْنَى قَرَّبَ بَدَنَةً تَصَدَّقَ بِهَا وَالْمُرَادُ بِالْبَدَنَةِ هُنَا الْوَاحِدُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَفِي حَقِيقَةِ الْبَدَنَةِ خِلَافٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ قَالَ الْجُمْهُورُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَدَنِهَا وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يقع عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سُمِّيَتْ بَقَرَةً لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ تَشُقُّهَا بِالْحِرَاثَةِ وَالْبَقْرُ الشَّقُّ(4/539)
وَوَصَفَ الْكَبْشَ بِأَنَّهُ أَقْرَنُ لِأَنَّهُ أَحْسَنُ وَأَكْمَلُ فِي صُورَتِهِ وَالدَّجَاجَةُ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا - يَقَعُ عَلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَيُقَالُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ وَغَيْرُهُمْ بِفَتْحِ الضَّادِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ وَجَمَاعَاتٌ كَسْرَهَا قَالُوا وَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ غَيْرُ الْحَفَظَةِ بَلْ طَائِفَةٌ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَحْضُرُونَ يَسْمَعُونَ الْخُطْبَةَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لَنَا وَلِلْجُمْهُورِ عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ التَّضْحِيَةُ بِالْبَقَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْبَدَنَةِ وَفِي الْهَدْيِ فِي الْحَجِّ قَالَ الْبَدَنَةُ أَفْضَلُ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ الْبَدَنَةُ أَفْضَلُ فِيهِمَا وَدَلِيلُنَا أَنَّ
الْقُرْبَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ الْبَدَنَةِ عَلَى الْبَقَرَةِ فِي الْقُرْبَانِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ وَأَنَّ مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الْفَضِيلَةِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عند الله اتقاكم) وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وتعتبر الساعات من حين طلوع الفجر لانه أول اليوم وبه يتعلق جواز الغسل ومن أصحابنا من قال يعتبر من طلوع الشمس وليس بشئ)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ مِنْهُ السَّاعَاتُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ (وَالثَّانِي) مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَيُنْكَرُ عَلَيْهِ الْجَزْمُ بِهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ السَّاعَاتِ هُنَا لَحَظَاتٌ لَطِيفَةٌ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ
* وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الرَّوَاحَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ السَّاعَاتِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَبِيبٍ الْمَالِكِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَدَلِيلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَكْتُبُونَ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ وَالسَّادِسَةِ كَمَا صَحَّ فِي رِوَايَتَيْ النَّسَائِيّ اللَّتَيْنِ قَدَّمْتُهُمَا فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَلَا يَكْتُبُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَحَدًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لا شئ مِنْ الْهَدْيِ وَالْفَضِيلَةِ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الزَّوَالِ ولا يكتب له شئ أَصْلًا لِأَنَّهُ جَاءَ بَعْدَ طَيِّ الصُّحُفِ وَلِأَنَّ ذِكْرَ السَّاعَاتِ إنَّمَا كَانَ(4/540)
لِلْحَثِّ عَلَى التَّبْكِيرِ إلَيْهَا وَالتَّرْغِيبِ فِي فَضِيلَةِ السَّبْقِ وَتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَانْتِظَارِهَا وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّنَفُّلِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَحْصُلُ بالذهاب بعد الزوال شئ منه ولا فضيلة للمجئ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ النِّدَاءَ يَكُونُ حِينَئِذٍ وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
" يوم الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا آتَاهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ) بِلَفْظِ الرَّوَاحِ (فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا نسلم أنه مختص بما بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَدْ أَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ ذَلِكَ وَغَلَّطَ قَائِلَهُ فَقَالَ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ مَعْنَى رَاحَ مَضَى إلَى الْمَسْجِدِ قَالَ وَيَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا في آخر النهار وليس ذلك بشئ لِأَنَّ الرَّوَاحَ وَالْغُدُوَّ عِنْدَ الْعَرَبِ مُسْتَعْمَلَانِ فِي السَّيْرِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ يُقَالُ رَاحَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ وَتَرَوَّحَ وَغَدَا بِمَعْنَاهُ هَذَا لَفْظُ الْأَزْهَرِيِّ وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ حَقِيقَةَ الرَّوَاحِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَجَبَ حَمْلُهُ هُنَا عَلَى مَا قَبْلَهُ مَجَازًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَى رَاحَ قَصَدَ الْجُمُعَةَ وَتَوَجَّهَ إلَيْهَا مُبَكِّرًا قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ هَكَذَا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ الزَّوَالِ خَمْسُ سَاعَاتٍ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ قَالَ وَهَذَا شَائِعٌ فِي الْكَلَامِ تَقُولُ رَاحَ فُلَانٌ بِمَعْنَى قَصَدَ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةُ الرَّوَاحِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ جَاءَ فِي أول ساعة من هذه الساعة وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرِهَا مُشْتَرِكَانِ فِي تَحْصِيلِ أَصْلِ الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ مَنْ جَاءَ فِي آخِرِ السَّاعَةِ وَبَدَنَةُ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ وَهَذَا كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعَلَى أُلُوفٍ فَمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ هُمْ عَشْرَةُ آلَافٍ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ سبعة وعشرون درجة لكن دَرَجَاتِ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ وَأَشْبَاهُ هَذَا كَثِيرَةٌ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ بِالسَّاعَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ(4/541)
بَلْ تَرْتِيبُ الدَّرَجَاتِ وَفَضْلُ السَّابِقِ عَلَى الَّذِي يَلِيه لِئَلَّا يَسْتَوِيَ فِي الْفَضِيلَةِ رَجُلَانِ جَاءَا في طرفي ساعة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب ان يمشى إليها وعليه السكينة لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوهما وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون فما أدركتم فصلوا
وما فاتكم فاقضوا ")
* (الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم سبق شَرْحُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى الْجُمُعَةِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَوَاتِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَسْرَعَ حِينَ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ واسحق
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ (وَأَمَّا) قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلي ذكر الله) (فمعناه) إذهبوا أو امضوا لِأَنَّ السَّعْيَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّهَابِ وَعَلَى الْعَدْوِ فبينت السنة المراد به
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب أن لا يركب من غير عذر لما روى أوس بن اوس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الامام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر عمل سنة صيامها وقيامها ")
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ(4/542)
بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ورواية أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ أَوْسُ بْنُ أَبِي أَوْسٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَرُوِيَ غَسَلَ بِتَخْفِيفِ السِّينِ وَغَسَّلَ بِتَشْدِيدِهَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ بِالتَّخْفِيفِ فَعَلَى رِوَايَةِ التَّشْدِيدِ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) غَسَّلَ زَوْجَتَهُ بِأَنْ جَامَعَهَا فَأَلْجَأَهَا إلَى الْغُسْلِ وَاغْتَسَلَ هُوَ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِيَأْمَنَ أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ مَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ غَسَّلَ أَعْضَاءَهُ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ (وَالثَّالِثُ) غَسَّلَ ثِيَابَهُ وَرَأْسَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ وَعَلَى رِوَايَةِ التَّخْفِيفِ فِي مَعْنَاهُ هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ (أَحَدُهَا) الْجِمَاعُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ وَيُقَالُ غَسَلَ امْرَأَتَهُ إذَا جَامَعَهَا
(وَالثَّانِي)
غَسَلَ رَأْسَهُ وَثِيَابَهُ (وَالثَّالِثُ) تَوَضَّأَ وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَسَّلَ بِالْعَيْنِ
الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ أَيْ جَامَعَ شَبَّهَ لَذَّةَ الْجِمَاعِ بِالْعَسَلِ وَهَذَا غَلَطٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيفٌ وَالْمُخْتَارُ مَا اخْتَارَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ غَسَلَ رَأْسَهُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةٌ لِأَبِي دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ مَكْحُولٍ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الرَّأْسَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِيهِ الدُّهْنَ وَالْخِطْمِيَّ وَنَحْوَهُمَا وَكَانُوا يَغْسِلُونَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ (فَقَالَ) الْأَزْهَرِيُّ يَجُوزُ فِيهِ بَكَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ فَمَنْ خَفَّفَ فَمَعْنَاهُ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بَاكِرًا وَمَنْ شَدَّدَ مَعْنَاهُ أَتَى الصَّلَاةَ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَبَادَرَ إليها وكل من أسرع إلى شئ فَقَدْ بَكَّرَ إلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَيْ صَلُّوهَا لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَيُقَالُ لِأَوَّلِ الثِّمَارِ بَاكُورَةٌ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي أَوَّلِ وَقْتٍ قال ومعنى ابْتَكَرَ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ كَمَا يُقَالُ ابْتَكَرَ بِكْرًا إذَا نَكَحَهَا لِأَوَّلِ إدْرَاكِهَا هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ وَالْمَشْهُورُ بَكَّرَ بِالتَّشْدِيدِ وَمَعْنَاهُ بَكَّرَ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ إلَى الْجَامِعِ وَابْتَكَرَ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْأَثْرَمِ صَاحِبِ أَحْمَدَ قَالَ وَدَلِيلُهُ تَمَامُ الْحَدِيثِ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ومعناهما واحد قال الخطابي وقال بَعْضُهُمْ بَكَّرَ أَدْرَكَ بَاكُورَةَ الْخُطْبَةِ أَيْ أَوَّلَهَا وَابْتَكَرَ قَدِمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ بَكَّرَ تَصَدَّقَ قَبْلَ خُرُوجِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ وَقِيلَ بَكَّرَ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَابْتَكَرَ فَعَلَ فِعْلَ الْمُبْتَكِرِينَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الطَّاعَةِ وَقِيلَ مَعْنَى ابْتَكَرَ فَعَلَ فِعْلَ الْمُبْتَكِرِينَ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ (فَقَدْ) قَدَّمْنَا عَنْ حِكَايَةِ(4/543)
الْخَطَّابِيِّ عَنْ الْأَثْرَمِ أَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ وَأَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ شَيْئَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
نَفْيُ تَوَهُّمِ حَمْلِ الْمَشْيِ عَلَى الْمُضِيِّ وَالذَّهَابِ وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا (وَالثَّانِي) نَفْيُ الرُّكُوبِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَشَى لَاحْتَمَلَ أَنَّ الْمُرَادَ وجود شئ مِنْ الْمَشْيِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَنَفَى ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ وَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مَشَى جَمِيعَ الطريق ولم يركب في شئ مِنْهَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَمَعَ (فَهُمَا) شَيْئَانِ
مُخْتَلِفَانِ وَقَدْ يَسْتَمِعُ وَلَا يدنوا من الخطبة وقد يدنوا وَلَا يَسْتَمِعُ فَنَدَبَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلْغُ مَعْنَاهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لِأَنَّ الْكَلَامَ حَالَ الْخُطْبَةِ لَغْوٌ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ اسْتَمَعَ الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِهَا
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِقَاصِدِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَمْشِيَ وأن لا يركب في شئ مِنْ طَرِيقِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يشبك بين أصابعه لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّ أَحَدَكُمْ في صلاة ما كان يعمد الي الصلاة ")
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ بَعْضُ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ السَّابِقِ إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وأنتم تسعون قال الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ يَذْهَبُ فِي آخِرِ تَعَمُّدِهِ إلَى الصَّلَاةِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا دَامَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَلَهُ أَجْرٌ وَثَوَابٌ بِسَبَبِ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّبَ بِآدَابِ الْمُصَلِّينَ فَيَتْرُكَ العبث والكلام الردئ فِي طَرِيقِهِ وَالنَّظَرَ الْمَذْمُومَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكُهُ الْمُصَلِّي
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ وغيرهم علي كراهة تشبك الْأَصَابِعِ فِي طَرِيقِهِ إلَى الْمَسْجِدِ وَفِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ مَا دَامَ قَاصِدًا الصَّلَاةَ أَوْ مُنْتَظِرَهَا وَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ يَدَهُ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ قال الخطابى في شرح هذا الحديث التشبك يفعله(4/544)
بَعْضُ النَّاسِ عَبَثًا وَبَعْضُهُمْ لِتُفَرْقِعَ أَصَابِعُهُ وَرُبَّمَا قَعَدَ الْإِنْسَانُ فَاحْتَبَى بِيَدَيْهِ وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ وَرُبَّمَا جَلَبَ النَّوْمَ فَيَكُونُ سَبَبًا لِنَقْضِ الْوُضُوءِ فَنُهِيَ قَاصِدُ الصَّلَاةِ عَنْهُ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَلِيقُ بِالْمُصَلِّي وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ عَنْ رَكْعَتَيْنِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَشَبَّكَ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ النَّهْيَ وَالْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ الْمُصَلِّي وَقَاصِدِ الصَّلَاةِ وَتَشْبِيكُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَقِيَامِهِ إلَى نَاحِيَةٍ
الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب أن يدنو من الامام لحديث أوس ولا يتخطى رقاب الناس لحديث أبى سعيد وأبى هريرة قال الشافعي إذا لم يكن للامام طريق لم يكره أن يتخطى رقاب الناس وإن دخل رجل وليس له موضع وبين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بأن يتخطى رجلا أو رجلين لم يكره له لانه يسير فان كان بين يديه خلق كثير فان رجا إذا قاموا إلى الصلاة أن يتقدموا جلس حتى يقوموا وان لم يرج أن يتقدموا جاز أن يتخطي ليصل إلى الفرجة ولا يجوز أن يقيم رجلا من موضعه ويجلس لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن يقول تفسحوا أو توسعوا " فان قام رجل وأجلسه مكانه باختياره جاز له أن يجلس وأما صاحب الموضع فانه ان كان الموضع الذى ينتقل إليه دون الموضع الذى كان فيه في القرب من الامام كره له ذلك لانه آثر غيره في القربة وان فرش لرجل ثوب فجاء آخر لم يجلس عليه فان أراد أن ينحيه ويجلس مكانه جاز وان قام رجل من موضعه لحاجة فجلس رجل مكانه ثم عاد فالمستحب أن يرد الموضع إليه لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به " قال الشافعي وأحب إذا نعس ووجد مجلسا لا يتخطى فيه غيره تحول اله لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي مجلسه يوم الجمعة فليتحول إلى غيره ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي " إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ مُحَمَّدِ بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(4/545)
وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَنْكَرَ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ وَقَالَ رُوِيَ مَرْفُوعًا وموقوفا الموقوف أَصَحُّ هَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَرَوَاهُ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ رَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَاقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى رِوَايَتِهِ مَوْقُوفًا بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا تَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ فَغَيْرُ مقبول لان مداره علي محمد بن اسحق وَهُمَا إنَّمَا رَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَتِهِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ مَعْرُوفٌ بِذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ عَنْ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ والحكم مُتَسَاهِلٌ فِي التَّصْحِيحِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ وَالتِّرْمِذِيُّ ذَهَلَ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِتَصْحِيحِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ صَحَّحَهُ وَلَكِنَّ تَصْحِيحَهُ مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَلَعَلَّ النُّسَخَ اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كما نختلف فِي غَيْرِهِ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ غَالِبًا (وَقَوْلُهُ) يَتَخَطَّى غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَالْفُرْجَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَيُقَالُ أَيْضًا فَرْجٌ ومنه قوله تعالي (ومالها مِنْ فُرُوجٍ) جَمْعُ فَرْجٍ وَهُوَ الْخُلُوُّ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَقَوْلُهُ نَعَسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ - يَنْعَسُ - بِضَمِّهَا
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا يُسْتَحَبُّ) الدُّنُوُّ مِنْ الْإِمَامِ بِالْإِجْمَاعِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ التَّقَدُّمِ فِي الصُّفُوفِ وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ مُحَقِّقًا: الثَّانِيَةُ يُنْهَى الدَّاخِلُ إلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ عَنْ تَخَطِّي رِقَابَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا حَرَامٌ فَإِنْ كَانَ إمَامًا وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إلَى الْمِنْبَرِ وَالْمِحْرَابِ إلَّا بِالتَّخَطِّي لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ إمَامٍ وَرَأَى فُرْجَةً قُدَّامَهُمْ لَا يَصِلُهَا إلَّا بِالتَّخَطِّي قَالَ الْأَصْحَابُ لَمْ يُكْرَهْ التَّخَطِّي لان الجالسين وراءها مفرطين بِتَرْكِهَا وَسَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهَا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبَةً أَمْ بَعِيدَةً لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُهَا أَنْ لَا يَتَخَطَّى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعٌ وَكَانَتْ قَرِيبَةً بِحَيْثُ لَا يَتَخَطَّى أَكْثَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا دَخَلَهَا وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً وَرَجَا أَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إلَيْهَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْعُدَ مَوْضِعَهُ وَلَا يَتَخَطَّى وَإِلَّا فَلْيَتَخَطَّ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّخَطِّي
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُدَّامَهُمْ فُرْجَةٌ لَا يَصِلُهَا إلَّا بِالتَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ كَرَاهَتَهُ مُطْلَقًا عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتَهُ(4/546)
إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا بَأْسَ بِهِ قَبْلَهُ وَقَالَ قَتَادَةُ يَتَخَطَّاهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ وَعَنْ أَبِي نَصْرٍ جَوَازُ ذَلِكَ بِإِذْنِهِمْ قَالَ ابن المنذر لا يجوز شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي لِأَنَّ الْأَذَى يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَهَذَا أَذًى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يَرَاهُ يَتَخَطَّى اجْلِسْ " فَقَدْ آذَيْتَ " (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الدَّاخِلُ رَجُلًا مِنْ مَوْضِعِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَسْجِدُ وَسَائِرُ الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا السَّابِقُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَيَجُوزُ إقَامَتُهُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ وَهِيَ أَنْ يَقْعُدَ فِي مَوْضِعِ الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقِ النَّاسِ وَيَمْنَعَهُمْ الِاجْتِيَازَ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ الصَّفِّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَالَ فِي الشَّامِلِ بِشَرْطِ أَنْ يَضِيقَ الْمَوْضِعُ عَلَى النَّاسِ فَإِنْ اتَّسَعَ تَنَحَّوْا عَنْهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يُنَحُّوهُ أَمَّا إذَا قَامَ الْجَالِسُ بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلَسَ غَيْرَهُ فَلَا كرهة فِي جُلُوسِ الدَّاخِلِ وَأَمَّا الْجَالِسُ فَإِنْ انْتَقَلَ الي أقرب شئ إلَى الْإِمَامِ أَوْ مِثْلِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ كُرِهَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَدَلِيلُ كَرَاهَتِهِ أَنَّهُ آثَرَ بِالْقُرْبَةِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْإِيثَارَ بالقرب مَكْرُوهٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُؤْثِرُونَ علي انفسهم (فَالْمُرَادُ) بِهِ فِي حُظُوظِ النُّفُوسِ وَالْإِيثَارُ بِحُظُوظِ النفوس مستحب بلا شك وبينته تَمَامُ الْآيَةِ (وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) وَقَدْ يُحْتَجُّ لِكَرَاهَتِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ الرَّجُلُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُ مَوْضِعًا يَجْلِسُ فِيهِ فَإِذَا جَاءَ الْبَاعِثُ تَنَحَّى الْمَبْعُوثُ وَيَجُوزُ أَنْ يَفْرِشَ لَهُ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ ثم يجئ وَيُصَلِّي مَوْضِعَهُ فَإِذَا فَرَشَهُ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أن يصلي عليه لكن لَهُ أَنْ يُنَحِّيَهُ وَيَجْلِسَ مَكَانَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ ينحيه بحيث لا يرفعه بِيَدِهِ فَإِنْ دَفَعَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ (الْخَامِسَةُ) إذَا جَلَسَ فِي مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَامَ لِحَاجَةٍ كَوُضُوءٍ وَغَيْرِهِ ثم عاد إليه فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَفِي هَذَا الْحَقِّ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ (الثَّانِي) أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ وَلَا يَلْزَمَهُ وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ تَرَكَ الْأَوَّلُ فِي مَوْضِعِهِ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ أَمْ لَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فِي الْحَالَيْنِ وَسَوَاءٌ قَامَ لِحَاجَةٍ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهُ أَمَّا إذَا فَارَقَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا فِي إحْيَاءِ
الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسَةُ) إذَا نَعَسَ فِي مَكَانِهِ وَوَجَدَ مَوْضِعًا لَا يَتَخَطَّى فِيهِ أَحَدًا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ مَرْفُوعًا كَانَ أَوْ مَوْقُوفًا وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لزوال النعاس(4/547)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا ثَبَتَ فِي مَوْضِعِهِ وَتَحَفَّظَ مِنْ النُّعَاسِ بِوَجْهٍ يَرَاهُ نَافِيًا للنعاس لم اكرهء بقاه وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا حَضَرَ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي جُلُوسِهِ فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا جَازَ وَلَوْ اتَّكَأَ أَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ أَوْ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ ذَلِكَ كُرِهَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ عِلَّةٌ قَالَ الشافعي والاصحاب فان كان به علية اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى مَوْضِعٍ لَا يُزَاحِمُ فِيهِ حَتَّى لَا يُؤْذِي وَلَا يَتَأَذَّى * قَالَ المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ اشْتَغَلَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْكَهْفِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ " وَيُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا لِمَا رَوَى أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ " وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ لِأَنَّ فِيهِ سَاعَةً يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ فَلَعَلَّهُ يُصَادِفُ ذَلِكَ)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ رَوَيْنَا عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَهَا أَحَادِيثَ وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ أَوْسٍ هَذَا وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْكَهْفِ فَغَرِيبٌ وَرُوِيَ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ " قَالَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاضِرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الِاشْتِغَالُ بِذَكَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ وَالْإِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا وَدَلِيلُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَقَدْ سبق في حَدِيثُ سَلْمَانَ فِي هَذَا الْبَابِ النَّدْبُ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا وَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُ الدُّعَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَقَطَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " قَائِمٌ يُصَلِّي "(4/548)
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ السَّاعَةِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا أَحَدُهَا أَنَّهَا مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ (الثَّانِي) عِنْدَ الزَّوَالِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ (الثَّالِثُ) مِنْ الزَّوَالِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَكِنْ قَالَ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ (الرَّابِعُ) مِنْ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ نَحْوَ ذِرَاعٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ (الْخَامِسُ) مِنْ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى فَرَاغِ صَلَاتِهِ حَكَاهُ عِيَاضٌ (السَّادِسُ) مَا بَيْنَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَصَلَاتِهِ حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ (السَّابِعُ) مِنْ حِينِ تُقَامُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَفْرُغَ حَكَاهُ عِيَاضٌ (وَالثَّامِنُ) وَهُوَ الصَّوَابُ مَا بَيْنَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَآخَرُونَ (التَّاسِعُ) مِنْ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَبِهِ يَقُولُ احمد واسحق قَالَ قَالَ أَحْمَدُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهَا بَعْدُ الْعَصْرِ وَتُرْجَى بَعْدَ الزَّوَالِ (الْعَاشِرُ) آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ حَكَاهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَعِيَاضٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَخَلَائِقُ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ (الْحَادِيَ عَشَرَ) أَنَّهَا مَخْفِيَّةٌ فِي كُلِّ الْيَوْمِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَاعْتَرَضُوا عَلَى مَنْ قَالَ بَعْدَ الْعَصْرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ صَلَاةٍ وَفِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي وَأَجَابُوا بِأَنَّ مُنْتَظِرَ الصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي صَلَاةٍ ذَاتِ سَبَبٍ وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الثَّامِنُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ
الْإِمَامُ إلَى أَنْ يقضى الصلاة فهذا صحيح صريخ لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ باسناده عن مسلم ابن الْحَجَّاجِ قَالَ هَذَا الْحَدِيثُ أَجْوَدُ حَدِيثٍ وَأَصَحُّهُ فِي بَيَانِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَقْتٌ لِهَذِهِ السَّاعَةِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يقللها وهذا الذى قاله القاضى صحيح وأما الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " الْتَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ " فَضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الترمذي وغيره ورواية محمد بن أبي حميد منكر الحديث سئ الْحِفْظِ وَأَمَّا حَدِيثُ(4/549)
كثير بن عبد الله بن عمرو ابن عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مِنْ حِينِ تُقَامُ الصَّلَاةُ إلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ مداره علي كثير ابن عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ كَذَّابٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْكَذِبِ وَقَالَ احمد بن حنبل منكر الحديث ليس بشئ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يوم الجمعة ثنتا عشر ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله شيئا إلَّا أَعْطَاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ باسناد صحيح ويحتمل أن هذه منتقلة تَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي وَقْتٍ وَفِي بَعْضِهَا فِي وَقْتٍ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي ليلة القدر والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإذا جلس الامام انقطع التنفل لما روى عن ثعلبة بن أبى مالك قال قعود الامام يقطع السبحة وكلامه يقطع الكلام وانهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه جالس علي المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتي يقضى الخطبتين فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا ولان التنفل في هذا الحال يمنع الاستماع إلى ابتداء الخطبة فكره فان دخل والامام على المنبر صلي تحية المسجد لما روى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " إذا جاء احدكم والامام يخطب فليصل ركعتين " فان دخل والامام في آخر الخطبة لم يصل لانه تفوته أول الصلاة مع الامام وهو فرض فلا يجوز أن يشتغل عنه بالنفل)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيث جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَحَدِيثُ ثَعْلَبَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِمَعْنَاهُ وَثَعْلَبَةُ هَذَا صَحَابِيٌّ رَأَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ فَقَدْ أَخْبَرَ ثَعْلَبَةُ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَكَلَّمُونَ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَوْلُهُ يَقْطَعُ السُّبْحَةَ - هُوَ بِضَمِّ السِّينِ - وَهِيَ النَّافِلَةُ وَفِي هَذَا الْأَثَرِ فَوَائِدُ (مِنْهَا) جَوَازُ الصَّلَاةِ حَالَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْكَلَامِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَالتَّنَفُّلِ مَا لَمْ يَقْعُدْ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَانْقِطَاعِ النَّافِلَةِ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ شروعه في الاذان وجوز الْكَلَامِ حَالَ الْأَذَانِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْهُ بِالتَّنَفُّلِ مَعْنَاهُ يُكْرَهُ الِاشْتِغَالُ عنه بالتنفل(4/550)
وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَحْرِيمَهُ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ امْتَنَعَ ابْتِدَاءُ النافلة ونقلو الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَرُمَ عَلَى مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاةَ النَّافِلَةِ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ جَلَسَ وَهَذَا إجْمَاعٌ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ بِمُجَرَّدِ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إذَا ابْتَدَأَ الْخُطْبَةَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاةً سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى السُّنَّةَ أَمْ لَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ انْقَطَعَ التَّنَفُّلُ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ خَفَّفَهَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا قُلْنَا الْإِنْصَاتُ سُنَّةٌ جَازَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْقِرَاءَةِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ وَإِنْ قُلْنَا الْإِنْصَاتُ وَاجِبٌ حَرُمَ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُهُ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الْإِنْصَاتَ أَمْ لَا فَإِنْ خَرَجَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُخَفِّفَهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَبْطُلُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً يَدْخُلُ فِيهِ بِجُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَيَبْقَى حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَجَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَدْ انْقَطَعَ الرُّكُوعُ يَعْنِي التَّنَفُّلَ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ هَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ يَمْتَنِعُ بِمُجَرَّدِ جُلُوسِ الْإِمَامِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَذَانِ قَالُوا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ وَجَلَسَ عَلَى
الْمِنْبَرِ انْقَطَعَ التَّنَفُّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا إذَا دَخَلَ دَاخِلٌ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ وَيُخَفِّفَهُمَا وَيُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يصلي رَكْعَتَيْنِ " وَإِنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ صَلَّى التَّحِيَّةَ فَاتَهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ بَلْ يَقِفُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ وَلَا يَقْعُدُ لِئَلَّا يَكُونَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ صَلَّى التَّحِيَّةَ هَكَذَا فَصَّلَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَةٌ كَمَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْخُطْبَةِ قَدْرًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَصِّ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَلَا يُمْكِنُهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ دُخُولِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا وَأَرَى الْإِمَامَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِصَلَاتِهِمَا وَيَزِيدَ فِي كَلَامِهِ مَا يُمْكِنُهُ إكْمَالُهُمَا فِيهِ فَإِنْ لَمْ يفعل كرهت ذلك له ولا شئ عَلَيْهِ هَذَا نَصُّهُ وَأَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ
*(4/551)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَيُخَفِّفَهُمَا وَيُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُمَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالْمَقْبُرِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ والحميدي واحمد وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَآخَرُونَ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَشُرَيْحٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَا يُصَلِّي شَيْئًا وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ إنْ شَاءَ صَلَّى وَإِلَّا فَلَا
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " إذَا خَطَبَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ غَرِيبٌ
(وَالثَّانِي)
لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى مَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الاحاديث
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز الكلام قبل أن يبتدئ بالخطبة لما رويناه من حديث ثعلبة بن أبي مالك ويجوز إذا جلس الامام بين الخطبتين وإذا نزل من المنبر قبل أن يدخل في الصلاة لما روى أَنَسٍ قَالَ " كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " ينزل يوم الجمعة من المنبر فيقوم معه الرجل في الحاجة ثم ينتهى الي مصلاه فيصلى " ولانه ليس بحال صلاة ولا حال استماع فلم يمنع من الكلام وإذا بدأ بالخطبة انتصت لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوضوء ثم انصت للامام يوم الجمعة حتى يفرغ من صلاته غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ وزيادة ثلاثة أيام " وهل يجب الانصات فيه قولان
(أحدهما)
يجب لما روى جابر قال " دخل ابن مسعود والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس إلى أبي فسأله عن شئ فلم يرد عليه فسكت حتى صلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ما منعك أن ترد علي فقال انك لم تشهد معنا الجمعة قال ولم قال تكلمت والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقام ابن مسعود ودخل علي النبي صلي الله عليه وسلم فذكر له فقال صدق أبي " (والثاني) يستحب وهو الاصح لما روى أَنَسٍ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على المنبر يوم الجمعة فقال متي الساعة فاشار الناس إليه أي اُسْكُتْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عند الثالثة ما اعددت لها قال حب الله ورسوله قال انك مع من احببت " فان رأى رجلا يقع في بئر ورأى عقربا تدب إليه لم يحرم عليه كلامه قولا واحدا لان الانذار يجب لحق الآدمى والانصات لحق الله تعالى(4/552)
ومبناه على المسامحة وان سلم عليه رجل أو عطس فان قلنا يستحب الانصات رد السلام وشمت العاطس وان قلنا يجب الانصات لم يرد السلام ولم يشمت العاطس لان المسلم سلم في غير موضعه فلم يرد عليه وتشميت العاطس سنة فلا يترك له الانصات الواجب ومن أصحابنا من قال لا يرد السلام لان المسلم مفرط ويشمت العاطس لان العاطس غير مفرط في العطاس وليس بشئ (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ثَعْلَبَةَ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَحَدِيثُ أَنَسٍ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفُوهُ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُكَلَّمُ فِي الْحَاجَةِ إذَا نَزَلَ مِنْ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ " وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ ايام ومن مس الحصا فَقَدْ لَغَا " وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي
السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ " دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَجَلَسْت قَرِيبًا مِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ بَرَاءَةٍ فَقُلْتُ لِأُبَيٍّ مَتَى نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ أَوْ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُهَذَّبِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ(4/553)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ أُبَيٌّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأُبَيٍّ وَجُعِلَتْ الْقِصَّةُ بَيْنَهُمَا وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذِهِ الْقِصَّةِ بَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيٍّ قَالَ وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ مَعْنَى الْقِصَّةِ بَيْنَ رَجُلٍ غَيْرِ مسمى وبين ابن مسعود وجعل المصيب بن مَسْعُودٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَيْسَ فِي الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ نَحْوَ هَذَا وَزَادَ فَقَالَ وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِأُبَيٍّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسٍ الْأَخِيرُ (فَرَوَاهُ) الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ صحيح ورواه غيره بمعناه
* واما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَيُقَالُ أَنْصَتَ وَنَصَتَ وَانْتَصَتَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ سَبَقَ بَيَانُهُنَّ أَفْصَحَهُنَّ أَنْصَتَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَنْصَتَهُ وَأَنْصَتَ لَهُ وَسَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا (وَقَوْلُهُ) لَمْ تَشْهَدْ مَعَنَا الْجُمُعَةَ أَيْ جُمُعَةً كَامِلَةً أَوْ شُهُودًا كَامِلًا (قَوْلُهُ) عَقْرَبًا تَدِبُّ - هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ - قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا(4/554)
وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ مَعْنَاهُ مَا بَيْنَ السَّاعَةِ الَّتِي يُصَلِّي فِيهَا الْجُمُعَةَ وَمِثْلِهَا مِنْ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ عَشَرَةً وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ وَهُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمُعْجَمَةُ أَفْصَحُ وَقَالَ ثَعْلَبٌ وَالْأَزْهَرِيُّ الْمُهْمَلَةُ أَفْصَحُ وَسَمَّتَهُ وَشَمَّتَهُ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ السَّمْتِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالِاسْتِقَامَةُ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْكَلَامِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وقبلها وبعدها وما يتعلق بها مِنْ الْفُرُوعِ مَبْسُوطًا وَاضِحًا فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِحَدِيثِ ثَعْلَبَةَ الْمَذْكُورِ هُنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ الْكَلَامُ مِنْ حين يخرج الامام * قال المصنف رحمه الله
*
(ومن دخل والامام في الصلاة أحرم بها فان أدرك معه الركوع من الثانية فقد أدرك الجمعة فإذا سلم الامام أضاف إليه أخرى وان لم يدرك الركوع فقد فاتت الجمعة فإذا سلم الامام أتم الظهر لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ وَقَالَ أَسَانِيدُهَا(4/555)
صَحِيحَةٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ احْتَجَّ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ لَمْ تَفُتْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَمَنْ لَمْ تَفُتْهُ الْجُمُعَةُ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ الْكِتَابِ فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى وَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ
* أَمَّا الاحكام فقال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ رُكُوعَ الْإِمَامِ فِي ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ بِحَيْثُ اطْمَأَنَّ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِثَانِيَةٍ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رُكُوعِهَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَيَقُومُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَى أَرْبَعٍ لِلظُّهْرِ وَفِي كَيْفِيَّةِ نِيَّةِ هَذَا الَّذِي أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْوِي الظُّهْرُ لِأَنَّهَا الَّتِي تَحْصُلُ لَهُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ يَنْوِي الْجُمُعَةَ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ وَلَوْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ وَشَكَّ هَلْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ سَجْدَةً أَمْ سَجْدَتَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرُهُمْ إنْ كَانَ شَكَّ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَجَدَ أُخْرَى وَأَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ سَجَدَ أُخْرَى وَأَتَمَّ الظُّهْرَ وَلَا تَحْصُلُ الْجُمُعَةُ قَطْعًا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ فِيمَا إذَا سَجَدَهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَأَتَى بِرَكْعَتِهِ الْأُخْرَى فَلَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ شَكَّ هَلْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ سَجْدَةً أَمْ سَجْدَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا للجمعة(4/556)
بِلَا خِلَافٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ الْأُولَى وَتَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ مِنْ الظُّهْرِ وَيَأْتِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا أَدْرَكَ رُكُوعًا مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لَهُ بِأَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ فَبَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا فَيَبْنِي عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ مُحْدِثًا وَتَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ هَلْ تَصِحُّ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَصِحُّ فَهُنَا أُولَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَصِحُّ (وَالثَّانِي) تَصِحُّ وَسَبَقَ هُنَاكَ دَلِيلُ الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَشَكَّ هَلْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرُّكُوعَ الْمُجْزِئَ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ فَتَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ وَيُصَلِّيهَا ظُهْرًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ هُنَاكَ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا نَاسِيًا فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي الثَّالِثَةِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ قَطْعًا لِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ فَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً سَاهِيًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى انْجَبَرَتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ وَصَارَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَحُسِبَتْ لِلْمَسْبُوقِ وَأَدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةَ فَيَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى وَيُسَلِّمُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ هِيَ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ وَلَا يَكُونُ الْمَسْبُوقُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ فَتَكُونُ الثَّالِثَةُ لِلْإِمَامِ لَغْوًا إلَّا سَجْدَةً يُتَمِّمُ بِهَا الثَّانِيَةَ(4/557)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُدْرِكُ بِهِ الْمَسْبُوقُ الْجُمُعَةَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَدْرَكَهَا وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ ومالك والاوزاعي والثوري وأبي يوسف وأحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَقَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَمَكْحُولٌ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ صَلَّى أَرْبَعًا وَحَكَى أَصْحَابُنَا مِثْلَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
* وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ مَعَ الْإِمَامِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فَيُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَأَدْرَكَهُ مَأْمُومٌ فِيهِ أَدْرَكَهَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا مِثْلَ مَذْهَبِنَا أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الذى ذكرته عن رواية الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ زحم المأموم عن السجود في الجمعة نظرت فان قدر أن يسجد علي ظهر انسان لزمه أن يسجد لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم علي ظهر أخيه " وقال بعض(4/558)
أصحابنا فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ بالخيار ان شاء سجد علي ظهر انسان وان شاء ترك حتي يزول الزحام لانه إذا سجد حصلت له فضيلة المتابعة وإذا انتظر زوال الزحمة حصلت له فضيلة السجود علي الارض فخير بين الفضيلتين والاول أصح لان ذلك يبطل بالمريض إذا عجز عن السجود على الارض فانه يسجد علي حسب حاله ولا يؤخر وان كان في التأخير فضيلة السجود على الارض وان لم يقدر علي السجود بحال انتظر حتى يزول الزحام فان زال الزحام لم يخل اما أن يدرك الامام قائما أو راكعا أو رافعا من الركوع أو ساجدا فان أدركه قائما سجد ثم تبعه لان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز ذلك بعسفان للعذر والعذر ههنا موجود فوجب أن يجوز فان فرغ من السجود فأدرك الامام راكعا في الثانية ففيه وجهان
(أحدهما)
يتبعه في الركوع ولا يقرأ كمن حضر والامام راكع
(والثانى)
انه يشتغل بما عليه من القراءة لانه ادرك مع الامام محل القراءة بخلاف من حضر والامام راكع
*
(فصل)
فان زال الزحام فأدرك الامام رافعا من الركوع أو ساجدا سجد معه لان هذا موضع سجوده وحصلت له ركعة ملفقة وهل يدرك بها الجمعة فيه وجهان قال أبو إسحق يدرك لقوله صلي الله عليه وسلم من " ادرك من الجمعة ركعة فليضف إليها اخرى " وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يدرك لان الجمعة صلاة كاملة فلا تدرك الا بركعة كاملة وهذه ركعة ملفقة
*
(فصل)
وان زال الزحام وادرك الامام راكعا ففيه قولان (احدهما) يشتغل بقضاء ما فاته ثم(4/559)
يركع لانه شارك الامام في جزء من الركوع فوجب ان يسجد كما لو زالت الزحمة فأدركته قائما
(والثانى)
يتبع الامام في الركوع لانه ادرك الامام راكعا فلزمه متابعته كمن دخل في صلاة والامام فيها راكع
فان قلنا انه يركع معه نظرت فان فعل ما قلناه وركع حصل له ركوعان وبأيهما يحتسب فيه قولان (احدهما) يحتسب بالثاني كالمسبوق إذا أدرك الامام راكعا فركع معه (والثاني) يحتسب بالاول لانه قد صح الاول فلم يبطل بترك ما بعده كما لو ركع ونسى السجود فقام وقرأ وركع ثم سجد فان قلنا انه يحتسب بالثاني حصل له مع الامام ركعة فإذا سلم أضاف إليه أخرى وسلم وإذا قلنا يحتسب بالاول حصل له ركعة ملفقة لان القيام والقراءة والركوع حصل له من الركعة الاولي وحصل له السجود من الثانية وهل يصير مدركا للجمعة فيه وجهان قال أبو إسحق يكون مدركا وقال ابن أبي هريرة لا يكون مدركا فإذا قلنا بقول أبي اسحق أضاف إليها أخرى وسلم وإذا قلنا بقول ابن أبي هريرة قام وصلي ثلاث ركعات وجعلها ظهرا ومن أصحابنا من قال يجب أن يكون فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى الظهر قبل ان يصلي الامام الجمعة وهذا قد صلي ركعة من الظهر قبل فراغ الامام من الجمعة فلزمه ان يستأنف الظهر بعد فراغه وقال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري الصحيح هو الاول والبناء علي القولين لا يصح لان القولين فيمن صلي الظهر قبل فراغ الامام من الجمعة من غير عذر(4/560)
والمزحوم معذور فلم تجب عليه إعادة الركعة التى صلاها قبل فراغ الامام ولان القولين فيمن ترك الجمعة وصلي الظهر منفردا وهذا قد دخل مع الامام في الجمعة فلم تجب عليه إعادة ما فعل كما لو أدرك الامام ساجدا في الركعة الاخيرة فانه يتابعه ثم يبنى الظهر على ذلك الاحرام ولا يلزمه الاستئناف وان خالف ما قلناه واشتغل بقضاء ما فاته فان اعتقد أن السجود فرضه لم يعد سجوده لانه سجد في موضع الركوع ولا تبطل صلاته لانه زاد فيها زيادة من جنسها جاهلا فهو كمن زاد في صلاته من جنسها ساهيا وإن اعتقد ان فرضه المتابعة فان لم ينو مفارقته بطلت صلاته لانه سجد في موضع الركوع عامدا وإن نوى مفارقة الامام ففيه قولان
(أحدهما)
تبطل صلاته (والثاني) لا تبطل ويكون فرضه الظهر وهل يبنى أو يستأنف الاحرام بعد فراغ الامام على القولين في غير المعذور إذا صلى الظهر قبل صلاة الامام وأما إذا قلنا ان فرضه الاشتغال بما فاته نظرت فان فعل ما قلناه وأدرك الامام راكعا تبعه فيه ويكون مدركا للركعتين وان ادركه ساجدا فهل يشتغل بقضاء ما فاته أو يتبعه في السجود فيه
وجهان
(أحدهما)
يشتغل بقضاء ما فاته لان علي هذا القول الاشتغال بالقضاء أولي من المتابعة ومنهم من قال يتبعه في السجود وهو الاصح لان هذه الركعة لم يدرك منها شيئا يحتسب له به فهو كالمسبوق إذا أدرك الامام ساجدا بخلاف الركعة الاولى فان هناك ادرك الركوع وما قبله فلزمه ان يفعل ما بعده من السجود فإذا قلنا يسجد كان مدركا للركعة الاولى الا ان بعضها أدركه فعلا وبعضها أدركه حكما لانه تابعه الي السجود ثم انفرد بفعل السجدتين وهل يدرك بهذه الركعة الجمعة على وجهين لانه(4/561)
ادراك ناقص فهو كالتلفيق في الركعة وان سلم الامام قبل أن يسجد المأموم السجدتين لم يكن مدركا للجمعة قولا واحدا وهل يستأنف الاحرام أو يبنى علي ما ذكرناه من الطريقين فان خالف ما قلناه وتبعه في الركوع فان كان معتقدا ان فرضه الاشتغال بالسجود بطلت صلاته لانه ركع في موضع السجود عامدا وان اعتقد ان فرضه المتابعة لم تبطل صلاته لانه زاد في الصلاة من جنسها جاهلا ويحتسب بهذا السجود ويحصل له ركعة ملفقة وهل يصير مدركا للجمعة علي الوجهين وان زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ وَزَالَتْ الزَّحْمَةُ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ في الثانية وقضي ما عليه وأدركه قائما أو راكعا فتابعه فلما سجد في الثانية زحم عن السجود فزال الزحام وسجد ورفع رأسه وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ بعضهما فعلا وبعضهما حكما وهل يكون مدركا للجمعة علي الوجهين وان ركع مع الامام الركعة الاولي ثم سها حتى صلى الامام هذه الركعة وحصل في الركوع في الثانية قال القاضي أبو حامد يجب ان يكون علي قولين كالزحام ومن اصحابنا من قال يتبعه قولا واحدا لانه مفرط في السهو فلم يعذر في الانفراد عن الامام وفى الزحام غير مفرط فعذر في الانفرد عن الامام)
*(4/562)
(الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَوْصُوفَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ بِالْإِعْضَالِ لِكَثْرَةِ فُرُوعِهَا وَتَشْعِيبِهَا وَاسْتِمْدَادِهَا مِنْ أُصُولٍ فَاخْتِصَارُ الْأَحْكَامِ مُلَخَّصَةً فِيهَا مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى أَطْرَافِ خَفِيِّ الْأَدِلَّةِ أَقْرَبُ إلَى ضَبْطِهَا وَالِاحْتِوَاءِ عَلَيْهَا فَلِهَذَا أَسْلُكُ هَذَا الطَّرِيقَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَنَعَتْهُ الزَّحْمَةُ مِنْ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ فِي
الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهِ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ ظَهْرِ بَهِيمَةٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ سَجَدَ عَلَى الظَّهْرِ وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ لِيَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ السُّجُودِ عَلَى الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ(4/563)
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " وَلِأَثَرِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّمَا يَسْجُدُ عَلَى الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ إذَا أَمْكَنَهُ رِعَايَةُ هَيْئَةِ السُّجُودِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَأْتِيُّ بِهِ لَيْسَ بِسُجُودٍ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ هُنَا ارْتِفَاعُ رَأْسِهِ وَخُرُوجُهُ عَنْ هَيْئَةِ السَّاجِدِ لِلْعُذْرِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَإِذَا أَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرٍ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَسْجُدْ فَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِلَا عُذْرٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا عَلَى ظَهْرٍ وَلَا غَيْرِهِ فَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ لِهَذَا الْعُذْرِ وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا فَفِي صِحَّتِهَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَظْهَرُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْفِرَادِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ فَالْخُرُوجُ مِنْهَا مَعَ تَوَقُّعِ إدْرَاكِهَا لَا وَجْهَ لَهُ أَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ وَالظَّهْرِ وَدَامَ عَلَى الْمُتَابَعَةِ فَمَاذَا يَصْنَعُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَنْتَظِرُ التَّمَكُّنَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ قال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يطول القراءة ليلحقه منتظر السجود (والثاني) يومى بِالسُّجُودِ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُهُ كَالْمَرِيضِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بينهما فإذا قلنا بالصحيح فله حالان (احدهما) أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ فَيَسْجُدُ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ فَإِذَا فَرَغَ من(4/564)
سُجُودِهِ فَلِلْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ بَعُدَ فِي الْقِيَامِ فَيَفْتَتِحُ الْمَزْحُومُ الْقِرَاءَةَ فَإِنْ أَتَمَّهَا قَبْل رُكُوعِ الْإِمَامِ رَكَعَ مَعَهُ وَجَرَى عَلَى مُتَابَعَتِهِ وَحَصَلَتْ لَهُ الْجُمُعَةُ فَيُسَلِّمُ مَعَهُ وَلَا يَضُرُّهُ هَذَا التَّخَلُّفُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ إتْمَامِهَا فَهَلْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْبُوقِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْمَسْبُوقِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ
لَهُ حُكْمُهُ فَيَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ وَيَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي التَّخَلُّفِ فَأَشْبَهَ الْمَسْبُوقَ وَمِمَّنْ صحح هذا الشيخ أبو حامد والماورى وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ أَنْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَإِذَا قُلْنَا يَقْرَأُ لَمْ يَقْطَعْ الْقُدْوَةَ بَلْ يَقْرَأُ وَيَتْبَعُ الْإِمَامَ جَهْدَهُ فَيَرْكَعُ وَيَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ قَاصِدًا لُحُوقَ الْإِمَامِ وَيَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَتَيْنِ عَلَى حُكْمِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَضُرُّهُ التَّخَلُّفُ بِأَرْكَانٍ وَيَكُونُ حُكْمُ الْقُدْوَةِ جَارِيًا عَلَيْهِ فَيَلْحَقُهُ سَهْوُ الْإِمَامِ وَيَحْمِلُ الْإِمَامُ سَهْوَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا قُلْنَا يَقْرَأُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرُّكُوعِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ ضَعِيفٌ وَخِلَافُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ (الْحَالُ الثَّانِي) لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ رَاكِعًا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَيَرْكَعَ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ فَسَقَطَتْ عَنْهُ كَالْمَسْبُوقِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَيَسْعَى وَرَاءَ الْإِمَامِ وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ (الحال الثالث) أن يكون فارغا مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يُسَلِّمْ بَعْدُ فَإِنْ قُلْنَا فِي الْحَالِ الثَّانِي هُوَ كَالْمَسْبُوقِ تَابَعَ الْإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ رَكْعَةٌ ثَانِيَةٌ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ كَالْمَسْبُوقِ اشْتَغَلَ بِتَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ وَجْهًا وَاحِدًا لِكَثْرَةِ مَا فَاتَهُ (الْحَالُ الرَّابِعُ) لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مُتَحَلِّلًا مِنْ صَلَاتِهِ فَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ لَهُ رَكْعَةٌ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَقِبَهُ كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ التَّخَلُّفَ وَأَمَرْنَاهُ بِالْجَرَيَانِ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَالْوَجْهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْفَرَائِضِ فَعَسَاهُ يُدْرِكُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ فِعْلُ السُّنَنِ مُقْتَصِرًا علي الوسط منها (الحال الثاني) للمأموم ان لا يَتَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى يَرْكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ مَعَهُ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ اخْتِيَارُ(4/565)
الْقَفَّالِ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ وَدَلِيلُهُ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ آكَدُّ وَلِهَذَا يُتَابِعُهُ الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَالْقِيَامَ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي الرُّكُوعِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ وَيَجْرِيَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ قلنا يتابعه فقد يتمثل ذَلِكَ وَقَدْ يُخَالِفُهُ فَإِنْ امْتَثَلَ
وَرَكَعَ مَعَهُ فَهَلْ يُحْسَبُ لَهُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ أَمْ الثَّانِي فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ بِالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ رُكُوعٌ صَحَّ فَلَا يَبْطُلُ بِرُكُوعٍ آخَرَ كَمَا لَوْ رَكَعَ وَنَسِيَ السُّجُودَ وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَرَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَإِنَّ الْمَحْسُوبَ لَهُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يُحْسَبُ لَهُ الرُّكُوعُ الثَّانِي لِأَنَّهُ الْمَحْسُوبُ لِلْإِمَامِ فَإِنْ قُلْنَا الْمَحْسُوبُ الثَّانِي حَصَلَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ بِكَمَالِهَا وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا الْمَحْسُوبُ الْأَوَّلُ حَصَلَتْ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالْمُلَفَّقَةِ وَجْهَانِ مشهوران (اصحهما) عند الاحصاب يدرك بها وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهَا ركعة صحيحة
(والثانى)
لا تدرك بها لانها صلاة يشترط فِيهَا كَمَالُ الْمُصَلِّينَ وَلَا تُدْرَكُ بِرَكْعَةٍ فِيهَا نَقْصٌ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ قُلْنَا يُدْرِكُ بِهَا ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَإِنْ قلنا(4/566)
لَا يُدْرِكُ بِهَا فَقَدْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَهَلْ تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ مِنْ الظُّهْرِ وَيَبْنِي عَلَيْهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) تُحْسَبُ قَوْلًا وَاحِدًا فَيَبْنِي عَلَى الظُّهْرِ (وَالثَّانِي) فِيهِ الْقَوْلَانِ فيمن احرم بالظهر قبل فوات الجمعة فان الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الطَّرِيقُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْل الْجُمُعَةِ بِلَا عُذْرٍ وَهَذَا مَعْذُورٌ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ فَجَازَ لَهُ الْبِنَاءُ ظُهْرًا بِلَا خِلَافٍ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ فَأَحْرَمَ مَعَهُ فَإِنَّهُ ينبي عَلَى الظُّهْرِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الطَّرِيقَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الزِّحَامَ عُذْرٌ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عُذْرٌ أَمَّا إذَا خَالَفَ وَاجِبَهُ فَاشْتَغَلَ بِالسُّجُودِ وَتَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ وَاجِبَهُ الْمُتَابَعَةُ وَلَمْ يَنْوِ مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَسْجُدُ فِي مَوْضِعِ الرُّكُوعِ عَمْدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدُ فِي الرُّكُوعِ وَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِيُتِمَّ مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ قُلْنَا يَبْطُلُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ
بِالْجُمُعَةِ إنْ أَدْرَكَهَا وَإِلَّا كَانَ فَرْضُهُ الظُّهْرَ وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ لَمْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ مِنْهَا رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَهَلْ تَصِحُّ ظُهْرًا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صلاها قبل فراغ الجمعة ولنا قول حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا فَاتَتْ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا بَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ هَذَا كُلُّهُ إذَا خَالَفَ عَالِمًا بِأَنَّ فَرْضَهُ الْمُتَابَعَةُ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يَعْتَقِدُ فَرْضَهُ السُّجُودَ وَتَرْتِيبَ نَفْسِهِ أَوْ نَاسِيًا فِيمَا أَتَى بِهِ مِنْ السُّجُودِ وَغَيْرِهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ ثم ان فرع وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي الرُّكُوعِ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ(4/567)
فَإِنْ تَابَعَهُ فَرَكَعَ مَعَهُ فَالتَّفْرِيعُ كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْجُدْ وَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ فَرَغَ مِنْ الرُّكُوعِ نَظَرَ إنْ رَاعَى تَرْتِيبَ نَفْسِهِ بِأَنْ قَامَ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ له بشئ مِمَّا أَتَى بِهِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِتَمَامِ الرَّكْعَةِ وَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى قَوْلِ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ بِكُلِّ حال فكما لا يحسب لَهُ السُّجُودُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ لِكَوْنِ فَرْضِهِ الْمُتَابَعَةَ لَا يُحْسَبُ وَالْإِمَامُ فِي رُكْنٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ إذَا فَعَلَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ تَمَّتْ لَهُ مِنْهُمَا رَكْعَةٌ لَكِنَّهَا نَاقِصَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
التَّلْفِيقُ فَإِنَّ رُكُوعَهَا مِنْ الْأُولَى وَسُجُودَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالْمُلَفَّقَةِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِدْرَاكُ وَالنَّقْصُ الثَّانِي كَوْنُهَا رَكْعَةً حُكْمِيَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي مُعْظَمِهَا مُتَابَعَةً حِسِّيَّةً بَلْ حُكْمِيَّةً وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالرَّكْعَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَجْهَانِ كَالْمُلَفَّقَةِ أَصَحُّهُمَا الْإِدْرَاكُ وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ الْقُدْوَةِ الْحُكْمِيَّةِ فَإِنَّ السُّجُودَ فِي حَالِ قِيَامِ الْإِمَامِ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْجُمُعَةَ تُدْرَكُ بِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِمَا وَجَرَى عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَأَمَّا إذَا فَرَغَ مِنْهُمَا وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ يُتَابِعُهُ فِي سجدتيه هذا وَظِيفَتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيُحْسَبَانِ لَهُ وَيَكُونُ الْحَاصِلُ رَكْعَةً مُلَفَّقَةً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ وَافَقَهُ فَإِذَا سَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَتَمَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ ولا جمعة له لانه لم يتم له ركعة فِي حَالِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَصَارَ فَرْضُهُ الظُّهْرَ وهل(4/568)
