وبالع فِي الِاسْتِنْشَاقِ مَحْمُولٌ أَيْضًا عَلَى النَّدْبِ فَإِنَّ المبالغة لا تجب بالاتفاق
* والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ولا تغسل العين ومن اصحابنا من قال يستحب غسلها لان ابن عمر رضى الله عنهما كان(1/367)
يغسل عينه حتى عمى والاول أصح لانه لم ينقل ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولا ولا فعلا فدل على أنه ليس بمسنون ولان غسلها يؤدى إلى الضرر) (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ (كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ يَتَوَضَّأُ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَنْضَحُ فِي عَيْنَيْهِ) هَذَا لَفْظُهُ وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي رِوَايَاتِهِمْ حَتَّى عَمِيَ وَفِيهَا وَيَنْضَحُ فِي عَيْنَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَفِي الْمُهَذَّبِ عَيْنُهُ بِالْإِفْرَادِ
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَتَّى عَمِيَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَمَاهُ بِسَبَبِ غَسْلِ الْعَيْنِ كَمَا هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَصْحَابِنَا وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ مَا زَالَ يَغْسِلُهُمَا حَتَّى حَصَلَ سَبَبٌ عَمِيَ بِهِ فَتَرَكَ بَعْدَ ذَلِكَ غَسْلَهُمَا فَفِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ لِلْأَزْهَرِيِّ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ(1/368)
القدع انسلاق العينين من كثرة البكاء وكان عبد الله ابن عُمَرَ قَدِعًا (قُلْتُ) الْقَدَعُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَقَوْلُهُ كَانَ قَدِعًا بِكَسْرِ الدَّالِ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ عَمِيَ بِالْبُكَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِالْأَمْرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي اسْتِحْبَابِهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يُسْتَحَبُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (1) وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ غَيْرِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ الِاسْتِحْبَابَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حامد والبند نيجي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَلَيْسَ نصه في الام
__________
(1) قوله والرافعي وقع سهوا فان المسألة لم يذكر فيها الرافعي وهي مذكورة في زيادات الروضة اه من هامش الاذرعي(1/369)
ظَاهِرًا فِيمَا نَقَلَهُ (1) فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ إنَّمَا أَكَّدْتُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ دُونَ غَسْلِ الْعَيْنَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَلِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ يَتَغَيَّرَانِ وَأَنَّ الْمَاءَ يَقْطَعُ مِنْ تَغَيُّرِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَيْنُ وَذَكَر الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ قَالَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكَّدْتُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ عَلَى غَسْلِ دَاخِلِ العيينين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي غَسْلِ دَاخِلِ الْعَيْنِ أَمَّا مَآقِي الْعَيْنَيْنِ فَيُغْسَلَانِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا قَذًى يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْمَحَلِّ الْوَاجِبِ مِنْ الْوَجْهِ وَجَبَ مَسْحُهُ وَغَسْلُ مَا تَحْتَهُ والا فمسحهما مستحب هكذا فصله الماوردى وأطق الْجُمْهُورُ أَنَّ غَسْلَهُمَا مُسْتَحَبٌّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ مَسْحُ مَآقِيهِ بِسَبَّابَتَيْهِ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ
عَلَى تَفْصِيلِ الْمَاوَرْدِيُّ: وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم (كان يمسح المآقين في وضوءه) ورواه أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَدْ قَالَ إنَّهُ إذَا لَمْ يُضَعَّفْ الْحَدِيثُ يَكُونُ حَسَنًا أَوْ صَحِيحًا لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَقَدْ جَرَّحَهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ وَبَيَّنُوا أَنَّ الْجَرْحَ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى ما ليس بجارح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
__________
(1) هذا النص ظاهره الاستحباب كما نقله البغوي الا ان يريد تأكدت اصل الاستحباب قلت قال في البحر قال الشافعي في الام استحب ادخال الماء في العينين ولا ابلغ به تأكيد المضمضة والاستنشاق ومن اصحابنا من قال لا يستحب وهو اختيار اكثر اصحابنا وقال في الحاوي لا يجب ولايسن وهل يستحب قال أبو حامد يستحب للنص في الام وقال غيره لا يستحب وهذا اصح لان ما لا يسن لا يستحب اه من الاذرعي(1/370)
(ثم يغسل وجهه وذلك فرض لقوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) والوجه ما بين منابت شعر الرأس إلى الذقن ومنتهى اللحيين طولا ومن الاذن إلى الاذن عرضا والاعتبار بالمنابت المعتادة لا بمن تصلع الشعر عن ناصيته ولا بمن نزل إلى جبهته وفي موضع التحذيف وجهان قال أبو العباس هو من الوجه لانهم أنزلوه من الوجه وقال أبو إسحق هو من الرأس لان الله تعالى خلقه من الرأس فلا يصير وجها بفعل الناس)
* (الشَّرْحُ) غَسْلُ الْوَجْهِ وَاجِبٌ فِي الْوُضُوءِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَنِ الْمُتَظَاهِرَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حَدِّ الْوَجْهِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَذَكَرَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي حَدِّهِ كَلَامًا طَوِيلًا مُخْتَلًّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ فِي حَدِّهِ عِبَارَةً حَسَنَةً فَقَالَ قَالَ الْأَصْحَابُ حَدُّهُ طُولًا مَا بَيْنَ مُنْحَدَرِ تَدْوِيرِ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ مُبْتَدَإِ تَسْطِيحِ الْجَبْهَةِ إلَى مُنْتَهَى مَا يُقْبِلُ مِنْ الذَّقَنِ وَمِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ عَرْضًا (1) هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَدْخُلُ وَتَدَا الْأُذُنِ فِي الْوَجْهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ البغوي
__________
(1) قال ابن الرفعة في المطلب عرض الوجه من الاذن إلى الاذن عبارة كثير
من المصنفين اتباعا للغلط الشافعي في الام وعبارة أبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ من وتد الاذن إلى وتد الاذن وعبارة القاضي حسين من شحمة الاذن إلى شحمة الاذن قال ابن الرفعة وهذا عندي اهم العبارات لان شحمة الاذن تنحط عن وتد الاذن وانحطاطها سبب لاتساع عرض الوجه ولا تدخل الشحمة ولا الوتد باتفاق اصحابنا اه من هامش الاذرعي(1/371)
الا أنه يُمْكِنُ غَسْلُ جَمِيعَ الْوَجْهِ إلَّا بِغَسْلِهِمَا وَالْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعِذَارِ مِنْ الْوَجْهِ عِنْدَنَا وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَدِّ: وَأَمَّا إذَا تَصَلَّعَ الشَّعْرُ عَنْ نَاصِيَتِهِ أَيْ زَالَ عَنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ: وَلَوْ نَزَلَ الشَّعْرُ عَنْ الْمَنَابِتِ الْمُعْتَادَةِ إلَى الْجَبْهَةِ نُظِرَ إنْ عمها وحب غسلها كلها بلا خلاف وان ستر بعهضها فَطَرِيقَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وُجُوبُ غَسْلِ ذَلِكَ الْمَسْتُورِ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَالثَّانِي وَبِهِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا هَذَا: وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الرَّأْسِ: وَأَمَّا مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَشْرَافَ وَالنِّسَاءَ يَعْتَادُونَ إزَالَةَ الشَّعْرِ عَنْهُ لِيَتَّسِعَ الْوَجْهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ الشَّعْرُ الَّذِي بين النزعة والعذر وَهُوَ الْمُتَّصِلُ بِالصُّدْغِ وَقَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ هُوَ مَا بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْعِذَارِ وَالنَّزَعَةِ دَاخِلًا فِي الْجَبِينِ مِنْ جَانِبَيْ الْوَجْهِ يُؤْخَذُ عَنْهُ الشَّعْرُ يَفْعَلُهُ الْأَشْرَافُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِي إذَا وُضِعَ طَرَفُ الْخَيْطِ عَلَى رَأْسِ الْأُذُنِ وَالطَّرَفُ الثَّانِي عَلَى زَاوِيَةِ الْجَبِينِ وَقَعَ فِي جَانِبِ الْوَجْهِ وَقَالَ أَبُو الفرج عبد الرحمن السر خسي فِي أَمَالِيهِ هُوَ مَوْضِعُ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ الَّذِي يَنْزِلُ مَنْبَتُهُ إلَى الْجَبِينِ بَيْنَ بَيَاضَيْنِ أَحَدُهُمَا بَيَاضُ النَّزَعَةِ وَالثَّانِي بَيَاضُ الصُّدْغِ وَقِيلَ فِي حده أقوال أخر
* وأما حكمه ففيه الو جهان اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَكِلَاهُمَا مَنْقُولٌ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ مِنْ الْوَجْهِ وَأَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إلَى نَحْوِ هَذَا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ فَهَذَانِ نَصَّانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَيْنِ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَجْهَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ كَمَا تَرَى فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتَا عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ(1/372)
أَحَدُهُمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَصَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ أَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ كَوْنَهُ مِنْ الرَّأْسِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِّ الرَّأْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَى الذَّقَنِ وَمُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَإِلَّا فَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ وَالذَّقَنُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ وَجَمْعُهُ أَذْقَانٌ وَهُوَ مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ وَاللَّحْيَانِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَأَحَدُهُمَا لَحْيٌ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ كَسْرَ اللَّامِ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَهُمَا الْفَكَّانِ وَعَلَيْهِمَا مَنَابِتُ الْأَسْنَانِ السُّفْلَى وَالْأُذُنُ بِضَمِّ الذَّالِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا تَخْفِيفًا وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ عَلَى فُعُلٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ يَجُوزُ إسْكَانُ ثَانِيهِ كَعُنُقٍ وَكُتُبٍ وَرُسُلٍ وَفِي الشَّعَرِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ أَنْزَلُوهُ مِنْ الْوَجْهِ مَعْنَاهُ نَزَّلُوهُ مَنْزِلَةَ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ وَاَلَّذِينَ نَزَّلُوهُ هُمْ الْأَشْرَافُ وَالنِّسَاءُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعِذَارِ مِنْ الْوَجْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد: وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ عَلَى الْأَمْرَدِ غَسْلُهُ دُونَ الْمُلْتَحِي وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ مَالِكٍ
* وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ المواجهة كالخد واحتج الماوردى وغيره فِيهِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ ضَرَبَ بِالْمَاءِ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أَلْقَمَ إبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَيْسَ بقوى لانه من رواية محمد بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَلَمْ يُذْكَرْ سَمَاعُهُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا عُرِفَ فَلِهَذَا لَمْ أَعْتَمِدْهُ وَإِنَّمَا اعْتَمَدْتُ الْمَعْنَى وَذَكَرْتُ الْحَدِيثَ تَقْوِيَةً ولا بين حاله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*(1/373)
(فان كان ملتحيا نظرت فان كانت لحيته خفيفة لاتستر البشرة وجب غسل الشعر والبشرة
للآية وان كانت كثيفة تستر البشرة وجب افاضة الماء على الشعر لان المواهة تقع به ولا يجب غسل ما تحته لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فغرف غرفة وغسل بها وجهه وبغرفة واحدة لا يصل الماء إلى ما تحت الشعر مع كثافة اللحية ولانه باطن دونه حائل معتاد فهو كداخل الفم والانف والمستحب أن يخلل لحيته لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخلل لحيته فان كان بعضها خفيفا وبعضها كثيفا غسل ما تحت الخفيف وأفاض الماء على الكثيف)
* (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَوْلُهُ وَبِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَصِلُ الْمَاءُ مَعَ كَثَافَةِ اللِّحْيَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ لِحْيَتَهُ الْكَرِيمَةَ كَانَتْ كَثِيفَةً وَهَذَا صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (الثَّانِيَةُ) اللِّحْيَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَجَمْعُهَا لِحًى بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ أَفْصَحُ وَهِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الذَّقَنِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ بِسَبَبِ الْكَلَامِ فِي الْعَارِضَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْبَشَرَةَ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَالْكَثَّةُ وَالْكَثِيفَةُ بِمَعْنًى وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَقَوْلُهُ دُونَهُ حَائِلٌ احْتِرَازٌ مِنْ الثُّقْبِ فِي مَوْضِعِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِهِ وقوله معتاد اختراز مِنْ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ لِامْرَأَةٍ (الثَّالِثَةُ) اللِّحْيَةُ الْكَثِيفَةُ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهَا وَلَا الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ: وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلًا وَوَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْبَشَرَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ غَلِطَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَظَنَّ الْمُزَنِيّ ذَكَرَ هَذَا عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا حَكَى مَذْهَبَ نَفْسِهِ وَانْفَرَدَ هُوَ وَأَبُو ثَوْرٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُمَا فِيهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ (قلت) قد نقله(1/374)
الخطابي عن اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَيْضًا وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمَا
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْفَرْعِ الثَّالِثِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَوْلُهُ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَقَالَ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي وَبِالْقِيَاسِ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَعَلَى الشَّارِبِ وَالْحَاجِبِ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْقِيَاسِ وَأَجَابُوا عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِأَنَّهَا أَغْلَظُ وَلِهَذَا وَجَبَ غَسْلُ كُلِّ الْبَدَنِ وَلَمْ يَجُزْ مَسْحُ الْخُفِّ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ يَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ غَسْلُ الْبَشَرَةِ فِيهِ مَعَ الْكَثَافَةِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ وَأَمَّا الشَّارِبُ وَالْحَاجِبُ فَكَثَافَتُهُ نَادِرَةٌ وَلَا يَشُقُّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ بِخِلَافِ اللِّحْيَةِ وَإِنْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ خَفِيفَةً وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا وَالْبَشَرَةِ تَحْتَهَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا خَفِيفًا وَبَعْضُهَا كَثِيفًا فَلِكُلِّ بَعْضٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ لَوْ كان متمحضا فَلِلْكَثِيفِ حُكْمُ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ وَلِلْخَفِيفِ حُكْمُ اللِّحْيَةِ الْخَفِيفَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ الْكَثِيفُ مُتَفَرِّقًا بَيْنَ الْخَفِيفِ لَا يَمْتَازُ وَلَا يَنْفَرِدُ عَنْهُ وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِ الشعر والبشرة وحكى الرافعى وَجْهًا أَنَّ لِلْجَمِيعِ حُكْمَ الْخَفِيفِ مُطْلَقًا وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ نَصًّا عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَنْ كَانَ جَانِبَا لِحْيَتِهِ خَفِيفَيْنِ وَبَيْنَهُمَا كَثِيفٌ وَجَبَ غَسْلُ الْبَشَرَةِ كُلِّهَا كَالْحَاجِبِ وَهَذَا نَصٌّ غَرِيبٌ جِدًّا وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ الْقَصَّابِ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي ضَبْطِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ وَالْخَفِيفَةِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا مَا عَدَّهُ النَّاسُ خَفِيفًا فَخَفِيفٌ وَمَا عَدُّوهُ كَثِيفًا فَهُوَ كَثِيفٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالثَّانِي مَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ بِلَا مَشَقَّةٍ فَهُوَ خَفِيفٌ وَمَا لَا فَكَثِيفٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَا سَتَرَ الْبَشَرَةَ عَنْ النَّاظِرِ فِي مَجْلِسِ التَّخَاطُبِ فَهُوَ كَثِيفٌ وَمَا لَا فخفيف
*
__________
(1) لم ار لعمر القصاب في طبقانه ذكرا اه من الاذرعي(1/375)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ اللِّحْيَةِ الْخَفِيفَةِ وَالْبَشَرَةِ تَحْتَهَا وَبِهِ قَالَ مالك وأحمد وداود
* قال أَصْحَابِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا كَدَاخِلِ الْفَمِ وَكَمَا
سَوَّيْنَا بَيْنَ الْخَفِيفِ وَالْكَثِيفِ فِي الْجَنَابَةِ وَأَوْجَبْنَا غَسْلَ مَا تَحْتَهُمَا فَكَذَا نُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْوُضُوءِ فَلَا نُوجِبُهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تعالى (فاغسلوا وجوهكم) وَهَذِهِ الْبَشَرَةُ مِنْ الْوَجْهِ وَيَقَعُ بِهَا الْمُوَاجَهَةُ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ ظَاهِرٌ مِنْ الْوَجْهِ فَأَشْبَهَ الْخَدَّ وَيُخَالِفُ الْكَثِيفَ فَإِنَّهُ يَشُقُّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ بِخِلَافِ هَذَا، وَالْجَوَابُ عَنْ دَاخِلِ الْفَمِ أَنَّهُ يَحُولُ دُونَهُ حَائِلٌ أَصْلِيٌّ فَأَسْقَطَ فَرْضَ الْوُضُوءِ وَاللِّحْيَةُ طَارِئَةٌ وَالطَّارِئُ إذَا لَمْ يَسْتُرْ الْجَمِيعَ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ كَالْخُفِّ الْمُخَرَّقِ: وَالْجَوَابُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَشَقَّةُ وَعَدَمُهَا فَلَمَّا كَانَتْ الْجَنَابَة قَلِيلَةً أَوْجَبْنَا مَا تَحْتَ الشُّعُورِ كُلِّهَا بِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فَكَذَا مَا تَحْتَ الْخَفِيفِ فِي الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْكَثِيفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّخْلِيلَ سُنَّةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ كَيْفِيَّتَهُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ يُخَلِّلُهَا بِأَصَابِعِهِ مِنْ أَسْفَلِهَا قَالَ وَلَوْ أَخَذَ لِلتَّخْلِيلِ مَاءً آخَرَ كَانَ أَحْسَنَ وَيَسْتَدِلُّ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ بِحَدِيثِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهَا لِحْيَتَهُ وَقَالَ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ فِي الْوُضُوءِ إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ الْحَاجِبِ وَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَالْعِذَارِ وَاللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّ الشَّعْرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يَخِفُّ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَثُفَ لَمْ يَكُنْ إلَّا نَادِرًا فَلَمْ يكن له حكم)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا ثَمَانِيَةٌ مِنْ شُعُورِ الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُهَا وَغَسْلُ الْبَشَرَةِ تَحْتَهَا سَوَاءٌ خَفَّتْ أَوْ كَثُفَتْ وَهِيَ الْحَاجِبُ وَالشَّارِبُ وَالْعَنْفَقَةُ وَالْعِذَارُ وَلِحْيَةُ الْمَرْأَةِ وَلِحْيَةُ الْخُنْثَى وَأَهْدَابُ الْعَيْنِ وَشَعْرُ الْخَدِّ: فَأَمَّا الْخَمْسَةُ الْأُولَى فَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَأَمَّا الْأَهْدَابُ فَنَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ: وأما شعر(1/376)
الحد فَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: وَأَمَّا لِحْيَةُ الْخُنْثَى فَصَرَّحَ بِهَا الدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ
وَآخَرُونَ وَعَلَّلَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ نَادِرٌ وَبِأَنَّ الْأَصْلَ فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى الْعَمَلُ بِالْيَقِينِ وَيُعَلَّلُ بِثَالِثٍ وَهُوَ أَنَّ غَسْلَ الْبَشَرَةِ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ وَشَكَكْنَا هَلْ سَقَطَ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ: وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ لِحْيَةَ الْخُنْثَى لَا تَكُونُ عَلَامَةً لِذُكُورَتِهِ
* وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنَهُ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْخَمْسَةَ وَأَهْمَلَ الثلاثة الا خيرة: وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ رَآهَا ظَاهِرَةً تُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْكَثَافَةَ فِي الْأَهْدَابِ وَالْخَدِّ أَنْدَرُ مِنْهَا فِي الْخَمْسَةِ وَلِحْيَةُ الْخُنْثَى تُعْلَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِيمَا فِيهِ احْتِيَاطٌ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّعُورَ الثَّمَانِيَةَ يَجِبُ غَسْلُهَا وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا مَعَ الْكَثَافَةِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّهَا كَاللِّحْيَةِ وَإِلَّا وَجْهًا مَشْهُورًا عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي الْعَنْفَقَةِ وَحْدَهَا أَنَّهَا كَاللِّحْيَةِ وَوَجْهًا أَنَّهَا إنْ اتَّصَلَتْ بِاللِّحْيَةِ فَهِيَ كَاللِّحْيَةِ وَإِنْ انْفَصَلَتْ وَجَبَ غَسْلُ بَشَرَتِهَا مَعَ الْكَثَافَةِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ فَحَصَلَ فِي الْعَنْفَقَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ، وُجُوبُ غَسْلِ بَشَرَتِهَا مَعَ الْكَثَافَةِ
* (فَرْعٌ)
فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الشُّعُورِ: أَمَّا الْحَاجِبُ فَمَعْرُوفٌ سُمِّيَ حَاجِبًا لِمَنْعِهِ الْعَيْنَ مِنْ الْأَذَى وَالْحَجْبُ الْمَنْعُ وَالشَّارِبُ هُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا: ثُمَّ الْجُمْهُورُ قَالُوا الشَّارِبُ بِالْإِفْرَادِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ فِي مَوَاضِعِ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَالْعِذَارَيْنِ وَالْعَنْفَقَةِ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِالشَّارِبِينَ الشَّعْرَ الَّذِي عَلَى ظَاهِرِ الشَّفَتَيْنِ وَقِيلَ أَرَادَ الشَّعْرَ الذى عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا جَعَلَ مَا يَلِي الشِّقَّ الْأَيْمَنَ شَارِبًا وَمَا يَلِي الْأَيْسَرَ شَارِبًا قَالَ الْقَاضِي هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأُمِّ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْبَابِ وَقَالَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْبَابِ شَارِبٌ بِالْإِفْرَادِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الشَّارِبَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ: وَأَمَّا الْعَنْفَقَةُ فَهِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ السُّفْلَى كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ: وَأَمَّا الْعِذَارُ فَالنَّابِتُ عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ بِقُرْبِ الْأُذُنِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي وُجُوبِ غَسْلِ بَشَرَةِ هَذِهِ الشُّعُورِ عِلَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ كَثَافَتَهَا(1/377)
نَادِرَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمَغْسُولَ يُحِيطُ بِجَوَانِبِهَا فَجَعَلَ لَهَا حُكْمَ الْجَوَانِبِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ
فِي الْأُمِّ إلَى الْعِلَّتَيْنِ وَالْأُولَى أَصَحُّهُمَا وَقَطَعَ بِهَا جَمَاعَةٌ كَمَا قَطَعَ بِهَا الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا شَعْرُ الْعَارِضَيْنِ فَهُوَ مَا تَحْتَ الْعِذَارِ كَذَا ضَبَطَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ اللِّحْيَةِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْخَفِيفِ وَالْكَثِيفِ كَمَا: سَبَقَ ممن قطع به أبو علي البند نيجى وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا وَشَذَّ السَّرَخْسِيُّ فَقَالَ فِي الْأَمَالِي ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَارِضَ كَالْعِذَارِ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ مَعَ الْكَثَافَةِ وَهَذَا شاذ متروك لمخالفته النقل وَالدَّلِيلَ: فَإِنَّ الْكَثَافَةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِنَادِرَةٍ فَأَشْبَهَ اللِّحْيَةَ
* (فَرْعٌ)
الشَّعْرُ الْكَثِيفُ عَلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ يَجِبُ غَسْلُهُ وَغَسْلُ الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ بِلَا خِلَافٍ لِنُدُورِهِ وَكَذَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ وَلِهَذَا احْتَرَزَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ فِي الْوُضُوءِ
* (فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَثُفَ لَمْ يَكُنْ إلَّا نَادِرًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَشْهُورَةٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْعُلَمَاءِ وَمَعْنَاهَا عِنْدَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّادِرِ حُكْمٌ يُخَالِفُ الْغَالِبَ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُهُ فَمَعْنَاهُ هُنَا أَنَّ الْكَثَافَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ نَبَتَتْ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ اُسْتُحِبَّ لَهَا نَتْفُهَا وَحَلْقُهَا لِأَنَّهَا مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَهَذَا قَدْ قَدَّمْته فِي آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
*(1/378)
(وَإِنْ اسْتَرْسَلَتْ اللِّحْيَةُ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ شَعْرٌ لَا يُلَاقِي مَحَلَّ الْفَرْضِ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْفَرْضِ كَالذُّؤَابَةِ: وَالثَّانِي يَجِبُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا غَطَّى لِحْيَتَهُ فَقَالَ اكْشِفْ لِحْيَتَكَ فانها من الوجه ولانه شعر ظاهر نابت على بشرة الوجه فاشبه شعر الخد)
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وُجِدَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي بَعْضِهَا وَكَذَا لَمْ يقع في نسخة قيل انها مقرؤة عَلَى الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ قَالَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا شئ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ شَعْرٌ ظَاهِرٌ احْتِرَازٌ مِنْ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ: وَقَوْلُهُ عَلَى بَشَرَةِ الْوَجْهِ احْتِرَازٌ مِنْ النَّاصِيَةِ وَقَوْلُهُ اسْتَرْسَلَتْ اللِّحْيَةُ أَيْ امْتَدَّتْ وَانْبَسَطَتْ وَالذُّؤَابَةُ بِضَمِّ الذَّالِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَتْ اللِّحْيَةُ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ طُولًا أَوْ عَرْضًا أَوْ خَرَجَ شَعْرُ الْعِذَارِ أَوْ الْعَارِضِ أَوْ السِّبَالِ فَهَلْ يَجِبُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْخَارِجِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ نَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيهَا قَوْلَيْنِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ من اصحاب المختصرات والثاني لَا يَجِبُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِي الْخَارِجِ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ طُولًا أَوْ عَرْضًا كما ذكرناه صرح به أبو على البند نيجي فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَآخَرُونَ: ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ يَقُولُونَ هَلْ يَجِبُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْخَارِجِ فِيهِ قَوْلَانِ: وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَقَلِيلِينَ هَلْ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ الْخَارِجِ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَفْظُ الْإِفَاضَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الشَّعْرِ كَانَ لِإِمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَفْظُ الْغَسْلِ لِلْإِمْرَارِ عَلَى الظَّاهِرِ مَعَ الْإِدْخَالِ فِي الْبَاطِنِ وَلِهَذَا اعْتَرَضُوا عَلَى الزُّبَيْرِيِّ حِينَ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَجِبُ الْغَسْلُ فِي قَوْلٍ وَالْإِفَاضَةُ فِي قَوْلٍ وَقَالُوا الْغَسْلُ غَيْرُ وَاجِبٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْإِفَاضَةِ وَمَقْصُودُ الْأَئِمَّةِ بِلَفْظِ الْإِفَاضَةِ أَنَّ دَاخِلَ الْمُسْتَرْسِلِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ قَوْلًا وَاحِدًا
*(1/379)
كالشعر النابت تحت الذقن هذا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَكَذَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ لَا خِلَافَ أَنَّ غَسْلَ الشَّعْرِ الْخَارِجِ لَا يَجِبُ وَهَلْ يَجِبُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَلَامًا مُخْتَصَرُهُ أَنَّ النَّازِلَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ (1) إنْ كَانَ كَثِيفًا فَالْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا فَالْقَوْلَانِ فِي وجوب غسله ظاهر أو باطنا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَكَلَامُ الْبَاقِينَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ومرادهم المسترسل الكثيف كما هو الغالب وأما قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ إنَّ
الْخَارِجَ عَنْ الْوَجْهِ هَلْ يَجِبُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ خَفِيفًا كَانَ أَوْ كَثِيفًا فَمُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُكْتَفَى فِي الْخَفِيفِ بِالْإِفَاضَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى قَوْلِ الْوُجُوبِ: وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ وُجُوبُ غَسْلِ بَاطِنِ الْكَثِيفِ فَقَدْ أَوْجَبَهُ الزُّبَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ غَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ شُعُورِ الْوَجْهِ الْخَارِجَةِ عَنْ حَدِّهِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ لِلْقَوْلِ الصَّحِيحِ بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْآخَرُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الذُّؤَابَةِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الرَّأْسَ اسْمٌ لِمَا تَرَأَّسَ وَعَلَا وَلَيْسَتْ الذُّؤَابَةُ كَذَلِكَ وَالْوَجْهُ مَا حَصَلَتْ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْمُسْتَرْسِلِ: وَالثَّانِي أَنَّا سَلَكْنَا الِاحْتِيَاطَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
في مسائل تتعلق بغسل الوجه احدها قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي صِفَةُ غَسْلِ الْوَجْهِ الْمُسْتَحَبَّةِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وأسبغ وَيَبْدَأُ بِأَعْلَى وَجْهِهِ ثُمَّ يُحْدِرُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ وَلِأَنَّ أَعْلَى الْوَجْهِ أَشْرَفُ لِكَوْنِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ فَيَجْرِي الْمَاءُ بِطَبْعِهِ ثُمَّ يُمِرُّ يَدَيْهِ بِالْمَاءِ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ جميع ما يؤمر با يصال الْمَاءِ إلَيْهِ فَإِنْ أَوْصَلَ الْمَاءَ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى أَجْزَأَهُ: هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَخْذِ الْمَاءِ بِالْيَدَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نُصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَطَعَ به الجمهور: وقيل يأخذه بيد وفيه وجه ثالث لزاهر السر خسي مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَغْرِفُ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى وَيَضَعُ ظَهْرَهَا عَلَى بَطْنِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيَصُبُّهُ من أعلى
__________
(1) النازل عن حد الوجه تارة يكون كثيفا من منبته إلى منتهاه ولا شك في جريان القولين فيما نزل منه عن حد الوجه وتارة يكون خفيفا في منبته وخروجه عن حد الوجه وكلام الامام ظاهر في وجوب غسل جميعه على قول وتارة يكون كثيفا في منبته وما على حد الوجه منه ويكون المسترسل الخارج عن حد الوجه خفيفا وهذا القسم لم اره في كلامه احد والذى يتعين القطع به الحاق المسترسل منه بالقسم الاول حتى يكون في افاضة الماء على ظاهره القولان وكلام يوهم انه من قسم الخفيف كله وفيه نظر فان الامام في النهاية قال كل شعر يجب غسل منبته يجب استيعاب
جميع الشعر بالماء إذا كان في حد الوجه وهذا الوجه يرجع فيه إلى وجوه المرد فان وجب غسل المنبت وما هو في حد الوجه فلو طال الشعر وخرج في جهته عن حد الوجه فهل يجب ايثال الماء إليه إلى منتهاه فعلى قولين للشافعي احدهما يجب لئلا يتبعض حكم الشعر والثاني لا يجب فان المغسول هو الوجه والشعر الكائن في حده اه وقله لئلا يتبعض حكم الشعر مرشد لما ذكرته فتأمله والله أعلم اه من هامش اذرعي(1/380)
جَبْهَتِهِ وَقَدْ ثَبَتَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ عبد الله ابن زَيْدٍ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ وَمُسْلِمٌ يَدَهُ بِالْإِفْرَادِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فَاغْتَرَفَ بِهِمَا فغسل وجه ثَلَاثًا وَكَذَا هُوَ بِالتَّثْنِيَةِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَكِنْ فِي إسْنَادِهَا ضَعْفٌ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً فجعل بها هكذا أضافها الي يديه الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ ذلك سنة لكن الاخذ بالتكفين أَفْضَلُ عَلَى الْمُخْتَارِ لِمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ يَجِبُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ رَأْسِهِ وَرَقَبَتِهِ وَمَا تَحْتَ ذَقَنِهِ مَعَ الْوَجْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ إلَّا بِذَلِكَ كَمَا يَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي الصِّيَامِ لِيَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ ذِكْرِ الْقُلَّتَيْنِ
* (الثَّالِثَة) لَوْ خَرَجَتْ(1/381)
فِي وَجْهِهِ سِلْعَةٌ وَخَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ وَجَبَ غَسْلُهَا كُلَّهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ لِنُدُورِهِ وَلِأَنَّهَا كُلَّهَا تُعَدُّ مِنْ الْوَجْهِ وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ طَرِيقَيْنِ أَصَحُّهُمَا هَذَا: وَالثَّانِي أَنَّ الْخَارِجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ فِيهِ قَوْلَانِ كَاللِّحْيَةِ الْمُسْتَرْسِلَةِ (الرَّابِعَةُ) لَوْ قُطِعَ أَنْفُهُ أَوْ شَفَتُهُ هَلْ يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ كَمَا لَوْ كَشَطَ جِلْدَةَ وَجْهِهِ أَوْ يَدِهِ: وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ غَسْلُهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ
يُسْتَحَبُّ غَسْلُ النَّزَعَتَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ جَعَلَهُمَا مِنْ الْوَجْهِ فَيُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ
* (السَّادِسَةُ) يَجِبُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ حُمْرَةِ الشَّفَتَيْنِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ
* (السَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ عَلَى رَأْسَيْنِ وَجَبَ غَسْلُ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ قَالَ وَيُجْزِئُهُ مَسْحُ أَحَدِ الرَّأْسَيْنِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ مَسْحُ بَعْضِ كُلِّ رَأْسٍ (الثَّامِنَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ الصُّدْغَيْنِ وَهَلْ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهِ سَنُوَضِّحُهَا فِي فَصْلِ مَسْحِ الرَّأْسِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (التَّاسِعَةُ) لَا يَجِبُ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْوَجْهِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ لَا فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْغُسْل لَكِنْ يُسْتَحَبُّ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ يَجِبُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْغُسْلِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ثم غسل يديه وهو فرض لقوله تعالى (وايديكم إلى المرافق) ويستحب ان يبدأ باليمني ثم باليسري لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وإذا توضأتم فابدؤا بميامنكم فان بدا باليسرى جاز لقوله تعالى (وايديكم) ولو وجب الترتيب فيهما لما جمع بينهما)
* (الشرح) اما حديث ابى هريرة هذا حديث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ مِنْ سُنَنِهِمَا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَفْظُهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ إذَا لَبِسْتُمْ وَإِذَا تَوَضَّأْتُمْ فابدؤا بايامنكم كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ الْأَيَامِنُ: جمع ايمن والميمامن جَمْعُ مَيْمَنَةٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَبْدَأُ بِالْيُمْنَى ثُمَّ بِالْيُسْرَى هُوَ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ وَلَا حَاجَةَ(1/382)
إلى قوله ثم باليسرى ولانه قَدْ عُلِمَ بِقَوْلِهِ يَغْسِلُ يَدَيْهِ وَيَبْدَأُ بِالْيُمْنَى أَنَّ الْيُسْرَى بَعْدَهَا وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ نَظِيرَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَيُقَالُ فِيهَا كُلِّهَا مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَغَسْلُ الْيَدَيْنِ فَرْضٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وتقديم البمنى سُنَّةٌ (1) بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ يَبْدَأُ بِيَسَارِهِ وَكَذَا نَقَلَ
الْإِجْمَاعَ فِيهِ آخَرُونَ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى وَاجِبٌ لَكِنَّ الشِّيعَةَ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ المذكور ولا صحابنا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى (وايديكم) وَلَوْ وَجَبَ التَّرْتِيبُ لَبَيَّنَهُ فَقَالَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيَامِنَكُمْ وَشَمَائِلَكُمْ كَمَا رَتَّبَ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَقْدِيمِ الْيَمِينِ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَبَدَأَ بِالشِّمَالِ وَفِي رِوَايَةٍ مَا أُبَالِي لَوْ بَدَأْتُ بِالشِّمَالِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي تَقْدِيمِ الشِّمَالِ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ إجْمَاعِ مَنْ يعتد به
*
__________
(1) قوله سنة بالاجماع فيه نظر فقد حكي الرافعي في الشرح عن احمد رواية بوجوبه وان المرتضى من الشيعة حكاه عن الشافعي في القديم والله اعلم اه اذرعي(1/383)
(فَرْعٌ)
تَقْدِيمُ الْيَسَارِ وَإِنْ كَانَ مُجْزِئًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله الله تعالى في الام ومنه نقلت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْيَمِينِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلُبْسِ الثوب والنعل والخف والسر اويل ودخول المسجد والسواك والا كتحال وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخَلَاءِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُصَافَحَةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْيَسَارِ فِي ضِدِّ ذَلِكَ كَالِامْتِخَاطِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَدُخُولِ الْخَلَاءِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَخَلْعِ الخف والسراويل والثوب والنعل وفعل المستقذرات واشبه ذَلِكَ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ: مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا قَالَتْ كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ: وَكَانَتْ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صحيح وعن حفصة
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وشرابه وثيابه ويجعل يساره لِمَا سِوَى ذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُنَّ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عنها ابد أن بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا(1/384)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ إذَا لَبَسْتُمْ وَإِذَا توضأتم فابدؤا بِأَيَامِنِكُمْ وَثَبَتَ الِابْتِدَاءُ فِي الْوُضُوءِ بِالْيَمِينِ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ باليمنى وإذا نزع بالشمال لتكون اليمني أو لهما تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ إذَا دَخَلْت الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِك الْيُمْنَى وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِك الْيُسْرَى رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي أَوَائِلِ بَابِ صفة الصلاة وقال هو حديث صحح عَلَى شَرْطِ مُسْلِمِ
* (فَرْعٌ)
إنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْيَمِينِ فِي الْوُضُوءِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَأَمَّا الْكَفَّانِ وَالْخَدَّانِ وَالْأُذُنَانِ فَالسُّنَّةُ تَطْهِيرُهُمَا مَعًا فَإِنْ كان اقطع قدم اليمني والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ويجب ادخال المرفقين في الغسل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا توضأ امر الماء علي مرفقيه)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلَفْظُهُ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِ الْمِرْفَقَيْنِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ زُفَرَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَجِبُ غَسْلُ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق) فَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ(1/385)
أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ كَلَامًا مُخْتَصَرُهُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ وَآخَرُونَ قَالُوا إلَى بِمَعْنَى مَعَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ وَأَبُو اسحق الزَّجَّاجُ وَآخَرُونَ
إلَى لِلْغَايَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الا شهر فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى مَعَ فَدُخُولُ الْمِرْفَقِ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا لَمْ يُدْخِلْ الْعَضُدَ لِلْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ للغاية فالجد يَدْخُلُ إذَا كَانَ التَّحْدِيدُ شَامِلًا لِلْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ كَقَوْلِك قَطَعْت أَصَابِعَهُ مِنْ الْخِنْصَرِ إلَى الْمُسَبِّحَةِ أَوْ بِعْتُك هَذِهِ الْأَشْجَارَ مِنْ هَذِهِ إلَى هَذِهِ فَإِنَّ الْأُصْبُعَيْنِ وَالشَّجَرَتَيْنِ دَاخِلَانِ فِي الْقَطْعِ وَالْبَيْعِ بِلَا شَكٍّ لِشُمُولِ اللَّفْظِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّحْدِيدِ فِي مِثْلِ هَذَا إخْرَاجَ مَا وَرَاءَ الْحَدِّ مَعَ بَقَاءِ الْحَدِّ دَاخِلًا فَكَذَا هُنَا اسْمُ الْيَدِ شَامِلٌ مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى الابط: ففائدة التحديد بالمرافق اخراج ما فوق المرفق مَعَ بَقَاءِ الْمِرْفَقِ
* وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدَيْنِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَثَبَتَ غُسْلُهُ(1/386)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِرْفَقَيْنِ وَفِعْلُهُ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ تَرْكُهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ عكسه لغتان مشهورتان الاولى افصحهما وهو مجتمع العظمين الْمُتَدَاخِلَيْنِ وَهُمَا طَرَفَا عَظْمِ الْعَضُدِ وَطَرَفُ عَظْمِ الذِّرَاعِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَّكِئُ عَلَيْهِ الْمُتَّكِئُ إذَا أَلْقَمَ رَاحَتَهُ رَأْسَهُ وَاتَّكَأَ عَلَى ذِرَاعِهِ هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ فِي ضَبْطِ المرفق والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان طالت أظافيره وخرجت عن رؤوس الاصابع ففيه طريقان قال أبو على بن خيران يجب غسلها قولا واحدا لان ذلك نادر: ومن أصحابنا من قال فيه قولان كاللحية المسترسلة) (الشَّرْحُ) هَذَانِ الطَّرِيقَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي على بن أبي هريرة رضى الله عنه أَيْضًا وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللِّحْيَةِ بِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ وَلِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي غَسْلِهِ وَلِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ.
وَاللِّحْيَةُ تُخَالِفُهُ فِي كُلِّ هَذَا فَلَوْ كَانَ عَلَى طَرَفِ ظُفْرِهِ الْخَارِجِ شَمْعٌ وَنَحْوُهُ فَإِنْ لَمْ نُوجِبْ غَسْلَهُ صَحَّ وُضُوءُهُ وَإِلَّا فَلَا: وَالْأَظَافِيرُ وَالْأَظْفَارُ جَمْعُ ظُفْرٍ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَاللِّحْيَةِ الْمُسْتَرْسِلَةِ بِكَسْرِ السِّينِ الثَّانِيَةِ وَابْنُ خَيْرَانَ تَقَدَّمَ بَيَانُ اسْمِهِ وَحَالِهِ فِي بَابِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
*
(وَإِنْ كَانَ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ أَوْ كَفٌّ زَائِدَةٌ لَزِمَهُ غَسْلُهَا لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ يَدَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ عَلَى مَنْكِبٍ أَوْ مِرْفَقٍ لَزِمَهُ غَسْلُهُمَا لِوُقُوعِ اسْمِ الْيَدِ عيلهما وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَامَّةً وَالْأُخْرَى نَاقِصَةً فَالتَّامَّةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ وَيُنْظَرُ فِي النَّاقِصَةِ فَإِنْ خُلِقَتْ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ لَزِمَهُ غَسْلُهَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وان خلفت عَلَى الْعَضُدِ وَلَمْ تُحَاذِ مَحَلَّ الْفَرْضِ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُهَا وَإِنْ حَاذَتْ بَعْضَ مَحَلِّ الْفَرْضِ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا حَاذَى مِنْهَا مَحَلَّ الْفَرْضِ)(1/387)
(الشَّرْحُ) فِي الْأُصْبُعِ عَشْرُ لُغَاتٍ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ السِّوَاكِ: وَالْكَفُّ مُؤَنَّثَةٌ فِي اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحُكِيَ تَذْكِيرُهَا سُمِّيَتْ كَفًّا لِأَنَّهُ يَكُفُّ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْبَدَنِ وَقِيلَ لِأَنَّ بِهَا يَضُمُّ وَيَجْمَعُ وَالْمَنْكِبُ مُجْتَمَعُ مَا بَيْنَ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ وَجَمْعُهُ مَنَاكِبُ وَالْعَضُدُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الضَّادِ وَيُقَال بِإِسْكَانِ الضَّادِ مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا كَانَ لَهُ أُصْبُعٌ أَوْ كَفٌّ زَائِدَةٌ وَجَبَ غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ: وَإِنْ كَانَ لَهُ يَدَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الْبَطْشِ وَالْخِلْقَةِ وَجَبَ غَسْلُهُمَا أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِوُقُوعِ اسْمِ الْيَدِ: وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَامَّةً وَالْأُخْرَى نَاقِصَةً فَالتَّامَّةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ فَيَجِبُ غَسْلُهَا: وَأَمَّا النَّاقِصَةُ فَإِنْ خُلِقَتْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُهَا أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ قَالَ الرافعى وغيره وسواء جاوز طولهما الْأَصْلِيَّةَ أَمْ لَا: قَالَ وَمِنْ الْأَمَارَاتِ الْمُمَيِّزَةِ للزائدة تَكُونَ فَاحِشَةَ الْقِصَرِ وَالْأُخْرَى مُعْتَدِلَةً وَمِنْهَا فَقْدُ الْبَطْشِ وَضَعْفِهِ وَنَقْصُ الْأَصَابِعِ: وَإِنْ خُلِقَتْ النَّاقِصَةُ على العضد ولم يخاذ شئ مِنْهَا مَحَلَّ الْفَرْضِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ حَاذَتْهُ وَجَبَ غَسْلُ الْمُحَاذِي عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ نَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ المسألة محتملة جداو لكني لَمْ أَرَ فِيهَا إلَّا نَقْلَهُمْ النَّصَّ: هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَنَقَلَ جَمَاعَاتٌ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الْمُحَاذِي وَجْهَيْنِ (1) مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ قال كثيرن مِنْ الْمُعْتَبَرِينَ لَا يَجِبُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَصْلًا وَلَا نَابِتَةً فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ
فَتُجْعَلُ تَبَعًا وجملوا النص علي ما إذا لصق شئ مِنْهَا بِمَحَلِّ الْفَرْضِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ نَبَتَتْ سِلْعَةٌ فِي الْعَضُدِ وَتَدَلَّتْ إلَى السَّاعِدِ لم يجب غسل شئ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ إذَا تَدَلَّتْ وَلَمْ تَلْتَصِقْ والله أعلم
*
__________
(1) ويمنع الوجوب أجاب الشيخ أبو محمد في التبصرة قال في البحر وهو الاقرب عندي قلت هو القياس الظاهر اه اذرعي(1/388)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ لَهُ يَدَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ يَلْزَمُهُ غَسْلُهُمَا وَلَوْ سَرَقَ هَذَا الشَّخْصُ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كتاب الانتخاب ذكروه فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْبَغَوِيّ تُقْطَعُ إحْدَاهُمَا ثُمَّ إذَا سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ الْأُخْرَى وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ قَالَ الْأَصْحَابُ نَقْطَعُهُمَا جَمِيعًا فَغَيْرُ مُوَافَقٌ عَلَيْهِ بَلْ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَرَدُّوهُ وَالصَّوَابُ الِاكْتِفَاءُ بِإِحْدَاهُمَا وَفَرَّقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ بِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَأَمَّا الْحَدُّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان تقلع جلد من الذراع وتدلى منها لزمه غسله لانه في محل الفرض وان تقلع من الذراع وبلغ التقلع إلى العضد ثم تدلى لم يلزمه غسله لانه صار من العضد وان تقلع من العضد وتدلى منه لم يلزمه غسله لانه تدلى من غير محل الفرض وان تقلع من العضد وبلغ التقلع إلى الذراع ثم تدلى لزمه غسله لانه صار من الذراع وان تقلع من أحدهما والتحم بالآخر لزمه غسل ما حاذى منه محل الفرض لانه بمنزلة الجلد الذى على الذراع الي العضد فان كان متجافيا عن ذراعه لزمه غسل ما تحته)
*(1/389)
(الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرَهَا وَاضِحَةٌ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْجِلْدِ الْمُتَقَلِّعِ بِالْمَحَلِّ الَّذِي انْتَهَى التَّقَلُّعِ إلَيْهِ وَتَدَلَّى مِنْهُ فَيُعْتَبَرُ الْمُنْتَهَى ولا ينظر إلى المواضع الذى تقلع منه وهكذا ذكر هذه الصور أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَأَشَارَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ إلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي
حَرْمَلَةَ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِحُرُوفِهِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ فَيَجِبُ غَسْلُ جِلْدَةِ السَّاعِدِ الْمُتَدَلِّيَةِ مِنْ الْعَضُدِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ جِلْدَةِ الْعَضُدِ الْمُتَدَلِّيَةِ مِنْ السَّاعِدِ إذَا لَمْ تَلْتَصِقْ بِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّحَهُ المتولي والمختار الاول: ثم حيث أو جبنا غَسْلَ الْمُتَقَلِّعَةِ وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا وَغَسْلُ مَا تَقَلَّعَتْ عَنْهُ وَظَهَرَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ بَلَغَ التَّقَلُّعُ إلَى الْعَضُدِ ثُمَّ تَدَلَّى مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْ غَسْلُهُ يَعْنِي سَوَاءٌ حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي الْيَدِ الْمُتَدَلِّيَةِ مِنْ الْعَضُدِ الْمُحَاذِيَةِ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمُحَاذِي مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يَقَعُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْجِلْدَةِ كَذَا فَرَّقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ مُتَجَافِيًا لَزِمَهُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ(1/390)
وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا بِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَحْتَهُ كَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ الْتَصَقَتْ جِلْدَةُ الْعَضُدِ بِالسَّاعِدِ وَاسْتَتَرَ مَا تَحْتَهَا مِنْ السَّاعِدِ فَغَسَلَهَا ثُمَّ زَالَتْ الْجِلْدَةُ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ تَحْتِهَا لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى ظَاهِرِهَا كَانَ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ زَالَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَسَلَ لحيته ثم حلفت لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا كَانَ تَحْتَهَا لِأَنَّ غَسْلَ بَاطِنِهَا كَانَ مُمْكِنًا وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ غسل الظاهر وقد فعله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ محل الفرض شئ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُمِسَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْيَدِ مَاءً حَتَّى لَا يَخْلُوَ العضو من الطهارة)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ يُمِسُّ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَقَوْلُهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ هَذَا مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ وَكَذَا اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ إمْسَاسِهِ الْمَاءَ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ هَذَا الِاسْتِحْبَابُ ثَابِتٌ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ قُطِعَتْ فَوْقَ مَحَلِّ الْفَرْضِ حَتَّى لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْمَنْكِبِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُمِسَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَاءً بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِ أَصْلِ هَذَا الْإِمْسَاسِ فقال جماعة حتى لا يخلوا العضو مِنْ طَهَارَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ إطَالَةً لِلْغُرَّةِ أَيْ التَّحْجِيلُ وَقَالَ
الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ علي استحبابه فقال أبو إسحق المروزي لئلا يخلو العضو من طهارة وقال الاكثرون استحبه لانه موضع الحلية والتجليل
* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُمِسُّ مَا بَقِيَ مَاءً فَكَذَا عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ وَالْمُرَادُ بِالْإِمْسَاسِ غَسْلُ بَاقِي الْيَدِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا كَانَ غَسْلُ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقِ مُسْتَحَبًّا تَبَعًا لِلذِّرَاعِ وَقَدْ زَالَ الْمَتْبُوعُ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُشْرَعَ التَّابِعُ كَمَنْ فَاتَهُ صَلَوَاتٌ فِي زَمَنِ الْجُنُونِ وَالْحَيْضِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي(1/391)
النَّوَافِلَ الرَّاتِبَةَ التَّابِعَةَ لِلْفَرَائِضِ كَمَا لَا يَقْضِي الْفَرَائِضَ: فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عَنْ المجنون رخصة مع امكانة فإذ سَقَطَ الْأَصْلُ مَعَ إمْكَانِهِ فَالتَّابِعُ أَوْلَى وَأَمَّا سُقُوطُ غَسْلِ الذِّرَاعِ هُنَا فَلِتَعَذُّرِهِ وَالتَّعَذُّرُ مُخْتَصٌّ بِالذِّرَاعِ فَبَقِيَ الْعَضُدُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَصَارَ كَالْمُحْرِمِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ محل الفرض شئ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا بقى من محل الفرض شئ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ (1) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشئ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْأَقْطَعُ عَلَى الْوُضُوءِ وَوَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ كَمَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الْمَاءِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ (2) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَلَّى وَأَعَادَ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً ولا ترابا) (الشَّرْحُ) إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُضُوءِ لَزِمَهُ تَحْصِيلُ مَنْ يُوَضِّئُهُ إمَّا مُتَبَرِّعًا وَإِمَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا وَجَدَهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْأُجْرَةَ أَوْ وَجَدَهَا وَلَمْ يجد من يستأجره أو وجده فَلَمْ يَقْنَعْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَأَعَادَ كَمَا يُصَلِّي وَيُعِيدُ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَالصَّلَاةُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ والاعادة لا ختلال الصَّلَاةِ بِسَبَبٍ نَادِرٍ هَذَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْأَقْطَعُ عَلَى التَّيَمُّمِ فَإِنْ قَدَرَ لَزِمَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ وَيُعِيدَ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ التَّيَمُّمِ هُوَ الصَّوَابُ الذى
__________
(1) قيل ان الامام قال في باب زكاة الفطر ان اليد لو قطعت من الذراع لا يجب
غسل الباقي وهذا غريب جدا قال فان صح نقله فهو غلط اه من هامش الاذرعي (2) لا شك في جريان الوجه الذي يقول إذا وجد الماء يباع بازيد من ثمن المثل بيسير لزمه شراؤه هنا ذا لافرق فيما ظهر لي والله أعلم اه اذرعي(1/392)
نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَشَذَّ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ لَا يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ بَلْ يُصَلِّي بِحَالِهِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّيَمُّمُ وَهَذَا شَاذٌّ مُنْكَرٌ
* وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَاضِحَةً مَبْسُوطَةً وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ مُتَبَرِّعًا لَزِمَهُ الْقَبُولُ إذْ لَا منة: والشراء يمد وَيُقْصَرُ لُغَتَانِ فَإِذَا مُدَّ كُتِبَ بِالْأَلِفِ وَإِذَا قصر كتب بالياء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ مِنْ الْحَدَثِ وَكَذَا لَوْ مَسَحَ شَعْرَ رَأْسِهِ ثُمَّ حَلَقَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَسْحُ مَا ظَهَرَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَمَّا تَحْتَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ بِظُهُورِهِ طَهَارَةٌ كَمَا لَوْ غَسَلَ يَدَهُ ثُمَّ كَشَطَ جِلْدَهُ فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ صَارَ ظَاهِرًا وَإِنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ ثَقْبٌ لَزِمَهُ غَسْلُ بَاطِنِهِ لِأَنَّهُ صار ظاهرا)
* (الشرح التف أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ أَوْ رِجْلُهُ أَوْ حُلِقَ رَأْسُهُ أَوْ كُشِطَتْ جِلْدَةٌ مِنْ وَجْهِهِ أَوْ يَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ ولا مسحه مادام عَلَى تِلْكَ الطَّهَارَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْته أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ
* وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُمْ أو جبوا طَهَارَةَ ذَلِكَ الْعُضْوِ وَوَقَعَ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَلَطٌ فَقَالَا لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ ذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ خَيْرَانَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ فَيَقْتَضِي هَذَا أَنْ يَكُونَ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ فَإِنَّ ابا علي ابن خَيْرَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَمُتَقَدِّمِيهِمْ فِي الْعَصْرِ وَالْمَرْتَبَةِ وَلَكِنَّ هَذَا غَلَطٌ وَتَصْحِيفٌ وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا غَلَطٌ وتصحيف وان صوابه خلافا لا بن جَرِيرٍ بِالْجِيمِ وَهُوَ إمَامٌ مُسْتَقِلٌّ لَا يُعَدُّ قَوْلُهُ وَجْهًا فِي مَذْهَبِنَا وَقَدْ نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالْخُرَاسَانِيُّونَ أَجْمَعُونَ وَالْغَزَالِيُّ أَيْضًا فِي الْبَسِيطِ عَنْ ابْنِ جَرِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
وَقَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ مِنْ الْحَدَثِ احْتِرَازٌ مِنْ النَّجَسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمُقْطَعِ مِنْ النَّجَاسَةِ إنْ كَانَتْ فَإِنْ خَافَ مِنْ غَسْلِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ مَنْ عَلَى قُرْحِهِ دَمٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ فَيُصَلِّي بِحَالِهِ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ دَمًا كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يُعْفَى عَنْهُ: وَقَوْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَمَّا تَحْتَهُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بينه وبين الخف: وقوله فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْوَجْهِ فِي مَسَائِلِ الْفَرْعِ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ تَطَهَّرَ ثُمَّ قُطِعَ أَنْفُهُ(1/393)
أَوْ شَفَتُهُ هَلْ يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ ثَقْبٌ لَزِمَهُ غَسْلُ بَاطِنِهِ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُقَال ثَقْبٌ وثقب بفتح الثاء وضمها لغتان ذكر هما الْفَارَابِيُّ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ أَشْهَرُهُمَا الْفَتْحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِغَسْلِ الْيَدِ إحْدَاهَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي غَسْلِ يَدَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ فَيُجْرِيَ الْمَاءَ عَلَى يَدِهِ وَيُدِيرَ كَفَّهُ الْأُخْرَى عَلَيْهَا مُجْرِيًا لِلْمَاءِ بِهَا إلَى مِرْفَقِهِ وَلَا يَكْتَفِي بِجَرَيَانِ الْمَاءِ بِطَبْعِهِ فَإِنْ صَبَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بَدَأَ بِالصَّبِّ مِنْ مِرْفَقِهِ إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَيَقِفُ الصَّابُّ عَنْ يَسَارِهِ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ فَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ بِتَحْرِيكِهِ أَوْ خَلْعِهِ وَإِنْ تَحَقَّقَ وُصُولُهُ اُسْتُحِبَّ تَحْرِيكُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ حَدِيثًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ حَرَّكَ خَاتَمَهُ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَثَرِ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمَا كَانَا إذَا تَوَضَّآ حَرَّكَا الْخَاتَمَ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ دَلْكُ الْيَدَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَيُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِمَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي مَسْأَلَةِ تَخْلِيلِ الرِّجْلَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ عَلَى يَدِهِ شَعْرٌ كَثِيفٌ لَزِمَهُ غَسْلُهُ مَعَ الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ لِنُدُورِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْوَجْهِ (الرَّابِعَةُ) إذا قطعت يده فله ثلاثة أحوال ذكره الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ أَحَدُهَا تُقْطَعُ مِنْ تَحْتِ الْمِرْفَقِ فَيَجِبُ غَسْلُ بَاقِي محل الفرض بلا خلاف
* (الثاني) يُقْطَعُ فَوْقَ الْمِرْفَقِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْبَاقِي كَمَا سَبَقَ (الثَّالِثُ) يُقْطَعُ مِنْ نفس المرفق بأن يسل
الذراع ويبقى العظمان: فَنَقَلَ الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ ما بقى من المرفق وهو العظمان وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَحَكَى عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ عَلَى طَرِيقَيْنِ
* أَحَدُهُمَا يَجِبُ غَسْلُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَبَاقِي الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ(1/394)
قَالُوا وَغَلِطَ الْمُزَنِيّ فِي النَّقْلِ وَكَانَ صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ قَطَعَ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقِ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ فَوْقِ: وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ وَهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وُجُوبُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي أَصْلِ الْقَوْلَيْنِ فَقِيلَ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ غسل العظمين الْمُحِيطَيْنِ بِإِبْرَةِ الذِّرَاعِ كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ تَبَعًا لِلْإِبْرَةِ أَمْ مَقْصُودًا وَفِيهِ قَوْلَانِ فَإِنْ قُلْنَا تَبَعًا لَمْ يَجِبُ وَإِلَّا وَجَبَ وَقِيلَ مَبْنِيَّانِ على أن حقيقة المرفق ماذا: فَفِي قَوْلٍ هُوَ إبْرَةُ الذِّرَاعِ الدَّاخِلَةُ بَيْنَ ذينك العظمين وفي قول هو الابرة مع العظمين فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (ثم يمسح برأسه وهو فرض لقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) والرأس ما اشتمل عليه منابت الشعر المعتاد والنزعتان منه لانه في سمت الناصية والصدغ من الرأس لانه من منابعت شعره)
* (الشَّرْحُ) يُقَالُ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَالنَّزَعَتَانِ بِفَتْحِ النُّونِ وَالزَّاي هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وحكيت لغية بِإِسْكَانِ الزَّاي وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهِمَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَالنَّزَعَتَانِ هُمَا الْمَوْضِعَانِ الْمُحِيطَانِ بالناصية في جانبي الجبينين اللذان يَنْحَسِرُ شَعْرُ الرَّأْسِ عَنْهُمَا فِي بَعْضِ النَّاسِ وأما الناصية فهى الشعر الذى بَيْنَ النَّزَعَتَيْنِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَحَكَاهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هِيَ قِصَاصُ الشَّعْرِ وَجَمْعُهَا نَوَاصٍ وَيُقَالُ لِلنَّاصِيَةِ نَاصَاةً بِلُغَةِ طئ كما يقولون للجارية جاراه وَنَحْوُهُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَسْحُ الرَّأْسِ وَاجِبٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ وَالرَّأْسُ مَا اشْتَمَلَتْ عليه منابت(1/395)
الشَّعْرِ الْمُعْتَادِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُهُ وَالنَّزَعَتَانِ مِنْهُ هَذَا مَذْهَبُنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الاصحا ب وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا النَّزَعَتَانِ مِنْ الْوَجْهِ لِذَهَابِ الشَّعْرِ عَنْهُمَا وَاتِّصَالِهِمَا بِالْوَجْهِ
* وَدَلِيلُنَا أَنَّهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي حَدِّ الرَّأْسِ فَكَانَتَا مِنْهُ وَلَيْسَ ذَهَابُ الشَّعْرِ مُخْرِجًا لَهُمَا عَنْ حُكْمِ الرَّأْسِ كَمَا لَوْ ذَهَبَ شَعْرُ نَاصِيَتِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْعَرَبُ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ النَّزَعَةَ من الرأس وذلك ظاهر في شعرهم نص الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ غَسْلِ النَّزَعَتَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ وَنَقَلَ النَّصَّ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ غَسْلَهُمَا مَعَ الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الصُّدْغُ فَهُوَ بِالصَّادِ وَيُقَالُ بِالسِّينِ لُغَتَانِ الصَّادُ أَشْهَرُ وَهُوَ الْمُحَاذِي لِرَأْسِ الْأُذُنِ نَازِلًا إلَى أَوَّلِ الْعِذَارِ هَكَذَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَآخَرُونَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد هو المحاذي رأس الْأُذُنِ وَمَوْضِعِ التَّحْذِيفِ قَالَ وَرُبَّمَا تَرَكَهُ بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَ الْحَلْقِ قَالَ وَيَنْبَغِي أَلَّا يُتْرَكَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ الصُّدْغُ مِنْ الرَّأْسِ مِمَّنْ قَطَعَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا مِنْ الرَّأْسِ وَالثَّانِي مِنْ الْوَجْهِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَيَّاضِ وَجُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ مَا اسْتَعْلَى عَلَى الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ وَمَا انْحَدَرَ عَنْهُمَا فَمِنْ الْوَجْهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ هَذَا الثَّالِثُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ
* وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى الْجُمْهُورِ كَوْنَهُمْ قَطَعُوا بِأَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ وَقَالَ الَّذِي رَأَيْته مَنْصُوصًا صَرِيحًا لِلشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّبِيعِ وَمُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّ الصُّدْغَ مِنْ الْوَجْهِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ ثُمَّ قَالَ وَالْمَذْهَبُ مَا نَقَلْته عَنْ النَّصِّ وَكَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الا السر خسي صَاحِبُ الْأَمَالِي فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ وَتَأَوَّلَهُ وَقَالَ أَرَادَ بِالصُّدْغِ الْعِذَارَ وَهَذَا مَتْرُوكٌ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ إلى عَمْرٍو وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِهِ الْأَقْسَامِ وَابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ الصُّدْغَانِ مِنْ الْوَجْهِ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالصُّدْغِ الْعِذَارَ فان ابن القاص وَإِذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ بَشَرَةَ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ(1/396)
إنْ كَانَ شَعْرُهُ كَثِيرًا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَالْعَنْفَقَةِ وَمَوَاضِعِ الصُّدْغَيْنِ هَذَا لَفْظُ ابْنِ الْقَاصِّ وَلَفْظُ الْقَفَّالِ مِثْلُهُ وَزَادَ الْقَفَّالُ بَيَانًا فَقَالَ فِي أَحَدِ تَعْلِيلَيْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَجْهَ أَحَاطَ بِالصُّدْغَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي وَرَاءَ الصُّدْغِ إلَى الْأُذُنِ مِنْ الْوَجْهِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالصُّدْغِ الْعِذَارُ فَبِهَذَا عَلَّلَ الْأَصْحَابُ غَسْلَ الْعِذَارِ فِي أَحَدِ التَّعْلِيلَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَمُحْتَمَلٌ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصُّدْغِ الْعِذَارَ كَمَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَكَذَا تَأَوَّلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ وَإِذَا غَسَلَ الْأَمْرَدُ وَجْهَهُ غَسَلَهُ كُلَّهُ ولحيته وصدغيه إلَى أُصُولِ أُذُنَيْهِ وَإِذَا غَسَلَ الْمُلْتَحِي وَجْهَهُ غَسَلَ مَا أَقْبَلَ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ إلَى وَجْهِهِ وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى الصُّدْغِ وَمَا خَلْفَ الصُّدْغِ إلَى الْأُذُنِ فَإِنْ تَرَكَ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَعَادَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَمِنْ مُخْتَصَرِ الرَّبِيعِ وَالْبُوَيْطِيِّ نَقَلْته وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ نَصَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ بِحُرُوفِهِ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ بِالصُّدْغِ هُنَا الْعِذَارَ (قُلْت) وَهَذَا تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَعَلَّ سَبَبَ هَذَا الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي تَحْقِيقِ ضَبْطِ الصُّدْغِ وَتَحْدِيدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وادبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة) * قال المصنف رحمه الله
*(1/397)
(والواجب منه أن يمسح ما يقع عليه اسم المسح وان قل وقال أبو العباس بن القاص أقله ثلاث شعرات كما نقول في الحق في الاحرام والمذهب أنه لا يتقدر لان الله تعالى أمر بالمسح وذلك يقع على القليل والكثير)
* (الشَّرْحُ) الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ لَا يَتَقَدَّرُ وُجُوبُهُ بشئ بَلْ يَكْفِي فِيهِ مَا يُمْكِنُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا حَتَّى لَوْ مَسَحَ بَعْضَ شَعْرَةِ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَيُتَصَوَّر الْمَسْحُ عَلَى بَعْضِ شَعْرَةٍ بِأَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ مَطْلِيًّا بِحِنَّاءٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الشَّعْرِ ظَاهِرًا إلَّا شَعْرَةً فَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهَا عَلَى رَأْسِهِ الْمَطْلِيِّ وَقَالَ ابن القاص وأبو الحسن بن خير ان فِي كِتَابِهِ اللَّطِيفِ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي عَلِيِّ بن
خير ان أَقَلُّهُ مَسْحُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ أَقَلَّهُ أَنْ يمسح بأقل شئ من أصبعه على أقل شئ من رأسه مِنْ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِيَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ النَّاصِيَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْسَحْ أَقَلَّ مِنْهَا
* وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْمُزَنِيِّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا نَقُولُ فِي الْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ يَعْنِي الْحَلْقَ الَّذِي هُوَ نُسُكٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَكَذَا الْحَلْقُ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ لَا تَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِيهِ إلَّا بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ فَقَاسَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْحَلْقِ الْأَوَّلِ وَآخَرُونَ عَلَى الثَّانِي وَآخَرُونَ عَلَيْهِمَا وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ(1/398)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ مَا يجزى من مسح الر أس وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَإِنْ قَلَّ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَدَاوُد
* وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَشْهُرُهَا رُبْعُ الرَّأْسِ وَالثَّانِيَةُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ بثلاث أصابع والثالثة قَدْرُ النَّاصِيَةِ
* وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نِصْفُ الرَّأْسِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ جَمِيعُ الرَّأْسِ عَلَى المشهور عنهم وقال محمد بن مسلمة مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إنْ تَرَكَ نَحْوَ ثُلُثِ الرَّأْسِ جَازَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
* وَاحْتُجَّ لمن أوجب الجميع بقوله تعالي (وامسحوا برؤوسكم) قَالُوا وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العتيق) وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ الْجَمِيعَ وَقِيَاسًا عَلَى التَّيَمُّمِ فِي قوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم) وَيَجِبُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمَسْحَ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ فَهَذَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاسْتِيعَابِ وَيَمْنَعُ التَّقْدِيرَ بِالرُّبْعِ وَالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ فَإِنَّ النَّاصِيَةَ دُونَ الرُّبْعِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ
* والذى اعتمده امام الحرمين في كتابه الا ساليب في الخلاف ان المسح إذا اطلق في المفهوم منه المسح من غير اشتراط للاستعاب وانظم إلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ النَّاصِيَةَ وَحْدَهَا وَلَمْ يَخُصَّ أَحَدٌ النَّاصِيَةَ وَمَنَعَ جَوَازَ قَدْرِهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ مُطْلَقِ الْمَسْحِ(1/399)
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا هُنَا لِلْإِلْصَاقِ بَلْ هِيَ لِلتَّبْعِيضِ وَنَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إذَا دَخَلَتْ الْبَاءُ عَلَى فِعْلٍ يتعدى بنفسه كانت للتبعيض كقوله (وامسحوا برؤوسكم) وان لم يتعد فللالصاق كقوله تعالى (وليطوفا بالبيت) قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ فَيَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ كُلَّ الرَّأْسِ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِفَضِيلَتِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْبَعْضِ فِي وَقْتٍ بَيَانًا لِلْجَوَازِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى التَّيَمُّمِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ السُّنَّةَ بَيَّنَتْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالْمَسْحِ فِي التَّيَمُّمِ الِاسْتِيعَابُ وَفِي الرَّأْسِ الْبَعْضُ
* الثَّانِي فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ بَيْنَهُمَا فَقَالَ مَسْحُ الرَّأْسِ أَصْلٌ فَاعْتُبِرَ فِيهِ حُكْمُ لَفْظِهِ وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الْوَجْهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ حُكْمُ مُبْدَلِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْفَرْقُ فَاسِدٌ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي اسْتِيعَابَ الْخُفِّ بِالْمَسْحِ لَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الثَّانِي أَنَّهُ يُفْسِدُ الْخُفَّ مَعَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِهَذَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَسْحُ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ كَالْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ فَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْحَلْقِ الشعر وتقدير الآية محلقين شعر رؤوسكم وَالشَّعْرُ إمَّا جَمْعٌ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَإِمَّا اسْمُ جِنْسٍ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ النَّحْوِ(1/400)
وَالتَّصْرِيفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثُ بِخِلَافِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالشَّعْرِ وَاسْمُ الْمَسْحِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَهَذَا الْفَرْقُ مَشْهُورُ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَضْعِيفِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاصِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ قَدْ سَقَطَ وَبَطَلَ التَّقْدِيرُ فَتَعَيَّنَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَلْ يَخْتَصُّ قَوْلُ ابْنِ القاص بما إذا مسح الشعر ام يجرى فِي مَسْحِ الْبَشَرَةِ وَيُشْتَرَطُ مَسْحُ قَدْرِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ: فِي كَلَامِ النَّقَلَةِ مَا يُشْعِرُ بِالِاحْتِمَالَيْنِ والاول اظهر والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ جَمِيعَ الرَّأْسِ فَيَأْخُذَ الْمَاءَ بِكَفَّيْهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ ثُمَّ يُلْصِقَ طَرَفَ سَبَّابَتِهِ بِطَرَفِ
سَبَّابَتِهِ الْأُخْرَى ثُمَّ يَضَعَهُمَا عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيَضَعَ إبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ ثُمَّ يَذْهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ) وَلِأَنَّ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ مُخْتَلِفَةً فَفِي ذَهَابِهِ يستقبل الشعر الذى علي مقدم رأسه فيقع المسح على باطن الشعر دون ظاهره ولا يَسْتَقْبِلُ الشَّعْرَ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ فَيَقَعُ الْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِ الشَّعْرِ فَإِذَا رَدَّ يَدَيْهِ حَصَلَ الْمَسْحُ عَلَى مَا لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ فِي ذهابه)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ زِيَادَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثم رد هما حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَقَدْ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِأَنَّ بِهَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال لِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا هُوَ رَاوِي حَدِيثِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُهَذَّبِ هُنَاكَ وَفِي أَوَّلِ بَابِ الشَّكِّ فِي الطلاق وهو(1/401)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ وَأُمُّهُ أُمُّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ شَهِدَ هُوَ وَأُمُّهُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُتِلَ بِالْحَرَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةٍ وَهُوَ غَيْرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ صَاحِبِ الْأَذَانِ وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي الْجَدِّ وَالْقَبِيلَةِ وقد أو ضحتهما فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا لِلْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالذَّهَابُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ إلَى مُؤَخَّرِهِ وَالرُّجُوعُ إلَى مُقَدَّمِهِ كِلَاهُمَا يُحْسَبُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ الذَّهَابُ من الصفا إلى المرور مَرَّةً وَالرُّجُوعُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَّا مَرَّةً ثانية على المذهب الصحيح خلافا لا بي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْفَرْقُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ تَمَامَ الْمَسْحَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَحْصُلُ عَلَى جَمِيعِ الشَّعْرِ إلَّا بِالذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ فَإِنَّهُ فِي رُجُوعِهِ يَمْسَحُ مَا لَمْ يَمْسَحْهُ فِي ذَهَابِهِ بِخِلَافِ السَّعْيِ فَإِنْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ
بِتَمَامِهَا يَحْصُلُ فِي ذَهَابِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الرَّدُّ لِمَنْ لَهُ شَعْرٌ مُسْتَرْسِلٌ أَمَّا مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ وطلع منه يسير فلا يستح لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَفَّالُ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ والمتولي وامام الحرمين والروياني وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَكَذَا لَا يُسْتَحَبُّ الرَّدُّ لِمَنْ لَهُ شَعْرٌ كَثِيرٌ مَضْفُورٌ قَالَهُ الْقَفَّالُ وامام الحرمين والروياني وصاحب العدة قال الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَوْ رَدَّ فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا الرَّدُّ لَمْ يُحْسَبُ رَدُّهُ مَرَّةً ثَانِيَةً لِأَنَّ الْبَلَلَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِحُصُولِ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ مَسَحَ طَرَفَ رَأْسِهِ ثُمَّ طَرَفًا(1/402)
آخَرَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ التَّكْرَارِ وَإِنَّمَا هُوَ مُحَاوِلَةٌ لِلِاسْتِيعَابِ وَالِاسْتِيعَابُ سُنَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ التَّكْرَارِ وَرَدُّ الْيَدِ مِنْ الْقَفَا إلَى النَّاصِيَةِ مِنْ الِاسْتِيعَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أُحِبُّ أَنْ يَتَحَرَّى جَمِيعَ رَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ هَذَا لَفْظُهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ مَنْ جَعَلَ الصُّدْغَيْنِ مِنْ الرأس قال قال الشافعي ذلك لا ستيعاب الرَّأْسِ وَمَنْ جَعَلَهُمَا مِنْ الْوَجْهِ قَالَ قَالَ الشافعي ذلك ليصير بالابتداء منهما محتلطا في استيفاء أَجْزَاءِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ هَكَذَا تَرَكَ جُزْءًا مِنْ أَوَّلِ الرَّأْسِ لَا يَمُرُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَسَحَ جميع الرأس فوجهان مشهوران لا صحابنا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْفَرْضَ مِنْهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَالْبَاقِي سُنَّةٌ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمِيعَ يَقَعُ فَرْضًا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَأَيُّ خَصْلَةٍ فَعَلَهَا حُكِمَ بِأَنَّهَا الْوَاجِبُ ثُمَّ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْوَجْهَانِ فِيمَنْ مَسَحَ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَمَّا مَنْ مَسَحَ مُتَعَاقِبًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَمَا سِوَى الْأَوَّلِ سُنَّةٌ قَطْعًا وَالْأَكْثَرُونَ أَطْلَقُوا الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ: مِنْهَا إذَا طَوَّلَ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ فَهَلْ الْوَاجِبُ الْجَمِيعُ أَمْ الْقَدْرُ الَّذِي لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ: وَمِثْلُهُ لَوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلْ الْوَاجِبُ مِنْهُ الْخَمْسُ أَوْ الْجَمِيعُ فيه الوجهن وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الزَّكَاةِ: وَمِثْلُهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يُضَحِّيَ بِهَا فَأَهْدَى بَدَنَةً أَوْ ضَحَّى بِهَا أَجْزَأَهُ وَهَلْ الْوَاجِبُ جَمِيعَهَا أَوْ سُبْعُهَا وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ فِيهِ الْوَجْهَانِ وَقَدْ ذَكَرَهَا
الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النَّذْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوَاجِب الْقَدْرُ الْمُجْزِئُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَإِطَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي تَكْثِيرِ الثَّوَابِ فَإِنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ النَّفْلِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِي الزَّكَاةِ فِي الرُّجُوعِ إذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ ثُمَّ جَرَى مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَاجِبِ لَا فِي النَّفْلِ وَفَائِدَتُهُمَا فِي النَّذْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِمَا(1/403)
لَا الْوَاجِبِ عَلَى الصَّحِيحِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَسَنُوضِحُهَا فِي أَبْوَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْقَوْلَانِ فِي الْوَقَصِ فِي الزَّكَاةِ هَلْ هُوَ عَفْوٌ أَمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَرْضُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ طَرَفَ سَبَّابَتِهِ هِيَ الْأُصْبُعُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ لِأَنَّهُ يشاربها عِنْدَ السَّبِّ وَمُقَدَّمِ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ فَهَذِهِ أُفْصِحُ اللُّغَاتِ الَّتِي فِيهِ وَهُنَّ سِتٌّ وَهِيَ جَارِيَاتٌ فِي الْمُؤَخَّرِ وَالْإِبْهَامِ بِكَسْرِ الهمزة هي الاصبع العظمى وهي معروفة وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ قَالَ ابْنُ خَرُوفٍ فِي شَرْحِ الْجَمَلِ وَتَذْكِيرُهَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَجَمْعُهَا أَبَاهِمُ عَلَى وزن أكابر وقال الجوهرى أباهيم بالياء والقفا مقصور والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ فَمَسَحَ الشَّعْرَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ مَسَحَ الْبَشَرَةَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى رأسا) (الشرح) هذا الذى قطع بن من التخير بَيْنَ مَسْحِ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَآخَرُونَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ الشيخ أبو حامد والبند نيجى وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ إنْ كَانَ عَلَى بَعْضِ رَأْسِهِ شَعْرٌ وَلَا شَعْرَ عَلَى بَعْضِهِ تَخَيَّرَ بَيْنَ مَسْحِ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ وَإِنْ كَانَ على رأسه شعرتين مَسْحُهُ وَلَا تُجْزِئُ الْبَشَرَةُ لِأَنَّ الْفَرْضَ انْتَقَلَ إلَى الشَّعْرِ فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ كَمَا لَوْ غَسَلَ بَشَرَةَ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ وَتَرَكَ شَعْرَهَا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ كَذَا قَطَعَ به الاصحاب في الطرق وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي اللِّحْيَةِ وليس بشئ وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بَيْنَ مَسْحِ بَشَرَةِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ غَسْلُ الْوَجْهِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ
تَحْصُلُ بِالشَّعْرِ دُونَ الْبَشَرَةِ وَأَمَّا الرَّأْسُ فَهُوَ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا وَالْبَشَرَةُ عَالِيَةٌ وَلِأَنَّ أَهْلَ اللِّسَانِ وَالْعُرْفِ يَعُدُّونَ ماسح بشرة الرأس ما سحا عَلَى الرَّأْسِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْجُهُ أَحَدُهَا تُجْزِئُهُ الْبَشَرَةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ(1/404)
والثاني لا والثالث وهو مذهب تُجْزِئُهُ فِي الرَّأْسِ دُونَ اللِّحْيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ كَانَ لَهُ ذُؤَابَةٌ قَدْ نَزَلَتْ عَنْ الرَّأْسِ فَمَسَحَ النَّازِلَ مِنْهَا عَنْ الرَّأْسِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّأْسِ وَإِنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ مُسْتَرْسِلٌ عَنْ مَنْبَتِهِ لم يَنْزِلْ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَمَسَحَ أَطْرَافَهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ اسْمَ الرَّأْسِ يَتَنَاوَلُهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ مَسَحَ عَلَى شَعْرٍ فِي غَيْر مَنْبَتِهِ فَهُوَ كَطَرَفِ الذُّؤَابَةِ وَلَيْسَ بشئ)
* (الشَّرْحُ) الذُّؤَابَةُ بِضَمِّ الذَّالِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهِيَ الشعر المضفور إلى جِهَةِ الْقَفَا وَجَمْعُهَا ذَوَائِبُ وَإِذَا مَسَحَ عَلَى شَعْرٍ نَازِلٍ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ لَمْ يُجْزِئْهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَلَوْ عَقَصَ أَطْرَافَ شَعْرِهِ الْمُسْتَرْسِلِ الْخَارِجِ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَشَدَّهُ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ وَمَسَحَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ: فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّقْصِيرِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الشَّعْرِ النَّازِلِ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ: فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ مَسْأَلَةِ اللِّحْيَةِ الْمُسْتَرْسِلَةِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْفَرْضُ فِي الْمَسْحِ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّأْسِ وَالرَّأْسُ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا وَمَا نَزَلَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ لَا يُسَمَّى رَأْسًا وَالْفَرْضُ فِي الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّعْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ بِخِلَافِ الْمَسْحِ وَإِذَا كَانَ الْفَرْضُ مُتَعَلِّقًا بِالشَّعْرِ فَهُوَ وَإِنْ طَالَ يُسَمَّى شَعْرَ الرَّأْسِ(1/405)
أَمَّا إذَا مَسَحَ عَلَى شَعْرٍ مُسْتَرْسِلٍ خَرَجَ عَنْ مَنْبَتِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الام فانه قال لو مسح بشئ مِنْ الشَّعْرِ عَلَى مَنَابِتِ الرَّأْسِ قَدْ أُزِيلَ عَنْ مَنْبَتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ شَعْرٌ عَلَى غَيْر مَنْبَتِهِ فَهُوَ كَالْعِمَامَةِ هَذَا نَصّه وَتَأَوَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّعْرُ مُسْتَرْسِلًا خَارِجًا عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَعَقَصَهُ فِي وَسَط رَأْسِهِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ظَاهِرٌ
* وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَجْهَيْنِ فِي شَعْرٍ خَرَجَ عَنْ مَنْبَتِهِ
وَلَكِنْ بِحَيْثُ لَوْ مُدَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنْ كَانَ مُتَجَعِّدًا بِحَيْثُ لَوْ مُدَّ مَوْضِعُ الْمَسْحِ لَخَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا: مِمَّنْ قَطَعَ بِذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَجَمَاعَاتٌ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهًا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ كَمَسْأَلَةِ الْمَعْقُوصِ في وسط الرأس والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ وَلَمْ يُرِدْ نَزْعَهَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُتِمَّ الْمَسْحَ بِالْعِمَامَةِ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرَأْسٍ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ لَا يُلْحِقُ الْمَشَقَّةَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلٍ منفصل عنه كالوجه واليد)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِ الْمُغِيرَةِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ عُضْوٌ لَا يُلْحِقُ الْمَشَقَّةَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْجَبِيرَةِ عَلَى كَسْرٍ (1) وَقَوْلُهُ حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ احْتِرَازٌ مِنْ مَسْحِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَالْعُضْوُ بِضَمِّ العين وكسرها لغتان
*
__________
(1) واحتراز من المسح على الخف أيضا اه من هامش الاذرعي(1/406)
فَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَلَمْ يُرِدْ نَزْعَهَا لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ مَسَحَ النَّاصِيَةَ كُلَّهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتِمَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ سَوَاءٌ لَبِسَهَا عَلَى طَهَارَةٍ أَوْ حَدَثٍ وَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةٌ وَلَمْ يُرِدْ نَزْعَهَا فَهِيَ كَالْعِمَامَةِ فَيَمْسَحُ بِنَاصِيَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتِمَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَهَكَذَا حُكْمُ مَا عَلَى رَأْسِ الْمَرْأَةِ وَأَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ وَلَمْ يَمْسَحْ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ فَلَا يُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَذَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْقَاسِمِ وَمَالِكٍ وأصحاب الرأى وحكاه غير عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْعِمَامَةِ قَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ واحمد وأبو ثور واسحق وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَدَاوُد قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِمَّنْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
وَأَبُو أمامة وروى عن سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز ومكحول والحسن وقتادة والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ ثُمَّ شَرَطَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ لُبْسَهَا عَلَى طَهَارَةٍ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ كَوْنَهَا مُحَنِّكَةً أَيْ بَعْضُهَا تَحْتَ الْحَنَكِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/407)
مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمْ الْبَرْدُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْعَصَائِبُ الْعَمَائِمُ وَالتَّسَاخِينُ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الْخِفَافُ وَعَنْ بِلَالٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج فيقصي حَاجَتَهُ فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْمُوقُ بِضَمِّ الْمِيمِ خُفٌّ قَصِيرٌ قَالُوا وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ سَقَطَ فَرْضُهُ فِي التَّيَمُّمِ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلٍ دُونَهُ كَالرِّجْلِ فِي الْخُفِّ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بقول الله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) وَالْعِمَامَةُ لَيْسَتْ بِرَأْسٍ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ طَهَارَتُهُ الْمَسْحُ فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلٍ دُونَهُ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ فِي التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ عضو لا تلحق المشقة إليه فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ غَالِبًا فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ كَالْيَدِ فِي الْقُفَّازِ وَالْوَجْهِ فِي الْبُرْقُعِ وَالنِّقَابِ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْأَحَادِيثِ فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَسَائِرِ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا اخْتِصَارٌ وَالْمُرَادُ مَسْحُ النَّاصِيَةِ وَالْعِمَامَةِ لِيُكْمِلَ سُنَّةَ الِاسْتِيعَابِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَكَذَا جَاءَ فِي(1/408)
حَدِيثِ بِلَالٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَبِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَسَنٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضْ الْعِمَامَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: وَالْقِطْرِيَّةُ
بِكَسْرِ الْقَافِ نَوْعٌ مِنْ الْبُرُودِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهَا حُمْرَةٌ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ وكيف يظن بالرواي حَذْفُ مِثْلِ هَذَا: فَالْجَوَابُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ وُجُوبُ مَسْحِ الرَّأْسِ وَجَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمَسْحِ النَّاصِيَةِ مَعَ الْعِمَامَةِ وَفِي بَعْضِهَا مَسْحُ الْعِمَامَةِ وَلَمْ تَذْكُرْ النَّاصِيَةَ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِمُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الْبَاقِيَةِ وَمُحْتَمِلًا لِمُخَالِفَتِهَا فَكَانَ حَمْلُهَا عَلَى الِاتِّفَاقِ وَمُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا حَذَفَ بَعْضُ الرُّوَاةِ ذِكْرَ النَّاصِيَةِ لِأَنَّ مَسْحَهَا كَانَ مَعْلُومًا لِأَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ لَهُمْ وَكَانَ الْمُهِمُّ بَيَانَ مَسْحِ الْعِمَامَةِ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَصْلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ مَسْحَ الرَّأْسِ والحديث محتمل للتأويل فلا يتر ك الْيَقِينُ بِالْمُحْتَمَلِ قَالَ هُوَ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَقِيَاسُ الْعِمَامَةِ عَلَى الْخُفِّ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ يَشُقُّ نَزْعُهُ بِخِلَافِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ
* إحْدَاهَا الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي صِفَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى مَا سَبَقَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَذَكَرِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَتُدْخِلُ يَدَهَا تَحْتَ خِمَارِهَا حَتَّى يَقَعَ الْمَسْحُ عَلَى الشَّعْرِ فَلَوْ(1/409)
وَضَعَتْ يَدَهَا الْمُبْتَلَّةَ عَلَى خِمَارِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ لَمْ يَصِلْ الْبَلَلُ إلَى الشَّعْرِ لَمْ يُجْزِئْهَا وَإِنْ وَصَلَ فَهِيَ كَالرَّجُلِ إذَا وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَى رَأْسِهِ إنْ أَمَرَّهَا عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْإِجْزَاءُ
* (الثَّانِيَةُ) لَوْ كَانَ لَهُ رَأْسَانِ كَفَاهُ مَسْحُ أَحَدِهِمَا وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلدَّارِمِيِّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلِ غسل الوجه
* (الثالثة) قال اصحابنا لا تتيعين الْيَدُ لِمَسْحِ الرَّأْسِ فَلَهُ الْمَسْحُ بِأَصَابِعِهِ وَبِأُصْبُعٍ واحدة أو خشبة أو خرقة أو غيرهما أَوْ يَمْسَحُهُ لَهُ غَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَوْ يَقِفُ تَحْتَ الْمَطَرِ فَيَقَعُ عَلَيْهِ وَيَنْوِي الْمَسْحَ فَيُجْزِئُهُ كُلُّ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ (1) وَلَوْ قَطَّرَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يسل أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ وَلَمْ يُمِرَّهَا عَلَيْهِ أَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَسْحِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَسْحًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَى إجْزَاءِ الْغَسْلِ قَالَ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْمَسْحِ فَإِجْزَاءُ الْمَسْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى إجْزَاءِ الْغَسْلِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ إجْزَاءُ الْغَسْلِ فَقَدْ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ
فِي الْبَسِيطِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهَلْ يُكْرَهُ فِيهِ وَجْهَانِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ سَرَفٌ كَالْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَلَمْ يَذْكُرْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ غَيْرَهُ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَالرَّافِعِيُّ
* وَأَمَّا غَسْلُ الْخُفِّ بَدَلَ مَسْحِهِ فَمَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لَهُ بِلَا فَائِدَةٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى كَرَاهَتِهِ إمَامُ الحرمين والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ثم يمسح اذنيه ظاهرهما وباطنهما لما روى المقدام بن معد يكرب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ برأسه واذنيه ظاهرهما وباطنهما وادخل اصبعيه في جحري اذنيه ويكون ذلك بماء جديد غير الذى مسح به الراس لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح رأسه وأمسك مسبحتيه لاذنيه ولانه عضو يتميز عن الرأس في الاسم والخلقة فلا يتبعه في الطهارة كسائر الاعضاء وقال في الام والبويطي ويأخذ لصماخيه ماء جديدا غير الماء الذى مسح به ظاهر الاذن وباطنه لان الصماخ في الاذن كالفم والانف في الوجه فكما أفرد الفم والانف عن الوجه بالماء فكذلك الصماخ في الاذن فان ترك مسح الاذن حاز لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للاعرابي توضأ كما امرك الله
__________
(1) في كون وقطع المطر يجزي عن المسح بلا خلاف بل ينبغي ان يكون على الوجهين في غسل الرأس ووضع اليد من غير مد ل اولى اه اذرعي(1/410)
وليس فيما امر الله تعالى مسح الاذنين)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ الْمِقْدَامِ فَحَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِمَعْنَاهُ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جَمَعْتهَا فِي جَامِعِ السُّنَّةِ
* وَأَمَّا رَاوِي الْحَدِيثِ فَهُوَ الْمِقْدَامُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ مِيمٌ أُخْرَى وَكَرِبُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَجْهَانِ
مَشْهُورَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْبَاء مَضْمُومَةٌ بِكُلِّ حَالٍ: وَأَمَّا يَاءُ مَعْدِي فَسَاكِنَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْمِقْدَامُ مِنْ مَشْهُورِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ كِنْدِيٌّ شَامِيٌّ حِمْصِيٌّ يُكَنَّى أَبَا كَرِيمَةَ وَقِيلَ أَبَا صَالِحٍ وَقِيلَ أَبَا يَحْيَى وَقِيلَ أَبَا بِشْرٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ تُوُفِّيَ سنة سبعة وَثَمَانِينَ ابْنُ إحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً
* وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأَمْسَكَ مُسَبِّحَتَيْهِ بِأُذُنَيْهِ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ الْمَشْهُورَةِ وَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَهُنَا نُكْتَةٌ خفيت على أهل العناية بالمذهب وَهِيَ أَنَّ مُصَنِّفَهُ رَجَعَ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الحديث واسقله من الْمُهَذَّبِ فَلَمْ يُفِدْ ذَلِكَ بَعْدَ انْتِشَارِ الْكِتَابِ قَالَ وَجَدْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ(1/411)
فِي الْخِلَافِ فِي الْحَاشِيَةِ عِنْدَ اسْتِدْلَالِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الشَّيْخُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَنِ فَيَجِبُ أَنْ تَضْرِبُوا عَلَيْهِ وَفِي الْمُهَذَّبِ فَإِنِّي صَنَّفْتُهُ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ وَمَا عَرَفْته قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَبَلَغَنِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَضْرُوبٌ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ بِخَطِّهِ وَيُغْنِي عَنْ هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ
* وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ فَصَحِيحٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْمَضْمَضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَوْلُهُ جُحْرَيْ أُذُنَيْهِ هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَهُوَ الثَّقْبُ الْمَعْرُوفُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ بَدَلَ جُحْرَيْ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ وَالْأُذُنُ بِضَمِّ الذَّالِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا كَمَا سَبَقَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَذَنِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ وَالصِّمَاخُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَيُقَالُ السِّمَاخُ بِالسِّينِ لُغَتَانِ الصَّادُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَادَّعَى ابْنُ السِّكِّيتِ وَابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالسِّينِ
* وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ كَذَا(1/412)
وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَقَالَ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهُوَ صَحِيحٌ
* وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ تَمَيَّزَ عَنْ الرَّأْسِ فِي الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ اُحْتُرِزَ بِالِاسْمِ عَنْ النَّاصِيَةِ وَبِالْخِلْقَةِ عَنْ النَّزَعَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَمَسْحُ
الْأُذُنَيْنِ سُنَّةٌ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا فَظَاهِرُهُمَا مَا يَلِي الرَّأْسَ وَبَاطِنُهُمَا مَا يَلِي الْوَجْهَ كَذَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ وَاضِحٌ: وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَاتٌ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ وَيُدْخِلُ مُسَبِّحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ وَيُدِيرُهُمَا عَلَى الْمَعَاطِفِ وَيُمِرُّ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظُهُورِ الْأُذُنَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُلْصِقُ بَعْدَ ذَلِكَ كَفَّيْهِ الْمَبْلُولَتَيْنِ بِأُذُنَيْهِ طَلَبًا لِلِاسْتِيعَابِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا يَمْسَحُ بِالْإِبْهَامِ ظَاهِرَ الاذن وبالمسحة بَاطِنَهَا وَيُمِرُّ رَأْسَ الْأُصْبُعِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَيُدْخِلُ الْخِنْصَرَ فِي صِمَاخَيْهِ قَالَ الْفُورَانِيُّ وَيَضَعُ الْإِبْهَامَ عَلَى ظَاهِرِ الْأُذُنِ وَيُمِرُّهَا إلَى جِهَةِ الْعُلُوِّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَمْسَحُ الْأُذُنَيْنِ مَعًا وَلَا يُقَدِّمُ الْيُمْنَى فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ قَدَّمَهَا وحكي الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى وَهُوَ شَاذٌّ وَغَلَطٌ
* وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي حُصُولِهِ وَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ وَيُشْتَرَطُ لِمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ مَاءٌ غَيْرُ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ الرَّأْسَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ العلماء قال أصحابنا ولا يشترط أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ لِلْمَاءِ لَهُمَا أَخْذًا جَدِيدًا بَلْ لَوْ أَخَذَ الْمَاءَ لِلرَّأْسِ بِأَصَابِعِهِ فَمَسَحَ بِبَعْضِهَا وَأَمْسَكَ بَعْضَهَا ثُمَّ مَسَحَ الْأُذُنَيْنِ بِمَا أَمْسَكَهُ صَحَّ لِأَنَّهُ مَسَحَهُمَا بِغَيْرِ مَاءِ الرَّأْسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَأْخُذُ لِلصِّمَاخَيْنِ مَاءً غَيْرَ مَاءِ ظَاهِرِ الْأُذُنِ وَبَاطِنِهِ (1) وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ لِلصِّمَاخِ ثَلَاثًا كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كتابه وَهُوَ وَاضِحٌ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَجْهًا أَنَّهُ يَكْفِي مَسْحُ الصِّمَاخِ بِبَقِيَّةِ مَاءِ الْأُذُنِ لِكَوْنِهِ مِنْهَا وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قَوْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأُذُنَيْنِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ الْوَجْهِ وَلَا مِنْ الرَّأْسِ بَلْ عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ يُسَنُّ مَسْحُهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَا يَجِبُ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ مِنْ السَّلَفِ حَكَوْهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ هُمَا مِنْ الْوَجْهِ فَيُغْسَلَانِ معه وقال الاكثرون هما من الرأس
* قال ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَبِهِ قَالَ عَطَّاءُ وَابْنُ المسيب
__________
(1) الذي يظهر لي رجحان هذا القول أو الوجه لان البلل الباقي من ماء الاذن طهور على
الصحيح لانه مستعمل في نقل الطهارة وعلى هذا السياق لو مسح الاذن والصماخ بماء واحد كفى نعم ما ذكر افضل واكمل والله اعلم اه اذرعي(1/413)
وَالْحَسَنُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْن جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وابو حنيفة واصحابه واحمد قال الترمذي وهو قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وبه قال الثوري وابن المبارك وأحمد واسحق وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ هَلْ يَأْخُذُ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا أَمْ يَمْسَحُهُمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ
* وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ مَا أَقْبَلَ مِنْهُمَا فَهُوَ مِنْ الْوَجْهِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَأَضَافَ السَّمْعَ إلَى الْوَجْهِ كَمَا أَضَافَ إلَيْهِ الْبَصَرَ
* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (واخذ برأس اخيه يجره إليه) وقيل المراد به الاذن
* واحتجوا بحديث شهرين حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وابن عمرو انس وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ وَقَالَ بِالْوُسْطَيَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ فِي بَاطِنِ أُذُنَيْهِ وَالْإِبْهَامَيْنِ مِنْ وَرَاءِ أُذُنَيْهِ
* وَاحْتُجَّ لِلشَّعْبِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ وَمُؤَخَّرَ أُذُنَيْهِ وَلِأَنَّ الْوَجْهَ مَا حَصَلَتْ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِمَا أَقْبَلَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَشْيَاءَ أَحْسَنُهَا حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ الرَّأْسِ إذْ لَوْ كَانَتَا مِنْهُ لَمَا أَخَذَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا كَسَائِرِ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَخْذِ مَاءٍ جَدِيدٍ فَيُحْتَجُّ بِهِ أَيْضًا عَلَى مَنْ قَالَ يَمْسَحُهُمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الْوَجْهِ فَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الدَّلَالَةَ لِلْمَذْهَبِ وَالرَّدَّ عَلَى جَمِيعِ الْمُخَالِفِينَ
* وَاحْتَجُّوا عَلَى مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الْوَجْهِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ(1/414)
يَمْسَحُهُمَا وَلَمْ يُنْقَلْ غَسْلُهُمَا مَعَ كَثْرَةِ رُوَاةِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى
أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَا يَلْزَمُهُ مَسْحُهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِأَنَّ الْأَصْمَعِيَّ وَالْمُفَضَّلَ بْنَ سَلِمَةَ قَالَا الْأُذُنَانِ لَيْسَتَا مِنْ الرَّأْسِ وَهُمَا إمَامَانِ مِنْ أَجَلِّ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي اللُّغَةِ إلَى نَقْلِ أَهْلِهَا
* وَاحْتَجُّوا عَلَى مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَسْحُهُمَا عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ بِخِلَافِ أَجْزَائِهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ قَصَّرَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَعْرِهِمَا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ تَقْصِيرِ الرَّأْسِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ يُخَالِفُ الرَّأْسَ خِلْقَةً وَسَمْتًا فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ كَالْخَدِّ وَقَوْلُنَا وَسَمْتًا احْتِرَازٌ مِنْ النَّزَعَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْبَيَاضَ الدَّائِرَ حَوْلَ الْأُذُنِ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ مَعَ قُرْبِهِ فالاذن أولى ولانه لا يتعلق بالاذن شئ مِنْ أَحْكَامِ الرَّأْسِ سِوَى الْمَسْحِ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ حُكْمَهَا فِي الْمَسْحِ حُكْمُ الرَّأْسِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ الزُّهْرِيِّ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الْجُمْلَةُ وَالذَّاتُ كَقَوْلِهِ تعالى (كل شئ هالك الا وجهه) الدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ السُّجُودَ حَاصِلٌ بِأَعْضَاءٍ أخر: الثاني ان الشئ يُضَافُ إلَى مَا يُقَارِبُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ
* وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ تَأْوِيلٌ لِلْآيَةِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا فَلَا يُقْبَلُ وَالْمُفَسِّرُونَ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ الْمُرَادُ الرَّأْسُ وَقِيلَ الْأُذُنُ وَقِيلَ الذُّؤَابَةُ فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ
* وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهَا مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ تَضْعِيفُهَا إلَّا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا ادَّعُوهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ مَسَحَهُمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الرَّأْسِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا كَأَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ مِنْ كُلِّ يَدٍ أُصْبُعَيْنِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ مَسَحَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ الشَّعْبِيِّ بِفِعْلِ عَلِيٍّ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا تُعْرَفُ: وَالثَّانِي لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مُقَدَّمِ الْأُذُنِ وَمُؤَخَّرِهَا
* وَالثَّالِثُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْعَبَ الرَّأْسَ فَانْمَسَحَ مُؤَخَّرُ الْأُذُنِ مَعَهُ ضِمْنًا لَا مَقْصُودًا لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ لَا يَتَأَتَّى غَالِبًا إلَّا بِذَلِكَ
* الرَّابِعُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَتَعَذَّرَ تَأْوِيلُهُ كَانَ مَا(1/415)
قَدَّمْنَاهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ عَلِيٍّ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَيْنِ تُطَهَّرَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَطْهِيرِهِمَا عَلَى
الْمَذَاهِبِ السَّابِقَةِ
* قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ تَرَكَ مَسْحَهُمَا فَطَهَارَتُهُ صَحِيحَةٌ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ غَيْرُهُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عن اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَرَكَ مَسْحَهُمَا عَمْدًا لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهُ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ لِأَنَّهُ لَا ذِكْرَ لَهُمَا فِي الْقُرْآنِ وَلَكِنَّ الشعية لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَإِنْ تَبَرَّعْنَا بالرد عليهم فدليله الاحاديث الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
حَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي والمستظهري عن ابي العباس ابن سُرَيْجٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ أُذُنَيْهِ ثَلَاثًا مَعَ الْوَجْهِ كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَيَمْسَحُهُمَا مَعَ الرَّأْسِ كَمَا قَالَ الْآخَرُونَ وَيَمْسَحُهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ ثَلَاثًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ سُرَيْجٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَاجِبًا بَلْ احْتِيَاطًا لِيَخْرُجَ(1/416)
من الخلاف
* وقال الشيخ أبو عمر وبن الصَّلَاحِ لَمْ يَخْرُجْ ابْنُ سُرَيْجٍ بِهَذَا مِنْ الخلاف بل زاد فيه في الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَمِيعِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ بَلْ يَفْعَلُهُ اسْتِحْبَابًا وَاحْتِيَاطًا كَمَا سَبَقَ وَذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ مَحْبُوبٌ وَكَمْ مِنْ مَوْضِعٍ مِثْلِ هَذَا اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِفِعْلِ أَشْيَاءَ لَا يَقُولُ بِإِيجَابِهَا كُلِّهَا أَحَدٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الشافعي والاصحاب رحمهما اللَّهُ قَالُوا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ النَّزَعَتَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ وَهُمَا مِمَّا يُمْسَحُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذْ هُمَا من الرأس واستعابه بِالْمَسْحِ مَأْمُورٌ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا اسْتَحَبُّوا غَسْلَهُمَا لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الْوَجْهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ غَسْلِهِمَا وَمَسْحِهِمَا وَمَعَ هَذَا اسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فَالصَّوَابُ اسْتِحْسَانُ فِعْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ رحمه الله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَهُوَ فَرْضٌ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضأ ان نغسل ارجلنا)
(الشرح) هذا الحديث رواه الدارقطني بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم تسع عشرة غزوة توفى بالمدنية سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَتُوُفِّيَ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ
* وَقَالَتْ الشِّيعَةُ الْوَاجِبُ مَسْحُهُمَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ محمد بن جريرر أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ غَسْلِهِمَا وَمَسْحِهِمَا وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْجُبَّائِيُّ الْمُعْتَزِلِيِّ وَأَوْجَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ جَمِيعًا
* وَاحْتَجَّ(1/417)
القائلون بالمسح بقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) بِالْجَرِّ عَلَى إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي السَّبْعِ فَعَطَفَ الْمَمْسُوحَ عَلَى الْمَمْسُوحِ وَجَعَلَ الْأَعْضَاءَ أَرْبَعَةً قِسْمَيْنِ مَغْسُولَيْنِ ثُمَّ مَمْسُوحَيْنِ
* وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْحَجَّاجَ خَطَبَ فَقَالَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَقَالَ أَنَسٌ صدق الله وكذب الحجاج (فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) قَرَأَهَا جَرًّا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا هُمَا غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ وَعَنْهُ أَمَرَ اللَّهُ بِالْمَسْحِ وَيَأْبَى النَّاسُ إلَّا الْغَسْلَ
* وَعَنْ رِفَاعَةَ فِي حَدِيثِ المسيئ صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَفِيهَا نعله ثم فتلها بها ثُمَّ صَنَعَ بِالْيُسْرَى كَذَلِكَ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ يَسْقُطُ فِي التَّيَمُّمِ فَكَانَ فَرْضُهُ الْمَسْحَ كَالرَّأْسِ
* وَاحْتَجَّ اصحابنا بالاحاديث الصحيحة المستفيضة في صفة وضوءه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْهَا حَدِيثُ عُثْمَانَ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ والربيع بنت معوز وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ جَمَعْتُهَا كُلَّهَا فِي جَامِعِ السُّنَّةِ وَمِنْهَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم رأى جماعة توضأوا وَبَقِيَتْ أَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فَقَالَ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَرَوَيَا نَحْوَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ اسْتِيعَابَ الرِّجْلَيْنِ بِالْغَسْلِ وَاجِبٌ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى قَدَمَيْهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعن عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يا رسول الله كيف الطهور فدعى بِمَاءٍ فِي إنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثلاثا(1/418)
ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَدِلَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُقَرِّبُ وُضُوءَهُ فَيُمَضْمِضُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ مَعَ الْمَاءِ إلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الماء رواه مسلم بهذا اللفظ وفي روايته قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ سبع مرار وقال الْبَيْهَقِيُّ رَوَيْنَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِهِمَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْمَضْمَضَةِ وَسَنُعِيدُهُ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِلْغَسْلِ: وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ مَحْدُودَانِ فَكَانَ وَاجِبُهُمَا الْغَسْلَ كَالْيَدَيْنِ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احتحاجهم بقوله تعالى (وأرجلكم)
فَقَدْ قُرِئَتْ بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ فَالنَّصْبُ صَرِيحٌ فِي الغسل ويكون مَعْطُوفَةً عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَأَمَّا الْجَرُّ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَشْهَرُهَا أَنَّ الْجَرَّ علي مجاورة الرؤوس مَعَ أَنَّ الْأَرْجُلَ مَنْصُوبَةٌ وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَفِيهِ أَشْعَارٌ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَفِيهِ من منثور كَلَامِهِمْ كَثِيرٌ: مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ هَذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ بِجَرِّ خَرِبٍ عَلَى جِوَارِ ضَبٍّ وَهُوَ مَرْفُوعٌ صِفَةٌ لِجُحْرٍ وَمِنْهُ فِي الْقُرْآنِ (اني اخاف عليكم عذاب يوم اليم) فَجَرَّ أَلِيمًا عَلَى جِوَارِ يَوْمٍ وَهُوَ مَنْصُوبُ(1/419)
صِفَةً لِعَذَابٍ
* فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَصِحُّ الْإِتْبَاعُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَاوٌ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَصِحَّ وَالْآيَةُ فِيهَا وَاوٌ قُلْنَا هَذَا غلط فان الاتباع مع الواو ومشهور فِي أَشْعَارِهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا أَنْشَدُوهُ: لَمْ يَبْقَ إلَّا أَسِيرٌ غَيْرُ مُنْفَلِتِ
* وَمُوثَقٍ فِي عقال الاسر مكبول فخفض موثقا لمجاورته مُنْفَلِتٍ وَهُوَ مَرْفُوعٌ مَعْطُوفٌ عَلَى أَسِيرٍ فَإِنْ قَالُوا الْإِتْبَاعُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا لَا لَبْسَ فِيهِ وَهَذَا فِيهِ لَبْسٌ قُلْنَا لَا لَبْسَ هُنَا لِأَنَّهُ حُدِّدَ بِالْكَعْبَيْنِ وَالْمَسْحُ لَا يَكُونُ إلَى الْكَعْبَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ: وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ قِرَاءَتَيْ الْجَرِّ وَالنَّصْبِ يَتَعَادَلَانِ وَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ وَرَجَّحَتْ الْغَسْلَ فَتَعَيَّنَ: الثَّالِثُ ذَكَرَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجَرَّ مَحْمُولٌ عَلَى مَسْحِ الْخُفِّ وَالنَّصْبَ عَلَى الْغَسْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ خُفٌّ
* الرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمَسْحُ لِحُمِلَ الْمَسْحُ عَلَى الْغَسْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْقِرَاءَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَسْحَ يُطْلَقُ عَلَى الْغَسْلِ كَذَا نَقَلَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ: مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ العرب تسمي خفيف الغسل مسحا وردى البيهقي باسناده عن الاعمش قال كانوا يقرؤونها وَكَانُوا يَغْسِلُونَ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِكَلَامِ أَنَسٍ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَشْهَرُهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَنَسًا أَنْكَرَ عَلَى الْحَجَّاجِ كَوْنَ الْآيَةِ تَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْغَسْلِ وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْغَسْلَ إنَّمَا عُلِمَ وُجُوبُهُ مِنْ بَيَانِ السُّنَّةِ فَهُوَ موافق للحجاج كَوْنَ الْآيَةِ تَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْغَسْلِ وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْغَسْلَ إنَّمَا عُلِمَ وُجُوبُهُ مِنْ بَيَانِ السُّنَّةِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْحَجَّاجِ فِي الْغَسْلِ مُخَالِفٌ لَهُ فِي الدَّلِيلِ
* وَالثَّانِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ الْغَسْلَ إنَّمَا أَنْكَرَ القراءة فكأنه لم يكن (1) قِرَاءَةَ النَّصْبِ وَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَيُؤَيِّدُ
هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّ أَنَسًا نَقَلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا دَلَّ عَلَى الْغَسْلِ وَكَانَ أَنَسٌ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ
* الثَّالِثُ لَوْ تَعَذَّرَ تَأْوِيلُ كَلَامِ أَنَسٍ كَانَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِهِ وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَقَوْلِهِمْ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ: وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحْسَنُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا مَعْرُوفٍ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابِهِ اختلاف العلماء الا أن إسناده ضعيف
__________
(1) بهامش نسخة الاذرعي ما نصه كذا في الاصل ولعله (بلغه) اه(1/420)
بَلْ الصَّحِيحُ الثَّابِتُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ (وأرجلكم بِالنَّصْبِ وَيَقُولُ عَطْفٌ عَلَى الْمَغْسُولِ: هَكَذَا رَوَاهُ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ الْحُفَّاظُ الْأَعْلَامُ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَجَمَاعَاتُ الْقُرَّاءِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدِهِمْ: وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ: وَالْجَوَابُ الثَّانِي نَحْوُ الْجَوَابِ السَّابِقِ فِي كَلَامِ أَنَسٍ
* وَأَمَّا حَدِيثُ رِفَاعَةَ فَهُوَ عَلَى لَفْظِ الْآيَةِ فَيُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ
* وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ فَكَيْفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَنِ الْمُتَظَاهِرَةِ وَالدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ: الثَّانِي لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ الْغَسْلُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* الثَّالِث جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ غَسَلَ الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَوَجَبَ حَمْلُ الرِّوَايَةِ الْمُحْتَمِلَةِ عَلَى الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ
* وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّأْسِ فَمُنْتَقَضٌ بِرِجْلِ الْجُنُبِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فَرْضُهَا في التيمم ولا يجزئ مسحا بالاتفاق والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَيَجِبُ إدْخَالُ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وأرجلكم إلى الكعبين) قال أهل التقسير مع الكعبين والكعبان هما العظمان النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَقَالَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْصِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَمَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِهِ فَدَلَّ عَلَى
أَنَّ الْكَعْبَ مَا قلناه)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ النُّعْمَانِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ فَقَالَ فِي أبواب تسوية الصفوف وقال النعمان(1/421)
ابن بَشِيرٍ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْصِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ تَعْلِيقَاتِ الْبُخَارِيِّ إذَا كَانَتْ بِصِيغَةِ جَزْمٍ كَانَتْ صَحِيحَةً وَقَوْلُهُ وَرَوَى النُّعْمَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا هُوَ مِنْ بَابِ تَلْوِينِ الْخِطَابِ وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ قَالَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا وَلَوْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِلَفْظَةِ قَالَ كَمَا هِيَ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ لَكَانَ أَحْسَنَ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ مَعْنَاهُ أَتِمُّوهَا وَاعْتَدِلُوا وَاسْتَوُوا فِيهَا.
وَقَوْلُهُ يُلْصِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَمَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِهِ إخْبَارٌ عَنْ شِدَّةِ مُبَالَغَتِهِمْ فِي إقَامَةِ الصُّفُوفِ وَتَسْوِيَتِهَا.
وَالْمَنْكِبُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَقَوْلُ المصنف العظمان النَّاتِئَانِ هُوَ بِالنُّونِ فِي أَوَّلِهِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تاء مثناة فوق ثم همزة ومعناه الناشز ان الْمُرْتَفِعَانِ.
