|
المؤلف: سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الأزهري، المعروف بالجمل (المتوفى: 1204هـ)
الناشر: دار الفكر
الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ
عدد الأجزاء:5
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
«شرح منهج الطلاب» لزكريا الأنصاري، بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - «حاشية الجمل» عليه
أَوْ أَظْفَارٍ وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ الْمُحْرِمَةِ بِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْمُحَدَّةِ مَعَ ذِكْرِ نَحْوِ وَالطِّينِ مِنْ زِيَادَتِي (وَأَنْ لَا يَنْقُصَ) فِي مُعْتَدِلِ الْخِلْقَةِ (مَاءُ وُضُوءٍ عَنْ مُدٍّ وَغُسْلٍ عَنْ صَاعٍ) تَقْرِيبًا فِيهِمَا لِلْإِتْبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ حَتَّى لَوْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ وَأَسْبَغَ أَجْزَأَ وَيُكْرَهُ الْإِسْرَافُ فِيهِ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بَغْدَادِيٌّ.
(وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ (بِخِلَافِ وُضُوءٍ) فَيُسَنُّ تَجْدِيدُهُ بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (صَلَّى بِهِ) صَلَاةً مَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ خَبَرَ «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدْ تُبْدَلُ الْقَافُ كَافًا وَالطَّاءُ تَاءً شَيْءٌ مِنْ عَقَاقِيرِ الْبَحْرِ مَعْرُوفٌ وَالْقُسْطُ الْهِنْدِيُّ هُوَ عُودُ الْبَخُورِ الْمَعْرُوفُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَشَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ أَظْفَارٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الظَّاءِ شَيْءٌ مِنْ الطِّيبِ أَسْوَدُ مُغْلَقٌ مِنْ أَصْلِهِ عَلَى شَكْلِ ظُفُرِ الْإِنْسَانِ يُجْعَلُ فِي الدَّغْتَةِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ الْمُحْرِمَةِ بِهَا) ضَعِيفٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَيَحْتَمِلُ مَنْعُهَا مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ مُطْلَقًا لِقَصْرِ زَمَنِ الْإِحْرَامِ غَالِبًا وَهُوَ الْأَوْجَهُ اهـ م ر اهـ ع ش. (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَنْقُصَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا فَقَوْلُهُ مَاءُ وُضُوءٍ فَاعِلٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَمَفْعُولٌ عَلَى الثَّانِي اهـ شَوْبَرِيٌّ وَيَجُوزُ أَيْضًا ضَمُّ الْيَاءِ مَعَ كَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدَةً وَهُوَ مُتَعَدِّيًا لَا غَيْرَ اهـ ع ش عَلَى م ر وَلَا يَجُوزُ فِيهِ ضَمُّ الْيَاءِ وَكَسْرُ الْقَافِ مُخَفَّفَةً اهـ شَيْخُنَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ عَدَمُ النَّقْصِ لَا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُدِّ وَالصَّاعِ وَعَبَّرَ آخَرُونَ بِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْمُدُّ وَالصَّاعُ اهـ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا قَالَ الْخَطِيبُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الرِّفْقَ مَحْبُوبٌ اهـ س ل. (قَوْلُهُ فِي مُعْتَدِلِ الْخِلْقَةِ) أَمَّا غَيْرُهُ فَيُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَسَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِيَادَةً وَنَقْصًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ» فَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ عَنْ الْمُدِّ وَالْغُسْلِ عَنْ الصَّاعِ نَعَمْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَضَئِيلُ الْخِلْقَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنْ الْمَاءِ قَدْرًا يَكُونُ نِسْبَتُهُ إلَى جَسَدِهِ كَنِسْبَةِ الْمُدِّ وَالصَّاعِ إلَى جَسَدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُتَفَاحِشُهَا فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَعَظْمِ الْبَطْنِ وَغَيْرِهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ مِقْدَارٍ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَدَنِهِ كَنِسْبَةِ الْمُدِّ وَالصَّاعِ إلَى بَدَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ «تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ فِيهِ قَدْرُ ثُلْثَيْ مُدٍّ» وَجَاءَ أَيْضًا أَنَّهُ «تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ يَسَعُ رِطْلَيْنِ» وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ «عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ» وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ «كَانَ يَغْتَسِلُ بِخَمْسَةِ مَكَاكِيكَ وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ» وَهُوَ إنَاءٌ يَسَعُ الْمُدَّ.
وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ قَدَحٍ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا» وَهِيَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأُسْتَاذِ الْأَعْظَمِ وَالْعَارِفِ الْأَفْخَمِ الْأَكْرَمِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهَا كَانَتْ اغْتِسَالَاتٍ فِي أَحْوَالٍ وَجَدَ فِيهَا أَكْثَرَ مَا اسْتَعْمَلَهُ وَأَقَلَّهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي قَدْرِ مَاءِ الطَّهَارَةِ يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ بَلْ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ كَمَا مَرَّ اهـ.
(قَوْلُهُ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بَغْدَادِيٌّ) وَهُوَ بِالْمِصْرِيِّ رِطْلٌ تَقْرِيبًا اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ) أَيْ بَلْ يُكْرَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ جَدَّدَ وُضُوءَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ صَلَاةً مَا بِجَامِعٍ أَنَّ كُلًّا غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ ع ش عَلَى م ر وَمِثْلُهُ التَّيَمُّمُ وَوُضُوءُ دَائِمِ الْحَدَثِ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزِّيِّ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَمَثَّلَهُ ع ش. (قَوْلُهُ فَيُسَنُّ تَجْدِيدُهُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا لِكُلِّ صَلَاةٍ فَلَمَّا نُسِخَ وُجُوبُهُ بَقِيَ أَصْلُ طَلَبِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ أَيْضًا فَيُسَنُّ تَجْدِيدُهُ) ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا بَعْضَ مَاءٍ لَا يَكْفِيهِ اسْتَعْمَلَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي طِرَازِ الْمَحَافِلِ وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ أَوْ تَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ صَلَّى بِهِ) أَيْ وَلَوْ سُنَّةَ الْوُضُوءِ.
وَفِي كَلَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَكْرِيِّ غَيْرَ سُنَّةِ الْوُضُوءِ فِيمَا يَظْهَرُ أَيْ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّسَلْسُلُ إلَّا إذَا قُلْنَا لَا سُنَّةَ لِلْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ بِلَالٍ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ صَلَاةً مَا) أَيْ، وَلَوْ رَكْعَةً إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا، وَكَذَا صَلَاةُ جِنَازَةٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ لَا نَحْوِ سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ لِعَدَمِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا صَلَاةً وَلَا طَوَافٍ، وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ جَدَّدَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ كُرِهَ تَنْزِيهًا وَصَحَّ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ حَرُمَ وَعِنْدَ الْعَلَّامَةِ حَجّ إنْ قَصَدَ بِهِ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا وَنُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ ز ي أَيْضًا نَعَمْ لَوْ عَارَضَهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى مِنْهُ وَيُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ لِمَاسِحِ الْخُفِّ وَفِي الْوُضُوءِ الْمُكَمَّلِ بِالتَّيَمُّمِ لِجِرَاحَةٍ وَنَحْوِهَا. وَأَمَّا التَّيَمُّمُ نَفْسُهُ فَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ، وَلَوْ مُكَمِّلًا لِلْوُضُوءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ وَفِي الْوُضُوءِ الْمُكَمَّلِ بِالتَّيَمُّمِ إلَخْ أَيْ فَيُعِيدُ الْغُسْلَ دُونَ التَّيَمُّمِ قَالَ حَجّ وَفِي كَوْنِ الْإِتْيَانِ بِبَعْضِ الطَّهَارَةِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ إنَّمَا هُوَ مَعَ إمْكَانِ فِعْلِ بَعْضِهَا الْآخَرِ اهـ ح ل.
(فَرْعٌ)
(1/165)
(وَمَنْ اغْتَسَلَ لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ) كَجَنَابَةٍ وَجُمُعَةٍ (حَصَلَا) أَيْ غُسْلَاهُمَا (أَوْ لِأَحَدِهِمَا حَصَلَ) غُسْلُهُ (فَقَطْ) عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ فِي كُلٍّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْدَرِجْ النَّفَلُ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فَأَشْبَهَ سُنَّةَ الظُّهْرِ مَعَ فَرْضِهِ وَفَارَقَ مَا لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ دُونَ التَّحِيَّةِ حَيْثُ تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ إشْغَالُ الْبُقْعَةِ بِصَلَاةٍ، وَقَدْ حَصَلَ وَلَيْسَ الْقَصْدُ هُنَا النَّظَافَةَ فَقَطْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ وَقَوْلِي لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ لِجَنَابَةٍ وَجُمُعَةٍ.
(وَمَنْ أَحْدَثَ وَأَجْنَبَ) ، وَلَوْ مُرَتَّبًا هَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ أَحْدَثَ، ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ تَخَيَّلَ إشْكَالًا يَتَعَلَّقُ بِالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ صَلَّى بِالْأَوَّلِ طَلَبَ لَهُ التَّجْدِيدَ فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَأَقُولُ لُزُومُ التَّسَلْسُلِ مَمْنُوعٌ وَتَخَيُّلُهُ غَفْلَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَطْلُبُ التَّجْدِيدَ إذَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ وَأَرَادَ صَلَاةً أُخْرَى مَعَ بَقَاءِ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ وَإِرَادَةُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَبَقَاءُ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ كُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُرِيدَ وَأَنْ لَا يَبْقَى وُضُوءُهُ فَأَيْنَ لُزُومُ التَّسَلْسُلِ فَاعْرِفْهُ وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ صَلَّى وَأَرَادَ التَّجْدِيدَ فَحَصَلَ لَهُ جَنَابَةٌ فَاغْتَسَلَ لَهَا هَلْ يَدْخُلُ الْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَهُ صَارَ مَطْلُوبًا أَمْ لَا وَأَقُولُ قِيَاسُ انْدِرَاجِ حَدَثِهِ الْأَصْغَرِ فِي الْجَنَابَةِ حُصُولُهُ هُنَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَيُنْدَبُ لِلْجُنُبِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَلِلْحَائِضِ بَعْدَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا الْوُضُوءُ لِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ تَقْلِيلًا لِلْحَدَثِ، وَهَذَا الْوُضُوءُ لَا تُبْطِلُهُ نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ جِمَاعٌ آخَرُ وَلِهَذَا يَلْغُزُ فَيُقَالُ لَنَا وُضُوءٌ لَا تُبْطِلُهُ الْأَحْدَاثُ وَهُوَ هَذَا قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ وَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ أَوْ يَقُصَّ أَظَافِرَهُ أَوْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ أَوْ عَانَتَهُ أَوْ يُخْرِجَ دَمًا أَوْ يُبَيِّنَ جُزْءًا مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ جُنُبٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ تُرَدُّ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَيُبْعَثُ عَلَيْهَا فَتَعُودُ بِصِفَةِ الْجَنَابَةِ وَيُقَالُ إنَّ كُلَّ شَعْرَةٍ تُطَالِبُ بِجَنَابَتِهَا.
قَالَ شَيْخُنَا وَفِي عَوْدِ نَحْوِ الدَّمِ نَظَرٌ، وَكَذَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْعَائِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّمَا هُوَ الْأَجْزَاءُ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا لَا نَقْصَ نَحْوِ عُضْوٍ مَثَلًا فَرَاجِعْهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ وَيُقَالُ إنَّ كُلَّ شَعْرَةٍ تُطَالِبُ بِجَنَابَتِهَا وَفَائِدَتُهُ التَّوْبِيخُ وَاللَّوْمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَاعِلِ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ قَصَّرَ كَأَنْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَغْتَسِلْ وَإِلَّا فَلَا كَأَنْ فَجَأَهُ الْمَوْتُ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ وَمَنْ اغْتَسَلَ لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ إلَخْ) أَمَّا إذَا اغْتَسَلَ لِنَفَلَيْنِ كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ، فَإِنْ نَوَاهُمَا فَظَاهِرٌ أَوْ أَحَدَهُمَا حَصَلَ الْآخَرُ قِيلَ مِنْ جِهَةِ الثَّوَابِ وَسُقُوطِ الطَّلَبِ، وَقِيلَ مِنْ جِهَةِ السُّقُوطِ فَقَطْ وَمَحِلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَنْفِهِ، فَإِنْ نَفَاهُ لَمْ يَحْصُلْ أَصْلًا. وَأَمَّا إذَا اغْتَسَلَ لِفَرْضَيْنِ، فَإِنْ كَانَا وَاجِبَيْنِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَجَنَابَةٍ وَحَيْضٍ حَصَلَا سَوَاءٌ نَوَاهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَسَكَتَ عَنْ الْآخَرِ أَوْ نَفَاهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَا وَاجِبَيْنِ لَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَنَذْرَيْنِ أَوْ نَذْرٍ وَاجِبٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَجَنَابَةٍ وَغُسْلِ جُمُعَةٍ مَنْذُورٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا مَا نَوَاهُ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ وَمَنْ اغْتَسَلَ لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ إلَخْ، وَلَوْ طُلِبَ مِنْهُ أَغْسَالٌ مُسْتَحَبَّةٌ كَعِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَجُمُعَةٍ وَنَوَى أَحَدَهَا حَصَلَ الْجَمِيعُ لِمُسَاوَاتِهَا الْمَنْوِيَّةَ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَسْبَابُ أَغْسَالٍ وَاجِبَةٍ وَنَوَى أَحَدَهَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ كَجَنَابَةٍ وَجُمُعَةٍ) أَيْ كَغُسْلِ جَنَابَةٍ وَغُسْلِ جُمُعَةٍ وَإِلَّا فَنَفْسُ الْجَنَابَةِ لَيْسَتْ فَرْضًا وَنَفْسُ الْجُمُعَةِ لَيْسَتْ نَفْلًا اهـ عَشْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا حَصَلَ فَقَطْ) قَالَ حَجّ وَأَفْهَمَ الْمَتْنُ عَدَمَ صِحَّةِ الْوَاجِبِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ، وَكَذَا عَكْسُهُ لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحِلَّهُ إنْ تَعَمَّدَ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي حُصُولُ السُّنَّةِ بِذَلِكَ لِعُذْرِهِ وَأَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ لِأَحَدِ وَاجِبَيْنِ أَوْ أَحَدِ نَفَلَيْنِ فَأَكْثَرَ بِنِيَّتِهِ فَقَطْ حَصَلَ الْآخَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الطَّهَارَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّدَاخُلِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِحُصُولِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ سُقُوطُ طَلَبِهِ كَمَا فِي التَّحِيَّةِ اهـ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي حُصُولُ السُّنَّةِ بِذَلِكَ فَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَفْعَ الْجَنَابَةِ غَلَطًا حَصَلَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ اهـ سم وَقَوْلُهُ وَأَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ لِأَحَدِ الْوَاجِبَيْنِ إلَخْ قَالَ الشَّيْخُ هَذَا ظَاهِرٌ فِي وَاجِبَيْنِ عَنْ حَدَثٍ إمَّا وَاجِبَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ حَدَثٍ كَجَنَابَةٍ وَالْآخَرُ عَنْ نَذْرٍ فَالْمُتَّجَهُ عِنْدَ م ر أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ أَحَدُهُمَا بِنِيَّةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ أَحَدِهِمَا لَا تَتَضَمَّنُ الْآخَرَ أَمَّا نِيَّةُ الْمَنْذُورِ فَلَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِرَفْعِ الْحَدَثِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا نِيَّةُ الْآخَرِ فَلِأَنَّ الْمَنْذُورَ جِنْسٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا عَنْ الْحَدَثِ بَلْ لَوْ كَانَا عَنْ نَذْرَيْنِ اتَّجَهَ عَدَمُ حُصُولِ أَحَدِهِمَا بِنِيَّةِ الْآخَرِ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم.
(فَرْعٌ) وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مَسْنُونٌ وَأَرَادَ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَنْهُ وَعَنْ حَدَثٍ تَيَمُّمًا وَاحِدًا، هَلْ يَجُوزُ التَّشْرِيكُ وَيَحْصُلَانِ حَرَّرَ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَهِيَ الْحُصُولُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَعَ كَلَامٍ طَوِيلٍ يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ إشْغَالُ الْبُقْعَةِ إلَخْ) التَّعْبِيرُ بِهِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " شَغْلُ ".
وَفِي الْمُخْتَارِ شَغْلٌ بِسُكُونِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا مَعَ ضَمِّ الشِّينِ فِيهِمَا، وَشَغْلٌ بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ
(1/166)
أَجْنَبَ أَوْ عَكْسُهُ (كَفَاهُ غُسْلٌ) ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَعَهُ الْوُضُوءَ لِانْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْغَيْنِ وَبِفَتْحَتَيْنِ فَصَارَتْ أَرْبَعَ لُغَاتٍ، وَالْجَمْعُ أَشْغَالٌ وَشَغَلَهُ مِنْ بَابِ قَطَعَ فَهُوَ شَاغِلٌ وَلَا يُقَالُ أَشْغَلَهُ؛ لِأَنَّهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ اهـ ع ش عَلَى م ر لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ وَأَشْغَلَهُ لُغَةٌ جَيِّدَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُرَتَّبًا) لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ، وَلَوْ مَعًا؛ لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ هِيَ الَّتِي أَخَلَّ بِهَا الْأَصْلُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُغَيِّيَ بِهَا تَأَمَّلْ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر قُلْت، وَلَوْ أَحْدَثَ، ثُمَّ أَجْنَبَ أَوْ عَكْسُهُ أَيْ أَجْنَبَ، ثُمَّ أَحْدَثَ كَفَى الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَوَى الْوُضُوءَ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ غَسَلَ الْأَعْضَاءَ مُرَتَّبَةً أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ فَتَدَاخَلَتَا، وَقَدْ نَبَّهَ الرَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَأَنَّ الْأَصْغَرَ يَضْمَحِلُّ مَعَهُ أَيْ لَا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ فَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ كَفَى وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَكْفِي الْغُسْلُ، وَإِنْ نَوَى مَعَهُ الْوُضُوءَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ مَعَهُ. وَالثَّالِثُ إنْ نَوَى مَعَ الْغُسْلِ الْوُضُوءَ كَفَى وَإِلَّا فَلَا وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ طَرِيقٌ قَاطِعٌ بِالِاكْتِفَاءِ لِتَقَدُّمِ الْأَكْبَرِ فِيهَا فَلَا يُؤَثِّرُ بَعْدَهُ الْأَصْغَرُ، وَلَوْ وُجِدَ الْحَدَثَانِ مَعًا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ الْأَصْغَرُ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ كَفَاهُ غُسْلٌ) ، مِثْلُ الْغُسْلِ بَدَلَهُ وَهُوَ التَّيَمُّمُ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ لِانْدِرَاجِ الْوُضُوءِ) أَيْ لِانْدِرَاجِ مُوجِبِهِ فِيهِ أَيْ الْغُسْلِ أَيْ فِي مُوجِبِهِ اهـ عَشْمَاوِيٌّ.
(خَاتِمَةٌ) يُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ نَظَرُهُ وَصَوْنُ عَوْرَاتِهِمْ عَنْ الْكَشْفِ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا أَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِاغْتِسَالِ وَنَهْيُهُمْ الْغَيْرَ عَنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ، وَإِنْ ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يَنْتَهِي، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ عَارِيًّا لَعَنَهُ مَلَكَاهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11] {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 12] . وَرَوَى النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ إلَّا بِمِئْزَرٍ» . وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ ذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ لِخَبَرِ «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَالْخَنَاثَيْ كَالنِّسَاءِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ الْعَادَةِ، وَآدَابُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَنْ يَقْصِدَ بِدُخُولِهِ التَّطْهِيرَ وَالتَّنْظِيفَ لَا التَّرَفُّهَ وَالتَّنَعُّمَ وَأَنْ يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَأَنْ يُسَمِّيَ لِدُخُولِهِ، ثُمَّ يَتَعَوَّذُ كَمَا فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْبَابِ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ لِلْمَسْلَخِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى دُخُولًا وَالْيُمْنَى خُرُوجًا وَأَنْ يَتَذَكَّرَ بِحَرَارَتِهِ نَارَ جَهَنَّمَ لِشَبَهِهِ بِهَا وَأَنْ لَا يَدْخُلَهُ إذَا رَأَى فِيهِ عُرْيَانًا وَأَنْ لَا يُعَجِّلَ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْحَارِّ حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ وَأَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ فِيهِ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُوَرِّثُ الْجُنُونَ أَوْ الْوَسْوَسَةَ وَأَنْ يَدْخُلَهُ وَقْتَ الْخَلْوَةِ أَوْ يَتَكَلَّفَ إخْلَاءَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْأَبَدَانِ مَكْشُوفَةً فِيهِ شَوْبٌ مِنْ قِلَّةِ الْحَيَاءِ وَأَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ الْخُرُوجِ.