يَسْتَأْنِفُهَا أَمْ يَبْنِي عَلَى هَذِهِ الرَّكْعَةِ فِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَبْنِي (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ لَوْ وَجَدَهُ قَدْ سَلَّمَ هَذَا كله إذا قلنا متابع الْإِمَامَ أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يُتَابِعُهُ بَلْ يَسْجُدُ وَيُرَاعِي تَرْتِيبَ نَفْسِهِ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أن يُخَالِفُ مَا أَمَرْنَاهُ فَيَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ إنْ أمكنه ادارك الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا يَعْتَقِدُ أَنَّ وَاجِبَهُ الرُّكُوعُ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ رُكُوعُهُ هَذَا لَغْوًا فَإِذَا سَجَدَ مَعَهُ بَعْدَ هَذَا الرُّكُوعِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُحْسَبُ هَذَا السُّجُودُ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُحْسَبُ لِأَنَّهُ سُجُودٌ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِجِهَةِ وُجُوبِهِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَإِنَّهَا تُحْسَبُ لَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ فِعْلَهَا لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِهَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ أَصَحُّهُمَا الْإِدْرَاكُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَمْتَثِلَ مَا أَمَرْنَاهُ فَيَسْجُدَ وَيَحْصُلَ لَهُ رَكْعَةٌ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ وَفِي الْإِدْرَاكِ بِهَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِدْرَاكُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ فَلِلْإِمَامِ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ فَارِغًا مِنْ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَكُونَ في السجود(4/569)
أَوْ التَّشَهُّدِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ يَشْتَغِلُ بِمَا فَاتَهُ وَيُجْرَى عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَيَقُومُ وَيَقْرَأُ وَيَرْكَعُ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْفَائِتِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَوْلَى مِنْ الْمُتَابَعَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا هُوَ فِيهِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ اشْتَغَلَ بِتَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا قَدْرًا يُحْسَبُ لَهُ فَلَزِمَهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ كَمَسْبُوقٍ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ عِنْدَ فَرَاغِ الْمَزْحُومِ مِنْ السُّجُودِ قَدْ هَوَى لِلسُّجُودِ فَتَابَعَهُ فَقَدْ وَالَى بَيْنَ أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَهَلْ يُحْسَبُ لِإِتْمَامِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى السَّجْدَتَانِ الاوليان أم الْأُخْرَيَانِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقِينَ هَلْ الْمَحْسُوبُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ أَمْ الثَّانِي (أَصَحُّهُمَا) الْأُولَيَانِ فَإِنْ قُلْنَا الْأُولَيَانِ فَهِيَ رَكْعَةٌ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ وَإِنْ قُلْنَا الْأُخْرَيَانِ فَهِيَ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالْحُكْمِيَّةِ وَالْمُلَفَّقَةِ الْوَجْهَانِ السابقان (أصحهما) الادراك (الحال الثاني) لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ رَاكِعًا بَعْدُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ كَالْمَسْبُوقِ
أَمْ يَشْتَغِلُ بِتَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَيَقْرَأُ وَيَأْتِي بِالْبَاقِي فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ تَفْرِيعًا عَلَى القول(4/570)
الْأَوَّلِ وَهُمَا هُنَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الرُّكُوعُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْأَصَحِّ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ الْوَجْهَيْنِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَجَزَمَ هُنَا بِأَصَحِّهِمَا وَرُبَّمَا تَوَهَّمَ مَنْ لَا أُنْسَ لَهُ أَنَّ الصُّورَةَ غَيْرُ الصُّورَةِ وَطَلَبَ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الصُّورَةُ هِيَ الْأُولَى بِحَالِهَا وَلَا فَرْقَ فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَتَسْقُطُ الْقِرَاءَةُ تابعه ويكون مدركا للركعتين فيسلم مَعَ الْإِمَامِ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَإِنْ قُلْنَا يَشْتَغِلُ بِتَرْتِيبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ بِهِ وَهُوَ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمَزْحُومُ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فَالْحَاصِلُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِهَا الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِدْرَاكُ وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ تَرْتِيبُ نَفْسِهِ فَرَكْعَةٌ غَيْرُ مُلَفَّقَةٍ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ قَطْعًا أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى تَشَهَّدَ الْإِمَامُ فَيَسْجُدُ ثُمَّ إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَهَلْ يَبْنِي عَلَى الرَّكْعَةِ لِإِتْمَامِ الظُّهْرِ أَمْ يَسْتَأْنِفُهَا فِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَسَلَّمَ(4/571)
الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ الْمَزْحُومُ قَاعِدًا فَفِيهِ احْتِمَالٌ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُدْرِكُ لِلْجُمُعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ الزِّحَامُ فِي سُجُودِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ صَلَّى الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ فَيَسْجُدُ مَتَى تَمَكَّنَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ وَجُمُعَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ تَمَكَّنَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَجَدَ وَأَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَيَضُمَّ إلَيْهَا أُخْرَى وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ حَتَّى سَلَّمَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ فَيَسْجُدُ وَيَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ مِنْ الظُّهْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ أَمَّا إذَا زُحِمَ عَنْ رُكُوعِ الْأُولَى حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَرْكَعُ وَيُتَابِعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي الْحَاصِلِ لَهُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ وَتَسْقُطُ الْأُولَى وَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالثَّانِي) تُحْسَبُ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِهَا الْوَجْهَانِ وَبِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ وَزَالَتْ الزَّحْمَةُ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ فَسَجَدَ وَقَامَ وَأَدْرَكَهُ قَائِمًا
وَقَرَأَ أَوْ رَاكِعًا فَقَرَأَ وَلَحِقَهُ أَوْ قُلْنَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ فَرَكَعَ مَعَهُ ثُمَّ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ فِي الثَّانِيَةِ وَزَالَ(4/572)
الزِّحَامُ وَسَجَدَ وَرَفَعَ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي إدْرَاكِهِ بِهِمَا الْجُمُعَةَ طَرِيقَانِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في ادراكها الوجهان في الركعة الحكمية وقال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْأَكْثَرُونَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ وَجْهًا وَاحِدًا وَيُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَضَعَّفَ قَوْلَ القاضى أبو الطَّيِّبِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ وَنَسِيَ السُّجُودَ وَبَقِيَ وَاقِفًا فِي الِاعْتِدَالِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ والاصحاب
(أحدهما)
قاله القاضى أبو حامد المروروزى وَالْبَنْدَنِيجِيّ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمَزْحُومِ هَلْ يَتْبَعُ الْإِمَامَ أَمْ يَشْتَغِلُ بِمَا عَلَيْهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَلْزَمُهُ إتْبَاعُ الْإِمَامِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي النِّسْيَانِ بِخِلَافِ الزَّحْمَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْمُتَابَعَةِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الطَّرِيقَ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الرُّويَانِيِّ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ الْأَوَّلَ هَكَذَا أَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ التَّخَلُّفُ بِالنِّسْيَانِ هَلْ هُوَ كَالتَّخَلُّفِ بِالزِّحَامِ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِعُذْرِهِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِنُدُورِهِ وَتَفْرِيطِهِ قَالَ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا فَإِنْ تَأَخَّرَ سُجُودُهُ عَنْ سَجْدَتَيْ الْإِمَامِ بِالنِّسْيَانِ ثُمَّ سَجَدَ فِي حَالِ قِيَامِ الْإِمَامِ فَهُوَ كَالزِّحَامِ وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَ لِمَرَضٍ وَإِنْ بَقِيَ(4/573)
ذَاهِلًا حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
كَالْمَزْحُومِ فَفِي قَوْلٍ يَرْكَعُ مَعَهُ وَفِي قَوْلٍ يُرَاعِي تَرْتِيبَ نَفْسِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيِّ
* (فَرْعٌ)
الزِّحَامُ يُتَصَوَّرُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ فِيهَا أَغْلَبُ وَلِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْخِلَافِ وَالتَّفْرِيعِ لَا يُتَصَوَّرُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهَا كَالْخِلَافِ فِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِرَكْعَةٍ مُلَفَّقَةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِيهَا فَلَا يُمْكِنُهُ الْمُفَارَقَةُ مَا دَامَ يَتَوَقَّعُ إدْرَاكَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِذَا زُحِمَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ عَنْ السُّجُودِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ
(وَالثَّانِي)
الِاشْتِغَالُ بِمَا عَلَيْهِ
وَيَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يُتَابِعُهُ قَطْعًا (وَالثَّالِثُ) يَشْتَغِلُ بِمَا عَلَيْهِ قَطْعًا
* (فَرْعٌ)
إذَا عَرَضَتْ فِي الصَّلَاةِ حَالَةٌ تَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهَا جُمُعَةً فِي صُورَةِ الزِّحَامِ أَوْ غَيْرِهَا فَهَلْ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ظُهْرًا فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الاصحاب من العراقيين وغيرهم (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْأَصْلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْجُمُعَةَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَمْ صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا وَفِيهِ قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ(4/574)
فَإِنْ قُلْنَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فَفَاتَ بَعْضُ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ أَتَمَّهَا ظُهْرًا كَالْمُسَافِرِ إذَا فَاتَ بَعْضَ شُرُوطِ الْقَصْرِ وَإِنْ قُلْنَا صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا فَهَلْ يُتِمُّهَا ظُهْرًا فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) يُتِمُّهَا ظُهْرًا لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهَا أَوْ كَالْبَدَلِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخِلَافِ فعلى هذا هل يشترط أن ينوى قبلها ظُهْرًا أَمْ تَنْقَلِبُ بِنَفْسِهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُتِمُّهَا ظُهْرًا فَهَلْ تَبْطُلُ أَمْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَظَائِرِهَا (الصَّحِيحُ) تَنْقَلِبُ نَفْلًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلُ الْبُطْلَانِ لَا يَنْتَظِمُ تَفْرِيعُهُ إذَا أَمَرْنَاهُ فِي صورة الزحام بشئ فَامْتَثَلَ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِمَا إذَا خَالَفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الزِّحَامِ
* أَمَّا إذَا زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ وَأَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَلْ يَنْتَظِرُ زَوَالَ الزَّحْمَةِ فَلَوْ سَجَدَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ السُّجُودِ عَلَى ظَهْرِهِ وَالِانْتِظَارِ وَقَالَ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يُومِئُ إلَى السُّجُودِ أَمَّا إذَا لَمْ يَزَلْ الزِّحَامُ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَغِلُ بِالسُّجُودِ أَمَّا إذَا زُحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَأْمُومَ الْمَزْحُومَ تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَبِهِ قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَقَتَادَةُ وَيُونُسُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ
الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وقال مالك أحب أن يتمها أربعا
*(4/575)
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا أحدث الامام في الصَّلَاةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ فِي الْقَدِيمِ) لَا يستخلف (وقال في الجديد) يستخلف وقد بينا وجه القولين في باب صلاة الجماعة (فان قلنا) لا يستخلف نظرت فان أحدث بعد الخطبة وقبل الاحرام لم يجز أن يستخلف لان الخطبتين مع الركعتين كالصلاة الواحدة فلما لم يجز أن يستخلف(4/576)
في صلاة الظهر بعد الركعتين لم يجز أن يستخلف في الجمعة بعد الخطبتين وان أحدث بعد الاحرام ففيه قولان
(أحدهما)
يتمون الجمعة فرادى لانه لما لم يجز الاستخلاف بقوا علي حكم الجماعة فجاز لهم أن يصلوا فرادى (والثاني) أنه إذا كان الحدث قبل أن يصلي بهم ركعة صلوا الظهر وان كان بعد الركعة صلوا ركعة أخرى فرادى كالمسبوق إذا لم يدرك ركعة أتم الظهر وإن أدرك ركعة أتم الجمعة وإن قلنا بقوله الجديد فان كان الحدث بعد الخطبتين وقبل الاحرام فاستخلف من حضر الخطبة جاز وان استخلف من لم يحضر الخطبة لم يجز لان من حضر كمل بالسماع فانعقدت به الجمعة ومن لم يحضر لم يكمل فلم تنعقد به الجمعة ولهذا لو خطب بأربعين فقاموا وصلوا الجمعة جاز ولو حضر أربعون لم يحضروا الخطبة فصلوا الجمعة لم يجز وإن كان الحدث بعد الاحرام فان كان في الركعة الاولي فاستخلف من كان معه قبل الحدث جاز له لانه من أهل الجمعة وان استخلف من لم يكن معه قبل الحدث لم يجز لانه ليس من أهل الجمعة ولهذا لو صلي بانفراده الجمعة لم تصح وإن كان الحدث في الركعة الثانية فان كان قبل الركوع فاستخلف من كان معه قبل الحدث جاز وان استخلف من لم يكن معه قبل الحدث لم يجز لما ذكرناه وإن كان بعد الركوع فاستخلف من لم يحضر معه قبل الحدث لم يجز لما ذكرناه وإن كان معه قبل الحدث ولم يكن معه قبل الركوع فان فَرْضَهُ الظُّهْرُ وَفِي جَوَازِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ مَنْ يصلي الظهر وجهان فان قلنا يجوز جاز أن يستخلفه وإن قلنا لا يجوز لم يجز أن يستخلفه)
*(4/577)
(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثٍ تَعَمَّدَهُ أَوْ نَسِيَهُ أَوْ سَبَقَهُ أَوْ بِرُعَافٍ أَوْ سَبَبٍ آخَرَ أَوْ بِلَا سَبَبٍ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَفِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ جَوَازُهُ وَالْقَدِيمُ وَالْإِمْلَاءُ مَنْعُهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ بِتَفْرِيعِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَأَمَّا الِاسْتِخْلَافُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) الْجَوَازُ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِخْلَافُ لِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ كَالرَّكْعَتَيْنِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخُطْبَةِ لَكِنْ يُنَصِّبُونَ مَنْ يَسْتَأْنِفُ الْخُطْبَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَفِيمَا يَفْعَلُونَ قَوْلَانِ فِي الْقَدِيمِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ إنْ كَانَ حَدَثُهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَتَمَّ الْقَوْمُ صَلَاتَهُمْ ظُهْرًا وَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فُرَادَى لِأَنَّ الجمعة تدرك بركعة لا بدونها (والثاني) يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً فِي الْحَالَيْنِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُمْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا فِي الْحَالَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُمْ يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً أَمْ ظُهْرًا وَكَانَ يَنْبَغِي إذَا قُلْنَا لَا يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً أَنْ يَسْتَأْنِفُوا جُمُعَةً إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ هَذَا كُلُّهُ إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِخْلَافَ فان جوزناه(4/578)
نُظِرَ إنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْخَلِيفَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ بَعْدَ جُمُعَةٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي صِحَّةِ ظُهْرِ هَذَا الْخَلِيفَةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الظُّهْرَ هَلْ تَصِحُّ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يصح فهل تبطل أم تبقى نقلا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ قَرِيبًا فَإِنْ قُلْنَا تَبْطُلُ فَاقْتَدَى بِهِ الْقَوْمُ عَالِمِينَ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ صَحَّحْنَاهَا وَكَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا مِنْهَا رَكْعَةً وَفِي صِحَّةِ الظُّهْرِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الظُّهْرِ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَفِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ هَذَا اقْتِدَاءً طَارِئًا فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ مُنْفَرِدٍ وَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي بَابِ صلاة الجماعة وفيه شئ آخَرُ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ فِي الْجُمُعَةِ بِمَنْ يُصَلِّي ظُهْرًا أَوْ نَافِلَةً وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْأَصَحُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْجَوَازُ أَمَّا إذَا اسْتَخْلَفَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ قَبْلَ الْحَدَثِ فَيُنْظَرُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ فَوَجْهَانِ(4/579)
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ (وَأَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ الصَّيْدَلَانِيُّ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ الْمَنْعُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْجَوَازُ عَنْ نَصِّهِ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ حُضُورِ الْخُطْبَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ لَهَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ حَضَرَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهَا وَجَوَّزْنَا اسْتِخْلَافَهُ نُظِرَ إنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى جَازَ وَتَمَّتْ لَهُمْ الْجُمُعَةُ سَوَاءٌ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى أَمْ فِي الثَّانِيَةِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّ الْخَلِيفَةَ يُصَلِّي ظُهْرًا وَالْقَوْمَ جُمُعَةً وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَأَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ قبل حدثه(4/580)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ لَمْ يَجُزْ اسْتِخْلَافُ هَذَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ فَعَلَى هَذَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَفِي الْخَلِيفَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا يُتِمُّهَا ظُهْرًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُتِمُّهَا ظُهْرًا
(وَالثَّانِي)
لَا فَعَلَى هَذَا هَلْ تَبْطُلُ أَمْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي مَوَاضِعَ (أَصَحُّهُمَا) تَنْقَلِبُ نَفْلًا فَإِنْ أَبْطَلْنَاهَا امْتَنَعَ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ هَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ حَدَثِهِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ فَلَوْ استخلف بعد رُكُوعِ الثَّانِيَةِ مَنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ الْحَدَثِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ جَوَازُهُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا (وَالثَّانِي) مَنْعُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ سَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ فَرْضَهُ الظُّهْرُ وَفِي جَوَازِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَجْهَانِ إنْ جَوَّزْنَاهَا جَازَ اسْتِخْلَافُهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُهَا وَالْخَلِيفَةُ مَسْبُوقٌ لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ نَظْمِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَجْلِسُ إذَا صَلَّى رَكْعَةً وَيَتَشَهَّدُ فَإِذَا بَلَغَ مَوْضِعَ السَّلَامِ أَشَارَ إلَى
الْقَوْمِ وَقَامَ إلَى بَاقِي صَلَاتِهِ وَهُوَ رَكْعَةٌ إنْ جَعَلْنَاهُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ أَوْ ثَلَاثٌ إنْ قُلْنَا فَرْضُهُ الظُّهْرُ وَجَوَّزْنَا لَهُ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا وَالْقَوْمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا وَإِنْ شَاءُوا ثَبَتُوا جَالِسِينَ يَنْتَظِرُونَهُ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَلَوْ دَخَلَ مَسْبُوقٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي اسْتَخْلَفَ فِيهَا صَحَّتْ له الجمعة(4/581)
وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ لِلْخَلِيفَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ الْأَصْحَابُ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ مُصَلِّي الظُّهْرِ وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِلَّذِينَ أَدْرَكُوا مَعَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ رَكْعَةً بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُمْ لَوْ انْفَرَدُوا بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَانُوا مُدْرِكِينَ لِلْجُمُعَةِ فَلَا يَضُرُّ اقْتِدَاؤُهُمْ فِيهَا بِمُصَلِّي الظُّهْرِ أَوْ النَّفْلِ هَذَا كُلُّهُ إذَا أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ فَأَرَادَ اسْتِخْلَافَ مَنْ يُصَلِّي فَثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ إنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ فِي الصَّلَاةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا بَلْ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ خَطَبَ بِهِمْ آخَرُ وَصَلَّى وَإِلَّا صَلَّوْا الظُّهْرَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ فِي الصَّلَاةِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَإِذَا جَوَّزْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ سَمِعَ الْخُطْبَةَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلِهَذَا لَوْ بَادَرَ أَرْبَعُونَ مِنْ السَّامِعِينَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَعَقَدُوا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ انْعَقَدَتْ لَهُمْ وَلَوْ صَلَّاهَا غَيْرُهُمْ لَمْ تَنْعَقِدْ قَالَ الْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَيْرُ السَّامِعِ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهَيْنِ فِي صِحَّةِ اسْتِخْلَافِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَالْمُرَادُ بِسَمَاعِهَا حُضُورُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ جاز وان استخلف مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ وَشَرْطُنَا الطَّهَارَةُ فِيهَا فَهَلْ يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إنْ مَنَعْنَا فِي الصَّلَاةِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) جَوَازُهُ كَالصَّلَاةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ ثُمَّ فَارَقَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْمُفَارَقَةِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً كَمَا لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَفِي الْقَوْمِ مَسْبُوقُونَ فَأَرَادُوا الِاسْتِخْلَافَ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِمْ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِخْلَافَ لِلْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ له فَإِنْ كَانَ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ جُمُعَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَوَجْهَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ
ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اسْتَخْلَفَ هَلْ يُشْتَرَطُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ نِيَّةُ الْقُدْوَةِ بِالْخَلِيفَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (الصَّحِيحُ) لَا يُشْتَرَطُ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ فَقَدَّمَ الْقَوْمُ وَاحِدًا(4/582)
بِالْإِشَارَةِ أَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِنَفْسِهِ جَازَ وَتَقْدِيمُ الْقَوْمِ أَوْلَى مِنْ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ الْمُصَلُّونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدًا وَالْقَوْمُ آخَرَ فَأَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّ مَنْ قَدَّمَهُ الْقَوْمُ أَوْلَى فَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ وَلَا الْقَوْمُ وَلَا تَقَدَّمَ أَحَدٌ فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الْقَوْمِ تَقْدِيمُ وَاحِدٍ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنْ كَانَ خُرُوجُ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ جَازَ التَّقْدِيمُ وَلَمْ يَجِبْ بَلْ لَهُمْ الِانْفِرَادُ بِهَا وَتَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ كَالْمَسْبُوقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ سَبَقَ خِلَافٌ فِي الصُّورَتَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ فيتجه علي مقتضاه خلاف في وجوب التقديم وعدمه
*
* قال المصنف رحمه الله
* (السنة أن لا تقام الجمعة بغير اذن السلطان فان فيه افتئاتا عليه فان أقيمت من غير اذنه جاز لِمَا رُوِيَ " أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صلى العيد وعثمان رضى الله عنه محصور " ولانه فرض لله تعالى لا يختص بفعله الامام فلم يفتقر إلى اذنه كسائر العبادات)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَلَا يُعْلَمُ عُثْمَانُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ لِلَّهِ احْتِرَازٌ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ) لَا يَخْتَصُّ بِفِعْلِهِ الْإِمَامُ احْتِرَازٌ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ وَقَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ مُنْتَقَضٌ بِهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُقَامَ الْجُمُعَةُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ فَإِنْ أُقِيمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا حُضُورِهِ جَازَ وَصَحَّتْ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَنَا إلَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ
الْإِمَامُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ السُّلْطَانِ أَوْ إذْنِهِ فِي الْجُمُعَةِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا تَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَحُضُورِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ السُّلْطَانُ فِي الْبَلَدِ أَمْ لَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا خَلْفَ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ فَإِنْ مَاتَ أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ جَازَ لِلْقَاضِي وَوَالِي الشُّرْطَةِ إقَامَتُهَا وَمَتَى قُدِرَ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ
* وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْآنَ إلَّا بِإِذْنِ(4/583)
السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وَلِأَنَّ تَجْوِيزَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ يُؤَدِّي إلَى فِتْنَةٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقِصَّةِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ كَمَا سَبَقَ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَالْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِمَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا خَرَجَ لِلْبَيَانِ اُعْتُبِرَ فِيهِ صِفَةُ الْفِعْلِ لَا صِفَاتُ الْفَاعِلِ وَلِهَذَا لَا تُشْتَرَطُ النُّبُوَّةُ فِي إمَامِ الْجُمُعَةِ وَكَوْنُ النَّاسِ فِي الْأَعْصَارِ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُهَا إذَا أُقِيمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَقَوْلُهُمْ) يُؤَدِّي إلَى فتنة لا نسلمه لان الاقتئات الْمُؤَدِّي إلَى فِتْنَةٍ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ وَلَيْسَتْ الْجُمُعَةُ مِمَّا تُؤَدِّي إلَى فِتْنَةٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ صَلَّاهَا مِنْ أَمِيرٍ وَمَأْمُورٍ وَمُتَغَلِّبٍ وَغَيْرِ أَمِيرٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَرَادَ بِالْأَمِيرِ السُّلْطَانَ وَبِالْمَأْمُورِ نَائِبَهُ وَبِالْمُتَغَلِّبِ الْخَارِجِيَّ وَبِغَيْرِ الْأَمِيرِ آحَادَ الرَّعِيَّةِ فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ جَمِيعِهِمْ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا صَلَّى عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَاسِدِينَ وَقَالَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ عَلِيًّا مُتَغَلِّبٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ كَذَبَ هَذَا الْمُعْتَرِضُ وَجَهِلَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا مَثَّلَ بِذَلِكَ لِيَسْتَدِلَّ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ غَيْرِ الْأَمِيرِ وَالْمَأْمُورِ وَمُرَادُهُ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ أَمِيرًا فِي حَيَاةِ عُثْمَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ولا يجمع في مصر وان عظم وكثرت مساجده الا في مسجد واحد والدليل
عليه أنه لم يقمها رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الخلفاء من بعده في اكثر من موضع واختلف أصحابنا(4/584)
في بغداد فقال أبو العباس يجوز في مواضع لانه بلد عظيم ويشق الاجتماع في موضع واحد وقال أبو الطيب ابن سلمة يجوز في كل جانب جمعة لانه كالبلدين ولا يجوز اكثر من ذلك وقال بعضهم كانت قرى متفرقة في كل موضع منها جمعة ثم اتصلت العمارة فبقيت على حكم الاصل)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ يُجَمَّعُ هُوَ - بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الميم - وفى بغداد أربع لغات بدالين مهملين وَبِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ وَبَغْدَانُ وَمَغْدَانُ وَيُقَالُ لَهَا مَدِينَةُ السَّلَامِ وَسَبَقَ فِي بَيَانِهَا زِيَادَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ وَهَذَا النَّصُّ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَشَرْطُ الْجُمُعَةِ أَنْ لَا يَسْبِقَهَا فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ جُمُعَةٌ أُخْرَى وَلَا يُقَارِنَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ دَخَلَ الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ وَهُمْ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ وَقِيلَ فِي ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَفِي حُكْمِ بَغْدَادَ فِي الْجُمُعَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى مِنْهَا هُنَا وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالرَّابِعِ (أَحَدُهَا) أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى جُمُعَةٍ فِي بَغْدَادَ جَائِزَةٌ وَإِنَّمَا جَازَتْ لِأَنَّهُ بَلَدٌ كَبِيرٌ يَشُقُّ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى جُمُعَةٍ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ الَّتِي تَكْثُرُ النَّاسُ فِيهَا وَيَعْسُرُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أبو العباس بن سريج وأبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ المهملة والقاضي(4/585)
أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) (والثاني) إيانما جَازَتْ الزِّيَادَةُ فِيهَا لِأَنَّ نَهْرَهَا يَحُولُ بَيْنَ جانبينها فَيَجْعَلُهَا كَبَلَدَيْنِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ فَعَلَى هَذَا لَا تُقَامُ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ بَغْدَادَ إلَّا جُمُعَةٌ وَكُلُّ بَلَدٍ حَالَ بَيْنَ جَانِبَيْهَا نَهْرٌ يُحْوِجُ إلَى السِّبَاحَةِ فَهُوَ كَبَغْدَادَ وَاعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ سَلَمَةَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَانِبَانِ كَبَلَدَيْنِ لَقَصَرَ مَنْ عَبَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخِرِ مُسَافِرًا إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فالتزم ابن سلمة وجوز الْقَصْرِ (وَالثَّالِثُ) تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَإِنَّمَا جَازَتْ لِأَنَّهَا كَانَتْ قُرًى مُتَفَرِّقَةً قَدِيمَةً اتَّصَلَتْ
الْأَبْنِيَةُ فَأَجْرَى عَلَيْهَا حُكْمَهَا الْقَدِيمَ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ بَلَدٍ هَذَا شَأْنُهُ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِمَا اُعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ سَلَمَةَ وَأُجِيبَ بِجَوَابِهِ وَأَشَارَ إلَى هَذَا الْجَوَابِ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (وَالرَّابِعُ) لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى جُمُعَةٍ فِي بَغْدَادَ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ قَالُوا وَإِنَّمَا لَمْ يُنْكِرْهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ وَلَيْسَ لِمُجْتَهِدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مُجْتَهِدٍ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُنْكِرَهَا بِقَلْبِهِ وَسَطَّرَهَا فِي كُتُبِهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْجَوَازُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ وَعُسْرِ الِاجْتِمَاعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ مُتَّفِقَةٌ علي جواز الزدة عَلَى جُمُعَةٍ بِبَغْدَادَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ مَنَعْنَا الزِّيَادَةَ عَلَى جُمُعَةٍ فَعُقِدَتْ جُمُعَتَانِ فَلَهُ صُوَرٌ (إحْدَاهَا) أَنْ تسبق احداها ولايكون الْإِمَامُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَالْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ وَالثَّانِيَةُ باطلة بلا خلاف وفيما يُعْتَبَرُ بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْنِ لِلْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) بِالْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ (وَالثَّانِي) بِالسَّلَامِ مِنْهَا هَكَذَا حَكَاهُمَا الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ قَوْلَيْنِ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ فَحَصَلَتْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ(4/586)
بِالْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فَأَيَّتُهُمَا أُحْرِمَ بِهَا أَوَّلًا فَهِيَ الصَّحِيحَةَ وَإِنْ تَقَدَّمَ سَلَامُ الثَّانِيَةِ وَخُطْبَتُهَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ فَعَلَى هَذَا لَوْ أُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا وَتَقَدَّمَ سَلَامُ إحْدَاهُمَا وَخُطْبَتُهَا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ وَالِاعْتِبَارُ عَلَى هَذَا بِالْفَرَاغِ مِنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَلَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا بِهَمْزَةِ التَّكْبِيرَةِ وَالْأُخْرَى بِالرَّاءِ مِنْهَا فَالصَّحِيحَةُ هِيَ السَّابِقَةُ بِالرَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ السَّابِقَةَ بِالْهَمْزَةِ هِيَ الصَّحِيحَةُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا افْتِتَاحُ أُخْرَى وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي الْجُمُعَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّكْبِيرَةِ بِكَمَالِهَا وَلَوْ أَحْرَمَ
إمَامٌ بِهَا وَفَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ آخَرُ بِالْجُمُعَةِ إمَامًا ثُمَّ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ مُقْتَدِينَ بِالثَّانِي ثُمَّ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الصَّحِيحَةَ هِيَ جُمُعَةُ الْإِمَامِ الاول لان باحرامه به تعيينت جُمُعَتُهُ لِلسَّبْقِ وَامْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ أُخْرَى وَعَلَى جَمِيعِ الْأَوْجُهِ لَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَكَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ السَّابِقَةُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا جُمُعَةٌ وُجِدَتْ شُرُوطُهَا فَلَا تَنْعَقِدُ بها(4/587)
أُخْرَى وَالسُّلْطَانُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْجُمُعَةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ الَّتِي فِيهَا الْإِمَامُ لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ الْأُولَى افْتِئَاتًا عَلَيْهِ وَتَفْوِيتًا لَهَا عَلَى غَالِبِ النَّاسِ لِأَنَّ غَالِبَهُمْ يَكُونُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ في الجمعة فاخبروا في أثنائها بأن جمعة سَبَقَتْهُمْ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ وَهَلْ لَهُمْ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِمْ ظُهْرًا فِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالظُّهْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَعَلَى مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَتَيْنِ (الصُّورَةُ الثانية) أن يقع الْجُمُعَتَانِ مَعًا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُ جُمُعَةٍ ان اتسع الوقت لها (الثالث) أن يشكل الحالى فَلَا يُدْرَى أَوَقَعَتَا مَعًا أَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا فَيَجِبُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَتُجْزِئُهُمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَشَذَّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَقَالَ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَفِي جَوَازِهَا قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَدْ حَكَمَ الْأَئِمَّةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهُمْ إذا عادوا جُمُعَةً بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ إحْدَاهُمَا وَحِينَئِذٍ لَا تَنْعَقِدُ هَذِهِ(4/588)
وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُمْ بِهَا فَطَرِيقُهُمْ فِي الْبَرَاءَةِ بِيَقِينٍ أَنْ يُصَلُّوا جُمُعَةً ثُمَّ ظُهْرًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ كافية في البراء كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ (الرَّابِعَةُ) أَنْ يُعْلَمَ سَبْقُ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ تَلْتَبِسَ قَالَ الْأَصْحَابُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَشُكُّ فِي بَرَاءَتِهَا مِنْ الْفَرْضِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْبَرَاءَةِ وَفِيمَا يَلْزَمهُمْ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُمْ الظُّهْرُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَحَّتْ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُ جُمُعَةٍ أُخْرَى بَعْدَهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ
وَصَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ كَالصُّورَةِ الْخَامِسَةِ أَحَدُهُمَا الظُّهْرُ وَالثَّانِي الْجُمُعَةُ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَحْصُلْ بِهَا الْبَرَاءَةُ فَهِيَ كَجُمُعَةٍ فَاسِدَةٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ شُرُوطِهَا أَوْ أَرْكَانِهَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الْخَامِسَةُ) أَنْ تَسْبِقَ إحْدَاهُمَا وَنَعْلَمَ السَّبْقَ وَلَا نَعْلَمَ عَيْنَ السَّابِقَةِ بِأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ أَوْ مُسَافِرَانِ أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ تَكْبِيرَتَيْنِ لِلْإِمَامَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ وَهُمَا خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرَاهُمْ بِالْحَالِ وَلَمْ يَعْرِفَا الْمُتَقَدِّمَةَ فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ أَيْضًا وَفِيمَا يَلْزَمُهُمْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) الْجُمُعَةُ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ
(وَالثَّانِي)
الظُّهْرُ وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ مَا سَبَقَ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ وَلَوْ كَانَ السُّلْطَانُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ مَعَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى الْجُمُعَةُ هِيَ السَّابِقَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا أَثَرَ لِحُضُورِهِ وَإِنْ قُلْنَا الْجُمُعَةُ هِيَ الَّتِي فِيهَا السُّلْطَانُ فَهُنَا أُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ ثُمَّ أُخْبِرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَنَّ أَرْبَعِينَ أَقَامُوهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْبَلَدِ وَفَرَغُوا مِنْهَا قَبْلَ إحْرَامِهِ أَتَمَّهَا ظُهْرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ اسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ كان افضل
*(4/589)
(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى وَلَمْ يَتَعَيَّنْ حُكِمَ بِبُطْلَانِهِمَا وَفِيمَا يَلْزَمُهُمْ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْجُمُعَةُ (وَالثَّانِي) الظُّهْرُ قَالَ وَإِنْ عُلِمَتْ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا ثُمَّ أَشْكَلَتْ حُكِمَ بِبُطْلَانِهِمَا هَذَا مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِبُطْلَانِهِمَا فِي الصُّورَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الصُّورَتَيْنِ وُجُوبُ الظُّهْرِ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ الظُّهْرَ فَكَيْفَ تَكُونُ الْجُمُعَةُ بَاطِلَةً فَإِنَّهَا لَوْ بَطَلَتْ وَجَبَ إعَادَتُهَا قَطْعًا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَمْ تُجْزِئْ الْجُمُعَةُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَفِيمَا يَلْزَمُهُمْ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الظُّهْرُ لِوُقُوعِ جُمُعَةٍ صحيحة (والثاني) الجمعة لان الاولة لَمْ تُجْزِئْ فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَلَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ إبْهَامٌ وَضَرْبُ تَنَاقُضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ لَوْ كَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ جُنُبًا وَتَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ فَعَلِمَ الْجَنَابَةَ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ جُمُعَةَ الْقَوْمِ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الظُّهْرَ فَلَوْ ذَهَبَ وَتَطَهَّرَ وَاسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ وَصَلَاةَ الْجُمُعَةِ ظَانًّا أَنَّهَا تُجْزِئُهُ ثُمَّ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ
الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الظُّهْرَ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا الِاسْتِئْنَافُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يَجِبُ بَلْ إذَا أَضَافَ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ أَجْزَأَهُ كَمَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا
*(4/590)
(فرع)
في مذاهب العماء فِي إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ أَوْ جُمَعٍ فِي بَلَدٍ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جُمُعَتَانِ فِي بَلَدٍ لَا يَعْسُرُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ فِي مَكَان كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي بَغْدَادَ دُونَ غَيْرِهَا وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ لِلْبَلَدِ جَانِبَانِ جَازَ فِي كُلِّ جَانِبٍ جُمُعَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ يَخُصَّهُ بِبَغْدَادَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ جُمُعَتَانِ سَوَاءٌ كَانَ جَانِبَانِ أَمْ لَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَدَاوُد يَجُوزُ فِي الْبَلَدِ جُمَعٌ وَقَالَ أَحْمَدُ إذَا عَظُمَ الْبَلَدُ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ جَازَ جُمُعَتَانِ فَأَكْثَرَ إنْ احْتَاجُوا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ لَا يَصِحُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ شئ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَكَى عَامَّةُ أَهْلِ الْخِلَافِ كَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِنَا وَحَكَى عَنْهُ السَّاجِيُّ كَمَذْهَبِ مُحَمَّدٍ دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ يُقِيمُوهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مَعَ أَنَّهُمْ أَقَامُوا الْعِيدَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبَلَدِ الصَّغِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْجُمُعَةِ
(إحْدَاهَا) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ بِلَا عُذْرٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ " قَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ " مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بدينار(4/591)
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ " وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ مُضْطَرِبٌ مُنْقَطِعٌ وَرُوِيَ " فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِرْهَمٍ أَوْ نِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ صَاعِ حِنْطَةٍ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ " وَفِي رِوَايَةٍ " مُدٌّ أَوْ نِصْفُ مُدٍّ " وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَاكِمِ إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَمَرْدُودٌ فَإِنَّهُ مُتَسَاهِلٌ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ
قَبْلَهَا أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَتُجْزِئُ رَكْعَتَانِ قَبْلَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَهَا (الرَّابِعَةُ) يُكْرَهُ تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلِيلِهَا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (الْخَامِسَةُ) الِاحْتِبَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ ابن المنذر عن ابن عمرو ابن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي وَعِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ وَنَافِعٍ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وأصحاب الرأى وأحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَكَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ شِدَادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ " شَهِدْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجَمَّعَ بِنَا فَنَظَرْت فَإِذَا جُلُّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُمْ مُحْتَبِينَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ " قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَبِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَيْحٌ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد ابن سعد وَنُعَيْمُ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَهَا إلَّا عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ هَذَا كَلَامُ أَبِي دَاوُد وَرَوَى أَبُو داود والترمذي وغيرهما باسانيدهم عن معاذ ابن أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْحَبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَسَنٌ لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ضَعِيفَانِ فَلَا نُسَلِّمُ حُسْنَهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ نُهِيَ عَنْهَا لِأَنَّهَا تَجْلِبُ النَّوْمَ فَتُعَرِّضُ طَهَارَتَهُ لِلنَّقْضِ وَيُمْنَعُ مِنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ (السَّادِسَةُ) قَالَ فِي الْبَيَانِ إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ (إِنَّ اللَّهَ وملائكته يصلون علي النبي) جاز لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرْفَعَ بِهَا صَوْتَهُ (السَّابِعَةُ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان لكم في جمعة حجة وعمرة فالحجة النهجير إلَى الْجُمُعَةِ وَالْعُمْرَةُ انْتِظَارُ الْعَصْرِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
*(4/592)
(بَابٌ فِي السَّلَامِ)
وَأَحْكَامِهِ وَآدَابِهِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَتَقْبِيلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْوَجْهِ
وما يتعلق بها كُلِّهِ وَأَشْبَاهِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ هَذَا الْبَابَ هُنَا وَذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ فَرَأَيْت تَقْدِيمَهُ أَحْوَطَ وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذَا كُلَّهُ مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ وَفُرُوعِهِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَأَذْكُرُ هُنَا مَقَاصِدَ مُخْتَصَرَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ فُصُولٌ
* (الْأَوَّلُ) فِي فَضْلِ السَّلَامِ وَإِفْشَائِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عند الله مباركة طيبة) وَقَالَ تَعَالَى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ منها أو ردوها) وَقَالَ تَعَالَى (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قال سلام) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خير قال " تطعم الطعام وتقرئ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَسَلِّمْ علي اولئك نفر مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ بِهِ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه رحمة اللَّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَصْرِ الضَّعِيفِ وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تحابوا اولا ادلكم علي شئ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ " رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ عَمَّارٌ " ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالِمِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ " وَرَوَيْنَا هَذَا فِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ
(الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَةِ السَّلَامِ وَأَحْكَامِهِ) وَفِيهِ مَسَائِلُ:
(إحْدَاهَا) إبْدَاءُ السَّلَامِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا مَرَّتْ جَمَاعَةٌ بِوَاحِدٍ أَوْ بِجَمَاعَةٍ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ حَصَلَ أصل السنة(4/593)
وَأَمَّا جَوَابُ السَّلَامِ فَهُوَ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ السَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ فَالْجَوَابُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى جَمْعٍ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِذَا أَجَابَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَسَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ جَمِيعِهِمْ وَإِنْ أَجَابُوا كُلُّهُمْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُؤَدِّينَ لِلْفَرْضِ سَوَاءٌ رَدُّوا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبِينَ فَلَوْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ وَلَوْ رَدَّ غَيْرُ الَّذِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ وَالْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي ابْتِدَاءِ السلام وجوابه رفع الصوت بحيث يحصل الاسماع وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ رَفْعًا يَسْمَعُهُ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ وَالْمَرْدُودُ عَلَيْهِمْ سَمَاعًا مُحَقَّقًا وَلَا يَزِيدُ فِي رَفْعِهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ شَكَّ فِي سَمَاعِهِمْ زَادَ وَاسْتَظْهَرَ وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى أَيْقَاظٍ عندهم نيام حفض صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الْأَيْقَاظُ وَلَا يَسْتَيْقِظُ النِّيَامُ ثبت ذلك عن صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ فِعْلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رِوَايَةِ الْمِقْدَادِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجَوَابِ مُتَّصِلًا بِالسَّلَامِ الِاتِّصَالَ الْمُشْتَرَطَ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْعُقُودِ (الرَّابِعَةُ) يُسَنُّ بَعْثُ السَّلَامِ إلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ وَفِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَيَلْزَمُ الرَّسُولُ تَبْلِيغَهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الامانات الي اهلها) وَإِذَا نَادَاهُ مِنْ وَرَاءِ حَائِطٍ أَوْ نَحْوِهِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا فُلَانُ أَوْ كَتَبَ كِتَابًا وَسَلَّمَ فِيهِ عَلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا وَقَالَ سَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ وَالرَّسُولُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ عَلَى الْفَوْرِ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ الْمُفَسِّرُ فِي كِتَابِهِ الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الرَّسُولِ مَعَهُ فَيَقُولُ وَعَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَفِيهِ حَدِيثٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَكِنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُعْمَلُ فِيهَا بِالضَّعِيفِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ (الْخَامِسَةُ) إذَا سَلَّمَ عَلَى أَصَمَّ أَتَى بِاللَّفْظِ لِقُدْرَتِهِ وَيُشِيرُ بِالْيَدِ لِيَحْصُلَ الْإِفْهَامُ فَإِنْ لَمْ يَضُمَّ الْإِشَارَةَ إلَى اللَّفْظِ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا وَكَذَا فِي جواب سلام الاصم يحب الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (السَّادِسَةُ) سَلَامُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ مُعْتَدٌّ بِهِ وَكَذَا جَوَابُهُ وَلَا تُجْزِئُ(4/594)
الْإِشَارَةُ فِي حَقِّ النَّاطِقِ لَا سَلَامًا وَلَا جَوَابًا وَأَمَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ فَحَسَنٌ وَسُنَّةٌ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا وَعُصْبَةٌ مِنْ النِّسَاءِ قُعُودٌ فَأَلْوَى بِيَدِهِ لِلتَّسْلِيمِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي رِوَايَتِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ جَمَعَ اللَّفْظَ وَالْإِشَارَةَ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِشَارَةِ
إلَى السَّلَامِ بِالْأُصْبُعِ أَوْ الْكَفِّ (فَضَعِيفٌ) ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْإِشَارَةِ (السَّابِعَةُ) فِي كَيْفِيَّةِ السَّلَامِ وَجَوَابِهِ قال صاحب الحاوى المتولي وَغَيْرُهُمَا أَكْمَلُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَادِئُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَيَقُولُ الْمُجِيبُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ يَقُولُ الْبَادِئُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَقَطْ لِيَتَمَكَّنَ الْمُجِيبُ أَنْ يُجِيبَ بِأَحْسَنَ مِنْهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أو ردوها) وَلَا يُمْكِنُهُ أَحْسَنُ مِنْهَا إلَّا إذَا حَذَفَ الْبَادِئُ وَبَرَكَاتُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرٌ ثُمَّ جَاءَ آخَر فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ عِشْرُونَ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَجَلَسَ فَقَالَ ثَلَاثُونَ " رَوَاهُ(4/595)
الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي رِوَايَةِ لِأَبِي دَاوُد زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا من رواية معاذ ابن أَنَسٍ قَالَ ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ فَقَالَ أَرْبَعُونَ وَقَالَ هَكَذَا تَكُونُ الْفَضَائِلُ
* وَأَمَّا أَقَلُّ السَّلَامِ ابْتِدَاءً كَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكَ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكَ وَلَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ تَسْلِيمٌ يَجِبُ فِيهِ الْجَوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْوَاحِدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وَلَكِنْ يُكْرَهُ الِابْتِدَاءُ بِهِ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الاحياء ودليله الحديث الصحيح عن أبى جرئ بِضَمِّ الْجِيمِ تَصْغِيرُ جَرْوٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قُلْتُ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ إذَا سَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ خِطَابًا لَهُ وَلِمَلَائِكَتِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكَ كَفَى وَصِفَةُ الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ إنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَوْ تَرَكَ وَاوَ الْعَطْفِ فَقَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْجُمْهُورُ تُجْزِئُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (قَالُوا سلاما قال سلام) ولحديث أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هِيَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ
ذُرِّيَّتِكَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الجواب عليكم فَقَطْ لَمْ يَكُنْ جَوَابًا وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَيْسَ بِجَوَابٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ السَّلَامِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ جَوَابُ الْعَطْفِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ إسْلَامِهِ قَالَ " كُنْتُ أول من حيى النبي صلي الله عليه وسلم بتحية السلام فقال عليك وَرَحْمَةُ اللَّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا مِنْ غَيْرِ ذكر الاسلام وَلَوْ قَالَ الْمُجِيبُ(4/596)
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَانَ جَوَابًا بِلَا خِلَافٍ وَالْأَلْفُ وَاللَّامُ أَفْضَلُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ أَنْتَ فِي تَعْرِيفِ السَّلَامِ وَتَنْكِيرِهِ مُخَيَّرٌ
* (فَرْعٌ)
لو تلاقا رَجُلَانِ فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ دَفْعَةً واحدة ثم صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مُبْتَدِئًا بِالسَّلَامِ لَا مُجِيبًا فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَوَابَ صَاحِبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَوْ وَقَعَ كَلَامُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي هُوَ كَوُقُوعِهِمَا مَعًا فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَوَابُ الْآخَرِ وَأَنْكَرَ الشَّاشِيُّ هَذَا وَقَالَ هَذَا اللَّفْظُ يَصِحُّ جَوَابًا فَإِذَا وَقَعَ مُتَأَخِّرًا كَانَ جَوَابًا وَلَا يَجِبُ الْجَوَابُ بَعْدَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّاشِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ اللَّهُ تعالي (قالوا سلاما قال سلام)
* (فَرْعٌ)
إذَا تَلَاقَيَا فَقَالَ الْبَادِئُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يَكُونُ ذَلِكَ سَلَامًا فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ (الثَّامِنَةُ) لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مُتَفَرِّقِينَ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى جَنَائِزَ صَلَاةً وَاحِدَةً ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ أَنْ يَخُصَّ طَائِفَةً مِنْ الْجَمْعِ بِالسَّلَامِ إذَا أَمْكَنَ السَّلَامُ عَلَى جَمِيعِهِمْ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّلَامِ الْمُؤَانَسَةُ وَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ إيحَاشٌ وَرُبَّمَا أَوْرَثَ عَدَاوَةً (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي إذَا مَشَى فِي السُّوقِ وَالشَّوَارِعِ الْمَطْرُوقَةِ كَثِيرًا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ فِيهِ الْمُتَلَاقُونَ فَإِنَّ السَّلَامَ هُنَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ النَّاسِ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَهُ اشْتَغَلَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ وَخَرَجَ عَنْ الْعُرْفِ قَالَ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَذَا السَّلَامِ جَلْبُ مَوَدَّةٍ أَوْ دَفْعُ مَكْرُوهٍ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا دَخَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ يَعُمُّهُمْ سَلَامٌ وَاحِدٌ اقْتَصَرَ عَلَى سَلَامٍ وَاحِدٍ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَمَا زَادَ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ فَهُوَ أَدَبٌ وَيَكْفِي أَنْ يَرُدَّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَدَبٌ قَالَ فَإِنْ كَانُوا جَمْعًا لَا يَنْتَشِرُ فِيهِمْ السَّلَامُ الْوَاحِدُ كَالْجَامِعِ وَالْمَجَالِسِ الْوَاسِعَةِ(4/597)
الْحَفِلَةِ فَسُنَّةُ السَّلَامِ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ الدَّاخِلُ أَوَّلَ دُخُولِهِ إذَا وَصَلَ الْقَوْمَ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا سُنَّةَ السَّلَامِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ وَيَدْخُلُ فِي فَرْضِ كِفَايَةِ الرَّدِّ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ فَإِنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِيهِمْ سَقَطَ عَنْهُ سُنَّةُ السَّلَامِ عَلَى الْبَاقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمْ وَيَجْلِسَ فِيمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا سَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ سُنَّةَ السَّلَامِ حَصَلَتْ بِسَلَامِهِ عَلَى أَوَّلِهِمْ لِأَنَّهُمْ جَمْعٌ وَاحِدٌ فَعَلَى هَذَا إنْ أَعَادَ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ كَانَ أَدَبًا قَالَ وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ مَتَى رَدَّ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ جَمِيعِ مَنْ فِيهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا بَاقِيَةٌ لَمْ تَحْصُلْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ فَعَلَى هَذَا لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الرَّدِّ عَنْ الْأَوَّلِينَ بُرْدِ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ وَلَعَلَّ هَذَا الثَّانِيَ أَصَحُّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فسلم عليهم سلم عليهم ثَلَاثًا " وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّلَامِ مَعَ الِاسْتِئْذَانِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ ثُمَّ فَارَقَهُ ثُمَّ لَقِيَهُ عَلَى قُرْبٍ أو حال بينهما شئ ثُمَّ اجْتَمَعَا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا لَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَالِثًا وَرَابِعًا وَأَكْثَرَ سَلَّمَ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَانُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ المسئ صَلَاتَهُ " أَنَّهُ صَلَّى فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَنَسٌ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَاشُونَ فَإِذَا اسْتَقْبَلَتْهُمْ شَجَرَةٌ أَوْ أَكِمَةٌ فَتَفَرَّقُوا يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ الْتَقَوْا من ورائهما سَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ قَبْلَ كُلِّ كَلَامٍ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَعَمَلُ الْأُمَّةِ عَلَى وَفْقِ هَذَا مِنْ الْمَشْهُورَاتِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ(4/598)
جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ " فَضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لكل واحد من المتلاقين أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ " وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاَللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ السَّلَامَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلَانِ يَلْتَقِيَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ قَالَ أَوْلَاهُمَا بِاَللَّهِ تَعَالَى " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ (الْخَامِسَةَ عشر) السُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ فَلَوْ ابْتَدَأَ الْمَاشِي بِالسَّلَامِ عَلَى الرَّاكِبِ أَوْ الْقَاعِدُ عَلَى الْمَاشِي أَوْ الْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ الْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ لَمْ يُكْرَهْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى صَرَّحَ بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ فِيمَا إذَا تَلَاقَيَا أَوْ تَلَاقَوْا فِي طَرِيقٍ فَأَمَّا إذَا وَرَدَ عَلَى قَاعِدٍ أَوْ قَوْمٍ فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي السَّلَامِ بِالْعَجَمِيَّةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يُجْزِئُ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُ (وَالثَّالِثُ) إنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِلَّا فَيُجْزِئُهُ وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ صِحَّةُ سَلَامِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَوُجُوبُ الرَّدِّ عَلَيْهِ إذَا فَهِمَهُ الْمُخَاطَبُ سَوَاءٌ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يُسَمَّى تَحِيَّةً وَسَلَامًا وَأَمَّا مَنْ لَا يَسْتَقِيمُ نُطْقُهُ بِالسَّلَامِ فَيُسَلِّمُ كَيْفَ أَمْكَنَهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ إذَا قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ وَأَرَادَ فِرَاقَ الْجَالِسِينَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْأُخْرَى " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ (وَأَمَّا قَوْلُ) الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ بِالسَّلَامِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْقَوْمِ وَذَلِكَ دُعَاءٌ مُسْتَحَبٌّ جَوَابُهُ(4/599)
وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اللِّقَاءِ لَا عِنْدَ الِانْصِرَافِ (فَظَاهِرُهُ) مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ قَالَ الشَّاشِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَاهُ فَاسِدٌ لِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ عِنْدَ الِانْصِرَافِ كَمَا هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالصِّبْيَانِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ السُّنِّيّ وَغَيْرِهِ قَالَ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا صِبْيَانُ " وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى صَبِيٍّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَأَصْحَابُنَا لَا يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْجَوَابُ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ صَبِيٌّ فَرَدَّ الصَّبِيُّ وَلَمْ يَرُدَّ أَحَدٌ مِنْ الْبَالِغِينَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُمْ بِجَوَابِهِ لِأَنَّ الْجَوَابَ فَرْضٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَقَالَ الشَّاشِيُّ يَسْقُطُ بِهِ كَمَا يصح أذ انه للرجل ويحصل به اداء الشعار وَهَذَا الْخِلَافُ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ بِصَلَاتِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْصُوصَ سُقُوطُهُ فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ وَالْأَصَحُّ هُنَا خِلَافُهُ وَلَوْ سَلَّمَ صَبِيٌّ عَلَى بَالِغٍ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي والرافعي في وجوب الرد عليه وجهان بناءا عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِهِ (وَالصَّحِيحُ) وُجُوبُ الرَّدِّ لِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بأحسن منها أو ردوها) قَالَ الشَّاشِيُّ هَذَا الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ فَاسِدٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) سَلَامُ النِّسَاءِ عَلَى النِّسَاءِ كَسَلَامِ الرِّجَالِ عَلَى الرِّجَالِ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى(4/600)
رَجُلٍ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ أَوْ كَانَتْ أَمَتَهُ كَانَ سُنَّةً وَوَجَبَ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَجُوزًا خَارِجَةً عَنْ مَظِنَّةِ الْفِتْنَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى شَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا الرَّدُّ وَلَوْ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ الرَّدُّ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ جَمْعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ الرَّجُلُ أَوْ كَانَ الرِّجَالُ جَمْعًا كَثِيرًا فَسَلَّمُوا عَلَى الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَهُوَ سُنَّةٌ إذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِنَّ وَلَا عَلَيْهَا فِتْنَةٌ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السَّلْقِ(4/601)
فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شغير فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إلَيْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَتُكَرْكِرُ تَطْحَنُ - وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرهُ فَسَلَّمْتُ وَذَكَرَتْ تَمَامَ الْحَدِيثِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الْعِشْرُونَ) فِي السَّلَامِ عَلَى الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ الْمُجَاهِرِ بِفِسْقِهِ وَمَنْ ارْتَكَبَ ذَنْبًا عَظِيمًا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ(4/602)
(أَحَدُهُمَا) مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَالْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ
* وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِلْمَسْأَلَةِ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ هُوَ وَرَفِيقَانِ لَهُ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا قَالَ وَكُنْتُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَأَقُولُ هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا تسلموا علي شربة الخمر قال الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُرَدُّ السَّلَامُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ كَعْبٍ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى السَّلَامِ عَلَى الظَّلَمَةِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وخاف ترتب مفسدة في(4/603)
دين أو دينا إنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ يَنْوِي حِينَئِذٍ أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ اللَّهُ رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا سَلَّمَ مَجْنُونٌ أَوْ سَكْرَانُ هَلْ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمَجْنُونِ سَاقِطَةٌ وَكَذَا عِبَارَةُ السَّكْرَانِ فِي الْعِبَادَاتِ (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) لَا يَجُوزُ السَّلَامُ عَلَى الْكُفَّارِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي) يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ لكن يقول السلام عليك ولا يقل عَلَيْكُمْ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا سَلَّمَ الذِّمِّيُّ عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ فِي الرَّدِّ وَعَلَيْكُمْ وَلَا يزيد(4/604)
عَلَى هَذَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور حكى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَقُولُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَلَكِنْ لَا يَقُولُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تبدأوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْ(4/605)
وَعَلَيْكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ سَلَّمَ مُسْلِمٌ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ كَافِرًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ فَيَقُولُ لَهُ رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي أَوْ اسْتَرْجَعْتُ سَلَامِي وَالْمَقْصُودُ إيحَاشُهُ وَأَنَّهُ لَا مُؤَالَفَةَ بَيْنَهُمَا قَالَ وروى ذلك عن ابن عمر وفى الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّهُ وَاخْتَارَهُ ابن العربي المالكي
*(4/606)
(فرع)
لومر بِمَجْلِسٍ فِيهِ كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ أَوْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ أستحب أن يسلم عليهم ويقصد المسلمون أَوْ الْمُسْلِمَ لِحَدِيثِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَتَبَ إلَى كَافِرٍ كِتَابًا فِيهِ سَلَامٌ أَوْ نَحْوُهُ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَكْتُبَ نَحْوَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيث أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ " مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى "
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ تَحِيَّةَ ذِمِّيٍّ بِغَيْرِ السَّلَامِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ هَدَاكَ اللَّهُ أَوْ أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَكَ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ إنْ احْتَاجَ إلَى تَحِيَّتِهِ لِدَفْعِ شَرِّهِ أَوْ نَحْوِهِ فَيَقُولُ صَبَّحَكَ اللَّهُ(4/607)
بِالْخَيْرِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ بِالْعَافِيَةِ أَوْ بِالْمَسَرَّةِ ونحوه فان لم يحتج فالاختيار ان لا يَقُولَ شَيْئًا فَإِنَّ ذَلِكَ بَسْطٌ وَإِينَاسٌ وَإِظْهَارُ مودة وقد امرنا باالاغلاظ عَلَيْهِمْ وَنُهِينَا عَنْ وُدِّهِمْ
(الثَّالِثَةُ) وَالْعِشْرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ سَلَّمَ فِي حَالَةٍ لَا يُشْرَعُ فِيهَا السَّلَامُ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا قَالُوا فَمِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى مُشْتَغِلٍ بِبَوْلٍ أَوْ جِمَاعٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا وَيُكْرَهُ جَوَابُهُ وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ كَانَ نَائِمًا أو ناعسا(4/608)
أَوْ فِي حَمَّامٍ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُشْتَغِلٌ بِمَا لَا يُؤَثِّرُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي حَالِهِ وَأَمَّا الْمُشْتَغِلُ بِالْأَكْلِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمُتَوَلِّي لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ اللُّقْمَةُ فِي فِيهِ وَكَانَ يَمْضِي زَمَانٌ فِي المضع وَالِابْتِلَاعِ وَيَعْسُرُ الْجَوَابُ فِي الْحَالِ قَالَ فَأَمَّا إنْ سَلَّمَ بَعْدَ الِابْتِلَاعِ وَقَبْلَ وَضْعِ لُقْمَةٍ أُخْرَى فَلَا يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ أَمَّا الْمُصَلِّي قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورُ لَا مَنْعَ مِنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا يَسْتَحِقَّ جَوَابًا لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْإِشَارَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ(4/609)
وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي الْجَدِيدِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ فِي الْحَالِ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ بِاللَّفْظِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا فَإِنْ رَدَّ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ بَطَلَتْ إنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهُ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ قَالَ وَعَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مَبْسُوطَةً وَأَمَّا الْمُلَبِّي بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فَإِنْ سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ لَفْظًا نَصَّ عليه(4/610)
الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ وَمُقِيمِ الصَّلَاةِ فِي مَعْنَى السَّلَامِ عَلَى الْمُلَبِّي وَالسَّلَامُ فِي حال الخطبة سبق بيانه أما الْمُشْتَغِلُ بِقِرَاءَةٍ فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ الْأَوْلَى تَرْكُ السَّلَامِ عَلَيْهِ قَالَ فَإِنْ سَلَّمَ كَفَاهُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ وَإِنْ رَدَّ بِاللَّفْظِ اسْتَأْنَفَ الِاسْتِعَاذَةَ ثُمَّ قَرَأَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي حَالِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْأَكْلِ لَمْ يُكْرَهْ وَفِي الْجِمَاعِ وَالْبَوْلِ كُرِهَ(4/611)
(الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ أَوْ بَيْتًا غَيْرَهُ أَوْ مَسْجِدًا وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ أَنْ يُسَلِّمَ فَيَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى(4/612)
(فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً من عند الله مباركة طيبة) وَالْمَسْأَلَةُ ذَكَرْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا مَرَّ بِإِنْسَانٍ أَوْ جَمْعٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ السَّلَامُ وَلَا يَتْرُكُ هَذَا الظَّنَّ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالسَّلَامِ لَا بِالرَّدِّ وَلِأَنَّهُ قَدْ يخطي الظَّنُّ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا(4/613)
سَبَبٌ لِإِدْخَالِ الْإِثْمِ عَلَى الْمَمْرُورِ بِهِ (قُلْنَا) هذا خيال باطن فَإِنَّ الْوَظَائِفَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُتْرَكُ بِهَذَا الْخَيَالِ وَالتَّقْصِيرُ هُنَا هُوَ مِنْ الْمَمْرُورِ عَلَيْهِمْ وَيُخْتَارُ لمن سلم ولم يرد عليه أن يبرأ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ(4/614)
والاحسن أن يقول له ان أمكن له رُدَّ السَّلَامَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْكَ (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ التَّحِيَّةُ بِالطَّلْبَقَةِ وَهِيَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ بَاطِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ عَلَى كَرَاهَةِ(4/615)
أطال الله بقاك وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ تَحِيَّةُ الزَّنَادِقَةِ (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَأَمَّا التَّحِيَّةُ عِنْدَ خُرُوجِهِ من الحمام بقوله طاب حمامك فنحوه فَلَا أَصْلَ لَهَا وَهُوَ كَمَا قَالُوا فَلَمْ يصح في شئ لَكِنْ لَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ حِفْظًا لِوُدِّهِ أَدَامَ اللَّهُ لَك النَّعِيمَ وَنَحْوَهُ مِنْ الدُّعَاءِ فَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْمُتَوَلِّي وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِرَجُلٍ(4/616)
خَرَجَ مِنْ الْحَمَّامِ " طَهُرْتَ فَلَا نَجَسْت " (الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا ابْتَدَأَ الْمَارُّ فَقَالَ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ قَوَّاكَ اللَّهُ أَوْ حَيَّاكَ اللَّهُ أَوْ لَا أَوْحَشَ اللَّهُ مِنْكَ وَنَحْوَهَا مِنْ أَلْفَاظِ أَهْلِ الْعُرْفِ لَمْ يَسْتَحِقَّ جوابا لكن لو دعى له قبالة دعائه كان حسنا لا أَنْ يُرِيدَ تَأْدِيبَهُ أَوْ تَأْدِيبَ غَيْرِهِ لِتَخَلُّفِهِ وَإِهْمَالِهِ السَّلَامَ فَيَسْكُتَ
* (الْفَصْلُ الثَّالِثُ) فِي الِاسْتِئْذَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ(4/617)
الذين من قبلهم) وَقَالَ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا على أهلها) وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ " وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَيَا الِاسْتِئْذَانَ ثَلَاثًا مِنْ طُرُقٍ وَالسُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ الِاسْتِئْذَانَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ يَسْتَأْذِنَ فَيَقُومَ عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُ إلَى مَنْ فِي(4/618)
دَاخِلِهِ ثُمَّ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ أَوْ نَحْوَ هَذَا فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ قَالَ ذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ انصرف لحديث ربعى بن حراش قَالَ " حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنَى عَامِرٍ اسْتَأْذَنَ النبي صلى الله عليه وسلم وفى بيت فقال الج فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَادِمِهِ اُخْرُجْ إلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ فَقَالَ لَهُ قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ كَلَدٍ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ - ابْنِ الْحَنْبَلِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ(4/619)
" أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعْ فَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ(4/620)
السَّلَامِ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) هَذَا
(وَالثَّانِي) تَقْدِيمُ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى السَّلَامِ
(وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُهُ إنْ وَقَعَتْ عَيْنُ الْمُسْتَأْذِنِ(4/621)
عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ قَبْلَ دُخُولِهِ قَدَّمَ السَّلَامَ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ عَيْنُهُ قَدَّمَ الِاسْتِئْذَانَ وَإِذَا اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ فَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ كَلَامًا وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ
(أَحَدُهَا) يُعِيدُ الِاسْتِئْذَانَ
(وَالثَّانِي) لَا يُعِيدُهُ
(وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِئْذَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يُعِدْهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَعَادَهُ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهُ بِحَالٍ وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَكِنْ إذَا تَأَكَّدَ ظَنُّهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ لِبُعْدِ الْمَكَانِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ وَيَكُونُ الْحَدِيثُ فِيمَنْ لَمْ يَظُنَّ عَدَمَ سَمَاعِهِمْ وَالسُّنَّةُ لِمَنْ اسْتَأْذَنَ بِدَقِّ الْبَابِ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ أَنْ يَقُولَ فلان ابن فُلَانٍ أَوْ فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ أَوْ فُلَانٌ الْمَعْرُوفُ بِكَذَا أَوْ فُلَانٌ فَقَطْ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ التَّامُّ بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ أَنَا أَوْ الْخَادِمُ وَنَحْوُ هَذَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ الْمَشْهُورُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ صَعَدَ بِي جِبْرِيلُ(4/622)
إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا فَقَالَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ ثُمَّ صَعَدَ إلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَسَائِرِهِنَّ وَيُقَالُ فِي بَابِ كُلِّ سَمَاءٍ مَنْ هَذَا فَيَقُولُ جِبْرِيلُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ ذَا فَقُلْتُ أَنَا فقال أنا أَنَا كَأَنَّهُ كَرِهَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُخَاطَبُ بِغَيْرِهِ وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ صُورَةَ تَبْجِيلٍ لَهُ بِأَنْ يُكَنِّيَ نَفْسَهُ أَوْ يَقُولَ أَنَا الْقَاضِي فُلَانٌ أَوْ الْمُفْتِي أو الشيخ الْأَمِيرُ وَنَحْوُهُ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَاسْمُهُ الحارث بن ريعى فِي حَدِيثِ الْمِيضَأَةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مُعْجِزَاتٍ وَعُلُومٍ قَالَ " فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا قُلْتُ أَنَا أَبُو قَتَادَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ وَاسْمُهُ جُنْدُبٌ بْنُ جُنَادَةَ قَالَ " خَرَجْتُ لَيْلَةً فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي وَحْدَهُ فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي قَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَبُو ذَرٍّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ فَاطِمَةُ وَقِيلَ هِنْدٌ قَالَتْ " أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* (الْفَصْلُ الرَّابِعُ) فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ يُقَالُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ(4/623)
فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ الْعُطَاسِ مَحْمُودٌ وَهُوَ خِفَّةُ الْبَدَنِ الَّتِي تَكُونُ لِقِلَّةِ الْأَخْلَاطِ
وَتَخْفِيفِ الْغِذَاءِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ وَيُسَهِّلُ الطَّاعَةَ وَالتَّثَاؤُبُ ضِدُّهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ(4/624)
قَالَ عَطَسَ " رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ فقال الذى يُشَمِّتْهُ عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمَّتَّهُ وَعَطَسْتُ فَلَمْ تُشَمِّتْنِي فَقَالَ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أبي موسى الأشعري قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا(4/625)
عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " حَقُّ الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَيَقُولُ هُوَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ(4/626)
وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ عُطَاسِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَهُوَ أَحْسَنُ فَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حال(4/627)
كَانَ أَفْضَلَ وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَوْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَوْ رَحِمَكَ رَبُّكَ أَوْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَأَفْضَلُهُ رَحِمَكَ اللَّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَكُلُّ هذا سنة ليس فيه شئ وَاجِبٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالتَّشْمِيتُ وَهُوَ قَوْلُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا قَالَهَا بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَجْزَأَ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِنْ تَرَكُوهَا كُلُّهُمْ كَانُوا سَوَاءً فِي تَرْكِ السُّنَّةِ وَإِنْ قَالُوهَا كُلُّهُمْ كَانُوا سَوَاءً فِي الْقِيَامِ بِهَا وَنَيْلِ فضلها كما سبق ابْتِدَاءِ الْجَمَاعَةِ بِالسَّلَامِ وَرَدِّهِمْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةً هُوَ مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ هُوَ وَاجِبٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُسَنُّ التَّشْمِيتُ إذَا قَالَ الْعَاطِسُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ ذكره تَشْمِيتُهُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَإِذَا شُمِّتَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْعَاطِسُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ(4/628)
وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ أَوْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَالْأَفْضَلُ الْأَوَّلُ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَأَقَلُّ الْحَمْدِ وَالتَّشْمِيتِ وَجَوَابِهِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يُسْمِعُ صَاحِبَهُ وَلَوْ قَالَ الْعَاطِسُ لَفْظًا غَيْرَ الْحَمْدِ لله لم يستحق التشميت لظاهر
__________
(3) بين سطور الاصل ما نصه (اظنه قال عقبه وفي النسائي الا انها كانت عقبا) اه
*(4/629)
الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلَوْ عَطَسَ فِي صَلَاتِهِ اُسْتُحِبَّ أن يقول الحمد لله وسمع نَفْسَهُ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) هَذَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ (وَالثَّانِي) يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ (وَالثَّالِثُ) لَا يَحْمَدُ قَالَهُ سَحْنُونَ(4/630)
وَدَلِيلُ مَذْهَبِنَا الْأَحَادِيثُ الْعَامَّةُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَضَعَ الْعَاطِسُ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ أَوْ نَحْوَهُ عَلَى فَمِهِ وَأَنْ يَخْفِضَ صَوْتَهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ(4/631)
عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَإِذَا تَكَرَّرَ الْعُطَاسُ مِنْ إنْسَانٍ مُتَتَابِعًا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُشَمِّتَهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ زَادَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَزْكُومٌ دَعَا لَهُ بِالشِّفَاءِ وَلَوْ عَطَسَ يَهُودِيُّ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ " كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
*(4/632)
(الْفَصْلُ الْخَامِسُ) فِي الْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالتَّقْبِيلِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ مَسَائِلُ
(إحْدَاهَا) الْمُصَافَحَةُ سُنَّةٌ عِنْدَ التَّلَاقِي لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ " قُلْتُ لِأَنَسٍ أَكَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ طلحة بن عبيد الله قَامَ إلَيْهِ فَصَافَحَهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم في سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَتَلَاقَيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ " يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَتُسَنُّ الْمُصَافَحَةُ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ وَأَمَّا مَا أَعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ(4/633)
وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمُصَافَحَةِ سُنَّةٌ وَكَوْنُهُمْ خَصُّوهَا بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ وَفَرَّطُوا فِي أَكْثَرِهَا لَا يُخْرِجُ ذَلِكَ الْبَعْضَ عَنْ كَوْنِهِ مَشْرُوعَةً فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ مَعَ(4/634)
الْمُصَافَحَةِ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " لا يحقرن مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك بِوَجْهٍ طَلِيقٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وينبغي أن يحذر من مصافحة الامرد الحسن فَإِنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ مِنْ حُرِّمَ النَّظَرُ إلَيْهِ حُرِّمَ مَسُّهُ وَقَدْ يَحِلُّ النَّظَرُ مَعَ تَحْرِيمِ الْمَسِّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ والعطاء ونحوها ولا يجوز مسها في شئ من ذلك (الثانية) يكره حتي الظَّهْرِ فِي كُلِّ حَالٍ لِكُلِّ أَحَدٍ لِحَدِيثِ انس السابق في المسألة الاولي وقوله اننحنى قَالَ لَا وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ وَنَحْوِهِمَا (الثَّالِثَةُ) الْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُ إكْرَامِ الدَّاخِلِ بِالْقِيَامِ لَهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَرَفٍ أو ولاية مع صيانة أوله حُرْمَةٌ بِوِلَايَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَيَكُونُ هَذَا الْقِيَامُ لِلْإِكْرَامِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ عَمَلُ السَّلَفِ لِلْأُمَّةِ(4/635)
وَخَلَفِهَا وَقَدْ جَمَعْتُ فِي هَذَا جُزْءًا مُسْتَقِلًّا جَمَعْتُ فِيهِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ وَأَقْوَالَ السَّلَفِ وَأَفْعَالَهُمْ الدَّالَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا خَالَفَهَا وَأَوْضَحْتُ الْجَوَابَ عَنْهَا (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ يَدِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَالزَّاهِدِ وَالْعَالِمِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ يَدِهِ لِغِنَاهُ وَدُنْيَاهُ وَشَوْكَتِهِ وَوَجَاهَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَكْرُوهٌ شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يَجُوزُ فَأَشَارَ إلَى تَحْرِيمِهِ وَتَقْبِيلُ رَأْسِهِ(4/636)
وَرِجْلِهِ كَيَدِهِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ خَدِّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَوَلَدِ قَرِيبِهِ وَصَدِيقِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ صِغَارِ الْأَطْفَالِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ فَسُنَّةٌ وَأَمَّا التَّقْبِيلُ بِالشَّهْوَةِ فَحَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ بَلْ النَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ حَرَامٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يستثني من تحريم القبلة بِشَهْوَةٍ إلَّا زَوْجَتُهُ وَجَارِيَتُهُ وَأَمَّا تَقْبِيلُ الرَّجُلِ الميت والقادم من سفره ونحوه فسنة ومعانقة القادم من سفر ونحوه سنة وَأَمَّا الْمُعَانَقَةُ وَتَقْبِيلُ وَجْهِ غَيْرِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ غَيْرِ الطِّفْلِ فَمَكْرُوهَانِ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي التَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ وَمَكْرُوهٌ فِي غَيْرِهِ هُوَ(4/637)
فِي غَيْرِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ فَأَمَّا الْأَمْرَدُ الْحَسَنُ فَيَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ تَقْبِيلُهُ سَوَاءٌ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُعَانَقَتَهُ قَرِيبَةٌ مِنْ تَقْبِيلِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُقَبِّلُ وَالْمُقَبَّلُ صَالِحَيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا تَقْبِيلُ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ الْأَوَّلُ عَنْ زَارِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقِيسِ قَالَ " فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صلي(4/638)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (الثَّانِي) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قِصَّةٍ قَالَ " فَدَنَوْنَا يَعْنِي مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلْنَا يَدَهُ " رَوَاهُ أبو داود (الثالثة) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَبَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم الحسن ابن علي رضي الله عنهما وعنده الاقرع ابن حَابِسٍ فَقَالَ إنْ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الرَّابِعُ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَتُقَبِّلُونَ صبيانكم فقالوا وَاَللَّهِ مَا نُقَبِّلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمْلِكُ إنْ كَانَ الله نرع مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ بالفاظ (الخامس) عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ " (السَّادِسُ) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مُضْطَجِعَةٌ قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى فَأَتَاهَا
أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ وَقَبَّلَ خَدَّهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (السَّابِعُ) عَنْ صفوان بن غسان رضى الله(4/639)
عَنْهُ قَالَ " قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ اذْهَبْ بِنَا إلَى هَذَا النَّبِيِّ فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (الثَّامِنُ) عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ " دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (التَّاسِعُ) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (الْعَاشِرُ) حَدِيثُ أَنَسٍ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى " الرَّجُلُ يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا إلَخْ " وعن أياس ابن دَغْفَلٍ قَالَ " رَأَيْتُ أَبَا مُدِرَّةَ قَبَّلَ خَدَّ الحسن ابن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ ابْنَهُ سَالِمًا وَيَقُولُ اعْجَبُوا مِنْ شَيْخٍ يُقَبِّلُ شَيْخًا " وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُنَزَّلَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ (الْخَامِسَةُ) تُسَنُّ زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ والاقارب والاصدقاء والجيران وبرهم واكراههم وَصِلَتُهُمْ وَضَبْطُ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ(4/640)
وينبغى أن يكون زِيَارَتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَضُونَهُ وَفِي وَقْتٍ لَا يَكْرَهُونَهُ وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَمِنْ أَحْسَنِهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قال أبن تريد قال أريد اخالي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَك عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمَدْرَجَةُ الطَّرِيقُ وتر بها تَحْفَظُهَا وَتُرَاعِيهَا وَعَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ عَادَ مَرِيضًا أو زار اخاله فِي اللَّهِ تَعَالَى نَادَاهُ مُنَادِيَانِ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ صَاحِبِهِ الصَّالِحِ أَنْ(4/641)
يَزُورَهُ وَأَنْ يَزُورَهُ أَكْثَرَ مِنْ زِيَارَتِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا فَنَزَلَتْ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بين أيدينا وما خلفنا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (السَّادِسَةُ) إذَا تَثَاءَبَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ فِي فَصْلِ الْعُطَاسِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ فإن الشيطان يدخل " رواه مسلم وسواء كان التثاءب فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ من ناداك(4/642)
بِلَبَّيْكَ وَأَنْ يَقُولَ لِلْوَارِدِ عَلَيْهِ مَرْحَبًا أَوْ نَحْوَهُ وَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ أَوْ فعل خيرا حفظك الله أو جزاك اللَّهُ خَيْرًا وَنَحْوَهُ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِرَجُلٍ جَلِيلٍ فِي عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ وَنَحْوِهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ وَدَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ
* (بَابُ الْأَذْكَارِ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعِنْدَ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ)
هَذَا الْبَابُ وَاسِعٌ جِدًّا وَقَدْ جَمَعْتُ فِيهِ مُجَلَّدًا مُشْتَمِلًا عَلَى نفائس لا يستغنى عن مثلها (فمنها) ما له ذِكْرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاطِنِهِ وَضَمَمْتُ إلَيْهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَذَلِكَ كَأَذْكَارِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجَنَائِزِ وَالزَّكَاةِ وَالْمَنَاسِكِ وَالنِّكَاحِ(4/643)
وَغَيْرِهَا (وَمِنْهَا) مَا لَا يُذْكَرُ غَالِبًا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَأَذْكُرُ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً بِحَذْفِ الْأَدِلَّةِ وَهِيَ مُقَرَّرَةٌ بِأَدِلَّتِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ فَمِنْ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الذِّكْرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحُضُورُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَيَكُونُ الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ وَبِاللِّسَانِ وَبِهِمَا وَهُوَ الْأَفْضَلُ ثُمَّ الْقَلْبُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ كُلُّ عَامِلٍ بِطَاعَةٍ ذَاكِرٌ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْغُسْلِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ الذِّكْرِ غَيْرِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِمَا وَيُنْدَبُ كَوْنُ الذَّاكِرِ عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ مُتَخَشِّعًا مُتَطَهِّرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ خَالِيًا نَظِيفَ الْفَمِ وَيَحْرِصُ عَلَى حُضُورِ قَلْبِهِ وَتَدَبُّرِ الذِّكْرِ وَلِهَذَا كَانَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَدَّ الذَّاكِرِ قَوْلَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَفْضَلُ مِنْ حَذْفِهِ لِمَا فِي الْمَدِّ مِنْ التَّدَبُّرِ ومن كان له وظيفة من الذكر ففائتة نُدِبَ لَهُ تَدَارُكُهَا وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ عَادَ إلَى الذِّكْرِ وَكَذَا لَوْ عَطَسَ عِنْدَهُ إنْسَانٌ فَلْيُشَمِّتْهُ(4/644)
أَوْ سَمِعَ مُؤَذِّنًا فَلْيُجِبْهُ أَوْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُزِلْهُ أَوْ مُسْتَرْشِدًا فَلْيَنْصَحْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الذِّكْرِ وَكَذَا يَقْطَعُهُ إذَا غَلَبَهُ نُعَاسٌ وَنَحْوُهُ وَيُنْدَبُ عَدُّ التَّسْبِيحِ بِالْأَصَابِعِ
*
(فَصْلٌ)
فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ " وَفِي مُسْلِمٍ " أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " وَفِي مُسْلِمٍ " أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ والله أَكْبَرُ " لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ وَفِيهِ الْحَمْدُ لله تملا الميزان وسبحان وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ الارض والسموات وفيه الحث علي سبحان وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ(4/645)
سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ رِضَاءَ نَفْسِهِ ثَلَاثًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ زِنَةَ عَرْشِهِ ثَلَاثًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ ثَلَاثًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ علي كل شئ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلُ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ " وَفِي مُسْلِمٍ " قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ " وَفِي حِسَانِ الترمذي " غراس الجنة سبحان الله والحمد الله وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " وَفِيهِ " مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ " وَفِي حِسَانِهِ " لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى " وَفِي الْبُخَارِيِّ " مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَاَلَّذِي لَا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ "
*(4/646)
(فَصْلٌ)
السُّنَّةُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَأَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وَأَنْ يَقُولَ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا هُوَ لَهُ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ وَإِذَا لَبِسَ جَدِيدًا قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُك خَيْرَهُ وخير ما صنع له وأعوذ بك من شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَنْ يُقَالَ للابس الجديد إبلي وَأَخْلِقْ وَأَيْضًا الْبَسْ جَدِيدًا وَعِشْ حَمِيدًا وَمُتْ شَهِيدًا وَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ وَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَبَقَ فِي السَّلَامِ وَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ وَخَيْرَ المخرج بسم الله ولجنا وباسم الله ربنا خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا وَإِذَا اسْتَيْقَظَ فِي اللَّيْلِ وَخَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ نَظَرَ إلَى السَّمَاءِ وَقَرَأَ آخَرَ آلِ عِمْرَانَ (إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والارض) الْآيَاتُ وَيَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِكَ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ(4/647)
وَأَيْضًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ وَأَيْضًا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نحيي وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ وَأَيْضًا بِاسْمِ اللَّهِ الذى لا يضر مع اسمه شئ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ والارض عالم الغيب والشهادة رب كل شئ وَمَلِيكَهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ رُوِيَ - بِكِسْرِ الشِّينِ مَعَ إسْكَانِ الرَّاءِ - وَرُوِيَ بِفَتْحِهِمَا وَأَيْضًا عِنْدَ الْمَسَاءِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا رَسُولًا وَفِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذِهِ وَيُنْدَبُ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَسْتَغْفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم أتوب اليك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُنْدَبُ كَثْرَةُ الذِّكْرِ بِالْعَشِيِّ وَهُوَ مَا بَيْنَ زَوَالِ(4/648)
الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ صَلَاةِ الْوِتْرِ سبحان الملك الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ
بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَأَنْ يَقُولَ عند الاضطجاع للنوم باسمك اللهم أحيى وَأَمُوتُ وَأَنْ يُكَبِّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً وَيُسَبِّحَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَأَيْضًا بِاسْمِك رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ وَأَنْ يَنْفُثَ فِي كَفَّيْهِ وَيَقْرَأَ قل هو الله أحد والمعوذتين وَيَمْسَحَ بِهِمَا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَمَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ وَأَنْ يَقْرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْآيَتَيْنِ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ آمَنَ الرَّسُولُ إلَى آخِرِهَا وَأَيْضًا اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ العظيم ورب كل شئ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى مُنَزِّلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ أعوذ بك من شر كل ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ أَنْتَ الْأَوَّلُ فليس قبلك شئ وأنت الاخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس قبلك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إلَيْهِ وَأَيْضًا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَأَسْقَانَا وَكَسَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ وَلْيَكُنْ مِنْ آخِرِهِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي اليك رهبة(4/649)
وَرَغْبَةً إلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْك إلَّا إلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَضْطَجِعَ بِلَا ذِكْرٍ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْلِ فَلِيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ يَدْعُو وَإِذَا فَزِعَ فِي مَنَامِهِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وأن يحضرون وَإِذَا رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يُحِبُّ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَيُحَدِّثُ بِهَا مِنْ يُحِبُّ وَلَا يُحَدِّثُ مَنْ لَا يُحِبُّ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمَنْ الشَّيْطَانِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلْيَتْفُلْ عَلَى يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَيَتَحَوَّلُ عَنْ جَنْبِهِ إلَى الْآخَرِ وَلَا يُحَدِّثُ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ وَإِذَا قُصَّتْ عَلَيْهِ رُؤْيَا قَالَ خَيْرًا رَأَيْتَ وَخَيْرًا يَكُونُ وَلْيُكْثِرْ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ وَالثُّلُثِ الْأَخِيرِ آكَدُّ وَالِاسْتِغْفَارُ بِالْأَسْحَارِ آكَدُّ
*
(فَصْلٌ)
يُسَنُّ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ دُعَاءُ الْكَرْبِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَأَيْضًا يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرجوا فَلَا تَكِلنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَيُنْدَبُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَأَيْضًا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآخِرَ الْبَقَرَةِ وَإِذَا خَافَ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ وَأَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَإِذَا عَرَضَ لَهُ شَيْطَانٌ فَلِيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَلْيَقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِذَا أَصَابَهُ شئ فَلْيَقُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ وَلْيَقُلْ لِدَفْعِ الْآفَاتِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَعِنْدً الْمُصِيبَةِ إنَّا لِلَّهِ(4/650)
وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ وَعِنْدَ النِّعْمَةِ نَحْمَدُ اللَّهَ وَنَشْكُرُهُ وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ اكفني بِحَلَالِك عَنْ حَرَامِك وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاك وَإِذَا بُلِيَ بِالْوَحْشَةِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونَ وَإِذَا بُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَلْيَنْتَهِ عَنْ الِاسْتِمْرَارِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ تَوَسْوُسُهُ فِي الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ تَعَوَّذَ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَتَفَلَ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُكَرِّرُهَا وَيَقْرَأُ عَلَى الْمَعْتُوهِ وَالْمَلْدُوغِ وَنَحْوَهُمَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَإِذَا أَرَادَ تَعْوِيذَ صَبِيٍّ وَنَحْوِهِ قَالَ أُعِيذُكَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ
*
(فَصْلٌ)
وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلْمَرِيضِ وَسَنَذْكُرُ جُمْلَةً مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَسْنُونَةِ فِي كتاب الجنائز حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَيُسْتَحَبُّ السُّؤَالُ عَنْ الْمَرِيضِ وَأَنْ يُطَيِّبَ نَفْسَ الْمَرِيضِ وَيُنَشِّطَهُ وَأَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ بِمَا يُحْسِنُ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْ الْمَرِيضِ وَسَيَأْتِي بَاقِي أَدَبِهِ فِي الْجَنَائِزِ وَأَذْكَارِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي كِتَابِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالنِّكَاحِ فِي أَبْوَابِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَالْأَلْقَابِ وَنَحْوِهَا فِي بَابِ الْعَقِيقَةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِهَادِ وَالسَّفَرِ وَنَحْوِهِمَا فِي كِتَابِ السِّيَرِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أُصُولَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
(فَصْلٌ)
فِي الْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ
* جَاءَتْ أَحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِإِبَاحَتِهِ
قَالَ الْعُلَمَاءُ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَ الْمَمْدُوحِ كَمَالُ إيمَانٍ وَحُسْنُ يَقِينٍ وَمَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ وَرِيَاضَةُ نَفْسٍ بِحَيْثُ لَا يَغْتَرُّ بِذَلِكَ وَلَا تَلْعَبُ بِهِ نَفْسُهُ فَلَا كَرَاهَةَ فيه وان خيف شئ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ كُرِهَ مَدْحُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَأَمَّا ذِكْرُ الْإِنْسَانِ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ لِلِارْتِفَاعِ وَالِافْتِخَارِ وَالتَّمْيِيزِ عَلَى الْأَقْرَانِ فَمَذْمُومٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ بِأَنْ يَكُونَ آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ نَاهِيًا عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ نَاصِحًا أو مشيرا(4/651)
بِمَصْلَحَةٍ أَوْ مُعَلِّمًا أَوْ مُؤَدِّبًا أَوْ مُصْلِحًا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَذَكَرَ مَحَاسِنَهُ نَاوِيًا بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَقْرَبَ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ وَاعْتِمَادِ مَا يَقُولُهُ وَأَنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ وَأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا تَجِدُونَهُ عِنْدَ غَيْرِي فَاحْتَفِظُوا بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا مَكْرُوهًا بَلْ هُوَ مَحْبُوبٌ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ أَوْضَحْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ
*
(فَصْلٌ)
يُسْتَحَبُّ إذَا سمع صياح الديك أن يدعوا وَإِذَا سَمِعَ نَهِيقَ الْحِمَارِ وَنُبَاحَ الْكَلْبِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِذَا رَأَى الْحَرِيقَ أَنْ يُكَبِّرَ وَإِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ قِيَامِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ وَأَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ وَجُلَسَائِهِ وَيُكْرَهُ مُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا غَضِبَ اسْتَعَاذَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَتَوَضَّأَ وَإِذَا أَحَبَّ رَجُلًا لِلَّهِ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ وَسَأَلَهُ عَنْ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَلْيَقُلْ الْمَحْبُوبُ أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتنِي لَهُ وَأَنْ يَقُولَ إذَا دَخَلَ السُّوقَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ الْحِجَامَةِ وَإِذَا طَنَّتْ أُذُنُهُ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ذَكَرَ اللَّهَ بِخَيْرِ مَنْ كرني وَإِذَا خَدِرَتْ رِجْلُهُ ذَكَرَ مَنْ يُحِبُّهُ وَلَهُ الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ وَنَحْوِهِمْ وَإِذَا شَرَعَ فِي إزَالَةِ مُنْكَرٍ فَلْيَقْرَأْ (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الباطل كان زهوقا) جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ وَإِذَا عَثَرَتْ دَابَّتُهُ أَوْ غَيْرُهَا قَالَ بِاسْمِ الله وأن يدعو لمن صنع إليه أو النَّاسِ مَعْرُوفًا وَأَنْ يَقُولَ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَإِذَا رَأَى الْبَاكُورَةَ مِنْ الثَّمَرِ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مِكْيَالِنَا وَيُسَنُّ التَّعَاوُنُ علي البر(4/652)
وَالتَّقْوَى وَالدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَإِذَا سُئِلَ عِلْمًا ليس عنده ويعلمه عند غيره فليدله عَلَيْهِ وَإِذَا دُعِيَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلْيَقُلْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَلْيَقُلْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِعْرَاضِ مَفْسَدَةٌ وَيُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ وَالْمُسَارَعَةُ بِهِ وَإِذَا رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ وَأَصَابَهُ بِالْعَيْنِ فَلْيُبَرِّكْ عَلَيْهِ وَهُوَ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يكرهه فليقل الهم لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلَّا أَنْتَ وَلَا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئَاتِ إلَّا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَيُسْتَحَبُّ طَيِّبُ الْكَلَامِ وَبَيَانُهُ وَإِيضَاحُهُ لِلْمُخَاطَبِ وَخَفْضُ الْجَنَاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا بَأْسَ بِالْمِزَاحِ بِحَقٍّ وَلَكِنْ لَا يُكْثِرُ مِنْهُ فَأَمَّا الْإِفْرَاطُ فِيهِ أَوْ الْإِكْثَارُ مِنْهُ فَمَذْمُومَانِ وَيُسَنُّ الشَّفَاعَةُ فِي الطَّاعَةِ وَالْمُبَاحِ وَيَحْرُمُ فِي الْحُدُودِ وَفِي الْحَرَامِ وَيُسْتَحَبُّ التَّبْشِيرُ وَالتَّهْنِئَةُ وَيَجُوزُ التَّعَجُّبُ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَنَحْوِهِمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي بِهَا " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الثَّابِتَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مُخْتَصَرَةً
* اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافَنِي وَارْزُقْنِي اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ اللَّهُمَّ اعوذ بك(4/653)
مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرْكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المحيا والممات وخلع الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا كَبِيرًا وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جَدِّي وهزلي وخطأى وَعَمْدِي وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ المؤخر وأنت علي كل شئ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَشَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عافيتك وفجأة نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ
لَهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ اللَّهُمَّ أُصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأُصْلِح لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأُصْلِحْ آخرتي التي فيها معادي واجعل الحيوة زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَالْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْغِنَى وَالْفَقْرِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ(4/654)
والاعمال والاهواء وسئ الْأَسْقَامِ وَمِنْ شَرِّ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي وَمَنْ شَرِّ قَلْبِي وَمَنْ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بئست الْبِطَانَةُ اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ يَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنْ النَّارِ وَهَذَا الْبَابُ وَاسِعٌ وَفِيمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ
* كِفَايَةٌ وَمَنْ آدَابِ الدُّعَاءِ كَوْنُهُ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْأَحْوَالِ(4/655)
الشَّرِيفَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَرَفْعُ يَدَيْهِ وَمَسْحُ وَجْهِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَخَفْضُ الصَّوْتِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وأن لا يتكلف السَّجْعَ وَلَا بَأْسَ بِدُعَاءٍ مَسْجُوعٍ كَانَ يَحْفَظُهُ وَكَوْنُهُ خَاشِعًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا مُتَذَلِّلًا رَاغِبًا رَاهِبًا وَأَنْ يُكَرِّرَهُ ثَلَاثًا وَلَا يَسْتَعْجِلَ الْإِجَابَةَ وَأَنْ يَكُونَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ حَلَالًا وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُصَلِّيَ وَيُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لِلْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ وَطَلَبِ الدُّعَاءِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَمَالِهِ وَنَحْوِهَا وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بك من شر ما صنعت أبوء لَكَ بِنِعْمَتِك عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ " هَذَا آخِرُ مَا قَصَدْتُهُ مِنْ مُخْتَصَرِ الْأَذْكَارِ
* وَأَمَّا يتعلق بالالفاظ(4/656)
الْمَنْهِيِّ عَنْهَا كَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالسَّبِّ وَغَيْرِهَا فَسَأَذْكُرُهَا مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ كِتَابِ الْقَذْفِ إنْ شَاءَ الله تعالي
*(4/657)
المجموع شرح المهذب
للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي
المتوفى سنة 676 هـ
ويليه فتح العزيز شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير
للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ
ويليه
التلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير
للامام أبي الفضل احمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852 هـ
الجزء الخامس
دار الفكر(5/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
{باب صلاة العيدين}
الْعِيدُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ وَهُوَ الرُّجُوعُ وَالْمُعَاوَدَةُ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ وَكَانَ أصله عودا بكسر العين بمقلبت الْوَاوُ يَاءً كَالْمِيقَاتِ وَالْمِيزَانِ مِنْ الْوَقْتِ وَالْوَزْنِ وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ قَالُوا وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوَ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَقِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {صلاة العيد سنة وقال أبو سعيد الاصطخرى هي فرض على الكفاية والمذهب الاول لما روى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أن رجلا جاء إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله عن الاسلام
فقال صلي الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله علي عباده فقال هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تطوع) ولانها صلاة موقتة لا تشرع لها الاقامة فلم تجب بالشرع كصلاة الضحى فان تفق أهل بلد علي تركها وجب قتالهم علي قول الاصطخرى وهل يقاتلون على المذهب فيه وجهان
(أحدهما)
لا يقاتلون لانه تطوع فلا يقاتلون علي تركها كسائر التطوع
(والثانى)
يقاتلون لانه من شعائر الاسلام وفى تركها تهاون بالشرع بخلاف سائر التطوع لانها تفعل فرادى فلا يظهر تركها كما يظهر في صلاة العيد}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ طَلْحَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَضَبْطُ أَلْفَاظِهِ وَمَعْنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ مَشْرُوعَةٌ وَعَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضَ عَيْنٍ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِنْ قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ قُوتِلُوا بِتَرْكِهَا وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ لَمْ يُقَاتَلُوا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يُقَاتَلُونَ وَقَدْ ذَكَرَ(5/2)
الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْحَدِيثِ لِلْمَذْهَبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا فَرْضَ سِوَى الْخَمْسِ فَلَوْ كَانَ الْعِيدُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَمَا أَطْلَقَ هَذَا الْإِطْلَاقَ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَكِنْ يَسْقُطُ الْحَرَجُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكُوهُ كُلُّهُمْ عَصَوْا وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُؤَقَّتَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْجِنَازَةِ وَقَوْلُهُ لَا تُشْرَعُ لَهَا الْإِقَامَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ تَجِبْ بِالشَّرْعِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنْذُورَةِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ سُنَّةٌ لَا فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَأَمَّا قَوْلُ) الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْعِيدَيْنِ (فَقَالَ) أَصْحَابُنَا هَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعِيدَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَهَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ حَتْمًا لَزِمَهُ الْعِيدُ نَدْبًا وَاخْتِيَارًا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ مَعْنَاهُ مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ فَرْضًا لَزِمَهُ الْعِيدُ كِفَايَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِيدَ يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* قال المصنف رحمه الله
* {ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى ان تزول والافضل ان يؤخرها حتى ترتفع الشمس قيد رمح والسنة أن يؤخر صلاة الفطر ويعجل الاضحي لما روى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كتب له " أن يقدم الاضحي ويؤخر الفطر " ولان الافضل ان يخرج صدقة الفطر قبل الصلاة فإذا اخر الصلاة اتسع الوقت لاخراج صدقة الفطر والسنة أن يضحي بعد صلاة الامام فإذا عجل بادر الي الاضحية}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ابى بكر(5/3)
وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ عَجِّلْ الْأَضَاحِيَّ وَأَخِّرْ الْفِطْرَ " وَهَذَا مُرْسَلٌ ضعيف ابراهيم ضَعِيفٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ زَوَالُ الشَّمْسِ وَفِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَدْخُلُ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَطَعَ البندنيجي والمصنف في التلبيه وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَتَأْخِيرُ صَلَاةِ الْفِطْرِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا وَحْدَهُ وَكَانَتْ أَدَاءً مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ يَوْمَ الْعِيدِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ فَاتَتْهُ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي قَضَاءِ النَّوَافِلِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يأت بها أصلا * قال المصنف رحمه الله
* {والسنة أن يصلي صلاة العيد في المصلي إذا كان مسجد البلد ضيقا لما روى أن النبي صلي لله عليه وسلم " كان يخرج الي المصلي " ولان الناس يكثرون في صلاة العيد فإذا كان المسجد ضيقا تأذوا فان كان في الناس ضعفاء استخلف في مسجد البلد من يصلي بهم لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ استخلف ابا مسعود الانصاري رضي الله عنه ليصلي بضعفة الناس في المسجد وان كان يوم فطر صلى في المسجد لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قال اصابنا مطر في يوم عيد فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد " وروى أن عمر وعثمان رضي الله عنهما صليا في المسجد في المطر وان كان المسجد واسعا فالمسجد أفضل من المصلي لان الائمة لم يزالوا يصلون صلاة العيد بمكة في المسجد ولان المسجد أشرف وانظف قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ المسجد واسعا فصلى في الصحراء فلا بأس وان كان ضيقا فصلى فيه ولم يخرج إلى الصحراء كرهت لانه إذا ترك المسجد وصلي في الصحراء لم يكن عليهم ضرر وإذا ترك الصحراء وصلي في المسجد الضيق تأذوا بالزحام وربما فات بعضهم الصلاة}
* {الشرح} حديث خروج النبي صلى االله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى فِي الْعِيدَيْنِ صَحِيحٌ رواه البخاري(5/4)
وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَيَاهُ بِمَعْنَاهُ من رواية جماعة من آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَحَدِيثُ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ أَبَا مَسْعُودٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ وَالضَّعَفَةُ - بِفَتْحِ الضَّادِ وَالْعَيْنِ - بِمَعْنَى الضُّعَفَاءِ وَكِلَاهُمَا جَمْعُ ضَعِيفٍ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الصَّحْرَاءِ وَتَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ نُظِرَ إنْ كَانَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيّ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِهِ الْأَقْصَى أَفْضَلُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْأَقْصَى وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ كَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِلَادِ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْخُرُوجِ إلَى الصَّحْرَاءِ وَالْمُصَلَّى لِلْعِيدِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْمَطَرُ وَالْوَحْلُ وَالْخَوْفُ وَالْبَرْدُ وَنَحْوُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَضَاقَ الْمَسْجِدُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى الصَّحْرَاءِ أَفْضَلُ وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَسْجِدُ وَلَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ؟ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الصحراء افضل " لان النبي صلي لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَيْهَا فِي الصَّحْرَاءِ " وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ يَضِيقُ عَنْهُمْ لِكَثْرَةِ الْخَارِجِينَ إلَيْهَا فَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُهَا فِي الْمَسْجِدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَعَلَى هَذَا إنْ تَرَكَ الْمَسْجِدَ الْوَاسِعَ وَصَلَّى بِهِمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَكِنْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَإِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الضَّيِّقِ بِلَا عُذْرٍ كُرِهَ هَكَذَا نَصَّ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّحْرَاءِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ بِالضَّعَفَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِذَا حَضَرَ النِّسَاءُ الْمُصَلَّى أَوْ الْمَسْجِدَ اعْتَزَلَهُ الْحُيَّضُ مِنْهُنَّ وَوَقَفْنَ عِنْدَ بَابِهِ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَطَرٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَعْذَارِ وَضَاقَ الْمَسْجِدُ الْأَعْظَمُ صَلَّى الْإِمَامُ فِيهِ وَاسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِبَاقِي النَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِحَيْثُ يكون ارفق بهم * قال المصنف رحمه الله
* {والسنة ان يأكل في يوم الفطر قبل الصلاة ويمسك يوم النحر حتى يفرغ من الصلاة لما روى بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ويوم النحر لا يأكل حتي يرجع فيأكل من نسيكته " والسنة أن يأكل التمر ويكون وترا لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ لَا يَخْرُجُ يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا "}
*(5/5)
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ ماجه والدارقطني وَالْحَاكِمُ وَأَسَانِيدُهُمْ حَسَنَةٌ فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَطْعَمَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ - أَيْ يَأْكُلَ وَنَسِيكَتُهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ - وَهِيَ أُضْحِيَّتُهُ وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ شَيْئًا قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ قَبْلَ الْخُرُوجِ فَلِيَأْكُلْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْمَأْكُولِ تَمْرًا وَكَوْنُهُ وِتْرًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ ونحن نأمر من أني الْمُصَلَّى أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَمَرْنَاهُ بِذَلِكَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ الْمُصَلَّى إنْ أَمْكَنَهُ فَإِنْ لم يفعل ذلك فلا شئ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَالسُّنَّةُ فِي عِيدِ الْأَضْحَى أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الْأَكْلِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَيَانِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَصَدَّقَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ الا كل لِيُشَارِكَ الْمَسَاكِينَ فِي ذَلِكَ وَالصَّدَقَةُ فِي عِيدِ النَّحْرِ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ فَاسْتُحِبَّ مُوَافَقَتُهُمْ قَالَا وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ يَوْمِ الفطر يحرم الا كل فندب الا كل فيه قبل الصلاة ليتميز عن ما قبله وفى الاضحي لا يحرم الا كل قبله فأخر ليميزا
* قال المصنف رحمه الله
* {والسنة أن يغتسل للعيدين لما روى إنَّ عَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كانا " يغتسلان " ولانه يوم عيد يجتمع فيه الكافة للصلاة فسن فيه الغسل لحضورها كالجمعة وفى وقت الغسل قولان (احدهما) بعد الفجر كغسل الجمعة وروى البويطي أنه يجوز أن يغتسل قبل الفجر لان الصلاة تقام في أول النهار ويقصدها الناس من البعد فجوز تقديم الغسل حتى لا تفوتهم ويجوز علي هذا القول أن يغتسل بعد نصف الليل كما قلنا في أذان الصبح ويستحب ذلك لمن يحضر الصلاة ولمن لا يحضر لان القصد اظهار الزينة والجمال فان لم يحضر الصلاة اغتسل للزينة والجمال والسنة أن يتنظف بحلق الشعر وتقليم الظفر وقطع الرائحة لانه يوم عيد فسن فيه ما ذكرناه كيوم الجمعة والسنة أن يتطيب لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نتطيب باجود ما في نجد في العيد "}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ فِي اغْتِسَالِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَأَمَّا الْأَثَرُ الْآخَرُ أَنَّ ابن عمر " كان يغتسل يوم الفطر بل أَنْ يَغْدُوَ " فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ اغْتِسَالَ(5/6)
سلمة بن الا كوع لِلْعِيدِ وَأَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ هُوَ السُّنَّةُ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى " وَمِثْلُهُ عَنْ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ بَاطِلَةٌ إلَّا أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ
* وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ فِي الطِّيبِ فَغَرِيبٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْكَافَّةُ مِمَّا أَنْكَرَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْكَافَّةُ وَلَا كَافَّةُ النَّاسِ وَإِنَّمَا يُقَالُ النَّاسُ كَافَّةً كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالي (ادخلوا في السلم كافة) وقال تعالي (وقاتلوا المشركين كافه) (وَقَوْلُهُ) فَسُنَّ فِيهِ الْغُسْلُ لِحُضُورِهَا الْأَجْوَدُ حَذْفُ لَفْظَةِ حُضُورِهَا لِأَنَّ الْغُسْلَ مَسْنُونٌ لِمَنْ حَضَرَ الصَّلَاةَ وَغَيْرِهِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِلْعِيدَيْنِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ وَفِي وَقْتِ صِحَّةِ هَذَا الْغُسْلِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بَعْدَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلِهِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرُونَ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي جَوَّزَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنَعَهُ أَبُو اسحق وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى صِحَّةِ الْغُسْلِ لِلْعِيدِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ غَيْرُهُ وَقَالَ وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ فِيهِ قَوْلَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَجْهَانِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُمَا قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى صِحَّةِ الْغُسْلِ قَبْلَ الْفَجْرِ صَرِيحًا وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَأُحِبُّ الْغُسْلَ بَعْدَ الْفَجْرِ لِلْعِيدِ فَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَ مِنْهُ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَجَعَلَهُ قَوْلًا آخَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ وَصَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْأُمِّ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الْفَجْرِ فَفِي ضَبْطِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهَرُهَا يَصِحُّ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ كَأَذَانِ الصُّبْحِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ كَنِيَّةِ الصَّوْمِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَذَانِ أَنَّ النِّصْفَ الْأَوَّلَ مُخْتَارٌ لِلْعِشَاءِ فَرُبَّمَا ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّ الْأَذَانَ لَهَا فَامْتَنَعَ لخوف اللبس بخلاف الغسل (والثالث) أنه انما يصح قبيل الفجر عند السجود وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ غُسْلِ الْعِيدِ لِمَنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ وَلِمَنْ لَا يَحْضُرُهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا اتفقوا علي استحباب التطيب والتنظف بازالة الشعور وتقليم الاظفار وازالة الرائحة الكربهة من بدنه وثوبه قياسا علي الجمعة