وَقَوْلُهُ مَفْصِلُ السَّاقِ هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَالسَّاقُ مُؤَنَّثَةٌ غَيْرُ مَهْمُوزَةٍ وَفِيهَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ بِالْهَمْزِ وَقَدْ قُرِئَ بِهَا فِي السبع في قوله تعالى فكشفت عن ساقيها وَغَيْرِهِ
* وَأَمَّا النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَاوِي الْحَدِيثِ فَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيُّ وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِلْأَنْصَارِ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ وَأَبُوهُ بَشِيرٌ صَحَابِيَّانِ وَأُمُّ النُّعْمَانَ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ أُخْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ صَحَابِيَّةٌ وَوُلِدَ النُّعْمَانُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقُتِلَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى حِمْصٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ سَنَةَ سِتِّينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّهُ يَجِبُ إدْخَالُ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ فِيهِ زُفَرُ وَابْنُ دَاوُد وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ وَدَلِيلَهُ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَيْ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ كَمَا سَبَقَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم هذا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءُ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ هُمَا النَّاتِئَانِ فِي ظَهْرِ الْقَدَمَيْنِ فَعِنْدَهُمْ
أَنَّ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبًا وَاحِدًا وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِهِ الزِّيَادَاتِ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ وحكاه(1/422)
الرافعى وجها لنا وليس بشئ وَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ الْمُخَالِفِينَ حُجَّةٌ تُذْكَرُ وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاللُّغَةُ وَالِاشْتِقَاقُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تعالى (وأرجلكم الي الكعبين) قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي كل رجل كعبان ولا يجئ هَذَا إلَّا عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَلَوْ كَانَ كما قال إلَى الْكِعَابِ كَمَا قَالَ إلَى الْمَرَافِقِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ الْيُسْرَى كَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ يُلْصِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْكَعْبِ الَّذِي قُلْنَاهُ وَنَظَائِرُ هَذَا فِي الْأَحَادِيثِ كَثِيرَةٌ: وَأَمَّا الِاشْتِقَاقُ فَهُوَ أَنَّ الْكَعْبَ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّكَعُّبِ وَهُوَ النُّتُوُّ مَعَ الِاسْتِدَارَةِ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْكَعْبَةُ وَمِنْهُ كَعْبُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ وَهَذِهِ صِفَةُ الْكَعْبِ الَّذِي قلناه لا الذى قالوه قال الْخَطَّابِيُّ وَقَالَتْ الْعَرَبُ كَعْبٌ أَدْرَمُ وَهُوَ الْمُنْدَمِجُ الْمُمْتَلِئُ وَلَا يُوصَفُ ظَهْرُ الْقَدَمِ بِالدَّرَمِ: وَأَمَّا نَقْلُ اللُّغَةِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْمَحْكِيُّ عَنْ قُرَيْشٍ وَنِزَارٍ كُلِّهَا مُضَرُ وَرَبِيعَةُ لَا يَخْتَلِفُ لِسَانُ جَمِيعِهِمْ أَنَّ الْكَعْبَ اسْمٌ لِلنَّاتِئِ بَيْنَ السَّاقِ والقدم قال وهو أَوْلَى بِأَنْ يُعْتَبَرَ لِسَانُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ وَقَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَيْنِ الْكَعْبُ مَا أَشْرَفَ فوق الرسغ ونقله أبو عبيد عن الا صمعي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ النَّحْوِيِّ الْأَنْصَارِيِّ وَالْمُفَضَّلِ بْنِ سَلَمَةَ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَهَؤُلَاءِ أَعْلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَلَا يُعَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ الْكَعْبُ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ اللُّغَةِ وَالْأَخْبَارِ وَإِجْمَاعِ النَّاسِ فَهَذِهِ أَقْوَالُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ الْمُصَرِّحَةُ بِمَا قُلْنَا قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ قِيلَ لِلْبَهَائِمِ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَذَا فِي الْآدَمِيِّ قُلْنَا خِلْقَةُ الْآدَمِيِّ تُخَالِفُ الْبَهَائِمَ لِأَنَّ كَعْبَ الْبَهِيمَةِ فَوْقَ سَاقِهَا وَكَعْبُ الْآدَمِيِّ فِي أَسْفَلِهِ فلا يلزم اتفاقهما والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*(1/423)
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْيَدِ فَإِنْ كَانَتْ أَصَابِعُهُ مُنْفَرِجَةً
فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلِّلَ بَيْنَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَإِنْ كَانَتْ مُلْتَفَّةً لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهَا إلَّا بِالتَّخْلِيلِ وَجَبَ التَّخْلِيلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلِّلُوا بَيْنَ أَصَابِعِكُمْ لَا يخلل الله بينها بالنار)
* (الشرح) حديث لقيط سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ رَوَاهُ الدارقطني مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَفِي التَّخْلِيلِ أَحَادِيثُ مِنْهَا حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فخلل بين أصابع قدميه ثَلَاثًا وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل كما فعلت رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَاجْعَلْ الْمَاءَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حنبل والترمذي وقال حديث حسن غريب هذا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ مولي التؤمة وَقَدْ ضَعَّفَهُ مَالِكٌ فَلَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ فَصَارَ حَسَنًا كما قاله الترمذي.
وعن المستوردين شَدَّادِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصِرِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضعيف عند أهل الحديث) وأما الْأَحْكَامُ فَهُنَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) يُسْتَحَبُّ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى بَلْ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْيُسْرَى وقد سبق بيان هذا ود ليله فِي فَصْلِ الْيَدَيْنِ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَبْدَأُ بِالْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى هُوَ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ قَبْلَ الْيُسْرَى وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي التَّخْلِيلِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ أَصَابِعُ رِجْلَيْهِ مُنْفَرِجَةً اُسْتُحِبَّ التَّخْلِيلُ وَلَا يَجِبُ وَحَدِيثُ لَقِيطٍ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى(1/424)
مَا بَيْنهَا إلَّا بِالتَّخْلِيلِ وَإِنْ كَانَتْ مُلْتَفَّةً وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا بَيْنَهَا وَلَا يَتَعَيَّنُ فِي إيصَالِهِ التَّخْلِيلُ بَلْ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَوْصَلَهُ حَصَلَ الْوَاجِبُ وَيُسْتَحَبُّ مَعَ إيصَالِهِ التَّخْلِيلُ فَالتَّخْلِيلُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا وَإِيصَالُ الْمَاءِ وَاجِبٌ
* وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِمْ إنْ كَانَتْ مُلْتَفَّةً وَجَبَ التَّخْلِيلُ أَرَادُوا بِهِ إيصَالَ الْمَاءِ لِأَنَّهُمْ فَرَضُوا
الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَّا بِالتَّخْلِيلِ
* وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّخْلِيلِ فَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ يُخَلِّلُ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَيَكُونُ مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ مُبْتَدِئًا بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى مِمَّنْ ذَكَرَهُ هَكَذَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْقَاضِي ابو الطيب في تعليه يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلِّلَ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُمْنَى مِنْ تَحْتِ الرِّجْلِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَسْتُ أَرَى لِتَعْيِينِ الْيَدِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى فِي ذَلِكَ أَصْلًا إلَّا النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَلَيْسَ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ مُشَابِهًا لَهُ فَلَا حَجْرَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فِي اسْتِعْمَالِ الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ فَإِنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَخَلَلُ الْأَصَابِعِ جُزْءٌ مِنْهَا وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي فِي تَعْيِينِ احدى اليدين شئ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَنَّ مُسْتَنِدَ الْأَصْحَابِ فِي تَعْيِينِ الْيُسْرَى الِاسْتِنْجَاءُ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْمَشْهُورَ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ اسْتِحْبَابِ خِنْصَرِ الْيُسْرَى وَنَقَلَهُ عَنْ معظم الائمة ثم حكي عن ابي ظاهر الزِّيَادِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُخَلِّلُ مَا بَيْنَ كُلِّ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بِأُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ يَدِهِ لِيَكُونَ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَيَتْرُكُ الْإِبْهَامَيْنِ فَلَا يخلل بهنا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا أَنَّ التَّخْلِيلَ مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلِ وَيَبْدَأُ مِنْ خِنْصَرِ الْيَمِينِ وَفِي الْأُصْبُعِ الَّتِي يُخَلِّلُ بِهَا أَوْجُهٌ الْأَشْهَرُ أَنَّهَا خِنْصَرُ الْيُسْرَى وَالثَّانِي خنصر اليمنى قال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
* الثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي طَاهِرٍ
* الرَّابِعُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ يَدٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ هَذَا حُكْمُ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ
* وَأَمَّا أَصَابِعُ الْيَدَيْنِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثُ ابن عباس الذي قد مناه وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ اسْتِحْبَابَ تَخْلِيلِهِمَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ سَكَتَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ يُسْتَحَبُّ لِحَدِيثِ لَقِيطٍ فَإِنَّ الْأَصَابِعَ تَشْمَلُهَا وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَخْلِيلُهُمَا بِالتَّشْبِيكِ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
في مسائل تتعلق بغسل الرجليل إحْدَاهَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي غَسْلِهِمَا قال الشافعي(1/425)
رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ يَنْصِبُ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِمَا الْمَاءَ بِيَمِينِهِ أَوْ يَصُبُّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ هَذَا نَصُّهُ وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَيَدْلُكْهُمَا بِيَسَارِهِ وَيَجْتَهِدُ فِي دَلْكِ الْعَقِبِ لَا سِيَّمَا فِي الشِّتَاءِ
فَإِنَّ الْمَاءَ يَتَجَافَى عَنْهَا وَكَذَا أَطْلَقَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَآخَرُونَ اسْتِحْبَابَ الِابْتِدَاءِ بِأَصَابِعِ رِجْلِهِ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ يَصُبُّ عَلَى نَفْسِهِ بَدَأَ بِأَصَابِعِ رِجْلِهِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يَصُبُّ عَلَيْهِ بَدَأَ مِنْ كَعْبَيْهِ إلَى أَصَابِعِهِ وَالْمُخْتَارُ مَا نُصَّ عَلَيْهِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ اسْتِحْبَابِ الِابْتِدَاءِ بِالْأَصَابِعِ مُطْلَقًا
* (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ لِرِجْلِهِ أُصْبُعٌ أَوْ قَدَمٌ زَائِدَةٌ أَوْ انْكَشَطَتْ جِلْدَتُهَا فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي الْيَدِ
* (الثَّالِثَةُ) إذَا قُطِعَ بَعْضُ الْقَدَمِ وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي فَإِنْ قُطِعَ فَوْقَ الْكَعْبِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْبَاقِي كَمَا سَبَقَ فِي الْيَدِ
* (الرَّابِعَةُ) قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَعْبَانِ قَدَّرَ بِقَدْرِهِمَا
* (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ إنْ كَانَتْ أَصَابِعُهُ مُلْتَحِمَةً بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ لَا يَلْزَمُهُ شَقُّهَا بَلْ لَا يَجُوزُ (1) لَكِنْ يَغْسِلُ مَا ظَهَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ عَلَى رِجْلِهِ شُقُوقٌ وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ بَاطِنَ تِلْكَ الشُّقُوقِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِثْلَهُ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ فَإِنْ شَكَّ فِي وُصُولِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِهَا أَوْ بَاطِنِ الْأَصَابِعِ لَزِمَهُ الْغَسْلُ ثَانِيًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْوُصُولُ هَذَا إذا كان بعد فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ: فَأَمَّا إذَا شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَفِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْبَابِ فِي الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ أَذَابَ فِي شُقُوقِ رِجْلَيْهِ شَحْمًا أَوْ شَمْعًا أَوْ عَجِينًا أَوْ خَضَّبَهُمَا بِحِنَّاءٍ وَبَقِيَ جِرْمُهُ لَزِمَهُ إزَالَةُ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ فَلَوْ بَقِيَ لَوْنُ الْحِنَّاءَ دُونَ عَيْنِهِ لَمْ يَضُرَّهُ وَيَصِحُّ وُضُوءُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى أَعْضَائِهِ أَثَرُ دُهْنٍ مائع فتوضأ وأمس بالماء البشرة وجرى
__________
(1) وقغ في تمييز التعجير لقاضي حماه انه يجوز وكانه توهمه في قول الرافعي ملتحمة لم يجب الفتق ولا يستحب اه اذرعي(1/426)
عليها ولم يثبت صح وضؤه لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمْ (فَرْعٌ)
لَوْ تَنَفَّطَتْ رِجْلُهُ وَلَمْ تَنْشَقَّ كَفَاهُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا فلو انشقت بعد وضؤه لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالِانْشِقَاقِ كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ حَلَقَ شَعْرَهُ بَعْدَ الطَّهَارَةِ فَإِنْ تَطَهَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَادَ الِالْتِحَامُ لَمْ يَلْزَمْهُ شقه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (والمستحب ان يغسل فوق المرفقين وفوق الكعبين لقوله صلى الله عليه وسلم " تأتي امتي يوم القيامة غرا
محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع ان يطيل غرته فليفعل) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ نُعَيْمٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ ثُمَّ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتُمْ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إسْبَاغِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ منكن فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ فَكَانَ يُمِرُّ يَدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ إبْطَيْهِ فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ فَقَالَ سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تبلغ الحليلة مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ هُنَا وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ فِي إتْلَافِ الصُّوَرِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِبُلُوغِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمَاءِ إبْطَيْهِ.
وَعَنْ نُعَيْمٍ أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغَ الْمَنْكِبَيْنِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إلَى السَّاقَيْنِ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْغُرَّةُ بَيَاضٌ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ وَالتَّحْجِيلُ فِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَمَعْنَى(1/427)
الْحَدِيثِ يَأْتُونَ بِيضَ الْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ غَسْلِ ما فوق المرفقين والكعبين ثم جَمَاعَةً مِنْهُمْ أَطْلَقُوا اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحُدُّوا غَايَةَ الِاسْتِحْبَابِ بِحَدٍّ كَمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* وَقَالَ جَمَاعَةٌ يُسْتَحَبُّ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَالْعَضُدِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ يَبْلُغُ بِهِ الْإِبِطَ وَالرُّكْبَةَ
* وَقَالَ الْبَغَوِيّ نِصْفَ الْعَضُدِ فَمَا فَوْقَهُ وَنِصْفَ السَّاقِ فَمَا فَوْقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِي الْمُرَادِ بِتَطْوِيلِ الْغُرَّةِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رحمه الله في كتابه الا ساليب فِي الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ تَكْرَارِ مَسْحِ الرَّأْسِ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ
فَوْقَ الْمِرْفَقِ اُسْتُحِبَّ إمْسَاسُ الْمَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ عَضُدِهِ فَإِنَّ تَطْوِيلَ الْغُرَّةِ مُسْتَحَبُّ وَهَذَا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى الْغَزَالِيِّ لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّ الْغُرَّةَ تَكُونُ فِي الْيَدِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي أَنَّ الْغُرَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْوَجْهِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ إسْبَاغُ الوضوء سنة إطالة لِلْغُرَّةِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ الْوَجْهِ بِالْغَسْلَةِ حَتَّى يَغْسِلَ جُزْءًا مِنْ رَأْسِهِ وَيَغْسِلَ الْيَدَيْنِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي تَطْوِيلُ الْغُرَّةِ سُنَّةٌ وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضَ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ مَعَ الْوَجْهِ وَتَطْوِيلُ التَّحْجِيلِ سُنَّةٌ وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضَ الْعَضُدِ مَعَ الْمِرْفَقِ وَبَعْضَ السَّاقِ مَعَ الْقَدَمِ
* وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ فَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَقَالُوا تَطْوِيلُ الْغُرَّةِ غَسْلُ مُقَدَّمَاتِ الرَّأْسِ مَعَ الْوَجْهِ وَكَذَا صَفْحَةُ الْعُنُقِ وَتَطْوِيلُ التَّحْجِيلِ غَسْلُ بَعْضَ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ وَغَايَتُهُ اسْتِيعَابُ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ قَالَ وَفَسَّرَ كَثِيرُونَ تَطْوِيلَ الغرة بغسل شئ مِنْ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ وَأَعْرَضُوا عَمَّا حَوَالَيْ الْوَجْهِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَوْفَقُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ
* وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عِنْدَ اسْتِحْبَابِ غَسْلِ بَاقِي الْعَضُدِ بَعْدَ الْقَطْعِ إنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ الْغَزَالِيُّ يَغْسِلُ الْبَاقِيَ لِتَطْوِيلِ الْغُرَّةِ وَالْغُرَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْوَجْهِ وَاَلَّذِي فِي الْيَدِ التَّحْجِيلُ: قُلْنَا تَطْوِيلُ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ نَوْعٌ وَاحِدٌ من(1/428)
السُّنَنِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لِتَطْوِيلِ الْغُرَّةِ إشَارَةً إلَى النَّوْعِ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا وَيُطْلِقُونَ تَطْوِيلَ الْغُرَّةِ فِي الْيَدِ قَالَ وَرَأَيْتُ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ وَإِنَّمَا يُمْكِنُ الْإِطَالَةُ فِي الْيَدِ لِأَنَّ الْوَجْهَ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وهذا الاحتجاج ليس بشئ لِأَنَّ الْإِطَالَةَ فِي الْوَجْهِ أَنْ يَغْسِلَ إلَى اللَّبَّةِ وَصَفْحَةِ الْعُنُقِ وَهُوَ مُسْتَحَبّ نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ
* قُلْتُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْغُرَّةَ غَيْرُ التَّحْجِيلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا وَرِوَايَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْغُرَّةِ لَا تُخَالِفُ هَذَا لِأَنَّ فِي هَذَا زِيَادَةً وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ أَحَدُ الْقَرِينَيْنِ وَيَكُونُ الْآخَرُ مُرَادًا كَقَوْلِهِ تعالى (سرابيل تقيكم الحر) أَيْ وَالْبَرْدَ
* وَإِذَا ثَبَتَ تَغَايُرُهُمَا فَأَحْسَنُ مَا فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيِّ وَمُرَادُهُمَا غَسْلُ جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْ
الرَّأْسِ وَمَا يُلَاصِقُ الْوَجْهَ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ وَهَذَا غَيْرُ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَتِمُّ غَسْلُ الْوَجْهِ إلَّا بِهِ (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ غَسْلِ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ هُوَ مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْن أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَالْمُسْلِمُونَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُتَعَدَّى بِهِ مَا حَدَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَمْ يُجَاوِزْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ فِيمَا بَلَغَنَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ (1) مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ خَطَأٌ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ تَفْسِيرَ الرَّاوِي إذَا لَمْ يُخَالِفْ الظَّاهِرَ يَجِب قَبُولُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصحيح لا هل الْأُصُولِ
* وَأَمَّا نَقْلُهُ الْإِجْمَاعَ فَلَا يُقْبَلُ مَعَ خِلَافِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابِنَا وَأَمَّا كَوْنُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ فَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ سُنَّةً بَعْدَ صِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ فَالْمُرَادُ زَادَ فِي الْعَدَدِ فَغَسَلَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِمَا رَوَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه
__________
(1) هذا يرده رواية مسلم السابقة فانها صريحة في المجاوزة في اليدين والرجلين وقد وافق القاضي عياض ابن بطال على هذه المقالة على هذه المقالة الباطلة وهو عجيب منها اه اذرعي(1/429)
وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ قَالَ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ مَنْ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ آتَاهُ اللَّهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي وَوُضُوءُ خَلِيلِي إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أُبَيِّ هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ أُبَيِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (1) وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ
الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَالَ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبَابِ نَحْوُ حَدِيثِ أُبَيِّ قَالَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا وَوُضُوءُ خَلِيلِي إبْرَاهِيمَ
* قُلْت قَوْلُهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا وَوُضُوءُ خَلِيلِي إبْرَاهِيمَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ كَذَلِكَ رَأَيْتُهُ فِيهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ فِي حَدِيثِ ابي هذا خلافا لا صحابنا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الوضوءات فِي مَجَالِسَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ لَصَارَ غَسْلُ كُلِّ عُضْوٍ سِتَّ مَرَّاتٍ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِلتَّعْلِيمِ وَيَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ لِلتَّعْلِيمِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ كَوْنَهُ فِي مَجَالِسَ
* قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَمْ يَنْقُلُوهُ عَنْ رِوَايَةٍ بَلْ قَالُوهُ بِالِاجْتِهَادِ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَهَذَا كَالْمُتَعَيَّنِ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ لَا يَكَادُ يَحْصُلُ إلَّا فِي مَجْلِسٍ وَكَيْفَ كَانَ فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِذَا ثَبَتَ ضَعْفُهُ تَعَيَّنَ الِاحْتِجَاجُ بِغَيْرِهِ وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ الله عنه
__________
(1) رواه البيهقي ايضا من رواية انس وضعفه قال ولم يقع له اسناد قوي وفيه ابراهيم خليل الرحمن هكذا من رواية ابن عمر رضي الله عنهم اه من هامش الاذرعي(1/430)
تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الترمذي هذا أحسن شئ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ وَعَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ (رَأَيْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَتَوَضَّآنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَيَقُولَانِ هَكَذَا كَانَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالطَّهَارَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مُسْتَحَبَّةٌ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا
الرَّأْسَ فَفِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَنُفْرِدُهُ بِفَرْعٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (1) وَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ يَكُونُ ثَلَاثًا كَغَيْرِهِ وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الثَّلَاثُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَوْجَبَ الثَّلَاثَ وَكِلَاهُمَا غَلَطٌ وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ أَحَدٍ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ الرَّاوِي هُنَا هُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ وَيُقَالُ أَبُو الطُّفَيْلِ أُبَيّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ ابن عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بن مالك بن النجار الانصاري الخزر جى النَّجَّارِيُّ بِالنُّونِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ وَبَدْرًا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عليه (لم يكن الذين
__________
(1) في الاذان ايضا خلاف ضعيف في مذهبنا اه اذرعي(1/431)
كفروا) وقال امرني الله أن أقر أعَلَيْكَ وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَهُوَ أَحَدُ كُتَّابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَقِيلَ عُثْمَانَ وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ
* (فَرْعٌ)
فِي تَكْرَارِ مَسْحِ الرَّأْسِ مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الرَّأْسِ ثَلَاثًا كَمَا يُسْتَحَبُّ تَطْهِيرُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا وَحَكَى أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةٌ (1) وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا حَكَى هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَكِنْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ السُّنَّةَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةٌ وَحَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ أَيْضًا وَمَال الْبَغَوِيّ إلَى اخْتِيَارِهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَحَكَى بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ بِهِ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى تَرْجِيحِهِ الْبَيْهَقِيُّ كَمَا سَأَذْكُرُهُ عَنْهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اسْتِحْبَابُ الثَّلَاثِ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَزَاذَانَ وَمَيْسَرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا
يُسَنُّ مَسْحَةٌ وَاحِدَةٌ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ التِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَكَاهُ غَيْرُ ابْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ غَيْرِهِمْ أَيْضًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ واسحاق بن راهوية واختاره ابن المنذره
* فَأَمَّا ابْنُ سِيرِينَ فَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) قَالَ في البيان واختاره أبو نصر البندنيجي صاحب المعتمد اه اذرعي(1/432)
مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مِثْلُهُ
* وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِمَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ فَاحْتَجُّوا بالاحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما رِوَايَاتِ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً مَعَ غَسْلِهِ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مِنْهَا رِوَايَةُ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أو في وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الصَّحِيحُ فِي أَحَادِيثِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ مَسْحُ الرَّأْسِ مَرَّةً وَقَدْ سَلَّمَ لَهُمْ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا وَاعْتَرَفَ بِهِ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ بِالِانْتِصَارِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ وَاجِبٌ فَلَمْ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَمَسْحِ التَّيَمُّمِ وَالْخُفِّ وَلِأَنَّ تَكْرَارَهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَصِيرَ الْمَسْحُ غَسْلًا وَلِأَنَّ النَّاسَ أَجْمَعُوا قَبْلَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَدَم التَّكْرَارِ فَقَوْلُهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِأَحَادِيثَ وَأَقْيِسَةٍ أَحَدُهَا وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيُّ حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ منه أن
__________
(1) قال البيهقي في الخلافيات بعد ان روى الحديث في مسح الرأس ثلاثا اسناد حسن وسيأتي ما يؤيده اه اذرعي(1/433)
قَوْلَهُ تَوَضَّأَ يَشْمَلُ الْمَسْحَ وَالْغَسْلَ وَقَدْ مَنَعَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ الدَّلَالَةَ مِنْ هَذَا لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ مُطْلَقَةٌ وَجَاءَتْ
الرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ فِي الصَّحِيحِ الْمُفَسَّرَةُ مُصَرِّحَةً بِأَنَّ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةً فَصَرَّحُوا بِالثَّلَاثِ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ وَقَالُوا فِي الرَّأْسِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا ثُمَّ قَالُوا بَعْدَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَجَاءَ فِي رِوَايَاتٍ فِي الصَّحِيحِ ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مرة ثم غسل رليه ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ دَلَالَةٌ
* الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَدْ ذَكَرَ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرُبَّمَا ارْتَفَعَ مِنْ الْحُسْنِ إلَى الصِّحَّةِ بِشَوَاهِدِهِ وَكَثْرَةِ طُرُقِهِ فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ وَغَيْرَهُ رَوَوْهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد
* الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَقَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ عَنْ عَلِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دُون ذِكْرِ التَّكْرَارِ قَالَ وَأَحْسَنُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ مَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ وَذَكَرَ مَسْحَ الرَّأْسِ ثَلَاثًا وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ
* وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا واعتمد الشيخ أبو حامد الاسفرايني حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ السَّابِقَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
* وَأَمَّا الْأَقْيِسَةُ فَقَالُوا أَحَدُ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ فَسُنَّ تَكْرَارُهُ كَغَيْرِهِ قالوا وَلِأَنَّهُ إيرَادُ أَصْلٍ عَلَى أَصْلٍ فَسُنَّ تَكْرَارُهُ كَالْوَجْهِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ التَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْخُفِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَادَةُ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي هَذَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ الْمُبَعَّضَةِ يَحْتَرِزُونَ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ قَالَ وَإِنَّمَا فَعَلُوا(1/434)
هَذَا لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْمَذْهَبَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُ الْغُسْلِ فِيهِ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ سِيرِينَ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ
* (وَالثَّانِي) لَوْ صَحَّ لَكَانَ حَدِيثُ الثَّلَاثِ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ من الزيادة
* (الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَأَحَادِيثُ
الثَّلَاثِ لِلِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى مَنْعِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ مِنْ حيث ان سفيان بن عينية انْفَرَدَ عَنْ رُفْقَتِهِ فَرَوَاهُ مَرَّتَيْنِ وَالْبَاقُونَ رَوَوْهُ مَرَّةً فَعَلَى هَذَا يُجَابُ عَنْهُ بِالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ
* وَأَمَّا دَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِمَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهَا بِأَجْوِبَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَحْسَنِهَا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ رُوَاتِهَا الْمَسْحُ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً كَمَا سَبَقَ فوجب الجمع بينها فَيُقَالُ الْوَاحِدَةُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَالثِّنْتَانِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَزِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثُ لِلْكَمَالِ وَالْفَضِيلَةِ
* وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ رُوِيَ الْوُضُوءُ عَلَى أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ فَرُوِيَ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ وَرُوِيَ غَسْلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً وَبَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ وَرُوِيَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّوْسِعَةِ وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ كَيْفَ تَوَضَّأَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا وَبَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ مَعَ أَنَّ حَدِيثَهُ هَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَصْدَ بِمَا سِوَى الثَّلَاثِ بَيَانُ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ لَوْ وَاظَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الثَّلَاثِ لَظُنَّ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَبَيَّنَ فِي أَوْقَاتٍ الْجَوَازَ بِدُونِ ذَلِكَ وَكَرَّرَ بَيَانَهُ فِي أَوْقَاتٍ وَعَلَى أَوْجُهٍ لِيَسْتَقِرَّ مَعْرِفَتُهُ وَلِاخْتِلَافِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَحْضُرُوا الْوَقْت الْآخَرَ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ الثَّلَاثُ أَفْضَلَ فَكَيْفَ تَرَكَهُ فِي أَوْقَاتٍ: فَالْجَوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ قَصَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيَانَ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَوَابُهُ فِيهِ أَكْثَرُ وَكَانَ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ آكَدَ وَأَقْوَى فِي النُّفُوسِ وَأَوْضَحَ مِنْ الْقَوْلِ
* وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ الْأَحَادِيثَ الصِّحَاحَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي قَوْلِهِ(1/435)
وَالثَّانِي أَنَّ عُمُومَ إطْلَاقِهِ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْحِسَانِ وَغَيْرِهَا
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى التَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْخُفِّ فَهُوَ أَنَّهُمَا رُخْصَةٌ فَنَاسَبَ تَخْفِيفَهُمَا (1) وَالرَّأْسُ أَصْلٌ فَإِلْحَاقُهُ بِبَاقِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أُولَى
* وَأَمَّا قَوْلُهُمْ تَكْرَارُهُ يُؤَدِّي إلَى غَسْلِهِ فَلَا نُسَلِّمُهُ لِأَنَّ الْغَسْلَ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِتَكْرَارِ الْمَسْحِ ثَلَاثًا وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ مَسَحَ بَدَنَهُ بِالْمَاءِ وَكَرَّرَ ذَلِكَ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ بَلْ يُشْتَرَطُ جَرْيُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ
* وَأَمَّا قَوْلُهُمْ خَرَقَ الشَّافِعِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْإِجْمَاعَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَقَدْ سَبَقَ بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَطَاءٌ وَغَيْرُهُمَا كَمَا قدمناه عن حكاية بن الْمُنْذِرِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ فِي نقل المذاهب باتفاق الفرق والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ وَأَسْبَغَ أَجْزَأَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا به
__________
(1) يجاب عن مسح الخف أيضا بأن التكرار فيه يؤدي إلى تعيبه وقد نهى عن اضاعة المال اه اذرعي(1/436)
(الشَّرْحُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ جَرِيرٍ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَآخَرُونَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ أَوْجَبَ الثَّلَاثَ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَرْدُودًا باجماع من قبله وبالاحاديث الصَّحِيحَةُ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ ثَلَاثًا وَبَعْضَهَا مَرَّتَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَهُوَ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ خِلَافُهُ
* وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْمُصَنِّفِ بِحَدِيثِ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ وَأَسْبَغَ أَيْ عَمَّمَ الْأَعْضَاءَ وَاسْتَوْعَبَهَا وَمِنْهُ دِرْعُ سَابِغَةٍ وَثَوْبٌ سَابِغٌ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*(1/437)
فان خَالَفَ بَيْن الْأَعْضَاءِ فَغَسَلَ بَعْضَهَا مَرَّةً وَبَعْضَهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضَهَا ثَلَاثًا جَازَ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مرتين
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحُكْمُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ هَكَذَا وَفِيهِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ انه مسح رأسه مرة واحدة والزيادة لا ئقة هُنَا لِيَكُونَ الْحَدِيثُ جَامِعًا لِطَهَارَةِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً وَبَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضِهَا ثَلَاثًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ تَقَدَّمَ بَيَانه في مسح الرأس والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ كُرِهَ لِمَا رَوَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وظلم (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذَا فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وغيرهم باسانيد صحيحه وليس في روايته أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ قَوْلُهُ أَوْ نَقَصَ إلَّا الرواية أَبِي دَاوُد فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهَا وَلَيْسَ فِي رِوَايَاتِهِمْ تَصْرِيحٌ بِمَسْحِ الرَّأْسِ ثَلَاثًا وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ أَنَّ جُمْهُورَ الْمُحَدِّثِينَ صَحَّحُوا الِاحْتِجَاجُ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَطَعَ فِي كِتَابِهِ اللُّمَعِ بِأَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لِاحْتِمَالِ الْإِرْسَالِ وَبَيَّنْتُ سَبَبَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ هُنَاكَ وَاضِحًا وَأَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى أَسَاءَ وَظَلَمَ فَقِيلَ أَسَاءَ فِي النَّقْصِ وَظَلَمَ فِي الزِّيَادَةِ فَإِنَّ الظلم مجاوزة الحد ووضع الشئ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَقِيلَ عَكْسُهُ لِأَنَّ الظُّلْمَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى النَّقْصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (آتَتْ أُكُلَهَا ولم تظلم منه شيئا) وَقِيلَ أَسَاءَ وَظَلَمَ فِي النَّقْصِ وَأَسَاءَ وَظَلَمَ أَيْضًا فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رواية الاكثرين فمن زاد فقد اساء وظلم وَلَمْ يَذْكُرُوا النَّقْصَ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَا يَحْرُمُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْغَسْلَةُ الرَّابِعَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً فَلَيْسَتْ مَعْصِيَةً قَالَ وَمَعْنَى أَسَاءَ تَرَكَ الْأَوْلَى وَتَعَدَّى حَدَّ السُّنَّةِ: وَظَلَمَ أَيْ وَضَعَ الشئ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ
* وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ(1/438)
رضى الله عنه في الام أحب يَتَجَاوَزَ الثَّلَاثَ فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَضُرَّهُ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَضُرَّهُ أَيْ لا يأتم قَالَ وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ قَالَ وَلَيْسَ ظاهر الْمَذْهَبُ هَذَا وَالْمُرَادُ
بِالْإِسَاءَةِ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ التحريم لانه يستعمل أساء فيهما لَا إثْمَ فِيهِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وجها في تحريم الزيادة قال وليس بشئ وقال الماوردى الزيادة علي الثلاث لاتسن وَهَلْ تُكْرَهُ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الاسفراينى لَا تُكْرَهُ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا تُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فَقَالَ لَا أُحِبُّ الزِّيَادَةَ عَلَى ثَلَاثٍ فَإِنْ زَادَ لَمْ أَكْرَهْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ وَمَعْنَى لَمْ أَكْرَهْهُ أَيْ لَمْ أُحَرِّمْهُ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ (وَالثَّانِي) لَا تَحْرُمُ وَلَا تُكْرَهُ لَكِنَّهَا خِلَافُ الْأُولَى (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَدْ أَشَارَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي كتاب الوضوء بين النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فَرْضَ الوضوء مرة وتوضأ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا وَلَمْ يَزِدْ قَالَ وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْإِسْرَافَ فِيهِ وَأَنْ يُجَاوِزَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* (فَرْعٌ)
الْمَشْهُورُ فِي كتب الفقه وشروح الحديث وغيرها لا صحابنا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ مَعْنَاهُ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا وغيرهم مع كثرة كتبهم وحكاياتهم الوجوه الْغَرِيبَةُ وَالْمَذَاهِبُ الْمَشْهُورَةُ وَالْمَهْجُورَةُ الرَّاجِحَةُ وَالْمَرْجُوحَةُ غَيْرُ هَذَا الْمَعْنَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ الكبير يحتمل أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقْصِ نَقْصُ الْعُضْوِ يَعْنِي لَمْ يستوعبه(1/439)
وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْعُضْوِ وَهِيَ غَسْلُ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ إسَاءَةً وَظُلْمًا وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا سَبَقَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِمَّنْ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَعَقَدَ فِيهِ با بين أَحَدُهُمَا بَابُ اسْتِحْبَابِ إمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى الْعَضُدِ: وَالثَّانِي بَابُ الْإِشْرَاعِ فِي السَّاقِ وَذَكَرَ فِيهِمَا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ النَّقْصُ عَنْ الثَّلَاثِ إسَاءَةً وَظُلْمًا وَمَكْرُوهًا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ كَمَا سَبَقَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قُلْنَا ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ وَلَا يَبْطُلُ وُضُوءُهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ
الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ كَمَا لَوْ زَادَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ أَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ أَمْ ثَلَاثًا فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حُكْمِ الْيَقِينِ وَأَنَّهُمَا غَسْلَتَانِ فَيَأْتِي بِثَالِثَةٍ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا جَرَى وَلَا يَأْتِيَ بِأُخْرَى لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الرَّابِعَةِ وَهِيَ بِدْعَةٌ وَالثَّالِثَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ وَتَرْكُ سُنَّةٍ أَوْلَى مِنْ اقْتِحَامِ بِدْعَةٍ بِخِلَافِ الْمُصَلِّي يَشُكُّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْأَقَلِّ لِيَتَيَقَّنَ أَدَاءَ الْفَرْضِ وَالشَّكُّ هُنَا لَيْسَ فِي فَرْضٍ
* وَالْوَجْهُ الثَّانِي يغسل(1/440)
أُخْرَى كَالصَّلَاةِ: وَالْبِدْعَةُ إنَّمَا هِيَ تَعَمُّدُ غَسْلَةٍ رَابِعَةٍ بِلَا سَبَبٍ مَعَ أَنَّ الرَّابِعَةَ وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً فَلَيْسَتْ مَعْصِيَةً هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْتِي بِأُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ لَوْ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ الْأَعْضَاءَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ عَادَ فَغَسَلَهَا مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ عَادَ كَذَلِكَ ثَالِثَةً لَمْ يَجُزْ (1) قَالَ وَلَوْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ جَازَ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَجْهَ وَالْيَدَ مُتَبَاعِدَانِ يَنْفَصِلُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرَغَ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ يَنْتَقِلَ إلَى الْآخَرِ: وَأَمَّا الْفَمُ وَالْأَنْفُ فَكَعُضْوٍ فَجَازَ تَطْهِيرُهُمَا مَعًا كَالْيَدَيْنِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ويجب أن يرتب الوضوء فيغسل وجهه ثم يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه وحكي أبو العباس ابن القاص قولا آخر انه ان نسى الترتيب جاز والمشهور هو الاول والدليل عليه قوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الي المرافق) الآية فأدخل المسح بين الغسل وقطع حكم النظير عن النظير فدل على أنه قصد ايجاب الترتيب ولانه عبادة يشتمل على أفعال متغايرة يرتبط بعضها ببعض فوجب فيها الترتيب كالصلاة والحج)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاصِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ كَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ التَّلْخِيصِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْقَوْلُ إنْ صَحَّ فَهُوَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يُعَدُّ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ عَمْدًا لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ بِلَا خِلَافٍ (2) وَإِنْ نَسِيَهُ فَطَرِيقَانِ الْمَشْهُورُ القطع ببطلان وضوءه (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ الْجَدِيدُ بُطْلَانُهُ وَالْقَدِيمُ صِحَّتُهُ وَسَنُوَضِّحُ دَلِيلَهُمَا فِي فَرْعٍ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ ان شاء الله تعالى:
__________
(1) معنى قوله لم يجز أي لم يحصل له سنة التثليث لا أنه يحرم لا يصح وضوءه اه اذرعي (2) قال ابن الاستاذ في شرح الوسيط ورأيت في كتاب الترتيب للشيخ ابي الحسن محمد بن خفيف الطرسوسي حكاية قول قديم أن الترتيب لم يجب وقال في البيان وهو اختيار الشيخ أبي نصر في المعتمد اه اذرعي(1/441)
وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى أَفْعَالٍ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهَا أَقْوَالٌ وَلَا يُشْتَرَطُ تَرْتِيبُ أَرْكَانِهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ: وَقَوْلُهُ مُتَغَايِرَةٌ يَعْنِي فَرْضًا وَنَفْلًا وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الطَّوَافِ وقيل قوله أفعل مُتَغَايِرَةٌ كِلَاهُمَا احْتِرَازٌ مِنْ الْغُسْلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وهو الذى ذكره الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ يَرْتَبِطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَعْنَاهُ إذَا غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ لَا يَسْتَبِيحُ شَيْئًا مِمَّا حرم على المحدث حتى يتم وضؤه وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمُخْرَجِ عِبَادَةٌ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ عِنْدَ الدَّفْعِ وَلَا تَقِفُ صِحَّةُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ مَا إذَا كَانَ فِي بَعْضِ بَدَنِ الْجُنُبِ جَبِيرَةٌ فَإِنَّ طَهَارَتَهُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَفْعَالٍ مُتَغَايِرَةٍ مَسْحًا وَغَسْلًا وَلَا يَجِبُ فِيهَا التَّرْتِيبُ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْغَسْلَ هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ غَيْرُ مُشْتَمِلٍ عَلَى أَفْعَالٍ مُتَغَايِرَةٍ وَقَوْلُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ إيجَابَ التَّرْتِيبِ مَعْنَى قَصَدَ أَرَادَ فَأُطْلِقَ الْقَصْدُ عَلَى الْإِرَادَةِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذَا وَبُسِطَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلَيْنِ فِي أَنَّ نِسْيَانَ تَرْتِيبِ الوضوء هل يكون عذرا وَيَصِحُّ الْوُضُوءُ أَمْ لَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَمِثْلُهُ لَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى أَوْ صَامَ أَوْ تَوَضَّأَ بِالِاجْتِهَادِ فَصَادَفَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ الْإِنَاءَ النَّجِسَ أَوْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الْقِبْلَةِ أَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَبَانَ شَجَرًا أَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَنَّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا أَوْ مَرِضَ وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ مَعْضُوبٌ فَأَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَبَرِئَ أَوْ غَلِطُوا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَوَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ أَوْ بَاعَهُ حَيَوَانًا عَلَى أَنَّهُ بَغْلٌ فَبَانَ حِمَارًا أَوْ عَكْسَهُ فَفِي كُلِّ هذه المسائل خلاف والاصح أنه(1/442)
لا يعذر في شئ مِنْهَا وَالْخِلَافُ فِي بَعْضِهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي بَعْضِهَا وَالْخِلَافُ فِي كُلِّهَا قَوْلَانِ إلَّا مَسْأَلَةَ الْوُقُوفِ وَالْبَيْعِ فَهُوَ وَجْهَانِ وَمِثْلُهُ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُعْذَرُ: مِنْهَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ خَلْفَ زَيْدٍ هَذَا فَكَانَ عَمْرًا أَوْ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ زَيْدٍ فَكَانَ عَمْرًا أَوْ صَلَّى عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَكَانَ امْرَأَةً وَعَكْسُهُ أَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ وَهُوَ يَظُنُّهُ حَيًّا فَكَانَ مَيِّتًا أَوْ شَرَطَ فِي الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ نَسَبًا أَوْ وَصْفًا فَبَانَ خِلَافُهُ سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَى مِنْ الْمَشْرُوطِ أَمْ لَا.
وَأَشْبَاهُ هَذَا كَثِيرَةٌ وَسَنُوَضِّحُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَقْصُودِي بِهَذَا الْفَرْعِ وَشَبَهِهِ جَمْعُ النَّظَائِرِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الضَّوَابِطِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تريب الْوُضُوءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ
* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَجِبُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وبه قال سعيد ابن المسيب والحسن وعطاء ومكحول وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وأصحابهما والمزني وداود واختاره ابن المنذر قال صاحب البيان واختاره أبو نصر البندنجى(1/443)
مِنْ أَصْحَابِنَا
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِآيَةِ الْوُضُوءِ وَالْوَاو لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَكَيْفَمَا غَسَلَ الْمُتَوَضِّئُ أَعْضَاءَهُ كان ممتثلا للامر قالوا وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا تَرْتِيبٌ كَالْجَنَابَةِ وَكَتَقْدِيمِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ وَالْمِرْفَقِ عَلَى الْكَعْبِ وَلِأَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ الْمُحْدِثُ دَفْعَةً وَاحِدَةً ارْتَفَعَ حَدَثُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ لَا يَجِبُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْآيَةِ قَالُوا وَفِيهَا دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَاتٍ وَعَادَةُ الْعَرَبِ إذَا ذَكَرَتْ أَشْيَاءَ مُتَجَانِسَةً وَغَيْرَ مُتَجَانِسَةٍ جَمَعَتْ الْمُتَجَانِسَةَ عَلَى نَسَقٍ ثُمَّ عَطَفَتْ غَيْرَهَا لَا يُخَالِفُونَ ذَلِكَ إلَّا لِفَائِدَةٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّرْتِيبُ واجبا لما قطع النظيره فَإِنْ قِيلَ فَائِدَتُهُ اسْتِحْبَابُ التَّرْتِيبِ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: وَالثَّانِي أَنَّ الْآيَةَ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْوَاجِبِ لَا لِلْمَسْنُونِ فَلَيْسَ فِيهَا شئ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ
* الدَّلَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ مَذْهَبَ الْعَرَبِ إذَا ذَكَرَتْ أَشْيَاءَ(1/444)
وَعَطَفَتْ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ تَبْتَدِئُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ لَا يُخَالَفُ ذَلِكَ إلَّا لِمَقْصُودٍ فَلَمَّا بَدَأَ سُبْحَانَهُ بِالْوَجْهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الرَّأْسِ ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ دَلَّ عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّرْتِيبِ وَإِلَّا لَقَالَ فاغسلوا وجوهكم وامسحوا برؤسكم وَاغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا مِنْ الْآيَةِ دَلِيلَيْنِ آخَرَيْنِ ضَعِيفَيْنِ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِمَا إلَّا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى ضَعْفِهِمَا لِئَلَّا يُعَوَّلَ عَلَيْهِمَا: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ وَنَقَلُوهُ عَنْ الْفَرَّاءِ وَثَعْلَبٍ وَزَعَمَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَاسْتَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةُ الدَّلَالَةِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ ضَعِيفٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبِ صَارَ عُلَمَاؤُنَا إلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ وَتَكَلَّفُوا نَقْلَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاسْتَشْهَدُوا بِأَمْثِلَةٍ فَاسِدَةٍ قَالَ وَاَلَّذِي نَقْطَعُ بِهِ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَمَنْ ادَّعَاهُ فَهُوَ مُكَابِرٌ فَلَوْ اقْتَضَتْ لَمَا صَحَّ قَوْلُهُمْ تَقَاتَلَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو كَمَا لَا يَصِحُّ تَقَاتَلَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو وَهَذَا الَّذِي قاله الامام هو الصواب المعروف لا هل الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ
* الدَّلِيلُ الثَّانِي نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فَعَقَّبَ الْقِيَامَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ بِالْفَاءِ وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِلَا خِلَافٍ وَمَتَى وَجَبَ تَقْدِيمُ الْوَجْهِ تَعَيَّنَ التَّرْتِيبُ إذْ لَا قَائِلَ بِالتَّرْتِيبِ فِي الْبَعْضِ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بَاطِلٌ وَكَأَنَّ قَائِلَهُ حَصَلَ لَهُ ذُهُولٌ وَاشْتِبَاهٌ فَاخْتَرَعَهُ وَتُوبِعَ عَلَيْهِ تَقْلِيدًا وَوَجْهُ بطلانه ان الفاء وان اقتضت التريب لَكِنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ مع ما دخلت عليه كشئ وَاحِدٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْوَاوِ فَمَعْنَى الْآيَةِ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا الْأَعْضَاءَ فَأَفَادَتْ الْفَاءُ تَرْتِيبَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ لَا تَرْتِيبَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا مما يعلم بالبديهة ولا شك في أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا دَخَلْتَ السُّوقَ فَاشْتَرِ خُبْزًا وَتَمْرًا لَمْ يَلْزَمْهُ تَقْدِيمُ الْخُبْزِ بَلْ كَيْفَ اشْتَرَاهُمَا كَانَ مُمْتَثِلًا بِشَرْطِ كَوْنِ الشِّرَاءِ بَعْدَ دُخُولِ السُّوقِ كَمَا أَنَّهُ هُنَا يَغْسِلُ الْأَعْضَاءَ بَعْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ
* واحتج الاصحاب من السنة بالاحاديث الصحية
الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّهُمْ وَصَفُوهُ مُرَتَّبًا مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَكَثْرَةِ الْمَوَاطِنِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا وَكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ فِي صِفَاتِهِ فِي مَرَّةٍ وَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثٍ(1/445)
وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مَعَ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ صِفَةٌ غَيْرُ مُرَتَّبَةٍ وَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَوْ جَازَ تَرْكُ التَّرْتِيبِ لَتَرَكَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ كَمَا تَرَكَ التَّكْرَارَ فِي أَوْقَاتٍ
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ فِيهِ ذِكْرُ التَّرْتِيبِ صَرِيحًا بِحَرْفِ ثم لكنه ضعيف غير معروف (1)
* واجتجوا مِنْ الْقِيَاسِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عِبَادَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى أَفْعَالٍ مُتَغَايِرَةٍ إلَخْ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى أَفْعَالٍ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَوَجَبَ تَرْتِيبُهَا كَالصَّلَاةِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْغُسْلِ فَإِنْ قَالُوا الْوُضُوءُ لَيْسَ عِبَادَةً فَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُ كَوْنِهِ عِبَادَةً فِي أَوَّلِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَهُوَ أَنَّهَا دَلِيلٌ لَنَا كَمَا سَبَقَ وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُعْرَفُ وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنَّ جميع بدن الجنب شئ وَاحِدٌ فَلَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُهُ كَالْوَجْهِ بِخِلَافِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهَا مُتَغَايِرَةٌ مُتَفَاصِلَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ بدن الجنب شئ وَاحِدٌ أَنَّهُ لَوْ جَرَى الْمَاءُ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ فِي الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ مِنْ الوجه إلى اليد لم يجزه: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَقْدِيمِ الْيَمِينِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ الْأَعْضَاءَ الْأَرْبَعَةَ وَأَطْلَقَ الْأَيْدِيَ وَالْأَرْجُلَ وَلَوْ وَجَبَ تَرْتِيبُهُمَا لَقَالَ وايمانكم: والثاني ان اليدين كعضو لا نطلاق اسْمِ الْيَدِ عَلَيْهِمَا فَلَمْ يَجِبْ فِيهِمَا تَرْتِيبٌ كَالْخَدَّيْنِ بِخِلَافِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْمُحْدِثُ إذَا انْغَمَسَ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ فَهُوَ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَرْتَفِعُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ مَنَعَ كَمَا سَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ قَرِيبًا
__________
(1) احتج البيهقي للترتيب بالحديث الصحيح ابدوا بما بدأ الله به وإذا وجب البداءة بالوجه تعين الترتيب كما سبق وهذا توجيه حسن فان الخبر وان خرج على سبب خاص فان الصحيح ان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب اه اذرعي(1/446)
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ مَنَعْنَا فَذَاكَ: وَإِلَّا فَالتَّرْتِيبُ يَحْصُلُ فِي لَحَظَاتٍ لَطِيفَةٍ وَلِأَنَّ الْغُسْلَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ
الْأَكْبَرَ فَالْأَصْغَرَ أَوْلَى: وَذَكَرَ امام الحرمين في الا ساليب الْأَدِلَّةَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ثُمَّ قَالَ الْوُضُوءُ يَغْلِبُ فِيهِ التَّعَبُّدُ وَالِاتِّبَاعُ لِأَنَّا إذَا أَوْجَبْنَا التَّرْتِيبَ فِي الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْخُشُوعُ وَالِابْتِهَالُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ولم يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أحد من أصحابه تنكييس الْوُضُوءِ وَلَا التَّخْيِيرُ فِيهِ وَلَا التَّنْبِيهُ عَلَى جَوَازِهِ وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنْ فِعْلِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ إلَّا التَّرْتِيبُ كَمَا لَمْ يُنْقَلْ فِي أركان الصلاة الا التريب وَطَرِيقُهُمَا الِاتِّبَاعُ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ تَقْدِيمَ الْيَمِينِ بِالْإِجْمَاعِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (فان غسل أربعة أنفس أعضاءه الاربعة دفعة واحدة لم يجزيه الاغسل الوجه لانه لم يرتب)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ رَجُلَيْنِ لِيَحُجَّا عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَحَجَّةَ نَذْرٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَحَجَّا فِيهَا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الْحَجَّتَانِ عَلَى الصحيح المنوص: وَفِيهِ وَجْهٌ مُخَرَّجٌ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْوُضُوءِ التَّرْتِيبُ وَلَمْ يَحْصُلْ وَفِي الْحَجِّ أَلَّا يُقَدَّمَ عَلَى حَجَّةِ الاسلام غيرها ولم يقدم * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْدِثٌ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ ونوى الغسل ففيه وجهان أحدهما انه يجزيه لانه إذا جاز ذلك عن الحدث الا على فَلَأَنْ يَجُوزَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَدْنَى أَوْلَى
* وَالثَّانِي لا يجزيه وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ تَرْتِيبًا وَاجِبًا بِفِعْلِ ما ليس بواجب)
* (الشَّرْحُ) إذَا غَسَلَ الْمُحْدِثُ جَمِيعَ بَدَنِهِ بِنِيَّةِ الغسل كما ذكره المصنف وغيه أَوْ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَوْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ كَمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَغْسِلَ بَدَنَهُ مُنَكِّسًا لَا عَلَى تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ فَهَلْ(1/447)
يُجْزِيهِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يُجْزِيهِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَنْغَمِسَ فِي الْمَاءِ وَيَمْكُثَ زَمَانًا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّرْتِيبُ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَيُجْزِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ
الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (الثَّالِثُ) أَنْ يَنْغَمِسَ وَلَا يَمْكُثَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ الصِّحَّةُ وَيُقَدَّرُ التَّرْتِيبُ فِي لَحَظَاتٍ لَطِيفَةٍ وَالْخِلَافُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِيمَا سِوَى الْوَجْهِ: وَأَمَّا الْوَجْهُ فَيُجْزِيهِ فِي جَمِيعِهَا بِلَا خِلَافٍ إذَا قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْخِلَافُ إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فَإِنْ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُجْزِيهِ لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ يُجْزِيهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ التَّرْتِيبِ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ طَهَارَتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ تَخْفِيفًا أَمْ يَخْتَصُّ حُلُولُهُ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا يَحِلُّ الْجَمِيعُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ لِأَنَّهُ أُتِيَ بِالْأَصْلِ وَإِلَّا فَلَا: وَسَأُوَضِّحُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْبَابِ فِي الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ وَقَالَ صَاحِبُ المستظهرى هذا البناء فاسدو الله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالتَّرْتِيبِ إحْدَاهَا إذَا تَوَضَّأَ مُنَكِّسًا فَبَدَأَ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ وَجْهِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا الْوَجْهُ إنْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ فَإِنْ تَوَضَّأَ منكسا ثانيا وثالثا ورابعا ثم وضؤه وَلَوْ تَوَضَّأَ وَنَسِيَ أَحَدَ أَعْضَائِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ الْوَجْهُ وَلَوْ تَرَكَ مَوْضِعًا مِنْ وَجْهِهِ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَأَعَادَ مَا بَعْدَ الْوَجْهِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَهُ اسْتَأْنَفَ الْجَمِيعَ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي التَّرْتِيبِ فِي الْأَعْضَاءِ الْمَسْنُونَةِ وَهِيَ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ ثُمَّ الْمَضْمَضَةُ ثُمَّ الِاسْتِنْشَاقُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَسْنُونٌ كَتَقْدِيمِ الْيَمِينِ فَلَوْ قَدَّمَ الْمَضْمَضَةَ علي الكفين أو الاستنشاق علي(1/448)
المضمضة حص كل ذَلِكَ.
وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ مَا قَدَّمَهُ كَمَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ فِي أَرْكَانِ صَلَاةِ النَّفْلِ وَفِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يَجِبُ تَرْتِيبُهُ وَهُوَ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ الْوَاجِبَةُ وَقِسْمٌ لَا يَجِبُ وَهُوَ الْيَمِينُ عَلَى الشِّمَالِ وَقِسْمٌ فِيهِ وَجْهَانِ وَهُوَ الْمَسْنُونُ وَالْأَصَحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاطُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي أَثْنَاءِ مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ قَوْلُ اللَّهِ تعالى (فآمنوا بالله ورسوله) قَالَ لَوْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ
تَعَالَى لَمْ يَصِحَّ إيمَانُهُ (الرَّابِعَةُ) ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مَسْأَلَةً التَّلْخِيصِ وَفُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَبَسَطُوهَا وَصُورَتُهَا جُنُبٌ غَسَلَ بَدَنَهُ كُلَّهُ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَالُوا يَتَعَلَّقُ حُكْمُ الْحَدَثِ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرَأْسِهِ دون(1/449)
رِجْلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ مُرَتِّبًا فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي الرِّجْلَيْنِ إنْ شَاءَ غَسَلَهُمَا قَبْلَ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهَا وَإِنْ شَاءَ بَيْنَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْدَثَ لَمْ يَتَعَلَّقْ حُكْمُ الْحَدَثِ بِالرِّجْلَيْنِ لِبَقَاءِ الْجَنَابَةِ فِيهِمَا وَإِنَّمَا أَثَّرَ في الاعضاء الثلاثة لطهارتها قال صاحب التخليص وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُعَايَاةِ وَآخَرُونَ لَا نَظِيرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَوْ غَسَلَ الْجُنُبُ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَّا أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فَقَطْ ثُمَّ أَحْدَثَ لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُ الْأَعْضَاءِ بَلْ يَغْسِلُهَا كَيْفَ شَاءَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فَقَطْ ثُمَّ أَحْدَثَ وَجَبَ تَرْتِيبُهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَاتٌ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أبو محمد في الفروق وله إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَيْضًا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ صِفَةِ الغسل والمذهب الاولى: هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ حَدَثٌ وَجَنَابَةٌ انْدَرَجَ الْحَدَثُ فِي الْجَنَابَةِ: فَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَنْدَرِجُ وَأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ عَنْ الْحَدَثَيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ هُنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَنْ الْحَدَثِ فَيَكُونُ بَعْدَ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَرَّةً عَنْ الْجَنَابَةِ يَفْعَلُهَا مَتَى شَاءَ: وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ أَنَّهُ لَا يَنْدَرِجُ التَّرْتِيبُ وَيَنْدَرِجُ مَا سِوَاهُ وَأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَكِنْ مُرَتَّبَةً وَجَبَ هُنَا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً بَعْدَ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَكِنْ هَذَانِ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الِانْدِرَاجُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنْ قِيلَ الْأَصْغَرُ يَنْدَرِجُ تَحْتَ(1/450)
الْأَكْبَرِ إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ بِكَمَالِهِمَا فَأَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ ثُمَّ طَرَأَ الْحَدَثُ فَالْوُضُوءُ الْآنَ أَكْمَلُ
مِمَّا بَقِيَ مِنْ الْغُسْلِ: قُلْنَا مِنْ هَذَا خَرَّجَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَجْهَ الَّذِي قَالَهُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فَيُؤَخِّرُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ وَلَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَدُّ بِهِ وَحُكْمُ الْجَنَابَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ أَغْلَبُ وَهُوَ بِأَنْ يُسْتَتْبَعَ أَوْلَى قَالَ فَلَوْ نَسِيَ حُكْمَ الْجَنَابَةِ فِي رِجْلَيْهِ وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ تَرْتَفِعُ الْجَنَابَةُ عَنْ رِجْلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ أَعْيَانَ الْأَحْدَاثِ لَا أَثَرَ لَهَا فَلَا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهَا وَحَكَى وَجْهًا أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَرْتَفِعُ فيهما لانها أغلط مِنْ الْحَدَثِ قَالَ الْإِمَامُ هَذَا ضَعِيفٌ مُزَيَّفٌ وَلَوْ غَسَلَ كُلَّ الْبَدَنِ إلَّا يَدَيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَلَا تَرْتِيبَ فِي يَدَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ فَلَهُ غَسْلُهُمَا مَتَى شَاءَ وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي تَرْكِ الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ أَوْ تَرْكِ عُضْوَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُلْقَى فِي الْمُعَايَاةِ عَلَى أَوْجُهٍ فَيُقَالُ وُضُوءٌ لَمْ يَجِبْ فِيهِ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ مَعَ وُجُودِهِمَا مَكْشُوفَتَيْنِ بِلَا عِلَّةٍ فِيهِمَا وَهَذِهِ صُورَتُهُ كَمَا سَبَقَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيُقَالُ مُحْدِثٌ اقْتَضَى حَدَثُهُ طَهَارَةَ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دُونَ بَعْضٍ مَعَ سَلَامَتِهَا قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَيُقَالُ وُضُوءٌ سَقَطَ فِيهِ التَّرْتِيبُ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِرِجْلَيْهِ لَكِنْ نَقَلَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ غلطوه وقالوا ليس هذا وضوء بِلَا تَرْتِيبٍ بَلْ لَمْ يَجِبْ فِيهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَإِنْكَارُ الْأَصْحَابِ إنْكَارٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (ويوالى بين اعضائه فان فرق تفريقا يسير الم يضر لانه لا يمكن الاحتراز منه وان كان تفريقا كثيرا وهو بقدر ما يجف الماء على العضو في زمان معتدل ففيه قولان قال في القديم لا يجزيه لانها عبادة يبطلها الحدث فابطلها التفريق كالصلاة وقال في الحديث يجزيه لانها عبادة لا يبطلها التفريق القليل فلا يبطلها التفريق الكثير كتفرقة الزكاة فإذا قلنا إنه يجوز فهل يلزمه استئناف النية فيه وجهان احدهما يلزمه لانها انقطعت بطول الزمان والثاني لا يستأنف لانه لم(1/451)
يقطع حكم النية فلم يلزمه الاستئناف)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَقَوْلُهُ عِبَادَةٌ لَا يُبْطِلُهَا التَّفْرِيقُ الْقَلِيلُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهَا التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ كَمَا يُبْطِلُهَا الْكَثِيرُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو
الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ تَفْرِيقُ الصَّلَاةِ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَبِينُ ذَلِكَ إلَّا فِي تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَصْدًا فَتَفْرِيقُ الصَّلَاةِ هُوَ تَطْوِيلُ رُكْنٍ قَصِيرٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ التَّفْرِيقُ الْمُبْطِلُ لِلصَّلَاةِ هُوَ أَنْ يُسَلِّمَ نَاسِيًا وَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ مَثَلًا وَيَذْكُرَ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا سَبَبَ لِبُطْلَانِهَا إلَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ غَيْرُ مُصَلٍّ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ إذَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي مَحَلِّ الْعَفْوِ كَمَا عُفِيَ عَنْ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّلَاةِ: وَيُقَالُ زَمَانٌ وَزَمَنٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُبْطِلُهَا التَّفْرِيقُ الْقَلِيلُ إلَى آخِرِهِ يُنْتَقَضُ بِالْأَذَانِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهُ التَّفْرِيقُ الْفَاحِشُ دُونَ الْقَلِيلِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالتَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لَا يَضُرُّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
وَأَمَّا التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَدَلِيلُهُمَا ما ذكره المصنف رحمه الله قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ فَرَّقَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْقَوْلَانِ فِي تَفْرِيقٍ بِلَا عُذْرٍ: أَمَّا التَّفْرِيقُ بِعُذْرٍ فَلَا يَضُرُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ الْفُورَانِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالسَّرَخْسِيِّ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ هِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَوَّزَ فِي الْقَدِيمِ تَفْرِيقَ الصَّلَاةِ بِالْعُذْرِ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي فَالطَّهَارَةُ أَوْلَى ثُمَّ مِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يفرغ ماوءه فيذهب لتحصيل غيره أو خاف من شئ فَهَرَبَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَهَلْ(1/452)
النِّسْيَانُ عُذْرٌ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ فَطَوَّلَ الْأَرْكَانَ الْقَصِيرَةَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ مُصَلٍّ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ وَتَارِكُ الْوُضُوءِ لَيْسَ مُشْتَغِلًا بِعِبَادَةٍ.
وَفِي ضَبْطِ التَّفْرِيقِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ إذَا مَضَى بَيْنَ الْعُضْوَيْنِ زَمَنٌ يَجِفُّ فِيهِ الْعُضْوُ
الْمَغْسُولُ مَعَ اعْتِدَالِ الزَّمَانِ وَحَالِ الشَّخْصِ فَهُوَ تَفْرِيقٌ كثيرو الا فَقَلِيلٌ وَلَا اعْتِبَارَ بِتَأَخُّرِ الْجَفَافِ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَلَا بِتَسَارُعِهِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَلَا بِحَالِ الْمَبْرُودِ وَالْمَحْمُومِ وَيُعْتَبَرُ التَّفْرِيقُ مِنْ آخِرِ الْفِعْلِ الْمَأْتِيِّ بِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ اشْتَغَلَ لَحْظَةً ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بَعْدَ جَفَافِ الْوَجْهِ وَقَبْلَ جَفَافِ الْيَدِ فَتَفْرِيقٌ قَلِيلٌ وَإِذَا غَسَلَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَالِاعْتِبَارُ مِنْ الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ هَكَذَا صَرَّحَ بِمَعْنَى هذه الجملة الشيخ أبو حامد والبند نيجي وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ اعْتِبَارَ اعْتِدَالِ حَالِ الشَّخْصِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَمَتَى كَانَ فِي غَيْرِ حَالِ الِاعْتِدَالِ قُدِّرَ بِحَالِ الِاعْتِدَالِ وَكَذَا فِي التَّيَمُّمِ يُقَدَّرُ لَوْ كَانَ مَاءً
* (وَالْوَجْهُ الثَّانِي)
* التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ هُوَ الطَّوِيلُ الْمُتَفَاحِشُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ حِكَايَةِ شَيْخِهِ أَبِي الْقَاسِمِ الدَّارَكِيِّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَلَا حَكَاهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا
* (والوجه الثالث)
* يوءخذ التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ مِنْ الْعَادَةِ
* (وَالرَّابِعُ)
* أَنَّ الْكَثِيرَ قَدْرٌ يُمْكِنُ فِيهِ تَمَامُ الطَّهَارَةِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ هَذَا حُكْمُ تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ: وَأَمَّا الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ فَفِيهِمَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنَّهُمَا كَالْوُضُوءِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا
* (وَالثَّانِي)
* لَا يَضُرُّ تَفْرِيقُهُمَا قَطْعًا
* (وَالثَّالِثُ)
* الْغُسْلُ كَالْوُضُوءِ وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَيَبْطُلُ قَطْعًا وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ هَذَا لَيْسَ بشئ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُمَا كَالْوُضُوءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَإِذَا جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ الْكَثِيرَ فَإِنْ كَانَتْ النِّيَّةُ الْأُولَى مستصحبة فبنى علي وضوءه وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا أَجْزَأَهُ: وَإِنْ كَانَتْ قَدْ عُزِّبَتْ فَهَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللذان(1/453)
ذكرها الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ اُخْتُلِفَ فِي أَصَحِّهِمَا فَصَحَّحَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ الْوُجُوبَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حامد وصحح الا كثرون عَدَمَ الْوُجُوبِ مِنْهُمْ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذا قلنا يجب تجديد النية قجددها وبني ففى صحة وضؤه وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ النِّيَّةِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَفِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ هَذَا الْبِنَاءَ: أَمَّا إذَا
فَرَّقَ تَفْرِيقًا يَسِيرًا وَبَنَى فَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ إذَا فَرَّقَ تَفْرِيقًا كَثِيرًا لِعُذْرٍ جَازَ الْبِنَاءُ بِلَا نِيَّةٍ قَطْعًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ الْعُذْرِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ الْمُتَفَرِّقَ بِالْعُذْرِ لَهُ حُكْمُ الْمَجْمُوعِ وَالتَّفْرِيقُ بِلَا عُذْرٍ كَالتَّوْهِينِ لِلنِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ.
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ والنخعي وسفيان الثوري وأحمد في رواية وداود وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَضُرُّ التَّفْرِيقُ وَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ وَرَبِيعَةَ(1/454)
وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَحْمَدَ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ إنْ فَرَّقَ بِعُذْرٍ جَازَ وَإِلَّا فَلَا
* وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ الْمُوَالَاةَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَعَنْ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وضؤك فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ فَعَلَ ذلك أعد وضؤك وَفِي رِوَايَةٍ اغْسِلْ مَا تَرَكْتَ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ لم يُوجِبُ الْمُوَالَاةَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَلَمْ يُوجِبْ مُوَالَاةً وَبِالْأَثَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَوَضَّأَ فِي السُّوقِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ دُعِيَ إلَى جِنَازَةٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وضؤه وَصَلَّى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَشْهُورٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهَذَا دَلِيلٌ حَسَنٌ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَهُ بِحَضْرَةِ حَاضِرِي الْجِنَازَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ
* وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ خَالِدٍ أَنَّهُ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ وَحَدِيثُ عُمَرَ لَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ وَالْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رِوَايَتَانِ (1) إحْدَاهُمَا للاستحباب والاخري للجواز والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (والمستحب لمن فرغ من الوضوء أن يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شريك له وأن
__________
(1) هذا الجواب عن الاثر صحيح ويدل عليه ان مذهب عمر رضي الله عنه عدم وجوب الموالاة كما سبق اه اذرعي(1/455)
محمدا عبده ورسوله لِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وضؤه ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صادقا من قلبه فتح الله له ثمانية ابواب من الجنة يدخلها من أي باب شاء ويستحب أيضا أن يقول سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ الا أنت أستغفرك وأتوب اليك لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال من توضأ وقال سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ الا أنت أستغفرك وأتوب اليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يفتح إلى يوم القيامة)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ لَكِنَّ فِي الْمُهَذَّبِ تَغْيِيرَاتٍ فِيهِ فَلَفْظُهُ فِي مُسْلِمٍ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ فقال اشهد أن لا اله اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ وُضُوئِهِ وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ كَاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا قَوْلَهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي هَذِهِ الْكُتُبِ وَلَكِنَّهُ شَرْطٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ وَرُوِيَتْ الزِّيَادَةُ الَّتِي(1/456)
زَادَهَا التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرِ عُمَرَ وَرَوَى أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسول فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ دَخَلَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ ماجه باسناده ضَعِيفٍ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ: وَفِي سنن الدارقطني عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ غُفِرَ لَهُ ما بين الوضوء ين وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَبِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إلَى بَنِي خُدْرَةَ بَطْنٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاسْمُ أَبِي سَعِيدٍ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَكَانَ أَبُوهُ مَالِكٌ صَحَابِيًّا اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ تُوُفِّيَ أَبُو سَعِيدٍ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ: وَقَوْلُهُ كُتِبَ فِي رَقٍّ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالطَّابَعُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ وَهُوَ الْخَاتَمُ وَمَعْنَى طُبِعَ خُتِمَ وَقَوْلُهُ فَلَمْ يُفْتَحْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَعْنَاهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ إبْطَالٌ وَإِحْبَاطٌ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ هَذَا الذِّكْرِ عَقِيبَ الْوُضُوءِ وَلَا يُؤَخِّرُهُ عَنْ الْفَرَاغِ لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرِهَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ هَذَا الذِّكْرَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَيَقُولُ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى محمد وعلى آل محمد والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*(1/457)
(وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَوَضَّأَ أَنْ لَا يَنْفُضَ يَدَهُ لقوله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ ثم فلا تنفضوا أيديكم) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لَا يُعْرَفُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ضِدَّهُ عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ نَاوَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ اغْتِسَالِهِ ثَوْبًا فَلَمْ يَأْخُذْهُ وَانْطَلَقَ وَهُوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وفي رواية مسلم أتيته بالمنديل فلم يمسك وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَعْنِي يَنْفُضُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي النَّفْضِ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُ النَّفْضِ وَلَا يُقَالُ النَّفْضُ مَكْرُوهٌ (1) قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَالثَّالِثُ) مُبَاحٌ يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ
الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا نَفْضَ الْيَدِ وَأَظُنُّهُمْ رَأَوْهُ مباحا فتركوه فمن لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَغَيْرُهُمْ وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ حديث ميمونة ولم يثبت في النهى شئ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُنَشِّفَ أَعْضَاءَهُ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ لِمَا رَوَتْ مَيْمُونَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم غلامي الْجَنَابَةِ فَأَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى فَإِنْ تَنَشَّفَ جَازَ لِمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) قَالَ ابن كج في التجريد قال الشافعي استحب له إذا توضأ أن لا ينفض يديه اه وإذا كان هذا هو المنصوص والمذهب ولا يلزم من ترك ذكره ان يكون الراجح خلافه فقد قطع به ايضا خلائق من الاصحاب منهم المصنف في المنهاج والله اعلم بالصواب اه من هامش الاذرعي(1/458)
فوضعا لَهُ غُسْلًا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ بِمِلْحَفَةٍ وَرْسِيَّةٍ فَالْتَحَفَ بِهَا فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْوَرْسِ عَلَى عُكَنِهِ) (الشَّرْحُ (أَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَمُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَحَدِيثُ قَيْسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَكِتَابِ اللِّبَاسِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْغُسْلِ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ مُخْتَلِفٌ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ فِي التَّنْشِيفِ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِرْقَةٌ ينشف بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَائِمِ وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَقَلَبَ جُبَّةَ صُوفٍ كَانَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ شئ وقول ميونة أَدْنَيْت أَيْ قَرَّبْتُ وَقَوْلُهَا غُسْلًا هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ أَيْ مَا يُغْتَسَلُ بِهِ وَلَفْظَةُ الْغُسْلِ مُثَلَّثَةٌ فَهِيَ بِكَسْرِ الْغَيْنِ اسْمٌ
لِمَا يُغْسَلُ به الرأس من سدر وخطمى ونحوها وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ بِمَعْنَى الِاغْتِسَالِ وَبِضَمِّهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَاءِ فَحَصَلَ فِي الْفِعْلِ لُغَتَانِ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي أَلْفَاظِ الْفِقْهِ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُقَالُ إلَّا بِالْفَتْحِ وَغَلَّطُوا الْفُقَهَاءَ فِي قَوْلِهِمْ بَابُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ بِالضَّمِّ وَهَذَا الْإِنْكَارُ غَلَطٌ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَالْمِلْحَفَةُ وَالْمِنْدِيلُ بِكَسْرِ مِيمِهِمَا فَالْمِلْحَفَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِالْتِحَافِ وَهُوَ الِاشْتِمَالُ وَالْمِنْدِيلُ مِنْ النَّدْلِ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَهُوَ الْوَسَخُ(1/459)
لِأَنَّهُ يُنْدَلُ بِهِ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ لَعَلَّهُ مِنْ النَّدْلِ وَهُوَ النَّقْلُ وَقَوْلُهُ وَرْسِيَّةٍ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ سِينٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ وَكَذَا وُجِدَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مِلْحَفَةٌ وَرِيسَةٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ سِينٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ هَاءٌ وَمَعْنَاهُ مَصْبُوغَةٌ بِالْوَرْسِ وَهُوَ ثَمَرٌ أَصْفَرُ لِشَجَرٍ يَكُونُ بِالْيَمَنِ يُصْبَغُ بِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ: وَقَوْلُهُ عَلَى عُكَنِهِ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْكَافِ جَمْعُ عُكْنَةٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ الْعُكَنُ الْأَطْوَاءُ فِي بطن المرأة من السمن وتعكن الشئ إذَا رُكِمَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِ مُصَنِّفِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ إنْكَارًا عَلَى الْمُصَنِّفِ قَالَ قَوْلُهُ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْوَرْسِ عَلَى عُكَنِهِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا النكار غَلَطٌ مِنْهُ بَلْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الحديث مصرح بها في الرواية النسائي والبيهقي
* وأما ميمونة رواية الحديث فهي أم المؤمنين ميمونة الحارث الهلالية كان اسمها برة فسمها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَالْمَيْمُونُ الْمُبَارَكُ مِنْ الْيُمْنِ وَهُوَ الْبَرَكَةُ وَهِيَ خَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تُوُفِّيَتْ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ(1/460)
بَسَطْتُ أَحْوَالَهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ
* وَأَمَّا قَيْسٌ فَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو عَبْدُ الْمَلِكِ وَقِيلَ أَبُو الْفَضْلِ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وفتح اللام الانصاري وكان قيس وآباوءه الثَّلَاثَةُ يُضْرَبُ بِهِمْ الْمَثَلُ فِي الْكَرَمِ وَقَيْسٌ وَسَعْدٌ صَحَابِيَّانِ تُوُفِّيَ قَيْسٌ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سِتِّينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* أَمَّا حُكْمُ التَّنْشِيفِ فَفِيهِ طُرُقٌ مُتَبَاعِدَةٌ لِلْأَصْحَابِ يَجْمَعُهَا خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّهُ لَا
يُكْرَهُ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُطَّلِعِينَ (والثاني) يكره النتشيف حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ مُبَاحٌ يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ قَالَهُ(1/461)
أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ (وَالرَّابِعُ) يُسْتَحَبُّ التَّنْشِيفُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَامَةِ مِنْ غُبَارٍ نَجِسٍ وَغَيْرِهِ حكاه الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (وَالْخَامِسُ) إنْ كَانَ فِي الصَّيْفِ كُرِهَ التَّنْشِيفُ وَإِنْ كَانَ فِي الشِّتَاءِ فَلَا لِعُذْرِ الْبَرْدِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ التَّنْشِيفُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إلَى التَّنْشِيفِ لِخَوْفِ بَرْدٍ أَوْ الْتِصَاقٍ بِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يَحْمِلُ الثَّوْبَ الَّذِي يَتَنَشَّفُ بِهِ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْمُتَطَهِّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ السَّلَفِ فِي التَّنْشِيفِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ وَلَا يُقَال التَّنْشِيفُ مَكْرُوهٌ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إبَاحَةَ التَّنْشِيفِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَبَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَحَكَى كَرَاهَتَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَرَاهَتُهُ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (وَالْفَرْضُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ سِتَّةُ أَشْيَاءَ النِّيَّةُ وَغَسْلُ الْوَجْهِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ وَمَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَالتَّرْتِيبُ وَأَضَافَ إلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ الْمُوَالَاةَ فَجَعَلَهُ سَبْعَةً وَسُنَنُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ التَّسْمِيَةُ وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ وَمَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَإِدْخَالُ الْمَاءِ فِي صماخيه وتخليل أصابع الرجل وَتَطْوِيلُ الْغُرَّةِ وَالِابْتِدَاءُ بِالْمَيَامِنِ وَالتَّكْرَارُ وَزَادَ(1/462)
أبو العباس بن القاص مسح العنق مسح الاذنين فجعله ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَزَادَ غَيْرُهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى وضؤه فيقول عند الغسل الْوَجْهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَسْوَدُّ الْوُجُوهُ وَعَلَى غَسْلِ الْيَدِ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَلَا تُعْطِنِي بِشِمَالِي وَعَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ اللَّهُمَّ حَرِّمْ شَعْرِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ وَعَلَى مَسْحِ الْأُذُنِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وَعَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قدمى على الصراط فجعله أربع عشرة)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا وَاجِبَاتُ الْوُضُوءِ فَهِيَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَيَجِبُ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ غَسْلُ جُزْءٍ مِمَّا يُجَاوِرُهُ لِيَتَحَقَّقَ غَسْلُ الْوَجْهِ بِكَمَالِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْوَجْهِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ غَسْلُ الْوَجْهِ لان مرادهم الغسل المجزى وَلَا يُجْزِئُ إلَّا بِذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمَاءَ الطَّهُورَ فَرْضًا آخَرَ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي السُّنَنِ مِنْهَا التَّسْمِيَةُ وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ (1) وقد قدمنا في أول الباب وجها أنها سُنَّتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ لَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ وتطويل الغرة أراد به غسل من فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَفِيهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ وَقَوْلُهُ الابتدإ بِالْمَيَامِنِ يَعْنِي فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ دُونَ الْأُذُنَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ فَإِنَّهَا تَطْهُرُ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا سَبَقَ وَقَوْلُهُ وَالتَّكْرَارُ يَعْنِي فِي الْمَمْسُوحِ وَالْمَغْسُولِ كَمَا سبق وقولة وزاد أبو العباس ابن الْقَاصِّ مَسْحَ الْعُنُقِ هَذَا قَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ القاضي فِي كِتَابِهِ الْمِفْتَاحُ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِيهِ أَشَدَّ اخْتِلَافٍ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ بِأَلْفَاظِهِمْ مُخْتَصَرًا ثُمَّ أُلَخِّصَهُ وَأُبَيِّنَ الصَّوَابَ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مَسْحُ الْعُنُقِ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا وَرَدَتْ بِهِ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِقْنَاعِ لَيْسَ هُوَ سُنَّةً وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هُوَ سُنَّةٌ وَقِيلَ وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ مَسَحَهُ بِالْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ الْأُذُنَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ مُسْتَحَبٌّ لَا سُنَّةٌ يَمْسَحُ بِبَقِيَّةِ مَاءِ الرَّأْسِ أَوْ الاذن ولا يفرد بماء وقال
__________
(1) قال ابن الاستاذ في شرح الوسيط التسمية سنة وقال أبو حامد هيئة وفرق أبو حامد
بينهما بان الهيئة ما تهيأ بها لفعل العبادة والسنة ما كانت في افعالها الراتبة وهكذا نقول في غسل الكفين قال قال صاحب الحاوي وهذه ممانعة في العبارة مع تسليم المعني وقال اسحاق وداود بوجوبها فان تركها عمدا بطلت طهارته أو سهوا فباطلة عند داود صحيحة عند اسحاق اه اذرعي(1/463)
الْبَغَوِيّ يُسْتَحَبُّ مَسْحُهُ تَبَعًا لِلرَّأْسِ أَوْ الْأُذُنِ وقال الفواني يُسْتَحَبُّ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ هُوَ سُنَّةٌ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يَحْكِي فِيهِ وجهين احدهما انه سنة والثاني أدب قال الْإِمَامُ وَلَسْتُ أَرَى لِهَذَا التَّرَدُّدِ حَاصِلًا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هَلْ يَمْسَحُهُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَمْ بِبَاقِي بَلَلِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنِ بَنَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ سنة أم أدب وفيه وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا سُنَّةٌ فَبِجَدِيدٍ وَإِلَّا فَبِالْبَاقِي وَالسُّنَّةُ وَالْأَدَبُ يَشْتَرِكَانِ فِي النَّدْبِيَّةِ لَكِنَّ السُّنَّةَ تَتَأَكَّدُ قَالَ وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ مَسْحَهُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَمَيْلُ الْأَكْثَرِينَ إلَى مِسْحِهِ بِالْبَاقِي هَذَا مُخْتَصَرُ مَا قَالُوهُ وَحَاصِلُهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يُسَنُّ مَسْحُهُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ
* (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ وَلَا يُقَالُ مَسْنُونٌ (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ بِبَقِيَّةِ مَاءِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنِ (وَالرَّابِعُ) لَا يُسَنُّ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَهَذَا الرَّابِعُ هُوَ الصَّوَابُ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَيْضًا أَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ مُتَابَعَةً لِابْنِ الْقَاصِّ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ شَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْقَذَالَ وَمَا يَلِيهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْعُنُقِ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبَيْهَقِيُّ(1/464)
مِنْ رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ (1) وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ إنَّ مَسْحَ (2) الرَّقَبَةِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنْ الْغُلِّ فَغَلَطٌ لِأَنَّ هَذَا مَوْضُوعٌ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَجَبٌ قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ
بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الدُّعَاءُ الْمَذْكُورُ فَلَا أَصْلَ لَهُ وَذَكَرَهُ كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَزَادَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ اسْقِنِي مِنْ حَوْضِ نَبِيِّك كَأْسًا لَا أَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ اللَّهُمَّ لا تحرمنى رائحة نعيمك وجناتك قال ويقول عند الرأس اللهم أظني تَحْتَ عَرْشِكَ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّكَ وَقَوْلُهُ ثَبِّتْ قَدَمَيَّ عَلَى الصِّرَاطِ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَالصِّرَاطُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ وَبِإِشْمَامِ الزاى ثلاث لغات وقراآت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ سُنَنَ الْوُضُوءِ اثْنَتَا عَشْرَةَ وَكَذَا ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ زاد بَعْضُهُمْ زِيَادَاتٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الزِّيَادَاتِ وَأَنَا أُلَخِّصُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَأَضْبِطُهُ ضَبْطًا وَاضِحًا مُخْتَصَرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحْذِفُ أَدِلَّةَ مَا أَذْكُرُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ لِيَقْرُبَ ضَبْطُهَا وَيَسْهُلَ حِفْظُهَا فأقول: سنن الوضوء ومستحباته منها استقبل الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَجْلِسَ فِي مَكَان لَا يَرْجِعُ رَشَاشُ الْمَاءِ إلَيْهِ وَأَنْ يَجْعَلَ الْإِنَاءَ عَنْ يَسَارِهِ فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا يَغْتَرِفُ مِنْهُ فَعَنْ يَمِينِهِ وَأَنْ يَنْوِيَ مِنْ أَوَّلِ الطَّهَارَةِ وَأَنْ يَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إلَى آخِرِهَا وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَلَفْظِ اللِّسَانِ وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ فِي وُضُوئِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِيهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالتَّسْمِيَةُ وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا لِغَيْرِ الصَّائِمِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثِ غُرَفٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَالسِّوَاكُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالِاسْتِنْثَارُ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ وَأَنْ يَبْدَأَ فِي الْوَجْهِ بِأَعْلَاهُ وَفِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِالْأَصَابِعِ وَيَخْتِمَ بِالْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ وَيَبْدَأُ فِي الرَّأْسِ بِمُقَدَّمِهِ وَأَنْ لَا يَلْطِمَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ وَأَنْ يَتَعَهَّدَ الْمَاقَيْنِ بِالسَّبَّابَتَيْنِ وَأَنْ يُدَلِّكَ الْأَعْضَاءَ وَيُحَرِّكَ الْخَاتَمَ وَيَتَعَهَّدَ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الِاحْتِيَاطِ كَالْعَقِبِ وَأَنْ يُخَلِّلَ اللِّحْيَةَ وَالْعَارِضَ الْكَثِيفَيْنِ وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ وَإِطَالَةُ التَّحْجِيلِ وَمَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَمَسْحُ الصِّمَاخَيْنِ وَغَسْلُ النَّزَعَتَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ وَكَذَا مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ وَالصُّدْغُ إذَا قُلْنَا هُمَا مِنْ الرَّأْسِ لِلْخُرُوجِ من الخلاف وتخليل الاصابع والابتدأ باليد
__________
(1) قلت ان لم يكن ضعف هذا الحديث الا كونه من رواية ليث بن ابي سليم فهو ضعيف محتمل فان ليثا رحمه الله روى له مسلم مقرونا بغيره وحديثه في السنن الاربعة اعني الترمذي والنائي وابا داود وابن ماجه وروى عنه البخاري في التاريخ وفيه ضعف يسير من جهة حفطه قاله الذهبي في الكاشف وكان ذا صيام وصلاة وعلم كثير واحتج بعضهم قال أبو داود ليس به بأس
وقال ابن عدي له احاديث صالحة روى عنه شعبة والثوري وغيرهما من ثقات الناس ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه وقال الدارقطني صاحب سند استشهد به البخاري في الصحيح فان لم يكن للحديث علة الا كونه من رواية ليث فهو حسن ويقوي القول باستحباب مسح الرقبة اه اذرعي (2) قال ابن الاستاذ في شرح الوسيط في هذا الموضع: قال الروياني ورأيت في تصنيف الشيخ أبي الحسن أحمد بن فارس باسناده عن فليح ابن سليمان عن نافع عن ابي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال من توضأ ومسح يديه على عنقه وقي الغلل يوم القيامة وهذا صحيح: هذا لفظه بحروفه اه اذرعي(1/465)
وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَأَنْ لَا يُسْرِفَ فِي صَبِّ الْمَاءِ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ وَأَنْ لَا يَنْقُصَ منها وَأَنْ لَا يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ وَالْمُوَالَاةُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ وَأَنْ يَقُولَ عقب الفراغ أشهد أن لا اله اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَى آخِرِ الذِّكْرِ السَّابِقِ وَأَنْ لَا يُنَشِّفَ أَعْضَاءَهُ وَكَذَا لَا يَنْفُضَ يَدَهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ السَّابِقِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْعُلَمَاءَ كَرِهُوا الْكَلَامَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى وَإِلَّا فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ فَلَا يُسَمَّى مَكْرُوهًا إلَّا بِمَعْنَى تَرْكِ الْأَوْلَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ الْوُضُوءُ يَشْتَمِلُ عَلَى فَرْضٍ وَسُنَّةٍ وَنَفْلٍ وَأَدَبٍ وَكَرَاهَةٍ وَشَرْطٍ فَالْفَرْضُ سِتَّةٌ وَفِي الْقَدِيمِ سَبْعَةٌ كَمَا سَبَقَ وَالسُّنَّةُ خَمْسَةَ عَشْرَ وَذَكَرَ نَحْوَ بَعْضِ مَا سَبَقَ وَالنَّفَلُ التَّطَهُّرُ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَالْأَدَبُ عَشَرَةٌ (1) اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالْعُلُوُّ عَلَى مَكَان لَا يَتَرَشَّشُ إلَيْهِ الْمَاءُ وَأَنْ يَجْعَلَ الاناء عن يساره والواسع عن يَمِينِهِ وَيَغْرِفَ بِهَا وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ وَأَنْ يَبْدَأَ بِأَعْلَى الْوَجْهِ وَبِالْكَفَّيْنِ وَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَأَنْ لَا يَنْفُضَ يَدَيْهِ وَلَا يُنَشِّفَ أَعْضَاءَهُ: وَالْكَرَاهَةُ ثَلَاثَةٌ
الْإِسْرَافُ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كَانَ بِشَطِّ الْبَحْرِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَغَسْلُ الرَّأْسِ بَدَلَ مَسْحِهِ: وَالشَّرْطُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ هَذَا كَلَامُهُ وَمُعْظَمُهُ حَسَنٌ: وَقَوْلُهُ غَسْلُ الرَّأْسِ مَكْرُوهٌ هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ زَائِدَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٌ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرِهِمَا (أَحَدُهَا) وُجُودُ الْحَدَثِ فَلَوْلَاهُ لَمْ يَجِبْ (وَالثَّانِي) الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ يَجِبُ بِالْحَدَثِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ جَمِيعًا وَالْأَوْجُهُ جَارِيَةٌ فِي مُوجِبِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ هَلْ هُوَ إنْزَالُ الْمَنِيِّ وَالْجِمَاعُ أَمْ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ أَمْ كِلَاهُمَا فَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ بِوُجُودِ الْحَدَثِ فَهُوَ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ إلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْحَدَثِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ إذَا أَجْنَبَ أَوْ أَحْدَثَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِالْفِعْلِ أَوْ الزَّمَانِ وَمَعْنَى الْفِعْلِ أَنْ يُرِيدَ قَضَاءَ فَائِتَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا سَبَقَ لِأَنَّ مُرَادَهُ لَا يُكَلَّفُ بِالْفِعْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابن المنذر في
__________
(1) الذي رأيته في نسختين باللباب وأما الادب فاثنى عشر شيئا فأهمل المصنف شيئين أحدهما ان يغترف بيمينه وان إذا استعان باحد لحاجة جعله عن يمينه وكذا هو في اصل اللباب وهو الرونق للشيخ أبي حامد والذي نقله الماوردي عن نص الشافعي ان ان المعين يكون عن يساره وبه اجاب الجرجاني في التحرير اه اذرعي(1/466)
كِتَابِهِ الْإِجْمَاعِ وَآخَرُونَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ ومن في معناها فانه لا يصح وضؤها إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) أَجْمَعُوا أَنَّ الْجَنَابَةَ تَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ: وَأَمَّا الحدث الاصغر ففيه وجهان لا صحابنا مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ وَحَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَحَدُهُمَا يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ كَالْجَنَابَةِ وَلَيْسَ بَعْضُ الْبَدَنِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلِأَنَّ الْمُحْدِثَ مَمْنُوعٌ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ بِظَهْرِهِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ ولولا الْحَدَثُ فِيهِ لَمْ يُمْنَعْ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا اكتفى بغسل الاعضاء الاربعة تخفيفا لتكرره بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ:
وَالثَّانِي لَا يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ بَلْ يَخْتَصُّ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مُخْتَصٌّ بِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِهَا لِأَنَّ شَرْطَ الْمَاسِّ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا ولا يكون شئ من بدنه محدثا ولا بكفيه طَهَارَةُ مَحَلِّ الْمَسِّ وَحْدَهُ وَلِهَذَا لَوْ غَسَلَ وجهه ويديه لم يجز مسه بيايه مَعَ قَوْلِنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ إنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ الْعُضْوِ بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَرَاغِ الْوُضُوءِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: واحتلفوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ الشَّاشِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَعُمُّ الْبَدَنَ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ الْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ هُوَ الْأَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْوُضُوءِ إلَّا فِي اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ كما سبق (الخامس) يُشْتَرَطُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَيْهَا فَإِنْ أَمَسَّهُ الْمَاءَ وَلَمْ يَجْرِ لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ قَدْرِ الْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ فِي قَوْلِهِ إذَا تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءِ الْفِضَّةِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ هُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى غَسْلًا مَا لَمْ يَجْرِ وَلَوْ غَمَسَ عُضْوَهُ فِي الْمَاءِ كَفَاهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى غَسْلًا (السَّادِسَةُ) مَاءُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ وَلَا فِي الْغُسْلِ عَنْ صَاعٍ وَالْإِسْرَافُ مَكْرُوهٌ بِالِاتِّفَاقِ وَسَيَأْتِي هَذَا كُلُّهُ مَبْسُوطًا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّابِعَةُ) إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ أعضائه شمع أو عجين أو حناء واشتباه ذلك فمنع وصول الماء الى شئ من العضو لم تصح طهارته سواء كثر ذَلِكَ أَمْ قَلَّ وَلَوْ بَقِيَ عَلَى الْيَدِ وَغَيْرِهَا أَثَرُ الْحِنَّاءِ وَلَوْنُهُ دُونَ عَيْنِهِ أَوْ أثر(1/467)
دُهْنٍ مَائِعٍ بِحَيْثُ يَمَسُّ الْمَاءُ بَشَرَةَ الْعُضْوِ وَيَجْرِي عَلَيْهَا لَكِنْ لَا يَثْبُتُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي فَصْلِ غَسْلِ الرِّجْلِ: وَلَوْ كَانَ تَحْتَ أَظْفَارِهِ وَسَخٌ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ السِّوَاكِ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَا يَجِبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْوَجْهِ (التَّاسِعَةُ) إذَا شَرَعَ الْمُتَوَضِّئُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ارْتِفَاعُهُ عَنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ عَلَى غَسْلِ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ
فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَتَوَقَّفُ فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ رأسه لم يرتفع الحدث عن شئ مِنْهَا حَتَّى يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ
* وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِيَدِهِ فَلَوْلَا بَقَاءُ الْحَدَثِ عَلَيْهَا لَجَازَ
* وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ موجب لا زالة الْحَدَثِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا: وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَنَّ شَرْطَ الْمَاسِّ أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الطَّهَارَةِ وَلَا يَكُونَ عَلَيْهِ حَدَثٌ وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّهُ بِصَدْرِهِ وَإِنْ قُلْنَا الْحَدَثُ يَخْتَصُّ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ (الْعَاشِرَةُ) إذَا شَرَعَ فِي الْوُضُوءِ فَشَكَّ فِي أَثْنَائِهِ فِي غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَسْلِهِ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّهَارَةِ فِي غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ فَهَلْ هُوَ كَالشَّكِّ فِي أَثْنَائِهَا فَيَلْزَمُهُ غَسْلُهُ وَمَا بَعْدَهُ أَمْ لا يلزمه شئ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ السَّلَامِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي فِي آخِرِ بَابِ الْأَحْدَاثِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ هُنَا وَآخَرُونَ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وُجُوبَ غَسْلِهِ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الشَّامِلِ قَالُوا لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تُرَادُ لِغَيْرِهَا فَلَمْ تَتَّصِلْ بِالْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَطَعَ الشيخ أبو حامد بأنه لا شئ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ فَقِيلَ لَهُ هَذَا يُؤَدِّي إلَى الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا فَقَالَ هَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ الْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ
* وَاحْتَجَّ الرُّويَانِيُّ لِمَا رَجَّحَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُسَافِرِ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ شَكَّ فِي فَرْضٍ مِنْهَا وأراد أن يجمع االيها العصر لم بجز لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْعِلْمُ بِصِحَّةِ الظُّهْرِ قَالَ وَمِثْلُهُ لَوْ خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ(1/468)
ثُمَّ شَكَّ فِي تَرْكِ فَرْضٍ مِنْ الْخُطْبَةِ لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ إتْمَامَ الْخُطْبَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْمِثَالَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ وَسَنَعُودُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا تَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ تَيَقَّنَ تَرْكَ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَكَلَامٌ طَوِيلٌ وَفُرُوعٌ كَثِيرَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يستحب لمن توضأ أن يصلي رَكْعَتَيْنِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ وَفِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنْ النَّوَافِلِ الَّتِي
لَا سَبَبَ لَهَا لان هذه لها سَبَبٌ وَهُوَ الْوُضُوءُ وَذَكَرَ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا النَّافِلَةُ وَذَكَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِّثْنِي بأرجأ عمل عملته في الاسلام فاني سمعت دق نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ مَا عملت عملا أرجأ عِنْدِي مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَكَذَا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ
* وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْدِثَ وَمَتَى يُسْتَحَبُّ: فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا إنْ صَلَّى بالوضوء الاول فرضا أو نفلا استحب والا فلا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ (وَالثَّانِي) إنْ صَلَّى فَرْضًا اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ فَعَلَ بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ مَا يَقْصِدُ لَهُ الْوُضُوءَ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمُعْتَمَدِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ فِي بَابِ الْمَاءِ واختاره (والرابع) إن صلى بالاول(1/469)
أو سجده لِتِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ أَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي مصحف اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الْفُرُوقِ: وَالْخَامِسُ يُسْتَحَبُّ التَّجْدِيدُ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ شَيْئًا أَصْلًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّجْدِيدِ زَمَنٌ يَقَعُ بِمِثْلِهِ تَفْرِيقٌ فَأَمَّا إذَا وَصَلَهُ بِالْوُضُوءِ فَهُوَ فِي حُكْمِ غَسْلَةٍ رَابِعَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ غَرِيبٌ جِدًّا وَقَدْ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ الْفُرُوعِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ التَّجْدِيدُ إذَا لَمْ يؤد بالاول كِتَابِهِ شَرْحِ الْفُرُوعِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ بأنه يُكْرَهُ التَّجْدِيدُ قَالَا وَلَوْ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ لَمْ يُسْتَحَبَّ التَّجْدِيدُ وَلَا يُكْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَمَّا الْغُسْلُ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: أَمَّا التَّيَمُّمُ
فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يُسْتَحَبُّ وَصُورَتُهُ فِي الْجَرِيحِ وَالْمَرِيضِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهِمَا إذَا لَمْ نُوجِبْ الطَّلَبَ ثَانِيًا إذَا بَقِيَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قُلْنَا بِتَجْدِيدِ التَّيَمُّمِ فَيُتَصَوَّرُ لِلنَّافِلَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَكَذَا لِلْفَرِيضَةِ بَعْدَ النَّافِلَةِ إذَا قَدَّمَ النَّافِلَةَ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِأَصْلِ اسْتِحْبَابِ التَّجْدِيدِ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَكَانَ أَحَدُنَا يَكْفِيهِ الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ لَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِلتَّجْدِيدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ عَنْ حَدَثٍ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ مقاوم لاحتمال التجديد فلا ترجح التجديد الا بمرجح آخر (الرابعة عشرة) إذَا تَوَضَّأَ الصَّحِيحُ وَهُوَ غَيْرُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا مِمَّنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْوُضُوءِ الْوَاحِدِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ مَا لَمْ يُحْدِثْ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ بن بطال ى شرح صحيح البخازي عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا وَحَكَى الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدِ ابن حزم الظاهرى في كتابه كتاب
__________
(1) قول أنس وكان احدنا يكفيه فيه اشارة إلى التجديد وهنا يرجح احتمال التجديد فهو ارجح اه أذرعي(1/470)
الاجماع هذا المذهب عن عمر بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ يَعْنِي النَّخَعِيّ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ لِلْمُسَافِرِ دُونَ الْحَاضِرِ
* وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ طاهرا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الْآيَةَ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَقَدْ صَنَعْتَ
الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ فَقَالَ عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سُوَيْد بْنِ النُّعْمَانِ رضى اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَكَلَ سَوِيقًا ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ قَالَ يُجْزِي أَحَدَنَا الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ فَقَدَّمَتْ لَهُ شَاةً مَصْلِيَّةً فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ حَانَتْ الظُّهْرُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ رَجَعَ إلَى فَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ حَانَتْ الْعَصْرُ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ هَذَا كَحَدِيثِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ وَفِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَاتِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَمَعْنَاهَا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثِينَ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مُحْدِثِينَ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَبِتَقْرِيرِهِ أَصْحَابَهُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ وَسَلِسُ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ فَإِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُهُمْ اسْتَبَاحَ فَرِيضَةً وَاحِدَةً وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ وَلَا يُبَاحُ لَهُ غَيْرُ فَرِيضَةٍ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ(1/471)
وَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ بِالْوُضُوءِ فِيهِ طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ لَا يَرْتَفِعُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ وَكَيْفَ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مَعَ جَرَيَانِهِ دَائِمًا ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَسَنُنَبِّهُ عَلَيْهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) إذَا أَحْدَثَ أَحْدَاثًا مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً كَفَاهُ وُضُوءٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا لَوْ أَجْنَبَ مَرَّاتٍ بجماع امرأة واحدة ونسوة أَوْ احْتِلَامٍ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ كَفَاهُ غُسْلٌ بِالْإِجْمَاعِ سواء كَانَ الْجِمَاعُ مُبَاحًا أَوْ زِنًا وَمِمَّنْ نَقَلَ الاجماع فيه أبو محمد بن جزم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الدَّوَامِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَلَى الْمَبِيتِ عَلَى طَهَارَةٍ وَفِيهِمَا أَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ أَنْوَاعَ الْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ فَجَعَلَهَا عَشَرَةً وَزَادَ فِيهَا غَيْرُهُ فَبَلَغَ مَجْمُوعُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ
نَوْعًا مِنْهَا تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ وَالْوُضُوءُ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءُ عِنْدَ النَّوْمِ وَالْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ(1/472)
عِنْدَ الْأَكْلِ (1) أَوْ الشُّرْبِ (2) وَالْوُضُوءُ مِنْ حَمْلِ الْمَيِّتِ وَعِنْدَ الْغَضَبِ وَعِنْدَ الْغِيبَةِ (3) وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَعِنْدَ قِرَاءَةِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِوَايَتِهِ وَدِرَاسَةِ الْعِلْمِ وَعِنْدَ الْأَذَانِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَلِلْخُطْبَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَكَذَا لِلْجُمُعَةِ إذَا لَمْ نُوجِبْ فِيهَا الطَّهَارَةَ وَلِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَلِلسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْوُضُوءُ مِنْ الفصد والحاجة والقئ وأكل لجم الْجَزُورِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهِ
* وَكَذَا يُنْدَبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ نَوْمٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ مَسٍّ اُخْتُلِفَ فِي النَّقْضِ بِهِ وَقُلْنَا لَا يَنْقُضُ وَكَذَا فِي مَسِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى وَمَسِّهِ أَحَدَ فَرْجَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَّ شَارِبَهُ الْوُضُوءُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ طَهَارَةَ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ فَيُعِيدُ الْوُضُوءُ لِلتَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْبَغَوِيّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَوَضَّأَ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَعَلَيْهِ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأَوَّلِ صَلَاةً فَإِنْ تَوَضَّأَ وَهُوَ مُحْدِثٌ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ شَرْعًا.