وَصِيغَةُ الِاسْتِغْفَارِ الْمَشْهُورَةُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ، وَمَعَهَا غَيْرُهَا مِنْ كُلِّ مَا يُفِيدُ طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ، نَحْوُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْخَلَاءِ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ خُرُوجِهِ غُفْرَانَك الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَخْ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا عَنْ الذِّكْرِ بِالتَّنْظِيفِ فَيُعَدُّ بِهِ مُعْرِضًا كَمَا عُدَّ بِاشْتِغَالِهِ بِتَفْرِيغِ نَفْسِهِ فِي الْخَلَاءِ كَذَلِكَ. وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ فِي غَيْرِ مَسْلَخِهِ وَيَنْوِيَ بِهِمَا سُنَّةَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ أَوْ يُطْلِقَ وَيُكْرَهُ دُخُولُهُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا دُخُولُهُ لِصَائِمٍ وَصَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرَّأْسِ وَالشُّرْبُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الطِّبُّ وَلَا بَأْسَ بِدَلْكِ غَيْرِهِ لَهُ إلَّا عَوْرَةً أَوْ مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِ دَاخِلِهِ لِمَنْ فِيهِ عَافَاكَ اللَّهُ أَوْ نَعِيمًا أَوْ بِمِنًى أَوْ حَمَّامَ الْعُمْرَةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مَطْلُوبَةً فَلَا لَوْمَ عَلَى تَرْكِهَا. وَيُسَنُّ لِمَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ التَّنَظُّفُ بِالسِّوَاكِ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَالْأَوْسَاخِ وَالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَيُنْدَبُ حُسْنُ الْأَدَبِ مَعَهُمْ وَمُلَاطَفَتُهُمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وع ش عَلَى م ر
[بَابٌ فِي النَّجَاسَةِ وَإِزَالَتِهَا]
وَهِيَ مُوجِبٌ أَيْ سَبَبٌ وَإِزَالَتُهَا مَقْصِدٌ فَهُوَ الْمَقْصِدُ الثَّالِثُ وَالْوَاجِبُ فِيهَا فِي غَيْرِ نَحْوِ الْكَلْبِ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا يَأْتِي فَمَا قِيلَ غَسْلُهَا كَانَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نُسِخَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنْ قَالَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِعَدَمِ وُرُودِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
(1/167)
(بَابٌ فِي النَّجَاسَةِ وَإِزَالَتِهَا) النَّجَاسَةُ لُغَةً مَا يُسْتَقْذَرُ وَشَرْعًا بِالْحَدِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مِنْ نَقْلٍ مُعْتَبَرٍ فِي حَدِيثٍ أَوْ أَثَرٍ فَرَاجِعْهُ وَإِزَالَتُهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ إرَادَةِ اسْتِعْمَالِ مَا هِيَ فِيهِ وَعِنْدَ التَّضَمُّخِ بِهَا عَبَثًا وَعِنْدَ تَنْجِيسِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ وَعِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَعَنْ الْمَيِّتِ إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ، وَمِنْ الْمَسْجِدِ، وَالنَّجَاسَةُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ نَجِسَ يَنْجُسُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ أَوْ حَسُنَ وَقُدِّمَتْ عَلَى التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهَا شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَلَوْ لِصَاحِبِ الضَّرُورَةِ فِيهِمَا، وَتَقَدَّمَ اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ اسْتِنْجَائِهِ عِنْدَ شَيْخِنَا وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَهِيَ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ إمَّا حُكْمِيَّةٌ بِأَنْ جَاوَزَتْ مَحِلَّهَا كَالْجَنَابَةِ وَإِمَّا عَيْنِيَّةٌ بِأَنْ لَمْ تُجَاوِزْهُ، وَهَذِهِ تُطْلَقُ عَلَى الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ وَعَلَى الْوَصْفِ الْقَائِمِ بِمَحِلِّهَا وَإِطْلَاقُهَا عَلَى الْأَعْيَانِ مَجَازٌ مَشْهُورٌ أَوْ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ وَيُقَالُ لَهَا بِاعْتِبَارِهَا لُغَةً كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ وَشَرْعًا مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَإِسْنَادُ الْمَنْعِ إلَيْهَا صَحِيحٌ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَمَلَهَا أَوْ بِاعْتِبَارِ مَحِلِّهَا وَالْمُرَادُ الِاسْتِقْذَارُ الشَّرْعِيُّ لَا بِمَعْنَى عَدَمِ قَبُولِ النَّفْسِ لِيَصِحَّ الِاسْتِدْلَال عَلَى نَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ بِعَدَمِ اسْتِقْذَارِهَا فِي التَّعْرِيفِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ إلَخْ وَيُقَالُ لَهَا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَصْفٌ يَقُومُ بِالْمَحِلِّ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَيُقَالُ لَهَا مَعَ وُجُودِ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ نَجَاسَةٌ عَيْنِيَّةٌ وَمَعَ عَدَمِهَا حُكْمِيَّةٌ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ، وَقَدْ تُعْرَفُ الْأَعْيَانُ بِالْعَدِّ وَهُوَ أَوْلَى فِيمَا قَلَّتْ أَفْرَادُهُ، وَلِذَلِكَ سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ هِيَ مُسْكِرٌ مَائِعٌ وَكَلْبٌ إلَخْ، وَقَدْ ضَبَطَهَا الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ الْأَعْيَانُ جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ وَالْمُرَادُ بِالْجَمَادِ مَا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَلَا جُزْءِ حَيَوَانٍ وَلَا مُنْفَصِلٍ عَنْ حَيَوَانٍ فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ إلَّا الْمُسْكِرَ وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَفَرْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَصْلُ الْحَيَوَانِ كَالْمَنِيِّ وَالْعَلَقَةِ تَابِعٌ لِحَيَوَانِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً وَجُزْءُ الْحَيَوَانِ كَمَيْتَتِهِ كَذَلِكَ وَالْمُنْفَصِلُ عَنْ الْحَيَوَانِ إمَّا يَرْشَحُ رَشْحًا كَالْعَرَقِ وَلَهُ حُكْمُ حَيَوَانِهِ، وَإِمَّا لَهُ اسْتِحَالَةٌ فِي الْبَاطِنِ كَالْبَوْلِ فَهُوَ نَجِسٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَى اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ.
قَالَ الرَّحْمَانِيُّ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ مِنْ خَصَائِصِنَا قَالَ تَعَالَى {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} [البقرة: 286] أَيْ أَمْرًا يَثْقُلُ عَلَيْنَا حَمْلُهُ يَأْصِرُ صَاحِبَهُ أَيْ يَحْبِسُهُ فِي مَكَانِهِ يُرِيدُ التَّكَالِيفَ الشَّاقَّةَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ فِي التَّوْبَةِ وَإِخْرَاجِ رَيْعِ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ وَقَطْعِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ وَخَمْسِينَ صَلَاةٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ وَقَطْعِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ هَلْ الْمُرَادُ، وَلَوْ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ غَيْرِهِ فَقَطْ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ قَطْعُ ذَلِكَ مِنْ الْفَرْوَةِ وَالْخُفِّ لَا مِنْ الْبَدَنِ فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَانِيَّ أَعَادَ الْكَلَامَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ وَإِزَالَتُهَا بِالْمَاءِ مِنْ خَصَائِصِنَا، وَغَيْرُنَا كَانَ يَقْطَعُ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَمَا فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِنْ قَطْعِ جُلُودِهِمْ يُحْمَلُ عَلَى جِلْدِ الْفَرْوَةِ الَّتِي عَلَى أَحَدِهِمْ قُلْت وَلَعَلَّهُ خَاصٌّ بِغَيْرِ مَحَلِّ النَّجْوِ مِنْهُمْ أَوْ لَيْسَ بِخَاصٍّ كَمَا أَنَّ قَبُولَ تَوْبَتِهِمْ بِقَتْلِهِمْ وَلَهُ تَعَالَى تَكْلِيفُ الْعَبْدِ بِمَا لَا يُطِيقُ اهـ بِالْحَرْفِ، ثُمَّ أَعَادَهَا فِي فَصْلِ الِاسْتِنْجَاءِ فَقَالَ مَا نَصُّهُ قُلْت وَتَقَدَّمَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} [البقرة: 286] أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا قَطْعُ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ دُونَ الْحَيَوَانَاتِ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِغَيْرِ مُكَلَّفٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ الضَّرُورِيِّ كَتَنَجُّسِ الْمَخْرَجَيْنِ بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ فِي النَّجَاسَةِ) أَيْ بِمَعْنَى الْأَعْيَانِ وَالضَّمِيرُ فِي إزَالَتِهَا يَرْجِعُ لَهَا بِمَعْنَى الْوَصْفِ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ اهـ ح ل قِيلَ وَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُهَا عَنْ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَمَّا قَبْلَهَا لَا عَنْهَا أَوْ تَقْدِيمُهَا عَقِبَ الْمِيَاهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ لِهَذَا الصَّنِيعِ وَجْهًا أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ إزَالَتَهَا لَمَّا كَانَتْ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَى مَا مَرَّ وَكَانَ لَا بُدَّ فِي بَعْضِهَا مِنْ تُرَابِ التَّيَمُّمِ كَانَتْ آخِذَةً طَرَفًا مِمَّا قَبْلَهَا وَطَرَفًا مِمَّا بَعْدَهَا فَتَوَسَّطَتْ بَيْنَهُمَا إشَارَةً لِذَلِكَ اهـ حَجّ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهَا أُخِّرَتْ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِمَا تَقْدِيمُ إزَالَتِهَا بَلْ تَكْفِي مُقَارَنَةُ إزَالَتِهَا لَهُمَا وَقُدِّمَتْ عَلَى التَّيَمُّمِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ تَقْدِيمُ إزَالَتِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ لُغَةً مَا يُسْتَقْذَرُ) أَيْ، وَلَوْ طَاهِرًا كَالْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ وَيُقَالُ أَنَّهَا لُغَةً الشَّيْءُ الْبَعِيدُ وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ بِأَنَّهَا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا مَنْعَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَشَرْعًا بِالْحَدِّ مُسْتَقْذَرٌ إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ اعْتِبَارُ الِاسْتِقْذَارِ فِيهَا يُنَاقِضُ اعْتِبَارَ
(1/168)
مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَبِالْحَدِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عَدَمِهِ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ كُلُّ عَيْنٍ حُرِّمَ تَنَاوُلُهَا إلَى أَنْ قَالَ لَا لِحُرْمَتِهَا وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا إلَخْ وَنَفْيُهُ فِي قَوْلِهِمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَغَيْرِهِ لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا قَالَ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَتَحْرِيمُ مَا لَيْسَ بِمُحْتَرَمٍ وَلَا مُسْتَقْذَرٍ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّجَاسَةَ مُسْتَقْذَرَةٌ إلَّا أَنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَتْ لِاسْتِقْذَارِهَا اهـ أَيْ وَتَرَتُّبُ مَنْعِ الصَّلَاةِ عَلَى الِاسْتِقْذَارِ غَيْرُ تَرَتُّبِ الْحُرْمَةِ عَلَيْهِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْقَضِيَّتَيْنِ اهـ رَشِيدِيٌّ وَحَاصِلُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ تَكُونُ حُرْمَتُهُ لِاسْتِقْذَارِهِ، وَقَدْ تَكُونُ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى الِاسْتِقْذَارِ فَمِثْلُ الْمَيْتَةِ فِيهَا جِهَتَانِ الِاسْتِقْذَارُ، وَنَهَى الشَّارِعُ عَنْ تَنَاوُلِهَا فَهِيَ قَدْ حُرِّمَتْ لِلضَّرَرِ النَّاظِرِ إلَيْهِ الشَّارِعُ، وَإِنْ اشْتَمَلَتْ عَلَى الِاسْتِقْذَارِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ فِي التَّحْرِيمِ وَبِهِ زَالَ الْإِشْكَالُ بَيْنَ التَّعْرِيفَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الرَّشِيدِيِّ مَا نَصُّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَضِيَّةَ التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّجَاسَةَ كُلَّهَا مُسْتَقْذَرَةٌ وَلَكَ مَنْعُهُ فِي الْكَلْبِ الْحَيِّ وَلِهَذَا يَأْلَفُهُ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ نَجَاسَتَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَحْوِ الذِّئْبِ وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ اسْتِقْذَارُهَا شَرْعًا إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الدَّوْرُ انْتَهَى. (قَوْلُهُ مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ إلَخْ) وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ ابْنُ النَّقِيبِ وَغَيْرُهُ الْحَدُّ بِأَنَّهُ حَدٌّ لِلنَّجَسِ لَا لِلنَّجَاسَةِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا تَحْرِيمُ مُلَابَسَةِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ فَهِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَكَيْفَ تُفَسَّرُ بِالْأَعْيَانِ رُدَّ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ تُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَعْيَانِ وَعَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَحَدُّهَا بِالْأَعْيَانِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يُرِدْ بِهَا مَعْنَاهَا الثَّانِي بَلْ الْأَوَّلَ وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِ أَوْ مَجَازٌ مَشْهُورٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا إنَّ النَّجَاسَةَ وَالنَّجَسَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَعَرَّفَهَا الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهَا كُلُّ عَيْنٍ حُرِّمَ تَنَاوُلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ مَعَ سُهُولَةِ التَّمْيِيزِ لَا لِحُرْمَتِهَا وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا وَلَا لِضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ فَخَرَجَ بِالْإِطْلَاقِ مَا يُبَاحُ قَلِيلُهُ كَبَعْضِ النَّبَاتَاتِ السُّمِّيَّةِ الِاخْتِيَارِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ فَيُبَاحُ فِيهَا تَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ وَسُهُولَةُ التَّمْيِيزِ نَحْوُ دُودِ الْفَاكِهَةِ فَيُبَاحُ تَنَاوُلُهُ مَعَهَا، وَإِنْ سَهُلَ تَمْيِيزُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ نَظَرًا إلَى أَنَّ شَأْنَهُ عُسْرُ التَّمْيِيزِ وَلَا يَتَنَجَّسُ فَمُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهُ، وَهَذَا الْقَيْدُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ لِلْإِدْخَالِ لَا لِلْإِخْرَاجِ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ إمْكَانِ التَّنَاوُلِ لِيَخْرُجَ بِهِ الْأَشْيَاءُ الصُّلْبَةُ كَالْحَجَرِ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا تَحْرِيمٍ وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ وَبِلَا لِحُرْمَتِهَا لَحْمَ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ حَرُمَ تَنَاوُلُهُ مُطْلَقًا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ إلَخْ لَكِنْ لَا لِنَجَاسَتِهِ بَلْ لِحُرْمَتِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ لَحْمُ الْحَرْبِيِّ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ مَعَ عَدَمِ احْتِرَامِهِ، إذْ الْحُرْمَةُ تَنْشَأُ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْأَوْصَافِ الذَّاتِيَّةِ أَوْ الْعَرَضِيَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأُولَى لَازِمَةٌ لِلْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الذَّاتِيَّةَ لَا تَخْتَلِفُ وَالثَّانِيَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ الْمُخْتَلِفَةِ بِاخْتِلَافِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ وَحِينَئِذٍ فَالْآدَمِيُّ ثَبَتَتْ لَهُ الْحُرْمَةُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ تَارَةً، وَمِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ أُخْرَى فَالْحُرْمَةُ الثَّابِتَةُ لَهُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ تَقْتَضِي الطَّهَارَةَ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ ذَاتِيٌّ أَيْضًا فَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْرَادِ وَالثَّانِيَةُ لَهُ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ تَقْتَضِي احْتِرَامَهُ وَتَوْقِيرَهُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَرْبِيَّ تَثْبُتُ لَهُ الْحُرْمَةُ الْأُولَى فَكَانَ طَاهِرًا حَيًّا وَمَيِّتًا حَتَّى يَمْتَنِعَ اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ مِنْهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ الْحُرْمَةُ الثَّانِيَةُ فَلَمْ يُحْتَرَمْ، وَلَمْ يُعَظَّمْ فَلِهَذَا جَازَ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَى جِيفَتِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ فِي كَلَامِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَرِدُ عَلَى الْحَدِّ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ لِحُرْمَتِهِ الذَّاتِيَّةِ كَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ وَبِلَا لِاسْتِقْذَارِهَا مَا حَرُمَ تَنَاوُلُهُ لَا لِمَا تَقَدَّمَ بَلْ لِاسْتِقْذَارِهِ كَمُخَاطٍ وَمَنِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ بِنَاءً عَلَى حُرْمَةِ أَكْلِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِلَا لِضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ مَا ضَرَّ الْعَقْلَ كَالْأَفْيُونِ وَالزَّعْفَرَانِ أَوْ الْبَدَنَ كَالسُّمِّيَّاتِ وَالتُّرَابِ وَسَائِرِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ اهـ شَرْحُ م ر.
وَقَوْلُهُ كَمُخَاطٍ وَمَنِيٍّ إلَخْ أَيْ، وَلَوْ مِنْهُ كَأَنْ مَخَطَ أَوْ بَصَقَ، ثُمَّ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ وَمَحِلُّهُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي مَعِدَتِهَا كَالرِّيقِ فِي الْفَمِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ الْمُخَاطُ، ثُمَّ مَا ذُكِرَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِبُصَاقِ مَنْ يَعْتَقِدُ صَلَاحَهُ فَتَنَاوَلَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِبَعْضِ الْأَطْفَالِ كَأَنْ أَمَرَ الْوَلِيَّ بِالْبَصْقِ فِي فَمِهِ أَوْ فَمِ وَلَدِهِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ الْبَصْقُ فِي فَمِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ التَّمْكِينُ مِنْ الْبَصْقِ فِي فَمِ الطِّفْلِ فَلْيُرَاجَعْ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَ بِغَيْرِهِ كَأَنْ اخْتَلَطَ بِمَاءٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ تَقْذِيرٌ لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُرَادًا فِيهِمَا لِقَصْدِ
(1/169)
(مُسْكِرٌ مَائِعٌ) كَخَمْرٍ وَخَرَجَ بِالْمَائِعِ غَيْرُهُ كَبَنْجٍ وَحَشِيشٍ مُسْكِرٍ فَلَيْسَ بِنَجِسٍ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرُهُ حَرَامًا وَلَا تَرِدُ الْخَمْرَةُ الْمَعْقُودَةُ وَلَا الْحَشِيشُ الْمُذَابُ نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
التَّبَرُّكِ فِي الْأَوَّلِ وَلِاسْتِهْلَالِهِ فِي الثَّانِي وَقَوْلُهُ وَسَائِرُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ أَيْ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ ضَرَّهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَعِبَارَتُهُ ثَمَّ وَلَا يَحْرُمُ مِنْ الطَّاهِرِ إلَّا نَحْوُ تُرَابٍ وَحَجَرٍ، وَمِنْهُ مَدَرٌ وَطَفْلٌ لِمَنْ يَضُرُّهُ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ إطْلَاقُ جَمِيعِ حُرْمَتِهِ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
1 -
(قَوْلُهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ) إنْ قُلْت هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النَّجَاسَةِ وَإِدْخَالُ الْحُكْمِ فِي التَّعْرِيفِ يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ تَصَوُّرَ النَّجَاسَةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ أَعْنِي كَوْنَهُ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ مِنْ تَعْرِيفِهَا، وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ رَسْمٌ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ قَالَ وَبِالْحَدِّ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ مَا قَابَلَ الْعَدَّ فَيَشْمَلُ الرَّسْمَ اهـ.
(قَوْلُهُ مُسْكِرٌ) أَيْ صَالِحٌ لِلْإِسْكَارِ، وَلَوْ بِانْضِمَامِهِ لِغَيْرِهِ فَدَخَلَتْ الْقَطْرَةُ مِنْ الْمُسْكِرِ أَوْ يُقَالُ مُسْكِرٌ أَيْ، وَلَوْ بِاعْتِبَارِ نَوْعِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ كَخَمْرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَلْحَقْهَا التَّاءُ يُقَالُ شَرِبْت الْخَمْرَ بِغَيْرِ تَاءٍ وَشَرِبْت الْخَمْرَةَ بِالتَّاءِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُخَامِرُ الْعَقْلَ أَيْ تُخَالِطُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُهُ وَتَسْتُرُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى أَدْرَكَتْ وَاخْتَمَرَتْ وَالْمُرَادُ بِهَا حَقِيقَتُهَا وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ، وَإِنْ كَانَتْ بِبَاطِنِ حَبَّاتِ الْعُنْقُودِ كَأَنْ تَخَمَّرَتْ فِيهِ أَوْ مُحْتَرَمَةً بِأَنْ عُصِرَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَلَوْ مُثَلَّثَةً وَهِيَ الَّتِي أُغْلِيَتْ عَلَى النَّارِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ طَهَّرَتْهَا النَّارُ وَأُلْحِقَ بِهَا غَيْرُهَا مِنْ سَائِرِ الْمُسْكِرَاتِ قِيَاسًا عَلَيْهَا لِوُجُودِ الْإِسْكَارِ الْمُسَبِّبِ عَنْ ذَلِكَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ عَطْفُهُ عَلَى الْخَمْرِ مَا لَيْسَ نَجِسًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ النَّجَسَ فِي مَعْنَيَيْهِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إذْ الثَّلَاثَةُ الْمَقْرُونَةُ مَعَهَا مُعَارَضَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَتْ هِيَ وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ كَخَمْرٍ لِلتَّمْثِيلِ فَيَدْخُلُ النَّبِيذُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ كَبَنْجٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ أَصْلُ الشَّيْءِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ وَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَنْجَ وَالْحَشِيشَ مُخَدِّرَانِ لَا مُسْكِرَانِ فَهُمَا خَارِجَانِ بِقَيْدِ الْإِسْكَارِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي إخْرَاجِهِمَا إلَى زِيَادَةِ مَائِعٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْبَنْجَ وَالْحَشِيشَ مُسْكِرَانِ اهـ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ فَتَعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ مُسْكِرَيْنِ بَدَلَ قَوْله مُسْكِرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ الضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اهـ لِكَاتِبِهِ، وَمِنْ الْبَنْجِ الْأَفْيُونُ وَجَوْزَةُ الطِّيبِ وَكَثِيرُ الْعَنْبَرِ وَالزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ تَكْدِيرٌ وَتَغْطِيَةٌ لِلْعَقْلِ، وَإِنْ حَرُمَ تَنَاوُلُهُ لِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا اللَّقَانِيُّ، وَمِنْهُ شُرْبُ الدُّخَانِ الْمَعْرُوفِ الْآنَ قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِي بِهِ أُسْوَةٌ فَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ يَفْتَحُ مَجَارِي الْبَدَنِ وَيُهَيِّئُهَا لِقَبُولِ الْمَوَادِّ الْمُضِرَّةِ وَيَنْشَأُ عَنْهُ التَّرَهُّلُ وَالتَّنَافِيسُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى الْعَمَى كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ دَوَرَانُ الرَّأْسِ وَضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ الْمَكْمُورِ الَّذِي حَرَّمَ الزَّرْكَشِيُّ أَكْلَهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ شُرْبُهُ حَلَالٌ وَحُرْمَتُهُ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِأَمْرٍ طَارِئٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا س ل لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا الشبراملسي اهـ بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ، وَمِنْ الْبَنْجِ الْأَفْيُونُ إلَخْ لَعَلَّ هَذَا تَحْرِيفٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ وَكَالْبَنْجِ الْأَفْيُونُ إلَخْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَنْجَ حَقِيقَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَمُغَايِرَةٌ لِلْمَذْكُورَاتِ فَفِي الْمِصْبَاحِ الْبَنْجُ مِثَالٌ فَلْسٍ نَبَاتٌ لَهُ حَبٌّ يَخْلِطُ الْعَقْلَ وَيُوَرِّثُ الْخَبَالَ وَرُبَّمَا أَسْكَرَ إذَا شَرِبَهُ الْإِنْسَانُ بَعْدَ ذَوْبِهِ وَيُقَالُ إنَّهُ يُوَرِّثُ النِّسْيَانَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا الْحَشِيشُ الْمُذَابُ) أَيْ لَكِنْ لَوْ صَارَ فِي مُذَابِهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ وَصَارَ مُسْكِرًا حَرُمَ وَصَارَ نَجِسًا بَحَثَهُ الطَّبَلَاوِيُّ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَالْبُوظَةُ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ أَوْ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ نَجِسَةٌ خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ الْخَطِيبِ. وَأَمَّا الْكِشْكُ فَظَاهِرٌ مَا لَمْ تَصِرْ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ أَيْضًا وَإِلَّا فَهُوَ نَجِسٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا) لَوْ صَارَ فِي الْحَشِيشِ الْمُذَابِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٍ اُتُّجِهَ النَّجَاسَةُ كَالْمُسْكِرِ الْمَائِعِ الْمُتَّخَذِ مِنْ خُبْزٍ وَنَحْوِهِ وِفَاقًا لِشَيْخِنَا الطَّبَلَاوِيِّ وَخَالَفَ م ر، ثُمَّ جَزَمَ بِالْمُوَافَقَةِ اهـ سم وَفِي الْإِيعَابِ لَوْ انْتَفَتْ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ عَنْ الْخَمْرِ لِجُمُودِهَا وَوُجِدَتْ فِي الْحَشِيشَةِ لِذَوْبِهَا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ بَقَاءُ الْخَمْرِ عَلَى نَجَاسَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالتَّخَلُّلِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَنَجَاسَةُ نَحْوِ الْحَشِيشَةِ إذْ غَايَتُهَا أَنَّهَا صَارَتْ كَالْخَبَرِ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ أَيْضًا نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا) أَيْ فَمَا كَانَ مَائِعًا حَالَ إسْكَارِهِ كَانَ نَجِسًا، وَإِنْ جَمَدَ وَمَا كَانَ جَامِدًا حَالَ الْإِسْكَارِ يَكُونُ طَاهِرًا، وَإِنْ انْمَاعَ كَالْحَشِيشِ الْمُذَابِ وَكَالْكِشْكِ الْمُسْكِرِ حَالَ جُمُودِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِيهِ شِدَّةٌ
(1/170)
(وَكَلْبٌ) ، وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ الْآتِي (وَخِنْزِيرٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ بِحَالٍ وَلِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فِيهِ (وَفَرْعُ كُلٍّ) مِنْهُمَا مَعَ غَيْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مُطْرِبَةٌ نَجِسٌ سَوَاءٌ كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا فَالْكِشْكُ الْجَامِدُ لَوْ صَارَ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ كَانَ نَجِسًا، وَقَدْ يُقَالُ مَا فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ وَهُوَ جَامِدٌ إنْ كَانَ مُسْكِرًا قَبْلَ جُمُودِهِ كَانَ نَجِسًا كَالْخَمْرَةِ الْمُنْعَقِدَةِ وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ كَالْكِشْكِ وَمَا لَا شِدَّةَ فِيهِ غَيْرُ نَجِسٍ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا فَإِسْقَاطُ مَائِعٍ مُتَعَيِّنٌ إنْ أُرِيدَ بِالْمُسْكِرِ مَا فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ لَا الْمُغَطِّي لِلْعَقْلِ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ وَكَلْبٌ وَخِنْزِيرٌ) فَرْعٌ قَالَ سم عَلَى حَجّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَالِكِيَّ الَّذِي أَصَابَهُ مُغَلَّظٌ، وَلَمْ يُسَبِّعْهُ مَعَ التُّرَابِ يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ لَكِنْ هَلْ لِلْحَاكِمِ مَنْعُهُ لِتَضَرُّرِ غَيْرِهِ بِدُخُولِهِ حَيْثُ يَتَلَوَّثُ الْمَسْجِدُ مِنْهُ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى أَقُولُ قُلْت الْأَقْرَبُ لَا يَمْنَعُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَا وَقَعَ بِتَقْلِيدٍ صَحِيحٍ لَا يُعْتَرَضُ مِنْ الْحَاكِمِ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَنَّ دَعْوَى الْحِسْبَةِ لَا تَدْخُلُ فِي الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وَقَدْ يُقَالُ يَحْتَمِلُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا ضَرَرُهُ قَاصِرٌ عَلَى الْمُقَلِّدِ كَمَا لَوْ مَسَّ فَرْجَهُ، ثُمَّ صَلَّى فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ أَمَّا مَا يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إلَى غَيْرِ الْمُقَلِّدِ كَمَا هُنَا فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ مَنْعُهُ وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى حَجّ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ أَيْ حَيْثُ خِيفَ التَّلْوِيثُ وَيُوَجَّهُ مَا أَفْتَى بِهِ بِأَنَّ عَدَمَ مَنْعِهِ يُلْزِمُ عَلَيْهِ إفْسَادَ عِبَادَةِ غَيْرِهِ اهـ.
وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ أَيْضًا وَكَلْبٌ وَخِنْزِيرٌ) فِي شَرْحِ شَيْخِنَا ابْنِ حَجَرٍ لِلْإِرْشَادِ مَا نَصُّهُ وَتَجِبُ إرَاقَةُ مَا وَلَغَ فِيهِ فَوْرًا إنْ أُرِيدَ اسْتِعْمَالُهُ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ إلَّا نَحْوَ الْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ فَيَجِبُ إرَاقَتُهَا فَوْرًا مُطْلَقًا لِطَلَبِ النَّفْسِ تَنَاوُلَهَا وَإِلَّا إذَا عَصَى بِالتَّنْجِيسِ بِأَنْ تَضَمَّخَ بِهَا فِي بَدَنٍ بِلَا حَاجَةٍ كَوَطْءِ مُسْتَحَاضَةٍ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ أَوْ نَجَّسَ ثَوْبَ غَيْرِهِ أَيْ، وَلَمْ يَنْقُضْهُ الْغُسْلُ أَوْ خَرَجَتْ نَجَاسَةٌ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ رَأَى نَجَاسَةً فِي الْمَسْجِدِ اهـ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْعِمَادِ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ وَيَجِبُ تَطْهِيرُ الْمَسْجِدِ مِنْ النَّجَاسَةِ عَلَى الْفَوْرِ انْتَهَتْ اهـ سم (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُعَلَّمًا) الْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ لَا لِلرَّدِّ لِعَدَمِ خِلَافٍ فِي خُصُوصِ الْمُعَلَّمِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شُرَّاحِ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْأَشْهَرُ فِيهِ ضَمُّ الطَّاءِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ هَكَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ وَقَوْلُ الْمَحَلِّيِّ أَيْ مُطَّهِرُهُ ظَاهِرٌ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ الْمُطَهِّرُ هُوَ الْآلَةُ وَمُحْتَمِلٌ لِلضَّمِّ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ الْفِعْلُ الْمُطَهِّرُ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ) أَيْ فَنَجَاسَتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْقِيَاسِ الْأَوْلَوِيِّ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ حَيْثُ جَعَلَ ضَمِيرَ فَإِنَّهُ رَاجِعًا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ الْخِنْزِيرُ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ رُجُوعَهُ لِلْمُضَافِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ رُجُوعَ الضَّمِيرِ لِلَحْمِهِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثِ عَنْهُ فَيَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ لَحْمِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ جُمْلَتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ لَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ أَيْ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ وَاضِحَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهِ الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَال اهـ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ بِحَالٍ) أَيْ مَعَ تَأَتِّي الِانْتِفَاعِ بِهِ فَحِينَئِذٍ هَذَا الْمَنْعُ لَيْسَ إلَّا لِنَجَاسَتِهِ فَلَا تَرِدُ الْحَشَرَاتُ؛ لِأَنَّ مَنْعَ اقْتِنَائِهَا لِعَدَمِ نَفْعِهَا اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ، وَلِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ عَقُورًا لَكِنْ فِي الْعُبَابِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وُجُوبُ قَتْلِ الْعَقُورِ وَجَوَازُ قَتْلِ غَيْرِهِ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ اهـ ع ش عَلَى م ر. وَأَمَّا الْكَلْبُ فَيَحْرُمُ قَتْلُ غَيْرِ الْعَقُورِ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ أَوْ لَا كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ حَجَرٍ. (قَوْلُهُ مَعَ غَيْرِهِ) أَيْ مَعَ غَيْرِ كُلٍّ، وَإِنَّمَا قَصَرَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَرْعَ كُلٍّ مِنْ الْآخَرِ دَخَلَ فِي الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَالْأَوْلَوِيَّةُ إنَّمَا هِيَ لِدَفْعِ إيهَامِ أَنَّ فَرْعَ كُلٍّ مَعَ الْغَيْرِ طَاهِرٌ مَعَ وُقُوعِهِ فِي التَّكْرَارِ اهـ شَيْخُنَا وَشَمِلَ الْغَيْرُ الْآدَمِيَّ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ اتِّفَاقًا، فَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ، وَلَوْ فِي نِصْفِهِ الْأَعْلَى فَأَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ كَوَالِدِهِ بِطَهَارَتِهِ وَثُبُوتِ سَائِرِ أَحْكَامِ الْآدَمِيِّينَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ يُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرِ فِي الطِّهَارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ كَدُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَعَدَمِ النَّجَاسَةِ بِمَسِّهِ مَعَ الرُّطُوبَةِ وَعَدَمِ تَنْجِيسِ نَحْوِ مَائِعٍ بِمَسِّهِ وَصِحَّةِ صَلَاتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَاعْتِكَافِهِ وَصِحَّةِ قَضَائِهِ وَتَزْوِيجِهِ مُوَلِّيَتَهُ وَوِصَايَتِهِ وَيُعْطَى حُكْمَ النَّجِسِ فِي عَدَمِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَمُنَاكَحَتِهِ وَتَسَرِّيهِ وَارِثَهُ، وَلَوْ مِنْ أُمِّهِ وَأَوْلَادِهِ وَعَدَمِ قَتْلِ قَاتِلِهِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ عَلَى قَاتِلِهِ فَقِيلَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَقِيلَ أَوْسَطُ الدِّيَاتِ، وَقِيلَ أَحْسَنُهَا، وَقِيلَ قِيمَتُهُ، وَقَالَ الْخَطِيبُ بِمَنْعِهِ مِنْ الْوِلَايَاتِ.
وَقَالَ حَجّ بِجَوَازِ تَسَرِّيهِ إذَا خَافَ الْعَنَتَ، وَقَالَ شَيْخُنَا بِإِرْثِهِ مِنْ أُمِّهِ وَأَوْلَادِهِ وَمَالَ
(1/171)
تَغْلِيبًا لِلنَّجَسِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَفَرْعُهُمَا.
(وَمَنِيُّهَا) تَبَعًا لِأَصْلِهِ بِخِلَافِ مَنِيِّ غَيْرِهَا لِذَلِكَ وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحُكُّ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» .
(وَمَيْتَةُ غَيْرِ بَشَرٍ وَسَمَكٌ وَجَرَادٌ) لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا قَالَ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] .
أَمَّا مَيْتَةُ الْبَشَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
إلَى وُجُوبِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ.
(فَائِدَةٌ) نَظَمَ بَعْضُهُمْ أَحْكَامَ الْفَرْعِ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ بِقَوْلِهِ
يَتْبَعُ الْفَرْعُ فِي انْتِسَابٍ أَبَاهُ ... وَلِأُمٍّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّهْ
وَالزَّكَاةُ الْأَخَفُّ وَالدَّيْنُ الْأَعْلَى ... وَاَلَّذِي اشْتَدَّ فِي جَزَاءٍ وَدِيَهْ
وَأَخَسُّ الْأَصْلَيْنِ رِجْسًا وَذَبْحًا ... وَنِكَاحًا وَالْأَكْلَ وَالْأُضْحِيَّهْ
وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْكَلْبَ بَيْنَ آدَمِيَّيْنِ طَاهِرٌ وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ صُورَتِهِ كَالْمَسْخِ وَأَنَّ الْآدَمِيَّ بَيْنَ كَلْبَيْنِ نَجِسٌ قَطْعًا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ مِنْ إعْطَائِهِ حُكْمَ الطَّاهِرِ فِي الطِّهَارَاتِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ عَنْهُ فَرَاجِعْهُ وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْآدَمِيَّ بَيْنَ شَاتَيْنِ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَخْطُبَ وَيَؤُمَّ بِالنَّاسِ وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ اهـ، وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْآدَمِيَّ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ كَذَلِكَ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ سَمَكٍ وَآدَمِيٍّ لَهُ حُكْمُ الْآدَمِيِّ اهـ وَمُقْتَضَاهُ حُرْمَةُ أَكْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَانْظُرْهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَفَرْعُهُمَا) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ فَرْعِهِمَا أَنَّهُ تَوَلَّدَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَشْمَلُ الْمُتَوَلِّدَ مِنْهُمَا مَعَ حَيَوَانٍ آخَرَ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ) الْمُرَادُ بِأَصْلِهِ الْبَدَنُ الَّذِي انْفَصَلَ مِنْهُ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فَكَيْفَ يَكُونُ فَرْعًا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَصْلٌ بِاعْتِبَارِ التَّخَلُّقِ مِنْهُ فَرْعٌ بِاعْتِبَارِ انْفِصَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنِيِّ غَيْرِهِ) أَيْ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْآدَمِيِّ بَعْدَ التِّسْعِ، فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَهَا فَنَجِسٌ بِخِلَافِ اللَّبَنِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
وَعِبَارَةُ ع ش.
(فَرْعٌ) أَذَا قُلْنَا بِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ فَخَرَجَ مِنْ الْآدَمِيِّ فِي نَحْوِ سَبْعِ سِنِينَ وَفِيهِ صِفَاتُ الْمَنِيِّ فَهَلْ هُوَ طَاهِرٌ، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَنِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْلَ التِّسْعِ وَتِلْكَ الصِّفَاتُ لَيْسَتْ صِفَاتِ الْمَنِيِّ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ صِفَاتِهِ إذَا وُجِدَ فِي حَدِّ الْإِمْكَانِ وَالْأَصْلُ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْبَطْنِ النَّجَاسَةُ انْتَهَتْ، وَلَوْ بَالَ الشَّخْصُ، وَلَمْ يَغْسِلْ مَحِلَّهُ تَنَجَّسَ مَنِيُّهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَجْمِرًا بِالْأَحْجَارِ وَعَلَى هَذَا لَوْ جَامَعَ رَجُلٌ مَنْ اسْتَنْجَتْ بِالْأَحْجَارِ تَنَجَّسَ مِنْهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُ ذَكَرَهُ اهـ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ مَنْ اسْتَنْجَتْ بِالْأَحْجَارِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ هُوَ مُسْتَجْمِرًا بِالْحَجَرِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ جِمَاعُهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ وَلَا تَصِيرُ نَاشِزَةً بِالِامْتِنَاعِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ فَقَدَ الْمَاءَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ وَلَا يَكُونُ فَقْدُهُ عُذْرًا فِي جَوَازِهِ نَعَمْ إنْ خَافَ الزِّنَا اتَّجَهَ أَنَّهُ عُذْرًا فَيَجُوزُ الْوَطْءُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَجْمِرُ بِالْحَجَرِ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ وَيَجِبُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ التَّمْكِينُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسْتَجْمِرًا بِالْحَجَرِ وَهِيَ بِالْمَاءِ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ لِذَلِكَ) أَيْ تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ كَوْنُهُ خَارِجًا مِنْ مَحَلٍّ مُعْتَادٍ أَوْ مِمَّا قَامَ مَقَامَهُ مُسْتَحْكَمًا أَوْ لَا اهـ ح ل. (قَوْلُهُ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ) قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُجِيبَ بِصِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ قُلْنَا بِطَهَارَةِ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ مَنِيَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مِنْ جِمَاعٍ فَيُخَالِطُ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ فَلَوْ كَانَ مَنِيُّهَا نَجِسًا لَمْ يَكْتَفِ فِيهِ بِفَرْكِهِ لِاخْتِلَاطِهِ بِمَنِيِّهِ فَيُنَجِّسُهُ، وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ وَمَيْتَةٌ غَيْرُ بَشَرٍ) أَيْ آدَمِيٍّ وَمِثْلُهُ الْجِنُّ وَالْمَلَائِكَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أَجْسَامٌ وَلَهَا مَيْتَةٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَشْبَاحٌ نُورَانِيَّةٌ تَنْعَدِمُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهَا كَالْفَتِيلَةِ فَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَنْعَدِمُ طَاهِرَةً اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَجَرَادٌ) مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَرْدِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ جَرَادَةٌ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهُوَ بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ وَبَعْضُهُ أَصْفَرُ وَبَعْضُهُ أَبْيَضُ وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ وَبَعْضُهُ كَبِيرُ الْجُثَّةِ وَبَعْضُهُ صَغِيرُهَا، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْيَضَّ الْتَمَسَ الْمَوَاضِعَ الصُّلْبَةَ وَضَرَبَهَا بِذَنْبِهِ فَتَنْفَرِجُ فَيُلْقِي بَيْضَهُ فِيهَا وَيَكُونُ حَاضِنًا لَهُ وَمُرَبِّيًا وَلَهُ سِتَّةُ أَرْجُلٍ يَدَانِ فِي صَدْرِهِ وَقَائِمَتَانِ فِي وَسَطِهِ وَرِجْلَانِ فِي مُؤَخِّرِهِ وَطَرَفِ رِجْلَيْهِ صَفْرَاوَانِ وَفِي خِلْقَتِهِ عَشَرَةٌ مِنْ جَبَابِرَةِ الْبَوَادِي وَجْهُ فَرَسٍ وَعَيْنُ فِيلٍ وَعُنُقُ ثَوْرٍ وَقَرْنُ أُيَّلٍ وَصَدْرُ أَسَدٍ وَبَطْنُ عَقْرَبٍ وَجَنَاحَا نَسْرٍ وَفَخْذَا جَمَلٍ وَرِجْلَا نَعَامَةٍ وَذَنَبُ حَيَّةٍ ` وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانَاتِ أَكْثَرُ إفْسَادًا مِنْهُ وَلُعَابُهُ سَمِّ عَلَى الْأَشْجَارِ وَلَا يَقَعُ عَلَى شَيْءٍ إلَّا أَفْسَدَهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْذَارٍ فِيهَا فَلَا يَرِدُ نَحْوُ الْبُصَاقِ، وَمِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلَا يَرِدُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ كَالسُّمِّيَّاتِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ أَمَّا مَيْتَةُ الْآدَمِيِّ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْأَظْهَرِ فِي مَيْتَةِ
(1/172)
وَتَالِيَيْهِ فَظَاهِرَةٌ لِحِلِّ تَنَاوُلِ الْأَخِيرَيْنِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] فِي الْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ تَكْرِيمُهُمْ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِمْ بِالْمَوْتِ وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجَسِ لَا نَجَاسَةُ الْأَبْدَانِ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ الزَّائِلَةُ الْحَيَاةُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا جَنِينُ الْمُذَكَّاةِ وَالصَّيْدُ الْمَيِّتُ بِالضَّغْطَةِ وَالْبَعِيرُ النَّادُّ الْمَيِّتُ بِالسَّهْمِ (وَدَمٌ) لِمَا مَرَّ مِنْ تَحْرِيمِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] أَيْ سَائِلًا بِخِلَافِ غَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْآدَمِيِّ اهـ مُحَلِّي وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ نَجِسٌ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ تُسْتَثْنَى الْأَنْبِيَاءُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالشُّهَدَاءُ، وَهَلْ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُ يَطْهُرُ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ اهـ ق ل عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَتَالِيَيْهِ) وَهُمَا السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَسَوَاءٌ مَاتَا بِاصْطِيَادٍ أَمْ بِقَطْعِ رَأْسٍ، وَلَوْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ مِنْ الْكُفَّارِ أَمْ حَتْفَ أَنْفِهِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِأَنْ جَعَلَهُمْ يَأْكُلُونَ بِالْأَيْدِي وَغَيْرُهُمْ يَأْكُلُ بِفِيهِ مِنْ الْأَرْضِ، وَقِيلَ بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ بِالنُّطْقِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْخَطِّ وَالْفَهْمِ، وَقِيلَ بِاعْتِدَالِ الْقَامَةِ وَامْتِدَادِهَا، وَقِيلَ بِحُسْنِ الصُّورَةِ، وَقِيلَ الرِّجَالَ بِاللِّحَاءِ وَالنِّسَاءَ بِالذَّوَائِبِ، وَقِيلَ بِتَسْلِيطِهِمْ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي الْأَرْضِ وَتَسْخِيرِهِ لَهُمْ، وَقِيلَ بِحُسْنِ تَدْبِيرِهِمْ أَمْرَ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَآدَمُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَبُو الْبَشَرِ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي النَّبِيَّ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ وَعَلَّمَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَا لَمْ تَعْلَمْ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَجَعَلَ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ نَسْلِهِ وَهُوَ اسْمٌ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ أَيْ وَجْهِهَا أَوْ مِنْ الْأُدْمَةِ وَهِيَ السُّمْرَةُ خُلِقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأُسْكِنَ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنُبِّئَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتِيبَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجْتَمَعَ بِحَوَّاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَهُ مِنْ الْعُمْرِ أَلْفُ سَنَةٍ عَلَى مَا قِيلَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ، وَلَمْ يَمُتْ حَتَّى بَلَغَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَعَاشَتْ حَوَّاءُ بَعْدَهُ سَنَةً، وَقِيلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَدُفِنَتْ بِجَنْبِهِ اهـ سُحَيْمِيٌّ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ. (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ تَكْرِيمِهِمْ) أَيْ وَقَضِيَّةُ عُمُومِ تَكْرِيمِهِمْ فِي الْآيَةِ، إذْ لَمْ يَرِدْ تَخْصِيصٌ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ) أَيْ فَسَادٌ فَهُوَ تَجَوُّزٌ، فَإِنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْأَعْيَانِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ لَا نَجَاسَةُ الْأَبْدَانِ) قَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُشْرِكِينَ الْأَحْيَاءِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْمَوْتَى اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ الزَّائِلَةُ الْحَيَاةُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ) يَرِدُ عَلَيْهِ جَنِينُ الْمُذَكَّاةِ الَّذِي لَمْ تُحِلَّهُ الْحَيَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ لَهُ زَائِلَةٌ مَعَ أَنَّهُ طَاهِرٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ كَالْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ شَوْبَرِيٌّ بِالْمَعْنَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّائِلَةِ الْحَيَاةِ الْمَعْدُومَةُ الْحَيَاةِ فَيَصْدُقُ بِعَدَمِ وُجُودِ حَيَاةٍ رَأْسًا اهـ شَيْخُنَا ح ف. وَقَوْلُ الشَّوْبَرِيِّ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ ضَعِيفٌ فَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ أَنَّ الْمُضْغَةَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَمِثْلُهَا الْعَلَقَةُ بِالْأَوْلَى وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ وَلَا بُدَّ فِي الْحِلِّ أَيْ حِلِّ الْجَنِينِ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ مُؤَثِّرَةً فِيهِ فَلَوْ كَانَ مُضْغَةً لَمْ تَتَبَيَّنْ بِهَا صُورَةٌ لَمْ تَحِلَّ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ) ، وَمِنْ الْمُذَكَّاةِ ذَكَاةً غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ غَيْرُ الْمَأْكُولِ إذَا ذُبِحَ وَالْمَأْكُولُ إذَا ذَبَحَهُ مَنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ كَمَجُوسِيٍّ أَوْ مُحْرِمٍ وَالْمَذْبُوحُ صَيْدٌ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمٌ) أَيْ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ فَهُوَ غَايَةٌ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَمَيْتَةُ غَيْرِ بَشَرٍ وَلَيْسَ غَايَةً فِي التَّعْرِيفِ وَالْغَرَضُ الرَّدُّ عَلَى الْقَفَّالِ الْقَائِلِ بِطَهَارَةِ هَذِهِ الْمَيْتَةِ وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ غَايَةً فِي مَدْخُولِ غَيْرِ وَهُوَ الذَّكَاةُ الشَّرْعِيَّةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَمَّا مَا زَالَتْ حَيَاتُهُ بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمٌ عِنْدَ الذَّبْحِ وَيَكُونُ الْغَرَضُ أَيْضًا الرَّدَّ عَلَى الْقَفَّالِ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْمُذَكَّاةَ الَّتِي لَمْ يَسِلْ دَمُهَا وَقْتَ الذَّبْحِ مَيْتَةٌ نَجِسَةٌ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهَا جَنِينَ الْمُذَكَّاةِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ ذَلِكَ ذَكَاةً لَهُ اهـ ح ف. (قَوْلُهُ بِالضَّغْطَةِ) أَيْ الزَّحْمَةِ وَالْإِلْجَاءِ إلَى حَائِطٍ يُقَالُ ضَغَطَهُ ضَغْطًا مِنْ بَابِ نَفَعَ زَحَمَهُ إلَى حَائِطٍ وَعَصَرَهُ وَمِنْهُ ضَغْطَةُ الْقَبْرِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَدَمٌ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ، وَلَوْ تَحَلَّبَ مِنْ سَمَكٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] أَيْ سَائِلًا وَخَرَجَ بِالْمَسْفُوحِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ. وَأَمَّا الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ مِنْ الْمُذَكَّاةِ فَنَجَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَفْوَ لَا يُنَافِي النَّجَاسَةَ فَمُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِطَهَارَتِهِ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ فَنَجَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ ذُبِحَتْ شَاةٌ وَقُطِعَ لَحْمُهَا وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَثَرٌ مِنْ الدَّمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الْبَقَرِ الَّتِي تُذْبَحُ فِي الْمَحِلِّ الْمُعَدِّ لِذَبْحِهَا الْآنَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِإِزَالَةِ الدَّمِ عَنْهَا، فَإِنَّ الْبَاقِي مِنْ الدَّمِ عَلَى اللَّحْمِ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ قَلَّ لِاخْتِلَاطِهِ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ تَصْوِيرٌ حَسَنٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْعَفْوِ عَمَّا ذُكِرَ بَيْنَ الْمُبْتَلَى بِهِ كَالْجَزَّارِينَ وَغَيْرِهِمْ اهـ ع ش
(1/173)
السَّائِلِ كَطِحَالٍ وَكَبِدٍ وَعَلَقَةٍ (وَقَيْحٌ) ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ.