*(5/7)
* قال المصنف رحمه الله
* {والسنة أن يلبس أحسن ثيابه لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يلبس في العيد برد حبرة "}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ - وَالْحِبَرَةُ بِكَسْرِ
الْحَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الثِّيَابِ مَعْرُوفٌ بِالْيَمَنِ وَهُوَ عَصَبُ الْيَمَنِ قَالَ الازهرى هو نوع من البرد أضيف إلَى وَشْيِهِ وَالْبُرْدُ مُفْرَدَةٌ وَالْجَمْعُ بُرُودٌ وَيُقَالُ بُرْدٌ مُحَبَّرٌ أَيْ مُزَيَّنٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ مَعَ الشَّافِعِيِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ لُبْسِ أَحْسَنِ الثِّيَابِ فِي الْعِيدِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ " قَالَ وَجَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جُبَّةً مِنْ إسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ؟ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلم انما هذه لباس من لاخلاق لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَفْضَلُ أَلْوَانِ الثِّيَابِ الْبَيَاضُ فَعَلَى هَذَا إنْ اسْتَوَى ثَوْبَانِ فِي الْحُسْنِ وَالنَّفَاسَةِ فَالْأَبْيَضُ أَفْضَلُ فَإِنْ كَانَ الْأَحْسَنُ غَيْرَ أَبْيَضَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَبْيَضِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَمَّمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَغْسِلَهُ لِلْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوِي فِي استحباب تحسين الثياب والتنظف وَالتَّطَيُّبِ وَإِزَالَةِ الشَّعْرِ وَالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ الْخَارِجُ إلَى الصَّلَاةِ وَالْقَاعِدُ فِي: بَيْتِهِ لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ فاستووا فيه
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ويستحب أن يحضر النساء غير ذوات الهيئات لما روت أم عطية قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض في العيد فاما الحيض فكن يعتزلن المصلي ويشهدن الخير ودعوة المسلمين " وإذا أردن الحضور تنظفن بالماء ولا يتطيبن ولا يلبسن الشهرة من من الثياب لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا إيماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات " أي غير عطرات ولانها إذا تطيبت وليست الشهرة من الثياب دعا ذلك إلي الفساد
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأما حديث " لا تمنعوا إيماء اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
* وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي فِيهِ " وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ " فَرَوَاهَا أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد " وَلْيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ " وَقَوْلُهُ تَفِلَاتٌ - بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَكَسْرِ الْفَاءِ - وَالْعَوَاتِقُ جَمْعُ عَاتِقٍ وَهِيَ الْبِنْتُ الَّتِي بَلَغَتْ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ هِيَ الْبَالِغَةُ مَا لَمْ تَعْنِسْ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ قَالَ ثَعْلَبٌ سُمِّيَتْ عَاتِقًا لِأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنْ ضَرِّ أَبَوَيْهَا وَاسْتِخْدَامهمَا وَامْتِهَانِهَا بِالْخُرُوجِ فِي الْأَشْغَالِ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ فَوْقَ الْمُعْصِرِ وَقَالَ ثَابِتٌ هِيَ الْبِكْرُ الَّتِي لَمْ تَخْرُجْ إلَى زَوْجٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ الْبِنْتُ عَقِبَ بُلُوغِهَا(5/8)
قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي أَشْرَفَتْ عَلَى الْبُلُوغِ وَقَوْلُهُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ جَمْعُ خِدْرٍ وَهُوَ السِّتْرُ قَوْلُهُ الشُّهْرَةُ مِنْ الثِّيَابِ هُوَ بِضَمِّ الشِّينِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَمَّا ذَوَاتُ الْهَيْئَاتِ وَهُنَّ اللَّوَاتِي يُشْتَهَيْنَ لِجَمَالِهِنَّ فَيُكْرَهُ حُضُورُهُنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْخُرُوجُ بِحَالٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَإِذَا خَرَجْنَ اُسْتُحِبَّ خُرُوجُهُنَّ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ وَلَا يَلْبَسْنَ مَا يُشْهِرُهُنَّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَظَّفْنَ بِالْمَاءِ وَيُكْرَهُ لَهُنَّ التَّطَيُّبُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
* هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْعَجَائِزِ اللَّوَاتِي لَا يُشْتَهَيْنَ وَنَحْوِهِنَّ فَأَمَّا الشَّابَّةُ وَذَاتُ الْجَمَالِ وَمَنْ تُشْتَهَى فَيُكْرَهُ لَهُنَّ الْحُضُورُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِنَّ وَبِهِنَّ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا مُخَالِفٌ حَدِيثَ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَذْكُورَ (قُلْنَا) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " لَوْ أَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ " وَلِأَنَّ الْفِتَنَ وَأَسْبَابَ الشَّرِّ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ شُهُودَ النِّسَاءِ الْعَجَائِزِ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ الصَّلَاةَ وَالْأَعْيَادَ وَأَنَا لِشُهُودِهِنَّ الْأَعْيَادَ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا مِنِّي لِشُهُودِهِنَّ غيرها من الصلوات المكتوبات
*
* قال الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ
* {قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ويزين الصبيان بالصبغ والحلي ذكورا كانوا أو أناثا لانه يوم زينة وليس علي الصبيان تعبد فلا يمنعون لبس الذهب}
* {الشَّرْحُ} اتَّفَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ حُضُورِ الصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ تَزَيُّنِهِمْ بِالْمُصَبَّغِ وَحُلِيّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَوْمَ الْعِيدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا فِي غَيْرِ يَوْمِ الْعِيدِ فَفِي تَحْلِيَتِهِمْ بِالذَّهَبِ وَلِبَاسِهِمْ الْحَرِيرَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (أَصَحُّهَا) جَوَازُهُ
(وَالثَّانِي)
تَحْرِيمُهُ (وَالثَّالِثُ) جَوَازُهُ قبل سبع سنين ومنعه بعدها(5/9)
* قال المصنف رحمه الله
*
{والسنة أن يبكر إلى الصلاة ليأخذ موضعه كما قلنا في الجمعة والمستحب أن يمشى ولا يركب لان النبي صلي الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة ولا بأس أن يركب في العود لانه غير قاصد الي قربة}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مُنْقَطِعًا مُرْسَلًا فَقَالَ بَلَغَنَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ " مَا رَكِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيدٍ وَلَا فِي جِنَازَةٍ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ هَكَذَا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ باسناده من ثلاث طُرُقٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي رَافِعٍ وَسَعْدٍ الْقَرَظِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا " وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ وَيَرْجِعُ مَاشِيًا وَلَكِنَّ أَسَانِيدَ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ بَيِّنَةُ الضَّعْفِ وَعَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ هُوَ حَسَنًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا فَإِنَّ مَدَارَهُ علي الحارث الاعور وانفق الْعُلَمَاءُ عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ كَانَ الْحَارِثُ كَذَّابًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قُرْبَةٍ قَدْ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْ الْمَسْجِدِ وَكَانَ يَمْشِي إلَيْهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إذَا رَجَعْتُ إلَى أَهْلِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جمع الله لك ذَلِكَ كُلَّهُ " وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قُرْبَةٍ وَلَمْ يَقُلْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَاشٍ فِي قُرْبَةٍ وَلَا نَفَى ثَوَابَهُ فِي الرُّجُوعِ وَرَأَيْت مِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْأَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَيَقُولُ قَالَ لَمْ يَرْكَبْ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمُعَةَ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَبَيْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَنْبِ المسجد فلا يتأنى الرُّكُوبُ إلَيْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَكِّرَ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَكُونَ التَّبْكِيرُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيَأْكُلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ تَمْرًا كَمَا سَبَقَ هَذَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِينَ فَأَمَّا الْإِمَامُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُصَلَّى بِهِمْ فِيهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذا خرج يوم العيد فأول شئ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ " وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ(5/10)
عَلَى هَذَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَدَلِيلُهُ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي
مَهَابَتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْشِيَ جَمِيعَ الطَّرِيقِ وَلَا يَرْكَبَ في شئ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ كَمَرَضٍ وَضَعْفٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ وَلَا يُعْذَرُ بِسَبَبِ؟ مَنْصِبِهِ وَرِيَاسَتِهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْشِي فِي الْعِيدِ وَهُوَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ وَأَرْفَعُهُمْ مَنْصِبًا قَالَ أَصْحَابُنَا ولا بأسن أَنْ يَرْكَبَ فِي الرُّجُوعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ واتفق الاصحاب علي هكذا قَالُوا وَصُورَتُهُ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ النَّاسُ بِمَرْكُوبِهِ فَإِنْ تَضَرَّرُوا بِهِ لِزَحْمَةٍ وَغَيْرِهَا كُرِهَ لِمَا فيه من الاضرار
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وإذا حضر جاز أن يتنفل الي ان يخرج الامام لما روى عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زيد انهم كانوا يصلون يوم العيد قبل خروج الامام ولانه ليس بوقت منهي عن الصلاة فيه ولا هناك ما هو أهم من الصلاة فلم يمنع من الصلاة كما بعد العيد والسنة للامام أن لا يخرج الا في الوقت الذى يوافي فيه الصلاة لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يخرج يوم الفطر والاضحى إلى المصلي فأول شئ يبدأ به الصلاة " والسنة أَنْ يَمْضِيَ إلَيْهَا فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ فِي اخرى لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يخرج يوم الفطر والاضحى من طريق يرجع من آخر "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ خَالَفَ الطريق " ورواه الحاكم من راوية أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنَّهُ وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ - بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ زَايٌ مَفْتُوحَةٌ - وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَصَوَابُهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِدَالٍ بَعْدَ الرَّاءِ - هُوَ أبو بردة التابعي ابن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَاسْمُ أَبِي بُرْدَةَ عَامِرٌ وَقِيلَ الْحَارِثُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ تَصْحِيفِهِ لَا نَشُكُّ؟ فِيهِ فَالصَّوَابُ أَبُو بُرْدَةَ بِالدَّالِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَتَقْدِيمُ الْمُصَنِّفِ لَهُ عَلَى أَنَسٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّهُ أَبَا بَرْزَةَ(5/11)
الصَّحَابِيَّ وَهُوَ غَلَطٌ بِلَا شَكٍّ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ التَّنَفُّلُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا فِي بَيْتِهِ وَطَرِيقِهِ وَفِي الْمُصَلَّى قَبْلَ حُضُورِ الْإِمَامِ لَا بِقَصْدِ التَّنَفُّلِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا كَرَاهَةَ في شئ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَيْسَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ سُنَّةٌ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ بَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى لِأَنَّهُ لو صلى أو هم أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ سُنَّةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بَلْ يَشْرَعُ أَوَّلَ وُصُولِهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَتَحْصُلُ التَّحِيَّةُ فِي ضِمْنِهَا وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى الْعِيدَ أَنْ يَمْضِيَ إلَيْهَا فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ لِلْحَدِيثِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْضِيَ فِي الطَّرِيقِ الْأَطْوَلِ (وَاخْتَلَفُوا) فِي سَبَبِ ذَهَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقٍ وَرُجُوعِهِ فِي طَرِيقٍ آخَرَ (فَقِيلَ) كَانَ يَذْهَبُ فِي أَطْوَلِ الطَّرِيقَيْنِ وَيَرْجِعُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّ الذَّهَابَ أَفْضَلُ مِنْ الرُّجُوعِ (وَقِيلَ) كَانَ يَتَصَدَّقُ فِي الطَّرِيقَيْنِ (وَقِيلَ) كَانَ يَتَصَدَّقُ في طريق ولا يبقى معه شئ فَيَرْجِعُ فِي آخَرَ لِئَلَّا يَسْأَلَهُ سَائِلٌ فَيَرُدَّهُ (وَقِيلَ) لِيُشَرِّفَ أَهْلَ الطَّرِيقَيْنِ (وَقِيلَ) لِيَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ (وَقِيلَ) لِيُعَلِّمَ أَهْلَ الطَّرِيقَيْنِ وَيُفْتِيَهُمْ (وَقِيلَ) لِيَغِيظَ الْمُنَافِقِينَ بِإِظْهَارِ الشِّعَارِ (وَقِيلَ) لِئَلَّا يَرْصُدَهُ الْمُنَافِقُونَ فَيُؤْذُوهُ (وَقِيلَ) لِلتَّفَاؤُلِ بِتَغْيِيرِ الْحَالِ إلَى الْمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقِيلَ كَانَ يَخْرُجُ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ خَلْقٌ كَثِيرٌ فَيَكْثُرُ الزِّحَامُ فَيَرْجِعُ فِي آخَرَ لِيَخِفَّ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إنْ لَمْ نَعْلَمْ الْمَعْنَى الَّذِي خَالَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِهِ الطَّرِيقَ اُسْتُحِبَّ لَنَا مُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ عَلِمْنَاهُ وَوُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي إنْسَانٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ مُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ (وَالثَّانِي)(5/12)
قاله أبو اسحق لَا يُسْتَحَبُّ لِفَوَاتِ سَبَبِهِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ يَزُولُ سَبَبُ الْعِبَادَةِ وَيَبْقَى أَصْلُهَا كَالرَّمَلِ وَالسَّعْيِ وَنَظَائِرِهِمَا وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي حِكْمَتِهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الذَّهَابُ فِي أَطْوَلِ الطَّرِيقَيْنِ وَالرُّجُوعُ فِي
الْأَقْصَرِ صَحَّحَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وصحح الشيخ أبو حامد القول الاخيرو أما (قول) إمام الحرمين وغيره ان الرجوع ليس بقربة (فغلطوهم) فيه بل بثاب فِي رُجُوعِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ فِي رُجُوعِهِ أَنْ يَقِفَ فِي طَرِيقِهِ فَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُوَ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا
* أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لهاسنة قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ النَّفْلِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ صَلَاةُ النَّفْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا بَعْدَهَا لَا فِي الْبَيْتِ وَلَا فِي الْمُصَلَّى لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وابو بردة والحسن البصري واخوه سعيد بْنُ أَبِي الْحَسَنِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ آخَرُونَ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وابن عمر وجابر بن عبد الله بن أبي أو في وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَأَحْمَدَ
* وقال آخرون يصلي بعدها لاقبلها حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي مَسْعُودِ الْبَدْرِيِّ الصَّحَابِيِّ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحَكَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ آخَرُونَ يُكْرَهُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَلَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ
* وَدَلِيلُنَا مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَصْلَ اباحة الصلاة حتى يثبت النهى
*
* قال المضنف رحمه الله
* {ولا يؤذن لها ولا يقام لما روى عن بن عباس رضي الله عنهما قال " شهدت العيد مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم صلى قبل الخطبة بغير اذان ولا اقامة " والسنة أن ينادى لها الصلاة جامعة لما روى عن الزهري أنه كان ينادى به}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلا أنه قال وعمر أوعثمان وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ قَالَا لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ " شَهِدْت مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ(5/13)
بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ " شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا هَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُرْسَلًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ " لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا لابي بكرو لاعمر وَلَا عُثْمَانَ فِي الْعِيدَيْنِ حَتَّى أَحْدَثَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ وَأَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ بِالْمَدِينَةِ حِينَ مَرَّ عَلَيْهَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ فِي الْعِيدَيْنِ الْمُؤَذِّنَ فَيَقُولُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً " وَيُغْنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الْقِيَاسُ عَلَى صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِيهَا (مِنْهَا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " لَمَا كَسَفَتْ؟ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً وَفِي رِوَايَةٍ " أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ مُنَادِيًا الصَّلَاةَ جَامِعَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنَادَى بِهِ - هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ - وَقَوْلُهُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً هُمَا مَنْصُوبَانِ الصَّلَاةَ عَلَى الاغراء وجامعة علي الحال
* وأما الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُؤَذَّنُ لِلْعِيدِ وَلَا يُقَامُ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي الْأَمْصَارِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَذَّنَ لَهَا وَأَقَامَ قَالَ وَقَالَ حُصَيْنٌ أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ فِي الْعِيدِ زِيَادٌ وَقِيلَ أَوَّلُ من أذن لها معوية وَقِيلَ غَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْكُسُوفِ قَالَ الشَّافِعِيُّ(5/14)
فِي الْأُمِّ وَأُحِبُّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ فِي الْأَعْيَادِ وَمَا جَمَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً أَوْ الصَّلَاةَ: قَالَ وَإِنْ قَالَ هَلُمَّ إلَى الصَّلَاةِ لَمْ نَكْرَهْهُ وَإِنْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كُنْت أُحِبُّ أَنْ يَتَوَقَّى ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْأَذَانِ وَأُحِبُّ أَنْ يَتَوَقَّى جَمِيعَ كَلَامِ الْأَذَانِ قَالَ وَلَوْ أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ لِلْعِيدِ كَرِهْته لَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ لَوْ قَالَ حي على الصلاة جاز بل هو مستحب وقال الدارمي لَوْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ كُرِهَ لِأَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَالصَّوَابُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَأَنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ واجتناب سائر الفاظ الاذان
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وصلاة العيد ركعتان لقول عمر رضى الله عنه " صلاة الاضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد خاب من افترى " والسنة أن يصلى جماعة لنقل الخلف عن السلف والسنة أن يكبر في الاولي سبع تكبيرات سوى تكبيرة الاحرام وتكبيرة الرُّكُوعِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ والركوع لما روى عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم " كان يكبر في الفطر في الاولي سبعا وفى الثانية خمسا سوى تكبيرة الصلاة " والتكبيرات قبل القراءة لما روي كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يكبر في العيدين في الركعة الاولى سبعا وفى الثانية خمسا قبل القراءة " فان حضر وقد سبقه الامام بالتكبيرات أو ببعضها لم يقض لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَاتَ مَحَلُّهُ فَلَمْ يَقْضِهِ كدعاء الاستفتاح وقال في القديم يقضي لان محله القيام وقد أدركه وليس بشئ والسنة أن يرفع يديه مع كل تكبيرة لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي العيد " ويستحب أن يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية يذكر الله تعالي " لما روى أن الوليد ابن عقبة خرج يوما علي عبد الله بن حذيفة والاشعرى وقال إن هذا العيد غدا فكيف التكبير فقال عبد الله بن(5/15)
مسعود تكبر وتحمد ربك وتصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم وتدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك فقال الاشعري وحذيفة صدق " والسنة أن يقرأ بعد الفاتحة بق واقتربت لما روي أبو واقد الليثى " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الفطر والاضحي بق واقتربت الساعة " والسنة أن يجهر فيهما بالقراءة لنقل الخلف عن السلف}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ " صَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ " إلَى آخِرِهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَفِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَجَوَازِ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ
الْعِلَلِ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ ليس في هذا الباب شئ أَصَحُّ مِنْهُ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي الْعِيدِ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَرَوَاهُ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَمُنْقَطِعٍ (وَأَمَّا قَوْلُهُ) إنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ خَرَجَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَحُذَيْفَةَ (فَرَوَاهُ) الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ صَدَقَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ (فَرَوَاهُ) مُسْلِمٌ وَأَمَّا جَدُّ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ آخِرَ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَأَمَّا الْوَلِيدُ فَهُوَ أَبُو وَهْبِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَاسْمُ أَبِي معيط أبان ابن أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ الصَّحَابِيُّ وَهُوَ اخو عثمان ابن عَفَّانَ لِأُمِّهِ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ: وَأَمَّا أَبُو وَاقِدٍ فَبِالْقَافِ وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ وَقِيلَ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ وَقِيلَ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ شَهِدَ بَدْرًا وَالْيَرْمُوكَ وَالْجَابِيَةَ وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَدُفِنَ في مقبرة المهاجرين
* وأما قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَاتَ مَحَلُّهُ فَلَمْ يَقْضِهِ كَدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ اُحْتُرِزَ بِالْمَسْنُونِ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إذَا نَسِيَهَا أَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا (وَقَوْلُهُ) كَدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا شَرَعَ فِي الْفَاتِحَةِ قَبْلَ الافتتاح لا يأتي به بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ وَشُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ أَتَى بِهِ إنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ إنْكَارَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا بَلْ نَظِيرُهَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْفَاتِحَةِ وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِالِافْتِتَاحِ هُنَا (الثَّانِي) أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَنْ تَرَكَ قِرَاءَةَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهَا فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ بِالِاتِّفَاقِ وَبِمَنْ تَرَكَ التَّعَوُّذَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقُلْنَا يَخْتَصُّ بِهَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِالْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسُّورَةِ في الباقتين عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ مَعَ قَوْلِنَا لَا تُشْرَعُ السُّورَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّمَا يَأْتِي بالسورة لمسكونها فَاتَتْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*(5/16)
أَمَّا الْأَحْكَامُ فَصَلَاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَصِفَتُهَا المجزئة كصفة سائر الصلوات وسننها وهيآتها
كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَيَنْوِي بِهَا صَلَاةَ الْعِيدِ هذا اقلها: واما الا كمل فَأَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ يُكَبِّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَسِوَى تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ مِنْ السُّجُودِ وَالْهَوِيِّ إلَى الرُّكُوعِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ التَّكْبِيرَاتُ فِي الْأُولَى سِتٌّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّ دعاء الا ستفتاح يَكُونُ بَعْدَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ الزَّوَائِدِ قَدْرَ قِرَاءَةِ آيَةٍ لَا طَوِيلَةٍ وَلَا قَصِيرَةٍ يُهَلِّلُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُمَجِّدُهُ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ لَكِنْ لَيْسَ فِي الْأُمِّ وَيُمَجِّدُهُ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا الله والله أَكْبَرُ وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِ جَازَ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له له الملك وَلَهُ الْحَمْدُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَوْ قَالَ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا كَانَ حَسَنًا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَسْعُودِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْقَفَّالِ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك تَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَجَلَّ ثَنَاؤُك وَلَا إلَهَ غَيْرُك وَلَا يَأْتِي بِهَذَا الذِّكْرِ بَعْدَ السَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ بَلْ يَتَعَوَّذُ عَقِبَ السَّابِعَةِ وَكَذَا عَقِبَ الْخَامِسَةِ إنْ قُلْنَا يَتَعَوَّذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَا يَأْتِي بِهِ أَيْضًا بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْأُولَى مِنْ الزَّوَائِدِ وَلَا يَأْتِي بِهِ أَيْضًا فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْأُولَى مِنْ الْخَمْسِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَأْتِي بِهِ وَالصَّوَابُ فِي الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَوْ وَصَلَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ بَعْضَهُنَّ بِبَعْضٍ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُنَّ بِذِكْرٍ كَرِهْتُ(5/17)
ذَلِكَ ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ سُورَةَ ق وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَرَأَ فِي صَلَاةِ العيد ايضا بسبح اسم ربك وهل أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ " فَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَيَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي الْعُدَّةِ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافٍ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَإِنْ تَرَكَ الرَّفْعَ فِي تكبيرات أَوْ بَعْضِهَا كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ قِيَاسًا عَلَى عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلَوْ كَبَّرَ ثَمَانِي تَكْبِيرَاتٍ وَشَكَّ هل نوى الاحرام باحداهن لم تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ: وَلَوْ شَكَّ فِي التَّكْبِيرَةِ الَّتِي نَوَى التَّحَرُّمَ بِهَا جَعَلَهَا الْأَخِيرَةَ وَأَعَادَ الزَّوَائِدَ: وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا أَوْ سِتًّا فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يكبر سبعا في الاولى وخسما فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ التَّعَوُّذَ وَنَحْوَهُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُخَالِفَهُ وَلَوْ تَرَكَ الزَّوَائِدَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُنَّ أَوْ تَرْكُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَالزِّيَادَةُ فِيهِنَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَيُسِرُّ بِالذِّكْرِ بَيْنَهُنَّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهُنَّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ مَضَى فِي صَلَاتِهِ وَلَا يُكَبِّرُهُنَّ وَلَا يَقْضِيهِنَّ فَإِنْ عَادَ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَهُنَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ تَذَكَّرَهُنَّ قَبْلَ الرُّكُوعِ إمَّا فِي الْقِرَاءَةِ وَإِمَّا بَعْدَهَا فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِنَّ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِنَّ وَهُوَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَالْقَدِيمُ يَأْتِي بِهِنَّ سَوَاءٌ ذَكَرَهُنَّ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا مَا لَمْ يَرْكَعْ وَعِنْدَهُ أَنَّ مَحَلَّهُنَّ الْقِيَامُ وَهُوَ بَاقٍ فَعَلَى الْقَدِيمِ لَوْ تَذَكَّرَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ قَطَعَهَا وَكَبَّرَهُنَّ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْفَاتِحَةَ وَلَوْ تَذَكَّرَهُنَّ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ كَبَّرَهُنَّ وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُنَّ حَتَّى تَعَوُّذَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي الْفَاتِحَةِ أَتَى بِهِنَّ لِأَنَّ مَحَلَّهُنَّ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَتَقْدِيمُهُنَّ عَلَى التَّعَوُّذِ سُنَّةٌ(5/18)
لاشرط وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ أَوْ قد كَبَّرَ بَعْضَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ فَعَلَى الْجَدِيدِ لَا يُكَبِّرُ مَا فَاتَهُ وَعَلَى الْقَدِيمِ يُكَبِّرُهُ وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ وَلَا يُكَبِّرُهُنَّ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ مَعَهُ خَمْسًا عَلَى الْجَدِيدِ فَإِذَا قَامَ إلَى ثَانِيَتِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَبَّرَ أَيْضًا خَمْسًا
*
(فَرْعٌ)
تُسَنُّ صَلَاةُ الْعِيدِ جَمَاعَةً وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فَلَوْ صَلَّاهَا الْمُنْفَرِدُ فَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ سَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ فِي الاولى سبعا وفى الثانية خسما وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ والزهرى ومالك والاوزاعي وأحمد واسحق وَحَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ(5/19)
الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ وَأَبِي يُوسُفَ وَدَاوُد
* وَقَالَ آخَرُونَ يُكَبِّرُ في كل ركعة سبعا حكاه ابن المذر عن ابن عباس والمغيرة ابن شُعْبَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ أَنَّ فِي الْأُولَى سِتًّا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْأُولَى خَمْسٌ وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعٌ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى وَعُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْأُولَى خَمْسٌ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ وَحَكَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رِوَايَةٌ يكبر في الاولى ثلاثا وفى الثانية ثنتين
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِمَا رُوِيَ " أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى وَحُذَيْفَةَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا تَكْبِيرَهُ عَلَى الْجَنَائِزِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ صَدَقَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى تَضْعِيفِهِ وَشُذُوذِهِ وَمُخَالَفَةِ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَعَنْ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَغَيْرُهُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ مع ان رواة ما ذهبنا إليه اكثروا حفظ وَأَوْثَقُ مَعَ أَنَّ مَعَهُمْ زِيَادَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَحَلِّ الكتبير
* قد ذكرنا أن مذهبنا أن الكتبيرات الزَّوَائِدَ تَكُونُ بَيْنَ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَعَوَّذُ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ لِيَتَّصِلَ التَّعَوُّذُ بِدُعَاءِ الاستفتاح وحكى(5/20)
الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ التَّكْبِيرَاتِ ثُمَّ يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ التَّعَوُّذِ
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَرْبَعًا كَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَنَحْوِهِ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ الْمُحْتَجُّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ التَّعَوُّذَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْقِرَاءَةِ وَهُوَ تَابِعٌ لَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّصِلَ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ
* مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ الرَّفْعِ فِيهِنَّ وَاسْتِحْبَابُ الذِّكْرِ بَيْنَهُنَّ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يوسف لا يرفع اليد الافى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الذِّكْرِ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَقُولُهُ
* وَمَذْهَبُنَا أَنَّ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُهُ بَعْدَهُنَّ
* وَأَمَّا التَّعَوُّذُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَقُولُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَقَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُهُ عَقِبَ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْجَدِيدَ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تَفُوتُ وَلَا يَعُودُ يَأْتِي بِهَا وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَدِيم أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا مَا لَمْ يَرْكَعْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ومالك
*
* قال المصنف رحمه الله
* {والسنه إذا فرغ من الصلاة ان يخطب لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ابا بكر وعثمان رضى الله عنهما " كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة " والمستحب ان يخطب علي منبر لما روى جابر رضي الله قال " شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم الاضحي فلما قضى خطبته نزل من منيره " ويسلم على الناس إذا اقبل عليهم كما قلنا في خطبة الجمعة وهل يجلس(5/21)
قبل الخطبة فيه وجهان (احدهما) لا يجلس لان في الجمعة يجلس لفراغ المؤذن من الاذان وليس في العيدين اذان
(والثانى)
يجلس وهو المنصوص في الام لانه يستريح بها ويخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة ويجوز ان يخطب من قعود لما روى أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خطب يوم العيد على راحلته " ولان صلاة العيد يجوز قاعدا فكذلك خطبتها بخلاف الجمعة والمستحب ان يستفتح الخطبة الاولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع لما رَوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ انه قال هو من السنة ويأتي ببقية الخطبة على ما ذكرناه في الجمعة من ذكر الله تعالى وذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله تعالى وقراءة القرآن فان كان في عيد الفطر علمهم صدقة الفطر وان كان في عيد الاضحى علمهم الاضحية لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ " لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ " ويستحب للناس استماع الخطبة لما روى عن ابن مسعود انه قال يوم عيد " من شهد الصلاة معنا فلا يبرح حتى يشهد الخطبة " فان دخل رجل والامام يخطب فان كان في المصلي استمع الخطبة ولا يشتغل بصلاة العيدلان الخطبة من سنن العيد ويخشى فواتها ولصلاة لا يخشى فواتها فكان الاشتغال بها اولي وان كان في المسجد ففيه وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يصلى تحية المسجد ولا يصلي صلاة العيد لان الامام لم يفرغ من سنة العيد فلا يشتغل بالقضاء وقال أبو اسحق المروزى يصلى العيد لانها اهم من تحية المسجد وآكد وإذا صلاها سقط بها التحية فكان الاشتغال بها اولي كما لو حضر وعليه مكتوبة}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُهُمَا قَالَ جَابِرٌ " قَامَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم يوم الفطر فصل فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ " فَقَوْلُهُ نَزَلَ مَعْنَاهُ عَنْ الْمِنْبَرِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَمَعَ ضَعْفِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ تَابِعِيٌّ وَالتَّابِعِيُّ إذَا قَالَ مِنْ السُّنَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ
(وَالثَّانِي)
مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ فَإِنْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ فَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ انْتِشَارُهُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ قُلْنَا مَرْفُوعٌ فَهُوَ مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ " لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ " فَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَجُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيُسَنُّ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ خُطْبَتَانِ عَلَى مِنْبَرٍ وَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَقْبَلَ عَلَى(5/22)
النَّاسِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَرَدُّوا عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَالصِّفَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقِيَامُ فيهما بل يجوز قاعدا ومضطجعا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْأَفْضَلُ قَائِمًا وَيُسَنُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ كَمَا يُفْصَلُ فِي خُطْبَتِي الْجُمُعَةِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ قَبْلَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوَّلَ صُعُودِهِ إلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يَجْلِسُ قَبْلَ خُطْبَتِي الْجُمُعَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الكتاب (أصحهما) باتفاق الاصحاب يستحب وهو المنوص فِي الْأُمِّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ هَذَا كُلِّهِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ نَسَقًا وَفِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ سَبْعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ أَدْخَلَ بَيْنَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ الْحَمْدَ وَالتَّهْلِيلَ وَالثَّنَاءَ جَازَ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ صِفَةَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ كَصِفَةِ التَّكْبِيرَاتِ الْمُرْسَلَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ الَّتِي سَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْخُطْبَةِ وَإِنَّمَا هِيَ مُقَدِّمَةٌ لَهَا وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ نَفْسِ الْخُطْبَةِ بَلْ مُقَدِّمَةٌ لَهَا قَالَ البندنيجى يكبر قبل الخطبة الْأُولَى تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ سَبْعًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ يَسْتَفْتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَإِنَّ كَلَامَهُمْ مُتَأَوِّلٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِهَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ لان افتتاح الشئ قَدْ يَكُونُ بِبَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِهِ
فَاحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ خَفِيٌّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ اُسْتُحِبَّ لِلْخَطِيبِ تَعْلِيمُهُمْ أَحْكَامَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَفِي الاضحي أحكام الاضحية ويبينهما بَيَانًا وَاضِحًا يَفْهَمُونَهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ اسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ وَلَيْسَتْ الْخُطْبَةُ وَلَا اسْتِمَاعُهَا شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْعِيدِ لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ تَرَكَ اسْتِمَاعَ(5/23)
خُطْبَةِ الْعِيدِ أَوْ الْكُسُوفِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ أَوْ خُطَبَ الْحَجِّ أَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَوْ انْصَرَفَ وَتَرَكَهَا كَرِهْته وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَخَلَ إنْسَانٌ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِلْعِيدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمُصَلَّى جَلَسَ وَاسْتَمَعَ الْخُطْبَةَ وَلَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ ثُمَّ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ صَلَّى الْعِيدَ فِي الصَّحْرَاءِ وَإِنْ شَاءَ فِي بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّي الْعِيدَ قَبْلَ أَنْ يَدْنُوَ مِنْ الْمُصَلَّى ثُمَّ يَحْضُرُ وَيَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ فَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يُصَلِّي الْعِيدَ وَتَنْدَرِجُ التَّحِيَّةُ فِيهِ وَبِهَذَا قَالَ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَالثَّانِي) قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ وَيُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْعِيدِ وَبِهَذَا قَطَعَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِ هَلْ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ أَمْ الْعِيدَ وَلَا خلاف أنه مأمور باحدهما لان المجلس لَا يُجْلَسُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ صَلَاةٍ فَإِنْ صَلَّى التَّحِيَّةَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يُؤَخِّرُهَا إلَى بَيْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بِالْمُصَلَّى فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ يُصَلِّي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالُوا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُصَلَّى لَا مَزِيَّةَ لَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَهُوَ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ فِيهِ أَفْضَلَ من بيته قال صاحب الشامل وغيره ويخالف سَائِرَ النَّوَافِلِ حَيْثُ قُلْنَا فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ فَكَانَ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى كَالْفَرَائِضِ بِخِلَافِ الْمُصَلَّى فَإِنَّمَا اسْتَحْبَبْنَاهَا فِيهِ لِلْإِمَامِ لِتَكْثُرَ الْجَمَاعَةُ وَذَلِكَ الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ صِحَّةُ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلْمُنْفَرِدِ وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ قَوْمًا فَاتَهُمْ سَمَاعُ الْخُطْبَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيدَ لَهُمْ الخطبة سواء كانوا رجلا أَمْ نِسَاءً وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَطَبَ يَوْمَ الْعِيدِ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ " رَوَاهُ البخاراى وَمُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ خَطَبَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فهو مسيئ وفى الاعتداد بالخطبة احتمال لامام الحرمين(5/24)
والصحيح بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَقِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ إذَا قَدَّمَهَا عَلَيْهَا وَهَذَا الَّذِي صَحَحْتُهُ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ قَالَ قَالَ فَإِنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ رَأَيْتُ أَنْ يُعِيدَ الْخُطْبَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلَاةٍ وَلَا كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَخْطُبْ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخُطْبَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ وَلِهَذَا قَالَ كَمَا لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَخْطُبْ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَكْرَهُ لِلْمَسَاكِينِ إذَا حَضَرُوا الْعِيدَ الْمَسْأَلَةَ فِي حَالِ الْخُطْبَتَيْنِ بَلْ يَنْكَفُّونَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ قَالَ فان سألوا فلا شئ عَلَيْهِمْ فِيهَا إلَّا تَرْكَ الْفَضْلِ فِي الِاسْتِمَاعِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرٌ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَأَرْبَعُ خُطَبٍ فِي الْحَجِّ وَكُلُّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَةَ الْحَجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَكُلُّهَا يُشْرَعُ فِيهَا خُطْبَتَانِ إلَّا الثَّلَاثَ الْبَاقِيَةَ مِنْ الْحَجِّ فَإِنَّهُنَّ فُرَادَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّأَخُّرِ مِنْ اوجه ذكرناها في باب الجمعة
*
* قال المصنف رحمه الله
* {روى المزني رحمه الله انه يجوز صلاة العيد للمنفرد والمسافر والعبد والمرأة وقال في الاملاء
والقديم والصيد والذبائح لا يصلي العيد حيث لا تصلي الجمعة فمن اصحابنا من قال فيها قولان (احدهما) لا يصلون " لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بمنى مسافرا يوم النحر فلم يصل " ولانها صلاة شرع لَهَا الْخُطْبَةُ وَاجْتِمَاعُ الْكَافَّةِ فَلَمْ يَفْعَلْهَا الْمُسَافِرُ كالجمعة
(والثانى)
يصلون وهو الصحيح لانها صلاة نفل فجاز لهم فعلها كصلاة الكسوف ومن اصحابنا من قال يجوز لهم فعلها قولا واحدا وتأول ما قال في الاملاء والقديم علي انه اراد لا يصلى بالاجتماع والخطبة حيث لا تصلى الجمعة لان في ذلك افتياتا على السلطان)
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ وَقَوْلُهُ اجْتِمَاعِ الْكَافَّةِ هَذَا لَحْنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَلَا يُقَالُ الْكَافَّةُ وَلَا كَافَّةُ الناس فلا يستعمل(5/25)
بالالف واللام ولا مضافة وانما مستعمل حَالًا فَيُقَالُ اجْتِمَاعُ النَّاسِ كَافَّةً كَمَا قَالَ الله تعالى (ادخلوا في السلم كافة وقاتلوا المشركين كافة وما ارسلناك الا كافة للناس) وَلَا تَغْتَرَّنَّ بِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا لَحْنًا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْخُطَبِ النَّبَاتِيَّةِ وَالْمَقَامَاتِ وَغَيْرِهَا (وَقَوْلُهُ) الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ هُوَ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ (وَقَوْلُهُ) صَلَاةٌ تُشْرَعُ لَهَا الْخُطْبَةُ وَاجْتِمَاعُ الْكَافَّةِ فَلَمْ يَفْعَلْهَا الْمُسَافِرُ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ وَلَكِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ (وَقَوْلُهُ) فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلِ الْآخَرِ صَلَاةُ نَفْلٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُمُعَةِ (وَأَمَّا) التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ (فَمَعْنَاهُ) أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْبَلَدِ بِخُطْبَةٍ وَاجْتِمَاعٍ وَيَتْرُكُوا الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ وَحُضُورَ خُطْبَتِهِ فِي الْجَامِعِ بِخِلَافِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ تُفْعَلُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لِأَنَّ فِي الْعِيدِ افْتِيَاتًا بِخِلَافِ الْخَمْسِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَهَلْ تُشْرَعُ صَلَاةُ الْعِيدِ لِلْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهَا تُشْرَعُ لَهُمْ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صلاة العيد بمنى بانه تركها لا شتغاله بِالْمَنَاسِكِ وَتَعْلِيمِ النَّاسِ أَحْكَامَهَا وَكَانَ ذَلِكَ أَهَمَّ مِنْ الْعِيدِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ (وَالثَّانِي) لَا تُشْرَعُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ مِنْ الْجَدِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى الْقَدِيمِ تُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُ الْجُمُعَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الجماعة
وَالْعَدَدِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا خَارِجَ الْبَلَدِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهَا بِدُونِ اربعين علي هذا القول والا ان خُطْبَتَهَا بَعْدَهَا وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَصَلَّاهَا الْمُنْفَرِدُ لَمْ يَخْطُبْ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَخْطُبُ وَإِنْ صَلَّاهَا مُسَافِرُونَ خَطَبَ بِهِمْ إمَامُهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ مَنْ فَاتَتْهُ أَوْ تَرَكَهَا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ الكسوف والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {إذا شهد شاهدان يوم الثلاثين بعد الزوال برؤية الهلال ففيه قولان
(أحدهما)
لا يقضي(5/26)
(والثاني) يقضي وهو الاصح فان أمكن جمع الناس صلى بهم في يومهم وان لم يمكن جمعهم صلى بهم من الغد لما روى أبو عمير بن انس عن عمومته رضى الله عنهم قالوا " قامت بينة عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد الظهر أنهم رأوا هلال شوال فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يفطروا وأن يخرجوا من الغد الي المصلى " وان شهد اليلة الحادى والثلاثين صلي قولا واحدا ولا يكون ذلك قضاء لان فطرهم غدا لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وعرفتكم يوم تعرفون "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ان ركبا جاؤا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وإذا اصبحوا يغدوا الي مصلاهم " ورواه الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ وَعُمُومَةُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحَابَةٌ لَا تَضُرُّ جَهَالَةُ أَعْيَانِهِمْ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْغَدِ إلَى الْمُصَلَّى أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ قَالَ وَلَا يجوزان يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِكَيْ يَجْتَمِعُوا فَيَدْعُوا وَلِتُرَى كَثْرَتُهُمْ بِلَا صَلَاةٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ
وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ " وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ " وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فِي أَوَّلِهِ " الصَّوْمُ يَوْمَ يَصُومُونَ " وَقَوْلُهُ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ - بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ - وَأَبُو عُمَيْرٍ الْمَذْكُورُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِ أَنَسٍ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَغَيْرَهَا مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ إذَا فَاتَتْ هَلْ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا فِيهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَالَ اصحابنا فإذا(5/27)
شَهِدَ عَدْلَانِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَجَبَ الْفِطْرُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَبْلَ الزَّوَالِ مَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ صَلُّوهَا وَكَانَتْ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ شَهِدُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بلا خلاف فيها يَتَعَلَّقُ بِالْعِيدِ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهَا إلَّا الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَلَا تُسْمَعُ بَلْ يُصَلُّونَ الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ وَتَكُونُ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا قَالَ وَقَوْلُهُمْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا تَرْكُ الصلاة فيه اشكال بل لثبوب الْهِلَالِ فَوَائِدُ أُخَرُ كَوُقُوعِ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَلَّقَيْنِ وَابْتِدَاءِ الْعِدَّةِ وَسَائِرِ الْآجَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ لِهَذِهِ الْفَوَائِدِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ لَا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ خَاصَّةً فَأَمَّا مَا سِوَى الصَّلَاةِ مِنْ الْآجَالِ والتعليقات وغيرهما فتثبيت بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا شَهِدُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ إمَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِمَّا قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي الْفِطْرِ بِلَا خِلَافٍ وَتَكُونُ الصَّلَاةُ فَائِتَةً عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) لَا تَفُوتُ فَتُفْعَلُ فِي الْغَدِ أَدَاءً لِعَظَمِ حُرْمَتِهَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَكُونُ قَضَاؤُهَا مَبْنِيًّا عَلَى قَضَاءِ النَّوَافِلِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تُقْضَى لَمْ يُقْضَ الْعِيدُ وَإِنْ قُلْنَا تُقْضَى بُنِيَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى أَنَّهَا كَالْجُمُعَةِ فِي الشُّرُوطِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا كَالْجُمُعَةِ لَمْ تُقْضَ وَإِلَّا قُضِيَتْ وَهُوَ
الْمَذْهَبُ وَهَلْ لَهُمْ صَلَاتُهَا فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ أَدَاءٌ أَمْ قَضَاءٌ إنْ قُلْنَا أَدَاءٌ فَلَا وَإِنْ قُلْنَا قَضَاءٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ جَازَ ثُمَّ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ ام التأخير الي ضحوة العيد فيه فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّقْدِيمُ أَفْضَلُ هَذَا إذَا أَمْكَنَ جَمْعُ النَّاسِ فِي يَوْمِهِمْ لِصِغَرِ الْبَلَدِ فَإِنْ عَسُرَ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا قُلْنَا صَلَاتُهَا فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ قَضَاءٌ فَهَلْ لَهُمْ تَأْخِيرُهَا فِيهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ أَبَدًا
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ في بقية الشهر اما إذا شهدا قبل(5/28)
الْغُرُوبِ وَعَدْلًا بَعْدَهُ فَقَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ فَيُصَلُّونَ مِنْ الْغَدِ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْعِيدُ فِي يَوْمِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ وَفَوَاتُ الْعِيدِ لِأَهْلِ الْبَلَدِ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لِأَفْرَادٍ لَمْ يَجِئْ إلَّا قَوْلَانِ مَنْعُ الْقَضَاءِ وَجَوَازُهُ أَبَدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ هَذَا تَلْخِيصُ أَحْكَامِ الْفَصْلِ فِي الْمَذْهَبِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ شَهِدُوا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَمَعْنَاهُ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِطْرَهُمْ غَدًا فَغَدًا مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ وَخَبَرُ أَنَّ مُقَدَّرٌ فِي الظَّرْفِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوَّلَ شَوَّالٍ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ النَّاسُ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَكَذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ وَكَذَا يَوْمَ عَرَفَةَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَظْهَرُ لِلنَّاسِ أَنَّهُ يَوْمَ عَرَفَةَ سَوَاءٌ كَانَ التَّاسِعَ أَوْ الْعَاشِرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ فَبِهَذَا نَأْخُذُ قَالَ وَإِنَّمَا كُلِّفَ الْعِبَادُ الظَّاهِرَ وَلَمْ يَظْهَرْ الْفِطْرُ إلَّا يَوْمَ أَفْطَرُوا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا فَاتَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا أَبَدًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُد أَنَّهَا لَا تُقْضَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْضَى صَلَاةُ الْفِطْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالْأَضْحَى فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِهِمَا وَإِذَا صَلَّاهَا مَنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي وَقْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَإِنْ شَاءَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ الْخِرَقِيُّ وَالثَّالِثَةُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ رَكْعَتَيْنِ بِلَا جَهْرٍ ولا تكبيرات زوائد وقال اسحق
ان صلاها في المصلى فكصلاة الامام والااربعا
*(5/29)
{باب التكبير}
* قال المصنف رحمه الله
* {الكتبير سنة في العيدين لما روى نافع عن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله بن عباس وعلي وجعفر والحسن والحسين واسامة بن زيد وزيد بن حارثة وايمن ابن ام أيمن رافعا صوته بالتهليل والتكبير ويأخذ طريق الحدادين حتى يأتي المصلي " وَأَوَّلُ وَقْتِ تَكْبِيرِ الْفِطْرِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ من ليلة الفطر لقوله عز وجل (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علي ماهدا كم) واكمال العدة بغروب الشمس من ليلة الفطر واما آخره ففيه طريقان من أصحابنا من قال فيه ثلاثة أقوال (أحدها) ما روى المزني أنه يكبر إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ إذا حضر فالسنة أن يشتغل بالصلاة فلا معني للتكبير (والثاني) ما رواه البويطي انه يكبر حتي تفتتح الصلاة لان الكلام مباح قبل ان تفتتح الصلاة فكان التكبير مستحبا (والثالث) قاله في القديم حتى ينصرف الامام لان الامام والمأمومين مشغولون بالذكر الي ان يفرغوا من الصلاة فسن لمن لم يكن في الصلاة ان يكبر ومن اصحابنا من قال هو علي قول واحد انه يكبر الي ان تفتتح الصلاة وتأول رواية المزني علي ذلك لانه إذا خرج الي المصلي افتتح الصلاة وقوله في القديم حتى ينصرف الامام لانه ما لم ينصرف مشغول بالتكبير في الصلاة ويسن التكبير المطلق في عيد الفطر وهل يسن التكبير المقيد في ادبار الصلوات فيه وجهان
(أحدهما)
لا يسن لانه لم ينقل ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى؟ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (والثاني) انه يسن لانه عيد يسن له التكبير المطلق فيسن له التكبير المقيد كالاضحى(5/30)
والسنة في التكبير أَنْ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثلاثا لما روى عن ابن عباس انه قال " الله اكبر ثلاثا " وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ رَأَيْت الْأَئِمَّةَ رضى الله عنهم يكبرون أيام التشريق بعد الصلاة ثلاثا وعن الحسن مثله قال في الام وان زاد زيادة فليقل بعد الثلاث
اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذلك علي الصفا ويستحب رفع الصوت بالتكبير لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يخرج في العيدين رافعا صوته بالتهليل والتكبير لانه إذا رفع صوته سمع من لم يكبر فيكبر "
*
(فصل)
واما تكبير الاضحى ففى وقته ثلاثة أقوال (أحدها) يبتدئ بعد الظهر من يوم النحر الي ان يصلى الصبح من آخر ايام التشريق والدليل علي انه يبتدئ بعد الظهر قوله عز وجل (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) والمناسك تقضي يوم النحر ضحوة واول صلاة تلقاهم الظهر والدليل علي انه يقطعه بعد الصبح ان الناس تبع للحاج وآخر صلاة يصليها الحاج بمنى صلاة الصبح ثم يخرج
(والثانى)
يبتدئ بعد غروب الشمس من ليلة العيد قياسا على عيد الفطر ويقطعه إذا صلى الصبح من آخر ايام التشريق لما ذكرناه (والثالث) أن يبتدئ بعد صلاة الصبح من يوم عرفة ويقطعه بعد صلاة العصر من آخر ايام التشريق لما روى عمر وعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم " كان يكبر في دبر كل صلاة بعد صلاة الصبح يوم عرفة إلى بعد صلاة العصر من آخر ايام التشريق "
*
(فصل)
السنة ان يكبر في هذه الايام خلف الفرائض لنقل الخلف عن السلف وهل يكبر خلف النوافل فيه طريقان من أصحابنا من قال يكبر قولا واحدا لانها صلاة راتبة فاشبهت الفرائض ومنهم من قال فيه قولان (احدهما) يكبر لما قلناه (والثاني) لا يكبر لان النفل تابع للفرض والتابع لا يكون له تبع ومن فاتته صلاة في هذه الايام فاراد قضاءها في غيرها لم يكبر خلفها لِأَنَّ التَّكْبِيرَ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يُفْعَلُ في غيرها وان قضاها في هذه الايام ففيه وجهان
(أحدهما)
يكبر لان وقت التكبير باق
(والثانى)
لا يكبر لان التكبير خلف هذه الصلوات يختص بوقتها وقد فات الوقت فلم يقض}
* {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا تَكْبِيرُ الْعِيدِ قِسْمَانِ
(أَحَدُهُمَا)
التَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ
وَقَدْ سَبَقَ (وَالثَّانِي) غَيْرُ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أُمِّ عطية " كنا نومر بِإِخْرَاجِ الْحُيَّضِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ "(5/31)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ) وَهَذَا الْقِسْمُ نَوْعَانِ مُرْسَلٌ وَمُقَيَّدٌ (فَالْمُرْسَلُ) وَيُقَالُ لَهُ الْمُطْلَقُ هُوَ الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِحَالٍ بَلْ يُؤْتَى بِهِ فِي الْمَنَازِلِ وَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ (وَالْمُقَيَّدُ) هُوَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِتْيَانُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَالْمُرْسَلُ مَشْرُوعٌ فِي الْعِيدَيْنِ جَمِيعًا وَأَوَّلُ وَقْتِهِ فِي الْعِيدَيْنِ غُرُوبُ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَفِي آخِرِ وَقْتِهِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يُكَبِّرُونَ إلَى أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاعَاتٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُبَاحٌ قَبْلَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ فَالِاشْتِغَالُ بِالتَّكْبِيرِ أَوْلَى وَهَذَا نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ (وَالثَّانِي) إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ فَالسُّنَّةُ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ (وَالثَّالِثُ) يُكَبِّرُ إلَى فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقِيلَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَالَ ابن سريج وابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ الْقَطْعُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ النَّصَّيْنِ لآخرين عَلَى هَذَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ بِحَاضِرٍ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا قُلْنَا يَمْتَدُّ إلَى فَرَاغِ الْخُطْبَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يُكَبِّرَ حَتَّى يَعْلَمَ فَرَاغَ الْإِمَامِ مِنْهُمَا
* وَأَمَّا الْحَاضِرُونَ فَلَا يُكَبِّرُونَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بَلْ يَسْتَمِعُونَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ النَّاسُ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ فِي لَيْلَتِي العيدين ويوميهما الي الغاية المذ كورة فِي الْمَنَازِلِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقِ وَغَيْرِهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَفِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى وَبِالْمُصَلَّى وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْحُجَّاجُ فَلَا يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْأَضْحَى بَلْ ذِكْرُهُمْ التَّلْبِيَةَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ تَكْبِيرَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ آكَدُ مِنْ تَكْبِيرِ لَيْلَةَ الْأَضْحَى عَلَى الْأَظْهَرِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ عَكْسَهُ وَدَلِيلُ الْجَدِيدِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ولتكبروا الله) وَأَمَّا التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ فَيُشْرَعُ فِي عِيدِ الْأَضْحَى بِلَا خِلَافٍ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهَلْ يُشْرَعُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يُشْرَعُ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْجَدِيدِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْمُعْتَمَدِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَفَعَلَهُ وَلَنُقِلَ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ وَرَجَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ عِيدٌ يُسَنُّ فِيهِ التَّكْبِيرُ الْمُرْسَلُ فَسُنَّ الْمُقَيَّدُ كَالْأَضْحَى فَعَلَى هَذَا قَالُوا يُكَبِّرُ خَلْفَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ نَصِّهِ في القديم(5/32)
وَحُكْمُ النَّوَافِلِ وَالْفَوَائِتِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى هذا الوجه يقاس بما سنذ كره إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَضْحَى (وَأَمَّا لاضحى) فالناس فيه ضربان حجاج وغير هم (فاما الحجاح) فيبدؤن التَّكْبِيرَ عَقِبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ جَامِعِ الْجَوَامِعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ والجرياني فِي التَّحْرِيرِ وَآخَرُونَ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَطَعَ هُوَ بِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الِابْتِدَاءِ وَتَرَدَّدَ فِي الِانْتِهَاءِ وَسَبَبُ تَرَدُّدِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وقطع به الرافعي وغيره من المتأخرين قالوا وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحُجَّاجَ وَظِيفَتُهُمْ وَشِعَارُهُمْ التَّلْبِيَةُ وَلَا يَقْطَعُونَهَا إلَّا إذَا شَرَعُوا فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَإِنَّمَا شُرِعَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَوَّلُ فَرِيضَةٍ تَلْقَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ الظُّهْرُ وَآخِرُ صَلَاةٍ يُصَلُّونَهَا بِمِنًى صَلَاةُ الصُّبْحِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَهُمْ أَنْ يَرْمُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُمْ رُكْبَانٌ وَلَا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِمِنًى وَإِنَّمَا يُصَلُّونَهَا بَعْدَ نَفَرِهِمْ مِنْهَا.