وَإِنْ جَدَّدَ الْوُضُوءَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَذْرِهِ: قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُ الْوُضُوءُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ التَّيَمُّمَ لَا يَنْعَقِدُ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَا يُجَدَّدُ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَقَدْ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي فِي بَابِ النَّذْرِ بِانْعِقَادِ نَذْرِ الوضوء وحكي وجها في انعقاد نذر نذر التيمم وهو بمني عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فِي تَجْدِيدِ التَّيَمُّمِ فَالْمَذْهَبُ انْعِقَادُ نَذْرِ الْوُضُوءِ وَعَدَمُ انْعِقَادِ نَذْرِ التَّيَمُّمِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ لَهَا عَنْ حَدَثٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوُضُوءُ لَهَا ثَانِيًا بَلْ يَكْفِيهِ الْوُضُوءُ الْوَاحِدُ لِوَاجِبَيْ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخر هذا الباب بعد
__________
(1) قال الحليمي في المنهاج وإذا اراد الجنب أن يعود فقد جاء الحديث أنه يتوضأ ومعناه فليتنظف بغسل فرجه لانه روى في حديث آخر مفسرا إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يعود فليغسل فرجه وفي رواية إخرى فلا يعود حتى يغسل فرجه اه وقال القرطبي في شرح مسلم وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ اهله ثم اراد ان يعاود فليتوضأ منها وضوآن ذهب بعض
اهل الظاهر إلى انه الوضوء العرفي وأنه واجب واستحبه احمد وغيره وذهب الفقهاء واكثر اهل العلم إلى انه غسل الفرج ثم استدل له بحديث فيه وليغسل فرجه مكان فليتوضأ وايده بمعنى ظاهر اه من هامش الاذرعي (2) قال القرطبي مساق حديث عائشة يقتضي ان يكون وضوء الجنب للاكل هو وضوء الصلاة لانها جمعت من الاكل =(1/473)
أَنْ ذَكَرَ فَرَائِضَ الْوُضُوءِ وَسُنَنَهُ وَذَلِكَ أَكْمَلُ الْوُضُوءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْبَابَ غَسْلِ الْعَيْنَيْنِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَصَحَّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يفعله فاستثنى لا خلاله بِذَلِكَ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الْوُضُوءِ وَهَذَا الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الْحُسْنِ فَالْأَجْوَدُ غَيْرُهُ وَهُوَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَوْ بِإِبْطَالِ مَا أَثْبَتَهُ وَلَمْ تَبْلُغْهُ فَاحْتَاطَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَشْيَاءَ لم يثبها بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَحَذَفَ أَشْيَاءَ أَثْبَتَهَا بَعْضُهُمْ فَالِاسْتِثْنَاءُ حَسَنٌ لِهَذَا مَعَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ الْمَوَاطِنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَيْسَتْ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ فَتُغْسَلَانِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ أَوْ أكثرهم هذا لحن لانه جواب النفى بالفإ فَصَوَابُهُ فَتُغْسَلَا بِحَذْفِ النُّونِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَوْلُهُ فَتُغْسَلَانِ بِالنُّونِ صَحِيحٌ عِنْدَ عَامَّةِ النَّحْوِيِّينَ عَلَى إضْمَارِ الْمُبْتَدَأِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلا يُؤْذَنُ لهم فيعتذرون أَيْ فَهُمْ يَعْتَذِرُونَ
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ مَرَّةً وَذِرَاعَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً وَمَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالنَّزَعَتَانِ مِنْ الرَّأْسِ وَغَسَلَ رجليه مرة مرة عم بِكُلِّ مَرَّةٍ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً هَذَا لفظه فاعترض عليه لا دخل حَدِيثِ مَسْحِ النَّاصِيَةِ وَذِكْرِ النَّزَعَتَيْنِ بَيْنَ أَعْضَاءِ الوضوء والجواب عنه أن هذا كلام اعتراض بَيْنَ الْجُمَلِ الْمَعْطُوفِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ الِاحْتِجَاجَ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ عِنْدَ ذِكْرِهِ الِاقْتِصَارَ فَكَانَ الِاحْتِجَاجُ لَهُ مُهِمًّا فَعَجَّلَهُ وَذَكَرَ النَّزَعَتَيْنِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ الَّذِي
تَكَلَّمَ فِيهِ وَحَكَمَ بِأَنَّ بَعْضَهُ يَكْفِي فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَوْ بَعْضَ النَّزَعَةِ منه
__________
= والنوم في الوضوء ويحكي ذلك عن ابن عمر والجمهور على خلافه وان وضوءه عند الاكل غسل يديه وقد روى النسائي هذا عن عائشة مفسرا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ توضأ وان اراد ان يأكل أو يشرب قالت غسل يديه ثم يأكل أو يشرب قلت ويؤيد هذا ما رواه ابو داود وغيره مرفوعا الوضوء قبل الطعام وبعده بركعة والمراد به غسل اليدين والله اعلم اه اذرعي (3) ومنها الوضوء من الغيبة ومن الكذب وانشاد الشعر ومن استغراق الضحك قاله الحليمي في مناهجه اه اذرعي(1/474)
جَازَ فَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرَهُ مُهِمًّا اعْتَرَضَ بِهِ بَيْنَ الْجُمَلِ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْله فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الحمد في السموات والارض وعشيا اعترض قوله تعالى وله الحمد في السموات والارض ومثله قوله تعالي وإنه لقسم لو تعلمون عظيم اعترض لو تعلمون وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كالانثى واني سميتها مريم اعْتَرَضَ قَوْله تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ وَضَعَتْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَمِمَّا جَاءَ مِنْهُ في شعر العرب قول امرئ القيس الاهل اتاها والحوادث جمة
* بان امرئ الْقَيْسِ بْنَ تَمْلِكَ بَيْقَرَا فَاعْتَرَضَ قَوْلُهُ وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ
* وَقَوْلُ الْآخَرِ أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تُنْمَى
* بما لا قت لَبُونُ بَنِي زِيَادِ فَاعْتَرَضَ وَالْأَنْبَاءُ تُنْمَى
* وَقَوْلُ الْآخَرِ إلَيْكَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ كَانَ كِلَالُهَا
* إلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ فَاعْتَرَضَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ: وَفِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ شَوَاهِدُ لِمَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ
* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) أُنْكِرَ عَلَى صَاحِبِ الْوَسِيطِ مَسَائِلُ وَأَلْفَاظٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَنَبَّهْنَا عَلَى صَوَابِهَا: مِنْهَا قَوْلُهُ فِي غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فَإِنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةَ الْيَدِ فَفِي (1) بَقَاءِ
الِاسْتِحْبَابِ وَجْهَانِ: وَمِنْهَا قَوْلُهُ إذَا حَلَقَ شَعْرَهُ لَا يَلْزَمُهُ طهارة موضعه خلافا لا بن خَيْرَانَ وَصَوَابُهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَطْوِيلُ الْغُرَّةِ وَقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنْ الْغُلِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وله الحمد والنعمة وبه التوفيق والعصمة * قال المصنف رحمه الله
*
__________
(1) هذا الاول ليس بمنكر ومعناه ففي بقاء استحباب تقديم الغسل على الغمس كما سبق خلاف ما توهم صاحب الذخائر من أن المراد أصل غسل اليد فانه لا خلاف فيها اه اذرعي(1/475)
(باب المسح على الخفين
يجوز المسح على الخفين في الوضوء لما روى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الخفين فقلت يا رسول الله نسيت فقال بل أنت نسيت بهذا أمرني ربي ولان الحاجة تدعوا إلى لبسه وتلحق المشقة في نزعه فجاز المسح عليه كالجبائر) (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بهذا اللفظ ورواه البخاري ومسلم في صحيحهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عن الْخُفَّيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُغِيرَةِ بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارَ بِنِسْيَانِهِ وَإِنَّمَا هُوَ للمقابلة كما يقول الرجل فَعَلْتَ كَذَا وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ فَيَقُولُ بَلْ أَنْتَ فَعَلْتَهُ مُبَالَغَةً فِي بَرَاءَتِهِ مِنْهُ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ كَمَا أَنَّكَ لَمْ تَفْعَلْهُ وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ هَذَا وَالْمُغِيرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ فِي الْوُضُوءِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَسَائِرِ الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَسْنُونَةِ وَمِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَسَنُوَضِّحُهَا كُلَّهَا إنْ شَاءَ الله وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى لُبْسِهِ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالْجَبِيرَةِ هَكَذَا قَاسَهُ أَصْحَابُنَا وَأَرَادُوا إلْزَامَ طَائِفَةٍ خَالَفَتْ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَوَافَقَتْ فِي الْجَبِيرَةِ فَالْجَبِيرَةُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا (الثَّالِثَةُ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ وَالْخَوَارِجُ لَا يَجُوزُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عن مالك ستة رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ: الثَّانِيَةُ يَجُوزُ لكنه يُكْرَهُ: الثَّالِثَةُ يَجُوزُ أَبَدًا وَهِيَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ: الرَّابِعَةُ يَجُوزُ مُؤَقَّتًا: الْخَامِسَةُ يجوز للمسافر دون الحاضر: السادس عَكْسُهُ وَكُلُّ هَذَا الْخِلَافِ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَيَدُلُّ عليه(1/476)
الاحاديث الصحيحة المستفيضة في حديث مَسْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَأَمْرُهُ بِذَلِكَ وَتَرْخِيصُهُ فِيهِ وَاتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ رَوَيْنَا جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة ابن الْيَمَانِ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وعمر وابن الْعَاصِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ وَأَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قُلْتُ) وَرَوَاهُ خَلَائِقُ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ الْبَيْهَقِيُّ وَأَحَادِيثُهُمْ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَسَلْمَانَ وَبُرَيْدَةَ وَعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَصَفْوَانَ ابن عَسَّالٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي بَكْرَةَ وَبِلَالٍ وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قال أبو بكر ابن الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ اخْتِلَافٌ هُوَ جَائِزٌ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ السَّلَفِ نَحْوَ هَذَا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهِيَ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَائِدَةِ نَزَلَتْ قَبْلَ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِمُدَدٍ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ زَادَ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَتِهِ قَالُوا لِجَرِيرٍ إنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ فَقَالَ جَرِيرٌ
وَمَا أَسْلَمْتُ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَكَانَ إسْلَامُ جَرِيرٍ مُتَأَخِّرًا جِدًّا (1) وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مَا سَمِعْتُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَدِيثًا أَحْسَنَ مِنْ حديث جرير وأما
__________
(1) كان اسلامه في العاشرة من الهجرة رضي الله عنه اه اذرعي(1/477)
الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ فِي الْآيَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ لا بس الْخُفِّ بِبَيَانِ السُّنَّةِ وَلَيْسَ لِلْمُخَالِفِينَ شُبْهَةٌ فِيهَا رُوحٌ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ مِنْ كَرَاهَةِ الْمَسْحِ فَلَيْسَ بِثَابِتٍ (1) بَلْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَوَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ ذَلِكَ لَحُمِلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ بُلُوغِهِمَا جَوَازَ الْمَسْحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغَا رَجَعَا وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَى هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْمَسْأَلَةُ غَنِيَّةٌ عَنْ الْإِطْنَابِ فِي بَسْطِ أَدِلَّتِهَا بِكَثْرَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا جَوَازُ الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ فَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَهَى إلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ سُبَاطَةِ قَوْمٍ بِالْمَدِينَةِ وَعَنْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ وعليه وَسَلَّمَ جَعَلَ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَمِنْهَا حديث خزيمة ابن ثَابِتٍ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَهُمَا صَحِيحَانِ سَيَأْتِي بَيَانُهُمَا قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ التَّوْقِيتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَسْحُ الْخُفَّيْنِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَغَسْلُ الرِّجْلِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتْرُكَ المسح رغبة عن السنة ولا شكا فِي جَوَازِهِ وَقَدْ صَرَّحَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ بِهَذَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فِي مَسْأَلَةِ تَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ وَفِي غَيْرِهَا وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ يَجُوزُ الْمَسْحُ وَلَمْ يَقُلْ يُسَنُّ أَوْ يُسْتَحَبُّ وَدَلِيلُ تَفْضِيلِ غَسْلِ الرِّجْلِ أَنَّهُ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ وَلِأَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ هُوَ الْأَصْلُ فَكَانَ أَفْضَلَ كَالْوُضُوءِ مَعَ التَّيَمُّمِ فِي مَوْضِعِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ وَهُوَ إذَا وَجَدَ فِي السَّفَرِ مَاءً يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَهُ التَّيَمُّمُ فَلَوْ اشْتَرَاهُ وَتَوَضَّأَ كَانَ أَفْضَلَ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَفْضِيلَ غَسْلِ الرِّجْلِ أَيْضًا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ ايضا
* وقال الشعبي
__________
(1) وفي الحديث عن عائشة أنها سئلت عن المسح على الخفين فقالت سل عليا اه من هامش الاذرعي(1/478)
والحكم وحماد المسح أفضل وهو أصح الراويتين عَنْ أَحْمَدَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْمُنْذِرِ
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ فَضَّلَ الْمَسْحَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ بِهَذَا أَمَرَنِي وَبِحَدِيثِ صَفْوَانَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا الْحَدِيثَ وَالْأَمْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوُجُوبِ كَانَ نَدْبًا وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي الْحَدِيثَيْنِ أَمْرُ إبَاحَةٍ وَتَرْخِيصٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ أَرْخَصَ لَنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ تَأْوِيلٌ آخَرُ أَيْ أَمَرَنِي بِبَيَانِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ فِي الْيَدَيْنِ وَالْبُرْقُعِ فِي الْوَجْهِ وَأَمَّا الْعِمَامَةُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا وَحْدَهَا وَفِيهَا خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ سَبَقَ بَيَانُهُ بِدَلَائِلِهِ فِي فَصْلِ مَسْحِ الرَّأْسِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز ذلك في غسل الجنابة لما روى صفوان بن عسل المرادى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن الا من جنابة لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ ثم نحدث بعد ذلك وضوءا ولان غسل الجنابة يندر فلا تدعوا الحاجة فيه إلى المسح على الخف فلم يجز)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ قَوْلُهُ ثُمَّ نُحْدِثُ بعد ذلك وضوء أو هي زِيَادَةٌ بَاطِلَةٌ لَا تُعْرَفُ وَقَوْلُهُ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ هَكَذَا هُوَ أَيْضًا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ إلَّا وَهِيَ إلَّا الَّتِي لِلِاسْتِثْنَاءِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ رُوِيَ أَيْضًا لَا مِنْ جَنَابَةٍ بِحَرْفِ لَا الَّتِي لِلنَّفْيِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحُ
الْمَعْنَى لَكِنَّ المشهور الا: وقوله لكن من غائط وبول أَوْ نَوْمٍ كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ بِحَرْفِ أَوْ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ بِالْوَاوِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَرْخَصَ لَنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا بَدَلَ قَوْلِهِ يَأْمُرُنَا وَقَوْلُهُ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ إلَى آخِرِهِ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ لَفْظَةُ لَكِنْ لِلِاسْتِدْرَاكِ تَعْطِفُ فِي النَّفْيِ مُفْرَدًا عَلَى مُفْرَدٍ وَتُثْبِتُ لِلثَّانِي مَا نَفَتْهُ عَنْ الْأَوَّلِ تَقُولُ مَا قَامَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى مُثْبَتٍ اُحْتِيجَ بَعْدَهَا إلَى جُمْلَةٍ تَقُولُ قَامَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَقُمْ فَقَوْلُهُ لَا نَنْزِعَهَا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ مَعْنَاهُ أَرْخَصَ لَنَا فِي الْمَسْحِ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ نُؤْمَرْ بِنَزْعِهَا إلَّا فِي حَالِ(1/479)
الْجَنَابَةِ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَكِنْ لَا نَنْزِعُ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَوَّلِ أُمِرْنَا بِنَزْعِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ بَيَانُ الْأَحْوَالِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْمَسْحُ وَنُبِّهَ بِالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالنَّوْمِ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ بَاقِي أَنْوَاعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَهِيَ زَوَالُ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ وَغَيْرِهِ وَلَمْسُ النِّسَاءِ وَمَسُّ فَرْجِ الْآدَمِيِّ وَنُبِّهَ بِالْجَنَابَةِ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ ذِكْرِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ عَنْ النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَعَسَّالٌ وَالِدُ صَفْوَانَ هُوَ بِعَيْنٍ ثُمَّ سِينٍ مُشَدَّدَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَصَفْوَانُ هَذَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ غَزَا مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم اثني عَشْرَةَ غَزْوَةً سَكَنَ الْكُوفَةَ: وَقَوْلُهُ مُسَافِرِينَ أَوْ سَفْرًا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي هَلْ قَالَ مُسَافِرِينَ أَوْ قَالَ سَفْرًا وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلَكِنْ لَمَّا شَكَّ الرَّاوِي أَيَّهُمَا قَالَ احْتَاطَ فَتَرَدَّدَ ولم يجزم باحدهما وهكذا صوابه سفر بِرَاءٍ مُنَوَّنَةٍ وَيُكْتَبُ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا بِلَا خِلَافٍ وَرُبَّمَا غُلِطَ فِيهِ فَقِيلَ سَفْرِيٌّ بِالْيَاءِ وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ وَتَصْحِيفٌ قَبِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ سَفْرًا جَمْعُ سافر كما يقال ركب وراكب وَصَاحِبٌ وَصَحْبٌ وَقِيلَ إنَّهُ لَمْ يُنْطَقْ بِوَاحِدِهِ الَّذِي هُوَ سَافِرٌ بَلْ قَدَّرُوهُ وَقِيلَ نُطِقَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ إحْدَاهَا جَوَازُ مَسْحِ الْخُفِّ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ الثَّالِثَةُ أَنَّ وَقْتَهُ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ الرَّابِعَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَسْنُونَةِ الْخَامِسَةُ جَوَازُهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ السَّادِسَةُ أَنَّ(1/480)
الْغَائِطَ وَالْبَوْلَ وَالنَّوْمَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نَوْمِ غَيْرِ مُمَكِّنِ مَقْعَدِهِ (السَّابِعَةُ) أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالنَّزْعِ لِلْجَنَابَةِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ الرِّجْلَ فِي الْخُفِّ ثُمَّ أَحْدَثَ وَأَرَادَ الْمَسْحَ لَمْ يَجُزْ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ وَقَدْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا لَا يُجْزِئُ مَسْحُ الْخُفِّ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوِلَادَةِ وَلَا فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَأَغْسَالِ الْحَجِّ وَغَيْرِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ دَمِيَتْ رِجْلُهُ فِي الْخُفِّ فَوَجَبَ غَسْلُهَا لَا يُجْزِيهِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَكُلُّ هَذَا مُسْتَنْبَطٌ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَزِمَهُ غُسْلُ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فَصَبَّ الْمَاءَ فِي الْخُفِّ فَانْغَسَلَتْ الرِّجْلَانِ ارْتَفَعَتْ الْجَنَابَةُ عَنْهُمَا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ لَوْ أَحْدَثَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ حَتَّى يَنْزِعَ الْخُفَّ فَيَلْبَسَهُ طَاهِرًا وَكَذَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَوْ غَسَلَ الرِّجْلَ فِي الْخُفِّ صَحَّ وُضُوءُهُ (1) وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بَعْدَهُ حَتَّى يَنْزِعَهُ وَكُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ دَمِيَتْ رِجْلُهُ فِي الْخُفِّ فَغَسَلَهَا فِيهِ جَازَ الْمَسْحُ بَعْدَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ نَزْعُهُ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وُجُوبَ النَّزْعِ إذَا أَصَابَ الرِّجْلَ نَجَاسَةٌ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْغَسْلُ فِي الْخُفِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَنَابَةِ وَالنَّجَاسَةِ أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِنَزْعِ الْخُفِّ لِلْجَنَابَةِ فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ ولم يأمر به للنجاسة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وهل هو مؤقت أم لا فيه قولان قال في القديم غير مؤقت لما روى ابي ابن عمارة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ الله امسح على الخف قال نعم قلت يوما قال ويومين قلت وثلاثة قال نعم وما شئت وروى وما بدالك وروى حتى بلغ سبعا قال نعم وما بدا لك ولانه مسح بالماء فلم يتوقت كالمسح على الجبائر ورجع عنه قبل أن يخرج إلى مصر وقال يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام وليا لهن
__________
(1) المراد به أنه توضأ وغسل رجليه في الخف لا أنهما غسلا فقط اه من هامش الاذرعي
(2) قال القاضي ابن كج وقال في القديم يمسح المسافر بلا تأقيت وبه قال مالك مقتضاه الا يكون الحاضر كذلك وكلام المصنف والشارح وغيرهما يقتضي ان لا فرق اه من هامش الاذرعي(1/481)
لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم جعل للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى أَكْثَرِ مِنْ ذلك فلم تجز الزيادة عليه) (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ واما حديث ابي ابن عمارة فرواه أبو داود والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أنه ضعيف مضطرب لا يحتح بِهِ وَعُمَارَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ: مِمَّنْ ذَكَرَهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ الِاسْتِيعَابِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَسْرَ أفصح واشهر ولم يذكر ابن ما كولا وآخرون غير الكسر ورواه الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَخَالَفَهُمْ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ الضَّمُّ هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا وَلَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ عِمَارَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ غَيْرُهُ وَقَدْ بَسَطْتُ بَيَانَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَقَوْلُهُ وَمَا بَدَا لَكَ هُوَ بالف ساكنة قال اهل اللغة يقال بداله في هذا الامر بدأ بِالْمَدِّ أَيْ حَدَثَ لَهُ رَأْيٌ لَمْ يَكُنْ وَيُقَالُ رَجُلٌ لَهُ بَدَوَاتٌ وَالْبَدَاءُ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ النَّسْخِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَسَحَ بِالْمَاءِ فَلَمْ يَتَوَقَّتْ فَاحْتِرَازٌ مِنْ التَّيَمُّمِ وَقَوْلُهُ كَالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّتْ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ تَوْقِيتُ الْمَسْحِ وَأَنَّ الْقَدِيمَ فِي تَرْكِ التَّوْقِيتِ ضَعِيفٌ وَاهٍ جِدًّا وَلَمْ يَذْكُرْهُ كَثِيرُونَ مِنْ الاصحاب فعلى القديم لا يتوقف المسح بالايام (1) لكن لواجنب وَجَبَ النَّزْعُ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ عَنْ الْقَدِيمِ وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْقَدِيمِ وَإِنَّمَا تَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ مُؤَقَّتٌ فَعَلَى هذا لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَرَائِضَ الْوَقْتِ وَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَأَكْثَرُ
مَا يُمْكِنُ الْمُقِيمَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ مِنْ فَرَائِضِ الْوَقْتِ سَبْعُ صَلَوَاتٍ إذا جمع بين الصلاتين في المطر فان لم يجمع فست والمسافر ان جمع سبع عشرة والافست عشرة وصورته أن يُحْدِثْ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي أَوَّلِ الوقت ويصلى ثم في اليوم الثاني وَالرَّابِعِ مَسَحَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَأَبِي ثور واسحق وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِالْمَسْحِ الا
__________
(1) قال في البحر وحكى الزعفراني ان الشافعي كان يقول بعدم التوقيت ثم رجع عن ذلك قبل ان يخرج إلى مصر فقيل في المسألة قولان وقيل بالتوقيت قولا واحدا وقال المحاملي في التعليق قال أبو على الحسين ابن الصباح الزعفراني رجع الشافعي إلى التوقيت عندنا ببغداد قبل ان يخرج منها وحكي الساجي عن الزعفراني قال قدم علينا الشافعي ببغداد وهو لا يقول بالتوقيت ثم رجع إلى التوقيت قبل خروجه إلى مصر اه اذرعي(1/482)
خَمْسَ صَلَوَاتٍ إنْ كَانَ مُقِيمًا وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَخَمْسَ عَشْرَةَ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد وهو مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي التَّوْقِيتِ بِالزَّمَانِ تَرُدُّهُ
* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْمُرَادُ بِالْمُسَافِرِ الَّذِي يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ الْمُسَافِرُ سَفَرًا طَوِيلًا وَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ وَقَدْرُهُ بِالْمَرَاحِلِ مَرْحَلَتَانِ قَاصِدَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَسْحَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا يَكُونُ إلَّا فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَيَّنَهُ هُنَا وَمِنْهُمْ مَنْ بَيَّنَهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَمِنْهُمْ مَنْ بَيَّنَهُ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ التَّنَفُّلَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ وَجُمْهُورُهُمْ بَيَّنُوهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَخَالَفَهُمْ الْمُصَنِّفُ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ هَذِهِ المذكورات وبينه في ثلاث مواضع غيرها من المذهب أَحَدُهَا مَسْأَلَةُ نَقْلِ الزَّكَاةِ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَالثَّانِي فِي سَفَرِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ بِالْوَلَدِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ وَالثَّالِثُ فِي مَسْأَلَةِ تَغْرِيبِ الزَّانِي فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إنَّمَا يَجُوزُ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا الرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ ثمان: ثلاثة تَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ وَهِيَ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ ومسح الخف ثلاثة أيام وثنتان تجوز ان
فِي الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ وَهُمَا تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَثَلَاثٌ فِي اخْتِصَاصِهَا بِالطَّوِيلِ قَوْلَانِ وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَجَوَازُ التَّنَفُّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُ الْجَمْعِ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ دُونَ الْآخَرَيْنِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُ كُلِّ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَأْتِي قَرِيبًا بَيَانُ صِحَّةِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ السَّفَرُ الْقَصِيرُ الَّذِي يُبِيحُ التَّنَفُّلَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالتَّيَمُّمَ وَغَيْرَهُمَا هُوَ مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى ضَيْعَةٍ لَهُ مَسِيرَةَ مِيلٍ أَوْ نَحْوِهِ هَذَا لَفْظُهُ وكذا قاله غَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ السَّلَفِ فِي تَوْقِيتِ مَسْحِ الْخُفِّ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالتَّفْرِيعُ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُمَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ التَّوْقِيتُ ثَلَاثًا لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ التَّوْقِيتُ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّوْقِيتِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ(1/483)
وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وشريح وعطاء والثوري وأصحاب الرأى واحمد واسحق وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ
* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا تَوْقِيتَ وَيَمْسَحُ مَا شَاءَ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالشَّعْبِيِّ (1) وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ (2) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ وَفِي رِوَايَةٍ مُؤَقَّتٌ لِلْحَاضِرِ دُونَ الْمُسَافِرِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَمْسَحُ مِنْ غُدُوِّهِ إلَى اللَّيْلِ
* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا تَوْقِيتَ بما ذكره المصنف من حديث ابي ابن عِمَارَةَ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَبِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ جَعَلَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا وَلَوْ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا يَعْنِي الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ وَبِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذا توضأ أحدكم وليس خُفَّيْهِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَا يَخْلَعْهُمَا إنْ شَاءَ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَبِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ خَرَجْتُ مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَدَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ مَتَى أَوْلَجْت خُفَّيْكَ
فِي رِجْلَيْكَ قُلْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ فَهَلْ نَزَعْتَهُمَا قُلْتُ لَا قَالَ أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لَبِسْتُهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَالْيَوْمُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثَمَانٍ قَالَ أَصَبْتَ السُّنَّةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَقِّتُ فِي الْخُفَّيْنِ وَقْتًا
* وَاحْتَجَّ أصابنا وَالْجُمْهُورُ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ فِي التَّوْقِيتِ مِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ السَّابِقِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَبِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثٌ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَبِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ وَالْأَحَادِيثُ فِي التَّوْقِيتِ كَثِيرَةٌ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ الْأَوَّلِينَ بِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ فَهُوَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ أَبَدًا بِشَرْطِ مُرَاعَاةِ التَّوْقِيتِ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَ عَنْ جَوَازِ الْمَسْحِ لا عن توقيته:
__________
(1) نقل المحاملي في تعليقه الكبير عن الشعبي أنه قال لا يزيد المقيم على يوم بلا ليلة انتهى وهذا يدل على أنه يقول في التوقيت اه (2) قال في البحر وروى عن ابن ابي ذئب عن مالك انه أبطل المسح على الخفين في آخر ايامه وروى الشافعي عن أنه قال يكره ذلك وعنه رواية ثالثة انه يمسح في الحضر دون السفر وعنه رواية رابعة عكس الثالثة وهو الصحيح عنه وعنه رواية خامسة انه يمسح ابدا من غير تأقيت وعنه رواية سادسة مثل قولنا وكذا نقل عنه المحاملي في تعليقه ست روايات الا انه قال في الاول قال ابن ابي فديك ابطل مالك في آخر عمره المسح على الخفين قال والرابع هو المشهور عنه يمسح المسافر دون المقيم قال مالك اقام النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وعثمان وعلي بالمدينة ست وثلاثين سنة فما
نقل عن احد منهم انه مسح على الخفين قال والسادسة يمسح المسافر من غير تأقيت ما احب اهو مقتضى ما في الكتاب وما نقله الروياني أنه لا تأقيت حاضر والمسافر والمحاملى خص ذلك بالمسافر فيحمل الاول عليه والا فهو رواية سابعة وفيه بعد ثم رأيت المحاملي يقول فيما بعد عن مالك رواية انه يمسح ما شاء مقيما كان أو مسافر فصح أن المنقول عنه سبع روايا ت اه(1/484)
فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ التَّيَمُّمَ مَرَّةً بَعْدِ أُخْرَى وَإِنْ بَلَغَتْ مُدَّةُ عَدَمِ الْمَاءِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَسْحَةً وَاحِدَةً تَكْفِيهِ عَشْرَ سِنِينَ فَكَذَا هُنَا: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ قَالَ شُعْبَةُ لَمْ يَسْمَعْ إبْرَاهِيمُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَا يُعْرَفُ لِلْجَدَلِيِّ سَمَاعٌ مِنْ خُزَيْمَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا يَصِحُّ وَلَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ ظَنَّ أَنْ لَوْ اسْتَزَادَهُ لَزَادَهُ وَالْأَحْكَامُ لَا تَثْبُتَ بِهَذَا: وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ: وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ قَدْ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ التَّوْقِيتَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَجَعَ إلَيْهِ حِينَ بَلَغَهُ التَّوْقِيتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الموافق للسنة الصحيحة المشهورة أولى والمروى عَنْ ابْنِ عُمَرَ يُجَابُ عَنْهُ بِهَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ والله أعلم
* قال الصنف رحمه الله
* (وان كان السفر معصية لم يجز أن يمسح أكثر من يوم وليلة لان ما زاد يستفيده بالسفر وهو معصية فلا يجوز أن يستفاد بها رخصة)
* (الشَّرْحُ) إذَا كَانَ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً كَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَإِبَاقِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَجُوزُ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَمْ لَا يَسْتَبِيحُ شَيْئًا أَصْلًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالشَّاشِيُّ هُنَا وَحَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ
الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِلَا سَفَرٍ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ أَرَادَ الْأَكْلَ وَالْمَسْحَ فَلْيَتُبْ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَفِي الْحَاضِرِ الْمُقِيمِ عَلَى مَعْصِيَةٍ قَالَ وَبِالْجَوَازِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَبِالْمَنْعِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ فِي الْمُقِيمِ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ وَنَقَلَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا فِي الْعَاصِي بِالْإِقَامَةِ كَعَبْدٍ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِالسَّفَرِ فَأَقَامَ وَيُقَالُ رُخْصَةٌ وَرُخْصَةٌ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا لَا يَسْتَبِيحُ مَنْ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً شيئا من(1/485)
رُخَصِ السَّفَرِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَالْمَسْحِ ثَلَاثًا وَالْجَمْعِ وَالتَّنَفُّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ إلَّا التَّيَمُّمَ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَتَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فَوُجُوبُ التَّيَمُّمِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَالْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ وَالثَّانِي يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ التَّيَمُّمُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الصلاة اثم تارك لها مع امان الطهارة لانه قادر على استباحة التيمم بالنوبة مِنْ مَعْصِيَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ وَجَدَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ مَاءً فَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ بِلَا خِلَافٍ قَالُوا وَكَذَا مَنْ بِهِ قُرُوحٌ يَخَافُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْهَلَاكَ وَهُوَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ وواجد للماء قال القفال في شرح التخليص: فان قيل كيف حرمتهم أَكْلَ الْمَيْتَةِ عَلَى الْعَاصِي بِسَفَرِهِ مَعَ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْحَاضِرِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ فِي الْحَضَرِ جَازَ التَّيَمُّمُ: فَالْجَوَابُ أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي الْحَضَرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَكِنَّ سَفَرَهُ سَبَبٌ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ فِي الضَّرُورَةِ كَمَا لَوْ سَافَرَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ فجرح لم يجز له التيمم لذك الْجُرْحِ مَعَ أَنَّ الْجَرِيحَ الْحَاضِرَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فَإِنْ قِيلَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْجَرِيحِ الماء يؤدى إلى الهلاك فجوابه ما سبق أنه قادر على استحباحته بِالتَّوْبَةِ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا جَوَازُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ لِأَنَّ لِلْمُقِيمِ أَكْلَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ
الَّتِي تَحِلُّ فِي السَّفَرِ بِسَبَبِ السَّفَرِ غَيْرُ الَّتِي تَحِلُّ فِي الْحَضَرِ وَلِهَذَا لَا تَحِلُّ الْمَيْتَةُ لِعَاصٍ بِسَفَرِهِ وَتَحِلُّ لِلْمُقِيمِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْرِيعٌ وَكَلَامٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
* (ويعتبر ابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخف لانها عبادة مؤقتة فكان ابتدأ وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة)
* (الشَّرْحُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ أَوَّلِ حدث اللُّبْسِ فَلَوْ أَحْدَثَ وَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى مَضَى مِنْ بَعْدِ الْحَدَثِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ ثَلَاثَةٌ إنْ كَانَ مُسَافِرًا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ لُبْسًا عَلَى طَهَارَةٍ وَمَا لَمْ يُحْدِثْ لَا تُحْسَبُ الْمُدَّةُ فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ اللِّبْسِ يَوْمًا عَلَى طَهَارَةِ اللبس(1/486)
ثُمَّ أَحْدَثَ اسْتَبَاحَ بَعْدَ الْحَدَثِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إنْ كَانَ حَاضِرًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إنْ كَانَ مُسَافِرًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ يَمْسَحُ بَعْدَ الْحَدَثِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَهُوَ الْمُخْتَارُ الرَّاجِحُ دَلِيلًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى نَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ اللِّبْسِ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ مِنْ حِينِ الْمَسْحِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَمْسَحُ ثَلَاثَةً وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ الْمَسْحِ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إذَا أَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ وَمَسَحَ فِي السَّفَرِ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالْمَسْحِ
* واحتج اصحابنا برواية رواه الْحَافِظُ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُطَّرِزِيّ فِي حَدِيثِ صفوان من الْحَدَثَ إلَى الْحَدَثِ وَهِيَ زِيَادَةٌ غَرِيبَةٌ لَيْسَتْ ثَابِتَةً وَبِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إذَا مَسَحَ عَقِبَ الْحَدَثِ فَإِنْ أَخَّرَ فَهُوَ مُفَوِّتٌ عَلَى نَفْسِهِ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إذَا أَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ وَمَسَحَ فِي السَّفَرِ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ فَجَوَابُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْمُدَّةِ بِجَوَازِ الْفِعْل وَمِنْ الْحَدَثِ جَازَ الْفِعْلُ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْعِبَادَةِ بِالتَّلَبُّسِ بِهَا وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ
فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِ فِي السَّفَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ دَخَلَ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَهُوَ حَاضِرٌ ثُمَّ سَافَرَ فِي الوقت فله القصر ومن دخل في الصَّلَاةَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَارَتْ بِهِ السَّفِينَةُ يُتِمُّ فَدُخُولُ وَقْتِ الْمَسْحِ كَدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وابتداء السمح كَابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّرَخُّصِ بِالْمَسْحِ مِنْ حِينِ يُحْدِثُ وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ بِمُجَرَّدِ اللِّبْسِ لِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لَبِسَهُ ثُمَّ أَرَادَ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ فَلَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ الْمُدَّةُ حَتَّى يُحْدِثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَقِيلَ احْتِرَازٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَقِيلَ لَيْسَ بِاحْتِرَازٍ بَلْ تَقْرِيبٌ لِلْفَرْعِ مِنْ الْأَصْلِ وَقِيلَ إنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا وَلَيْسَ بِمُنْتَقَضٍ بِهَا لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ حِينِ جَوَازِ فِعْلِهَا لَا مِنْ حِين وُجُوبِهِ
* قال المصنف رحمه الله(1/487)
(وان لبس الخف في الحضر وأحدث ومسح ثم سافر أتم مسح مقيم لانه بدأ بالعبادة في الحضر فلزمه حُكْمُ الْحَضَرِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي الحضر ثم سافر وان أحدث في الحضر ثم سافر ومسح في السفر قبل خروج وقت الصلاة أتم مسح مسافر من حين أحدث في الحضر لانه بدأ بالعبادة في السفر فثبت له رخصة السفر وان سافر بعد خروج وقت الصلاة ثم مسح ففيه وجهان قال أبو اسحق يتم مسح مقيم لان خروج وقت الصلاة عنه في الحضر بمنزلة دخوله في الصلاة في وجوب الاتمام فكذا في المسح وقال أبو علي بن أبي هريرة يتم مسح مسافر لانه تلبس بالمسح وهو مسافر فهو كما لو سافر قبل خروج الوقت ويخالف الصلاة لانها تفوت وتقضي فإذا فاتت في الحضر ثبتت في الذمة صلاة الحضر فلزمه قضاؤها والمسح لا يفوت ولا يثبت في الذمة فصار كالصلاة قبل فوات الوقت) (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا لَبِسَ الْخُفَّ فِي الْحَضَرِ وَسَافَرَ قَبْلَ الْحَدَثِ فَيَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ بِالْإِجْمَاعِ: (الثَّانِيَةُ) لَبِسَ وَأَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَيَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ أَيْضًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ مَسْحُ مُقِيمٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَذَا حَكَاهُ الدَّارَكِيُّ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ كَمَذْهَبِنَا مَسْحُ
مُسَافِرٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَلَبَّسَ بِالْمُدَّةِ فِي الْحَضَرِ قُلْنَا الْحَضَرُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ وَهِيَ الْمَسْحُ لَا فِي الْمُدَّةِ (الثَّالِثَةُ) أَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَهَلْ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ أَمْ مُقِيمٍ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا الصَّحِيحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ صَحَّحَهُ جَمِيعُ الْمُصَنِّفِينَ وَقَالَهُ مَعَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ جُمْهُورُ الْمُتَقَدِّمِينَ (الرَّابِعَةُ) أَحْدَثَ وَمَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُتِمُّ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ حِينِ أحدث وبه قال مالك واسحق وَأَحْمَدُ وَدَاوُد فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَدَاوُد
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الصمنف وَهُوَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ فَتَغَلَّبَ حُكْمُ الْحَضَرِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَلَدِ فَسَارَتْ وَفَارَقَتْ الْبَلَدَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا صَلَاةَ حَضَرٍ باجماع المسلمين وهذا القياس (1) اعتمده اصحابنا وفيه سُؤَالٌ ظَاهِرٌ فَيُقَالُ كَيْفَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ إنْ أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا إلَّا إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ احْتِمَالَيْنِ وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ وَإِنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ مُطْلَقًا أَوْ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ فَالْإِتْمَامُ وَاجِبٌ لَكِنْ لَيْسَ سَبَبُهُ اجْتِمَاعَ الْحَضَرِ والسفر بل
__________
(1) ينبغي ان يقاس على عكس المقيس عليه وهو ما لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ في أثنائها فانه يلزمه الاتمام بالاجماع كما ذكر بعد ولا سبب لوجوبه الا الجمع بين الحضر والسفر فانه نوى القصر عند الاحرام بالصلاة ولا يرد السؤال على هذه المسألة اه اذرعي(1/488)
سَبَبُهُ فَقْدُ شَرْطِ الْقَصْرِ وَهُوَ نِيَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ وَهَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ: وَالْجَوَابُ أَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَتَحْصُلُ بِهِ الدَّلَالَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ إتْمَامُ الصَّلَاةِ مُعَلَّلٌ بِعِلَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا اجْتِمَاعُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ: وَالثَّانِيَةُ فَقْدُ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ إلْزَامُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ وَافَقَنَا عَلَى وُجُوبِ الْإِتْمَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْقَصْرَ عَزِيمَةٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ فَلَيْسَ لِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ عِنْدَهُ سَبَبٌ إلَّا اجْتِمَاعَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأَوْجَبَ الْإِتْمَامَ تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ مَسْحَ مُقِيمٍ تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ
* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَسَحَ أَحَدَ خُفَّيْهِ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ وَمَسَحَ الْآخَرَ فِي السَّفَرِ فَهَلْ يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ
أَمْ مُسَافِرٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَسْحَ مُسَافِرٍ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى سَافَرَ قَبْلَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ مَسَحَ مَسْحَ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الْمَسْحَ فِي الْحَضَرِ فكأنه لم يأت بشئ مِنْهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَسْحَ مُقِيمٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَصَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِالْعِبَادَةِ فِي الْحَضَرِ وَاجْتَمَعَ فِيهَا الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ فَغَلَبَ حُكْمُ الْحَضَرِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْأَصْحَابُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (وان مَسَحَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ أَتَمَّ مَسْحَ مقيم وقال المزني إن مسح يوما وليلة يمسح ثلث يومين وليلتين وهو ثلثا يوم وليلة لانه لو مسح ثم أقام في الحال مسح ثلث ما بقي وهو يوم وليلة فإذا بقي له يومان وليلتان وجب أن يمسح ثلثهما ووجه المذهب أنه عبادة تتغير بالسفر والحضر فإذا اجتمع فيها السفر والحضر غلب حكم الحضر ولم يسقط عليهما كالصلاة) (الشَّرْحُ) مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى بَعْدَ الْحَدَثِ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَمَّمَهُمَا وَإِنْ كَانَ مَضَى يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُ فِي السَّفَرِ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ بِمُجَرَّدِ قُدُومِهِ وَحُكْمُ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ مَعْرُوفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فان كان مسح في السفر أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ قَدِمَ فَصَلَوَاتُهُ فِي السَّفَرِ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بِالْقُدُومِ قَالُوا وَلَوْ قَدِمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فِي سَفِينَةٍ بَعْدَ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي السَّفَرِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِمُجَرَّدِ الْقُدُومِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يُبْطِلُهَا فَإِنَّهُ يُوجِبُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ أَوْ كَمَالَ الْوُضُوءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَمْ تَبْطُلْ وَدَلِيلُ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ(1/489)
هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ هَذَا عُمْدَةُ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ
* وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي مَسَائِلِهِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى الشافعي: قال القاضي أبو الطيب والمحامل قال أبو العباس ابن سُرَيْجٍ فِي التَّوَسُّطِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ إنْ كَانَ الْمُزَنِيّ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ هَذَا وَلَكِنْ تُرِكَ
لِلْإِجْمَاعِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ كَبِيرُ خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهَذَا فَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ تَصْرِيحٌ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْمُزَنِيِّ فَيَكُونُ دَلِيلًا آخَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ ضَابِطُ مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يَمْسَحُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَيُقَالُ بَقِيَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَبَقِيَ بِفَتْحِهَا فَالْفَتْحُ لغة طي وَالْكَسْرُ هُوَ الْأَفْصَحُ الْأَشْهَرُ وَهُوَ لُغَةُ سَائِرِ الْعَرَبِ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وذروا ما بقى من الربا) : وقوله الْمُصَنِّفِ يَغْلِبُ حُكْمُ الْحَضَرِ وَلَا يُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا كَالصَّلَاةِ يَعْنِي لِمَنْ صَلَّى فِي سَفِينَةٍ فِي السَّفَرِ فَدَخَلَتْ دَارَ الْإِقَامَةِ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُوَزِّعُ فَيُقَالُ يُتِمُّهَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَنَقَضَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَلَى الْمُزَنِيِّ أَيْضًا بِمَنْ مَسَحَ نِصْفَ يَوْمٍ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَلَا يُقَسِّطُ: وَقَوْلُهُ وَلَوْ مَسَحَ ثُمَّ أَقَامَ أيام فَرْقَ فِيهِ مِنْ أَنْ يَصِيرَ مُقِيمًا بِوُصُولِهِ دَارَ إقَامَتِهِ أَوْ يُقِيمَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فِي بَلَدٍ بِنِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَأَمَّا إنْ نَوَى فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ إقَامَةً دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مُدَّةَ مُسَافِرٍ لِأَنَّ رُخَصَ السَّفَرِ بَاقِيَةٌ والله أعلم قال المصنف رحمه الله
* (وان شك هل مسح في الحضر أو السفر بنى الامر على انه مسح في الحضر لان الاصل غسل الرجل والمسح رخصة بشرط فإذا لم يتيقن شرط الرخصة رجع إلى اصل الفرض وهو الغسل وان شك هل أحدث في وقت الظهر أو في وقت العصر بنى الامر على أنه احدث في وقت الظهر لان الاصل غسل الرجل فلا يجوز المسح الا فيما تيقنه)
* (الشَّرْحُ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ هَكَذَا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِمَا وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَكُونُ الْمُدَّةُ مِنْ الْعَصْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ غَسْلُ الرِّجْلِ ثُمَّ ضَابِطُ المذهب انه متى شك ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ انْقِضَائِهَا بَنَى عَلَى مَا يوجب(1/490)
غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ مُتَيَقَّنٌ فَلَا يُتْرَكُ بِالشَّكِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ والاصحاب فانه حَصَلَ لَهُ هَذَا الشَّكُّ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ مَسَحَ فِي السَّفَرِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ
اللُّبْسِ وَيَسْتَبِيحَ الْمَسْحَ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَذَكَّرَهَا قَالُوا فَإِنْ كَانَ صَلَّى فِي حَالِ الشَّكِّ لَزِمَهُ إعَادَةُ مَا صَلَّى فِي حَالِ الشَّكِّ لِأَنَّهُ صَلَّى وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّهَارَةُ فَلَزِمَهُ الاعادة كمال تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ وَصَلَّى عَلَى شَكِّهِ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ صَلَّى شَاكًّا مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ يُبْنَى عَلَيْهِ وَكَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَوَافَقَهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ إعَادَةِ مَا صَلَّى فِي حَالِ شَكِّهِ فِي بَقَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ فِي مُدَّةِ الشَّكِّ بَلْ يَنْزِعَ الْخُفَّ وَيَسْتَأْنِفَ الْمُدَّةَ فلو مسح الشَّكِّ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ الْمُدَّةَ لَمْ تَنْقَضِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ الْمَسْحُ بَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ وَفِي وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ التَّلْخِيصِ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ عَنْ شيخه الشيخ أبي اسحق مُصَنَّفِ الْكِتَابِ وَخَالَفَهُمْ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَقَالَ مَسْحُهُ فِي حَالِ شَكِّهِ صَحِيحٌ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَصِحُّ مَعَ الشَّكِّ فِي سَبَبِهَا كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَتَوَضَّأَ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فَإِنَّهُ تُجْزِيهِ طَهَارَتُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ ضَعِيفٌ أَوْ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ وَهِيَ الْمَسْحُ وُجِدَتْ فِي الشَّكِّ فَلَمْ تَصِحَّ كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَبَقَ وَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي الْقِبْلَةِ فصل بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَ الْقِبْلَةَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَدَثِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا بَانَ الْحَالُ وتيقن أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ مَعَ شَكِّهِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ فَلَيْسَتْ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَقَدْ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ وَأَبْطَلَ الشَّاشِيُّ قَوْلَ صَاحِبِ الشَّامِلِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ قَالَ وَاسْتِشْهَادُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالطَّهَارَةِ إمَّا اسْتِحْسَانًا إنْ كَانَ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ وَإِمَّا إيجَابًا إنْ كَانَ عَكْسَهُ فَإِذَا كان مأمورا(1/491)
بِالطَّهَارَةِ ثُمَّ بَانَ الْحَدَثُ فَقَدْ تَيَقَّنَ وُجُودَ ما تطهر بسببه بخلاف مسح الْخُفِّ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي
حَالِ شَكِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِيمَا يُفْعَلُ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي حَالِ الشَّكِّ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ يُرَدُّ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ فَلَا يُجْزِيهِ وَإِنْ وَافَقَ الصَّوَابَ
* فَمِنْ ذَلِكَ إذَا شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَصَلَّى بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَ الْوَقْتَ لَا يُجْزِيهِ وَكَذَا لَوْ شَكَّ الْأَسِيرُ وَنَحْوُهُ فِي دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَ رَمَضَانَ أَوْ شَكَّ إنْسَانٌ فِي الْقِبْلَةِ فَصَلَّى بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَ الْقِبْلَةَ أَوْ شَكَّ الْمُتَيَمِّمُ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَتَيَمَّمَ لَهَا بِلَا اجْتِهَادٍ أَوْ طَلَبَ الْمَاءَ شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَهُ أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَصَلَّى شَاكًّا فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا أَوْ شَكَّ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ بِلَا دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَوَافَقَ رَمَضَانَ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا يُجْزِيهِ مَا فَعَلَهُ بِلَا خِلَافٍ وَمِثْلُهُ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ مُرَتَّبَةٌ فَنَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ الرَّقَبَةَ ثُمَّ طَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا لَا يُجْزِيهِ صَوْمُهُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ النِّيَّةَ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ الْعَدَمِ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسَائِلُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي مَوَاطِنِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى مبسوطة: ولو اشتبه ما آن طَاهِرٌ وَنَجِسٌ فَتَوَضَّأَ بِأَحَدِهِمَا بِلَا اجْتِهَادٍ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَجِبُ الِاجْتِهَادُ فَبَانَ أَنَّهُ الطَّاهِرُ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ فَهَذِهِ أمثله يستدل بها على نظائرها وسنوضحها مَعَ نَظَائِرِهَا فِي مَوَاطِنِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا غَيْرُ الْعِبَادَاتِ فَمِنْهُ مَا لَا يَصِحُّ فِي حَالِ الشَّكِّ كَمَا فِي الْعِبَادَاتِ وَمِنْهُ مَا يَصِحُّ وَمِنْهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا إذَا أُخْبِرَ رَجُلٌ بِمَوْلُودٍ لَهُ فَقَالَ إنْ كَانَ بِنْتًا فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا أَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ بِنْتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا أَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ كانت أحداهن ما تت فَقَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي فَبَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَدَّرَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ وَمِنْ الثَّانِي مَا إذَا رَأَى امْرَأَةً وَشَكَّ هَلْ هِيَ زَوْجَتُهُ أَمْ أَجْنَبِيَّةٌ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ حرة نفذ الطلاق والعتق بِلَا خِلَافٍ وَمِنْ الثَّالِثِ إذَا بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا أَوْ بَاعَ مالا يظنه لا جنبي فَبَانَ أَنَّ وَكِيلَهُ كَانَ اشْتَرَاهُ لَهُ أَوْ بَانَ أَنَّ مَالِكَهُ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ نَظَائِرُ سَنَذْكُرُهَا وَاضِحَةً بِفُرُوعِهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
ذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْقَفَّالُ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ(1/492)
بِمَسْأَلَةِ الشَّكِّ فِي الْمَسْحِ وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ يُتْرَكُ بِالشَّكِّ فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَا الْمَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرُوهَا مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَضَمَمْتُ إلَيْهَا نَظَائِرَهَا فِي آخِرِ بَابِ الشَّكِّ في نجاسة الماء وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله
* (وان لبس خفيه وأحدث ومسح وصلي الظهر والعصر وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ مَسْحُهُ قبل الظهر أو بعده بني الامر في الصلاة انه صلاها قبل المسح فتلزمه الاعادة لان الاصل بقاؤها في ذمته وبنى الامر في المدة انها من الزوال ليرجع إلى الاصل وهو غسل الرجل (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْدُودَةٌ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ مَشْهُورَةٌ بِالْإِشْكَالِ وَإِشْكَالُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ مَسَحَ وَصَلَّى الظُّهْرَ فَجَعَلَهُ مُصَلِّيًا لِلظُّهْرِ وَإِنَّهُ شَكَّ هَلْ صَلَّاهَا بِوُضُوءٍ أَمْ لَا أوجب اعادتها وقد علم من طريقة سَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ: الْإِشْكَالُ الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ مَسْحُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَهَا فَجَعَلَ الشَّكَّ فِي نَفْسِ الْمَسْحِ وَوَقْتِهِ وَرَبَطَ بِهِ حُكْمَ الْمُدَّةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مُدَّةَ الْمَسْحِ تُعْتَبَرُ مِنْ الْحَدَثِ لَا مِنْ الْمَسْحِ: فَأَجَابَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ فَقَالَ لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ لَهَا فَإِنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى بِطَهَارَةٍ أَمْ لَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا قَالَ بَلْ صُورَتُهَا أَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِطَهَارَةٍ وَشَكَّ هَلْ كَانَ حَدَثُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَتَوَضَّأَ لَهَا وَصَلَّاهَا أَمْ كَانَ حَدَثُهُ بَعْدَهَا وَلَمْ يُصَلِّهَا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَأَنْ يَبْنِيَ الْمُدَّةَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الزَّوَالِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الزَّبِيدِيُّ بِفَتْحِ الزَّايِ صُورَةُ المسألة أنه ليس خُفَّيْهِ فِي الْحَضَرِ وَأَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ قَبْلَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ مَثَلًا وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ فِي السَّفَرِ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ مَسْحُهُ بَعْدَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَلَهُ مدة المسافرين وعليه قضاء الظهر ان كَانَ مَسْحُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ فَلَهُ مُدَّةُ مُقِيمٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الظُّهْرِ فَنَقُولُ لَهُ يَلْزَمُكَ الْأَخْذُ بِالْأَشَدِّ وَهُوَ أَنَّكَ
صَلَّيْتَهَا بِغَيْرِ مَسْحٍ فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا فِي ذِمَّتِكَ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ الْمَسْحِ فَالْأَصْلَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى وُجُوبِ قَضَائِهَا وَأَمَّا الْمُدَّةُ فَيَبْنِي عَلَى أَنَّهَا قَبْلَ الظُّهْرِ لِيَرْجِعَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ غَسْلُ الرِّجْلِ فَوَقْتُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ قَبْلَ الِاسْتِوَاءِ مَعْلُومٌ مُتَيَقَّنٌ وَالظُّهْرُ صَلَّاهَا فِي الْحَضَرِ بِيَقِينٍ(1/493)
هذا كلام الزبيدى وقال الشيخ عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلٍ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّ حُصُولَ مِثْلِ هَذَا الشَّكِّ بَعْدَ الصَّلَاةِ يُوجِبُ إعَادَتَهَا وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقْتَرِنَ الْحَدَثُ وَالْمَسْحُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَبِسَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَسَحَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ مَسْحُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَهَا وَمَعْنَاهُ هَلْ كَانَ حَدَثُهُ وَمَسْحُهُ الْمُقْتَرِنَيْنِ فَاجْتَزَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا اقْتِصَارًا هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو فَأَمَّا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَخِلَافُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا مَا قاله الزبيدى فمحتمل أن يكون مر اد الْمُصَنِّفِ: وَأَمَّا مَا قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو فَالْجَوَابُ الثَّانِي حَسَنٌ (1) وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا كَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى قَوْلٍ غَرِيبٍ ضَعِيفٍ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ مُصَرِّحُونَ بِخِلَافِهِ وَكَذَا كَثِيرُونَ أو الاكثرون من الخراسانيين وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي الْتَزَمَهُ أَنَّ الشك في الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ لَا يوجب اعادتها كالشك في ركعة بِمَقْبُولٍ بَلْ مَنْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ الفراغ من الصلاة يلزمه اعادة بها الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي أَرْكَانِهَا كَرَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ فانه لا يلزمه شئ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّكِّ فِي أَرْكَانِهَا هَكَذَا صَرَّحُوا بِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَرْكَانِ وَالطَّهَارَةِ: مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّكَّ فِي الْأَرْكَانِ يكثر فعفى عمه نَفْيًا لِلْحَرَجِ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ: وَالثَّانِي أَنَّ الشَّكَّ فِي السَّجْدَةِ وَشِبْهِهَا حَصَلَ بَعْدَ تَيَقُّنِ انْعِقَادِ الصَّلَاةِ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُهَا عَلَى الصِّحَّةِ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ شَكَّ هَلْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الدُّخُولِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ وَآخَرُونَ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ بِمَعْنَى مَا قُلْتُهُ فَقَالُوا إذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ ثُمَّ جَدَّدَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ مسح رأسه من أحد الوضوء ين
لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ الْمَسْحَ مِنْ الطَّهَارَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَقُولُوا إنَّهُ شَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ لَا تُحْصَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ الاسفراينى قال في تعليقه في آخر باب الاجارة عَلَى الْحَجِّ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ وَهُوَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في الا ملاء وَلَوْ اعْتَمَرَ أَوْ حَجَّ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الطواف شك هل طاف متطهر أم لا أجبت أن يعيد الطواف ولا يلزمه ذلك ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا صَحِيحٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يُعِيدُ الطَّوَافَ لِأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ منه حكمنا بصحته في الظاهر ولا يوءثر فيه الشك الطارئ
__________
(1) قوله حسن فيه نظر فان الظهر صحيح على التقديرين فكيف يجب قضاؤها واما صاحب البيان فكأنه اراد حمل كلام المصنف على المسألة التي نص عليها الشافعي والاصحاب المذكورة بعد لكنه تأويل بعيد واما الزبيدي فجوابه مبني على أَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصلاة يؤثر وفيه ما نص عليه في الاملاء وما قاله الشيخ أبو حامد وغيره رحمهم الله اه من هامش الاذرعي(1/494)
بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ فِي الظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَنْ شَكَّ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ هَلْ هُوَ مُتَطَهِّرٌ أم لا فانها لا تجزيه لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِأَدَائِهَا فِي الظَّاهِرِ قَالَ وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ إذَا فَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ شَكَّ هَلْ صَلَّى بِطَهَارَةٍ أَمْ لَا أَوْ هَلْ قَرَأَ فِيهَا أَمْ لَا أَوْ هَلْ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً أَمْ لَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ حُكِمَ لَهُ بِصِحَّتِهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الشَّكُّ بَعْدَهَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حَسَنَةٌ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَنَقَلَهُ وَهَكَذَا نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ الْإِمْلَاءِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا خِلَافًا فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فِي أَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ هَلْ يُوجِبُ إعَادَتَهَا أَمْ لَا: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالُوا إذَا شَكَّ هَلْ أَدَّى بِالْمَسْحِ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ أَمْ أَرْبَعًا أَخَذَ فِي وَقْتِ الْمَسْحِ بِالْأَكْثَرِ وَفِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْأَقَلِّ احْتِيَاطًا
لِلْأَمْرَيْنِ مِثَالُهُ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ أَحْدَثَ وَمَسَحَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَشَكَّ هَلْ تَقَدَّمَ حَدَثُهُ وَمَسْحُهُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ أَمْ تَأَخَّرَ حَدَثُهُ وَمَسْحُهُ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فَيَأْخُذُ فِي الصَّلَاةِ بِاحْتِمَالِ التَّأَخُّرِ وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ فِي الْمُدَّةِ بِاحْتِمَالِ التَّقَدُّمِ فَيَجْعَلُهَا مِنْ الزَّوَالِ لِأَنَّ الْأَصْلَ غَسْلُ الرِّجْلِ فَيُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي الطَّرَفَيْنِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز المسح على كل خف صحيح يمكن متابعة المشي عليه سواء كان من الجلود أو اللبود أو الخرق أو غيرها فاما الخف المخرق ففيه قولان قال في القديم ان كان الخرق لا يمنع متابعي المشى عليه جاز المسح عليه لانه خف يمكن متابعة المشي عليه فأشبه الصحيح وقال في الجديد إن ظهر من الرجل شئ لم يجز المسح عليه لان ما انكشف حكمه الغسل وما استتر حكمه المسح والجمع بينهما لا يجوز فغلب حكم الغسل كَمَا لَوْ انْكَشَفَتْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَاسْتَتَرَتْ الْأُخْرَى)(1/495)
(الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخُفِّ جِنْسُ الْجُلُودِ بَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُلُودِ وَاللُّبُودِ وَالْخِرَقِ الْمُطْبَقَةِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِبَاحَةِ الْحَاجَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْخُفِّ كَوْنُهُ قَوِيًّا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ قَالُوا وَمَعْنَى ذَلِكَ أن يمكن المشى عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِ النُّزُولِ وَعِنْدَ الْحَطِّ وَالتَّرْحَالِ وَفِي الْحَوَائِجِ الَّتِي يَتَرَدَّدُ فِيهَا فِي الْمَنْزِلِ وَفِي الْمُقِيمِ نَحْوُ ذَلِكَ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ لَابِسِي الْخِفَافِ وَلَا يُشْتَرَطُ إمْكَانُ مُتَابَعَةِ الْمَشْيِ فَرَاسِخَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا: وَأَمَّا الْمُخَرَّقُ فَفِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ فَوْقَ الْكَعْبِ فَلَا يَضُرُّ وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عليه فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) يَكُونُ الْخَرْقُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَهُوَ فَاحِشٌ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَلَا يجوز المسح بلا خلاف (الثالثة) يَكُونُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَلَكِنَّهُ يَسِيرٌ جِدًّا بحيث لا يظهر منه شئ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَذَلِكَ كَمَوَاضِعِ الْخَرْزِ فَيَجُوزُ الْمَسْحُ بِلَا خِلَافٍ
قَالَ الْقَاضِي حسين وغيره ما يبقي مِنْ مَوَاضِعِ الْخَرْزِ لَا يَضُرُّ وَإِنْ نَفَذَ مِنْهُ الْمَاءُ (الرَّابِعَةُ) يَكُونُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ يظهر منه شئ مِنْ الرِّجْلِ وَيُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَفِيهِ القولان المذكوران في الكتاب وهما مشهور ان أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَسَوَاءٌ حَدَثَ الْخَرْقُ بَعْدَ اللُّبْسِ أَوْ كَانَ قَبْلَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مُقَدَّمِ الْخُفِّ أَوْ مُؤَخَّرِهِ أَوْ وَسَطِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ تَخَرَّقَ من مقدم الخف شئ فَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّقْيِيدَ بِالْمُقَدَّمِ بَلْ ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ كَذَا أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ أَرَادَ مَوْضِعَ الْقَدَمِ وَلَمْ يُرِدْ الْمُقَدَّمَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْمُؤَخَّرِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا لَوْ انْكَشَفَتْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَاسْتَتَرَتْ الْأُخْرَى فَقِيَاسٌ صَحِيحٌ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَسْأَلَةٍ مُهِمَّةٍ مِنْ أُصُولِ الْبَابِ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ خُفًّا فِي رِجْلٍ دون الاخرى ومسح عليه وغسل الاخر لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ وَسَنُوَضِّحُهَا مَقْصُودَةً بِتَفْرِيعِهَا فِي الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ خَرْقًا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْجَدِيدَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ(1/496)
حَنْبَلٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ واسحق ويزيد بن هرون وَأَبِي ثَوْرٍ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى جَمِيعِ الْخِفَافِ: وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ إنْ ظَهَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْ رِجْلِهِ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَعَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ رِجْلِهِ: وَعَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا مَسَحَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إنْ كَانَ الْخَرْقُ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ جَازَ: وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إنْ ظَهَرَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ لَمْ يَجُزْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِقَوْلِ الثَّوْرِيِّ أَقُولُ لِظَاهِرِ إبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَوْلًا عَامًّا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْخِفَافِ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ على اختلاف مذاهبهم بما احتج بن ابن المنذر وبأنه جوز الْمَسْحِ رُخْصَةٌ وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الْمُخَرَّقِ وَبِأَنَّهُ لا تخلوا الْخِفَافُ عَنْ الْخَرْقِ غَالِبًا وَقَدْ يَتَعَذَّرُ خَرْزُهُ لَا سِيَّمَا فِي السَّفَرِ فَعُفِيَ عَنْهُ لِلْحَاجَةِ وَبِأَنَّهُ خُفٌّ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسُهُ وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالصَّحِيحِ
*
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ أَحْسَنُهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وأجابوا عن استدلا لهم بِإِطْلَاقِ إبَاحَةِ الْمَسْحِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْهُودِ وهو الخف الصحيح وعن الثاني أن المخرق لَا يُلْبَسُ غَالِبًا فَلَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ وَعَنْ قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسُهُ وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ بِأَنَّ إيجَابَ الْفِدْيَةِ مَنُوطٌ بِالتَّرَفُّهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْمُخَرَّقِ وَالْمَسْحُ مَنُوطٌ بِالسِّتْرِ وَلَا يَحْصُلُ بِالْمُخَرَّقِ وَلِهَذَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ فِي إحْدَى الرِّجْلَيْنِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ وَلَوْ لَبِسَهُ مُحْرِمٌ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (فَإِنْ تَخَرَّقَتْ الظِّهَارَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْبِطَانَةُ صَفِيقَةً جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ تَشِفُّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ كَالْمَكْشُوفِ)
* (الشَّرْحُ) الظِّهَارَةُ وَالْبِطَانَةُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَقَوْلُهُ تَشِفُّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَمَعْنَاهُ رَقِيقَةٌ وَالصَّفِيقَةُ الْقَوِيَّةُ الْمَتِينَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا تَخَرَّقَتْ الظِّهَارَةُ وَبَقِيَتْ الْبِطَانَةُ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا هذا نصه قال جمهور الاصحاب مراده إذا كَانَتْ الْبِطَانَةُ صَفِيقَةً يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْي عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ(1/497)
والاصحاب في الطرق وحكي الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَجْهًا غَرِيبًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ الْبِطَانَةُ رَقِيقَةً كَمَا لو كان الخف طافا وَاحِدًا فَتَشَقَّقَ ظَاهِرُهُ وَلَمْ يَنْفُذْ يَجُوزُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ اللِّفَافَة لِأَنَّهَا مُفْرَدَةٌ قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ الشافعي وكل شئ أُلْصِقَ بِالْخُفِّ فَهُوَ مِنْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَخَرُّقِ الظِّهَارَةِ دُونَ الْبِطَانَةِ يُقَاسُ مَا إذَا تَخَرَّقَ مِنْ الظِّهَارَةِ مَوْضِعٌ وَمَنْ الْبِطَانَةِ مَوْضِعٌ لَا يُحَاذِيهِ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْجَوَازِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ تَخَرَّقَ الْخُفُّ وَتَحْتَهُ جَوْرَبٌ يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْبِطَانَةِ لِأَنَّ الْجَوْرَبَ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْخُفِّ وَالْبِطَانَةُ مُتَّصِلَةٌ بِهِ وَلِهَذَا يُتْبِعُ الْبِطَانَةَ الْخُفَّ فِي الْبَيْعِ وَلَا يُتْبِعُهُ الْجَوْرَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (وإن لبس خفاله شَرَجٌ فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ فَإِنْ كَانَ مَشْدُودًا بحيث لا يظهر شئ مِنْ الرِّجْلِ وَاللِّفَافَةِ إذَا مَشَى فِيهِ جَازَ المسح عليه)
*
(الشرح) الشرج بفتح وَالرَّاءِ وَبِالْجِيمِ وَهِيَ الْعُرْيُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَبِسَ خُفًّا لَهُ شَرَجٌ وَهُوَ الْمَشْقُوقُ فِي مُقَدَّمِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ الشَّقُّ فَوْقَ مَحَلِّ الْفَرْضِ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَسْتُورًا جَازَ الْمَسْحُ وَإِنْ كَانَ الشَّقُّ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنْ كَانَ لَا يرى منه شئ مِنْ الرِّجْلِ إذَا مَشَى جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ تُرَى فَإِنْ لَمْ يَشُدَّهُ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ وَإِنْ شَدَّهُ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بشرط أن لا يبقى شئ مِنْ الرِّجْلِ أَوْ اللِّفَافَةِ يَبِينُ فِي حَالِ المشئ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّهِ وَقَطَعُوا بِهِ وَكَذَا قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَبِي محمد أنه حكي وجها انه لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمُشَرَّجِ الْمَشْدُودِ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ لَفَّ عَلَى رِجْلِهِ قِطْعَةَ جِلْدٍ وَشَدَّهَا قَالَ وَالصَّحِيحُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّ السَّتْرَ حَاصِلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا لَبِسَهُ وَشَدَّهُ ثُمَّ فَتَحَ الشَّرَجَ بَطَلَ الْمَسْحُ فِي الْحَالِ وان لم يظهر شئ مِنْ الرِّجْلِ لِأَنَّهُ إذَا مَشَى فِيهِ ظَهَرَتْ الرِّجْلُ فَبِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ(1/498)
خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ مَعَ السَّتْرِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ لَبِسَ جَوْرَبًا جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ صَفِيقًا لَا يَشِفُّ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُنَعَّلًا فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ لم يجز المسح عليه)
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ وَفِيهَا كَلَامٌ مُضْطَرِبٌ لِلْأَصْحَابِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهَا فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ صَفِيقًا مُنَعَّلًا وَهَكَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْ الْقَدَمَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ وَيُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ قَالَ وَمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْ الْقَدَمَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْجَوْرَبَ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ مُجَلَّدَ الْقَدَمَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ
وَذَكَرَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِثْلَهُ وَنَقَلَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ وَإِنْ كَانَ صَفِيقًا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُجَلَّدَ الْقَدَمَيْنِ وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَفَّالُ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ جَازَ كَيْفَ كَانَ وَإِلَّا فَلَا وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَجْمَعِينَ فَقَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ أَمْكَنَ مُتَابَعَةُ المشى على الجوربين جاز المسح عليهما وَإِلَّا فَلَا وَالْجَوْرَبُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَوْرَبِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْجَوْرَبَ إنْ كَانَ صَفِيقًا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إبَاحَةَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبِ عَنْ تِسْعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِلَالٍ وَالْبَرَاءِ وَأَبِي أُمَامَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ(1/499)
وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَعْمَشِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَابْنِ المبارك وزفر واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
* قَالَ وَكَرِهَ ذلك مجاهد وعمر وابن دِينَارٍ وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ
* وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبِ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وحكوه عن أبي يوسف ومحمد واسحق وَدَاوُد وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَعَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْإِبَاحَةِ
* وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَهُ مُطْلَقًا: بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُفًّا فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالنَّعْلِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ فَأَشْبَهَ الْخُفَّ وَلَا بَأْسَ بِكَوْنِهِ مِنْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ النَّعْلِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ
* وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهُ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى مِثْلُهُ مَرْفُوعًا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ كَالْخِرْقَةِ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْحُفَّاظُ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَنُقِلَ تَضْعِيفُهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدَ ابن حَنْبَلٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَعْلَامُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ فهوءلاء مقدمون عليه بل كل واحد من هوءلاء لَوْ انْفَرَدَ قُدِّمَ عَلَى
التِّرْمِذِيِّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ: الثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى الَّذِي يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ عُمُومٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ: الثَّالِثُ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْنِ مُنَعَّلَيْنِ لَا أَنَّهُ جَوْرَبٌ مُنْفَرِدٌ ونعل منفردة فكأنه قال مسح على جور بيه الْمُنَعَّلَيْنِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ ضَعْفًا وَفِيهِ أَيْضًا إرْسَالٌ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ وَلَا بِالْقَوِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ لِرِقَّتِهِ أَوْ لِثِقَلِهِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ وَمَا سِوَاهُ لَا تَدْعُو الحاجة إليه فلم تتعلق به الرخصة)(1/500)
(الشَّرْحُ) أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ لِرِقَّتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ (1) لِمَا ذَكَرَهُ وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ لِثِقَلِهِ كَخُفِّ الْحَدِيدِ الثَّقِيلِ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي الطُّرُقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِمَا ذكره المصنف وممن قطع به الشيخ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ بِالْجَوَازِ وَإِنْ عَسُرَ الْمَشْيُ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِضَعْفِ اللَّابِسِ لَا الملبوس ولا نظر إلى احوال اللابسين وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ على أن خف الحديد الذى يمكن متابعة المشى عليه يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ عَلَى مَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ المشي عليه معا عُسْرٍ وَمَشَقَّةٍ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ صَالِحٌ لِهَذَا التَّأْوِيلِ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ بُعْدٌ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ فَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَا سَبَقَ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ جِنْسِ الْخُفَّيْنِ بَلْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جِلْدًا وَالْآخَرُ لِبْدًا وَشِبْهَ ذَلِكَ جَازَ وَلِذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِلْدٍ وَالْآخَرُ مِنْ خَشَبٍ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ هَذَا فِيمَنْ قُطِعَ بَعْضُ إحْدَى رِجْلَيْهِ (الثَّانِيَةُ) لَوْ اتَّخَذَ خُفًّا وَاسِعًا لَا يَثْبُتُ فِي الرِّجْلِ إذَا مَشَى فِيهِ أَوْ ضَيِّقًا جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ
الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ فِي الضَّيِّقِ الشَّاشِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّهُ صَالِحٌ فِي نَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ فَأَمَّا الضَّيِّقُ الَّذِي يَتَّسِعُ بِالْمَشْيِ فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (الثَّالِثَةُ) لَوْ لَبِسَ خُفًّا وَاسِعَ الرأس يرى
__________
(1) قوله بلا خلاف يعني في غير مسألة تخرق الظهارة دون البطانة فانه سبق فيها وجه ضعيف انه لا يجوز المسح وان كانت رقيقة لظاهر النص اه اذرعي(1/501)
مِنْهُ الْقَدَمُ وَلَكِنَّ مَحَلَّ الْفَرْضِ مَسْتُورٌ مِنْ أَسْفَلَ وَمِنْ الْجَوَانِبِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ جَوَازُ الْمَسْحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ سَاتِرٌ مَحَلَّ الْفَرْضِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وبه قطع البندنيجي وصاحب الْحَاوِي وَالْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ كَمَا لَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبِهِ وَالْمَذْهَبُ الاول قال أصحابنا ولو صَلَّى فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْجَيْبِ تُرَى عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ ضَيِّقَ الْجَيْبِ وَلَكِنْ وَقَفَ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ بِحَيْثُ تُرَى عَوْرَتُهُ مِنْ تَحْتِ ذَيْلِهِ صَحَّتْ صلاته قالوا فيجب فِي الْخُفِّ السَّتْرُ مِنْ أَسْفَلَ وَمِنْ الْجَوَانِبِ دُونَ الْأَعْلَى وَفِي الْعَوْرَةِ مِنْ فَوْقٍ وَمِنْ الْجَوَانِبِ دُونَ الْأَسْفَلِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَمِيصَ يُلْبَسُ مِنْ أَعْلَى وَيُتَّخَذُ لِيَسْتُرَ أَعْلَى الْبَدَنِ وَالْخُفُّ يُلْبَسُ مِنْ أَسْفَلَ وَيُتَّخَذُ لِيَسْتُرَ أَسْفَلَ الرِّجْلِ فَأَخَذَ بِهِ قالوا فالمسألتان مختلفان صُورَةً مُتَّفِقَتَانِ مَعْنًى وَشَذَّ الشَّاشِيُّ فَقَالَ فِي الْمُعْتَمَدِ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ تُرَى مِنْ تَحْتِهِ عَوْرَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سِتْرًا وَوَافَقَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْخُفِّ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ سَتْرُ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) إذَا لَبِسَ خُفَّ زُجَاجٍ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ تُرَى تَحْتَهُ الْبَشَرَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِزُجَاجٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا وَصَفَ لَوْنَ الْبَشَرَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُهَا عَنْ الْأَعْيُنِ وَلَمْ يَحْصُلْ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْخُفِّ عُسْرُ الْقُدْرَةِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلِ بِسَبَبِ السَّاتِرِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَيْنِ وممن صرح به القفال والصيد لاني والْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَأَمَّا قَوْلُ الروياني في البحر قال القفال يجوز المسح على خف زجاج وقال سائر اصحابنا لا يَجُوزُ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ بَلْ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
بَلْ الْجَمِيعُ بِالْجَوَازِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِمَنْعِهِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ جَوَازَهُ عَنْ الاصحاب مطلقا (1) (الخامسة) إذا ليس خُفًّا مِنْ خَشَبٍ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عَصًا جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا بِعَصًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ فِي رِجْلِهِ كَقُرُوحٍ وَنَحْوِهَا جَازَ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ لِلزَّمِنِ وَالْمُقْعَدِ وَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُ الْمَشْيِ لِحِدَةٍ فِي رَأْسِ الْخُفِّ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ (السَّادِسَةُ) لَوْ لَفَّ عَلَى رِجْلِهِ قِطْعَةَ أَدَمٍ وَاسْتَوْثَقَ شده بالرباط
__________
(1) ومن البعيد أو المحال امكان متابعة المشي الكثير على خف الزجاج الا ان يمشي به على بساط أو ارض دمثة لا حصى ولا حجر بها اه اذرعي(1/502)
وَكَانَ قَوِيًّا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُفًّا وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ التَّرَدُّدِ غَالِبًا هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُمَا (السَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفَّيْنِ قُطِعَا مِنْ فَوْقِ الْكَعْبَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُمَا عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَنَقَلَ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرازي في كتابه رؤس الْمَسَائِلِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ
* (الثَّامِنَةُ) هَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخُفِّ صَفِيقًا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا يُشْتَرَطُ فَإِنْ كَانَ مَنْسُوجًا بِحَيْثُ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ نَفَذَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَائِلًا بَيْنَ الْمَاءِ وَالْقَدَمِ وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ وَإِنْ نَفَذَ الْمَاءُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ لِوُجُودِ السَّتْرِ قَالَ الْإِمَامُ وَلِأَنَّ عُلَمَاءَنَا نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لو انتقبت ظهارة الخف من موضع وبطانته مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يُحَاذِيهِ وَكَانَ بِحَيْثُ لا يظهر من القدمين شئ وَلَكِنْ لَوْ صُبَّ الْمَاءُ فِي ثُقْبِ الظِّهَارَةِ يَجْرِي إلَى ثُقْبِ الْبِطَانَةِ وَوَصَلَ إلَى الْقَدَمِ جاز المسح فإذا لَا أَثَرَ لِنُفُوذِ الْمَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ فِي الْمَسْحِ لَا يَنْفُذُ وَالْغَسْلُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله (وفي الجرموقين وهو الخف الذى يلبس فوق الخف وهما صحيحان قولان قال في القديم والاملاء
يجوز المسح عليه لانه خف صحيح يمكن متابعة المشى عليه فاشبه المنفرد وقال في الجديد لا يجوز لان الحاجة لا تدعو إلى لبسه في الغالب وانما تدعو الحاجة إليه في النادر فلا يتعلق به رخصة عامة كالجبيرة فان قلنا بقوله الجديد فادخل يده في ساق الجرمون ومسح على الخف ففيه وجهان قال الشيخ ابو حامد الاسفراينى رحمه الله لا يجوز وقال شيخنا القاضى أبو الطيب رحمه الله يجوز لانه مسح على ما يجوز المسح عليه فاشبه إذا نزع الجرموق ثم مسح عليه وإذا قلنا يجوز المسح علي الجرموق فلم يمسح عليه وادخل يده إلى الخف ومسح عليه ففيه وجهان أحدهما لا يجوز لانه يجوز المسح على الظاهر فإذا أدخل يده ومسح علي الباطن لم يجز كما لو كان في رجله خف منفرد فادخل يده إلى باطنه ومسح الجلد الذي يلي الرجل والثاني يجوز لان كل واحد منهما محل للمسح فجاز المسح علي ما شاء منهما (الشرح) الجرموق بضم الجيم والميم وهو عجمي مُعَرَّبٌ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْخُفُّ وَلَمْ يَقُلْ وَهُمَا(1/503)
أَرَادَ الْجُرْمُوقَ الْفَرْدَ وَلَيْسَ الْجُرْمُوقُ فِي الْأَصْلِ مطلق الخف فوق الخف بل هو شئ يُشْبِهُ الْخُفَّ فِيهِ اتِّسَاعٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ وَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَ أَنَّهُ الْخُفُّ فوق الخف ولان الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِخُفٍّ فَوْقَ خُفٍّ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ اتِّسَاعٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ: وَقَوْلُهُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ رُخْصَةٌ عَامَّةٌ كَالْجَبِيرَةِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ رُخْصَةٌ خَاصَّةٌ حَتَّى يَجُوزَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَبِيرَةِ رُخْصَةٌ خَاصَّةٌ فِي حَقِّ الْكَسِيرِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَنْ وَالِدِهِ الْجَزْمَ بِذَلِكَ قَالَ فَلَا أَدْرِي أَخَذَهُ مِنْ إشْعَارِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِهِ أَمْ رَآهُ مَنْقُولًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ وَلَمْ أَجِدْ لِمَا ذَكَرَهُ أَصْلًا فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ بَلْ وَجَدْتُ مَا يُشْعِرُ بخلافه والحافه عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِالْقُفَّازَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْجَبِيرَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَاتِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ فِي الْمَوَاضِعِ الْبَارِدَةِ فَكَذَا الْجُرْمُوقُ الَّذِي لَا يَعْسُرُ إدْخَالُ الْيَدِ تَحْتَهُ وَمَسْحُ الْخُفِّ قال وانما قال المصنف رحمه الله رُخْصَةٌ عَامَّةٌ لِيُتِمَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْجَبِيرَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ رُخْصَةٌ كَالْجَبِيرَةِ لم يستقم فان الجبيرة يتعلق بِهَا رُخْصَةٌ وَهِيَ الْخَاصَّةُ فِي حَقِّ الْكَسِيرِ فَإِذَا ثَبَتَ لَهُ انْتِفَاءُ الرُّخْصَةِ الْعَامَّةِ ثَبَتَ مَحَلُّ النِّزَاعِ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ قَوْلَهُ
رُخْصَةٌ عَامَّةٌ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ تَعَلُّقِ رُخْصَةٍ خَاصَّةٍ بِهِ بَلْ هُوَ لِتَقْرِيبِ الشَّبَهِ مِنْ الْجَبِيرَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا وَأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ يَجْرِيَانِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في تعليقه وخالفهم في كتابه شرح فروح ابن الحداد فصحح الْجَوَازُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَشَرْطُ مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ أن يكون الخفاف وَالْجُرْمُوقَانِ صَحِيحَيْنِ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ لو انفرد كما قاله المصنف فاما لان كَانَ الْأَعْلَى صَحِيحًا وَالْأَسْفَلُ مُخَرَّقًا فَيَجُوزُ الْمَسْحُ(1/504)
عَلَى الْأَعْلَى قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْأَسْفَلَ فِي حكم اللفافة هكذا قطع به الاصحاب الطُّرُقِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ فَحَكَى فِيهِ طَرِيقَيْنِ الْمَنْصُوصُ مِنْهُمَا هَذَا: والثاني أنه على القولين وليس بشئ وَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى مُخَرَّقًا وَالْأَسْفَلُ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى وَيَجُوزُ عَلَى الْأَسْفَلِ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَكُونُ الْأَعْلَى فِي مَعْنَى خِرْقَةٍ لَفَّهَا فَوْقَ الْخُفِّ فَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْأَعْلَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَوَصَلَ الْبَلَلُ إلَى الْأَسْفَلِ فَإِنْ قَصَدَ مَسْحَ الْأَسْفَلِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَصَدَ مَسْحَ الْأَعْلَى لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ قَصَدَهُمَا أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا بَلْ قَصَدَ أَصْلَ الْمَسْحِ فَوَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ لِأَنَّهُ قَصَدَ إسْقَاطَ فَرْضِ الرِّجْلِ بِالْمَسْحِ وَقَدْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَإِذَا جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ فَلَبِسَ فَوْقَهُمَا ثَانِيًا وَثَالِثًا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مُخَرَّقَةً إلَّا الْأَعْلَى جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَانَ مَا تَحْتَهُ كَاللِّفَافَةِ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَهُ وَمَسَحَ الْأَسْفَلَ فَفِي جَوَازِهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا الْجَوَازُ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْعِمَامَةِ وَمَسَحَ الرَّأْسَ وَكَمَا لَوْ أَدْخَلَ الْمَاءَ فِي الْخُفِّ وَغَسَلَ الرِّجْلَ: مِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالتَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ بِالْوَجْهِ الْآخَرِ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْوَجْهَ الْقَائِلَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ هُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ تَخْرِيجٌ لَهُ
وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ نَقَلَهُ أَبُو حامد في تعليقه عن الاصحاب فقال قال أصحابنا لَا يُجْزِيهِ الْمَسْحُ عَلَى الْأَسْفَلِ وَتَمَسَّكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ طَرَحَهُمَا وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفِّ لا يجوز قال والفرق بينه وبين مَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ الرَّأْسَ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ أَصْلٌ فَقَوِيَ أَمْرُهُ وَهَذَا بَدَلٌ فَضَعُفَ فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مع(1/505)
اسْتِتَارِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْغَالِبِ أَنَّ الْمَاسِحَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَسْحِ الْأَسْفَلِ إلَّا بِطَرْحِ الْأَعْلَى كَمَا قَالَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ نَزَعَ الْخُفَّيْنِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ من غسل الرجلين الا ينزع الْخُفَّيْنِ وَإِلَّا فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ غَيْرُهُ قَالَ وَالْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ لَا مَعْنَى لَهُ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْأَسْفَلِ وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ وَمَسَحَ الْأَسْفَلَ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِهِ وَجْهَيْنِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ صَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَحَلٌّ لِلْمَسْحِ فَأَشْبَهَ شَعْرَ الرَّأْسِ وَبَشَرَتَهُ (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَسْحِ الْجُرْمُوقَيْنِ إحْدَاهَا إذَا قُلْنَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْبِسَ الْخُفَّيْنِ وَالْجُرْمُوقَيْنِ جَمِيعًا عَلَى طَهَارَةِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَإِنْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ عَلَى حَدَثٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْمَذْهَبِ وبه قطع العراقييون وَصَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ لِأَنَّهُ لَبِسَ مَا يُمْسَحُ عَلَيْهِ عَلَى حَدَثٍ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَمَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ رَقَّعَ فِيهِ رُقْعَةً وَإِنْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَسَحَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ عَلَى طَهَارَةِ الْمَسْحِ فَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا أَحَدُهُمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ نَاقِصَةٌ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْأَكْثَرُونَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ قَالَ الرُّويَانِيُّ الْأَصَحُّ مَنْعُ الْمَسْحِ وَهُوَ قَوْلُ الدَّارَكِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ وَهُوَ قَوْلِ الشيخ بي حَامِدٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ تَرْجِيحُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ
الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ لَبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا طَهَارَةٌ نَاقِصَةٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ إذَا جَوَّزْنَا الْمَسْحَ هُنَا فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ أَحْدَثَ بَعْدَ لبس الخف لامن حِينِ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْجُرْمُوقِ قَالَ وَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْأَسْفَلِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ قَالَ وَلَوْ لَبِسَ الْأَسْفَلَ عَلَى حَدَثٍ ثُمَّ غَسَلَ الرِّجْلَ فِيهِ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ عَلَى هَذِهِ الطَّهَارَةِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الْأَسْفَلِ وَفِي جَوَازِهِ عَلَى الْأَعْلَى وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ ابن سُرَيْجٍ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ أَصَحُّهَا أَنَّ الْجُرْمُوقَ
__________
(1) هذا الوجه مبني على المعنى الثالث الاتي في المسألة الثانية وهو انهما كخف واحد لكنه ضعيف اه اذرعي(1/506)
بَدَلٌ عَنْ الْخُفِّ وَالْخُفُّ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ وَالثَّانِي أَنَّ الْأَسْفَلَ كَلِفَافَةٍ وَالْأَعْلَى هُوَ الْخُفُّ وَالثَّالِثُ أَنَّهُمَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ فَالْأَعْلَى ظِهَارَةٌ وَالْأَسْفَلُ بِطَانَةٌ: وَفَرَّعَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي مَسَائِلَ كَثِيرَةً مِنْهَا لَوْ لَبِسَهُمَا مَعًا فَأَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحِ الْأَسْفَلِ جَازَ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ دُونَ الْآخَرَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ: وَمِنْهَا لَوْ تَخَرَّقَ الْأَعْلَى مِنْ الرِّجْلَيْنِ جَمِيعًا أَوْ خَلَعَهُ مِنْهُمَا بَعْدَ مَسْحِهِ وَبَقِيَ الْأَسْفَلُ بِحَالِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَمْ يَجِبْ نَزْعُ الْأَسْفَلِ بل يجب مسحه وهل يكفيه مَسْحُهُ أَمْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي نَازِعِ الْخُفَّيْنِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي وَجَبَ نَزْعُ الْأَسْفَلِ أَيْضًا وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَفِي وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ الْقَوْلَانِ فَحَصَلَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أقوال أحدهها لا يجب شئ وَأَصَحُّهَا يَجِبُ مَسْحُ الْأَسْفَلِ فَقَطْ وَالثَّالِثُ يَجِبُ مَسْحُهُ مَعَ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ وَالرَّابِعُ يَجِبُ نَزْعُ الْخُفَّيْنِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَالْخَامِسُ يَجِبُ ذَلِكَ مَعَ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ: ومنها لو تخرق الا علي مِنْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ نَزَعَهُ فَإِنْ قُلْنَا بالمعني الثالث فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي وَجَبَ نَزْعُ الْأَسْفَلِ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الرِّجْلِ وَوَجَبَ نَزْعُهُمَا مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَفِي اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ القولان: وان قلنا بالمعنى الاولى فَهَلْ يَلْزَمُهُ نَزْعُ الْأَعْلَى مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ كَمَنْ نَزَعَ إحْدَى الْخُفَّيْنِ فَإِذَا نَزَعَهُ عَادَ الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ يَكْفِيه
مَسْحُ الْأَسْفَلِ أَمْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ نَزْعُ الثَّانِي وَفِي وَاجِبِهِ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَسْحُ الْأَسْفَلِ الَّذِي نُزِعَ أَعْلَاهُ وَالثَّانِي اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَمَسْحُ هَذَا الْأَسْفَلِ وَالْأَعْلَى مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى: وَمِنْهَا لَوْ تَخَرَّقَ الْأَسْفَلُ مِنْهُمَا لَمْ يَضُرَّ عَلَى الْمَعَانِي كُلِّهَا فَلَوْ تَخَرَّقَ مِنْ إحْدَاهُمَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي أو الثالث فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَجَبَ نَزْعُ وَاحِدٍ مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إذَا نَزَعَ فَفِي وَاجِبِهِ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَسْحُ الْخُفِّ الَّذِي نَزَعَ جُرْمُوقَهُ وَالثَّانِي اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَالْمَسْحُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَعْلَى الَّذِي تَخَرَّقَ الْأَسْفَلُ تَحْتَهُ وَمِنْهَا لَوْ تَخَرَّقَ الْأَسْفَلُ وَالْأَعْلَى مِنْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ مِنْ إحْدَاهُمَا وَجَبَ نَزْعُ الْجَمِيعِ عَلَى الْمَعَانِي كُلِّهَا لَكِنْ إذَا قُلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ وَكَانَ الْخَرْقَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ غَيْرِ مُتَحَاذِيَيْنِ لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الخف ما نعا نفوذ الماء: ومنها لو تخرق الا على مِنْ رِجْلٍ وَالْأَسْفَلُ مِنْ أُخْرَى فَإِنْ قُلْنَا بالثالث فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ نَزَعَ الْأَعْلَى الْمُتَخَرَّقَ وَأَعَادَ مَسْحَ مَا تَحْتَهُ وَهَلْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ أم يجب استئناف الوضوء ما سحا عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَعْلَى(1/507)
مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى فِيهِ الْقَوْلَانِ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ مَسْحِ الْجُرْمُوقَيْنِ أَمَّا إذَا مَنَعْنَاهُ فَتَخَرَّقَ الْأَسْفَلَانِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ التَّخَرُّقِ عَلَى طَهَارَةِ لُبْسِهِ الْأَسْفَلَ مَسَحَ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا لِخُرُوجِ الْأَسْفَلِ عَنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْمَسْحِ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا لَمْ يَجُزْ مَسْحُ الْأَعْلَى كَاللُّبْسِ عَلَى حَدَثٍ وَإِنْ كَانَ عَلَى طَهَارَةِ مَسْحٍ فَوَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي تَفْرِيعِ الْقَدِيمِ وَلَوْ لَبِسَ جُرْمُوقًا فِي رِجْلٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْخُفِّ فِي الرِّجْلِ الْأُخْرَى فَعَلَى الْجَدِيدِ لَا يَجُوزُ مَسْحُ الْجُرْمُوقِ وَعَلَى الْقَدِيمِ يَبْنِي عَلَى الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ فِي خُفٍّ وَغَسْلُ الرِّجْلِ الْأُخْرَى وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ جَازَ وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِالثَّانِي عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا احْتَاجَ إلَى وَضْعِ جَبِيرَةٍ عَلَى رِجْلَيْهِ فَوَضَعَهَا ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهَا الْخُفَّ فَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ لِأَنَّهُ خُفٌّ صَحِيحٌ وَالْجَبِيرَةُ كَلِفَافَةٍ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ فَوْقَ مَمْسُوحٍ فَأَشْبَهَ الْعِمَامَةَ وَمِمَّنْ صَحَّحَ الْمَنْعَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ كَالْجُرْمُوقِ
فَوْقَ الْخُفِّ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ لبس خفا ذا طاقتين غَيْرِ مُلْتَصِقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَى الطَّاقِ الْأَعْلَى فَهُوَ كَمَسْحِ الْجُرْمُوقِ وَإِنْ مَسَحَ الْأَسْفَلَ فَكَمَسْحِ الْخُفِّ تَحْتَ الْجُرْمُوقِ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْأَسْفَلِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ خُفٌّ وَاحِدٌ فَمَسْحُ الْأَسْفَلِ كَمَسْحِ بَاطِنِ الْخُفِّ (الْخَامِسَةُ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجُرْمُوقَيْنِ قد سبق ان مذهبنا الجديد الا ظهر مَنْعُ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْمُزَنِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَقَالَ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جوازه خلافا
* واحتج المجوزون من الحديث بِحَدِيثِ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ: وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَنَّ الْمُوقَ هُوَ الْخُفُّ لَا الْجُرْمُوقُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَرِيبِهِ وَهَذَا(1/508)
مُتَعَيَّنٌ لِأَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ اسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ جُرْمُوقَانِ مَعَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا جَمِيعَ آلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم والثالث أن الحجار لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْجُرْمُوقَيْنِ فَيَبْعُدُ لُبْسُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ المسألة الشيخ ابا حامد الاسفرايني وَالْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ وَهُمَا أَجَلُّ مُصَنِّفِي الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ بَسَطْتُ أَحْوَالَهُمَا بَعْضَ الْبَسْطِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَفِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ وَأُنَبِّهُ هُنَا عَلَى رُمُوزٍ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا أَبُو حَامِدٍ فَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ شَيْخُ الْأَصْحَابِ وَعَلَيْهِ وَعَلَى تَعْلِيقِهِ مُعَوَّلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ انْتَهَتْ إلَيْهِ رِيَاسَةُ بَغْدَادَ وَإِمَامَتُهَا وَكَانَ أَوْحَدَ أَهْلِ عَصْرِهِ قَالَ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْحَافِظُ كَانَ يَحْضُرُ دَرْسَهُ سَبْعُمِائَةِ مُتَفَقِّهٍ قَالَ غَيْرُهُ أَفْتَى وَهُوَ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا فَكَانَ فِي الْمِائَةِ الْأُولَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالثَّانِيَةِ الشَّافِعِيُّ وَالثَّالِثَةِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالرَّابِعَةِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِمِائَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَهُوَ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ عُمَرَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَبَرِسْتَانَ
الْإِمَامُ الْجَامِعُ لِلْفُنُونِ الْمُعَمِّرُ بَدَأَ بِالِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَلَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُخِلَّ بِدَرْسِهِ يَوْمًا وَاحِدًا إلَى أَنْ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ ولد سنة ثمان وأربعين وثلثمائة وتوفى عصر السبب وَدُفِنَ يَوْمَ الْأَحَدِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ نَفِيسَةٌ فِي فُنُونِ الْعِلْمِ وَمِنْ أَحْسَنِهَا تَعْلِيقُهُ في المذهب ولم أر لا صحابنا أَحْسَنَ مِنْهُ فِي أُسْلُوبِهِ وَلَهُ الْمُجَرَّدُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ كَثِيرُ الْفَوَائِدِ وَشَرْحُ فُرُوعِ ابْنِ الحداد وما أكثر فوائده وله في الاصل وَالْخِلَافِ وَفِي ذَمِّ الْغِنَى وَفِي أَنْوَاعِ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ وَكَانَ يَرْوِي الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ بِالرِّوَايَاتِ الْعَالِيَةِ ويقول الشعر الحسن رحمه الله * قال المصنف رحمه الله
* (وان لبس خفا مغصوبا ففيه وجهان قال ابن القاص لا يجوز المسح عليه لان لبسه معصية فلم يتعلق به رخصة وقال سائر أصحابنا يجوز لان المعصية لا تختص باللبس فلم تمنع صحة العبادة كالصلاة في الدار المغصوبة)
*(1/509)
(الشَّرْحُ) هَذَا الْخِلَافُ مَشْهُورٌ فِي الْمَذْهَبِ وَعِبَارَةُ الْأَصْحَابِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ يَقُولُونَ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ لَا يَجُوزُ (1) وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ صِحَّةُ الْمَسْحِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ كَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ وَالذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبٍ وَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ مَغْصُوبَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ عَصَى بِالْفِعْلِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ بَيَانُ هَذَا مَعَ غَيْرِهِ وَأَشَارَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا إلَى تَرْجِيحِ مَنْعِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا جَازَ لِمَشَقَّةِ النَّزْعِ وَهَذَا عَاصٍ بِتَرْكِ النَّزْعِ وَاسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْذَرَ وَلِأَنَّهُ يَعْصِي بِاللُّبْسِ أَكْثَرَ مِنْ الْإِمْسَاكِ وَلِأَنَّ تَجْوِيزَهُ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِهِ بِالْمَسْحِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا وَالْجُلُوسَ سَوَاءٌ قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ بالمإ فَقَدْ أَتْلَفَهُ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الصِّحَّةَ (قُلْتُ) لِلْآخَرِينَ أَنْ يُفَرِّقُوا بِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ فَلَا تُسْتَفَادُ بِالْمَعْصِيَةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَيُقَاسُ عَلَى التَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ كَالتَّيَمُّمِ لِنَافِلَةٍ فَإِنَّهُ رُخْصَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ لَا يَجُوزُ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ فَمَعْنَاهُ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْتَبِيحُ
بِهِ شَيْئًا وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا يَصِحُّ وَيَسْتَبِيحُ بِهِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا فَأَرَادَ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةَ وَإِلَّا فَالْفِعْلُ حَرَامٌ بِلَا شَكَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ لَبِسَ خُفَّ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِي الْمَغْصُوبِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالْمَنْعِ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْخُفِّ فَصَارَ كَاَلَّذِي لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ وَلَوْ لَبِسَ الرَّجُلُ خُفًّا مِنْ حَرِيرٍ صَفِيقٍ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالذَّهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ مِنْ جِلْدِ كَلْبٍ (2) أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَفَائِدَةُ الْمَسْحِ وَإِنْ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الصَّلَاةُ وَمَا عَدَاهَا مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِ كَتَبَعٍ لَهَا وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ عن الرجل ولو
__________
(1) صحح ابن الصباغ المنع ايضا اه اذرعي (2) قال الرافعي في شرحه الصغير هنا ما لفظه ولو اتخذ خفا من جلد الكلب أو الميتة فهو نجس العين ولا يحل لبسه في اصح القولين ونص في الام انه لا يجوز المسح عليه وهذا غريب اعني حكاية الخلاف في جواز ليس جلد الكلب الا ان يؤول كلامه وفي تأويله بعد اه اذرعي(1/510)
كَانَتْ نَجِسَةً لَمْ تَطْهُرْ عَنْ الْحَدَثِ مَعَ بقاء النجاسة عليها فكيف يمسح على البدن وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ خُرِزَ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَلَا الصَّلَاةُ فِيهِ وان غسله سبعا احداهن بالتراب لان المإ وَالتُّرَابَ لَا يَصِلُ إلَى مَوَاضِعِ الْخَرَزِ الْمُتَنَجِّسَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْفَتْحِ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالُوا فَإِذَا غَسَلَهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ سَأَلْتُ الشَّيْخَ أَبَا زَيْدٍ عَنْ الصَّلَاةِ في الخف المخروز بالهلت يَعْنِي شَعْرَ الْخِنْزِيرِ فَقَالَ الْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ قَالَ الْقَفَّالُ وَمُرَادُهُ أَنَّ بِالنَّاسِ إلَى الْخَرْزِ بِهِ حَاجَةٌ
فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إذَا تَنَجَّسَ الْخُفُّ بِخَرْزِهِ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ فَغُسِلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْخَرْزِ قَالَ وَقِيلَ كَانَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ يُصَلِّي فِي الْخُفِّ النَّوَافِلَ دُونَ الْفَرَائِضِ فَرَاجَعَهُ الْقَفَّالُ فِيهِ فَقَالَ الْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ أَشَارَ إلَى كَثْرَةِ النَّوَافِلِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ: وَقَوْلُهُ أَشَارَ إلَى كَثْرَةِ النَّوَافِلِ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَتَعَذَّرُ أَوْ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا كَانَ لَا يُصَلِّي فِيهِ الْفَرِيضَةَ احْتِيَاطًا لَهَا وَإِلَّا فَمُقْتَضَى قَوْلِهِ الْعَفْوُ فِيهِمَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا تَأَوَّلْتُهُ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ نَقْلِ القفال في شرحه التلخيص والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ علي طهارة كاملة فان غسل احدى الرجلين فادخلها الخف ثم غسل الاخرى فادخلها الخف لم يجز المسح حتى يخلع ما لبسه قبل كمال الطهارة ثم يعيده إلى رجله والدليل عليه ما روى ابو بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أرخص للمسافر ثلاثة ايام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما) (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْقِيتِ وَاسْمُ أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعٌ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَهُوَ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ كُنِّيَ بِأَبِي بَكْرَةَ لِأَنَّهُ تَدَلَّى بِبَكْرَةٍ مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ احْتَرَزَ بِكَامِلَةٍ عَمَّا إذَا غَسَلَ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَلَبِسَ خُفَّهَا ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَلَبِسَهَا فَإِنَّهُ قَدْ يُسَمَّى لُبْسًا عَلَى طَهَارَةٍ مَجَازًا فَأَرَادَ نَفْيَ هَذَا المجاوز والتوهم(1/511)
وَلَوْ حَذَفَ كَامِلَةٍ لَصَحَّ كَلَامُهُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطَّهَارَةِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْفَرَاغِ وَيُقَالُ لَبِسَ الخف والثوب وغير هما بِكَسْرِ الْبَاءِ يَلْبَسُهُ بِفَتْحِهَا
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَلْبَسَهُ على طهارة كاملة فلو غمس أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ أو لبسه قبل غسل شئ ثُمَّ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إذَا أَحْدَثَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَخْلَعَ الْخُفَّيْنِ
ثُمَّ يَلْبَسَهُمَا وَلَوْ غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّهَا ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَلَبِسَ خُفَّهَا اُشْتُرِطَ نَزْعُ الْأَوَّلِ ثُمَّ لُبْسُهُ عَلَى الطَّهَارَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ نَزْعُ الثَّانِي وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُفَّيْنِ مُرْتَبِطٌ بِالْآخَرِ وَلِهَذَا لَوْ نَزَعَ أَحَدَهُمَا وَجَبَ نَزْعُ الْآخَرِ وَهَذَا الوجه شاذ ليس بشئ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ لُبْسُهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقَدْ وجد والترتيب في اللبس ليس بشرط باللاجماع (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ فِي لُبْسِ الْخُفِّ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ واسحق وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَجُوزُ لُبْسُهُمَا عَلَى حَدَثٍ ثُمَّ يُكْمِلُ الطَّهَارَةَ فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ الْمَسْحُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيمَا إذَا غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّهَا قَبْلَ غَسْلِ الْأُخْرَى
* وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسٍ وَطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَلِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ كَالِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يلبس وهو لا بس فَاسْتَدَامَ حَنِثَ فَإِذَا لَبِسَ عَلَى حَدَثٍ ثُمَّ تَطَهَّرَ فَاسْتِدَامَتُهُ اللُّبْسَ عَلَى طَهَارَةٍ كَالِابْتِدَاءِ قَالُوا وَلِأَنَّ عِنْدَكُمْ لَوْ نَزَعَ ثُمَّ لَبِسَ اسْتَبَاحَ الْمَسْحَ وَلَا فَائِدَةَ فِي النَّزْعِ ثُمَّ اللُّبْسِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَبَبْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وضوئه ثم أهويت لا نزع خُفَّيْهِ فَقَالَ دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا نحن أدخلنا هما عَلَى طُهْرٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَأَلْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيَتَوَضَّأُ أَحَدُنَا وَرِجْلَاهُ فِي الْخُفَّيْنِ قَالَ نَعَمْ إذَا أَدْخَلَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَإِنْ قَالُوا دَلَالَةُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالْمَفْهُومِ وَلَا نَقُولُ بِهِ قُلْنَا هُوَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ وَذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ وَاتَّفَقُوا علي اشتراط(1/512)
الطَّهَارَةِ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِهَا وَجَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُبَيِّنَةً لِجَوَازِ الْمَسْحِ لِمَنْ لَبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ صريح فان قالو إذَا لَبِسَ خُفًّا بَعْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ الْآخَرَ كَذَلِكَ
فَقَدْ لَبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الطَّهَارَةِ لَا تَكُونُ إلَّا بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَلُبْسُ الْخُفِّ الْأَوَّلِ كَانَ سَابِقًا عَلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَسَلَكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الاساليب طرقة حَسَنَةً فَقَالَ تَقَدُّمُ الطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ عَلَى الْمَسْحِ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالطَّهَارَةُ تُرَادُ لِغَيْرِهَا: فَإِنْ تَخَيَّلَ مُتَخَيِّلٌ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ لِلْمَسْحِ كَانَ مُحَالًا لِأَنَّ الْمَسْحَ يَتَقَدَّمُهُ الْحَدَثُ وَهُوَ نَاقِضٌ لِلطَّهَارَةِ فَاسْتَحَالَ تَقْدِيرُهَا شَرْطًا فِيهِ مَعَ تَخَلُّلِ الْحَدَثِ فَوَضَحَ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي اللُّبْسِ وَكُلُّ مَا شُرِطَتْ الطَّهَارَةُ فِيهِ شُرِطَ تَقْدِيمُهَا بِكَمَالِهَا عَلَى ابْتِدَائِهِ ثُمَّ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِي اللُّبْسِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لِأَنَّ اللُّبْسَ فِي نَفْسِهِ ليس قربة وإذا أحدث بعد اللبس بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ وَلَا تَنْقَطِعُ الطَّهَارَةُ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ مَأْخَذِ الْمَعْنَى وَالْمَسْحُ رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ فَتَثْبُتُ حَيْثُ يَتَحَقَّقُهُ وَإِذَا تَرَدَّدَ فِيهِ تَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ غَسْلُ الرِّجْلِ وَلَيْسَ مَعَ الْمُخَالِفِينَ نَصٌّ: وَقَدْ ثَبَتَتْ الرُّخْصَةُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِهِمْ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ عَلَى اشْتِرَاطِ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إنَّمَا تَكُونُ كَالِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ صَحِيحًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ هُنَا: وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِاشْتِرَاطِ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ وَالنَّزْعُ ثُمَّ اللُّبْسُ مُحَصِّلَانِ لِذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ عَبَثًا بَلْ طَاعَةً وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ اصْطَادَ صَيْدًا وَبَقِيَ فِي يَدِهِ حَتَّى حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ ثُمَّ لَهُ اصْطِيَادُهُ بِمُجَرَّدِ إرْسَالِهِ وَلَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي إرْسَالِهِ ثُمَّ أخذه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (فان لبس خفين على طهارة ثم أحدث ثم لبس الجرموقين لم يجز المسح عليه قولا واحدا لانه لبس علي حدث وان مسح على الخفين ثم لبس الجرموقين ثم أحدث وقلنا انه يجوز المسح علي الجرموق ففيه وجهان أحدهما لا يجوز المسح عليه لان المسح على الخف لم يزل الحدث عن الرجل فكأنه لبس على حدث والثاني يجوز لان مسح الخف قام مقام غسل الرجلين)(1/513)
(الشَّرْحُ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُمَا وَاضِحًا فِي فَرْعِ مَسَائِلِ الْجُرْمُوقِ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْجَوَازُ كَمَا سَبَقَ وَقَوْلُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ قَوْلًا وَاحِدًا يَعْنِي سَوَاءٌ قُلْنَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ أَمْ لَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَفِيهِ وَجْهٌ
سَبَقَ بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَمْ يُزِلْ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ هَذَا اخْتِيَارُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ سَنَذْكُرُهُمَا وَاضِحَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ المصنف رحمه الله
* (وان تطهر ولبس خفيه فاحدث قبل ان تبلغ الرجل إلى قدم الخف لم يجز المسح نص عليه في الام لان الرجل حصلت في مقرها وهو محدث فصار كما لو بدأ باللبس وهو محدث (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ رِجْلَهُ مِنْ قَدَمِ الْخُفِّ إلَى السَّاقِ ثُمَّ رَدَّهَا لَا يَبْطُلُ مسحه ويجعل حكمه حكم لا بس لَمْ يَنْزِعْ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي آخِرِ الْبَابِ حَيْثُ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي سَاقِ الْخُفِّ قَبْلَ الْغَسْلِ ثُمَّ غَسَلَهَا فِي السَّاقِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا مَوْضِعَ الْقَدَمِ جَازَ الْمَسْحُ وَهَذَا وَاضِحٌ فَإِنَّ إدْخَالَهَا السَّاقَ لَيْسَ بِلُبْسٍ ويجئ فيه وجه الرافعى وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (وإذا توضأت المستحاضة ولبست الخفين ثم أحدثت حدثا غير حدث الاستحاضة ومسحت على الخف جاز لها أن تصلي بالمسح فريضة واحدة وما شاءت من النوافل وان تيمم المحدث ولبس الخف ثم وجد الماء لم يجز له المسح علي الخف لان التيمم طهارة ضرورة فإذا زالت الضرورة بطلت من أصلها فيصير كما لو لبس الخف علي حدث: وقال أبو العباس بن سريج يصلى بالمسح فريضة واحدة وما شاء من النوافل كالمستحاضة) (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَفِي صُورَتِهَا فِي الْمُهَذَّبِ بَعْضُ الْخَفَاءِ فَصُورَتُهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنْ تَتَوَضَّأَ الْمُسْتَحَاضَةُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ فَرِيضَةٍ وَتَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى تِلْكَ(1/514)
الطَّهَارَةِ ثُمَّ تُحْدِثُ بِغَيْرِ حَدَثِ الِاسْتِحَاضَةِ كَبَوْلٍ وَنَوْمٍ وَلَمْسٍ قَبْلَ أَنْ تُصَلِّيَ تِلْكَ الْفَرِيضَةَ فَإِذَا تَوَضَّأَتْ جَازَ لَهَا الْمَسْحُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ وَتُصَلِّي بِالْمَسْحِ هَذِهِ الْفَرِيضَةَ وَمَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ فَإِنْ أَحْدَثَتْ مَرَّةً أُخْرَى فَلَهَا الْمَسْحُ لِاسْتِبَاحَةِ النَّوَافِلِ وَلَا يَجُوزُ لِفَرِيضَةٍ أُخْرَى وَلَوْ تَوَضَّأَتْ وَلَبِسَتْ الْخُفَّ وَصَلَّتْ فَرِيضَةَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَحْدَثَتْ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَمْسَحَ فِي حَقِّ فَرِيضَةٍ أَصْلًا لَا فَائِتَةٍ وَلَا مُؤَدَّاةٍ
وَلَكِنْ لَهَا أَنْ تَمْسَحَ لِمَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِكَوْنِهَا لَا تَمْسَحُ لِغَيْرِ فَرِيضَةٍ وَنَوَافِلَ بِأَنَّ طَهَارَتَهَا فِي الْحُكْمِ مَقْصُورَةٌ عَلَى اسْتِبَاحَةِ فَرِيضَةٍ وَنَوَافِلَ وَهِيَ مُحْدِثَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَكَأَنَّهَا لَبِسَتْ عَلَى حَدَثٍ بَلْ لَبِسَتْ عَلَى حَدَثٍ حَقِيقَةً فَإِنَّ طَهَارَتَهَا لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى الْمَذْهَبِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الطُّرُقِ وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ لَهَا الْمَسْحُ أَصْلًا لَا لِفَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالدَّارِمِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ لِأَنَّهَا مُحْدِثَةٌ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لَهَا الصَّلَاةُ مَعَ الْحَدَثِ الدَّائِمِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى مَسْحِ الْخُفِّ بَلْ هِيَ رُخْصَةٌ بِشَرْطِ لُبْسِهِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ: وَالْوَجْهُ الْآخَرُ إنَّهَا تَسْتَبِيحُ الْمَسْحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ فِي السَّفَرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْحَضَرِ وَلَكِنَّهَا تجدد الطهارة ما سحة لِكُلِّ فَرِيضَةٍ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَاحْتِمَالٍ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى فَرِيضَةٍ وَمَذْهَبُ زُفَرَ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا تَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَفَرًا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً حَضَرًا وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ لَا تَزِيدُ عَلَى فَرِيضَةٍ بِالْإِجْمَاعِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ مَذْهَبُ زُفَرَ وَأَحْمَدَ وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي جَوَازِ مَسْحِهَا لِفَرِيضَةٍ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَهَارَتَهَا هَلْ تَرْفَعُ الْحَدَثَ وَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخْرِيجُهُ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا مَعَ جَرَيَانِهِ دَائِمًا وَكَذَا قَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ هَذَا الْبِنَاءُ فَاسِدٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا مَعَ دَوَامِهِ وَاتِّصَالِهِ(1/515)
فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ وَسَنُوَضِّحُ الْخِلَافَ فِي ارْتِفَاعِ حَدَثِهَا بِالطَّهَارَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْحَيْضِ فِي مَسَائِلِ طَهَارَتِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا أَحْدَثَتْ غَيْرَ حَدَثِ الِاسْتِحَاضَةِ أَمَّا حَدَثُ الِاسْتِحَاضَةِ فَلَا يَضُرُّ وَلَا تَحْتَاجُ بِسَبَبِهِ إلَى اسْتِئْنَافِ طَهَارَةٍ إلَّا إذَا أَخَّرَتْ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَحَدَثُهَا يَجْرِي وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَنْقُضُ طَهَارَتَهَا وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ حَدَثُ الِاسْتِحَاضَةِ كَغَيْرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ دَمُهَا أَمَّا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ أَنْ تمسح وشفت فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْمَسْحُ
بَلْ يَجِبُ الْخَلْعُ وَاسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّ انْقِطَاعَ دَمِهَا كَحَدَثٍ طَارِئٍ فَلَهَا الْمَسْحُ وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا لضرورة وقد زالت الطهارة والضرورة فصارت لا بسة عَلَى حَدَثٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَحُكْمُ سَلِسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَمَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ وَجُرْحٌ سَائِلٌ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى مَا سَبَقَ وَكَذَا الْوُضُوءُ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ التَّيَمُّمَ لِجُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ لَهُ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَإِذَا شُفِيَ الْجَرِيحُ لَزِمَهُ النَّزْعُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الحرمين وغيرهما: وأما التيمم الَّذِي مَحَّضَ التَّيَمُّمَ وَلَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ تَيَمُّمُهُ لَا بِإِعْوَازِ الْمَاءِ بَلْ بِسَبَبٍ آخَرَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِوُجُودِ الْمَاءِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمُسْتَحَاضَةِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ التَّيَمُّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بَلْ إذَا وُجِدَ الْمَاءُ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ هُوَ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فَتَسْتَبِيحُ فَرِيضَةً وَنَوَافِلَ كَمَا سَبَقَ وَالْمَذْهَبُ الْفَرْقُ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ لَا تَسْتَمِرُّ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فَنَظِيرُهُ مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ يَنْقَطِعَ دَمُهَا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (والمستحب أن يمسح أعلى الخف وأسفله فيغمس يديه في الماء ثم يَضَعُ كَفَّهُ الْيُسْرَى تَحْتَ عَقِبِ الْخُفِّ وَكَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ثُمَّ يُمِرُّ الْيُمْنَى الي ساقه واليسرى إلى اطراف أصابعه لما روى المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه قال وضأت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزوة تبوك فمسح أعلي الخف وأسفله وهل يمسح على عقب الخف فيه طريقان من اصحابنا من قال يمسح عليه(1/516)