(وَقَيْءٌ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ كَالْغَائِطِ (وَرَوْثٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ أَيْضًا وَدَمٌ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَنِيُّ إذَا خَرَجَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ اهـ زي (قَوْلُهُ وَكَبِدٌ) أَيْ، وَإِنْ سُحِقَ وَصَارَ كَالدَّمِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ) لَكَ أَنْ تَقُولَ كَوْنُهُ كَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ بِدَلِيلِ الْمَنِيِّ وَاللَّبَنِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ إلَى فَسَادٍ لَا إلَى صَلَاحٍ تَأَمَّلْ اهـ سم.
(قَوْلُهُ وَقَيْءٍ) حَاصِلُ مَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ قِسْمَانِ قِسْمٌ يَدْخُلُ مِنْ خَارِجٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَتَى جَاوَزَ فِي دُخُولِهِ مَخْرَجَ الْحَاءِ، ثُمَّ خَرَجَ فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَعِدَةِ وَقِسْمٌ يَخْرُجُ مِنْ دَاخِلٍ كَالْبَلْغَمِ فَلَا يَكُونُ نَجِسًا إلَّا إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَعِدَةِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ فَوْقِهَا، وَلَوْ مِنْ الصَّدْرِ فَلَيْسَ بِنَجِسٍ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالْبَلْغَمُ الصَّاعِدُ مِنْ الْمَعِدَةِ نَجِسٌ بِخِلَافِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ أَوْ الصَّدْرِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ وَالْمَاءُ السَّائِلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ نَجِسٌ إنْ كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ كَأَنْ خَرَجَ مُنْتِنًا بِصُفْرَةٍ لَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ مِنْهَا أَوْ لَا، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ نَعَمْ لَوْ اُبْتُلِيَ بِهِ شَخْصٌ فَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ الْعَفْوُ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ الْعَفْوُ أَيْ، وَإِنْ كَثُرَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسِيلَ عَلَى مَلْبُوسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْفَى عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ إذَا مَسَّهُ بِلَا حَاجَةٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ سم عَلَى حَجّ أَنَّهُ لَوْ مَسَّ نَجَاسَةً مَعْفُوًّا عَنْهَا عَلَى غَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهَا فِي حَقِّهِ حَيْثُ كَانَ مَسُّهُ بِلَا حَاجَةٍ اهـ بِالْمَعْنَى وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ شَرِبَ مِنْ إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ أَكَلَ مِنْ طَعَامٍ وَمَسَّ الْمِلْعَقَةَ مَثَلًا بِفَمِهِ وَوَضَعَهَا فِي الطَّعَامِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ مَا فِي الْإِنَاءِ مِنْ الْمَاءِ وَلَا مِنْ الطَّعَامِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنَجُّسُ فَلَوْ انْصَبَّ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ شَيْءٌ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّا لَمْ نَحْكُمْ بِنَجَاسَةِ الطَّعَامِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مُتَغَيِّرًا، وَلَوْ مَا فَوْقَ الْقُلَّتَيْنِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ ادَّعَى أَنَّ الْمَاءَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يَكُونُ مُتَنَجِّسًا لَا نَجِسًا يَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْجُبِّ وَفَرَّقَ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْبَاطِنِ فِي الْمَائِعِ فَوْقَ تَأْثِيرِهِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ ح ل فَالْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِلَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الْقُلَّتَيْنِ وَلِلرَّدِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَبْلُغُهُمَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) أَيْ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْمَعِدَةِ الْإِحَالَةُ فَلَا يَجِبُ تَسْبِيعُ فَمِ مَنْ تَقَايَأَ مُغَلَّظًا قَبْلَ اسْتِحَالَتِهِ وَلَا دُبُرِهِ كَذَلِكَ وَنُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ وُجُوبُ تَسْبِيعِ الْفَمِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحِيلِ لَكِنَّ الَّذِي فِي شَرْحِهِ خِلَافُهُ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ حَجّ بِوُجُوبِ تَسْبِيعِ الدُّبُرِ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْمُسْتَحِيلِ، وَلَوْ اُبْتُلِيَ شَخْصٌ بِالْقَيْءِ عُفِيَ عَنْهُ مِنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَإِنْ كَثُرَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ، وَكَذَا مَنْ اُبْتُلِيَ بِسَيَلَانِ الْمَاءِ مِنْ فِيهِ وَهُوَ نَائِمٌ إنْ عُلِمَتْ نَجَاسَتُهُ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِتَغَيُّرِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَسَأَلْت الْأَطِبَّاءَ عَنْهُ فَأَنْكَرُوا كَوْنَهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَمِثْلُهُ بِالْأُولَى مَا لَوْ اُبْتُلِيَ بِدَمْيِ لِثَتِهِ وَالْمُرَادُ بِالِابْتِلَاءِ بِذَلِكَ أَنْ يَكْثُرَ وُجُودُهُ بِحَيْثُ يَقِلُّ خُلُوُّهُ مِنْهُ وَالْبَلْغَمُ الصَّاعِدُ مِنْ الْمَعِدَةِ نَجِسٌ بِخِلَافِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ أَوْ الصَّدْرِ وَيُقَالُ لَهُ النُّخَامَةُ بِالْمِيمِ أَوْ الْعَيْنِ، وَقِيلَ الثَّانِي اسْمٌ لِلنَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ.
(فَائِدَةٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ الْقَيْءِ عَسَلُ النَّحْلِ فَهُوَ طَاهِرٌ لَا نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ فَمِ النَّحْلَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ مِنْ دُبُرِهَا فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الرَّوْثِ، وَقِيلَ مِنْ ثَدْيَيْنِ صَغِيرَيْنِ تَحْتَ جَنَاحِهَا فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ لَبَنِ مَا لَا يُؤْكَلُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ كَالْغَائِطِ) فِي هَذَا الصَّنِيعِ شَيْءٌ حَيْثُ قَاسَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَقِيسٌ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ فَلْيُرَاجَعْ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَقِيسِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ أَيْضًا كَالْغَائِطِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْغَائِطِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْقَيْءَ مَقِيسًا عَلَى الْبَوْلِ بَلْ جَعَلَهُ مَقِيسًا عَلَى الْغَائِطِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ الْبَوْلِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ وَرَوْثٍ) أَيْ، وَلَوْ مِنْ طَيْرٍ مَأْكُولٍ أَوْ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ أَوْ سَمَكٍ أَوْ جَرَادٍ وَالرَّوْثُ وَالْعَذِرَةُ مُتَرَادِفَانِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْعَذِرَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْآدَمِيِّ وَالرَّوْثُ أَعَمُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ الرَّوْثُ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ الْآدَمِيِّ وَفِي الْمُحْكَمِ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِذِي الْحَافِرِ وَالْعَذِرَةُ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ كَلِمَةٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَشَمِلَ الرَّوْثُ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَا صَحَّحَاهُ وَحَمَلَ الْقَائِلُ بِذَلِكَ الْأَخْبَارَ الَّتِي يَدُلُّ ظَاهِرُهَا لِلطَّهَارَةِ كَعَدَمِ إنْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُرْبَ أُمِّ أَيْمَنَ بَوْلَهُ عَلَى التَّدَاوِي لَكِنْ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِطَهَارَتِهَا وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْبَارِزِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأَلْقَى اللَّهُ بِهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّ بِهِ الْفَتْوَى
(1/174)
بِمُثَلَّثَةٍ كَالْبَوْلِ نَعَمْ مَا أَلْقَاهُ الْحَيَوَانُ مِنْ حَبٍّ مُتَصَلِّبٍ لَيْسَ بِنَجِسٍ بَلْ مُتَنَجِّسٌ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ (وَبَوْلٌ) لِلْأَمْرِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي خَبَرِ الشَّيْخَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الطَّهَارَةِ (وَمَذْيٌ) بِمُعْجَمَةٍ لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ فِي خَبَرِ الشَّيْخَيْنِ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ غَالِبًا عِنْدَ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ قَوِيَّةٍ. (وَوَدْيٌ) بِمُهْمَلَةٍ كَالْبَوْلِ وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يَخْرُجُ إمَّا عَقِبَهُ حَيْثُ اسْتَمْسَكَتْ الطَّبِيعَةُ أَوْ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ.
(وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَصَحَّحَهُ الْقَايَاتِيُّ، وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ، وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ تَكَاثَرَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَّهُ الْأَئِمَّةُ فِي خَصَائِصِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى خِلَافِهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي كُتُبِ كَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهَا اهـ.
وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَهَلْ تَنَزُّهُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمَزِيدٍ النَّظَافَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي طَرْدُ الطَّهَارَةِ فِي فَضَلَاتِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ سَوَاءٌ قَبْلَ النُّبُوَّةِ أَوْ بَعْدَهَا وَنَازَعَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي ذَلِكَ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ نَعَمْ مَا أَلْقَاهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَيْءِ وَالرَّوْثِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ مِنْ حَبٍّ مُتَصَلِّبٍ) أَيْ صَلَابَتُهُ بَاقِيَةٌ بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ لَنَبَتَ، وَكَذَا مَا أَلْقَاهُ مِنْ بَيْضَةٍ ابْتَلَعَهَا بِحَيْثُ لَوْ حُضِّنَتْ لَفَرَّخَتْ وَبَزْرُ الْقَزِّ وَهُوَ الْبَيْضُ الَّذِي يُجْمَعُ مِنْهُ دُودُ الْقَزِّ طَاهِرٌ، وَكَذَا نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَعَنْ الْعُدَّةِ وَالْحَاوِي الْجَزْمُ بِنَجَاسَةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَالْقَزْوِينِيِّ أَنَّهُ مِنْ لُعَابِهَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهَا تَتَغَذَّى بِالذُّبَابِ الْمَيِّتِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ الطَّهَارَةُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ كَوْنِهِ مِنْ لُعَابِهَا وَأَنَّهَا لَا تَتَغَذَّى إلَّا بِذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ النَّسْجَ قَبْلَ احْتِمَالِ طَهَارَةٍ فِيهَا وَأَنَّى بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ وَبَوْلٍ) وَالْحَصَاةُ الَّتِي تَخْرُجُ عَقِبَهُ إنْ تَيَقَّنَ انْعِقَادَهَا مِنْهُ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ مُتَنَجِّسَةٌ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ سم.
(فَرْعٌ) أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِطَهَارَةِ الْحَصَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَجَرٌ خَلَقَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَلَيْسَ مُنْعَقِدًا مِنْ نَفْسِ الْبَوْلِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِانْعِقَادِهَا مِنْ نَفْسِ الْبَوْلِ فَيَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهَا اهـ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ بِمُعْجَمَةٍ) قَالَ الدَّمِيرِيُّ فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَفْصَحُهَا إسْكَانُ الدَّالِ وَثَانِيهَا كَسْرُهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَثَالِثُهَا كَسْرُهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ كَشَجًى وَعَمًى اهـ رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ) أَيْ لَمَّا قَالَ كُنْت رَجُلًا مَذَّاذًا بِذَالَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ كَثِيرَ الْمَذْيِ وَكُنْت إذَا أَمَذَيْت اغْتَسَلْت حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي فَاسْتَحْيَيْت أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ لِقُرْبِ ابْنَتِهِ مِنِّي فَأَمَرْت الْمُغِيرَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ الْمِقْدَادِ وَفِي رِوَايَةٍ عَمَّارًا فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ بِحَضْرَتِي فَقَالَ «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَقَوْلُهُ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ أَيْ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَذْيِ كَمَا فِي رِوَايَةِ إذَا أَمَذَى الرَّجُلُ غَسَلَ الْحَشَفَةَ فَلَا تَجِبُ الْمُجَاوَزَةُ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ كُلَّهُ لِظَاهِرِ الْإِطْلَاقِ فِي الْحَدِيثِ، وَهَلْ غَسْلُ كُلِّهِ عَلَى هَذَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى أَوْ لِلتَّعَبُّدِ وَأَبْدَى الطَّحَاوِيُّ لَهُ حِكْمَةً وَهِيَ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ الذَّكَرَ كُلَّهُ تَقَلَّصَ فَبَطَلَ خُرُوجُ الْمَذْيِ كَمَا فِي الضَّرْعِ إذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ يَتَفَرَّقُ اللَّبَنُ إلَى دَاخِلِ الضَّرْعِ فَيَنْقَطِعُ خُرُوجُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَبُّدِ تَجِبُ النِّيَّةُ اهـ قَسْطَلَّانِيٌّ عَلَى الْبُخَارِيِّ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ) فِي تَعْلِيقِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ أَبْيَضَ ثَخِينًا وَفِي الصَّيْفِ أَصْفَرَ رَقِيقًا وَرُبَّمَا لَا يُحِسُّ بِخُرُوجِهِ وَهُوَ أَغْلَبُ فِي النِّسَاءِ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ خُصُوصًا عِنْدَ هَيَجَانِهِنَّ اهـ شَرْحُ م ر.
وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ نَعَمْ يُعْفَى عَنْهُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِمَاعِ اهـ. وَذَكَرَ عُلَمَاءُ التَّشْرِيحِ أَنَّ فِي الذَّكَرِ ثَلَاثَ مَجَارٍ: مَجْرَى لِلْمَنِيِّ، وَمَجْرَى لِلْبَوْلِ وَالْوَدْيِ، وَمَجْرَى بَيْنَهُمَا لِلْمَذْيِ اهـ ح ل.
وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ مَا نَصُّهُ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ نَظَرٌ كَشَيْخِنَا م ر وحج وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذِهِ الْمَجَارِيَ الثَّلَاثَةَ مِنْ فَرْجِ الْآدَمِيِّ لَا فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ، ثُمَّ رَأَيْت عَنْ الْبُلْقِينِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَهِيمَةِ إلَّا مَنْفَذٌ وَاحِدٌ لِلْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ فَرَاجِعْهُ اهـ. (قَوْلُهُ بِمُهْمَلَةٍ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ بِمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَيُقَالُ بِالْمُعْجَمَةِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ انْتَهَتْ اهـ رَشِيدِيٌّ. وَقَوْلُهُ كَالْبَوْلِ هَلَّا قَاسَهُ عَلَى الْمَذْيِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِهِ وَلَعَلَّهُ قَاسَهُ عَلَى الْبَوْلِ لِوُضُوحِ دَلِيلِهِ أَعْنِي صَبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، وَقِيلَ قَاسَهُ عَلَى الْبَوْلِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْمَذْيُ خَاصٌّ بِالْكَبِيرِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ حَيْثُ اسْتَمْسَكَتْ الطَّبِيعَةُ) أَيْ يَبِسَ مَا فِيهَا فَلَا يَخْرُجُ بِسُهُولَةٍ اهـ شَيْخُنَا عَنْ الْقَلْيُوبِيِّ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ أَوْ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ) أَيْ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْبَالِغِينَ. وَأَمَّا الْمَذْيُ فَيُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُهُ بِهِمْ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ نَاشِئٌ عَنْ الشَّهْوَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ وَلَبَنِ مَا لَا يُؤْكَلُ) أَيْ بِخِلَافِ بَيْضِهِ وَمَنِيِّهِ، فَإِنَّهُمَا طَاهِرَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنِيِّ وَبَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ حَيْثُ حُكِمَ بِطَهَارَتِهِمَا وَبَيْنَ لَبَنِهِ حَيْثُ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَنِيِّ وَالْبَيْضِ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ بِخِلَافِ
(1/175)
غَيْرَ بَشَرٍ) كَلَبَنِ الْأَتَانِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ مِنْ الْبَاطِنِ كَالدَّمِ.
أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ وَلَبَنُ الْبَشَرِ فَظَاهِرَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] . وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ نَجِسًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُنْثَى الْكَبِيرَةِ الْحَيَّةِ وَغَيْرِهَا كَمَا شَمِلَهُ تَعْبِيرُ الصَّيْمَرِيِّ بِلَبَنِ الْآدَمِيِّينَ وَالْآدَمِيَّاتِ، وَقِيلَ لَبَنُ الذَّكَرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَيِّتَةِ نَجِسٌ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَجَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَرَامَةَ الثَّابِتَةَ لِلْبَشَرِ الْأَصْلُ شُمُولُهَا لِلْكُلِّ وَتَعْبِيرُ جَمَاعَةٍ بِالْآدَمِيَّاتِ الْمُوَافِقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
اللَّبَنِ، فَإِنَّهُ مُرَبَّاهُ وَالْأَصْلُ أَقْوَى مِنْ الْمُرَبِّي اهـ ح ل.
(فَرْعٌ) سَائِرُ الْبُيُوضِ طَاهِرَةٌ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ، وَإِنْ اسْتَحَالَتْ دَمًا بِحَيْثُ لَوْ حُضِنَتْ لَفَرَّخَتْ وَلَكِنْ يَحْرُمُ أَكْلُ مَا يَضُرُّ كَبَيْضِ الْحَيَّاتِ وَكُلُّهَا بِالضَّادِ إلَّا بَيْضَ النَّمْلِ فَبِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْعِمَادِ فِي الْمَعْفُوَّاتِ مَعَ شَرْحِهَا ل م ر
بَيْضُ الْحِدَاءِ وَبَيْضُ الصَّقْرِ حِلٌّ فَكُلْ ... بَيْضَ الْغُرَابِ وَكُلْ مِنْ بَيْضِ بُومَتِهِ
والسُّلْحِفَاةُ كَذَا التِّمْسَاحُ مَعَ وَرَلٍ
حُكْمُ بَيْضِ الْغُرَابِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَكُلْ مِنْ بَيْضِ لِقُوَّتِهِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا الْعُقَابِ وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ بَيْضُ كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَذَا النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ صَنَّفَهُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ إنْ قُلْنَا بِطَهَارَةِ مَنِيِّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَبَيْضُهُ طَاهِرٌ يَجُوزُ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ.
وَفِي الْجَوَاهِرِ لِلْقَمُولِيِّ لَا يُقْضَى بِحُرْمَتِهِ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِجَوَازِ أَكْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْبَيْع حَيْثُ قَالَ يَجُوزُ بَيْعُ بَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْجَوَارِحِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَهَذِهِ الْبُيُوضُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا غَيْرُ الْأَكْلِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ كَالدَّمِ) الدَّلِيلُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْقِيَاسُ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ بَيَانٌ لِلْجَامِعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِجَامِعِ الِاسْتِحَالَةِ فِي الْبَطْنِ فِي كُلٍّ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ مُسْتَحِيلًا عَنْ الْمَاءِ وَاللَّبَنُ عَنْ الدَّمِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ إلَخْ) أَيْ إنْ انْفَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ تَذْكِيَتِهِ أَوْ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ، وَلَوْ مِنْ ذَكَرٍ كَالثَّوْرِ أَوْ مِمَّنْ وَلَدَتْ غَيْرَ مَأْكُولٍ كَخِنْزِيرٍ مِنْ شَاةٍ، فَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ فَنَجِسٌ إنْ كَانَ مِمَّا مَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ وَإِلَّا كَجَرَادٍ لَوْ كَانَ لَهُ لَبَنٌ فَيَنْبَغِي طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ كَالْبَيْضِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِنَجَاسَتِهِ اهـ قَلْيُوبِيٌّ عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَفِي اللَّبَنِ سَبْعُ فَضَائِلَ نَظَمَهَا شَيْخُنَا بِقَوْلِهِ
وَسَبْعَةٌ فِي لَبَنٍ قَدْ حَصَلَتْ ... مِنْ مِنَنِ اللَّهِ عَلَيْنَا الْعِظَامِ
غِذًى وَرَيٌّ دَسَمٌ وَالدَّوَا ... عُذُوبَةٌ سَهْلُ مَسَاغٍ إدَامُ
اهـ مَدَابِغِيٌّ. (قَوْلُهُ أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ خَرَجَ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا فَرْقَ بَيْنَ لَبَنِ الْبَقَرَةِ وَالْعِجْلَةِ وَالثَّوْرِ وَالْعِجْلِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ أَوْ لَا إنْ وُجِدَتْ فِيهِ خَوَاصُّ اللَّبَنِ كَنَظِيرِهِ فِي الْمَنِيِّ أَمَّا مَا أَخَذَهُ مِنْ ضَرْعِ بَهِيمَةٍ مَيِّتَةٍ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْإِنْفَحَةُ طَاهِرَةٌ وَهِيَ لَبَنٌ فِي جَوْفِ نَحْوِ سَخْلَةٍ فِي جِلْدَةٍ تُسَمَّى أَنَفْحَةً أَيْضًا إنْ كَانَتْ مِنْ مُذَكَّاةٍ لَمْ تَطْعَمْ غَيْرَ اللَّبَنِ وَسَوَاءٌ فِي اللَّبَنِ لَبَنُ أُمِّهَا أَمْ غَيْرِهِ شَرِبَتْهُ أَمْ سُقِيَ لَهَا طَاهِرًا كَانَ أَمْ نَجِسًا، وَلَوْ مِنْ نَحْوِ كَلْبَةٍ خَرَجَ عَلَى هَيْئَتِهِ حَالًا أَمْ لَا وَلَا فَرْقَ فِي طَهَارَتِهَا عِنْدَ تَوَفُّرِ الشُّرُوطِ بَيْنَ مُجَاوَزَتِهَا زَمَنًا تُسَمَّى فِيهَا سَخْلَةً أَوْ لَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَقَدْ ذَكَرْت الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُسْلِ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ سِوَى اللَّبَنَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ نَعَمْ يُعْفَى عَنْ الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ بِالْإِنْفَحَةِ مِنْ حَيَوَانٍ تَغَذَّى بِغَيْرِ اللَّبَنِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إذْ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَصَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِالْعَفْوِ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ الْمَشَقَّةُ فِيهَا أَخَفُّ مِنْ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ اهـ شَرْحُ م ر.