وَأَمَّا غَيْرُ الحجاج فللشافعي رحمه الله في تكبيرهم ثلاث نُصُوصٍ (أَحَدُهَا) مِنْ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَالْأُمِّ وَالْقَدِيمِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هو نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ فِي الْأُمِّ قَالَ لَوْ بَدَأَ بِالتَّكْبِيرِ خَلْفَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ قِيَاسًا عَلَى لَيْلَةِ الْفِطْرِ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ قَالَ وَسَمِعْت مَنْ يَسْتَحِبُّ هَذَا وَقَالَ بِهِ (وَالنَّصُّ الثَّالِثُ) أَنَّهُ رُوِيَ فِي الْأُمِّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ مِنْ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ قَالَ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ هَذَا كَلَامُهُ فِي الْأُمِّ وَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي نَصَّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ(5/33)
يَبْدَأُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَخْتِمُ بِصُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ فَيَكُونُ مُكَبِّرًا خَلْفَ خَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً قَالَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَبْدَأُ مِنْ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ فَتَكُونُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ صَلَاةً وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي صُبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ فَتَكُونُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً قَالَ وَهَذَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَقَالَ أَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ هَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا وأشهرها) وبها قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ (وَالثَّانِي) مِنْ مَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ (وَالثَّالِثُ) مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وابن عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا وَالنَّصَّانِ الْآخَرَانِ لَيْسَا مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا حَكَاهُمَا مَذْهَبًا لِغَيْرِهِ قَالَ فِي الْحَاوِي وَتَأَوَّلُوا أَيْضًا نَصَّهُ مِنْ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ عَلَى أَنَّ المراد التكببر الْمُرْسَلُ لَا الْمُقَيَّدُ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمُرْسَلِ مِنْ الْمَغْرِبِ فِي لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ إلَى أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا سَبَقَ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ الدَّارَكِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَلَيْسَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ لِاخْتِلَافِ قَوْلٍ بَلْ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صُبْحِ يَوْمَ عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي ثُبُوتِهِ ثَلَاثَةَ أساب فَذَكَرَ فِي ثُبُوتِ التَّكْبِيرِ مِنْ صُبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ قَوْلَ بَعْضِ السَّلَفِ وَذَكَرَ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ الْقِيَاسَ عَلَى لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَذَكَرَ فِي ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ القياس علي الججيج قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي
* وَنَقَلَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَ حِكَايَةِ الْقَاضِي عَنْهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَرْجَحَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الِابْتِدَاءُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخر التشريق واختارت طائفة مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ ممن اختاره أبو العباس ابن(5/34)
سُرَيْجٍ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ
قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي الْأَمْصَارِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ والبيهقي وغيرهما مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أنه سأله أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " كَانَ يُهَلِّلُ الْمُهَلِّلُ مِنَّا فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَدَاةِ عَرَفَةَ فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ فَأَمَّا نَحْنُ فَنُكَبِّرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ مِنْ الصُّبْحِ يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التَّشْرِيقِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ ثُمَّ ذُكِرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ يَعْنِي الْجُعْفِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَمْرُو بْنُ شمرو جابر الْجُعْفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ الثِّقَاتِ كِفَايَةٌ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " كان يجهر في المكتوبات بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَكَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الفجرو كان يُكَبِّرُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيَقْطَعُهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَا أَعْلَمُ مِنْ رُوَاتِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْجَرْحِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ فِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وغيره
* فاما من فعل عمرو على وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَصَحِيحٌ عَنْهُمْ التَّكْبِيرُ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادِ الْحَاكِمِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ بِعَمْرِو بْنِ شَمَرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ وَكِلَا الْإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفٌ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ أَتْقَنُ مِنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ وَأَشَدُّ تَحَرِّيًا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكَبِّرُ خلف الصبح أو(5/35)
العسر الَّتِي هِيَ الْغَايَةُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ خَلْفَ الْفَرَائِضِ الْمُؤَدَّيَاتِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ مِنْهَا فَقَضَاهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ يُكَبِّرْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ
فَلَا يُفْعَلُ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ فِيهَا فَقَضَاهَا فِيهَا أَيْضًا فَهَلْ يُكَبِّرُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي يُكَبِّرُ بِلَا خلاف لان التكبير شعار لهذه المدة (والطريق الثَّانِي) فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَجْهَيْنِ (أَصَحَّهُمَا) يُكَبِّرُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارٌ لِوَقْتِ الْفَرَائِضِ وَلَوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ فِي غير هذه الايام فقضاها فيها فثلاث طُرُقٍ (أَحَدُهَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَنْدَنِيجِيّ يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شِعَارُ هَذِهِ الْمُدَّةِ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ (وَالثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يُسْتَحَبُّ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ اسْتِحْبَابُهُ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا التَّكْبِيرُ خَلْفَ النَّوَافِلِ فَقَالَ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُكَبِّرُ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَاَلَّذِي قَبْلَ هَذَا أَوْلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهَرُهَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْعُولَةٌ فِي وَقْتِ التَّكْبِيرِ فَأَشْبَهَتْ الْفَرِيضَةَ
(وَالثَّانِي)
لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ تَابِعٌ لِلصَّلَاةِ وَالنَّافِلَةَ تَابِعَةٌ لِلْفَرِيضَةِ وَالتَّابِعُ لَا يَكُونُ لَهُ تَابِعٌ وَالطَّرِيقُ (الثَّانِي) يُكَبِّرُ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا فَقَالَ فَإِذَا سَلَّمَ كَبَّرَ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ وَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ تكبر الحائض والجنب وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ فِي جَمِيعِ السَّاعَاتِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَالَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مُسْتَحَبٌّ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنَّ مَنْ لَا يُصَلِّي كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ التَّكْبِيرُ قَالَ الْقَاضِي وَغَلَّطُوا الْمُزَنِيَّ فِي قوله الذى قبل هذا اولى فانه أو هم أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ لَا يكبر الاخلف الْفَرَائِضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ(5/36)
الَّذِي قَبْلَ هَذَا مُؤَوَّلٌ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْبَنْدَنِيجِيُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) لَا يُكَبِّرُ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ تَوَاتُرًا فِي الْأَمْصَارِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَأَجَابَ أَصْحَابُ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ نَقْلِ الْمُزَنِيِّ التَّكْبِيرَ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ بجوابين (احدهما)
أنه غلط في النقل مِنْ التَّلْبِيَةِ إلَى التَّكْبِيرِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ غَلَطٌ في المعني دون الرواية وانا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِالتَّكْبِيرِ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ مَا تَعَلَّقَ بِالزَّمَانِ فِي لَيْلَتَيْ الْعِيدِ دُونَ مَا تَعَلَّقَ بِالصَّلَوَاتِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ (وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ) حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي أَيْضًا إنْ كَانَ النَّفَلُ يُسَنُّ مُنْفَرِدًا لَمْ يُكَبِّرْ خَلْفَهُ وَإِنْ سُنَّ جَمَاعَةً كَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَبَّرَ وَحَمَلُوا الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ فَهَذَا تَلْخِيصُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَالْمَذْهَبُ عَلَى الْجُمْلَةِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ خَلْفَ كُلِّ النَّوَافِلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ
* (فَرْعٌ)
هَلْ يُكَبِّرُ خَلْفَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) لَا يُكَبِّرُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِهَذَا حُذِفَ أَكْثَرُ أَرْكَانِ الصَّلَوَاتِ مِنْهَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ إنْ قُلْنَا يُكَبِّرُ خَلْفَ النَّوَافِلِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَكَالْفَرَائِضِ الْمَقْضِيَّةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ والمذهب علي الجملة استحباب التكببر خَلْفَهَا لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ النَّافِلَةِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَيْسَ فِي نَفْسِهَا فَتَطُولُ بِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا عَرَفْت ما سبق وأردت اخْتِصَارُ الْخِلَافِ فِيمَا يُكَبِّرُ خَلْفَهُ جَاءَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يُكَبِّرُ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ مَفْعُولَةٍ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ
(وَالثَّانِي)
يَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ الْمَفْعُولَةِ فِيهَا مُؤَدَّاةً كَانَتْ(5/37)
أَوْ مَقْضِيَّةً فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً رَاتِبَةً أَوْ غَيْرَهَا (وَالثَّالِثُ) يَخْتَصُّ بِفَرَائِضِهَا مَقْضِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُؤَدَّاةً (وَالرَّابِعُ) لَا يُكَبِّرُ إلَّا عَقِبَ فَرَائِضِهَا الموادة وَسُنَنِهَا الرَّاتِبَةِ الْمُؤَدَّاةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ خَلْفَ الصَّلَاةِ فَتَذَكَّرَ وَالْفَصْلُ قَرِيبٌ اُسْتُحِبَّ التَّكْبِيرُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ فَارَقَ مُصَلَّاهُ أَمْ لَا فَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا إذَا تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ فَتَذَكَّرَهُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يُسْتَحَبُّ تَدَارُكُ التَّكْبِيرِ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُجُودِ السهو لا تمام الصَّلَاةِ وَإِكْمَالِ صِفَتِهَا فَلَا تُفْعَلُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ كَمَا لَا يُبْنَى عَلَيْهَا بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ وَأَمَّا
التَّكْبِيرُ فَهُوَ شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا وَصْفٌ لِلصَّلَاةِ وَلَا جُزْءٌ مِنْهَا وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ التَّكْبِيرَ لَا يُكَبِّرُ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ
* (فَرْعٌ)
الْمَسْبُوقُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ لَا يُكَبِّرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَعَنْ الْحَسَنِ البصري أنه يكبر ثم يقضى وعن مُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقْضِي ثُمَّ يُكَبِّرُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ
* وَاحْتَجَّ الْحَسَنُ بِأَنَّ الْمَسْبُوقَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَكَذَا التَّكْبِيرُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا يُشْرَعُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَفْرُغْ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَالْمَسْبُوقُ إنَّمَا يُفَارِقُ الْإِمَامَ بَعْدَ سَلَامِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ عَلَى خِلَافِ اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ فَكَبَّرَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْمَأْمُومُ لَا يَرَاهُ أَوْ تَرَكَهُ وَالْمَأْمُومُ يَرَاهُ أَوْ كَبَّرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْمَأْمُومُ لَا يَرَاهُ أو تركه والمأموم يَرَاهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتْبَعُ اعْتِقَادَ نَفْسِهِ فِي التَّكْبِيرِ وَتَرْكِهِ وَلَا يُوَافِقُ الْإِمَامَ لِأَنَّ الْقُدْوَةَ انْقَضَتْ بِالسَّلَامِ
(وَالثَّانِي)
يُوَافِقُهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي يَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهُ وَلِجَعْلِهِ شِعَارًا أَمَّا إذَا اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ بِالتَّكْبِيرِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ
*(5/38)
(فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي التَّكْبِيرِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ الْمُنْفَرِدُ وَالْمُصَلِّي جَمَاعَةً وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَالْحَاضِرُ وَالْمُسَافِرُ (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
صِفَةُ التَّكْبِيرِ الْمُسْتَحَبَّةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ قَوْلًا قَدِيمًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ وَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ثَلَاثًا نَسَقًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَحَسَنٌ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهُ اللَّهُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَهُ عَلَى الصَّفَا " وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخَصْرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّهِ الْقَدِيمِ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى التَّكْبِيرَاتِ الثَّلَاثِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أولانا وأبلانا قال صاحب الشامل والله يَقُولُهُ النَّاسُ لَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ نَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ في البويطي قال البندنيجي وهذا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ قَالَ وعليه الناس وقال صاحب البحر والعمل عَلَيْهِ وَرَأَيْته أَنَا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ لَكِنَّهُ جَعَلَ التَّكْبِيرَ أَوَّلًا مَرَّتَيْنِ
* (فَرْعٌ)
فِي مذاهب العلماء في الكتبير خَلْفَ النَّوَافِلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ والثوري واحمد واسحق وَدَاوُد لَا يُكَبِّرُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فَلَمْ يُشْرَعْ كالاذان والاذان وَدَلِيلُنَا أَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ الصَّلَاةِ وَالْفَرْضُ وَالنَّفَلُ فِي الشِّعَارِ سَوَاءٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ تَكْبِيرِ الْأَضْحَى
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ كَوْنُهُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى عصر آخر(5/39)
التَّشْرِيقِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ التَّكْبِيرَ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ عن عمر بن الخطاب وعلي أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَى ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَعَنْ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ قَالَ يُكَبِّرُ مِنْ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ سعيد بن جببر وَرِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَالزُّهْرِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ الْحَسَنِ مِنْ الظُّهْرِ إلَى ظُهْرِ الْيَوْمِ الثَّانِي في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْبِيرِ مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسَنُّ التَّكْبِيرُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يُكَبِّرُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْبِيرِ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ
* مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ لَهُنَّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكَبِّرْنَ وَاسْتَحْسَنَهُ أَحْمَدُ
* (فَرْعٌ)
فِي الْمُسَافِرِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكَبِّرُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي صِفَةِ التَّكْبِيرِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ ثَلَاثًا نَسَقًا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ: وَبِهِ قَالَ مالك وحكي ابن المنذر عن عمرو ابن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَالَ وَبِهِ قال الثوري وابو حنيفة ومحمد واحمد واسحق وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ الله اكبر كبير الله كبيرا الله كَبِيرًا اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قدير وقال الحكم وحماد ليس فيه شئ مُؤَقَّتٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْبِيرِ عِيدِ الْفِطْرِ
* هُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ(5/40)
أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا أَنْ يُكَبَّرَ إمَامُهُ وَحَكَى السَّاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ مُطْلَقًا وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَدَاوُد أَنَّهُمْ قَالُوا التَّكْبِيرُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ وَاجِبٌ وَفِي الْأَضْحَى مُسْتَحَبٌّ وَأَمَّا أَوَّلُ وَقْتِ تَكْبِيرِ عِيدِ الْفِطْرِ فَهُوَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْعِيدِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَعُرْوَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
*
وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يُكَبِّرُ لَيْلَةَ الْعِيدِ إنَّمَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الْغُدُوِّ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَآخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ محمد والحكم وحماد ومالك واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ النَّاسِ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ أَحَادِيثِ الْكِتَابِ وَأَلْفَاظِهِ: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِينَ ضَعِيفَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ كَذَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مَوْقُوفًا (وَقَوْلُهُ) يَأْخُذُ طَرِيقَ الْحَدَّادِينَ قِيلَ بِالْحَاءِ وَقِيلَ بِالْجِيمِ أَيْ الَّذِينَ يَجِدُونَ الثِّمَارَ (وَقَوْلُهُ) وَأَوَّلُ وَقْتِ تَكْبِيرِ الْفِطْرِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ لِقَوْلِهِ تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله) واكمال العدة بغروب الشمس هذا الاستدال لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ الْوَاوُ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِهَا الْفَوْرُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهَا لِلْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) قَالَ فِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ يَعْنِي حَتَّى يُسَلِّمَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالِانْصِرَافُ مِنْ الصَّلَاةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِمَعْنَى السَّلَامِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالِانْصِرَافِ فَرَاغُ الْخُطْبَةِ (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ (وَقَوْلُهُ) لانه عيديسن له التكببر المطلق فسن له التكببر الْمُقَيَّدُ كَالْأَضْحَى هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ كِلَاهُمَا مَشْرُوعٌ فِي(5/41)
الْأَضْحَى وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ كُلُّ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحُونَ بِاسْتِحْبَابِهِمَا وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ يُوهِمُ خِلَافَ هَذَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ التَّكْبِيرِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ وَالْمُرْسَلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُرْسَلُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لا تختص بِوَقْتٍ (قَوْلُهُ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ التَّكْبِيرُ ثَلَاثٌ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ (قَوْلُهُ) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ رَأَيْت الْأَئِمَّةَ يُكَبِّرُونَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِتَقْدِيمِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَهَذَا خَطَأٌ صَرِيحٌ وَسَبْقُ قَلَمٍ أَوْ غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ النُّسَّاخِ وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّوَابِ فِي جَمِيعِ مَوَاضِعِهِ مِنْ الْمُهَذَّبِ مِنْهَا (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَوَّلُ النِّكَاحِ وَأَوَّلُ الْجِنَايَاتِ وَمَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي التَّكْبِيرِ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ فَسَبَقَ بَيَانُهُ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ عَمَّارٌ وَعَلِيٌّ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ التَّكْبِيرَ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يُفْعَلُ فِي غَيْرِهَا هَذَا تَعْلِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ بِنَفْسِ الْحُكْمِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْعِيدَيْنِ
(إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ بِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ (وَاحْتَجَّ) لَهُ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ " وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ " مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حِينَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ " رَوَاهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ(5/42)
يُقَالُ إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الْأَضْحَى وَلَيْلَةِ الْفِطْرِ وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي رَجَبٍ وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ رَأَيْت مَشْيَخَةً مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَظْهَرُونَ عَلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعِيدَيْنِ فَيَدْعُونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَذْهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبَلَغَنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحْيِي لَيْلَةَ النَّحْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَنَا أَسْتَحِبُّ كُلَّ مَا حَكَيْت فِي هَذِهِ اللَّيَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْإِحْيَاءَ الْمَذْكُورَ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لِمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُتَسَامَحُ فِيهَا وَيُعْمَلُ عَلَى وَفْقِ ضَعِيفِهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّ فَضِيلَةَ هَذَا الْإِحْيَاءِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ وَقِيلَ تَحْصُلُ بِسَاعَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ فِي نَقْلِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مشيخة المدنية وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إحْيَاءَ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ وَيَعْزِمَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
{بَابُ صَلَاة الْكُسُوف}
يُقَالُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَكَسَفَ الْقَمَرُ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَالسِّينِ وَكُسِفَا - بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ السِّينِ وَانْكَسَفَا وَخَسَفَا وَخُسِفَا وَانْخَسَفَا كَذَلِكَ فَهَذِهِ سِتُّ لُغَاتٍ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَيُقَالُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَقِيلَ الْكُسُوفُ أَوَّلُهُ وَالْخُسُوفُ آخِرُهُ فِيهِمَا فَهَذِهِ ثَمَانُ لُغَاتٍ وَقَدْ جَاءَتْ اللُّغَاتُ السِّتُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّهُمَا مُسْتَعْمَلَانِ فِيهِمَا وَالْأَشْهَرُ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ تَخْصِيصُ الْكُسُوفِ بِالشَّمْسِ وَالْخُسُوفِ بِالْقَمَرِ وَادَّعَى الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ أَفْصَحُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* {صَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا وَصَلُّوا "} {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مُوسَى وَجَابِرٌ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ وأبو بكرة(5/43)
وَالْمُغِيرَةُ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* وَصَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُصَلَّى لِخُسُوفِ الْقَمَرِ فُرَادَى وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ في التسوية بين الكسوفين * قال المصنف رحمه الله
* {والسنة أن يغتسل لها لانها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فسن لها الغسل كصلاة الجمعة والسنة أن يصلي حيث يصلى الجمعة لان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَاةٌ فِي المسجد " ولانه يتفق في وقت لا يمكن قصد المصلي فيه وربما ينجلى قبل أن يبلغ الي المصلي فتفوت فكان الجامع أولي والسنة ان يدعي لها " الصلاة جامعة " لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فأمر رجلا أن ينادى الصلاة جامعة "} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمَا (وَقَوْلُهُ) شُرِعَ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ اُحْتُرِزَ عَنْ الصَّلَوَاتِ
الخمس: والغسل لَهَا سُنَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِأَوَّلِ الْكُسُوفِ وَيُسَنُّ فِي الْجَامِعِ وَيُسَنُّ أَنْ يُنَادَى لَهَا الصَّلَاةَ جَامِعَةً لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَيَجُوزُ فِي مَوَاضِعَ من(5/44)
الْبَلَدِ وَتُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمُنْفَرِدِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي قِيَاسِ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلْمُنْفَرِدِ وَحَكَى الرافعي وجها انه يشترط بصحتها الْجَمَاعَةُ وَوَجْهًا أَنَّهَا لَا تُقَامُ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْجُمُعَةِ وَهُمَا شَاذَّانِ مَرْدُودَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا إذْنِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً خَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ طَلَبُوا إمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا صَلُّوا فُرَادَى فَإِنْ خَافُوا الْإِمَامَ لَوْ صَلُّوا عَلَانِيَةً صَلُّوهَا سِرًّا وَبِهَذَا قال مالك وأحمد واسحق وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدٌ إذَا لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ صلوا فرادى * قال المصنف رحمه الله
* {وهى رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وسجودان والسنة أن يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة سورة البقرة أو قدرها ثم يركع ويسبح بقدر مائة آية ثم يرفع ويقرأ فاتحة الكتاب وبقدر مائتي آية ثم يركع ويسبح بقدر سبعين آية ثم يسجد كما يسجد في غيرها وقال أبو العباس يطيل السجود كما يطيل الركوع وليس بشئ لان الشافعي لم يذكر ذلك ولا نقل ذلك في خبر ولو كان قد أطال لنقل كما نقل في القراءة والركوع ثم يصلي الركعة الثانية فيقرأ بعد الفاتحة قدر مائة وخمسين آية ثم يركع بقدر سبعين آية ثم يرفع ويقرأ بعد الفاتحة بقدر مائة آية ثم يركع بقدر خمسين آية ثم يسجد والدليل عليه ما روى ابن عباس قال " كسفت الشمس فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس معه فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم قام فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم سجد وانصرف(5/45)
وقد تجلت الشمس والسنة أن يسر بالقراءة في كسوف الشمس لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال فصلي فقمت الي جانبه فلم أسمع
له قراءة " ولانها صلاة نهار لها نظير بالليل فلم يجهر فيها بالقراءة كالظهر ويجهر في كسوف القمر لانها صلاة ليل لها نظير بالنهار فسن الجهر كالشاء} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِمَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي الْإِسْرَارِ بِقِرَاءَةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ " قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ " قَالُوا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِأَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِغَيْرِهِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ " صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفٍ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ " رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ الصَّحِيحَانِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسْرَارَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْجَهْرَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ نَهَارٍ لَهَا نَظِيرٌ بِاللَّيْلِ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ (وَقَوْلُهُ) صَلَاةُ لَيْلٍ لَهَا نَظِيرٌ بِالنَّهَارِ قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الْوِتْرِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ وَلَا يُقَالُ قَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْوِتْرِ وَلِأَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الثَّالِثَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الْوِتْرِ(5/46)
لِأَنَّ مُرَادَهُ إذَا صَلَّاهَا جَمَاعَةً بَعْدَ التَّرَاوِيحِ (وَقَوْلُهُ) وَرُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهَا أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ لِكَوْنِهِ قَالَ سُجُودَانِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّجُودَ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ سَجْدَتَانِ فَالسُّجُودَانِ أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَسَجْدَتَانِ وَهَذَا مُرَادُهُ
* اما احكام الفصل فَقَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَنْ يُحْرِمَ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوف ثُمَّ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ ثُمَّ يَرْفَعَ فَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ ثَانِيًا ثُمَّ يَرْفَعَ وَيَطْمَئِنَّ ثُمَّ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ فَهَذِهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَةً ثَانِيَةً كَذَلِكَ فَهِيَ رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ كَغَيْرِهَا فَلَوْ تَمَادَى الْكُسُوفُ فَهَلْ يَزِيدُ رُكُوعًا ثَالِثًا فَأَكْثَرَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يزيد ثالثا ورابعا وخامسا واكثر حتى يتجلى الْكُسُوفُ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا(5/47)
الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ مِنْهُمْ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَغَيْرُهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَةُ رُكُوعَاتٍ " وَفِي رِوَايَةٍ " فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَةُ رُكُوعَاتٍ " رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا وَلَا مَحْمَلَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ إلَّا الْحَمْلَ عَلَى الزِّيَادَةِ لِتَأَدِّي الْكُسُوفِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى رُكُوعَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ قَالُوا وَرِوَايَاتُ الرُّكُوعَيْنِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا وَقِيَاسُ الصَّلَوَاتِ أَنْ لَا تُقْبَلَ الزِّيَادَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ كَانَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ فَانْجَلَى الْكُسُوفُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَهُ أَنْ يُتِمَّهَا عَلَى هَيْئَتِهَا الْمَشْرُوعَةِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رُكُوعٍ وَاحِدٍ وَقِيَامٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ لِلتَّمَادِي إنْ جوزناها جاز النقصان بحسب مدة الكسوف والافلا وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْكُسُوفُ بَاقٍ فَهَلْ لَهُ اسْتِفْتَاحُ صَلَاةَ الْكُسُوفِ مَرَّةً أُخْرَى فِيهِ وَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا الْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ زِيَادَةِ الركوع (والصحيح) المنع من والزيادة وَالنَّقْصِ وَمِنْ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ ثَانِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) أَكْمَلُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَأَنْ يُحْرِمَ بِهَا ثُمَّ يَأْتِيَ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ التَّعَوُّذِ ثُمَّ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ يَقْرَأَ الْبَقَرَةَ أَوْ نَحْوَهَا إنْ لَمْ يُحْسِنْهَا (وَأَمَّا) الْقِيَامُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصَّانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَصَّهُ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ مِائَتَيْ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّالِثِ قَدْرَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْهَا وَفِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ مِائَةٍ مِنْهَا
(وَالثَّانِي)
نَصَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ نَحْوَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَفِي الثَّالِثِ نَحْوَ سُورَةِ النِّسَاءِ وَفِي الرَّابِعِ نَحْوَ الْمَائِدَةِ وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابٍ آخَرَ بعد هذا بنحو (1) كراسين كَنَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ
__________
(1) كذا بالاصل فحرر(5/48)
وَأَخَذَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِنَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ هُوَ لِلتَّقْرِيبِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَفِي اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ فِي ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُمَا الْوَجْهَانِ السابقان في التعذ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا (أَصَحُّهُمَا) الِاسْتِحْبَابُ وَأَمَّا قَدْرُ مُكْثِهِ فِي الرُّكُوعِ فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصَّانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَصَّهُ فِي الْأُمِّ
وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ (وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي) مِنْ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُسَبِّحُ فِي الركوع الاول نحو مائة آبة مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِي قَدْرَ ثُلُثَيْ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ وَفِي الثَّالِثِ قَدْرَ سَبْعِينَ آيَةً مِنْهَا وَفِي الرَّابِعِ قَدْرَ خَمْسِينَ وَنَصَّ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُسَبِّحُ فِي كُلِّ رُكُوعٍ نَحْوَ قِرَاءَتِهِ (وَأَمَّا) كَلَامُ الْأَصْحَابِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فِي ضَبْطِهِ فَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَدْرَ سَبْعِينَ آيَةً بِالسِّينِ فِي أَوَّلِهِ وَفِي التَّنْبِيهِ تسعين آية بالتاء في اوله وقال الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ قَدْرَ ثَمَانِينَ آيَةً وَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ الْكِفَايَةِ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ آيَةً وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْأَبْهَرِيُّ قَدْرَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَأَمَّا) السُّجُودُ فَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا أَنَّهُ يُطَوِّلُهُ أَوْ يُقَصِّرُهُ وَادَّعَى الْمُصَنِّفُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ تَطْوِيلَهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ نَصَّ عَلَى تَطْوِيلِهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَشْهَرُهُمَا) فِي الْمُهَذَّبِ لَا يُطَوِّلُ بَلْ يَسْجُدُ كَقَدْرِ السُّجُودِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُهُ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى تَطْوِيلِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ فَقَالَ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ يُقِيمُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ نَحْوًا مِمَّا أَقَامَ فِي رُكُوعِهِ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ يُقِيمُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ نَحْوًا مِمَّا أَقَامَ فِي(5/49)
رُكُوعِهِ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ واسحق بن راهويه تطويل الجسود كَالرُّكُوعِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يُطِيلُ السُّجُودَ فَالسُّجُودُ الْأَوَّلُ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالسُّجُودُ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَقَطَعَ بِتَطْوِيلِ السُّجُودِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ أَحْسَنُ مِنْ الْإِطْلَاقِ الَّذِي فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ بَلْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ لَا قَوْلَ لِلشَّافِعِيِّ غَيْرُ الْقَوْلِ بِتَطْوِيلِ السُّجُودِ لِمَا عُلِمَ مِنْ وَصِيَّتِهِ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ خِلَافَ قَوْلِهِ فَلْيُتْرَكْ قَوْلُهُ وَلْيُعْمَلْ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ الْحَدِيثُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِنَقْلِ الْمَذْهَبِ
* وَأَمَّا
الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِتَطْوِيلِ السُّجُودِ (فَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي صِفَةِ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْته يَفْعَلُهُ فِي صَلَاتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُسُوفَ قَالَتْ " ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ " ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ " فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا إلَى أَنْ قَالَتْ ثُمَّ سَجَدَ وَهُوَ دُونَ السُّجُودِ الْأَوَّلِ " وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " فَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ " مَا سَجَدْت سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَرُكُوعُهُ نَحْوٌ مِنْ سُجُودِهِ " وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ " ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ " وَذَكَرَتْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ(5/50)
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ قَامَ فِي الْكُسُوفِ فَلَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ ثُمَّ رَكَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ صَحِيحٍ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثم رَكَعَ كَأَطْوَلِ مَا رَكَعَ بِنَا قَطُّ ثُمَّ سَجَدَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا سَجَدَ بِنَا فِي صَلَاةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِاسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ السُّجُودِ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَتَابَعَهُمْ عَلَى تَرْجِيحِهِ جَمَاعَةٌ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْهُ وَقَوْلُهُ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الِاعْتِدَالُ بَعْدَ الرُّكُوعِ الثَّانِي فَلَا يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُهُ بِلَا خِلَافٍ وَهَكَذَا التَّشَهُّدُ وَجُلُوسُهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُهُمَا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا الِاتِّفَاقَ عَلَى انه لا يطوله وحديث عمرو بن العاصى يقتضى(5/51)
اسْتِحْبَابَ إطَالَتِهِ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ مُسْتَحَبٌّ فَالْمُخْتَارُ فِي قَدْرِهِ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالسُّجُودَ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ نَحْوُ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي رَفْعِهِ مِنْ كُلِّ رُكُوعٍ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا لَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيُّ وَالْأَصْحَابُ
* (فَرْعٌ)
السُّنَّةُ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ وَالْإِسْرَارُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا ضَمَمْنَاهُ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في الام والمختصر وقال الخطابى الذي يحبئ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجْهَرُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْخَطَّابِيِّ وَلَمْ أَرَهُ فِي كِتَابِ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ قَالَ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الصَّحَابِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَبِهِ قال احمد واسحق وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي رِوَايَةٍ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُسِرُّ
* وَاحْتَجَّ لِلْجَهْرِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ * قال المصنف رحمه الله
* {والسنة أن يخطب لها بعد الصلاة لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم فرغ من صلاته فقام فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رأيتم ذلك فصلوا وتصدقوا "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَهُمَا سُنَّةٌ لَيْسَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصِفَتُهُمَا كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ صَلَّاهَا جَمَاعَةٌ فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ صَلَّاهَا الْمُسَافِرُونَ فِي الصَّحْرَاءِ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ وَلَا يَخْطُبُ مَنْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا وَيَحُثُّهُمْ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ عَلَى التَّوْبَةِ
مِنْ الْمَعَاصِي وَعَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَتَاقَةِ وَيُحَذِّرُهُمْ الْغَفْلَةَ وَالِاغْتِرَارَ وَيَأْمُرُهُمْ بِإِكْثَارِ الدُّعَاءِ(5/52)
وَالِاسْتِغْفَارِ وَالذِّكْرِ فَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ فِي خطبته قال الشافعي الْأُمِّ وَيَجْلِسُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى كَمَا فِي الجمعة هذا نصه ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَنَقَلَهُ ابن المنذر عن المجهور
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَا تُشْرَعُ لَهَا الْخُطْبَةُ
* دَلِيلُنَا الا حاديث الصحيحة * قال المصنف رحمه الله
* {فان لم يصل حتي تجلت لم يصل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فَإِذَا رأيتم ذلك فصلوا حتى تنجلي " فان تجلت وهو في الصلاة أتمها لِأَنَّهَا صَلَاةُ أَصْلٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِخُرُوجِ وقتها كسائر الصلوات وان جللها غمامة وهى كاسفة صلي لان الاصل بقاء الكسوف وان غربت الشمس كاسفة لم يصل لانه لا سلطان لها بالليل وان غاب القمر وهو كاسف فان كان قبل طلوع الفجر صلي لان سلطانه باق وان غاب بعد طلوع الفجر ففيه قولان قال في القديم لا يصلى لان سلطانه بالليل وقد ذهب الليل وقال في الجديد يصلي لان سلطانه باق ما لم تطلع الشمس لانه ينتفع بضوئه وان صلى ولم ينجل لم يصل مرة أخرى لانه لم ينقل ذلك عن أحد}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ أَصْلٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُمُعَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ الظُّهْرِ وَمِنْ الْمُسَافِرِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ نَوَى قَصْرَهَا وَقُلْنَا إنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَاءٌ إذْ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَتَمَّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ صَلَاةِ الْقَصْرِ(5/53)
إلَى صَلَاةِ الْإِتْمَامِ أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَفُوتُ صَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ
بِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
الِانْجِلَاءُ فَإِذَا انْجَلَتْ جَمِيعُهَا لَمْ يُصَلِّ لِلْحَدِيثِ وَإِنْ انْجَلَى بَعْضُهَا شَرَعَ فِي الصلاة للباقى كما لو لم ينكسف إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ انْجَلَى جَمِيعُ الْكُسُوفِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ حَالَ دُونَهَا سَحَابٌ وَشَكَّ فِي الِانْجِلَاءِ صَلَّى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكُسُوفِ وَلَوْ كَانَتْ الشَّمْسُ تَحْتَ غَمَامٍ وَشَكَّ هَلْ كَسَفَتْ لَمْ يُصَلِّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكُسُوفِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُعْمَلُ فِي الْكُسُوفِ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ (الثَّانِي) أَنْ تَغِيبَ كَاسِفَةً فَلَا يُصَلِّي بَعْدَ الْغُرُوبِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ غَابَتْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا (وَأَمَّا) صَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ فَتَفُوتُ أَيْضًا بِأَمْرَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
الِانْجِلَاءُ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) طُلُوعُ الشَّمْسِ فَإِذَا طَلَعَتْ وَهُوَ خَاسِفٌ لَمْ يَبْتَدِئْ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَتَمَّهَا وَلَوْ بَدَأَ خُسُوفُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يُصَلِّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ غَابَ فِي اللَّيْلِ خَاسِفًا صَلَّى بِالِاتِّفَاقِ لِبَقَاءِ سُلْطَانِهِ كَمَا لَوْ اسْتَتَرَ بِغَمَامٍ صَلَّى وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ خَاسِفٌ أَوْ خَسَفَ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ يُصَلِّي وَالْقَدِيمُ لَا يُصَلِّي وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ فَعَلَى الْجَدِيدِ لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِيهَا لَمْ تَبْطُلْ كَمَا لَوْ انْجَلَى الْكُسُوفُ فِي أَثْنَائِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيُخَفِّفُونَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فِي هَذَا الْحَالِ لِيَخْرُجُوا مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ طَلَعَتْ وَهُوَ فِيهَا أَتَمَّهَا ثُمَّ فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ أَنَّهُمَا فِيمَا إذَا غَابَ خَاسِفًا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَغِبْ وَبَقِيَ خَاسِفًا فَيَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ قَطْعًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا صَلَّيْنَا صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَسَلَّمْنَا مِنْهَا وَالْكُسُوفُ بَاقٍ فَلَا تُسْتَأْنَفُ الصلاة على المذهب وبه قطع الا كثرون ونص عليه في الام وفيه خِلَافٍ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
*(5/54)
{ولا تسن صلاة الجماعة لآية غير الكسوف كالزلازل وغيرها لان هذه الآيات قد كانت وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى لها جماعة غير الكسوف}
*
{الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مَا سِوَى الْكُسُوفَيْنِ مِنْ الْآيَاتِ كَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيَاحِ الشَّدِيدَةِ وَنَحْوِهَا لَا تُصَلَّى جَمَاعَةً لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قال الشافعي في الام والمختصر اولا آمُرُ بِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ فِي زَلْزَلَةٍ وَلَا ظُلْمَةٍ وَلَا لِصَوَاعِقَ وَلَا رِيحٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَآمُرُ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدِينَ كَمَا يُصَلُّونَ مُنْفَرِدِينَ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا وَيَدْعُوَ وَيَتَضَرَّعَ لِئَلَّا يَكُونَ غَافِلًا
* وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى فِي زَلْزَلَةٍ جَمَاعَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ قُلْت بِهِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ لَهُ فِي الزَّلْزَلَةِ وَحْدَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ فِي جَمِيعِ الْآيَاتِ وَهَذَا الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَوْ ثَبَتَ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَكَذَا مَا جَاءَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه من نحو هذا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {وإذا اجتمعت صلاة الكسوف مع غيرها قدم اخوفهما فوتا فان استويا في الفوت قدم أو كدهما فان اجتمعت مع صلاة الجنازة قدمت لانه يخشى عليه التغيير والانفجار وان اجتمعت مع المكتوبة في أول الوقت بدأ بصلاة الكسوف لانه بخاف فوتها بالتجلي فإذا فرغ منها بدأ بالمكتوبة قبل الخطبة للكسوف لان المكتوبة يخاف فوتها والخطبة لا يخاف فوتها وان اجتمعت معها آخر الوقت بدأ بالمكتوبة لانهما استوتا في خوف الفوات والمكتوبة آكد فكان تقديمها أولي وان اجتمعت مع الوتر في آخر وقتها قدم صلاة الكسوف لانهما استوتا في الفوت وصلاة الكسوف أو كد فكانت بالتقديم أحق}
* {الشَّرْحِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا اجْتَمَعَ صَلَاتَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قُدِّمَ مَا يَخَافُ فَوْتُهُ ثُمَّ الْأَوْكَدُ فَإِذَا اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ أَوْ جُمُعَةٌ وَكُسُوفٌ وَخِيفَ فَوْتُ الْعِيدِ أَوْ الْجُمُعَةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ قُدِّمَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ لِأَنَّهُمَا أَوْكَدُ مِنْ الْكُسُوفِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فوتهما فطريقان(5/55)
(أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ يُقَدَّمُ الْكُسُوفُ لانه يخاف فوته (والثاني) حكام الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يُقَدِّمُ الجمعة والعيد لتأكد هما قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَبَاقِي الْفَرَائِضِ
كَالْجُمُعَةِ وَلَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَوِتْرٌ أَوْ تَرَاوِيحُ قَدَّمَ الْكُسُوفَ مطلقا لانها أو كد وَأَفْضَلُ وَلَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَكُسُوفٌ أَوْ عِيدٌ قَدَّمَ الْجِنَازَةَ لِأَنَّهُ يَخَافُ تَغَيُّرَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَشْتَغِلُ الْإِمَامُ بَعْدَهَا بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَلَا يُشَيِّعُهَا بل يشيعها غيره فان لم يحضر الْجِنَازَةُ أَوْ أُحْضِرَتْ وَلَمْ يَحْضُرْ الْوَلِيُّ أَفْرَدَ الْإِمَامُ جَمَاعَةً يَنْتَظِرُونَهَا وَاشْتَغَلَ هُوَ وَالنَّاسُ بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى
* وَلَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَلَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ واتفقوا عليه لماذ كرناه وَإِنْ ضَاقَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ قُدِّمَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ الْجُوَيْنِيِّ تَقْدِيمَ الْجِنَازَةِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا بَدَلٌ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا بدل(5/56)
لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا عَمْدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ أَوْ ضَيِّقٌ صَلَّاهُمَا ثُمَّ خَطَبَ لَهُمَا بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ خُطْبَتَيْنِ يَذْكُرُ فِيهِمَا الْعِيدَ وَالْكُسُوفَ وَلَوْ اجْتَمَعَ جُمُعَةٌ وَكُسُوفٌ وَاقْتَضَى الْحَالُ تَقْدِيمَ الْجُمُعَةِ خَطَبَ لَهَا ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ الْكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ لِلْكُسُوفِ وَإِنْ اقْتَضَى الْحَالُ تَقْدِيمَ الْكُسُوفِ بَدَأَ بِهَا ثُمَّ خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ خُطْبَتَهَا وَذَكَرَ فِيهِمَا شَأْنَ الْكُسُوفِ وَمَا يُنْدَبُ فِي خُطْبَتَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعِ خُطَبٍ قال أَصْحَابُنَا وَيَقْصِدُ بِالْخُطْبَتَيْنِ الْجُمُعَةَ خَاصَّةً وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ الْجُمُعَةَ وَالْكُسُوفَ مَعًا لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلَافِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ فانه يقصد هما بِالْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ هَكَذَا قَالُوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّنَّتَيْنِ إذَا لَمْ تَتَدَاخَلَا لَا يَصِحُّ أن ينوبهما بصلاة واحدة ولهذا لو نوى بر كعتين صَلَاةَ الضُّحَى وَقَضَاءَ سُنَّةِ الصُّبْحِ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ ضَمَّ إلَى فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ نِيَّةَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ ضمنا فلا يضر ذكر ها قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ وَاسْتِسْقَاءٌ وَجِنَازَةٌ يَعْنِي وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ بَدَأَ بِالْجِنَازَةِ ثُمَّ الْكُسُوفِ ثُمَّ الْعِيدِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ خَطَبَ لِلْجَمِيعِ خُطْبَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا بَدَأَ بِالْكُسُوفِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ خَفَّفَهَا فَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَمَا أَشْبَهَهَا قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ بِمَكَّةَ عِنْدَ رَوَاحِ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ إلَى مِنًى صَلُّوا الْكُسُوفَ فَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ بِمِنًى صَلَّاهَا بِمَكَّةَ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ
بِعَرَفَةَ عِنْدَ الزَّوَالِ قَدَّمَ الْكُسُوفَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُمَا بَدَأَ بِهِمَا ثُمَّ صَلَّى الْكُسُوفَ وَلَمْ يَتْرُكْهُ لِلْوُقُوفِ وَخَفَّفَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالْخُطْبَةَ قَالَ وَإِنْ كَسَفَتْ وَهُوَ فِي الْمَوْقِفِ بَعْدَ الْعَصْرِ(5/57)
صَلَّى الْكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ عَلَى بَعِيرِهِ وَدَعَا قَالَ وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ بَعْدَهُ صَلَّى الْكُسُوفَ وَخَطَبَ وَلَوْ حَبَسَهُ ذلك الي طلوع الشمس ويخفف لكيلا يَحْبِسَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ قَدِرَ قَالَ وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ وَقْتَ صَلَاةِ الْقِيَامِ يَعْنِي التراويح بدأ بصلاة الخسوف
* (فرع)
اعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ وَقَالَتْ هَذَا مُحَالٌ لِأَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَكُسُوفَ الْقَمَرِ لَا يَكُونُ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا يَكُونُ إلَّا لَيْلَةَ الرَّابِعِ عَشَرَ أَوْ الْخَامِسِ عَشَرَ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى يَزْعُمُهَا الْمُنَجِّمُونَ وَلَا نُسَلِّمُ انْحِصَارَهُ فِيمَا يَقُولُونَ بَلْ نَقُولُ الْكُسُوفُ مُمْكِنٌ فِي غَيْرِ الْيَوْمَيْنِ المذكورين والله علي كل شئ قَدِيرٌ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ مَا قُلْنَاهُ فَقَدْ ثبت في الصحيحين أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ تُوُفِّيَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ الزُّبَيْرِ بْنِ بِكَارٍ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وغير هما أنه توفى بوم الثُّلَاثَاءِ عَاشِرَ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ من(5/58)
الْهِجْرَةِ وَإِسْنَادُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَيَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا لِأَنَّهُ لَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْعَمَلِ بِالضَّعِيفِ فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ وَأُصُولِ الْعَقَائِدِ وَأَيْضًا فَقَدْ نُقِلَ مُتَوَاتِرًا أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الثَّانِي) يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الْعِيدِ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ بِأَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ بِنُقْصَانِ رَجَبٍ وَآخَرَانِ بِنُقْصَانِ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةً فَيَقَعُ الْعِيدُ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ الَّذِي كُلِّفْنَاهُ (الثَّالِثِ) لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا كَانَ تَصْوِيرُ الْفُقَهَاءِ لَهُ حَسَنًا لِلتَّدَرُّبِ بِاسْتِخْرَاجِ الْفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ وَتَنْقِيحِ الْأَفْهَامِ كَمَا يُقَالُ فِي مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ تَرْكُ مِائَةِ جَدَّةٍ مَعَ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ لَا يَقَعُ فِي الْعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْكُسُوفِ
(إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْكُسُوفِ لَا أَكْرَهُ لِمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْ النِّسَاءِ لَا للعجوز ولا للصببة شُهُودَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ أُحِبُّهَا لهن وَأَحَبُّ إلَيَّ لِذَوَاتِ الْهَيْئَةِ أَنْ يُصَلِّينَهَا فِي بُيُوتِهِنَّ قَالَ وَإِنْ كَسَفَتْ وَهُنَاكَ رَجُلٌ مَعَ نِسَاءٍ فِيهِنَّ ذَوَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ صَلَّى بِهِنَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ ذَوَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ صَلَّى بِهِنَّ فَلَا بَأْسَ قَالَ فَإِنْ صَلَّى النِّسَاءُ فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِنَّ الْخُطْبَةُ لَكِنْ لَوْ ذَكَّرَتْهُنَّ إحْدَاهُنَّ كَانَ حَسَنًا هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ عِنْدِي(5/59)
لِمُسَافِرٍ وَلَا مُقِيمٍ وَلَا لِأَحَدٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالٍ فَيُصَلِّيهَا كُلُّ مَنْ وَصَفْت بِإِمَامٍ تَقَدَّمَهُ وَمُنْفَرِدًا إنْ لَمْ يَجِدْ إمَامًا وَيُصَلِّيهَا كَمَا وَصَفْت فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَكَذَلِكَ خُسُوفُ الْقَمَرِ قَالَ وَإِنْ خَطَبَ الرَّجُلُ الَّذِي وَصَفْت فَذَكَّرَهُمْ لَمْ أَكْرَهْهُ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ وَاقْتَصَرَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا لِمُسَافِرٍ وَلَا مُقِيمٍ بِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ هَذَا نَصُّهُ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَكْرَهُ تَرْكَهَا لنأكدها لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَمْرِ بِهَا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا " وَفِي رِوَايَةٍ " فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَصَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ " وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَكْرَهُ تَرْكَهَا فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ قَدْ يُوصَفُ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْجَائِزَ يُطْلَقُ عَلَى مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ وَالْمَكْرُوهَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَحَمَلَنَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لَا وَاجِبَ مِنْ الصَّلَاةِ غَيْرُ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ وَفِي كَلَامِهِ هُنَا مَا يدل عليه فان قوله ولا لاحد جلاز لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالٍ وَهَذِهِ(5/60)
الْعِبَارَةُ يَدْخُلُ فِيهَا الْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُوجِبُ
عَلَيْهِمْ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَقَدْ أَوْضَحَ الشَّافِعِيُّ هَذَا فِي الْبُوَيْطِيِّ فَقَالَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ بَابَيْ الْكُسُوفِ يُصَلِّي صَلَاةَ الْكُسُوفِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَفِي كُلِّ حِينٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا نَافِلَتَيْنِ وَلَكِنَّهُمَا وَاجِبَانِ وُجُوبَ سُنَّةٍ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِهِمَا سُنَّةً وفى انه أرادتا كيد الامر بهما (وقوله) واجبان وجوب سنة ونحو الحديث الصحيح " غسل الجمعة واجب على مُحْتَلِمٍ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَحْدَهُ صَلَاةَ الْكُسُوفِ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا كَمَا يَصْنَعُ فِي الْمَكْتُوبَةِ قَالَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ (الرَّابِعَةُ) الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ الركعة الاولي فقد أدرك كُلَّهَا وَيُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى بِرُكُوعَيْنِ وَقِيَامَيْنِ كَمَا يَأْتِي بِهَا الْإِمَامُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مدر كالشئ مِنْ الرَّكْعَةِ كَمَا لَوْ أَدْرَكَ الِاعْتِدَالَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَنْهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْقَوْمَةِ الَّتِي قَبْلَهُ فَعَلَى هَذَا إذَا أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِي مِنْ الْأُولَى قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَا يَسْجُدُ لِأَنَّ إدْرَاكَ الرُّكُوعِ إذَا حَصَلَ بِهِ الْقِيَامُ الَّذِي قَبْلَهُ كَانَ حُصُولُ السُّجُودِ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْلَى وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ أَدْرَكَهُ فِي القيام الثاني لا يكون مدركا لشئ مِنْ الرَّكْعَةِ أَيْضًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ وَصَلَّى بَقِيَّتَهَا سَوَاءٌ تَجَلَّى الْكُسُوفُ أَمْ دَامَ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْجَلَتْ طَوَّلَهَا كَمَا طَوَّلَهَا(5/61)
الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَتْ انْجَلَتْ خَفَّفَهَا عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَوْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ حَدَثَ خَوْفٌ صَلَّى الْإِمَامُ صَلَاةَ الْخُسُوفِ صَلَاةَ خَوْفٍ كَمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ صَلَاةَ خَوْفٍ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ قَالَ وَكَذَلِكَ يصلي صلاة الخسوف صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْإِيمَاءِ حَيْثُ تَوَجَّهَ رَاكِبًا وماشيا فان أمكنه الخطبة والصلاة خطب والافلا يَضُرُّهُ قَالَ وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَضَرٍ فَغَشِيَ أَهْلَ الْبَلَدِ عَدُوٌّ مَضَوْا إلَى الْعَدُوِّ فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَا يُمْكِنُهُمْ فِي الْمَكْتُوبَةِ صَلُّوهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ
وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ صَلُّوهَا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ طَالِبِينَ وَمَطْلُوبِينَ هَذَا نَصُّهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ رُكُوعِ الْكُسُوفِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وركوعان وسجدتان وبه قال مالك واحمد واسحق وابو ثور وداود وغير هم وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ هِيَ رَكْعَتَانِ كَالْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَةُ رُكُوعَاتٍ وَعَنْ عَلِيٍّ رضى الله عنه خمس ركوعات في كل ركعة وعن اسحق أَنَّهَا تَجُوزُ رُكُوعَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ هَذَا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْهُ وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَزَالُ يَرْكَعُ وَيَقُومُ وَيُرَاقِبُ الشَّمْسَ حَتَّى تَنْجَلِيَ فَإِذَا انْجَلَتْ سجدتم صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ الصَّحَابِيِّ قَالَ " كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَزِعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَانْجَلَتْ فَقَالَ إنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعَنْ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كفت الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ(5/62)
وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والنسأني بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِمِثْلِ مَذْهَبِنَا وَأَجَابُوا عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ أَحَادِيثَنَا أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَأَكْثَرُ رُوَاةً (وَالثَّانِي) أَنَّا نحمل أحاديثا علي الا ستحباب وَالْحَدِيثَيْنِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَيْنِ الجوابين أبو إسحق المروزي والشيخ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ للكسوف وكان تاركا للافضل
*
* (باب صلاة الاستسقاء)
*
* قال المصنف رحمه الله
*
{وصلاة الاستسقاء سنة لما روى عباد بن تميم عن عمه قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستسقى فصلى ركعتين جهر بالقراءة فيهما وحول رداءه ورفع يديه واستسقي " والسنة أن يكون في المصلى لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " شَكَا النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قحوط المطر فامر بمنبر فوضع له في المصلى " ولان الجمع يكثر فكان المصلي أرفق بهم}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَبَّادٍ عَنْ عَمِّهِ صَحِيحٌ رَوَاهُ هَكَذَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَلَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَعَمُّ عَبَّادٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيِّ المارني سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ(5/63)
عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ هُوَ إسْنَادٌ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السُّقْيَا وَيُقَالُ سَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَقِيلَ سَقَى نَاوَلَهُ لِيَشْرَبَ وَأَسْقَيْتُهُ جَعَلْت له سقيا وقحوط الْمَطَرِ - بِضَمِّ الْقَافِ وَالْحَاءِ - امْتِنَاعُهُ وَعَدَمُ نُزُولِهِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِهِ سُؤَالُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَسْقِيَ عِبَادَهُ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ قَالَ فِي الْأُمِّ وأصحابنا والاستسقاء أنواع (ادناها) الداعاء بِلَا صَلَاةٍ وَلَا خَلْفَ صَلَاةٍ فُرَادَى وَمُجْتَمِعِينَ لِذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَحْسَنُهُ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ (النَّوْعُ) الثَّانِي وَهُوَ أَوْسَطُهَا الدُّعَاءُ خَلْفَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يُقِيمُ مُؤَذِّنًا فَيَأْمُرُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ وَيَحُضَّ النَّاسَ عَلَى الدُّعَاءِ فَمَا كَرِهْت مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ (النَّوْعُ الثَّالِثُ) أَفْضَلُهَا وَهُوَ الِاسْتِسْقَاءُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ وَتَأَهُّبٍ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَيَسْتَوِي فِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ أَهْلُ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالْمُسَافِرُونَ وَيُسَنُّ لهم جميعا الصلاة والخطبتان ويستحب ذَلِكَ لِلْمُنْفَرِدِ إلَّا الْخُطْبَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُشْرَعُ الِاسْتِسْقَاءُ إذَا أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ وَانْقَطَعَ الْغَيْثُ أَوْ النَّهْرُ أَوْ الْعُيُونُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي اسْتِسْقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ وَبِالدُّعَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ وَلَمْ يَدْعُ إلَيْهَا حَاجَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يُسْتَسْقَوْا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَلَوْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ عَنْ طَائِفَةٍ دُونَ طَائِفَةٍ أَوْ أَجْدَبَتْ طَائِفَةٌ وَأَخْصَبَتْ
طَائِفَةٌ اُسْتُحِبَّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَسْتَسْقُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى سَبَبِ الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَقَدْ أَسَاءَ بِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَتُقِيمُ الرَّعِيَّةُ الِاسْتِسْقَاءَ لانفسهم
*(5/64)
* قال المصنف رحمه الله
* {إذا اراد الامام الخروج للاستسقاء وعظ الناس وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي لان المظالم والمعاصي تمنع القطر والدليل عليه ما روى أبو وائل عن عبد الله قال " إذا بخس المكيال حبس القطر " وقال مجاهد في قوله تعالى (ويلعنهم اللاعنون) قال دواب الارض تلعنهم يقولون يمنع القطر بخطاياهم ويأمرهم بصوم ثلاثة أيام قبل الخروج ويخرج في اليوم الرابع وهم صيام لقوله صلى الله عليه وسلم " دعوة الصائم لا ترد " ويأمرهم بالصدقة لانه ارجأ للاجابة ويستسقى بالخيار من أقرباء رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس وقال " اللهم انا كنا إذا قحطنا توسلنا اليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا فيسقون " ويستسقى بأهل الصلاح لما روى أن معاوية استسقى بيزيد بن الاسود فقال " اللهم انا نستسقي بخيرنا وأفضلنا اللهم انا نستسقي بيزيد بن الاسود يا يزيد ارفع يديك إلي الله تعالي فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فثارت سحابة من المغرب كأنها ترس وهب لها ريح فسقوا حتي كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم " ويستسقى(5/65)
بالشيوخ والصبيان لقوله صلى الله عليه وسلم (لولا صبيان رضع وبهائم رتع وعباد لله ركع لصب عليهم العذاب صبا " قال في الام ولا آمر باخراج البهائم وقال أبو اسحق استحب اخراج البهائم لعل الله تعالي يرحمها لما روى ان سليمان صلي الله عليه وسلم " خرج ليستسقى فرأى نملة تستسقى فقال ارجعوا فان الله تعالى سقاكم بغيركم " ويكره إخراج الكفار للاستسقاء لانهم أعداء الله فلا يجوز أن يتوسل بهم إليه فان حضروا وتميزوا لم يمنعوا لانهم جاءوا في طلب الرزق والمستحب أن
يتنظف للاستسقاء بغسل وسواك لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُسَنُّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ فَشُرِعَ لها الغسل كصلاة الجمعة ولا يستحب أن يتطيب لها لان الطيب للزينة وليس هذا وقت الزينة ويخرج متواضعا متبذلا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متواضعا متبذلا متخشعا متضرعا " ولا يؤذن لها ولا يقيم لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستسقى فصلي بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا " والمستحب أن ينادى لها الصلاة جامعة لانها صلاة يشرع لها الاجتماع والخطبة ولا يسن لها الآذان والاقامة فيسن لها الصلاة جامعة كصلاة الكسوف}
*(5/66)
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ " دَعْوَةُ الصَّائِمِ لَا تُرَدُّ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَفْظُهُ " ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالْمَظْلُومُ " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَقَالَ " دَعْوَةُ الصَّائِمِ وَالْوَالِدِ وَالْمُسَافِرِ " وَحَدِيثُ اسْتِسْقَاءِ عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَحَدِيثُ اسْتِسْقَاءِ مُعَاوِيَةَ بِيَزِيدَ مَشْهُورٌ وَحَدِيثُ " لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ وَقَالَ إسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَلَفْظُهُ " مَهْلًا عَنْ اللَّهِ مَهْلًا فَإِنَّهُ لَوْلَا شَبَابٌ خُشَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا " وَأَمَّا حَدِيثُ اسْتِسْقَاءِ النَّمْلَةِ فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِمَعْنَاهُ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " خَرَجَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ " قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَقَوْلُهُ) وَعَظَ الْإِمَامُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْوَعْظُ التَّخْوِيفُ وَالْعِظَةُ الِاسْمُ مِنْهُ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ التَّذْكِيرُ بِالْخَيْرِ فِيمَا يَرِقُّ لَهُ الْقَلْبُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ بِالْعَوَاقِبِ يُقَالُ وَعَظْتُهُ وَعْظًا وَعِظَةً فَاتَّعَظَ أَيْ قَبِلَ الْمَوْعِظَةَ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ الْوَعْظُ وَالْمَوْعِظَةُ وَالْعِظَةُ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ) الْخُرُوجُ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْمَعَاصِي مُرَادُهُ
بِالْمَظَالِمِ حُقُوقُ الْعِبَادِ وَبِالْمَعَاصِي حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى أَبُو وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ وَهُوَ مِنْ فُضَلَاءِ التَّابِعِينَ أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولم(5/67)
يَرَهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَعَبْدُ اللَّهِ هو ابن مَسْعُودٍ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ) وَقَالَ مجاهد الي آخر هَذَا مَنْقُولٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ بِإِسْنَادِهِ عن البراء ابن عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَقِيلَ فِي الْآيَةِ قَوْلٌ ثَانٍ وهو ان اللاعنين كل شئ مِنْ حَيَوَانٍ وَجَمَادٍ إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَقِيلَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ وعن قتادة انهم الملائكة وقيل غيره (قوله) يَقُولُونَ يَمْنَعُ الْقَطْرَ كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ يَقُولُونَ وَالْأَصْلُ فِي الدَّوَابِّ تَقُولُ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ مُخْتَصٌّ بِالذُّكُورِ(5/68)
الْعُقَلَاءِ وَكَأَنَّهَا لَمَّا أُضِيفَ اللَّعْنُ إلَيْهَا كَمَا يُضَافُ إلَى الْعُقَلَاءِ حَسُنَ إجْرَاءُ لَفْظِهِمْ عَلَيْهَا كقوله تعالي (الهم رجل يمشون بها) الْآيَةَ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يسبحون ورأيتهم لى ساجدين) وَنَظَائِرُهُ (قَوْلُهُ) قُحِطْنَا هُوَ - بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْحَاءِ - وَالْقَحْطُ الْجُدُوبَةُ وَاحْتِبَاسُ الْمَطَرِ (وَقَوْلُهُ) فَتَسْقِينَا بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَاسْقِنَا بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وقطعها قوله كَادَ النَّاسُ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُمْ كَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْفَصِيحُ حَذْفُ أَنْ عَكْسُ عَسَى فَإِنَّ الْفَصِيحَ فِيهَا عَسَى زَيْدٌ أَنْ يَقُومَ وَيَجُوزُ عَسَى زَيْدٌ يَقُومُ (قَوْلُهُ) الصِّبْيَان بِكَسْرِ الصاد وضمها - لغتان حكاهما بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ (أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) الْكَسْرُ وَمِثْلُهُ قُضْبَانٌ وَرِضْوَانٌ قَوْلُهُ شُيُوخٌ رُكَّعٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قِيلَ هُوَ جَمْعُ رَاكِعٍ أَيْ الْمُصَلِّي قَالَ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الشُّيُوخَ الَّذِينَ انحنت ظهور هم مِنْ الشَّيْخُوخَةِ (قَوْلُهُ) مُتَبَذِّلًا أَيْ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ - وَهِيَ الَّتِي تُلْبَسُ فِي حَالِ الشُّغْلِ وَمُبَاشَرَةِ الْخِدْمَةِ وَتَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ وَالتَّخَشُّعُ التَّذَلُّلُ وَالتَّضَرُّعُ وَالْخُضُوعُ فِي الدُّعَاءِ وَإِظْهَارُ الْفَقْرِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُسَنُّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ فَشُرِعَ لَهَا الْغُسْلُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُشْرَعُ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ لَا يُسَنُّ لَهَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ(5/69)
احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ يُشْرَعُ لَهَا الِاجْتِمَاعُ عَنْ السُّنَنِ الراتبة (بقوله) وَالْخُطْبَةُ عَنْ الْمَكْتُوبَاتِ وَبِقَوْلِهِ لَا يُسَنُّ لَهَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ عَنْ الْجُمُعَةِ (وَقَوْلُهُ) كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ إنما قَاسَ عَلَيْهَا دُونَ الْعِيدِ لِأَنَّ الْكُسُوفَ فِيهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ فِي الْعِيدِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ هَذِهِ الصَّلَاةِ ركعتان كسائر النوافل وأما الا كمل فَلَهَا آدَابٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ شَرْطًا (أَحَدُهَا) إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ خَطَبَ النَّاسَ وَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي وَمُصَالَحَةِ الْمُتَشَاحِنِينَ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ فِي الرَّابِعِ وَكُلُّهُمْ صِيَامٌ هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مَعَ الشَّافِعِيِّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَؤُلَاءِ لِأَنِّي رَأَيْت مَنْ يَسْتَغْرِبُ النَّقْلَ فِيهَا لِعَدَمِ أُنْسِهِ قَالَ الْأَصْحَابُ والفرق بيه وَبَيْنَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْوَاقِفِ بِهَا تَرْكُ صَوْمِهِ لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنْ الدُّعَاءِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ تَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ قَبْلَ ظُهُورِ أَثَرِ الصَّوْمِ فِي الضَّعْفِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّهُ آخِرَ النَّهَارِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْوَاقِفَ بِعَرَفَاتٍ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ مَشَاقُّ السَّفَرِ وَالشُّعْثُ وَقِلَّةُ التَّرَفُّهِ وَمُعَالَجَةُ وَعْثَاءِ السَّفَرِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ الصَّوْمُ اشْتَدَّ ضَعْفُهُ وَضَعُفَ عَنْ الدُّعَاءِ بِخِلَافِ الْمُسْتَسْقِي فَإِنَّهُ فِي وَطَنِهِ لم ينله شئ مِنْ ذَلِكَ (الْأَدَبُ الثَّانِي) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَسْقَى بِالْخِيَارِ مِنْ أَقَارِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَبِالشُّيُوخِ وَالضُّعَفَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَجَائِزِ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَيْضًا فَفِي الصحيح أن رسول الله صلي لله عليه وسلم قال " وهل تنصرون(5/70)
وترزقوا إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ " قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْمِ فِي نَفْسِهِ مَا فَعَلَهُ مِنْ الطَّاعَةِ الْجَلِيلَةِ وَيَتَشَفَّعُ بِهِ وَيَتَوَسَّلُ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي قِصَّةِ أصحاب الغار الثلاثة الذين
أووا إلي غارفا طبقت عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ فَتَوَسَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ بِصَالِحِ عَمَلِهِ فَأَزَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِسُؤَالِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثًا مِنْ الصَّخْرَةِ وَخَرَجُوا يَمْشُونَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَوْ تَرَكَ سَادَةُ الْعَبِيدِ الْعَبِيدَ يَخْرُجُونَ لِلِاسْتِسْقَاءِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ قال والاماء مثل الحرائر أحب أن يأذن لِعَجَائِزِهِنَّ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْهُنَّ يَخْرُجْنَ وَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ فِي ذَوَاتِ الْهَيْئَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى سَادَتِهِنَّ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ الصِّبْيَانُ وَيُنَظَّفُوا لِلِاسْتِسْقَاءِ وَكِبَارُ النِّسَاءِ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْهُنَّ هَذَا نصه واتفق الاصحاب عليه (الثالث) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا آمُرُ بِإِخْرَاجِ الْبَهَائِمِ هَذَا نَصُّهُ وَلِلْأَصْحَابِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُكْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ هَذَا النَّصِّ وَبِهِ جَزَمَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ
(والثانى)
يكره اخراجها حكاه صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا وَتُوقَفُ مَعْزُولَةً عَنْ النَّاسِ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف وهذا الوجه قوله ابى اسحق حَكَاهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ (الرَّابِعُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَكْرَهُ إخْرَاجَ الْكُفَّارِ وَنِسَاؤُهُمْ فِيمَا أَكْرَهُ مِنْ هَذَا كَرِجَالِهِمْ قَالَ وَلَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ صِبْيَانِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ بَالِغِيهِمْ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا قَالُوا وَإِنَّمَا خَفَّ أَمْرُ الصِّبْيَانِ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ لَيْسَ عِنَادًا بِخِلَافِ الْكِبَارِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّ ذَنْبَهُمْ أَخَفُّ وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِهِمْ إذَا مَاتُوا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ وَقَالَ الْبَغَوِيّ قَالَ الشَّافِعِيُّ(5/71)
فِي الْكَبِيرِ يَعْنِي الْجَامِعَ الْكَبِيرَ لَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ كِبَارِهِمْ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِكُفْرِهِمْ وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّ أَطْفَالَ الْكُفَّارِ كُفَّارٌ وقد اختلف العلماء فيهم إذا ما توا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ (فَقَالَ) الْأَكْثَرُونَ هُمْ فِي النَّارِ وقالت طائفة لا يحكم لهم بجنة ولانار وَلَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ (وَقَالَ) الْمُحَقِّقُونَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ بِدَلَائِلِهِ (والجواب) عما يعارضبا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وسأذ كره مُخْتَصَرًا فِي هَذَا الشَّرْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في آخر كتاب الجنائز أوفى كِتَابِ الرِّدَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِخْرَاجُ الْكُفَّارِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِلِاسْتِسْقَاءِ مَكْرُوهٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْأُمِّ وَآمُرُ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْخُرُوجِ قَالَ فَإِنْ خَرَجُوا مُتَمَيِّزِينَ عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ خَرَجُوا مُتَمَيِّزِينَ فِي يوم خروج المسلمين اوفي غَيْرِهِ لَا يُمْنَعُونَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يُمْنَعُونَ مِنْ خُرُوجِهِمْ فِي يَوْمِ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمْنَعُونَ فِي غَيْرِهِ (الْخَامِسُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَظَّفَ لِلِاسْتِسْقَاءِ بِغُسْلٍ وَسِوَاكٍ وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَطَيَّبَ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ فِي زِينَةٍ بَلْ يَخْرُجُ فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - وَهِيَ ثِيَابُ الْمِهْنَةِ وَأَنْ يَخْرُجَ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُتَذَلِّلًا مُتَضَرِّعًا ماشيا ولا يركب في شئ من طريق ذهابه الالعذر كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْكِتَابِ (السَّادِسُ) لَا يُؤَذِّنُ لَهَا وَلَا يُقِيمُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ (السَّابِعُ) السُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّحْرَاءِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلِأَنَّهُ يَحْضُرُهَا غَالِبُ النَّاسِ وَالصِّبْيَانُ وَالْحُيَّضُ وَالْبَهَائِمُ وَغَيْرُهُمْ فَالصَّحْرَاءُ أَوْسَعُ لَهُمْ وَأَرْفَقُ بِهِمْ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي خُرُوجِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلِاسْتِسْقَاءِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الْخُرُوجِ مُخْتَلِطِينَ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْخُرُوجِ مُتَمَيِّزِينَ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَكْحُولٌ لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِهِمْ وقال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ لَا يُؤْمَرُونَ وَلَا يُنْهَوْنَ وَاخْتَارَهُ ابن المنذر * قال المصنف رحمه الله
*(5/72)
{وصلاته ركعتان كصلاة العيد ومن أصحابنا من قال يقرأ في الاولى بق وفى الثانية بسورة نوح صلي الله عليه وسلم لان فيها ذكر الاستسقاء والمذهب انه يقرأ فيها ما يقرأ في العيد لما روى ان مروان ارسل إلى ابن عباس يسأله عن سنة الاستسقاء فقال " سنة الاستسقاء الصلاة في العيدين الا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلب رداءه فجعل يمينه يساره ويساره يمينه وصلى ركعتين كبر في الاولى سبع تكبيرات وقرأ بسبح اسم ربك الاعلى وقرأ في الثانية هل اتاك حديث الغاشية وكبر خمس تكبيرات "} .