قولا واحد لانه خارج من الخف يلاقي محل الفرض فهو كغيره ومنهم من قال فيه قولان أحدهما يمسح عليه وهو الاصح لما ذكرناه والثاني لا يمسح لانه صقيل وبه قوام الخف فإذا تكرر المسح عليه بلى وخلق وأضربه وان اقتصر على مسح القليل من أعلاه اجزأه لان الخبر ورد بالمسح وهذا يقع عليه اسم المسح وان اقتصر على ذلك من أسلفه ففيه وجهان قال أبو اسحق يجزيه لانه خارج من الخف يحاذي محل الفرض فهو كاعلاه وقال أبو العباس لا يجزئه وهو المنصوص في البويطي وهو ظاهر
ما نقله المزني) (الشَّرْحُ) فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِمَّنْ نَصَّ عَلَى ضَعْفِهِ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ الْقَدِيمِ وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا عَلَى الْأَثَرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ (1) بِإِسْنَادِهِ عن عبد الرحمن ابن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ حَكَمَ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ جَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ سَبَبُ الْجَرْحِ فَلَمْ يَعْتَدَّ بِهِ كَمَا احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا بِجَمَاعَةٍ سَبَقَ جَرْحُهُمْ حِينَ لَمْ يَثْبُتْ جَرْحُهُمْ مُبِينَ السَّبَبِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ اعْتَضَدَ بِطَرِيقٍ أَوْ طُرُقٍ أُخْرَى فَقَوِيَ وَصَارَ حَسَنًا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْفَنِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّانِيَةُ) الْمُغِيرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ تَقَدَّمَتَا مَعَ بَيَانِ حَالِهِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَعَقِبُ الرِّجْلِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْقَافِ مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَالسَّاقُ مُؤَنَّثَةٌ غَيْرُ مَهْمُوزَةٍ وَفِيهَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ بِالْهَمْزِ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَتَبُوكَ بِفَتْحِ التَّاءِ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ وَيُقَالُ غَزْوَةٌ وَغُزَاةٌ لغتان مشهور تان وكانت غزوة
__________
1) قال البهيقي في حديث المغيرة ان صح اسناده فهو على الاختيار قال وهو عن ابن عمر من فعله صحيح اه اذرعي(1/517)
تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَهِيَ مِنْ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْخُفِّ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ بَاطِنِهِ الَّذِي يُلَاقِي بَشَرَةَ الرِّجْلِ وَقَوْلُهُ يُلَاقِي مَحَلَّ الْفَرْضِ احْتِرَازٌ مِنْ سَاقِ الْخُفِّ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَقِيلٌ يَعْنِي أَمْلَسَ رَقِيقًا وَقَوْلُهُ وَبِهِ قِوَامُ الْخُفِّ هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ أَيْ بَقَاؤُهُ وَقَوْلُهُ وخلق هو بفتح الخاء وبضم اللام وَفَتْحِهَا
وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَأَخْلَقَ أَيْضًا لُغَةٌ رابعة وقوله وأضربه يقال ضره وأضربه يُضِرُّهُ وَيَضُرُّ بِهِ فَإِذَا حُذِفَتْ الْبَاءُ كَانَ ثُلَاثِيًّا وَإِذَا ثَبَتَتْ كَانَ رُبَاعِيًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّالِثَةُ) فِي أَحْكَامِ الْفَصْلِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالُوا وَكَيْفِيَّتُهُ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِكَوْنِهِ أَمْكَنَ وَأَسْهَلَ وَلِأَنَّ الْيَدَ الْيُسْرَى لِمُبَاشَرَةِ الْأَقْذَارِ وَالْأَذَى وَالْيُمْنَى لِغَيْرِ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْيُسْرَى أَلْيَقَ بِأَسْفَلِهِ وَالْيُمْنَى بِأَعْلَاهُ وَأَمَّا الْعَقِبُ فَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ مَسْحِهِ كَذَا رَأَيْته فِيهِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْهُ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ اسْتِحْبَابَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَنَقَلَهُ القاضى أبو حامد والماوردي وغير هما عَنْ نَصِّهِ فِي مُخْتَصَرِ الطَّهَارَةِ الصَّغِيرِ: وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ ظَاهِرِ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ فَإِنَّهُ قَالَ يَضَعُ كَفَّهُ الْيُسْرَى تَحْتَ عَقِبِ الْخُفِّ وَكَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ثُمَّ يُمِرُّ الْيُمْنَى إلَى سَاقِهِ وَالْيُسْرَى إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحَدُهُمَا فِي اسْتِحْبَابِهِ قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَجْهَانِ: وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ جَزَمَ كَثِيرُونَ الْقَطْعَ بِاسْتِحْبَابِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ وَتَأَوَّلَ نَصَّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَضْعُ أَصَابِعِهِ تَحْتَ عَقِبِهِ وَرَاحَتِهِ عَلَى عَقِبِهِ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَدَمَ اسْتِحْبَابِهِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْوَاجِبُ مِنْ الْمَسْحِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ جُزْءٍ مِنْ أَعْلَاهُ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ أَسْفَلِهِ أَوْ بَعْضِ أَسْفَلِهِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَيَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّى بِهِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ عَنْ نَصِّهِ في الجامع الكبير وفي رواية موسى ابن ابي الجارود(1/518)
وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَلِلْأَصْحَابِ ثَلَاثُ طُرُقٍ حَكَاهَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا أَحَدُهَا لَا يُجْزِئُ مَسْحُ أَسْفَلِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْعَبَّاسِ ابن سُرَيْجٍ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وابن الصباغ قال ابن سريج لا يجزى ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يُجْزِئُ قَوْلًا واحد وهو قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَزَعَمَ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَغَلِطَ الْمُزَنِيّ فِي نَقْلِهِ ذَلِكَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ
الْمُزَنِيّ وَغَلِطَ فِي اسْتِنْبَاطِهِ وَتَأَوَّلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ نَصَّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَاطِنِ دَاخِلَ الْخُفِّ وَهُوَ مَا يَمَسُّ بَشَرَةَ الرِّجْلِ: وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ فِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ ابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَالصَّوَابُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ نَقْلًا وَدَلِيلًا: أَمَّا النَّقْلُ فَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْكُتُبِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ خلافا واما دعوي ابي اسحق أَنَّ الْمُزَنِيَّ غَلِطَ فَغَلَّطَهُ أَصْحَابُنَا فِيهَا قَالُوا وَالْمُزَنِيُّ لَمْ يَسْتَنْبِطْ مَا نَقَلَهُ بَلْ نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ سَمَاعًا وَحِفْظًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ حِفْظِي عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ان مسح الباطن وترك الظاهر لا يجوز ثُمَّ إنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ بَلْ وَافَقَهُ الْبُوَيْطِيُّ وَابْنُ أَبِي الْجَارُودِ وَنَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا الدَّلِيلُ فَلِأَنَّهُ ثَبَتَ الاقتصار علي الاعلي عن البنى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَثْبُتْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَسْفَلِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الرُّخَصِ الِاتِّبَاعُ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُ مَا ثَبَتَ التَّوْقِيفُ فِيهِ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ كَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ قَالَ الشَّيْخُ أبوا مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمَا مَعْنَى كَلَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَكَانَ مَسْحُ الْأَسْفَلِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ يُلَاقِي النَّجَاسَاتِ وَالْأَقْذَارَ لَكِنَّ الرَّأْيَ مَتْرُوكٌ بِالنَّصِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يُرَى غَالِبًا فَلَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ كَالْبَاطِنِ الَّذِي يَلِي بَشَرَةَ الرِّجْلِ قَالُوا وَأَمَّا مَسْحُهُ مع الاعلي استحبابا فعلى طريق التبع للا على لِاتِّصَالِهِ بِهِ بِخِلَافِ الْبَاطِنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِهِ خَارِقٌ(1/519)
لِلْإِجْمَاعِ فَكَانَ بَاطِلًا وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يجزى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَسْفَلِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا خالف أبو إسحق إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ قَبْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ مَسَحَ فَوْقَ كَعْبِهِ مِنْ الْخُفِّ أَوْ مَسَحَ بَاطِنَهُ الَّذِي يَلِي بَشَرَةَ الرِّجْلِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ حَرْفِ الْخُفِّ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ كَأَسْفَلِهِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ عَقِبِهِ فَفِيهِ طُرُقٌ
إحْدَاهَا أَنَّهُ كَأَسْفَلِهِ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَالثَّانِي إنْ قُلْنَا يُجْزِئُ الْأَسْفَلُ فَالْعَقِبُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ لِأَنَّ الْعَقِبَ أَقْرَبُ إلَى الْأَعْلَى ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَالثَّالِثُ إنْ قُلْنَا لَا يُجْزِئُ الْأَسْفَلُ فَالْعَقِبُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ: وَالرَّابِعُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنْ قُلْنَا مَسْحُ الْعَقِبِ سُنَّةٌ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أحدهما لا يجزئ كالسباق والثاني يجرئ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ: وَالْخَامِسُ قَالَ الشَّاشِيُّ إنْ قُلْنَا مَسْحُهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ لَمْ يُجْزِئْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَأَسْفَلِهِ: وَالسَّادِسُ الْجَزْمُ بِإِجْزَائِهِ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ بِالْيَدِ وَبِأُصْبُعٍ وَبِخَشَبَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْمَسْحِ بِخِلَافِ الرَّأْسِ لِأَنَّ الْمَسْحَ هُنَا بَدَلٌ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بَلْ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ التَّكْرَارَ مَكْرُوهٌ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ يُسَنُّ التَّكْرَارُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا هُوَ المعتمد ولم يثبت في التكرار شئ فَلَا يُصَار إلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ غَسَلَ الْخُفَّ بَدَلَ مَسْحِهِ فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ جَوَازُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ كَمَا سَبَقَ فِي الرَّأْسِ فَعَلَى الصَّحِيحِ هُوَ مَكْرُوهٌ وَتَقَدَّمَ فِي كَرَاهَةِ غَسْلِ الرَّأْسِ وَجْهَانِ وَسَبَقَ بَيَانُ الْفَرْقِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ غَسَلَ الْخُفَّ بَدَلَ مَسْحِهِ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمِرَّهَا عَلَيْهِ أَوْ قَطَّرَ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسِلْ أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَعِنْدَ الْقَفَّالِ لَا يُجْزِئُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الرَّأْسِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيمَا إذَا غَسَلَ الْخُفَّ أَوْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ ونوى انه يجرئه (1) عن الحسن بن صالح وأصحاب
__________
(1) قال في البيان فان اصاب الخف بلل المطر أو نضح عليه الماء قال الشيخ أبو نصر ليس للشافعي فيه نص والذي يجرى على مذهبه انه لا يجزيه على المسح قال أبو نصر لان ما فرضه المسح لا يجري منه الغسل كمسح الرأس قال صاحب البيان وعندي انها على وجهيني كغسل الرأس اه اذرعي(1/520)
الرأي وسفيان الثوري واسحق وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يُجْزِئُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
(فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَصْدُ اسْتِيعَابِ الْخُفِّ لَيْسَ بِسُنَّةٍ بَلْ السُّنَّةُ مَسْحُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْ مَسْحِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ وَأَطْلَقَ جُمْهُورُ الاصحاب استحباب استيعاب الخف المسح (1) مِمَّنْ أَطْلَقَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبُلْغَةِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ نَجِسًا بِنَجَاسَةٍ يُعْفَى عَنْهَا لَا يَمْسَحُ عَلَى (2) أَسْفَلِهِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى مَسْحِ أَعْلَاهُ وَعَقِبِهِ وَمَا لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الرُّويَانِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَهُ زَادَ التَّلْوِيثُ وَلَزِمَهُ حِينَئِذٍ غَسْلُ الْيَدِ وَأَسْفَلِ الْخُفِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ مَسْحِ أَسْفَلِ الْخُفِّ وَفِي الْوَاجِبِ مِنْ أَعْلَاهُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ مَسْحِ أَسْفَلِهِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ أَقَلُّ جُزْءٍ مِنْ أَعْلَاهُ فَأَمَّا اسْتِحْبَابُ الْأَسْفَلِ فَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وابن المبارك واسحق
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْأَسْفَلِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ ظَاهِرَ الْخُفِّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْفَرْضِ فَلَا يُسَنُّ كَالسَّاقِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى أَسْفَلِهِ نَجَاسَةٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَلِأَنَّهُ بَارِزٌ مِنْ الْخُفِّ يُحَاذِي مَحَلَّ الْفَرْضِ فَسُنَّ مَسْحُهُ كَأَعْلَاهُ وَلِأَنَّهُ مَسَحَ عَلَى حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ فَتَعَلَّقَ بِكُلِّ مَا يُحَاذِي مَحَلَّ الْفَرْضِ كَالْجَبِيرَةِ وَلِأَنَّهُ مَمْسُوحٌ فَسُنَّ اسْتِيعَابُهُ كَالرَّأْسِ وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ فَاسْتَوَى أَسْفَلُ الْقَدَمِ وَأَعْلَاهُ كَالْوُضُوءِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ الاقتصار عى أَقَلِّ مَا يُجْزِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَسْفَلِهِ ولكني رأيت رسول الله
__________
(1) قال في الروضة وليس استيعاب جميعه سنة على اصح الوجهين اه من هامش الاذرعي (2) الذي ذكره الامام والغزالي وغيرهما استثناء النجاسة من غير تقييد وحمل الرافعى ذلك علي انه تفريع علي القول القديم إذا أصاب اسفل الخف نجاسة ودلكها بالارض وكذا صور المسألة صاحب البحر وتخصيصه الاسفل بالذكر يدل علي ذلك وعلى مساق كلام المصنف لو كان على اسفل الخف نجاسة معفو عنها لا يستوعب مسح الاعلى أيضا اه أذرعي(1/521)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَصَرَ عَلَى أَعْلَاهُ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى أَسْفَلِهِ فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِيعَابِ وَهَذَا كَمَا صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ نَفْيُ اسْتِحْبَابِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ الِاسْتِيعَابَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى السَّاقِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَاذٍ لِلْفَرْضِ فَلَمْ يُسَنَّ مَسْحُهُ كَالذُّؤَابَةِ النازلة عن الرَّأْسِ بِخِلَافِ أَسْفَلِهِ فَإِنَّهُ مُحَاذٍ مَحَلَّ الْفَرْضِ فَهُوَ كَشَعْرِ الرَّأْسِ الَّذِي لَمْ يَنْزِلْ عَنْ محل الفرض: الثاني أن هذا منتفض بِمَسْحِ الْعِمَامَةِ (1) مَعَ النَّاصِيَةِ وَبِمَسْحِ الْأُذُنِ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ قَدْ يَكُونُ عَلَى أَسْفَلِهِ نَجَاسَةٌ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ نَجَاسَةٌ لَمْ يَمْسَحْ أَسْفَلَهُ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلِّ جُزْءٍ مِنْ أَعْلَاهُ فَوَافَقَنَا عَلَيْهِ الثوري وأبو ثور وداود: وقال بو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجِبُ مَسْحُ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ: وَقَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجِبُ مَسْحُ أَكْثَرِ ظَاهِرِهِ وَعَنْ مَالِكٍ مَسْحُ جَمِيعِهِ إلَّا مَوَاضِعَ الْغُضُونِ
* وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَقَلُّ الْأَصَابِعِ ثَلَاثٌ وَلِأَنَّهُ مَسَحَ فِي الطَّهَارَةِ لم يكف فِيهِ مُطْلَقُ الِاسْمِ كَمَا لَوْ بَلَّ شَعْرَةً وَوَضَعَهَا عَلَى الْخُفِّ وَلِأَنَّ مَنْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ لَا يُسَمَّى مَاسِحًا وَلِأَنَّ الْمَسْحَ وَرَدَ مُطْلَقًا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ مَسَحَ فِي طَهَارَةٍ فَلَمْ يَكْفِ مُطْلَقُ الِاسْمِ كَمَسْحِ وَجْهِ الْمُتَيَمِّمِ
* وَاحْتَجَّ أصحابنا بان لامس وَرَدَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تقدير واجبه شئ فتين الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَإِنْ قَالُوا لَمْ يُنْقَلْ الِاقْتِصَارُ عَلَى مُطْلَقِ الِاسْمِ قُلْنَا لَا يَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَى نَقْلٍ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ إطْلَاقِ إبَاحَةِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَإِنْ قَالُوا لَا يُسَمَّى ذَلِكَ مَسْحًا قُلْنَا هَذَا خِلَافُ اللُّغَةِ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِ الِاسْمِ عِنْدَهُمْ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ دَلَائِلهمْ فَكُلُّهَا تحكم لا أصل لشئ مِنْهَا: وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالثَّانِي لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ: الثَّالِثُ أَنَّهُ قَالَ مَسَحَ بِأَصَابِعِهِ وَلَا يَقُولُونَ بِظَاهِرِهِ فَإِنْ تَأَوَّلُوهُ فَلَيْسَ تَأْوِيلُهُمْ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِنَا وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَإِنَّ قَوْلَ التَّابِعِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا لَا يَكُونُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ هَذَا هُوَ الصحيح المشهور
*
__________
(1) مسح العمامد لايرد على احمد فانه يجوز الاقتصار عليها اه اذرعي(1/522)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَالثَّانِي لَوْ كَانَ حُجَّةً لَحُمِلَ عَلَى النَّدْبِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَوْ مَسَحَ بِشَعْرَةٍ فَجَوَابُهُ إنْ سُمِّيَ ذَلِكَ مَسْحًا قُلْنَا بِجَوَازِهِ وَإِلَّا فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا وَقَوْلُهُمْ لَا يسمى المسح بالاصبع مسحالا نُسَلِّمُهُ وَقَوْلُهُمْ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ التَّقْدِيرُ الَّذِي قَالُوهُ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى التَّيَمُّمِ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُ ذَا بِذَاكَ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى الِاسْتِيعَابِ هُنَاكَ دُونَ هُنَا فَتَعَيَّنَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال المصنف رحمه الله
* (إذا مسح علي الخف ثم خلعه أو انقضت مدة المسح وهو على طهارة المسح قَالَ فِي الْجَدِيدِ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ وَقَالَ فِي القديم يستأنف الوضوء واختلف اصحابنا في القولين فقال أبو اسحق هي مبنية علي القولين في تفريق الوضوء فان قلنا يجوز التفريق كفاه غسل القدمين وان قلنا لا يجوز لزمه استئناف الْوُضُوءِ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا الْقَوْلَانِ أَصْلٌ فِي نفسه أحدهما يكفيه غسل القدمين لان
المسح قائم مقام غسل القدمين فإذا بطل المسح عاد الي ما قام المسح مقامه كالمتيمم إذا رأى الماء والثاني يلزمه استئناف الوضوء لان ما ابطل بعض الوضوء ابطل جميعه كالحدث) (الشرح) قوله قال أبو اسحق هِيَ مَبْنِيَّةٌ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ أَيْ الْمَسْأَلَةُ وَلِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نُصُوصٌ مُخْتَلِفَةٌ: قَالَ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ مَسْحِهِمَا غَسَلَ قَدَمَيْهِ قَالَ وَفِي الْقَدِيمِ وَكِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَتَوَضَّأُ هَذَا نَقْلُ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ مَنْ مَسَحَ خُفَّيْهِ ثُمَّ نَزَعَهُمَا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ الْوُضُوءَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةِ الْمَسْحِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ غَسَلَهُمَا بِقُرْبِ نَزْعِهِ أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ ينتقض وُضُوءُهُ هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ إذَا أَخْرَجَ إحْدَى قَدَمَيْهِ أَوْ هُمَا مِنْ الْخُفِّ بَعْدَ مَسْحِهِ فَقَدْ انْتَقَضَ الْمَسْحُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أَيْضًا فِي بَابِ وَقْتِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَوْ مَسَحَ فِي السَّفَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ أَوْ قَدِمَ بَلَدَهُ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَاسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ لَا يُجْزِيه غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْمُسَافِرُ قَدْ اسْتَكْمَلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ فَنَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ إكْمَالِ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وُضُوءًا ثُمَّ يصلى تلك الصلاة
* ثم قال بعده با سطر وَإِذَا شَكَّ الْمُقِيمُ هَلْ اسْتَكْمَلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَمْ لَا نَزَعَ خُفَّيْهِ وَاسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي ليلى رضى الله عنهما من كتب الْأُمِّ أَيْضًا إذَا صَلَّى وَقَدْ مَسَحَ(1/523)
خُفَّيْهِ ثُمَّ نَزَعَهُمَا أَحْبَبْتُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الْوُضُوءَ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ جَازَ فَهَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ نَقَلْتُهَا وَنَقَلَ الْأَصْحَابُ وَالْمُزَنِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ يَكْفِيه غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَخَالَفَهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ فَنَقَلَا وُجُوبَ الِاسْتِئْنَافِ عَنْ الْقَدِيمِ وَالْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَحَرْمَلَةَ وَنَقَلَا جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَكِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى هَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ وَالثَّانِي يَكْفِي غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَصْلِهِمَا عَلَى سِتِّ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنَّ أَصْلَهُمَا تَفْرِيقُ الْوُضُوءِ إنْ جَوَّزْنَاهُ كَفَى غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَإِلَّا وَجَبَ
الِاسْتِئْنَافُ وَهَذَا الطَّرِيقُ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ وأبي اسحق وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وجمهور البغداديين: والطريق الثاني القولان أصل بنفسه غير مبنى على شئ وهذا الطريق نقله المصنف وغيره عن الْجُمْهُورِ: وَالثَّالِثُ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ طَهَارَةَ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ إذَا اُنْتُقِضَتْ هَلْ يَنْتَقِضُ الْبَاقِي إنْ قُلْنَا يَنْتَقِضُ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَإِلَّا كَفَى الْقَدَمَانِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ: وَالرَّابِعُ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ إنْ قُلْنَا نَعَمْ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ لِأَنَّ الْحَدَثَ عَادَ إلَى الرِّجْلِ فَيَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَرْفَعُ كَفَى الْقَدَمَانِ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ: وَالْخَامِسُ أَنَّهُمَا مُرَتَّبَانِ وَمَبْنِيَّانِ عَلَى تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ عَلَى غَيْرِ مَا سَبَقَ فَإِنْ جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ كَفَى الْقَدَمَانِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ: وَالسَّادِسُ عَكْسُهُ إنْ مَنَعْنَا التَّفْرِيقَ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ حَكَى هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَاخْتَلَفَ الْمُصَنِّفُونَ فِي أَرْجَحِ هَذِهِ الطُّرُقِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الصَّحِيحُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْبِنَاءُ على تفريق الوضوء: وقال الخراسانيين هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ صَرِيحٌ مِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ شَيْخُهُمْ الْقَفَّالُ وَأَصْحَابُهُ الثَّلَاثَةُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَاحْتَجُّوا فِي تَغْلِيطِهِ بِأَشْيَاءَ: أَحَدُهَا أَنَّ التَّفْرِيقَ لَا يَضُرُّ فِي الْجَدِيدِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَدِيدِ كَمَا سَبَقَ: وَالثَّانِي أَنَّ التَّفْرِيقَ بِعُذْرٍ لَا يَضُرُّ وَانْقِضَاءُ الْمُدَّةِ عُذْرٌ
* الثَّالِثُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ الْخُفَّ ثُمَّ خَلَعَهُ قَبْلَ جَفَافِ(1/524)
الْأَعْضَاءِ جَرَى الْقَوْلَانِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّفْرِيقِ لَا يَضُرُّ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ: وَفَرَّقَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ بَيْنَ التَّفْرِيقِ هُنَا وهناك بان ما سح الْخُفِّ إذَا نَزَعَهُ بَطَلَتْ طَهَارَةُ الْقَدَمَيْنِ وَالطَّهَارَةُ إذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَتْ كُلُّهَا فَلِهَذَا جَرَى الْقَوْلَانِ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ: وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ الوضوء تفريقا يسيرا فلم يبطل شئ مِمَّا فَعَلَ فَلِهَذَا جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ
بِلَا خِلَافٍ وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا نَصَّ فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ الْجَدِيدِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِئْنَافِ لَا عَلَى وُجُوبِهِ وَهَذَا الْجَوَابُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الِاسْتِئْنَافَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ كَالْأُمِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ: وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِعُذْرٍ لَا يَضُرُّ فَلَا يُسَلِّمُهُ الْعِرَاقِيُّونَ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ: وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ نَزَعَ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يُسَلِّمُهُ صَاحِبُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَسَائِرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْمَحَامِلِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَصَحُّ الطُّرُقِ الْبِنَاءُ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ (1) وَضَعَّفَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُهُ الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْبِنَاءَ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَقَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَاخْتَارَ الدَّارِمِيُّ الطَّرِيقَ السَّادِسَ فَهَذِهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي أَرْجَحِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ (2) وا ما أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ وُجُوبَ الِاسْتِئْنَافِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابِهِ وَسُلَيْمٌ الرازي في كتابه رؤس الْمَسَائِلِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابَيْهِ الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ كَالْمُقْنِعِ لِلْمَحَامِلِيِّ وَالْكِفَايَةِ لَسُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَالْكَافِي لِلشَّيْخِ نَصْرٍ وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الِاكْتِفَاءَ بِالْقَدَمَيْنِ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّاشِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِقْنَاعِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ فَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِ لِيَخْرُج مِنْ الْخِلَافِ
* ثُمَّ إذَا قُلْنَا يَكْفِيه غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ فَغَسَلَهُمَا عَقِبَ النَّزْعِ أَجْزَأَهُ فان أخر غلسهما حَتَّى طَالَ الزَّمَانُ فَفِيهِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وهو واضح ويجئ حِينَئِذٍ الْخِلَافُ فِي التَّفْرِيقِ بِعُذْرٍ هَلْ يُؤَثِّرُ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا خَلَعَ الْخُفَّيْنِ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةِ الْمَسْحِ فَإِنْ كان على طهارة الغسل بأن كان
__________
(1) جزم المحاملي في الباب بان المسح لا يرفع الحدث وكذا الشيخ أبو حامد اه اذرعي (2) قد صحح الشيخ أبو حامد الطريق الاول وهذا يقتضي تصحيح الاكتفاء بالقدمين وصحيح البهيقي في السنن الصغير وجوب الاستئناف واختار الشيخ في آخر الفصل مذهب الحسن وغيره انه لا شئ عليه لا غسل القدمين ولا غيره واختاره ابن المنذر وهو قوى لان طهارته صحيحة فلا تبطل الا بالحدث كالوضوء اه اذرعي(1/525)
غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ فَطَهَارَتُهُ كَامِلَةٌ وَلَا يلزمه شي بِلَا خِلَافٍ بَلْ يُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ مَا أَرَادَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يَسْتَأْنِفُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَدِيدِ الِاسْتِئْنَافُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ وَقَوْلُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو إسحق هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا الْقَوْلَانِ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ هَذَا مِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ قَوْلَهُ سَائِرُ أَصْحَابِنَا معناه بالقيهم غير أبي اسحق فهو تصريح بان أبا اسحق انْفَرَدَ وَاتَّفَقَ الْبَاقُونَ عَلَى خِلَافِهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِ أَبِي اسحق ابن سريج وأبو علي بن أبي هريرة وَالْبَغْدَادِيُّونَ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَا يُعْذَرُ الْمُصَنِّفُ فِي مِثْلِ هَذَا لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ مَوْجُودٌ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَهُوَ كَثِيرُ النَّقْلِ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا ظَهَرَتْ الرجل انقضت الْمُدَّةُ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا سَبَقَ فِي نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالُوا ولا يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي لِأَنَّ هَذَا مُقَصِّرٌ بِمُضَايَقَةِ الْمُدَّةِ وَتَرْكِ تَعَهُّدِ الْخُفِّ بِخِلَافِ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ ودليل بطلان صلاته ان طهارته بطلت فِي رِجْلَيْهِ وَوَجَبَ غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْبَاقِي الْقَوْلَانِ
* (فَرْعٌ)
إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ مُدَّةِ الْمَسْحِ قَدْرٌ يَسَعُ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فَافْتَتَحَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فَهَلْ يَصِحُّ الِافْتِتَاحُ ثُمَّ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَمْ لَا تَصِحُّ أَصْلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَفَائِدَتُهُمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ ثُمَّ فَارَقَهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ هَلْ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ (1) (قُلْت) وَفَائِدَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رَكْعَةٍ وَيُسَلِّمَ إنْ قُلْنَا انْعَقَدَتْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَصَحُّ الِانْعِقَادُ لِأَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ فِي الْحَالِ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ انْعِقَادُ صَلَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ خَلَعَ خُفَّيْهِ أَوْ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةِ الْمَسْحِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِي مَذْهَبِنَا قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا يَكْفِيه غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَالثَّانِي يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَلِلْعُلَمَاءِ
أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا يَكْفِيه غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ أبي ليلى والاوزاعي
__________
(1) الخلاف في صحة الاقتداء هو في العالم بحاله اما الجاهل فيصح اقتداؤه كما لو اقتدى بمحدث وقد قيده بالعالم في الروضة ولعله تركه هنا لان قوله ثم فارقه يشعر بان كلامه في العالم اه اذرعي(1/526)
والحسن بن صالح واسحق وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الثَّالِثُ إنْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ عَقِبَ النَّزْعِ كَفَاهُ وَإِنْ أَخَّرَ حَتَّى طَالَ الْفَصْلُ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ: الرَّابِعُ لَا شئ عَلَيْهِ لَا غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ وَلَا غَيْرَهُ بَلْ طَهَارَتُهُ صَحِيحَةٌ يُصَلِّي بِهَا مَا لَمْ يُحْدِثْ كَمَا لَوْ لَمْ يَخْلَعْ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ الْأَقْوَى وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد إلَّا أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُ نَزْعُهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِمَا وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ تُعْرَفُ أَدِلَّتُهَا مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَرَى فِي خِلَالِ الشَّرْحِ إلَّا مَذْهَبَ الْحَسَنِ فَاحْتُجَّ لَهُ بِأَنَّ طَهَارَتَهُ صَحِيحَةٌ فَلَا تَبْطُلُ بِلَا حَدَثٍ كَالْوُضُوءِ وَأَمَّا نَزْعُ الْخُفِّ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ صِحَّتِهَا كَمَا لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَلَقَهُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْأَصْلُ غَسْلُ الرِّجْلِ وَالْمَسْحُ بَدَلٌ فَإِذَا زَالَ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَزَعَ أَحَدَ خُفَّيْهِ فَهُوَ كَنَزْعِهِمَا وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُمَا قَالَا يَغْسِلُ الَّتِي نَزَعَ خُفَّهَا وَيَمْسَحُ عَلَى خُفِّ الْأُخْرَى: دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِيهِمَا فَصَارَ ظُهُورُ أَحَدِهِمَا كَظُهُورِهِمَا وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ أَخْرَجَ الرِّجْلَيْنِ مِنْ قَدَمِ الْخُفِّ إلَى السَّاقِ لَمْ يَبْطُلْ الْمَسْحُ عَلَى الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ الرِّجْلُ مِنْ الْخُفِّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ يَبْطُلُ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا الْقَاضِي
أَبِي الطيب لِأَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْمَسْحِ تَتَعَلَّقُ بِاسْتِقْرَارِ الْقَدَمِ فِي الْخُفِّ وَلِهَذَا لَوْ بَدَأَ بِاللُّبْسِ فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الرِّجْلُ قَدَمَ الْخُفِّ ثُمَّ أَقَرَّهَا لم يجز)
* (الشَّرْحُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَدَأَ بِاللُّبْسِ فَأَحْدَثَ قَبْلَ بُلُوغِ الرِّجْلِ قَدَمَ الْخُفِّ لَمْ يَصِحَّ لُبْسُهُ ولا يستبيح المسح ونص أن لا بس الْخُفَّيْنِ لَوْ نَزَعَ الرِّجْلَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مِنْ قَدَمِ الْخُفِّ وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ السَّاقِ ثُمَّ رَدَّهَا لَمْ يَبْطُلْ مَسْحُهُ وَنَصَّ عَلَى هَذِهِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا فِي الْقَدِيمِ هَكَذَا
* فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَالْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا قَدَّمْنَاهُ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي فَصْلِ اللبس عى طَهَارَةٍ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَفِيهَا اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ الْأَصَحُّ أَيْضًا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ مَسْحُهُ وَبِهِ قَطَعَ المحاملى(1/527)
فِي كِتَابَيْهِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ (1) وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسُلَيْمٌ عَنْ شَيْخِهِمَا أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي رؤس المسائل والدارمى في الاستذكار والشاشى وغيرهم فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ يَبْطُلُ مَسْحُهُ وَالْقَدِيمُ لَا يَبْطُلُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ لَا يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ وَسَلَكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طَرِيقَةً لَمْ يَذْكُرْهَا الْجُمْهُورُ فَقَالَ كَانَ شَيْخِي يَنْقُلُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَابِسَ الْخُفِّ لَوْ نَزَعَ رِجْلًا مِنْ مَقَرِّهَا وَأَنْهَاهَا مِنْ مَقَرِّهَا إلَى السَّاقِ فَهُوَ نَازِعٌ وَإِنْ بقي منها شئ فِي مَقَرِّ الْقَدَمِ وَهُوَ مَحَلُّ فَرْض الْغَسْلِ فَلَيْسَ نَازِعًا فَإِذَا رَدَّ الْقَدَمَ فَاللُّبْسُ مُسْتَدَامٌ وَلَا يَضُرُّ مَا جَرَى: قَالَ الْإِمَامُ وَلَمْ أَرَ فِي الطُّرُقِ مَا يُخَالِفُ هَذَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَرِيبٌ: وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا بِفَرْقَيْنِ أَحَدُهُمَا فَرْقُ جَمْعٍ وَهُوَ أَنَّا عَمِلْنَا بِالْأَصْلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاسْتَدَمْنَا مَا كَانَتْ الرِّجْلُ عَلَيْهِ قَالُوا وَنَظِيرُهُ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِانْفِصَالِ جَمِيعِهِ دُخُولًا أَوْ خُرُوجًا الثَّانِي أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ كَمَا تَقُولُ الْإِحْرَامُ وَالْعِدَّةُ يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ دُونَ دَوَامِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ زَلْزَلَ الرِّجْلَ فِي الْخُفِّ وَلَمْ يُخْرِجْهَا عَنْ الْقَدَمِ لَمْ يَبْطُلْ مَسْحُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ أعلا الخف شئ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ
بَطَلَ الْمَسْحُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ كَانَ الْخُفُّ طَوِيلًا خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ فَأَخْرَجَ رِجْلَهُ إلَى مَوْضِعٍ لو كان الخف معتادا لبان شئ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ بَطَلَ مَسْحُهُ يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَصْحَابُنَا إبْطَالَ الْمَسْحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حنيفة والثوري واحمد واسحق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ لَا يَبْطُلُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ من النجاسة وذكر الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ مَسَحَ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ وَقُلْنَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَزَعَ الْجُرْمُوقَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْجُرْمُوقَ كَالْخُفِّ الْمُنْفَرِدِ فَإِذَا نَزَعَهُ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحُ رأسه وَيَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالثَّانِي لَا يَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ فَعَلَى هَذَا يَكْفِيه الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّ نَزْعَ الْجُرْمُوقِ لَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ الْجُرْمُوقَ مَعَ الْخُفِّ تَحْتَهُ بِمَنْزِلَةِ الظِّهَارَةِ مَعَ البطانة ولو تقلعت الظِّهَارَةُ بَعْدَ الْمَسْحِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي طَهَارَتِهِ: الطريق الثالث ان الجرموق فوق الخف
__________
(1) لكن الشيخ أبو محمد في الفروق انما صور المسألة فيما إذا أخرج بعض قدمه إلى الساق ومقتضاه انه إذا أخرج جميعه إلى الساق بطل مسحه كما نقل عن الامام وذكره المصنف هنا عنه اه من هامش الاذرعي(1/528)
كَالْخُفِّ فَوْقَ اللِّفَافَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا نَزَعَ الْجُرْمُوقَ نَزَعَ الْخُفَّ كَمَا يَنْزِعُ اللِّفَافَةَ وَهَلْ يَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ أَمْ يَقْتَصِرُ عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ فيه قولان) (الشَّرْحُ) هَذِهِ الطَّرِيقَةُ مَشْهُورَةٌ فِي الْمَذْهَبِ لَكِنَّ بعض الاصحاب يسميها طرقا وبعضهم يسميها أو جها وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ ذَكَرَهَا ابْنُ سُرَيْجٍ وَاتَّفَقَ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَلَى نَقْلِهَا عَنْهُ وَنَقَلَهَا عَنْهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا مَعَ شَرْحِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مُوَضَّحًا فِي مَسَائِلِ مَسْحِ الْجُرْمُوقَيْنِ وَأَوْرَدَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ فَقَالَ هَذَا بَاطِلٌ بَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَدِيمِ وَفِي الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الْوُضُوءِ فَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ وُجُوبِ
اسْتِئْنَافِ الطَّهَارَةِ بِنَزْعِ الْخُفَّيْنِ وَلَا يَرْجِعُ عَنْ مَسْحِ الْجُرْمُوقِ فَيَصِحُّ أَنْ يُخَرَّجُ فِيهِ الْقَوْلَانِ قُلْت هَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ يُجَابُ بِجَوَابَيْنِ حَسَنَيْنِ أَجْوَدُهُمَا أَنَّ جَوَازَ مَسْحِ الْجُرْمُوقِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْقَدِيمِ بَلْ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ وَالْإِمْلَاءُ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا تَفْرِيقُ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي (1) أَنَّ ذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ عَلَى الْقَدِيمِ أَيْضًا فِيمَا إذَا نَزَعَ الْجُرْمُوقَ عَقِبَ الْمَسْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ: إحْدَاهَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ مَسْحُ الْخُفِّ لمن لا يحتاج الي شى كَزَمِنٍ وَامْرَأَةٍ تُلَازِمُ بَيْتَهَا وَمُلَازِمٍ لِلرُّكُوبِ وَغَيْرِهِ: (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا سَلِيمُ الرِّجْلَيْنِ لَوْ لَبِسَ خفا في احداها لا يصح مسح وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا رِجْلٌ وَاحِدَةٌ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى خُفِّهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ بَقِيَتْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فِي الرِّجْلِ الْأُخْرَى بَقِيَّةٌ لَمْ يَصِحَّ الْمَسْحُ حَتَّى يَسْتُرَهَا بِمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا جميع فَلَوْ كَانَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلِيلَةً بِحَيْثُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا فَلَبِسَ الْخُفَّ فِي الصَّحِيحَةِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِصِحَّةِ الْمَسْحِ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بِمَنْعِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ عَنْ الرِّجْلِ الْعَلِيلَةِ فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ (الثَّالِثَةُ) مَسْحُ الْخُفِّ هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهَيْنِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ هُمَا قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه ويؤيد كونهما قولين انهم
__________
(1) هذا الثاني صحيح ان لم يسلم جريان القولين في نازع الخفين عقب المسح كما سبق والا فلا يصح إذ يجب الاستئناف على القديم كما سبق على انه لا يتصور جريان القولين في نازع الجرموقين أو الخفين على القديم وان تصور الاقتصاد على القدمين بل ان نزع عقب المسح اقتصر على القدمين وان طالت المدة وجب الاستئناف وهذا مذهب مالك والليث كما سبق اه اذرعي(1/529)
بَنَوْا مَسْأَلَةَ مَنْ نَزَعَ الْخُفَّيْنِ هَلْ يَسْتَأْنِفُ أَمْ يَكْفِيه غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ يرفع الحدت أم لا ولولا انهما قولان لم يصح البناء إذا كَيْفَ يُبْنَى قَوْلَانِ عَلَى وَجْهَيْنِ: ثُمَّ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَخَالَفَهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فَقَالَ فِي التَّحْرِيرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذَا أَنَّهُ طهارة تبطل بظهور الاصل فلم ترفع الحدث كالمتيمم وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ قَائِمٌ مَقَامَ الْغَسْلِ فَلَمْ يَرْفَعْ كَالتَّيَمُّمِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ وَحُجَّةٌ الْأَصَحِّ فِي أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَنَّهُ مَسْحٌ بِالْمَاءِ فَرَفَعَ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرَائِضَ وَلَوْ كَانَ لَا يَرْفَعُ لَمَا جُمِعَ بِهِ فَرَائِضُ كَالتَّيَمُّمِ وَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) إذَا لَبِسَ الْخُفَّ وَهُوَ يُدَافِعُ الْحَدَثَ لَمْ يُكْرَهُ وَبِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبُولَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ بَالَ: وَقَالَ أَحْمَدُ ابن حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكْرَهُ كَمَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَدَلِيلُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ أَنَّ إبَاحَةَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مُطْلَقَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ نَهْيٌ وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ فَإِنَّ مُدَافَعَةَ الْحَدَثِ فِيهَا يُذْهِبُ الْخُشُوعَ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لُبْسُ الْخُفِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ وَأَرْهَقَهُ حَدَثٌ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه لِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرَأْسِهِ دُونَ رِجْلَيْهِ وَوَجَدَ خُفًّا يُمْكِنُهُ لُبْسُهُ وَمَسْحُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِيهِ احْتِمَالَانِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ وَقَدْ عَبَّرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَنْ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ بِالتَّرَدُّدِ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ وَجْهَانِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذكراها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: (الْخَامِسَةُ) أُنْكِرَ عَلَى الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ مَسْحُ الْخُفِّ يُبِيحُ الصَّلَاةَ إلَى إحْدَى غَايَتَيْنِ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَضَرًا وَثَلَاثَةٍ سَفَرًا وَتَرَكَ غَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَهُمَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلُ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ وَنَحْوِهِمَا أَوْ دَمِيَتْ رِجْلُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ غَسْلُهَا فِي الْخُفِّ وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ وعلى المزني أشياء سبق مُفَرَّقَةً فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وله الحمد والمنة
*(1/530)
المجموع شرح المهذب
للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي
المتوفى سنة 676 هـ
الجزء الثاني
دار الفكر(2/1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
*
* (باب الاحداث التى تنقض الوضوء)
* [الاحداث التى تنقض الوضوء خمسة: الخارج من السبيلين والنوم والغلبة علي العقل بغير النوم ولمس النساء ومس الفرج: فأما الخارج من السبيلين فانه ينقض الوضوء لقوله تعالي: (أو جاء أحد منكم من الغائط) : ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وُضُوءَ إلَّا من صوت أو ريح) ] [الشَّرْحُ] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوْ هَذِهِ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ قَالَ وَهِيَ وَاوُ الْحَالِ(2/2)
وأنشد فيه ابياتا قال ولايجوز فِي الْآيَةِ غَيْرُ مَعْنَى الْوَاوِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي مَسْأَلَةِ مُلَامَسَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ تَقْدِيرُهَا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامستم النساء فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا قَالَ وزيد ابن أَسْلَمَ مِنْ الْعَالِمِينَ بِالْقُرْآنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدَّرَ الْآيَةَ تَوْقِيفًا مَعَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْآيَةِ لابد مِنْهُ فَإِنَّ نَظْمَهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرَضَ وَالسَّفَرَ حَدَثَانِ يُوجِبَانِ الْوُضُوءَ وَلَا يَقُولُهُ
أَحَدٌ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَرِيبٍ مِنْ مَعْنَاهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إذا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أخرج منه شئ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) وَثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه قَالَ شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا رَوَاهُ(2/3)
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَى يَجِدَ رِيحًا يَعْلَمُهُ وَيَتَحَقَّقُ خُرُوجَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ يَشُمُّهُ وَالْأَحَادِيثُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الَّذِي ذَكَرَهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْخَارِجُ مِنْ قُبُلِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ أَوْ دُبُرِهِمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ كَانَ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا أَوْ رِيحًا أَوْ دُودًا أَوْ قَيْحًا أَوْ دَمًا أَوْ حَصَاةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْمُعْتَادِ وَلَا فَرْقَ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ بَيْنَ قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَدُبُرِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ قُبُلِ الرَّجُلِ إذَا كَانَ آدَرَ وَهُوَ عَظِيمُ الْخُصْيَيْنِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِنَا وَلَا يستثنى من الخارج الا شئ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَنِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالُوا لِأَنَّ الْخَارِجَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ طَهَارَتَيْنِ وَهَذَا قَدْ أَوْجَبَ الْجَنَابَةَ فَيَكُونُ جُنُبًا لا محدثا قال الرافعى لان الشئ مَهْمَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَثَرَيْنِ بِخُصُوصِهِ لَا يُوجِبُ أوهنهما بعمومه كزني الْمُحْصَنِ يُوجِبُ أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَيَانِ (1) عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَيَكُونُ جُنُبًا مُحْدِثًا وَقَدْ وَافَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (2) الْجُمْهُورَ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَغُسْلٌ أَنَّهُ يَكُونُ جُنُبًا لَا مُحْدِثًا وهناك ذكر الْجُمْهُورِ الْمَسْأَلَةَ: وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ طَاهِرًا كَانَ أَوْ نَجِسًا فَمُرَادُهُ بِالطَّاهِرِ الدُّودُ وَالْحَصَا وَشِبْهُهُمَا مِمَّا هُوَ طَاهِرُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يَنْجَسُ بِالْمُجَاوَرَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَعْمِيمِ الْأَئِمَّةِ الْقَوْلَ فِي أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ يُعَارِضُهُ تَصْرِيحُهُمْ فِي تَصْوِيرِ الْجَنَابَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الْحَدَثِ عَلَى أَنَّ مَنْ
أَنْزَلَ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فَهُوَ جُنُبٌ غَيْرُ مُحْدِثٍ: وَأَمَّا أَدِلَّةُ الِانْتِقَاضِ بِكُلِّ خَارِجٍ مِنْ السَّبِيلَيْنِ غَيْرَ الْمَنِيِّ فَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ: أَمَّا الْغَائِطُ فَبِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ: وَأَمَّا الْبَوْلُ فَبِالسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْغَائِطِ: وَأَمَّا الرِّيحُ فبالاحاديث الصحيحة التي قدمناها وهى عامة تتناول
__________
(1) هذا الذي نقله صاحب البيان وغيره قد صرح به القاضي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ اه من هامش الاذرعى (2) أقول ما قاله القاضي يشهد له ظاهر نصه في الام فانه ذكر جملا مما ينقض الوضوء ثم قال وكل ما خرج من واحد من الفروج ففيه الوضوء وقال قبله فدلت السنة على الوضوء من المذى والبول مع دلالتها على الوضوء من خروج الريح فلم يجز الا ان يكون جميع ما خرج من ذكر أو دبر رجل أو امرأة أو قبل المرأة الذى هو سبيل الحدث يوجب الوضوء اه اذرعي(2/4)
الرِّيحَ مِنْ قُبُلَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَدُبُرِهِمَا: وَأَمَّا المذى والودى والدود وغيرهما مِنْ النَّادِرَاتِ فَسَنَذْكُرُ دَلِيلَهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ خَمْسَةٌ وَهَكَذَا ذَكَرَهَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَبَقِيَ مِنْ النَّوَاقِضِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ انْقِطَاعُ الْحَدَثِ الدَّائِمِ (1) كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَهُ إذَا تَوَضَّأَ حُكِمَ بِصِحَّةِ وُضُوئِهِ فَلَوْ انْقَطَعَ حَدَثُهُ وَشُفِيَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَوَجَبَ وُضُوءٌ جَدِيدٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي باب الحيض ان شاء الله تعالى: وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ نَزْعُ الْخُفِّ وَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ وَاضِحًا وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَإِذَا نَزَعَهُ عَادَ الْحَدَثُ وَهَلْ يَعُودُ إلَى الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا أَمْ إلَى الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ فِيهِ الْقَوْلَانِ: وَالثَّالِثُ الرِّدَّةُ (2) وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّهَا تُبْطِلُ التَّيَمُّمَ دُونَ الْوُضُوءِ: وَالثَّانِي تُبْطِلُهُمَا وَالثَّالِثُ لَا تُبْطِلُ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَكَاهَا الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْخُفِّ وَانْقِطَاعِ الْحَدَثِ الدَّائِمِ مِنْ النَّوَاقِضِ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَذْكُرُوهُمَا هُنَا لِكَوْنِهِمَا مُوَضَّحَتَيْنِ فِي بَابَيْهِمَا: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرِّدَّةِ فَالنَّقْضُ فِي الْوُضُوءِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لَمْ يَعْرُجُوا عَلَيْهِ هُنَا: وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ
بِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ بِالرِّدَّةِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ
* وَاحْتَجَّ لِإِبْطَالِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ عِبَادَةٌ لَا تَصِحُّ مَعَ الرِّدَّةِ ابْتِدَاءً فَلَا تَبْقَى مَعَهَا دَوَامًا كَالصَّلَاةِ إذَا ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهَا وَلِعَدَمِ الْإِبْطَالِ بِأَنَّهَا رِدَّةٌ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِبَادَةِ فَلَمْ تُبْطِلْهَا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بِقُوَّةِ الوضوء
__________
(1) ونقل ابن كج وجهين في ان لمس الميت يوجب الوضوء أم لا ذكرهما من فرع قبل كتاب الحيض من كتابه وفى ايراد انقطاع الحدث الدائم نظن لانه ما ارتفع حدثه وانما هو مسح كالتيمم اه اذرعى (2) قال ابن كج في كتاب التيمم فرع قال الشافعي ولو تيمم ثم ارتد بطل تيممه قال وان توضأ ثم ارتد لم يبطل وضوءه قال ابن كج والجواب
* ان لافصل بينهما متى رجع عن قرب فيها وتأويل مسألة التيمم انه اقام في الردة طويلا فوجب عليه أن يحدث طلبا وتيمما مجددا لان سبيل التيمم ان يكون خلفه صلاة الفريضة ومن اصحابنا من قال بظاهر قول الشافعي وفصل بينهما بان التيمم قد اتخفضت مزيته عن مزية الوضوء الا ترى انه يبطل برؤية الماء ولا يجمع بين فرضين ولا يجوز قبل دخول الوقت اه اذرعى(2/5)
وَضَعْفِ التَّيَمُّمِ وَأَمَّا إذَا اغْتَسَلَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْغُسْلِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ: وَلَوْ ارتد في اثناء وضوءه ثم اسلم فان أتي بشئ مِنْهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ لَمْ يَصِحَّ مَا أَتَى بِهِ فِي الرِّدَّةِ: كَذَا قَطَعَ بِهِ امام الحرمين وغيره ويجيئ فِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ الَّذِي سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَنْ حِكَايَةِ الْمَحَامِلِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ كُلُّ طَهَارَةٍ وَإِنْ لَمْ يأت بشئ فَقَدْ انْقَطَعَتْ النِّيَّةُ فَإِنْ لَمْ تُجَدَّدْ نِيَّةٌ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ وَإِنْ جَدَّدَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَقُلْنَا لَا يَبْطُلُ الْوُضُوءُ بِالرِّدَّةِ انْبَنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْرِيقِ النِّيَّةِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ فَإِنْ قُلْنَا يَضُرُّ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْفَصْلُ قَرِيبًا بَنَى وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمُوَالَاةِ
* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ قَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ أَحْدِ السَّبِيلَيْنِ
يَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِخُرُوجِ الْغَائِطِ مِنْ الدُّبُرِ وَالْبَوْلِ من القبل والريح من الدبر والمذى قال ودم الاستحاضة ينقض في قوله عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا رَبِيعَةَ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الدُّودِ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ فَكَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ(2/6)
وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَالْحَكَمُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ يَرَوْنَ مِنْهُ الْوُضُوءَ وَقَالَ قَتَادَةُ وَمَالِكٌ لَا وُضُوءَ فِيهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا وُضُوءَ فِي الدَّمِ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ النَّادِرَ لَا يَنْقُضُ وَالنَّادِرُ عِنْدَهُ كَالْمَذْيِ يَدُومُ لَا بِشَهْوَةٍ فَإِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَلَيْسَ بَنَادِرِ وَقَالَ دَاوُد لَا يَنْقُضُ النَّادِرُ وَإِنْ دَامَ إلَّا الْمَذْيَ لِلْحَدِيثِ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُ النَّادِرِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَقَوْلُهُ لَا نَنْزِعُ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ وَلِأَنَّهُ نادر فلم ينقض كالقئ وَكَالْمَذْيِ الْخَارِجِ مِنْ سَلَسِ الْمَذْيِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمَذْيِ (يغسل ذكره ويتوضأ وفى رواية فيه الوضوء: وَفِي رِوَايَةٍ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا (فِي الْوَدْيِ الْوُضُوءُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ فَنَقَضَ كَالرِّيحِ وَالْغَائِطِ وَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْوُضُوءُ بِالْمُعْتَادِ الَّذِي تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَغَيْرُهُ أَوْلَى: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَصْرَ نَاقِضِ الْوُضُوءِ فِي الصَّوْتِ وَالرِّيحِ بَلْ الْمُرَادُ نَفْيُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ فَبَيَّنَ فِيهِ جَوَازَ الْمَسْحِ وَبَعْضَ مَا يُمْسَحُ بِسَبَبِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ بَيَانَ جَمِيعِ النَّوَاقِضِ وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَوْفِهَا أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَذْكُرْ الرِّيحَ وَزَوَالَ الْعَقْلِ وَهُمَا مِمَّا ينقض بالاجماع: وأما القئ فَلِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ فَلَمْ يَنْقُضْ كَالدَّمْعِ: وأما سلس المذى فللضررة وَلِهَذَا نَقُولُ هُوَ مُحْدِثٌ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ وَلَا يَتَوَضَّأُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَهَذَا مَا نَعْتَمِدُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ دَلِيلًا وَجَوَابًا وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا (الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ) فَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
قَالَ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَثْبُتُ وَاَللَّهُ أعلم
*(2/7)
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ خُرُوجَ الرِّيحِ مِنْ قُبُلَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَبِهِ قَالَ احمد ومحمد ابن الحسن وقال أبو حنيفة لا ينقض قال المصنف رحمه الله
* [فان انْسَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ وَانْفَتَحَ دُونَ الْمَعِدَةِ مَخْرَجٌ انتقض الوضوء بالخارج منه لانه لابد للانسان من مخرج يخرج منه البول والغائط فإذا انسد المعتاد صار هذا هو المخرج فانتقض الوضوء بالخارج منه وان انفتح فوق المعدة فقيه قولان أحدهما ينتقض الوضوء بالخارج منه لما ذكرناه وقال في حرملة لا ينتقض لانه في معنى القئ وان لم ينسد المعتاد وانفتح فوق المعدة لم ينتقض الوضوء بالخارج منه وان كان دون المعدة ففيه وجهان أحدهما لا ينتقض الوضوء بالخارج منه لان ذلك كالجائفة فلا ينتقض الوضوء بما يخرج منه: والثاني ينتقض لانه مخرج منه الغائط فهو كالمعتاد] [الشَّرْحُ] الْمَعِدَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِمَا تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَبِمَا فَوْقَ الْمَعِدَةِ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَلَوْ انْفَتَحَ فِي نَفْسِ السُّرَّةِ أَوْ فِي مُحَاذَاتِهَا فَلَهُ حُكْمُ مَا فَوْقَهَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (1) وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَرْبَعَ صُوَرٍ إحْدَاهَا يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ مَخْرَجٌ تَحْتَ الْمَعِدَةِ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالْخَارِجِ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فحكي عن ابي على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْسَدَّ (2) قَالَ وَأَنْكَرَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَنَسَبُوهُ إلَى الْغَفْلَةِ فِيهِ: الثَّانِيَةُ يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَنْتَقِضُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ بِالِانْتِقَاضِ وَهُوَ ضَعِيفٌ: الثَّالِثَةُ لَا يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ فَفِي الِانْتِقَاضِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ مِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يَنْقُضُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ (3) : الرَّابِعَةُ لَا يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ قَوْلًا وَاحِدًا مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ
وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وقال الشيخ أبو حامد والبندنيحي وَالْمَحَامِلِيُّ إنْ قُلْنَا فِيمَا إذَا انْسَدَّ الْأَصْلِيُّ وَانْفَتَحَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ لَا يُنْقَضُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَادَّعَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ وَأَنَّ صَاحِبَ الْمُهَذَّبِ خَالَفَهُمْ وَلَيْسَ كما قال والله أعلم
*
__________
(1) قلت قال بن يونس في شرحه للتعجيز هنا المعدة بين الصدر والسرة وقال صاحب الذخائر فان قيل ما حد المعدة حتى نتبين فوقها ودونها قلنا حد المعدة من السرة إلى ثغرة الصدر فما كان دون السرة فهو دون المعدة وما كان فوق ثغرة الصدر فهو فوق المعدة انتهى لفظه ونقله هذا عن الامام لم اره في النهاية في هذا الموضع صريحا وانما تكلم على المنفتح تحت المعدة وفوقها وفيها ولم يصرح بمحلها انه محاذى للسرة ولا لغيره فالله اعلم ما في الاذرعى (2) قلت وافقه على ذلك أبو الفضل ابن عبدان كذا نقله الرافعى في شرحه الصغير اه اذرعى (3) وقال الرويانى في البحر المذهب المشهور انه لا ينتقض ومن اصحابنا من قال فيه قولان مخرجان انتهى وقطع المحاملى في المقنع بانه ينقض فصار في المسألة ثلاثة طرق اه من هامش الاذرعي(2/8)
(فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إحْدَاهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذِهِ الْمَسَائِلُ وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَخْرَجِ الْمُنْفَتِحِ هِيَ إذَا كَانَ انْسِدَادُ الْمَخْرَجِ عَارِضًا لِعِلَّةٍ قَالَ وَحِينَئِذٍ حُكْمُ السَّبِيلَيْنِ جَارٍ عَلَيْهِمَا فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِمَا وَوُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِمَا فَأَمَّا إذَا كَانَ انْسِدَادُ الْأَصْلِيِّ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَسَبِيلُ الْحَدَثِ هو المنفتح وَالْخَارِجُ مِنْهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ أَوْ فَوْقَهَا وَالْمُنْسَدُّ كَالْعُضْوِ الزَّائِدِ مِنْ الْخُنْثَى لَا وُضُوءَ بِمَسِّهِ وَلَا غُسْلَ بِإِيلَاجِهِ وايلاج فِيهِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّانِيَةُ) لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُنْفَتِحِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْقُبُلِ وَالدُّبُرِ (الثَّالِثَةُ) حَيْثُ حَكَمْنَا فِي مَسَائِلِ الْمُنْفَتِحِ بِالِانْتِقَاضِ بِالْخَارِجِ فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا انْتَقَضَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا كَدَمٍ أَوْ قَيْحٍ أَوْ حَصَاةٍ
وَنَحْوِهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ أَصَحُّهُمَا الِانْتِقَاضُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَالْأَصْلِيِّ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا فِي الْأَصْلِيِّ بَيْنَ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ وَخَالَفَ الْبَغَوِيّ الْجَمَاعَةَ فَقَالَ الْأَصَحُّ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَالْأَصْلِيِّ لِلضَّرُورَةِ لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَخْرَجٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمُعْتَادُ فَإِذَا خَرَجَ غَيْرُ الْمُعْتَادِ عُدْنَا إلَى الْأَصْلِ وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ الرِّيحُ انْتَقَضَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَطَرَدَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ (الرَّابِعَةُ) إذَا نَقَضْنَا بِالْخَارِجِ هَلْ يَكْفِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ فِيهِ بِالْحَجَرِ أَمْ يتعين الماء فيه ثلاثة أوجه (1) أصحهما يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ يَتَعَيَّنُ فِي الْخَارِجِ النَّادِرِ دُونَ الْمُعْتَادِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْقُضُ تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِإِزَالَةِ هَذِهِ النَّجَاسَةِ بِلَا خِلَافٍ: (الْخَامِسَةُ) حَيْثُ قُلْنَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ هَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ وَالْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْجٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى بُعْدِهِ لَا يَتَعَدَّى أَحْكَامَ الْحَدَثِ فلا يثبت بالايلاج فيه شئ من احكام الوطئ سِوَى الْغُسْلِ عَلَى وَجْهٍ وَهَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مَعَ الْإِمَامِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وذكر صاحب البيان ان الوجهين
__________
(1) قال في الروضة فيه ثلاثة اقوال وقبل اه اذرعى اوجهه(2/9)
يَجْرِيَانِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وَحُصُولِ التَّحْلِيلِ بِهِ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَطَرَدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْوَجْهَيْنِ فِي المهر وسائر احكام الوطئ (قُلْتُ) وَكُلُّ هَذَا شَاذٌّ فَاسِدٌ: (السَّادِسَةُ) إذَا كَانَ فَوْقَ سُرَّةِ الرَّجُلِ وَنَقَضْنَا بِهِ فَفِي وُجُوبِ سَتْرِهِ وَحِلِّ النَّظَرِ إلَيْهِ لِلرِّجَالِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ السَّتْرُ وَيَحِلُّ النَّظَرُ لِأَنَّهُ ليس في محل العورة قال الرَّافِعِيُّ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ لَوْ حَاذَى السُّرَّةَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهَا لَيْسَتْ عَوْرَةً (السَّابِعَةُ) إذَا نَقَضْنَا بِخُرُوجِ الرِّيحِ مِنْهُ فَنَامَ مُلْصِقًا لَهُ بِالْأَرْضِ فَفِي انْتِقَاضِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ أَصَحُّهُمَا لَا يَنْتَقِضُ
* (فَرْعٌ)
الْخُنْثَى الَّذِي زَالَ اشكله إذا خرج من فرجه الزائد شئ فَلَهُ حُكْمُ الْمُنْفَتِحِ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ: وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا بَالَ مِنْ أَحَدِ قُبُلَيْهِ (1) فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ كَالْمُنْفَتِحِ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ (2) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَائِدٌ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي
وَالْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَقَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ بِالِانْتِقَاضِ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (3) وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ لَمْسِ الْخُنْثَى فَرْجَهُ وَإِذَا بَالَ مِنْهُمَا تَوَضَّأَ قَطْعًا
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ذكران فخرج من احدهما شئ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ: ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: (فَرْعٌ)
إذَا خَرَجَ دَمٌ مِنْ الْبَاسُورِ إنْ كَانَ دَاخِلَ الدُّبُرِ نَقَضَ الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ الْبَاسُورُ خَارِجَ الدُّبُرِ لَمْ يَنْقُضْ هَكَذَا ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ (4)
* (فَرْعٌ لَوْ أَخْرَجَتْ دُودَةٌ رَأْسَهَا مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ثُمَّ رَجَعَتْ قَبْلَ انْفِصَالِهَا فَفِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَصَحُّهُمَا يَنْتَقِضُ لِلْخُرُوجِ وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ الِانْفِصَالِ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وان ادخل في احليله مسبارا وأخرجه أو زرق فيه شيئا وخرج منه انتقض وضوءه]
__________
(1) لفظ الامام في النهاية فرع خروج الخارج من احد سبيلى الخنثي المشكل بمثابة خروج نجاسة من سبيل ينفتح اسفل من المعدة وقد مضى (2) قال في البيان ومن عادته ان يبول منهما في بعض الحالات انتهى والعجب من المصنف اهمال هذا مع انه من تمام تصوير المسألة مع وقوفه على كلام البيان فيه وهو متعين في التصوير لابد منه بلا شك (3) وقال لعله بناه على الاصح عنده يعني ان الخارج من منفتح تحت المعدة مع انفتاح الاصلى ينقض اه اذرعى (4) ونقله ابن كج عن النص اه(2/10)
[الشَّرْحُ] الْإِحْلِيلُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ هُوَ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْمِسْبَارُ بِكَسْرِ الْمِيم وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ السِّينِ وَهُوَ مَا يُسْبَرُ بِهِ الْجُرْحُ مِنْ حَدِيدَةٍ أَوْ مَيْلٍ أَوْ فَتِيلَةٍ أَوْ نَحْوِهِ أَيْ يُعْرَفُ بِهِ غَوْرُ الْجُرْحِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا السِّبَارُ بِكَسْرِ السِّينِ وَحَذْفِ الْمِيمِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُقَالُ سَبَرْتُ الْجُرْحَ أَسْبُرُهُ سَبْرًا كَقَتَلْتُهُ أَقْتُلُهُ قَتْلًا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ
فِي قُبُلِهِمَا أَوْ دُبُرِهِمَا شَيْئًا مِنْ عُودٍ أَوْ مِسْبَارٍ أَوْ خَيْطٍ أَوْ فَتِيلَةٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَ انتقض الوضوء سواء اختلط به غيره أَمْ لَا: وَسَوَاءٌ انْفَصَلَ كُلُّهُ أَوْ قِطْعَةٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْإِدْخَالِ فَلَا يَنْقُضُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ غَيَّبَ بَعْضَ الْمِسْبَارِ فَلَهُ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ وَلَوْ صَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لَا بِسَبَبِ الْوُضُوءِ بَلْ لِأَنَّ الطَّرَفَ الدَّاخِلَ تَنَجَّسَ وَالظَّاهِرُ لَهُ حُكْمُ ثَوْبِ الْمُصَلِّي فَيَكُونُ حَامِلًا لِمُتَّصِلٍ بِالنَّجَاسَةِ فَلَوْ غَيَّبَ الْجَمِيعَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَآخَرُونَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ لَوْ لَفَّ عَلَى أُصْبُعِهِ خِرْقَةً وَأَدْخَلَهَا فِي دُبُرِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَحَصَلَ وَجْهَانِ وَحَاصِلُهُمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ الدَّاخِلَةَ هَلْ لَهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَيَتَنَجَّسُ الْمُتَّصِلُ بِهَا الَّذِي لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ أَمْ لَا: وَالْأَشْهَرُ أَنَّ لَهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَيَنْجَسُ الْمُتَّصِلُ بِهَا وَفِي الْفَتَاوَى الْمَنْقُولَةِ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هُنَا وَالْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا فَرْعًا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ خَيْطًا فِي لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا وَبَعْضُ الخيط خارج مِنْ فَمِهِ وَبَعْضُهُ دَاخِلٌ فِي جَوْفِهِ فَإِنْ نَزَعَ الْخَيْطَ غَيْرُهُ فِي نَوْمِهِ أَوْ مُكْرِهًا لَهُ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ بَقِيَ الْخَيْطُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِاتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ وَيَصِحُّ صَوْمُهُ: وَإِنْ نَزَعَهُ أَوْ ابْتَلَعَهُ بَطَلَ صَوْمُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يَغْسِلَ فَمَهُ إنْ نَزَعَهُ: وَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مُرَاعَاةُ صِحَّةِ الصَّوْمِ (1) أَوْلَى لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ دَخَلَ فِيهَا فَلَا يُبْطِلُهَا قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْقَضَاءِ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا قَدْرٌ إذَا اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِ الْقَضَاءِ فَاتَهُ صَلَاةُ الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْقَضَاءِ لِشُرُوعِهِ فِيهِ (2) فَعَلَى هَذَا يُصَلِّي فِي مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَيُعِيدُ وَالثَّانِي الصَّلَاةُ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ وَلِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ الصِّيَامِ ولانها متعددة فانها ثلاث
__________
(1) قال في الروضة الاصح مراعاة الصلاة وكذا قال في كتاب الصيام في هذا الكتاب ان الاصح مراعاة الصلاة وهذا اولى فان الاصح تفضيل الصلاة على الصوم واما مسألة الفائتة فالاصح انها يجب قطعها والشروع في الحاضره خلاف ما قاله القاضي اه اذرعي (2) هذا مخالف لما جزم به في كتاب الصلاة الجماعة اه اذرعى(2/11)
صَلَوَاتٍ وَنَقَلَ الشَّاشِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْقَاضِي كَمَا ذَكَرْتُهَا ثُمَّ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى حَالِهِ
لَا يَصِحُّ بَلْ يَنْزِعُهُ أَوْ يَبْتَلِعُهُ وَيَبْطُلُ صَوْمُهُ لِأَنَّ بُطْلَانَ الصَّوْمِ حَاصِلٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ مُسْتَدِيمٌ لِإِدْخَالِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ واستدامته كالابتداء كَمَا لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ فانه يبطل كابتداء الْجِمَاعِ هَذَا كَلَامُ الشَّاشِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مُسْتَدِيمَ الْجِمَاعِ يُعَدُّ مُجَامِعًا مُنْتَهِكًا حُرْمَةَ الْيَوْمِ بِخِلَافِ مُسْتَدِيمِ الْخَيْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ونظير الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ وَهُوَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ وَقَفَ بِهَا وَلَا صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْوُقُوفِ إلَّا قَدْرٌ يَسِيرٌ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَلَوْ ذَهَبَ إلَى الْوُقُوفِ لَفَاتَتْهُ الصَّلَاةُ وَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى الْوُقُوفِ وَيُعْذَرُ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ فَوَاتَ الْوُقُوفِ أَشَقُّ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ يَعْرِضُ قَبْلَ ذَلِكَ عَارِضٌ وَقَدْ يَعْرِضُ فِي الْقَضَاءِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَوَاتُ أَيْضًا وَقَدْ يَمُوتُ مَعَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ فِي تَكْرَارِ هَذَا السَّفَرِ وَلُزُومِ دَمِ الْفَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وَالصَّلَاةُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا بِعُذْرِ الْجَمْعِ (1) الَّذِي لَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الْمَشَقَّةُ وَلَا قَرِيبٌ مِنْهَا مَعَ إمْكَانِ قَضَائِهَا فِي الْحَالِ: وَالثَّانِي يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا آكَدُ وعلى الفور وهذا ليس بشئ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا: وَالثَّالِثُ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ مَاشِيًا فَيَحْصُلُ الْحَجُّ وَالصَّلَاةُ جَمِيعًا وَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا مِنْ أَعْذَارِ صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَقَدْ حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الْأَوْجُهَ فِي باب صلاة الْخَوْفِ عَنْ الْقَفَّالِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* [وَأَمَّا النَّوْمُ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ أَوْ مُكِبٌّ أَوْ مُتَّكِئٌ انْتَقَضَ وضوءه لما روى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ) وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَمَحَلُّ الْحَدَثِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَلِأَنَّ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ فِي حَالِ الِاضْطِجَاعِ نَقَضَهُ فِي حَالِ الْقُعُودِ كَالْإِحْدَاثِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ قُعُودًا ثُمَّ يصلون ولا يتوضأون وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أن
__________
(1) التأخير يعذر الجمع وان كان مشقته اهون فان المأخرة تكون به اداء بخلاف مسألة الوقوف اه اذرعى(2/12)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ نَامَ جَالِسًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَمَنْ وَضَعَ جَنْبَهُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) وَيُخَالِفُ الْأَحْدَاثَ فَإِنَّهَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِعَيْنِهَا وَالنَّوْمُ يَنْقُضُ لِأَنَّهُ يَصْحَبُهُ خُرُوجُ الْخَارِجِ وَذَلِكَ لَا يُحِسُّ بِهِ إذَا نَامَ زَائِلًا عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ وَيُحِسُّ بِهِ إذَا نَامَ جَالِسًا: وَإِنْ نَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ قَائِمًا فِي الصَّلَاةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ في الجديد ينتقض لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ نَامَ زَائِلًا عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ فَأَشْبَهَ الْمُضْطَجِعَ وَقَالَ في القديم لا ينتقض لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي صَلَاتِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ مَلَائِكَتَهُ يقول عبدي روحه عندي وجسده ساجدا بَيْنَ يَدَيَّ) فَلَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لَمَا جَعَلَهُ ساجدا]
* [الشَّرْحُ] فِي هَذَا الْفَصْلِ جُمَلٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَاللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَبَيَانُهَا مَعَ فُرُوعِهَا بِمَسَائِلَ: إحْدَاهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ الله عنه فصحيح رواه مسلم فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ ثُمَّ يصلون ولا يتوضأون رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ إلَّا قَوْلَهُ قُعُودًا فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لَكِنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَالَ حَتَّى تَخْفِقَ رؤسهم وَإِسْنَادُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوقَظُونَ لِلصَّلَاةِ حَتَّى إنِّي لَأَسْمَعُ لِأَحَدِهِمْ غَطِيطًا ثُمَّ يقومون فيصلون ولا يتوضأون: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَضَعِيفٌ جِدًّا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ) قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُبَاهَاةِ بِالسَّاجِدِ فَيُرْوَى مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جِدًّا: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي اللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ الْمُكِبُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ يُقَالُ أَكَبَّ(2/13)
فُلَانٌ عَلَى وَجْهِهِ وَكَبَبْتُهُ أَنَا لِوَجْهِهِ إذَا صَرَعْتُهُ لِوَجْهِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مكبا على وجهه)
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ هَذَا مِنْ النَّادِرَاتِ ان يقال أفعلت انا وفعلت غيرى وقوله أو متكئا هو بهمزة آخِرِهِ وَالْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رَأْسُ الْوِعَاءِ وَالسَّهِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَهِيَ الدُّبُرُ وَمَعْنَاهُ الْيَقَظَةُ وِكَاءُ الدُّبُرِ أَيْ حَافِظَةٌ مَا فيه من الخروج أي مادام.
الْإِنْسَانُ مُسْتَيْقِظًا فَإِنَّهُ يُحِسُّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَإِذَا نَامَ زَالَ ذَلِكَ الضَّبْطُ وَقَوْلُهُ يُحِسُّ بِهِ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْحَاءِ: قَوْلُهُ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ عَنْ اسْتِوَائِهِ وَأَصْلُ الْمُبَاهَاةِ الْمُفَاخَرَةُ وَالرُّوحُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ لُغَتَانِ وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهَا أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) فِي الْأَسْمَاءِ أَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَأَنَسٌ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَالْبُوَيْطِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْكِتَابِ (الرَّابِعَةُ) فِي الْأَحْكَامِ وَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِي النَّوْمِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ الصَّحِيحُ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ وَنَصُّهُ فِي كُتُبِهِ وَنَقْلِ الْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلُ أَنَّهُ إنْ نَامَ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَكِّنًا انْتَقَضَ عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كان في الصلاة وغيرها: والثاني انه ينقض بكل حال وهذا نصه في البويطي: والثالث إنْ نَامَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَنْتَقِضْ عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كَانَ وَإِنْ نَامَ فِي غَيْرِهَا غَيْرَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ: وَالرَّابِعُ إنْ نَامَ مُمَكِّنًا أَوْ غَيْرَ مُمَكِّنٍ وَهُوَ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِلَّا انْتَقَضَ: وَالْخَامِسُ إنْ نَامَ مُمَكِّنًا أَوْ قَائِمًا لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِلَّا انْتَقَضَ حَكَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَكَى أَوَّلَهُمَا الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْخَمْسَةِ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ بشئ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلَائِلَهَا وَسَأَبْسُطُهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا نَصَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ نَامَ غَيْرَ مُمَكِّنٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قال الائمة(2/14)
غَلَطَ الْبُوَيْطِيُّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالْبُوَيْطِيُّ يَرْتَفِعُ عَنْ التَّغْلِيطِ بَلْ الصَّوَابُ تَأْوِيلُ النَّصِّ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ: قَالَ وَمَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا
فَلْيَتَوَضَّأْ وَإِنْ نَامَ قَائِمًا فَزَالَتْ قَدَمَاهُ عَنْ مَوْضِعِ قِيَامِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ: وَإِنْ نَامَ جَالِسًا فَزَالَتْ مَقْعَدَتُهُ عَنْ مَوْضِعِ جُلُوسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ: وَمَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا فَرَأَى رُؤْيَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَمَنْ شَكَّ أَنَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أو لم ينم فليس عليه شئ حتى يستيقن النوم فان ذكر أنه رأى رُؤْيَا وَشَكَّ أَنَامَ أَمْ لَا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِأَنَّ الرُّؤْيَا لَا تَكُونُ إلَّا بِنَوْمٍ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمِنْهُ نَقَلْتُهُ: فَقَوْلُهُ إنْ نَامَ جَالِسًا فَزَالَتْ مَقْعَدَتُهُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَزُلْ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فَيُتَأَوَّلُ بَاقِي كَلَامِهِ عَلَى النَّائِمِ غَيْرَ مُمَكِّنٍ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
إذَا نَامَ فِي صَلَاتِهِ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهَا وَلَوْ نَامَ فِي الصَّلَاةِ غَيْرَ مُمَكِّنٍ إنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ الضَّعِيفِ فَصَلَاتُهُ وَوُضُوءُهُ صَحِيحَانِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ بَطَلَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا لَوْ صَلَّى مُضْطَجِعًا لِمَرَضٍ فَنَامَ فَفِي بُطْلَانِ وُضُوئِهِ الْقَوْلَانِ لِأَنَّ عِلَّةَ مَنْعِ انْتِقَاضِ وُضُوءِ الْمُصَلِّي عَلَى الْقَدِيمِ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ وَالتَّفْرِيعِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ نَوْمَ الْمُمَكِّنِ لَا يُنْقِضُ وَغَيْرُهُ يُنْقِضُ: إحْدَاهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلنَّائِمِ مُمَكِّنًا أَنْ يَتَوَضَّأَ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِ حَدَثٍ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ: (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالنُّعَاسِ وَهُوَ السِّنَةُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: وَدَلِيلُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي يُصَلِّي فِي اللَّيْلِ فَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَجَعَلَنِي فِي شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَجَعَلْتُ إذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي فَصَلَّى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْمِ وَالنُّعَاسِ أَنَّ النَّوْمَ فِيهِ غَلَبَةٌ على العقل وسقوط
__________
(1) لكن التأويل لا يتأتى فيما افهمه قوله وان نام قائما فزالت قدماه من موضع قيامه فعليه الوضوء لانه يقتضي ان لا وضوء عليه إذا لم تزل قدماه لكن يعارضه قوله بعد وَمَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا فَرَأَى رُؤْيَا فعليه الوضوء لان هذا يقتضي ان عليه الوضوء وان لم تزل قدماه وطريق الجمع بينهما ان زوال القدم والرؤيا يقتضيان الاستغراق في النوم بخلاف مااذا لم ير رؤيا ولم تزل قدماه وحينئذ لا يتحقق النوم الناقض بل هو نعاس وسنة وعليه يحمل ذلك المفهوم وهذا متعين به والله اعلم اه اذرعى(2/15)
حَاسَّةِ الْبَصَرِ وَغَيْرِهَا وَالنُّعَاسُ لَا يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ وَإِنَّمَا تَفْتُرُ فِيهِ الْحَوَاسُّ بِغَيْرِ سُقُوطٍ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي حَدُّ النَّوْمِ مَا يَزُولُ بِهِ الِاسْتِشْعَارُ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ النُّعَاسُ يَغْشَى الرَّأْسَ فَتَسْكُنُ بِهِ الْقُوَى الدِّمَاغِيَّةُ وَهُوَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ وَمَنْبِتُ الْأَعْصَابِ فَإِذَا فَتَرَتْ فَتَرَتْ الْحَرَكَاتُ الْإِرَادِيَّةُ وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ أَبْخِرَةٍ تَتَصَعَّدُ فَتُوَافِي أَعْبَاءً مِنْ قُوَى الدِّمَاغِ فَيَبْدُو فُتُورٌ فِي الْحَوَاسِّ فَهَذَا نُعَاسٌ وَسِنَةٌ فَإِذَا تَمَّ انْغِمَارُ الْقُوَّةِ الْبَاصِرَةِ فَهَذَا أَوَّلُ النَّوْمِ ثُمَّ تَتَرَتَّبُ غَلَبَةُ فُتُورِ الْأَعْضَاءِ وَاسْتِرْخَاؤُهَا وَذَلِكَ غَمْرَةُ النَّوْمِ قَالَ وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالْغَفْوَةِ وَإِذَا تَحَقَّقْنَا النَّوْمَ لَمْ نَشْتَرِطْ غَايَتَهُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَضَ وُضُوءَ النَّائِمِ قَائِمًا وَلَوْ تَنَاهَى نَوْمُهُ لَسَقَطَ: هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ عَلَامَاتِ النُّعَاسِ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَ مَنْ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ قَالُوا وَالرُّؤْيَا مِنْ عَلَامَاتِ النَّوْمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا سَبَقَ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَلَوْ تَيَقَّنَ الرُّؤْيَا وَشَكَّ فِي النَّوْمِ انْتَقَضَ إذَا لَمْ يكن ممكنا فان خطر بباله شئ فَشَكَّ أَكَانَ رُؤْيَا أَمْ حَدِيثَ نَفْسٍ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ وَلَوْ شَكَّ أَنَام أَمْ نَعَسَ وَقَدْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَنْتَقِضْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَوَضَّأَ: الثَّالِثَةُ لَوْ تَيَقَّنَ النَّوْمَ وَشَكَّ هَلْ كَانَ مُمَكِّنًا أَمْ لَا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ (1) وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّوَابُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِي مَسَائِلِ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ لَوْ تَيَقَّنَ رُؤْيَا وَلَا يَذْكُرُ نَوْمًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى النَّوْمِ قَاعِدًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ فَهُوَ مُتَأَوَّلٌ أَوْ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) : نَامَ جَالِسًا فَزَالَتْ أَلْيَاهُ أَوْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأَرْضِ فَإِنْ زَالَتْ قَبْلَ الِانْتِبَاهِ انْتَقَضَ لِأَنَّهُ مَضَى لَحْظَةٌ وَهُوَ نَائِمٌ غَيْرَ مُمَكِّنٍ وَإِنْ زَالَتْ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ أَوْ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا سَبَقَ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ لَا تَقَعُ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
__________
(1) لفظ البيان فان نام جالسا ثم زال عن حالته فان زال الياه أو أحدهما قبل الانتباه بطلت طهارته وان انتبه بزوالهما لم تبطل وان تيقن النوم وشك هل نام قاعدا أو زائلا عن مستوى الجلوس لم ينتقض وضوءه لان الاصل بقاء الطهارة اه وهذه غير مسألة البغوي ومراد البغوي المسألة السابقة قبل هذا النقل
عنه بثلاثة اسطر وهى منصوص عليها في الام ومتفق عليها ومن وقف على كلام الام والبغوى تحقق انها هي بعينها وقد قال متصلا بها ولو شك انه كان رؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه وهو فقط للشافعي عقب مسألة النص المذكورة وقوله لا يحمل على النوم قاعدا كلام صحيح وفى كلام الام اشارة إليه وكيف يحمل على النوم قاعدا وهو لا يتذكر النوم(2/16)
اللَّهُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَدَلِيلُنَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَحَلِّ الْحَدَثِ فَتَعَيَّنَ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا: (الْخَامِسَةُ) نام ممكنا معقده مِنْ الْأَرْضِ مُسْتَنِدًا إلَى حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ لَسَقَطَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَ الْمُعَلِّقُونَ عَنْ شَيْخِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ الْحَائِطُ لَسَقَطَ انْتَقَضَ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُعَلِّقِينَ وَاَلَّذِي ذَكَرُوهُ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: (السَّادِسَةُ) قَلِيلُ النَّوْمِ وَكَثِيرُهُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَنَوْمُ لَحْظَةٍ وَيَوْمَيْنِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ: (السَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لافرق فِي نَوْمِ الْقَاعِدِ الْمُمَكِّنِ بَيْنَ قُعُودِهِ مُتَرَبِّعًا أَوْ مُفْتَرِشًا أَوْ مُتَوَرِّكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْحَالَاتِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَقْعَدُهُ لَاصِقًا بِالْأَرْضِ أَوْ بِغَيْرِهَا مُتَمَكِّنًا وَسَوَاءٌ الْقَاعِدُ عَلَى الْأَرْضِ وَرَاكِبُ السَّفِينَةِ وَالْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الدَّوَابِّ فَلَا يَنْتَقِضُ الوضوء بشئ مِنْ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَلَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا وَهُوَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى أَلْيَيْهِ رَافِعًا رُكْبَتَيْهِ مُحْتَوِيًا عَلَيْهِمَا بِيَدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: أَحَدُهَا لَا يَنْتَقِضُ كَالْمُتَرَبِّعِ وَالثَّانِي يَنْتَقِضُ كَالْمُضْطَجِعِ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ نَحِيفَ الْبَدَنِ بِحَيْثُ لَا تَنْطَبِقُ أَلْيَاهُ عَلَى الْأَرْضِ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ أَبُو الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيُّ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ
* (الثَّامِنَةُ) إذَا نَامَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَأَلْصَقَ أَلْيَيْهِ بِالْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنْهُ وَلَكِنْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْجَالِسِ الممكن فلو استثفر وتلجم بشئ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الِانْتِقَاضُ أَيْضًا وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبُ فِي الْخِلَافِ فِيهِ لِلنَّظَرِ مَجَالٌ وَيَظْهَرُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ وَقَالَ صَاحِبُهُ أَبُو الْحَسَنِ إلْكِيَا فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ فِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ
(التَّاسِعَةُ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي النَّوْمِ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ النَّائِمَ الْمُمَكِّنَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَغَيْرُهُ يَنْتَقِضُ سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ طَالَ نَوْمُهُ أَمْ لَا وَحُكِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ أَنَّ النَّوْمَ لَا يَنْقُضُ بِحَالٍ وَلَوْ كَانَ مُضْطَجِعًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشِّيعَةُ
* وَقَالَ اسحق بن راهويه وابو عبيد القاسم ابن سلام والمزنى ينقض النوم بِكُلِّ حَالٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَنْقُضُ كَثِيرُ النَّوْمِ بِكُلِّ حَالٍ دُونَ قَلِيلِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الزهري وربيعة والاوزاعي
__________
ومسألة البيان فيمن نام قاعدا أو شك في التمكن وليست من مسألة البغوي في شئ يعم فيه كمسالة البيان وهو انه ان كان الاصل بقاء الطهارة فالاصل عدم التمكين مع تحقق النوم والاصل شغل الذمة بالصلاة ايضا وقد شككنا في بقاء شرطها اه اذرعى(2/17)
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد إنْ نَامَ عَلَى هيئة من هيآت الْمُصَلِّي كَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ وَالْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ لَمْ يَنْتَقِضْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَإِنْ نَامَ مُسْتَلْقِيًا أَوْ مُضْطَجِعًا انْتَقَضَ وَلَنَا قَوْلٌ ان نوم المصلى خاصة لا ينقض كَيْفَ كَانَ كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي مُوسَى وَمُوَافِقِيهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلَى آخِرِ الْآيَةِ فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّوْمَ: وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَقَدِّمِ (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) قَالُوا وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا فِي عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ أَوْجَبْتُمْ الْوُضُوءَ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِ الرِّيحِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِالشَّكِّ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ) وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِحَدِيثِ صَفْوَانَ (لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ) وَهُوَ حديث حسن سَبَقَ بَيَانُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَلِأَنَّ النَّائِمَ غَيْرَ الْمُمَكِّنِ يَخْرُجُ مِنْهُ الرِّيحُ غَالِبًا فَأَقَامَ الشَّرْعُ هَذَا الظَّاهِرَ مَقَامَ الْيَقِينِ كَمَا أَقَامَ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ الَّتِي تُفِيدُ الظَّنَّ مَقَامَ الْيَقِينِ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا وَرَدَتْ الْآيَةُ فِي النَّوْمِ أَيْ إذَا
قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَكَذَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ قَالَ وَلَا أَرَاهُ إلَّا كَمَا قَالَ: وَالثَّانِي أَنَّ الْآيَةَ ذُكِرَ فِيهَا بَعْضُ النَّوَاقِضِ وَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ الْبَاقِي وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَوْلَ وَهُوَ حَدَثٌ بِالْإِجْمَاعِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي دَفْعِ الشَّكِّ لَا فِي بَيَانِ أَعْيَانِ الْأَحْدَاثِ وَحَصْرِهَا وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَزَوَالُ الْعَقْلِ وَهِيَ أَحْدَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي شَرْحِ أَوَّلِ الْفَصْلِ (لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) وَأَمَّا قَوْلُهُمْ خُرُوجُ الْخَارِجِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَجَوَابُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ هَذَا الظَّاهِرَ كَالْيَقِينِ كَمَا جَعَلَ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ كَالْيَقِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ يَنْقُضُ(2/18)
بِكُلِّ حَالٍ بِعُمُومِ حَدِيثَيْ عَلِيٍّ وَصَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِغْمَاءِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يتوضأون) وَهُوَ صَحِيحٌ ذَكَرْنَاهُ بِطُرُقِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ لِي حَاجَةٌ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ أَوْ بَعْضُ الْقَوْمِ ثُمَّ صَلَّوْا وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ لَيْلَةً عَنْ الْعِشَاءِ فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَظَاهِرُهُمَا أَنَّهُمْ صَلَّوْا بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَرَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهَذِهِ دَلَائِلُ ظَاهِرَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْآثَارِ
* وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بحديث عمرو ابن شُعَيْبٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ كُنْتُ أَخْفِقُ بِرَأْسِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَجَبَ عَلَيَّ وُضُوءٌ قَالَ لَا حَتَّى تَضَعَ جَنْبَكَ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُمَا وَفِيمَا سَبَقَ مَا يُغْنِي عَنْهُمَا: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَوْمِ غَيْرِ الْمُمَكِّنِ وَهَذَا يَتَعَيَّنُ
الْمَصِيرُ إلَيْهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْإِغْمَاءِ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَغْمِيَّ عَلَيْهِ ذَاهِبُ الْعَقْلِ لا يحسن بشئ أَصْلًا وَالنَّائِمُ يُحِسُّ وَلِهَذَا إذَا صِيحَ بِهِ تَنَبَّهْ
* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ يَنْقُضُ كَثِيرُ النَّوْمِ كَيْف كَانَ دُونَ قَلِيلِهِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُمْ كانوا ينامون فتخفق رؤوسهم وَهَذَا يَكُونُ فِي النَّوْمِ الْقَلِيلِ وَلِأَنَّهُ مَعَ الِاسْتِثْقَالِ يَغْلِبُ خُرُوجُ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلَيْسَ فِيهَا فَرْقٌ بَيْنَ القليل والكثير: والجواب عن حديث أنس اناقد بَيَّنَّا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا وَلَيْسَ فِيهِ فَرْقٌ بين قليله وكثيره ودعواهم أن خفق الرؤوس إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَلِيلِ لَا يُقْبَلُ: وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فَلَا نُسَلِّمُهُ لِأَنَّ النَّوْمَ إمَّا أَنْ يُجْعَلَ حَدَثًا فِي عَيْنِهِ كَالْإِغْمَاءِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَإِمَّا دَلِيلًا عَلَى الْخَارِجِ وَحِينَئِذٍ إنَّمَا تَظْهَرُ دَلَالَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ مُمَكَّنًا وَأَمَّا الْمُتَمَكَّنُ فَيَبْعُدُ خُرُوجُهُ مِنْهُ وَلَا يُحِسُّ بِهِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِالْوَهْمِ
* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ(2/19)
الصَّلَاةِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ (1) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ) وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ الَّذِي قدمناه أَنَّهُ نَامَ جَالِسًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (أمن هذا وضوء قال لاحتى تَضَعَ جَنْبَكَ عَلَى الْأَرْضِ)
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ كَحَدِيثِ عَلِيٍّ وَصَفْوَانَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِهَذَا الْفَرْقِ الَّذِي زَعَمُوهُ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَلِأَنَّهُ نَامَ غَيْرَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ من الارض فاشبه المضطجع ولانا اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَهُمْ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا فِي عَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ لِلْخَارِجِ فَضَبَطْنَاهُ نَحْنُ بِضَابِطٍ صَحِيحٍ جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَضَبَطُوهُ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا مَعْنَى يَقْتَضِيهِ فَإِنَّ السَّاجِدَ وَالرَّاكِعَ كَالْمُضْطَجِعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي خُرُوجِ الْخَارِجِ: وَأَمَّا حَدِيثُ الدَّالَانِيِّ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِضَعْفِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد: قَالَ أَبُو دَاوُد وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبُ إجْمَاعَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالضَّعْفُ عَلَيْهِ بَيِّنٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ وَتَأَوَّلُوهُ تَأْوِيلَاتٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى ضَعْفِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ عَمَّا لَيْسَ بِدَلِيلٍ: وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَضَعِيفٌ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ
قَرِيبًا
* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ النَّائِمِ فِي الصَّلَاةِ كَيْف كَانَ بِحَدِيثِ الْمُبَاهَاةِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّ الحاجة تدعوا إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ لِمُجْتَهِدٍ وَنَحْوِهِ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ إلَّا بِعُسْرٍ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا عُفِيَ عَنْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى الْقَائِلِينَ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ عَلَى هَيْئَةِ الْمُصَلِّي وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْمُبَاهَاةِ بِمَا سَبَقَ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى ضَعْفِهِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ تَسْمِيَتُهُ سَاجِدًا بِاسْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَمَدْحُهُ عَلَى مُكَابَدَةِ الْعِبَادَةِ: وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ لَا تَثْبُتُ إلَّا تَوْقِيفًا وَكَذَا الْعَفْوُ عَنْهَا فَحَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُمَلٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ جَمَعْنَا بَيْنَهَا وَلَمْ نَرُدَّ مِنْهَا صَحِيحًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ: (الْعَاشِرَةُ) كَانَ مِنْ خَصَائِصِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لا ينقض
__________
(1) أبو العالية هذا هو البراء البصري واسمه زياد وقيل كلثوم ثقه بالاتفاق روى له البخاري ومسلم واما قول صاحب البحر من اصحابنا في تضعيف هذا الحديث ان ابا العالية ضعيف فغلط قبيح اه اذرعى(2/20)
وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ مُضْطَجِعًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَامَ حَتَّى سُمِعَ غَطِيطُهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ (وَلَوْ كَانَ غَيْرَ نَائِمِ الْقَلْبِ لَمَا تَرَكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْقَلْبَ يَقْظَانٌ يُحِسُّ بِالْحَدَثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَيَشْعُرُ بِهِ الْقَلْبُ وَلَيْسَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا هُوَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقَلْبِ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ وَالْجَوَابُ الثَّانِي (1) حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُوَمَانِ: أَحَدُهُمَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَعَيْنُهُ: وَالثَّانِي عَيْنُهُ دُونَ قَلْبِهِ فَكَانَ نَوْمُ الْوَادِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَأَمَّا زَوَالُ الْعَقْلِ بِغَيْرِ النَّوْمِ فَهُوَ أَنْ يُجَنَّ أَوْ يُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ يَسْكَرَ أَوْ يَمْرَضَ فَيَزُولُ عَقْلُهُ فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالنَّوْمِ فَلَأَنْ يَنْتَقِضَ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ أَوْلَى وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَاعِدِ وَغَيْرِهِ وَيُخَالِفُ النَّوْمَ فَإِنَّ النَّائِمَ إذَا كُلِّمَ تَكَلَّمَ وَإِذَا نُبِّهَ تَنَبَّهَ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ الْخَارِجُ وَهُوَ جَالِسٌ أَحَسَّ
بِهِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ قِيلَ أنه قل من جن الاوينزل فالمستحب أن يغسل احتياطا] [الشَّرْحُ] أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِالْجُنُونِ وَبِالْإِغْمَاءِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَاغْتَسَلَ لِيُصَلِّيَ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَاغْتَسَلَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ سُكْرٍ بِخَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ لِلْحَاجَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَزَالَ عَقْلُهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَلَا خِلَافَ فِي شئ من هذا الاوجها للخراسانين انه
__________
(1) هذا الجواب الثاني ضعيف مخالف لظاهر حديث ولا ينام قلبى فلا يقبل الا بدليل والصحيح الاول اه اذرعي(2/21)
لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ السَّكْرَانِ إذَا قُلْنَا لَهُ حُكْمُ الصَّاحِي فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ: حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ انْتِقَاضَ الْوُضُوءِ مَنُوطٌ بِزَوَالِ الْعَقْلِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَاصِي وَالْمُطِيعِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالسُّكْرُ النَّاقِضُ هُوَ الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَهُ شُعُورٌ دُونَ أَوَائِلِ النشوة: قال أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَيْنَ الْقَاعِدِ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَأَمَّا الدُّوَارُ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَهُوَ دُوَارُ الرَّأْسِ فَلَا يَنْقُضُ مَعَ بَقَاءِ التَّمْيِيزِ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ وَاضِحٌ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي حَدُّ الْجُنُونِ زَوَالُ الِاسْتِشْعَارِ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ بَقَاءِ الْحَرَكَةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْإِغْمَاءُ زَوَالُ الِاسْتِشْعَارِ مَعَ فُتُورِ الْأَعْضَاءِ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ قيل مَنْ يُجَنُّ إلَّا وَيُنْزِلُ فَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَأَمَّا لَفْظُ النَّصِّ فَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ بَابِ ما يوجب الغسل وقد قيل ماجن إنْسَانٌ إلَّا أَنْزَلَ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا اغْتَسَلَ الْمَجْنُونُ لِلْإِنْزَالِ وَإِنْ شَكَّ فِيهِ أَحْبَبْتُ لَهُ الِاغْتِسَالَ احْتِيَاطًا وَلَمْ أُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ الْإِنْزَالَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَمِنْ الْأُمِّ نَقَلْتُهُ(2/22)
وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْ الْأُمِّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ
وَجَمَاعَةٌ فِي الْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي فِي الْأُمِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَجْنُونِ كَمَا نَقَلْتُهُ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ غُسْلَ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ سُنَّةٌ وَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ خُرُوجَ الْمَنِيِّ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ الَّذِينَ يُجَنُّونَ الْإِنْزَالَ وَجَبَ الْغُسْلُ إذَا أَفَاقَ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِنْزَالُ كَمَا نُوجِبُ الْوُضُوءَ بِالنَّوْمِ مُضْطَجِعًا لِلظَّنِّ الْغَالِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِنْزَالُ غَالِبًا لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِالشَّكِّ: وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ إنْ كَانَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْإِنْزَالِ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْفَكّ فَلَا: وَالصَّحِيحُ طريقة المصنف ومن وافقه ان يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ وَلَا يَجِبُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ خُرُوجَ المنى فان القواعد تقتضي أن لاتنتقض الطَّهَارَةُ إلَّا بِيَقِينِ الْحَدَثِ: خَالَفْنَا ذَلِكَ فِي النَّوْمِ بِالنُّصُوصِ الَّتِي جَاءَتْ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا عَلَى مُقْتَضَاهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ الْغُسْلُ إذَا أَفَاقَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا شَاذًّا أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ الْجُنُونِ مُطْلَقًا وَوَجْهًا أَشَذَّ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الْإِغْمَاءِ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْغُسْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* [وَأَمَّا لَمْسُ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ بَشَرَةَ الْمَرْأَةِ أَوْ الْمَرْأَةُ بَشَرَةَ الرَّجُلِ بِلَا حَائِلٍ بَيْنَهُمَا فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ اللامس منهما لقوله تعالى (أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا)(2/23)
وَفِي الْمَلْمُوسِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ لَمْسٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يَنْقُضُ طُهْرَ اللَّامِسِ فَنَقَضَ طُهْرَ الْمَلْمُوسِ كَالْجِمَاعِ وَقَالَ فِي حَرْمَلَةَ لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (افْتَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِرَاشِ فَقُمْتُ أَطْلُبُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَتَاكِ شَيْطَانُكِ) وَلَوْ انْتَقَضَ طُهْرُهُ لَقَطَعَ الصَّلَاةَ وَلِأَنَّهُ لَمْسٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَنَقَضَ طُهْرَ اللَّامِسِ دُونَ الْمَلْمُوسِ كَمَا لَوْ مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمَسَ شَعْرَهَا أَوْ ظُفْرَهَا لَمْ يَنْتَقِضْ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَذُّ بِلَمْسِهِ وَإِنَّمَا يَلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ: وَإِنْ لَمَسَ ذَاتَ رَحِمٍ محرم ففيه قولان أحدهما ينتقض وضوء لِلْآيَةِ: وَالثَّانِي لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِشَهْوَتِهِ فَأَشْبَهَ لَمْسَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَإِنْ مَسَّ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ عَجُوزًا
لَا تُشْتَهَى فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَنْتَقِضُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالثَّانِي لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بلمسها الشهوة فاشبه الشعر] [الشَّرْحُ] فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقَيْنِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ: أما الطريق الاول فَقَالَتْ (افْتَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَتَحَسَّسْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أو ساجد يَقُولُ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ) وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَالَتْ (فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ) إلَى آخِرِ الدُّعَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (فَالْتَمَسْتُ بِيَدِي فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعُوذُ) إلَى آخِرِهِ فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ صَحِيحَةُ الْمَعْنَى لَكِنَّ قَوْلَهُ أَتَاكِ شَيْطَانُكِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ(2/24)
في السن الْكَبِيرِ فِي بَابِ ضَمِّ الْعَقِبَيْنِ فِي السُّجُودِ مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِيهِ رَجُلٌ مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ وَقَدْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي أَوَاخِرِ صَحِيحِهِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي اللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ وَالِاحْتِرَازَاتِ قوله تعالى (أو لمستم النساء) قرئ في السبع لمستم ولا مستم وَالنِّسَاءُ مِنْ الْجُمُوعِ الَّتِي لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا كَالرَّهْطِ وَالنَّفَرِ وَالْقَوْمِ وَكَذَا النِّسْوَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ يَلْمِسُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ لَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا تأكيد وايضاح ولو حذفه لا ستغنى عَنْهُ فَإِنَّ لَمْسَ الْبَشَرَةِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْسٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا أَوْلَجَ فيه بَهِيمَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ طُهْرَ اللَّامِسِ دُونَ الْمَلْمُوسِ وَاحْتِرَازٌ أَيْضًا مِنْ لَمْسِ الرَّجُلِ ذَكَرَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ اللَّامِسَ دُونَ الْمَلْمُوسِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَقَوْلُهُ يَنْقُضُ طُهْرَ اللَّامِسِ احْتِرَازٌ مِنْ مَسِّ الصَّغِيرَةِ وَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَقَوْلُهَا افْتَقَدْتُ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِمُسْلِمِ فَقَدْتُ وَهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ
فقدت الشئ أَفْقِدُهُ فَقْدًا وَفُقْدَانًا وَفِقْدَانًا بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وكذا افتقدته افتقده افتقادا وقولها اخمص قديمه هُوَ مُفَسَّرٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَطْنُ قَدَمِهِ قال أهل اللغة الاخمص مادخل مِنْ بَاطِنِ الْقَدَمِ فَلَمْ يُصِبْ الْأَرْضَ: وَالشَّيْطَانُ كل جنى مارد ونونه أصل وقيل زائدة فعلى الاول هو مِنْ شَطَنَ إذَا بَعُدَ وَعَلَى الثَّانِي مِنْ شَاطَ إذَا احْتَرَقَ وَهَلَكَ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْسٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ احْتِرَازٌ مِنْ لَمْسِ الشَّعْرِ وَلَوْ قال لمس يوجب الوضوء على الامس لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَعُمَّ بِاحْتِرَازِهِ الشَّعْرَ وَالْجِمَاعَ وَيَكُونَ فِيهِ احْتِرَازٌ عَمَّا قَاسَ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ وَهَكَذَا عادة المنصف فانه يذكر في قايس الْقَوْلِ الثَّانِي قُيُودًا يُخَرِّجُ بِهَا مَا قَاسَ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ وَلَمْ يَعْمَلْ هُنَا بِعَادَتِهِ وَلَا يُقَالُ قَدْ احْتَرَزَ عَنْ الْجِمَاعِ بِقَوْلِهِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّ الْجِمَاعَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ يَعْنِي فَإِنَّهُ يُنْقَضُ الْمَاسُّ دُونَ الْمَمْسُوسِ(2/25)
[قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا الْتَقَتْ بَشَرَتَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ تُشْتَهَى انْتَقَضَ وُضُوءُ اللَّامِسِ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ اللَّامِسُ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ وَسَوَاءٌ كَانَ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ أَمْ لَا تَعْقُبُهُ لَذَّةٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَصَدَ ذَلِكَ أَمْ حَصَلَ سَهْوًا أَوْ اتِّفَاقًا وَسَوَاءٌ اسْتَدَامَ اللَّمْسُ أَمْ فَارَقَ بِمُجَرَّدِ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ وَسَوَاءٌ لَمَسَ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ أَمْ بِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَلْمُوسُ أَوْ الْمَلْمُوسُ بِهِ صَحِيحًا أَوْ أَشَلَّ زَائِدًا أَمْ أَصْلِيًّا فَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَنَا وَفِي كُلِّهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَنَا أَوْجُهٌ ضَعِيفَةٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْهَا وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَزَالُ مَلْمُوسَةً وَلَا تَكُونُ لَامِسَةً وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْفَاعِلَةُ بَلْ يَكُونُ فِيهَا الْقَوْلَانِ فِي الْمَلْمُوسِ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لَمْسَ الْعُضْوِ الْأَشَلِّ أَوْ الزَّائِدِ لَا يَنْقُضُ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ كَانَ يَعْتَبِرُ الشَّهْوَةَ فِي الِانْتِقَاضِ قَالَ الْحَنَّاطِيُّ وَحَكَى هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ أَنَّ اللَّمْسَ إنَّمَا يَنْقُضُ إذَا وَقَعَ قَصْدًا وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سَبَقَ: (الرَّابِعَةُ) هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ
الْمَلْمُوسِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فَمَنْ قرأ لمستم لم يُنْقَضْ الْمَلْمُوسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْمِسْ وَمَنْ قَرَأَ لَامَسْتُمْ نَقْضَهُ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ وَهَذَا الْبِنَاءُ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ وَصَحَّحَ الْأَكْثَرُونَ الِانْتِقَاضَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَقَلَ حَرْمَلَةُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ: وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيم وَسَائِرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وَكَذَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ لَا يَنْتَقِضُ وَقَالَ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ يَنْتَقِضُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَامَّةُ كُتُبِهِ يَنْتَقِضُ كَذَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي حرملة علي(2/26)
قَوْلَيْنِ الِانْتِقَاضُ وَعَدَمُهُ وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَ اللَّمْسِ كَانَ فَوْقَ حَائِلٍ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَمْسُوسِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ مَسُّهُ بِبَطْنِ كَفِّهِ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ مِنْ الْمَمْسُوسِ وَالْمُعْتَبَرُ هُنَا الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ الْتَقَتْ بَشَرَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِحَرَكَةٍ مِنْهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَامِسٌ وَلَيْسَ فِيهِمَا مَلْمُوسٌ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ: (الْخَامِسَةُ) (1) إذَا لَمَسَ أَحَدُهُمَا شَعْرَ الْآخَرِ أَوْ سِنَّهُ أَوْ ظُفْرَهُ أَوْ لَمَسَ بَشَرَتَهُ بِسِنِّهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَنْتَقِضُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: وَالثَّانِي فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَحَدُهُمَا الِانْتِقَاضُ لِأَنَّ الشَّعْرَ لَهُ حُكْمُ الْبَدَنِ فِي الْحِلِّ بِالنِّكَاحِ وَالتَّحْرِيمِ بِالطَّلَاقِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِإِيقَاعِهِ عَلَيْهِ وَعِتْقِهَا بِإِعْتَاقِهِ وَوُجُوبِ غُسْلِهِ بِالْجَنَابَةِ وَالْمَوْتِ وَغَيْرِهِمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَاسْتَدَلُّوا مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْمُلَامَسَةُ أن يفضى بشئ منه الي جسدها والشعر شئ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْقُضَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ لانه لا يقصد ذلك
للشهوة غالبا وانما تَحْصُلُ اللَّذَّةُ وَتَثُورُ الشَّهْوَةِ عَنْ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ لِلْإِحْسَاسِ: وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَمُرَادُهُ بِهِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ لَمْسِ الشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالظُّفْرِ
* (فرع)
تيقن لمسهاوشك هَلْ لَمَسَ شَعْرَهَا أَمْ غَيْرَهُ وَهَلْ لَمَسَهَا بِظُفْرِهِ أَوْ بِشَعْرِهِ أَمْ بِغَيْرِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ: (السادسة) إذا لمس ذات رحم محرما فَفِي انْتِقَاضِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَآخَرُونَ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ لَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَّا فِي حَرْمَلَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِيهِ قَوْلَانِ وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ: وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ لَا يَنْتَقِضُ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ واتفق أصحابنا في جميع الطرق على أن الصحيح الاصاحب الابانة فصحح الانتقاض (2) وهو شاذ
__________
(1) لفظه في الام قال رضى الله عنه فان افضي بيده إلى شعرها ولم يمس لها بشرا فلا وضوء عليه كان ذلك لشهوة أو لغير شهوة كما يشتهيها فلا يمسها ولا يجب عليه وضوء ولا معنى للشهوة لانها في القلب انما المعني للفعل والشعر مخالف للبشرة قال ولو احتاط فتوضأ من لمس شعرها كان أحب إلى انتهى لفظه رضي الله عنه اه اذرعى (2) قلت يوافقه قول الشيخ ابى محمد في السلسلة ان الجديد الانتفاض والقديم منعه اه اذرعى(2/27)
ليس بشئ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي مَحْرَمٍ ذَاتِ رَحِمٍ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ: وام الْمُحَرَّمَةُ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَأُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا وزوجة الاب وَالِابْنِ وَالْجَدِّ فَفِيهَا طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الصَّحِيحُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ والرافعي وآخرون وَالثَّانِي (1) حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ الْقَطْعُ بِالِانْتِقَاضِ قَالَ وَهَذَا ليس بشئ وَحَكَى فِي الْبَيَانِ الطَّرِيقَيْنِ فِيمَنْ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ ثُمَّ حُرِّمَتْ بِالْمُصَاهَرَةِ كَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ: وَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ بِلِعَانٍ أو وطئ شُبْهَةٍ أَوْ بِالْجَمْعِ كَأُخْتِ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا قَبْلَ الدخول والمحرمة لمعنى فيها كالمرتدة والمجوسية وَالْمُعْتَدَّةِ فَيَنْقُضُ لَمْسُهَا بِلَا خِلَافٍ
*
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا لَا يَنْقُضُ لَمْسُ الْمُحَرَّمِ فَلَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ لَمْ يَنْتَقِضْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ: قَالَا لِأَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِي حَقِّهِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ لَمَسَ رَجُلٌ رَجُلًا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا ينتقض
* (فرع)
قال أصحابنا لو لَمَسَ صَغِيرَةً أَوْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى مِنْ مَحَارِمِهِ وَقُلْنَا الصَّغِيرَةُ وَالْعَجُوزُ الْأَجْنَبِيَّةُ تَنْقُضُ فَفِيهَا الْقَوْلَانِ
* (فَرْعٌ)
لَمَسَ امْرَأَةً وَشَكَّ هَلْ هِيَ مَحْرَمٌ أَمْ أَجْنَبِيَّةٌ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَحَارِمِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ: (السَّابِعَةُ) لَمَسَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَاهُمَا قَوْلَيْنِ وَالصَّوَابُ وَجْهَانِ وَمَنْ قَالَ قَوْلَانِ أَرَادَ أَنَّهُمَا مَخْرَجَانِ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَجَمَاعَاتٌ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ خَرَّجُوهَا عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَحَارِمِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الصَّغِيرَةِ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ وَأَمَّا الْعَجُوزُ فَالْجُمْهُورُ صَحَّحُوا الِانْتِقَاضَ: وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ وَمَحَلٌّ قَابِلٌ فِي الْجُمْلَةِ وَشَذَّ الْجُرْجَانِيُّ فَصَحَّحَ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالصَّحِيحُ الِانْتِقَاضُ وَالْخِلَافُ فِي صَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى كَمَا ذَكَرْنَا فَأَمَّا الَّتِي بَلَغَتْ حَدًّا تَشْتَهِيهَا الرِّجَالُ فَتَنْقُضُ بِلَا خِلَافٍ: وَالرُّجُوعُ فِي ضَبْطِ هَذَا إلَى الْعُرْفِ وَرَأَيْتُ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الصَّغِيرَةُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ فَمَا دُونَهَا وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْتُهُ لِأَنَّ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّغِيرَاتِ: قَالَ الدَّارِمِيُّ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي لَمْسِ الْمَرْأَةِ شَيْخًا هَرِمًا وَصَبِيًّا صَغِيرًا لا يشتهيان: قال صاحب الحاوى ويجرى
__________
(1) قوله والثانى حكاه الرويانى عجب وهى طريقة صاحب المهذب فيه وفي التنبيه وخلائق من العراقيين اه اذرعى(2/28)
الْخِلَافُ إذَا لَمَسَ شَيْخٌ فَقَدَ الشَّهْوَةَ وَاللَّذَّةَ بَدَنَ شَابَّةٍ وَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّ الشَّيْخَ إذَا لمس ينتقض كما لو لَمَسَ الْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ وَالْمُرَاهِقُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ لَمَسَ امْرَأَةً أَوْ لَمَسَتْهُ فَوْقَ ثَوْبٍ رَقِيقٍ بِشَهْوَةٍ وَلَمْ تَمَسَّ الْبَشَرَةَ أَوْ تَضَاجَعَا كَذَلِكَ بِشَهْوَةٍ لَا يَنْتَقِضُ لِعَدَمِ حَقِيقَةِ الْمُلَامَسَةِ: الثَّانِي لَمَسَ لِسَانَهَا أَوْ لِثَتَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِلِسَانِهِ انْتَقَضَ ذَكَرَهُ الدارمي وهو واضح ولو تصادم لساناهما دفعة فلا مسان: الثَّالِثُ لَمَسَ امْرَأَةً مَيِّتَةً أَوْ لَمَسَتْ رَجُلًا
مَيِّتًا فَفِي انْتِقَاضِ اللَّامِسِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الصباغ والبغوى والروياني والشاشي وآخرون احدهما أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَجُوزِ وَبِهَذَا قَطَعَ الماوردى وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالِانْتِقَاضِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ (1) وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ مَسَّ ذَكَرَ مَيِّتٍ (2) وَكَمَا لَوْ أَوْلَجَ فِي مَيِّتَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ: الرَّابِعُ: لَمَسَ عُضْوًا مَقْطُوعًا مِنْ امْرَأَةٍ كَيَدٍ وَأُذُنٍ وغيرها أَوْ لَمَسَتْ عُضْوًا مَقْطُوعًا مِنْ رَجُلٍ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَنْتَقِضُ كَلَمْسِهِ فِي حَالِ الِاتِّصَالِ وَأَصَحُّهُمَا لَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَةً وَلَا شَهْوَةً وَلَا لَذَّةً وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ: وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا يَنْتَقِضُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى الِانْتِقَاضِ فِي مَسِّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَعَلَى عَدَمِهِ فِي الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فمن الاصحاب
__________
(1) وابن كج في النواقص وجزم في آخر باب غسل الجمعة بعكسه اه اذرعى (2) في مس ذكر الميت وجه ايضا مع انه اولى بالنقض من مس الميتة لان مس الذكر لم ينظر فيه إلى المعني على الصحيح كما سيأتي بخلاف مسألتنا اه اذرعى(2/29)
مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ فَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خِلَافًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَّرَ النَّصَّيْنِ وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ مَسَّ ذكرا ولم يلمس امرأة والتسرع وَرَدَ بِمَسِّ الذَّكَرِ وَلَمْسِ الْمَرْأَةِ: (الْخَامِسُ) : لَوْ لَمَسَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ بَشَرَةَ خُنْثَى مُشْكِلٍ أَوْ لَمَسَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ بَدَنَ الْمُشْكِلِ أَوْ لَمَسَ الْمُشْكِلُ بَدَنَهُمَا لَمْ يَنْتَقِضْ لِلِاحْتِمَالِ فَلَوْ لَمَسَ الْمُشْكِلُ بَشَرَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ انْتَقَضَ هُوَ لِأَنَّهُ لَمَسَ مَنْ يُخَالِفُهُ وَلَا يَنْتَقِضُ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ لِلشَّكِّ وَكَذَا لَوْ لَمَسَاهُ لَمْ ينتقض واحد منهما للشك وفى انتقاض الخثى الْقَوْلَانِ فِي الْمَلْمُوسِ فَلَوْ اقْتَدَتْ الْمَرْأَةُ بِهَذَا الرَّجُلِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْدِثَةً فَإِمَامُهَا مُحْدِثٌ: (السَّادِسُ) لَوْ ازْدَحَمَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ فَوَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى بَشَرَةٍ لَا يَعْلَمُ أَهِيَ بَشَرَةُ امْرَأَةٍ أَمْ رَجُلٍ لَمْ يَنْتَقِضْ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ لَمَسَ مَحْرَمًا أم أجنبية أو هل لمس شعرا أم بَشَرَةً كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ: (السَّابِعُ) إذَا لَمَسَ الرَّجُلُ أَمْرَدَ حَسَنَ الصُّورَةِ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ
الْمَشْهُورُ به قَطَعَ الْجُمْهُورُ: وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اللَّمْسِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْتِقَاءَ بَشَرَتَيْ الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَجْنَبِيَّةِ ينتقض سواء كان بشهوة وبقصد أم لا ولا ينتقص مَعَ وُجُودِ حَائِلٍ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَمَكْحُولٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ: الْمَذْهَبُ الثَّانِي لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِاللَّمْسِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَكِنَّهُ قَالَ إذَا بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرْجِ وَانْتَشَرَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ: الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ إنْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عن الحكم وحماد ومالك والليث واسحق وَرِوَايَةٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ كَالْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ: الْمَذْهَبُ
* الرَّابِعُ إنْ لَمَسَ عَمْدًا انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَخَالَفَهُ ابْنُهُ فَقَالَ لَا يَنْتَقِضُ بحال: (الخامس) إنْ لَمَسَ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَحَكَى عَنْهُ انه لا ينقض إلَّا اللَّمْسُ بِالْيَدِ (السَّادِسُ) إنْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ انْتَقَضَ وَإِنْ لَمَسَ(2/30)
[فَوْقَ حَائِلٍ رَقِيقٍ حُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا (السَّابِعُ) إنْ لَمَسَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِنْ لَمَسَ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ انْتَقَضَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ عَطَاءٍ وَهَذَا خِلَافُ مَا حَكَاهُ الْجُمْهُورُ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ أَحَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ لَا ينتقض مطلقا بحديث حبيب ابن أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ: وَعَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ بَعْدَ الْوُضُوءِ ثُمَّ لَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ) وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ يَدَهَا وَقَعَتْ عَلَى قَدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِالْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى وَهُوَ حامل أمامة بنت زينب رضي الله عنهما فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا
قَامَ رَفَعَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يُصَلِّي وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَهَا فَقَبَضَتْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يوثر مَسَّنِي بِرِجْلِهِ) وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَحَارِمِ وَالشَّعْرِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ اللَّمْسُ نَاقِضًا لَنَقَضَ لَمْسُ الرجل الرَّجُلِ كَمَا أَنَّ جِمَاعَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ كَجِمَاعِهِ الْمَرْأَةَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ لمستم النساء) وَاللَّمْسُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ قَالَ اللَّهُ تعالى (فلمسوه بايديهم) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَاعِزٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ لَمَسْتَ) الْحَدِيثَ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَفِي الْحَدِيث الْآخَرِ (وَالْيَدُ زِنَاهَا اللَّمْسُ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَلَّ يَوْمٌ إلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ عَلَيْنَا فَيُقَبِّلُ وَيَلْمِسُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ اللَّمْسُ يَكُونُ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا وَقَدْ يَكُونُ بِالْجِمَاعِ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ اللَّمْسُ أَصْلُهُ باليد ليعرف مس الشئ وَأَنْشَدَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي هَذَا قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَأَلْمَسْتُ كَفِّي كَفَّهُ طَلَبَ الْغِنَى
* وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُقْتَضَى اللَّمْسِ مُطْلَقًا فَمَتَى الْتَقَتْ الْبَشَرَتَانِ انْتَقَضَ سَوَاءٌ كَانَ بِيَدٍ أَوْ جِمَاعٍ.
وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ ثُمَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بن عبد الله ابن عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ (قَالَ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ(2/31)
فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) وَهَذَا إسْنَادٌ فِي نِهَايَةٍ مِنْ الصِّحَّةِ كَمَا تَرَاهُ: فَإِنْ قِيلَ ذِكْرُ النِّسَاءِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ اللَّمْسَ إلَى الْجِمَاعِ كَمَا أَنَّ الوطئ أَصْلُهُ الدَّوْسُ بِالرِّجْلِ وَإِذَا قِيلَ وَطِئَ الْمَرْأَةَ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ إلَّا الْجِمَاعُ: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِدَوْسِ الْمَرْأَةِ بِالرِّجْلِ فَلِهَذَا صرفنا الوطئ إلَى الْجِمَاعِ بِخِلَافِ اللَّمْسِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْجَسِّ بِالْيَدِ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا مَشْهُورٌ: وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً مِنْهَا أَنَّهُ لَمْسٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمُحْرِمِ فَنَقَضَ كَالْجِمَاعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لَا يُعَلَّلُ وِفَاقًا قَالَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ اقْتِضَاءَ الْأَحْدَاثِ الْوُضُوءَ لَيْسَ مِمَّا يُعَلَّلُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ وَلَيْسَ لَمْسُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي مَعْنَى لَمْسِهِ الْمَرْأَةَ فَإِنَّ لَمْسَهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَتَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَا مَطْمَعَ لَهُمْ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الرَّجُلِ وَقَدْ سَلَّمَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا
تَجَرَّدَا وَتَعَانَقَا وَانْتَشَرَ لَهُ وَجَبَ الْوُضُوءُ فَيُقَالُ لَهُمْ بِمَ نَقَضْتُمْ فِي الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ فَإِنْ قَالُوا بِالْقِيَاسِ لَمْ يُقْبَلْ وَإِنْ قَالُوا لِقُرْبِهِ مِنْ الْحَدَثِ قُلْنَا الْقُرْبُ مِنْ الْحَدَثِ لَيْسَ حَدَثًا بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا النَّائِمُ فَإِنَّهُ إنَّمَا انْتَقَضَ بِالسِّنَةِ لِكَوْنِهِ لَا يَشْعُرُ بِالْخَارِجِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فِي الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ إلَّا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَلَيْسَ فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ وَغَيْرِهَا: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحْسَنُهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ مِمَّنْ ضَعَّفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وأبو بكر النيسابوري وأبو الحسن الدارقطني وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَغَيْرُهُمَا غَلَطُ حَبِيبٍ مِنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ إلَى الْقُبْلَةِ فِي الْوُضُوءِ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَا حَدَّثَنَا حَبِيبٌ إلَّا عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيِّ يَعْنِي لَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُرْوَةُ الْمُزَنِيّ مَجْهُولٌ وَإِنَّمَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ(2/32)
صَائِمٌ: وَالْجَوَابُ الثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى القبلة فوق حائل جمعا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَوْقٍ بِالْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ضَعْفُ أَبِي رَوْقٍ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ: وَالثَّانِي أَنَّ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ لَمْ يَسْمَعْ عَائِشَةَ هكذا ذكره الحفاظ منهم أَبُو دَاوُد وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ عَنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَيْنَا سَائِرَ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَبَيَّنَّا ضَعْفَهَا فَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ فَحَمَلَهُ الضُّعَفَاءُ مِنْ الرُّوَاةِ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْهَا: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ حَمْلِ أُمَامَةَ فِي الصَّلَاةِ وَرَفْعِهَا وَوَضْعِهَا مِنْ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ: وَالثَّانِي أَنَّهَا صَغِيرَةٌ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ: وَالثَّالِثُ أَنَّهَا مَحْرَمٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي وُقُوعِ يَدِهَا عَلَى بَطْنِ قَدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ فَوْقَ حَائِلٍ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهَا الْآخَرِ أَنَّهُ لَمْسٌ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِيمَنْ هُوَ نَائِمٌ فِي فِرَاشٍ وهذان الجوابان (1) إذا سلمنا انتقاض طهر الْمَلْمُوسِ وَإِلَّا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الشَّعْرِ وَالْمَحَارِمِ وَلَمْسِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ: فَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ أَنَّ الشَّعْرَ لَا يُلْتَذُّ بِلَمْسِهِ وَالْمَحْرَمُ وَالرَّجُلُ لَيْسَا مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ
وَقَدْ سَبَقَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إبْطَالُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا الْبَابِ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ يَنْقُضُ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ دُونَ غَيْرِهِ بِحَدِيثِ أُمَامَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ مَعَهُ مُبَاشَرَةٌ لَكِنْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ بِلَا شَهْوَةٍ فَأَشْبَهَتْ مُبَاشَرَةَ الشَّعْرِ وَالْمَحَارِمِ وَالرَّجُلِ وَلِأَنَّهَا مُلَامَسَةٌ فَاشْتُرِطَ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا الشَّهْوَةُ كَمُبَاشَرَةِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بقول الله تعالى (أو لمستم النساء) وَلَمْ يُفَرِّقْ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أُمَامَةَ بِالْأَوْجُهِ الثلاثة السابقة وعن الشعر وما بعده لانه لَيْسَ مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ وَلَذَّةٍ وَعَنْ مُبَاشَرَةِ الْمُحْرِمِ بِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ التَّرَفُّهِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالشَّهْوَةِ بِخِلَافِ هَذَا
* وَاحْتَجَّ لِدَاوُدَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أو لمستم) وَهَذَا يَقْتَضِي قَصْدًا: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْآيَةِ وَلَيْسَ فيها فرق ولان الاحداث لافرق(2/33)
فِيهَا بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ كَالْبَوْلِ وَالنَّوْمِ وَالرِّيحِ: وقولهم اللمس يقتضي القصد غلط لايعرف عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ يُطْلَقُ اللَّمْسُ عَلَى الْقَاصِدِ وَالسَّاهِي كَمَا يُطْلَقُ اسْمُ الْقَاتِلِ وَالْمُحْدِثِ وَالنَّائِمِ وَالْمُتَكَلِّمِ عَلَى مَنْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ قَصْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ خَصَّ النَّقْضَ بِالْيَدِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَسِّ الذَّكَرِ: وَاحْتِجَاجُ الْأَصْحَابِ بِالْآيَةِ وَالْمُلَامَسَةُ لا تختص وَغَيْرُ الْيَدِ فِي مَعْنَاهَا فِي هَذَا وَلَيْسَ عَلَى اخْتِصَاصِ الْيَدِ دَلِيلٌ: وَأَمَّا مَسُّ الذَّكَرِ بِالْيَدِ فَمُثِيرٌ لِلشَّهْوَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْيَدِ وَلَمْسُ الْمَرْأَةِ يُثِيرُ الشَّهْوَةِ بِأَيِّ عُضْوٍ كَانَ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ اللَّمْسُ فَوْقَ حَائِلٍ رَقِيقٍ يَنْقُضُ بِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ بِشَهْوَةٍ فَأَشْبَهَ مُبَاشَرَةَ الْبَشَرَةِ: وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ فَوْقَ حَائِلٍ لَا تُسَمَّى لَمْسًا وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْمِسُهَا فَلَمَسَ فوق حائل لم يحنث والله أعلم قال المصنف رحمه الله
* [وَأَمَّا مَسُّ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ بِبَطْنِ الْكَفِّ نَقَضَ الْوُضُوءَ لِمَا رَوَتْ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يتوضؤن) قَالَتْ بِأَبِي وَأُمِّي هَذَا لِلرِّجَالِ أَفَرَأَيْتَ النِّسَاءَ فَقَالَ (إذَا مَسَّتْ إحْدَاكُنَّ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ) وَإِنْ كَانَ بِظَهْرِ الْكَفِّ لَمْ يَنْتَقِضْ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَفْضَى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شئ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) وَالْإِفْضَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَطْنِ الْكَفِّ وَلِأَنَّ
ظَهْرَ الْكَفِّ لَيْسَ بِآلَةِ لَمْسِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْلَجَ الذَّكَرَ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَإِنْ مَسَّ بِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَاطِنِ الْكَفِّ: وَالثَّانِي يَنْتَقِضُ لِأَنَّ خِلْقَتَهُ خِلْقَةُ الْبَاطِنِ وَإِنْ مَسَّ حَلْقَةَ الدُّبُرِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَحَكَى ابْنُ الْقَاصِّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يُلْتَذُّ بِمَسِّهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَنْقُضُ أَنَّهُ أَحَدُ السَّبِيلَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقُبُلَ: وَإِنْ انْسَدَّ(2/34)
الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ وَانْفَتَحَ دُونَ الْمَعِدَةِ مَخْرَجٌ فَمَسَّهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْجٍ وَالثَّانِي يَنْقُضُ لِأَنَّهُ سَبِيلٌ لِلْحَدَثِ فَأَشْبَهَ الْفَرْجَ وَإِنْ مَسَّ فَرْجَ غَيْرِهِ مِنْ صَغِيرٍ أو كبير أوحي أوميت انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ بِمَسِّ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَهْتِكْ بِهِ حُرْمَةً فَلَأَنْ يَنْتَقِضَ بِمَسِّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ هَتَكَ بِهِ حُرْمَةً أَوْلَى وَإِنْ مَسَّ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ كَمَا لَوْ مَسَّ يَدًا مَقْطُوعَةً مِنْ امْرَأَةٍ وَالثَّانِي يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَسُّ الذَّكَرِ وَيُخَالِفُ الْيَدَ الْمَقْطُوعَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَمْسُ الْمَرْأَةِ وَإِنْ مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ لَمْ يَجِبْ الْوُضُوءُ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يجب الوضوء وليس بشئ لان البهيمة لاحرمة لها ولا تعبد عليها]
* (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا حَدِيثُ بُسْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ فِي سُنَنِهِمْ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ قال البخاري أصح شئ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ بُسْرَةَ وَعَلَيْهِ إيرَادٌ سَنَذْكُرُهُ مَعَ جَوَابِهِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَضَعِيفٌ وَفِي حَدِيثِ بُسْرَةَ كِفَايَةٌ عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ مَسَّ ذَكَرَهُ وَرُوِيَ (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ) وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيُّ بِأَسَانِيدِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ لَكِنَّهُ يَقْوَى بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي أَلْفَاظِ الْفَصْلِ
* أَصْلُ الْفَرْجِ الْخَلَلُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ قَوْلُهُ يَمَسُّونَ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَالْمَاضِي مَسِسْتُ بِكَسْرِ السِّينِ علي المشهور وعلى اللغية الضَّعِيفَةِ بِضَمِّهَا
قَوْلُهَا بِأَبِي وَأُمِّي مَعْنَاهُ أَفْدِيكَ بِأَبِي وَأُمِّي مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي(2/35)
سَوَاءٌ كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ: وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَنَعَهُ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ الْآخِرَةِ عَنْ مِثْلِهِ: قَوْلُهُ الْإِفْضَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَطْنِ الْكَفِّ مَعْنَاهُ الْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَطْنِ الْكَفِّ وَإِلَّا فَالْإِفْضَاءُ يُطْلَقُ عَلَى الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ إنَّمَا هُوَ بِبَطْنِهَا كَمَا يُقَالُ أَفْضَى بِيَدِهِ مُبَايِعًا وَأَفْضَى بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ رَاكِعًا هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَنَحْوُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمُخْتَصَرِ الرَّبِيعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مَشْهُورٌ كَذَلِكَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ إذَا مَسَّهَا بِرَاحَتِهِ فِي سُجُودِهِ وَنَحْوُهُ فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ: وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ لَيْسَ بِآلَةٍ لِمَسِّهِ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّلَذُّذَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَاطِنِ فَالْبَاطِنُ هُوَ آلَةُ مَسِّهِ: وَقَوْلُهُ حَلْقَةُ الدُّبُرِ هِيَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فَتْحَهَا أَيْضًا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَكَذَلِكَ حَلْقَةُ الْحَدِيدِ وَحَلْقَةُ الْعِلْمِ وَغَيْرُهَا كُلُّهُ بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَوْلُهُ فَلَأَنْ يَنْتَقِضَ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ: قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا حُرْمَةَ لَهَا وَلَا تَعَبُّدَ عليها هذه البعارة عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَشَرَحَهَا صَاحِبُ الْحَاوِي وغيره فقالوا معناه لاحرمة لَهَا فِي وُجُوبِ سَتْرِ فَرْجِهَا وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَلَا تَعَبُّدَ عَلَيْهَا فِي أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ لَا يَنْقُضُ طُهْرًا: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي الْأَسْمَاءِ: أَمَّا عَائِشَةُ وَابْنُ الْقَاصِّ فَسَبَقَ بَيَانُهُمَا وأما بسرة فبضم الباء واسكان السين الهملة: وَهِيَ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أسد بن عبد العزى وورقة ابن نَوْفَلٍ عَمُّهَا وَهِيَ جَدَّةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أُمُّ أُمِّهِ وَهِيَ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(2/36)
وَرَضِيَ عَنْهَا: وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَذَا فَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَعْيَنَ الْمِصْرِيُّ كَانَ مِنْ أَجَلِّ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَفْضَتْ إلَيْهِ الرِّيَاسَةُ بِمِصْرَ بَعْدَ أَشْهَبَ وَأَحْسَنَ إلَى الشَّافِعِيِّ كَثِيرًا فَأَعْطَاهُ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَخَذَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَلْفَيْ دِينَارٍ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعَ
عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فِي الْأَحْكَامِ فَإِذَا مَسَّ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ قُبُلَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ صَغِيرٍ أو كبير حي أوميت ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى انْتَقَضَ وُضُوءُ الْمَاسِّ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُتَصَوَّرُ كَوْنُ مَسِّ الرَّجُلِ قبل المرأة نافضا إذَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ صَغِيرَةً وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ لَمْسَهَا لَا يَنْقُضُ فَيَنْتَقِضُ بِمَسِّ فَرْجِهَا بِلَا خِلَافٍ (1) وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ ذَكَرِ الْمَيِّتِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ ذَكَرِ الصَّغِيرِ (2) وَحَكَى غَيْرُهُ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ فَرْجِ غَيْرِهِ إلَّا بِشَهْوَةٍ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الِانْتِقَاضُ بِكُلِّ ذلك ثم انه لا ضبط لسن الصغير حَتَّى لَوْ مَسَّ ذَكَرَ ابْنَ يَوْمٍ انْتَقَضَ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ (3) (فَرْعٌ)
وَلَوْ مَسَّ ذَكَرًا أَشَلَّ أَوْ بِيَدٍ شَلَّاءَ انْتَقَضَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ مَسَّ ذَكَرًا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ: (الْخَامِسَةُ) إنْ مَسَّ بِبَطْنِ الْكَفِّ وَهُوَ الرَّاحَةُ وَبَطْنُ الْأَصَابِعِ انْتَقَضَ وَإِنْ مَسَّ بِظَهْرِ الْكَفِّ فَلَا وَدَلِيلُهُ مَذْكُورٌ في الكتاب وان مس برؤوس الْأَصَابِعِ أَوْ بِمَا بَيْنَهَا أَوْ بِحَرْفِهَا أَوْ بِحَرْفِ الْكَفِّ فَفِي الِانْتِقَاضِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَنْتَقِضُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ ثُمَّ الْوَجْهَانِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِوَاءِ مِنْ رُءُوسِ الاصابع أما الْمُنْحَرِفُ الَّذِي يَلِي الْكَفَّ فَإِنَّهُ مِنْ الْكَفِّ فينقض وجها واحدا قال الرافعي
__________
(1) وفيه نظر بل ينبغي ان يكون على الوجهين في مس فرج الصغير اه اذرعى (2) وهذا الوجه مخالف لنصه الصريح في الام اه اذرعى (3) وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ أومس ذلك من صبى وجب عليه الوضوء اه اذرعى(2/37)
من قال المس برؤوس الْأَصَابِعِ يَنْقُضُ قَالَ بَاطِنُ الْكَفِّ مَا بَيْنَ الْأَظْفَارِ وَالزَّنْدِ فِي الطُّولِ وَمَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُ قَالَ بَاطِنُ الْكَفِّ هُوَ الْقَدْرُ الْمُنْطَبِقُ إذا وضعف إحْدَى الْكَفَّيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ والتقيد بِتَحَامُلٍ يَسِيرٍ لِيَدْخُلَ الْمُنْحَرِفُ (1) وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ إنْ مَسَّ بِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ مُسْتَقْبِلًا لِلْعَانَةِ بِبَطْنِ كَفِّهِ انتقض وان استقبلها بظهر كفه لم ينتقض قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ: (السَّادِسَةُ) إذَا مَسَّ دُبُرَ نَفْسِهِ أَوْ دُبُرَ آدَمِيٍّ غَيْرِهِ انْتَقَضَ عَلَى الْمَذْهَبِ
وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ: وَحَكَى ابْنُ الْقَاصِّ فِي كِتَابِهِ الْمِفْتَاحُ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وَلَمْ يَحْكِهِ هُوَ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ حَكَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُصَنِّفِينَ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَاصِّ عَنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ نَجِدْ هَذَا الْقَوْلَ فِي الْقَدِيمِ فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بالدبر ملتقى المنفذ أما ما رواء ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِ الْأَلْيَيْنِ فَلَا يَنْقُضُ بِلَا خلاف (السابعة) إذا انقتح مَخْرَجٌ تَحْتَ الْمَعِدَةِ أَوْ فَوْقَهَا وَحَكَمْنَا بِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ السَّابِقَيْنِ فَهَلْ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَنْتَقِضُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي فُرُوعِ مَسَائِلِ الْمُنْفَتِحِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (الثَّامِنَةُ) إذَا مَسَّ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَفِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الِانْتِقَاضُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ لِكَوْنِهِ لَا لَذَّةَ فِيهِ وَلَا يُقْصَدُ وَلَا يَكْفِي اسْمُ الذَّكَرِ كَمَا لَوْ مَسَّهُ بِظَهْرِ كَفِّهِ وَسَوَاءٌ قُطِعَ كُلُّ الذَّكَرِ أَوْ بَعْضُهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ مَسَّ مِنْ ذَكَرِ الصَّغِيرِ الْأَغْلَفِ مَا يُقْطَعُ فِي الْخِتَانِ انْتَقَضَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مِنْ الذَّكَرِ مَا لَمْ يُقْطَعُ قَالَ فَإِنْ مَسَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَطْعِ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّهُ بَائِنٌ مِنْ الذَّكَرِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ (التَّاسِعَةُ) إذَا مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ
__________
(1) قال في البحر بطن الكف ما بين الاظفار والزند فان مسه برؤوس الاصابع بطل وضوءه علي الصحيح في المذهب ومن اصحابنا من قال فيه وجهان وهو ضعيف قال والمس بخلال الاصابع لا ينقض نص عليه في الام وقيل فيه وجهان ولا معني له ولو مس بحرف يده لم ينقض نص عليه في البويطى اه اذرعى(2/38)
وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ: وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُنْقَضُ: قَالَ الشيخ أبو حامد الاسفراينى في تعليقه ابن عبد الْحَكَمِ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ حِكَايَةِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيُونُسَ جَمِيعًا فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَنْكَرَ كَوْنَ هَذَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ لَمْ يُثْبِتْ
أَصْحَابُنَا هَذَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ رَدَّ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى إثْبَاتِهِ وَجَعَلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ: ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ وَظَاهِرُهُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِي قُبُلِهَا وَدُبُرِهَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْقَوْلُ بِالنَّقْضِ إنَّمَا هُوَ بِالْقُبُلِ أَمَّا دُبُرُ الْبَهِيمَةِ فَلَا يَنْقُضُ قَطْعًا لِأَنَّ دُبُرَ الْآدَمِيِّ لَا يَلْحَقُ عَلَى الْقَدِيمِ بِقُبُلِهِ فدبر البهمية أَوْلَى: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ فِي النَّقْضِ قَوْلٌ قَدِيمٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَلَيْسَ هُوَ بِقَدِيمٍ وَلَمْ يَحْكِهِ الْأَصْحَابُ عَنْ الْقَدِيمِ وَإِنَّمَا حَكَوْهُ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيُونُسَ وَهُمَا مِمَّنْ صَحِبَ الشَّافِعِيَّ بِمِصْرَ دُونَ الْعِرَاقِ (1) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ مَسَّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ لَا يَنْقُضُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي فَرْجِهَا فَفِي الِانْتِقَاضِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَصَحُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ لَا يَنْقُضُ صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ هَذَا حُكْمُ مَذْهَبِنَا فِي الْبَهِيمَةِ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مَسَّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ الْمَأْكُولَةِ يَنْقُضُ وَغَيْرُهَا لَا يَنْقُضُ وَعَنْ اللَّيْثِ يَنْقُضُ الْجَمِيعُ لِإِطْلَاقِ الْفَرْجِ وَالصَّوَابُ عَدَمُ النَّقْضِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْضِ حَتَّى تَثْبُتَ السُّنَّةُ بِهِ وَلَمْ تَثْبُتْ وَإِطْلَاقُ الْفَرْجِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْتَادِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ فَرْجُ الْآدَمِيِّ والله أعلم
*
__________
(1) هذا القول لايمنع ان يكون قديما فان البويطى والمزنى والربيع رووا عن القديم أقوالا كثيرة وهم مصريون اه اذرعى(2/39)
(فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ اللَّمْسُ يَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ النَّاسِي وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ: الثَّانِي إذَا مَسَّ ذَكَرًا أَشَلَّ أَوْ بِيَدٍ شَلَّاءَ انْتَقَضَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَوْ مَسَّ بِبَطْنِ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ أَوْ كَفٍّ زَائِدَةٍ انْتَقَضَ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ: ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الِانْتِقَاضَ بِالْكَفِّ الزَّائِدَةِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ كَانَتْ الْكَفَّانِ عَامِلَتَيْنِ انْتَقَضَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ إحْدَاهُمَا انْتَقَضَ بِهَا دُونَ الْأُخْرَى وَأَطْلَقَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا الِانْتِقَاضَ بِالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا إذَا كَانَتْ الزَّائِدَةُ
نَابِتَةً عَلَى وَفْقِ سَائِرِ الاصابع الاصلية فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ الْكَفِّ لَمْ يَنْقُضْ الْمَسُّ بِبَطْنِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ كَانَتْ الْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ عَلَى سُنَنِ الْأَصَابِعِ الْأَصْلِيَّةِ نَقَضَتْ فِي أصح الوجهين والافلا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ: (الثَّالِثُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْأُنْثَيَيْنِ وَشَعْرِ الْعَانَةِ مِنْ الرَّجُلِ والمرأة ولا موضع الشعر ولا مابين القبل والدبر ولا مابين الْأَلْيَيْنِ وَإِنَّمَا يَنْقُضُ نَفْسُ الذَّكَرِ وَحَلْقَةُ الدُّبُرِ وملتقى شفرى المرأة فان مست ما رواء الشَّفْرِ (1) لَمْ يَنْقُضْ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ امام الحرمين والبغوى وآخرون ولوجب ذكره قال أصحابنا ان بقى منه شئ شَاخِصٌ وَإِنْ قَلَّ انْتَقَضَ بِمَسِّهِ بِلَا خِلَافٍ وان لم يبق منه شئ أَصْلًا فَهُوَ كَحَلْقَةِ الدُّبُرِ فَيَنْتَقِضُ عَلَى الصَّحِيحِ وان نبت مَوْضِعِ الْجَبِّ جِلْدَةٌ فَمَسَّهَا فَهُوَ كَمَسِّهِ مِنْ غَيْرِ جِلْدَةٍ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ: هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عروة ابن الزُّبَيْرِ أَنَّ مَسَّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْأَلْيَةِ وَالْعَانَةِ يَنْقُضُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يَنْقُضُ ذَلِكَ كَمَذْهَبِنَا
* وَاحْتَجَّ لِعُرْوَةِ بِمَا رُوِيَ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ كذا قاله أهل الحديث والاصل ان لانقض إلَّا بِدَلِيلٍ وَالرُّفْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وبالغين المعجمة وهو أصل الفخذين ويقال لك مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ رُفْغٌ: (الرَّابِعُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَسَّ بِغَيْرِ بَطْنِ الكف من الاعضاء لا ينقض الاصاحب الشَّامِلِ (2) فَقَالَ لَوْ مَسَّ بِذَكَرِهِ دُبُرَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِضَ لِأَنَّهُ مَسَّهُ بِآلَةِ مَسِّهِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِالْعِرَاقِ وَأَظُنُّهُ أَرَادَ صَاحِبَ الشَّامِلِ ثُمَّ قَالَ وهذا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْخَبَرِ وَلَمْ يَرِدْ بِهَذَا خَبَرٌ وَصَرَّحَ الدَّارِمِيُّ ثُمَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ فَقَالَا فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ إذَا أَجْنَبَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ بِأَنْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي بَهِيمَةٍ أَوْ رَجُلٍ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ادخال
__________
(1) قلت في فتاوى القفال انما لو مس الشعر النابت من الموضع الذي يكون مدخل الذكر أوثقبة البول أو مست موضع ختانها انتقض وضوءها لذلك كله اه اذرعى (2) الذى قاله في الشامل ونقله عنه صاحبه الشاشي في المسألة ان الذى يقتضيه المذهب ان لا ينتقض طهره والذى يقتضيه التعليل ان ينتقض وكذا نقله عنه في الذخائر وزاد فقال وذكر الشيخ أبو بكر ان الشيخ ابا اسحاق ذكر في تعليق الخلاف
ما يوافق مقتضى المذهب وهو انه لا ينتقض ووقع في البحر عن الشامل كما وقع هنا وكذا في الصبان وكانهم ارادوا احتماله اه اذرعى(2/40)
الذكر في دبر الرجل لا ينتقض الْوُضُوءَ فَوَضْعُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّهِ بِهِ وَلَا بِإِدْخَالِهِ لِأَنَّ الْبَابَ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ الِاسْمِ وَلِهَذَا لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً وَعَانَقَهَا فَوْقَ حَائِلٍ رَقِيقٍ وَأَطَالَ وَانْتَشَرَ ذَكَرُهُ لَا يَنْتَقِضُ وَلَوْ وَقَعَ بَعْضُ رِجْلِهِ عَلَى رِجْلِهَا بِلَا قَصْدٍ انْتَقَضَ فِي الْحَالِ لِوُجُودِ اللَّمْسِ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْحَشُ بَلْ لانسبة بَيْنَهُمَا وَوَافَقَ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مس بذكره ذكر غيره لم ينتقض وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسُ) لَوْ كَانَ لَهُ ذَكَرٌ مَسْدُودٌ فَمَسَّهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ: (السَّادِسُ) إذَا كَانَ لَهُ ذَكَرَانِ عَامِلَانِ انْتَقَضَ بِمَسِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ أَحَدَهُمَا فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْعَامِلِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِالْآخَرِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ أَيْضًا بِغَيْرِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ وَشَذَّ الشَّاشِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ فِي كِتَابَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَقِضَ بِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ كَالْخُنْثَى وَهَذَا غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ وَالدَّلِيل: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ أَوْلَجَ أَحَدَ الْعَامِلَيْنِ فِي فَرْجٍ لزمه الغسل ولو خرج من أحدهما شئ وَجَبَ الْوُضُوءُ قَالَ وَلَوْ كَانَ يَبُولُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ فَحُكْمُ الذَّكَرِ جَارٍ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ زَائِدٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ فَبَالَتْ مِنْهُمَا وَحَاضَتْ انْتَقَضَ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَإِنْ بَالَتْ وَحَاضَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ: (السَّابِعُ) الْمَمْسُوسُ ذَكَرُهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ كَالْمَلْمُوسِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ هُنَاكَ بِالْمُلَامَسَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ وَهُنَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْمَسِّ وَالْمَمْسُوسُ لَمْ يَمَسَّ: (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِمَسِّ فَرْجِ الْآدَمِيِّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَلَا يَنْتَقِضُ بِغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُرْوَةُ بن الزبير وسليمان
ابن يَسَارٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ
* وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْمَسُّ بِالْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَنْقُضُ(2/41)
بِظَهْرِ الْكَفِّ وَبَطْنِهَا وَأُخْرَى أَنَّ الْوُضُوءَ مُسْتَحَبٌّ وَأُخْرَى يُشْتَرَطُ الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ وَعَمَّارُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ وَرَبِيعَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَنْقُضُ مَسُّهُ ذَكَرَ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ
* وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ (هَلْ هُوَ الابضعة مِنْكَ) وَعَنْ أَبِي لَيْلَى قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ يَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ فَرَفَعَ عَنْ قَمِيصِهِ وَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ ولانه مس عضو مِنْهُ فَلَمْ يَنْقُضْ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ بُسْرَةَ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَبِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ فَاسْتَحْسَنَهُ قَالَ وَرَأَيْتُهُ يَعُدُّهُ مَحْفُوظًا وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَوَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِضْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنْ قِيلَ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَا تَصِحُّ أَحَدُهَا الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدْ صَحَّحَهُ الْجَمَاهِيرُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ وَاحْتَجَّ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهُمْ أَعْلَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ يَحْتَجُّوا بِهِ: فَإِنْ قَالُوا حَدِيثُ بُسْرَةَ رَوَاهُ شُرْطِيٌّ لِمَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ: فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَثَبَتَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الشُّرْطِيِّ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إمَامِ الائمة محمد بن اسحق بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَقُولُ لِأَنَّ عُرْوَةَ سَمِعَ حَدِيثَ بُسْرَةَ مِنْهَا: فَإِنْ قَالُوا الْوُضُوءُ هُنَا غَسْلُ الْيَدِ قُلْنَا هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الْوُضُوءَ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ حُمِلَ عَلَى غَسْلِ
الْأَعْضَاءِ الْمَعْرُوفَةِ هَذَا حَقِيقَتُهُ شَرْعًا وَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَقْيِسَةٍ وَمَعَانٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وُجُوهًا مِنْ وُجُوهِ تَضْعِيفِهِ: الثَّانِي أَنَّهُ مَنْسُوخٌ فان وفادة(2/42)
طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْنِي مَسْجِدَهُ وَرَاوِي حَدِيثِنَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا في كتب المذهب: الثالث أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسِّ فَوْقَ حَائِلٍ لِأَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فِي الصَّلَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمَسُّ الذَّكَرَ فِي الصَّلَاةِ بِلَا حَائِلٍ: وَالرَّابِعُ أَنَّ خَبَرَنَا أَكْثَرُ رُوَاةً فَقُدِّمَ: الْخَامِس أَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فَقُدِّمَ: وَأَمَّا حَدِيثُ ... أَبِي لَيْلَى فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ: الثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فَوْقَ حَائِلٍ: الثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ مَسَّ زَبِيبَتَهُ بِبَطْنِ كَفِّهِ وَلَا يَنْقُضُ غَيْرُ بَطْنِ الْكَفِّ: الرَّابِعُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ مَسِّ زَبِيبَتِهِ بِبَطْنِ كَفِّهِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَعَلَى الْجُمْلَةِ اسْتِدْلَالُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْعَجَائِبِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قِيَاسٌ يُنَابِذُ النَّصَّ فَلَا يَصِحُّ: الثَّانِي أَنَّ الذَّكَرَ تَثُورُ الشَّهْوَةُ بِمَسِّهِ غَالِبًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَسُّ الدُّبُرِ نافض عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْقُضُ وَلَا يَنْقُضُ مَسُّ فَرْجِ البهيمة عندنا وبه قال العلماء كافة الاعطاء والليت وَإِذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا انْتَقَضَ وُضُوءُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا ينتقض *
قال المصنف رحمه الله تعالى
* [وان مس الخنثى المشكل فرجه أو ذكره أَوْ مَسَّ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرُهُ لَمْ يَنْتَقِضْ الوضوء حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَسَّ الْفَرْجَ الْأَصْلِيَّ أَوْ الذكر الاصلى وَمَتَى جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي مَسَّهُ غَيْرَ الاصلي لم ينتقض الوضوء ولذا لَوْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ انْتَقَضَ طُهْرُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ نَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ لَمْ نُوجِبْ الْوُضُوءَ عَلَى وَاحِدٍ منهما لان الطهارة متيقنة ولا يزال ذلك بالشك]
*
[الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِهِ تَسَاهُلٌ فَأَنَا أَذْكُرُ الْمَذْهَبَ عَلَى ماقاله الْأَصْحَابُ وَاقْتَضَتْهُ الْأَدِلَّةُ ثُمَّ أُبَيِّنُ وَجْهَ التَّسَاهُلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَسَّ(2/43)
الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ ذَكَرَ رَجُلٍ أَوْ فَرْجَ امْرَأَةٍ انْتَقَضَ طُهْرُ الْخُنْثَى وَلَا يَنْتَقِضُ الْمَمْسُوسُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِثْلُهُ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْمَمْسُوسَ فَرْجُهُ يَنْتَقِضُ فَيَنْتَقِضُ هُنَا لِأَنَّهُ مَلْمُوسٌ أَوْ مَمْسُوسٌ وَأَمَّا إذَا مَسَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَرْجَ نَفْسِهِ أَوْ ذَكَرَ نَفْسِهِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِالِاتِّفَاقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ لَكِنْ يُنْدَبُ الْوُضُوءُ لِلِاحْتِمَالِ فَإِنْ مَسَّهُمَا مَعًا أَوْ مَسَّ أَحَدَهُمَا ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ انْتَقَضَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا ثُمَّ مَسَّ مَرَّةً ثَانِيَةً وشك هل الممسوس ثاينا هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ الْآخَرُ لَمْ يَنْتَقِضْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ الْأَوَّلُ وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (1) أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَهُوَ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ: وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُفْرَدَةٌ بِحُكْمِهَا وَقَدْ صَلَّاهَا مُسْتَصْحِبًا أَصْلًا صَحِيحًا فَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا كَمَنْ صَلَّى صَلَاتَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَتَيْنِ وَيُخَالِفُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا فَتَبْقَى وَهُنَا فَعَلَهَا قَطْعًا مُعْتَمِدًا أَصْلًا صَحِيحًا وَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَهُوَ شَاذٌّ مُنْفَرِدٌ بِتَصْحِيحِهِ وَصَحَّحَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الْوَجْهَ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ: وَلَوْ مَسَّ أَحَدَهُمَا وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا لَزِمَهُ إعَادَةُ الْعَصْرِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا مُحْدِثًا قَطْعًا وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا مَضَتْ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَمْ يعارضها شئ (2) وَلَوْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَصَلَّى أَيَّامًا يَمَسُّ فِيهَا الذَّكَرَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ رَجُلٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ أَوْ جِهَاتٍ ثُمَّ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ كَمَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ وَصَلَّى فَبَانَ مُحْدِثًا
بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ أَمْرَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ فَيُبَاحُ تَرْكُهَا فِي نَافِلَةِ السَّفَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ ولا يجوز ترك
__________
(1) قال في البحر وهذا عندي خطأ بل يلزمه اعادتهما وجها واحدا كمن تيقن انه نسي سجدة في احدى الصلاتين يلزمه اعادتهما اه اذرعى (2) قال في الذخائر والصلاتان معا باطلتان لان لمس الفرج الثاني تحقيقا لمس ما تنتقض به الطهارة وشككنا في عين السبب الناقض فيحتمل ان يكون هو الثاني فتبطل الصلاة الثانية ويحتمل ان يكون هو الاول فتبطل الصلاتان معا والصلاة يؤخذ فيها بالاحتياط فيجب اعادتها كما لو صلى صلاتين بوضؤين عن حدثين ثم تحقق أنه نسي عضوا من أعضاء الطهارة في احدى طهارتيه والجامع بينهما تحقق السبب المفسد وحصول الشك في تعيين السبب دون حصول ما تنتقض به الطهارة قال هذا الذى يقتضيه النظر ولم أر للاصحاب فيها نصا انتهى لفظه اه اذرعى(2/44)
الطَّهَارَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلِأَنَّ اشْتِبَاهَ الْقِبْلَةِ وَالْخَطَأُ فِيهَا يَكْثُرُ بِخِلَافِ الْحَدَثِ وَمَتَى أَبَحْنَا لِلْخُنْثَى الصَّلَاةَ بَعْدَ مَسٍّ أَوْ لَمْسٍ أَوْ إيلَاجٍ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الطَّرِيقَانِ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا لَمَسَاهُ أَوْ مَسَّاهُ أَوْ أَوْلَجَ فِيهِ رَجُلٌ أَوْ أَوْلَجَ هو في مرأة ولم توجب طَهَارَةً وَصَلَّى فَبَانَ الْخُنْثَى بِصِفَةٍ تُوجِبُ الطُّهْرَ فَفِي الْإِعَادَةِ الْخِلَافُ هَذَا حُكْمُ مَسِّ الْخُنْثَى نَفْسَهُ أَوْ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَمَّا إذَا مَسَّ رَجُلٌ فَرْجَ الْخُنْثَى فَلَا يَنْتَقِضُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ وَكَذَا إذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ الْخُنْثَى فَلَا وُضُوءَ لِلِاحْتِمَالِ وَلَوْ مَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَ الْخُنْثَى انْتَقَضَ وُضُوءُ الرَّجُلِ لِأَنَّ الْخُنْثَى إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ لَمَسَهَا بِلَمْسِ عُضْوِهَا الزَّائِدِ وَلَا يَنْتَقِضُ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَالْمَمْسُوسُ لَا يَنْتَقِضُ هَكَذَا قَالَهُ الاصحاب ومرادهم التفريع على المذهب وهو أن المموس لَا يَنْتَقِضُ وَأَنَّ الْعُضْوَ الزَّائِدَ يَنْقُضُ لَمْسُهُ وَلَوْ مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَ الْخُنْثَى فَهُوَ كَمَسِّ الرجل ذكر الخنثى فتنتقض المرأة لانه ان كان رجلا فقد لمسه وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَهِيَ لَامِسَةٌ أَوْ مَاسَّةٌ وَلَا يَنْتَقِضُ الْخُنْثَى بِمَا سَبَقَ وَإِنْ مَسَّ
الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فَرْجَيْ الْخُنْثَى انْتَقَضَ الْمَاسُّ وَضَابِطُهُ أَنَّ مَنْ مَسَّ من الخنثى ماله مِثْلُهُ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا: فَيَنْتَقِضُ الرَّجُلُ بِمَسِّهِ ذَكَرَ الْخُنْثَى لَا فَرْجَهُ وَالْمَرْأَةُ عَكْسُهُ وَأَمَّا إذَا مَسَّ الْخُنْثَى خُنْثَى فَيُنْظَرُ إنْ مَسَّ فَرْجَيْهِ انْتَقَضَ الْمَاسُّ وَكَذَا لَوْ مَسَّ فَرْجَ مُشْكِلٍ وَذَكَرَ مُشْكِلٍ آخَرَ انْتَقَضَ لِأَنَّهُ مَسَّ أَوْ لَمَسَ وَإِنْ مَسَّ أَحَدَ فَرْجَيْ الْمُشْكِلِ لَمْ يَنْتَقِضْ كَالْوَاضِحِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ لَمَسَ إحْدَى الْخُنْثَيَيْنِ فَرْجَ صَاحِبِهِ وَمَسَّ الْآخَرُ ذَكَرَ الْأَوَّلِ فَقَدْ انْتَقَضَ طُهْرُ أَحَدِهِمَا بِيَقِينٍ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا رَجُلَيْنِ انْتَقَضَ مَاسُّ الذَّكَرِ أَوْ انثيين انتقض ماس الفرج أو رجل وَامْرَأَةً انْتَقَضَا جَمِيعًا فَانْتِقَاضُ أَحَدِهِمَا مُتَيَقَّنٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَالْأَصْلُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ الطَّهَارَةُ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاحْتِمَالِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْخُنْثَى وَبَيْنَ مَنْ مَسَّهُ مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِمَّا يَمْنَعُ نَقْضَ الْوُضُوءِ بِاللَّمْسِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ بِتَقْدِيرِ أَحْوَالِهِ وحيث لا ينقض في هذه الصور(2/45)
يتسحب الْوُضُوءُ لِاحْتِمَالِ الِانْتِقَاضِ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفُرُوعِهَا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَسَّ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرُهُ لَمْ يَنْتَقِضْ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَسَّ الْفَرْجَ الْأَصْلِيَّ أَوْ الذَّكَرَ الْأَصْلِيَّ فَهَذَا مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ غَيْرَهُ ان كان مس منه ماله مِثْلُهُ انْتَقَضَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ مَاسٌّ أَوْ لَامِسٌ وَيُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَا يَنْتَقِضُ بِسَبَبِ الْمَسِّ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيهِ: وَأَمَّا إذا مس منه ماله مِثْلُهُ فَيَنْتَقِضُ بِسَبَبِ اللَّمْسِ أَوْ الْمَسِّ لَا بِالْمَسِّ عَلَى التَّعْيِينِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِكُلِّ سَبَبٍ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ مُوهِمٌ وَقَوْلُهُ وَمَتَى جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي مَسَّهُ غَيْرَ الْأَصْلِيِّ لَمْ يَنْتَقِضْ هَذَا مُكَرَّرٌ وَزِيَادَةٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَسَّ الْأَصْلِيَّ إلا أن فيه ضربا من والتأكيد فلهذا ذكره وقوله وكذا لوتيقنا أَنَّهُ انْتَقَضَ طُهْرُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ نَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ لَمْ نُوجِبْ الْوُضُوءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثَالُهُ مَسُّ أَحَدِ الْخُنْثَيَيْنِ ذَكَرَ صَاحِبِهِ وَالْآخَرِ فَرْجَ الْأَوَّلِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا أول موضع جرى فيه شئ مِنْ أَحْكَامِ الْخُنْثَى فِي الْكِتَابِ وَلِبَيَانِ أَحْكَامِهِ وَصِفَاتِ وُضُوحِهِ وَأَشْكَالِهِ مَوَاطِنُ: مِنْهَا هَذَا الْبَابُ وَبَابُ الْحَجْرِ وَكِتَابُ الْفَرَائِضِ وَكِتَابُ النِّكَاحِ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ فَبَعْضُهُمْ ذَكَرَهُ هُنَا كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَآخَرِينَ وَبَعْضُهُمْ فِي الْحَجْرِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ هُنَاكَ شَيْئًا وَأَكْثَرُهُمْ ذَكَرُوهُ فِي الفرائض ومنهم المصنف في المذهب وَبَعْضُهُمْ فِي
النِّكَاحِ وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْبَغَوِيُّ وَبَعْضُهُمْ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ كَالْقَاضِي أَبِي الْفُتُوحِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِيهِ فَصْلَيْنِ حَسَنَيْنِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْخُطْبَةِ أَنِّي أُقَدِّمُ مَا أَمْكَنَ تَقْدِيمُهُ فِي أَوَّلِ مَوَاطِنِهِ فَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُعْظَمَ أَحْكَامِهِ مُخْتَصَرَةً جِدًّا وَسَأُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاطِنِهَا أَيْضًا مُفَصَّلَةً وَالْكَلَامُ فِيهِ يَحْصُرُهُ فَصْلَانِ أَحَدُهُمَا فِي طَرِيقِ مَعْرِفَةِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ وَبُلُوغِهِ وَالثَّانِي فِي أَحْكَامِهِ فِي حَالِ الْإِشْكَالِ
* أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَفِي مَعْرِفَةِ حَالِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَصْلُ فِي الْخُنْثَى مَا رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَوْلُودٍ لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَمَا لِلنِّسَاءِ يُورَثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ وَالْكَلْبِيُّ وَأَبُو صَالِحٍ هَذَانِ ضَعِيفَانِ وَلَيْسَ هُوَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ السِّمَّانِ الرَّاوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عن أبي هريرة وروى عن علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُهُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْخُنْثَى ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنْ يكون له(2/46)
فَرْجُ الْمَرْأَةِ وَذَكَرُ الرَّجُلِ: وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَلْ لَهُ ثُقْبَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الْخَارِجُ وَلَا تُشْبِهُ فَرْجَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَاتٌ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَحُكْمُ هَذَا الثَّانِي أَنَّهُ مُشْكِلٌ يُوقَفُ أَمْرُهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ طَبْعُهُ مِنْ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ فَإِنْ أَمْنَى عَلَى النِّسَاءِ وَمَالَ إلَيْهِنَّ طَبْعُهُ فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَكْسَهُ فَامْرَأَةٌ وَلَا دَلَالَةَ فِي بَوْلِ هَذَا: وَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَهُوَ الَّذِي فِيهِ التَّفْرِيعُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ وَإِمَّا امْرَأَةٌ وَلَيْسَ قِسْمًا ثَالِثًا وَالطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا الْبَوْلُ فَإِنْ بَالَ بِآلَةِ الرِّجَالِ فَقَطْ فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ بَالَ بِآلَةِ الْمَرْأَةِ فَقَطْ فَهُوَ امْرَأَةٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِهِمَا جَمِيعًا نُظِرَ إنْ اتَّفَقَا فِي الْخُرُوجِ وَالِانْقِطَاعِ وَالْقَدْرِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا دَلَالَةَ فِي الْبَوْلِ فَهُوَ مُشْكِلٌ إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَامَةٌ أُخْرَى: وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا يَنْقَطِعَانِ مَعًا وَيَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا فِي الِابْتِدَاءِ فَهُوَ لِلْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي التَّقَدُّمِ وَتَأَخَّرَ انْقِطَاعُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلْمُتَأَخِّرِ وَإِنْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا وَتَأَخَّرَ الْآخَرُ فَهُوَ لِلسَّابِقِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وقيل لادلالة وَإِنْ اسْتَوَيَا
فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْقِطَاعِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَزْنًا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُحْكَمُ بِأَكْثَرِهِمَا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لادلالة فِيهِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَلَوْ زَرَقَ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ أَوْ رَشَشَ كَعَادَةِ الْمَرْأَةِ فوجهان أصحهما لادلالة فِيهِ: وَالثَّانِي يَدُلُّ فَعَلَى هَذَا إنَّ زَرَقَ بِهِمَا فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ رَشَشَ بِهِمَا فَامْرَأَةٌ وَإِنْ زَرَقَ بِأَحَدِهِمَا وَرَشَشَ بِالْآخَرِ فَلَا دَلَالَةَ وَلَوْ لَمْ يَبُلْ مِنْ الْفَرْجَيْنِ وَبَالَ مِنْ ثُقْبٍ آخَرَ فَلَا دَلَالَةَ فِي بَوْلِهِ: وَمِنْهَا الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ فَإِنْ أَمْنَى بِفَرْجِ الرَّجُلِ فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ أَمْنَى بِفَرْجِ الْمَرْأَةِ أَوْ حَاضَ بِهِ فَهُوَ امْرَأَةٌ وَشَرْطُهُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ إمْكَانِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ وَأَنْ يَتَكَرَّرَ خُرُوجُهُ لِيَتَأَكَّدَ الظَّنُّ بِهِ ولا يتوهم كونه اتفاقيا ولو امني بالفرجين فوجهان أحدهما لادلالة وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ إنْ أَمْنَى مِنْهُمَا بِصِفَةِ مَنِيِّ الرجال فَرَجُلٌ وَإِنْ أَمْنَى بِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ فَامْرَأَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَنِيَّ بِصِفَةِ مَنِيِّ الرِّجَالِ يَنْفَصِلُ مِنْ رَجُلٍ وَبِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ يَنْفَصِلُ مِنْ امْرَأَةٍ وَلَوْ أَمْنَى مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ بصفة مني الرجال اومن فَرْجِ الرِّجَالِ بِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ أَوْ أَمْنَى مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ بِصِفَةِ مَنِيِّهِمْ وَمِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ بِصِفَةِ مَنِيِّهِنَّ(2/47)
فَلَا دَلَالَةَ وَلَوْ تَعَارَضَ بَوْلٌ وَحَيْضٌ فَبَالَ مِنْ فَرْجِ الرَّجُلِ وَحَاضَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا دَلَالَةَ لِلتَّعَارُضِ: وَالثَّانِي يُقَدَّمُ الْبَوْلُ لِأَنَّهُ دَائِمٌ مُتَكَرِّرٌ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يَمِيلُ إلَى الْبَوْلِ: قَالَ وَالْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِالتَّعَارُضِ وَلَوْ تَعَارَضَ الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ فثلاثة أوجه ذكرها البغوي وغيره أحدها وهو قول أبي اسحق إنَّهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّ الْحَيْضَ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ وَالْمَنِيَّ مُشْتَرَكٌ: وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ إنَّهُ رَجُلٌ لِأَنَّ الْمَنِيَّ حَقِيقَةٌ وَلَيْسَ دَمُ الحيض حقيقة: والثالث لادلالة لِلتَّعَارُضِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَعْدَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهَا الْوِلَادَةُ وَهِيَ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِالْأُنُوثَةِ وَتُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْعَلَامَاتِ الْمُعَارِضَةِ لَهَا لِأَنَّ دَلَالَتَهَا قَطْعِيَّةٌ قال القاضي أبو الفتوح في كتابه كتاب الخناثي لو ألقى الخنثى مضغة وقال القوا بل إنَّهَا مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ حُكِمَ بِأَنَّهَا امْرَأَةٌ وَإِنْ شَكَكْنَ دَامَ الْإِشْكَالُ: قَالَ وَلَوْ انْتَفَخَ بطنه فظهرت امارة حَمْلٍ لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ حَتَّى
يَتَحَقَّقَ الْحَمْلُ أَمَّا نَبَاتُ اللِّحْيَةِ وَنُهُودُ الثَّدْيِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ النَّبَاتُ عَلَى الذُّكُورَةِ وَالنُّهُودُ عَلَى الْأُنُوثَةِ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا تَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِلرِّجَالِ وَالثَّدْيَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِلنِّسَاءِ: وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا دَلَالَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَخْتَلِفُ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ عَدَمَ اللِّحْيَةِ فِي وَقْتِهِ لَا يَدُلُّ لِلْأُنُوثَةِ وَلَا عَدَمَ النُّهُودِ فِي وَقْتِهِ لِلذُّكُورَةِ فَلَوْ جَازَ الِاسْتِدْلَال بِوُجُودِهِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ لَجَازَ بِعَدَمِهِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يُعَارِضُ نَبَاتُ اللِّحْيَةِ وَالنُّهُودُ شَيْئًا مِنْ الْعَلَامَاتِ الْمُتَّفَقِ عليها قلت والحق عندي انه ان كثفت اللحية وعظمت فهو رجل لان هذا لا يتفق للنساء وان خفت فمشكل لانه يتفق للنساء قاله أحمد الاوزاعي: وَأَمَّا نُزُولُ اللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ فَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بانه لادلالة فِيهِ لِلْأُنُوثَةِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ فِيهِ وَجْهَيْنِ الْأَصَحُّ لادلالة: وَأَمَّا عَدَدُ الْأَضْلَاعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ فَإِنْ كَانَتْ أَضْلَاعُهُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ نَاقِصَةً ضِلْعًا فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ تَسَاوَتْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فامرأة ولم يذكر البول غيره: والثاني لادلالة فِيهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ لِأَنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي كُتُبِ التَّشْرِيحِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الَّذِي قِيلَ مِنْ تَفَاوُتِ الْأَضْلَاعِ لَسْتُ أَفْهَمُهُ وَلَا أَدْرِي فَرْقًا بين الرجال والسناء وقال صَاحِبُ الْحَاوِي لَا أَصْلَ لِذَلِكَ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ الْمُبَالِ عَلَيْهِ يَعْنِي وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَقُدِّمَ عَلَى الْمُبَالِ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ حِسِّيَّةٌ كَالْوِلَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ الْعَلَامَاتِ شَهْوَتُهُ وَمَيْلُهُ إلَى النِّسَاءِ أَوْ الرِّجَالِ فَإِنْ قَالَ أَشْتَهِي النِّسَاءَ وَيَمِيلُ طَبْعِي إلَيْهِنَّ حُكِمَ بِأَنَّهُ رَجُلٌ وَإِنْ قَالَ أَمِيلُ إلَى الرِّجَالِ حُكِمَ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِمَيْلِ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ وَإِنْ قَالَ أَمِيلُ إلَيْهِمَا مَيْلًا وَاحِدًا أَوْ لَا أَمِيلُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ مُشْكِلٌ: وَقَالَ اصحابنا وانما(2/48)
نراجعه في ميله وشهرته وَنَقْبَلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ إذَا عَجَزْنَا عَنْ الْعَلَامَاتِ السَّابِقَةِ فَأَمَّا مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَلَا نَقْبَلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْعَلَامَةَ حِسِّيَّةٌ وَمَيْلَهُ خَفِيٌّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا نَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الْمَيْلِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ كَسَائِرِ أَخْبَارِهِ وَلِأَنَّ الْمَيْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ بَعْدَ الْبُلُوغِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي هَذَا كَالتَّخْيِيرِ بين الابوين في الحضانة وهذا ليس بشئ لان تخيبره بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ لِلرِّفْقِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ بِخِلَافِ قَوْلِ
الْخُنْثَى فَإِنَّهُ إخْبَارٌ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَلَيْسَ مَوْضُوعًا لِلرِّفْقِ وَلِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِبَادَاتِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَهُوَ أَيْضًا لَازِمٌ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَفَرَّعَ أَصْحَابُنَا عَلَى إخْبَارِهِ فُرُوعًا أَحَدُهَا أَنَّهُ إذَا بَلَغَ وَفُقِدَتْ الْعَلَامَاتُ وَوُجِدَ الْمَيْلُ لَزِمَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ لِيُحْكَمَ بِهِ وَيُعْمَلَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَخَّرَهُ أَثِمَ وَفَسَقَ كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: الثَّانِي أَنَّ الْإِخْبَارَ إنَّمَا هُوَ بِمَا نَجِدُهُ مِنْ الْمَيْلِ الجبلى ولايجوز الْإِخْبَارُ بِلَا مَيْلٍ بِلَا خِلَافٍ: (الثَّالِثُ) إذَا أَخْبَرَ بِمَيْلِهِ إلَى أَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَذَّبَهُ الْحِسُّ بِأَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ رَجُلٌ ثُمَّ يَلِدُ بَطَلَ قَوْلُهُ وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ حَمْلٌ وَتَبَيَّنَّاهُ كَمَا لَوْ حكمنا بأنه رجل بشئ مِنْ الْعَلَامَاتِ ثُمَّ ظَهَرَ حَمْلٌ فَإِنَّا نُبْطِلُ ذَلِكَ وَنَحْكُمُ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ: وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فَإِذَا أَخْبَرَ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا رَجُلٌ ثُمَّ يَلِدُ فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ قَبُولِ رُجُوعِهِ مَا إذَا وَلَدَ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بأنوثته رجوعه إلَيْهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِلَا خِلَافٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِالْحَمْلِ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ أُنْثَى وَإِنْ لَمْ يَرْضَ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا فَكَأَنَّهُ قَالَ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ بَلْ يَجْرِي عليه الاحكام الا أن يكذبه الحسن فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ لَا إلَى قَبُولِ الرُّجُوعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَنْعِ قَبُولِ الرُّجُوعِ هُوَ فِيمَا عَلَيْهِ وَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَمَّا هُوَ لَهُ قَطْعًا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ امام الحرمين وأهمله الغزال وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: (الرَّابِعُ) إذَا أَخْبَرَ حُكِمَ بِقَوْلِهِ في جميع الاحكام سواء ماله وما عليه قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ لَوْ قَالَ بَلَغْتُ صَدَّقْنَاهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَعْرَفُ بِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ لِلْخُنْثَى قَرِيبٌ فَأَخْبَرَ بِالذُّكُورَةِ وَإِرْثُهُ بِهَا يَزِيدُ قُبِلَ قَوْلُهُ وَحُكِمَ لَهُ بِمُقْتَضَاهُ: وَلَوْ قُطِعَ طَرَفُهُ فَأَخْبَرَ بِالذُّكُورَةِ وَجَبَ لَهُ دِيَةُ رَجُلٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ لَوْ أَقَرَّ الْخُنْثَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى ذَكَرِهِ بأنه رجل(2/49)
فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِإِيجَابِ الْقِصَاصِ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُقْبَلُ وَهَذَا مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ بَعْدَ الْجِنَايَةِ إذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ حَقٍّ لَوْلَاهُ لَمْ يَثْبُتْ مَالًا كَانَ أَوْ قِصَاصًا لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ ظَاهِرٌ وَالْخِلَافُ فِي إقْرَارِهِ بَعْدَ
الْجِنَايَةِ أَمَّا قَبْلَهُ فَمَقْبُولٌ فِي كُلِّ شئ بِلَا خِلَافٍ: (الْخَامِسُ) قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إنَّمَا يُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ إذَا عَجَزْنَا عَنْ الْعَلَامَاتِ فَلَوْ حَكَمْنَا بِقَوْلِهِ ثُمَّ وُجِدَ بَعْضُ الْعَلَامَاتِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَا يُرْجَعُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ لِأَنَّهُ حُكْمٌ لِدَلِيلٍ فلا يترك بظن مثله بل لابد مِنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ لِنَفْسِهِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْكَمَ بِالْعَلَامَةِ كَمَا لَوْ تَدَاعَى اثْنَانِ طِفْلًا وَلَيْسَ هُنَاكَ قَائِفٌ فَانْتَسَبَ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ وَجَدْنَا قَائِفًا فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْقَائِفَ عَلَى إخْبَارِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُهَذَّبِ مُخْتَصَرَةٌ جِدًّا فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْخُنْثَى بِعَلَامَةٍ وَلَا إخْبَارِهِ بَقِيَ عَلَى إشْكَالِهِ وَحَيْثُ قَالُوا خُنْثَى فَمُرَادُهُمْ الْمُشْكِلُ وَقَدْ يُطْلِقُونَهُ نَادِرًا عَلَى الَّذِي زَالَ إشْكَالُهُ لِقَرِينَةٍ يُعْلَمُ بِهَا كَقَوْلِهِ فِي التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ خُنْثَى فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ قَوْلَانِ وَهَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ أَحْكَامِهِ
* إذَا تَوَضَّأَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ أَوْ اغْتَسَلَ أَوْ تَيَمَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ بِسَبَبِ إيلَاجٍ وَمُلَامَسَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ صَارَ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ مُسْتَعْمَلًا وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَمْ يُحْكَمْ بِانْتِقَاضِهَا لِلِاحْتِمَالِ فَفِي مَصِيرِهِ مُسْتَعْمَلًا الْوَجْهَانِ فِي الْمُسْتَعْمَلِ في نفل الطَّهَارَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَفِي خِتَانِهِ وجهان سبقا في باب السواك الاصح لايختن وَحُكْمُ لِحْيَتِهِ الْكَثِيفَةِ كَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْوُضُوءِ لافى اسْتِحْبَابِ حَلْقِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْوُضُوءِ: ولو خرج شئ مِنْ فَرْجَيْهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ سَبَقَتْ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَلَوْ لَمَسَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أو لمسه أحدهما لم يجب الْوُضُوءُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَإِنْ مَسَّ ذَكَرَ نَفْسِهِ أَوْ فَرْجَهُ أَوْ فَرْجَ خُنْثَى آخَرَ أَوْ ذَكَرَهُ لَمْ يَنْتَقِضْ: وَكَذَا لَوْ مَسَّ فَرْجَهُ رَجُلٌ أَوْ ذَكَرَهُ امْرَأَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ: وَلَوْ مَسَّ إنْسَانٌ ذَكَرًا مَقْطُوعًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ ذَكَرُ خُنْثَى أَوْ ذَكَرُ رَجُلٍ قال القاضي أبو الفتوح في كتابه كتاب الْخَنَاثَى يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْتَقِضَ قَطْعًا لِلشَّكِّ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي ذَكَرِ الرَّجُلِ الْمَقْطُوعِ لِنُدُورِهِ (1) وَلَا يَجْزِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ فِي قُبُلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ وَجْهَانِ: وَلَوْ اولج في فرج أو
__________
(1) يحتمل ان يكون على الوجهين في العضو المبان من المرأة فان الاصح منهما عدم النقض بخلاف الذكر المقطوع فان الاصح النقض وهذا هو المنصوص في المسألتين وتقدم الفرق بينهما اه اذرعى(2/50)
أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي قُبُلِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حكم الوطئ فَلَوْ أَوْلَجَ فِي امْرَأَةٍ وَأَوْلَجَ فِي قُبُلِهِ رَجُلٌ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى الْخُنْثَى وَيَبْطُلَ صَوْمُهُ وَحَجُّهُ لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ أَوْلَجَ وَإِمَّا امْرَأَةٌ وُطِئَتْ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ إنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امرأة وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إخْرَاجُهَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لا نوجب الغسل على الخنثي لانبطل صَوْمَهُ وَلَا حَجَّهُ وَلَا نُوجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي أَوْلَجَ فِيهَا عِدَّةً وَلَا مَهْرَ لَهَا: وَلَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي دُبُرِ رَجُلٍ وَنَزَعَهُ لَزِمَهُمَا الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا لَزِمَهُمَا الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ لَمَسَتْ رَجُلًا وخرج من دبر الرجل شئ فَغَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَاجِبٌ وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَالتَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبٌ لِتَصِحَّ طَهَارَتُهُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَهُوَ غَلَطٌ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ خُنْثَيَيْنِ أَوْلَجَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي فَرْجِ صَاحِبِهِ فَلَا شئ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ الْفَرْجَيْنِ.
وَلَوْ أَوْلَجَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي دُبُرِ صَاحِبِهِ لَزِمَهُمَا الْوُضُوءُ بِالْإِخْرَاجِ وَلَا غُسْلَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا امْرَأَتَانِ: وَلَوْ أَوْلَجَ أَحَدُهُمَا فِي فَرْجِ صَاحِبِهِ وَالْآخَرُ فِي دُبُرِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُمَا الْوُضُوءُ (1) بِالنَّزْعِ لِاحْتِمَالِ انهما امرأتان ولاغسل: وَإِذَا أَمْنَى الْخُنْثَى مِنْ فَرْجَيْهِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَمِنْ أَحَدِهِمَا قِيلَ يَجِبُ وَقِيلَ وَجْهَانِ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَمْنَى مِنْ الذَّكَرِ وَحَاضَ مِنْ الفرج وحكمنا ببلوغه وإشكاله لم يجزله تَرْكُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِذَلِكَ الدَّمِ لِجَوَازِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ: فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ اغْتَسَلَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً: وَلَوْ أَمْنَى مِنْ الذَّكَرِ اغْتَسَلَ وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا يَقْرَأُ حَتَّى يَغْتَسِلَ هَكَذَا نَقَلَ الْبَغَوِيّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ ثُمَّ قَالَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَلَا يُمْنَعُ الْمُصْحَفَ وَالْقُرْآنَ كَمَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ لِذَلِكَ الدَّمِ: فَإِنْ أَمْنَى مَعَهُ وَجَبَ كَمَا لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِمَسِّ أَحَدِ فَرْجَيْهِ وَيَجِبُ لَهُمَا جَمِيعًا قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ احْتِيَاطٌ: (قُلْتُ) وَقَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْفَرْجَيْنِ وَإِنْ اسْتَمَرَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَهَذَا دَمُ فَسَادٍ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ مِنْ الْفَرْجَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فَاسِدًا: وَبَوْلُ الْخُنْثَى الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا كَالْأُنْثَى فَلَا يَكْفِي نَضْحُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ: وَلَهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ: وَلَوْ صَلَّى مَكْشُوفَ الرَّأْسِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْبَغَوِيّ وَكَثِيرُونَ: وَقَالَ أَبُو الْفُتُوحِ يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُ جميع عورة
المرأة فان كشف بعضها مِمَّا سِوَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ أَمَرْنَاهُ بِسَتْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى كَذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لِلشَّكِّ: وَذَكَرَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَجْهَيْنِ وَلَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ كَالْمَرْأَةِ وَلَا يُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَالْمَرْأَةِ وقال أبو الفتوح لا نأمره بالمجافاة
__________
(1) قوله لزمهما الوضوء فيه نظر فان المولج في فرجه لا ينتقض وضوءه لاحتمال انهما رجلان الا إذا قلنا المنفتح تحت المعدة مع انفتاح الاصلى ينقض الخارج منه اه اذرعى(2/51)
وَلَا بِتَرْكِهَا بَلْ يَفْعَلُ أَيُّهُمَا شَاءَ وَالْمُخْتَارُ ما قدمناه وإذا نابه شئ فِي صَلَاتِهِ صَفَّقَ كَالْمَرْأَةِ وَلَا يَؤُمُّ رَجُلًا وَلَا خُنْثَى فَإِنْ أَمَّ نِسَاءً وَقَفَ قُدَّامَهُنَّ وَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ: قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ لَزِمَهُ السَّعْيُ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَزِمَهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ لَا يُجْزِئُهُ: قَالَ وَلَوْ صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَوْ خَطَبَ أَوْ كَمَلَ بِهِ الْعَدَدُ لَزِمَهُمْ الْإِعَادَةُ فَإِنْ لَمْ يُعِيدُوا حَتَّى بَانَ رَجُلًا قَالَ فَفِي سُقُوطِ الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ لِلتَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ: وَإِذَا مَاتَ فَإِنْ كَانَ لَهُ قَرِيبٌ مِنْ المحارم غسله وإلا فأوجه أصحه عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ يُغَسِّلُهُ الْأَجَانِبُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَاسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ: وَالثَّانِي يُغَسِّلُهُ أَوْثَقُ مَنْ هُنَاكَ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ: قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالثَّالِثُ يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً مِنْ مَالِهِ وَإِلَّا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ تُغَسِّلُهُ ثُمَّ تُبَاعُ وَهَذَا ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ: وَالرَّابِعُ هُوَ كَرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ لَمْ يَحْضُرْهُمَا إلَّا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يُيَمَّمُ: وَالثَّانِي يُغَسَّلُ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ وَهَذَا الرَّابِعُ اخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ: وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ كَالْمَرْأَةِ: وَإِذَا مَاتَ مُحْرِمًا قَالَ الْبَغَوِيّ لَا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُهُ وَهَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فَهُوَ حَسَنٌ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا وَجَبَ كَشْفُ رَأْسِهِ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً وَجَبَ كَشْفُ الْوَجْهِ فَالِاحْتِيَاطُ كَشْفُهُمَا وَإِنْ أَرَادَ وُجُوبَ ذَلِكَ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِي كَشْفُ أَحَدِهِمَا: وَيَقِفُ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَجِيزَتِهِ كَالْمَرْأَةِ: وَلَوْ حَضَرَ جَنَائِزَ قَدَّمَ الْإِمَامُ الرَّجُلَ ثُمَّ الصَّبِيَّ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةَ: وَلَوْ صَلَّى الْخُنْثَى عَلَى الْمَيِّتِ فَلَهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ: وَيَتَوَلَّى حَمْلَ الْمَيِّتِ
وَدَفْنَهُ الرِّجَالُ فَإِنْ فُقِدُوا فَالْخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا فِي الزَّكَاةِ أُنْثَى لَمْ تُجْزِئْ الْخُنْثَى وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الذَّكَرَ أَجْزَأَ الْخُنْثَى عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِقُبْحِ صُورَتِهِ وَيُعَدُّ نَاقِصًا: وَلَا يُبَاحُ لَهُ حُلِيُّ النِّسَاءِ وَكَذَا لَا يُبَاحُ لَهُ أَيْضًا حُلِيُّ الرِّجَالِ لِلشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ: وَلَوْ كَانَ صَائِمًا فَبَاشَرَ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى بِأَحَدِ فَرْجَيْهِ أَوْ رَأَى الدَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ اجْتَمَعَا أَفْطَرَ: وَلَيْسَ لَهُ الِاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ لِلْمَرْأَةِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْفُتُوحِ قَالَ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ فَرْجِهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلْوِيثَهُ: وَلَوْ أُولِجَ فِي دُبُرِهِ بَطَلَ اعتكافه(2/52)
وَلَوْ أُولِجَ فِي قُبُلِهِ أَوْ أَوْلَجَ هُوَ فِي رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ قَوْلَانِ كَالْمُبَاشَرَةِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَحْرَمٌ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ كَأَخِيهِ وَأَخَوَاتِهِ يَخْرُجُونَ مَعَهُ وَلَا أَثَرَ لِنِسْوَةٍ ثِقَاتٍ أَجْنَبِيَّاتٍ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخَلْوَةُ بِهِنَّ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَحْرَمَ فَسَتَرَ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ فَلَا فِدْيَةَ فَإِنْ سَتَرَهُمَا وَجَبَتْ وَإِنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ وَسَتَرَ وَجْهَهُ وَجَبَتْ: وَإِنْ لَبِسَهُ وَسَتَرَ رَأْسَهُ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْمَخِيطِ فَإِنْ لَبِسَهُ اُسْتُحِبَّتْ الْفِدْيَةُ: وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَلَا يَرْمُلُ وَلَا يَضْطَبِعُ وَلَا يَحْلِقُ بَلْ يُقَصِّرُ وَيَمْشِي فِي كُلِّ المسعى ولا يعسى كَالْمَرْأَةِ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى لَيْلًا كَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ فَإِنْ طَافَ نَهَارًا طَافَ مُتَبَاعِدًا عَنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: وَلَهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي الذَّبْحِ فَالرَّجُلُ أَوْلَى مِنْهُ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَوْلَجَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ فِي فَرْجِ الخنثي فليس له حكم الوطئ فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَغَيْرِهِ: قَالَ فَإِنْ اخْتَارَ الانوثة بعده تعلق بالوطئ السَّابِقِ الْحُكْمُ: وَلَوْ اشْتَرَى خُنْثَى قَدْ وَضَحَ وَبَانَ رَجُلًا فَوَجَدَهُ يَبُولُ بِفَرْجَيْهِ فَهُوَ عَيْبٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَثَانَةِ وَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِفَرْجِ الرِّجَالِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ: وَإِذَا وُكِّلَ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَرْأَةِ لِلشَّكِّ فِي أَهْلِيَّتِهِ (1) فَلَوْ أَوْلَجَ فِيهِ غَاصِبٌ قَهْرًا فَلَا مَهْرَ كَمَا سَبَقَ: وَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْبَنِينَ وَلَا عَلَى الْبَنَاتِ وَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ: وَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَلَيْسَ لِمَنْ وَهَبَ لِأَوْلَادِهِ وَفِيهِمْ خُنْثَى أَنْ يَجْعَلَهُ كَابْنٍ فَلَا يُفَضِّلُ الِابْنَ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا: وَإِنْ كَانَ
يُفَضِّلُ الِابْنَ عَلَى الْبِنْتِ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ: وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ أَحَدِ رَقِيقَيْهِ دَخَلَ فِيهِ الْخُنْثَى عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَيُورَثُ الْيَقِينُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ وَيُوقَفُ مَا يُشَكُّ فِيهِ: وَلَوْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ إنْ كُنْتَ ذَكَرًا فَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ اخْتَارَ الذُّكُورَةَ عتق أَوْ الْأُنُوثَةَ فَلَا: وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَكَسْبُهُ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ رِقُّهُ وَقِيلَ يُقْرَعُ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ مَوْرُوثٌ وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا كَانَ فِي سِنٍّ يَحْرُمُ النَّظَرُ فِيهِ إلَى الْوَاضِحِ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِ ولا بعبارته ولو ثَارَ لَهُ لَبَنٌ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ أُنُوثَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَوْ رَضَعَ مِنْهُ صَغِيرٌ يُوقَفُ فِي التَّحْرِيمِ فَإِنْ بَانَ أُنْثَى حُرِّمَ لَبَنُهُ والافلا: وَأَمَّا حَضَانَتُهُ وَكَفَالَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبِنْتِ الْبِكْرِ حتى يجيئ في جواز استقلاله وانفراد عن
__________
(1) قلت صرح أبو الحسن السلمي من ائمتنا في كتابه في الخناثى انه لا يجوز التوكيل في عقد النكاح قال وفي توكيله في الطلاق وجهان بناء على توكيل المرأة فيه ان صححت توكيلها صح توكيلها والا فلا انتهى فقد وافق فقه الشيخ المنقول ولله الحمد اه اذرعى(2/53)
الْأَبَوَيْنِ إذَا شَاءَ وَجْهَانِ وَدِيَتُهُ دِيَةُ امْرَأَةٍ فَإِنْ ادَّعَى وَارِثُهُ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ مَعَ الْعَاقِلَةِ: وَلَا يُقْتَلُ فِي الْقِتَالِ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا إلَّا إذَا قَاتَلَ كَالْمَرْأَةِ وَإِذَا أَسَرْنَاهُ لَمْ يُقْتَلْ إلَّا إذَا اخْتَارَ الذُّكُورَةَ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَيُرْضَخُ لَهُ كَالْمَرْأَةِ: وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ فَإِنْ اخْتَارَ الذُّكُورَةَ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ مَا مَضَى ولايكون إمَامًا وَلَا قَاضِيًا وَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ إلَّا مَا يَثْبُتُ بِامْرَأَةٍ وَشَهَادَةُ خُنْثَيَيْنِ كَرَجُلٍ: فَهَذِهِ أَطْرَافٌ مِنْ مَسَائِلِ الْخُنْثَى نَقَّحْتُهَا وَلَخَّصْتُهَا مُخْتَصَرَةً وَسَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً بِأَدِلَّتِهَا وَفُرُوعِهَا فِي مَوَاطِنِهَا وَقَلَّ أَنْ تَرَاهَا فِي غير هذا الموضع هكذا: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وما سوى هذه الاشياء الخمسة لا ينقض الوضوء كدم الفصد والحجامة والقئ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد علي غسل محاجمه] [الشرح] أما حديث أنس هذا فرواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَضَعَّفُوهُ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا ينتقض الوضوء بخروج شئ من غير
السبيلين كدم الفصد والحجامة والقئ وَالرُّعَافِ سَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْقَاسِمُ ابن مُحَمَّدٍ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد قَالَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزُفَرَ: ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ
* وَاحْتَجُّوا بما روى عن معدان ابن طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَاءَ فَأَفْطَرَ) قَالَ مَعْدَانُ فلقيت ثوبان فذكرت ذلك له فقال أنا صَبَبْتَ لَهُ وُضُوءَهُ
* وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ) وَبِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ (إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ) فَعَلَّلَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ وَكُلُّ الدِّمَاءِ كَذَلِكَ
* وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ تَمِيمٍ(2/54)
الدَّارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ) وَعَنْ سَلْمَانَ قَالَ رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَالَ مِنْ أَنْفِي دَمٌ فَقَالَ (أَحْدِثْ لِذَلِكَ وُضُوءًا) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ تَوَضَّأَ ثُمَّ بَنَى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ) وَلِأَنَّهُ نَجِسٌ خَرَجَ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَنَقَضَ كَالْبَوْلِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَأَجْوَدُ مِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَسَا الْمُسْلِمِينَ لَيْلَةً فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَقَامَ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْكُفَّارِ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ ثم رماه بآخر ثم بثالث ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَدِمَاؤُهُ تَجْرِي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُد وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ خَرَجَ دِمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَاسْتَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ نَقَضَ الدَّمُ لَمَا جَازَ بَعْدَهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَإِتْمَامُ الصَّلَاةِ وَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَلَمْ
يُنْكِرْهُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الدِّمَاءَ لَمْ يَكُنْ يَمَسُّ ثِيَابَهُ مِنْهَا إلَّا قَلِيلٌ يُعْفَى عَنْ مِثْلِهِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَلَا بُدَّ مِنْهُ
* وَأَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ سَيَلَانِ الدِّمَاءِ عَلَى ثيابه وبدنه ويجاب عنه بماذ كرنا
* وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ مالا يُبْطِلُ قَلِيلُهُ لَا يُبْطِلُ كَثِيرُهُ كَالْجُشَاءِ وَهَذَا قِيَاسُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْسَنُ مَا أَعْتَقِدُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ أن الاصل أن لانقض حَتَّى يَثْبُتَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَالْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ
* وَالثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى مَا تُغْسَلُ بِهِ النَّجَاسَةُ وَهَذَا جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ
* وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ الوضوء لا بسبب القئ فليس فيه أنه توضأ من القئ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِنْ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ رِوَايَةَ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ حِجَازِيٌّ وَرِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُرْسَلٌ قَالَ الْحُفَّاظُ الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا أَنَّهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو أحمد ابن عدى والدارقطني والبيهقي وغيرهم وقد بين الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ أَحْسَنَ بَيَانٍ(2/55)
وَالْجَوَابُ الثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَحَدِيثُ الْمُسْتَحَاضَةِ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ ذِكْرُ الْوُضُوءِ فَهِيَ زِيَادَةٌ بَاطِلَةٌ: وَالثَّانِي لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ إعْلَامُهَا أَنَّ هَذَا الدَّمَ لَيْسَ حَيْضًا بَلْ هُوَ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ لِخُرُوجِهِ مِنْ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ حَيْثُ كَانَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَمِنْ الْعَجَبِ تَمَسُّكُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا يَعْتَمِدُونَهُ وَهَذَا أَشَدُّ تَعَجُّبًا: وَأَمَّا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فَجَوَابُهُ مِنْ
أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ يَزِيدَ وَيَزِيدَ الرَّاوِيَيْنِ مَجْهُولَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُرْسَلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَسْمَعْ تَمِيمًا: الْجَوَابُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثَيْ سَلْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَرَدَّهُ أَصْحَابُنَا وَقَالُوا الْحَدَثُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ لا وضوء في شئ من ذلك لاني لااعلم مَعَ مَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ فِيهِ حُجَّةً هَذَا كلام ابن المنذر الذى لاشك فِي إتْقَانِهِ وَتَحْقِيقِهِ وَكَثْرَةِ اطِّلَاعِهِ عَلَى السُّنَّةِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالدَّلَائِلِ الصَّحِيحَةِ وَعَدَمِ تَعَصُّبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* واما قول المصنف لا ينتقض الوضوء بشئ سِوَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي يَنْقُضُهُ خَمْسَةٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّهُ تَرَكَ ثَلَاثَةً: انْقِطَاعَ الْحَدَثِ الدَّائِمِ وَنَزْعَ الْخُفِّ وَالرِّدَّةَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِمَا
* قال المنصف رحمه الله
* [وكذلك اكل شئ من اللحم لا ينقض الوضوء وحكي ابن القاص قولا آخر ان اكل لحم الجزور ينقض الوضوء وليس بمشهور والدليل على انه لا ينقض الوضوء ما روى جابر رضى الله عنه (قال كان آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك الوضوء مما غيرت النار) ولانه إذا لم ينتقض الوضوء بأكل لحم الخنزير وهو حرام فلان لم ينتقض بغيره أولى]
*(2/56)
[الشَّرْحُ] حَدِيثُ جَابِرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ
* وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا ينتقض الوضوء بشئ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ سَوَاءٌ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَغَيْرُهُ غَيْرَ لَحْمِ الْجَزُورِ وَفِي لَحْمِ الْجَزُورِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ لَحْمُ الْإِبِلِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ الْمَشْهُورُ لَا يَنْتَقِضُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَكِنَّهُ هُوَ الْقَوِيُّ أَوْ الصَّحِيحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَهُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُ رُجْحَانَهُ وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلى ترجيحه واختياره والذب عنه وستري دَلِيلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ احدها لا يجب الوضوء باكل شئ سَوَاءٌ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَلَحْمُ الْإِبِلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ التَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ وابي مجاز وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ابن عمروابي طَلْحَةَ وَأَبِي مُوسَى وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ خَاصَّةً وَهُوَ قول احمد بن حنبل واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الصَّحَابِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي خَيْثَمَةَ وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ كَمَا سَبَقَ
* وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (توضؤا مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ) رَوَاهَا كُلَّهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* واحتج أصحابنا بالاحاديث الصحيحة منها حديث بْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ يَأْكُلُ مِنْهَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَكَلَ عِنْدَهَا(2/57)
كَتِفًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ (أَشْهَدُ لَكُنْتُ أَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطْنَ الشَّاةِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ مِثْلُهُ عَنْ البني صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسُوَيْدِ بن النعمان ومحمد ابن مَسْلَمَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ والمغيرة وابي هريرة وعبد الله بن الحرث وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَغَيْرِهِمْ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ نَفَى الْقَوْلَ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ فَقَالُوا لادلالة فِيهِ لِأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَرَّبَتْ شَاةً مَصْلِيَّةً
(أَيْ مَشْوِيَّةً) فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا فَحَانَتْ الظُّهْرُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ إلَى فَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ حَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) قَالُوا فَقَوْلُهُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ يُرِيدُ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ وَأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ هِيَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ يَعْنِي آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ لَا مُطْلَقًا: وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا التَّأْوِيلَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ قَالُوا وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مُتَأَخِّرَةٌ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ وَنَاسِخَةٌ لَهُ: وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ فَعِنْدَهُمْ أَنَّ أَحَادِيثَ تَرْكِ الْوُضُوءِ مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَيْسَ كَمَا زَعَمُوهُ فَأَمَّا تَأْوِيلُهُمْ حَدِيثَ جَابِرٍ فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَلَا يُقْبَلُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تُخَالِفُ كَوْنَهُ آخِرَ الامرين فلعل هذه القضية هي آخر الامر واستمر العمل بعدها على ترك الوضوء ويجوز أَيْضًا أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْوُضُوءِ قَبْلَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ لِسَبَبِ الْأَكْلِ: وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ نَسْخَ أَحَادِيثِ تَرْكِ الْوُضُوءِ فَهِيَ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ فَلَا تُقْبَلُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْإِمَامِ الْحَافِظِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ شيخ مسلم قال اختلف في الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَلَمْ يُقَفْ عَلَى النَّاسِخِ مِنْهَا بِبَيَانٍ يُحْكَمُ بِهِ فَأَخَذْنَا بِإِجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَعْلَامِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مَعَ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ: وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِهِمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ هَكَذَا أَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْوُضُوءَ فِيهَا عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ(2/58)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ: قَالَ (إنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ الْبَرَاءِ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ (فَأَمَرَ بِهِ) قَالَ أَحْمَدُ بن حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا حَدِيثَانِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَالْبَرَاءِ وَقَالَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَانْتَصَرَ الْبَيْهَقِيُّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا ذكرناه وأما ماروى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ) فَمُرَادُهُمَا تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ قَالَ وَأَمَّا ماروى عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَنَّهُ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ لَحْمِ الْجَزُورِ مِنْ الْكَبِدِ وَالسَّنَامِ فَأَكَلَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَمَوْقُوفٌ قَالَ وَبِمِثْلِ هَذَا لَا يُتْرَكُ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَشْيَاءَ ضَعِيفَةٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَتَرَكْتُهَا لِضَعْفِهَا وَالْمُعْتَمَدُ لِلْمَذْهَبِ حَدِيثُ جَابِرٍ المذكور كان آخر الأمرين ولكن لايرد علهيم لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَنْتَقِضُ بِأَكْلِهِ نِيئًا وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ هو محمول علي أَكْلُهُ مَطْبُوخًا لِأَنَّهُ الْغَالِبُ الْمَعْهُودُ: وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالْبَرَاءِ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّسْخَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ وَالثَّانِي حَمْلُ الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ وَالْمَضْمَضَةِ قَالُوا وَخُصَّتْ الْإِبِلُ بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ سَهُوكَةِ لَحْمِهَا وَقَدْ نَهَى أَنْ يَبِيتَ وَفِي يَدِهِ أَوْ فَمِهِ دَسَمٌ خَوْفًا مِنْ عَقْرَبٍ وَنَحْوِهَا وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ اللَّذَانِ أَجَابَ بِهِمَا أَصْحَابُنَا ضَعِيفَانِ أَمَّا حَمْلُ الْوُضُوءِ عَلَى اللُّغَوِيِّ فَضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَأَمَّا النَّسْخُ فَضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ حَدِيثَ تَرْكِ الوضوء ممامست النَّارُ عَامٌّ وَحَدِيثَ الْوُضُوءِ(2/59)
مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ سَوَاءٌ وَقَعَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَأَقْرَبُ مَا يُسْتَرْوَحُ إلَيْهِ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصحابة والله أعلم
* (فرع)
لافرق عِنْدَ أَحْمَدَ بَيْنَ أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ مَطْبُوخًا وَنِيئًا وَمَشْوِيًّا فَفِي كُلِّهِ الْوُضُوءُ وَكَذَا قَوْلُنَا الْقَدِيمُ وَلِأَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ شُرْبِ لَبَنِ الْإِبِلِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَيْهَا
* وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً لَا وُضُوءَ مِنْ لَبَنِهَا: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَحْمَدَ بِحَدِيثٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَالْحَاءُ مُهْمَلَةٌ وَالضَّادُ مُعْجَمَةٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (لا توضؤا من ألبان الغنم وتوضؤا مِنْ أَلْبَانِ الْإِبِلِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْأَصْلَ الطهاردة وَلَمْ يَثْبُتْ نَاقِضٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ فِي أَكْلِ كَبِدِ الْجَزُورِ وَطِحَالِهِ وَسَنَامِهِ وَدُهْنِهِ وَمَرَقِهِ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَنْقُضُ لِمَا سَبَقَ فِي اللَّبَنِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْوَسِيطِ لَا وُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ خلافا لاحمد فمما أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَحْمَدَ لَا يَنْقُضُ بِمَا مَسَّتْ النَّارُ وَإِنَّمَا يَنْقُضُ بِالْجَزُورِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أعلم
* قال المنصف رحمه الله
*
[وكذلك لا ينتقض الطهر بقهقهة المصلى لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى جَابِرٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ذَكَرَهُ تَعْلِيقًا وَالضَّحِكُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَذَا أَصْلُهُ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْحَاءِ مَعَ فَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا وَيَجُوزُ كَسْرُهُمَا فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ
* وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَ بِقَهْقَهَةٍ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ أَدْرَكْتُ مِنْ فُقَهَائِنَا الَّذِينَ يُنْتَهَى إلَى قَوْلِهِمْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَمَشْيَخَةً جُلَّةً سِوَاهُمْ(2/60)
يَقُولُونَ الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ يَنْقُضُهَا وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا نَحْوَهُ عَنْ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ مَكْحُولٍ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد
* وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ رِوَايَتَانِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الضَّحِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَهْقَهَةٌ لَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَعَلَى أَنَّ الْقَهْقَهَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ
* وَاحْتَجَّ لِلْقَائِلِينَ بِالنَّقْضِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى جَاءَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الصلاة فتردى فِي بِئْرٍ فَضَحِكَ طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الضحك في الصلاة قرقرة يبطل الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ) وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَأَبْطَلَهَا الضَّحِكُ كَالصَّلَاةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبِأَنَّ الضَّحِكَ لَوْ كَانَ نَاقِضًا لَنَقَضَ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَالْحَدَثِ ولانها صَلَاةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَمْ يَنْقُضْ الضَّحِكُ فِيهَا الْوُضُوءَ كصلاة الجنازة فقد وافقوا عليها وذكر
الاحصاب أَقْيِسَةً كَثِيرَةً وَمَعَانِيَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الطَّهَارَةَ صَحِيحَةٌ وَنَوَاقِضُ الْوُضُوءِ مَحْصُورَةٌ فَمَنْ ادَّعَى زِيَادَةً فَلْيُثْبِتْهَا ولم يثبت في النقض بالضحك شئ أَصْلًا: وَأَمَّا مَا نَقَلُوهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَرُفْقَتِهِ وَعَنْ عِمْرَانَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا رَوَوْهُ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاهِيَةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالُوا وَلَمْ يَصِحَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوهَ ضَعْفِهَا بَيَانًا شَافِيًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَالَةِ بِتَفْصِيلِهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى ضَعْفِهَا وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْعِلَّةِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُنْتَقَضًا بغسل الجنابة فانه يبطله خروج المنى ولا يُبْطِلُهُ الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وبقول من قال لا وضوء نقول لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ حُجَّةً قَالَ وَالْقَذْفُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ خَالَفَنَا لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَالضَّحِكُ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الرِّدَّةَ لانتقض الْوُضُوءَ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو دَاوُد تَنْقُضُ
* وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْبَاطِ مَنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ(2/61)
كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم) * قال المصنف رحمه الله
* [والمستحب ان يتوضأ من الضحك في الصلاة ومن الكلام القبيح لما روى عن عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (لان اتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب الي من أن أتوضأ من الطعام الطيب) وقالت عائشة رضى الله عنها يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء وقال ابن عباس رضى الله عنهما الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج وأشدهما حدث اللسان]
* [الشَّرْحُ] الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَشْهُورٌ وراه الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ الْكَلِمَةِ الْعَوْرَاءِ أَيْ الْقَبِيحَةِ قَالَ الهروي قال ابن الاعرابي تقول العرب
للردئ مِنْ الْأُمُورِ وَالْأَخْلَاقِ أَعْوَرُ وَالْأُنْثَى عَوْرَاءُ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ هَذِهِ الْآثَارَ عَلَى الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْمَعْرُوفَةِ وَكَذَا حَمَلَهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا غَسْلَ الْفَمِ وَكَذَا حَمَلَهَا الْمُتَوَلِّي عَلَى غَسْلِ الْفَمِ وَحَكَى الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ كَلَامَ ابْنِ الصَّبَّاغِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ قَالَ وَالْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ غَسْلَ الْفَمِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا جَرَى مِنْ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَكْفِيرُ الْخَطَايَا كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَوْ الصَّوَابَ (1) اسْتِحْبَابُ الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَالْقَذْفِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَالْفُحْشِ وَأَشْبَاهِهَا وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهِ إذَا ضَحِكَ فِي الصلاة ولا يجب شئ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ الْأَشْرَافِ وَالْإِجْمَاعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ كَالْغِيبَةِ وَالْقَذْفِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَغَيْرِهَا وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الشِّيعَةِ إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ قَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَمَا أَوْجَبَ الطَّهَارَةَ فَلَا فرق فيه بين ما وجد منه
__________
(1) هذا الذي صححه شيخنا رحمه الله هو الحق ان شاء الله تعالى ولعل الذي دعاهم إلى حمل الوضوء على غسل الفم الوضوء من الطعام الطيب فاقول يحتمل ان المراد بالطعام الطيب ما يؤل إليه وفي الاثر عن ابن عباس ما يؤيده اه اذرعى(2/62)
بِتَعَمُّدِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَمَا وُجِدَ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ وَاخْتِيَارٍ كَالسَّاهِي وَالْمُكْرَهِ عَلَى الْحَدَثِ وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَدَلِيلُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) وَالْجَنَابَةُ تَكُونُ بِاحْتِلَامٍ وَغَيْرِهِ وَالِاحْتِلَامُ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَذْيِ بِالْوُضُوءِ وَهُوَ يَخْرُجُ بِلَا قَصْدٍ وقد سبق في اللمس والمس ساعيا وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُمَا لَا يَنْقُضَانِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ لا يبطل شئ مِنْ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ انْقِضَاءِ
فِعْلِهَا إلَّا الطَّهَارَةُ إذَا تَمَّتْ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَبْطُلُ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ غَيْرُ أَبِي الْعَبَّاسِ لَا نَقُولُ بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ بَلْ نَقُولُ انْتَهَتْ نِهَايَتُهَا فَإِنْ أَطْلَقْنَا لَفْظَ بَطَلَتْ فَهُوَ مَجَازٌ وذكر جماعة غير القفال أيضا الخلاف واظهر قَوْلُ مَنْ يَقُولُ انْتَهَتْ وَلَا يَقُولُ بَطَلَتْ إلَّا مَجَازًا كَمَا يُقَالُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ انْتَهَى الصَّوْمُ وَلَا يُقَالُ بَطَلَ وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ يُقَالُ انْتَهَتْ الْإِجَارَةُ لَا بَطَلَتْ وقوله لا يبطل شئ مِنْ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ الرِّدَّةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْمَوْتِ فَإِنَّهَا تُحْبِطُ الْعِبَادَاتِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [ومن تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ بَنَى عَلَى يقين الطهارة لان الطهارة يقين فلا يزال ذلك بالشك وان تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على يقين الحدث لان الحدث يقين فلا يزال بالشك وان تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما نظرت فان كان قبلهما طهارة فهو الآن محدث لانه تيقن أن الطهارة قبلهما ورد عليها حدث فأزالها وهو يشك هل ارتفع هذا الحدث بطهارة بعده أم لا فلا يزال يقين الحدث بالشك وان كان قبلهما حدث فهو الآن متطهر لانه تيقن أن الحدث قبلهما ورد عليه طهارة فأزالته وهو يشك هل ارتفعت هذه الطهارة بحدث بعدها أم لا فلا يزال يقين الطهارة بالشك وهذا كما نقول في رجل أقام بينة بدين وأقام المدعي عليه بينة بالبراءة فانا نقدم بينة البراءة لانا تيقنا أن البراءة وردت على دين واجب فأزالته ونحن نشك هل اشتغلت ذمته بعد البراءة بدين بعدها فلا يزال يقين البراءة بالشك]
* (الشَّرْحُ) فِي الْفَصْلِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا إذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ هَلْ تَطَهَّرَ أَمْ لَا فَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّانِيَةُ) تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ(2/63)
فِي الْحَدَثِ بَنَى عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ حَصَلَ الشَّكُّ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ إنْ شَكَّ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا مِثْلَهُ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا مِثْلُهُ وَالثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ
وَالثَّالِثَةُ يُسْتَحَبُّ
* وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ في الشك استوى الاحتمالان عِنْدَهُ أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا (1) فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ وَقَدْ قَدَّمْتُ بَيَانَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الْوُضُوءَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْحَدَثُ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالْوُضُوءِ قَالَ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَنَّ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ هَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ قَالَ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاجْتِهَادَ يَتَطَرَّقُ إلَى تَمْيِيزِ الطَّاهِرِ مِنْ النَّجِسِ لِأَنَّ لِلنَّجَاسَةِ أَمَارَاتٌ بِخِلَافِ الْحَدَثِ والطهارة قال الامام وعندي في هَذَا فَضْلُ مُبَاحَثَةٍ فَأَقُولُ تَمْيِيزُ الْحَيْضِ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ بِالصِّفَاتِ وَهَذَا اجْتِهَادٌ فَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْأَحْدَاثِ غَيْرُ سَدِيدٍ: ثُمَّ ذَكَر الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ فَرْقًا بِعِبَارَةٍ طَوِيلَةٍ حَاصِلَهُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُظَنُّ بِهَا النَّجَاسَةُ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي الْأَحْدَاثِ فَلَا مُبَالَاةَ بِالنَّادِرِ مِنْهَا فَتَعَيَّنَ التَّمَسُّكُ بِحُكْمِ الْيَقِينِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَدَامَ الْإِشْكَالُ فَوُضُوءُهُ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَانِ مُجْزِيَانِ وَإِنْ بَانَ كَوْنُهُ كَانَ مُحْدِثًا فَفِي أَجْزَائِهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي آخِرِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا عَلِمَ أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ طَهَارَةٌ وَحَدَثٌ لَا يَعْلَمُ أَسْبَقَهُمَا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ بِضِدِّ مَا كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مِنْ كِتَابِهِ التَّلْخِيصِ وبه قطع المنصف هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَهَكَذَا قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ والمتولي وغيرهما لانهما تعارضا وما قبلهما لايعرف وَلَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أو مستصحبة وليس هنا شئ فَوَجَبَ الْوُضُوءُ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يَتَعَارَضُ الْأَمْرَانِ وَيَسْقُطَانِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ وَإِلَّا فَمُحْدِثٌ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ من الخراسانيين وحكاه الدارمي
__________
(1) هذا هو المشهور المعروف وقال الرافعى الا في طرف الطهارة فانه لو ظنها بعد تيقن الحدث فله ان يصلى بها وهذا غريب بعيد اه اذرعى(2/64)
وغيره عن ابن المزربان قال الدارمي وغيره ورجع عنه ابن المزربان إلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاصِّ حِينَ بَلَغَهُ وَهَذَا الوجه غلط لاشك فِيهِ لِأَنَّا عَلِمْنَا بُطْلَانَ مَا قَبْلَهُمَا قَطْعًا فَكَيْف نَحْكُمُ بِبَقَائِهِ وَنَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يَعْمَلُ بِمَا يَظُنُّهُ فَإِنْ تَسَاوَيَا فَمُحْدِثٌ وَهَذَا الْوَجْهُ اخْتَارَهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ يَلْزَمهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ (1) حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَأَشَارَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَى تَرْجِيحِهِ وَاخْتَارَهُ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرِهِ وَرَجَّحَهُ غَيْرُهُ وَدَلِيلُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَالْحَدَثَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ تَعَارَضَا فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَمَا قَبْلَهُمَا تحققنا بطلانه ولابد مِنْ طَهَارَةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ فَوَجَبَ الْوُضُوءُ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ صُورَتُهُمَا فِيمَنْ عَادَتُهُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ طَهَارَتَهُ تَكُونُ بَعْدَ الْحَدَثِ فَيَكُونُ الْآنَ مُتَطَهِّرًا وَتُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفُ لَا يُزَالُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ فَمَعْنَاهُ حُكْمُ الْيَقِينِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ: وَقَوْلُهُ الْآنَ هُوَ الزَّمَانُ الْحَاضِرُ: وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ فَكَذَا قَاسَهُ أَصْحَابُنَا لَكِنْ صَوَّرَهَا الْمُتَوَلِّي تَصْوِيرًا حَسَنًا مُشَابِهًا لِمَسْأَلَةِ الْحَدَثِ وَقَالَ اسْتَشْهَدَ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا لَوْ عَلِمْنَا لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَةً بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَأَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً أَنَّ عَمْرًا أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُطْلَقًا لَمْ يثبت بهذه البينة شئ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ هِيَ الْأَلْفُ الَّذِي عَلِمْنَا وُجُوبَهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِبَرَاءَتِهِ مِنْهُ وَلَا تُشْغَلُ ذِمَّتُهُ بِالِاحْتِمَالِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ وَتَتِمَّاتٌ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ الشك في نجاسة الماء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [ومن أحدث حرمت عليه الصلاة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة بغير طهور) ويحرم عليه الطواف لقوله صلي الله عليه وسلم (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فيه الكلام) ويحرم عليه مس المصحف لقوله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) ولما روى حكيم بن حزام رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (لا تمس القرآن الا وأنت طاهر) ويحرم عليه حمله في كمه لانه إذا حرم مسه فلان يحرم حمله وهو في الهتك أبلغ أولى: ويجوز أن يتركه بين يديه ويتصفح
أوراقه بخشبة لانه غير مباشر له ولا حامل له وهل يجوز للصبيان حمل الالواح وهم محدثون فيه وجهان احدهما لا يجوز كما لا يجوز لغيرهم: والثانى يجوز لان طهارتهم لا تنحفظ وحاجتهم إلى ذلك
__________
(1) واختاره أيضا الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في مشكلات الوسيط وقرره تقريرا حسنا ومضف قول ابن القاص وصنف الدارمي في هذه المسألة تصنيفا مستقلا اختار فيه الرابع وقدره وهذا هو الصحيح المختار (قلت) وحكاه في البحر عن اختيار الشيخ أبى حامد وجماعة ورأيت القاضى بن كج أجاب به مقتصرا عليه اه من هامش الاذرعي(2/65)
ماسة وان حمل رجل متاعا وفى جملته مصحف وهو محدث جاز لان القصد نقل المتاع فعفى عما فيه من القرآن كما لو كتب كتابا إلى دار الشرك وفيه أيات من القرآن وان حمل كتابا من كتب الفقه وفيه آيات من القرآن أو حمل الدراهم الاحدية أو الثياب التى طرزت بآيات من القرآن ففيه وجهان أحدهما لا يجوز لانه يحمل القرآن: والثاني يجوز لان القصد منه غير القرآن وان كان على موضع من بدنه نجاسة فمس المصحف بغيره جاز وقال القاضى أبو القاسم الصيمري رحمه الله لا يجوز كما لايجو للمحدث أن يمس المصحف بظهره وان كانت الطهارة تجب في غيره وهذا لا يصح لان حكم الحدث يتعدى وحكم النجاسة لا يتعدى محلها] [الشَّرْحُ] فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا حَدِيثُ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ) صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَحَدِيثُ (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ (لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا وَأَنْتَ طَاهِرٌ) رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ أَنَّهُ عن عمرو ابن حَزْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّانِيَةُ) فِي اللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ وَالْأَسْمَاءِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا فِي لُغَةٍ وَالْمُرَادُ بِهِ فِعْلُ الطَّهَارَةِ وَفِي الْمُصْحَفِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحُهَا وَكَسْرُهَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُنَّ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ: قَوْلُهُ فَلَأَنْ يَحْرُمَ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ وَالدَّرَاهِمُ الْأَحَدِيَّةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ وَكَسْرِ
الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ هِيَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهَا (قُلْ هُوَ الله أحد) وأما حكيم ابن حِزَامٍ بِالزَّايِ فَهُوَ أَبُو خَالِدٍ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَكَانَ وُلِدَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّ غَيْرَهُ وُلِدَ فِي الْكَعْبَةِ وَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَامِ (1) وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ وَأَمَّا الصَّيْمَرِيُّ فَهُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مَفْتُوحَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى قَرْيَةٍ عِنْدَ الْبَصْرَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَانَ مِنْ كِبَارِ أئمة أصحابنا حضر مجلس أبي حامد المرورذى وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الْفَيَّاضِ وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ أَقْضَى القضاة الماوردى صاحب الحاوى وكان حافظ للمذهب حسن التصانيف
__________
(1) قوله في الاسلام أي من حين فشى الاسلام وظهر لانه أسلم عام الفتح وهو سنة ثمانية وتوفي في المدينة سنة أربع وخمسين هجرية اه اذرعى(2/66)
لَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الْعُلُومِ مِنْهَا الْإِيضَاحُ فِي الْمَذْهَبِ نَحْوُ سَبْعِ مُجَلَّدَاتٍ نفيس وقد بسطت حاله في تهذيب الاسماء: (السمألة الثَّالِثَةُ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى المحدت (1) وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَكِنَّهُ إنْ صَلَّى جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدَثِ وَتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً وَلَا يَكْفُرُ عِنْدَنَا بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يستحله وقال أبو حنيفة يكفر لاستهزائه
* دلينا أنه معصية فاشبهت الزني وَأَشْبَاهَهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِبَدَلٍ وَلَا اضْطَرَّ إلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثًا
* أَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ وَسَلَسُ الْبَوْلِ وَسَائِرُ مَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ وَمَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَمَنْ صَلَّى الْفَرْضَ بِلَا ماء ولا تراب لعدممها أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثًا فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا: وَحُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ عَوَامُّ الْفُقَرَاءِ وَشِبْهُهُمْ مِنْ سُجُودِهِمْ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ وَرُبَّمَا كَانُوا مُحْدِثِينَ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ مُتَطَهِّرًا أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَاءٌ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَمْ لَا وَقَدْ يَتَخَيَّلُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ تَوَاضُعٌ وَكَسْرٌ لِلنَّفْسِ وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ وَغَبَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَكَيْفَ تُكْسَرُ النُّفُوسُ أَوْ تَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا حَرَّمَهُ وَرُبَّمَا اغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وخرواله سجدا) وَالْآيَةُ
مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُتَأَوَّلَةٌ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ هَذَا السُّجُودِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فَقَالَ هُوَ مِنْ عَظَائِمِ الذُّنُوبِ وَنَخْشَى أَنْ يَكُونَ كُفْرًا: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ الطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ فَإِنْ طَافَ عَصَى وَلَمْ يَصِحَّ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ بِلَا طَهَارَةٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ لِلطَّوَافِ وَقَالَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وَسَوَاءٌ الطَّوَافُ فِي حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ سَوَاءٌ إنْ حَمَلَهُ بِعِلَاقَتِهِ أَوْ فِي كُمِّهِ أَوْ عَلَى رَأْسِهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ حَمْلُهُ بِعِلَاقَتِهِ وَهُوَ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ مَسَّ نفس الاسطر أو ما بينهما أَوْ الْحَوَاشِي أَوْ الْجِلْدَ فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَفِي مَسِّ الْجِلْدِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا شَاذًّا بَعِيدًا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مَسُّ الْجِلْدِ وَلَا الْحَوَاشِي وَلَا مَا بين الاسطر ولا يحرم الانفس المكتوب والصحيح الذى قطع به الجمهور
__________
(1) اي القارئ على غير الطهارة اه اذرعى(2/67)
تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ وَفِي مَسِّ الْعِلَاقَةِ وَالْخَرِيطَةِ وَالصُّنْدُوقِ إذَا كَانَ الْمُصْحَفُ فِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ لِأَنَّهُ مُتَّخَذٌ لِلْمُصْحَفِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ كَالْجِلْدِ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الروياني في مس الصندوق أما حَمْلُ الصُّنْدُوقِ وَفِيهِ الْمُصْحَفُ فَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَكَذَا يَحْرُمُ تَحْرِيكُهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَأَمَّا إذَا تَصَفَّحَ أَوْرَاقَهُ بِعُودٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاشِرٍ لَهُ وَلَا حَامِلٍ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَرَجَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْوَرَقَةَ وَهِيَ بَعْضُ الْمُصْحَفِ وَلَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ وَقَلَّبَ الْأَوْرَاقَ بِهَا فَهُوَ حَرَامٌ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُودِ بِأَنَّ الْكُمَّ مُتَّصِلٌ بِهِ وَلَهُ حُكْمُ أَجْزَائِهِ فِي مَنْعِ السُّجُودِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْعُودِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَنَّ التَّقْلِيبَ يَقَعُ بِالْيَدِ لَا بِالْكُمِّ قَالَ وَمَنْ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا فَهُوَ غَالِطٌ وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ إنْ مَسَّهُ
بِخِرْقَةٍ أَوْ بِكُمِّهِ فَوَجْهَانِ وَإِنْ مَسَّهُ بِعُودٍ جَازَ: وَأَمَّا إذَا حَمَلَ الْمُصْحَفَ فِي مَتَاعٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالثَّانِي يحرم لانه حَامِلُهُ حَقِيقَةً وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ غَيْرِهِ مَعَهُ كَمَا لَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي مَتَاعًا فِيهِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنَّمَا قَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مااذا كَتَبَ كِتَابًا إلَى دَارِ الشِّرْكِ فِيهِ آيَاتٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلى دار الشرك كتابا فيه شئ مِنْ الْقُرْآنِ مَعَ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُسَافَرَةِ بِالْقُرْآنِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ فِي ضِمْنِ كِتَابٍ لا يكون لها حكم المصحف والله أَعْلَمُ: وَأَمَّا إذَا حَمَلَ كِتَابَ فِقْهٍ وَفِيهِ آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ كِتَابَ حَدِيثٍ فِيهِ أيات أو دراهم أو ثوب أو عمامة طرز بآيات أو طعام نُقِشَ عَلَيْهِ آيَاتٌ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ جَوَازُهُ وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَاتٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ فِي الثَّوْبِ وَخَصَّ الْخِلَافَ بِالدَّرَاهِمِ وَعَكَسَهُ الْمُتَوَلِّي فَقَطَعَ بِجَوَازِ مَسِّ كِتَابِ الْفِقْهِ وَجَعَلَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسِّ ثَوْبٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ دَرَاهِمَ عَلَيْهَا آيَاتٌ وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسِّ الْحَائِطِ أَوْ الْحَلْوَى وَالْخُبْزِ الْمَنْقُوشِ بِقُرْآنٍ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا لَمْ نُحَرِّمْهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَنْقُوشَةُ بِقُرْآنٍ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ لَا يَتَدَاوَلهُ النَّاسُ كثيرا ولا(2/68)
يتعاملون به غالبا كالتي عليها صورة الْإِخْلَاصِ وَضَرْبٌ يَتَدَاوَلُونَهُ كَثِيرًا فَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ وَفِي الثَّانِي الْوَجْهَانِ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ إطْلَاقُ الْوَجْهَيْنِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْمُتَدَاوَلِ وَغَيْرِهِ فَالْفَرْقُ غَرِيبٌ نَقْلًا ضَعِيفٌ دَلِيلًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَيَجُوزُ مَسُّ خَاتَمٍ نُقِشَ بِآيَاتٍ وَحَمْلُهُ (1) وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالدَّرَاهِمِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فَإِنْ أَصَابَ الْمُصْحَفَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَصَابَهُ بِغَيْرِهِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ يَحْرُمُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ
* وَأَمَّا الصَّبِيُّ
فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الْمُصْحَفِ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ وَالْمُعَلِّمِ تَكْلِيفُهُ الطَّهَارَةَ لِحَمْلِ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ وَمَسِّهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَجِبُ لِلْمَشَقَّةِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِهِ فِي اللَّوْحِ وَذَكَرَ الوجهين في المصحف وقطع الجرجاني بانه لايمنع مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ فِي الْمُكْتَبِ وَالْمَشْهُورُ طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا فِي الْمُكْتَبِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَلْ يَجُوزُ لَلصِّبْيَانِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَقَدْ قَالَ مِثْلَهُ الْفُورَانِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَهُوَ تَسَاهُلٌ فَإِنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مُكَلَّفًا فَكَيْفَ يُقَالُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْمُحْدِثِ وَالْأَفْضَلُ أَنَّهُ يَتَطَهَّرُ لَهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَلَا نَقُولُ قِرَاءَةُ الْمُحْدِثِ مَكْرُوهَةٌ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدَثِ
* (الثَّانِيَةُ) كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ إنْ كَانَ الْقُرْآنُ فِيهِ أَكْثَرَ كَبَعْضِ كُتُبِ غَرِيبِ الْقُرْآنِ حُرِّمَ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ وَجْهًا وَاحِدًا كَذَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِتَضْمِينِهِ قُرْآنًا كَثِيرًا وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ الْقُرْآنُ مُتَمَيِّزًا عَنْ التَّفْسِيرِ بِخَطٍّ غَلِيظٍ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُمْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا لَمْ يَحْرُمْ كُرِهَ وَأَمَّا كُتُبُ الْقِرَاءَاتِ فَجَعَلَهَا الشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ كَكُتُبِ الْفِقْهِ وَقَطَعَ هُوَ بِجَوَازِهَا وَأَمَّا كُتُبُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ جَوَازَ مَسِّهَا وَحَمْلِهَا مَعَ الْحَدَثِ
__________
(1) ويمكن الفرق بين الخاتم والدراهم بان الخاتم تلبسه في غالب الاوقات فيشق عليه التطهر له مشقة شديدة بخلاف الدراهم صحح البغوي الوجوب اه من هامش الاذرعى(2/69)
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ يُكْرَهُ وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ آخرون انه ان لم يكن فيها شئ مِنْ الْقُرْآنِ جَازَ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُفْعَلَ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهَا قُرْآنٌ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي كُتُبِ الْفِقْه (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مس التوراة والانجيل وحملهما كذا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ وجهين أحدهما
لا يجوز والثاني قَالَا وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا مُبَدَّلَةٌ مَنْسُوخَةٌ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ ظَنَّ أَنَّ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ مُبَدَّلٍ كُرِهَ مَسُّهُ وَلَا يَحْرُمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحُكْمُ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَتُهُ مِنْ الْقُرْآنِ حُكْمُ التَّوْرَاةِ (الرَّابِعَةُ) إذَا كَتَبَ الْمُحْدِثُ أو الجنب مصحفا نظران حَمَلَهُ أَوْ مَسَّهُ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ حَرُمَ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ (1) أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ دُونَ الْمُحْدِثِ: (الْخَامِسَةُ) إذَا كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي لَوْحٍ فَلَهُ حُكْمُ الْمُصْحَفِ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْبَالِغِ الْمُحْدِث هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ لا يحرم لانه لايراد لِلدَّوَامِ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَيَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ كَانَ عَلَى اللَّوْحِ آيَةٌ أَوْ بَعْضُ آيَةٍ كُتِبَ لِلدِّرَاسَةِ حَرُمَ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ: (السَّادِسَةُ) لَا يَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ بشئ نَجِسٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ نَقْشُ الْحِيطَانِ وَالثِّيَابِ بِالْقُرْآنِ وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِذَا كَتَبَ قُرْآنًا عَلَى حَلْوَى وَطَعَامٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ قَالَ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ عَلَى خَشَبَةٍ كُرِهَ إحْرَاقُهَا (2) (السَّابِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ تَوَسُّدُ الْمُصْحَفِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ قَالَ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ السَّرِقَةَ فَيَجُوزُ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ مَنْعُهُ فِي الْمُصْحَفِ وَإِنْ خَافَ السَّرِقَةَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَا يُمَكَّنُ الصِّبْيَانُ مِنْ مَحْوِ الْأَلْوَاحِ بِالْأَقْدَامِ وَلَا يُمَكَّنُ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ: (الثَّامِنَةُ) لَوْ خَافَ الْمُحْدِثُ عَلَى الْمُصْحَفِ مِنْ حَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ وُقُوعِ نَجَاسَةٍ عَلَيْهِ أَوْ وُقُوعِهِ بِيَدِ كَافِرٍ جَازَ أَخْذُهُ مَعَ الْحَدَثِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ صِيَانَةً لِلْمُصْحَفِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُودِعُهُ الْمُصْحَفَ وَعَجَزَ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَهُ حَمْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْحَدَثَ فَيُبِيحُ الصَّلَاةَ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلَهُ: (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ حَمْلُ التَّعَاوِيذِ يَعْنُونَ الْحُرُوزَ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي الْفَتَاوَى كِتَابَةُ الْحُرُوزِ وَاسْتِعْمَالُهَا مَكْرُوهٌ وَتَرْكُ تَعْلِيقِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ فِي فَتْوَى أُخْرَى يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْحُرُوزِ الَّتِي فِيهَا قُرْآنٌ عَلَى النِّسَاءِ
__________
(1) هذا النقل عن الماوردي فيه نظر فانه يوءذن بانه أورد الوجه في المحدث وزاد وجها ثالثا وليس كذلك بل جزم بتمكين المحدث وخص الوجهين بالجنب نعم يخرج من كلامه وجه فارق بين الجنب
(2) نقل ابن الرفعة: عن القاضي انه قال لا يجوز احراقها قال وقال في الروضة يكره فليحقق: اه اذرعى(2/70)
وَالصِّبْيَانِ وَالرِّجَالِ وَيُجْعَلُ عَلَيْهَا شَمْعٌ وَنَحْوُهُ وَيُسْتَوْثَقُ مِنْ النِّسَاءِ وَشِبْهِهِنَّ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ دُخُولِ الْخَلَاءِ بِهَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا جُعِلَ عَلَيْهِ شَمْعٌ وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِمَا يُعَلَّقُ عَلَى النِّسَاءِ الْحُيَّضِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جُعِلَ فِي كِنٍّ كَقَصَبَةِ حَدِيدٍ أو جلد يخرز عليه وقد يستدل للاباحة بحديث عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنْ الْفَزَعِ كَلِمَاتٍ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ أن يَحْضُرُونَ) قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ عَقَلَ مِنْ بَنِيهِ وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ كَتَبَهُ فَأَعْلَقَهُ عَلَيْهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ: (الْعَاشِرَةُ) إذَا تَيَمَّمَ الْمُحْدِثُ تَيَمُّمًا صَحِيحًا فَلَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ وَكَذَا إذَا تَوَضَّأَ مَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فَلَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَيُصَلِّي عَلَى حَالِهِ لِلضَّرُورَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُسَافَرَةُ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إذَا خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ إلَيْهِمْ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ وَشِبْهُهُمَا فِي أَثْنَاءِ كِتَابٍ لِحَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ كِتَابًا فِيهِ (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) الآية (الثانية عشرة) قال أصحابنا لايمنع الكافر سماع القرآن ويمنع من الْمُصْحَفِ وَهَلْ يَجُوزُ تَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رُجِيَ جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ الْمُصْحَفَ وَإِنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَحَيْثُ رَآهُ مُعَانِدًا لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُهُ بِحَالٍ وَهَلْ يُمْنَعُ التَّعْلِيمَ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا يُمْنَعُ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ صِيَانَةِ الْمُصْحَفِ وَاحْتِرَامِهِ
فَلَوْ أَلْقَاهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فِي قَاذُورَةٍ كَفَرَ وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَتَحْسِينِ كِتَابَتِهِ وَتَبْيِينِهَا وَإِيضَاحِهَا وَإِيضَاحِ الْخَطِّ دُونَ مَشَقَّةٍ وَتَعْلِيقِهِ وَيُسْتَحَبُّ نَقْطُ الْمُصْحَفِ وَشَكْلُهُ لِأَنَّهُ صِيَانَةٌ لَهُ مِنْ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ وَفِي تَذْهِيبِهِ وَتَفْضِيضِهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: وَبَيْعُ الْمُصْحَفِ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَفِي كَرَاهَةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ الْمَنْصُوصُ يُكْرَهُ وَفِيهِ مَذَاهِبُ لِلسَّلَفِ سَنُوَضِّحُهَا حَيْثُ ذكره الصنف فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ(2/71)
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَبَيْعُهُ لِلْكُفَّارِ حَرَامٌ وَفِي انْعِقَادِهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَنْعَقِدُ وَسَنُوَضِّحُهُ مَعَ فُرُوعِهِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا آدَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَفْضِيلُهَا عَلَى التَّسْبِيحِ وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَسَأَذْكُرُهُ مُوَضَّحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَهُوَ أَلْيَقُ بِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ مَذْهَبُنَا تَحْرِيمُهُمَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَعَنْ الْحَكَمِ (1) وَحَمَّادٍ وَدَاوُد يَجُوزُ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ وَحَمَّادٍ جَوَازُ مَسِّهِ بِظَهْرِ الْكَفِّ دُونَ بَطْنِهِ
* وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ كِتَابًا فِيهِ قُرْآنٌ وَهِرَقْلُ محدث يسمه وَأَصْحَابُهُ وَلِأَنَّ الصِّبْيَانَ يَحْمِلُونَ الْأَلْوَاحَ مُحْدِثِينَ بِلَا انكار ولانه إذ لَمْ تَحْرُمْ الْقِرَاءَةُ فَالْمَسُّ أَوْلَى وَقَاسُوا حَمْلَهُ عَلَى حَمْلِهِ فِي مَتَاعٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ الله تعالى (انه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ العالمين) فَوَصَفَهُ بِالتَّنْزِيلِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي عِنْدَنَا فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمَلَائِكَةُ الْمُطَهَّرُونَ وَلِهَذَا قَالَ يَمَسُّهُ بِضَمِّ السِّينِ عَلَى الْخَبَرِ وَلَوْ كَانَ الْمُصْحَفَ لَقَالَ يَمَسَّهُ بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى النَّهْيِ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى تَنْزِيلٌ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ الْمُصْحَفِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ صحيح صريح وأما رفع السين فهو نهى بلفظ الخبر كقوله (لاتضار والدة بولدها) عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ قَالُوا لَوْ أُرِيدَ مَا قُلْتُمْ لَقَالَ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُتَطَهِّرُونَ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمُتَوَضِّئِ مُطَهَّرٌ وَمُتَطَهِّرٌ وَاسْتَدَلَّ
أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَبِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ قِصَّةِ هِرَقْلَ أَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ كَانَ فِيهِ آيَةٌ وَلَا يُسَمَّى مُصْحَفًا وَأُبِيحَ حَمْلُ الصِّبْيَانِ الْأَلْوَاحَ لِلضَّرُورَةِ وَأُبِيحَتْ الْقِرَاءَةُ لِلْحَاجَةِ وَعُسْرِ الْوُضُوءِ لَهَا كُلَّ وَقْتٍ وَحَمْلُهُ فِي الْمَتَاعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
__________
(1) هو الحكم بن عتبة وحماد ابن أبى سليمان شيخ أبى حنيفه اه اذرعى(2/72)
باب الاستطابة)
الِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِجْمَارُ عِبَارَاتٌ عَنْ إزَالَةِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَنْ مَخْرَجِهِ فَالِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِنْجَاءُ يَكُونَانِ تَارَةً بِالْمَاءِ وَتَارَةً بِالْأَحْجَارِ وَالِاسْتِجْمَارُ يَخْتَصُّ بِالْأَحْجَارِ مَأْخُوذًا مِنْ الْجِمَارِ وَهِيَ الْحَصَى الصِّغَارُ وَأَمَّا الِاسْتِطَابَةُ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُطَيِّبُ نَفْسَهُ بِإِزَالَةِ الْخَبَثِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ اسْتَطَابَ يَسْتَطِيبُ فَهُوَ مُسْتَطِيبٌ وَأَطَابَ يُطِيبُ فَهُوَ مُطَيِّبٌ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ شِمْرٌ هو مأخوذ من نجوت الشجرة وَأَنْجَيْتُهَا إذَا قَطَعْتُهَا كَأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّجْوَةِ وَهِيَ مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ تَسَتَّرَ بِنَجْوَةٍ قَالَ الازهرى قول شمر أصح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [إذا أراد دخول الخلاء ومعه شئ عليه ذكر الله تعالى فالمستحب أن ينحيه لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وضع خاتمه) وانما وضعه لانه كان عليه محمد رسول الله]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا مَشْهُورٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي اللِّبَاسِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُد هُوَ مُنْكَرٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ وَقَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَخَالَفَهُمْ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ: وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا وَضَعَهُ إلَى آخِرِهِ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ (أَنَّ نَقْشَ
خَاتَمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) وَيُقَالُ خَاتِمٌ وَخَاتَمٌ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَخَاتَامٌ وَخَيْتَامٌ أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْخَالِي وَقَوْلُهُ كَانَ إذَا دخل الخلاء أي أراد الدخول: أم حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَنْحِيَةِ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرَادَةِ دُخُولِ الْخَلَاءِ وَلَا تَجِبُ التَّنْحِيَةُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَآخَرُونَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وغيرهما لافرق فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ دِرْهَمًا وَدِينَارًا أَوْ خَاتَمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ عُوذَةٌ وَهِيَ الْحُرُوزُ الْمَعْرُوفَةُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُنَحِّيَهُ(2/73)
صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْوَسِيطِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى اسْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَسْتَصْحِبُ شَيْئًا عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْأَدَبِ بِالْبُنْيَانِ وَجْهَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ يَخْتَصُّ وَقَطَعَ الجمهور بانه يشترك فيه البنيان وَالصَّحْرَاءُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ خَاتَمٌ فَقَدْ قُلْنَا يَنْزِعُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَوْ لَمْ يَنْزِعْهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا وَدَخَلَ فَقِيلَ يَضُمُّ عَلَيْهِ كَفَّهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ لَمْ يَنْزِعْهُ جَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَطْنَ كَفِّهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ التَّرْخِيصَ في استصحابه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ بِاسْمِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سِتْرُ مابين عورات امتى واعين الجن باسم الله) ]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سِتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَالسِّتْرُ بِكَسْرِ السِّينِ الْحِجَابُ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ يُقَال مَا دُونَ ذَلِكَ الْأَمْرِ سِتْرٌ وَمَا دُونَهُ حِجَابٌ وَمَا دُونَهُ وَجَاحٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْوَجَاحُ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَقَوْلُهُ بِاسْمِ اللَّهِ هَكَذَا يُكْتَبُ بِاسْمِ بِالْأَلِفِ وَإِنَّمَا تُحْذَفُ الْأَلِفُ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِكَثْرَةِ تكررها كَذَا عَلَّلَهُ أَهْلُ الْأَدَبِ وَالْمُصَنِّفُونَ فِي الْخَطِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَوْلُهُ إذَا دَخَلَ أَيْ
أَرَادَ الدُّخُولَ وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّحْرَاءُ وَالْبُنْيَانُ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالْأَصْحَابُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ ذَلِكَ]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْخُبُثُ بِضَمِّ الْبَاءِ جَمَاعَةُ الْخَبِيثِ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ الْخَبِيثَةِ يُرِيدُ ذُكُورَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ قَالَ وَعَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ خُبْثٌ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ الضَّمُّ وَهَذَا الَّذِي غَلَّطَهُمْ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ لَيْسَ بِغَلَطٍ بَلْ إنْكَارُ تَسْكِينِ الْبَاءِ وَشِبْهِهِ غلط فان(2/74)
التَّسْكِينَ فِي هَذَا وَشِبْهِهِ جَائِزٌ تَخْفِيفًا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ وَهُوَ بَابٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ فَمِنْ ذَلِكَ كُتُبٌ وَرُسُلٌ وَعُنُقٌ وَأَشْبَاهُهَا مِمَّا هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مَضْمُومُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيَّ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنًا فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يُرِدْ إنْكَارَ الْإِسْكَانِ تَخْفِيفًا وَلَكِنَّ عِبَارَتَهُ مُوهِمَةٌ وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنُ سَلَامٍ إمَامُ هَذَا الْفَنِّ وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ رَوَوْهُ سَاكِنَ الْبَاءِ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ الْخُبْثُ الشَّرُّ وَقِيلَ الْكُفْرُ وَقِيلَ الشَّيْطَانُ وَالْخَبَائِثُ الْمَعَاصِي قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الْخُبْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَكْرُوهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَلَامِ فَهُوَ الشَّتْمُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمِلَلِ فَهُوَ الْكُفْرُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّعَامِ فَهُوَ الْحَرَامُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّرَابِ فَهُوَ الضَّارُّ: وَقَوْلُهُ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ أَيْ إذَا أَرَادَ دُخُولَهُ وَكَذَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَهَذَا الذِّكْرُ مَجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَسَوَاءٌ فيه البناء والصحراء وقول المصنف يقول اسم اللَّهِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ التَّسْمِيَةَ وَهَكَذَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا (بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ) وَيُخَالِفُ هَذَا التَّعَوُّذَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى البسملة لان التعوذ هناك للقراء وَالْبَسْمَلَةُ مِنْ الْقُرْآنِ فَقُدِّمَ التَّعَوُّذُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ هذا: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
[وَيَقُولُ إذَا خَرَجَ غُفْرَانَكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي) وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَلَاءِ إلَّا قَالَ (غُفْرَانَكَ) ] [الشرح] الحديث أَبِي ذَرٍّ هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ طُرُقٍ بَعْضُهَا مَرْفُوعٌ وَبَعْضُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَإِسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ غَيْرُ قَوِيٍّ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضعيف قال الترمذي لايعرف فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ(2/75)
حَسَنٌ وَلَفْظُ رِوَايَتِهِمْ كُلِّهِمْ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ قَالَ (غُفْرَانَكَ) وَبَيْنَ هَذَا اللَّفْظِ وَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ تَفَاوُتٌ لَا يَخْفَى لَكِنَّ الْمَقْصُودَ يحصل: وجاء فِي الَّذِي يُقَالُ عَقِبَ الْخُرُوجِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ليس فيها شئ ثَابِتٌ إلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ وَهَذَا مُرَادُ الترمذي بقوله لايعرف فِي الْبَابِ إلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَغُفْرَانَكَ مَنْصُوبٌ بِتَقْدِيرِ أَسْأَلُكَ غُفْرَانَكَ أَوْ اغْفِرْ غُفْرَانَكَ وَالْوَجْهَانِ مَقُولَانِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (غفرانك ربنا) وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقِيلَ فِي سَبَبِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الذِّكْرَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَالَ لَبْثِهِ عَلَى الْخَلَاءِ وَكَانَ لا يهجر ذكر الله تعال إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ خَوْفًا مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ هَضَّمَهُ ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَهُ فَرَأَى شُكْرَهُ قَاصِرًا عَنْ بُلُوغِ هَذِهِ النِّعْمَةِ فَتَدَارَكَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَقَوْلُهَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ أَيْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَغَوَّطُ فِيهِ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْغَائِطِ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ كَانُوا يَأْتُونَهُ لِلْحَاجَةِ فَكَنَوْا بِهِ عَنْ نَفْسِ الْحَدَثِ كَرَاهَةً لِاسْمِهِ وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ التَّعَفُّفُ فِي أَلْفَاظِهَا وَاسْتِعْمَالُ الْكِنَايَاتِ فِي كَلَامِهَا وَصَوْنُ الْأَلْسُنِ مِمَّا تُصَانُ الْأَبْصَارُ وَالْأَسْمَاعُ عَنْهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَيَشْتَرِكُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَالصَّحْرَاءُ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ
وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ جُنْدَبُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا ابْنُ جُنَادَةَ بِالضَّمِّ وَقِيلَ فِي اسْمِهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَقِيلَ خَامِسُ خَمْسَةٍ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَزُهْدُهُ مِنْ الْمَشْهُورَاتِ تُوُفِّيَ بِالرَّبْذَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقَدْ بَسَطْتُ أَحْوَالَهُ فِي تَهْذِيبِ الاسماء رضى الله عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ فِي الدُّخُولِ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَفِي الْخُرُوجِ الْيُمْنَى لِأَنَّ الْيَسَارَ لِلْأَذَى وَالْيُمْنَى لما سواه](2/76)
(الشَّرْحُ) الْيَسَارُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمْ ابْنُ دُرَيْدٍ وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ التَّكْرِيمِ بُدِئَ فِيهِ بِالْيُمْنَى وَخِلَافُهُ بِالْيَسَارِ وَقَدْ قَدَّمْتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِأَمْثِلَتِهَا وَدَلَائِلِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدِ وَفِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْأَدَبِ بِالْبُنْيَانِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَخْتَصُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرِينَ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَخْتَصُّ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ فَيُقَدِّمُ فِي الصَّحْرَاءِ رِجْلَهُ الْيُسْرَى إذَا بَلَغَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ وَإِذَا فرغ قدم اليمنى في انصرافه * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ أَبْعَدَ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا ذَهَبَ إلَى الغائط ابعد) ويستتر عن العيون بشئ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ به]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ أَيْضًا قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ يَا مُغِيرَةُ خُذْ الْإِدَاوَةَ فَأَخَذْتُهَا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ
انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ يَسِيرٌ وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْحَائِشُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْحَائِطُ وَالْكَثِيبُ بالثاء المثلثة قطعة من الرمل مستطيلة محدودبة تُشْبِهُ الرَّبْوَةَ وَهَذَانِ الْأَدَبَانِ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِمَا وَجَاءَ فِيهِمَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جَمَعْتُهَا فِي جَامِعِ السُّنَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَحْصُلُ هَذَا التَّسَتُّرُ بِأَنْ يَكُونَ فِي بِنَاءٍ مُسَقَّفٍ أَوْ مُحَوَّطٍ يُمْكِنُ سَقْفُهُ أَوْ يَجْلِسَ قَرِيبًا مِنْ جِدَارٍ وَشِبْهِهِ وَلْيَكُنْ السَّاتِرُ قَرِيبًا مِنْ(2/77)
آخِرَةِ الرَّحْلِ وَلْيَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ وَلَوْ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَتَسَتَّرَ بِهَا أَوْ جَلَسَ فِي وَهْدَةٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ أَرْخَى ذيله حصل هذا الغرض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا لِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ) وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نَاسًا كَانُوا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوَقَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إلَى الْقِبْلَةِ) وَلِأَنَّ فِي الصَّحْرَاءِ خَلْقًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ يُصَلُّونَ فيستقبلهم بفرجه وليس ذلك في البنيان]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ دُونَ قَوْلِهِ لِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَيُّوب وَوَقَعَ في المذهب لِغَائِطٍ بِاللَّامِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ لِغَائِطٍ وَبِغَائِطٍ بِاللَّامِ وَبِالْبَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي تَرْجَمَةِ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ إلَى أَنَّ فِيهِ عِلَّةً وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (أو قد فَعَلُوهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهِيَ وَاوُ الْعَطْفِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي تفسير قول الله تعالى (أو لو كانوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) إنَّمَا جَعَلَ الِاسْتِفْهَامَ لِلتَّوْبِيخِ
لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِقْرَارَ بِمَا الْإِقْرَارُ بِهِ فَضِيحَةٌ كَمَا يَقْتَضِي الِاسْتِفْهَامُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ وَالْمَقْعَدَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وهى موضع العقود لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا سَأَذْكُرُهُ فِي فُرُوعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الشَّامِلِ إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ فِي الْبُنْيَانِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ وَنَحْوِهِ ثَلَاثُ أَذْرُعٍ فَمَا دُونَهَا وَيَكُونَ الْجِدَارُ وَنَحْوُهُ مُرْتَفِعًا قَدْرَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فان(2/78)
زَادَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِ أَذْرُعٍ أَوْ قَصُرَ الْحَائِلُ عَنْ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فَهُوَ حَرَامٌ إلَّا إذَا كَانَ فِي بَيْتٍ بُنِيَ لِذَلِكَ فَلَا حَرَجَ فِيهِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ فِي الصحراء وتستر بشئ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشَّرْطَيْنِ زَالَ التَّحْرِيمُ فَالِاعْتِبَارُ بِالسَّاتِرِ وَعَدَمِهِ فَحَيْثُ وُجِدَ السَّاتِرُ بِالشَّرْطَيْنِ حَلَّ فِي الْبِنَاءِ وَالصَّحْرَاءِ وَحَيْثُ فُقِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ حَرُمَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَحِلُّ فِي الْبِنَاءِ مُطْلَقًا بِلَا شَرْطٍ وَيَحْرُمُ فِي الصَّحْرَاءِ مُطْلَقًا وَإِنْ قَرُبَ مِنْ السَّاتِرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي السَّاتِرِ بَيْنَ الْجِدَارِ وَالدَّابَّةِ وَالْوَهْدَةِ (1) وَكَثِيبِ الرَّمْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: وَلَوْ أَرْخَى ذَيْلَهُ فِي قُبَالَةِ الْقِبْلَةِ فَهَلْ يَحْصُلُ بِهِ السَّتْرُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا لَا يَحْصُلُ لِأَنَّهُ لَا يعد ساتر أو أصحهما يَحْصُلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ وَلَا يستدير بسوءته وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِالذَّيْلِ وَبِهَذَا الثَّانِي قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الِاسْتِقْبَالَ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُكْرَهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا كَانَ فِي بَيْتٍ يُعَدُّ مِثْلُهُ سَاتِرًا لَمْ يَحْرُمْ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ لَكِنَّ الادب ان يتوقاهما ويهيئ مجلسه مائلا عَنْهُمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْكَرَاهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَوَلِّي وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّ الْأَدَبَ وَالْأَفْضَلَ الْمَيْلُ عَنْ الْقِبْلَةِ إذَا أَمْكَنَ بِلَا مشقة والله أعلم
*
__________
(1) قال العمرانى في زوائده ولو كان في وهدة وبينه وبين ما يستره من الارض أو شجرة فوجهان اصحهما حصول الستر والثانى المنع لانه يقع عليه اسم الصحراء اه اذرعي(2/79)
(فَرْعٌ)
إذَا تَجَنَّبَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا حَالَ خُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ أَرَادَ اسْتِقْبَالَهَا حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ فَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا وَإِطْلَاقُ أَصْحَابِنَا جَوَازَهُ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي الحلية جوزاه عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ يَحْتَمِلُهُ مَذْهَبُنَا وَلَا كَرَاهَةَ أَيْضًا فِي إخْرَاجِ الرِّيحِ إلَى الْقِبْلَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَابِهِ الْكِفَايَةِ يَجُوزُ عِنْدَنَا الْجِمَاعُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا فِي الْبِنَاءِ وَالصَّحْرَاءِ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَنَقَلَ غَيْرُ العبدرى من اصحابنا ايضا انه لاكراهة فِيهِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَا اسْتِدْبَارُهُ لَا فِي الْبِنَاءِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ كَانَ قِبْلَةً: وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي عليه وسلم أن يستقبل الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَأَجَابَ عَنْهُ أَصْحَابُنَا بِجَوَابَيْنِ لِمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ كَانَ قِبْلَةً ثُمَّ نَهَى عَنْ الْكَعْبَةِ حِينَ صَارَتْ قِبْلَةً فَجَمَعَهُمَا الرَّاوِي قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا تَأْوِيلُ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَالثَّانِي الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ مَنْ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ اسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ وَإِنْ اسْتَدْبَرَهُ اسْتَقْبَلَهَا وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِهِمَا النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا تَأْوِيلٌ(2/80)
عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَهَذَانِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْأَصْحَابِ وَلَكِنْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَعْفٌ وَالظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ أَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ عَامٌّ لِكِلْتَيْهِمَا فِي كُلِّ مَكَان وَلَكِنَّهُ فِي الْكَعْبَةِ نَهْيُ تَحْرِيمٍ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَلَى مَا سَبَقَ وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَلَا يَمْتَنِعُ جَمْعُهُمَا فِي النَّهْيِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُ وَسَبَبُ النَّهْيِ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَوْنُهُ كَانَ قِبْلَةً فَبَقِيَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْكَعْبَةِ
وَقَدْ اخْتَارَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا التَّأْوِيلَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ حَمَلْتُمُوهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى التَّنْزِيهِ قُلْنَا لِلْإِجْمَاعِ فَلَا نَعْلَمُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ خرمه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ هِيَ أربعة مذاهب أحدها مذهب الشافع أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فِي الصَّحْرَاءِ جَائِزٌ فِي الْبُنْيَانِ عَلَى مَا سَبَقَ وَهَذَا قَوْلُ الْعَبَّاسِ ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
* وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي يَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
* وَالثَّالِثُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبِنَاءِ وَالصَّحْرَاءِ وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَرَبِيعَةَ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ
* وَالرَّابِعُ يَحْرُمُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ وَيَحِلُّ الِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ حَرَّمَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَةٍ فَلَا يَسْتَقْبِلَنَّ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بول قَالُوا وَلِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْبِنَاءِ كَالصَّحْرَاءِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَفَى الْحَائِلُ لَجَازَ فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنَّ(2/81)
بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ أَوْدِيَةً وَجِبَالًا وَأَبْنِيَةً
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وبحدث ابن عمر رضى لله عَنْهُمَا قَالَ (رَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبِرًا الْكَعْبَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ قَالَ (رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا فَقُلْنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا قَالَ بَلَى إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ فَإِذَا كَانَ
بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شئ يسترك فلا بأس) رواه أبو داود والدارقطني وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلِأَنَّهُ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي اجْتِنَابِ الْقِبْلَةِ فِي الْبِنَاءِ دُونَ الصَّحْرَاءِ فَإِنْ قَالُوا خَصُّوا الْجَوَازَ بِمَنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ قُلْنَا الرُّخْصَةُ تَرِدُ لِسَبَبٍ ثُمَّ تَعُمُّ كَالْقَصْرِ وَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَعَارَضَتْ فِي المنع والجواز فوجب الجمع بينها ويحصل الجمع بينها بِمَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهَا جَاءَتْ عَلَى فِقْهٍ وَلَا تَكَادُ تَحْصُلُ بِغَيْرِهِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَهُوَ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ كَانَ بِالصَّحْرَاءِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا انه شك في عموم النهي فاحتاط الاستغفار وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا مَذْهَبُهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرِيحًا وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا سَبَقَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْمَنْعُ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ وَمَا بَعْدَهُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْفَرْقِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قِيَاسٍ وَمَعْنًى يُخَالِفُهُ: وَمَعَ هَذَا فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ فِي الْبِنَاءِ دُونَ الصَّحْرَاءِ
* وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ مُطْلَقًا بِحَدِيثَيْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ قَالُوا وَهُمَا نَاسِخَانِ لِلنَّهْيِ قَالُوا وَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَعَارَضَتْ فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ السَّابِقَةَ صَحِيحَةٌ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا(2/82)
فَجَمَعْنَا بَيْنَهَا وَاسْتَعْمَلْنَاهَا وَلَمْ نُعَطِّلْ شَيْئًا مِنْهَا: واما قولهم ناسخان فخطأ لان السنخ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ هُنَا وَأَمَّا مَنْ جَوَّزَ الِاسْتِدْبَارَ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ فَمَحْجُوجٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ فِي الصَّحْرَاءِ خَلْقًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ يُصَلُّونَ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاعْتَمَدُوهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ التَّابِعِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَعَدَ قَرِيبًا مِنْ حَائِطٍ وَاسْتَقْبَلَهُ وَوَرَاءَهُ فَضَاءٌ وَاسِعٌ جَازَ بلا شك صرح به امام الحرمين والبغوى وَغَيْرُهُمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَبَالَ إلَيْهَا فَهَذَا يُبْطِلُ هَذَا التَّعْلِيلَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَدْبِرٌ الْفَضَاءَ الَّذِي فِيهِ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنَّ التَّعْلِيلَ الصَّحِيحَ أَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمَةٌ فَوَجَبَ صِيَانَتُهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَرُخِّصَ فِيهَا فِي الْبِنَاءِ لِلْمَشَقَّةِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ
اعْتَمَدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الارض لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الارض] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَاهُ
* وَهَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ (1) وَمَعْنَاهُ إذَا أَرَادَ الْجُلُوسَ لِلْحَاجَةِ لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ عَنْ عَوْرَتِهِ فِي حَالِ قِيَامِهِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يُسْبِلَ ثَوْبِهِ إذَا فَرَغَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ تَنَجُّسَ ثَوْبِهِ فَإِنْ خَافَهُ رَفَعَ قَدْرَ جاجته والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَيَرْتَادُ مَوْضِعًا لِلْبَوْلِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْأَصْلِيَّةُ دَقَّهَا بِعُودٍ أَوْ حَجَرٍ حَتَّى لَا يَتَرَشَّشَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي مُوسَى ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى وَقَوْلُهُ فَلْيَرْتَدْ أَيْ يَطْلُبُ مَوْضِعًا لَيِّنًا وَأَبُو مُوسَى هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَشْعَرِ جَدِّ الْقَبِيلَةِ تُوُفِّيَ أَبُو مُوسَى بِمَكَّةَ وَقِيلَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وهو ابن
__________
(1) قلت قال في تعليقه على التنبيه ان هذا مبني على الخلاف في وجوب ستر العورة في الخلوة ان قلنا واجب وهو الاصح كان رفع الثوب قبل الدنو وان لم يحتج إليه حراما وان قلنا لا يجب الستر في الخلوة كان الرفع مكروها لا محرما انتهى لفظه رحمه الله تعالى اه اذرعى(2/83)
ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي التَّهْذِيبِ
* وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَطْلُبُ أَرْضًا لَيِّنَةً تُرَابًا أَوْ رَمْلًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَرْضًا صُلْبَةً دَقَّهَا بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ لِئَلَّا يَتَرَشَّشَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (مابلت) قائما منذ أسلمت ولانه لا يؤمن ان يترشش عليه ولايكره ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا لعلة بمنبضيه]
[الشَّرْحُ] أَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ تَعْلِيقًا لَا مُسْنَدًا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبُولُ قَائِمًا فَقَالَ يَا عُمَرُ لَا تَبُلْ قَائِمًا فَمَا بُلْت بَعْدُ قَائِمًا لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُغْنِي عَنْ هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إلَّا قَاعِدًا) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى سباطة قوم فبال قائما) فصحيح روه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا وَأَمَّا قَوْلُهُ لِعِلَّةٍ بمأبضيه رواه الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ قَالَ لا تثبت هذه الزبادة وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سَبَبِ بَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا أَوْجُهًا أَحَدُهَا قَالَا وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أن العرب كانت تشتشفى بِالْبَوْلِ قَائِمًا لِوَجَعِ الصُّلْبِ فَنَرَى أَنَّهُ كَانَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ ذَاكَ وَجَعُ الصُّلْبِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَارَ هَذَا عَادَةً لِأَهْلِ هَرَاةَ يَبُولُونَ قِيَامًا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً إحْيَاءً لِتِلْكَ السُّنَّةِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ لِعَلَّةٍ بِمَأْبِضَيْهِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَصْلُحُ لِلْقُعُودِ فَاحْتَاجَ إلَى الْقِيَامِ إذَا كَانَ الطَّرَفُ الَّذِي يَلِيه عَالِيًا مُرْتَفِعًا(2/84)
وَيَجُوزُ وَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ: وَأَمَّا السُّبَاطَةُ فَبِضَمِّ السِّينِ وَهِيَ مَلْقَى التُّرَابِ وَالْكُنَاسَةِ وَنَحْوِهَا تَكُونُ بِفِنَاءِ الدُّورِ مِرْفَقًا لِلْقَوْمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ سَهْلًا لَيِّنًا مُنْثَالًا يُخَدُّ فِيهِ الْبَوْلُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى البائل وأما المئبض فَبِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْمِيم ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ بقلبها ألفا كما في رأس واشباهه والمئبض بَاطِنُ الرُّكْبَةِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ وَجَمْعُهُ مَآبِضُ بِالْمَدِّ كَمَسْجِدٍ وَمَسَاجِدَ وَأَمَّا بَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُبَاطَةِ الْقَوْمِ فَيَحْتَمِلُ أَوْجُهًا أَظْهَرُهَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَهَا يَرْضَوْنَ ذَلِكَ وَلَا يَكْرَهُونَهُ وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ جَازَ الْبَوْلُ فِي أَرْضِهِ: (الثَّانِي) أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُخْتَصَّةً بِهِمْ بَلْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دُورِهِمْ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ فَأُضِيفَتْ إلَيْهِمْ
لِقُرْبِهَا مِنْهُمْ (الثَّالِثُ) أَنَّهُمْ أَذِنُوا لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِيهَا بِصَرِيحِ الْإِذْنِ أَوْ بِمَعْنَاهُ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا بِلَا عُذْرٍ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَا يُكْرَهُ لِلْعُذْرِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي الْبَوْلِ قائما فثبت عن عمربن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمروسهل ابن سعد انهم بَالُوا قِيَامًا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَنَسٍ وأبي هريرة وفعله ابن سرين وَعُرْوَةُ وَكَرِهَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ بَالَ قَائِمًا قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ ان كان في مكان لا يتطاير إليه من البول شئ فمكروه وان تطاير فَلَا كَرَاهَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْبَوْلُ جَالِسًا أَحَبُّ إلَيَّ وَقَائِمًا مُبَاحٌ وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * قال المصنف رحمه الله
* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي ثُقْبٍ أَوْ سَرَبٍ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي جُحْرٍ) وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ عَلَيْهِ مَا يَلْسَعُهُ أَوْ يَرُدُّ عليه البول]
* [الشرح] حديث ابن سرجى صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ وَفِي رِوَايَاتِهِمْ زِيَادَةٌ قَالُوا لِقَتَادَةَ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ سَرْجِسَ مَا تَكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي جُحْرٍ فَقَالَ كَانَ يُقَالُ إنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ وَالثَّقْبُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ تقدمتا في باب صفقة الْوُضُوءِ فِي فَصْلِ(2/85)
غَسْلِ الْيَدِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالسَّرَبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ: فَالثَّقْبُ مَا اسْتَدَارَ وَهُوَ الْجُحْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ وَالسَّرَبُ مَا كَانَ مُسْتَطِيلًا: وعبد الله بن سرجس من بنى بَصْرِيٌّ وَأَبُوهُ سَرْجِسُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَآخِرُهُ سِينٌ أُخْرَى لَا يَنْصَرِفُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَرَاهَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وهي كراهة تنزيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ وَالْمَوَارِدِ لِمَا رَوَى مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبِرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ والظل] [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ عَلَى طَرِيقٍ عَامِرٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) رَوَاهُ البيهقى والسخيمة بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الْغَائِطُ وَالْمَلَاعِنُ مَوَاضِعُ اللَّعْنِ جَمْعُ مَلْعَنَةٍ كَمَقْبَرَةٍ وَمَجْزَرَةٍ مَوْضِعُ الْقَبْرِ وَالْجَزْرِ وَأَمَّا اللَّعَّانَانِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَهُمَا صَاحِبَا اللَّعْنِ أَيْ الَّذِي يَلْعَنُهُمَا النَّاسُ كَثِيرًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد اللَّاعِنَانِ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرَانِ الْجَالِبَانِ لِلَّعْنِ لِأَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا لَعَنْهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ فَلَمَّا صَارَا سَبَبًا لِلَّعْنِ أُضِيفَ الْفِعْلُ إلَيْهِمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يَكُونُ اللَّاعِنُ بِمَعْنَى الْمَلْعُونِ فَالتَّقْدِيرُ اتَّقُوا الْمَلْعُونَ فَاعِلُهُمَا: وَأَمَّا الْمَوَارِدُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ طُرُقُ الْمَاءِ وَاحِدُهَا مَوْرِدٌ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِالظِّلِّ مُسْتَظَلُّ النَّاسِ الَّذِي اتَّخَذُوهُ مَقِيلًا وَمُنَاخًا يَنْزِلُونَهُ أَوْ يَقْعُدُونَ تَحْتَهُ قَالُوا وَلَيْسَ كُلُّ ظِلٍّ يَمْنَعُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ تَحْتَهُ فَقَدْ قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ حَائِشِ النَّخْلِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وللحائش ظل بلاشك: وَأَمَّا الْبَرَازُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ هُنَا بِفَتْحِ الباء وهو الفضاء الواسع من الارض كنوابه عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا كَنَّوْا عَنْهُ بِالْخَلَاءِ وَيُقَالُ تَبَرَّزَ الرَّجُلُ إذَا تَغَوَّطَ كَمَا يُقَالُ تَخَلَّى قَالَ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ الْبِرَازَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ غيره(2/86)
الصَّوَابُ الْبِرَازُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ الْغَائِطُ نَفْسُهُ كَذَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فَإِذَا كَانَ الْبِرَازُ بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْغَائِطُ وَقَدْ اعْتَرَفَ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ الرُّوَاةَ نَقَلُوهُ بِالْكَسْرِ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فَحَصَلَ أَنَّ الْمُخْتَارَ كَسْرُ الْبَاءِ وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: وَأَمَّا قَارِعَةُ الطَّرِيقِ فَأَعْلَاهُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ صَدْرُهُ وَقِيلَ مَا بَرَزَ مِنْهُ وَالطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ تقدم بيانهما وأما معاذ الرواى فَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ وَمِنْ أَعْلَمِهِمْ بِالْأَحْكَامِ شَهِدَ بَدْرًا وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ وَأَسْلَمَ وَلَهُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ شَهِيدًا فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْأُرْدُنِّ مِنْ الشَّامِ وَقَبْرُهُ بِغَوْرِ بَيْسَانَ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* وَهَذَا الْأَدَبُ وَهُوَ اتِّقَاءُ الْمَلَاعِنِ الثَّلَاثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ فِعْلَ هَذِهِ الْمَلَاعِنِ أَوْ بَعْضِهَا مَكْرُوهٌ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
مُحَرَّمًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِ (1) إشَارَةٌ إلى تحريمه
* والله أعلم قال المصنف رحمه الله
* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي مَسَاقِطِ الثِّمَارِ لِأَنَّهُ يقع عليه فينجس]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّجَرِ الْمُبَاحِ وَاَلَّذِي يَمْلِكُهُ وَلَا بَيْنَ وَقْتِ الثَّمَرِ وَغَيْرِ وَقْتِهِ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ يصير نحسا فَمَتَى وَقَعَ الثَّمَرُ تَنَجَّسَ وَسَوَاءٌ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْبَوْلِ اخْتِصَارًا وَتَنْبِيهًا لِلْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى وَإِنَّمَا لَمْ يَقُولُوا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ لِأَنَّ تَنَجُّسَ الثِّمَارِ بِهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ * قال المصنف رحمه الله
* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ الله تبارك وتعالى يمقت علي ذلك]
*
__________
(1) هو البغوي في شرح السنة وقد صرح به في تعليقه على التنبيه وقد قطع هو والرافعي في كتاب الشهادة ان القعود في الطريق من الصغائر فيما نقلاه عن صاحب العدة بعد ان اعترض كل منهما عليه في اشياء واقراه معا على تحريم التغوط في طريق المسلمين اه اذرعى(2/87)
[الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةٍ للحاكم قال أبوسيعد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي الْمُتَغَوِّطَيْنِ أَنْ يَتَحَدَّثَا فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذلك) ومعني يضربان الغائط باتيانه قل أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَال ضَرَبْتُ الْأَرْضَ إذَا أَتَيْتُ الْخَلَاءَ وَضَرَبْتُ فِي الْأَرْضِ إذَا سَافَرْتُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاشِفَيْنِ كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخٍ الْمُهَذَّبِ كَاشِفَانِ بِالْأَلِفِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُمَا كَاشِفَانِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَالْمَقْتُ الْبُغْضُ وَقِيلَ أَشَدُّ الْبُغْضِ وَقِيلَ تَعَيُّبُ فَاعِلِ ذَلِكَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَرَاهَةِ الْكَلَامِ عَلَى قَضَاء الْحَاجَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوِي فِي الْكَرَاهَةِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ وَيُسْتَثْنَى مَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ بِأَنْ رَأَى
ضَرِيرًا يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ رَأَى حَيَّةً أَوْ غَيْرَهَا تَقْصِدُ إنْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُحْتَرَمَاتِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَلْ يَجِبُ فِي أَكْثَرِهَا فَإِنْ قِيلَ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لِمَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الذَّمَّ لِمَنْ جَمَعَ كُلَّ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ قلنا ما كان بعض موجبات المقت لاشك فِي كَرَاهَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ الحاكم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ أَوْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا عَطَسَ أَوْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طهر) ]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى وَجْهِهِ فَفَوَّتَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَمَوْضِعَ الدَّلَالَةِ رَوَى الْمُهَاجِرُ بْنُ قُنْفُذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيَّ فَقَالَ إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طُهْرٍ) أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَفِي رِوَايَةِ(2/88)
الْبَيْهَقِيّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ قَرِيبَةٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ) هَذِهِ الْكَرَاهَةُ بِمَعْنَى تَرْكِ الْأَوْلَى لَا كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ وَاحْتَجَّ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ (أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّك إنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْك) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَرَاهَةِ رَدِّ السَّلَامِ وَمَا بَعْدَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَكَذَا التَّسْبِيحُ وَسَائِرُ الْأَذْكَارِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فَإِنْ عَطَسَ عَلَى الْخَلَاءِ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ قَالَهُ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ الْبَغَوِيّ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ هُنَا وَفِي حَالِ الْجِمَاعِ ثُمَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ بِالِاتِّفَاقِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْكَرَاهَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَعِكْرِمَةَ: وَعَنْ النَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ قَالَا لَا بَأْسَ بِهِ
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَتَرْكُ الذِّكْرِ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَا أُؤَثِّمُ من ذكر والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* [والمستحب أن يتكأ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِمَا رَوَى سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَيْنَا الْخَلَاءَ أَنْ نَتَوَكَّأَ عَلَى الْيُسْرَى) وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ في قضاء الحاجة]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُرَاقَةَ قَالَ (عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ أَحَدُنَا الْخَلَاءَ أَنْ يَعْتَمِدَ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى) وَسُرَاقَةُ هُوَ أَبُو سُفْيَانَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا الْمُدْلِجِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ يَتَّكِئُ وَيَتَوَكَّأُ بِهَمْزِ آخِرِهِمَا وَهَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
* وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فيبقى المعنى ويستأنس بالحديث والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*(2/89)
(وَلَا يُطِيلُ الْقُعُودَ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ طُولُ الْقُعُودِ عَلَى الْحَاجَةِ تَتَّجِعُ مِنْهُ الْكَبِدُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْبَاسُورَ فاقعد هو ينا واخرج] [الشَّرْحُ] هَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَلُقْمَانُ هُوَ الْحَكِيمُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ (وَلَقَدْ آتينا لقمان الحكمة) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا حَكِيمًا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا إلَّا عِكْرِمَةَ فَانْفَرَدَ وَقَالَ كَانَ نَبِيًّا وَقَوْلُهُ تتجع أَوَّلُهُ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقُ وَيَجُوزُ بِالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَالْجِيمُ مَفْتُوحَةٌ يُقَالُ تَجِعَتْ تَتَّجِعُ كَمَرِضَتْ تَمْرَضُ وَالْكَبِدُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ وَالْبَاسُورُ ضَبَطْنَاهُ فِي الْمُهَذَّبِ بِالْبَاءِ وَالسِّينِ وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ ذَكَرَهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ بَاسُورٌ بِالْبَاءِ وَالسِّينِ وَنَاسُورٌ بِالنُّونِ وَنَاصُورٌ بِالنُّونِ وَالصَّادِ وَهِيَ عِلَّةٌ فِي مَقْعَدَةِ الْإِنْسَانِ وَقَوْلُهُ هُوَيْنَا هُوَ مَقْصُورٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ تَصْغِيرُ هَوْنَى كَحُبْلَى تَأْنِيثُ الْأَهْوَنِ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ الْهُوْنَا كَالدُّنْيَا وَقَدْ قِيلَ هُوْنَا كَمَا قد قيل دنيا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِذَا بَالَ تَنَحْنَحَ حَتَّى يَخْرُجَ إنْ كَانَ هناك شئ وَيَمْسَحُ ذَكَرَهُ مَعَ مَجَامِعِ الْعُرُوقِ
ثُمَّ يَنْتُرُهُ]
* [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ يَنْتُرُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ وَالنَّتْرُ جَذْبٌ بِجَفَاءٍ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ واستنتر إذَا جَذَبَ بَقِيَّةَ بَوْلِهِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ يَسْتَبْرِئُ الْبَائِلُ مِنْ الْبَوْلِ لِئَلَّا يَقْطُرَ عَلَيْهِ قَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقِيمَ سَاعَةً قَبْلَ الْوُضُوءِ وَيَنْتُرَ ذَكَرَهُ هَذَا لَفْظُ نَصِّهِ (1) وَكَذَا قَالَ جَمَاعَاتٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَصْبِرَ سَاعَةً يَعْنُونَ لَحْظَةً لَطِيفَةً (2) وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتُرَ ثَلَاثًا مَعَ التَّنَحْنُحِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ وَيَمْشِي بَعْدَهُ خُطْوَةً أَوْ خُطُوَاتٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَهْتَمُّ بِالِاسْتِبْرَاءِ فَيَمْكُثُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ وَيَتَنَحْنَحُ قَالَ وَكُلٌّ أَعْرَفُ بِطَبْعِهِ قَالَ وَالنَّتْرُ ما ورد به الخبر وهوأن يُمِرَّ أُصْبُعًا لِيُخْرِجَ بَقِيَّةً إنْ كَانَتْ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ شئ يُخَافُ خُرُوجُهُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ هذا
__________
(1) قال في البحر ويستبرئ من البول فيقم ساعة ثم ينتر ذكره قبل الاستنجاء بيده اليسري ثلاثا وهو ان يضع أصبعه علي ابتداء مجرى بوله وهو من عند حلقه الدبر ثم يسلت المجرى بتلك الاصبع إلى رأس الذكر قال والنتر هو الدلك الشديد وقيل يمسك الذكر بيده اليسرى ويضع اصبع يده اليمنى على ابتداء المجرى فإذا انتهى إلى الذكر نتره باليسري وهذا امكن حكاه الساجى انتهى لفظه اه اذرعى (2) لا معنى لقوله لحظة لطيفة بل هو مقيد بالحاجة بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثم مني يخرج يختلف هذا باختلاف أحوال الناس كما قال فيما بعد اه اذرعى(2/90)
* الْمَقْصُودُ بِأَدْنَى عَصْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى مَشْيِ خُطُوَاتٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى صَبْرِ لَحْظَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يحتاج إلى شئ مِنْ هَذَا وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْأَدَبُ وَهُوَ النَّتْرُ وَالتَّنَحْنُحُ وَنَحْوُهُمَا مُسْتَحَبٌّ فَلَوْ تَرَكَهُ فَلَمْ يَنْتُرْ وَلَمْ يَعْصِرْ الذَّكَرَ وَاسْتَنْجَى عقيب انقطاع البول ثم توضأ فاستئجاءه صَحِيحٌ وَوُضُوءُهُ كَامِلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خُرُوجِ شئ آخَرَ قَالُوا وَالِاسْتِنْجَاءُ
يَقْطَعُ الْبَوْلَ فَلَا يَبْطُلُ استنجاءه ووضوءه الا أن يتيقن خروج شئ
* وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ فِي هَذَا الْأَدَبِ بِمَا رَوَى يزداذ وقيل ازداذ بن فسأة قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ وقال الاكثرون هو مرسل ولا صحبة ليزداذ وممن نص علي أنه لاصحبة لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ معين وغيره لا نعرف يزداذ فالتعويل على المعنى الذى ذكره الاصحاب ويزداذ بِزَايٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَفُسَاءَةُ بِالْفَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَبِالْمَدِّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ حَشْوُ الذَّكَرِ بقطنة ونحوها صرح بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الاصحاب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لايبولن أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عامة الوسواس منه] [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُسْتَحَمُّ الْمُغْتَسَلُ سمى مستحما(2/91)
مُشْتَقًّا مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ بِغَيْنٍ معجمة مفتوحة ثم فاء مشددة مفتوحة كنية عبد الله أَبُو سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو زِيَادٍ وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يترشش عليه وهذا في غير الا خلية الْمُتَّخَذَةِ لِذَلِكَ
* أَمَّا الْمُتَّخَذُ لِذَلِكَ كَالْمِرْحَاضِ فَلَا بَأْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَشَّشُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ مَشَقَّةً وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ فِي مَوْضِعِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ عَنْ مَوْضِعِهِ
كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِآدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ: إحْدَاهَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ فِي إنَاءٍ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (يَقُولُونَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه لقد دعي بالطست يبول فيها فانحبس فَمَاتَ وَمَا أَشْعُرُ بِهِ) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَهُمْ والترمذي في كتاب الشمايل هَكَذَا وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِمَعْنَاهُ: قالا قالت فدعى بِالطَّسْتِ وَلَمْ تَقُلْ لِيَبُولَ فِيهَا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي الْبَوْلِ وَالطَّسْتُ بالسين المهملة وهى مؤنثة وعن أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ يَبُولُ فِيهِ وَيَضَعُهُ تَحْتَ السَّرِيرِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُضَعِّفُوهُ وَأُمَيْمَةُ وَرُقَيْقَةُ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَرُقَيْقَةُ بِقَافَيْنِ وَقَوْلُهَا مِنْ عَيْدَانٍ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ النخل الطوال المتجردة الواحدة عيد انه: (الثَّانِيَةُ) يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ إنَاءٍ: وَأَمَّا فِي الْإِنَاءِ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ الصَّبَّاغِ ذَكَرَهُمَا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ فِي إنَاءٍ: وَالثَّانِي التَّحْرِيمُ لِأَنَّ الْبَوْلَ مُسْتَقْبَحٌ فَنُزِّهَ الْمَسْجِدُ مِنْهُ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ: (الثَّالِثَةُ) يَحْرُمُ الْبَوْلُ عَلَى الْقَبْرِ وَيُكْرَهُ البول(2/92)
بِقُرْبِهِ: (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِحَدِيثِ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأَمَّا الْجَارِي فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا كُرِهَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يُكْرَهُ هَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرَّمَ الْبَوْلُ فِي الْقَلِيلِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَأَمَّا الْكَثِيرُ الْجَارِي فَلَا يُحَرَّمُ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ وَمِمَّا يُنْهَى عَنْهُ التَّغَوُّطُ بِقُرْبِ الْمَاءِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَالْكَافِي وَهُوَ وَاضِحٌ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَوَارِدِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الرِّيحِ بِالْبَوْلِ لِئَلَّا يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَيَتَنَجَّسَ بَلْ يَسْتَدْبِرُهَا هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي كَرَاهَتِهِ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ
الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ الْبَوْلَ فِي الْهَوَاءِ فَضَعِيفٌ بَلْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ إنَّهُ مَوْضُوعٌ وَجَاءَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ التَّابِعِيِّ قَالَ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبُولَ فِي هَوَاءٍ وَأَنْ يَتَغَوَّطَ عَلَى رَأْسِ جبل (السادسة) قال أصحابنا يستحب أن يهئ أَحْجَارَ الِاسْتِنْجَاءِ قَبْلَ جُلُوسِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني وَغَيْرُهُمْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ حَدِيثِ (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ وَأَعِدُّوا النَّبْلَ) فَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالنُّبَلُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْأَحْجَارُ الصِّغَارُ (السَّابِعَةُ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَبُولَ عَلَى مَا مُنِعَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِحُرْمَتِهِ كَالْعَظْمِ وَسَائِرِ الْمَطْعُومَاتِ
* (الثَّامِنَةُ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ يستحب أن لايدخل الْخَلَاءَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا وَضَعَ كُمَّهُ عَلَى رَأْسِهِ ويستحب أن لايدخل الْخَلَاءَ حَافِيًا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ الْأَقْسَامِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثًا مُرْسَلًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ لَبِسَ حِذَاءَهُ وَغَطَّى رَأْسَهُ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دخل الخلاء
__________
(1) اما الاستنجاء في الماء الكثير الراكد فقال في شرح مسلم لا يظهر كراهيته لانه ليس في معني البول ولا يقاربه ولو اجتنبه كان حسنا وفيما قاله نظر وعندي أنه مكروه ولا ينجسه غيره لانه ثبت في الصحيح النهي عن الاغتسال في الماء الدائم ونص الشافعي والاصحاب على كراهة الاغتسال فيه قليلا كان أو كثيرا وهذا أولى بالكراهة لانه ابلغ في الاستقذار اه اذرعى(2/93)
غَطَّى رَأْسَهُ وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ غَطَّى رَأْسَهُ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ: (قُلْت) وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَوْقُوفَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ
وَهَذَا مِنْهَا: (التَّاسِعَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ هُوَ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ ولا إلى ما يخرج مِنْهُ وَلَا إلَى السَّمَاءِ وَلَا يَعْبَثُ بِيَدِهِ: (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَكَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ وَاسْتَأْنَسُوا فِيهِ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا أَنَّ دَلِيلَ الْقِبْلَةِ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ وَدَلِيلَ هَذَا ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا كَثِيرُونَ وَلَا الشَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِحْبَابِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ: الثَّانِي يُفَرَّقُ فِي الْقِبْلَةِ بَيْنَ الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ كَمَا سَبَقَ وَلَا فَرْقَ هُنَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ: الثَّالِثُ النَّهْيُ فِي الْقِبْلَةِ لِلتَّحْرِيمِ وَهُنَا لِلتَّنْزِيهِ الرَّابِعُ أَنَّهُ فِي الْقِبْلَةِ يَسْتَوِي الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ وَهُنَا لَا بَأْسَ بِالِاسْتِدْبَارِ وَإِنَّمَا كَرِهُوا الِاسْتِقْبَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الشافي يكره الاستدبار أيضا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [والاستنجاء واجب من البول والغائط لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وليستنج بثلاثة أحجار) ولانها نجاسة لا تلحق المشقة في ازالها غالبا فلا تصح الصلاة معها كسائر النجاسات]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَسَأَذْكُرُهُ بِكَمَالِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَوْلُهُ وَلْيَسْتَنْجِ هُوَ هَكَذَا بِالْوَاوِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا سَأَذْكُرُهُ بِكَمَالِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي إزَالَتِهَا احْتِرَازٌ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِهِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ مَعَهَا عِبَارَةٌ حَسَنَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ قال فوجب ازالتها لا تنتقض بِنَجَاسَةٍ عَلَى ثَوْبٍ(2/94)
لَا يُصَلَّى فِيهِ وَالْغَائِطُ مَعْرُوفٌ وَتَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ أَصْلِهِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالِاسْتِنْجَاءُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَكُلُّ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ نَجِسٌ مُلَوَّثٌ وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ سُنَّةٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصباغ والعبد رى وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ
هَذَا أَصْلًا لِلنَّجَاسَاتِ فَمَا كَانَ مِنْهَا قَدْرَ دِرْهَمٍ بَغْلِيٍّ عُفِيَ عَنْهُ وَإِنْ زَادَ فَلَا وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إنْ زَادَ الْخَارِجُ عَلَى دِرْهَمٍ وَجَبَ وَتَعَيَّنَ الْمَاءُ وَلَا يَجْزِيهِ الْحَجَرُ وَلَا يَجِبُ عِنْدَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ) رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ولانها نجاسة لا تجب ازالة أثرها فكذلك عَيْنُهَا كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَلِأَنَّهُ لَا تَجِبُ إزَالَتُهَا بالماء فلم يجب غيره قال الْمُزَنِيّ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى جَوَازِ مَسْحِهَا بِالْحَجَرِ فَلَمْ تَجِبْ إزَالَتُهَا كَالْمَنِيِّ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ أبو داود والنسائي وابن اماجه فِي سُنَنِهِمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ هُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا(2/95)
ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ فَإِنَّهَا تَجْزِي عَنْهُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يستنزه من بوله) وروى (لا يستبرى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ
* وَاحْتَجُّوا مِنْ الْقِيَاسِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجَوَابُ عن حديثهم أنه لاخرج فِي تَرْكِ الْإِيتَارِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيتَارِ الزَّائِدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لِحَدِيثِ سَلْمَانَ وَغَيْرِهِ: وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى دَمِ الْبَرَاغِيثِ أَنَّ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ بِخِلَافِ أَصْلِ الِاسْتِنْجَاءِ وَلِهَذَا تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْجَاءِ وَلَمْ يَرِدْ خَبَرٌ فِي الْأَمْرِ بِإِزَالَةِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَقِيَاسُ الْمُزَنِيِّ عَلَى الْمَنِيِّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ والبول نجس
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وان خرجت منه حصاة أو دودة لا رطوبة معها ففيه قولان أحدهما يجب الاستنجاء لانها لا تخلو من رطوبة والثاني لا يجب وهو الاصح لانه خارج من غير رطوبة فأشبه الريح]
* [الشَّرْحُ] هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَخَالَفَ الْغَزَالِيُّ وَشَيْخُهُ وَشَيْخُ شيخه الاصحاب فنقلوهما وجهين نقله وَالصَّوَابُ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ لَا يَجِبُ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَلَوْ خَرَجَ الْمُعْتَادُ يَابِسًا كَبَعْرَةٍ لَا رُطُوبَةَ مَعَهَا فَهِيَ كَالْحَصَاةِ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَاتٌ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ الْأَقْسَامِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَأَشْبَهَ الرِّيحَ كَذَا قَاسَهُ الْأَصْحَابُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ الرِّيحِ وَالنَّوْمِ وَلَمْسِ النِّسَاءِ وَالذَّكَرِ وَحَكَى عَنْ قَوْمٍ مِنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُ يَجِبُ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ ان استنجى لشئ مِنْ هَذَا فَهُوَ بِدْعَةٌ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ يُكْرَهُ الاستنجاء من الريح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*(2/96)
[ويستنجى قبل ان يتوضأ فان توضأ ثم استنجي صح الوضوء وان تيمم ثم استنجي لم يصح التيم وقال الربيع فيه قول آخر انه يصح: قال أبو اسحاق هذا من كيسه: والاول هو المنصوص عليه في الام ووجهه ان التيمم لا يرفع الحدث وانما تستباح به الصلاة من نجاسة النجو فلا تستباح مع بقاء المانع ويخالف الوضوء فانه يرفع الحدث فجاز أن يرفع الحدث والمانع قائم وان تيمم وعلى بدنه نجاسة في غير موضع الاستنجاء: ففيه وجهان أحدهما أنه كنجاسة النحو والثاني أنه يصح التيمم لان التيمم لاتستباح به الصلاة من هذه النجاسة فصح فعله مع وجودها بخلاف نجاسة النجو]
*
[الشَّرْحُ] إذَا تَوَضَّأَ أَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ ثُمَّ اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ أَوْ بِالْمَاءِ لَافًّا عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً أَوْ نَحْوَهَا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ فَرْجَهُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ جَمِيعًا قَوْلَيْنِ وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاصِّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَفِي التَّيَمُّم قَوْلَانِ وَنَقَلَ الرَّبِيعُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ قَالَ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَصِحُّ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَالثَّانِي لَا يَصِحَّانِ وَالثَّالِثُ يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ غَلِطَ مَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْوُضُوءِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ نَقْلُ الْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ بَعِيدٌ جِدًّا وَلَوْلَا أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَهُ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَمَا عَدَدْتُهُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّبِيعُ في صحة التيمم ليس بمذهب للشافعي وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ غَلَّطَ أَصْحَابُنَا الرَّبِيعَ فِي ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا مِنْ كِيسِ الرَّبِيعِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ مَعْنَاهُ لَيْسَ هَذَا مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ بَلْ الرَّبِيعُ خَرَّجَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ: وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْإِبَانَةِ الْأَصَحُّ صِحَّةُ التَّيَمُّمِ فَغَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ وَنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلِ: أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى موضع من بدنه نجاسة في غير مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ فَتَيَمَّمَ قَبْلَ إزَالَتِهَا فَفِي صِحَّةِ التيمم(2/97)
الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُزِيلَهَا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَصَحِّ فَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ بُطْلَانَ التَّيَمُّمِ وَصَحَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ صِحَّتَهُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَدَلِيلُهُ مَا ذكره المصنف قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّيَمُّمُ لَا يَسْتَعْقِبُ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَحْوَ هَذَا: وَهَذَا الَّذِي أَوْرَدَاهُ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ: وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ أَخَفُّ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْعُرْيِ بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ مع هذا التميمم مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ
لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ كَذَا صَوَّرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ: وَتُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِجِرَاحَةٍ أَوْ مَرَضٍ بِحَيْثُ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْحَدَثِ وَيَجِبُ فِي النَّجَسِ لِقِلَّتِهِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْسِلُ بِهِ النَّجَاسَةَ فَأَمَّا مَنْ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِلنَّجَاسَةِ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ قَبْلَ إزَالَتِهَا وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ
* وَلَوْ تَيَمَّمَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ حَدَثَتْ نَجَاسَةٌ وَقُلْنَا النَّجَاسَةُ الْمُقَارِنَةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّيَمُّمِ فَفِي الْحَادِثَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ قَالَ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا تَيَمَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَمْنَعُ الصَّلَاةَ كَالرِّدَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ تَيَمَّمَ عَالِمًا بِالنَّجَاسَةِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ طَلَبَهُ الْمَاءَ لِلتَّيَمُّمِ يَكْفِيه لَهُ وَلِلنَّجَاسَةِ: وَإِنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يَعْلَمُهَا أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ التَّيَمُّمِ بَطَلَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ يجب طلب الماء لازالتها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [واذ أراد الاستنجاء نظرت فان كانت النجاسة بولا أو غائطا ولم تجاوز الموضع المعتاد جاز بالماء والحجر والافضل أن يجمع بينهما لان الله تعالى اثنى على اهل قباء فقال سبحانه وتعالى (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يصنعون فقالوا نتبع الحجارة الماء: فان أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ ابلغ في الانقاء وان أراد الاقتصار على الحجر جاز(2/98)
لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (بال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عمر خلفه بكوز من ماء فقال ما هذا يا عمر فقال ماء تتوضأ به فقال ما أمرت كلما بلت ان اتوضأ ولو فعلت لكان سنة) ولانه قد يبتلى بالخارج في مواضع لا يلحق الماء فيها فسقط وجوبه] [الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمْ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (1) وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ هُنَا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَقَوْلُهُ لَكَانَ سُنَّةً أَيْ وَاجِبًا لَازِمًا وَمَعْنَاهُ لَوْ وَاظَبْت عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ لَصَارَ طَرِيقَةً لِي يَجِبُ اتِّبَاعُهَا
* وَأَمَّا حَدِيثُ أَهْلِ قُبَاءَ فَرُوِيَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يتطهروا) وَكَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضعيف فيه يونس بن الحرث قد ضعفه الا كثرون وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ
وَفِيهِ جَهَالَةٌ وَعَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ فَمَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي تَطَّهَّرُونَ بِهِ قَالُوا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَانٌ مِنْ الْيَهُودِ يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ جَابِرٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا نَزَلَتْ هَذِهِ الآية (فيه رجال يحبون ان يتطهروا) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ فَمَا طُهُورُكُمْ قَالُوا نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ فَقَالَ هُوَ ذَلِكَ فَعَلَيْكُمُوهُ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وفي رواية البيهقى (فَمَا طُهُورُكُمْ قَالُوا نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فهل مع ذلك غيره قالوا لاغير أَنَّ أَحَدَنَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ قَالَ هُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ) : وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ إسْنَادٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَوْثِيقِهِ فَوَثَّقَهُ الْجُمْهُورُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ ضَعَّفَهُ سَبَبَ ضَعْفِهِ وَالْجَرْحُ لَا يُقْبَلُ إلَّا مُفَسَّرًا فَيَظْهَرُ الِاحْتِجَاجُ بهذه الرواية فهذا
__________
(1) هذا الحديث لوثبت لكان في الاحتجاج به لهذه المسألة نظر لانه يحتمل ان المراد الوضوء الشرعي إذ لامانع منه اه من هامش الاذرعي(2/99)
الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْأَحْجَارِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالُوا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ فَكَذَا يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ إنَّ أَصْحَابَنَا رَوَوْهُ قَالَ وَلَا أَعْرِفُهُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِنْبَاطِ لِأَنَّ الاسنتجاء بالحجر كان معلوما عندهم يغعله جَمِيعُهُمْ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ فَهُوَ الَّذِي انْفَرَدُوا بِهِ فَلِهَذَا ذُكِرَ وَلَمْ يُذْكَرْ الْحَجَرُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ وَلِكَوْنِهِ مَعْلُومًا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ فَضْلِهِمْ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عليهم بسببه ويويد هذا قولهم إذا اخرج أَحَدُنَا مِنْ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِنْجَاءَهُمْ بِالْمَاءِ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْخَلَاءِ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْخَلَاءِ إلَّا بَعْدَ التَّمَسُّحِ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ: وَهَكَذَا الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحَجَرِ فِي مَوْضِعِ
قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَيُؤَخِّرَ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقُبَاءُ بِضَمِّ الْقَافِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَفِيهِ لغات الْمَدُّ وَالْقَصْرُ قَالَ الْخَلِيلُ مَقْصُورٌ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مَمْدُودٌ وَيَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا الصَّرْفُ وَتَرْكُهُ وَالْأَفْصَحُ الْأَشْهَرُ مَدُّهُ وَتَذْكِيرُهُ وَصَرْفُهُ وَهُوَ قَرْيَةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ أَصْلُهُ اسْمُ بِئْرٍ هُنَاكَ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى الْمَاءِ وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَحْجَارِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَسْتَعْمِلُ الْأَحْجَارَ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ فَتَقْدِيمُ الْأَحْجَارِ لِتَقِلَّ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ لِيُطَهِّرَ الْمَحَلَّ طَهَارَةً كَامِلَةً فَلَوْ اسْتَنْجَى أَوَّلًا بِالْمَاءِ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْأَحْجَارَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ: صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ وَاضِحٌ وَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمَحِلَّ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَحْجَارِ بَيْنَ وُجُودِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ وَلَا بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَالصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَحُذَيْفَةَ(2/100)
وَابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا النِّسَاءُ وَقَالَ عَطَاءٌ غَسْلُ الدُّبُرِ مُحْدَثٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ قَالَتْ الزَّيْدِيَّةُ وَالْقَاسِمِيَّةُ مِنْ الشِّيعَةِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ: فَأَمَّا سَعِيدٌ وَمُوَافِقُوهُ فَكَلَامُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ لَا يَجِبُ أَوْ أَنَّ الْأَحْجَارَ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ: وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَمَعَ هَذَا فَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ وَأَذِنَ فِيهِ وَفَعَلَهُ وَقَدْ سَبَقَتْ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَسَنَذْكُرُ الْبَاقِيَ فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ بِالْمَاءِ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَأْتِي الْخَلَاءَ فَأَتْبَعُهُ أَنَا وَغُلَامٌ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَيَسْتَنْجِي بِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِنِسْوَةٍ (مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِالْمَاءِ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَتَى الْخَلَاءَ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي رَكْوَةٍ فَاسْتَنْجَى ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ باناء آخر فتوضأ) رواه(2/101)
لاحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَلَا غَيْرُهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَاءَ مَطْعُومٌ فَلِهَذَا كَرِهَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ سَعْدٌ وَمُوَافِقُوهُ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْحَجَرِ لَزِمَهُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُزِيلَ الْعَيْنَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَاصِقٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَوْفِيَ ثَلَاثَ مَسَحَاتٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِسَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انه علمكم نبيكم كل شئ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ (أَجَلْ نَهَانَا أَنْ نَجْتَزِئَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) فَإِنْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ عَدَدُ المسحات وقد وجد ذلك] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ سَلْمَانَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ (نَهَانَا أَنْ نَجْتَزِئَ) وَاَلَّذِي فِي مُسْلِمٍ نَسْتَنْجِيَ بَدَلَ نَجْتَزِئَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ (وَلَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) وَقَوْلُهُ الْخِرَاءَةُ هِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَبِالْمَدِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ أَدَبُ التَّخَلِّي وَالْقُعُودِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَسَلْمَانُ الرَّاوِي هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ وَزُهَّادِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَهُوَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بِالْمَدَائِنِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ سَبْعٍ وَعَمَّرَ عُمْرًا طَوِيلًا جِدًّا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا فَقِيلَ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ والله أعلم: اما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجَرِ لَزِمَهُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُزِيلَ الْعَيْنَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَاصِقٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا الصَّيْمَرِيَّ وَصَاحِبَهُ صَاحِبَ(2/102)
الحاوى فقال إذا بقى مالا يزول بالحجر ويزول بصغار الخزف وبالخرق فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ
ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ تَجِبُ إزَالَتُهُ لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ بِغَيْرِ الْمَاءِ: وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِزَالَةُ بِالْأَحْجَارِ وَقَدْ أَزَالَ مَا يَزُولُ بِالْأَحْجَارِ وَرَجَّحَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الثَّانِيَ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُكَلِّفْهُ غَيْرَ الْأَحْجَارِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِإِجْزَاءِ الْأَحْجَارِ (الثَّانِي) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ وَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِمَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ في كل الطرق وحكي الحناطي بالحاء المهلمة وَالنُّونِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا حصل الانقاء بحجرين أو حجر كَفَاهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ وُجُوبُ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ مُطْلَقًا ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَسْحِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ رَمَى الْجِمَارَ فِي الْحَجِّ بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ إلَّا حَجَرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ عَدَدُ الرَّمْيِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا عَدَدُ الْمَسَحَاتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْمَسْحُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَفْضَلُ مِنْ أَحْرُفِ حَجَرٍ لِلْحَدِيثِ (وليستنج بثلاثة احجار) : قال الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ بَالَ وَتَغَوَّطَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ بِسِتَّةِ أَحْجَارٍ فَإِنْ مَسَحَهُمَا بِحَجَرٍ لَهُ سِتَّةُ أَحْرُفٍ سِتَّ مَسَحَاتٍ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَسَحَاتِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الْخِرْقَةُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي إذَا مَسَحَ بِأَحَدِ وَجْهَيْهَا لَا يَصِلُ الْبَلَلُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ بِوَجْهَيْهَا وَيُحْسَبُ مَسْحَتَيْنِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ ابْنِ جَابِرٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ حَجَرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ وَأَظُنُّهُ أَرَادَ بِابْنِ جَابِرٍ إبْرَاهِيمَ بْنَ جَابِرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ وَجْهًا شَاذًّا فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ احمد ابن حَنْبَلٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِلْحَدِيثِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وإذا حصل الانقاء بثلاثة احجار فلا زِيَادَةٍ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِثَلَاثَةٍ وَجَبَ رَابِعٌ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ اُسْتُحِبَّ خَامِسٌ وَلَا يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَجَبَ خَامِسٌ فَإِنْ حَصَلَ به فلا زيادة والاوجب سَادِسٌ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ اُسْتُحِبَّ سَابِعٌ وَلَا يجب والاوجب وَهَكَذَا أَبَدًا مَتَى حَصَلَ بِثَلَاثَةٍ فَمَا فَوْقَهَا لَمْ تَجِبْ زِيَادَةٌ: وَأَمَّا الِاسْتِحْبَابُ(2/103)
فَإِنْ كَانَ حُصُولُ الْإِنْقَاءِ بِوِتْرٍ لَمْ يُسْتَحَبَّ الزِّيَادَةُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّ الْإِيتَارَ بِخَامِسٍ
وَاجِبٌ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالْإِيتَارِ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِيتَارِ بَعْدَ الثَّلَاثِ لِلِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ الْأَحْجَارِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ وَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِدُونِهَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد الْوَاجِبُ الْإِنْقَاءُ فَإِنْ حَصَلَ بِحَجَرٍ أَجْزَأَهُ وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِنْجَاءَ
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ) قَالُوا ولان المقصود الانقاء ولانه لَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ لَمْ يُشْتَرَطْ عَدَدٌ فَكَذَا الْحَجَرُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ سَلْمَانَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الثَّلَاثِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فانها تجرئ عَنْهُ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَيَنْهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ: الرِّمَّةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْعَظْمُ الْبَالِي وَبِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاسْتِطَابَةِ فَقَالَ (بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَلَا غَيْرُهُ وَبِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيهِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إنَّهَا رِكْسٌ) رواه البخاري هكذا ورواه أحمد والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ زِيَادَةٌ فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ ائْتِنِي بِحَجَرٍ يَعْنِي ثَالِثًا وَفِي بَعْضِهَا ائْتِنِي بِغَيْرِهَا وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ) رواه مسلم وفى رواية(2/104)
لاحمد والبيهقي (إذا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ ثَلَاثًا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيتَارِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ
* وَاحْتَجُّوا مِنْ الْقِيَاسِ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قِيَاسُ
الْقَاضِيَيْنِ أَبِي الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٍ فِي تَعْلِيقَيْهِمَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْأَحْجَارِ يَسْتَوِي فِيهَا الثَّيِّبُ وَالْأَبْكَارُ فَكَانَ لِلْعَدَدِ فِيهَا اعْتِبَارٌ قِيَاسًا عَلَى رَمْيِ الْجِمَارِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ قَوْلُنَا يَسْتَوِي فِيهَا الثَّيِّبُ وَالْأَبْكَارُ احْتِرَازٌ مِنْ الرَّجْمِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَقْيِسَةِ مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ (أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) فِي هَذَا الْبَيَان الْوَاضِحُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِدُونِهَا وَلَوْ كَفَى الْإِنْقَاءُ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ مَعْنًى فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْإِنْقَاءَ قَدْ يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ وَلَيْسَ هَذَا كَالْمَاءِ إذَا أَنْقَى كَفَى لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ فَدَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِالْعَدَدِ: وَأَمَّا الْحَجَرُ فَلَا يُزِيلُ الْأَثَرَ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ ظاهرا لاقطعا فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْعَدَدُ كَالْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لَمَّا كَانَتْ دَلَالَتُهَا ظَنًّا اُشْتُرِطَ فِيهَا الْعَدَدُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَحْصُلُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِقُرْءٍ وَلِهَذَا اُكْتُفِيَ بِقُرْءٍ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعَدَدُ لِأَنَّ دَلَالَتَهَا قَطْعِيَّةٌ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ: فَإِنْ قِيلَ التَّقْيِيدُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهَا غَالِبًا فَخَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قُلْنَا لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الانقاء شرط بالاتفاق فكيف يخل بِهِ وَيُذْكَرُ مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ مَعَ كَوْنِهِ مُوهِمًا لِلِاشْتِرَاطِ: فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ تَرَكَ ذِكْرَ الْإِنْقَاءِ قُلْنَا ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي يُسْتَغْنَى بظهوره عن ذكره بخلاف العدد فانه لايعرف إلَّا بِتَوْقِيفٍ فَنَصَّ عَلَى مَا يَخْفَى وَتَرَكَ مالا يَخْفَى وَلَوْ حُمِلَ عَلَى مَا قَالُوهُ لَكَانَ إخْلَالًا بِالشَّرْطَيْنِ مَعًا وَتَعَرُّضًا لِمَا لَا فَائِدَةَ فيه بل فيه إيهام: وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ أَنَّ الْوِتْرَ الَّذِي لَا حَرَجَ فِي تَرْكِهِ هُوَ الزَّائِدُ عَلَى ثَلَاثَةٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ: وَالْجَوَابُ عَنْ الدَّلِيلَيْنِ الْآخَرَيْنِ سَبَقَ فِي كَلَامِ الْخَطَّابِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ مَسَحَ ذكره مرتين أو ثلاثا ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الثَّلَاثِ * قال المصنف رحمه الله
*(2/105)
[وَفِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يضع حجرا على مقدم صفحته اليمنى وبمره إلى آخرها ثم يدبر الْحَجَرَ إلَى الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى فَيُمِرُّهُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى
الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَيَأْخُذُ الثَّانِيَ فَيُمِرُّهُ عَلَى الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى وَيُمِرُّهُ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ يُدِيرُهُ إلَى صَفْحَتِهِ الْيُمْنَى فيمره عليها من أولها لي أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَيَأْخُذُ الثَّالِثَ فَيُمِرُّهُ عَلَى الْمَسْرُبَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُقْبِلُ بِوَاحِدٍ وَيُدْبِرُ بِآخَرَ وَيُحَلِّقُ بِالثَّالِثِ) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يُمِرُّ حَجَرًا على الصفحة اليميني وَحَجَرًا عَلَى الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى وَحَجَرًا عَلَى الْمَسْرُبَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ حَجَرَانِ لِلصَّفْحَتَيْنِ وَحَجَرٌ لِلْمَسْرُبَةِ) وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ يُمِرُّ كُلَّ حَجَرٍ عَلَى المواضع الثلاثة]
* [الشَّرْحُ] أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَضَعِيفٌ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ: أَمَّا الثاني فحديث حسن عن سهل ابن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاسْتِطَابَةِ فَقَالَ (أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة) رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا إسْنَادُهُ حَسَنٌ: وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ الْحَدِيثَانِ ثَابِتَانِ فَغَلَطٌ مِنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ حَجَرَيْنِ وَحَجَرًا بِالنَّصْبِ: وَفِي الْمُهَذَّبِ حَجَرَانِ وَحَجَرٌ بِالرَّفْعِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَالْأَوَّلُ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ ثَلَاثَةَ: وَالثَّانِي عَلَى الِابْتِدَاءِ: وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْوَجْهَيْنِ: فَالْبَدَلُ فِي مَوَاضِعَ كثيرة(2/106)
كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صحف ابراهيم) والابتداء قَوْله تَعَالَى (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَقَوْلُهُ وَيُحَلِّقُ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يُدِيرُهُ كَالْحَلْقَةِ وَالْمَسْرُبَةُ هُنَا مَجْرَى الْغَائِطِ وَهِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَقِيلَ يَجُوزُ فَتْحُهَا وَلِلْمَسْرُبَةِ مَعْنًى آخَرُ فِي اللُّغَةِ وَهِيَ الشَّعْرُ المستدق من السرة الي العانة: وجماء ذكرها في الحديث وليست مرادة هنا: أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يُمِرُّ حَجَرًا مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَيُدِيرُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ عَلَى الْيُسْرَى حَتَّى يَصِلَ الْمَوْضِعَ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ يُمِرُّ الْحَجَرَ الثَّانِيَ مِنْ أَوَّلِ الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى إلَى آخِرِهَا ثُمَّ عَلَى الْيُمْنَى حَتَّى يَصِلَ مَوْضِعَ ابْتِدَائِهِ ثم يمر الثالث عَلَى الْمَسْرُبَةِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: الثاني يَمْسَحَ بِحَجَرٍ الصَّفْحَةَ الْيُمْنَى وَحْدَهَا ثُمَّ بِحَجَرٍ الْيُسْرَى وَحْدَهَا وَبِالثَّالِثِ الْمَسْرُبَةَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ
الْمَرْوَزِيُّ: وَالثَّالِثُ يَضَعُ حَجَرًا عَلَى مُقَدَّمِ الْمَسْرُبَةِ وَيُمِرُّهُ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ حَجَرًا عَلَى مؤخر الْمَسْرُبَةِ وَيُمِرُّهُ إلَى أَوَّلِهَا ثُمَّ يُحَلِّقُ بِالثَّالِثِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ غَرِيبٌ: وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْمَحِلَّ بِكُلِّ حَجَرٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ غَلَّطُوا أَبَا إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيَّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْكَبِيرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ تَأَوَّلُوهُ وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرَيْنِ لِلصَّفْحَتَيْنِ مَعْنَاهُ كُلُّ حَجَرٍ لِلصَّفْحَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْخِلَافِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خِلَافٌ فِي الْأَفْضَلِ وَأَنَّ الْجَمِيعَ جَائِزٌ: وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ خِلَافٌ فِي الْوُجُوبِ فَصَاحِبُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُجِيزُ الْكَيْفِيَّةَ الثَّانِيَةَ وَصَاحِبُ الثَّانِي لَا يُجِيزُ الْأُولَى وَهَذَا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ: وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي دَرْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَا يُجِيزُ الثاني ومن قال بالثاني يُجِيزُ الْأَوَّلَ (1) قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ احْتَاجَ إلَى استعمال
__________
(1) قال ابن الصلاح وهذا الذي قاله من عنده مليح اه اذرعى(2/107)
حَجَرٍ رَابِعٍ وَخَامِسٍ فَصِفَةُ اسْتِعْمَالِهِ كَصِفَةِ الثَّالِثِ لِأَنَّا أَمَرْنَاهُ فِي الثَّالِثِ بِمَسْحِ الْجَمِيعِ لِأَنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ زَالَتْ بِالْحَجَرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْمَحِلِّ إلَّا أَثَرٌ فَلَا يُخْشَى انْبِسَاطُهُ (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ بِقُرْبِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَضَعُهُ عَلَى نَفْسِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ إذَا وَضَعَهُ عَلَيْهَا بقى شَيْئًا مِنْهَا وَنَشَرَهَا وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ ثُمَّ إذَا انْتَهَى إلَى النَّجَاسَةِ أَدَارَ الْحَجَرَ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَرْفَعَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ جزا مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَوْ أَمَرَّ الْحَجَرَ مِنْ غَيْرِ إدَارَةٍ وَنَقَلَ النَّجَاسَةَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ تَعَيَّنَ الْمَاءُ وَإِنْ أَمَرَّ وَلَمْ يَنْقُلْ فَهَلْ يجزئه فيه وجهان: الصحيح يجزيه هَكَذَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعِرَاقِيُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ تَضْيِيقٌ لِلرُّخْصَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ إلَّا فِي نَادِرٍ مِنْ النَّاسِ مَعَ عُسْرٍ شَدِيدٍ وَلَيْسَ لِهَذَا الِاشْتِرَاطِ أَصْلٌ فِي السنة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
[وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى) فَإِنْ كَانَ يَسْتَنْجِي بِغَيْرِ الْمَاءِ أَخَذَ ذَكَرَهُ بِيَسَارِهِ وَمَسَحَهُ عَلَى مَا يَسْتَنْجِي بِهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ حَجَرٍ فَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ صَغِيرًا غَمَزَ عَقِبَهُ عَلَيْهِ وَأَمْسَكَهُ بين ابهامى رجليته؟ ؟ وَمَسَحَ ذَكَرَهُ عَلَيْهِ بِيَسَارِهِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ صَبَّ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ وَمَسَحَهُ بِيَسَارِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِيَمِينِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ يَقَعُ بِمَا فِي الْيَدِ لَا بِالْيَدِ فَلَمْ تُمْنَعْ صحته]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ: فَرَوَى أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَسْتَنْجِيَ باليمين)(2/108)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ ولا يستدبرها ولا يستطيب بِيَمِينِهِ وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَيَنْهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا أنا لكم بمنزلة الوالد) فيه تفسير أن ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ أَظْهَرُهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الخطابي غيره أَنَّهُ كَلَامُ بَسْطٍ وَتَأْنِيسٍ لِلْمُخَاطَبِينَ لِئَلَّا يَسْتَحْيُوا عَنْ مَسْأَلَتِهِ فِيمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دينهم لاسيما مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَوْرَاتِ وَنَحْوِهَا فَقَالَ أَنَا كَالْوَالِدِ فلا تستحيوا منى في شئ من ذلك كما لاتستحيون مِنْ الْوَالِدِ: وَالثَّانِي مَعْنَاهُ يَلْزَمُنِي تَأْدِيبُكُمْ وَتَعْلِيمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ كَمَا يَلْزَمُ الْوَالِدَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَالْوَالِدِ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَفِي ثَالِثٍ أَيْضًا وَهُوَ الْحِرْصُ عَلَى مَصْلَحَتِكُمْ والشفقة عليكم والله أعلم
* أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَا يَحْرُمُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَسَارِهِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِيَمِينِهِ نَهْيَ
تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ قَالَ وَحَرَّمَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَسَارِ أَدَبٌ وَلَيْسَ الْيَمِينُ مَعْصِيَةً وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَسَارِهِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ يُكْرَهُ بِالْيَمِينِ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ النَّهْيُ عَنْ الْيَمِينِ نَهْيُ تَأْدِيبٍ وَعِبَارَاتُ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ لَمْ أَذْكُرْهُمْ نَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ نَهْيُ تَأْدِيبٍ وَتَنْزِيهٍ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ(2/109)
لَا يُجْزِئُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَجُوزُ الاستنجاء باليمين فكذا قَالَهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمُتَوَلِّي (1) وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كُتُبِهِ التَّهْذِيبِ وَالِانْتِخَابِ وَالْكَافِي وَكَذَا رَأَيْته فِي مَوْضِعٍ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَحْرِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ النَّهْيُ عَنْ الْيَمِينِ أَدَبٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَجُوزُ مَعْنَاهُ لَيْسَ مُبَاحًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ رَاجِحُ التَّرْكِ وَهَذَا أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ لَا يَجُوزُ فِي مَوَاضِعَ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَهِيَ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا غَيْرُ مُعْتَادٍ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ قُلْنَا هُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَا يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ضَرَبَ فِي نُسْخَةِ أَصْلِهِ بِالْمُهَذَّبِ عَلَى لَفْظَةِ يَجُوزُ ان وبقى قوله ولا يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ وَهَذَا يُصَحِّحُ مَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بيمينه في شئ مِنْ أُمُورِ الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا لِعُذْرٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ كَانَ الْحَجَرُ صَغِيرًا غَمَزَ عَقِبَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَمْسَكَهُ بَيْنَ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا لِئَلَّا يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ وَاحْتَاجَ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْيَمِينِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ وَالذَّكَرَ بِيَسَارِهِ وَيُحَرِّكُ الْيَسَارَ دُونَ الْيَمِينِ فَإِنْ حَرَّكَ الْيَمِينَ أَوْ حَرَّكَهُمَا كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِالْيَمِينِ مُرْتَكِبًا لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَأْخُذُ الذَّكَرَ بِيَمِينِهِ وَالْحَجَرَ بِيَسَارِهِ وَيُحَرِّكُ الْيَسَارَ لِئَلَّا يَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِيَمِينِهِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا طَرِيقَ
إلَى الِاحْتِرَازِ مِنْ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ إلَّا بِالْإِمْسَاكِ بَيْنَ الْعَقِبَيْنِ أَوْ الْإِبْهَامَيْنِ وَكَيْفَ اسْتَعْمَلَ الْيَمِينَ بِإِمْسَاكِ الْحَجَرِ أَوْ غَيْرِهِ فَمَكْرُوهٌ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى مَانِعٌ كَقَطْعٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْيَمِينِ لِلضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ (إحْدَاهَا) السُّنَّةُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ قَبْلَ الْوُضُوءِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَلِيَأْمَنَ انْتِقَاضَ طُهْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يبدأ في الاستنجاء بالماء بقبله
__________
(1) كلام المتولي مضطوب فانه ذكر في كلامه على الاستنجاء بالاشياء المحترمة حيث لا يصح ان الفرق بينه وبين الاستنجاء باليمين ان النهى عنه على سبيل الادب ثم قال بعده بورقتين لا يستنجى باليمين مع القدرة على الاستنجاء باليسري واستدل له ثم قال فان استنجى بها صح لان الخلل ليس فيما يقع الاستنجاء به وانما هو في الآلة فصار كما لو توضأ بماء مطلق من آية الذهب والفضة فان يجوز وهذا ظاهر في التحريم كما نقله الشيخ عند انه قال لا يجوز وكلامه الاول يخالفه والله أعلم ويتعين حمل الثاني على الاول اه اذرعى(2/110)
(الثَّانِيَةُ) إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ الْبَوْلِ مَسَحَ ذَكَرَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ (1) مِنْ الْحَجَرِ طَاهِرَةٍ فَلَوْ مَسَحَهُ ثَلَاثًا عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَمْ يُجْزِئْهُ وَتَعَيَّنَ الْمَاءُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ وَضَعَ رَأْسَ الذَّكَرِ عَلَى جِدَارٍ وَمَسَحَهُ مِنْ أَسْفَلَ إلَى أَعْلَى لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ مَسَحَهُ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَلَ أَجْزَأَهُ وَفِي هَذَا التَّفْصِيلِ نَظَرٌ: (الثَّالِثَةُ) إذَا أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ فِي الدُّبُرِ بِالْمَاءِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى لِأَنَّهُ أَمْكَنُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَسْتَعْمِلُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَظُنُّ زَوَالَ النَّجَاسَةِ بِهِ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ شَمَّ مِنْ يَدِهِ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فَتَجِبُ إزَالَتُهَا بِزِيَادَةِ الْغَسْلِ وَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ شَمُّ الْأُصْبُعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا مُسْتَبْعَدٌ وَإِنْ كَانَ مَقُولًا: وَالثَّانِي لَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِي مَحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ وَيَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا فِي الْأُصْبُعِ فَعَلَى هَذَا لَا يُسْتَحَبُّ شَمُّ الْأُصْبُعِ: وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا غُسِلَتْ النَّجَاسَةُ وَبَقِيَتْ رَائِحَتُهَا هَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ
الْمَحِلِّ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَهُنَاكَ نَشْرَحُهُمَا وَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ يُدَلِّكُ دُبُرَهُ مَعَ الْمَاءِ حَتَّى لَا يَبْقَى أَثَرٌ تُدْرِكُهُ الْكَفُّ بِالْمَسِّ قَالَ وَلَا يَسْتَقْصِي فِيهِ بِالتَّعَرُّضِ لِلْبَاطِنِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْبَعُ الْوَسْوَاسِ: قال وليعلم أن كل مالا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ فَهُوَ بَاطِنٌ وَلَا يَثْبُتُ لِلْفَضَلَاتِ الْبَاطِنَةِ حُكْمُ النَّجَاسَةِ حَتَّى تَبْرُزَ وَمَا ظَهَرَ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ: وَحَدُّ ظُهُورِهِ أَنْ يَصِلَهُ الْمَاءُ وَقَوْلُهُ لَا يَثْبُتُ لِلْفَضَلَاتِ الْبَاطِنَةِ حُكْمُ النَّجَاسَةِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهَا نَجَاسَةً مُطْلَقًا وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ سَبَقَ مَبْسُوطًا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي اسْتِنْجَاءِ الدُّبُرِ سَوَاءٌ وَأَمَّا الْقُبُلُ فَأَمْرُ الرَّجُلِ فِيهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ سَوَاءٌ فَيَجُوزُ اقْتِصَارُهُمَا عَلَى الْحَجَرِ وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الثَّيِّبَ لَا يُجْزِئُهَا الْحَجَرُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا وَهُوَ شَاذٌّ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ مَوْضِعَ الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ فِي أَسْفَلِ الْفَرْجِ وَالْبَوْلُ يَخْرُجُ مِنْ ثَقْبٍ فِي أَعْلَى الْفَرْجِ فَلَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَاسْتَوَتْ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ إلَّا أَنَّ الثَّيِّبَ إذَا جَلَسَتْ انْفَرَجَ أَسْفَلُ فَرْجِهَا فَرُبَّمَا نَزَلَ الْبَوْلُ إلَى مَوْضِعِ الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ وَهُوَ مَدْخَلُ الذَّكَرِ وَمَخْرَجُ الْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ وَالْوَلَدِ فَإِنْ تَحَقَّقَتْ نُزُولُ الْبَوْلِ إلَيْهِ وَجَبَ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ اُسْتُحِبَّ غَسْلُهُ وَلَا يَجِبُ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ غَسْلِهِ إذَا تَحَقَّقَتْ نُزُولَهُ قَالَ صَاحِبُ البيان وغيره يستحب للبكر أن تدخل
__________
(1) في التتمة انه يقرب الذكر من الحائط أي ويجره حتي يسلب الحائط الرطوبة ولا يمسح لانه ينتشر البول على المحل لا محالة وكذا يفعل في الكرة الثانية وفى الثالثة يمسح لان النجاسة قلت على الموضع ولا يخشي انتشارها اه اذرعي(2/111)
أُصْبُعَهَا فِي الثَّقْبِ الَّذِي فِي الْفَرْجِ فَتَغْسِلَهُ وَلَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَلْزَمُ الثَّيِّبَ أَنْ تُوَصِّلَ الْحَجَرَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا يَظْهَرُ عِنْدَ جُلُوسِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَالِ قِيَامِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وشبههه الشَّافِعِيُّ بِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهَا بِهَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا مَا وَرَاءَ هذا فهو
في حكم الباطن فلا يكلف إيصَالَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ إلَيْهِ وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْوَاصِلِ إلَيْهِ وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ فَرْجِ الثَّيِّبِ وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي قُبُلَيْهِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ هَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي قُبُلَيْهِ أَمْ يُجْزِئُ الْحَجَرُ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَنْ انْفَتَحَ لَهُ مَخْرَجٌ دُونَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ وَقُلْنَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ الْأَصَحُّ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَصَحُّ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْأَكْثَرِينَ التَّفْرِيعُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ وَجَبَ لِكُلِّ فَرْجٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يُدَلِّكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ بَعْدَ غَسْلِ الدُّبُرِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءًا لِلْجَنَابَةِ فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ أَوْ الْحَائِطَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَّكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أَتَى الْخَلَاءَ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَاسْتَنْجَى ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ آخَرَ فَتَوَضَّأَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وغيرهم وهو حديث حسن: وعن جرير عن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَخَلَ الْغَيْضَةَ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ اسْتَنْجَى مِنْ إدَاوَةٍ وَمَسَحَ يَدَهُ بِالتُّرَابِ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَيَنْضَحَ بِهَا فَرْجَهُ وَدَاخِلَ سَرَاوِيلِهِ أَوْ إزَارِهِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ دَفْعًا لِلْوَسْوَاسِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي خِصَالِ الْفِطْرَةِ وهو الانتضاح: والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* [ويجوز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه قال أصحابنا ويقوم مقامه كل جامد طاهر مزيل للعين وليس له حرمة ولا هو جزء من حيوان](2/112)
[الشَّرْحُ] اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَضَبَطُوهُ بِمَا ضَبَطَهُ بِهِ
الْمُصَنِّفُ (1) قَالُوا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَحْجَارُ وَالْأَخْشَابُ وَالْخِرَقُ وَالْخَزَفُ وَالْآجُرُّ الَّذِي لَا سِرْجِين فِيهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ جِنْسِهِ بَلْ يَجُوزُ فِي الْقُبُلِ جِنْسٌ وَفِي الدُّبُرِ جِنْسٌ آخَرُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثَةُ حَجَرًا وَخَشَبَةً وَخِرْقَةً نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا دَاوُد فَلَمْ يُجَوِّزْ غَيْرَ الْحَجَرِ وَكَذَا نَقَلَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَنْ دَاوُد: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْ دَاوُد بَلْ مَذْهَبُهُ الْجَوَازُ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ فقال (ابغنى أحجارا استفض بِهَا أَوْ نَحْوَهُ وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هريرة الآخر (وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) قَالَ أَصْحَابُنَا فَنَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الحجر يقوم مقامه وإلا لم يكن لتخصيصهما بِالنَّهْيِ مَعْنًى وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيهِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ هَذَا رِكْسٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ مَنْعَ الِاسْتِنْجَاءِ بِهَا بِكَوْنِهَا رِكْسًا وَلَمْ يُعَلِّلْ بِكَوْنِهَا غَيْرَ حَجَرٍ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الِاسْتِنْجَاءُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ قِيلَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ ثَلَاثُ حَفَنَاتٍ مِنْ تُرَابٍ) وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ طَاوُسٍ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ يَسَارُ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا بَالَ قَالَ نَاوِلْنِي شَيْئًا أَسْتَنْجِي بِهِ فَأُنَاوِلُهُ الْعُودَ وَالْحَجَرَ أَوْ يأتي حائط يَتَمَسَّحُ بِهِ أَوْ يَمَسُّهُ الْأَرْضَ وَلَمْ يَكُنْ يغسله
__________
(1) قال في البحر في حد ما يجوز الاستنجاء به قال بعض اصحابنا ان يكون جامدا طاهرا منقيا لا حرمة له ولا متصلا بحيوان ومعني المنقي انه يُزِيلَ الْعَيْنَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ الاصقا لا يخرجه الماء وقال اهل خراسان ان يكون طاهرا منشقا لا حرمة له وقيل بدل المنشف القالع وقيل ان يكون جامدا طاهرا منقيا غير
مطعوم وهذا أصح ثم قال في آخر الفصل وقيل حده أن يكون جامدا طاهرا قالعا للنجاسة غير محترم ولا مخلف وفيه احتراز عن التراب إذا لم يجز الاستنجاء به في احد القولين لانه يخلف على المحل جزءا منه انتهى وهذا الذى ذكره آخرا هو كلام المتولي في التتمة وظاهر هذا الكلام من الرويانى ان الحكم يختلف باختلاف هذه الحدود والا لما كان لتعدادها فائدة ولهذا قال في بعضها وهذا أصح فليتأمل اه اذرعى(2/113)
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَشِبْهُهُ فَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْأَحْجَارِ لِكَوْنِهَا غَالِبَ الْمَوْجُودِ لِلْمُسْتَنْجِي بِالْفَضَاءِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهَا وَلَا كُلْفَةَ فِي تَحْصِيلِهَا وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تَقْتُلُوا أولادكم من إملاق) وقَوْله تَعَالَى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ان خفتم) وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا مِمَّا لَيْسَ لَهُ مَفْهُومٌ يُعْمَلُ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَلَى الْغَالِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
وَرَدَ الشَّرْعُ بِاسْتِعْمَالِ الْحَجَرِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَرَمْيِ جِمَارِ الْحَجِّ وَبِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَبِاسْتِعْمَالِ التُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ وَغَسْلِ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَبِاسْتِعْمَالِ الْقَرَظِ فِي الدِّبَاغِ فَأَمَّا الْحَجَرُ فَمُتَعَيَّنٌ فِي الرَّمْيِ دُونَ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ وَأَمَّا الْمَاءُ فِي الطَّهَارَةِ وَالتُّرَابُ فِي التَّيَمُّمِ فَمُتَعَيَّنَانِ وَفِي التُّرَابِ فِي الْوُلُوغِ قَوْلَانِ وَفِي الدِّبَاغِ طَرِيقَانِ تَقَدَّمَا الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْقَرَظُ وَالثَّانِي قَوْلَانِ كَالْوُلُوغِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُلُوغَ دَخَلَهُ التَّعَبُّدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدِّبَاغِ وَالِاسْتِنْجَاءِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيُضْطَرُّ كُلُّ أَحَدٍ إلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَكُلِّ مَكَان وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ فَلَوْ كُلِّفَ نَوْعًا مُعَيَّنًا شَقَّ وَتَعَذَّرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَوَقَعَ الْحَرَجِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَالدِّبَاغُ بِخِلَافِهِ فِي كُلِّ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* [فأما غير الماء من المائعات فلا يجوز الاستنجاء به لانه ينجس بملاقاة النجاسة فيزيد في النجاسة وما ليس بطاهر كالروث والحجر النجس لا يجوز الاستنجاء به لانه نجس فلا يجوز الاستنجاء به كالماء النجس فان استنجى بذلك لزمه بعد ذلك أن يستنجى بالماء لان الموضع قد صار نجسا
بنجاسة نادرة فوجب غسله بالماء ومن أصحابنا من قال يجزئه الحجر لانها نجاسة على نجاسة فلم تؤثر]
*(2/114)
[الشَّرْحُ] إذَا اسْتَنْجَى بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَيَتَعَيَّنُ بَعْدَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَلَا يُجْزِئُهُ الاحجار بلا خلاف لما ذكره الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ إذَا اسْتَنْجَى بِمَائِعٍ فَهَلْ يُجْزِئُهُ بَعْدَهُ الْحَجَرُ فِيهِ وَجْهَانِ فغلط بلا شك وكأنه اشْتَبَهَ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ فَتَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ عائدا إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَبِالنَّجَسِ كَالرَّوْثِ وَهَذَا وَهْمٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَحْدَهَا: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَائِعِ فَمُتَّفَقٌ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الْمَائِعَ يَنْشُرُ النَّجَاسَةَ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فَيَزِيدُ فِي النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا النَّجَسُ وَهُوَ الرَّوْثُ وَالْحَجَرُ النَّجِسُ وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ وَالثَّوْبُ النَّجِسُ وَغَيْرُهَا فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ بَعْدَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ أَمْ يَجُوزُ بِالْأَحْجَارِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فَقَالَ فِي التَّجْرِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتَنْجَى بِنَجَسٍ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ طَاهِرَةٍ قَالَ حَتَّى لَوْ اسْتَنْجَى بِجِلْدِ كَلْبٍ أَجْزَأَهُ الْحَجَرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الطَّارِئَةَ تَابِعَةٌ لِنَجَاسَةِ النَّجْوِ قَالَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الذى يجئ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَاءُ هَذَا كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ وَرَأَيْتُ أَنَا فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فَقَطَعَ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى بِجَامِدٍ نَجِسٍ كَفَاهُ بعد الاحجار قال فلو استنجي بكلب فالذي يجئ علي تعليل الاصحاب أنه يجزئه الحجر ولايحتاج إلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ هَذَا كَلَامُهُ وَلَكِنَّ نُسَخَ التَّعْلِيقِ تَخْتَلِفُ وَقَدْ قَدَّمْتُ نَظَائِرَ هَذَا: وَالصَّوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِجِلْدِ كَلْبٍ أَنَّهُ يَجِبُ سَبْعُ غَسَلَاتٍ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ: وَالصَّحِيحُ فِي سَائِرِ النَّجَاسَاتِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِنَجَسٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَجَوَّزَهُ(2/115)
أَبُو حَنِيفَةَ بِالرَّوْثِ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ) وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ (وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ (فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إنَّهَا رِكْسٌ) وَهَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ تَقَدَّمَتْ قَرِيبًا وَعَنْ سَلْمَانَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يُتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بَعْرٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أو روث وقال انهما لا يطهران) رواه الدارقطني وَقَالَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِك بَعْدِي فَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنَّ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا منه برئ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَمَا لَا يُزِيلُ الْعَيْنَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ كَالزُّجَاجِ وَالْحُمَمَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحُمَمَةِ) وَلِأَنَّ ذلك لا يزيل النجو]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَلَفْظُهُ (قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ انْهَ أُمَّتَك أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والدارقطني والبيهقي ولم يضعفه أبو داود وضعفه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ: وَالْحُمَمَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ وَهِيَ الْفَحْمُ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَكَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْحُمَمُ الْفَحْمُ وَمَا أُحْرِقَ مِنْ الْخَشَبِ وَالْعِظَامِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَنَّهُ جُعِلَ رِزْقًا لِلْجِنِّ فَلَا يَجُوزُ إفْسَادُهُ عَلَيْهِمْ قَالَ(2/116)
الْبَغَوِيّ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْحُمَمَةِ الْفَحْمُ الرَّخْوُ الَّذِي يَتَنَاثَرُ إذَا غَمَزَ فَلَا يَقْلَعُ النَّجَاسَةَ وَالزُّجَاجُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْحِهَا وَكَسَرَهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ ابْنُ السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا: وَأَمَّا رَاوِي الْحَدِيثِ فَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ غَافِلٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ والفاء بن حَبِيبٍ الْهُذَلِيُّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وِسَادَاتِهِمْ وَكِبَارِ فُقَهَائِهِمْ وَمُلَازِمِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَخُدَّامِهِ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ أَسْلَمَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ سَادِسُ سِتَّةٍ وَأَسْلَمَتْ أُمُّهُ وَسَكَنَ الْكُوفَةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَدِينَةِ وَتُوُفِّيَ بها سنة اثنين وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَقَدْ ذَكَرْتُ قِطْعَةً مِنْ أَحْوَالِهِ فِي التَّهْذِيبِ رَضِيَ الله عنه: أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْمُسْتَنْجَى بِهِ كَوْنُهُ قَالِعًا لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الزُّجَاجَ وَالْقَصَبَ الْأَمْلَسَ وَشِبْهِهِمَا لَا يُجْزِئُ: وَأَمَّا الْفَحْمُ فَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ اخْتَلَفَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِيهِ قَالُوا وَفِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَلَى حَالَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ صُلْبًا لَا يَتَفَتَّتُ أَجْزَأَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ رَخْوًا يَتَفَتَّتُ لَمْ يجزئه وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ مُطْلَقًا حَكَاهُمَا الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ الْحَدِيثُ بِالنَّهْيِ فَتَعَيَّنَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الرَّخْوِ وَالصُّلْبِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا اسْتَنْجَى بِزُجَاجٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ الِاسْتِنْجَاءُ ثَانِيًا فَإِنْ كَانَ حِينَ اسْتَنْجَى بِالزُّجَاجِ بَسَطَ النَّجَاسَةَ بِحَيْثُ تَعَدَّتْ مَحِلَّهَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ وَإِلَّا فَتَكْفِيهِ الْأَحْجَارُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ يَبْسُطُ النَّجَاسَةَ وَمُرَادُهُمْ إذَا بَسَطَ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْسُطْ النَّجَاسَةَ يَكْفِيهِ الْأَحْجَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
*(2/117)
[وماله حُرْمَةٌ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ كَالْخُبْزِ وَالْعَظْمِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَقَالَ (هُوَ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ) فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِغَيْرِ الْمَاءِ رخصة والرخص لا تتعلق بالمعاصي]
* [الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ سَلْمَانُ وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرُوَيْفِعٌ وَأَحَادِيثُهُمْ صَحِيحَةٌ تَقَدَّمَتْ قَرِيبًا فِي الْفَرْعِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَالَ هُوَ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فِي آخِرِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَسْتَنْجُوا
بِالْعَظْمِ وَالْبَعْرَةِ فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ) يَعْنِي الْجِنَّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِيهِ: وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ ثَالِثٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ثُمَّ قَالَ قَالَ الشَّعْبِيُّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (لاتستنجوا بِالْعَظْمِ وَالْبَعْرِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ كَأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَصَحُّ يَعْنِي فَيَكُونُ مُرْسَلًا: (قُلْت) لَا يُوَافَقُ التِّرْمِذِيُّ بَلْ الْمُخْتَارُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةٌ
* أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِعَظْمٍ وَلَا خُبْزٍ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَطْعُومِ لِمَا سَبَقَ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِهِ عَصَى وَلَا يُجْزِئُهُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إنْ كَانَ الْعَظْمُ طاهر لازهومة عَلَيْهِ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَلَا تَحْصُلُ(2/118)
بِحَرَامٍ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَإِذَا لَمْ يُجْزِئْهُ الْمَطْعُومُ كَفَاهُ بَعْدَهُ الْحَجَرُ بِلَا خِلَافٍ إنْ لَمْ يَنْشُرْ النَّجَاسَةَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَظْمِ زُهُومَةٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ أُحْرِقَ عَظْمٌ طَاهِرٌ بِالنَّارِ وَخَرَجَ عَنْ حَالِ الْعَظْمِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِأَنَّ النَّارَ أَحَالَتْهُ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنْ الرِّمَّةِ وَهِيَ الْعَظْمُ الْبَالِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِي بِنَارٍ أَوْ مُرُورِ الزَّمَانِ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَحْرِيمِ الِاسْتِنْجَاءِ بِجَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْعَظْمِ وَغَيْرِهَا: وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَقَسَّمَهَا الْمَاوَرْدِيُّ تَقْسِيمًا حَسَنًا فَقَالَ مِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَالْيَقْطِينِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ رَطْبًا وَيَجُوزُ يَابِسًا إذَا كَانَ مُزِيلًا وَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا وَهُوَ أَقْسَامٌ أَحَدُهَا مَأْكُولُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَغَيْرِهَا فلا يجوز الاستنجاء بشئ مِنْهُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا وَالثَّانِي مَا يُؤْكَلُ ظاهره دون باطنه كالخوخ والمشمس وَكُلِّ ذِي نَوًى فَلَا يَجُوزُ بِظَاهِرِهِ وَيَجُوزُ بنواه المنفصل والثالث ماله قِشْرٌ وَمَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ كَالرُّمَّانِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِلُبِّهِ: وَأَمَّا قِشْرُهُ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا كَالرُّمَّانِ فَيَجُوزُ الاستنجاء بالقشر وكذا اسْتَنْجَى بِرُمَّانَةٍ فِيهَا حَبُّهَا جَازَ إذَا كَانَتْ مُزِيلَةً (وَالثَّانِي) يُؤْكَلُ قِشْرُهُ رَطْبًا وَيَابِسًا كَالْبِطِّيخِ فَلَا يَجُوزُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا (وَالثَّالِثُ) يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّاءِ فَيَجُوزُ بِقِشْرِهِ يابسا لارطبا: وَأَمَّا مَا يَأْكُلُهُ الْآدَمِيُّونَ وَالْبَهَائِمُ
فَإِنْ كَانَ أَكْلُ الْبَهَائِمِ لَهُ أَكْثَرَ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَكْلُ الْآدَمِيِّينَ لَهُ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ: وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي ثُبُوتِ الربي فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ نَحْوَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ اسْتَنْجَى بِمَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْيَابِسِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ فَإِنْ انْفَصَلَ الْقِشْرُ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ الْأَشْيَاءِ المحترمة الَّتِي يَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا الْكُتُبُ الَّتِي فِيهَا شئ من علوم الشرع فان استنجي بشئ منه عَالِمًا أَثِمَ وَفِي سُقُوطِ الْفَرْضِ الْوَجْهَانِ: الصَّحِيحُ لَا يُجْزِئُهُ فَعَلَى(2/119)
هذا تجزئه الاحجار بعده: ولو استنجي بشئ مِنْ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عَالِمًا صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اسْتَنْجَى بِقِطْعَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (1) فَفِي سُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ سُقُوطُهُ وَلَوْ اسْتَنْجَى بِقِطْعَةِ دِيبَاجٍ سَقَطَ الْفَرْضُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَطَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ وَطَرَدَهُمَا أَيْضًا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِحِجَارَةِ الْحَرَمِ قَالَ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِكُلِّ ذَلِكَ لِأَنَّ لِمَاءِ زَمْزَمَ حُرْمَةً تَمْنَعُ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ ثُمَّ لَوْ اسْتَنْجَى بِهِ أَجْزَأَهُ بِالْإِجْمَاعِ (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَا يَسْتَنْجِي بِعَظْمٍ ذَكِيٍّ وَلَا مَيِّتٍ لِلنَّهْيِ عَنْ الْعَظْمِ مُطْلَقًا وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا يَسْتَنْجِي بِعَظْمٍ لِلْخَبَرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَجِسٍ فَلَيْسَ هُوَ بِنَظِيفٍ وَإِنَّمَا الطَّهَارَةُ بِنَظِيفٍ طَاهِرٍ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا فِي معنى عظم الاجلد ذكي غير مدبوع فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَظِيفٍ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا وَأَمَّا الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ فَنَظِيفٌ طَاهِرٌ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ: وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَطِيبَ بِيَمِينِهِ فَيُجْزِئَهُ وَبِالْعَظْمِ فَلَا يُجْزِئَ أَنَّ الْيَمِينَ أَدَاةٌ وَالنَّهْيُ عَنْهَا أَدَبٌ وَالِاسْتِطَابَةُ طَهَارَةٌ وَالْعَظْمُ لَيْسَ بِطَاهِرٍ هَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْعَظْمُ لَيْسَ بِطَاهِرٍ فَإِنَّ الْعَظْمَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ طَاهِرًا كَانَ أَوْ نَجِسًا: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْكَلَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْعَظْمُ لَيْسَ بِنَظِيفٍ كَمَا سَبَقَ عَنْ الْأُمِّ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِنَظِيفٍ أَنَّ
عَلَيْهِ سَهُوكَةٌ: قَالَ الماوردى وهذا قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَالثَّانِي) أَنَّ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ صَحِيحٌ: وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِطَاهِرٍ أَيْ لَيْسَ بِمُطَهَّرٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا تَأْوِيلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ ذَكَرَ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ فِي الْعَظْمِ النَّجِسِ لِأَنَّ الْعَظْمَ النَّجِسَ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) كَوْنُهُ نَجِسًا وَالْأُخْرَى كَوْنُهُ مَطْعُومًا وَالْعَظْمُ الطَّاهِرُ يَمْتَنِعُ لِكَوْنِهِ مَطْعُومًا فَقَطْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا تأويل أبي حامد الاسفرايني وَاخْتَارَ الْأَزْهَرِيُّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَهُوَ تَغْلِيطُ الْمُزَنِيِّ وبسط
__________
(1) قال العجلي في شرح الوجيز ولايجوز الاستنجاء بالذهب والفضة والجواهر النفيسة وبالغير والعصفور لان الكل محترم هذا لفظه اه اذرعي(2/120)
الْكَلَامَ فِيهِ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّظِيفِ وَالطَّاهِرِ قَالَ فَمَا فِيهِ زُهُومَةٌ أَوْ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَهُوَ طَاهِرٌ لَيْسَ بِنَظِيفٍ وَذَلِكَ كَالْعَظْمِ وَجِلْدِ الْمُذَكَّى قَبْلَ الدِّبَاغِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْعَظْمِ وَمِمَّنْ قال لا يجوز احمد وداود * قال المصنف رحمه الله
* [وَمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ كَذَنَبِ حِمَارٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ فَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ كَمَا لَوْ اسْتَنْجَى بِيَدِهِ وَلِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً فَهُوَ كَالطَّعَامِ] [الشَّرْحُ] الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ فِي حَالِ اتِّصَالِهِ كَالذَّنَبِ وَالْأُذُنِ وَالْعَقِبِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَغَيْرِهَا وَخَالَفَهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ فَقَالَا الْأَصَحُّ صِحَّةُ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ فِي مَنْعِ إيلَامِهِ لَا مَنْعِ ابْتِذَالِهِ بِخِلَافِ الْمَطْعُومِ وَالصَّوَابُ مَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَعَدَمُ إجْزَائِهِ وَقِيلَ يَحْرُمُ وَيُجْزِئُ: فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ كَفَاهُ الْأَحْجَارُ بَعْدَهُ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِيَدِ آدَمِيٍّ فَفِيهِ كَلَامٌ منتشر حاصله أربعة أوجه الصحيح لا يجزيه لابيده وَلَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ لانه عضو مُحْتَرَمٌ: وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ بِيَدِهِ وَيَدِ غَيْرِهِ حَكَاهُ الماوردى عن ابن خيران وليس بشئ: وَالثَّالِثُ يَجُوزُ بِيَدِهِ وَلَا يَجُوزُ بِيَدِ غَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: (وَالرَّابِعُ) يُجْزِئُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ دُونَ يَدِهِ كَمَا يَسْجُدُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ دُونَ يَدِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الْفُورَانِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ ضعيف أو غلط: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
[وَإِنْ اسْتَنْجَى بِجِلْدٍ مَدْبُوغٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي حَرْمَلَةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَالرِّمَّةِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَيِّنًا فهو كالخرق وان كان خشنا فهو كالخرف وَإِنْ اسْتَنْجَى بِجِلْدِ حَيَوَانٍ مَأْكُولِ اللَّحْمِ مُذَكًّى غَيْرِ مَدْبُوغٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَقْلَعُ النَّجْوَ للزوجته وقال(2/121)
في البويطي يجوز والاول هو المشهور]
* [الشَّرْحُ] حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ بِالْمَدْبُوغِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالثَّانِي يَجُوزُ بِهِمَا قَالَهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَهُ فِي حَرْمَلَةَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طَرِيقًا آخَرَ وَهُوَ الْقَطْعُ بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَتَأْوِيلِ الآخرين ودليل الجميع ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الْمَدْبُوغِ بَيْنَ الْمُذَكَّى وَالْمَيْتَةِ لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ قَالِعَانِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ وَإِنْ جَازَ بِالْمَدْبُوغِ الْمُذَكَّى تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وليس بشئ: هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ إلَّا الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ انْفَرَدَ بِطَرِيقَةٍ غَرِيبَةٍ فَقَالَ إنْ كَانَ جِلْدٌ مُذَكًّى وَاسْتَنْجَى بِالْجَانِبِ الَّذِي يَلِي اللَّحْمَ فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَنْجَى بِمَطْعُومٍ لِأَنَّهُ مِمَّا يُؤْكَلُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ اسْتَنْجَى بِالْجَانِبِ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّعْرُ وَشَعْرُهُ كَثِيرٌ جَازَ: وَإِنْ كَانَ الْجِلْدُ مَدْبُوغًا وَهُوَ جِلْدٌ مُذَكًّى جَازَ وَإِنْ كَانَ جِلْدُ مَيْتَةٍ فَقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ هَلْ يُطَهِّرُ بَاطِنَ الْجِلْدِ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَإِنْ قِيلَ الْجِلْدُ مَأْكُولٌ فَكَيْفَ جَوَّزْتُمْ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ: فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ عَادَةً وَلَا مَقْصُودٌ بِالْأَكْلِ وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ جِلْدَيْنِ بِجِلْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالرِّمَّةِ هِيَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهُوَ الْعَظْمُ الْبَالِي كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ سُمِّيَتْ الْعِظَامُ رِمَّةً لِأَنَّ الْإِبِلَ تَرُمُّهَا أَيْ تَأْكُلُهَا وَإِنَّمَا قَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّصَّ ثَبَتَ فِيهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ إحْدَاهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِحَجَرٍ قَدْ اسْتَنْجَى بِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ طَهُرَ بِالْمَاءِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ ثُمَّ غُسِلَ وَيَبِسَ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ ثَانِيَةً فَإِنْ غُسِلَ وَيَبِسَ جَازَ ثَالِثَةً وَهَكَذَا أَبَدًا وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ كما(2/122)
لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّوْبِ مَرَّاتٍ بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَرْمِيَ بِحَصَاةٍ قَدْ رَمَى بِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ أَنَّ مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا رُفِعَ وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ تُرِكَ: وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ تَعَدُّدُ الْمَرْمِيِّ بِهِ وَلَوْ غَسَلَهُ ثُمَّ اسْتَنْجَى بِهِ وَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحُّ فَإِنْ انْبَسَطَتْ النَّجَاسَةُ تَعَيَّنَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يَقُولُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْبَلَلَ يَنْجَسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَيَصِيرُ فِي حُكْمِ نَجَاسَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِي فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ عَيْنَ الْمَاءِ لَا تَنْقَلِبُ نَجَسًا وَإِنَّمَا تُجَاوِرُ النَّجَاسَةَ أَوْ تُخَالِطُهَا هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ.
وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ شَيْخِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ وَإِنْ غَسَلَهُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مَاءٌ وَبَقِيَتْ رُطُوبَةٌ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ وَصَاحِبًا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمْ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَآخَرُونَ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَجْهًا ثَالِثًا إنْ كَانَتْ الرُّطُوبَةُ يَسِيرَةً صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
إذَا اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ فَحَصَلَ بِهِ الْإِنْقَاءُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ حَجَرًا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَلَمْ يَتَلَوَّثَا فَفِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِمَا مَرَّةً أُخْرَى مِنْ غَيْرِ غَسْلِهِمَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ صَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَبْعُدُ سَلَامَتُهُ مِنْ نجاسة خفية وَقِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَأَى حَجَرًا شَكَّ فِي اسْتِعْمَالِهِ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ أَوْ غَسْلُهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ وَشَكَّ فِي غَسْلِهِ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا جَفَّ وَرَقُ الشَّجَرِ ظاهره وباطنه أو ظاهر جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ إنْ كَانَ مُزِيلًا وَإِنْ كَانَ نَدِيَّ الظَّاهِرِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الْحَجَرِ النَّدِيِّ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَرَقُ الشَّجَرِ(2/123)
الَّذِي يُكْتَبُ عَلَيْهِ وَالْحَشِيشُ الْيَابِسَاتُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ خَشِنًا مُزِيلًا جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا (الثَّالِثَةُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله في البويطى ومختصر الربيع علي جَوَازَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالتُّرَابِ
قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ إذَا كَانَ مُسْتَحْجَرًا تُمْكِنُ الْإِزَالَةُ بِهِ فَإِنْ كَانَ دقيقا لاتمكن الْإِزَالَةُ بِهِ لَمْ يُجْزِئْ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَحِلِّ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بِالتُّرَابِ وَإِنْ كَانَ رَخْوًا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَالْحَدِيثُ بَاطِلٌ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَمَرَ بِالْحَجَرِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا الْحَجَرُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَيْسَ التُّرَابُ الرَّخْوُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الضَّعِيفِ يَجِبُ أَرْبَعُ مَسَحَاتٍ وَيُسْتَحَبُّ خَامِسَةٌ لِلْإِيتَارِ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بشئ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حَرْمَلَةَ إذَا نتف الصوف من الغتم وَاسْتَنْجَى بِهِ كَرِهْتُهُ وَأَجْزَأَهُ؟ ؟ قَالُوا وَإِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبَ الْحَيَوَانِ: فَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالصُّوفِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ شَاةٍ بَعْدَ ذَكَاتِهَا أَوْ جَزَّهُ فِي حَيَاتِهَا فَلَا كَرَاهَةَ: (الْخَامِسَةُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْآجُرِّ: قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَهُ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحِجَازِ وَمِصْرَ أَنَّهُمْ لَا يَخْلِطُونَ بِتُرَابِهِ السِّرْجِينَ: فَأَمَّا مَا خُلِطَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ وَقِيلَ بَلْ عَلِمَ بِخَلْطِهِ بِالسِّرْجِينِ وَجَوَّزَهُ لِأَنَّ النَّارَ تَحْرِقُ السِّرْجِينَ فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ ظَاهِرُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* [وَإِنْ جَاوَزَ الْخَارِجُ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ فَإِنْ كَانَ غائط فَخَرَجَ إلَى ظَاهِرِ الْأَلْيَةِ لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ فَهُوَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَإِنْ خَرَجَ إلَى بَاطِنِ الْأَلْيَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى ظَاهِرِهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ:(2/124)
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى ظاهر الْأَلْيَةِ: وَالثَّانِي يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ: لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَأَكَلُوا التمر ولم يكن ذلك مِنْ عَادَتِهِمْ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَقَّتْ بِذَلِكَ أَجْوَافُهُمْ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَلِأَنَّ مَا يَزِيدُ عَلَى الْمُعْتَادِ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَجُعِلَ الْبَاطِنُ كُلُّهُ حَدًّا وَوَجَبَ الْمَاءُ فِيمَا زَادَ: وَإِنْ كَانَ بَوْلًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إذَا جَاوَزَ مَخْرَجَهُ حَتَّى رَجَعَ عَلَى الذَّكَرِ أَعْلَاهُ أَوْ أَسْفَلَهُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ لِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَوْلِ
لَا يَنْتَشِرُ إلَّا نَادِرًا بِخِلَافِ مَا يَخْرُجُ من الدبر فانه لابد مِنْ أَنْ يَنْتَشِرَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَوَجْهُهُ مَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَالثَّانِي يَجُوزُ فِيهِ الْحَجَرُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الْحَجَرُ فِي الْغَائِطِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ بَاطِنَ الْأَلْيَةِ لِتَعَذُّرِ الضَّبْطِ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ فِي الْبَوْلِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ لِتَعَذُّرِ الضَّبْطِ]
* [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ الْغَائِطَ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يُجَاوِزَ نَفْسَ الْمَخْرَجِ فَيُجْزِئُهُ الْأَحْجَارُ بِلَا خِلَافٍ: الثَّانِي أَنْ يُجَاوِزَهُ وَلَا يُجَاوِزَ الْقَدْرَ الْمُعْتَادَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ فَيُجْزِئُهُ الْحَجَرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ تَعَيَّنَّ الْمَاءُ وَنَقَلَ الْبُوَيْطِيُّ نَحْوَهُ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَهُ قَوْلًا آخَرَ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَيْسَ على ظاهره بل يكفيه الحرج قَوْلًا وَاحِدًا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ غَلَّطَ الْمُزَنِيَّ فِي النَّقْلِ وَهَذَا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى تَغْلِيطِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ سَقَطَ من الكلام شئ وَصَوَابُهُ إذَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ وَمَا حَوْلَهُ (1) وَهَذَا وان سموه تأويلا فهو بمعنى التغليط إنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ قَالُوا الِاعْتِبَارُ بِعَادَةِ غَالِبِ النَّاسِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَادَةِ النَّاسِ أَمْ بِعَادَتِهِ الْحَالُ (الثَّالِثُ) أَنْ يَنْتَشِرَ وَيَخْرُجَ عَنْ الْمُعْتَادِ وَلَا يُجَاوِزُ بَاطِنَ الْأَلْيَةِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ أَمْ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ فيه
__________
(1) يمكن تأويله على المجاوزة الزائدة علي ما حواليه وهذا اولى من تغليطه وهو بمعني التأويل المذكور لكن لا حاجة لى تقدير ساقط اه من هامش الارذعى(2/125)
قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَالْإِمْلَاءِ كَذَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ: وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْقَدِيمِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهَذَا الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قِصَّةِ الْمُهَاجِرِينَ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ والاصحاب: (الرابع) أن ينتشر إلى ظاهر الاليين فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا تَعَيَّنَ الْمَاءُ فِي جَمِيعِهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ لِنُدُورِهِ وَتَعَذُّرِ فَصْلِ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ تَعَيَّنَ الْمَاءُ فِي الَّذِي عَلَى ظَاهِرِ الْأَلْيَةِ: وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ وَلَمْ يَتَّصِلْ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ السَّابِقِ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ أجزأه الْحَجَرُ وَإِنْ جَاوَزَهُ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْقَاضِي
حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ: وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَفِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَجْهٌ مخالف لهذا وليس بشئ وَلَوْ انْتَشَرَ الْخَارِجُ انْتِشَارًا مُعْتَادًا وَتَرَشَّشَ مِنْهُ شئ الي محل منفصل قَرِيبٍ مِنْ الْخَارِجِ بِحَيْثُ يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ لَوْ اتَّصَلَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ فِي الْمُتَرَشِّشِ صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْبَوْلُ فَإِنْ انْتَشَرَ وَخَرَجَ عَنْ الْحَشَفَةِ مُتَّصِلًا تَعَيَّنَ فِيهِ الْمَاءُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا فَطَرِيقَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ اُخْتُلِفَ فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا فَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِنُدُورِهِ: وَقَالَ الْجُمْهُورُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي انْتِشَارِ الْغَائِطِ إلَى بَاطِنِ الْأَلْيَةِ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ بِإِجْزَاءِ الْحَجَرِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي حَرْمَلَةَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْبَوْلَ يَنْتَشِرُ أَيْضًا فِي الْعَادَةِ وَيَشُقُّ(2/126)
ضَبْطُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَجُعِلَتْ الْحَشَفَةُ فَاصِلًا فَعَلَى هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَائِطِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ بَاطِنِ الْأَلْيَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ أبو اسحاق إذا جاوز مخرجه أعلاه حَتَّى رَجَعَ عَلَى الذَّكَرِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَذَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ مَجْرُورَانِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ الذَّكَرِ تَقْدِيرُهُ حَتَّى رَجَعَ عَلَى أَعَلَا الذَّكَرِ وأسفله ويقال الاليان الاليتان بِحَذْفِ التَّاءِ وَإِثْبَاتِهَا وَحَذْفُهَا أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالْمُرَادُ بِبَاطِنِ الْأَلْيَةِ مَا يَسْتَتِرُ فِي حال القيام وبظاهرها مالا يستتر * قال المصنف رحمه الله
* [وان كان الخارج نادرا كالدم والمذي والودى أو دودا أو حصاة وقلنا يجب الاستنجاء منه فهل يجزئ فيه الحجر فيه قولان أحدهما انه كالبول والغائط وقد بيناهما والثاني لا يجزئ الا الماء لانه نادر فهو كسائر النجاسات]
* [الشَّرْحُ] إذَا كَانَ الْخَارِجُ نَادِرًا كَالدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالْوَدْيِ (1) وَالْمَذْيِ وَشِبْهِهَا فَهَلْ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ فِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ على قولين أصحهما يجزيه الْحَجَرُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَرْمَلَةَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ وَالِاسْتِنْجَاءُ رُخْصَةٌ وَالرُّخَصُ تَأْتِي لِمَعْنًى ثُمَّ لَا يَلْزَمُ وُجُودُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا كَالْقَصْرِ وَأَشْبَاهِهِ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ قَالَهُ فِي الْأُمِّ وَيُحْتَجُّ لَهُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ)
وَسَنَذْكُرُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ والطريق الثاني ذكره الخراسانيون أنه يجزيه الْحَجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ فِي الْأُمِّ على مَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ لَا مِنْ دَاخِلِ الْفَرْجِ بَلْ مِنْ قَرْحٍ أَوْ بَاسُورٍ وَشِبْهِهِ خَارِجَ الدُّبُرِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: ثُمَّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ خَرَجَ النَّادِرُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمُعْتَادِ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا خَرَجَ النَّادِرُ مَعَ الْمُعْتَادِ فَإِنْ تَمَحَّضَ النَّادِرُ تَعَيَّنَ الْمَاءُ قَطْعًا وَالصَّحِيحُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وهو مقتضى اطلاق الجمهور قال
__________
(1) في عد الودى من النادر نظر ظاهر وان ذكره جماعة لانه يخرج عقب البول غالبا بل هو منه بمنزلة العكر من الزيت ولهذا جزم العمرانى بانه معتاد اه اذرعى(2/127)
الْمَاوَرْدِيُّ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ نَادِرٌ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَدَمُ الْبَاسُورِ الَّذِي فِي دَاخِلِ الدُّبُرِ نَادِرٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَذْيَ مِنْ النَّادِرِ (1) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ مَا يُوهِمُ خِلَافًا فِي كَوْنِهِ نَادِرًا وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَدَمُ الْحَيْضِ مُعْتَادٌ فَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَدْ يَسْتَشْكِلُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَصْحَابَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ قَالُوا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا غَسْلُ مَحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ فَيُقَالُ صُورَتُهُ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ وَلَمْ تَجِدْ مَا تَغْتَسِلُ بِهِ أَوْ كَانَ بِهَا مَرَضٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُبِيحُ لَهَا التَّيَمُّمَ فَإِنَّهَا تَسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ عَنْ الدَّمِ ثُمَّ تَتَيَمَّمُ لِلصَّلَاةِ بَدَلًا عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ وَتُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ: وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ أَوْ دَمٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّادِرِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ وَتَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصَلَّى تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُنَا لَا يَصِحُّ اسْتِنْجَاؤُهُ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَكْفِي الْحَجَرُ فِي دَمِ الْحَيْضِ الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَجَدَتْ الْمَاءَ وَاسْتَنْجَتْ بِالْحَجَرِ وَغَسَلَتْ بَاقِي الْبَدَنِ وَلَمْ تَغْسِلْ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ فَهُنَا لَا يَصِحُّ (2) اسْتِنْجَاؤُهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ وَلَمْ يُرِيدَا بِقَوْلِهِمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ غَيْرَهُمْ يُخَالِفُهُمْ بَلْ أرادا انهم هم الذين ابتدؤا بِذِكْرِ ذَلِكَ وَشَهَرُوهُ فِي كُتُبِهِمْ فَقَدْ ذَكَرَهُ الخراسانيون أيضا ولكنهم أخذوه من كتب العراقيين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الدُّودِ والحصى إذَا أَوْجَبْنَا الِاسْتِنْجَاءَ مِنْهُ فَهَلْ يُجْزِئُ الْحَجَرُ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالنَّادِرِ فَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ هُنَا إنَّمَا يَجِبُ لِتِلْكَ الْبَلَّةِ وَهِيَ مُعْتَادَةٌ فَيَكْفِي الْحَجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ مِثْلَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَالْمَنِيُّ طَاهِرٌ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ وَلَمْ يَخْرُجْ غَيْرُهُ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِمَرَضٍ أَوْ فَقْدِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا إعَادَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي دَمِ الْحَيْضِ أَمَّا إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَلَا من غسل رأس الذكر والله أعلم
*
__________
(1) ليس الامر كذلك بل الذى تقله العمرانى في البيان ان المذى والودى من المعتاد وبه اجاب المحاملى في المقنع لكن في المذي وحده ولا فرق اه اذرعى (2) قوله لا يصح استنجاؤها اي لا يكفي كما قال لان الاستنجاء وقع صحيحا ولكن وجب غسل الموضع في غسل الحيض فلا تظهر فائدة الا في مسألة التيمم كالجنب إذا بال واستنجى بالحجر اه اذرعى(2/128)
(فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ إحْدَاهَا قَالَ أَصْحَابُنَا شَرْطُ جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ مِنْ الْغَائِطِ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ حَتَّى يَسْتَنْجِيَ فَإِنْ قَامَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِأَنَّ بِالْقِيَامِ تَنْطَبِقُ الْأَلْيَانِ فَتَنْتَقِلُ النَّجَاسَةُ مِنْ مَحِلِّهَا إلَى مَحِلٍّ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحْجَارٌ وَكَانَتْ بِقُرْبِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهَا فَطَرِيقُهُ أَنْ يَزْحَفَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْطَبِقَ أَلْيَاهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْحَجَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَوْ قَامَ متفاجحا بحيث لا تنطبق الاليان أو استيقن ان النجاسة لم تجاوز مَحِلَّهَا أَجْزَأَهُ الْحَجَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ وَقَعَ الْخَارِجُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ تَرَشَّشَ مِنْهُ شئ فَارْتَفَعَ وَعَلِقَ بِالْمَحِلِّ أَوْ تَعَلَّقَتْ بِالْمَحِلِّ نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ تَعَيَّنَ الْمَاءُ فَإِنْ تَمَيَّزَ الْمُرْتَفِعُ وَأَمْكَنَ غَسْلُهُ وَحْدَهُ غَسَلَهُ وَكَفَاهُ الْأَحْجَارُ فِي نَجَاسَةِ الْمَحِلِّ (الثَّانِيَةُ) لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يُرِيدَ الطَّهَارَةَ أَوْ الصَّلَاةَ (الثَّالِثَةُ) الِاسْتِنْجَاءُ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ الْوُضُوءِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ الْقَوْلِ الشَّاذِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ (الرَّابِعَةُ) إذَا اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ فَعَرِقَ مَحِلُّهُ وَسَالَ الْعَرَقُ مِنْهُ وَجَاوَزَهُ وَجَبَ غَسْلُ مَا سَالَ إلَيْهِ (1) وَإِنْ لَمْ يجاوزه فوجهان: أحدهما يجب غسله والصحيح لا يلزمه
شئ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ وَلَوْ انْغَمَسَ هَذَا الْمُسْتَجْمِرُ فِي مَائِعٍ أَوْ فِيمَا دُونَ قُلَّتَيْنِ نَجَّسَهُ بِلَا خِلَافٍ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في الام والاصحاب انما يجزى الِاسْتِجْمَارُ الْمُتَوَضِّئَ وَالْمُتَيَمِّمَ أَمَّا الْمُغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ وغيرها فلا يجزئه بل لابد مِنْ تَطْهِيرِ مَحِلِّهِ بِالْمَاءِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَا قُلْنَا لَا يَكْفِي مَسْحُ الْخُفِّ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلِ بِخِلَافِ الْمُتَوَضِّئِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ وَمَسْحَ الْخُفِّ رُخْصَتَانِ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِمَا لتكرر الوضوء وأما الغسل فنادر فلا تدعوا لحاجة إلَيْهِمَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَابِ: رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غَفَّارٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَهَا عَلَى حَقِيبَةٍ فَحَاضَتْ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْسِلَ الدَّمَ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ) الحديث قال الخطابي
__________
(1) في وجوب غسل ما سال إليه نظر فانه يشق الاحتراز منه فينبغي ان يعفى عنه وقد قاله في الروضة ولو عرق وتلوث بمحل النجو غيره فوجهان أصحهما العفو لعسر الاحتراز بخلاف حمل غيره وهذا يقتضي العفو إذا تلوث به ثوب أو بدن ويدل عليه احوال الصحابة اه اذرعي(2/129)
الْمِلْحُ مَطْعُومٌ فَقِيَاسُهُ جَوَازُ غَسْلِ الثَّوْبِ بِالْعَسَلِ كَثَوْبِ الْإِبْرَيْسَمِ الَّذِي يُفْسِدُهُ الصَّابُونُ وَبِالْخَلِّ إذَا أَصَابَهُ حِبْرٌ وَنَحْوُهُ قَالَ وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا التدلك بالنخالة وغسل الايدى بدقيق الباقلى وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَهُ قُوَّةُ الْجَلَاءِ قَالَ وحدثونا عن يونس ابن عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ دَخَلْت الْحَمَّامَ بِمِصْرَ فَرَأَيْت الشافعي يتدلك بالنخالة هذا كلام الخطابي
*
* (باب ما يوجب الغسل)
* يُقَالُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَغُسْلُ الْحَيْضِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْمَيِّتِ وَمَا أَشْبَهَهَا بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالضَّمُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ غَلِطُوا فِي الضَّمِّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ غَلِطَ هُوَ فِي إنْكَارِهِ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَأَشَرْتُ إلَى بَعْضِهِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ * قال المصنف رحمه الله
* [والذى يوجب الغسل ايلاج الحشفة في الفرج وخروج المني والحيض والنفاس: فأما ايلاج الحشفة فانه يوجب الغسل لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا التقى
الختانان وجب الغسل) التقاء الختانين يحصل بتغييب الحشفة في الفرج وذلك ان ختان الرجل هو الجلد الذي يبقي بعد الختان وختان المرأة جلدة كعرف الديك فوق الفرج فيقطع منها في الختان فإذا غابت الحشفة في الفرج حاذى ختانه ختانها وإذا تحاذيا فقد التقيا ولهذا يقال التقى الفارسان إذا تحاذيا وان لم يتضاما] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ) هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ(2/130)
بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا صَحِيحٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ يَحْصُلُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَبَيَّنَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَرْجَ الْمَرْأَةِ وَالْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ بَيَانًا شَافِيًا فَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ خِتَانُ الرَّجُلِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْهُ فِي حَالِ الْخِتَانِ وَهُوَ مَا دُونَ حُزَّةِ الْحَشَفَةِ وَأَمَّا خِتَانُ الْمَرْأَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ مَدْخَلَ الذَّكَرِ هُوَ مَخْرَجُ الْحَيْضِ وَالْوَلَدِ وَالْمَنِيِّ وَفَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ ثَقْبٌ مِثْلُ إحْلِيلِ الرَّجُلِ هُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَبَيْنَ هَذَا الثَّقْبِ وَمَدْخَلِ الذَّكَرِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ وَفَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ مِثْلُ وَرَقَةٍ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ وَالشَّفْرَانِ تُحِيطَانِ بِالْجَمِيعِ فَتِلْكَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ يُقْطَعُ مِنْهَا فِي الْخِتَانِ وَهِيَ خِتَانُ الْمَرْأَةِ فَحَصَلَ أَنَّ خِتَانَ المرأة مستقل وَتَحْتَهُ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَتَحْتَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مَدْخَلُ الذَّكَرِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَخْرَجُ الْحَيْضِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ الْوَلَدِ وَمَدْخَلُ الذَّكَرِ هُوَ خَرْقٌ لَطِيفٌ فَإِذَا اُفْتُضَّتْ الْبِكْرُ اتَّسَعَ ذَلِكَ الْخَرْقُ فَصَارَتْ ثَيِّبًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ أَنْ تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَإِذَا غَابَتْ فَقَدْ حَاذَى خِتَانُهُ خِتَانَهَا وَالْمُحَاذَاةُ هِيَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ الْتِصَاقَهُمَا وَضَمَّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَوْ وَضَعَ مَوْضِعَ خِتَانِهِ عَلَى مَوْضِعِ خِتَانِهَا وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي مَدْخَلِ الذَّكَرِ لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ هَذَا آخر كلام الشيخ أبي حامد وغيره يزيد بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَشَبَّهَ الْعُلَمَاءُ الْفَرْجَ بِعَقْدِ الْأَصَابِعِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فَعَقْدُ الثَّلَاثِينَ هُوَ صُورَةُ الْفَرْجِ وَعَقْدُ الْخَمْسَةِ بَعْدَهَا فِي أَسْفَلِهَا هِيَ مَدْخَلُ الذَّكَرِ وَمَخْرَجُ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ وَالْوَلَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ
الْمَسْأَلَةِ فَاَلَّذِي يُوجِبُ اغْتِسَالَ الْحَيِّ أَرْبَعَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَهِيَ إيلَاجُ حَشَفَةِ الذَّكَرِ فِي فَرْجٍ وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَفِي خُرُوجِ الْوَلَدِ وَالْعَلَقَةِ والمضعة خِلَافٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَسَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ مُنْدَرِجٌ عِنْدَهُ فِي خُرُوجِ الْمَنِيِّ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ وَيَجِبُ غُسْلُ(2/131)
الْمَيِّتِ وَلَهُ بَابٌ مَعْرُوفٌ وَقَدْ يَجِبُ غُسْلُ الْبَدَنِ بِعَارِضٍ بِأَنْ يُصِيبَهُ كُلَّهُ نَجَاسَةٌ أَوْ تَقَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ وَيَخْفَى مَكَانُهَا أَمَّا إيلَاجُ الْحَشَفَةِ فَيُوجِبُ الْغُسْلَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَالْمُرَادُ بِإِيلَاجِهَا إدْخَالُهَا بِكَمَالِهَا فِي فَرْجِ حَيَوَانٍ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَيَجِبُ الْغُسْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ أَوْلَجَ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ مَيِّتَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِأَنَّهُ فَرْجُ آدَمِيَّةٍ فَأَشْبَهَ فَرْجَ الْحَيَّةِ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ أَوْ رجل أو بهيمة وجب الْغُسْلُ لِأَنَّهُ فَرْجُ حَيَوَانٍ فَأَشْبَهَ فَرْجَ الْمَرْأَةِ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي فَرْجِهِ لَمْ يجب لجواز ان يكون ذلك عضوا زائد فلا يجب الغسل بالشك]
* [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَنَا كما ذكرها المصنف ودليها ما ذكره (فرع)
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ: إحْدَاهَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِهَا أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ أَوْ خُنْثَى أَوْ صَبِيٍّ أَوْ فِي قُبُلِ بَهِيمَةٍ أَوْ دُبُرِهَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُولَجُ فِيهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مكرها مُبَاحًا كَالزَّوْجَةِ أَوْ مُحَرَّمًا وَيَجِبُ عَلَى الْمُولِجِ وَالْمَوْلَجِ فِيهِ الْمُكَلَّفَيْنِ وَعَلَى النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وَأَمَّا الصبى إذا أولج في امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ أَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي دُبُرِهِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَكَذَا إذَا اسْتَدْخَلَتِ امْرَأَةٌ ذَكَرَ صَبِيٍّ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ وَيَصِيرُ الصَّبِيُّ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ جُنُبًا وَكَذَا الصَّبِيَّةُ إذَا أَوْلَجَ فِيهَا رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ وَكَذَا لَوْ أَوْلَجَ صَبِيٌّ فِي صَبِيٍّ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ وَإِذَا صَارَ جُنُبًا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَغْتَسِلْ كَمَا إذَا بَالَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ: وَلَا يُقَالُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَمَا لَا يُقَالُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بَلْ يُقَالُ صَارَ مُحْدِثًا وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْغُسْلِ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا كَمَا يَأْمُرُهُ بِالْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى بَلَغَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ كَمَا إذَا بَالَ ثُمَّ بَلَغَ يلزمه الوضوء(2/132)
وَإِنْ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُمَيِّزٌ صَحَّ غُسْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ لَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ بَلَغَ يُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَةُ طَهَارَتِهِ إذَا بَلَغَ وَالصَّبِيَّةُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَوْلَجَ مَجْنُونٌ أَوْ أُولِجَ فِيهِ صَارَ جُنُبًا فَإِذَا أَفَاقَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ: (الثَّانِيَةُ) لَوْ اسْتَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ رَجُلٍ وجب الغسل عليه وعليها سواء كان عَالِمًا بِذَلِكَ مُخْتَارًا أَمْ نَائِمًا أَمْ مُكْرَهًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ (1) هُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قال الدارمي ولاحد عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا مَهْرَ لَهَا لَوْ أَوْلَجَ الْمَقْطُوعَ فِيهَا رَجُلٌ: وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ مَيِّتٍ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كَمَا لَوْ أَوْلَجَ فِي مَيِّتٍ وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كَمَا لَوْ أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ (2) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَادِرٌ قَالَ ثُمَّ فِي اعْتِبَارِ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فِيهِ كَلَامٌ يُوَكَّلُ إلَى فِكْرِ الْفَقِيهِ: (الثَّالِثَةُ) وُجُوبُ الْغُسْلِ وَجَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجِمَاعِ يُشْتَرَطُ فِيهَا تَغْيِيبُ الحشفة بكمالها في الفرج ولا يشرط زيادة على الحشفة ولا يتعلق ببعض الحشفة وحده شئ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ كَجٍّ أَنَّ بَعْضَ الْحَشَفَةِ كَجَمِيعِهَا وَهَذَا فِي نِهَايَةٍ مِنْ الشُّذُوذِ وَالضَّعْفِ وَيَكْفِي فِي بُطْلَانِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ) : أَمَّا إذَا قُطِعَ بَعْضُ الذَّكَرِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ قَدْرِ الْحَشَفَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شئ مِنْ الْأَحْكَامِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ قَدْرُهَا فقط تعلقت الاحكام بتغيبه كُلِّهِ دُونَ بَعْضِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْمُهَذَّبِ مِنْهَا بَابُ الْخِيَارِ فِي النكاح في مسألة العنين ورجح المصنف
__________
(1) قال في البحر هما مبنيان على الوجهين في الانتقاض اه اذرعى (2) وقال بلا خلاف بينهم فيه اه اذرعى(2/133)
منهما أنه لَا يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِبَعْضِهِ وَلَا يَتَعَلَّقَ إلَّا بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْبَاقِي وَكَذَا رَجَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَرَجَّحَ الْأَكْثَرُونَ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِقَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْهُ وَقَطَعَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَ غَيْرَ مَخْتُونٍ فَأَوْلَجَ الْحَشَفَةَ لَزِمَهُمَا الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ: وَلَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ حرقة وَأَوْلَجَهُ بِحَيْثُ غَابَتْ الْحَشَفَةُ وَلَمْ يُنْزِلْ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَيْهِمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِيلَاجِ وَقَدْ حَصَلَ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ أَوْلَجَ فِي خِرْقَةٍ وَلَمْ يَلْمِسْ بَشَرَةً وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الحناطى (الثالث) إنْ كَانَتْ الْخِرْقَةُ غَلِيظَةً تَمْنَعُ اللَّذَّةَ لَمْ يَجِبْ وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً لَا تَمْنَعُهَا وَجَبَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ: وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي هَذَا الثَّالِثِ الْغَلِيظَةُ هِيَ الَّتِي تَمْنَعُ وُصُولَ بَلَلِ الْفَرْجِ إلَى الذَّكَرِ وَوُصُولَ الْحَرَارَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَالرَّقِيقَةُ مالا تَمْنَعُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي إفْسَادِ الْحَجِّ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ (الْخَامِسَةُ) إذَا أُولِجَ ذَكَرٌ أَشَلُّ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (السَّادِسَةُ) إذَا انْفَتَحَ لَهُ مَخْرَجٌ غَيْرُ الْأَصْلِيِّ وَحَكَمْنَا بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْخَارِجِ فَأَوْلَجَ فِيهِ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ الصَّحِيحُ لا يجب ولو أولج في الاصل وَجَبَ بِلَا خِلَافٍ (السَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ لَهُ ذَكَرَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي مَسَائِلِ لَمْسِ الْخُنْثَى إنْ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِإِيلَاجِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ دُونَ الْآخَرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ إيلَاجَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَالْإِيلَاجَ فِيهِ مَبْسُوطًا (الثَّامِنَةُ) إذَا أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَلَا غُسْلَ مَا لَمْ تُنْزِلْ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَقَدْ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يَخْفَى فَنَبَّهُوا عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي فَمِ الْمَرْأَةِ وَأُذُنِهَا وَإِبِطِهَا وَبَيْنَ أَلْيَتِهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَلَا(2/134)
غُسْلَ وَنَقَلَ فِيهِ ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ (التَّاسِعَةُ) ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فِي الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ نُزُولُ الْمَنِيِّ لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْجَنَابَةِ فَتَعَلَّقَ بِسَبَبِهِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا: وَالثَّانِي الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَهُ: وَالثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ
يَجِبُ بِالْإِيلَاجِ مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ بِالْإِنْزَالِ مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ كَمَا أَنَّ النِّكَاحَ يُوجِبُ الْمِيرَاثَ عِنْدَ الْمَوْتِ والوطئ يُوجِبُ الْعِدَّةَ عِنْدَ الطَّلَاقِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ وَبَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذَا كُلِّهِ بَسْطًا كَامِلًا فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ (الْعَاشِرَةُ) إذَا وَطِئَ امْرَأَةً مَيِّتَةً فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ وَهَلْ يَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِ الْمَيِّتَةِ إنْ كَانَتْ غُسِّلَتْ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَجِبُ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَإِنَّمَا يَجِبُ غُسْلُ الْمَيِّتِ تَنْظِيفًا وَإِكْرَامًا وَشَذَّ الرُّويَانِيُّ فَصَحَّحَ وُجُوبَ إعَادَتِهِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ بِوَطْئِهَا مَهْرٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ كَمَا لَا يجب بقطع يد هادية: وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْوَاطِئِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا يجب لانه وطئ مُحَرَّمٌ بِلَا شُبْهَةٍ: وَالثَّانِي لَا لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمَظِنَّةِ: وَالثَّالِثُ وَقِيلَ إنَّهُ مَنْصُوصٌ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا فِي الْحَيَاةِ وَهِيَ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ وَالْمُشْتَرَكَةُ وَجَارِيَةُ الِابْنِ وَنَحْوُهُنَّ فَلَا حَدَّ وَإِلَّا فَيُحَدُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مطلقا: قال أصحابنا وتفسد العبادات بوطئ الْمَيِّتَةِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ: (الْحَادِيَةَ عشرة) قال صاحب الْحَاوِي وَالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ قَالَ أَصْحَابُنَا الاحكام المتعلقة بالوطئ في قبل المرأة تتعلق بالوطئ فِي دُبُرِهَا إلَّا خَمْسَةَ أَحْكَامٍ: التَّحْلِيلُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ: وَالْإِحْصَانُ وَالْخُرُوجُ مِنْ التَّعْنِينِ وَمِنْ الْإِيلَاءِ: وَالْخَامِسُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ إذْنُ الْبِكْرِ بَلْ يبقى اذنها بالسكوت هكذا ذكراه وذكر المحاملى في اللباب سادسا وهو أن الوطئ فِي الدُّبُرِ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْقُبُلِ: وَسَابِعًا وَهُوَ أَنَّ خُرُوجَ مَنِيِّ الرَّجُلِ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ مِنْ دُبُرِهَا لَا يُوجِبُ غُسْلًا ثَانِيًا وخروجه من قبلها يوجبه على تفصيل سندكره قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: (قُلْت) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ ضَابِطٌ نَفِيسٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ فَوَائِدُ وَقَدْ يَخْرُجُ مِنْ الضَّابِطِ مَسَائِلُ يَسِيرَةٌ فِي بَعْضِهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ كَالْمُصَاهَرَةِ وَتَقْرِيرِ الْمُسَمَّى فِي الصَّدَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَكِنَّهَا وُجُوهٌ ضَعِيفَةٌ شَاذَّةٌ لَا تَقْدَحُ فِي الضَّابِطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّانِيَةَ عشرة)(2/135)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِيلَاجِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْإِيلَاجَ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَدُبُرِهَا وَدُبُرِ الرَّجُلِ وَدُبُرِ الْبَهِيمَةِ وَفَرْجِهَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ دَاوُد لَا يَجِبُ مَا لَمْ يُنْزِلْ وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيٌّ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ
وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ رَجَعَ عَنْهُ إلَى مُوَافَقَةِ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لا يجب بالايلاج في بهيمة ولاميتة
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ لَمْ يُوجِبْ مُطْلَقًا بِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنْ الرَّجُلِ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُمْنِ قَالَ عُثْمَانُ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَقَالَ عُثْمَانُ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ زَيْدٌ فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك: وعن أبي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ قَالَ (يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي) قَالَ الْبُخَارِيُّ الْغُسْلُ أَحْوَطُ وَذَاكَ الْآخِرُ إنَّمَا بَيَّنَّا اخْتِلَافَهُمْ يَعْنِي أَنَّ الْغُسْلَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَدْنَا بَيَانَ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ الْغُسْلُ هَذَا كُلُّهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَبَعْضُهُ فِي مُسْلِمٍ: وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَقَالَ لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاك قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَعْجَلْت أَوْ أَقْحَطْت فَلَا غُسْلَ عَلَيْك وَعَلَيْك الْوُضُوءُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَى أَعْجَلْت أَوْ أَقْحَطْت أَيْ جَامَعْت وَلَمْ تُنْزِلْ وَرُوِيَ أَقْحَطْتُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِفَتْحِهَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ إلَّا مِنْ إنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ وَهُوَ الْمَنِيُّ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ) وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَأَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ)(2/136)
وفي رواية البيهقى (أنزل أولم يُنْزِلْ) قِيلَ الْمُرَادُ بِشُعَبِهَا رِجْلَاهَا وَشَفْرَاهَا وَقِيلَ يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا وَقِيلَ سَاقَاهَا وَفَخْذَاهَا: وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ
يَكْسَلُ هَلْ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ: وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سبيل حتى تغتسلوا) قَالَ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْجِمَاعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ جَنَابَةً: وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا مِنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْجِمَاعِ فَتَعَلَّقَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ كَالْحُدُودِ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ أَيْ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالرُّؤْيَةِ فِي النَّوْمِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ: وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالُوهَا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُمْ النَّسْخُ: وَدَلِيلُ النَّسْخِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَأَرْسَلُوا إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَخْبَرَتْهُمْ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَجَهَدَهَا وَجَبَ الْغُسْلُ) فَرَجَعَ إلَى قَوْلِهَا مَنْ خَالَفَ: وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يُفْتُونَ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ: وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ أَمَرَنَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ سَأَلْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يَكْسَلُ وَلَا يُنْزِلُ قَالَ يَغْتَسِلُ فَقُلْت إنَّ أُبَيًّا كَانَ لَا يَرَى الْغُسْلَ فَقَالَ زَيْدٌ إنَّ أُبَيًّا نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ نَزَعَ أَيْ رَجَعَ: وَمَقْصُودِي بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ بَيَانُ أَحَادِيثِ الْمَسْأَلَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَإِلَّا فَالْمَسْأَلَةُ الْيَوْمَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَمُخَالَفَةُ دَاوُد لَا تَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مَنْعِ الْغُسْلِ بِإِيلَاجِهِ فِي بَهِيمَةٍ وَمَيْتَةٍ بِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ اللَّذَّةَ فَلَمْ يَجِبْ كَإِيلَاجِ أُصْبُعِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجٍ فَأَشْبَهَ قُبُلَ الْمَرْأَةِ الْحَيَّةِ: فَإِنْ قَالُوا يَنْتَقِضُ هَذَا بالمسك فَإِنَّ فِي الْبَحْرِ سَمَكَةً يُولِجُ فِيهَا سُفَهَاءُ الملاحين ببحر البصرة فالواجب مَا أَجَابَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ فِيهَا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَهُ فَرْجٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: أحدهما أنه منتقض بوطئ الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ الْمُتَنَاهِيَةِ فِي الْقُبْحِ الْعَمْيَاءِ الْجَذْمَاءِ البرصاء(2/137)
المقطعة الاطراف فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ لَذَّةٌ فِي الْعَادَةِ: وَالثَّانِي أَنَّ الْأُصْبُعَ لَيْسَتْ آلَةً لِلْجِمَاعِ: وَلِهَذَا لَوْ أَوْلَجَهَا فِي امْرَأَةٍ حَيَّةٍ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِخِلَافِ الذكر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَأَمَّا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ قَالَ نَعَمْ إذا رأت الماء]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ لَفْظُهُ فِيهِمَا (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) كما وقع في المهذب ومعناه يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ مِنْ إنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ وهو المنى: وأما حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالدَّارِمِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ الْجَمِيعَ حَضَرُوا الْقِصَّةَ فَرَوَوْهَا: وَأُمُّ سَلَمَةَ هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ حُذَيْفَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ كَانَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَةً لِأَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَهَاجَرَ بِهَا الْهِجْرَتَيْنِ إلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَلَهَا أَرْبَعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ: وَأَمَّا أُمُّ سُلَيْمٍ فَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرُّويَانِيِّ هِيَ جَدَّةُ أَنَسٍ غَلَطٌ بِلَا شَكٍّ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ مِنْ الطَّوَائِفِ: قِيلَ اسْمُهَا سَهْلَةُ وَقِيلَ رُمَيْلَةُ وَقِيلَ رميثة وقيل أنيفة وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهِيَ مِنْ فَاضِلَاتِ الصَّحَابِيَّاتِ وَمَشْهُورَاتهنَّ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكرمها ويكرم اختها ام حزام بِنْتَ مِلْحَانَ وَيُقِيلُ عِنْدَهُمَا وَكَانَتَا خَالَتَيْهِ وَمَحْرَمَيْنِ لَهُ: وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ زَوْجِهَا زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مِنْ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ رضي الله عنه: وَقَوْلُهَا إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ رُوِيَ يَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ وَرُوِيَ يَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَصْلُ بِيَاءَيْنِ فَحُذِفَتْ إحْدَاهُمَا قَالَ الْأَخْفَشُ أَسْتَحِي بِوَاحِدَةٍ لُغَةُ تَمِيمٍ وَأَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ(2/138)
وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ: وَالِاحْتِلَامُ افْتِعَالٌ مِنْ الْحُلْمِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ الْمَنَامَاتِ يُقَالُ حَلَمَ فِي مَنَامِهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ وَاحْتَلَمَ وَحَلَمْتُ كَذَا وَحَلَمْتُ بِكَذَا هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ جُعِلَ اسْمًا لِمَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ الْجِمَاعِ فَيَحْدُثُ مَعَهُ إنْزَالُ المنى غالبا فغلب لَفْظُ الِاحْتِلَامِ فِي هَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَامِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ: وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ) بَيَانٌ لِحَالَةِ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالِاحْتِلَامِ وَهِيَ إذَا كَانَ مَعَهُ إنْزَالُ الْمَنِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَقَوْلُهُ وَالْيَقَظَةُ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَهِيَ ضِدُّ النَّوْمِ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ خُرُوجِهِ بِجِمَاعٍ أَوْ احْتِلَامٍ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ سَوَاءٌ خَرَجَ بِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ تَلَذَّذَ بِخُرُوجِهِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ خَرَجَ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا وَلَوْ بَعْضُ قَطْرَةٍ وَسَوَاءٌ خَرَجَ فِي النَّوْمِ أَوْ الْيَقَظَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ فَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغُسْلَ عِنْدَنَا: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا خَرَجَ بِشَهْوَةٍ وَدَفْقٍ كَمَا لَا يَجِبُ بِالْمَذْيِ لِعَدَمِ الدَّفْقِ: دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُطْلَقَةُ كَحَدِيثِ (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَبِالْقِيَاسِ عَلَى إيلَاجِ الْحَشَفَةِ فانه لافرق فِيهِ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَذْيِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْمَنِيِّ: وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَلَا أَظُنُّ هَذَا يَصِحُّ عَنْهُ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَمْنَى وَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ عَلَى الْقُرْبِ بَعْدَ غُسْلِهِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ ثَانِيًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ بَعْدَ الْمَنِيِّ أَوْ بَعْدَ بَوْلِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ واحمد في رواية عنه: وقال مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَإِسْحَاقُ بْنُ راهويه لاغسل مطلقا وهي اشهر الروايات عن احمد وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ مَا بَالَ قَبْلَ الْغُسْلِ ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ الَّذِي اغْتَسَلَ عَنْهُ وَإِلَّا فَيَجِبُ الْغُسْلُ ثَانِيًا وَهُوَ رواية ثالثة عن أحمد: وعن أبي حَنِيفَةَ عَكْسُ هَذَا إنْ كَانَ بَالَ لَمْ يَغْتَسِلْ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَإِلَّا(2/139)
وَجَبَ الْغُسْلُ لِأَنَّهُ عَنْ شَهْوَةٍ: دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَلَمْ يُفَرِّقْ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ حَدَثٍ فَنَقَضَ مُطْلَقًا كَالْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ وَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ: (الثَّالِثَةُ) لو قبل امرأة فأحس بانتقال المني ونزوله فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ فِي الْحَالِ شئ وَلَا عَلِمَ خُرُوجَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَحْمَدَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَجِبُ الْغُسْلُ قَالَ وَلَا يُتَصَوَّرُ رُجُوعُ الْمَنِيِّ: دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحَسَّ بِالْحَدَثِ كَالْقَرْقَرَةِ وَالرِّيحِ وَلَمْ يخرج منه شئ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فَكَذَا هُنَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَوْ أَنْزَلَتْ الْمَرْأَةُ الْمَنِيَّ إلَى فَرْجِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْلُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ فَرْجِهَا لِأَنَّ دَاخِلَ فَرْجِهَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا تَطْهِيرُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَالْغُسْلِ فَأَشْبَهَ إحْلِيلَ الذَّكَرِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَزِمَهَا الْغُسْلُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَطْهِيرُ دَاخِلِ فَرْجِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ فَأَشْبَهَ الْعُضْوَ الظَّاهِرَ (الرَّابِعَةُ) لَوْ انْكَسَرَ صُلْبُهُ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْ الذَّكَرِ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّاشِيُّ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُمَا مَأْخُوذَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِخَارِجٍ مِنْ مُنْفَتِحٍ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ ثَقْبٍ فِي الذَّكَرِ غَيْرِ الْإِحْلِيلِ أَوْ مِنْ ثَقْبٍ فِي الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ الصُّلْبِ فَحَيْثُ نَقَضْنَا الْوُضُوءَ بِالْخَارِجِ مِنْهُ أَوْجَبْنَا الْغُسْلَ: وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ الذَّكَرِ وَالصَّوَابُ تَفْصِيلُ الْمُتَوَلِّي قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَنِيِّ الْمُسْتَحْكِمِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَحْكِم لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ قُبُلَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ: أَحَدُهُمَا يَجِبُ: وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ دُبُرٍ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ بِنَاءً عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي لُغَاتِ الْمَنِيِّ وَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ وَتَحْقِيقِ صِفَاتِهَا: أَمَّا الْمَنِيُّ فَمُشَدَّدٌ وَيُسَمَّى منيا لانه يمنى أي يصب وسميت مني لِمَا يُرَاقُ فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ: وَيُقَالُ أَمْنَى وَمَنَى بِالتَّخْفِيفِ وَمَنَّى بِالتَّشْدِيدِ
ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْأُولَى أَفْصَحُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أفرأيتم ما تمنون) وَفِي الْمَذْيِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْمَذْيُ بِإِسْكَانِ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَالْمَذِيُّ بِكَسْرِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وهاتان مشهورتان(2/140)
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ التَّخْفِيفُ أَفْصَحُ وَأَكْثَرُ: وَالثَّالِثَةُ الْمَذْيِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ حَكَاهَا أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: وَيُقَالُ مَذَى بِالتَّخْفِيفِ وَأَمْذَى وَمَذَّى بِالتَّشْدِيدِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ: وَالْوَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ غَيْرُ هَذَا وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ عَنْ الْأُمَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ: وَحَكَى صَاحِبُ مطالع الانوار لغية أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهَذَانِ شَاذَانَ: وَيُقَالُ وَدَى بتخفيف الدال وأودى وَوَدَّى بِالتَّشْدِيدِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لَمْ أَسْمَعْ غَيْرَهَا: قَالَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ يُقَالُ مَذَى وَأَمْذَى وَمَذَّى بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الْمَذْيُ مِثَالُ الرَّمْيِ وَالْمَذَى مِثَالُ الْعَمَى وَوَدَى وَأَوْدَى وَوَدَّى وَأَمْنَى وَمَنَى وَمَنَّى قَالَ وَالْأُولَى مِنْهَا كُلِّهَا أَفْصَحُ: وَأَمَّا صِفَاتُهَا فَمِمَّا يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَمَنِيُّ الرجل في حال صحته ابيض ثحين يَتَدَفَّقُ فِي خُرُوجِهِ دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ وَيَخْرُجُ بِشَهْوَةٍ وَيُتَلَذَّذُ بِخُرُوجِهِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ طَلْعِ النَّخْلِ قَرِيبَةٌ مِنْ رَائِحَةِ الْعَجِينِ وَإِذَا يَبِسَ كَانَتْ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْبَيْضِ هَذِهِ صِفَاتُهُ وَقَدْ يُفْقَدُ بَعْضُهَا مَعَ أَنَّهُ مَنِيٌّ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ بِأَنْ يَرِقَّ وَيَصْفَرَّ لِمَرَضٍ أَوْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا لَذَّةٍ لِاسْتِرْخَاءِ وِعَائِهِ أَوْ يَحْمَرَّ لِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ وَيَصِيرَ كَمَاءِ اللَّحْمِ وَرُبَّمَا خَرَجَ دَمًا عَبِيطًا وَيَكُونُ طَاهِرًا مُوجِبًا لِلْغُسْلِ: وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيِّ أَنَّهُ فِي الشِّتَاءِ أَبْيَضُ ثَخِينٌ وَفِي الصَّيْفِ رَقِيقٌ: ثُمَّ إنَّ مِنْ صِفَاتِهِ مَا يشاركه فيها غيره كالثخانة والبياض يشاركه فيهما الودى ومنها مالا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ وَهِيَ خَوَاصُّهُ الَّتِي عَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ فِي مَعْرِفَتِهِ وَهِيَ ثَلَاثٌ إحْدَاهَا الْخُرُوجُ بِشَهْوَةٍ مَعَ الْفُتُورِ عَقِيبَهُ: وَالثَّانِيَةُ الرَّائِحَةُ الَّتِي تشبه الطلع والعجين كما سبق: الثالثة الْخُرُوجُ بِتَزْرِيقٍ وَدَفْقٍ فِي دَفَعَاتٍ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَافِيَةً فِي كَوْنِهِ مَنِيًّا وَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا شئ لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ مَنِيًّا: وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ فَأَصْفَرُ رَقِيقٌ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَقَدْ يَبْيَضُّ لِفَضْلِ قُوَّتِهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَلَا خَاصِّيَّةَ لَهُ إلَّا التَّلَذُّذُ وَفُتُورُ شَهْوَتِهَا عَقِيبَ خُرُوجِهِ
وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ: وَقَالَ الرُّويَانِيُّ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ فَعَلَى هَذَا لَهُ خَاصِّيَّتَانِ يُعْرَفُ بِإِحْدَاهُمَا وَقَالَ الْبَغَوِيّ خُرُوجُ مَنِيِّهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَمَنِيِّ الرَّجُلِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا يَطَّرِدُ فِي مَنِيِّهَا الْخَوَاصُّ الثَّلَاثُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ لَيْسَ كَمَا قَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْمَذْيُ فَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٌ يَخْرُجَ عِنْدَ شَهْوَةٍ لَا بِشَهْوَةٍ وَلَا دَفْقٍ وَلَا يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرُبَّمَا لَا يَحُسُّ بِخُرُوجِهِ وَيَشْتَرِك الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِذَا(2/141)
هَاجَتْ الْمَرْأَةُ خَرَجَ مِنْهَا الْمَذْيُ قَالَ وَهُوَ أُغْلَبُ فِيهِنَّ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ: وَأَمَّا الْوَدْيُ فَمَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يُشْبِهُ الْمَنِيَّ فِي الثَّخَانَةِ وَيُخَالِفُهُ فِي الْكُدُورَةِ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ وَيَخْرُجُ عَقِيبَ الْبَوْلِ إذَا كَانَتْ الطَّبِيعَةُ مُسْتَمْسِكَةً وعند حمل شئ ثَقِيلٍ وَيَخْرُجْ قَطْرَةً أَوْ قَطْرَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ: وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ عَلَى أَيِّ حَالٍ وَلَوْ كَانَ دَمًا عَبِيطًا وَيَكُونُ حِينَئِذٍ طَاهِرًا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ إذَا كَانَ كَلَوْنِ الدَّمِ لَمْ يَجِبْ الغسل وليس بشئ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [فان احتلم ولم ير المنى أو شك هل خرج منه المني لم يلزمه الغسل وان رأى المنى ولم يذكر احتلاما لزمه الغسل لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرجل يجد البلل ولا يذكر الاحتلام قال يغتسل وعن الرجل يرى انه احتلم ولا يجد البلل قال لا غسل عليه) ]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا مَشْهُورٌ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عند أهل العلم لا يحتج بروايته ويعنى عَنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الِاحْتِلَامِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ونقل ابن المنذر الاجماع أَنَّهُ إذَا رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ احْتَلَمَ أَوْ جَامَعَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلًا فَلَا غُسْلَ عليه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وان رأي المني في فراش ينام فيه هو وغيره لم يلزمه الغسل لان الغسل لا يجب بالشك والاولى أنه يغتسل وان كان لا ينام فيه غيره لزمه الغسل واعادة الصلاة من آخر نوم نام فيه]
* [الشَّرْحُ] هُنَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا رَأَى مَنِيًّا فِي فِرَاشٍ يَنَامُ فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يُمْنِي فَلَا غُسْلَ(2/142)
عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَجِبُ على صاحبه لاحتمال أنه من الآخر ولايجوز أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَالْمُسْتَحَبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَغْتَسِلَ (الثَّانِيَةُ) رَأَى الْمَنِيَّ فِي فِرَاشٍ يَنَامُ فِيهِ وَلَا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ أَوْ ثَوْبِهِ الَّذِي يَلْبَسُهُ وَلَا يَلْبَسُهُ غَيْرُهُ أَوْ يَنَامُ فِيهِ وَيَلْبَسُهُ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ إنْزَالِ الْمَنِيِّ فَيَلْزَمُهُ الْغُسْلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (1) أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَيْسَ بشئ وَالصَّوَابُ الْوُجُوبُ فَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا لَا يُحْتَمَلُ حُدُوثُ الْمَنِيِّ بَعْدَهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ يَجُوزُ أَنَّ الْمَنِيَّ كَانَ مَوْجُودًا فِيهَا: ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا إذَا رَأَى الْمَنِيَّ فِي بَاطِنِ الثَّوْبِ فَإِنْ رَآهُ فِي ظَاهِرِهِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِهِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله [وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ الْمَذْيِ وَهُوَ الْمَاءُ الذي يخرج بأدني شهوة والدليل عليه ماروى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ فِي الشِّتَاءِ حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَفْعَلْ إذَا رَأَيْت الْمَذْيَ فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ فَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ) وَلَا مِنْ الودى وهو ما يقطر عِنْدَ الْبَوْلِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ الشرع الا في المنى]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحٌ روه أبو داود والنسائي والبيهقي بلفظه في المذهب إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذُكِرَ لَهُ: وَرَوَاهُ البخاري ومسلم في صحيحهما عَنْ عَلِيٍّ قَالَ (كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْت الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا فَأَمَرْت رَجُلًا وَفِي رواية للنسائي فأمرت عمار بن يسار وفى رواية لمسلم (توضأ وانضح
__________
(1) حكاه في البيان عن صاحب الفروع وأبي المحاسن وهو ما أجاب به أبو حاتم القزويني في كتابه تجريد التجريد للمحاملي حيث قال ولو وجد في ثوبه منيا لم يلزمه الاغتسال سواء كان على ظاهره أو باطنه أو في ثوب لا يلبسه غيره أو يلبسه ما لم يتيقن انه خرج منه اه اذرعى(2/143)
فَرْجَك) وَفِي رِوَايَةٍ (مِنْهُ الْوُضُوءُ) وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فَإِذَا نَضَحْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ بِالنُّونِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي بَعْضِهَا فَضَخْتَ بِالْفَاءِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُمَا دَفَقْتَ: وَقَوْلُهُ كُنْتُ مَذَّاءً هو
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ وَبِالْمَدِّ وَمَعْنَاهُ كَثِيرُ الْمَذْيِ كَضَرَّابٍ: وَقَوْلُهُ أَمَرْت الْمِقْدَادَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَمَّارًا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ أَمَرَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ صَاحِبِ الْكِتَابِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي امرت من ذكركما جاء في معظم الرويات: وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَاسْتَحْيَيْت أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْت رَجُلًا فَسَأَلَهُ وَمَعْنَى اسْتَحْيَيْت لِمَكَانِ ابْنَتِهِ أَنَّ الْمَذْيَ يَكُونُ غَالِبًا لِمُدَاعَبَةِ الزَّوْجَةِ وَقُبْلَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الرَّجُلُ مَعَ أَصْهَارِهِ مَا يَتَضَمَّنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ والله أعلم: أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ: فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَدْيَ لَا يُوجِبَانِ الْغُسْلَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هذا وبيان حقيقة المذى والودى ولغاتهما قَرِيبًا: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بِالشَّرْعِ إلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالشَّرْعِ وَأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَا يُحَسِّنُهُ وَلَا يُقَبِّحُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا فَوَائِدُ: مِنْهَا أَنَّ الْمَذْيَ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَأَنَّهُ نَجَسٌ وَأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ وَأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلِ إذَا كَانَ نَادِرًا لَا يَكْفِي فِي الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ الْحَجَرُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ الْمَنِيِّ وَأَنَّ الْمَذْيَ وَغَيْرَهُ مِنْ النَّادِرَاتِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِي الِاسْتِفْتَاءِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَهُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ هُنَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِالْمُشَافَهَةِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مُجَامَلَةُ الْأَصْهَارِ وَالتَّأَدُّبُ مَعَهُمْ بِتَرْكِ الْكَلَامِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَاشَرَةِ النِّسَاءِ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَقْصُودِ وَلِهَذَا أَمَرَ بِغَسْلِ الذَّكَرِ وَالْوَاجِبُ مِنْهُ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ فَقَطْ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ كُلِّ الذَّكَرِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يجب غسل الذكر والانثيين: دليلنا ماروى سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنْت أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً وَعَنَاءً فَكُنْت أُكْثِرُ مِنْ الْغُسْلِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(2/144)
فَقَالَ (إنَّمَا يُجْزِئُك مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مِنْ الْمَذْيِ الْوُضُوءُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَأَمَّا الْأَمْرُ بِغَسْلِ الذَّكَرِ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ فَعَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ الذَّكَرِ وَهُوَ مَا أَصَابَهُ الْمَذْيُ:
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَعَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بَعْدَ الْمَاءِ فَقَالَ ذَلِكَ الْمَذْيُ وَكُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَك وَأُنْثَيَيْك وَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَصَابَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِاحْتِمَالِ إصَابَةِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مِنْهُ لِأَنَّ وُجُوبَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مُسْتَيْقَنٌ وَمَا زَادَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَشْكُوكٌ فِي وُجُوبِهِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَنِيًّا فَيَجِبُ مِنْهُ الْغُسْلُ وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَذْيًا فَيَجِبُ الْوُضُوءُ وَغَسْلُ الثَّوْبِ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ احْتِمَالًا وَاحِدًا وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَحْسَنَ اللَّهُ تَوْفِيقَهُ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مُرَتِّبًا وَيَغْسِلَ سَائِرَ بَدَنِهِ وَيَغْسِلَ الثَّوْبَ مِنْهُ (1) لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ منيا أو جبنا عَلَيْهِ غَسْلَ مَا زَادَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مَذْيًا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ غَسْلَ الثَّوْبِ وَالتَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إسْقَاطِ حُكْمِهِمَا لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ اشْتَغَلَتْ بِفَرْضِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ: وَالتَّخْيِيرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَهُ مَذْيًا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ مَنِيًّا فَلَمْ يَغْتَسِلْ لَهُ وَإِنْ جَعَلَهُ مَنِيًّا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ مَذْيًا وَلَمْ يَغْسِلْ الثَّوْبَ مِنْهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ الْوُضُوءَ مِنْهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِيَسْقُطَ الفرض بيقين]
* [الشَّرْحُ] إذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مُرَتَّبًا وَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ اغْتَسَلَ كَانَ كَمُحْدِثٍ اغْتَسَلَ: وَالثَّانِي يَجِبُ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ وَلَا يَجِب تَرْتِيبُهَا بَلْ يَغْسِلُهَا كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّ الْمُتَحَقِّقَ هُوَ وُجُوبُهَا وَالتَّرْتِيبُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ وَهَذَا عَجَبٌ منه بل هذا الوجه غلط صريح لاشك فيه
__________
(1) قوله لانا الخ هذه العبارة إلى اخر المتن لم تذكر في نسخ الشرح وانما اشار لها الشارح بقوله (وذكر دليله) ونحن اثبتنا الدليل بنصه في عبارة المتن كما التزمنا أننا نذكر جميع عبارة المصنف اه مصححه(2/145)
فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُرَتِّبْ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمُوجَبٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا الْوَجْهَ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ عَنْ شَيْخِهِ الْقَفَّالِ وَأَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ قَالَ الْقَفَّالُ التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ إلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا هَذِهِ (وَالثَّانِيَةُ) إذَا أَوْلَجَ الْخُنْثَى ذَكَرَهُ فِي دُبُرِ رَجُلٍ فَعَلَى المولج فيه الوضوء بلا ترتيب و (الثالثة) مَسْأَلَةُ ابْنِ الْحَدَّادِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي فَصْلِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ: قَالَ الْقَاضِي ثُمَّ إنَّ الْقَفَّالَ رجع عن المسألتين الاوليين وَقَالَ الْأَصْلُ شَغْلُ ذِمَّتِهِ بِالصَّلَاةِ وَلَا تَبْرَأُ بِهَذَا فَصَرَّحَ الْقَاضِي بِرُجُوعِ الْقَفَّالِ وَأَنَّ هَذَا الْوَجْهَ خَطَأٌ وَكَأَنَّ مَنْ حَكَاهُ خَفِيَ عَلَيْهِ رُجُوعُ الْقَفَّالِ عَنْهُ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْتِزَامِ حُكْمِ الْمَنِيِّ أَوْ الْمَذْيِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ فُضَلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ مِنْهُ يَقِينًا وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْآخَرِ وَلَا مُعَارِضَ لِهَذَا الْأَصْلِ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِهِمَا جَمِيعًا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ يَلْزَمُهُ مُقْتَضَى الْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ جَمِيعًا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ (1) وَجَعَلَهُ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ رُجْحَانُهُ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِطَهَارَةٍ وَلَا يَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ إلَّا بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِفِعْلِ مُقْتَضَاهُمَا جَمِيعًا: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى فِي ثَوْبٍ آخَرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ الْبَلَلُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ إمَّا جُنُبٌ وَإِمَّا حَامِلُ نَجَاسَةٍ: وَإِنْ اغْتَسَلَ وَصَلَّى فِي هَذَا الثَّوْبِ قَبْلَ غَسْلِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَنِيٌّ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَوْلَجَ خُنْثَى مُشْكِلٌ فِي دُبُرِ رَجُلٍ فَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَةِ الْخُنْثَى جُنُبَانِ وَإِلَّا فَمُحْدِثَانِ فَالْجَنَابَةُ مُحْتَمَلَةٌ فَإِذَا تَوَضَّأَ وَجَبَ التَّرْتِيبُ وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ وَهُوَ غَلَطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ عَلَى اخْتِيَارِهِ يَلْزَمُهُ غَسْلُ الثَّوْبِ مَعَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَيُقَالُ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ طهارة فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِأَحَدِهِمَا وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّهُ أتي به الا إذا جمع بينهما
__________
(1) هذا الذى اختاره المصنف فيه نظر فان استصحاب الطهارة حاصل على الوجه الثالث وهو المختار والجواب عن الاعتراض المذكور انا انما اوجبنا الوضوء احتياطا لاحتمال انه مذي ولا يحصل(2/146)
فَوَجَبَ الْجَمْعُ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ حَسَنٌ: فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا إذَا مَلَكَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُخْتَلِطَيْنِ وَزْنُهُ أَلْفٌ: سِتُّمِائَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يُعْرَفُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الِاحْتِيَاطِ بِأَنْ يُزَكِّيَ سِتَّمِائَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَمْ يُلْزِمْهُ الْجُمْهُورُ هُنَا الِاحْتِيَاطَ: فَالْجَوَابُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْيَقِينِ بِسَبْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْيَقِينُ بِعَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* [وَأَمَّا الْحَيْضُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فأتوهن) قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ هُوَ الِاغْتِسَالُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فاغتسلي وصل) وَأَمَّا دَمُ النِّفَاسِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ حيض مجتمع ولانه يحرم الصوم والوطئ ويسقط فرض الصلاة فأوجب الغسل كالحيض]
* [الشَّرْحُ] أَمَّا تَفْسِيرُ الْآيَةِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ الْمَحِيضُ هُنَا هُوَ الْحَيْضُ وَهُوَ مَذْهَبُنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْحَيْضِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَحِيضِ فَعِنْدَنَا هُوَ الدَّمُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الْفَرْجُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الدَّمِ كَالْمَبِيتِ وَالْمَقِيلِ مَوْضِعُ الْبَيْتُوتَةِ وَالْقَيْلُولَةِ: وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ غَلَطٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال (قل هو أذى) وَالْفَرْجُ وَالزَّمَانُ لَا يُوصَفَانِ بِذَلِكَ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ) أَيْ الدَّمِ وَسَنَزِيدُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَإِيضَاحِهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها مِنْ طُرُقٍ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمَا (وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي) كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَفِي بَعْضِهَا (فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي) وَالْحَيْضَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا فَالْكَسْرُ اسْمٌ لِحَالَةِ الْحَيْضِ وَالْفَتْحُ بِمَعْنَى الْحَيْضِ وَهِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الصَّوَابُ الْكَسْرُ وَغَلِطَ مَنْ فَتَحَ وَجَوَّزَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْفَتْحَ
وَهُوَ أَقْوَى: وَحُبَيْشٌ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثم ياء مثناة من تحت ساكنة(2/147)
ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ: وَاسْمُ أَبِي حُبَيْشٍ قَيْسُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى
* أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَبِسَبَبِ النِّفَاسِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَآخَرُونَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ أنه يلزمها تمكين الزوج من الوطئ ولا يجوز ذلك الا بالغسل ومالا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَوَّلِ خُرُوجِ الدَّمِ كَمَا قَالُوا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ الْبَوْلِ قَالُوا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ بِانْقِطَاعِ الدم وليس بشئ وَعَكَسَ الْخُرَاسَانِيُّونَ هَذَا فَقَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ بِانْقِطَاعِهِ لَا بِخُرُوجِهِ كَذَا صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يَجِبُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ يَجِبُ بِخُرُوجِهِ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْغُسْلَ مَعَ دَوَامِ الحيض غير ممكن ومالا يُمْكِنُ لَا يَجِبُ: قَالَ الْإِمَامُ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ بِخُرُوجِ جَمِيعِ الدَّمِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ: وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِوُجُوبِهِ بِالِانْقِطَاعِ وَالْبَغَوِيُّ بِالْخُرُوجِ وَكُلُّ مَنْ أَوْجَبَ بِالْخُرُوجِ قَاسُوهُ عَلَى الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ وَقَدْ سَبَقَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ أَمْ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ أَمْ بِالْمَجْمُوعِ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَتِلْكَ الْأَوْجُهُ جَارِيَةٌ فِي الْحَيْضِ قَالَ إلَّا أَنَّ الْقَائِلِينَ هُنَاكَ يَجِبُ بِالْخُرُوجِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ بِخُرُوجِ الدَّمِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِانْقِطَاعِهِ فَحَصَلَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فِي وَقْتِ وُجُوبِ غُسْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ: أَحَدُهَا بِخُرُوجِ الدَّمِ: وَالثَّانِي بِانْقِطَاعِهِ: وَالثَّالِثُ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ: وَالرَّابِعُ بِالْخُرُوجِ وَالِانْقِطَاعِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ بِالِانْقِطَاعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فَائِدَتُهُ أَنَّ الْحَائِضَ إذَا أَجْنَبَتْ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ غُسْلُ الْحَيْضِ إلَّا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَقُلْنَا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُمْنَعُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَلَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عَنْ الْجَنَابَةِ لِاسْتِبَاحَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسَيَأْتِي هَذَا مَعَ زِيَادَةِ إيضَاحٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ لَهُ فَائِدَةً أُخْرَى حَسَنَةً
فَقَالَ لَوْ اُسْتُشْهِدَتْ الْحَائِضُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ قَبْلَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ بِالِانْقِطَاعِ لَمْ تُغَسَّلْ(2/148)
وَإِنْ قُلْنَا بِالْخُرُوجِ فَهَلْ تُغَسَّلُ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي غُسْلِ الْجُنُبِ الشَّهِيدِ: فَحَصَلَ فِي الْخِلَافِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا مَسْأَلَةُ الشَّهِيدِ: وَالثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْحَائِضِ إذَا أَجْنَبَتْ: فَإِنْ قِيلَ الْحَائِضُ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ يُبَاحُ لَهَا الْقِرَاءَةُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الدَّمِ أَمْ بِانْقِطَاعِهِ فَيَنْبَغِي إذَا أَجْنَبَتْ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْحُكْمُ: فَالْجَوَابُ أَنَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَأَجْنَبَتْ فَهَذِهِ امْرَأَةٌ جُنُبٌ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا لِلْجَنَابَةِ فَإِذَا اغْتَسَلَتْ لَهَا ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهَا وَبَقِيَتْ حَائِضًا مُجَرَّدَةً فَتُبَاحُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَدِيمِ وَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْخُرُوجِ فَاغْتَسَلَتْ لِلْجَنَابَةِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ تَرْتَفِعْ جَنَابَتُهَا لِأَنَّ عَلَيْهَا غُسْلَيْنِ غُسْلُ حَيْضٍ وَغُسْلُ جَنَابَةٍ وَغُسْلُ الْحَيْضِ لَا يُمْكِنُ صِحَّتُهُ مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ غُسْلُ الْحَيْضِ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَدَثَانِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الْآخَرُ كَمَنْ أَحْدَثَ بِنَوْمٍ مَثَلًا ثُمَّ شَرَعَ فِي الْبَوْلِ وَتَوَضَّأَ فِي حَالِ بَوْلِهِ عَنْ النَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا شَكٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ لَوْ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ قُبُلَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِصِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ وَفِي وَقْتِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ رَجُلٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَتَغْتَسِلُ الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ وَالنُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ قِيلَ لَا مَعْنَى لِتَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ إلَّا تَحْسِينَ اللَّفْظِ وَقِيلَ هِيَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ لَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ فَمَتَى ارْتَفَعَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَإِنْ قَلَّ وَجَبَ الْغُسْلُ وَدَمُ الْحَائِضِ لَوْ ارْتَفَعَ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَكُونُ حيضا ولا غسل * قال المصنف رحمه الله
* [وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا وَلَمْ تَرَ دَمًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ: وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لانه لا يسمى منيا]
* [الشَّرْحُ] هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَشَذَّ الشَّاشِيُّ فَصَحَّحَ عَدَمَ الْوُجُوبِ: ثُمَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ
ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْحَيْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَبِعَدَمِهِ قَوْلُ أبى علي ابن(2/149)
أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْوَجْهَيْنِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ كَوْنُ الْوَلَدِ مَنِيًّا مُنْعَقِدًا هُوَ التَّعْلِيلُ الْمَشْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا التَّعْلِيلَ وَعِلَّةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَخْلُو عَنْ رُطُوبَةٍ وَإِنْ خَفِيَتْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُوجَدُ الْوِلَادَةُ بِلَا دَمٍ فِي نِسَاءِ الْأَكْرَادِ كَثِيرًا: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا لَا غُسْلَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ: وَلَوْ خَرَجَ مِنْهَا وَلَدٌ بَعْدَ وَلَدٍ وَقُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ فَاغْتَسَلَتْ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّانِي وَجَبَ الْغُسْلُ لِلثَّانِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَلْقَتْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ الْوَجْهَانِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ بِالْوُجُوبِ فِي الْمُضْغَةِ وَخَصَّ الْوَجْهَيْنِ بِالْعَلَقَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَلْ يَصِحُّ غُسْلُهَا بِمُجَرَّدِ وَضْعِهَا أَمْ لَا يَصِحُّ حَتَّى تَمْضِيَ سَاعَةٌ: فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ مَحْدُودٌ بِسَاعَةٍ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيه إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ صِحَّةُ الْغُسْلِ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النِّفَاسَ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذا ولدت في نهار رمضان ولم ترد ما فَفِي بُطْلَانِ صَوْمِهَا طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الْغُسْلَ أَمْ لَا وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ: (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْغُسْلِ إنْ أَوْجَبْنَاهُ بَطَلَ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَالَ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهَا مَغْلُوبَةٌ كَالِاحْتِلَامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَوِيٌّ فِي الْمَعْنَى ضَعِيفُ التَّعْلِيلِ (1) أَمَّا ضَعْفُ تَعْلِيلِهِ فَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَإِنْ كَانَتْ مَغْلُوبَةً: وَأَمَّا قُوَّتُهُ فِي الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ الْغُسْلِ أَنَّ الْوَلَدَ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ وَهَذَا يَصْلُحُ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ لَا لِبُطْلَانِ الصَّوْمِ فَإِنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا اسْتِمْنَاءٍ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَاضَتْ ثُمَّ أَجْنَبَتْ أَوْ أَجْنَبَتْ ثُمَّ حَاضَتْ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهَا عَنْ الْجَنَابَةِ فِي حَالِ الْحَيْضِ
لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضعيف ذكره الخراسانيون انه يصح غسلها عن الْجَنَابَةِ وَيُفِيدُهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ لِلْحَائِضِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا قَرِيبًا عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَعْضَاءُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَعَرَقُهُمْ طاهر وهذا لا خلاف فيه بين
__________
(1) تعليله مني علي العلة المشهورة وهى انه مني منعقد وأما العلة الاخرى فيبطل كالحيض وقوله فيه وجه ضعيف فيه نظر فانه صحح وجوبه بالانقطاع اه اذرعى(2/150)
الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بَدَنَ الْحَائِضِ نَجِسٌ فَلَوْ أَصَابَتْ مَاءً قَلِيلًا نَجَّسَتْهُ وَهَذَا النَّقْلُ لَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَيْضَتُكِ لَيْسَتْ فِي يَدِك) وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ كتاب الحيض إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
* [وان استدخلت المرأة المنى ثم خرج منها لم يلزمها الغسل]
* [الشَّرْحُ] إذَا اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ الْمَنِيَّ فِي فَرْجِهَا أَوْ دُبُرِهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْلُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى الْقَفَّالُ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ إدْخَالِهَا قُبُلَهَا أَوْ دُبُرَهَا كَتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ وَحَكَوْا مِثْلَ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنْ كَثُرَ قَائِلُوهُ وَنَاقِلُوهُ ثُمَّ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى خَيَالٍ إذَا اسْتَدْخَلَتْهُ فِي قُبُلِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تَلَذَّذَتْ فَأَنْزَلَتْ مَنِيَّهَا فَاخْتَلَطَ بِهِ فَإِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ الْأَجْنَبِيُّ صَحِبَهُ مَنِيُّهَا لَكِنَّ إيجَابَهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الدُّبُرِ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا خَيَالَ: وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ لَا يَجِبُ قَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَلِيلُهُ النُّصُوصُ فِي أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِمَنِيِّهِ: وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا دَمَ الْحَيْضِ أَوْ أَدْخَلَ الرَّجُلُ فِي دُبُرِهِ أَوْ قُبُلِهِ الْمَنِيَّ وَخَرَجَا فَلَا غُسْلَ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَيَلْزَمُهَا الْوُضُوءُ بِخُرُوجِهِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: أَمَّا إذَا جُومِعَتْ فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا أَيْضًا وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ قَالَ الْمُتَوَلِّي كَانَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَقُولُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ إذَا كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ صَغِيرَةً
لَا تُنْزِلُ أَوْ كَبِيرَةً لَكِنْ أَنْزَلَ الزَّوْجُ عَقِيبَ الْإِيلَاجِ بِحَيْثُ لَمْ تُنْزِلْ هِيَ فِي الْعَادَةِ فَأَمَّا إذَا امْتَدَّ الزَّمَانُ قَبْلَ إنْزَالِهِ فَالْغَالِبُ أَنَّهَا تُنْزِلُ وَيَخْتَلِطُ الْمَنِيَّانِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ ثَانِيًا: وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَاضِي بِحُرُوفِهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وجوب الغسل(2/151)
ثُمَّ قَالَ وَعِنْدِي فِي هَذَا تَفْصِيلٌ فَذَكَرَ نحو كلام القاضى والله أعلم: قال المصنف رحمه الله
* [وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَغْتَسِلَ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُسْلِ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ لَزِمَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَإِنْ كَانَ قَدْ اغْتَسَلَ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ لِأَنَّهُ غُسْلٌ صَحِيحٌ بِدَلِيلِ انه تعلق به اباحة الوطئ فِي حَقِّ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ فَلَمْ تَجِبْ اعادته كغسل المسلمة: وَالثَّانِي تَجِبُ إعَادَتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ فِي حَقِّ اللَّهِ تعالى كالصوم والصلاة]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ هَذَا: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَيْسٌ هَذَا مِنْ سَادَاتِ الْعَرَبِ كُنْيَتُهُ أَبُو عَلِيٍّ وَقِيلَ أَبُو قَبِيصَةُ وَقِيلَ أَبُو طَلْحَةَ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فَأَسْلَمَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الْوَبَرِ وَكَانَ حَلِيمًا عَاقِلًا قِيلَ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ مِمَّنْ تَعَلَّمْت الْحِلْمَ قَالَ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ اُحْتُرِزَ بِعِبَادَةٍ عَنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَبِمَحْضَةٍ عَنْ الْعِدَّةِ وَالْكَفَّارَةِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ فِي حَقِّ اللَّهِ احْتِرَازٌ مِنْ غُسْلِ الْكَافِرَةِ الَّتِي طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ لَكِنْ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا إذَا أَجْنَبَ الْكَافِرُ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِ اللَّهِ تعال (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا
يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَهُمْ الزَّوْجَاتُ وَالْأَوْلَادُ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُسْلِ وُجُوبًا وَلَوْ وَجَبَ لامرهم به وهذا الوجه ليس بشئ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبُولَ ثُمَّ يُسْلِمَ أَوْ يُجْنِبَ ثُمَّ يُسْلِمَ: وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَالْحَدِيثُ فَالْمُرَادُ بِهِمَا غُفْرَانُ(2/152)
الذُّنُوبِ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ كن عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ قِصَاصٌ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ وَلِأَنَّ إيجَابَ الْغُسْلِ لَيْسَ مُؤَاخَذَةً وَتَكْلِيفًا بِمَا وَجَبَ فِي الْكُفْرِ بَلْ هُوَ إلْزَامُ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ جُنُبٌ وَالصَّلَاةُ لَا تَصِحُّ مِنْ الْجُنُبِ وَلَا يَخْرُجُ بِإِسْلَامِهِ عَنْ كَوْنِهِ جُنُبًا وَالْجَوَابُ عَنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْغُسْلِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْوُضُوءِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لَهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَمَنْعِ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا سَبَقَ أَنَّ الْغُسْلَ مُؤَاخَذَةٌ بِمَا هُوَ حَاصِلٌ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ كَوْنُهُ جُنُبًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ: وَالثَّانِي أَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ يَكْثُرَانِ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهُمَا وَيُنَفِّرُ عَنْ الْإِسْلَامِ: وَأَمَّا الْغُسْلُ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا غُسْلٌ وَاحِدٌ وَلَوْ أَجْنَبَ أَلْفَ مَرَّةٍ وَأَكْثَرَ فَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَجْنَبَ وَاغْتَسَلَ فِي الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَفِي وُجُوبِ إعَادَةِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَأَجَابُوا عَنْ احْتِجَاجِ الْقَائِلِ الْآخَرِ بِالْحَائِضِ فَقَالُوا لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِلضَّرُورَةِ صِحَّتُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ قَاسُوهُ عَلَى الْمَجْنُونَةِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَغَسَّلَهَا زوجها ليستبيحها فانها إذا فاقت يلزمها الغسل وهذا على المذهب والمشهور: وَفِيهَا خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْكَافِرِ الْمُغْتَسِلِ فِي الْكُفْرِ وَالْكَافِرَةِ الْمُغْتَسِلَةِ لِحِلِّهَا لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ (1) فَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَخَالَفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُمْهُورَ فَصَحَّحَ فِي الْحَائِضِ عَدَمَ الْإِعَادَةِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يُجْنِبْ فِي الْكُفْرِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَغْتَسِلَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ وَالْمُرْتَدُّ وَالذِّمِّيُّ وَالْحَرْبِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ قريب من المسجد فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَأَطْلَقَهُ وَبَعَثَ بِهِ إلَى حَائِطِ أَبِي طَلْحَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أسلم عند
__________
(1) وان لم يكن لها زوج أو كان كافرا قال الامام يجب اعادة الغسل وجها واحدا وقال أبو بكر الفارسي بطرد الخلاف في اجزاء الغسل في كل كافر قال وهذا غلط صريح متروك عليه وليس من الرأى ان تحتسب غلطات الرجال من متن المذهب اه اذرعى(2/153)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَظْهَرَ الشَّهَادَةَ ثَانِيًا جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاغْتِسَالِ وَلِأَنَّهُ تَرْكُ مَعْصِيَةٍ فَلَمْ يَجِبْ مَعَهُ غُسْلٌ كَالتَّوْبَةِ مِنْ سَائِرِ الْمَعَاصِي: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثَيْهِمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَمْلُهُمَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ قَيْسًا أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ السِّدْرَ غَيْرُ وَاجِبٍ (الثَّانِي) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُمَا أَجْنَبَا لِكَوْنِهِمَا كانت لهما أولاد فأمرهما بالغسل لِذَلِكَ لَا لِلْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ لِلْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَ رَأْسِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ والشيخ نصر وآخرون
* واحتجوا لَهُ بِحَدِيثِ عُثَيْمٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَسْلَمْتُ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ) يَقُولُ احْلِقْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ عُثَيْمًا وَكُلَيْبًا لَيْسَا بِمَشْهُورَيْنِ وَلَا وُثِّقَا لكن أبا داود رواه ولم يضعفه وقد قال انه إذا ذكر حديث وَلَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ عِنْدَهُ صَالِحٌ أَيْ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ فَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَهُ حَسَنٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ قَيْسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ الْكَافِرُ الْإِسْلَامَ فَلْيُبَادِرْ بِهِ وَلَا يُؤَخِّرْهُ لِلِاغْتِسَالِ بَلْ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالْإِسْلَامِ وَيُحَرَّمُ تَحْرِيمًا شَدِيدًا تَأْخِيرُهُ لِلِاغْتِسَالِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَشَارَ مُسْلِمًا فِي ذَلِكَ حُرِّمَ عَلَى الْمُسْتَشَارِ تَحْرِيمًا غَلِيظًا أَنْ يَقُولَ لَهُ أَخِّرْهُ إلَى الِاغْتِسَالِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُثَّهُ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْإِسْلَامِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَجْهًا أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْغُسْلَ عَلَى الْإِسْلَامِ لِيُسْلِمَ مُغْتَسِلًا قَالَ وَهُوَ بَعِيدٌ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَخَطَأٌ فَاحِشٌ بَلْ هُوَ مِنْ الْفَوَاحِشِ الْمُنْكَرَاتِ وَكَيْفَ يَجُوزُ الْبَقَاءُ عَلَى أَعْظَمِ الْمَعَاصِي وَأَفْحَشِ الْكَبَائِرِ وَرَأْسِ الْمُوبِقَاتِ وَأَقْبَحِ الْمُهْلِكَاتِ لِتَحْصِيلِ غُسْلٍ لَا يُحْسَبُ عِبَادَةً لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ فَاعِلِهِ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ لَوْ رَضِيَ مُسْلِمٌ بِكُفْرِ كَافِرٍ بِأَنْ طَلَبَ كَافِرٌ مِنْهُ أَنْ يُلَقِّنَهُ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يُسْلِمَ أَوْ أَخَّرَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ صَارَ مُرْتَدًّا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْكُفْرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إفْرَاطٌ أَيْضًا بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً: وَأَمَّا قَوْلُ النَّسَائِيّ (1) فِي سُنَنِهِ بَابُ تَقْدِيمِ غُسْلِ الْكَافِرِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ثمامة انطلق فاغتسل
__________
(1) هذا الذى احتج به النسائي محمول على ما سبق وهو انه اظهر اسلامه بعد الغسل بدليل الرواية الاخرى فانها مصرحة بتقديم الاسلام اه اذرعي(2/154)
ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ لِمَا ادَّعَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ نَفِيسَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي أَوَاخِرِ باب نية الوضوء وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله
* [ومن اجنب حرم عليه الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله لانا دللنا علي أن ذلك يحرم على المحدث فلان يحرم على الجنب اولى ويحرم عليه قراءة القرآن لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ القرآن) ويحرم عليه اللبث في المسجد ولا يحرم عليه العبور لقوله تَعَالَى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سبيل) واراد موضع الصلاة وقال في البويطي ويكره له ان ينام حتى يتوضأ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جنب قال (نعم إذا توضأ احدكم فليرقد) قال أبو على الطبري وإذا اراد ان يطأ أو يأكل أو يشرب توضأ
ولا يستحب ذلك للحائض لان الوضوء لا يؤثر في حدثها ويؤثر في حدث الجنابة لانه يخففه ويزيله عن اعضاء الوضوء]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الْفَصْلُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُمَلٍ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مُنْتَشِرَةٌ فَالْوَجْهُ أَنْ نَشْرَحَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُخْتَصَرًا ثُمَّ نَعْطِفَ عَلَيْهِ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ الْفُرُوعَ وَالْمُتَعَلِّقَات: أَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا وَالْمُرَادُ بِهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالضَّعْفُ فِيهِ بَيِّنٌ وَسَنَذْكُرُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ غَيْرَهُ مِمَّا يُغْنِي عَنْهُ ان شاء الله تعالى: وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ فَلَأَنْ يَحْرُمَ عَلَى الْجُنُبِ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ وَقَوْلُهُ لا يقرأ الجنب روى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَرُوِيَ بِضَمِّهَا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يراد به النهي وهما صحيحان وممن ذكرهما الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَنَظَائِرُهُمَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَاللُّبْثُ هُوَ الْإِقَامَةُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لَبِثَ بِالْمَكَانِ وَتَلَبَّثَ أَيْ أَقَامَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَغَيْرُهُمَا يُقَالُ لَبِثَ يَلْبَثُ لَبْثًا وَلَبَثًا بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا زَادَ فِي الْمُحْكَمِ وَلَبَاثَةً وَلَبِيثَةً يَعْنِي بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا: وَأَمَّا الْجَنَابَةُ فَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْبُعْدُ وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ وَعَلَى مَنْ جَامَعَ وَسُمِّيَ جُنُبًا لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ وَالْمَسْجِدَ وَالْقِرَاءَةَ وَيَتَبَاعَدُ عَنْهَا وَيُقَالُ أَجْنَبَ الرَّجُلُ يُجْنِبُ وَجُنِبَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ يُجْنَبُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْأُولَى(2/155)
أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ يُقَالُ رَجُلٌ جُنُبٌ وَرَجُلَانِ وَرِجَالٌ وَامْرَأَةٌ وَامْرَأَتَانِ وَنِسْوَةٌ جُنُبٌ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَيُقَالُ جُنُبَانِ وَأَجْنَابٌ فَيُثَنَّى ويجمع والاول أفصح وأشهر: أما أحكام الْمَسْأَلَةِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَاللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ: فَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى فَتَقَدَّمَ شَرْحُهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَيَحْرُمُ كَثِيرُهَا وَقَلِيلُهَا حَتَّى بَعْضُ آيَةٍ: وَكَذَا يَحْرُمُ اللَّبْثُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لَحْظَةً: وَأَمَّا الْعُبُورُ فَلَا يَحْرُمُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ
قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَيُسْتَحَبُّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَطَأَ مَنْ وَطِئَهَا أَوَّلًا أَوْ غَيْرَهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلَ فَرْجَهُ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَا يُسْتَحَبُّ هَذَا الْوُضُوءُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِهَا لِأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ فَلَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ وَهَذَا مَا دَامَتْ حَائِضًا فَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَتَصِيرُ كَالْجُنُبِ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِهَا كَالْجُنُبِ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنَّ الْوُضُوءَ يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِ الْجُنُبِ وَيُزِيلُهُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ لَا يرتفع شئ مِنْ الْحَدَثِ حَتَّى تَكْمُلَ الطَّهَارَةُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْمَسَائِلِ الزَّوَائِدِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ وَغَسْلِ الْفَرْجِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ نَعَمْ إذَا تَوَضَّأَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ) وَعَنْ عَائِشَةَ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ) وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَخَّصَ لِلْجُنُبِ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَنْ يَتَوَضَّأَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ إذا أراد أن يأكل: وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ(2/156)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَةٍ (فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ) : وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ) فَالْمُرَادُ بِحَاجَتِهِ
الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَقَالَ أَبُو دَاوُد عَنْ يَزِيدَ بْنِ هرون وَهَمَ السَّبِيعِيُّ فِي هَذَا يَعْنِي قَوْلَهُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ السَّبِيعِيِّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ طَعَنَ الْحُفَّاظُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَتَوَهَّمُوهَا مَأْخُوذَةً عَنْ غَيْرِ الْأَسْوَدِ وَأَنَّ السَّبِيعِيَّ دَلَّسَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ السَّبِيعِيِّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ بَيَّنَ سَمَاعَهُ مِنْ الْأَسْوَدِ وَالْمُدَلِّسُ إذَا بَيَّنَ سَمَاعَهُ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ وَكَانَ ثِقَةً فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ: (قُلْت) قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ إنَّ الْمُدَلِّسَ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ وَإِنْ بَيَّنَ السَّمَاعَ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ السَّمَاعَ اُحْتُجَّ بِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ الْحَدِيثُ صَحِيحًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ وَعَلَى الثَّانِي جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاسْتَحْسَنَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَمَسُّ مَاءً لِلْغُسْلِ لِنَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حديثها الْآخَرِ وَحَدِيثِ عُمَرَ الثَّابِتَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: وَالثَّانِي (1) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ الْوُضُوءَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَيُبَيِّنَ الْجَوَازَ إذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَاعْتَقَدُوا وُجُوبَهُ وَهَذَا عِنْدِي حَسَنٌ أَوْ أَحْسَنُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَافَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَهُنَّ تِسْعُ نِسْوَةٍ) فَيُحْتَمَلُ أنه كان يتوضأ بينهما وَيُحْتَمَلُ تَرْكُ الْوُضُوءِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد أَنَّهُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا فَقَالَ (هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ) قَالَ أَبُو دَاوُد وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ: (قُلْت) وَإِنْ صَحَّ هَذَا الثَّانِي حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ وَذَاكَ فِي وَقْتٍ وَالْحَدِيثَانِ مَحْمُولَانِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْقَسْمَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّوَامِ فَإِنَّ الْقَسْمَ لا يجوز أقل من ليلة ليلة الا بِرِضَاهُنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ وَلَا كَلْبٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ لَا الْحَفَظَةُ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْجُنُبَ وَلَا غَيْرَهُ: قال وقيل لم يرد
__________
(1) هذا الثاني هو المختار كما اختاره الشيخ رحمه الله وهو ظاهر الحديث والاول فيه نظر فانه تأويل بعيد لا حاجة إليه إذ لا منافاة بين الروايتين اه اذرعي(2/157)
بِالْجُنُبِ مَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَأَخَّرَ الِاغْتِسَالَ إلَى حُضُورِ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّهُ الْجُنُبُ الَّذِي يَتَهَاوَنُ بِالْغُسْلِ وَيَتَّخِذُ تَرْكَهُ عَادَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ) : قَالَ وَأَمَّا الْكَلْبُ فَهُوَ أَنْ يَقْتَنِيَ كَلْبًا لِغَيْرِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ وَحِرَاسَةِ الدَّارِ: قَالَ وَأَمَّا الصُّورَةُ فَهِيَ كُلُّ مُصَوَّرٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى جِدَارٍ أَوْ سَقْفٍ أَوْ ثَوْبٍ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَفِي تَخْصِيصِهِ الْجُنُبَ بِالْمُتَهَاوِنِ وَالْكَلْبَ بِاَلَّذِي يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ نَظَرٌ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَ الْوُضُوءِ لِلْجُنُبِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ السَّلَفِ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ هُوَ بِالْخِيَارِ: دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا حَتَّى بَعْضُ آيَةٍ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَذَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةُ كُلِّ الْقُرْآنِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْآيَاتِ الْيَسِيرَةَ لِلتَّعَوُّذِ وَفِي الحائض روايتان عنه احداهما تقرأ والثاني لَا تَقْرَأُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْرَأُ الْجُنُبُ بَعْضَ آيَةٍ وَلَا يَقْرَأُ آيَةً وَلَهُ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا
* وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا وَالْقُرْآنُ ذِكْرٌ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَكُنْ يحجبه وربما قال يحجزه عن القرآن شئ ليس(2/158)
الجناية) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُحَقِّقِينَ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَ ثَابِتًا فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ جِمَاعِ الطُّهُورِ وَقَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْحَدِيثِ يُثْبِتُونَهُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ فِي ثُبُوتِهِ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ وَكَانَ قَدْ كَبُرَ وَأُنْكِرَ مِنْ حَدِيثِهِ وَعَقْلُهُ بَعْضُ النَّكَرَةِ وانما روى هذا الحديث بعد ما كَبُرَ قَالَهُ شُعْبَةُ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الائمة تحقيق ما قال ثم قال البيقى وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ الْقِرَاءَةَ لِلْجُنُبِ ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ وَلَا حَرْفًا وَاحِدًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْغَافِقِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا تَوَضَّأْتُ وَأَنَا جُنُبٌ أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ وَلَا أُصَلِّي وَلَا أَقْرَأُ حَتَّى أَغْتَسِلَ) وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِقِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ امْرَأَتَهُ رَأَتْهُ يُوَاقِعُ جَارِيَةً لَهُ فَذَهَبَتْ فَأَخَذَتْ سِكِّينًا وَجَاءَتْ تُرِيدُ قَتْلَهُ فَأَنْكَرَ أَنَّهُ وَاقَعَ الْجَارِيَةَ وَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُنُبَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ: قَالَتْ بَلَى فَأَنْشَدَهَا الْأَبْيَاتَ الْمَشْهُورَةَ فَتَوَهَّمَتْهَا قُرْآنًا فَكَفَّتْ عَنْهُ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَضَحِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ: وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ يَعْرِفُهُ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَلَكِنَّ إسْنَادَ هَذِهِ الْقِصَّةِ ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ احْتِجَاجِ دَاوُد (1) بِحَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ غَيْرُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ: وَأَمَّا الْمَذَاهِبُ الْبَاقِيَةُ فَقَدْ سَلَّمُوا تَحْرِيمَ الْقِرَاءَةِ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ ادَّعُوا تَخْصِيصًا لَا مُسْتَنَدَ لَهُ: فَإِنْ قَالُوا جَوَّزْنَا لِلْحَائِضِ خَوْفَ النِّسْيَانِ قُلْنَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بتفكرها بقلبها والله أعلم
*
__________
(1) مذهب داود قوي فانه لم يثبت في المسألة شئ يحتج به لنا كما اوضحه وقد نقل البيهقى في معرفة السنن والاثا عن الشافعي انه قال احب للجنب ان لا يقرأ القرآن لحديث لا يثبته اهل الحديث وهذا المذهب هو اختيار ابن المنذر كما سبق والاصل عدم التحريم اه من هامش الاذرعي(2/159)
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مُكْثِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ وَعُبُورِهِ فِيهِ بِلَا مُكْثٍ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ
فِي الْمَسْجِدِ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أَوْ مُتَرَدِّدًا أَوْ عَلَى أَيِّ حال كان متوضأ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَيَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ أَمْ لَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مِثْلَ هَذَا عَنْ عبد الله ابن مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَمَالِكٍ وَحُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه واسحاق ابن رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ بُدًّا مِنْهُ فَيَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَمُرَّ وَقَالَ أَحْمَدُ يَحْرُمُ الْمُكْثُ وَيُبَاحُ الْعُبُورُ لِحَاجَةٍ وَلَا يُبَاحُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ وَلَوْ تَوَضَّأَ اسْتَبَاحَ الْمُكْثَ: وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي هَذَا وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
* وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الْمُكْثَ مُطْلَقًا بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاحْتَجَّ بِهِ غَيْرُهُ أَنَّ الْمُشْرِكَ يَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ فَالْمُسْلِمُ الْجُنُبُ أَوْلَى: وَأَحْسَنُ مَا يُوَجَّهُ بِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَيْسَ لِمَنْ حَرَّمَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عابرى سبيل) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالْقُرْآنِ مَعْنَاهَا لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ بِمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ إنَّمَا عُبُورُ السَّبِيلِ فِي مَوْضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَعَلَى مَا تَأَوَّلَهَا الشَّافِعِيُّ تَأَوَّلَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَرَوَيْنَا هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ مُجْتَازًا وَهُوَ جُنُبٌ وَعَنْ أَفْلَتَ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبُيُوتُ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ (وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ هُوَ بِقَوِيٍّ قَالَ قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ جَسْرَةَ عَجَائِبُ وَقَدْ خَالَفَهَا غَيْرُهَا فِي سَدِّ الْأَبْوَابِ وَقَالَ الخطابي ضعف جماعة هَذَا الْحَدِيثُ وَقَالُوا أَفْلَتُ مَجْهُولٌ وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ (قُلْت) وخالفهم غيرهم فقال احمد ابن حَنْبَلٍ لَا أَرَى بِأَفْلَتَ(2/160)
بَأْسًا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ كُوفِيٌّ صَالِحٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ جَسْرَةُ تَابِعِيَّةٌ ثِقَةٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ مَا رَوَاهُ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَلَمْ يَجِدْ لِغَيْرِهِ فيه تضعفيا فَهُوَ عِنْدَهُ صَالِحٌ وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعَّفَهُ مَنْ ذَكَرْنَا وَجَسْرَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَأَفْلَتُ بِالْفَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وُجُوهُ الْبُيُوتِ أَبْوَابُهَا وَقَالَ وَمَعْنَى وَجِّهُوهَا عَنْ الْمَسْجِدِ اصْرِفُوا وُجُوهَهَا عَنْ الْمَسْجِدِ: وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ (الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ) بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ نَجَاسَتِهِ جَوَازُ لُبْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ: وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْمُشْرِكِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّرْعَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَامَ دَلِيلُ تَحْرِيمِ مُكْثِ الْجُنُبِ وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا فَرَّقَ الشَّرْعُ لَمْ يَجُزْ التَّسْوِيَةُ وَالثَّانِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهَا بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ أَتْلَفَ عَلَى الْمُسْلِمِ شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الضَّمَانَ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ إذَا أَتْلَفَا
* وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ الْمُكْثَ وَالْعُبُورَ بِحَدِيثِ (لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ) وَبِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيِّ الْمُفَسِّرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يَا عَلِيُّ لَا يحل لاحد يُجْنِبَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرِك) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي مَنَاقِبِ عَلِيٍّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَسْتَطْرِقُهُ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرِك قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعَ الْبُخَارِيُّ مِنِّي هذا الحديث واستغر به قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَجُوزُ الْمُكْثُ فِيهِ فَكَذَا الْعُبُورُ كَالدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَقِيَاسًا عَلَى الْحَائِضِ وَمَنْ فِي رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سبيل) وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الدَّلَالَةِ مِنْهَا قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَجْنَبَ وَعَدِمَ الْمَاءَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَتْ الْجَنَابَةُ بَاقِيَةً لِأَنَّ هَذِهِ حَقِيقَةُ الصَّلَاةِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْمُسَافِرِ بَلْ يَجُوزُ لِلْحَاضِرِ فَلَا تُحْمَلُ الْآيَةُ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ (2) وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَتَفْسِيرُهُمْ عَلَى وَفْقِهِ فكان أولى
* واحتجوا بحديث جابر (كنا
__________
(1) قوله ولم يجد لغيره هكذا ذكره في علوم الحديث وفيه نظر فانه قال وما لم اذكر فيه شيئا فهو صالح أي صحيح أو حسن كما سبق ولم يشترط عدم تضعيف غيره فان ضعفه غيره فهو عند ابى
(2) قوله وقد جاء الحديث فيه نظر فانه لم يذكر حديثا في جواز العبور يحتج به والعمدة فيه الاية الكريمة اه اذرعى(2/161)
نَمْشِي فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا لَا نَرَى بِهِ بَأْسًا (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ أُمِنَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ فَجَازَ عُبُورُهُ كَالْمُحْدِثِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّهُ إنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الْمُكْثِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ: وَأَمَّا الثَّانِي فَضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ وَعَطِيَّةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ جِدًّا شِيعِيَّانِ مُتَّهَمَانِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَضْعِيفِ سَالِمٍ وَغُلُوِّهِ فِي التَّشَيُّعِ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ بَعْضُ مَا ذَكَرنَا لاسيما وَقَدْ اسْتَغْرَبَهُ الْبُخَارِيُّ إمَامُ الْفَنِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ بَلْ مَعْنَاهُ إبَاحَةُ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ وَقَدْ ذكر أبو العباس ابن الْقَاصِّ هَذَا فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: وأما قياسهم على الدر الْمَغْصُوبَةِ فَمُنْتَقَضٌ بِمَوَاضِعِ الْخُمُورِ وَالْمَلَاهِي وَالطُّرُقِ الضَّيِّقَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَنْ عَلَى رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّمَا يُمْنَعُ عُبُورُهُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَارِيَةً أَوْ مُتَعَرِّضَةً لِلْجَرَيَانِ وَهَذَا يُمْنَعُ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ مِنْ تَلْوِيثِهِ وَالْجُنُبُ بِخِلَافِهِ فَنَظِيرُ الْجُنُبِ مَنْ عَلَى رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ فَلَهُ الْعُبُورُ وَبِهَذَا يجاب عن قياسم عَلَى الْحَائِضِ إنْ حَرَّمْنَا عُبُورَهَا وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ جَوَازُ عُبُورِهَا إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* [فَصْلٌ] يَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ وَأَذْكَارِهِمْ وَمَوَاضِعِ الْقِرَاءَةِ وَأَحْوَالِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ لِطَالِبِ الْآخِرَةِ مَعْرِفَتُهَا وَقَدْ جَمَعْت فِي هَذَا كِتَابًا لَطِيفًا وَهُوَ (التِّبْيَانُ فِي آدَابِ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ) وَأَنَا أُشِيرُ هُنَا إلَى جُمَلٍ مِنْ مَقَاصِدِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ مَسَائِلُ: (إحْدَاهَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قِرَاءَةُ شئ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ قَلَّ حَتَّى بَعْضِ آيَةٍ وَلَوْ كَانَ يُكَرِّرُ فِي كِتَابِ فِقْهٍ أَوْ غَيْرِهِ فِيهِ احْتِجَاجٌ بِآيَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْقُرْآنَ لِلِاحْتِجَاجِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْآنَ جاز وكذا ما أشبههه وَيَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ
فِي مَعْنَاهُ أَنْ تَقُولَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون) إذَا لَمْ تَقْصِدْ الْقُرْآنَ: قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَجُوزُ عِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَنْ يَقُولَ (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مقرنين)(2/162)
لَا بِقَصْدِ الْقُرْآنِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَأَشَارَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى مَنْعِهِ وَالْمُخْتَارُ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِي الدُّعَاءِ (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عذاب النار) : قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَالِدُهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إذَا قَالَ الْجُنُبُ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ عصا وَإِنْ قَصَدَ الذِّكْرَ لَمْ يَعْصِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَعْصِ أَيْضًا قَطْعًا لان القصد مرعي في هذه الْأَبْوَابِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَجُوزُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَةُ مَا نسخت تلاوته كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما وما أشبههه: صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ: (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَتُهُ بِالْقَلْبِ دُونَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ مَاءً وَلَا تُرَابًا يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ وَحْدَهَا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَا يَقْرَأْ زِيَادَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ وَفِي الْفَاتِحَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَحَدُهُمَا وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهَا شَرْعًا فَيَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ: (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَقِرَاءَتُهُ كَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: (الْخَامِسَةُ) غَيْرُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ لَوْ كَانَ فَمُهُ نَجِسًا كُرِهَ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا وَالِدِي: أَحَدُهُمَا يَحْرُمُ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ بِيَدِهِ النَّجِسَةِ: (وَالثَّانِي) لَا يَحْرُمُ كَقِرَاءَةِ الْمُحْدِثِ كَذَا أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ غَيْرَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لَا يَحْرُم عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ: (السَّادِسَةُ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يتوضأ لها قال امام الحرمين وغيره ولايقال قِرَاءَةُ الْمُحْدِثِ مَكْرُوهَةٌ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدَثِ) وَالْمُسْتَحَاضَةُ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ
كَالْمُحْدِثِ: (السَّابِعَةُ) لَا يُكْرَه لِلْمُحْدِثِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ (1) فِي الْحَمَّامِ نَقَلَهُ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ومالك ونقل عن أبي وائل
__________
(1) نقل المصنف في التبيان، عدم الكراهة عن الاصحاب مطلقا فقال قال اصحابنا لا تكره يعني القراءة في الحمام وهذا فيه نظر لا يخفى لان قراءة القرآن عبادة وليس الحمام من موضع العبادة ثم رأيت بعد هذا بزمان جماعة من اصحابنا كرهوا ذلك منهم الحليمى والصيمري وغيرهما اه اذرعى(2/163)
شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ وَالشَّعْبِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالْحَسَنِ وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ كَرَاهَتُهُ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَيَكُونُ عَنْهُ خِلَافٌ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِكَرَاهَتِهِ فَلَمْ يُكْرَهْ كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ: (الثَّامِنَةُ) لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الطَّرِيقِ مَارًّا إذَا لَمْ يَلْتَهِ وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهَا قَالَ الشَّعْبِيُّ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْحَشِّ وَبَيْتِ الرَّحَا وَهِيَ تَدُورُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا: (التَّاسِعَةُ) إذَا كَانَ يَقْرَأُ فَعَرَضَتْ لَهُ رِيحٌ أَمْسَكَ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَالَ خُرُوجِهَا: (الْعَاشِرَةُ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ وَمَا سِوَى الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَدَلَائِلُهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَشْهُورَةٌ: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَذِهِ الْأَذْكَارِ فِيهَا وَسَتَأْتِي دَلَائِلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِ الطَّوَافِ: (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَظِّفَ فَمَه قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ بِسِوَاكٍ وَنَحْوِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَجْلِسَ مُتَخَشِّعًا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَلَوْ قَرَأَ قَائِمًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ عَلَى فِرَاشِهِ جَازَ وَدَلَائِلُهُ فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّةِ مَشْهُورَةٌ وَإِذَا أَرَادَ الْقِرَاءَةَ تَعَوَّذَ وجهربه (1) : وَالتَّعَوُّذُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيُحَافِظُ عَلَى قِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ غَيْرَ بَرَاءَةٍ فَإِذَا شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَكُنْ شَأْنُهُ الْخُشُوعَ وَالتَّدَبُّرَ وَالْخُضُوعَ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالْمَقْصُودُ وَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) وقال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ بَاتَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ يُرَدِّدُ أَحَدُهُمْ الْآيَةَ جَمِيعَ لَيْلَتِهِ أَوْ مُعْظَمَهَا وَصَعِقَ جَمَاعَاتٌ مِنْ السَّلَفِ عِنْدِ الْقِرَاءَةِ
وَمَاتَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ بِسَبَبِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ ذَكَرْت فِي التِّبْيَانِ جُمْلَةً مِنْ أَخْبَارِ هَؤُلَاءِ رَضِيَ الله عنهم: ويسن تحسين الصوت بالقرءان لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ: وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي التِّبْيَانِ وَسَأَبْسُطُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكِتَابِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ حَسَّنَهُ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَخْرُجُ بِتَحْسِينِهِ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ إلَى التَّمْطِيطِ الْمُخْرِجِ لَهُ عَنْ حُدُودِهِ وَيُسْتَحَبُّ الْبُكَاءُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ صفة العارفين وشعار عباد الله الصحالحين: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خشوعا) وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابن مسعود
__________
(1) هي يعني في غير الصلاة اه اذرعى(2/164)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ قَالَ (حَسْبُك) قَالَ فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ وَطَرِيقُهُ فِي تَحْصِيلِ الْبُكَاءِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَقْرَؤُهُ مِنْ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ ثُمَّ يُفَكِّرُ فِي تَقْصِيرِهِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ عِنْدَ ذَلِكَ حُزْنٌ وَبُكَاء فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَصَائِبِ: وَيُسَنُّ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ: قَالَ الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) وَثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مُرَتَّلَةً وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ الْإِفْرَاطِ فِي الْإِسْرَاعِ وَيُسَمَّى الْهَذُّ قَالُوا وَقِرَاءَةُ جُزْءٍ بِتَرْتِيلٍ أَفْضَلُ مِنْ قراءة جزءين فِي قَدْرِ ذَلِكَ الزَّمَنِ بِلَا تَرْتِيلٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالتَّرْتِيلُ مُسْتَحَبٌّ لِلتَّدَبُّرِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجْلَالِ وَالتَّوْقِيرِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي الْقَلْبِ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ التَّرْتِيلُ لِلْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ وَيُسْتَحَبُّ إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ الْعَذَابِ أَوْ مِنْ الشَّرِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ تَنْزِيهٍ لله تعالى نزه فقال تبارك الله أوجلت عَظَمَةُ رَبِّنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ: وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ قَارِئٍ سَوَاءٌ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا وَسَوَاءٌ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَنَبْسُطُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالْأَعْجَمِيَّةِ سواء أحسن العربية أم لا سواء كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجَهَا وَتَجُوزُ بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَلَا تَجُوزُ بِالشَّوَاذِّ وَسَنُوَضِّحُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَوْلَى
أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ سَوَاءٌ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجَهَا وَإِذَا قَرَأَ سُورَةً قَرَأَ بَعْدَهَا الَّتِي تَلِيهَا لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ لِحِكْمَةٍ فَلَا يَتْرُكْهَا إلَّا فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالتَّفْرِيقِ كَصَلَاةِ الصبح يوم الجمعة (بآلم) (وهل أتي) وصلاة العيد (بق) (وَاقْتَرَبَتْ) وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فَلَوْ فَرَّقَ أَوْ عَكَسَ جَازَ وَتَرَكَ الْأَفْضَلَ وَأَمَّا قِرَاءَةُ السُّورَةِ مِنْ آخِرِهَا إلَى أَوَّلِهَا فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ وَذَمِّهِ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْإِعْجَازِ وَيُزِيلُ حِكْمَةَ التَّرْتِيبِ وَأَمَّا تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ مِنْ آخِرِ الْخَتْمَةِ إلَى أَوَّلِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ في أيام
*(2/165)
(فَرْعٌ)
الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ عِبَادَةٌ أُخْرَى كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ السَّلَفِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَوِي خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ فِي الْحَالَيْنِ فَأَمَّا مَنْ يَزِيدُ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ وَتَدَبُّرُهُ فِي الْقِرَاءَةِ عن ظهر القلب وهى أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ
* (فَرْعٌ)
لَا كَرَاهَةَ فِي قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ مُجْتَمِعِينَ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَكَذَا الْإِدَارَةُ وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضُهُمْ جُزْءًا أَوْ سُورَةً مَثَلًا وَيَسْكُتَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ يَقْرَأَ السَّاكِتُونَ وَيَسْكُتَ الْقَارِئُونَ وَقَدْ ذَكَرْتُ دَلَائِلَهُ فِي التِّبْيَانِ وَلِلْقَارِئِينَ مُجْتَمِعِينَ آدَابٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي آدَابِ الْقَارِئِ وَحْدَهُ وَمِنْهَا أَشْيَاءُ يُتَسَاهَلُ فِيهَا فِي الْعَادَةِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِاجْتِنَابِ الضَّحِكِ وَاللَّغَطِ وَالْحَدِيثِ فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ إلَّا كَلَامًا يَسِيرًا لِلضَّرُورَةِ وَبِاجْتِنَابِ الْعَبَثِ بِالْيَدِ وَغَيْرِهَا وَالنَّظَرِ إلَى مَا يُلْهِي أَوْ يُبَدِّدُ الذِّهْنَ وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ النَّظَرُ إلَى مَنْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ كَالْأَمْرَدِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا وَيَجِبُ عَلَى الْحَاضِرِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَرَاهُ مِنْ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ وَغَيْرِهَا فَيُنْكِرَ بِيَدِهِ ثُمَّ لِسَانِهِ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ
* (فَرْعٌ)
جَاءَتْ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ تَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحَادِيثُ تَقْتَضِي أَنَّ الْإِسْرَارَ وَالْإِخْفَاءَ أَفْضَلُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَنَّ الْإِخْفَاءَ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ يَخَافُ الرِّيَاءَ وَكَذَا ما يَتَأَذَّى الْمُصَلُّونَ وَغَيْرُهُمْ بِجَهْرِهِ فَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ فِي
حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ الرِّيَاءَ وَلَمْ يَتَأَذَّ أَحَدٌ بِجَهْرِهِ فَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَتَعَدَّى إلَى السَّامِعِينَ وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ إلَى الْفِكْرِ وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إلَيْهِ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَيُزِيدُ فِي النَّشَاطِ وَقَدْ أَوْضَحْت جُمْلَةً مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ مِنْ ذَلِكَ فِي التِّبْيَانِ
* (فَرْعٌ)
يُسَنُّ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ وَسَنَبْسُطُهُ إنْ شَاءَ(2/166)
اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَيُسَنُّ طَلَبُ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَسَنِ الصَّوْتِ وَالْإِصْغَاءُ إلَيْهَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَهُوَ عَادَةُ الْأَخْيَارِ وَالْمُتَعَبِّدِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغَ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ مَاتَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّالِحِينَ بِقِرَاءَةِ مَنْ سَأَلُوهُ الْقِرَاءَةَ وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ افْتِتَاحَ مَجْلِسِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ حَسَنِ الصَّوْتِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ وَيَقِفَ عَلَى آخِرِهَا أَوْ آخِرِ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَلَا يَتَقَيَّدَ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَعْشَارِ فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي وَسَطِ كَلَامٍ مُرْتَبِطٍ كَالْجُزْءِ فِي قَوْله تَعَالَى (وَالْمُحْصَنَاتُ) (وما أبرئ نفسي) (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ معي صبرا) (ومن يقنت منكن) (وما أنزلنا علي قومه) (إليه يرد علم الساعة) (قال فما خطبكم) فكل هذا وشبهه لا يبتدأ به لا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لَهُ وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ قِرَاءَةُ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ بِكَمَالِهَا أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى الِارْتِبَاطُ
* (فَرْعٌ)
تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي أَحْوَالٍ مِنْهَا حَالُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ سِوَى الْقِيَامِ وَتُكْرَهُ فِي حَالِ الْقُعُودِ عَلَى الْخَلَاءِ وَفِي حَالِ النُّعَاسِ وَحَالِ الْخُطْبَةِ لِمَنْ يَسْمَعُهَا وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ قِرَاءَةُ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَلَا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ
وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ وَالطَّرِيقِ وَقِرَاءَةُ مَنْ فَمُهُ نَجِسٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَرَّ الْقَارِئُ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَعَادَ إلَى الْقِرَاءَةِ فَإِنْ أَعَادَ التَّعَوُّذَ كَانَ حَسَنًا وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّ عَلَى الْقَارِئِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ (1) وَيَلْزَمُ الْقَارِئَ رَدُّ السَّلَامِ بِاللَّفْظِ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يُسَلِّمُ الْمَارُّ فَإِنْ سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ الْقَارِئُ بِالْإِشَارَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَوْ عَطَسَ الْقَارِئُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى وَلَوْ عَطَسَ غَيْرُهُ شَمَّتَهُ الْقَارِئُ وَلَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَوْ الْمُقِيمَ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ وَتَابَعَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَلَوْ طُلِبَتْ مِنْهُ حَاجَةٌ وَأَمْكَنَهُ الْجَوَابُ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى الطالب اجابه اشارة
*
__________
(1) أما السلام عليه ففيه نظر واما وجوب الرد باللفظ فقريب لانه يقطع القراءة لاجابة الموذن فهنا اولى اه اذرعى(2/167)
(فَرْعٌ)
إذَا قَرَأَ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَإِذَا قَرَأَ (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى) قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَإِذَا قَرَأَ (وقل الحمد الله الذى لم يتخذ ولدا) قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ فِي التِّبْيَانِ وَسَأَذْكُرُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مَبْسُوطًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
جَاءَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مغلولة) (وقالت اليهود عزير ابن الله) وَنَحْوَهُمَا خَفَضَ صَوْتَهُ قَلِيلًا وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا قَرَأَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) الْآيَةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
* (فَرْعٌ)
فِي الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَارَةِ لِلْقِرَاءَةِ أَفْضَلُهَا مَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ تَطْوِيلَ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ السُّجُودِ وَغَيْرِهِ وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ: وَأَفْضَلُ الْأَوْقَاتِ اللَّيْلُ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ أَفْضَلُ وَالْقِرَاءَةُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَحْبُوبَةٌ وَأَفْضَلُ النَّهَارِ بعد الصبح ولا كراهة في شئ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ القراءة بعد العصر وليس بشئ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَيَخْتَارُ مِنْ الْأَيَّامِ يَوْمَ عَرَفَةَ ثُمَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَمِنْ الْأَعْشَارِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ
شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَمِنْ الشُّهُورِ رَمَضَانَ
* (فَرْعٌ)
فِي آدَابِ خَتْمِ الْقُرْآنِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَإِنْ قَرَأَ وَحْدَهُ فَالْخَتْمُ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ وَاسْتَحَبَّ السَّلَفُ صِيَامَ يَوْمِ الْخَتْمِ وَحُضُورَ مَجْلِسِهِ وَقَالُوا يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ عِنْدَ الْخَتْمِ وَتَنْزِلُ الرَّحْمَةُ وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا أَرَادَ الْخَتْمَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَخَتَمَ وَدَعَا وَاسْتَحَبُّوا الدُّعَاءَ بَعْدَ الْخَتْمِ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا وَجَاءَ فِيهِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ وَيَدْعُو بِالْمُهِمَّاتِ وَيُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ فِي صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَاحِ وُلَاةِ أُمُورِهِمْ وَيَخْتَارُ الدَّعَوَاتِ الْجَامِعَةَ وَقَدْ جَمَعْت فِي التِّبْيَانِ مِنْهَا جُمْلَةً وَاسْتَحَبُّوا إذَا خَتَمَ أَنْ يَشْرَعَ فِي خَتْمَةٍ أُخْرَى
* (فَرْعٌ)
فِي آدَابِ حَامِلِ الْقُرْآنِ لِيَكُنْ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَأَكْرَمِ الشَّمَائِلِ وَيَرْفَعُ نَفْسَهُ عَنْ(2/168)
كُلِّ مَا نَهَى الْقُرْآنُ عَنْهُ وَيَتَصَوَّنُ عَنْ دنئ الِاكْتِسَابِ وَلْيَكُنْ شَرِيفَ النَّفْسِ عَفِيفًا مُتَوَاضِعًا لِلصَّالِحِينَ وَضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ مُتَخَشِّعًا ذَا سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ينبغى لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مفطرون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا النَّاسُ يَخْتَالُونَ: وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَأَوْا الْقُرْآنَ رَسَائِلَ مِنْ رَبِّهِمْ فَكَانُوا يَتَدَبَّرُونَهَا بِاللَّيْلِ وَيُنَفِّذُونَهَا بِالنَّهَارِ وَقَالَ الْفُضَيْلُ رَحِمَهُ اللَّهُ حَامِلُ الْقُرْآنِ حَامِلُ رَايَةِ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْهُوَ مَعَ مَنْ يَلْهُو وَلَا يَسْهُوَ مَعَ مَنْ يَسْهُو وَلَا يَلْغُوَ مَعَ مَنْ يَلْغُو تَعْظِيمًا لِحَقِّ الْقُرْآنِ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَتَّخِذَ الْقُرْآنَ مَعِيشَةً يَكْتَسِبُ بِهَا: وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِئْجَارِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَنَا وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَلْيُحَافِظْ عَلَى تِلَاوَتِهِ وَيُكْثِرْ مِنْهَا بِحَسَبِ حَالِهِ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ فِي بَيَانِ هَذَا وَعَادَاتِ السَّلَفِ فِيهِ فِي التِّبْيَانِ وَيَكُونُ اعْتِنَاؤُهُ بِتِلَاوَتِهِ فِي اللَّيْلِ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْقَلْبِ وَأَبْعَدُ مِنْ الشَّاغِلَاتِ وَالْمُلْهِيَاتِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْحَاجَاتِ وَأَصُونُ فِي تَطَرُّقِ الرِّيَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحْبِطَاتِ مَعَ مَا جَاءَ فِي الشَّرْعِ مِنْ بَيَانِ مَا فِيهِ الْخَيْرَاتُ كَالْإِسْرَاءِ وَحَدِيثِ النُّزُولِ وَحَدِيثِ فِي اللَّيْلِ سَاعَةٌ يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ وَالْأَحَادِيثَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا
الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ نِسْيَانِهِ أَوْ نِسْيَانِ شئ مِنْهُ أَوْ تَعْرِيضِهِ لِلنِّسْيَانِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا) وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا) وَفِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ(2/169)
(فَرْعٌ)
فِي آدَابِ النَّاسِ كُلِّهِمْ مَعَ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فانها من تقوى القلوب) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ أَوْضَحْت شَرْحَهُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَبَيَّنْت الدَّلَائِلَ فِي أَنَّ مَدَارَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي شَرْحِهِ: وَمُخْتَصَرُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ هُنَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا نَصِيحَةُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وتنزيله لا يشبهه شئ مِنْ كَلَامِ الْخَلْقِ وَلَا يَقْدِرُ الْخَلْقُ عَلَى مِثْلِ سُورَةٍ مِنْهُ وَتِلَاوَتُهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ وَتَحْسِينُهَا وَتَدَبُّرُهَا وَالْخُشُوعُ عِنْدَهَا وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ وَالذَّبُّ عَنْهُ لِتَأْوِيلِ الْمُحَرِّفِينَ وَتَعَرُّضِ الْمُلْحِدِينَ وَالتَّصْدِيقُ بِمَا فِيهِ وَالْوُقُوفُ مَعَ أَحْكَامِهِ وَتَفَهُّمُ عُلُومِهِ وَأَمْثَالِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِمَوَاعِظِهِ وَالتَّفَكُّرُ فِي عَجَائِبِهِ وَالْبَحْثُ عَنْ عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَمُجْمَلِهِ وَمُبَيَّنِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِهِ وَنَشْرُ عُلُومِهِ وَالدُّعَاءُ إلَيْهِ وَإِلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَصِيحَتِهِ: وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ عَلَى الاطلاق وتنزيهه وصيانته: واجمعو عَلَى أَنَّ مَنْ جَحَدَ مِنْهُ حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ زَادَ حَرْفًا لَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ: وَأَجْمَعُوا على ان من استخف بالقرآن أو بشئ مِنْهُ أَوْ بِالْمُصْحَفِ أَوْ أَلْقَاهُ فِي قَاذُورَةٍ أو كذب بشئ مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ حُكْمٍ أَوْ خَبَرٍ أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ أَوْ أَثْبَتَ مَا نفاه أو شك في شئ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ كَفَرَ: وَيَحْرُمُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالْكَلَامُ فِي مَعَانِيهِ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ: وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْعُلَمَاءِ فَحَسَنٌ بِالْإِجْمَاعِ: وَيَحْرُم الْمِرَاءُ فِيهِ
وَالْجِدَالُ بِغَيْرِ حَقٍّ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا بَلْ يَقُولُ أُنْسِيتُهَا أَوْ أُسْقِطْتُهَا: ويجوز أن يقول سورة البقرة وسورة انساء وسورة العنكبوت وغيرها ولا كراهة في شئ مِنْ هَذَا وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ وَكَرِهَ بَعْضُ السَّلَفِ هَذَا وَقَالَ إنَّمَا يُقَالُ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ(2/170)
وَنَحْوُهَا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فَقَدْ تَظَاهَرَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَأَقَاوِيلُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَابْنِ كَثِيرٍ وَغَيْرِهِمَا وَكَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا كَرَاهَةَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ وَكَرِهَهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ التَّابِعِيُّ وَقَالَ إنَّمَا يُقَالُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (والله يقول الحق) وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْهَا جُمْلَةً فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَلَا يُكْرَهُ النَّفْثُ مَعَ الْقِرَاءَةِ لِلرُّقْيَةِ وَهُوَ نَفْخٌ لَطِيفٌ بِلَا رِيقٍ وَكَرِهَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ الصَّحَابِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي التِّبْيَانِ: وَلَوْ كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ غَسَلَهُ وَسَقَاهُ الْمَرِيضَ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو قِلَابَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَسَائِلِ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ الْقُرْآنَ عَلَى حَلْوَى أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ (فَرْعٌ)
فِي الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي أَوْقَاتٍ وَأَحْوَالٍ مَخْصُوصَةٍ: هَذَا الْبَابُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ لِكَثْرَةِ مَا جَاءَ فِيهِ وَمُعْظَمُهُ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي مَوَاطِنِهِ كالسور المستحبة في الصلوات الخاصة كالجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وقاف واقتربت في العيد وسبح وهل أَتَاك فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ فَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ فِي صحيح مسلم وغيره وآلم تنزيل وهل أَتَى فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوَاضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ويحافظ على يس والواقعة وتبارك الملك وقل هو الله أحد والمعوذتين وآية الكرسي كل وقت والكهف يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ كُلَّ لَيْلَةٍ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ وَيَقْرَأُ كُلَّ لَيْلَةٍ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ (آمَنَ الرَّسُولُ) إلَى آخِرِهَا
والْمُعَوِّذتَيْن عَقِيبَ كُلِّ صَلَاةٍ وَيَقْرَأُ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ وَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ آخر آل عمران (ان في خلق السموات والارض) إلَى آخِرِهَا وَيَقْرَأُ عِنْدَ الْمَرِيضِ الْفَاتِحَةَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والْمُعَوِّذتَيْن مَعَ النَّفْخِ فِي الْيَدَيْنِ وَيَمْسَحُهُ بِهِمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلّ مَا ذَكَرْتُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِيهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ مَشْهُورَةٌ وَيَقْرَأُ عِنْدَ الْمَيِّتِ يس لِحَدِيثٍ فِيهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ آدَابَ الْقِرَاءَةِ وَالْقَارِئِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا لَا تَنْحَصِرُ فَنَقْتَصِرُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْرُفِ منها؟ ؟ ؟ نَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الشَّرْحِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وبالله التوفيق(2/171)
(فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى حَائِطٍ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَجَابَ وَقِيلَ كَانَ التَّيَمُّمُ فِي الْإِقَامَةِ وَمَوْضِعِ الْمَاءِ وَلَكِنْ أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْظِيمًا لِلسَّلَامِ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ التَّيَمُّمُ إبَاحَةَ مَحْظُورٍ قَالَ فَلَوْ تَيَمَّمَ الْمُحْدِثُ وَقَرَأَ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ كَانَ جَائِزًا عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مِثْلَهُ وَلَا نعرف أحد وَافَقَهُمَا وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أبى الجهيم ابن الحرث الا انه ليس فيه انه تيمم فِي الْمَدِينَةِ بَلْ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَتَيَمَّمَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَعَادِمًا لِلْمَاءِ وَسَنُعِيدُ الْحَدِيثَ وَالْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
* (فَصْلٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَأَحْكَامِهَا)
* [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَمَا يُنْدَبُ فِيهَا وَمَا تُنَزَّهُ مِنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ] وَفِيهِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَحْرُمُ الْعُبُورُ مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ وَلَا كَرَاهَةَ فِي الْعُبُورِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَمْ لِغَيْرِهَا لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَعْبُرَ إلَّا لِحَاجَةٍ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا وَإِشَارَةً وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ عَبَرَ لِغَيْرِ غَرَضٍ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ فَلَا: وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُبُورُ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا غَيْرَهُ وَقَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُبُورُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَهَذَانِ شَاذَانَ وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ
لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِهَا وَلِمَنْ وَجَدَ طَرِيقًا وَلِغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) : لَوْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْخُرُوجِ لِإِغْلَاقِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَإِنْ عَجَزَ أَوْ خَافَ جَازَ أَنْ يُقِيمَ لِلضَّرُورَةِ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَإِنْ وَجَدَ تُرَابًا غَيْرَ تُرَابِ الْمَسْجِدِ تَيَمَّمَ وَلَا يَتَيَمَّمْ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا تُرَابًا مَمْلُوكًا فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ وَلَوْ أَجْنَبَ وَهُوَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ وَيَغْتَسِلَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ(2/172)
يَلْبَثُ لَحْظَةً مَعَ الْجَنَابَةِ: قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ إنَاءٌ تَيَمَّمَ ثُمَّ دَخَلَ وَأَخْرَجَ فِيهِ الْمَاءَ لِلْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنَاءٌ صلى بالتيمم ثم يعيد وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ (1) وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْغُسْلُ فِيهِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَجِدْ إنَاءً وَلَا يَكْفِي التَّيَمُّمُ حِينَئِذٍ لِأَنَّا جَوَّزْنَا الْمُرُورَ فِي الْمَسْجِدِ الطَّوِيلِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مُكْثُ لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ لِضَرُورَةٍ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهَا: وَإِذَا دَخَلَ لِلِاسْتِقَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ إلَّا قَدْرَ حَاجَةِ الِاسْتِقَاءِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ احْتَلَمَ فِي مَسْجِدٍ لَهُ بَابَانِ أحدهما أقرب فالاول أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْأَقْرَبِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْأَبْعَدِ لِغَرَضٍ بِأَنْ كَانَتْ دَارُهُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا فَفِي الْكَرَاهَةِ وَجْهَانِ (2) حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي بِنَاءً عَلَى الْمُسَافِرِ إذا كان له طريقان يقصر في أحدهما دون الآخر فسلك الا بعد لِغَيْرِ غَرَضٍ هَلْ يَقْصُرُ فِيهِ قَوْلَانِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَوَاءٌ قَعَدَ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَانْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ أَوْ سَمَاعِ قُرْآنٍ أَوْ عِلْمٍ آخَرَ أَوْ وَعْظٍ أَمْ لِغَيْرِ غَرَضٍ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ كُرِهَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ أَوْ مَنَعُوا مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ حَتَّى يَثْبُتَ نَهْيٌ (الرَّابِعَةُ) يَجُوزُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ رَخَّصَ فِي النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تَتَّخِذُوهُ مَرْقَدًا: وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ كُنْت تَنَامُ لِلصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُكْرَهُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ لِلْحَاضِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ شِبْهَهُ
فَلَا بَأْسَ وَإِنْ اتَّخَذَهُ مَقِيلًا وَمَبِيتًا فَلَا: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ: رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مسعود وابن عباس ومجاهد وسعيد ابن جبير ما يدل على كراهتهم النَّوْمَ فِي الْمَسْجِدِ: قَالَ فَكَأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا لِمَنْ وَجَدَ مَسْكَنًا أَنْ لَا يَقْصِدَ النَّوْمَ فِي الْمَسْجِدِ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ أَصْحَابُنَا لِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنْتُ أَنَامُ فِي المسجد وأنا شاب أعزب وَثَبَتَ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا يَنَامُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّ الْعُرَنِيِّينَ كَانُوا يَنَامُونَ فِي الْمَسْجِدِ وثبت في الصحيين أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَامَ فِيهِ وَأَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ نَامَ فِيهِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ صَاحِبَةَ الْوِشَاحِ كَانَتْ تَنَامُ فِيهِ وَجَمَاعَاتٌ آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ كَانَ يَبِيتُ فِيهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ وَكُلُّ هَذَا في زمن
__________
(1) هذا فيه نظر والمختار ما قاله البغوي رحمه الله فان الامتناع الشرعي كالحسى فيتيمم ويقضي اه اذرعي (2) قال في الروضة اصحهما لا يكره ومقتضي هذا البناء ترجيح الكراهة لان الاصح عدم القصر والمختار الاول والفرق ظاهر اه اذرعى(2/173)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا بَاتَ الْمُشْرِكُ فِي الْمَسْجِدِ فَكَذَا الْمُسْلِمُ وَاحْتَجَّ بِنَوْمِ ابْنِ عُمَرَ وَأَصْحَابِ الصُّفَّةِ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَيْنَ كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ يَنَامُونَ يَعْنِي لَا كَرَاهَةَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنَامُونَ فِيهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الْمُشْرِكُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ: قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُمَكَّنُ كَافِرٌ مِنْ دُخُولِ حَرَمِ مَكَّةَ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ كُلَّ مَسْجِدٍ وَيَبِيتَ فيه بِإِذْنِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْنَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ جُنُبًا فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ اللَّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ: فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا يُمَكَّنُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْخَامِسَةُ) يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يُؤْذِ بِمَائِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ الْوُضُوءِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُسْقَطُ الْمَاءُ عَلَى تُرَابِهِ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ فَقَالَا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي إنَاءٍ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُمَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَيَجُوزُ نَضْحُ الْمَسْجِدِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَجُوزُ بِالْمُسْتَعْمَلِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ بِالْمُسْتَعْمَلِ أَيْضًا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَبَاحَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَبِلَّهُ وَيَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ
هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ التَّرْخِيصَ فِي الْوُضُوءِ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكٍ وَسَحْنُونٍ كَرَاهَتَهُ تَنْزِيهًا لِلْمَسْجِدِ: (السَّادِسَةُ) لَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الْمَسْجِدِ وَوَضْعِ الْمَائِدَةِ فِيهِ وَغَسْلِ الْيَدِ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ: (السَّابِعَةُ) يُكْرَهُ لِمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ وَبَقِيَتْ رَائِحَتُهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فِي ذَلِكَ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) يَعْنِي الثُّومَ (فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (مَسَاجِدِنَا) وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبْنَا وَلَا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا) رَوَاهُ البخاري ومسلم وعن جابر قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ(2/174)
خَطَبَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ ثُمَّ إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا الا خبيثتين الْبَصَلَ وَالثُّومَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إلَى الْبَقِيعِ فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فَرْعٌ)
لَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ مِنْ الدُّبُرِ فِي الْمَسْجِدِ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ (1) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يتأذى منه بنوا آدَمَ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّامِنَةُ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ: (التَّاسِعَةُ) يَحْرُمُ الْبَوْلُ وَالْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ إنَاءٍ وَيُكْرَهُ الْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ فِيهِ فِي إنَاءٍ وَلَا يَحْرُمُ وَفِي تَحْرِيمِ الْبَوْلِ فِي اناء في الْمَسْجِدِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا
يَحْرُمُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ: قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَيَحْرُمُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَسْجِدِ: فَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بِهِ جُرْحٌ فَإِنْ خَافَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ حَرُمَ عَلَيْهِ دُخُولُهُ وَإِنْ أَمِنَ لَمْ يَحْرُمْ: قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ كَالْمُحْدِثِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَدِيثُ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لشئ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه مُسْلِمٌ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ يُكْرَهُ غَرْسُ الشَّجَرِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ حَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ قَالُوا لِأَنَّهُ بِنَاءٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَلِلْإِمَامِ قَلْعُ مَا غُرِسَ فِيهِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) تُكْرَهُ الْخُصُومَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ ونشد الضالة وكذا البيع والشراء والاجارة ونحوها مِنْ الْعُقُودِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَسَأَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لاردها
__________
(1) ينبغى ان يكره ذلك إذا تعاطاه لاسيما إذا كان عن غير حاجة بل ينبغى ان يحرم والحديث نص في النهى والله اعلم اه اذرعى(2/175)
اللَّهُ عَلَيْك فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ (إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ ينشد ضالة فقولوا لارد الله عليك) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فقال من دعى إلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وَجَدْتَ إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ ينشد فِيهِ ضَالَّةٌ وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ (كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْت فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا فَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا فَقَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ فَقَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا في مسجد رسول الله صلى
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِيَ السَّائِلَ فِي الْمَسْجِدِ شيئا لحديث عبد الرحمن ابن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزٍ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخَذْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ إدْخَالُ الْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ الْمَسْجِدَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهُمْ إيَّاهُ ولا يحرم لك لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَطَافَ عَلَى بَعِيرِهِ وَلَا يَنْفِي هَذَا الْكَرَاهَةَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُ هَذَا فِي الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً: (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) يُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَسْجِدُ مَقْعَدًا لِحِرْفَةٍ كَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ في المسألة التاسعة: فأما ما يَنْسَخُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْعِلْمِ أَوْ اتَّفَقَ قعوده فيه فخاط ثويا وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَقْعَدًا لِلْخِيَاطَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ: (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يَجُوزُ الِاسْتِلْقَاءُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَفَا وَوَضْعُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَتَشْبِيكُ الاصابع(2/176)
وَنَحْوُ ذَلِكَ ثَبَتَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ: (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ عَقْدُ حِلَقِ الْعِلْمِ فِي الْمَسَاجِدِ وَذِكْرُ الْمَوَاعِظِ وَالرَّقَائِقِ وَنَحْوِهَا وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِالْحَدِيثِ الْمُبَاحِ فِي الْمَسْجِدِ وَبِأُمُورِ الدُّنْيَا وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ ضَحِكٌ وَنَحْوُهُ مَا دَامَ مُبَاحًا لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ قَالَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) لَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ مَدْحًا لِلنُّبُوَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ كَانَ حِكْمَةً أَوْ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَوْ الزُّهْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ من أنواع الخير: فأما ما فيه شئ مَذْمُومٌ كَهَجْوِ مُسْلِمٍ أَوْ صِفَةِ الْخَمْرِ
أَوْ ذِكْرِ النِّسَاءِ أَوْ الْمُرْدِ أَوْ مَدْحِ ظَالِمٍ أَوْ افْتِخَارٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَحَرَامٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ: فَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِلنَّوْعِ الْأَوَّلِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فَلَحَظَ إلَيْهِ فقال أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ بِاَللَّهِ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) قَالَ نَعَمْ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِلنَّوْعِ الثَّانِي حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسَنُّ كَنْسُ الْمَسْجِدِ وَتَنْظِيفُهُ وَإِزَالَةُ مَا يُرَى فِيهِ مِنْ نُخَامَةٍ أَوْ بُصَاقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ مَا يُفْعَلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبُلْدَانِ مِنْ إيقَادِ الْقَنَادِيلِ الْكَثِيرَةِ الْعَظِيمَةِ السَّرَفِ فِي لَيَالٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ السَّنَةِ كَلَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَفَاسِدُ كثيرة منها مضاهات الْمَجُوسِ فِي الِاعْتِنَاءِ بِالنَّارِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا وَمِنْهَا إضَاعَةُ الْمَالِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ وَمِنْهَا مَا يترب عَلَى ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ مِنْ اجتماع(2/177)
الصِّبْيَانِ وَأَهْلِ الْبَطَالَةِ وَلَعِبِهِمْ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ وَامْتِهَانِهِمْ الْمَسَاجِدَ وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا وَحُصُولِ أَوْسَاخٍ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَجِبُ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ مِنْ أَفْرَادِهَا (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) : السُّنَّةُ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَمَعَهُ سِلَاحٌ أَنْ يُمْسِكَ عَلَى حَدِّهِ كَنَصْلِ السَّهْمِ وَسِنَانِ الرُّمْحِ وَنَحْوِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِسِهَامٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من مر في شئ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ أو ليقبض على نصالها بكفه أو يصيب أحدا من المسلمين منها بشئ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: (الْعِشْرُونَ) السُّنَّةُ لِلْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ)
يَنْبَغِي لِلْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ اشْتِغَالٍ بِعِلْمِ أَوْ لِشُغْلٍ آخَرَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَاعَةٍ وَمُبَاحٍ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَإِنْ قَلَّ زَمَانُهُ: (الثانية والشعرون) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا بَأْسَ بِإِغْلَاقِ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِصِيَانَتِهِ أَوْ لِحِفْظِ آلَاتِهِ هَكَذَا قَالُوهُ وَهَذَا إذَا خِيفَ امْتِهَانُهَا وَضَيَاعُ مَا فِيهَا وَلَمْ يَدْعُ إلَى فَتْحِهَا حَاجَةٌ: فَأَمَّا إذَا لَمْ يُخَفْ مِنْ فَتْحِهَا مَفْسَدَةٌ وَلَا انْتِهَاكُ حُرْمَتِهَا وَكَانَ فِي فَتْحِهَا رِفْقٌ بِالنَّاسِ فَالسُّنَّةُ فَتْحُهَا كَمَا لَمْ يُغْلَقْ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمَنِهِ وَلَا بَعْدَهُ: (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ (يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَتَّخِذَ الْمَسْجِدَ مَجْلِسًا لِلْقَضَاءِ فَإِنْ جَلَسَ فِيهِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَاتَّفَقَتْ حُكُومَةٌ فَلَا بَأْسَ بِالْقَضَاءِ فِيهَا فِيهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) يكره ان يتخذ على القبر مسجدا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ (1) وَأَمَّا حَفْرُ الْقَبْرِ فِي الْمَسْجِدِ فَحَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا الْكَثِيرَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ: (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) حَائِطُ الْمَسْجِدِ مِنْ دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ لَهُ حكم المسجد
__________
(1) لو قيل بتحريم ايجاد المسجد علي القبر لم يكن بعيدا وقوله أن حفر القبر حرام مع ما تقدم من ان غرس الشجرة وحفر البئر مكروهان لاحتاج إلى فرق بين حفر القبر فقط دون الدفن وبين حفر البئر وغرس الشجرة اه اذرعى(2/178)
فِي وُجُوبِ صِيَانَتِهِ وَتَعْظِيمِ حُرُمَاتِهِ وَكَذَا سَطْحُهُ وَالْبِئْرُ الَّتِي فِيهِ وَكَذَا رَحْبَتُهُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي رَحْبَتِهِ وَسَطْحِهِ وَصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ فِيهِمَا مُقْتَدِيًا بِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ: (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) السُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ نَعْلَيْهِ وَيَمْسَحَ مَا فِيهِمَا مِنْ أَذًى قَبْلَ دُخُولِهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: (الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ حَتَّى يُصَلِّيَ إلَّا لِعُذْرٍ لِحَدِيثِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ (كُنَّا قُعُودًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي
الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: (التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِاسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سيدنا محمد وعلى آل مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ وَافْتَحْ لِي أبواب فضلك: وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ: فَأَمَّا تَقْدِيمُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي فَضْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ: وَأَمَّا هَذِهِ الْأَذْكَارُ فَقَدْ جَاءَتْ بِهَا أَحَادِيثُ مُتَفَرِّقَةٌ جَمَعْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ بَعْضُهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمُعْظَمُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ وَقَدْ أَوْضَحْتهَا فِي الْأَذْكَارِ فَإِنْ طَالَ عَلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك) (الثَّلَاثُونَ) لَا يَجُوزُ أخذ شئ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ كَحَجَرٍ وَحَصَاةٍ وَتُرَابٍ وَغَيْرِهِ وقد سبق في هذه المسائل تَحْرِيمُ التَّيَمُّمِ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ وَمِثْلُهُ الزَّيْتُ وَالشَّمْعُ الَّذِي يُسْرَجُ فِيهِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: أَرَاهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الْحَصَاةَ لَتُنَاشِدُ الَّذِي يُخْرِجُهَا مِنْ الْمَسْجِدِ) (الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسَنُّ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَعِمَارَتُهَا وَتَعَهُّدُهَا وَإِصْلَاحُ مَا تَشَعَّثَ مِنْهَا لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ(2/179)
عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ بَنَى لِلَّهِ تَعَالَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعٍ كَانَ كَنِيسَةً وَبَيْعَةً أَوْ مَقْبَرَةً دَرَسَتْ إذَا أُصْلِحَ تُرَابُهَا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فيه قبور مشركين فَنُبِشَتْ وَجَاءَ فِي الْكَنِيسَةِ وَالْبَيْعَةِ أَحَادِيثُ مِنْهَا حَدِيثُ عُثْمَانَ بْن أَبِي الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ أَهْلِ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَتْ طَوَاغِيتُهُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
* (فَرْعٌ)
يُكْرَهُ زَخْرَفَةُ الْمَسْجِدِ وَنَقْشُهُ وَتَزْيِينُهُ لِلْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ (1) وَلِئَلَّا تَشْغَلَ قَلْبَ الْمُصَلِّي وَفِي
سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ابْنُوا الْمَسَاجِدَ وَاِتَّخِذُوهَا جَمًّا) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ (نَهَانَا أَوْ نُهِينَا أَنْ نصلى فِي مَسْجِدٍ مُشْرِفٍ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْجَمُّ الَّتِي لَا شُرَفَ لَهَا: (الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) فِي فَضْلِ الْمَسَاجِدِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مساجدها وأبغض البلاد الي الله تعالى أَسْوَاقُهَا) وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهَا كَثِيرَةٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَالَ مَسْجِدُ فُلَانٍ وَمَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ: (الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ) الْمُصَلَّى الْمُتَّخَذُ لِلْعِيدِ وَغَيْرِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَسْجِدٍ لَا يَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنْعِ الْكَافِرِ مِنْ دُخُولِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ: ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَحْضُرْنَ يَوْمَ الْعِيدِ وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُنَّ أُمِرْنَ بِاعْتِزَالِهِ لِيَتَّسِعَ عَلَى غيرهن وليتميزن والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (باب صفة الغسل)
* [إذا أراد الرجل أن يغتسل من الجنابة فانه يسمي الله تعالى وَيَنْوِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ الْغُسْلَ لِاسْتِبَاحَةِ أمر لا يستباح الا بالغسل كقراءة القرآن والجلوس في المسجد ويغسل كفيه ثلاثا قبل أن يدخلهما في الاناء ثم يغسل ما علي فرجه من الاذى ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه العشر في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته ثم يحثى علي رأسه ثلاث حثيات
__________
(1) ينبغي ان يحرم لما فيه من اضاعة المال لاسيما ان كان من مال المسجد اه اذرعى(2/180)
ثم يفيض الماء على سائر جسده ويمر يديه على ما قدر عليه من بدنه ثم يتحول من مكانه ثم يغسل قدميه لان عائشة وميمونة رضى الله عنهما وصفتا غُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ذلك والواجب من ذلك ثلاثة أشياء النية وازالة النجاسة ان كانت وافاضة الماء علي البشرة الظاهرة وما عليها من الشعر حتي يصل الماء إلى ما تحته وما زاد علي ذلك سنة لما روى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تذاكرنا الغسل من الجنابة عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (أما أنا فيكفيني
أن اصب علي رأسي ثلاثا ثم أفيض بعد ذلك علي سائر جسدي) [الشَّرْحُ] حَدِيثَا عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ صَحِيحَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مُفَرَّقَيْنِ وَفِيهِمَا مُخَالَفَةٌ يَسِيرَةٌ في بعض الالفاظ وحديث جبير بن مطعم صحيح رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ فِيهِمَا (أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) فَعَلَى هَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَجْهُ الدَّلَالَةِ ظَاهِرٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ الِاقْتِصَارُ عَلَى إفَاضَةِ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ يَحْثِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ صَحِيحٌ يقال حثيت وأحثى حَثْيًا وَحَثَيَاتِ وَحَثَوْت أَحْثُو حَثْوًا وَحَثَوَاتٍ لُغَتَانِ فصيحتان وَسَائِرُ جَسَدِهِ أَيْ بَاقِيه وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى كَسْرِ الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ لِأَنِّي رَأَيْت بَعْضَ مَنْ جَمَعَ فِي أَلْفَاظِ الْفِقْهِ قَالَ يُقَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وهذا غلط لاشك فِيهِ وَلَا خِلَافَ
* وَكُنْيَةُ جُبَيْرٍ أَبُو مُحَمَّدٍ أَسْلَمَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ وَحُلَمَائِهِمْ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَصِفَةُ التَّسْمِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ بِسْمِ اللَّهِ فَإِذَا زَادَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جَازَ وَلَا يَقْصِدُ بِهَا الْقُرْآنَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ لِلْجُنُبِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ ذِكْرٌ وَلَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَلَمْ(2/181)
يَذْكُرُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ التَّسْمِيَةَ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا بِقَوْلِهِمْ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ وُضُوءَ الصَّلَاةِ يُسَمَّى فِي أَوَّلِهِ: وَيَنْوِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ الغسل لاستباحة مالا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِالْغُسْلِ كَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدُ فَإِنْ نَوَى لِمَا يُبَاحُ بِلَا غُسْلٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْدَبُ لَهُ الْغُسْلُ كَلُبْسِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ كَالْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَنَحْوِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي نَظِيرِهِ فِي الْوُضُوءِ أَصَحُّهُمَا لَا يُجْزِئُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ بَيَانُ صِفَةِ النِّيَّةِ وَمَحَلِّهَا وَهُوَ الْقَلْبُ
وَوَقْتِهَا وَهُوَ أَنَّ وَاجِبَهُ عِنْدَ أَوَّلِ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ: وَيُسْتَحَبُّ اسْتِدَامَتُهَا إلَى الْفَرَاغِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالنِّيَّةِ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إلَّا عِنْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُثَابُ عَلَى مَا قَبْلِهَا مِنْ التَّسْمِيَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ: وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ثَوَابِهِ وَجْهَانِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي الْوُضُوءِ: وَلَوْ نَوَتْ الْمُغْتَسِلَةُ مِنْ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ اسْتِبَاحَةَ وطئ الزَّوْجِ فَفِي صِحَّةِ غُسْلِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: وَأَمَّا صِفَةُ الْغُسْلِ فَهِيَ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَدَلِيلُهَا الْحَدِيثُ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ نَقَلُوا لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ فِي هَذَا الْوُضُوءِ:
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ يُكْمِلُهُ كُلَّهُ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ: (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يُؤَخِّرُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْتُهُ أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ صَرِيحًا وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ إنَّمَا هُمَا فِي الْأَفْضَلِ وَإِلَّا فَكَيْفَ فَعَلَ حَصَلَ الْوُضُوءُ وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرَانِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي رِوَايَاتِ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَفِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا لِلْبُخَارِيِّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثُمَّ نَحَّى قَدَمَيْهِ فَغَسَلَهُمَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي تَأْخِيرِ الْقَدَمَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ تُتَأَوَّلُ رِوَايَاتُ عَائِشَةَ وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوُضُوءِ الصَّلَاةِ أَكْثَرُهُ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَتْهُ مَيْمُونَةُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ وَالْبَاقِي مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا(2/182)
بِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِهِ وَالْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إكْمَالُ الْوُضُوءِ وَبَيْنَ الْجَوَازِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِتَأْخِيرِ الْقَدَمَيْنِ كَمَا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ وَبَيْنَ الْجَوَازِ بِمَرَّةٍ مَرَّةٍ فِي بَعْضِهَا وَعَلَى هَذَا إنَّمَا غَسَلَ الْقَدَمَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِلتَّنْظِيفِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَدَّمَ الْوُضُوءَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ أَخَّرَهُ أَوْ فَعَلَهُ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَهُوَ مُحَصِّلٌ سُنَّةَ الْغُسْلِ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ مَاذَا يَنْوِي بِهَذَا الْوُضُوءِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ أَجِدْ فِي مُخْتَصَرٍ وَلَا مَبْسُوطٍ تَعَرُّضًا لِكَيْفِيَّةِ نِيَّةِ هَذَا الْوُضُوءِ إلَّا لِمُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ الشَّهْرُزَوْرِيِّ فَقَالَ يَتَوَضَّأُ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ قَالَ إنْ كَانَ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ
حَدَثٍ أَصْغَرَ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا مُحْدِثًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِوُضُوئِهِ هَذَا رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ لِأَنَّا إنْ أَوْجَبْنَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لا يشرع وضوآن فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْوَاجِبَ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّدَاخُلِ كَانَ فِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ: وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَحْدَثَ وَأَجْنَبَ ان قُلْنَا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَجَبَ إفْرَادُهُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إفْرَادِهِ بِالنِّيَّةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ احْتِمَالًا وَلَا خِلَافَ انه لا يشرع وضوآن سَوَاءٌ كَانَ جُنُبًا مُحْدِثًا أَمْ جُنُبًا فَقَطْ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ بِدَلِيلِهِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَحْدَثَ وَأَجْنَبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَغْسِلُ مَا عَلَى فَرْجِهِ مِنْ الْأَذَى فَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمُرَادُهُمْ مَا عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ نَجَاسَةٍ كَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَيْرِهِ وَمَا عَلَى الْقُبُلِ مِنْ مَنِيٍّ وَرُطُوبَةِ فَرْجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالْقَذَرُ يَتَنَاوَلُ الطَّاهِرَ وَالنَّجِسَ: وَنَقَلَ الرافعى عن ابن كج وغيره وحهين فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَى النَّجَاسَةُ أَمْ الْمُسْتَقْذَرُ كَالْمَنِيِّ وَالصَّحِيحُ إرَادَتُهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْوَاجِبُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فَكَذَا قَالَهُ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّاشِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ(2/183)
وَلَمْ يَعُدَّ الْأَكْثَرُونَ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْغُسْلِ وَأَنْكَرَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ جَعْلَهَا مِنْ وَاجِبِ الْغُسْلِ قَالُوا لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ سَوَاءٌ وَلَمْ يَعُدَّ أَحَدٌ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ: لَكِنْ يُقَالُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ والغسل وشرط الشئ لَا يُعَدُّ مِنْهُ كَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ لَا يعد ان مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ قُلْت وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ صَحِيحٌ وَمُرَادُهُمْ لَا يَصِحُّ الْغُسْلُ وَتُبَاحُ الصَّلَاةُ به الا بهذه الثالثة وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْوُضُوءِ: وَأَمَّا النِّيَّةُ وَإِفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ فَوَاجِبَانِ بلا خلاف وسواء كن الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْبَشَرَةِ خَفِيفًا أَوْ كَثِيفًا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِهِ وَجَمِيعِ الْبَشَرَةِ تحته بلا خلاف بخلاف الكثيف فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مُتَكَرِّرٌ فَيَشُقُّ غَسْلُ بَشَرَةِ الْكَثِيفِ وَلِهَذَا وَجَبَ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي الْجَنَابَةِ دُونَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَدَلِيلُ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ جَمِيعًا مَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَغَيْرِهِ (1)
فِي صِفَةِ غُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيَانٌ لِلطَّهَارَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا في قوله تعالى (وان كنتم جنبنا فاطهروا) وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَيُرْوَى مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ النَّارِ) (2) قَالَ عَلِيٌّ فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْت رَأْسِي وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ فَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَا زاد علي ذلك سنة فصحيح وَقَدْ تَرَكَ مِنْ السُّنَنِ أَشْيَاءَ: مِنْهَا اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ إلَى آخِرِ الْغُسْلِ وَالِابْتِدَاءُ بِالْأَيَامِنِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَكَذَا الِابْتِدَاءُ بِأَعْلَى الْبَدَنِ وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرُونَ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَتَكْرَارُ الْغُسْلِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ مُسْتَحَبَّاتٌ كَثِيرَةٌ أَكْثَرُهَا يَدْخُلُ هُنَا كَتَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ وَالتَّنْشِيفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وَأَمَّا مُوَالَاةُ الْغُسْلِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَأَمَّا تَجْدِيدُ الْغُسْلِ فَفِيهِ وجهان الصحيح لا يستحب
__________
(1) في الاستدلال بما سبق علي وجوب غسل البشرة نظر اه اذرعى (2) حديث على هذا قد حسنه الشيخ فيما سبق وضعفه هنا فليحقق أمره ففيه دليل على وجوب غسل البشرة اه اذرعى(2/184)
والثاني يستحب وسبق بيانه واضحا فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ
* (فَرْعٌ)
الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَاللُّبَابِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي البسيط والوسيط والوجيز والمتولي والشيخ نضر فِي كُتُبِهِ الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْعُمْدَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي مَسْأَلَةِ تَكْرَارِ مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّ الشَّيْخَ
أَبَا حَامِدٍ نَقَلَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ تَكْرَارَ الْغُسْلِ مَسْنُونٌ: وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَحْوَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابُ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى كُلِّ مَوْضِعٍ ثَلَاثًا فَإِنَّا إذَا رَأَيْنَا ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ وَمَبْنَاهُ عَلَى التَّخْفِيفِ فَالْغُسْلُ أَوْلَى: وَكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ إذَا اُسْتُحِبَّ التَّكْرَارُ فِي الْوُضُوءِ فَالْغُسْلُ أَوْلَى: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَإِنْ كَانَ يَنْغَمِسُ فِي نَهْرٍ انْغَمَسَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ لَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْغُسْلِ ثَلَاثًا وَهَذَا الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ وَإِنَّمَا بَسَطْت هَذَا الْكَلَامَ لِأَنِّي رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا يُنْكِرُونَ عَلَى صَاحِبَيْ التَّنْبِيهِ وَالْوَسِيطِ اسْتِحْبَابَهُمَا التَّكْرَارَ فِي الْغُسْلِ وَيَعُدُّونَهُ شُذُوذًا مِنْهُمَا وَهَذَا مِنْ الْغَبَاوَةِ الظَّاهِرَةِ وَمُكَابَرَةِ الْحِسِّ وَالنُّقُولِ الْمُتَظَاهِرَةِ
* (فَرْعٌ)
مذهبنا ان ذلك الْأَعْضَاءِ فِي الْغُسْلِ وَفِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَوْ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ فَوَصَلَ بِهِ وَلَمْ يَمَسَّهُ بِيَدَيْهِ أَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ أَوْ تَحْتَ الْمَطَرِ نَاوِيًا فَوَصَلَ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ أَجْزَأَهُ وُضُوءُهُ وَغُسْلُهُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَالِكًا وَالْمُزَنِيَّ فَإِنَّهُمَا شَرَطَاهُ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ
* وَاحْتُجَّ لَهُمَا بِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ إمْرَارُ الْيَدِ وَلَا يُقَالُ لِوَاقِفٍ فِي الْمَطَرِ اغْتَسَلَ قَالَ الْمُزَنِيّ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ يُشْتَرَطُ فِيهِ إمْرَارُ الْيَدِ فَكَذَا هُنَا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابي ذررضى اللَّهُ عَنْهُ (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ) وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِزِيَادَةٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (1) سَبَقَ ذِكْرُهُ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ فِي التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ فَلَا يَجِبُ إمْرَارُ الْيَدِ فِيهِ كَغُسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَقَوْلُهُمْ لَا تُسَمَّى الْإِفَاضَةُ غُسْلًا مَمْنُوعٌ وَقَوْلُ الْمُزَنِيِّ ممنوع أيضا فان المذهب
__________
(1) وهذا الحديث يحتج به لوجوب غسل البشرة وهى ظاهر الجلد اه اذرعى(2/185)
الصَّحِيحَ أَنَّ إمْرَارَ الْيَدِ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّيَمُّمِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
الْوُضُوءُ سُنَّةٌ فِي الْغُسْلِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِبٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد أَنَّهُمَا شَرَطَاهُ كَذَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُمَا: وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَدَلِيلُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغُسْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ وُضُوءًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ
سَلَمَةَ (يَكْفِيكِ أَنْ تُفِيضِي عَلَيْكِ الْمَاءَ) وَحَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ السَّابِقِ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي تَأَخَّرَ عَنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ فِي السَّفَرِ فِي قَضِيَّةِ الْمُزَادَتَيْنِ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ جُنُبٌ فَأَعْطَاهُ إنَاءً وَقَالَ (اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْك) وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ (فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ) وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَحِيحَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ: وَأَمَّا وُضُوءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُسْلِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قال المصنف رحمه الله
* [وان كانت امرأة تغتسل من الجنابة كان غسلها كغسل الرجل]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَلْزَمْهَا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَجَبَ إيصَالُهُ إلَى مَا يَظْهَرُ فِي حَالِ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الثَّيِّبِ إيصَالُهُ إلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا بِنَاءً عَلَى نَجَاسَتِهِ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَجِبُ فِي الْجَنَابَةِ وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الثَّيِّبِ إيصَالُهُ إلَى مَا وَرَاءَ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ قَالَ لِأَنَّا إذَا لَمْ نُوجِبْ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْفَمِ فَهَذَا أَوْلَى وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ وَهُنَاكَ ذَكَرَهَا الاكثرون
* والله أعلم: قال المصنف رحمه الله
* [فان كان لها ضفائر فان كان يصل الماء إليها من غير نقض لم يلزمها نقضها لان أم سلمة رضي الله عنها (قالت يا رسول الله اني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للغسل من الجنابة فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْك الْمَاءَ فإذا أنت قد طهرت) وان لم يصل الماء إليها إلا بنقضها لزمها نقضها لان ايصال الماء إلى الشعر والبشرة واجب]
*(2/186)
[الشَّرْحُ] حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ اسْمِهَا وَحَالِهَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَقَوْلُهَا أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ قَالَ
الْخَطَّابِيُّ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ مَعْنَاهُ أَشُدُّ فَتْلَ شَعْرِي وَأُدْخِلُ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ وَأَضُمُّهُ ضَمًّا شَدِيدًا يُقَالُ ضَفَّرْتُهُ إذَا فَعَلْتُ بِهِ ذَلِكَ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ بَرِّي فِي جُزْءٍ لَهُ فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَذَا الضَّبْطَ لَحْنٌ وَأَنَّ صَوَابَهُ ضُفُرٌ بِضَمِّ الضَّادِ وَالْفَاءِ جَمْعُ ضَفِيرَةٍ كَسَفِينَةٍ وَسُفُنٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْمُتَقَدِّمُونَ وَرَأَيْت لِابْنِ بَرِّي فِي هَذَا الْجُزْءِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً يَعُدُّهَا مِنْ لَحْنِ الْفُقَهَاءِ وَتَصْحِيفِهِمْ وَلَيْسَتْ كَمَا قَالَ وَقَدْ أَوْضَحْت كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الضَّفَائِرُ وَالضَّمَائِرُ وَالْغَدَائِرُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الذَّوَائِبُ إذَا أُدْخِلَ بَعْضُهَا فِي بعض نسجها وَاحِدَتُهَا ضَفِيرَةٌ وَضَمِيرَةٌ وَغَدِيرَةٌ فَإِذَا لُوِيَتْ فَهِيَ عقايص وَاحِدَتُهَا عَقِيصَةٌ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ وُصُولِ الْمَاءِ بِغَيْرِ نَقْضٍ وَعَدَمِ وُصُولِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَمَلُوا حَدِيثَ أُمِّ سملة عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ بِغَيْرِ نَقْضٍ: وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْوَاجِبَ إيصَالُ الْمَاءِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ وَكَذَا الْمُغْتَسِلَةُ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَلِلْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَغْسَالِ الْمَشْرُوعَةِ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ النَّخَعِيِّ وُجُوبَ نَقْضِهَا مُطْلَقًا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ أَنَّهُ لَا تَنْقُضُهَا فِي الْجَنَابَةِ وَتُنْقَضُ فِي الْحَيْضِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لَكِنْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ هَلْ النَّقْضُ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَسْتَحِبُّ أَنْ تُغُلْغِلَ الْمَاءَ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ وَأَنْ تَغْمُرَ ضَفَائِرَهَا: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ شَعْرٌ مَضْفُورٌ فَهُوَ كَالْمَرْأَةِ فِي هذا والله أعلم: قال المصنف رحمه الله
* [وان كانت تغتسل من الحيض فالمستحب لها أن تأخذ فرصة من المسك فتتبع بها أثر الدم لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ امرأة جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله عن الغسل من الحيض فقال (خذى فرصة من مسك فتطهري بها فقالت كيف اتطهر بها فقال صلى الله عليه وسلم (سبحان الله تطهري بها) قالت عائشة رضى الله عنها قلت تتبعي بها اثر الدم: فان لم تجد مسكا فطيبا غيره لان القصد تطييب الموضع فان لم تجد فالماء كاف]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ السَّائِلَةَ أَسْمَاءُ بِنْتُ شَكَلٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْكَافِ وَقِيلَ بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُبْهَمَاتِ أَنَّهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ خَطِيبَةُ النِّسَاءِ وَالْفِرْصَةُ بكسر(2/187)
الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةِ وَالْمِسْكُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ وَقِيلَ بفتح الميم وهو الْجِلْدُ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِرْصَةٌ مُمَسَّكَةٌ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ قِطْعَةُ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مُطَيَّبَةٌ بِالْمِسْكِ وهذا التطييب مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ تَأْخُذُ مِسْكًا فِي خِرْقَةٍ أَوْ صُوفَةٍ أَوْ قُطْنَةٍ وَنَحْوِهَا وَتُدْخِلُهَا فَرْجَهَا وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ فِي هَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ يُسْتَحَبُّ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَنْ تُطَيِّبَ بِالْمِسْكِ أَوْ غَيْرِهِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي أَصَابَهَا الدَّمُ مِنْ بَدَنِهَا وَتَعْمِيمُهُ الْبَدَنَ غَرِيبٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِسْكًا فَطِيبًا غَيْرَهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ اُسْتُحِبَّ طِينٌ أَوْ نَحْوُهُ لِقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الطِّينَ بَعْدَ فَقْدِ الطِّيبِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالرَّافِعِيُّ ثُمَّ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمِسْكِ تطييب الْمَحَلِّ وَدَفْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ لِيَكْمُلَ اسْتِمْتَاعُ الزَّوْجِ بِإِثَارَةِ الشَّهْوَةِ وَكَمَالِ اللَّذَّةِ وَالثَّانِي لِكَوْنِهِ أَسْرَعَ إلَى عُلُوقِ الْوَلَدِ: قَالَ فَإِنْ فَقَدَتْ الْمِسْكَ وَقُلْنَا بِالْأَوَّلِ أَتَتْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي دَفْع الرَّائِحَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فِيمَا يسرع إلى العلوق كالقسط الاظفار وَنَحْوِهِمَا قَالَ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي وَقْتِ اسْتِعْمَالِهِ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَقَبْلَهُ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وهذا الوجه الثاني ليس بشئ وما تفرع عليه أيضا ليس بشئ وَهُوَ خِلَافُ الصَّوَابِ وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ وَأَنَّهَا تَسْتَعْمِلُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ شَكَلٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْل الْمَحِيضِ (فَقَالَ تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وسدرتها فتطهر وتحسن الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتُدَلِّكُهُ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتُطَهِّرُ بِهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِلْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَالْمَاءُ كَافٍ فَكَذَا عِبَارَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٍ وَقَدْ يُقَالُ الْمَاءُ كَافٍ وَجَدَتْ الطِّيبَ أَمْ لَا وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالْمَاءُ كَافٍ وَكَذَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ أَيْضًا صَحِيحَةٌ وَمُرَادُهُمْ أَنَّ
هَذِهِ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا بِلَا عُذْرٍ فَإِذَا عدمث الطِّيبَ فَهِيَ مَعْذُورَةٌ فِي تَرْكِهَا وَلَا كَرَاهَةَ في حقها(2/188)
وَلَا عَتَبَ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ يُعْذَرُ المريض شبهه فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكَّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله]
* [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي الْغُسْلِ مِنْ صاع ولا في الوضوء من مد لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد فان أسبغ بما دونه أجزأه لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ بما لا يبل الثرى قال الشافعي رحمه الله: وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفى]
* [الشَّرْحُ] الثَّرَى مَقْصُورٌ وَهُوَ مَا تَحْتَ وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ التُّرَابِ النَّدِيِّ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِلَا خِلَافٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصَّاعَ هُنَا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ كَمَا هُوَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ خَمْسَةٌ وَثُلُثٌ بِالِاتِّفَاقِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَذَا: وَالثَّانِي أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ: وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقَدْ سبق بيان رطل بغداد فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ وَقَوْلُهُ أَسْبَغَ أَيْ عَمَّمَ الْأَعْضَاءَ وَمِنْهُ ثَوْبٌ سَابِغٌ أَيْ كَامِلٌ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَاءَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَدْرٌ مُعِينٌ بَلْ إذَا اسْتَوْعَبَ الْأَعْضَاءَ كَفَاهُ بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ أَنَّ شَرْطَ غُسْلِ الْعُضْوِ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي الْغُسْلِ مِنْ صَاعٍ وَلَا فِي الْوُضُوءِ مِنْ مُدٍّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالصَّاعُ وَالْمُدُّ تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَفِينَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ) وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ: وَفِي الْبُخَارِيِّ اغْتِسَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّاعِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النُّقْصَانِ عَنْ صَاعٍ وَمُدٍّ مَعَ الْإِجْمَاعِ حَدِيثُ عَائِشَةَ (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ وقريبا مِنْ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَاءَ الطَّهَارَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِقَدْرٍ لِلْوُجُوبِ حَدِيثُ عائشة (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ
أَيْدِينَا فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ) : رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلَانِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلَانِ(2/189)
مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ) رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ نَحْوُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ فِيهِ قَدْرُ ثُلْثَيْ مُدٍّ) : وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (تَوَضَّأَ بما لايبل الثَّرَى) فَلَا أَعْلَمُ لَهُ أَصْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى ذَمِّ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ كَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْإِسْرَافَ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي حَرَامٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَمِّهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ) رواه أبو داود باسناد صحيح قال المصنف رحمه الله
* [ويجوز أن يتوضأ الرجل والمرأة من إناء واحد لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ الرجال والنساء يتوضأون فِي زَمَانِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ إناء واحد ويجوز أن يتوضأ أحدهما بفضل وضوء الآخر لِمَا رَوَتْ مَيْمُونَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه فقلت اني اغتسلت منه فقال صلى الله عليه وسلم (الماء ليس عليه جنابة) واغتسل منه]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ كان الرجال والنساء يتوضأون فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا وَحَدِيثُ مَيْمُونَةَ صَحِيحٌ أَيْضًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِهِ هُنَا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِمَعْنَاهُ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسَمُّوا مَيْمُونَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْجَفْنَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ الْقَصْعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَقَوْلُهُ فَفَضَلَتْ هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَيْ بَقِيَتْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ(2/190)
وُضُوءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَاغْتِسَالِهِمَا جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ وُضُوءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ: وَأَمَّا فَضْلُ الْمَرْأَةِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا الْوُضُوءُ بِهِ أَيْضًا لِلرَّجُلِ سَوَاءٌ خَلَتْ بِهِ أَمْ لَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد لَا يَجُوزُ إذَا خَلَتْ به وروى هذا عن عبد الله ابن سَرْجِسَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ كَمَذْهَبِنَا وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ كَرَاهَةُ فَضْلِهَا مُطْلَقًا
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ الْحَكَمِ حَسَنٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الْمَاضِي أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا لِلْمَسْأَلَةِ وَإِذَا ثَبَتَ اغْتِسَالُهُمَا مَعًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَعْمِلٌ فَضْلَ الْآخَرِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْخَلْوَةِ: وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ ابْنِ سَرْجِسَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقْفُهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ رَفْعِهِ وَرُوِيَ حَدِيثُ الْحَكَمِ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فِي الرُّخْصَةِ أَصَحُّ فَالْمَصِيرُ إلَيْهَا أَوْلَى: (الْجَوَابُ الثَّانِي) جَوَابُ الْخَطَّابِيِّ وَأَصْحَابِنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ فَضْلِ أَعْضَائِهَا وَهُوَ مَا سَالَ عَنْهَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ رِوَايَةَ دَاوُد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ عَنْ حَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى أَنْ تَغْتَسِلَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ أَوْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَدَاوُد وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ وَضَعَّفَهُ يَحْيَى فِي رواية(2/191)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّ حَمِيدًا لَمْ يُسَمِّ الصَّحَابِيَّ فَهُوَ كَالْمُرْسَلِ إلا انه مرسل جيد لولا مُخَالَفَتُهُ لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ الْمَوْصُولَةِ وَدَاوُد لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قُلْت جَهَالَةُ عَيْنِ
الصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ المراد ما سقط من أعضائهما وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنَعَهَا فَضْلَ الرَّجُلِ فَيَنْبَغِي تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَبِي داود والبيهقي وليغترفا جميعا وهذه الرواية تضعيف هَذَا التَّأْوِيلَ وَيُمْكِنُ تَتْمِيمُهُ مَعَ صِحَّتِهَا وَيَحْمِلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِظَاهِرِهِ وَمُحَالٌ أَنْ يَصِحَّ وَتَعْمَلَ الْأُمَّةُ كُلُّهَا بِخِلَافِ الْمُرَادِ مِنْهُ: (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَأَصْحَابُنَا أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَفَضْلُ مَاءِ الْجُنُبِ طَاهِرٌ وَهُوَ الَّذِي مَسَّهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْمُحْدِثُ خِلَافًا لِأَحْمَدَ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ فِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَحْمَدَ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ بِنَجَاسَتِهِ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ طَاهِرٌ قَطْعًا لَكِنْ إذَا خَلَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْهُ (الثَّانِي) أَنَّهُ فَسَّرَ فَضْلَ الْجُنُبِ بِفَضْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ فَضْلُ الْجُنُبِ طَاهِرٌ فِيهِ نَقْصٌ وَالْأَجْوَدُ مُطَهِّرٌ (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي مَسَّهُ فِيهِ نقص وصوابه وهو الذي فضل من طاهرته: أما ماسه فِي شُرْبِهِ أَوْ أَدْخَل يَدَهُ فِيهِ بِلَا نِيَّةٍ فَلَيْسَ هُوَ فَضْلَ جُنُبٍ وَمَا أَفْضَلَهُ من طاهرته وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُ فَهُوَ فَضْلُ جُنُبٍ فَأَوْهَمَ ادخال مالا يَدْخُلُ وَإِخْرَاجَ مَا هُوَ دَاخِلٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ أَرَادَ فَضْلَ الْجُنُبِ مُطَهِّرٌ مُطْلَقًا وَخَالَفَنَا أَحْمَدُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ: وَعَنْ الثَّانِي بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا(2/192)
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُنُبِ الْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالثَّلَاثَةِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ أَرَادَ فَضْلَ الْجُنُبِ وَغَيْرِهِ فَحَذَفَ قَوْلَهُ وَغَيْرِهِ لِدَلَالَةِ التَّفْسِيرِ عَلَيْهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْجُنُبِ اقْتِدَاءً بِالشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ تَرْجَمُوا هَذَا بِبَابِ فَضْلِ الْجُنُبِ ثُمَّ ذَكَرُوا فِيهِ الْجُنُبَ وَغَيْرَهُ: وَيُجَابُ عَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ كَوْنَهُ مُطَهِّرًا وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ الطَّاهِرَ مُطَهِّرٌ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ أَوْ يُسْتَعْمَلَ وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَغَيُّرٌ وَلَا اسْتِعْمَالٌ: وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْمُرَادَ مَسُّهُ (1) فِي الطَّهَارَةِ وَاكْتَفَى بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَالْمُرَادُ مَسُّهُ في استعماله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [فان أحدث وأجنب ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه يجب الغسل ويدخل فيه الوضوء وهو
المنصوص في الام لانهما طهارتان فتداخلتا كغسل الجنابة وغسل الحيض (والثاني) انه يجب الوضوء والغسل لانهما حقان مختلفان يجبان بسببين مختلفين فلم يدخل أحدهما في الآخر كحد الزنا والسرقة (والثالث) أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مُرَتِّبًا وَيَغْسِلَ سَائِرَ البدن لانهما متفقان في الغسل ومختلفان في الترتيب فما تفقا فيه تداخلا وما اختلفا فيه لم يتداخلا وسمعت شيخنا أبا حاتم القزويني يحكي فيه وجها رابعا انه يقتصر على الغسل الا انه يحتاج أن ينويهما ووجه لانهما عبادتان متجانستان صغرى وكبرى فدخلت الصغرى في الكبرى في الافعال دون النية كالحج والعمرة] [الشَّرْحُ] لِلْجُنُبِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ يَكُونُ جُنُبًا لَمْ يُحْدِثْ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ: وَحَالٌ يُحْدِثُ ثُمَّ يُجْنِبُ: وَحَالٌ يُجْنِبُ ثُمَّ يُحْدِثُ: فَالْحَالُ الْأَوَّلُ يُجْنِبُ بِلَا حَدَثٍ فَيَكْفِيه غَسْلُ الْبَدَنِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَدَلِيلُهُ وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَيَكُونُ الْوُضُوءُ سُنَّةً فِي الْغُسْلِ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ فِي صُوَرٍ أَشْهَرُهَا أَنْ يُنْزِلَ الْمُتَطَهِّرُ الْمَنِيَّ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَظَرٍ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ فَوْقَ حَائِلٍ أَوْ فِي النَّوْمِ قَاعِدًا فَهَذَا جُنُبٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ مُحْدِثًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصحيح المشهور الذى قطع
__________
(1) الظاهر انه ذكر المس اتباعا شيخه امام الحرمين فانه قال والذي يتوهم فيه الخلاف ما مسه بدن الجنب والحائض على وجه لا يصير به مستعملا ولهذا استدل الشافعي في الباب باخبار تدل علي طهارة ايديهما اه اذرعى(2/193)
بِهِ الْجُمْهُورُ وَأَطْبَقُوا عَلَى تَصْوِيرِ انْفِرَادِ الْجَنَابَةِ عَنْ الْحَدَثِ بِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْقَاضِيَّ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ جُنُبٌ مُحْدِثٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَلُفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَيُولِجَهُ فِي امْرَأَةٍ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ: الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُولِجَ فِي فَرْجِ بَهِيمَةٍ أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ فَيَكُونُ جُنُبًا وَلَا يَكُونُ مُحْدِثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّ فَرْجَ آدَمِيٍّ بِبَاطِنِ كَفِّهِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرَهَا أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ غَيْرِهَا.
هَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ قَالَ الرافعى وألحلق بِهَا الْمَسْعُودِيُّ الْجِمَاعَ مُطْلَقًا وَقَالَ إنَّهُ يُوجِبُ الْجَنَابَةَ لَا غَيْرَ قَالَ وَاللَّمْسُ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُ يَصِيرُ مَغْمُورًا بِهِ كَمَا أَنَّ خُرُوجَ الْخَارِجِ بِالْإِنْزَالِ
يَنْغَمِرُ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ اللَّمْسَ وَمُجَرَّدُ اللَّمْسِ يُوجِبُ شَاةً قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَحْصُلُ بِالْجِمَاعِ الْحَدَثَانِ وَلَا يَنْدَفِعُ أَثَرُ اللَّمْسِ بِخِلَافِ انْدِفَاعِ أَثَرِ خُرُوجِ الْخَارِجِ لِأَنَّ اللَّمْسَ يَسْبِقُ حَقِيقَةَ الْجِمَاعِ فَيَجِبُ تَرْتِيبُ حُكْمِهِ عَلَيْهِ فَإِذَا تَمَّتْ حَقِيقَةُ الْجِمَاعِ وَجَبَ أَيْضًا حُكْمُهَا وَفِي الْإِنْزَالِ لَا يَسْبِقُ خُرُوجَ الْخَارِجِ الْإِنْزَالُ بَلْ إذَا أَنْزَلَ حَصَلَ خُرُوجُ الْخَارِجِ وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ مَعًا وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ أَعْظَمُ الْحَدَثَيْنِ فَيَدْفَعُ حُلُولُهُ حُلُولَ الْأَصْغَرِ مُقْتَرِنًا بِهِ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ المحرم فمنوعة عَلَى وَجْهٍ وَإِنْ سَلَّمْنَا فَفِي الْفِدْيَةِ مَعْنَى الزَّجْرِ وَالْمُؤَاخَذَةِ وَسَبِيلُ الْجِنَايَاتِ انْدِرَاجُ الْمُقَدَّمَاتِ فِي المقاصد ولهذا لو انفردت مقدمات الزنا أوجبت تَعْزِيرًا فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ التَّعْزِيرُ مَعَ الْحَدِّ وَأَمَّا هُنَا فَالْحُكْمُ مَنُوطٌ بِصُورَةِ اللَّمْسِ وَلِهَذَا اسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يُحْدِثَ ثُمَّ يُجْنِبَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يَكْفِيه إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْبَدَنِ وَيُصَلِّي بِهِ بِلَا وُضُوءٍ: وَالثَّانِي يَجِبُ الْوُضُوءُ مُرَتَّبًا وَغَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَتَكُونُ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ مَغْسُولَةً مَرَّتَيْنِ وَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الوضوء وله أن يؤخره إلى بعد فراغه من الغسل وله أن يوسطه فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ: وَالثَّالِثُ يَجِبُ الْوُضُوءُ مُرَتَّبًا وَغَسْلُ بَاقِي الْبَدَنِ وَلَا يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَهُ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ وَتَأْخِيرُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ: وَالرَّابِعُ يَكْفِيه غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِلَا وُضُوءٍ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ والغسل(2/194)
فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ الْغُسْلِ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَدِلَّةَ الْأَوْجُهِ
* الْحَالُ الثَّالِثُ أَنْ يُجْنِبَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ ثُمَّ يُحْدِثُ فَهَلْ يُؤَثِّرُ الْحَدَثُ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُؤَثِّرُ فَيَكُونُ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فَعَلَى هَذَا يَجْزِيه الْغُسْلُ بِلَا وُضُوءٍ قَطْعًا وَالثَّانِي يُؤَثِّرُ فَيَكُونُ جُنُبَا مُحْدِثًا وَتَجْرِي فِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابَيْهِ الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ هُنَا الْوُضُوءُ فِي الْغُسْلِ قَطْعًا بَلْ لابد مِنْهُمَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا تَقَدَّمَ الْحَدَثُ فَإِنَّ فِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ بِأَنَّ هُنَاكَ وَرَدَتْ الْجَنَابَةُ عَلَى أَضْعَفَ مِنْهَا
فَرَفَعَتْهُ وَهُنَا عَكْسُهُ فَأَشْبَهَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ يَدْخُلُ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ وَلَا يَنْعَكِسُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَخَيَالٌ عَجِيبٌ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَتَقَدُّمِ الْحَدَثِ فتجئ فِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ فَقَدْ ذكرنا أن يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ: وَإِذَا قَدَّمَهُ فَهَلْ يُقَدِّمُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ مَعَهُ أَمْ يُؤَخِّرُهُمَا فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَكَذَا الْكَلَامُ فِي نِيَّةِ هَذَا الْوُضُوءِ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَعَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا لَا يُشْرَعُ وضوآن فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ وضوآن وَلَعَلَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
* وَيُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح
* وأما قول المصنف لانهما حقان مُخْتَلِفَانِ فَاحْتِرَازٌ مِنْ غُسْلِ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَقَوْلُهُ يَجِبَانِ بِسَبَبَيْنِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقَوْلُهُ مُخْتَلِفَيْنِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ زَنَى وَهُوَ بِكْرٌ فَلَمْ يُحَدَّ حَتَّى زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَإِنَّهُ يُقْتَصَرُ عَلَى رَجْمِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَكَذَا الْمُحْرِمُ إذَا لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ فِي مَجَالِسَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَقَوْلُهُ فِي تَعْلِيلِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ عِبَادَتَانِ احْتِرَازٌ عَنْ حَقَّيْنِ لَآدَمِيٍّ وَقَوْلُهُ مُتَجَانِسَانِ احْتِرَازٌ مِنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَقَوْلُهُ صُغْرَى وَكُبْرَى احْتِرَازٌ مِمَّنْ دَخَلَ في الجمعة فخرج الوقت في أثائها فانه يتمها ظُهْرًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الظهر ويحتمل أنه احترز عَنْ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ فَإِنَّ إحْدَاهُمَا لَا تَدْخُلُ في الاخرى لافى الْأَفْعَالِ وَلَا فِي النِّيَّةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْغُسْلِ وَمَسْأَلَةِ الْحَجِّ(2/195)
وَالْعُمْرَةِ بِأَنَّ الْحَجَّ يَشْمَلُ كُلَّ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَدَخَلَتْ فِيهِ وَالْغُسْلُ لَا يَشْمَلُ تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ والله أعلم قال المصنف رحمه
* [فان توضأ من الحدث ثم ذكر انه كان جنبا أو اغتسل من الحدث ثم ذكر انه كان جنبا أجزأه ما غسل من الحدث عن الجنابة لان فرض الغسل في أعضاء الوضوء من الجنابة والحدث واحد] [الشَّرْحُ] هُنَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ الْحَدَثِ ثُمَّ ذَكَر أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا فَيَجْزِيه الْمَغْسُولُ
وَهُوَ وَجْهُهُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ المصنف: الثانية غَسَلَ جَمِيعَ بَدَنِهِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ غَالِطًا فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِارْتِفَاعِ الْحَدَثِ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دُونَ غَيْرِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ ارْتِفَاعُهُ عَنْ جميع أعضاء الوضوء الرأس وغيره وكذا أطلقه جماعة وصرح جَمَاعَةٌ بِارْتِفَاعِهِ عَنْ الرَّأْسِ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ فَرْضَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْحُ فَاَلَّذِي نَوَاهُ إنَّمَا هُوَ الْمَسْحُ فَلَا يَجْزِيه عَنْ غَسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَا غَسَلَهُ بنية الحدث عن شئ مِنْ الْجَنَابَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ واضحة في باب نية والوضوء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ إحْدَاهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْبِئْرِ مَعِينَةً كَانَتْ أَوْ دَائِمَةً وَفِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي لَا يَجْرِي قَالَ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ الْمَاءِ وَكَثِيرُهُ أَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ فِيهِ وَالْبَوْلَ فِيهِ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ: وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى كَرَاهَتِهِ كَمَا ذَكَرَ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْوُضُوءُ فِيهِ كَالْغُسْلِ
* وَيَحْتَجُّ لِلْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ) فَقِيلَ كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ (يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: الثَّانِيَةُ يَجُوزُ الْغُسْلُ مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ قَبْلَ الْبَوْلِ وَبَعْدَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يكون بَعْدَ الْبَوْلِ خَوْفًا مِنْ خُرُوجِ مَنِيٍّ بَعْدَ الغسل وحكي الدَّارِمِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْبَوْلِ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ إذَا غَسَلَ مَا عَلَى فَرْجِهِ مِنْ أَذًى أَنْ يَدْلُكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ يَغْسِلَهَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَيْمُونَةَ عَنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ: (الرابعة)(2/196)
لَا يَجُوزُ الْغُسْلُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ إلَّا مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ فَإِنْ كَانَ خَالِيًا جَازَ الْغُسْلُ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ
* وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ لِجَوَازِ الغسل عريانا في الخلوة بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ مُوسَى اغْتَسَلَ عُرْيَانًا فَذَهَبَ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ) وَأَنَّ أَيُّوبَ كَانَ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فخر عليه جدار مِنْ ذَهَبٍ) رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا قِصَّةَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ تَفْرِيعٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا
* واحتجو الفضل السَّتْرِ بِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال (احفظ عورتك الامن زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) قُلْتُ أَرَأَيْتَ إذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ (اللَّهُ أَحَقُّ ان يستحيي من النَّاسِ) رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَ الْقَاضِيَ عِيَاضٌ جَوَازَ الِاغْتِسَالِ عُرْيَانًا فِي الْخَلْوَةِ عَنْ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَنَهَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّ لِلْمَاءِ سَاكِنًا
* وَاحْتَجَّ فِيهِ بِحَدِيثٍ ضَعَّفَهُ الْعُلَمَاءُ
* (الْخَامِسَةُ) الْوُضُوءُ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَنٌ فِي الْغُسْلِ فَإِنْ تَرَكَ الثَّلَاثَةَ صَحَّ غُسْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ وَالْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَقَدْ أَسَاءَ وَيَسْتَأْنِفُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ سَمَّاهُ مُسِيئًا لِتَرْكِ هَذِهِ السُّنَنِ فَإِنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ فتاركها مسئ لَا مَحَالَةَ قَالُوا وَهَذِهِ إسَاءَةٌ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ لَا بِمَعْنَى التَّحْرِيمِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَأَمْرُهُ بِاسْتِئْنَافِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ دُونَ الْوُضُوءِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَانِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ يُوجِبُونَهُمَا فَأَحَبَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ وَالْوُضُوءُ لَمْ يَكُنْ أَوْجَبَهُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا حَدَثَ خِلَافُ أَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد بَعْدَهُ: وَالثَّانِي أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَوْضِعِ الْوُضُوءِ دُونَ مَوْضِعِهِمَا فَأَمَرَهُ بِإِيصَالِهِ إلَيْهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ لَكِنَّ اسْتِحْبَابَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ آكَدُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ: وَالْوُضُوءِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ بِدَلَائِلِهَا
* وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ: (السَّادِسَةُ) لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي أَعْضَاءِ الْمُغْتَسِلِ لَكِنْ(2/197)
تُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالرَّأْسِ ثُمَّ بِأَعَالِي الْبَدَنِ وَبِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ: (السَّابِعَةُ) يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى غُضُونِ الْبَدَنِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَدَاخِلِ السُّرَّةِ وَبَاطِنِ الْأُذُنَيْنِ وَالْإِبْطَيْنِ وَمَا بَيْن الْأَلْيَيْنِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ وَحُمْرَةِ الشَّفَةِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: وَلَوْ الْتَصَقَتْ الْأَصَابِعُ وَالْتَحَمَتْ لَمْ يَجِبْ شِقُّهَا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذَا وَبَسْطُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمِمَّا قَدْ يُغْفَلُ عَنْهُ بَاطِنُ الْأَلْيَيْنِ وَالْإِبْطُ وَالْعُكَنُ وَالسُّرَّةُ فَلِيَتَعَهَّدْ كُلَّ ذَلِكَ وَيَتَعَهَّدْ إزَالَةَ الْوَسَخِ الَّذِي يَكُونُ فِي الصِّمَاخِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يَجِبُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ صِمَاخِ الْأُذُنِ دُونَ مَا بَطَنَ
* وَلَوْ كَانَ تَحْتَ أَظْفَارِهِ وَسَخٌ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ مَنَعَ فَفِي صِحَّةِ غَسْلِهِ خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابَيْ السِّوَاكِ وصفة الوضوء: (الثامنة) إذا كان عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ شَعْرِهِ حِنَّاءٌ أَوْ عَجِينٌ أَوْ طِيبٌ أَوْ شَمْعٌ أَوْ نَحْوُهُ فَمَنَعَ
وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ أَوْ إلَى نَفْسِ الشَّعْرِ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بيأن هذا مع فُرُوعٌ حَسَنَةٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ: وَلَوْ كَانَ شَعْرُهُ مُتَلَبِّدًا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى بَاطِنِ الشَّعْرِ لَمْ يَصِحَّ غَسْلُهُ إلَّا بِنَفْشِهِ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ: وَلَوْ انْعَقَدَتْ فِي رَأْسِهِ شَعْرَةٌ أَوْ شَعَرَاتٌ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهَا وَيَصِحُّ الْغُسْلُ وَهِيَ مَعْقُودَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَا يَصِلُ بَاطِنَ مَحَلِّ الْعَقْدِ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: أَحَدُهُمَا يُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْأُصْبُعِ الْمُلْتَحِمَةِ وَلِأَنَّ الْمَاءَ يَبُلُّ مَحَلَّهَا: وَالثَّانِي لَا يُعْفَى عَنْهُ كَالْمُلَبَّدِ وَقَطْعُ هَذِهِ الشَّعَرَاتِ مُمْكِنٌ بِلَا ضَرَرٍ بِخِلَافِ الْأُصْبُعِ الْمُلْتَحِمَةِ: (التَّاسِعَةُ) لَوْ تَرَكَ مِنْ رَأْسِهِ شَعْرَةً لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ: فَلَوْ نَتَفَ تِلْكَ الشَّعْرَةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ الْمَاءُ وَصَلَ أَصْلَهَا أَجْزَأَهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ إيصَالُهُ أَصْلَهَا قَالَ وَكَذَا لَوْ أَوْصَلَ الْمَاءَ إلَى أُصُولِ شَعْرِهِ دُونَ الشَّعْرِ ثُمَّ حَلَقَهُ أَجْزَأَهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا (1) وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَقْطَعِ الشَّعْرَةِ وَالشَّعَرَاتِ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْفَتَاوَى الْمَنْقُولَةِ عَنْهُ (الْعَاشِرَةُ) إذَا انْشَقَّ جِلْدُهُ بِجِرَاحَةٍ وَانْفَتَحَ فَمُهَا وَانْقَطَعَ دَمُهَا وَأَمْكَنَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى باطنها الذى يشاهد بلا ضرر
__________
(2) صحح في الروضة الثاني وفيه نظر لان غسل البشرة وزوال الشعرة لا يؤتى فيه كمن ترك من الوضوء أو الغسل رجله ثم قطعت اه اذرعى(2/198)
وَجَبَ إيصَالُهُ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ أَنَّهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى الِاسْتِبْطَانِ وَإِنَّمَا يُفْتَحُ فَمُهُ لِحَاجَةٍ وَمَحَلُّ الْجِرَاحَةِ صَارَ ظَاهِرًا فَأَشْبَهَ مَكَانَ الِافْتِضَاضِ مِنْ الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ وَقَدْ سَبَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهَا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا بَرَزَ بِالِافْتِضَاضِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنْ كَانَ لِلْجِرَاحَةِ غَوْرٌ فِي اللَّحْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ مُجَاوَزَةُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ مُجَاوَزَةُ مَا ظَهَرَ بِالِافْتِضَاضِ: وَلَوْ انْدَمَلَتْ الْجِرَاحَةُ وَالْتَأَمَتْ سَقَطَ الْفَرْضُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا لَوْ عَادَتْ الْبَكَارَةُ بعد الافتضاض فانه يسقط غسل ما كان ظهر بالافتصاض وَكَمَا لَوْ الْتَحَمَتْ أَصَابِعُ رِجْلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ شَقُّهَا بَلْ يَكْفِيه غَسْلُ مَا ظَهَرَ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَوْ كَانَ فِي بَاطِنِ الْجِرَاحَةِ دَمٌ وَتَعَذَّرَتْ إزَالَتُهُ وَخَشَى زِيَادَةَ سِرَايَتِهَا إلَى الْعُضْوِ
لَمْ يَلْزَمْهُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِهَا وَلَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا انْدَمَلَتْ: وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ قُطِعَتْ شَفَتُهُ أَوْ أَنْفُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ: فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ إيضَاحُهُمَا فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ ظَاهِرًا: وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَخْتُونٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ غَسْلُ مَا تَحْتَ الجلدة التى تقطع في الختان: فيه وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ لِأَنَّ تِلْكَ الْجِلْدَةَ مُسْتَحِقَّةُ الْإِزَالَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَزَالَهَا إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ وَإِذَا كَانَتْ مُسْتَحِقَّةَ الْإِزَالَةِ فَمَا تَحْتَهَا كَالظَّاهِرِ
* وَالثَّانِي لَا يَجِبُ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ تِلْكَ الْجِلْدَةِ وَلَا يَكْفِي غَسْلُ مَا تَحْتَهَا فَلَوْ كَانَتْ كَالْمَعْدُومَةِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا فَبَقِيَ مَا تَحْتَهَا بَاطِنًا: (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ عَيْنَيْهِ وَحُكْمُ اسْتِحْبَابِهِ كَمَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَلَوْ نَبَتَ فِي عَيْنِهِ شَعْرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُهُ: (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَوْ كَانَ عَلَى بَعْضِ بَدَنِ الْجُنُبِ نَجَاسَةٌ فَغَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ غَسْلَةً وَاحِدَةً بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ ارْتَفَعَتْ النَّجَاسَةُ وَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي مَوَاضِعَ بَسَطْتهَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَصَحُّهُمَا يُجْزِئُهُ: وَلَوْ صَبَّ الْجُنُبُ(2/199)
عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَكَانَ عَلَى ظَهْرِهِ نَجَاسَةٌ فَنَزَلَ عَلَيْهَا فَأَزَالَهَا فَإِنْ قُلْنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ يَصْلُحُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ طَهَّرَ الْمَحَلَّ عَنْ النَّجَاسَةِ وَهَلْ يَطْهُرُ عَنْ الْجَنَابَةِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ فِيهِ الْوَجْهَانِ وَإِنْ قُلْنَا الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ لَا يَصْلُحُ لِلنَّجَسِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَفِي طَهَارَتِهِ عَنْ النَّجَسِ هُنَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الْمَاءَ قَائِمٌ عَلَى الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالِانْفِصَالِ: وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ لِأَنَّا لَا نَجْعَلُ الْمَاءَ فِي حَالَةِ تَرَدُّدِهِ عَلَى الْعُضْوِ مستعلا للحاجة إلى ذلك في الطاهرة الْوَاحِدَةِ وَهَذِهِ طَهَارَةٌ أُخْرَى فَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَطْهِيرُ هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ النَّجَاسَةِ وَهَلْ يَكْفِيه الْغَسْلَةُ الْوَاحِدَةُ فِيهِ عَنْ النَّجَسِ وَالْجَنَابَةِ إذَا نَوَاهَا فِيهِ الْوَجْهَانِ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لَوْ أَحْدَثَ الْمُغْتَسِلُ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي غُسْلِهِ بَلْ يُتِمُّهُ وَيُجْزِيه فَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ نَصَّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْغُسْلَ: دَلِيلُنَا أَنَّ الْحَدَثَ لَا يُبْطِلُ الْغُسْلَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فلا يبطله في أثنائه كالاكل
والشرب (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) هَلْ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِمَمْلُوكِهِ مَاءَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ هُنَا وآخرون في النفقان أَحَدُهُمَا يَجِبُ كَزَكَاةِ فِطْرِهِ (وَالثَّانِي) لَا: لِأَنَّ لِلطَّهَارَةِ بَدَلًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي الْحَجِّ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْهَدْيُ بَلْ يَنْتَقِلُ الْعَبْدُ إلَى الصَّوْمِ وَيُخَالِفُ الْفِطْرَةَ فَلَا بَدَلَ لَهَا ولم يرجحا واحدا مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ الْعَبْدِ وَهِيَ عَلَى سَيِّدِهِ وَهَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ شِرَاءُ مَاءِ الطَّهَارَةِ لِزَوْجَتِهِ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ هُنَا وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ فِي النَّفَقَاتِ وَالْأَظْهَرُ تَفْصِيلٌ ذَكَرِهِ الْبَغَوِيّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ قَالَ إنْ كَانَ الْغُسْلُ لِاحْتِلَامِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ كَانَ لِجِمَاعِهِ أَوْ نِفَاسٍ لَزِمَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ بسببه وان كان حيض لَمْ يَلْزَمْهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ التَّمْكِينِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُنْظَرُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ إلَى أَنَّ السَّبَبَ مِنْهُ كَاللَّمْسِ أَمْ لَا: وَفِي أُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ إلَّا إذَا عَسُرَ الْغُسْلُ إلَّا فِي الْحَمَّامِ لِشِدَّةِ بَرْدٍ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ فِي كِتَابِ(2/200)
النَّفَقَاتِ الْوُجُوبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ لَا يَعْتَادُونَ دُخُولَهُ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا تَجِبُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْحَنَفِيُّ فِي نَوَازِلِهِ: لو كان في الانسان قرحة فبزأت وَارْتَفَعَ قِشْرُهَا وَأَطْرَافُ الْقُرْحَةِ مُتَّصِلَةٌ بِالْجِلْدِ إلَّا الطَّرَفَ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْقَيْحُ فَإِنَّهُ مُرْتَفِعٌ وَلَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَ القشرة أجزأه وضوءه في مَعْنَاهُ الْغُسْلُ
*
*
(فَصْلٌ)
* (فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ)
لَمْ يَذْكُرْ لَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَابًا مُسْتَقِلًّا بَلْ ذَكَرَهَا مُفَرَّقَةً فِي أَبْوَابِهَا وَقَدْ ذَكَرَهَا هُوَ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ مَجْمُوعَةً فِي بَابٍ اقْتِدَاءً بِالْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَحْبَبْت مُوَافَقَةَ الْجُمْهُورِ فِي ذِكْرِهَا مَجْمُوعَةً فِي مَوْضِعٍ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ وَأَحْوَطُ وَأَنْفَعُ وَأَضْبَطُ فَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى في هذا الفصل في غاية
الاحتصار بِالنِّسْبَةِ إلَى عَادَةِ هَذَا الشَّرْحِ لِكَوْنِي أَبْسُطُهَا ان شاء الله تعالي بفروعها وادلتها وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي مَوَاضِعِهَا: فَمِنْهَا غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَفِيمَنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا تَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ حَضَرَ أَمْ انْقَطَعَ لِعُذْرٍ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَادَّعَى أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ: (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَضَرَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ حَكَاهُ الشَّاشِيُّ وغيره وهذا ضعيف أو غلط (والرابع) يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ حَضَرَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ وَمَنْ تَلْزَمُهُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَمَنْ انْقَطَعَ عَنْهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ كَغُسْلِ الْعِيدِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (1) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَدْخُلُ وَقْتُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَبْقَى إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُون عِنْدَ الرَّوَاحِ إلَيْهَا فَلَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يُحْسَبْ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا امام الحرمين فحكي وجها أنه
__________
(1) ونقل رحمه الله في شرح مسلم وجها انه يستحب المذكور خاصة فهذا وجه خامس اه اذرعى(2/201)
يحسب وليس بشئ: وَلَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَجْنَبَ لَمْ يَبْطُلْ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عِنْدَنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَإِنَّهُ أَبْطَلَهُ: دَلِيلُنَا أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ فَإِذَا تَعَقَّبْهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ لَمْ يُبْطِلْهُ بَلْ هُوَ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ غُسْلَ الْجُمُعَة لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ قَالَ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ تَيَمَّمَ قَالُوا وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي قوم توضؤا وَفَرَغَ مَاؤُهُمْ وَفِي الْجَرِيحِ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَاسْتَبْعَدَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ التَّيَمُّمَ لِأَنَّ الْمُرَادَ قَطْعُ الرَّائِحَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَنَابَ عَنْهَا التَّيَمُّمُ كَغَيْرِهَا: وَلِغُسْلِ الْجُمُعَةِ فُرُوعٌ وَتَتِمَّاتٌ نَبْسُطُهَا فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْعِيدَيْنِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلزِّينَةِ وَكُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لِقَطْعِ الرَّائِحَةِ فَاخْتُصَّ بِحَاضِرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ: وَيَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهَلْ يَجُوزُ قَبْلَهُ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا كَالْجُمُعَةِ وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ لِأَنَّ الْعِيدَ يُفْعَلُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَيَبْقَى أَثَرُهُ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى
تَقْدِيمِهِ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَعَلَى هَذَا فِيهِ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ السَّحَرِ وَأَصَحُّهَا يَجُوزُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لَا قَبْلَهُ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِغُسْلِ الْعِيدِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْكُسُوفَيْنِ وَغُسْلُ الِاسْتِسْقَاءِ: وَمِنْهُ غُسْلُ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ أَجْنَبَ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ: وَمِنْهُ غُسْلُ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: وَمِنْهُ أَغْسَالُ الْحَجِّ وَهِيَ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلِلْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ لِرَمْيِ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذِهِ السَّبْعَةِ فِي الْأُمِّ قَالَ وَلَا يَغْتَسِلُ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا لَمْ يَغْتَسِلْ لَهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَيَبْقَى إلَى آخِرِ النَّهَارِ فَلَا يَجْتَمِعُ لها الناس ولا اغْتَسَلَ لِلْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ فَأَثَرُ الْغُسْلِ بَاقٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ وَأَضَافَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ(2/202)
إلَى هَذِهِ السَّبْعَةِ الْغُسْلَ لِطَوَافَيْ الزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِلْحَلْقِ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيُسَنُّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ جَمِيعُ أَغْسَالِ الْحَجِّ إلَّا غُسْلَ الطَّوَافِ لِكَوْنِهَا لَا تَطُوفُ (1) وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ أَنَّهُ يَجِبُ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِيهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَدِيثٌ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بين غسل الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَيُسَنُّ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِهِمَا وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الْمَيِّتِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمَرَاوِزَةِ وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهِ فِي الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْغُسْلُ مِنْ الْحِجَامَةِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَحَكَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ وَقَطَعَا بِهِ وَكَذَا قَطَعَ بِهِ المحاملى في اللباب والغزالي في الخلاصة والبغوى وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ ثُمَّ قَالَ وَأَنْكَرَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابَهُمَا قَالَ الْبَغَوِيّ أَمَّا الْحِجَامَةُ فَوَرَدَ فِيهَا أَثَرٌ وَأَمَّا الْحَمَّامُ فَقِيلَ أَرَادَ بِهِ إذَا تَنَوَّرَ يَغْتَسِلُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ اسْتَحَبَّهُ لِاخْتِلَافِ الْأَيْدِي فِي مَاءِ الْحَمَّامِ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَى الْغُسْلِ أَنَّهُ إذَا دَخَلَهُ فَعَرِقَ
اُسْتُحِبَّ أَلَّا يَخْرُجَ حَتَّى يَغْتَسِلَ: هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعَّفَهُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْغُسْلُ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحِجَامَةِ وَغُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلُ مِنْ مَاءِ الْحَمَّامِ) وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (كُنَّا نَغْتَسِلُ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالْحَمَّامِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَمِنْ الْجَنَابَةِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْغُسْلُ لِمَنْ أَرَادَ حُضُورَ مَجْمَعِ النَّاسِ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَرَأَيْت فِي الْأُمِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا أَوْ إشَارَةً ظَاهِرَةً قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْكَافِي يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ أَمْرٍ اجْتَمَعَ النَّاسُ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ الْمَرْءُ لَهُ وَيَقْطَعَ الرَّائِحَةَ الْمُغَيِّرَةَ مِنْ جَسَدِهِ وَيَمَسَّ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ هَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الِاجْتِمَاعَ بِالنَّاسِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ عِنْدَ كُلِّ حَالٍ تَغَيَّرَ فيه البدن قال اصحابنا وآكده هَذِهِ الْأَغْسَالِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الميت وأيهما آكد: فيه قولان مشهوران
__________
(1) وينبغي ألا يسن أيضا ان لم يثبت فيه شئ إذ الاستحباب حكم شرعى يحتاج إلى دليل ثابت وكيف يقال يسن ما لم يرد فيه سنة ثابتة اه اذرعي(2/203)
وذكرهما الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ: وَالثَّانِي غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِأَنَّ أَحَادِيثَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ فِي الغسل من غسل الميت شئ صَحِيحٌ: وَفَائِدَةُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَى أَوْلَاهُمْ أَوْ آكَدِهِمْ حَاجَةً فَوُجِدَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا قَدْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَالْآخَرُ يُرِيدُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِهِ.
فِيهِ الْقَوْلَانِ وَسَتَأْتِي دَلَائِلُ كُلِّ مَا ذَكَرْته فِي مَوَاضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
*
(فَصْلٌ)
* [فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ (1) ] رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوهَا فِي الْمَيَازِرِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ
اسناده بذاك القائم: وعن المليح بفتح اليمم قَالَ دَخَلَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ مَنْ أَنْتُنَّ فَقُلْنَ مِنْ أَهْلِ الشام فقالت لعلكن من الكورة التى يدخل نِسَاؤُهَا الْحَمَّامَاتِ قُلْنَ نَعَمْ قَالَتْ أَمَا إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّهَا سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْأُزُرِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ: وَفِي إسْنَادِهِ مَنْ يُضَعَّفُ: وَجَاءَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ عَنْ السَّلَفِ آثَارٌ مُتَعَارِضَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عنه نعم
__________
(1) وروى الامام أحمد رضى الله عنه عن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول فيه (ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام) ورواه الترمذي بمعناه من رواية جابر وقال حديث حسن غريب اه اذرعي(2/204)
الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُذْهِبُ الدَّرَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ
* وَعَنْ علي وابن عمر رضى الله عنهم بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُبْدِي الْعَوْرَةَ وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ: وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَكَلَامُهُمْ فِيهِ قَلِيلٌ وَمِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ بِشَرْطِ التَّسَتُّرِ وَغَضِّ الْبَصَرِ وَمَكْرُوهٌ لِلنِّسَاءِ إلَّا لِعُذْرٍ مِنْ نِفَاسٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّ أَمْرَهُنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّسَتُّرِ وَلِمَا فِي وَضْعِ ثِيَابِهِنَّ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ مِنْ الْهَتْكِ وَلِمَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ وَأَنْشَدَ دَهَتْك بِعِلَّةِ الْحَمَّامِ نَعَمْ
* وَمَالَ بِهَا الطَّرِيقُ إلَى يَزِيدَ قَالَ وَلِلدَّاخِلِ آدَابٌ مِنْهَا أَنْ يَتَذَكَّرَ بِحَرِّهِ حَرَّ النَّارِ وَيَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَرِّهَا ويسأله الجنة وان يكون قصده التنظف وَالتَّطَهُّرَ دُونَ التَّنْعِيمِ وَالتَّرَفُّهِ وَأَلَّا يَدْخُلَهُ إذَا رَأَى فِيهِ عَارِيًّا بَلْ يَرْجِعَ وَأَلَّا يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَلَا يُسَلِّمَ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا خَرَجَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ يَوْمُ الْحَمَّامِ يَوْمُ إثْمٍ وَرَوَى لِكُلِّ أَدَبٍ مِنْهَا خَبَرًا أَوْ أَثَرًا وَذَكَرَ آدَابًا أُخَرَ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
فِي الْإِحْيَاءِ فِيهِ كَلَامًا حَسَنًا طَوِيلًا مُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ: دَخَلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَّامَاتِ الشَّامِ قَالَ وَعَلَى دَاخِلِهِ وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ فَعَلَيْهِ وَاجِبَانِ فِي عَوْرَتِهِ صَوْنُهَا عَنْ نَظَرِ غَيْرِهِ وَمَسِّهِ فَلَا يَتَعَاطَى أَمْرَهَا وَإِزَالَةَ وَسَخِهَا إلَّا بِيَدِهِ: وَوَاجِبَانِ فِي عَوْرَةِ غَيْرِهِ أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْهَا وَأَنْ يَنْهَاهُ عَنْ كَشْفِهَا لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَبُولُ قَالَ وَلَا يَسْقُطُ الْإِنْكَارُ إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ أَوْ شَتْمٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ قَالَ وَلِهَذَا صَارَ الْحَزْمُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ تَرْكَ دُخُولِ الْحَمَّامِ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ عَوْرَاتٍ مكشوفة لاسيما مَا فَوْقَ الْعَانَةِ وَتَحْتَ السُّرَّةِ وَلِهَذَا اُسْتُحِبَّ إخْلَاءُ الْحَمَّامِ قَالَ وَالسُّنَنُ عَشْرٌ النِّيَّةُ بِأَنْ لايدخل عَبَثًا وَلَا لِغَرَضِ الدُّنْيَا بَلْ يَقْصِدَ التَّنَظُّفَ الْمَحْبُوبَ وَأَنْ يُعْطِيَ الْحَمَّامِيَّ الْأُجْرَةَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَيُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي دُخُولِهِ قَائِلًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَأَنْ يَدْخُلَ(2/205)
وَقْتَ الْخَلْوَةِ أَوْ يَتَكَلَّفَ إخْلَاءَ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَمَّامِ إلَّا أَهْلُ الدِّينِ وَالْمُحْتَاطُونَ فِي الْعَوْرَاتِ فَالنَّظَرُ إلَى الْأَبَدَانِ مَكْشُوفَةً فِيهِ شَوْبٌ مِنْ قِلَّةِ الْحَيَاءِ وَهُوَ مُذَكِّرٌ لِلْفِكْرِ فِي الْعَوْرَاتِ ثُمَّ لَا يَخْلُو النَّاسُ فِي الْحَرَكَاتِ عَنْ انْكِشَافِ الْعَوْرَاتِ فَيَقَعُ عَلَيْهَا الْبَصَرُ وَأَنْ لَا يُعَجِّلَ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْحَارِّ حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ وَأَلَّا يُكْثِرَ صَبَّ الْمَاءِ بَلْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فَهُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ وَأَنْ يَذْكُرَ بِحَرَارَتِهِ حَرَارَةَ نار جهنم لشبهه بهار وَأَلَّا يُكْثِرَ الْكَلَامَ وَيَكْرَهُ دُخُولُهُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقَرِيبًا مِنْ الْغُرُوبِ وَأَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا فَرَغَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَهِيَ النظافة ويكره من جهة الطلب صَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرَّأْسِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ وَشُرْبُهُ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ عَافَاك اللَّهُ وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ وَلَا بِأَنْ يُدَلِّكَهُ غَيْرُهُ يَعْنِي فِي غَيْرِ الْعَوْرَةِ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ فِي النِّسَاءِ كَلَامًا حَذَفْته لِكَوْنِ كَلَامِ السَّمْعَانِيِّ أَصْوَبَ مِنْهُ قَالَ وَإِذَا دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ لِضَرُورَةٍ فَلَا تَدْخُلْ إلَّا بِمِئْزَرٍ سَابِغٍ قَالَ وَلَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ إلَّا سِرًّا وَلَا يُسَلِّمُ إذَا دَخَلَ فَقَدْ اتَّفَقَ هُوَ وَالسَّمْعَانِيُّ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَالسَّلَامِ فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ أنها لا تكره ولعل مرادهما الاولى تركها لا أنها مَكْرُوهَةٌ: وَأَمَّا تَرْكُ السَّلَامِ فَقَدْ وَافَقَهُمَا عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ السَّلَامُ لِدَاخِلِهِ عَلَى مَنْ فِيهِ لِأَنَّهُ بَيْتُ
الشَّيْطَانِ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُشْتَغِلِينَ بِالتَّنَظُّفِ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُمْ: والحمام مذكر لا مؤنث كذا نقه الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ عَنْ الْعَرَبِ: وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ وَجَمْعُهُ حَمَّامَاتٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الماء الحار والله أعلم وبه التوفيق
* [باب التيمم] قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّيَمُّمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقَصْدُ يُقَالُ تَيَمَّمْت فُلَانًا وَيَمَّمْتُهُ وَتَأَمَّمْتُهُ وَأَمَمْتُهُ أَيْ قَصَدْته وَالتَّيَمُّمُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهُوَ رُخْصَةٌ وَفَضِيلَةٌ اخْتَصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا لَمْ يُشَارِكْهَا فِيهَا غَيْرُهَا مِنْ الْأُمَمِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ(2/206)
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ الْأَكْبَرِ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ عَنْ كُلِّ الْأَعْضَاءِ أَوْ بَعْضِهَا: قال المصنف رحمه الله
* [يجوز التيمم عن الحدث الاصغر لقوله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صعيدا طيبا) وَيَجُوزُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ لما روى عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال أجنبت فتمعكت في التراب فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك هكذا وضرب يديه على الارض ومسح وجهه وكفيه) ولانه طهارة عن حدث فناب عنها التيمم كالوضوء ولا يجوز ذلك عن ازالة النجاسة لانها طهارة فلا يؤمر بها للنجاسة في غير محل النجاسة كالغسل]
* [الشَّرْحُ] أَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وقَوْله تَعَالَى (صَعِيدًا طيبا) قِيلَ حَلَالًا وَقِيلَ طَاهِرًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْأَشْهَرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ تَمَعَّكْت أَيْ تَدَلَّكْت وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ تَمَرَّغْت وَهُوَ بِمَعْنَى تَدَلَّكْت: وَرَاوِي الْحَدِيثِ عَمَّارٌ تَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِهِ فِي آخِرِ السِّوَاكِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْعِبَارَةِ عَنْ حَدِيثٍ ضَعِيفٍ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَدْ نَبَّهْت عَلَى مِثْلِهِ مَرَّاتٍ وَذَكَرْته فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ: وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ احْتِرَازٌ مِنْ طَهَارَةِ
النَّجَسِ: أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَكَذَا الْوِلَادَةُ إذَا قُلْنَا تُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفُ هُنَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَقَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَجِبُ فَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَهُوَ وَاجِبٌ فِي حَالٍ جَائِزٌ فِي حَالٍ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَضَاقَ الْوَقْتُ وَجَبَ وَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ جَازَ التَّيَمُّمُ وَلَا يَجِبُ بَلْ لَوْ اشْتَرَاهُ وَتَوَضَّأَ كَانَ أَفْضَلَ وَكَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَأَرَادَ نَافِلَةً أَوْ فَرِيضَةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ جَازَ التَّيَمُّمُ وَلَمْ يَجِبْ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ جَائِزٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنْ(2/207)
الصحابة والتابعين ومن بعدهم الا عمربن الْخَطَّابِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ التَّابِعِيَّ فَإِنَّهُمْ مَنَعُوهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ إنَّ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ رَجَعَا
* وَاحْتَجَّ لمن منعه بأن الآية فيها إبَاحَتِهِ لِلْمُحْدِثِ فَقَطْ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلَى قَوْله تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ثُمَّ قَالَ تَعَالَى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وَهُوَ عَائِدٌ إلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ جَمِيعًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَوْ أَنَّ جُنُبًا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا لَا يَتَيَمَّمُ قَالَ أَبُو مُوسَى لَهُ كَيْفَ يَصْنَعُ بهذه الآية (فلم تجدوا ماء فتيمموا) فقال عبد الله لو رخص لهم لا وشكو إذَا بَرَدَ عَلَيْهِمْ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ وَاحْتَجُّوا مِنْ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ السَّابِقِ وَهُوَ فِي الصحيحين وبحديث عمر ان بْنِ الْحُصَيْنِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ثُمَّ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا فُلَانُ مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ فَقَالَ عَلَيْك بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيَك فَلَمَّا حَضَرَ الْمَاءُ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرَّجُلَ إنَاءً مِنْ مَاءٍ فَقَالَ اغْتَسِلْ بِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَعْزُبُ فِي الْإِبِلِ وَتُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فَأَخْبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْته: وَمِنْ الْقِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ مَا كَانَ طَهُورًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَانَ فِي الْأَكْبَرِ كَالْمَاءِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا مَنْعُ التَّيَمُّمِ عَنْ الْجَنَابَةِ بَلْ فِيهَا جَوَازُهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَيَانُهُ فَقَدْ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ
* (فَرْعٌ)
إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ وَاَلَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا وَنِفَاسُهَا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّابِعِيَّ فَقَالَ لَا يَلْزَمُهُ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ عِمْرَانَ وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ السَّابِقَانِ
*(2/208)
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُعْزِبِ فِي الْإِبِلِ أَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ وَإِنْ كَانَ عَادِمًا لِلْمَاءِ وَيَغْسِلُ فَرْجَهُ وَيَتَيَمَّمُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْجِمَاعِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَالُوا فَإِنْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِ فَرْجِهِ فَغَسَلَهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ فَرْجَهُ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إنْ قُلْنَا رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَلَا إعَادَةً هَذَا بَيَانُ مَذْهَبِنَا: وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ جَوَازَ الْجِمَاعِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَعَنْ مَالِكٍ قَالَ لَا أُحِبُّ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَتَهُ إلَّا وَمَعَهُ مَاءٌ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ ثَلَاثَ لَيَالٍ لَمْ يُصِبْهَا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ جَازَ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي كَرَاهَتِهِ رِوَايَتَانِ: دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الْجِمَاعَ مُبَاحٌ فَلَا نَمْنَعُهُ وَلَا نَكْرَهُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الدَّلَالَةِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَغِيبُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ أَيُجَامِعُ أَهْلَهُ قَالَ (نَعَمْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ عَنْ النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَتَيَمَّمَ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي وُجُوبِ
إعَادَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ يَمْسَحُ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِتُرَابٍ وَيُصَلِّي قَالَ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ من قول الشافعي بمصران التَّيَمُّمَ لَا يُجْزِئُ عَنْ نَجَاسَةٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهَا لِلنَّجَاسَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِطَهَارَتِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ: وَقَوْلُهُ كَالْغَسْلِ هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ مَعْنَاهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْغَسْلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَهُوَ الْحَدَثُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
*(2/209)
[والتيمم مسح الوجه واليدين مع المرفقين بضربتين أو أكثر والدليل عليه ما روى أبو أمامة وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى المرفقين) وحكي بعض أصحابنا عن الشافعي رحمه الله أنه قال في القديم التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة للكفين ووجهه في حديث عمار: وانكر الشيخ أبو حامد ذلك وقال المنصوص في القديم والجديد هو الاول: ووجهه أنه عضو في التيمم فوجب استيعابه كالوجه وحديث عمار ويتأل علي انه مسح كفيه إلى المرفقين بدليل حديث أبي امامة وابن عمر]
* [الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَمُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاسْمُ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيُّ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الياء بن عَجْلَانَ الْبَاهِلِيُّ مِنْ بَنِي بَاهِلَةَ سَكَنَ حِمْصَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنُ عُمَرَ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْآنِيَةِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالْعُضْوِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا: وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ فِي التَّيَمُّمِ احْتَرَزَ بِعُضْوٍ عَنْ مَسْحِ الخف وبالتيمم عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ
* وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ فَإِنْ حَصَلَ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالضَّرْبَتَيْنِ وَإِلَّا وَجَبَتْ الزِّيَادَةُ حَتَّى يَحْصُلَ الِاسْتِيعَابُ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَكْفِي مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَأَنْكَرَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْقَوْلَ وَقَالُوا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَهَذَا الْإِنْكَارُ فَاسِدٌ فَإِنَّ أَبَا ثَوْرٍ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَثِقَاتِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ فَنَقْلُهُ عَنْهُ مَقْبُولٌ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي
الْقَدِيمِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ مُشَافَهَةً وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا مَرْجُوحًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ فَهُوَ الْقَوِيُّ فِي الدَّلِيلِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يُشْتَرَطُ ضَرْبَتَانِ بَلْ الْوَاجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سَوَاءٌ حَصَلَ بِضَرْبَتَيْنِ أَوْ ضَرْبَةٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي وَاجِبَاتِ التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا: وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وُجُوبَ الضَّرْبَتَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بن أبي طالب وابن عمروالحسن الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسَالِمٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَالِكٍ والليث(2/210)
وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا ثَلَاثُ ضَرْبَاتٍ ضَرْبَةٌ لِوَجْهِهِ وَضَرْبَةٌ لِكَفَّيْهِ وَضَرْبَةٌ لِذِرَاعَيْهِ: وَقَالَ آخَرُونَ الْوَاجِبُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَبِهِ: قَالَ دَاوُد وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: وَأَمَّا قَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْ الْيَدَيْنِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ إلَى الْكَفَّيْنِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُهُمَا إلَى الْإِبِطَيْنِ وَمَا أَظُنُّ هَذَا يَصِحُّ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا وَرَاءَ الْمِرْفَقَيْنِ: وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ قَالَ أَجْنَبْت فَتَمَعَّكْت فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْت فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك هَكَذَا فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ فَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ لَا يَظْهَرُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا فَتَرَكْتهَا وَأَقْرَبُهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْيَدِ إلَى الْمِرْفَقِ فِي الْوُضُوءِ وَقَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَوْصُوفَةُ أَوَّلًا وَهِيَ الْمِرْفَقُ وهذا المطلق محمول على ذلك المقيد لاسيما وهى آية واحدة وذكر الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الدَّلِيلَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ طَهَارَةَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُضُوءِ فِي أَوَّلِ الآية ثم أسقط منها عضوين في الآية فِي آخِرِ الْآيَةِ فَبَقِيَ الْعُضْوَانِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى مَا ذُكِرَا فِي الْوُضُوءِ إذْ لَوْ اخْتَلَفَا لَبَيَّنَهُمَا وَقَدْ أَجْمَعَ
الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ يُسْتَوْعَبُ فِي التَّيَمُّمِ (1) كَالْوُضُوءِ فَكَذَا الْيَدَانِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا مَنَعَنَا أَنْ نأخذ برواية عَمَّارٍ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ثُبُوتُ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَأَنَّ هَذَا أَشْبَهُ بِالْقُرْآنِ وَالْقِيَاسُ
__________
(1) نقله الاجماع على استيعاب الوجه في التيمم فيه نظر فقد نقل رحمه الله بعد هذا بنحو كراس عن ابى حنيفة أربع روايات وعن سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد أَنَّهُ جَعَلَهُ كَمَسْحِ الرَّأْسِ ولم يذكر مسح الرأس عند ابن داود ولكن كلامه يشعر أنه لا يوجب الاستيعاب في الموضعين اه اذرعى(2/211)
وفى ان البدل من الشئ يكون قال البيهقى حديث عمار ثبت مِنْ مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ إلَّا أَنَّ حَدِيثَ الذِّرَاعَيْنِ جيد بشواهده ورواه عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) وَعَنْ أَبِي جُهَيْمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ (أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ إلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا مُسْنَدًا وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ تَعْلِيقًا وَهُوَ مُجْمَلٌ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِكَّةٍ مِنْ السِّكَكِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ الرَّجُلُ يَتَوَارَى فِي السِّكَّةِ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ وَقَالَ (إنِّي لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك السَّلَامَ إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ) هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي الْجُهَيْمِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَالَ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ هَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ الْعَبْدِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَذَكَرَهُمْ قَالَ وَأَنْكَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْعَبْدِيِّ رَفْعَ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَفْعُهُ غَيْرُ مُنْكَرٍ فَقَدْ صَحَّ رفعه من جهة الضحاك ابن عُثْمَانَ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ وَإِنَّمَا انْفَرَدَ الْعَبْدِيُّ فِيهِ بِذِكْرِ الذِّرَاعَيْنِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَقَوْلُهُ وَفِعْلُهُ يَشْهَدُ لِصِحَّةِ رِوَايَةِ الْعَبْدِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
أَخَذْنَا بِحَدِيثِ مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلِلْقِيَاسِ وَأَحْوَطُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْكَفَّيْنِ أَصَحُّ فِي الرِّوَايَةِ وَوُجُوبُ الذِّرَاعَيْنِ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ وَأَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [ولا يجوز التيمم الا بالتراب لما روى حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(2/212)
قال (فضلنا على الناس بثلاث جعلت لنا الارض مسجد أو جعل ترابها لنا طهورا وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكه) فعلق الصلاة على الارض ثم نزل في التيمم إلى التراب فلو جاز التيمم بجميع الارض لما نزل عن عن الارض إلى التراب ولانه طهارة عن حدث فاختص بجنس واحد كالوضوء]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ حُذَيْفَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ فِيهِ جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا لَمْ تُبَحْ لَهُمْ الصَّلَاةُ إلَّا فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَالتُّرَابُ مَعْرُوفٌ وَلَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ اسْمًا ذَكَرْتهَا مُفَصَّلَةً فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ ثُمَّ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ إلَّا إذَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ وَنَقَلَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ عَنْ الْمُبَرِّدِ أَنَّهُ جَمْعٌ وَاحِدُهُ تُرَابَةٌ: وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ احْتِرَازٌ مِنْ الدِّبَاغِ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إلَّا بِتُرَابٍ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيِّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ أَنَّهُ حَكَى فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالذَّرِيرَةِ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْأَحْجَارِ الْمَدْقُوقَةِ وَالْقَوَارِيرِ الْمَسْحُوقَةِ وَأَشْبَاهِهَا قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَهَذَا نَقْلٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ شَاذٌّ مَرْدُودٌ انما أَذْكُرُهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِتُرَابٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَجُوزُ بِكُلِّ أجزاء الارض حتى بصخرة مغسولة وقال بعص أَصْحَابِ مَالِكٍ يَجُوزُ بِكُلِّ مَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ كَالْخَشَبِ وَالثَّلْجِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي الْمِلْحِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِأَصْحَابِ: مَالِكٍ أَحَدُهَا: يَجُوزُ: وَالثَّانِي لَا: وَالثَّالِثُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَشْهَرُهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مَصْنُوعًا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ يَجُوزُ بِالثَّلْجِ وَكُلُّ مَا عَلَى الْأَرْضِ
* وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا) وَالصَّعِيدُ مَا عَلَى الْأَرْضِ
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي الْجُهَيْمِ السَّابِقِ فِي التَّيَمُّمِ بِالْجِدَارِ وَبِحَدِيثِ عَمَّارٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وفى رواية(2/213)
لِمُسْلِمٍ (إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْك الْأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَك وَكَفَّيْك) قَالُوا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِتُرَابٍ ذِي غُبَارٍ يَعْلَقُ بِالْعُضْوِ كَمَا قُلْتُمْ قَالُوا لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِجَامِدٍ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِجِنْسٍ (1) كالدباغ
* واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وهذا يقتضى أن يمسح بماله غُبَارٌ يَعْلَقُ بَعْضُهُ بِالْعُضْوِ وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (الصَّعِيدُ الْحَرْثُ حَرْثُ الْأَرْضِ) وَبِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الصَّعِيدُ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَا نُسَلِّمُ اخْتِصَاصَهُ بِهِ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَعَلَى التُّرَابِ وَعَلَى الطَّرِيقِ كَذَا نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ الْعَرَبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُخَصَّ بِأَحَدِ الْأَنْوَاعِ إلَّا بدليل ومعنى حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ بِتَخْصِيصِ التُّرَابِ: وَأَمَّا حَدِيثُ (جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَمُخْتَصَرٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَيَّدَهُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: وَأَمَّا التَّيَمُّمُ بِالْجِدَارِ فَمَحْمُولٌ عَلَى جِدَارٍ عَلَيْهِ غُبَارٌ لِأَنَّ جُدْرَانَهُمْ مِنْ الطِّينِ فَالظَّاهِرُ حُصُولُ الْغُبَارِ مِنْهَا وَحَدِيثُ النَّفْخِ فِي الْيَدَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِقَ بِالْيَدِ غُبَارٌ كَثِيرٌ فَخَفَّفَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِاسْتِحْبَابِ تَخْفِيفِهِ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ ثُمَّ يَنْفُخُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا عَلِقَ بِهِمَا غُبَارٌ كَثِيرٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِزَالَةِ جَمِيعِ الْغُبَارِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالدِّبَاغِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدِّبَاغِ تَنْشِيفُ فُضُولِ الْجِلْدِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعٍ فَلَمْ يَخْتَصَّ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ تَعَبُّدِيَّةٌ فَاخْتَصَّتْ بِمَا جَاءَتْ به السنة كالوضوء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [فأما الرمل فقد قال آخر في القديم والاملاء يجوز التيمم به وقال في الام لا يجوز فمن اصحابنا من قال لا يجوز قولا واحدا وما قاله في القديم والاملاء محمول على رمل يخالطه التراب ومنهم من قال على قولين أحدهما يجوز لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (انا بأرض الرمل وفينا الجنب والحائض ونبقى أربعة أشهر لانجد الماء فقال صلى الله عليه وسلم
(عليكم بالارض) والثاني لا يجوز لانه ليس بتراب فأشبه الجص]
*
__________
(1) قال ابن كج هو منتقض بالحديد وبرادة الحديد والفضة وتراب المعادن اه اذرعى(2/214)
[الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ وَجَاءَ فِي بَعْضِهَا عَلَيْكُمْ بِالتُّرَابِ وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا الطَّرِيقَيْنِ فِي رَمْلٍ خَالِصٍ لَا يُخَالِطُهُ تُرَابٌ وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ مَشْهُورَانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ان الصحيح طريقة التفصيل وهو انه خَالَطَهُ تُرَابٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَحَمَلُوا الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ قَالُوا وَغَلِطَ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (1) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ هِيَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ فَإِنْ خَالَطَهُ جَصٌّ أَوْ رَمْلٌ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى رَمْلٍ دَقِيقٍ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُوَ فِي رَمْلٍ خَشِنٍ لَا يَلْصَقُ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا خَالَطَهُ دَقِيقٌ وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّهُ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْجَصَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ مُعَرَّبٌ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وان أحرق الطين وتيمم بمدقوقه ففيه وجهان أحدهما لا يجوز التيمم به كما لا يجوز بالخزف المدقوق: والثاني يجوز لان احراقه لم يزل اسم الطين والتراب عن مدقوقه بخلاف الخزف ولا يجوز الا بتراب له غبار يعلق بالعضو فان تيمم بطين رطب أو تراب ند لا يعلق غباره لم يجز لقوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وهذا يقتضى أنه يمسح بجزء من الصعيد ولانه طهارة فوجب ايصال الطهور فيها الي محل الطهارة كمسح الرأس ولا يجوز بتراب نجس لانه طهارة فلا تجرز بالنجس كالوضوء: ولا يجوز بما خالطه جص أو دقيق لانه ربما حصل علي العضو فمنع وصول التراب إليه ولا يجوز بما استعمل في العضو فأما ما تناثر من أعضاء المتيمم ففيه وجهان أحدها لا يجوز التيمم به كما لا يجوز الوضوء بما تساقط من أعضاء المتوضئ: والثاني يجوز لان المستعمل منه ما بقى علي العضو وما تناثر غير مستعمل فجاز التيمم به ويخالف الماء لانه لا يدفع بعضه بعضا والتراب
يدفع بعضه بعضا فدفع ما أدى به الغرض في العضو ما تناثر منه]
*(2/215)
[الشَّرْحُ] فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا إذَا أَحْرَقَ الطِّينَ وَتَيَمَّمَ بِمَدْقُوقِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والبغوى وَالْأَصَحُّ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالْمُحَقِّقِينَ الْجَوَازُ وَهَذَا أَظْهَرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَلَطٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ احْتَرَقَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ احْتَرَقَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ فَفِيهِ وَفِي الطِّينِ الْخُرَاسَانِيِّ إذَا دُقَّ وَجْهَانِ والاظهر الجواز مطلقا اما ذا أَصَابَتْهُ نَارٌ فَاسْوَدَّ وَلَمْ يَحْتَرِقْ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تُرَابٌ وَلَا يُشْبِهُ الْخَزَفَ بِحَالٍ وَلَوْ احْتَرَقَ فَصَارَ رَمَادًا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ كَالْخَزَفِ: نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّانِيَةُ) يُشْتَرَطُ كَوْنُ التُّرَابِ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْعُضْوِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ الْغُبَارُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بدلائلها: وقوله تراب ندهو بِتَنْوِينِ الدَّالِ مِثْلُ شَجٍ: (الثَّالِثَةُ) لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ نَجِسٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ بِتُرَابِ الْمَقَابِرِ قَالَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْبُوشَةً فَيُوَافِقُنَا
* وَاحْتَجَّ المحاملي وغيره بقوله تعالى (صعيدا طيبا) قَالُوا وَالْمُرَادُ طَاهِرًا وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي مَعْنَى الطَّيِّبِ فِي الْآيَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الدِّبَاغِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالنَّجِسِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا سَبَقَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ التُّرَابُ الَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ لِأَنَّ لِلْمَاءِ قُوَّةً تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ وذكره أَصْحَابُنَا هُنَا تُرَابَ الْمَقَابِرِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ نَبْشَهَا فَتُرَابُهَا نَجِسٌ وَإِنْ تَيَقَّنَ عَدَمَ نَبْشِهَا فَتُرَابُهَا طَاهِرٌ وَإِنْ شَكَّ فَطَاهِرٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ فَحَيْثُ قُلْنَا طَاهِرٌ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنَّهَا إذَا لَمْ تُنْبَشْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ لِكَوْنِهَا مَدْفِنَ النَّجَاسَةِ وَلَا يُكْرَهُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِهَا لِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَهُوَ كَغَيْرِهِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ حَسَنٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَلَوْ وَقَعَ الْمَطَرُ عَلَى الْمَقْبَرَةِ لَمْ(2/216)
يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهَا لِأَنَّ صَدِيدَ الْمَيِّتِ قَائِمٌ فِيهَا لَا يُذْهِبُهُ الْمَطَرُ كَمَا لَا يُذْهِبُ التُّرَابَ قَالَ وَهَكَذَا كُلُّ مَا اخْتَلَطَ مِنْ الْأَنْجَاسِ بِالتُّرَابِ مِمَّا يَصِيرُ كَالتُّرَابِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ هُنَا التَّيَمُّمَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ ذَائِبَةٌ فَزَالَ أَثَرُهَا بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ الْجَدِيدُ أَنَّهَا لَا تُطَهِّرُ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا تُطَهِّرُ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَفِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِتُرَابِهَا قَوْلَانِ قَالَ وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَفِيهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَجَعَلَهُ طَاهِرًا فِي حُكْمٍ دُونَ حُكْمٍ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَهُوَ شَاذٌّ وَمَنْعُ بَيْعِ الْمَدْبُوغِ لَيْسَ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الرَّابِعَةُ) لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ خَالَطَهُ جَصٌّ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ زَعْفَرَانُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ الَّتِي تَعْلَقُ بِالْعُضْوِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَلِيطُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مُسْتَهْلَكًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَحَكَى الْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ الْخَلِيطُ مُسْتَهْلَكًا كَمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي اُسْتُهْلِكَ فِيهِ مَائِعٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاءَ يَجْرِي بطبعه فإذا أصاب المائع موضع جَرَى الْمَاءُ بَعْدَهُ وَأَمَّا الْخَلِيطُ فَرُبَّمَا عَلِقَ بِالْعُضْوِ فَمَنَعَ التُّرَابَ مِنْ الْعُلُوقِ وَلِأَنَّ لِلْمَاءِ قُوَّةَ التَّطْهِيرِ وَلِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ النَّجَاسَةُ إذَا كَانَ كَثِيرًا بِخِلَافِ التُّرَابِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَطَ بِالتُّرَابِ فُتَاتُ الْأَوْرَاقِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالزَّعْفَرَانِ يَعْنِي فَيَكُونُ فِيهِ التَّفْصِيلُ وَالْخِلَافُ وَقِيلَ يُعْفَى عَنْهُ كَمَا فِي الْمَاءِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مُخَالَطَةِ الدَّقِيقِ وَنَحْوِهِ وَمُخَالَطَةِ الرَّمْلِ حَيْثُ جَازَ فِي الرَّمْلِ دُونَ الدَّقِيقِ قُلْنَا الدَّقِيقُ يَعْلَقُ بِالْيَدِ كَمَا يَعْلَقُ التُّرَابِ فَيَمْنَعُ التُّرَابَ وَالرَّمْلُ لَا يَعْلَقُ أَمَّا إذَا خَالَطَ التُّرَابَ مَائِعٌ طَاهِرٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ خَلٍّ أَوْ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ تَغَيَّرَ بِهِ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ إنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ ثُمَّ جَفَّ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّ بِالْجَفَافِ ذَهَبَ مَاءُ الْوَرْدِ وَبَقِيَتْ رائحته المجاورة
*(2/217)