وَالْإِنْفَحَةُ مَأْكُولَةٌ، وَكَذَا مَا فِيهَا إنْ أُخِذَتْ مِنْ مَذْبُوحٍ لَمْ يَأْكُلْ غَيْرَ اللَّبَنِ، وَإِنْ جَاوَزَ سَنَتَيْنِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطِّفْلِ غَيْرُ خَفِيٍّ اهـ ع ش عَلَيْهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلَهُ نَعَمْ يُعْفَى عَنْ الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ بِالْإِنْفَحَةِ إلَخْ مُرَادُهُ بِالْعَفْوِ الطَّهَارَةُ كَمَا ذَكَرَهُ م ر عَلَى الْعُبَابِ فَتَصِحُّ صَلَاةُ حَامِلِهِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ فَمِهِ مِنْهُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَلْ يَلْحَقُ بِالْإِنْفَحَةِ الْخُبْزُ الْمَخْبُوزُ بِالسِّرْجِينِ أَمْ لَا الظَّاهِرُ الْإِلْحَاقُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ بِالدَّرْسِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ) أَيْ مُرَبَّاهُ أَيْ الْغِذَاءُ الَّذِي يَتَرَبَّى بِهِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ الصَّيْمَرِيُّ) هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الْحُسَيْنِ الصَّيْمَرِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا نِسْبَةً إلَى صَيْمَرَ نَهْرٌ بِالْبَصْرَةِ عَلَيْهِ عِدَّةُ قُرَى تَفَقَّهَ عَلَى الْمَاوَرْدِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَأَخَذَ عَنْهُ كَثِيرٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ) فَعُلِمَ أَنَّ لَبَنَ الصَّغِيرَةِ طَاهِرٌ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَنِيِّ الصَّغِيرَةِ حَيْثُ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِي طَهَارَةِ اللَّبَنِ كَوْنُهُ غِذَاءً وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ الصِّغَرِ وَثَمَّ كَوْنُهُ أَصْلَ آدَمِيٍّ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ فِي سِنِّهِ.
(فَرْعٌ) لَوْ شَكَّ فِي اللَّبَنِ أَمِنْ مَأْكُولٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ لَا
(1/176)
لِتَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَمَا زِيدَ عَلَى الْمَذْكُورَاتِ مِنْ نَحْوِ الْجِرَّةِ وَمَاءِ الْمُتَنَفِّطِ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّ بَعْضَهُ يُعْلَمُ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ (و) جُزْءٌ (مُبَانٌ مِنْ حَيٍّ كَمَيْتَتِهِ) طَهَارَةً وَنَجَاسَةً لِخَبَرِ «مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَجُزْءُ الْبَشَرِ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ طَاهِرٌ دُونَ جُزْءِ غَيْرِهَا (إلَّا نَحْوَ شَعْرِ) حَيَوَانٍ (مَأْكُولٍ) كَصُوفِهِ وَوَبَرِهِ وَمِسْكِهِ وَفَأْرَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
فَهُوَ طَاهِرٌ خِلَافًا لِلْأَنْوَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ لِتَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ) هُوَ قَوْلُهُ فَلَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ نَجِسًا اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ مِنْ نَحْوِ الْجِرَّةِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَجِرَّةٌ وَمِرَّةٌ وَمِثْلُهُمَا سُمُّ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَسَائِرِ الْهَوَامِّ فَيَكُونُ نَجِسًا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِلَسْعَةِ الْحَيَّةِ؛ لِأَنَّ سُمَّهَا يَظْهَرُ عَلَى مَحَلِّ اللَّسْعَةِ لَا الْعَقْرَبِ؛ لِأَنَّ إبْرَتَهَا تَغُوصُ فِي بَاطِنِ اللَّحْمِ وَتَمُجُّ السُّمَّ فِي بَاطِنِهِ وَهُوَ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ بُطْلَانِهَا بِالْحَيَّةِ دُونَ الْعَقْرَبِ هُوَ الْأَوْجَهُ إلَّا إنْ عَلِمَ مُلَاقَاةَ السُّمِّ لِلظَّاهِرِ أَوْ لِمَا لَاقَاهُ الظَّاهِرُ لِسُمِّهَا وَمَحِلُّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرَارَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِيهَا أَمَّا هِيَ فَمُتَنَجِّسَةٌ كَالْكَرِشِ فَتَطْهُرُ بِغَسْلِهَا. وَأَمَّا الْخَرَزَةُ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْمَرَارَةِ وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ فِي الْخَادِمِ نَجَاسَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَجَسَّدَتْ مِنْ النَّجَاسَةِ فَأَشْبَهَتْ الْمَاءَ النَّجِسَ إذَا انْعَقَدَ مِلْحًا انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وَمَحِلُّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرَارَةِ يُعَبِّرُ فِيمَا مَرَّ بِالْمَرَارَةِ بَلْ بِالْمُرَّةِ وَهِيَ اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي فِي الْجِلْدَةِ وَالْجِلْدَةُ تُسَمَّى مَرَارَةً وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّقْيِيدِ.
وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ الْمَرَارَةُ الَّتِي فِيهَا الْمُرَّةُ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ أَيْضًا مِنْ نَحْوِ الْجِرَّةِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ وَنَحْوُهُ لِيَجْتَرَّ عَلَيْهِ أَيْ لِيَأْكُلَهُ ثَانِيًا. وَأَمَّا قُلَّةُ الْبَعِيرِ وَهِيَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ جَانِبِ فِيهِ إذَا حَصَلَ لَهُ مَرَضُ الْهِيَاجِ فَظَاهِرُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ اللِّسَانِ اهـ أُجْهُورِيٌّ وَجَمْعُ الْجِرَّةِ جِرَرٌ كَسِدْرَةٍ وَسِدَرٍ اهـ مِصْبَاحٌ. (قَوْلُهُ وَمَاءِ الْمُتَنَفِّطِ) ، وَكَذَا الْجُدَرِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْعَامَّةِ جِدْرِيٌّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ فَلَحْنٌ.
(تَنْبِيهٌ) اللَّبَنُ أَفْضَلُ مِنْ عَسَلِ النَّحْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ. وَأَمَّا اللَّبَنُ وَاللَّحْمُ فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ أَفْتَى الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ اللَّبَنَ أَفْضَلُ مِنْ اللَّحْمِ لَكِنْ نَقَلَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَدِيثَ «سَيِّدُ إدَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» قَالَ وَلَدُهُ فَلَعَلَّ الْوَالِدَ لَمْ يَسْتَحْضِرْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ فَفَضَّلَ اللَّبَنَ عَلَى اللَّحْمِ وَوَرَدَ أَيْضًا أَفْضَلُ طَعَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ فَهِيَ فِي مَعْنَاهَا) فَالْجِرَّةُ فِي مَعْنَى الْقَيْءِ وَالْمُتَنَفِّطُ فِي مَعْنَى الْقَيْحِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ بَعْضَهُ) وَهُوَ مَاءُ الْمُتَنَفِّطِ، وَقَوْلُهُ يُعْلَمُ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ عِبَارَتُهُ هُنَاكَ مَتْنًا وَشَرْحًا كَالدَّمِ فِيمَا ذُكِرَ قَيْحٌ وَهُوَ مِدَّةٌ لَا يُخَالِطُهَا دَمٌ وَصَدِيدٌ وَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ يُخَالِطُهُ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُمَا وَمَاءُ جُرُوحٍ وَمُتَنَفِّطٍ لَهُ رِيحٌ قِيَاسًا عَلَى الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، أَمَّا مَا لَا رِيحَ لَهُ فَظَاهِرٌ كَالْعَرَقِ انْتَهَتْ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ نَفِطَتْ يَدُهُ نَفَطًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَنَفِيطًا إذَا صَارَ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ مَاءٌ الْوَاحِدَةُ نَفِطَةٌ وَالْجَمْعُ نَفِطٌ، مِثْلُ كَلِمَةٍ وَكَلِمٍ وَهُوَ الْجُدَرِيُّ وَرُبَّمَا جَاءَ عَلَى نَفِطَاتٍ، وَقَدْ تُخَفَّفُ الْوَاحِدَةُ وَالْجَمْعُ بِالسُّكُونِ اهـ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَقَابِيقُ الَّتِي تَخْرُجُ فِي ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَلَا يَكُونُ مَاؤُهَا نَجِسًا إلَّا إنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ. (قَوْلُهُ وَجُزْءٍ مُبَانٍ مِنْ حَيٍّ إلَخْ) ، وَمِنْهُ مَا يُسَمَّى ثَوْبُ الثُّعْبَانِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَانْظُرْ لَوْ اتَّصَلَ الْجُزْءُ الْمَذْكُورُ بِأَصْلِهِ وَحَلَّتْهُ الْحَيَاةُ هَلْ يَطْهُرُ وَيُؤْكَلُ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ أَوْ لَا وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى الْمَيْتَةَ، ثُمَّ ذُكِّيَتْ وَلَا يَظْهَرُ فِي هَذِهِ إلَّا الْحِلُّ فَكَذَا الْأَوْلَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(فَائِدَةٌ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ اهـ كَرْخِيٌّ عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ فَجُزْءُ السَّمَكِ وَالْبَشَرِ إلَخْ) ، وَمِنْهُ الْمَشِيمَةُ الَّتِي فِيهَا الْوَلَدُ طَاهِرَةٌ مِنْ الْآدَمِيِّ نَجِسَةٌ مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا الْمُنْفَصِلُ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهُ حُكْمُ مَيْتَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ إلَّا نَحْوَ شَعْرِ مَأْكُولٍ) أَيْ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ مَعَ قِطْعَةِ لَحْمٍ تُقْصَدُ وَإِلَّا فَهُوَ نَجِسٌ تَبَعًا لَهَا، وَإِنْ لَمْ تُقْصَدْ فَهُوَ طَاهِرٌ دُونَهَا وَتُغْسَلُ أَطْرَافُهُ إنْ كَانَ فِيهَا رُطُوبَةٌ أَوْ دَمٌ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا اهـ قَلْيُوبِيٌّ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ أَيْضًا إلَّا نَحْوَ شَعْرِ مَأْكُولٍ) أَيْ وَرِيشِهِ وَخَرَجَ بِالشَّعْرِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ الظَّلْفُ وَالْقَرْنُ وَالظُّفُرُ وَالسِّنُّ فَهِيَ نَجِسَةٌ لِفَقْدِ الْمَعْنَى الَّذِي خَرَجَ بِهِ نَحْوُ الشَّعْرِ اهـ حَجّ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمِسْكِهِ وَفَأْرَتِهِ) أَيْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ انْفِصَالَ كُلٍّ مِنْ ظَبْيَةِ مَيْتَةٍ، وَمِنْ الْمِسْكِ نَوْعٌ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ هُوَ أَطْيَبُهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالتُّرْكِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ لِنَجَاسَتِهِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ وَفَأْرَتِهِ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ خُرَاجٌ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ، مِثْلُ غُرَابٍ بِجَانِبِ سُرَّةِ الظَّبْيَةِ كَالسِّلْعَةِ تَحْتَكُّ لِإِلْقَائِهِ، وَقِيلَ بِجَوْفِهَا تُلْقِيهَا كَالْبَيْضَةِ بِخِلَافِ الْمِسْكِ التُّرْكِيِّ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَمٍ مُضَافٍ إلَيْهِ، وَقِيلَ إنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ حَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا يُؤْخَذُ مِنْ فَرْجِ الظَّبْيَةِ كَالْحَيْضِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ أَيْ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ فَهُوَ بِالْهَمْزِ فَقَطْ
(1/177)
(فَطَاهِرٌ) قَالَ تَعَالَى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] وَخَرَجَ بِالْمَأْكُولِ نَحْوُ شَعْرِ غَيْرِهِ فَنَجِسٌ، وَمِنْهُ نَحْوُ شَعْرِ عُضْوٍ أُبِينَ مِنْ مَأْكُولٍ؛ لِأَنَّ الْعُضْوَ صَارَ غَيْرَ مَأْكُولٍ (كَعَلَقَةٍ وَمُضْغَةٍ وَرُطُوبَةِ فَرْجٍ مِنْ) حَيَوَانٍ (طَاهِرٍ) ، وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ، فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ كَأَصْلِهَا وَقَوْلِي: نَحْوُ، وَمِنْ طَاهِرٍ مِنْ زِيَادَتِي.
(فَرْعٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَكَذَلِكَ جَمْعُهُ وَهُوَ فِئْرَانٌ اهـ شَيْخُنَا.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْفَأْرَةُ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ وَتَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْجَمْعُ فَأْرٌ، مِثْلُ فَلْسٍ وَفِئْرَانٌ وَفَأْرَةُ الْمِسْكِ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ فَارِسٍ. (قَوْلُهُ فَطَاهِرٌ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ انْفِصَالُهُ مِنْ مَيْتَةٍ وَمِثْلُهُ الْعَظْمُ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالْمِسْكُ طَاهِرٌ، وَكَذَا فَأْرَتُهُ بِشَعْرِهَا إنْ انْفَصَلَتْ فِي حَالِ حَيَاةِ الظَّبْيَةِ، وَلَوْ احْتِمَالًا فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ بَعْدَ ذَكَاتِهَا وَإِلَّا فَنَجِسَانِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ فِي الْمِسْكِ قِيَاسًا عَلَى الْإِنْفَحَةِ اهـ. (قَوْلُهُ أَيْضًا فَطَاهِرٌ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْمَجْزُورِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمُنْتَتِفِ سَوَاءٌ انْتَتَفَ أُمّ نُتِفَ وَالشَّعْرُ الْمَجْهُولُ انْفِصَالُهُ، هَلْ هُوَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ، أَوْ كَوْنُهُ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَهُ طَاهِرٌ عَمَلًا بِالْأَصْلِ؟ وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْعَظْمَ كَذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْجَوَاهِرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَيْنَا قِطْعَةَ لَحْمٍ مُلْقَاةً وَشَكَكْنَا هَلْ هِيَ مِنْ مُذَكَّاةٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ وَمِثْلُ الْعَظْمِ اللَّبَنُ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ أَوْ كَوْنُهُ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَهُ، وَمِنْهُ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي مِصْرَ مِنْ الْفِرَاءِ الَّتِي تُبَاعُ وَلَا يُعْرَفُ أَصْلُ حَيَوَانِهَا الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ هَلْ هُوَ مَأْكُولُ اللَّحْمِ أَوْ لَا، وَهَلْ أُخِذَ بَعْدَ تَذْكِيَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ أَصْوَافِهَا) مَحْمُولٌ عَلَى مَا أُخِذَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِخَبَرِ مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَيْتَتِهِ اهـ سم. (قَوْلُهُ فَنَجِسٌ) ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ شَعْرُ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ هَلْ أَبْيَنَ حَالَ الْحَيَاةِ أَوْ الْمَوْتِ حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَالْعَظْمُ الْمَشْكُوكُ فِي طَهَارَتِهِ كَذَلِكَ، وَكَذَا قَطْعُ جِلْدٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ نَحْوِ خِرْقَةٍ أَوْ زِنْبِيلٍ وَفَارَقَ اللَّحْمَ بِأَنَّ شَأْنَهُ الْحِفْظُ بِخِلَافِ الْعَظْمِ وَالْجِلْدِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ع ش، وَلَوْ شَكَّ فِي نَحْوِ شَعْرٍ أَوْ رِيشٍ أَهُوَ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ انْفَصَلَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ أَوْ فِي عَظْمٍ أَوْ جِلْدٍ هَلْ هُوَ مِنْ مُذَكَّى الْمَأْكُولِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ فِي لَبَنٍ أَهُوَ لَبَنُ مَأْكُولٍ أَوْ لَبَنُ غَيْرِهِ فَهُوَ طَاهِرٌ.
وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ طَهَارَةُ الْفَأْرَةِ أَيْ فَأْرَةِ الْمِسْكِ مُطْلَقًا إذَا شَكَّ فِي أَنَّ انْفِصَالَهَا مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ خِلَافًا فَالتَّفْصِيلُ فِيهَا لِلْإِسْنَوِيِّ وَفَارَقَ الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا الْحُكْمَ بِنَجَاسَةِ قِطْعَةِ لَحْمٍ وُجِدَتْ مَرْمِيَّةً فِي غَيْرِ ظَرْفٍ وَيُفَرَّقُ بِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِرَمْيِ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ بِخِلَافِ الْمَذْكُورَاتِ انْتَهَتْ وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ شَعْرِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَعَنْ قَلِيلِ شَعْرِ الْمَرْكُوبِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَعَنْ رَوْثِ السَّمَكِ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُغَيِّرَ الْمَاءَ وَلِمَا يَغْلِبُ تَرَشُّحُهُ كَدَمْعٍ وَبُصَاقٍ وَمُخَاطٍ حُكْمُ حَيَوَانِهِ طَهَارَةٌ وَنَجَاسَةٌ وَيُعْفَى عَنْ مَنْفَذِ الْحَيَوَانِ وَفَمِهِ وَرِجْلِهِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهَا إنْ وَقَعَ فِي مَائِعٍ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ كَعَلَقَةٍ) وَهِيَ دَمٌ غَلِيظٌ اسْتَحَالَ عَنْ الْمَنِيِّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُلُوقِهِ بِكُلِّ مَا لَامَسَهُ وَالْمُضْغَةُ قِطْعَةُ لَحْمٍ بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ اسْتَحَالَتْ عَنْ الْعَلَقَةِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ وَرُطُوبَةٍ فَرْجٍ) هِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا خَرَجَتْ مِنْ مَحَلٍّ يَجِبُ غَسْلُهُ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ مَحِلٍّ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَهِيَ نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّهَا رُطُوبَةٌ جَوْفِيَّةٌ وَهِيَ إذَا خَرَجَتْ إلَى الظَّاهِرِ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَإِذَا لَاقَاهَا شَيْءٌ مِنْ الطَّاهِرِ تَنَجَّسَ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ قَوْلُهُمْ بِعَدَمِ تَنْجِيسِ ذَكَرِ الْمُجَامِعِ مَعَ أَنَّهُ يُجَاوِزُ فِي الدُّخُولِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ عُفِيَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا عُفِيَ عَنْ الْوَلَدِ الْخَارِجِ مِنْ الْبَاطِنِ.
وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَحَلُّ عَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا رُطُوبَةٌ نَجِسَةٌ اهـ أَيْ بِأَنْ تَحَقَّقْنَا أَنَّ تِلْكَ الرُّطُوبَةَ مِنْ الْبَاطِنِ وَابْنِ حَجَرٍ جَعَلَ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: طَاهِرَةٌ قَطْعًا وَهِيَ الْخَارِجَةُ مِمَّا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَنَجِسَةٌ قَطْعًا وَهِيَ الْخَارِجَةُ مِنْ الْبَاطِنِ، وَطَاهِرَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ الْخَارِجَةُ مِنْ بَيْنِ الْبَاطِنِ وَمَا يَجِبُ غَسْلُهُ اهـ ح ل.
وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يُلَاقِيهِ بَاطِنُ الْفَرْجِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ هَلْ يَتَنَجَّسُ بِهِ ذَكَرُ الْمُجَامِعِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَاطِنِ لَا يَتَنَجَّسُ أَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَجِسٌ كَالنَّجَاسَاتِ الَّتِي فِي الْبَاطِنِ، فَإِنَّهَا مَحْكُومٌ بِنَجَاسَتِهَا وَلَكِنَّهَا لَا تُنَجِّسُ مَا أَصَابَهَا إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ بِالظَّاهِرِ وَمَعَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَتَنَجَّسُ ذَكَرُ الْمُجَامِعِ لِكَثْرَةِ الِابْتِلَاءِ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ أَدْخَلَتْ أُصْبُعَهَا لِغَرَضٍ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ الِابْتِلَاءُ بِهِ كَالْجِمَاعِ لَكِنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَيْهِ كَأَنْ أَرَادَتْ الْمُبَالَغَةَ فِي تَنْظِيفِ الْمَحِلِّ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ طَالَ ذَكَرُهُ وَخَرَجَ عَنْ الِاعْتِدَالِ أَنْ لَا يَتَنَجَّسَ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الرُّطُوبَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْبَاطِنِ الَّذِي لَا يَصِلُهُ ذَكَرُ الْمُجَامِعِ الْمُعْتَدِلُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَفُّظِ مِنْهُ فَاشْتَبَهَ مَا لَوْ اُبْتُلِيَ النَّائِمُ بِسَيَلَانِ الْمَاءِ مِنْ فَمِهِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ فَكَذَا هَذَا اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ كَأَصْلِهَا)
(1/178)
دُخَانُ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَبُخَارُهَا كَذَلِكَ إنْ تَصَاعَدَ بِوَاسِطَةِ نَارٍ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ تَفْصِلُهُ النَّارُ لِقُوَّتِهَا وَإِلَّا فَطَاهِرٌ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ نَجَاسَتَهُ أَوْ طَهَارَتَهُ (وَاَلَّذِي يَطْهُرُ مِنْ نَجِسِ الْعَيْنِ) شَيْئَانِ (خَمْرٌ) ، وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ (تَخَلَّلَتْ) أَيْ صَارَتْ خَلًّا (بِلَا) مُصَاحَبَةِ (عَيْنٍ) وَقَعَتْ فِيهَا، وَإِنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ أَوْ عَكْسُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَيْ وَهُوَ الْحَيَوَانُ لَا الْمَنِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ فَلَا يُقَالُ مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ مِنْ الْآدَمِيِّ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ مَا ذُكِرَ اهـ ح ل.