{الشرح} حديث ابن عباس ضعيف رواه الدارقطني بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عمر ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ أَرْسَلَنِي مَرْوَانُ فَذَكَرَهُ
وَمُحَمَّدٌ هَذَا ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ سَأَلْت أَبِي عَنْهُ فَقَالَ هُمْ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعِمْرَانُ بَنُو عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالثَّلَاثَةُ ضُعَفَاءُ لَيْسَ لَهُمْ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ وَقَدْ يُقَالُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ فَإِنَّهُ(5/73)
لَيْسَ مُطَابِقًا لِمَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ قرأ بسبح وهل اتاك ودعوى المصنف انه يقرأ قاف وافتربت (وجوابه) ان صلاة العيد شرع فيها قاف واقتربت وشرع ايضا سبح وهل أَتَاكَ وَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَدَ الْمَشْرُوعَيْنِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَمْ يَذْكُرْ سُورَةَ نُوحٍ بِخِلَافِ مَا ادَّعَاهُ صَاحِبُ الوجه الآخر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ والا صحاب صِفَةُ هَذِهِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْوِيَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ ويكبر ويصليها رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَيَأْتِيَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ يُكَبِّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ زَائِدَةٍ ثُمَّ يَتَعَوَّذَ ثُمَّ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ الزَّوَائِدِ كَمَا سَبَقَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَيَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَيَقْرَأَ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةَ قَافٍ وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ فِي الْأُولَى قَافٌ وَفِي الثَّانِيَةِ إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ قَالَ وَإِنْ قَرَأَ إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا كَانَ حَسَنًا هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ عَنْ نَصِّهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ كُلًّا سَائِغٌ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْأَفْضَلِ خِلَافُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَقْرَأُ مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ قُلْت اتَّفَقَ(5/74)
أَصْحَابُنَا الْمُصَنِّفُونَ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ إنا أرسلنا نوحا كَانَ حَسَنًا فَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّهُ كَانَ حَسَنًا أَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ لَوْ حَذَفَ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ زَادَ فِيهِنَّ أَوْ نَقَصَ مِنْهُنَّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا فَهَلْ يَقْضِي الْمَأْمُومُ التَّكْبِيرَاتِ فِيهِ(5/75)
الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ (الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ) لَا يَقْضِي هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ حُكْمُ التَّكْبِيرَاتِ هُنَا عَلَى مَا سَبَقَ فِي تَكْبِيرَاتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وِفَاقًا وَخِلَافًا
* (فَرْعٌ)
فِي وَقْتِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَقْتُهَا وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبِهَذَا قَالَ الشيخ ابو حامد الاسفراينى وَصَاحِبُهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ (والوجه الثاني) اول وقتها أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ بَلْ تَجُوزُ وَتَصِحُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ إلَّا أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالشَّامِلِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاسْتَصْوَبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ لَمْ أَرَ التَّخْصِيصَ بِوَقْتٍ لِغَيْرِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهَا لَا تختص(5/76)
بِيَوْمٍ فَلَا تَخْتَصُّ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ لِتَخْصِيصِهَا بِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَجْهٌ أَصْلًا فَلَا يُغْتَرُّ بِوُجُودِهِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي اضفته إلَيْهَا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ بَابِ كَيْفَ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ قَبْلَ الزَّوَالِ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ هَذَا نَصُّهُ وَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصَحِّ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الظُّهْرِ وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ الْعَصْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ لَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَلَى الْأَصَحِّ فَنَصُّهُ مُوَافِقٌ لِلصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بوقت أصلا
*
* قال المصنف رحمه الله
*
{والسنة أن يخطب لها بعد الصلاة لحديث أبى هريرة والمستحب أن يدعوا في الخطبة الاولى فيقول اللهم " اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم ان بالعباد والبلاد من اللاواء والجهد والضنك مالا نشكوا الا اليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء اللهم ارفع عنا الجهدو الجوع والعرى(5/77)
واكشف عنا مالا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك انك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا " والمستحب أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة الثانية ويحول ما علي الايمن إلي الايسر وما علي الايسر إلى الايمن لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " خرج إلى المصلي يستسقى فاستقبل القبلة ودعا وحول رداءه وجعل الايمن على الايسر والايسر علي الايمين " فان كان الرداء مربعا نكسه فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه وان كان مدورا اقتصر على التحويل لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " استسقي وعليه وخميصه له سوادء فأراد أن يأخذ بأسفلها(5/78)
فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها علي عاتقه " ويستحب للناس أن يفعلوا مثل ذلك لما رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حول رداءه وقلبه ظهر البطن وحول الناس معه " قال الشافعي وإذا حولوا ارديتهم تركوها؟ محولة لينزعوها مع الثياب لانه لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرها بعد التحويل ويستحب أن يدعو في الخطبة الثانية سرا ليجمع في الدعاء بين الجهر والاسرار ليكون أبلغ ولهذا قال الله تعالي (انى أعلنت لهم وأسررت لهم أسرارا) ويستحب أن يرفع اليد في الدعاء لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ لَا يرفع يده في شئ من الدعاء الا عند الاستسقاء فانه كان يرفع يديه حتى يرى بياض ابطيه "
* ويستحب أن يكثر في الاستغفار من قوله تعالي (واستغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) لما روى الشعبى أن عمر رضى الله عنه " خرج يستسقى فصعد المنبر فقال " استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لكم أنهارا استغفروا ربكم انه كان غفارا ثم نزل فقيل يا أمير المؤمنين لو استسقيت فقال لقد طلبت بمجاديح السماء التى يستنزل بها القطر "}
*(5/79)
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلَى قَوْلِهِ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَأَمَّا تَمَامُهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ حَدِيثُ الْخَمِيصَةِ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ أَوْ حَسَنَةٍ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ وَقَوْلُهُ وَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ
* وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وَحَدِيثُ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا إلَى آخِرِهِ فَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَهُ إلَى آخِرِهِ (وَقَوْلُهُ) اللَّهُمَّ اسْقِنَا يَجُوزُ وَصْلُ الْهَمْزَةِ وَقَطْعُهَا كَمَا سَبَقَ (وَقَوْلُهُ) غَيْثًا هُوَ الْمَطَرُ (قَوْلُهُ) مُغِيثًا - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ - وَهُوَ الَّذِي يُغِيثُ الْخَلْقَ فَيَرْوِيهِمْ وَيُشْبِعُهُمْ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ مُنْقِذًا لَنَا مِمَّا اسْتَسْقَيْنَا مِنْهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ غَاثَ الْغَيْثُ الْأَرْضَ أَيْ أَصَابَهَا وَغَاثَ اللَّهُ الْبِلَادَ أَيْ أَصَابَهَا بِهِ يَغِيثُهَا بِفَتْحِ الْيَاءِ غَيْثًا وَغِيثَتْ الْأَرْضُ تغاث غيثا فهي مغيثة ومغيوثة هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ غَاثَ اللَّهُ النَّاسَ وَالْأَرْضَ يَغِيثُهُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ ثُلَاثِيٌّ أَيْ أَنْزَلَ الْمَطَرَ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ " اللَّهُمَّ أَغِثْنَا " بِالْأَلِفِ رُبَاعِيٌّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ مِنْ الْإِغَاثَةِ بِمَعْنَى الْمَعُونَةِ وَلَيْسَ مِنْ طَلَبِ الْغَيْثِ إنَّمَا يُقَالُ فِي طَلَبِ الْغَيْثِ غِثْنَا قَالَ الْقَاضِي(5/80)
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ طَلَبِ الْغَيْثِ أَيْ هَبْ لَنَا غَيْثًا أَوْ اُرْزُقْنَا غَيْثًا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ اللَّهُ وَأَسْقَاهُ أَيْ جَعَلَ لَهُ سَقْيًا عَلَى لُغَةِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ) هَنِيئًا هُوَ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا تَعَبَ وَقِيلَ هُوَ الطَّيِّبُ الَّذِي لَا يَنْقُصُهُ شئ قَوْلُهُ مَرِيئًا مَهْمُوزٌ هُوَ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ مُسَمِّنًا للحيوان منمياله (قَوْلُهُ) مَرِيعًا ضَبَطْنَاهُ فِي الْمُهَذَّبِ - بِفَتْحِ الْمِيمَ وَكَسْرِ الرَّاءِ - وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتُ سَاكِنَةٌ وَهُوَ مِنْ الْمَرَاعَةِ وَهِيَ الْخِصْبُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ
الْمَرِيعُ ذوالمراعة وَأَمْرَعَتْ الْأَرْضُ أَخْصَبَتْ وَقِيلَ الْمَرِيعُ الَّذِي يُمْرِعُ الْأَرْضَ أَيْ تُنْبِتُ عَلَيْهِ وَرَوَى مُرْبِعًا - بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَرُوِيَ مُرْتِعًا مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَهُمَا بِمَعْنَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ) غَدَقًا هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الْكَثِيرُ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ وقيل الذى قطره كبار (قوله) مجللا هو بِكَسْرِ اللَّامِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الَّذِي يُجَلِّلُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ نَفْعُهُ وَيَتَغَشَّاهُمْ خَيْرُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ يجلل الارض أي يَعُمَّهَا كَجُلِّ الْفَرَسِ (قَوْلُهُ) طَبَقًا - بِفَتْحِ الطَّاءِ والباء - قال الازهرى هو الَّذِي يُطْبِقُ الْبِلَادَ مَطَرُهُ فَيَصِيرُ كَالطَّبَقِ عَلَيْهَا وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ وَوَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ عَامًّا طبقا قَالُوا بَدَأَ بِالْعَامِّ ثُمَّ أَتْبَعَهُ الطَّبَقَ لِأَنَّهُ صِفَةُ زِيَادَةٍ فِي الْعَامِّ فَقَدْ يَكُونُ عَامًّا وَهُوَ طَلٌّ يَسِيرٌ (قَوْله) سَحًّا هُوَ شَدِيدُ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ يُقَالُ سَحَّ الْمَاءُ يَسُحُّ - بِضَمِّ السِّينِ - فِي الْمُضَارِعِ إذَا سَالَ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلَ وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْقُنُوطُ الْيَأْسُ (اللَّأْوَاءُ) بِالْهَمْزِ وَالْمَدِّ شِدَّةُ الْمَجَاعَةِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ الْجَهْدُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - وَقِيلَ يَجُوزُ ضَمُّهَا قِلَّةُ الْخَيْرِ وَالْهُزَالُ وَسُوءُ الْحَالِ وَأَرْض جِهَادٌ أَيْ لَا تُنْبِتُ شيئا (الضنك) الضيق مالا نشكوا إلَّا إلَيْك بِالنُّونِ وَبَرَكَاتُ السَّمَاءِ كَثْرَةُ مَطَرِهَا مَعَ الرِّيعِ وَالنَّمَاءِ وَبَرَكَاتُ الْأَرْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ وَمَرْعًى وَلَمْ(5/81)
يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وَذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ) فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَفِي الْحَدِيثِ وَفِي التَّنْبِيهِ وَسَائِرِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ فَأَرْسِلْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالسَّمَاءُ هُنَا السَّحَابُ وَجَمْعُهَا سُمِيٌّ وَأَسْمِيَةٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُ فِي تَفْسِيرِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ هُنَا الْمَطَرَ أَوْ السَّحَابَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّمَاءَ الْمُظِلَّةَ لِأَنَّ الْمَطَرَ يَنْزِلُ مِنْهَا إلَى السَّحَابِ وَالْمِدْرَارُ الْكَثِيرُ الدَّرِّ وَالْقَطْرِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ غَيْثًا مُغِيثًا (قَوْلُهُ) فَإِنْ كَانَ الرداء مربعا نكس هُوَ بِتَخْفِيفِ الْكَافِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ بتشديدها ومن الاول قوله تعالي (ناكسوارء وسهم) وَقُرِئَ قَوْله تَعَالَى (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْخَمِيصَةُ كِسَاءٌ أَسْوَدُ لَهُ عَلَمَانِ فِي طرفبه وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ وَخَزٍّ وَقِيلَ كِسَاءٌ رَقِيقٌ أَصْفَرُ أَوْ أَحْمَرُ أَوْ أَسْوَدُ وَهَذَا يُوَافِقُ مُقْتَضَى
هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ قَوْلَهُ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ يَقْتَضِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ غَيْرَ سَوْدَاءَ (وَقَوْلُهُ) بِمَجَادِيحِ وَاحِدُهَا مِجْدَحٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ - وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يَجُوزُ كَسْرُ الْمِيمِ وَضَمُّهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِجْدَحُ كُلُّ نَجْمٍ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ يُمْطَرُ بِهِ فَأَخْبَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ هُوَ الْمَجَادِيحُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْقَطْرُ لَا الْأَنْوَاءُ وَإِنَّمَا قَصَدَ التَّشْبِيهَ وَقِيلَ مَجَادِيحُهَا مَفَاتِيحُهَا وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِمَفَاتِيحِ السَّمَاءِ (وَقَوْلُهُ) كَانَ لا يرفع يده في شئ من الدعاء الا عند الاستقاء وَقَدْ ثَبَتَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَفْعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ(5/82)
وَهِيَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا سَبَقَ ذِكْرُ أَكْثَرِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مُرَادَ أَنَسٍ لَمْ أَرَهُ يَرْفَعُ وَقَدْ رَآهُ غَيْرُهُ يَرْفَعُ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ
(وَالثَّانِي)
مَعْنَاهُ لَمْ يَرْفَعْ كَمَا يَرْفَعُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ فِيهِ رَفْعًا بَلِيغًا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَشَارَ بِظُهُورِ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ خُطْبَتَيْنِ أَرْكَانُهُمَا وَشُرُوطُهُمَا وهيآتهما كَمَا سَبَقَ فِي الْعِيدِ وَفِي اسْتِحْبَابِ الْجُلُوسِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي الْعِيدِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ اسْتِحْبَابُهُ لَكِنْ يُخَالِفُهَا فِي ثَلَاثَةِ أشياء (أحداها) يستحب ان يبدل التكببرات الْمَشْرُوعَةَ فِي أَوَّلِ خُطْبَتَيْ الْعِيدِ بِالِاسْتِغْفَارِ فَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي افْتِتَاحِ الْأُولَى تِسْعَ مَرَّاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعًا وَلَا يُكَبِّرَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقُولُ " أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ " وَيَخْتِمُ كَلَامَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي الْخُطْبَةِ(5/83)
وَمِنْ قَوْله تَعَالَى (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غفار) الْآيَةَ وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ وَحَكَاهُ عَنْهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ خُطْبَتَيْنِ كَمَا يَخْطُبُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ يُكَبِّرُ اللَّهَ فِيهِمَا وَيَحْمَدُهُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُكْثِرُ فِيهِمَا الِاسْتِغْفَارَ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ كَلَامِهِ هَذَا نَصُّهُ
وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالِاسْتِغْفَارِ وَالْمَشْهُورُ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِغْفَارِ تِسْعًا فِي افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَسَبْعًا فِي الثَّانِيَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طرقهم (الثاني) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى بِهَذَا الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَإِنْ عَدَلَ إلَى دُعَاءٍ غَيْرِهِ جَازَ لَكِنَّ هَذَا أَفْضَلُ وَمِنْ الدُّعَاءِ الْمُسْتَحَبِّ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبَهَائِمَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَك الْمَيِّتَ اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إلَى حين " (الثالث) يستحب أن يكن في الخطبة الاولي صدر الثَّانِيَةِ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا وَإِذَا أَسَرَّ دَعَا النَّاسُ سِرًّا وَإِذَا جَهَرَ أَمَّنُوا وَيَرْفَعُونَ كُلُّهُمْ أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ " قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ السُّنَّةُ لِكُلِّ مَنْ دَعَا لِدَفْعِ بَلَاءٍ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ وَإِنْ دَعَا لطلب شئ جَعَلَ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلْيَكُنْ مِنْ دُعَائِهِمْ(5/84)
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتَنَا إجَابَتَك وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتَنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا اللَّهُمَّ اُمْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا وَإِجَابَتِك فِي سُقْيَانَا وَسَعَةِ رِزْقِنَا " فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ وَحَثَّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَقَرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَتَيْنِ ويقول استغفر الله لي ولكم هذا لفط الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ ومن قول (استغفروا ربكم انه كان عفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لكم انهارا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ كَلَامِهِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَسْقَى " فَكَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ الِاسْتِغْفَارَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ فَيَكُونُ أَكْثَرُ دُعَائِهِ الِاسْتِغْفَارَ يَبْدَأُ بِهِ دُعَاءَهُ وَيَفْصِلُ بِهِ بَيْنَ كَلَامِهِ وَيَخْتِمُ بِهِ وَيَكُونُ هُوَ أَكْثَرَ كَلَامِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْكَلَامُ قُلْت وَيُكْثِرُ مِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ عِنْدَ الْكَرْبِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا (اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عِنْدَ تَحَوُّلِهِ فِي صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ إلَى الْقِبْلَةِ أَنْ يُحَوِّلَ رِدَاءَهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْكُسَهُ مَعَ التَّحْوِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنْ كَانَ مُدَوَّرًا وَيُقَالُ لَهُ الْمُقَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ لَمْ يُسْتَحَبَّ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّحْوِيلِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ مُرَبَّعًا فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (الجديد الصحيح)(5/85)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ نَكْسُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَالْقَدِيمُ لَا يُسْتَحَبُّ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ قَالَ الْأَصْحَابُ التَّحْوِيلُ أَنْ يَجْعَلَ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَبِالْعَكْسِ وَالنَّكْسُ أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَمَتَى جَعَلَ الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَالطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ حَصَلَ التَّحْوِيلُ وَالنَّكْسُ جَمِيعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ والاصحاب ويفعل الناس بارديتهم كفعل الامام قالوا والحكمة في التحويل والنكس التفاؤل بتغير الحال إلى الخصب والسعة قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَتْرُكُونَهَا مُحَوَّلَةً حَتَّى يَنْزِعُوا الثِّيَابَ وَقَالَ جَمَاعَةٌ يَتْرُكُونَهَا مُحَوَّلَةً حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا بَلْ(5/86)
يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا مُحَوَّلَةً حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ وَتَبْقَى كَذَلِكَ فِي مَنَازِلِهِمْ حَتَّى يَنْزِعُوا ثِيَابَهُمْ تِلْكَ سَوَاءٌ نَزَعُوهَا أَوَّلَ وُصُولِهِمْ الْمَنَازِلَ أَمْ بعده
*
* قال المصنف رحمه الله
* {قَالَ فِي الْأُمِّ فَإِنْ صَلَّوْا وَلَمْ يُسْقَوْا عَادُوا مِنْ الْغَدِ وَصَلَّوْا وَاسْتَسْقَوْا وَإِنْ سُقُوا قبل ان يصلوا صلوا شكرا وطلبا للزيادة}(5/87)
{الشَّرْحُ} فِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتَسْقَوْا بِالصَّلَاةِ فَسُقُوا لَمْ يُشْرَعْ صَلَاةٌ ثَانِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يُسْقَوْا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَسْقُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَأَكْثَرَ حَتَّى يُسْقَوْا وَهَلْ يَخْرُجُونَ مِنْ
الْغَدِ لِلِاسْتِسْقَاءِ أَمْ يَتَأَهَّبُونَ بِالصِّيَامِ وَغَيْرِهِ مَرَّةً أُخْرَى فِيهِ لِلشَّافِعِيِّ نَصَّانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ يَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ وَيُصَلُّونَ وَيَسْتَسْقُونَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالْأُمِّ يَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُخَرَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَلَفْظُهُ فِي الْأُمِّ وَأُحِبُّ كُلَّمَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا قَبْلَ عَوْدِهِ ثَلَاثًا هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ ذَكَرَهُ فِي بَابِ كَيْفَ يَبْتَدِئُ الِاسْتِسْقَاءَ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَكْثَرِينَ يُضِيفُونَ هَذَا النَّصَّ إلَى الْقَدِيمِ فَقَطْ فَهَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ عَنْ ابى الحسين ابن الْقَطَّانِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ يَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ (وَالثَّانِي) يَتَأَهَّبُونَ بِالصِّيَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَغَيْرَهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى حَالَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَى النَّاسِ الْخُرُوجُ مِنْ الْغَدِ وَلَمْ يَنْقَطِعُوا عَنْ مَعَايِشِهِمْ خَرَجَ مِنْ الْغَدِ وَإِلَّا أَخَّرَهُ وَتَأَهَّبُوا وَبِهَذَا قَطَعَ الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ)(5/88)
نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ نَقَلَ الْمُزَنِيّ الْجَوَازَ وَالْقَدِيمُ الِاسْتِحْبَابُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَجَمَاهِيرَ الْأَصْحَابِ قَطَعُوا بِاسْتِحْبَابِ الِاسْتِسْقَاءِ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَأَكْثَرَ حَتَّى يُسْقَوْا لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الِاسْتِحْبَابُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى آكَدُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مُخَالِفٌ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ قَالَ لَيْسَ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا قَوْلَانِ غَيْرُ هَذِهِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ كَمَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَسُقُوا قَبْل ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ الْخُرُوجُ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِسْقَاءِ لِلْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الصَّلَاةُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى(5/89)
عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَطَلَبًا لِلزِّيَادَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ سَوَاءٌ سُقُوا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَتَكُونُ هَذِهِ الصَّلَاةُ
بِصِفَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الِاسْتِحْبَابُ (وَالثَّانِي) لَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأُجْرِيَ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ الْمِيَاهُ وَأَرَادُوا الصَّلَاةَ لِلِاسْتِزَادَةِ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالصَّلَاةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْأَشْهَرَ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَسَبْقُ فلم أَوْ غَبَاوَةٌ وَإِلَّا فَكُتُبُ الْأَصْحَابِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَالْقَاضِي(5/90)
أَبُو الطَّيِّبِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كُتُبِهِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَلَوْ كَانُوا يُمْطَرُونَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ الْخُرُوجَ بِهِمْ فِيهِ اسْتَسْقَى فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَخَّرَ ذَلِكَ الي انقطاع المطر * قال المصنف رحمه الله
* {ويجوز الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة لحديث عمر رضي الله عنه ويستحب لاهل الخصب أن يدعوا لاهل الجدب ويستحب إذا جاء المطران يقولوا اللهم صيبا هنيئا لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا رأى المطر قال ذلك " ويستحب أن يتمطر لاول مطر لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أصابنا مطر وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحسر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أصابه المطر فقلنا يا رسول الله لم صنعت هذا فقال أنه حديث عهد بر به " ويستحب إذا سال الوادي أن يغتسل فيه ويتوضأ منه لما روى أنه جرى الوادي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أخرجوا بنا إلى هذا الذى سماه الله طهورا حتى نتوضأ منه ونحمد الله عليه " ويستحب لمن سمع الرعد أن يسبح لما روى ابن عباس قال " كنا مع عمر رضي الله عنه في سفر فأصابنا رعد وبرق وبرد فقال لنا كعب من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي من ذلك فقلنا فعوفينا "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ سَبَقَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ الْوَادِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ ضَعِيفٍ مُرْسَلًا وَالْخِصْبُ - بِكَسْرِ الْخَاءِ - وَالْجَدْبُ - بِإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ الْقَحْطُ (قَوْلُهُ) اللَّهُمَّ صَيِّبًا هُوَ بفتح الصاد - وبعدها ياء مشاة مِنْ
تَحْتُ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ - هَكَذَا صَوَابُهُ وَهَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ اللَّهُمَّ صَبًّا بِحَذْفِ الْمُثَنَّاةِ وَبِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ فَالصَّيِّبُ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ هُوَ الْمَطَرُ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ الصَّيِّبُ الْمَطَرُ الشَّدِيدُ مِنْ قَوْلِهِمْ صَابَ يَصُوبُ إذَا نَزَلَ مِنْ عُلُوٍّ إلى سفل وَقِيلَ الصَّيِّبُ السَّحَابُ وَأَمَّا الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ فَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ صُبَّهُ عَلَيْنَا صَبًّا وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ اللَّهُمَّ سَيْبًا نَافِعًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ وَالسَّيْبُ - بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ - وَهُوَ الْعَطَاءُ (وَقَوْلُهُ) يَتَمَطَّرُ يَتَفَعَّلُ مِنْ الْمَطَرِ وَمَعْنَاهُ يَتَطَلَّبُ وَيَتَحَرَّى نُزُولَ الْمَطَرِ عَلَيْهِ بِبُرُوزِهِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ حَسَرَ - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ - وَالسِّينُ مُخَفَّفَةٌ أَيْ كَشَفَ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ أَيْ حَسَرَ بَعْضَ بَدَنِهِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ عَهْدٍ(5/91)
بِرَبِّهِ أَيْ بِتَكْوِينِ رَبِّهِ أَوْ تَنْزِيلِهِ وَالْحَدِيثُ الْقَرِيبُ وَقَوْلُهُ رَعْدٌ وَبَرْقٌ وَبَرَدٌ فَالْبَرَدُ هُنَا - بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ - وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِئَلَّا يُصَحَّفَ بِبَرْدٍ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيمَا ذَكَرَهُ مَسَائِلُ إحْدَاهَا يُسْتَحَبُّ الِاسْتِسْقَاءُ فِي الدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ هَذَا أَحَدُهَا وَدَلِيلُ هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اسْتَسْقَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِالدُّعَاءِ لِكُلِّ نَازِلَةٍ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَدْعُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَهَكَذَا عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَدْعُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلصَّلَاةِ وظاهر كلامهم أنه لاتشرع الصَّلَاةُ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَسْتَسْقِي أَهْلُ الْخِصْبِ لاهل الجدب (الثالثة) السنة أن يدعوا عند(5/92)
نُزُولِ الْمَطَرِ بِمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْبُخَارِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ فَيَقُولَ " اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيًّا وَسَيْبًا نَافِعًا " وَيُكَرِّرَهُ الرَّابِعَةُ السُّنَّةُ أَنْ يَكْشِفَ بَعْضَ بَدَنِهِ لِيُصِيبَهُ أَوَّلُ الْمَطَرِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَالْمُرَادُ أَوَّلُ مَطَرٍ يَقَعُ فِي السَّنَةِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ
وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ يُسْتَحَبُّ إذَا جَاءَ الْمَطَرُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ إلَيْهِ وَيَكْشِفَ مَا عَدَا عَوْرَتَهُ لِيُصِيبَهُ مِنْهُ وَلَفْظُ الشافعي في اول مطرة وَكَذَا لَفْظُ الْمَحَامِلِيِّ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْبَاقِينَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِغُلَامِهِ وَقَدْ مُطِرَتْ السَّمَاءُ " أَخْرِجْ فِرَاشِي وَرَحْلِي يُصِيبُهُ الْمَطَرُ فَقِيلَ لَهُ لِمَ تَفْعَلُ هَذَا فَقَالَ أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأُحِبُّ أَنْ تُصِيبَ الْبَرَكَةُ فِرَاشِي وَرَحْلِي " (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ إذَا سَالَ الْوَادِي أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ لِسَامِعِ الرَّعْدِ أَنْ يُسَبِّحَ لِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ " سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ "
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ الِاسْتِسْقَاءِ
(إحْدَاهَا) ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَخْطُبُ لِلِاسْتِسْقَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهَا صَحَّتْ خُطْبَتُهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَكْمَلِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ وَحَكَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ وحكاه العبدرى عن عبد الله ابن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى هَؤُلَاءِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَدَلِيلُ جَوَازِ تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ القلبلة ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت " شكي النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُحُوطَ الْمَطَرِ فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ بِالْمُصَلَّى وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ(5/93)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَتْ الْخُطْبَةَ وَالدُّعَاءَ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إبِطَيْهِ ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَرَكَ الامام الاستسقاء لم يتركه الناس قال الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا كَانَ جَدْبٌ
أَوْ قِلَّةُ مَاءٍ فِي نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ فِي حَاضِرٍ أَوْ بَادٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ أُحِبَّ لِلْإِمَامِ التَّخَلُّفَ عَنْ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ تَخَلَّفَ فَقَدْ أَسَاءَ فِي تَخَلُّفِهِ وَتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أَيْضًا إذَا خَلَتْ الْأَمْصَارُ مِنْ الْوُلَاةِ قَدَّمُوا أَحَدَهُمْ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَمَا قَدَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَقَدَّمُوا عبد الرحمن(5/94)
ابن عَوْفٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ حِينَ تَأَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ " وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمَطَرِ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ ثُمَّ سُقِيَ النَّاسُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فَيُوَفِّيَ نَذْرَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ قَالَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ وَلَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكْرِهَهُمْ عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ غَيْرِ جَدْبٍ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَخْرُجَ لِيَسْتَسْقِيَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ قال وأحب أن يخررج ممن أطاعه منهم من ولده وغير هم قال فان كان في نذر، أَنْ يَخْطُبَ خَطَبَ وَذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ جَالِسًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قِيَامِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَالِيًا وَلَا مَعَهُ جَمَاعَةٌ بِالذِّكْرِ طَاعَةٌ قَالَ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ فَلَهُ أَنْ يَخْطُبَ جَالِسًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ فِي رُكُوبِهِ الْمِنْبَرَ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَذَا الْإِمَامُ لِيُسْمِعَ النَّاسَ قَالَ فَإِنْ كَانَ إمَامًا وَمَعَهُ نَاسٌ لَمْ يَحْصُلْ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ إلَّا بِالْخُطْبَةِ قَائِمًا لِأَنَّ الطَّاعَةَ فِيهَا إذَا كَانَ مَعَهُ نَاسٌ أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا فَإِذَا وَقَفَ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ قَائِمًا أَجْزَأَهُ عَنْ نَذْرِهِ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَسْتَسْقِيَ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ اسْتَسْقَى فِي بَيْتِهِ أَجْزَأَهُ هَذَا آخِرُ نَصِّهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي هَذَا الْبَابِ لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ وَيُصَلِّيَ بِهِمْ قَالَ وَلَوْ نَذَرَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ لَزِمَهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ فِيهِ خلاف مبنى على أن النذر يسلك به مَسْلَكَ جَائِزِ الشَّرْعِ أَمْ مَسْلَكَ وَاجِبِهِ (الرَّابِعَةُ) قال الشافعي والاصحاب وإذا كثرت المطار وتضرر الناس بها فالسنة أن يدعى
بِرَفْعِهَا اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُشْرَعُ لِذَلِكَ صَلَاةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ لِذَلِكَ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ " دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ(5/95)
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وانقطعت السبل فادع الله بغثنا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ " اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا " قَالَ أَنَسٌ وَاَللَّهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَلَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ يَعْنِي الْجَبَلَ الْمَعْرُوفَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ فَلَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشمس سبتا ثم دخل رجل من ذك الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ الله أن يمسكها عنا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ فِي أَثْنَاءِ دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ لِطَلَبِ الْمَطَرِ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولا علينا فمما أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ هَذَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ وَحُصُولِ الضَّرَرِ بِهَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ (الْخَامِسَةُ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فقال هل تدرون ماذا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ الْمُلْحِدِينَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعِبَادَ قِسْمَانِ قَالُوا فَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ فِي إثْرِ الْمَطَرِ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَإِنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَأَرَادَ أَنَّ النَّوْءَ هُوَ الْفَاعِلُ حَقِيقَةً وَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ صُنْعٌ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ خَارِجٌ مِنْ الْمِلَّةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ النَّوْءَ وَقْتٌ يُوقِعُ اللَّهُ الْمَطَرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ لِلنَّوْءِ وَإِنَّمَا الْفِعْلُ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ بِكَافِرٍ كُفْرَ جُحُودٍ بَلْ هُوَ لَفْظٌ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ
بِحَرَامٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا ضَعِيفًا مُرْسَلًا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اُطْلُبُوا اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ طَلَبَ الْإِجَابَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ
* (السَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَمْ تَزَلْ(5/96)
الْعَرَبُ تَكْرَهُ الْإِشَارَةَ إلَى الْبَرْقِ وَالْمَطَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقُولُ الرَّعْدُ مَلَكٌ وَالْبَرْقُ أَجْنِحَتُهُ يَسُقْنَ السَّحَابَ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا أَشْبَهَ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ (الثَّامِنَةُ) يُكْرَهُ سَبُّ الرِّيحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسُبَّ الرِّيَاحَ فَإِنَّهَا خَلْقٌ لِلَّهِ تَعَالَى مُطِيعٌ وَجُنْدٌ مِنْ أَجْنَادِهِ يَجْعَلُهَا رَحْمَةً وَنِقْمَةً إذَا شَاءَ
* وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صحيحه وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَعَالَى تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ وَعَنْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(5/97)
صلي الله عليه وسلم لا نسبوا الرِّيحَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَعَنْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اشْتَدَّتْ الرِّيحُ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَقَحًا لَا عَقِيمًا " رواه ابن السني باسناد صحيح ومعنى لفحا حامل للماء كالمقحة من الابل والعقيم التي لاماء فيبا كَالْعَقِيمِ مِنْ الْحَيَوَانِ لَا وَلَدَ فِيهَا
وَعَنْ أنس عن رسول الله صلي لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا وَقَعَتْ كَبِيرَةٌ أَوْ هَاجَتْ رِيحٌ عَظِيمَةٌ فَعَلَيْكُمْ بِالتَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ يُجْلِي الْعَجَاجَ الْأَسْوَدَ " رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ في الام اخبرني من لا انهم وَذَكَرَ إسْنَادَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَا هَبَّتْ رِيحٌ إلَّا جَثَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا ولا تجعلها رِيحًا) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تعالى (انا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا وأرسلنا عليهم الريح العقيم) وقال تعالى (وأرسلنا الرياح لواقح وأرسلنا الرياح مبشرات " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نُصِرْت بِالصَّبَا(5/98)
وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (التَّاسِعَةُ) رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ بِإِسْنَادٍ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " أُمِرْنَا أَنْ لَا نُتْبِعَ أبصارنا الكواكب إذَا انْقَضَّ وَأَنْ نَقُولَ عِنْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُرْسَلٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ما من ساعة من ليل ولانهار إلَّا وَالسَّمَاءُ تُمْطِرُ فِيهَا يَصْرِفُهُ اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ " وَبِإِسْنَادٍ لَهُ ضَعِيفٍ عَنْ كَعْبٍ " أَنَّ السُّيُولَ سَتَعْظُمُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ اخبرنا سفيان عن عمر وبن دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ " جَاءَ مَكَّةَ سَيْلٌ طَبَقٌ مَا بين الجبلين " إسْنَادٌ صَحِيحٌ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ اللَّهُمَّ أَمْطِرْنَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ الْإِمْطَارَ فِي كِتَابِهِ إلَّا لِلْعَذَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " وَأَمْطَرْنَا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) قَالَ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَمَا اختاره فقد ثبت عن أنس ابن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ (قَوْلُهُ) ثُمَّ أَمْطَرَتْ هَكَذَا هُوَ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُخَالِفِ إنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْطَرَ إلَّا فِي الْعَذَابِ فَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ بَلْ قَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ أَمْطَرَ فِي الْمَطَرِ الَّذِي هُوَ الْغَيْثُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (قَالُوا هذا عارض ممطرنا) وَهُوَ مِنْ أَمْطَرَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الْغَيْثَ وَلِهَذَا رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عذاب اليم)
*(5/99)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَبِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مُرَادُهُ لَيْسَ فِيهِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ كَمَا قال ليس سجود الشكر بشئ أي ليس مسنونا وكما قال دعا النسا ليلة عرفة بالامصار وليس بشئ
* واحتج له بقوله تعالى (استغفرا ربكم انه كان غفارا) وَلَمْ يَذْكُرْ صَلَاةً وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اسْتَسْقَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ) وَبِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ صَلَاةً " وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ " مِنْهَا حَدِيثُ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ " وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شَكَوْا إلَيْهِ قُحُوطَ الْمَطَرِ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهَا فَخَطَبَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا(5/100)
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذِهِ (وَعَنْ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَعْنَى سن له الا جتماع وَالْخُطْبَةُ فَسُنَّ لَهُ الصَّلَاةُ كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَيْسَ فِيهَا(5/101)
نَفْيُ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا فِيهَا الِاسْتِغْفَارُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَبِالصَّلَاةِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَلَمْ نُخَالِفْ الْآيَةَ (الثَّانِي) أَنَّ الْآيَةَ إخْبَارٌ عَنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَلِلْأُصُولِيَّيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ خِلَافٌ فِي الاحتجاج به إذا لم يردشر عنا بِمُخَالَفَتِهِ أَمَّا إذَا وَرَدَ بِخِلَافِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ بِالصَّلَاةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ وَفِعْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَفِعْلٌ لِأَحَدِ أَنْوَاعِ الِاسْتِسْقَاءِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَدَّمْنَا بَيَانَهَا وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيٌ لِلصَّلَاةِ فَفِي هَذَا بَيَانُ نَوْعٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ بَيَانُ نَوْعٍ آخَرَ فَلَا تَعَارُضَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا الصَّلَاةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الزَّلَازِلِ أَنَّهَا لَمْ يُسَنَّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ بينت في الصَّلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ دُونَ الزَّلَازِلِ فَوَجَبَ اعْتِمَادُهَا دُونَ الْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي افْتِتَاحِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا كَالْعِيدِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرَ بن(5/102)
عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وقال مالك وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يُكَبِّرُ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْمُزَنِيِّ أَيْضًا وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي الْخُطْبَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُحَوِّلُ الْإِمَامُ دُونَ الْمَأْمُومِينَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ خُطْبَتَيْنِ لِلِاسْتِسْقَاءِ بَيْنَهُمَا جَلْسَةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يوسف(5/103)
وَمُحَمَّدٌ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَّهَا خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ انه لا خطبة وانما يدعوا وَيُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الِاسْتِسْقَاءُ بِالصَّلَاةِ كَمَا سَبَقَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ كَرَاهَةَ الِاسْتِسْقَاءِ بِدُعَاءٍ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ
* {كِتَابُ الْجَنَائِزِ}
{بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ}
الْجِنَازَةُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ لِلْمَيِّتِ وَبِالْكَسْرِ لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَقِيلَ عَكْسُهُ حَكَاهُ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ وَالْجَمْعُ جَنَائِزُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - لَا غَيْرُ وَهُوَ مشتق من جنز(5/104)
- بفتح الجيم - بجنز - بِكَسْرِ النُّونِ - إذَا سُتِرَ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ والموت مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْجَسَدَ وَقَدْ مَاتَ الْإِنْسَانُ يَمُوتُ وَيُمَاتُ - بِفَتْحِ الْيَاءِ - وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ فَهُوَ مَيِّتٌ وَمَيْتٌ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا - وَقَوْمٌ مَوْتَى وَأَمْوَاتٌ وَمَيِّتُونَ وَمَيْتُونَ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيَسْتَوِي فِي مَيِّتٍ وَمَيْتٍ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ قَالَ الله تعالى (ليحي به بلدة ميتا) وَلَمْ يَقُلْ مَيْتَةً وَيُقَالُ أَيْضًا مَيْتَةٌ كَمَا قال تعالى (الارض الميتة) وَيُقَالُ أَمَاتَهُ اللَّهُ وَمَوَّتَهُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
* {الْمُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُكْثِرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لا صحابه " اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ قَالُوا إنَّا نَسْتَحْيِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ ليس كذلك ولكن من استحيى مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَلْيَحْفَظْ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَلْيَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ومن فعل ذلك فقد استحيي مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ " وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعِدَّ لِلْمَوْتِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَاتِ لِمَا رَوَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ جَمَاعَةً يَحْفِرُونَ قَبْرًا فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى بِدُمُوعِهِ وَقَالَ إخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ جَامِعِهِ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كُلُّهَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمَعْنَى فَأَعِدُّوا أَيْ تَأَهَّبُوا وَاتَّخِذُوا لَهُ عُدَّةً وَهِيَ مَا يُعَدُّ لِلْحَوَادِثِ (وَقَوْلُهُ) الْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْمَظَالِمُ الَّتِي لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ وَبِالثَّانِي الْمَعَاصِي الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُكْثِرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَحَالَةُ الْمَرَضِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الْمَوْتَ رَقَّ قَلْبُهُ وَخَافَ(5/105)
فَيَرْجِعُ عَنْ الْمَظَالِمِ وَالْمَعَاصِي وَيُقْبِلُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَيُكْثِرُ مِنْهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ حَدِيثِ " اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ " وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ " أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمنكبى فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ " إذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِك لِمَرَضِكَ وَمِنْ حياتك لموتك " * قال المصنف رحمه الله
* {ومن مرض استحب له أن يصبر لما روى ان امرأة جاءت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله ادع الله ان يشفينى فقال " ان شئت دعوت الله فشفاك وان شئت فاصبري ولا حساب عليك قالت اصبر ولا حساب علي) ويستحب أن يتداوى لما روى أبو الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ان الله تعالى أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فتداووا ولا تداووا بالحرام " ويكره أن يتمنى الموت لما روى أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فان كان لابد متمنيا فليقل اللهم أحينى ما دامت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لى} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي طَلَبَتْ رَوَاهُ الْبَغَوِيّ بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ انى امرأة اصرع واني انكشف فَادْعُ اللَّهَ لِي فَقَالَ إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ " (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يستحب للمريض ومن به سقم وغيه من عوارض الا بدان أَنْ يَصْبِرَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى فَضْلِ الصَّبْرِ وَقَدْ جَمَعْتُ جُمْلَةً مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ الصَّبْرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَيَكْفِي فِي فَضِيلَتِهِ قَوْله تَعَالَى (انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وَيُسْتَحَبُّ التَّدَاوِي لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي التَّدَاوِي وَإِنْ تَرَكَ التَّدَاوِيَ تَوَكُّلًا فَهُوَ فَضِيلَةٌ وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي دُنْيَاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُكْرَهُ لِخَوْفِ(5/106)
فِتْنَةٍ فِي دِينِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ مَفْهُومٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ
وَقَدْ جَاءَ عَنْ كَثِيرِينَ مِنْ السَّلَفِ تَمَّنِي الْمَوْتِ لِلْخَوْفِ عَلَى دِينِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الدَّوَاءِ والتداوى
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ " أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ كأنما علي رؤوسهم الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ ههنا وههنا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَتَدَاوَى قَالَ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْهَرَمِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " إنَّ بَطْنَ أَخِي قَدْ اسْتَطْلَقَ فَقَالَ اسْقِهِ الْعَسَلَ فَأَتَاهُ فَقَالَ قَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لِلشُّونِيزِ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ يُرِيدُ بِهِ الْمَوْتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول " التلبينة مجمة فؤاد الْمَرِيضِ وَتُذْهِبُ بَعْضَ الْحُزْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ التلببنة حساء من دقيق ويقال له التليين أَيْضًا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَيَاضَ اللَّبَنِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تكرهوا مرضا كم عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ " (فَضَعِيفٌ) ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ وَادَّعَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ حَسَنٌ وَسَنَذْكُرُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمَلًا تتعلق بالتداوي ونحوه
*(5/107)
* قال المصنف رحمه الله
* {وينبغى أن يكون حسن الظن بالله تعالي لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله تعالي "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ زِيَادَةٌ فِي مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَعْنَى يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَظُنَّ أن الله تعالي يرحمه ويرجوا ذَلِكَ وَيَتَدَبَّرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي كَرَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَمَا وَعَدَ بِهِ أَهْلَ التَّوْحِيدِ وَمَا يَنْشُرُهُ مِنْ الرَّحْمَةِ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي " هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَشَذَّ الْخَطَّابِيُّ فَذَكَرَ مَعَهُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَحْسِنُوا أَعْمَالَكُمْ حَتَّى يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ بِرَبِّكُمْ فَمَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ حَسُنَ ظَنُّهُ وَمَنْ سَاءَ عَمَلُهُ سَاءَ ظَنُّهُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يعتر بِهِ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ وَمَنْ حَضَرَتْهُ أَسْبَابُ الْمَوْتِ وَمُعَانَاتُهُ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ رَاجِيًا رَحْمَتَهُ وَأَمَّا فِي حَالِ الصِّحَّةِ ففيه وجهان لا صحابنا حكاهما القاضى حسين وصاحبه المتولي وغيرهما (احدها) يَكُونُ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ سَوَاءً
(وَالثَّانِي)
يَكُونُ خَوْفُهُ أَرْجَحَ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي (وَالْأَظْهَرُ) أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَدَلِيلُهُ ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَقْرُونَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (يَوْمَ تبيض وجوه وتسود وجوه ان الابرار لفى نعيم وان الفجار لفى جحيم فاما من أوتى كتابه بيمينه وأما من أوتي كتابه بشماله)(5/108)
وَنَظَائِرُهُ مَشْهُورَةٌ وَقَالَ (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ الا القوم الخاسرون) وقال (لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون) وَقَدْ تَتَبَّعْت الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْوَارِدَةَ فِي الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَجَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ فَوَجَدْت أَحَادِيثَ الرَّجَاءِ أَضْعَافَ الْخَوْفِ مَعَ ظُهُورِ الرَّجَاءِ فِيهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاضِرِ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ أَنْ يُطْمِعَهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحُثَّهُ عَلَى تَحْسِينِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنْ يَذْكُرَ لَهُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ فِي الرَّجَاءِ وَيُنَشِّطَهُ لِذَلِكَ وَدَلَائِلُ مَا ذَكَرْته كَثِيرَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ ذَكَرْت مِنْهَا جُمْلَةً فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَفَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عِنْدَ احْتِضَارِهِ وَبِعَائِشَةَ أَيْضًا وَفَعَلَهُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ العاص
بابيه وكله في الصحيح * قال المصنف رحمه الله
* {وتستحب عيادة المريض لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَمَرَنَا " رَسُولُ اللَّهِ(5/109)
صلي الله عليه وسلم باتباع الجنائز وعيادة المريض " فان رجاه دعا له والمستحب أن يقول أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من عاد مريضا لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك عافاه الله من ذلك المرض " وإن رآه منزولا به فالمستحب أن يلقنه قول لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لقنوا موتا كم لا اله الا الله " وروى مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " من كان آخر كلامه لا اله الا الله وجببت له الجنة " ويستحب أن يقرأ عنده سورة يس لما روى معقل بن يسار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال " اقرؤا على موتا كم يعني يس " ويستحب أن يضطجع علي جنبه " الايمن مستقبل القبلة لما روت سلمي أم ولد رافع قالت " قالت فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عنها ضعي فراشي هاهنا واستقبلي بي القبلة ثم قامت فاغتسلت كاحسن ما يغتسل ولبست ثيابا جددا ثم قالت تعلمين اني مقبوضة الآن ثم استقبلت القبلة وتوسدت يمينها "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْبَرَاءِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الطِّبِّ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي داود والترمذي والنسائي يزيد ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَلَمْ يَرْوِ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَيُنْكَرُ عَلَى الْحَاكِمِ كَوْنُهُ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلَكِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ فِيهِ عَبْدُ رَبِّهِ بن سعيد بدل ابي خالد(5/110)
الدَّالَانِيِّ وَعَبْدُ رَبِّهِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مُعَاذٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُهُمَا دَخَلَ الْجَنَّةَ بَدَلَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مَعْقِلٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَجْهُولَانِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَلْمَى فَغَرِيبٌ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ مَمْدُودٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ قَصْرُهُ وَعَازِبٌ صَحَابِيٌّ (وَقَوْلُهُ) أَمَرَنَا أَيْ أَمْرَ نَدْبٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَمَرَنَا بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ مِنْهَا اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ وعيادة المريض (قوله) مَنْزُولًا بِهِ أَيْ قَدْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ (وَقَوْلُهُ) صلي الله عليه وسلم لفتوا مَوْتَاكُمْ أَيْ مَنْ قَرُبَ مَوْتُهُ وَهُوَ مِنْ باب تسمية الشئ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ وَمِنْهُ (إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا) وَمَعْقِلٌ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَأَبُوهُ يَسَارٌ - بِيَاءٍ ثُمَّ سِينٍ - وَمَعْقِلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كُنْيَتُهُ أَبُو عَلِيٍّ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو يَسَارٍ وَسَلْمَى - بِفَتْحِ السِّينِ - وَقَوْلُهُ أُمُّ وَلَدِ رَافِعٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ أُمُّ رَافِعٍ أَوْ أُمُّ وَلَدِ أَبِي رَافِعٍ وَهِيَ سَلْمَى مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ مَوْلَاةُ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ وَكَانَتْ سَلْمَى قَابِلَةَ بني فاطظمة وَقَابِلَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّ وَلَدِهِ (وَقَوْلُهَا) ثِيَابًا جُدُدًا - هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ - جَمْعُ جَدِيدٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ فَتْحُ الدَّالِ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْعَرَبِيَّةِ وَحُذَّاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا كَانَ مُشَدَّدًا مِنْ هَذَا الْوَزْنِ مِمَّا ثَانِيهِ وَثَالِثُهُ سَوَاءٌ الْأَجْوَدُ ضَمُّ ثَانِي جمعه ويجوز فتحه كسور وذلك ونظائر هما وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي تَحْقِيقِ هَذَا بِشَوَاهِدِهِ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَنَقْلِهِمْ فِيهِ في تهذيب الاسماء واللغات
* وأما الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) عِيَادَةُ الْمَرِيضِ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَشْهُورَةٌ فِي ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ(5/111)
أَنْ يَعُمَّ بِعِيَادَتِهِ الصَّدِيقَ وَالْعَدُوَّ وَمَنْ يَعْرِفُهُ ومن لا يعرفه لعموم الاحاديث وأما الذى فَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ عِيَادَتُهُ فَقَالَ يُسْتَحَبُّ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ قَوْلَ صَاحِبِ الشَّامِلِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ عِيَادَةَ الْكَافِرِ جَائِزَةٌ وَالْقُرْبَةَ
فِيهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى نَوْعِ حُرْمَةٍ يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ جِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ مُتَعَيَّنٌ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رأسه فقال له اسلم فنظر إلى ابنه وهو عنده فقال له اطع ابا القسم فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِيَادَةُ غِبًّا لَا يُوَاصِلُهَا كُلَّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا قُلْت هَذَا لِآحَادِ النَّاسِ أَمَّا أَقَارِبُ الْمَرِيضِ وَأَصْدِقَاؤُهُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ يَأْتَنِسُ بِهِمْ أَوْ يَتَبَرَّكُ بِهِمْ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَرَوْهُ كُلَّ يَوْمٍ فَلْيُوَاصِلُوهَا مَا لَمْ يُنْهَ أَوْ يَعْلَمْ كَرَاهَةَ الْمَرِيضِ لِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَإِذَا عَادَهُ كُرِهَ إطَالَةُ الْقُعُودِ عِنْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْجَارِهِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْ بَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ وَيُسْتَحَبُّ الْعِيَادَةُ مِنْ وَجَعِ الْعَيْنِ بِرَمَدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ " عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْعَائِدِ إذَا طَمِعَ فِي حَيَاةِ الْمَرِيضِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ سَوَاءٌ رَجَا حَيَاتَهُ أَوْ كَانَتْ مُحْتَمَلَةً وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ رَجَاهُ وجاء في الدعاء للمريض أحاديث صحيحة كَثِيرَةٌ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ (مِنْهَا) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَلُدِغَ سَيِّدُهُمْ فَجَعَلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ الرَّجُلُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ(5/112)
يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ - وَفِي رِوَايَةٍ - قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ لِثَابِتٍ أَلَا أَرْقِيك بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَلَى قَالَ " اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَأْسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي يَأْلَمُ مِنْ جَسَدِك وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ(5/113)
أَعُوذُ بِاَللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ عَادَنِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ عَلَى مَنْ يَعُودُهُ قَالَ " لَا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " يَا مُحَمَّدُ أَشْتَكَيْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ باسم الله أرقيك من كل شئ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حاسد الله بشفيك بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الثَّالِثَةُ) إذَا رَآهُ مَنْزُولًا بِهِ قَدْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ استحب أن(5/114)
يُلَقَّنَ قَوْلَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُلَقِّنُهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ يُلَقِّنُهُ الشَّهَادَتَيْنِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرُهُمْ وَدَلِيلُهُمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَذَكُّرُ التَّوْحِيدِ وَذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ هَذَا مُوَحِّدٌ وَيَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الِاعْتِرَافُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُلِحَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَأَنْ لَا يَقُولَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَشْيَةَ أَنْ يَضْجَرَ فَيَقُولَ لَا أَقُولُ أَوْ يَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ وَلَكِنْ يَقُولُهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مُعَرِّضًا لَهُ لِيَفْطِنَ فَيَقُولَهَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَوْ يَقُولُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُبَارَكٌ فَنَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى جَمِيعًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ قَالُوا وَإِذَا أَتَى بِالشَّهَادَةِ مَرَّةً لَا يُعَاوِدُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا بِكَلَامٍ آخَرَ هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يُزَادُ عَلَى مَرَّةٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بكررها عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَلَا يُزَادُ عَلَى ثَلَاثٍ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ وصاحب العدة وغير هم قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُلَقِّنُ غَيْرَ وَارِثٍ لِئَلَّا يَتَّهِمَهُ وَيَخْرُجَ مِنْ تَلْقِينِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا الْوَرَثَةُ لَقَّنَهُ أَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ هَكَذَا قَالُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَا يُلَقِّنُهُ مَنْ يَتَّهِمُهُ لِكَوْنِهِ
وَارِثًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ حَاسِدًا أَوْ نَحْوَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ سُورَةَ يس(5/115)
هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ سُورَةَ الرَّعْدِ أَيْضًا (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِي كَيْفِيَّتِهِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى قَفَاهُ وَأَخْمَصَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبَا الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهُوَ مذهب مالك وأبى حنيفة يضحع عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ كَالْمَوْضُوعِ فِي اللَّحْدِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ لم يمكن فعلى ففاه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ لِلْمَسْأَلَةِ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ(5/116)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالُوا تُوُفِّيَ وَأَوْصَى بِثُلُثِهِ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ لَمَّا اُحْتُضِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَ الْفِطْرَةَ وَقَدْ رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَأَدْخِلْهُ جَنَّتَكَ وَقَدْ فَعَلْت " قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ في توجيه المختضر إلَى الْقِبْلَةِ غَيْرَهُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْمَرِيضِ ومن يخدمه الرفق به واحتماله والصبر عَلَى مَا يَشُقُّ مِنْ أَمْرِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ قرب موته يسبب حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَنَحْوِهِمَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ " أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا فَقَالَ أَحْسِنْ إلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا)
*(5/117)
(فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ طَلَبُ الْمَوْتِ فِي بَلَدٍ شَرِيفٍ لِحَدِيثِ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " قَالَ عمر رضى الله عنه اللهم ارزقتى شَهَادَةً فِي سَبِيلِك وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت أَنَّى يَكُونُ هَذَا فَقَالَ يَأْتِينِي بِهِ اللَّهُ إذَا شَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* (فَرْعٌ)
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُكْرَهَ الْمَرِيضُ عَلَى الدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّعَامِ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ الْمَرِيضِ لِحَدِيثِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا دَخَلْت عَلَى مَرِيضٍ فَمُرْهُ فَلْيَدْعُ لَك فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ وَعْظُ الْمَرِيضِ بَعْدَ عَافِيَتِهِ وَتَذْكِيرُهُ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَيْرِ وَيَنْبَغِي لَهُ هُوَ المحافظة علي ذلك قال الله تعالي (واوفو بالعهد ان العهد كان مسئولا)
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لِلْمَرِيضِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى تَحْسِينِ خُلُقِهِ وَأَنْ يَجْتَنِبَ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُنَازَعَةَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي ذِهْنِهِ أَنَّ هَذَا آخِرُ أَوْقَاتِهِ فِي دَارِ الْأَعْمَالِ فَيَخْتِمَهَا بِخَيْرٍ وَأَنْ يَسْتَحِلَّ زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ وَسَائِرَ أَهْلِهِ وَغِلْمَانِهِ وَجِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَكُلِّ مَنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ معاملة أو مصاحبة أو تعلق ويرضبهم وَأَنْ يَتَعَاهَدَ نَفْسَهُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَأَحْوَالِهِمْ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَنْ(5/118)
يُحَافِظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ وَظَائِفِ الدِّينِ وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ مَنْ يُخَذِّلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ وَهَذَا الْمُخَذِّلُ هُوَ الصَّدِيقُ الْجَاهِلُ الْعَدُوُّ الْخَفِيُّ وَأَنْ يُوصِيَ أَهْلَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَبِتَرْكِ النَّوْحِ عَلَيْهِ وَكَذَا إكْثَارُ الْبُكَاءِ وَيُوصِيَهُمْ بِتَرْكِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ الْبِدَعِ فِي الْجَنَائِزِ ويتعاهده بالدعاء له وبالله التوفيق
*
* قال المصنف رحمه الله
* {فإذا مات تولي ارفقهم به اغماض عينيه لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " دَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابى سلمة فاغمض بصره ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البصر ولانها(5/119)
إذا لم تغمض بقيت مفتوحة فيفتح منظره ويشد لحييه بعصابة عريضة تجمع جميع لحييه يشد العصابة على رأسه لانه إذا لم يفعل ذلك استرخي لحيه وانفتح فمه ققبح منظره وربما دخل الي فيه شئ من الهوام وتلين مفاصله لانه أسهل في الغسل ولانها تبقي جافية فلا يمكن تكفينه وتخلع ثيابه لان الثياب تحمي الجسم فيسرع إليه التغير والفساد ويجعل علي سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الارض فتغيره ويجعل علي بطنه حديدة لما روى أن مولي أنس مات فقال أنس رضي الله عنه " ضعوا علي بطنه حديدة " لانه ينتفخ فان لم يمكن حديدة جعل عليه طين رطب ويسجي بثوب لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم " سجى بثوب حبرة " وَيُسَارِعُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ وَالتَّوَصُّلِ إلَى(5/120)
ابرائه منه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى " ويبادر الي تجهيزه لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثلاث لا تؤخر وهن الصلاة والجنازة والايم إذا وجدت كفؤا " فان مات فجأة ترك حتى يتيقن موته}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ مَوْلَى أَنَسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كتاب النكاح وأشار الي تضعيفه ويقال أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ وَغَمَّضَهَا - بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ - وَفِي الرُّوحِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ (وَقَوْلُهُ) يُسَجَّى أَيْ يُغَطَّى وقوله بثوب حبرة هو باضافة ثوب إلَى حِبَرَةٍ وَهِيَ - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ - نَوْعٌ مِنْ الْبُرُدِ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَفْسُ الْمُؤْمِنِ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هذا الحديث(5/121)
نَفْسُ الْإِنْسَانِ لَهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ (أَحَدُهَا) بَدَنُهُ قال الله تعالي (النفس بالنفس) (الثَّانِي) الدَّمُ فِي جَسَدِ الْحَيَوَانِ (الثَّالِثُ) الرُّوحُ الَّذِي إذَا فَارَقَ الْبَدَنَ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ حَيَاةٌ قَالَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ قَالَ كَأَنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ تُعَذَّبُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى يُؤَدَّى هَكَذَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ نَفْسَهُ مُطَالَبَةٌ بِمَا عَلَيْهِ وَمَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ حَتَّى يُقْضَى لَا أَنَّهُ يُعَذَّبُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ خَلْفَهُ وَفَاءٌ وَأَوْصَى بِهِ (وَقَوْلُهُ) الْأَيِّمُ هي التي لازوج لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَمْ ثَيِّبًا (وَقَوْلُهُ) فُجْأَةً أَيْ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا نَزْعٍ وَنَحْوِهِ وَفِيهَا لُغَتَانِ (أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) - بِضَمِّ الْفَاءِ وفتح الجيم وبالمد - والثانية(5/122)
فَجْأَةٌ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ -
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ إذَا مَاتَ أَنْ يُغَمَّضَ عَيْنَاهُ وَتُشَدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ تَجْمَعُهُمَا ثُمَّ بربط فَوْقَ رَأْسِهِ وَيُلَيِّنَ مَفَاصِلَهُ فَيَمُدَّ سَاعِدَهُ إلَى عَضُدِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ وَيَرُدَّ سَاقَهُ إلَى فَخِذِهِ وَفَخِذَهُ إلَى بَطْنِهِ وَيَرُدَّهُمَا وَيُلَيِّنَ أَصَابِعَهُ وَيَخْلَعَ ثِيَابَهُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يُرَى بَدَنُهُ ثُمَّ يَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ وَلَا يَجْمَعَ عَلَيْهِ أَطْبَاقَ الثِّيَابِ وَيَجْعَلَ طَرَفَ هَذَا الثَّوْبِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَطَرَفَهُ الْآخَرَ تَحْتَ رجليه لئلا ينكشف ويوضع على شئ مُرْتَفِعٍ كَسَرِيرٍ وَلَوْحٍ وَنَحْوِهِمَا وَيُوضَعَ عَلَى بَطْنِهِ شئ ثَقِيلٌ كَسَيْفٍ أَوْ مِرْآةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْحَدِيدِ فَإِنْ عُدِمَ فَطِينٌ رَطْبٌ وَلَا يُجْعَلَ عَلَيْهِ مُصْحَفٌ وَيَسْتَقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ كَالْمُحْتَضَرِ وَيَتَوَلَّى هَذِهِ الْأُمُورَ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ بِأَسْهَلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَيَتَوَلَّاهَا الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنْ تَوَلَّاهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَحْرَمٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ تَوَلَّاهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ مَحْرَمٌ مِنْ الرِّجَالِ جَازَ وَيُسَارِعُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ وَالتَّوَصُّلِ إلَى إبْرَائِهِ مِنْهُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ الشَّيْخُ أبو حامد ان كَانَ لِلْمَيِّتِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ قُضِيَ الدَّيْنُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُبَاعُ سَأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يَحْتَالُوا عَلَيْهِ لِيَصِيرَ(5/123)
الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ وَلِيِّهِ وَتَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ هَذَا لَفْظُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَنَحْوُهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ لِلْمَحَامِلِيِّ وَالْعُدَّةِ لِلطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ بَابِ الْقَوْلِ عِنْدَ الدَّفْنِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ يَسْتَأْخِرُ سَأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ وَإِرْضَاؤُهُمْ مِنْهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ نَحْوُ مَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَرَاضِيهِمْ عَلَى مَصِيرِهِ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ يَبْرَأُ الْمَيِّتُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِرِضَاءِ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ وَإِنْ كَانَ ضَمَانًا فَكَيْفَ
يَبْرَأُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ ثُمَّ يُطَالَبُ الضَّامِنُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا ضَمِنَ الدَّيْنَ عَنْ الْمَيِّتِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْآنَ بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ " حِينَ وَفَّاهُ لَا حِينَ ضَمِنَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ رَأَوْا هَذِهِ الْحَوَالَةَ جَائِزَةً مُبَرِّئَةً لِلْمَيِّتِ فِي الْحَالِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْأَصْحَابُ وَيُبَادَرُ أَيْضًا بِتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ وَبِتَجْهِيزِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ الْمُبَادَرَةَ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الْجِنَازَةِ فَإِنْ مَاتَ(5/124)
فُجْأَةً لَمْ يُبَادَرْ بِتَجْهِيزِهِ لِئَلَّا تَكُونَ بِهِ سَكْتَةٌ وَلَمْ يَمُتْ بَلْ يُتْرَكُ حَتَّى يُتَحَقَّقَ مَوْتُهُ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْمَوْتِ عَلَامَاتٌ وَهِيَ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ وَيَنْفَصِلَ زَنْدَاهُ وَيَمِيلَ أَنْفُهُ وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ زَادَ الْأَصْحَابُ وَأَنْ يَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ وَزَادَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَتَتَقَلَّصَ خُصْيَاهُ مَعَ تَدَلِّي الْجِلْدَةِ فَإِذَا ظَهَرَ هَذَا عُلِمَ مَوْتُهُ فَيُبَادَرُ حِينَئِذٍ إلَى تَجْهِيزِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَأَمَّا إذَا مَاتَ مَصْعُوقًا أَوْ غَرِيقًا أَوْ حَرِيقًا أَوْ خَافَ مِنْ حَرْبٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَوْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُبَادَرُ بِهِ حَتَّى يُتَحَقَّقَ مَوْتُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَيُتْرَكُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يُخْشَى فَسَادُهُ لِئَلَّا يَكُونَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ انْطَبَقَ حَلْقُهُ أَوْ غَلَبَ الْمِرَارُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ صَحِيحٌ فَإِذَا مَاتَ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ(5/125)
أو أمثالها يَجُوزُ أَنْ يُبَادَرَ بِهِ وَيَجِبُ تَرْكُهُ وَالتَّأَنِّي بِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ لِئَلَّا يَكُونَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَجُوزُ دَفْنُهُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ هَذَا آخِرُ كلام ابي حامد في تعليقه قال غَيْرُهُ تَحَقُّقُ الْمَوْتِ يَكُونُ بِتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيمَا يُقَالُ حَالَ إغْمَاضِ الْمَيِّتِ وَيُسْتَحْسَنُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ إذَا أَغْمَضْت الْمَيِّتَ فَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَإِذَا حَمَلْتَهُ فَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثُمَّ تُسَبِّحُ مادمت تَحْمِلُهُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَقُولُوا عِنْدَ الْمَيِّتِ خَيْرًا وَأَنْ يَدْعُوا لَهُ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " دَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ
يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عقبه في(5/126)
الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهَا) شَقَّ بَصَرُهُ هُوَ - بِفَتْحِ الشِّينِ - وَبَصَرُهُ بِرَفْعِ الرَّاءِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَأَهْلِ الضَّبْطِ قَالَ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ يُقَالُ شَقَّ بَصَرُ الْمَيِّتِ وَشَقَّ الْمَيِّتُ بَصَرُهُ إذَا شَخَصَ
* (فَرْعٌ)
فِيمَا يُقَالُ عِنْدَ الْمَيِّتِ وَمَا يَقُولُهُ مَنْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ أَوْ صَاحِبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ أَوْ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ قَالَ قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً فَقُلْت فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مَنْ هُوَ لِي خَيْرٌ مِنْهُ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا الْمَرِيضُ أَوْ الْمَيِّتُ عَلَى الشَّكِّ وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ الْمَيِّتُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَعَنْهَا قَالَتْ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إلَّا آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَاخْلُفْ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْت كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْلَفَ اللَّهُ تَعَالَى لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَك وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ جَزَاءٌ إذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثم احتسبه إلى الْجَنَّةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فَرْعٌ)
يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَأَصْدِقَائِهِ تَقْبِيلُ وَجْهِهِ ثَبَتَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ وَصَرَّحَ به الدارمي في الاستذ كار وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي
*(5/127)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ الصَّبْرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لَهُ كَثْرَةُ الشَّكْوَى فَلَوْ سَأَلَهُ طَبِيبٌ أَوْ قَرِيبٌ لَهُ أَوْ صَدِيقٌ أَوْ نَحْوُهُمْ عَنْ حَالِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالشِّدَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَا عَلَى صُورَةِ الْجَزَعِ فَلَا بَأْسَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُكْرَهُ لَهُ التَّأَوُّهُ وَالْأَنِينُ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الْأَنِينُ لِأَنَّ طَاوُسًا رَحِمَهُ اللَّهُ كَرِهَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا نَهْيٌ بَلْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ قَالَ " قَالَتْ عَائِشَةُ وَارَأْسَاهْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ " فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَكِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ اولى فلعلهم ارادوا بالمكروه هذا
* {باب غسل الميت}
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وغسله فرض على الكفاية لقوله صلى الله عليه وسلم في الذى سقط عن بعيره اغسلوه بماء وسدر} {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعْنَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِنْ تَرَكُوهُ كُلُّهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَدَفْنَهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ بِلَا خِلَافٍ * قال المصنف رحمه الله
*(5/128)
{فان كان الميت رجلا لا زوجة له فاولي الناس بغسله الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ العم ثم ابن العم لانهم احق بالصلاة عليه فكانوا احق بغسله فان كان له زوجة جاز لها غسله لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابا بكرر رضي الله عنه أوصى أسماء بنت عميس لتغسله " وهل يقدم على العصبات فية وجهان
(أحدهما)
أنها تقدم لانها تنظر منه إلى مالا ينظر العصبات وهو ما بين السرة والركبة
(والثانى)
يقدم العصبات لانهم احق بالصلاة عليه}
* {الشرح} حديث عائشة هذا ضعيف رواه الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرِوَايَةُ الْوَاقِدِيِّ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَلَهُ شَوَاهِدُ مَرَاسِيلُ قُلْت وَرَوَاهُ
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ حِينَ تُوُفِّيَ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ(5/129)
فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ فَقَالُوا لَا وَهَذَا الْإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ وَعُمَيْسٌ - بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ - وَكَانَتْ أَسْمَاءُ مِنْ السَّابِقَاتِ إلَى الْإِسْلَامِ أَسْلَمَتْ قَدِيمًا بِمَكَّةَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَصْلُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ يُغَسِّلَ الرِّجَالُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا فَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَزَوْجَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَوْجَةٌ فَأَوْلَاهُمْ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ ثم ابنه ثم عم ابي الْجَدِّ ثُمَّ ابْنُهُ وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ جَازَ لَهَا غُسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ كُلُّهَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَهَلْ تُقَدَّمُ عَلَى رِجَالِ الْعَصَبَاتِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (اصحهما) عند الاكثرين لا يقدم بَلْ يُقَدَّمُ رِجَالُ الْعَصَبَاتِ ثُمَّ الرِّجَالُ الْأَقَارِبُ ثُمَّ الْأَجَانِبُ ثُمَّ الزَّوْجَةُ ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التحربر
(وَالثَّانِي)
تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمْ وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الرِّجَالُ الْأَقَارِبُ ثُمَّ الزَّوْجَةُ ثُمَّ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ وَإِلَى مَتَى تُغَسِّلُ زَوْجَهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وآخرون أصحها) تغسله أبداوان انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فِي الْحَالِ وَتَزَوَّجَتْ لانه حق ثبت لها فلا يسقط بشئ من ذلك كالميرات وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ من الاصحاب(5/130)
وهو مقتضى اطلاق المصنف والا كثرين وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) لَهَا غُسْلُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَنَّهَا بِالزَّوَاجِ صَارَتْ صَالِحَةً لِغُسْلِ الثَّانِي لَوْ مَاتَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَاسِلَةً لِزَوْجَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (وَالثَّالِثُ) لَهَا غُسْلُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لِأَنَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ تَنْقَطِعُ عَلَائِقُ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَأَكْثَرُ وَتَنَازَعْنَ فِي غُسْلِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ مَاتَ لَهُ زَوْجَاتٌ
فِي وَقْتٍ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا غَسَّلَهَا أَوَّلًا ذَكَرَهُ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا
* (فَرْعٌ)
لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ النِّسَاءَ الْمَحَارِمَ وَقَدْ ذَكَرَهُنَّ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فقالو يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ الْمَحَارِمِ غُسْلُهُ وَهُنَّ مُؤَخَّرَاتٌ عَنْ الرِّجَالِ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ وَالزَّوْجِ لِأَنَّهُنَّ فِي حَقِّهِ كالرجال
*(5/131)
(فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ دَلِيلَ غُسْلِ الزَّوْجَةِ زوجها قضية أَسْمَاءَ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَالصَّوَابُ الِاحْتِجَاجُ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ الاشراق وَكِتَابِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ أَنْ لِلْمَرْأَةِ غُسْلَ زَوْجِهَا وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ غَيْرُهُ (وَأَمَّا) الرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلَهَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ عَنْ أحمد أنها ليس لها غسل فَإِنْ ثَبَتَتْ عَنْهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {فان ماتت امرأة ولم يكن لها زوج غسلها النساء وأولاهن ذات رحم محرم ثم ذات رحم غير محرم ثم الاجنبية فان لم يكن نساء غسلها الاقرب فالاقرب من الرجال علي ما ذكرنا فان كان لها زوج جاز له غسلها لما روت عائشة قالت " رجع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ البقيع فوجدني(5/132)
وأنا أجد صداعا وأقول وارأساه فقال بل أنا يا عائشة وارأساه ثم قال وما ضرك لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك " وهل يقدم على النساء فيه وجهان
(أحدهما)
يقدم لانه ينظر الي مالا ينظر النساء منها
(والثانى)
يقدم النساء علي الترتيب الذى ذكرناه فان لم يكن نساء فأولى الاقرباء بالصلاة فان لم يكن فالزوج وان طلق زوجته طلقة رجعية ثم مات أحد هما قبل الرجعة لم يكن للآخر غسله لانها محرمة علية تحريم المبتوتة) {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ ضعيف فيه محمد بن اسحق صَاحِبُ الْمَغَازِي عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ
وَمُحَمَّدُ بن اسحق مُدَلِّسٌ وَإِذَا قَالَ الْمُدَلِّسُ عَنْ لَا يُحْتَجُّ به ووقع في المهذب " لومت قَبْلِي لَغَسَّلْتُك " بِاللَّامِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ " فَغَسَّلْتُك " بِالْفَاءِ وَيُقَالُ مِتّ - بِضَمِّ الْمِيمِ وكسرها - لغتان(5/133)
مَشْهُورَتَانِ وَالْبَقِيعُ بِالْبَاءِ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ بَقِيعُ الْغَرْقَدِ مَدْفَنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ غَسَّلَهَا النِّسَاءُ ذَوَاتُ الْأَرْحَامِ الْمَحَارِمِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَبِنْتِ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَأَشْبَاهِهِنَّ ثُمَّ ذَوَاتُ الْأَرْحَامِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْخَالِ وَبِنْتِ الْخَالَةِ يُقَدَّمُ أَقْرَبُهُنَّ فَأَقْرَبُهُنَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ يُقَدَّمُ ذَوَاتُ الولاء فان لم يكن فالا جنبيات وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ إهْمَالُهُ ذَوَاتَ الْوَلَاءِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ اجْتَمَعَ امْرَأَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ ذَاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَأَوْلَاهُمَا مَنْ هِيَ فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَةِ لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا فَتُقَدَّمُ الْعَمَّةُ عَلَى الْخَالَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِسَاءٌ أَصْلًا غَسَّلَهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ رِجَالِ الْمَحَارِمِ عَلَى مَا سَبَقَ فِيمَا إذَا مَاتَ رَجُلٌ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي غُسْلِهَا كُلُّ مَنْ يُقَدَّمُ فِي غُسْلِ الرَّجُلِ مِنْ الرِّجَالِ فَيَدْخُلُ فِي ذلك(5/134)
ابْنُ الْعَمِّ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي غُسْلِهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ فَمُرَادُهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ العدة وصاحب الْبَيَانِ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا فَرَتَّبَهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَا يَجُوزُ لَهُ غُسْلُهَا بل هو كالأجنبي وان كان الا كثرون قَدْ أَهْمَلُوا بَيَانَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غُسْلُ زَوْجَتِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَنُوَضِّحُ دَلِيلَهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَلْ يُقَدَّمُ عَلَى النِّسَاءِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ النِّسَاءَ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
يُقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِالِاتِّفَاقِ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَيْهِمْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ
بِتَقْدِيمِ الزَّوْجِ عَلَى الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ وَتَأْخِيرِهِ عَنْ النِّسَاءِ فَيَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (وَالثَّانِي) يُقَدَّمُ النِّسَاءُ وَالْمَحَارِمُ مِنْ الرِّجَالِ عَلَيْهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ(5/135)
الْأَصَحُّ يُقَدَّمُ عَلَى الرِّجَالِ وَيُؤَخَّرُ عَنْ النِّسَاءِ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَمُوَافِقُوهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ فَسَخَ نِكَاحَهَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ غُسْلُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا قَاسَهُ عَلَى الْبَائِنِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ خَالَفَ فِي الرَّجْعِيَّةِ وَوَافَقَ فِي الْبَائِنِ وَوَافَقَهُ أَحْمَدُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ الْبَائِنَ
* (فَرْعٌ)
له غسل زوجته مسلمة كانت أو كتابية (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا جَازَ لَهُ غُسْلُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ
(وَالثَّانِي)
مَنْعُهُ لِأَنَّ أختها أو الاربع لومتن فِي الْحَالِ لَغَسَّلَهُنَّ فَلَوْ جَوَّزْنَا غُسْلَ هَذِهِ لَزِمَ مِنْهُ جَوَازُ غُسْلِ امْرَأَةٍ وَأُخْتِهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِالزَّوْجِيَّةِ(5/136)
(فَرْعٌ)
ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَبَعْضِهِمْ أَنَّ الرِّجَالَ الْمَحَارِمَ لَهُمْ الْغُسْلُ مَعَ وُجُودِ النِّسَاءِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا بذك وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي التَّرْتِيبِ وَيَقُولُونَ الْمَحَارِمُ بَعْدَ النِّسَاءِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لِلسَّيِّدِ غُسْلُ أَمَتِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَأَشْبَهَتْ الزَّوْجَةَ بَلْ هَذِهِ أَوْلَى فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَالْبُضْعَ جَمِيعًا (فَإِنْ) قِيلَ فَالْمُكَاتَبَةُ لَا يَمْلِكُ بُضْعَهَا (قُلْنَا) بِالْمَوْتِ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ فَيَعُودُ الْبُضْعُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورَاتِ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مُسْتَبْرَأَةً فَلَا يجوز له غسلها بالا تفاق لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بُضْعَهَا وَهَلْ يَجُوزُ لِلْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُسْتَوْلَدَة غُسْلُ السَّيِّدِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا (أَصَحُّهُمَا)(5/137)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا بِالْمَوْتِ صَارَتْ لِغَيْرِهِ أَوْ حُرَّةً (وَالثَّانِي) جَوَازُهُ كَعَكْسِهِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ
وَالْمُسْتَبْرَأَة فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ غُسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ كَعَكْسِهِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا غَسَّلَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يلف على يده خرقة ليلا يَمَسَّ بَشَرَتَهُ فَإِنْ لَمْ يَلُفَّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمُتَابِعُوهُ يَصِحُّ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي انْتِقَاضِ طُهْرِ الْمَلْمُوسِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَذِنَ لَهُ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَأَمَّا) اللَّامِسُ فَقَطَعَ الْقَاضِي بِانْتِقَاضِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الوضوء
*(5/138)
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ نُقَدِّمُهُ فِي الْغُسْلِ شَرْطَانِ (أَحَدُهُمَا) كَوْنُهُ مُسْلِمًا إنْ كَانَ الْمَغْسُولُ مُسْلِمًا فَلَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِتَقْدِيمِ دَرَجَتِهِ كَافِرًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ وَنُقَدِّمُ مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى يُقَدَّمَ الْمُسْلِمُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْقَرِيبِ الْكَافِرِ (الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ إذَا قَتَلَ قَرِيبَهُ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي غُسْلِهِ وَلَا الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَا فِي دَفْنِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْعَ حَقَّ الْقَرَابَةِ بَلْ بَالَغَ فِي قَطْعِ الرَّحِمِ هَذَا إذَا قَتَلَهُ ظُلْمًا فَإِنْ قَتَلَهُ بِحَقٍّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى إرْثِهِ إنْ وَرَّثْنَاهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْغُسْلِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَرَكَ الْمُقَدَّمُ فِي الْغُسْلِ حَقَّهُ وَسَلَّمَهُ لِمَنْ بَعْدَهُ فَلِلَّذِي بَعْدَهُ تَعَاطِيهِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلَيْسَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَتْرُكُوهُ كُلُّهُمْ وَيُفَوِّضُوهُ إلَى النِّسَاءِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا وَكَذَا لَيْسَ لَهُنَّ تَفْوِيضُهُ إلَى الرِّجَالِ إذَا كَانَتْ الْمَيِّتَةُ امْرَأَةً هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدِي فِي جَوَازِ تَفْوِيضِ الْمُقَدَّمِ إلَى غَيْرِهِ احْتِمَالَانِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَتْ كَانَ حُكْمُ نَظَرِ الزَّوْجِ إلَيْهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ بَاقِيًا وَزَالَ حُكْمُ نَظَرِهِ بِشَهْوَةٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ (فَإِنْ قِيلَ) قُلْتُمْ فُرْقَةُ الطَّلَاقِ يَنْقَطِعُ بِهَا حُكْمُ النَّظَرِ وَلَا يَنْقَطِعُ بِفُرْقَةِ الْمَوْتِ فَمَا الْفَرْقُ (قُلْنَا) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ فُرْقَةَ الطَّلَاقِ بِرِضَاهُمَا أَوْ بِرِضَاهُ وَفُرْقَةَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالْمَوْتِ يَبْقَى مِنْ آثَارِهِ مَا لَا يَبْقَى إذَا زَالَ فِي الْحَيَاةِ(5/139)
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ إذَا بِعْت عَبْدِي فَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ قَالَ إذَا مِتّ
فَعَبْدِي مُوصًى بِهِ لِفُلَانٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فُرْقَةَ الطَّلَاقِ تَمْنَعُ الْإِرْثَ بِخِلَافِ فُرْقَةِ الْمَوْتِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَكَانَ حَقِيقَةُ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى النَّظَرِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْغُسْلِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُقَصِّرًا فِي هَذِهِ الْفُرْقَةِ بِخِلَافِ الْفُرْقَةِ فِي الْحَيَاةِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وان مَاتَ رَجُلٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ أو ماتت امْرَأَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ فَفِيهِ وجهان
(أحدهما)
تيمم والثانى يستر بثوب ويجعل الغاسل علي يده خرقة ثم يغسله وان مات كافر فأقاربه الكفار أحق بغسله من أقاربه المسلمين لان للكافر عليه ولاية فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ مِنْ الْكُفَّارِ جاز لاقاربه من المسلمين غسله لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُغَسِّلَ أَبَاهُ " وان ماتت ذمية ولها زوج مسلم كان له غسلها لان النكاح كالنسب في الغسل وان مات الزوج قال في الام كرهت لها ان تغسله فان غسلته اجزأ لان القصد منه التنظيف وذلك يحصل بغلسها وان ماتت ام ولد كان للسيد غلسها لانه يجوز له غسلها(5/140)
في حال الحياة فجاز له غسلها بعد الموت كالزوجة وان مات السيد فهل يجوز لها غسله فيه وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ لَا يَجُوزُ لانها عتقت بموته فصارت اجنبية والثانى يجوز لانه لما جاز له غسلها جاز لها غسله كالزوجة}
* {الشَّرْحُ} فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يُيَمَّمُ وَلَا يُغَسَّلُ وبهذا قطع المصلح فِي التَّنْبِيهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْبَغَوِيُّ فِي شرح السنة وغيرهم وصححه الرواياتي والرفعي وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَنَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ شَرْعًا بِسَبَبِ اللمس والنظر فييمم كما لو تعذرحسا (وَالثَّانِي) يَجِبُ غُسْلُهُ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَغُضُّ طَرْفَهُ مَا امكنه فان اضطر الي النظر نظر قَدْرَ الضَّرُورَةِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا
كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهَا لِلْمُدَاوَاةِ وَبِهَذَا قَالَ الْقَفَّالُ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَإِمَامُ الحرمين(5/141)
وَالْغَزَالِيُّ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يُتْرَكُ (وَالثَّالِثُ) لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُيَمَّمُ بَلْ يُدْفَنُ بِحَالِهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ بَاطِلٌ (الثَّانِيَةُ) لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ غُسْلُ الْكَافِرِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَمْ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ التَّطْهِيرِ وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ غُسْلُهُ وَأَقَارِبُهُ الْكُفَّارُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا تَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَفِي وُجُوبِهِمَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَفَاءً بِذِمَّتِهِ كَمَا يَجِبُ إطْعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ فِي حَيَاتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ الشيخ(5/142)
أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَصْحَابِ لَا يَجِبَانِ بَلْ يُنْدَبَانِ وَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا لَمْ يَجِبْ تَكْفِينُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجِبُ دَفْنُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الا كثرون بَلْ يَجُوزُ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَيْهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَكِنْ يَجُوزُ دَفْنُهُ لِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ مِنْ الْكُفَّارِ جَازَ لِأَقَارِبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غُسْلُهُ فَيُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ غُسْلُهُ مَعَ وُجُودِ أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادَهُ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ(5/143)
وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا مَاتَ وَتَنَازَعَ فِي غُسْلِهِ أَقَارِبُهُ الكفار واقاربه المسلمون فالكفار أحق فان لم يكن له قَرَابَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ أَوْ كَانُوا وَتَرَكُوا حَقَّهُمْ مِنْ غُسْلِهِ جَازَ لِقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ وَلِغَيْرِ قَرِيبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ (وَأَمَّا) الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ فَحَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ اتِّبَاعُ جِنَازَةِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ
وَأَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِهِ (فالصواب) جوازها وبه قطع الا كثرون وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا يَجُوزُ وَهَذَا غَلَطٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ في غسله اباه فرواه أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ جَازَ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ غُسْلُهَا وَكَذَا لِسَيِّدِهَا(5/144)
إنْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً وَلَا مُعْتَدَّةً وَلَا مُسْتَبْرَأَةً فَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ فَغَسَّلَتْهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَفِي صِحَّتِهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ صِحَّتُهُ
(وَالثَّانِي)
فِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ (الْمَنْصُوصُ) جَوَازُهُ وَصِحَّتُهُ (وَالْمَخْرَجُ) بُطْلَانُهُ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْغَاسِلِ قَالُوا نَصَّ الشَّافِعِيُّ ان غسل الكافر للمسلم صَحِيحٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إعَادَتُهُ وَنَصَّ فِي الْغَرِيقِ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِهِ وَلَا يَكْفِي انْغِسَالُهُ بِالْغَرَقِ وَمِمَّنْ نَقَلَ النَّصَّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي الْغَرَقِ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَجَعَلَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى طَرِيقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِغُسْلِ الْكَافِرِ وَانْغِسَالِ الْغَرِيقِ قَوْلَيْنِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يكفى غسل الكافر دون الغرق والفرق بانه لابد فِي الْغُسْلِ مِنْ فِعْلِ آدَمِيٍّ وَقَدْ وُجِدَ في الكافر دون الغرق هذ هُوَ الْفَرْقُ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ فَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَسَائِرُ(5/145)
الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّنْظِيفُ فَضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْغَرَقِ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَهُنَاكَ نِسَاءٌ مُسْلِمَاتٌ وَرِجَالٌ كُفَّارٌ أَمَرْنَ الْكُفَّارَ بِغُسْلِهِ وَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي صِحَّةِ غُسْلِ الْكَافِرِ (الرَّابِعَةُ) إذَا مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَلِسَيِّدِهَا غُسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ مُزَوَّجَةً وَلَا مُعْتَدَّةً وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَهَلْ لَهَا غُسْلُ سَيِّدِهَا فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَسَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ
والا كثرون وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ بِأَنَّهَا بِالْمَوْتِ صَارَتْ حُرَّةً
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في تعليقه وابو محمد الجوينى ونصر المقدس وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي غُسْلِ الْأَمَةِ الْقِنَّةِ وَالْمُدَبَّرَةِ سَيِّدَهَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ هُنَا عِنْدَ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يجوز لها(5/146)
غسله لانها صارت للوارث وبه قطع أبو محمد الحويني وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ إلَّا الْقَفَّالَ فَشَذَّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ لَهَا غُسْلَهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَاتَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمٌ لَهُ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ غَسَّلَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحْرَمٌ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى صَغِيرًا جَازَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا غُسْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ كما(5/147)
سنذ كره فِي الصَّغِيرِ الْوَاضِحِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ
(أَحَدُهُمَا)
يُيَمَّمُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ (وَأَصَحُّهُمَا) هُنَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يُغَسَّلُ فَوْقَ ثَوْبٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُغَسِّلُهُ أَوْثَقُ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ فَفِيمَنْ يُغَسِّلُهُ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا غُسْلُهُ فَوْقَ ثَوْبٍ وَيَحْتَاطُ الْغَاسِلُ فِي غَضِّ الْبَصَرِ وَالْمَسِّ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَبِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ حُكْمُ مَا كَانَ فِي الصِّغَرِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ كَالْمَرْأَةِ وَفِي حَقِّ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ مَشْهُورٌ يُشْتَرَى مِنْ تَرِكَتِهِ جَارِيَةٌ لِتُغَسِّلَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ اُشْتُرِيَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْوَجْهِ قَالُوا لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَبْعَدٌ قَالَ أَبُو زَيْدٍ هُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَوْ ثَبَتَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَمَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا غُسْلُ سَيِّدِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي شِرَائِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ(5/148)
الْبَالِغَ وَلَا بِالصَّغِيرِ مَنْ دُونَهُ بَلْ الْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا يُشْتَهَى مِثْلُهُ وَبِالْكَبِيرِ مَنْ بَلَغَهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ بَلْ كُلُّهُمْ إذَا مَاتَ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ لَمْ يَبْلُغَا حَدًّا يشتهيان جَازَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا غُسْلُهُ فَإِنْ بَلَغَتْ الصبيه حدا يشتهى فِيهِ لَمْ يُغَسِّلْهَا إلَّا النِّسَاءُ وَكَذَا الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ حَدًّا يُجَامِعُ أُلْحِقَ بِالرِّجَالِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي غُسْلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ
* نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ الْإِجْمَاعِ والاشراف والعبد رى وَآخَرُونَ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ غُسْلَ زَوْجِهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ بِمَنْعِهِ وَأَمَّا غُسْلُهُ زَوْجَتَهُ فَجَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ(5/149)
ومالك والاوزاعي واحمد واسحق وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَيْسَ لَهُ غُسْلُهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ زَالَتْ فَأَشْبَهَ الْمُطَلَّقَةَ الْبَائِنَ
* وَاحْتَجَّ(5/150)
أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَالْمُعْتَمَدُ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى غُسْلِهَا لَهُ (فَإِنْ قِيلَ) الْفَرْقُ أَنَّ عَلَائِقَ النِّكَاحِ فِيهَا بَاقِيَةٌ وَهِيَ الْعِدَّةُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ (قُلْنَا) لَا اعْتِبَارَ بِالْعِدَّةِ فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَجُوزُ لَهَا غُسْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْعَلَائِقِ هكذا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ تَعَلُّقُهُمْ بِأَنَّهَا لَا تُغَسِّلُهُ تبعا للعدة لا يتحصل منه شئ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ وَاقِعَةٌ بَعْدَ النِّكَاحِ قَطْعًا فَاعْتِبَارُهَا خَطَأٌ صَرِيحٌ (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي غُسْلِ الرَّجُلِ أُمَّهُ وَبِنْتَهُ وَغَيْرَهُمَا مِنْ مَحَارِمِهِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ وَبِهِ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهَا كَالرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فِي الْعَوْرَةِ وَالْخَلْوَةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْأَجْنَبِيِّ لَا يَحْضُرُهُ إلَّا أَجْنَبِيَّةٌ وَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَحْضُرُهَا إلَّا أَجْنَبِيٌّ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُيَمَّمُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ المسيب والنخعي وجماد
ابن أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَرَوَى فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا مُرْسَلًا مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ والزهرى وقتادة واسحق وَرِوَايَةٌ عَنْ النَّخَعِيِّ(5/151)
يُغَسَّلُ فِي ثَوْبٍ وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ خِرْقَةً وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ تُدْفَنُ كَمَا هِيَ بِلَا تَيَمُّمٍ وَلَا غُسْلٍ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَنَافِعٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي غُسْلِ الْمَرْأَةِ الصَّبِيَّ وَغُسْلِ الرَّجُلِ الصَّبِيَّةَ وَقَدْرِ سِنِّهِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ تُغَسِّلُهُ إذَا كَانَ فَطِيمًا أَوْ فَوْقَهُ بِقَلِيلٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَقَالَ الاوزاعي ابن اربع أو خمس وقال اسحق ثَلَاثٍ إلَى خَمْسٍ قَالَ وَضَبَطَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ بِالْكَلَامِ فَقَالُوا تُغَسِّلُهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَيُغَسِّلُهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ (قُلْتُ) وَمَذْهَبُنَا يُغَسَّلَانِ مَا لَمْ يَبْلُغَا حَدًّا يُشْتَهَيَانِ كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ إذَا مَاتَا غُسِّلَا غُسْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ يُغَسَّلَانِ غُسْلَيْنِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُهُ
*(5/152)
(فَرْعٌ)
فِي غُسْلِ الْكَافِرِ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ لِلْمُسْلِمِ غُسْلَهُ وَدَفْنَهُ وَاتِّبَاعَ جِنَازَتِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ غُسْلُهُ وَلَا دَفْنُهُ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ لَهُ مُوَارَاتُهُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ لَهُ غُسْلَ أَمَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ لَهَا غُسْلُ سَيِّدِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
*(5/153)
* قال المصنف رحمه الله
* {ينبغى أن يكون الغاسل أمينا لما روي عن ابن عمر أنه قال " لا يغسل موتاكم الا المأمونون " ولانه إذا لم يكن أمينا لم نأمن أن لا يستوفى الغسل وربما ستر ما يظهر من جميل أو يظهر ما يرى من
قبيح ويستحب أن يستر الميت من العيون لانه قد يكون في بدنه عيب كان يكتمه وربما اجتمع(5/154)
في موضع من بدنه دم فيراه من لا يعرف ذلك فيظنه عقوبة وسوء عاقبة ويستحب أن لا يستعين بغيره ان كان فيه كفاية فان احتاج الي معين استعان بمن لابد له منه ويستحب أن يكون بقر به مجمرة حتى إن كانت له رائحة لم تظهر والاولى أن يغسل في قميص لما روت عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " غسلوه وعليه قميص يصبون عليه الماء ويد لكونه من فوقه " ولان ذلك أستر فكان أولي والماء البارد اولى من المسخن لان البارد يقويه والمسخن يرخيه وان كان به(5/155)
وسخ لا يزيله الا المسخن أو البرد شديد ويخاف الغاسل من استعمال البارد غسله بالمسخن وهل يجب نية الغسل فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجب لان القصد منه التنظيف فلم يجب فيه النية كازالة النجاسة (والثاني) يجب لانه تطهير لا يتعلق بازالة عين فوجب فيه النية كغسل الجنابة ولا يجوز للغاسل ان ينظر الي عورته لقول النبي صلي الله عليه وسلم لعلى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حي ولا ميت " ويستحب أن لا ينظر إلى سائر بدنه الا فيما بدله منه ولا يجوز ان يمس عورته لانه إذا لم يجز(5/156)
النظر فالمس أولى والمستحب ان لا يمس سائر بدنه لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " غسل النبي صلي الله عليه وسلم وبيدية خرقة يتتبع بها تحت القميص "}
* {الشَّرْحُ} الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِيُغَسِّلْ مَوْتَاكُمْ الْمَأْمُونُونَ " إلَّا أَنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ(5/157)
صحيح الا ان فيه محمد بن اسحق صاحب المغازي قال حدثنى يحيى ابْنِ عَبَّادٍ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجَّ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَرَّحَهُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَنَّ حَدِيثَهُ حَسَنٌ إذَا قَالَ حَدَّثَنِي وَرَوَى عَنْ ثِقَةٍ فَحَدِيثُهُ هَذَا حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ " فَسَبَقَ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنَّ أَبَا دَاوُد وَغَيْرَهُ رَوَوْهُ وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُهُ الْآخَرُ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمِجْمَرَةُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَقَوْلُهُ تَطْهِيرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِزَالَةِ عَيْنٍ احْتِرَازٌ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْفَخِذُ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ - وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْخَاءِ مَعَ فَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا ويجوز كسرهما وَيَجُوزُ كَسْرُهُمَا جَمِيعًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فِي الْفَخِذِ وَمَا كَانَ عَلَى وَزْنِهِ مِمَّا(5/158)
ثَانِيهِ وَثَالِثُهُ حَرْفُ حَلْقٍ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ أَمِينًا فَإِنْ غَسَّلَ الْفَاسِقُ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَلَا يَجِبُ إعَادَتُهُ وَيُسْتَحَبُّ نَقْلُهُ إلَى مَوْضِعٍ خَالٍ وَسَتْرُهُ عَنْ الْعُيُونِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ غُسْلُهُ تَحْتَ السَّمَاءِ أَمْ تَحْتَ سَقْفٍ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا تَحْتَ سَقْفٍ وَلَيْسَ لِلْغُسْلِ تَحْتَ السَّمَاءِ مَعْنًى وَإِنْ كَانَ قد احْتَجَّ لَهُ بِمَا لَا حُجَّةَ فِيهِ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ الافضل(5/159)
تَحْتَ سَقْفٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَحْضُرَهُ إلَّا الْغَاسِلُ ومن لا بدله مِنْ مَعُونَتِهِ عِنْدَ الْغُسْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْخُلَ وَإِنْ لَمْ يُغَسِّلْ وَلَمْ يُعِنْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِجْمَرَةٌ فِيهَا بَخُورٌ تَتَوَقَّدُ مِنْ حِينِ يَشْرَعُ فِي الْغُسْلِ إلَى آخِرِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَخِّرَ عِنْدَ الْمَيِّتِ مِنْ حِينِ يموت لانه ربما ظهر منه شئ فَيَغْلِبُهُ رَائِحَةُ الْبَخُورِ وَيُسْتَحَبُّ(5/160)
أَنْ يُغَسَّلَ فِي قَمِيصٍ يَلْبَسُهُ عِنْدَ إرَادَةِ غُسْلِهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ طُرُقِهِمْ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ كَجٍّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُجَرَّدَ وَيُغَسَّلَ بِلَا قَمِيصٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلْيَكُنْ الْقَمِيصُ رَقِيقًا سَخِيفًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُدْخِلُ الْغَاسِلُ يَدَهُ فِي كُمَّيْهِ وَيَصُبُّ الْمَاءَ مِنْ فَوْقِ الْقَمِيصِ وَيَغْسِلُ مِنْ تَحْتِهِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَكْمَامُ الْقَمِيصِ وَاسِعَةً فَتَقَ فَوْقَ الدَّخَارِيصِ مَوْضِعًا وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَغَسَلَهُ قالوا فان(5/161)
لَمْ يَكُنْ الْقَمِيصُ وَاسِعًا يُمْكِنُ تَقْلِيبُهُ فِيهِ نُزِعَ عَنْهُ وَطُرِحَ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ يُغَطِّي مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَمِيصٌ طُرِحَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طُرِحَ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ تَغْطِيَةِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ (فَإِنْ قِيلَ) مُعْتَمَدُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِي اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ فِي قَمِيصٍ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلِيلُهُ أَنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فِي هَذَا قَالُوا نُجَرِّدُهُ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ تَجْرِيدُ مَوْتَاهُمْ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ مَا ثَبَتَ كَوْنُهُ سنة فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو(5/162)
سُنَّةٌ أَيْضًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّخْصِيصُ وَاَلَّذِي فُعِلَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْأَكْمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَغُسْلُهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُسَخَّنِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْمُسَخَّنِ لِخَوْفِ الْغَاسِلِ مِنْ الْبَرْدِ أَوْ الْوَسَخِ عَلَى الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيُغَسَّلَ بِالْمُسَخَّنِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُبَالِغُ فِيهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُحْضِرُ الْغَاسِلُ أَوْ غَيْرُهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْغُسْلِ ثَلَاثَةَ آنِيَةٍ فَيَجْعَلُ الْمَاءَ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ وَيُبْعِدُهُ عَنْ الْمُغْتَسَلِ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ رَشَاشُ(5/163)
الماء عند الغسل ويكون معه انا آن آخَرَانِ صَغِيرٌ وَمُتَوَسِّطٌ يَغْرِفُ بِالصَّغِيرِ مِنْ الْكَبِيرِ وَيَصُبُّهُ فِي الْمُتَوَسِّطِ ثُمَّ يَغْسِلُهُ بِالْمُتَوَسِّطِ وَفِي وُجُوبِ نِيَّةِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَالْمُرَادُ بِهِمَا أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ غُسْلِهِ أَنْ يَنْوِيَ الْغَاسِلُ غُسْلَهُ وَاخْتُلِفَ فِي أَصَحِّهِمَا فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ وَلَا تَجِبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي آخِرِ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ هُنَا وَالرُّويَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الِاشْتِرَاطَ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي ذَكَرُوهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُصَنِّفُ(5/164)
فِي التَّنْبِيهِ وَالصَّحِيحُ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ صِفَةُ النِّيَّةِ أَنْ ينوى تقلبه عِنْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ الْقَرَاحِ أَنَّهُ غُسْلٌ وَاجِبٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ يَنْوِي الْغُسْلَ
الْوَاجِبَ أَوْ الْفَرْضَ أَوْ غُسْلَ الْمَيِّتِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ للغاسل أو لغيره مس شئ من ستر عَوْرَةِ الْمَغْسُولِ وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا بَلْ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَغْسِلُ فَرْجَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ الا الي مالا بدله مِنْهُ فِي تَمَكُّنِهِ مِنْ غُسْلِهِ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمَسَّهُ بِيَدِهِ فَإِنْ نَظَرَ إلَيْهِ أَوْ مَسَّهُ بِلَا شَهْوَةٍ(5/165)
لَمْ يَحْرُمْ بَلْ هُوَ تَارِكٌ لِلْأَوْلَى وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَأَمَّا غَيْرُ الْغَاسِلِ مِنْ الْمُعِينِ وَغَيْرِهِ فَيُكْرَهُ لَهُمْ النَّظَرُ إلَى مَا سِوَى الْعَوْرَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْكَشِفَ مِنْ الْعَوْرَةِ فِي حَالِ نَظَرِهِ أَوْ يَرَى فِي بَدَنِهِ شَيْئًا كَانَ يَكْرَهُهُ أَوْ يَرَى سَوَادًا أَوْ دَمًا مُجْتَمِعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَظُنَّهُ عُقُوبَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى بَدَنِ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى هَذَا تَلْخِيصُ أَحْكَامِ الْفَصْلِ وَدَلَائِلُهُ تُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا أَشَرْتُ إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*(5/166)
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي تَغْطِيَةِ وَجْهِ الْمَيِّتِ يَعْنِي حَالَ غُسْلِهِ فَاسْتَحَبَّ ابْنُ سِيرِينَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ تَغْطِيَتَهُ بِخِرْقَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ يُغَطِّي فَرْجَهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا وَجْهَهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْغُسْلِ فِي قَمِيصٍ
* مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ وَبِهِ قال احمد وقال أبو حنيفة(5/167)
ومالك المتسحب غسله مجردا وقال دوادهما سَوَاءٌ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ غُسْلِهِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ إلَّا لِحَاجَةٍ إلَى الْمُسَخَّنِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُسَخَّنُ أَفْضَلُ وَلَيْسَ عَنْ مَالِكٍ تفضيل.