[فَرْعٌ دُخَانُ النَّجَاسَةِ]
(قَوْلُهُ دُخَانُ النَّجَاسَةِ إلَخْ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ، وَمِنْ دُخَانٍ نَجِسٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذِكْرُهُ هُنَا تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ وَبُخَارُهَا فَكَأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُ دُخَانُ النَّدِّ الْمَعْجُونُ بِالْخَمْرِ وَدُخَانٌ انْفَصَلَ مِنْ لَهِيبِ شَمْعَةٍ وَقُودُهَا نَجِسٌ وَدُخَانُ خَمْرٍ أُغْلِيَتْ عَلَى النَّارِ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ وَدُخَانُ حَطَبٍ أُوقِدَ بَعْدَ تَنَجُّسِهِ بِنَحْوِ بَوْلٍ. وَأَمَّا النُّوشَادِرُ وَتُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ بِالنَّشَادِرِ وَهُوَ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى، فَإِنْ تَحَقَّقَ انْعِقَادُهُ مِنْ دُخَانِ النَّجَاسَةِ أَوْ قَالَ عَدْلَانِ خَبِيرَانِ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا مِنْ دُخَانِهَا، فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَإِلَّا فَلَا وَالسُّمُّ نَجِسٌ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمَا ظَهَرَ مِنْهُ لَا بِمَا خَفِيَ كَاَلَّذِي مِنْ الْعَقْرَبِ؛ لِأَنَّهُ فِي الدَّاخِلِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ أَيْضًا دُخَانُ النَّجَاسَةِ) ، وَكَذَا دُخَانُ الْمُتَنَجِّسِ كَحَطَبٍ تَنَجَّسَ بِنَحْوِ بَوْلٍ قَالَهُ شَيْخُنَا وَبِهِ يُعْلَمُ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي الشِّتَاءِ اهـ عَشْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبُخَارُهَا كَذَلِكَ إلَخْ) ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ مِنْ حَرْقِ الْجُلَّةِ حَتَّى تَصِيرَ جَمْرًا لَا دُخَانَ فِيهِ لَكِنْ يَصْعَدُ مِنْهُ بُخَارٌ فَهُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ بُخَارٌ بِوَاسِطَةِ نَارٍ، وَلَوْ أُوقِدَ مِنْ هَذَا الْجَمْرِ شَيْءٌ كَيَدِك وَدَوَاةِ دُخَانٍ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رُطُوبَةٌ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِحَيْثُ يَتَنَجَّسُ بِهَا الطَّاهِرُ كَانَ الدُّخَانُ الْمُتَصَاعِدُ نَجِسًا وَإِلَّا فَلَا اهـ عَزِيزِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَبُخَارُهَا كَذَلِكَ إلَخْ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ نَشَّفَ شَيْئًا رَطْبًا عَلَى اللَّهَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الدُّخَانِ لَا يَتَنَجَّسُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي ابْنِ الْعِمَادِ مِنْ كِتَابِ دَفْعِ الْإِلْبَاسِ عَنْ وَهْمِ الْوَسْوَاسِ مَا نَصُّهُ السَّابِعُ إذَا أُوقِدَ بِالْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ تَصَاعَدَتْ النَّارُ وَتَصَاعَدَ مِنْ النَّارِ الدُّخَانُ، وَقَدْ سَبَقَ حُكْمُ الدُّخَانِ. وَأَمَّا النَّارُ الْمُتَصَاعِدَةُ فِي حَالِ الْوُقُودِ فَلَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْوُقُودِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَأْكُلُ الْوُقُودَ وَيَخْرُجُ مِنْ الدُّخَانِ أَجْزَاءٌ لَطِيفَةٌ تَنْفَصِلُ مِنْ الْوُقُودِ وَلِهَذَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ الْهِبَابُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النَّارَ الْمُتَصَاعِدَةَ مِنْ الدُّخَانِ إذَا مَسَّتْ ثَوْبًا رَطْبًا لَمْ يُحْكَمْ بِتَنْجِيسِهِ إلَّا أَنَّهَا فِي الْغَالِبِ تَخْتَلِطُ بِالدُّخَانِ بِدَلِيلِ أَنَّ الدُّخَانَ يَصْعَدُ مِنْ أَعْلَاهَا فِي حَالِ التَّلَهُّبِ وَالدُّخَانُ يَخْتَلِطُ بِهَا وَلِهَذَا إذَا لَاقَتْ النَّارُ شَيْئًا رَطْبًا أَسْوَدَ مِنْ الدُّخَانِ الَّذِي هُوَ مُخْتَلِطٌ بِهَا فَعَلَى هَذَا إذَا لَاقَاهَا شَيْءٌ رَطْبٌ تَنَجَّسَ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ) وَهِيَ مَا أُمْسِكَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَإِنْ عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ كَمَا أَنَّ الْمُحْتَرَمَةَ مَا أُمْسِكَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ، وَإِنْ عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ وَالْعِبْرَةُ بِقَصْدِ مَنْ يُبَاشِرُ لِنَفْسِهِ أَوْ يُؤْكَلُ غَيْرُهُ وَبِقَصْدِ الْمُتَبَرِّعِ وَقَصْدُ الْمَجْنُونِ كَلَا قَصْدَ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ اهـ ح ل.
وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ الْمُحْتَرَمَةُ هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ بِقَصْدِهَا.
وَعِبَارَةُ سم.
(فَرْعٌ) مَا عَصَرَهُ نَحْوُ الْمَجْنُونِ مُحْتَرَمٌ، وَكَذَا مَا عَصَرَهُ السَّكْرَانُ بِلَا قَصْدٍ كَغَيْرِ السَّكْرَانِ. وَأَمَّا إذَا قَصَدَ السَّكْرَانُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ حَتَّى إذَا قَصَدَ الْخَلِّيَّةَ كَانَتْ مُحْتَرَمَةً أَوْ الْخَمْرِيَّةَ كَانَتْ غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ قَصْدِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالصَّاحِي فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ اهـ م ر انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ أَيْ صَارَتْ خَلًّا) أَيْ بِنَفْسِهَا لَا بِمَعْنَى نَشَأَتْ عَنْ غَيْرِهَا، نَحْوُ عَيْنٍ تَفَجَّرَتْ أَوْ انْفَصَلَ عَنْهَا نَحْوُ هِنْدُ تَكَلَّمَتْ وَيَحِلُّ اتِّخَاذُ الْخَلِّ بِالْإِجْمَاعِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَيَكْفِي زَوَالُ النَّشْوَةِ وَغَلَبَةُ الْحُمُوضِيَّةِ وَلَا تُشْتَرَطُ نِهَايَتُهَا بِحَيْثُ لَا تَزِيدُ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ بِلَا مُصَاحَبَةِ عَيْنٍ) أَيْ صَاحَبَتْهَا مِنْ وَقْتِ التَّخَمُّرِ إلَى وَقْتِ التَّخَلُّلِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ إلَخْ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ إلَخْ) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ النَّاشِئِ عَنْ النَّقْلِ عَلَى الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَنْ اسْتَعْجَلَ عَلَى شَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ اهـ.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ، وَإِنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ إلَخْ وَلَا يَحْرُمُ التَّخْلِيلُ بِالنَّقْلِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِهِ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ فَيَحْرُمُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الرَّهْنِ وَجَرَى بَعْضُهُمْ عَلَى حُرْمَةِ التَّخْلِيلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنٍ أَوْ بِنَحْوِ نَقْلٍ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَيَرُدُّهُ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ قَالَهُ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.
وَجَرَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَتَبِعَهُ مَشَايِخُنَا عَلَى التَّحْرِيمِ انْتَهَتْ وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ، وَالنَّقْلُ مَكْرُوهٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا حَرَامٌ خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَحَدِيثُ أَتُتَّخَذُ الْخَمْرُ خَلًّا قَالَ لَا مَحْمُولٌ عَلَى الْعَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ، وَكَذَا مِنْ دِنٍّ إلَى آخَرَ أَوْ فَتَحَ رَأْسَ ظَرْفِهِ لِلْهَوَاءِ لِزَوَالِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ تَخْلُفُهَا سَوَاءٌ قَصَدَ بِكُلٍّ
(1/179)
لِمَفْهُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُتَّخَذُ الْخَمْرُ خَلًّا قَالَ لَا (بِدِنِّهَا) أَيْ فَتَطْهُرُ مَعَ دِنِّهَا لِلضَّرُورَةِ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ خَلٌّ طَاهِرٌ مِنْ خَمْرٍ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي، أَمَّا إذَا تَخَلَّلَتْ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ، وَإِنْ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي التَّخْلِيلِ كَحَصَاةٍ فَلَا تَطْهُرُ لِتَنَجُّسِهَا بَعْدَ تَخَلُّلِهَا بِالْعَيْنِ الَّتِي تَنَجَّسَتْ بِهَا وَلَا ضَرُورَةَ وَلَا يُشْتَرَطُ طَرْحُ الْعَيْنِ فِيهَا، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ خِلَافَهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ أَنَّهَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ إذَا نُزِعَتْ الْعَيْنُ مِنْهَا قَبْلَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَنْزُوعَةُ قَبْلَهُ نَجِسَةً كَعَظْمِ مَيْتَةٍ لَمْ تَطْهُرْ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ وَالْخَمْرُ حَقِيقَةً الْمُسْكِرُ الْمُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَخَرَجَ بِهِ النَّبِيذُ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ الزَّبِيبِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ لِوُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ لَكِنْ اخْتَارَ السُّبْكِيُّ خِلَافَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مِنْهَا التَّخَلُّلَ أَوْ لَا، وَالنَّقْلُ حَرَامٌ عِنْدَ الْعَلَّامَةِ م ر، وَقَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَحُمِلَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ أَتُتَّخَذُ الْخَمْرُ خَلًّا قَالَ لَا عَلَى الْمُتَخَلِّلِ بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنْبِطُ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ لِمَفْهُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ إلَخْ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهَا تَكُونُ خَلًّا مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْخَلَّ طَاهِرٌ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالْمَفْهُومِ، وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَلَى سُؤَالٍ فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاعِ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ لِمَفْهُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ إلَخْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي بَابِ اللِّعَانِ مَا نَصُّهُ وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ لَا يَخْرُجَ الْقَيْدُ عَلَى سَبَبٍ اهـ انْتَهَتْ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَامًّا وَمَا هُنَا عَامٌّ اهـ عَزِيزِيٌّ. (قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ) هُوَ أَبُو حَمْزَةَ أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يَفْتَخِرُ بِذَلِكَ، رَوَى عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ الْمُتَوَفَّى بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ عَنْ مِائَةٍ وَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا بِالْبَصْرَةِ وَدُفِنَ خَارِجَ الْبَصْرَةِ عَلَى نَحْوِ فَرْسَخٍ وَنِصْفٍ بِمَوْضِعٍ هُنَاكَ يُعْرَفُ بِقَصْرِ أَنَسٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَتُتَّخَذُ الْخَمْرُ خَلًّا) بِتَاءَيْنِ كَمَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْأَعْلَامِ اهـ شَوْبَرِيٌّ أَيْ أَتُعَالَجُ حَتَّى تَصِيرَ خَلًّا قَالَ لَا أَيْ لَا تُعَالَجُ، وَهَذَا الْجَوَابُ شَامِلٌ لِعِلَاجِهَا بِالْعَيْنِ وَبِغَيْرِهَا فَقَصَرَ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى عَلَى الْعِلَاجِ بِالْعَيْنِ إذْ غَيْرُهُ لَا يَضُرُّ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ بِدِنِّهَا) وَمِثْلُ دِنِّهَا مَا بَقِيَ فِي قَعْرِ الدَّنِّ مِنْ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ فَيَطْهُرُ تَبَعًا لِلدِّنِّ سَوَاءٌ اسْتَحْجَرَ أَمْ لَا اهـ ح ل.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الدَّنُّ مِثْلُ الْجُبِّ إلَّا أَنَّهُ أَطْوَلُ مِنْهُ وَأَوْسَعُ رَأْسًا وَجَمْعُهُ دِنَانٌ، مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ. (قَوْلُهُ أَيْ فَتَطْهُرُ مَعَ دِنِّهَا) أَيْ، وَإِنْ تَشَرَّبَ بِهَا أَوْ عَلَتْ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ مَعَ دِنِّهَا) أَيْ، وَإِنْ تَحَجَّرَتْ فِيهِ كَمَا لَوْ بَقِيَ فِي قَعْرِهِ دُرْدِيُّ خَمْرٍ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ كَبَاطِنِ جَوْفِ الدَّنِّ بَلْ أَوْلَى وَلَيْسَ لَنَا عَصِيرٌ يَصِيرُ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ إلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا أَنْ يُصَبَّ فِي الدَّنِّ الْمُعَتَّقُ بِالْخَلِّ، الثَّانِيَةُ أَنْ يُصَبَّ الْخَلُّ فِي الْعَصِيرِ، الثَّالِثَةُ إذَا تَجَرَّدَتْ حَبَّاتُ الْعِنَبِ مِنْ عَنَاقِيدِهِ وَمُلِئَ مِنْهَا الدَّنُّ وَطَيَّنَ رَأْسَهُ وَيُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ أَوْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَحَبَّاتٍ قَلِيلَةٍ وَنَوَى تَمْرٍ كَذَلِكَ إذَا بَقِيَ فِي الدَّنِّ. وَأَمَّا الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْخَمْرِ بَعْدَ انْقِلَابِهِ خَلًّا فَقِيَاسُ حَبَّاتِ الْعِنَبِ الْعَفْوُ عَنْهُ وَهُوَ طَاهِرٌ لَا نَجِسٌ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا ع ش، وَلَوْ فَارَتْ بِالنَّارِ، ثُمَّ نَقَصَتْ، فَإِنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَارَتْ بِنَفْسِهَا، فَإِنَّهَا تَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهَا، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا خَمْرٌ آخَرُ حَتَّى غَمَرَتْ مَا ارْتَفَعَ قَبْلَ الْجَفَافِ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا قَبْلَ الْجَفَافِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ أَوْ لَا أَفْتَى الشِّهَابُ م ر بِأَنَّهُ شَرْطٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ خَلٌّ طَاهِرٌ مِنْ خَمْرٍ) اُعْتُرِضَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الدَّنَّ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ، وَقَدْ أَشَارَ لَهُ ع ش عَلَى م ر وَفِي سم قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ إلَخْ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ مُلَاقَاةِ الدَّنِّ يَكْفِي فِي الطَّهَارَةِ تَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ بِلَا عَيْنٍ وَقَوْلُهُ بِدِنِّهَا مِنْ زِيَادَتِي اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ) أَيْ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا أَمَّا الَّتِي مِنْ جِنْسِهَا فَلَا تَضُرُّ فَلَوْ صُبَّ عَلَى الْخَمْرِ خَمْرٌ آخَرُ أَوْ نَبِيذٌ طَهُرَ الْجَمِيعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ زي وَلَيْسَ مِنْ الْعَيْنِ فِيمَا يَظْهَرُ الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْعَصِيرِ فَلَا يَضُرُّ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ تَخَمَّرَ مَا فِي أَجْوَافِ الْحَبَّاتِ، ثُمَّ تَخَلَّلَ حَيْثُ قَالُوا بِطَهَارَتِهِ وَمِمَّا يَتَسَاقَطُ مِنْ الْعِنَبِ عِنْدَ الْعَصْرِ مِنْ النَّوَى، فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ ذَلِكَ أَسْهَلُ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْ الدُّودِ فَتَنَبَّهْ لَهُ اهـ ع ش عَلَى م ر، وَمِنْ الْعَيْنِ الْمُضِرَّةِ تَلْوِيثُ مَا فَوْقَهَا مِنْ الدَّنِّ بِوَضْعِ الْعَيْنِ فِيهَا أَوْ بِغَيْرِهِ لَا ارْتِفَاعُهَا بِنَفْسِهَا، فَإِنْ وُضِعَ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ مَا يَصِلُ إلَى مَحَلِّ ارْتِفَاعِهَا مِمَّا يَأْتِي طَهُرَتْ اهـ. (قَوْلُهُ كَحَصَاةٍ) مِثَالٌ لِلْعَيْنِ الَّتِي لَمْ تُؤَثِّرْ فِي التَّخَلُّلِ وَمِثَالُ الْعَيْنِ الَّتِي تُؤَثِّرُ الْبَصَلُ وَالْخُبْزُ الْحَارُّ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ وَلَا ضَرُورَةَ) أَتَى بِهِ لِإِخْرَاجِ فُتَاتِ الْبِزْرِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مَعَ أَنَّهُ عَيْنٌ لِلضَّرُورَةِ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الدَّنِّ أَيْضًا اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ إلَخْ) ، وَكَذَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمَتْنِ بِمُلَاحَظَةِ مَا قَدَّرَهُ فِيهِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ إذَا نُزِعَتْ الْعَيْنُ مِنْهَا قَبْلَهُ) أَيْ وَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَلَمْ يَتَخَلَّلْ مِنْهَا شَيْءٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْخَمْرُ حَقِيقَةً الْمُسْكِرُ الْمُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ) .
وَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهَا اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ لَكِنْ اخْتَارَ السُّبْكِيُّ خِلَافَهُ) مُعْتَمَدٌ، فَإِنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ التَّمْرِ أَوْ
(1/180)
؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وَفِي مَعْنَى تَخَلُّلِ الْخَمْرِ انْقِلَابُ دَمِ الظَّبْيَةِ مِسْكًا (وَجِلْدٌ) ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ (نَجُسَ) بِالْمَوْتِ (فَيَطْهُرُ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (بِانْدِبَاغِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْعِنَبِ أَوْ الزَّبِيبِ أَوْ غَيْرِهَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ طَهَارَةِ النَّبِيذِ بِالتَّخَلُّلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي بَابَيْ الرِّبَا وَالسَّلَمِ لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى صِحَّةِ السَّلَمِ فِي خَلِّ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِطَهَارَتِهِمَا؛ لِأَنَّ النَّجَسَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا السَّلَمُ فِيهِ اتِّفَاقًا وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِهِمْ ثَمَّ عَلَى خَلٍّ لَمْ يَتَخَمَّرْ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعَصِيرِ بَيْنَ الْمُتَّخَذِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَغَيْرِهِ فَلَوْ جَعَلَ فِيهِ عَسَلًا أَوْ سُكَّرًا أَوْ اُتُّخِذَ مِنْ نَحْوِ عِنَبٍ وَرُمَّانٍ أَوْ بُرٍّ وَزَبِيبٍ طَهُرَ بِانْقِلَابِهِ خَلًّا وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْلِيلٌ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْعَسَلَ أَوْ الْبُرَّ وَنَحْوَهُمَا يَتَخَمَّرُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَكَذَلِكَ السُّكَّرُ فَلَمْ تَصْحَبْ الْخَمْرَ عَيْنٌ أُخْرَى انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورَتِهِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِاسْتِقْصَاءِ مَا فِيهِ وَاسْتِخْرَاجِهِ لَا مِنْ أَصْلِ ضَرُورَةِ عَصْرِهِ لِسُهُولَتِهِ بِدُونِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ انْقِلَابُ دَمِ الظَّبْيَةِ مِسْكًا) أَيْ إنْ أُخِذَ مِنْهَا حَالَ حَيَاتِهَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَقَدْ تَهَيَّأَ لِلْوُقُوعِ، وَكَذَا الدَّمُ لَبَنًا أَوْ مَنِيًّا وَبَيْضَةٌ اسْتَحَالَتْ دَمًا، ثُمَّ فَرْخًا وَمَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ نَجِسَ بِالْمَوْتِ) بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ اهـ شَيْخُنَا.
وَفِي الْمُخْتَارِ: نَجَسَ الشَّيْءُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ فَهُوَ نَجِسٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ أَيْضًا أَنَّهُ مِنْ بَابِ قَتَلَ وَقَوْلُهُ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ الْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ لَا لِلرَّدِّ وَقَوْلُهُ بِالْمَوْتِ أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ مَا لَوْ قُطِعَ عُضْوُ شَاةٍ حَيَّةٍ وَسُلِخَ جِلْدُهُ وَدَبَغَ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ نَجِسَ بِالْمَوْتِ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ سُلِخَ جِلْدُ حَيَوَانٍ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَطْهُرْ لِلدَّبْغِ وَلَيْسَ مُرَادًا وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِكَوْنِهِ نَجُسَ بِالْمَوْتِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْتِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَذَلِكَ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُنْفَصِلَ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ فَانْفِصَالُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِمَنْزِلَةِ انْفِصَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ فَيَطْهُرُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) بِانْدِبَاغِهِ بِأَنْ وَقَعَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَلْقَتْهُ رِيحٌ عَلَى الدِّبَاغِ أَوْ أَلْقَتْ الدِّبَاغَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مَا ظَهَرَ مِنْ وَجْهَيْهِ وَالْبَاطِنُ مَا بَطَنَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ إذَا قُلْنَا بِطَهَارَةٍ ظَاهِرَةٍ فَقَطْ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَا فِيهِ كَذَا قَالَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَفِي كَلَامِ حَجّ الظَّاهِرُ مَا لَاقَاهُ الدِّبَاغُ وَالْبَاطِنُ مَا لَمْ يُلَاقِهِ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَهُمَا اهـ وَهُوَ وَاضِحٌ لَا مَا قَالَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِيَتَأَتَّى الْقَوْلُ الْقَائِلُ بِعَدَمِ طَهَارَةِ الْبَاطِنِ، إذْ عَلَى مَا قَالَهُ شَيْخُنَا يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ قَائِلًا بِطَهَارَةِ مَا لَمْ يُلَاقِهِ الدِّبَاغُ وَبِعَدَمِ طَهَارَةِ مَا بَيْنَ مَا لَاقَاهُ الدِّبَاغُ وَمَا لَمْ يُلَاقِهِ وَلَا يَكَادُ يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ مَا لَمْ يُلَاقِهِ الدِّبَاغُ سَبَبُهَا وُصُولُ الدِّبَاغِ إلَيْهِ وَهُوَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ وُصُولِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا تَأَمَّلْ، وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَائِلَ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ عَلَيْهِ لَا فِيهِ لَمْ يُرَاعِ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. حَلَبِيٌّ.
وَقَالَ فِي الْخَادِمِ الْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ مَا بَطَنَ وَبِالظَّاهِرِ مَا ظَهَرَ مِنْ وَجْهَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ إنْ قُلْنَا بِطَهَارَةٍ ظَاهِرَةٍ فَقَطْ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَا فِيهِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَقَدْ رَأَيْت مِنْ يَغْلَطُ فِيهِ اهـ اهـ شَرْحُ م ر أَقُولُ لَوْ لَمْ يُصِبْ الدِّبَاغُ الْوَجْهَ الثَّابِتَ عَلَيْهِ الشَّعْرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْبَاطِنِ أَيْضًا حَتَّى يَجْرِيَ الْقَوْلُ الْقَائِلُ بِعَدَمِ طَهَارَةِ الْبَاطِنِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ الدَّابِغَ لَا يَصِلُ إلَى الْبَاطِنِ اهـ شَوْبَرِيٌّ، وَهَلْ يُؤْكَلُ الْجِلْدُ بَعْدَ انْدِبَاغِهِ إذَا كَانَ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ أَوْ لَا وَالصَّحِيحُ حِلُّ أَكْلِهِ. وَأَمَّا جِلْدُ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَلَا يَحِلُّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ حِلُّ أَكْلِهِ عِبَارَةُ ح ل وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ، وَلَوْ مِنْ مَيْتَةٍ مَأْكُولَةٍ لِانْتِقَالِهِ لِطَبْعِ الثِّيَابِ انْتَهَتْ.