دليلنا ما ذكره المصنف * قال المصنف رحمه الله
* {والمستحب أن يجلسه اجلاسا رفيقا ويمسح بطنه مسحا بليغا لما روى القاسم بن محمد قال " توفى عبد الله بن عبد الرحمن فغسله ابن عمر فنفضه نفضا شديدا وعصره عصرا شديدا ثم غسله "(5/168)
ولانه ربما كان في جوفه شئ فإذا لم يعصره قبل الغسل خرج بعده وربما خرج بعد ما كفن فيفسد الكفن وكلما أمر اليد علي البطن صب عليه ماء كثيرا حتي ان خرج شئ لم تظهر رائحته ثم يبدأ فيغسل أسافله كما يفعل الحى إذا اراد الغسل ثم يوضأ كما يتوضأ الحى لما روت ام عطية قالت " لما غسلنا ابنة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لنا ابدؤا يميامنها ومواضع الوضوء) ولان الحي يتوضأ إذا أراد الغسل ويدخل أصبعه في فيه ويسوك بها أسنانه ولا يفغر فاه وَيَتَتَبَّعُ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قد قلم أظفاره ويكون ذلك بعودلين لا يجرحه ثم يغسله ويكون كَالْمُنْحَدِرِ قَلِيلًا حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْمَاءُ تَحْتَهُ فيستنقع فيه ويفسد بدنه ويغسله ثلاثا كما يفعل الحي في وضوئه وغسله فيبدأ برأسه ولحيته كما يفعل الحي فان كانت اللحية متلبدة سرحها حتى يصل الماء الي الجميع ويكون بمشط منفرج الانسان ويمشطه برفق حتى لا ينتف شعره ثم يغسل شقه الايمن حتى ينتهى الي رجله ثم شقه الايسر حتى حتى ينتهي الي رجله ثم يحرفه علي جنبه الايسر فيغسل جانب ظهره كذلك لحديث أم عطية والمستحب أن تكون الغسلة الاولي بالماء والسدر لما روى ابن عباس ان رسول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ من بعيره " اغسلوه بماء وسدر " ولان السدر ينظف الجسم ثم يغسل بالماء القراح وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ شَيْئًا مِنْ الْكَافُورِ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا كَانَ فِي آخِرِ غَسْلَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ أَوْ غيرها فاجعلي فيه شيئا من الكافور " ولان الكافور يقويه وهل يحتسب الغسل بالسدر من الثلاث أم لا فيه وجهان قال أبو إسحق يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ غُسْلٌ بِمَا لَمْ يُخَالِطْهُ شئ وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ السِّدْرُ فَعَلَى هَذَا يُغَسَّلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أُخَرَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالْوَاجِبُ منها مرة واحدة كما قلنا في الوضوء ويستحب ان يتعاهد امرار اليد علي البطن في كل مرة فان غسل الثلاث ولم ينتظف زاد حتى يتنظف والسنة أن يجعله وترا خمسا أو سبعا لما روت أم عطية إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اغسلنها وترا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ان رأيتن " والفرض مما ذكرناه النية وغسل مرة واحدة وإذا فرغ من غسله أعيد تليين أعضائه وينشف بثوب لانه إذا كفن وهو رطب ابتل الكفن وفسد وان غسل ثم خرج منه شئ ففيه ثلاثه أوجه (أحدها) يكفيه غسل الموضع كما لو غسل ثم أصابته نجاسة من غيره (والثاني) يجب منه الوضوء
لانه حدث فأوجب الوضوء كحدث الحى (والثالث) يجب الغسل منه لانه خاتمة أمره فكان بطهارة كاملة وان تعذر غسله لعدم الماء أو غيره يمم لانه تطهير لا يتعلق بازالة عين فانتقل فيه عند العجز إلى التيمم كالوضوء وغسل الجنابة}
*(5/169)
{الشَّرْحُ} فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي أَحَادِيثِ الْفَصْلِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ عطية الصحابية رضي الله عنها واسمها نَسِيبَةُ - بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا - قَالَتْ " (دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إلَيْنَا حَقْوَهُ وَقَالَ أَشْعِرْنَهَا اياه " وفى رواية لهما " أبد أن بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا " وَفِي رِوَايَةٍ " فَضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ قَرْنَيْهَا وَنَاصِيَتَهَا " وَفِي رِوَايَةٍ للبخاري " فألقيناها خلفا " وفى رواية له " اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَنَّ اسْمَ هَذِهِ الْبِنْتِ زَيْنَبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إذْ وَقَعَ مِنْ راحلته فأقعصته أو قال فأقصعته أو قال فأقعصته فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تَخِيطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا " وَفِي رِوَايَةٍ " وَلَا تَمَسُّوهُ طِيبًا فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبَّدًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ غَسْلَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ أَوْ غَيْرِهَا فَاجْعَلِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ " فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ أُمُّ سُلَيْمٍ وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ عَطِيَّةَ كَمَا سَبَقَ لَا أُمِّ سُلَيْمٍ وَقَدْ كَرَّرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّوَابِ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ بَحَثْتُ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فَلَعَلَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ غَرِيبَةٍ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ أَيْضًا وَلَيْسَ هَذَا بَعِيدًا فَإِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أَشَدُّ قُرْبًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَمَعْلُومٌ أَنْ أُمَّ عَطِيَّةَ لَمْ تَنْفَرِدْ بِالْغُسْلِ وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَاجْعَلْنَ إنْ رَأَيْتُنَّ اغْسِلْنَهَا " وَابْدَأْنَ وَقَوْلُهَا فَضَفَّرْنَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ ضَمَائِرِ الْجَمْعِ الْمَوْجُودَةِ فِي
الصَّحِيحَيْنِ فَلَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ مِنْ الْغَاسِلَاتِ فَخَاطَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَارَةً وَخَاطَبَ أُمَّ عَطِيَّةَ تَارَةً (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي أَلْفَاظِ الفصل (قوله) لما روى القاسم ابن محمد قال تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أَمَّا) الْقَاسِمُ فَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ أَحَدُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ أَجْمَعُوا عَلَى جَلَالَتِهِ (وَأَمَّا) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرحمن فهوابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهُوَ ابْنُ عَمِّ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَرِثَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا عَمَّتَهُ عَائِشَةَ رضى الله عنها (قوله) قال لنا ابدؤا بميا منها كذا هو في نسخ المهذب ابدؤا بِمَيَامِنِهَا وَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ فِي رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَبَاقِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ(5/170)
ابْدَأْنَ خِطَابًا لِلنِّسْوَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْأَوَّلُ مُؤَوَّلٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ) وَيَسُوكُ بِهَا أَسْنَانَهُ - هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ السِّينِ - قَوْلُهُ وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فَمِهِ وَيَسُوكُ بِهَا أَسْنَانَهُ مَعْنَى إدْخَالِهَا فَمَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا بَيْنَ شَفَتَيْهِ عَلَى أَسْنَانِهِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ) وَلَا يَفْغَرُ فَاهُ هُوَ - بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ فَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ - أَيْ لَا يَفْتَحُهُ وَلَا يَرْفَعُ أَسْنَانَهُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ بَلْ يُمَضْمِضُهُ فَوْقَهَا الْمُشْطُ مَعْرُوفٌ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ - وَبِضَمِّهِمَا وَبِكَسْرِ الْمِيمِ - وَإِسْكَانِ الشِّينِ - وَيُقَالُ لَهُ مِمْشَطٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ الاولي - ومشقاء مقصور مهموز وغير مهموز وممدود ايضا ومكدو قبلم وَمُرْجِلٌ حَكَاهُنَّ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْفَصِيحِ (قَوْلُهُ) خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ أَيْ سَقَطَ (قَوْلُهُ) فَاجْعَلِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ هكذا هو في المذهب فَاجْعَلِي خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَحْدَهَا وَالْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَاجْعَلْنَ بِالنُّونِ خِطَابًا لِلنِّسْوَةِ وَالْمَاءُ الْقَرَاحُ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ - وَهُوَ الْخَالِصُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ سِدْرٌ وَلَا غَيْرُهُ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِزَالَةِ عَيْنٍ احْتِرَازٌ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي صِفَةِ الْغُسْلِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِدَّ قَبْلَ الْغُسْلِ خِرْقَتَيْنِ نَظِيفَتَيْنِ وَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ إذَا وَضَعَهُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ أَنْ يُجْلِسَهُ إجْلَاسًا رَفِيقًا بِحَيْثُ يَكُونُ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ لَا مُعْتَدِلًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْأَصْحَابُ إنْ احْتَاجَ إلَى دُهْنٍ لِيُلَيِّنَ دَهَنَهُ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي غُسْلِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ
لِئَلَّا يُمِيلَ رَأْسَهُ وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيُمِرُّ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا لِيُخْرِجَ الْفَضَلَاتِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِجْمَرَةٌ كَمَا سَبَقَ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ الْمُعِينُ مَاءً كَثِيرًا لِئَلَّا يُظْهِرَ رَائِحَةَ مَا يَخْرُجُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى هَيْئَةِ الِاسْتِلْقَاءِ وَيُلْقِيه عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَكُونُ الْمَوْضِعُ مُنْحَدِرًا بِحَيْثُ يَكُونُ رَأْسُهُ أَعْلَى لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ عَنْهُ وَلَا يَقِفُ تَحْتَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَهِيَ مَلْفُوفَةٌ بِإِحْدَى الْخِرْقَتَيْنِ دُبُرَهُ وَمَذَاكِيرَهُ وَمَا حَوْلَهَا وَيُنَجِّيهِ كَمَا يَسْتَنْجِي الْحَيُّ ثُمَّ يُلْقِي تِلْكَ الْخِرْقَةَ وَيَغْسِلُ يَدَهُ بِمَاءٍ وَأُشْنَانٍ هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّهُ يَغْسِلُ الْفَرْجَيْنِ بِخِرْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ أَنَّهُ يَغْسِلُ كُلَّ فَرْجٍ بِخِرْقَةٍ أُخْرَى فَتَكُونُ الْخِرَقُ ثَلَاثًا وَالْمَشْهُورُ خِرْقَتَانِ خِرْقَةٌ لِلْفَرْجَيْنِ وَخِرْقَةٌ لِبَاقِي الْبَدَنِ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْقَدِيمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَنَائِزِ الصَّغِيرِ يَغْسِلُ بِإِحْدَاهُمَا أَعْلَى بَدَنِهِ وَوَجْهَهُ وَصَدْرَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ بِهَا مَذَاكِيرَهُ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْأُخْرَى فَيَصْنَعُ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَالَهُ أَبُو اسحق فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَغْسِلُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ بَدَنِهِ
(وَالثَّانِي)
يَغْسِلُ(5/171)
بِإِحْدَاهُمَا فَرْجَيْهِ وَبِالْأُخْرَى كُلَّ بَدَنِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَغْسِلُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ بَدَنِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ الْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَمُعْظَمِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ يَتَعَهَّدُ مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ قَذَرٍ وَغَيْرِهِ فَإِذَا فَرَغَ مِمَّا ذكرناه لف الخرقة خرقة الْأُخْرَى عَلَى يَدِهِ وَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي فِيهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ بِمَاءٍ وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ مَعَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ بَلْ يُمِرُّهَا فَوْقَ الْأَسْنَانِ وَيُنْشِقُهُ بِأَنْ يُدْخِلَ الْمَاءَ فِي أَنْفِهِ وَلَا يُبَالِغَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا يُمَضْمَضُ الْمَيِّتُ وَلَا يُنْشَقُ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَالِاسْتِنْشَاقَ جَذْبُهُ بِالنَّفَسِ وَلَا يَتَأَتَّى وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ الْمَيِّتِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ومواضع الْوُضُوءِ مِنْهَا " وَهَذَا مِنْهَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى وُضُوءِ الْحَيِّ (وَأَمَّا) دَلِيلُهُمْ فَمَمْنُوعٌ بَلْ الْمَضْمَضَةُ جَعْلُ الْمَاءِ فِي فِيهِ فَقَطْ وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِهَذَا لَوْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ بَلَعَ الْمَاءَ جَازَ وَحَصَلَتْ الْمَضْمَضَةُ وَإِنَّمَا الْإِدَارَةُ من كمال المضمضة لاشرط لِصِحَّتِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حَقِيقَةِ الْمَضْمَضَةِ فِي صفة الوضوء قال أصحابنا ويدخل اصبعه بشئ مِنْ الْمَاءِ فِي مَنْخَرَيْهِ لِيُخْرِجَ مَا فِيهِمَا مِنْ أَذًى ثُمَّ يُوَضِّئُهُ كَوُضُوءِ الْحَيِّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ
وَلَا يَكْفِي مَا سَبَقَ مِنْ إدْخَالِ الْأُصْبُعَيْنِ عَنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بَلْ ذَاكَ كَالسِّوَاكِ قَالَ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَفِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ وَيُمِيلُ رَأْسَهُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لِئَلَّا يَصِلَ الْمَاءُ بَاطِنَهُ قَالَ وَهَلْ يَكْفِي وُصُولُ الْمَاءِ إلَى مَقَادِيمِ الثَّغْرِ وَالْمَنْخِرَيْنِ أَمْ يُوصِلُهُ الدَّاخِلَ حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِخَوْفِ الْفَسَادِ وَجَزَمَ بِأَنَّ أَسْنَانَهُ لَوْ كَانَتْ مُتَرَاصَّةً لَا تُفْتَحُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيَتَّبِعُ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ ان لم يكن قلمها ويكون ذلك بعودلين لِئَلَّا يَجْرَحَهُ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَتَّبِعُ بِهَذَا الْعُودِ مَا تَحْتَ أَظَافِرِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَظَاهِرِ اذنيه وصماخيهما فإذا فرغ من وضوءه جَعَلَهُ كَالْمُنْحَدِرِ قَلِيلًا حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْمَاءُ تَحْتَهُ وَيُغَسِّلُ ثَلَاثًا كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ فِي طَهَارَتِهِ فَيَبْدَأُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ ثُمَّ لِحْيَتِهِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الرَّأْسِ فِي هَذَا عَلَى اللِّحْيَةِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ عَكْسُهُ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ اللِّحْيَةَ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَ الرَّأْسَ نَزَلَ مِنْهُ الْمَاءُ وَالسِّدْرِ إلَى لِحْيَتِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى غَسْلِهَا ثَانِيًا فَعَكْسُهُ أَرْفَقُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَبْدَأُ بِرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ فَصَحِيحٌ وَمُرَادُهُ تَقْدِيمُ الرَّأْسِ وَلَوْ قَالَ رَأْسُهُ ثُمَّ لِحْيَتُهُ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَبْيَنَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَرِّحُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ ان كانا متلبدين بمشط واسع الاسنان أو قال المصنف وجماعة منفرج الاسنان وهما بِمَعْنَاهُ قَالُوا وَيَرْفُقُ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يُنْتَتَفَ شَعْرُهُ فَإِنْ اُنْتُتِفَ رَدَّهُ إلَيْهِ وَدَفَنَهُ مَعَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ غسل شقه الايمن المقبل من عنفه وصدره وفخذه(5/172)
وَسَاقِهِ وَقَدَمِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ مِنْ الْكَفَّيْنِ إلَى الْقَدَمِ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يَغْسِلُ جَانِبَهُ الايمن مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ فَيَغْسِلُ جَانِبَ ظَهْرِهِ الْأَيْمَنَ ثُمَّ يُلْقِيهِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَغْسِلُ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ فَيَغْسِلُ جَانِبَ ظَهْرِهِ الْأَيْسَرَ قَالَ الْأَصْحَابُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ سَائِغٌ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ يُضْجَعُ أَوَّلًا عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَيُصَبُّ الْمَاءُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمِهِ ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَيَصُبُّهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ
وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الْجُمْهُورُ وَلَا يُعَادُ غَسْلُ الرَّأْسِ بَلْ يَبْدَأُ بِصَفْحَةِ الْعُنُقِ فَمَا تَحْتَهَا وَقَدْ حَصَلَ الرَّأْسُ أَوَّلًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكَبُّ عَلَى وَجْهِهِ قَالُوا وَكُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذِهِ الْغَسْلَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَنَحْوِهِمَا ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْقَرَاحَ مِنْ قَرْنِهِ إلَى قَدَمِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَسَّلَ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ النَّظَافَةُ زَادَ حَتَّى تَحْصُلَ فَإِنْ حَصَلَتْ وتر فَلَا زِيَادَةَ وَإِنْ حَصَلَتْ بِشَفْعٍ اُسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ السَّابِقُ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ وَمَعْنَاهُ إنْ احْتَجْتُنَّ وَهَلْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالْغَسْلَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَنَحْوِهِمَا فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ هَذَا مُخْتَصَرُ الْقَوْلِ فِي الْغَسْلَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ بِالسِّدْرِ وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيهَا وَقَدْ أَوْضَحَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَسَخٌ غَسَلَهُ بِالْأُشْنَانِ وَالسِّدْرِ فَيَطْرَحُ عَلَيْهِ الْأُشْنَانَ وَالسِّدْرَ فَيُدَلِّكُهُ بِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ السِّدْرَ عَنْهُ ثُمَّ يَغْسِلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ فَيَكُونُ هَذَا غُسْلًا وَاحِدًا وَمَا تَقَدَّمَهُ تَنْظِيفٌ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا صُبَّ عَلَى السِّدْرِ وَالْأُشْنَانِ كَانَا غَالِبَيْنِ لِلْمَاءِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ غَسْلَةً حَتَّى يَغْسِلَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ أبو اسحق إذَا غُسِلَ عَنْهُ السِّدْرُ وَالْأُشْنَانُ فَهَذَا غُسْلٌ وَاحِدٌ قَالَ أَبُو حَامِدٍ هَذَا غَلَطٌ وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَهَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وابن الضباغ وَآخَرُونَ لَا يُعْتَدُّ بِالْغُسْلِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ مِنْ الثَّلَاثِ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا غُسِّلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَزَالَ بِهِ أَثَرُ السِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهَذِهِ الْغَسْلَةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ تُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا بِمَاءٍ قَرَاحٍ فَأَشْبَهَتْ مَا بَعْدَهَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُصَنِّفِينَ لَا يُحْسَبُ مِنْهَا لِأَنَّ الْمَاءَ خَالَطَ السِّدْرَ فَهُوَ كَمَا قَبْلَهَا وَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ(5/173)
بِأَنَّ هَذِهِ الْغَسْلَةَ تُحْسَبُ بِلَا خِلَافٍ وَأَنَّ خلاف ابى اسحق إنَّمَا هُوَ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ مَعَ السِّدْرِ أَوْ الْخِطْمِيِّ لَا يُحْتَسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ قَالَا وَكَذَا الَّذِي يُزَالُ بِهِ السِّدْرُ وَإِنَّمَا الْمَحْسُوبُ مَا يُصَبُّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ الْقَرَاحِ فَيَغْسِلُهُ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ ثَلَاثًا
قَالَ الْبَغَوِيّ وَإِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِالسِّدْرِ حُسِبَ مِنْ الثَّلَاثِ قَالَ وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَسَّلَهُ بَعْدَ زَوَالِهَا ثَلَاثًا وَاخْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ هَلْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالْغَسْلَةِ الَّتِي فِيهَا سِدْرٌ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وهو قول ابى اسحق يَسْقُطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ التَّنْظِيفُ فَالِاسْتِعَانَةُ بِمَا يَزِيدُ فِي النَّظَافَةِ لَا يَقْدَحُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ بِهِ فَاحِشٌ فَسَلَبَ الطَّهُورِيَّةَ فَعَلَى هَذَا فِي الِاحْتِسَابِ بِالْغَسْلَةِ التى بعد هذه وجهان (اصحهما) عند الروايانى تحسب لانه غسله بما لم يخالطه شئ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لَا تُحْسَبُ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا أَصَابَ الْمَحَلَّ اخْتَلَطَ بِالسِّدْرِ وَتَغَيَّرَ بِهِ فَعَلَى هَذَا الْمَحْسُوبِ مَا يُصَبُّ مِنْ الْمَاءِ الْقَرَاحِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّ غَسْلَةَ السِّدْرِ وَالْغَسْلَةَ الَّتِي بَعْدَهَا لَا يُحْسَبَانِ مِنْ الثَّلَاثِ (وَالثَّانِي) يُحْسَبَانِ (وَالثَّالِثُ) تُحْسَبُ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى هَذَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ ففيها نوع أشكال لانه قال وهل يحسبب الْغُسْلُ بِالسِّدْرِ مِنْ الثَّلَاثِ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أبو اسحق يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ غُسْلٌ بِمَا لَمْ يُخَالِطْهُ شئ وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ السِّدْرُ فَعَلَى هَذَا يُغَسَّلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أُخَرَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالْوَاجِبُ مِنْهَا مَرَّةٌ هَذَا لَفْظُ الْمُصَنِّفِ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ قَالَ لِأَنَّهُ غُسْلٌ بِمَا لَمْ يُخَالِطْهُ شئ وَهَذَا نَوْعُ تَنَاقُضٍ لِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْغَسْلَةَ الَّتِي بَعْدَ السِّدْرِ هَلْ تُحْسَبُ فِيهِ الْوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تُحْسَبُ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمَصْبُوبَ قَرَاحٌ وَلَا أَثَرَ لِمَا يُصِيبُهُ حَالَ تَرَدُّدِهِ عَلَى الْبَدَنِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُحْسَبُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكْثُرُ السِّدْرُ بِحَيْثُ يُغَيِّرُهُ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ هَذَا الْمُغَيِّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا قُلْنَا لَا تُحْسَبُ غَسْلَةٌ بَعْدَهَا ثَلَاثًا وَالْوَاجِبُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ كَمَا قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَا خِلَافَ هُنَا فِي اسْتِحْبَابِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ وَفِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تُسْتَحَبُّ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي وَوَافَقَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ خَاتِمَةُ أَمْرِ الْمَيِّتِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الْغَسَلَاتِ كَافُورًا فِي الْمَاءِ الْقَرَاحِ وَهُوَ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ آكَدُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ يُقَوِّي الْبَدَنَ وَلْيَكُنْ قَلِيلًا لَا يَتَفَاحَشُ التَّغَيُّرُ بِهِ فَإِنْ كَانَ صُلْبًا وَتَفَاحَشَ
التَّغَيُّرُ بِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ سَبَقَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُؤَثِّرُ فِي طَهُورِيَّتِهِ فِي غَيْرِ الميت (وأما)(5/174)
فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَصْحَابُ وَثَبَتَ فِيهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ (فَإِنْ قِيلَ) هَلَّا قُلْتُمْ إنَّ الْكَافُورَ إذَا غَيَّرَ الْمَاءَ سَلَبَ طَهُورِيَّتَهُ (قُلْنَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ تَغْيِيرُ الْكَافُورِ تَغْيِيرُ مُجَاوَرَةٍ لَا مُخَالَطَةٍ وَلَمْ يَزِدْ الْقَاضِي فِي الْجَوَابِ عَلَى هَذَا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ علي الصحيح وأحسن من ذكر السوال كَلَامًا فِيهِ السَّرَخْسِيُّ فَقَالَ فِي الْأَمَالِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَوَابِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُحْسَبُ إذَا تَغَيَّرَ بِالْكَافُورِ وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ وَكَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى كَافُورٍ يَسِيرٍ لَا يَفْحُشُ تَغَيُّرُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ الْكَافُورَ فِي الْبَدَنِ ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ الْقَرَاحَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي كَافُورٍ يُطْرَحُ فِي الْمَاءِ وَيُغَيِّرُهُ تَغْيِيرًا كَثِيرًا وَلَكِنْ لَا يُحْسَبُ ذَلِكَ عَلَى الْغَسْلَةِ الْوَاجِبَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَيُحْسَبُ ذَلِكَ عَنْ الْفَرْضِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ خَاصَّةً لِأَنَّ مَقْصُودَهُ التَّنْظِيفُ هَذَا كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ اسْتِحْبَابِ الْكَافُورِ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قال في المختضر وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ مَاءٍ قَرَاحٍ كَافُورًا وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إلَّا فِي الْآخِرَةِ أَجْزَأَ ذَلِكَ هَذَا لَفْظُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ عِدَّةِ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ الْإِنْقَاءُ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ وَأَقَلُّ مَا أُحِبُّ أَنْ يُغَسَّلَ ثلاثا فان لم ينق فخمس فان لم ينق فسبع قال ولا يغسله بشئ مِنْ الْمَاءِ إلَّا أَلْقَى فِيهِ كَافُورًا لِلسُّنَّةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَرِهْتُهُ وَرَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ قَالَ وَلَسْت أَعْرِفُ أَنْ يُلْقَى فِي الْمَاءِ وَرَقُ سِدْرٍ وَلَا طِيبٌ غَيْرُ كَافُورٍ وَلَا غَيْرُهُ وَلَكِنْ يُتْرَكُ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِهِ وَيُلْقَى فِيهِ الْكَافُورُ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ جَمِيعُ الْبَابِ الْمَذْكُورِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ شَيْئًا مِنْ الْكَافُورِ وَتَخْصِيصُهُ بِالْأَخِيرَةِ فَغَرِيبٌ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ قَالَ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ ثَلَاثًا وَأَنْ يَكُونَ في الاولى شئ من سدر وفى الثانية شئ مِنْ كَافُورٍ وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَلَطٌ مُنَابِذٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَالْوَاجِبُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ غسل مرة واحدة وكذا النية إن أو جبناها وَلَا يُحْسَبُ الْغُسْلُ حَتَّى يَطْهُرَ مِنْ نَجَاسَةٍ إنْ كَانَتْ هُنَاكَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَاهَدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إمْرَارَ يَدِهِ عَلَى بَطْنِهِ وَمَسْحَهُ بِأَرْفَقَ مِمَّا قَبْلَهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُمِرُّ يَدَهُ عَلَى الْبَطْنِ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْغُسْلِ وَتَأَوَّلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعَاهُدُهُ هَلْ خرج منه شئ أَمْ لَا وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ
*(5/175)
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إذَا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ تَلْيِينَ مَفَاصِلِهِ وَأَعْضَائِهِ لِيَسْهُلَ تَكْفِينُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ اسْتِحْبَابَ إعَادَةِ التَّلْيِينِ فِي أَوَّلِ وَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ فَقَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَأَنْكَرَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا التَّلْيِينُ ليس بمستحب ولا يعرف للشافعي شئ مِنْ كُتُبِهِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ تَلْيِينَ الْمَفَاصِلِ عَقِبَ الْمَوْتِ لِبَقَاءِ الْحَرَارَةِ فِيهَا فَأَمَّا عِنْدَ الْغُسْلِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا النَّقْلُ غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فلم يذكر الشافعي تليين الاعضاء في شئ مِنْ كُتُبِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ فَرَاغِ غُسْلِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا التَّلْيِينُ هُنَا لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعَيَّ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى لَيِّنَةً إلَى هَذَا الْوَقْتِ غَالِبًا وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هذا التليين لا يوجد للشافعي في شئ من كتبه الافيما حَكَاهُ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ دُونَ جَامِعِهِ وَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ لِتَتَمَاسَكَ أَعْضَاؤُهُ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَعَادَ تَلْيِينَ مَفَاصِلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ لَا عِنْدَ غُسْلِهِ فَلَوْ أَعَادَ تَلْيِينَهَا عِنْدَ غُسْلِهِ جَازَ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِاسْتِحْبَابِ إعَادَةِ تَلْيِينِهَا عِنْدَ الْغُسْلِ عَمَلًا بِظَاهِرِ نَقْلِ الْمُزَنِيِّ (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُنَشَّفَ بِثَوْبٍ تَنْشِيفًا بَلِيغًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ حَيْثُ قُلْنَا الْمَذْهَبُ
اسْتِحْبَابُ ترك التنشيف ان هُنَا ضَرُورَةٌ أَوْ حَاجَةٌ إلَى التَّنْشِيفِ وَهُوَ أَنْ لَا يُفْسِدَ الْكَفَنَ
* (فَرْعٌ)
إذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْ الْمَيِّتِ بَعْدَ غُسْلِهِ وَقَبْلَ تَكْفِينِهِ نَجَاسَةٌ وَجَبَ غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي إعَادَةِ طَهَارَتِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ (أَصَحُّهَا) لَا يجب شئ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ التَّكْلِيفِ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ وَقِيَاسًا علي مالو أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ (وَالثَّانِي) يَجِبُ أَنْ يُوَضَّأَ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ حَيٍّ (وَالثَّالِثُ) يَجِبُ إعَادَةُ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الطُّهْرَ وَطُهْرُ الْمَيِّتِ غَسْلُ جميعه هذه الْعِلَّةُ الْمَشْهُورَةُ وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ بِأَنَّهُ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ الْخِلَافِ وفى التنبيه وسليم الرازي في كتابه رؤس الْمَسَائِلِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْعَبْدَرِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وُجُوبَ إعَادَةِ الْغُسْلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَطَعَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ في الكفاية والشيخ أبو نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَضَعَّفَ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا الْوَجْهَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ تَضْعِيفَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حامد وايجاب الوضوء هو قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَا يَجِبُ غَيْرُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ في مختصر المزني ان خرج منه شئ أَنْقَاهُ وَأَعَادَ غُسْلَهُ فَقَالَ الْمُزَنِيّ وَالْأَكْثَرُونَ(5/176)
إعَادَةُ الْغُسْلِ مُسْتَحَبَّةٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ واجبة وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ يَجِبُ الْوُضُوءُ أَمَّا إذَا خَرَجَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ إدْرَاجِهِ فِي الْكَفَنِ فَلَا يَجِبُ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَاحْتَجَّ لَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ أُمِرَ بِإِعَادَةِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ لَمْ يَأْمَنْ مِثْلَهُ فِي المستقبل فيؤدى الي مالا نِهَايَةَ لَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّكْفِينِ وَبَعْدَهُ بَلْ أَرْسَلُوا الْخِلَافَ وَلَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَمُوَافِقُوهُ أَمَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْغُسْلِ نَجَاسَةٌ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجَيْنِ فَيَجِبُ غَسْلُهَا وَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أَوْجَبْنَا إعَادَةَ الْغُسْلِ لِنَجَاسَةِ السَّبِيلَيْنِ فَفِي غَيْرِهَا احْتِمَالٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ النَّجَاسَةِ وَنَجَاسَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ تَقَعُ عَلَيْهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا
عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهَا وَلَوْ لَمَسَ أَجْنَبِيٌّ مَيِّتَةً بَعْدَ غُسْلِهَا أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ مَيِّتًا بَعْدَ غُسْلِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ السَّبِيلِ لَا يُوجِبُ غَيْرَ غسل النجاسة لم يجب هنا شئ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتَةِ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا نَجَاسَةَ وَإِنْ أَوْجَبْنَا هُنَاكَ الْوُضُوءَ أَوْ الغسل أو حبنا هُنَا إنْ قُلْنَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وُجُوبَهُمَا وَمُرَادُهُ إذَا قُلْنَا يُنْتَقَضُ طُهْرُ الْمَلْمُوسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَمُوَافِقُهُمَا وَلَوْ وُطِئَتْ الْمَيِّتَةُ أَوْ الْمَيِّتُ بَعْدَ الْغُسْلِ فَإِنْ قُلْنَا بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ وَجَبَ هُنَا الْغُسْلُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الوطئ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ إلَّا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ لم يجب هنا شئ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبَاهُ وَمُتَابِعُوهُمْ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى نجاسة باطن الفرج والله اعلم اما ادا خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ بَعْدَ غُسْلِهِ فَإِنْ قُلْنَا في خروج(5/177)
النجاسة يجب غسلها لم يجب هنا شئ لِأَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَجَبَ إعَادَةُ غُسْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَعَذَّرَ غُسْلُ الْمَيِّتِ لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ احْتَرَقَ بِحَيْثُ لَوْ غُسِّلَ لَتَهَرَّى لَمْ يُغَسَّلْ بَلْ يُيَمَّمُ وَهَذَا التَّيَمُّمُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ فَوَجَبَ الِانْتِقَالُ فِيهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الماء الي التيمم كغسل الجناية وَلَوْ كَانَ مَلْدُوغًا بِحَيْثُ لَوْ غُسِّلَ لَتَهَرَّى أَوْ خِيفَ عَلَى الْغَاسِلِ يُمِّمَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَذَكَرَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ وَخِيفَ مِنْ غُسْلِهِ إسْرَاعُ الْبِلَى إلَيْهِ بَعْدَ الدَّفْنِ وَجَبَ غُسْلُهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ صَائِرُونَ إلَى الْبِلَى هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيمَنْ يُخَافُ مِنْ غُسْلِهِ تَهَرِّي لَحْمِهِ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى غُسْلِهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وعند أحمد واسحق ييمم قال وبه أقول
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وفي تقليم أظفاره وحف شاربه وحلق عانته قولان
(أحدهما)
يفعل ذلك لانه تنظيف فشرع في حقه كازالة الوسخ
(والثانى)
يكره وهو قول المزني لانه قطع جزء منه فهو كالختان (قال) الشافعي ولا يحلق شعر رأسه قال أبو إسحق ان لم يكن لة جمه حلق رأسه لانه تنظيف فهو كتقليم الاظفار
والمذهب الاول لان حلق الرأس يراد للزينة لا للتنظيف}
* {الشَّرْحُ} فِي قَلْمِ أَظْفَارِ الْمَيِّتِ وَأَخْذِ شَعْرِ شَارِبِهِ وَإِبْطِهِ وَعَانَتِهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) أَنَّهَا تُفْعَلُ(5/178)
(وَالْقَدِيمُ) لَا تُفْعَلُ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَالْكَرَاهَةِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) يُكْرَهُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبِ الْحَاوِي وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالرُّويَانِيِّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ (قَالَ) صَاحِبُ الْحَاوِي الْقَوْلُ الْجَدِيدُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَتَرْكُهُ مَكْرُوهٌ وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ بِاسْتِحْبَابِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا (احد هما) يُكْرَهُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعًا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ مِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ أَخْذَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَا خِلَافَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تُسْتَحَبُّ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْكَرَاهَةِ (فَمَرْدُودٌ) بِمَا قَدَّمْته مِنْ إثْبَاتِ الْخِلَافِ فِي الِاسْتِحْبَابِ مَعَ جَزْمِ مَنْ جَزَمَ وَعَجَبٌ قَوْلُهُ هَذَا مَعَ شُهْرَةِ هَذِهِ الْكُتُبِ لَا سيما الوسبط والمهذب والتنبيه وأما الاصح من القولين فصصح الْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَطَعَ بِهِ فِي كِتَابِهِ الْمُقْنِعِ وَصَحَّحَ غَيْرُهُ الْكَرَاهَةَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ مِنْهَا الْأُمُّ وَمُخْتَصَرُ الْجَنَائِزِ وَالْقَدِيمُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَأَى حَلْقَ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَتَرْكُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ(5/179)
تركه ولم بصرح الشافعي في شئ مِنْ كُتُبِهِ بِاسْتِحْبَابِهِ جَزْمًا إنَّمَا حَكَى اخْتِلَافَ شُيُوخِهِ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَتَرَكَهُ وَاخْتَارَ هُوَ تَرْكَهُ فَمَذْهَبُهُ تَرْكُهُ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ مَذْهَبًا لَهُ فَيَتَعَيَّنُ تَرْجِيحُ تَرْكِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وَيَتَتَبَّعُ الْغَاسِلُ مَا تَحْتَ أَظَافِيرِ الْمَيِّتِ بِعُودٍ حَتَّى يُخْرِجَ الْوَسَخَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا تَفْرِيعٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَتْرُكُ أَظَافِيرَهُ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا تُزَالُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعُودِ فَحَصَلَ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَوْ الصَّوَابَ تَرْكُ هَذِهِ الشُّعُورِ وَالْأَظْفَارِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ
الميت محترمة فلا تنهتك بِهَذَا وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي هذا شئ فَكُرِهَ فِعْلُهُ وَإِذَا جُمِعَ الطَّرِيقَانِ حَصَلَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الْمُخْتَارُ) يُكْرَهُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَمِمَّنْ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا تُزَالُ هَذِهِ الشُّعُورُ فَلِلْغَاسِلِ أَنْ يَأْخُذَ شَعْرَ الابط(5/180)
وَالْعَانَةِ بِالْمِقَصِّ أَوْ الْمُوسَى أَوْ النُّورَةِ فَإِنْ نَوَّرَهُ غَسَلَ مَوْضِعَ النُّورَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ النُّورَةُ فِي الْعَانَةِ لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَى عَوْرَتِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ النُّورَةُ في العانة والابط جميعا وبه حزم صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَذْهَبُ التَّخْيِيرُ كَمَا سَبَقَ لَكِنْ لَا يَمَسُّ وَلَا يَنْظُرُ مِنْ الْعَوْرَةِ إلَّا قَدْرَ الضَّرُورَةِ وَأَمَّا الشَّارِبُ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا قُلْنَا يُزَالُ أَزَالَهُ بِالْمِقَصِّ كَمَا يُزِيلُهُ فِي الْحَيَاةِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ حَفُّ الشَّارِبِ فِي حَقِّ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ جَمِيعًا وَلَكِنْ يَقُصُّهُ بِحَيْثُ لَا تَنْكَشِفُ شَفَتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَفُّ شَارِبِهِ فَمُرَادُهُ قَصُّهُ لَا حَقِيقَةُ الْحَفِّ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يُزِيلُ هَذِهِ الشُّعُورَ وَالْأَظْفَارَ اُسْتُحِبَّ إزَالَتُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي أَوَّلِ بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ يَفْعَلُهَا قَبْلَ غُسْلِهِ قَالَ وَقَدْ أَخَلَّ الْمُزَنِيّ بِالتَّرْتِيبِ فَذَكَرَهُ بَعْدَ الْغُسْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ قَبْلَهُ قُلْت وَكَذَا عَمِلَ الْمُصَنِّفُ وجمهور(5/181)
الْأَصْحَابِ ذَكَرُوهُ بَعْدَ الْغُسْلِ وَكَأَنَّهُمْ تَأَسَّوْا بِالْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِهِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى تَقْدِيمِهِ بِقَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا وَيَتَتَبَّعُ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَلَّمَهَا وَأَمَّا شَعْرُ الرَّأْسِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَحْلِقُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنْ كَانَ لا يعتاد حلق رأسه بأن كان ذاجمة وَهِيَ الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ الَّذِي نَزَلَ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ لَمْ يُحْلَقْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ حَلْقَهُ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يحلق (والثاني) عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْته بَيْنَ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ
الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا خِتَانُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يخنن فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ(5/182)
وَالْجُمْهُورُ لَا يُخْتَنُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ كَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ (وَالثَّالِثُ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يُخْتَنُ
(وَالثَّانِي)
يُخْتَنُ (وَالثَّالِثُ) يُخْتَنُ الْبَالِغُ دُونَ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْبَالِغِ دُونَ الصَّبِيِّ (وَالصَّحِيحُ) الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يُخْتَنُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ جُزْءٌ فَلَمْ يُقْطَعْ كَيَدِهِ الْمُسْتَحِقَّةِ فِي قَطْعِ سَرِقَةٍ أَوْ قِصَاصٍ فَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تُقْطَعُ وَيُخَالِفُ الشَّعْرَ وَالظُّفْرَ فَإِنَّهُمَا يُزَالَانِ فِي الْحَيَاةِ للزينة والميت بشارك الْحَيَّ فِي ذَلِكَ وَالْخِتَانُ يُفْعَلُ لِلتَّكْلِيفِ بِهِ وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي الشُّعُورِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ شَارِبِهِ وَإِبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَأَظْفَارِهِ وَمَا اُنْتُتِفَ مِنْ تَسْرِيحِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَجِلْدَةِ الْخِتَانِ إذَا قُلْنَا يُخْتَنُ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصِرَّ كُلُّ ذَلِكَ مَعَهُ فِي كَفَنِهِ وَيُدْفَنَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُهُ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَاحِبُ(5/183)
الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُدْفَنَ مَعَهُ بَلْ يُوَارَى فِي الْأَرْضِ غَيْرِ الْقَبْرِ وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ حَكَى عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ اسْتِحْبَابَ دَفْنِهَا مَعَهُ ثُمَّ قَالَ وَالِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَا تُدْفَنُ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وإن كانت المرأه غسلت كما يغسل الرجل فان كان لها شعر جعل لها ثلاث ذوائب ويلقى خلفها لما روت أم عطيه رضى الله عنها في وصف غَسَّلَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت " ضفرنا ناصيتها وقرنتها ثلاثة قرون ثم القيناها خلفها "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالذَّوَائِبُ وَالضَّفَائِرُ وَالْغَدَائِرُ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَهِيَ خُصَلُ الشَّعْرِ لَكِنَّ الضَّفِيرَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَضْفُورَةً وَأَصْلُ الضَّفْرِ الْفَتْلُ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَبِمِثْلِ مَذْهَبِنَا فِي اسْتِحْبَابِ تَسْرِيحِ شَعْرِهَا وَجَعْلِهِ ثَلَاثَةَ ضَفَائِرَ خَلْفَهَا قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
لَا يُضَفَّرُ شَعْرُهَا وَلَا يُسَرَّحُ بَلْ يُتْرَكُ مرسلا من كتفيها
*
* قال المصنف رحمه الله
*(5/184)
{ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من غسل ميتا فليغتسل " ولا يجب ذلك وقال في البويطي إن صح الحديث قلت بوجوبه والاول أصح لان الميت طاهر ومن غسل طاهرا لم يلزمه بغسله طهارة كالجنب وهل هو آكد أو غسل الجمعة فيه قولان قال في القديم غسل الجمعة آكد لان الاخبار فيه أصح وقال في الجديد الغسل من غسل الميت آكد وهو الاصح لان غسل الجمعة غير واجب والغسل من غسل الميت متردد بين الوجوب وغيره}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَبَسَطَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلَ فِي ذِكْرِ طُرُقِهِ وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ قَالَ إنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ قَالَا لَا يصح في الباب شئ وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ لَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا ثَابِتًا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا قَالَ وَإِسْنَادُهُ سَاقِطٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ غَسَّلَ أَبَاهُ أَبَا طَالِبٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ وَأَسَانِيدُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَبَعْضُهَا مُنْكَرٌ وَفِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمِنْ الْحِجَامَةِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَهَكَذَا الْحَدِيثُ فِي الْوُضُوءِ مَنْ حَمْلِ الْمَيِّتِ ضَعِيفٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنَّهُ حَسَنٌ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ وقد بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الرِّوَايَاتُ الْمَرْفُوعَةُ فِي هَذَا عَنْ أَبِي هريرة غير قوية بعضها لجهالة رواتها وبعضها (1) قال والصحيح انه موقوف عليه وَضَعَّفَ الْمَرْفُوعَ بِهِ أَيْضًا مَعَ مَنْ قَدَّمْنَا أَيْضًا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا الْغُسْلُ لَيْسَ
بِمَشْرُوعٍ وَكَذَا الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فيهما شئ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ مَسَّ حَرِيرًا أَوْ مَيْتَةً لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ فَالْمُؤْمِنُ أَوْلَى هَذَا كَلَامُ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ قَوِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ سَوَاءٌ صَحَّ فِيهِ حَدِيثٌ أَمْ لَا فَلَوْ صَحَّ حَدِيثٌ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ وَاجِبٌ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَإِلَّا فَسُنَّةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الحديث للاستحباب قال ابن المنذر في
__________
(1) بياض بالاصل فليحرر(5/185)
الْإِشْرَافِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ والنخعي والشافعي واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَعَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ سرين والزهرى يغتسل وعن النخعي واحمد واسحق يتوضأ قال ابن المنذر لا شئ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ آكَدُ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَأَيُّهُمَا آكَدُ فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ آكَدُ (الثَّانِي) وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ آكَدُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ فَائِدَةِ هَذَا الخلاف والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {ويستحب للغاسل إذا رأى من الميت ما يعجبه ان يتحدث به وان رأى ما يكره لم يجز ان يتحدث به لما روى أبو رافع رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال " من غسل ميتا وكنتم عليه غفر الله له اربعين مرة}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَبُو رَافِعٍ اسْمُهُ مُسْلِمٌ وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَقِيلَ هُرْمُزُ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا مُظْهِرًا لِبِدْعَتِهِ وَرَأَى الْغَاسِلُ مَا يَكْرَهُ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ في الناس(5/186)
لِلزَّجْرِ عَنْ بِدْعَتِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ مُتَعَيِّنٌ لَا عُدُولَ عَنْهُ وَالْحَدِيثُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ خَرَجَا عَلَى الْغَالِبِ وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصٌ فِي هَذَا وَعَكْسِهِ وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي آخِرِ بَابِ التَّعْزِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ غُسْلُ الْمَيِّتِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَكَرِهَهُمَا الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَكَرِهَ مَالِكٌ الْجُنُبَ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ كَغَيْرِهِمَا (الثَّانِيَةُ) قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْآدَمِيَّ هَلْ يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ قَوْلَانِ سَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْجَسُ
(وَالثَّانِي)
يَنْجَسُ وَأَمَّا غُسَالَتُهُ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ فَطَاهِرَةٌ وَإِنْ قُلْنَا يَنْجَسُ فَالْقِيَاسُ انها نجسة ونقل الدارمي عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ غُسَالَتَهُ طَاهِرَةٌ سَوَاءٌ قُلْنَا بِطَهَارَةِ الْآدَمِيِّ أَمْ بِنَجَاسَتِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي هَذَا نَظَرٌ (الثَّالِثَةُ) ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْقَاءُ بِهَا زَادَ حَتَّى يَحْصُلَ الْإِنْقَاءُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ وَإِذَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِالثَّلَاثِ لَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا إذَا بَلَغَ بِهِ وِتْرًا آخَرَ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ طَهَارَةَ الْحَيِّ مَحْضُ تَعَبُّدٍ وَهُنَا الْمَقْصُودُ التَّنْظِيفُ وَإِزَالَةُ الشَّعَثِ (الرَّابِعَةُ) سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الْمَضْمَضَةِ(5/187)
فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وأحمد وداود وابن المنذر وقال أبو حنيفة لَا يُشْرَعَانِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَابْدَأْنَ بِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا " وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ تَسْرِيحِ شَعْرِ الْمَيِّتِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ لَا يُسَرَّحُ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ الْكَافُورِ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَفِي غَيْرِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْقَاءُ زِدْنَا حَتَّى يَحْصُلَ وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَهُ الْإِيتَارُ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَقْدِيرَ لِلِاسْتِحْبَابِ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها
* {باب الكفن}
* قال المصنف رحمه الله
* {تكفين الميت فرض علي الكفاية لقوله صلي الله عليه وسلم " في المحرم الذى خر من بعيره " كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما " ويجب ذلك في ماله للخبر ويقدم علي الدين كما تقدم كسوة المفلس علي ديون غرماءه فان قال بعض الورثة انا أكفنه من مالي وقال بعضهم بل يكفن من التركة كفن من التركة لان في تكفين بعض الورثة من ماله منة علي الباقين فلا يلزم قبولها وان كانت امرأة لها زوج ففيه وجهان قال أبو اسحق يجب علي الزوج لان من لزمه كسوتها في الحياة لزمه كفنها بعد الوفاة كالامة مع السيد وقال أبو على ابن ابي هريرة يجب في مالها لانها بالموت صارت اجنبية فلم يلزمه كفنها والاول اصح لان هذا يبطل بالامة فانها صارت بالموت أجنبية من مولاها ثم يجب عليه تكفينها فان لم يكن مال ولازوج فالكفن على من يلزمه نفقته اعتبارا بالكسوة في الحياة}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْمُحْرِمِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية ابن عناس وَسَبَقَ فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ فِي الصحيحين قوله اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِهِمَا ثَوْبَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا ثَوْبَيْهِ وَالْكِسْوَةُ - بِكَسْرٍ الْكَافِ وَضَمِّهَا - لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) تَكْفِينُ الميت فرض كفاية بالنص والاجماع والا يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ مِنْ مُكَلَّفٍ حَتَّى لَوْ كَفَّنَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ حَصَلَ التَّكْفِينُ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ (الثَّانِيَةُ) مَحِلُّ الْكَفَنِ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ قُدِّمَ الْكَفَنُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا صُوَرًا يُقَدَّمُ فِيهَا الدَّيْنُ عَلَى الْكَفَنِ وَضَابِطُهَا أَنْ يَتَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ (فَمِنْ) الصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ مَالٌ تَعَلَّقَتْ بِهِ زَكَاةٌ لِشَاةٍ بَقِيَتْ مِنْ اربعين(5/188)
والمرهون والعبد الجاني والبيع إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَشَبَهُهَا فَيُقَدَّمُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْجُرْجَانِيُّ فِي فَرَائِضِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ والخيرى في الفرائض وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَحَنُوطُ الْمَيِّتِ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ كَالْغُسْلِ وَالْحَمْلِ وَالدَّفْنِ وَغَيْرِهَا لَهَا حُكْمُ الْكَفَنِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ
*
(فَرْعٌ)
تَكْفِينُ الْمَيِّتِ وَسَائِرُ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ يُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ غَيْرَهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا سَأَذْكُرُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْكَفَنُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ غَيْرَهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا سَأَذْكُرُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ والشافعي واحمد واسحق وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَبِهِ نَقُولُ وَقَالَ خِلَاسُ بن عمر وبكسر الْخَاءِ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ وَقَالَ طَاوُسٌ إنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا فَمِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ هَلْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ أَمْ لَا (الثَّالِثَةُ) إذَا طَلَبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ تَكْفِينَهُ مِنْ مَالِهِ وَآخَرُ مِنْ التَّرِكَةِ كُفِّنَ مِنْ التَّرِكَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الرَّابِعَةُ) إذَا مَاتَتْ مُزَوَّجَةٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ كَفَنُهَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَصَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وُجُوبَهُ فِي مَالِهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَفِي هذا النقل نظر لان الا كثرين انما نقلوه عن أبى علي ابن ابى هريرة ودليل الوجهين في الكتاب قال البندنيجي والعبد رى وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُوسِرَةً أَوْ مُعْسِرَةً فَفِيهَا الْوَجْهَانِ وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةً فَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمُوسِرَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ مُؤْنَةِ غُسْلِهَا وَدَفْنِهَا وَسَائِرِ مُؤَنِ تَجْهِيزِهَا حُكْمُ الْكَفَنِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ في المجموع(5/189)