وَفِي الْأُجْهُورِيِّ عَلَى مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ مَا نَصُّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَتْ الْعُلَمَاءُ فِي طَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ عَلَى سَبْعَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جَمِيعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمُتَوَلِّدَ مِنْهُمَا، وَمِنْ أَحَدِهِمَا وَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَبَاطِنُهُ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَائِعِ وَالْيَابِسِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَرُوِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي لَا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنْ الْجُلُودِ الْمَذْكُورَةِ بِالدِّبَاغِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جِلْدُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ تَطْهُرُ جُلُودُ جَمِيعِ الْمَيْتَاتِ إلَّا الْخِنْزِيرَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ يَطْهُرُ الْجَمِيعُ إلَّا أَنَّهُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْيَابِسَاتِ دُونَ الْمَائِعَاتِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لَا فِيهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ عَنْهُ فِي حِكَايَةِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ. وَالْمَذْهَبُ
(1/181)
بِمَا يُنْزَعُ فُضُولُهُ) مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُعَفِّنُهُ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا كَزَرْقِ طَيْرٍ أَوْ عَارِيًّا عَنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّبْغَ إحَالَةٌ لَا إزَالَةٌ. وَأَمَّا خَبَرُ يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الطَّهَارَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ أَيْ الْجِلْدُ فَقَدْ طَهُرَ وَضَابِطُ النَّزْعِ أَنْ يَطِيبَ بِهِ رِيحُ الْجِلْدِ بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ وَنَحْوُهُ لِعَدَمِ تَأَثُّرِهِمَا بِالدَّبْغِ وَبِتَنَجُّسِهِ بِالْمَوْتِ جِلْدُ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ وَبِمَا يُنْزَعُ فُضُولُهُ مَا لَا يَنْزِعُهَا كَتَجْمِيدِ الْجِلْدِ وَتَشْمِيسِهِ وَتَمْلِيحِهِ (وَيَصِيرُ) الْمُنْدَبِغُ (كَثَوْبِ تَنَجَّسَ) فَيَجِبُ غَسْلُهُ لِتَنَجُّسِهِ بِالدَّابِغِ النَّجِسِ أَوْ الْمُتَنَجِّسِ، وَلَوْ بِمُلَاقَاتِهِ وَتَعْبِيرِي بِالِانْدِبَاغِ وَبِتَنَجُّسٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالدَّبْغِ وَبِنَجِسٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
السَّادِسُ يَطْهُرُ الْجَمِيعُ حَتَّى الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
وَالْمَذْهَبُ السَّابِعُ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ، وَإِنْ لَمْ تُدْبَغْ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَائِعَاتِ وَالْيَابِسَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَلَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ وَاحْتَجَّتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ بِأَحَادِيثَ وَغَيْرِهَا وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ دَلِيلِ بَعْضٍ، وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْجَامِعِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَذْهَبِ الْخَامِسِ فِيهِ نَظَرٌ وَأَجَابَ أَئِمَّتُنَا عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ أَيُّمَا إهَابٍ إلَخْ بِأَنَّ الْمُرَادَ طَهُرَ طَهَارَةً لُغَوِيَّةً اهـ. (قَوْلُهُ بِمَا يَنْزِعُ فُضُولَهُ) ، وَمِنْهُ الشَّبُّ بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ يُشْبِهُ الزَّاجَّ وَبِالْمُثَلَّثَةِ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ مُرُّ الطَّعْمِ يُدْبَغُ بِهِ أَيْضًا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ اهـ رَشِيدِيٌّ قَالَ ح ل وَلَمَّا كَانَ تَعَيُّنُ التُّرَابِ تَعَبُّدِيًّا لَمْ يَقِسْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْقَرَظِ فِي دَبْغِ الْجِلْدِ لَمَّا كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى قِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا فِيهِ حَرَافَةٌ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
وَفِي الْمِصْبَاحِ فَضَلَ فَضْلًا مِنْ بَابِ قَتَلَ زَادَ وَالْجَمْعُ فُضُولٌ، مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَفِيهِ أَيْضًا نَزَعْت الشَّيْءَ مِنْ مَوْضِعِهِ نَزْعًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ قَلَعْته وَحَوَّلْته اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَجِسًا) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ وَقَوْلُهُ أَوْ عَارِيًّا عَنْ الْمَاءِ هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَلَا يَجِبُ الْمَاءُ فِي أَثْنَائِهِ أَيْ الدَّبْغِ فِي الْأَصَحِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إحَالَةٌ لَا إزَالَةٌ وَلِهَذَا جَازَ بِالنَّجَسِ الْمَحْضِ لِذَلِكَ. وَأَمَّا خَبَرُ يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الطَّهَارَةِ الْمُطْلَقَةِ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا بُدَّ فِي الْجَافِّ مِنْ الْمَاءِ لِيَصِلَ الدَّوَاءُ بِهِ إلَى سَائِرِ أَجْزَائِهِ مَرْدُودٌ، إذْ الْقَصْدُ وُصُولُهُ، وَلَوْ بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمَاءِ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ لَطَافَتَهُ تُوَصِّلُ الدَّوَاءَ إلَى بَاطِنِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُوَصِّلُهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْإِحَالَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الدَّوَاءُ إلَى بَاطِنِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَجِبُ الْمَاءُ تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْإِزَالَةِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ كَذَرْقِ طَيْرٍ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَبِالزَّايِ أَيْضًا اهـ شَيْخُنَا وَفِي الْمُخْتَارِ فِي فَصْلِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَا نَصُّهُ وَذَرْقُ الطَّيْرِ خَرْؤُهُ وَبَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ اهـ وَقَالَ فِي فَصْلِ الزَّايِ وَزَرَقَ الطَّيْرُ زَرْقًا وَبَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى الطَّهَارَةِ الْمُطْلَقَةِ) أَيْ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى غُسْلٍ فَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ مَا غُسِلَ بِالْمَاءِ بَعْدَ الدَّبْغِ طَاهِرٌ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ فَقَدْ طَهُرَ) يُقَالُ طَهُرَ الشَّيْءُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ) أَيْ، وَإِنْ أَلْقَى فِي الْمَدْبَغَةِ وَعَمَّهُ الدَّابِغُ وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ حَجّ يَطْهُرُ الْقَلِيلُ تَبَعًا، وَلَوْ نُتِفَ طَهُرَ مَحِلُّهُ بِغَسْلِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ نَعَمْ قَالَ النَّوَوِيُّ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ أَيْ الشَّعْرِ فَيَطْهُرُ تَبَعًا وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ مَا لَا يَتَأَثَّرُ بِالدَّبْغِ كَيْفَ يَطْهُرُ قَلِيلُهُ قَالَ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَطْهُرُ، وَإِنَّمَا يُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرِ اهـ وَقَدْ يُوَجَّهُ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ يَطْهُرُ تَبَعًا لِلْمَشَقَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِالدَّابِغِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ فَيَجِبُ غَسْلُهُ) أَيْ بِمَاءٍ طَهُورٍ مَعَ التَّرْتِيبِ وَالتَّسْبِيعِ إنْ أَصَابَهُ مُغَلَّظٌ، وَإِنْ سُبِّعَ وَتُرِّبَ قَبْلَ الدَّبْغِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْبَلُ الطَّهَارَةَ اهـ حَجّ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ عَنْهُ السُّؤَالُ وَهُوَ مَا لَوْ بَالَ كَلْبٌ عَلَى عَظْمِ مَيْتَةٍ فَغُسِلَ سَبْعًا إحْدَاهَا بِتُرَابٍ فَهَلْ يَطْهُرُ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا رَطْبًا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ لِلتَّسْبِيعِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ أَخْذًا مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَسْبِيعِ ذَلِكَ الثَّوْبِ اهـ سم اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَنَقَلَ ع ش عَلَى م ر عَنْ فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَطْهُرُ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ بِالتَّسْبِيعِ وَعِبَارَتُهُ لَكِنْ فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا نَصُّهُ.
(فَرْعٌ) سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْإِنَاءِ الْعَاجِ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَوْ نَحْوُهُ وَغُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهَا بِتُرَابٍ فَهَلْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ تَطْهِيرِهِ أَوْ لَا فَأَجَابَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَاجَ يَطْهُرُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ اهـ مِنْ بَابِ الْأَوَانِي وَهُوَ الْأَقْرَبُ اهـ بِحُرُوفِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَتَيْ سُلْطَانٍ وَالْحَلَبِيِّ، مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ مِنْ أَنَّ النَّجَسَ الَّذِي تَنَجَّسَ بِمُغَلَّظٍ لَا يَقْبَلُ الطَّهَارَةَ إلَّا فِي الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ بِهِ قَالَ شَيْخُنَا ح ف وَهُوَ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْ شَيْخِنَا الْخَلِيفِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَتَعْبِيرِي بِالِانْدِبَاغِ وَبِتَنَجُّسِ أَوْلَى إلَخْ) أَيْ لِسَلَامَتِهِ مِمَّا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْفِعْلِ فِي الدَّبْغِ، وَإِنَّهُ يَكْفِي حُصُولُهُ بِغَيْرِ فِعْلٍ كَوُقُوعِ الْجِلْدِ بِمَدْبَغَةٍ أَوْ إلْقَاءِ الرِّيحِ الدَّابِغِ عَلَيْهِ وَإِيهَامِ تَعْبِيرِهِ بِنَجَسٍ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فَيُنَافِي قَوْلَهُ
(1/182)
(وَمَا نَجُسَ) مِنْ جَامِدٍ (وَلَوْ مَعَضًّا) مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِشَيْءٍ مِنْ نَحْوِ كَلْبٍ) مِنْ خِنْزِيرٍ وَفَرْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَاَلَّذِي يَطْهُرُ إلَخْ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْأَصْلِ فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ، ثُمَّ قَالَ وَالْمَدْبُوغُ كَثَوْبٍ نَجِسٍ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ وَمَا نَجِسَ إلَخْ) لَمَّا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ إزَالَتِهَا وَنَجُسَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لَكِنَّ الضَّمَّ قَلِيلٌ وَضَبَطَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ مِنْ جَامِدٍ تَخْصِيصٌ لِمَا الَّتِي هِيَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَقَرِينَةُ التَّخْصِيصِ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي، وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْجَامِدُ طَاهِرًا أَمْ نَجِسًا كَعَظْمِ مَيْتَةٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إذَا تَنَجَّسَ شَيْءٌ مِنْ نَحْوِ الْكَلْبِ يَطْهُرُ عَنْ الْمُغَلَّظَةِ بِالْغَسْلِ سَبْعًا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ حَتَّى لَوْ لَاقَى شَيْئًا مَعَ الرُّطُوبَةِ بَعْدَ غَسْلِهِ سَبْعًا بِالتُّرَابِ وَجَبَ تَسْبِيعُ ذَلِكَ الْمُصَابِ اهـ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ طَهَارَتِهِ عَنْ الْمُغَلَّظَةِ لِابْنِ حَجَرٍ وَأَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَفْتَى بِطَهَارَتِهِ عَنْهَا. (قَوْلُهُ مِنْ جَامِدٍ) خَرَجَ بِهِ الْمَائِعُ وَسَيَأْتِي وَخَرَجَ بِهِ الْمَاءُ أَيْضًا وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا تَنَجَّسَ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَإِذَا كُوثِرَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ طَهُرَ دُونَ الْإِنَاءِ أَمَّا الْإِنَاءُ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِالتَّسْبِيعِ مَعَ التَّتْرِيبِ اهـ زي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَضًّا) بِفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْمَكَانِ أَيْ مَكَانِ عَضٍّ وَذَلِكَ الْمَكَانُ مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ كَبَهِيمَةٍ أَوْ آدَمِيٍّ وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّيْدِ وَلِلتَّعْمِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ، إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّيْدِ فَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ أَنَّ مَحَلَّ الْعَضُدِ مِنْهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَتْنِ، وَقِيلَ يَجِبُ تَقْوِيرُهُ وَلَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ أَصْلًا، وَقِيلَ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ أَصْلًا، وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُ سَبْعًا مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، وَقَدْ عَلِمْت الْمُعْتَمَدَةَ مِنْهَا بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ فِيهِ عَشَرَةَ أَقْوَالٍ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ مَعَ شَرْحِ م ر فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ نَجِسٌ كَغَيْرِهِ مِمَّا تَنَجَّسَ مِنْهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ فَلَوْ أَصَابَ ثَوْبًا فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَتَعْفِيرِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ فَأَشْبَهَ الدَّمَ الَّذِي فِي الْعُرُوقِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ سَبْعًا كَغَيْرِهِ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ وَيُطْرَحَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ وَالثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ تَشَرَّبَ لُعَابَهُ فَلَا يَتَخَلَّلُهُ الْمَاءُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ بِشَيْءٍ مِنْ نَحْوِ كَلْبٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِجُزْءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ فَضَلَاتِهِ أَوْ بِمَاءٍ تَنَجَّسَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا كَأَنْ وَلَغَ فِي بَوْلٍ أَوْ مَاءٍ كَثِيرٍ مُتَغَيِّرٍ بِنَجَاسَةٍ، ثُمَّ أَصَابَ ذَلِكَ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ ثَوْبًا مَثَلًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ نَعَمْ إنْ مَسَّ مِنْ الْكَلْبِ شَيْئًا دَاخِلَ مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَتَنَجَّسْ عَلَى كَلَامِ الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ التَّحْقِيقِ خِلَافَهُ وَيُتَّجَهُ تَقْيِيدُ الْأَوَّلِ بِمَا إذَا عَدَّ الْمَاءَ حَائِلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَ بِيَدِهِ عَلَى نَحْوِ رِجْلِ الْكَلْبِ دَاخِلَ الْمَاءِ قَبْضًا شَدِيدًا بِحَيْثُ لَا يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَاءٌ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا التَّنْجِيسُ، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ التَّنْجِيسِ بِمُمَاسَّتِهِ دَاخِلَ الْمَاءِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ حِينَئِذٍ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجَاسَةِ مُبْطِلَةٌ، وَإِنْ لَمْ تُنَجِّسْ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى نَجِسٍ جَافٍّ قَالَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ اهـ شَوْبَرِيٌّ، ثُمَّ ذَكَرَ ع ش عَلَى م ر بَعْدَ مِثْلِ هَذَا مَا نَصُّهُ وَتَوَهَّمَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ مَسَّ فَرْجَهُ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ مَاسٌّ قَطْعًا اهـ، وَلَوْ وَصَلَ شَيْءٌ مِنْ مُغَلَّظٍ وَرَاءَ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الْفَرْجِ فَهَلْ يُنَجِّسُهُ فَيَتَنَجَّسُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ كَذَكَرِ الْمُجَامِعِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْبَاطِنَ لَا يُنَجِّسُ مَا لَاقَاهُ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ فَعَلَى الثَّانِي يُسْتَثْنَى هَذَا مِنْ الْمَتْنِ اهـ حَجّ، وَلَوْ أَكَلَ شَخْصٌ لَحْمَ كَلْبٍ لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ دُبُرِهِ مِنْ خُرُوجِهِ، وَإِنْ خَرَجَ بِعَيْنِهِ قَبْلَ اسْتِحَالَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَأَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ الْبَاطِنَ مُحِيلٌ، وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَمَّامٍ غُسِلَ دَاخِلَهُ كَلْبٌ، وَلَمْ يُعْهَدْ تَطْهِيرُهُ وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَى دُخُولِهِ وَالِاغْتِسَالِ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَانْتَشَرَتْ النَّجَاسَةُ إلَى حُصْرِهِ وَفُوَطِهِ وَنَحْوِهِمَا بِأَنَّ مَا تَيَقَّنَ إصَابَةَ شَيْءٍ لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ؛ لِأَنَّا لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ وَيَطْهُرُ الْحَمَّامُ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهَا بِطَفْلٍ، وَلَوْ مِمَّا يُغْتَسَلُ بِهِ فِيهِ لِحُصُولِ التَّتْرِيبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَحْتَمِلُ فِيهَا أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَوْ بِوَاسِطَةِ الطِّينِ الَّذِي فِي نِعَالٍ دَاخِلِيَّةٍ لَمْ يُحْكَمْ بِالنَّجَاسَةِ لِدَاخِلَيْهِ كَمَا فِي الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً وَغَابَتْ غَيْبَةً يُحْتَمَلُ فِيهَا طَهَارَةُ فَمِهَا اهـ شَرْحُ م ر وَكَتَبَ عَلَيْهِ ع ش.
قَوْلُهُ، وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ إلَخْ خَرَجَ بِاللَّحْمِ الْعَظْمُ فَيَجِبُ التَّسْبِيعُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الدُّبُرِ، وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ اللَّحْمِ الْعَظْمُ الرَّقِيقُ الَّذِي يُؤْكَلُ عَادَةً مَعَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا تَنَجَّسَ بِهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُ حَتَّى لَوْ تَقَايَأَهُ بَعْدَ اسْتِحَالَتِهِ لَمْ يَجِبْ التَّسْبِيعُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا تُحِيلُهُ الْمَعِدَةُ تُلْقِيهِ إلَى أَسْفَلَ فَمَا يَتَقَايَأَهُ لَيْسَ مِنْ
(1/183)
وَهَذَا أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ (غَسَلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ فِي غَيْرِ تُرَابٍ بِتُرَابٍ طَهُورٍ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِتُرَابٍ» وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
شَأْنِهِ الِاسْتِحَالَةُ فَيَجِبُ التَّسْبِيعُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِيلًا.
وَعِبَارَةُ زي بِخِلَافِ مَا لَوْ تَقَايَأَهُ أَيْ اللَّحْمَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْبِيعُ فَمِهِ مَعَ التَّتْرِيبِ انْتَهَتْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتْرِيبُ مَعَ الْقَيْءِ إذَا اسْتَحَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ زي مِنْ وُجُوبِ التَّسْبِيعِ إذَا خَرَجَ مِنْ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ يُفْهِمُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ دُبُرِهِ مِنْ خُرُوجِهِ حَيْثُ قَيَّدَ بِالْخُرُوجِ مِنْ الدُّبُرِ اهـ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِالنَّجَاسَةِ لِدَاخِلَيْهِ أَيْ أَمَّا هُوَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ لِتَيَقُّنِهَا وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا يُزِيلُهَا حَتَّى لَوْ صَلَّى شَخْصٌ فِيهِ بِلَا حَائِلٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ اهـ (قَوْلُهُ غَسَلَ سَبْعًا) أَيْ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَلَوْ بِسَبْعِ جَرِيَّاتٍ أَوْ تَحْرِيكِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي التَّحْرِيكِ أَنَّ الذَّهَابَ يُعَدُّ مَرَّةً وَالْعَوْدَةَ مَرَّةً أُخْرَى وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي فِي تَحْرِيكِ الْيَدِ بِالْحَكِّ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى الْعُرْفِ فِي التَّحْرِيكِ وَهُوَ يَعُدُّ الذَّهَابَ وَالْعَوْدَةَ مَرَّةً وَهُنَا عَلَى جَرْيِ الْمَاءِ وَالْحَاصِلُ فِي الْعَوْدِ غَيْرُ الْحَاصِلِ فِي الذَّهَابِ وَالْمُرَادُ السَّبْعُ، وَلَوْ احْتِمَالًا لِيُدْخِلَ مَسْأَلَةَ الْحَمَّامِ وَالْحَمَّامُ مِثَالٌ فَكَذَا كُلُّ مَكَان تَنَجَّسَ وَاحْتُمِلَ تَطْهِيرُهُ وَيَكْفِي الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ بِشَرْطِهِ وَهُوَ التَّتْرِيبُ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْوَالِغُ أَوْ الْوُلُوغُ.
وَقِيلَ لَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَسْلِ سَبْعًا، وَقِيلَ إنْ تَكَرَّرَ الْوُلُوغُ مِنْ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ كَفَى فِيهِ سَبْعُ مَرَّاتٍ وَإِلَّا فَلِكُلٍّ سَبْعٌ، وَقَدْ فَرَّعَ الدَّارِمِيُّ عَلَى الْخِلَافِ فَرْعًا حَسَنًا، فَقَالَ لَوْ غَسَلَ بَعْضَ الْغَسَلَاتِ، ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ، فَإِنْ قُلْنَا لِلْجَمِيعِ سَبْعٌ أَتَمَّ غَسْلَهُ وَأَعَادَ مَا كَانَ فَعَلَهُ قَبْلَ وُلُوغِ الثَّانِي، وَإِنْ قُلْنَا لِكُلٍّ سَبْعٌ أَتَمَّ الْجَمِيعَ وَابْتَدَأَ وَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُ الْمُغَلَّظَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يَكْبَرُ كَمَا أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يَصْغُرُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ بَالَغَ فِي تَكْبِيرِهِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ الشَّيْءَ إذَا صُغِّرَ مَرَّةً فَلَا يُصَغَّرُ مَرَّةً أُخْرَى اهـ بِرْمَاوِيٌّ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ الشَّيْءُ إذَا انْتَهَى نِهَايَتَهُ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَكَقَتْلِ الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ لَا تَغْلُظُ فِيهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ غَلُظَتْ فِي الْخَطَأِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ وَيَقْرَبُ مِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْجِزْيَةِ إنَّ الْجُبْرَانَ لَا يُضْعِفُ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ إحْدَاهُنَّ) فِي نُسْخَةِ إحْدَاهَا وَمَا فِي الْأَصْلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا لَا يَعْقِلُ إنْ كَانَ مُسَمَّاهُ عَشَرَةً فَمَا دُونَ فَالْأَكْثَرُ الْمُطَابِقَةُ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ الْإِفْرَادُ، وَقَدْ جَاءَ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: 36] الْآيَةَ فَأَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا لِرُجُوعِهِ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ وَجَمَعَ فِي قَوْلِهِ {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ} [التوبة: 36] لِرُجُوعِهِ لِلْأَرْبَعَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ بِتُرَابٍ) أَيْ مَصْحُوبَةً بِتُرَابٍ وَالْمُرَادُ بِتُرَابٍ، وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ مَا لَوْ غَسَلَ بِقِطْعَةِ طِينٍ أَوْ طَفْلٍ، فَإِنَّهُ يَكْفِي اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ بِتُرَابٍ أَيْ، وَلَوْ طِينًا رَطْبًا؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ بِالْقُوَّةِ، وَكَذَا الطِّينُ الْأَرْمَنِيُّ وَيُجْزِي الرَّمَلُ النَّاعِمُ الَّذِي لَهُ غُبَارٌ يُكَدِّرُ الْمَاءَ، وَإِنْ كَانَ نَدِيًّا وَالتُّرَابُ الْمُخْتَلِطُ بِنَحْوِ دَقِيقٍ حَيْثُ كَانَ يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَكَوْنُ الْغَسْلِ سَبْعًا وَكَوْنُهُ بِالتُّرَابِ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ أَيْضًا بِتُرَابٍ طَهُورٍ) أَيْ عَلَى الْأَظْهَرِ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَالْأَظْهَرُ تَعْيِينُ التُّرَابِ، وَلَوْ غُبَارَ رَمْلٍ، وَإِنْ عُدِمَ أَيْ التُّرَابُ أَوْ أَفْسَدَ الثَّوْبَ أَوْ زَادَ فِي الْغَسَلَاتِ فَجَعَلَهَا ثَمَانِيًا مَثَلًا.
وَلَا يُقَالُ إنَّ الثَّامِنَةَ تَقُومُ مَقَامَ التُّرَابِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ التَّطْهِيرُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْحَدِيثِ عَلَيْهِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَالتَّيَمُّمِ وَلِأَنَّهُ غَلَّظَ فِي ذَلِكَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ جِنْسَيْنِ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا كَزِنَا الْبِكْرِ غَلَّظَ فِيهِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ فَلَمْ يَكْتَفِ بِأَحَدِهِمَا وَخَرَجَ الْمَزْجُ بِنَحْوِ أُشْنَانٍ وَصَابُونٍ وَنُخَالَةٍ وَدَقِيقٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْحَقْ بِالتُّرَابِ نَحْوُ الصَّابُونِ، وَإِنْ سَاوَاهُ فِي كَوْنِهِ جَامِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُبْطِلُهُ وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ لَا يَتَعَيَّنُ وَيَقُومُ مَا ذُكِرَ وَنَحْوُهُ مَقَامَهُ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَكْفِي هُنَا الرَّمَلُ الَّذِي لَهُ غُبَارٌ، وَإِنْ كَانَ نَدِيًّا وَالتُّرَابُ، وَلَوْ اخْتَلَطَ بِنَحْوِ دَقِيقٍ بِحَيْثُ كَانَ لَوْ مُزِجَ بِالْمَاءِ لَاسْتُهْلِكَتْ أَجْزَاءُ الدَّقِيقِ وَوَصَلَ التُّرَابُ الْمَمْزُوجُ بِالْمَاءِ إلَى جَمِيعِ الْمَحِلِّ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِ فِي التَّيَمُّمِ لِظُهُورِ الْفَارِقِ انْتَهَتْ وَهُوَ أَنَّ نَدَاوَةَ الرَّمَلِ وَنَحْوِ الدَّقِيقِ يَمْنَعَانِ مِنْ وُصُولِ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ وَلَا يَمْنَعَانِ مِنْ كُدُورَةِ الْمَاءِ بِالتُّرَابِ الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودَةُ هُنَا اهـ ع ش عَلَيْهِ.
1 -
(قَوْلُهُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ إلَخْ) الْوُلُوغُ أَخْذُ الْمَاءِ بِطَرَفِ اللِّسَانِ يُقَالُ وَلَغَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ يَلَغُ بِالْفَتْحِ وَلْغًا وَوُلُوغًا وَيُقَالُ أَوْلَغَهُ صَاحِبُهُ وَالْوُلُوغُ فِي الْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَاءِ فَيُحَرِّكُهُ وَلَا يُقَالُ وَلَغَ بِشَيْءٍ مِنْ جَوَارِحِهِ غَيْرَ اللِّسَانِ وَلَا يَكُونُ الْوُلُوغُ لِشَيْءٍ مِنْ الطَّيْرِ إلَّا الذُّبَابَ وَيُقَالُ لَحِسَ الْكَلْبُ الْإِنَاءَ إذَا كَانَ فَارِغًا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ قِيلَ وَلَغَ وَالشُّرْبُ
(1/184)
رِوَايَةٍ لَهُ «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» وَالْمُرَادُ أَنَّ التُّرَابَ يَصْحَبُ السَّابِعَةَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ وَهِيَ مُعَارَضَةٌ لِرِوَايَةِ أُولَاهُنَّ فِي مَحِلِّ التُّرَابِ فَيَتَسَاقَطَانِ فِي تَعْيِينِ مَحِلِّهِ وَيُكْتَفَى بِوُجُودِهِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ إحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بَلْ مَحْمُولَتَانِ عَلَى الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ أُخْرَاهُنَّ أَوْ قَالَ أُولَاهُنَّ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُقَيِّدُ بِهِمَا رِوَايَةَ إحْدَاهُنَّ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِمَا بِالتَّعَارُضِ أَوْ بِالشَّكِّ وَلِجَوَازِ حَمْلِ رِوَايَةِ إحْدَاهُنَّ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَعَمُّ مِنْ الْوُلُوغِ فَكُلُّ شُرْبٍ وُلُوغٌ وَلَا عَكْسَ وَيُقَالُ وَلَغَ الْكَلْبُ بِشَرَابِنَا وَفِي شَرَابِنَا، وَمِنْ شَرَابِنَا نُقِلَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْضُهُ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ وَبَعْضُهُ عَنْ غَيْرِهِ اهـ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ لَلْمُؤَلِّفِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ لَحِسْت الْقَصْعَةَ مِنْ بَابِ تَعِبَ لَحْسًا، مِثْلُ فَلِسَ أَخَذْت مَا عَلِقَ بِجَوَانِبِهَا بِالْأُصْبُعِ أَوْ بِاللِّسَانِ وَلَحِسَ الدُّودُ الصُّوفَ لَحْسًا أَيْضًا أَكَلَهُ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ يُقَالُ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ يَلَغُ بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا وُلُوغًا إذَا شَرِبَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ يُقَالُ وَلَغَ الْكَلْبُ شَرَابَنَا، وَمِنْ شَرَابِنَا وَفِي شَرَابِنَا وَيُقَالُ وَلَغَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَمُضَارِعُهُ يَلَغُ وَيَلَغُ وَيُولِغُ بِوَزْنِ وَقَعَ يَقَعُ وَوَرِثَ يَرِثُ وَوَجِلَ يُوجِلُ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ وَعَفِّرُوهُ) أَيْ الْإِنَاءَ وَالثَّامِنَةُ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ وَعَفِّرُوهُ بِالتُّرَابِ فِي الثَّامِنَةِ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ أَنَّ التُّرَابَ إلَخْ) أَيْ فَتَسْمِيَتُهَا ثَامِنَةً تَسَمُّحٌ فَلَمَّا اشْتَمَلَتْ السَّابِعَةُ عَلَى مَاءٍ وَتُرَابٍ صَارَتْ كَأَنَّهَا ثِنْتَانِ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ يَصْحَبُ السَّابِعَةَ أَيْ فَنَزَلَ التُّرَابُ الْمُصَاحِبُ لِلسَّابِعَةِ مَنْزِلَةَ الثَّامِنَةِ وَسَمَّاهُ بِاسْمِهَا انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ أَيْ فَالتُّرَابُ هُوَ الثَّامِنَةُ وَتُسْتَحَبُّ ثَامِنَةً أَيْضًا بِالْمَاءِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ وَهِيَ مُعَارَضَةٌ) أَيْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ الثَّانِيَةُ مُعَارَضَةٌ لِرِوَايَتِهِ الْأُولَى وَلَا يُقَالُ وَهِيَ أَيْ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَارِضُ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ لِضَعْفِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَكِنَّ عِبَارَةَ م ر صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمُعَارَضَةَ هِيَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَهَكَذَا اسْتَنَدَ إلَيْهَا ح ل وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خَمْسُ رِوَايَاتٍ ثِنْتَانِ لِمُسْلِمٍ وَوَاحِدَةٌ لِأَبِي دَاوُد وَوَاحِدَةٌ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَوَاحِدَةٌ لِلتِّرْمِذِيِّ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ وَنَجْرِي عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَنَقُولُ إنَّهُ لَا تَعَارُضَ إلَخْ وَقَوْلُهُ بَلْ مَحْمُولَتَانِ أَيْ رِوَايَتَا مُسْلِمٍ وَفِيهِ أَنَّ الشَّاكَّ يَرْوِي الْمَشْكُوكَ فِيهِ فِي سَنَدٍ وَاحِدٍ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُسْلِمٌ رَوَى كِلَاهُمَا بِسَنَدٍ مُسْتَقِلٍّ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الشَّكِّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ الشَّكُّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الشَّكِّ بَيْنَ أُولَاهُنَّ وَأُخْرَاهُنَّ الشَّكُّ بَيْنَ أُولَاهُنَّ وَالثَّامِنَةِ بِالتُّرَابِ وَقَوْلُهُ وَبِالْجُمْلَةِ أَيْ وَأَقُولُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِالْجُمْلَةِ أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا بِالتَّعَارُضِ أَوْ بِالشَّكِّ وَقَوْلُهُ وَلِجَوَازِ حَمْلِ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِمَا إلَخْ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ فَيَتَسَاقَطَانِ) أَيْ وَلَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ حَمْلِهِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِقَيْدَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ وَإِلَّا سَقَطَ الْقَيْدَانِ وَبَقِيَ الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ اهـ حَجّ.
وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ فَيَتَسَاقَطَانِ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَقِيلَ إنَّهُ مِنْ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَقَدْ يُقَالُ لَا تَسَاقُطَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَيُجَابُ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ رِوَايَةُ إحْدَاهُنَّ بِحُكْمِهِ فَلَا يُخَصِّصُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ بِالْبَطْحَاءِ) الْمُرَادُ بِهِ التُّرَابُ وَأَصْلُهُ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى قَالَ فِي الْمُخْتَارِ الْأَبْطَحُ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى وَالْجَمْعُ الْأَبَاطِيحُ وَالْبِطَاحُ بِالْكَسْرِ وَالْبَطِيحَةُ وَالْبَطْحَاءُ كَالْأَبْطُحِ، وَمِنْهُ بَطْحَاءُ مَكَّةَ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُقَيِّدُ بِهِمَا إلَخْ) أَيْ لَا يُقَيِّدُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَالتَّقْيِيدُ بِهِمَا مَعًا غَيْرُ مُمْكِنٍ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُقَيِّدُ بِهِمَا إلَخْ دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا رِوَايَةُ إحْدَاهُنَّ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْلُومَةِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ أَيْ الْحَمْلِ إذَا أَمْكَنَ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَمَا هُنَا لَمْ يُحْمَلْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَيْهِمَا لَا يُمْكِنُ لِتَنَافِي قَيْدَيْهِمَا وَعَلَى إحْدَاهُمَا تُحْكَمُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ أَوْ بِالشَّكِّ) أَيْ مِنْ الرَّاوِي فِي أَيِّهِمَا الْوَارِدُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلِجَوَازِ حَمْلِ رِوَايَةِ إحْدَاهُنَّ إلَخْ) أَجَابَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ فِي مَبْحَثٍ أَوْ بِجَوَابٍ نَفِيسٍ فَلْيُرَاجَعْ اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَتُهُ الْأَوَّلُ مُفْتَتَحُ الْعَدَدِ وَهُوَ الَّذِي لَهُ ثَانٍ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ، وَمِنْهُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ هُوَ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا ثَانِيَ لَهُ وَعَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمُصَنِّفِينَ فِي قَوْلِهِمْ وَلَهُ شُرُوطٌ الْأَوَّلُ كَذَا لَا يُرَادُ بِهِ السَّابِقُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَعْدَهُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ وَقَوْلُ الْقَائِلِ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدُهُ الْأَمَةُ حُرٌّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَاحِدِ أَيْضًا حَتَّى يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْوَلَدِ الَّذِي تَلِدُهُ حُرًّا سَوَاءٌ وَلَدَتْ غَيْرَهُ أَمْ لَا إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَوَّلَ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ فَالْمُؤَنَّثَةُ هِيَ الْأُولَى بِمَعْنَى الْوَاحِدَةِ أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِلا الْمَوْتَةَ} [الدخان: 56] الْأُولَى أَيْ سِوَى الْمَيْتَةِ الْأُولَى الَّتِي ذَاقُوهَا
(1/185)
وَأُولَاهُنَّ عَلَى بَيَانِ النَّدْبِ وَأُخْرَاهُنَّ عَلَى بَيَانِ الْإِجْزَاءِ وَقِيسَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ وَالْفَرْعُ وَبِوُلُوغِهِ غَيْرُهُ كَبَوْلِهِ وَعَرَقِهِ وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَرُّ التُّرَابِ عَلَى الْمَحِلِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتْبِعَهُ بِالْمَاءِ وَلَا مَزْجُهُ بِغَيْرِ مَاءٍ نَعَمْ إنْ مَزَجَهُ بِالْمَاءِ بَعْدَ مَزْجِهِ بِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ كَثِيرًا كَفَى وَلَا مَزْجُ غَيْرِ تُرَابٍ طَهُورٍ كَأُشْنَانٍ وَتُرَابٍ نَجِسٍ وَتُرَابٍ مُسْتَعْمَلٍ وَهُوَ خَارِجٌ بِتَعْبِيرِي بِطَهُورٍ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَالْوَاجِبُ مِنْ التُّرَابِ مَا يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحِلِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ بَعْدَهَا أُخْرَى وَتَقَدَّمَ فِي الْآخَرِ أَنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ وَأَنَّ الْأُخْرَى بِمَعْنَى الْوَاحِدَةِ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ يُغْسَلُ سَبْعًا فِي رِوَايَةٍ أُولَاهُنَّ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَاهُنَّ وَفِي رِوَايَةٍ إحْدَاهُنَّ الْكُلُّ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ وَتَخْرِيجِهَا عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ وَاسْتَغْنَى بِهَا عَمَّا قِيلَ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ، فَإِنَّهَا إذَا عُرِضَتْ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ لَا يَقْبَلُهَا الذَّوْقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ، فَإِنَّمَا جَعَلَ التُّرَابَ ثَامِنَةً بِاعْتِبَارِ مُغَايَرَتِهِ لَهَا انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ عَلَى بَيَانِ النَّدْبِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَّبَ فِي الْأُولَى وَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْغَسَلَاتِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ تَتْرِيبُ الْمُصَابِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَأُخْرَاهُنَّ عَلَى بَيَانِ الْإِجْزَاءِ) أَيْ الِاكْتِفَاءِ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ فَالْإِجْزَاءُ أَقَلُّ مَرْتَبَةً فِي الْجَوَازِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ مَعَ الْحُرْمَةِ، وَإِنَّمَا خُصَّ الْإِجْزَاءُ بِالْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يُتَوَهَّمُ فِيهَا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَقِيسَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْأَظْهَرِ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْخِنْزِيرَ كَالْكَلْبِ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ وَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَحْرِيمُ الْكَلْبِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْكَلْبِ، وَلِأَنَّهُ يُنْدَبُ قَتْلُهُ لِإِضْرَارِهِ، وَالْفَرْعُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا يَتْبَعُ الْآخَرَ فِي النَّجَاسَةِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالثَّانِي يَكْفِي غَسْلُ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَارِدٌ فِي الْكَلْبِ وَمَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى كَلْبًا انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ وَبِوُلُوغِهِ غَيْرُهُ إلَخْ) أَيْ وَقِيسَ بِوُلُوغِهِ غَيْرُهُ قِيَاسًا أَوْلَوِيًّا حَيْثُ أَمَرَ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِهِ بِفَمِهِ وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ فَغَيْرُهُ مِنْ بَوْلِهِ وَعَرَقِهِ وَرَوْثِهِ وَنَحْوِهَا أَوْلَى اهـ شَرْحُ م ر. وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَقْدِيمَ هَذَا الْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ وَقِيسَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ إتْمَامُ الدَّلِيلِ عَلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ، ثُمَّ يَقِيسُ عَلَيْهِ الْخِنْزِيرَ وَأَوْرَدَ عَلَى الشَّارِحِ أَنَّ الْحَصْرَ فِي السَّبْعِ وَاشْتِرَاطَ التَّتْرِيبِ تَعَبُّدِيٌّ وَالتَّعَبُّدِيَّات لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي أَصْلِ التَّنْجِيسِ وَإِذَا ثَبَتَ لَزِمَ الْغَسْلُ سَبْعًا بِالتُّرَابِ.
وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ وَقِيسَ عَلَى الْوُلُوغِ غَيْرُهُ كَبَوْلِهِ وَعَرَقِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ مَا ذُكِرَ فِي فَمِهِ مَعَ أَنَّهُ أَطْيَبُ مَا فِيهِ بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى انْتَهَتْ وَفِي ق ل عَلَيْهِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ إلَخْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ وَإِذَا ثَبَتَ لَزِمَ الْغَسْلُ سَبْعًا بِالتُّرَابِ إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَ فَضَلَاتِهِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا قِيَاسَ فِي التَّعَبُّدِيَّاتِ.
(قَوْلُهُ وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ وَمِمَّا قَرَّرَهُ فِي الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَالٌّ عَلَى مُصَاحَبَةِ التُّرَابِ لِلْمَاءِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ ذَرُّ التُّرَابِ عَلَى الْمَحِلِّ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَضَعَهُ بَعْدَ تَمَامِ السَّابِعَةِ وَوَجْهُ عِلْمِ ذَلِكَ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْمَتْنِ وَالْحَدِيثِ عَلَى كَوْنِ التُّرَابِ مُصَاحِبًا لِإِحْدَى الْغَسَلَاتِ وَهُوَ فِيمَا ذُكِرَ لَمْ يَصْحَبْهَا بَلْ وُضِعَ بَعْدَ تَمَامِ الْغَسَلَاتِ اهـ شَيْخُنَا وَذَرَرْت الْحَبَّ وَالْمِلْحَ وَالدَّوَاءَ فَرَّقْته مِنْ بَابِ رَدَّ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتْبِعَهُ بِالْمَاءِ، فَإِنْ أَتْبَعَهُ بِالْمَاءِ وَامْتَزَجَ مَعَهُ عَلَى الْمَحِلِّ كَفَى اهـ ح ل وَقَوْلُهُ وَلَا مَزَجَهُ بِغَيْرِ مَاءٍ عِبَارَةُ الْأَصْلِ مَعَ شَرْحِ حَجّ وَلَا تُرَابٍ مَمْزُوجٍ بِمَائِعٍ وَهُوَ هُنَا مَا عَدَا الْمَاءَ الطَّهُورَ فِي الْأَصَحِّ لِلنَّصِّ عَلَى غَسْلِهِ بِالْمَاءِ سَبْعًا مَعَ مُصَاحَبَةِ التُّرَابِ لِإِحْدَاهُنَّ انْتَهَتْ قَالَ م ر وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَكْفِي التُّرَابُ الْمَمْزُوجُ بِالْمَائِعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ كَأُشْنَانِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْكَسْرِ لُغَةً اهـ مِصْبَاحٌ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ وَتُرَابٍ مُسْتَعْمَلٍ) وَلَيْسَ مِنْهُ حَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ فَيَجْزِي هُنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعُدُّوا حَجَرَ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَحِلَّ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نَزَلَ الْمُسْتَجْمِرُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ أَوْ حَمَلَهُ مُصَلٍّ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِابْنِ قَاسِمٍ حَيْثُ قَالَ، وَمِنْ الْمُسْتَعْمَلِ حَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ) أَيْ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّ النَّجَسَ لَا يَكْفِي اهـ ع ش وَعِبَارَتُهُ أَيْ الْأَصْلُ وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ فِي الْأَصَحِّ فَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْمُتَنَجِّسِ وَالْمُسْتَعْمَلِ يَكْفِي، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافٍ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ أَيْ النَّجَسُ يَكْفِي كَالدِّبَاغِ بِشَيْءٍ نَجِسٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ مِنْ التُّرَابِ إلَخْ) وَيَقُومُ مَقَامَ التَّتْرِيبِ الْمَاءُ الْكَدِرُ كَالنِّيلِ فِي أَيَّامِ زِيَادَتِهِ وَالسَّيْلِ الْمُتَتَرِّبِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ
(1/186)
وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي فِي غَيْرِ تُرَابٍ التُّرَابُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَتْرِيبٍ، إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ، وَلَوْ لَمْ تَزُلْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ التُّرَابُ) أَيْ، وَلَوْ مِنْ نَحْوِ الْهَوَاءِ أَوْ مُرُورِ الْأَقْدَامِ وَقَوْلُهُ، إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ طَارِئًا كَأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُرَخَّمَةً أَوْ مُبَلَّطَةً، وَلَوْ تَطَايَرَ مِنْ الْغُسَالَةِ شَيْءٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا بَقِيَ مِنْ الْغَسَلَاتِ، فَإِنْ تَطَايَرَ مِنْ الْأُولَى غُسِلَ سِتًّا، ثُمَّ إنْ وُجِدَ تُرَابٌ فِيهَا أَوْ الْأُولَى فَلَا حَاجَةَ إلَى تَتْرِيبٍ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَهَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَ مَاءُ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ، ثُمَّ تَرَشْرَشَ مِنْهُ شَيْءٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ التَّتْرِيبُ فِي أُولَى السَّبْعِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَتْرِيبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَإِلَّا اُحْتِيجَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوطٌ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ مَاءُ الْأُولَى اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ مَا فِيهَا تُرَابٌ، وَلَوْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهَا ثَوْبًا قَبْلَ تَمَامِ السَّبْعِ اشْتَرَطَ فِي تَطْهِيرِهِ تَتْرِيبَهُ وَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فِيهَا عَنْهُ وَهِيَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ وَأَيْضًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ تَتْرِيبِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ إلَّا الْأَرْضَ التُّرَابِيَّةَ كَذَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ نُسِبَ إلَيْهِ أَنَّهُ أَفْتَى قَبْلَهُ بِخِلَافِهِ نَعَمْ لَوْ جَمَعَ التُّرَابَ الْمُتَطَايِرَ وَأَرَادَ تَطْهِيرَهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَتْرِيبِهِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ شَرْحُ م ر.
وَعِبَارَةُ ع ش. وَأَمَّا الْغَسَلَاتُ إذَا جُمِعَتْ مِنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَقَدْ أَفْتَى ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ بِأَنَّ الْإِنَاءَ الَّذِي جُمِعَتْ فِيهِ يُغْسَلُ سَبْعًا إحْدَاهَا بِتُرَابٍ وَخَالَفَ الْعَلَّامَةَ ابْنَ قَاسِمٍ، وَقَالَ إنْ كَانَ التَّتْرِيبُ فِي أُولَى السَّبْعِ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْأُولَى وَكُلِّ مِمَّا بَعْدَهَا لَا يَحُوجُ لِلتَّتْرِيبِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ أَبِي شَرِيفٍ اهـ شَبْشِيرِيٌّ أَيْ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَجَاسَةً مُسْتَقِلَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا سَبْعًا وَتَتْرِيبِهَا انْتَهَتْ وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف مَا قَالَهُ الشِّهَابُ سم اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ) قَدْ يُقَالُ لَهُ مَعْنًى وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُطَهِّرَيْنِ أَعْنِي الْمَاءَ وَالتُّرَابَ الطَّهُورَ وَالتُّرَابُ الطَّهُورُ مَفْقُودٌ هُنَا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ مُتَنَجِّسٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي اهـ عَشْمَاوِيٌّ أَيْ فَلَوْ تَرَّبَهُ لَمْ يَصِرْ التُّرَابُ مُسْتَعْمَلًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَهِّرْ شَيْئًا إنَّمَا سَقَطَ اسْتِعْمَالُ التُّرَابِ فِيهِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ أَيْضًا، إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ) قَالَ شَيْخُنَا مِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّهُورِ وَالْمُسْتَعْمَلِ وَعَلَى قِيَاسِهِ يُقَالُ وَلَا بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ. وَأَمَّا لَوْ أَصَابَ مَا تَطَايَرَ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ تَمَامِ السَّبْعِ فَيُشْتَرَطُ فِي تَطْهِيرِهِ تَتْرِيبُهُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ التُّرَابُ أَيْ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا أَوْ نَجِسًا حَيْثُ قَصَدَ تَطْهِيرَهُ لِمَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ تَزُلْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالْغَسَلَاتُ الْمُزِيلَةُ لِلْعَيْنِ تُعَدُّ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَثُرَتْ، وَإِنَّمَا حَسِبَ الْعَدَدَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ قَبْلَ زَوَالِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَخْفِيفٍ وَمَا هُنَا مَحَلُّ تَغْلِيظٍ فَلَا يُقَاسُ هَذَا بِذَاكَ انْتَهَتْ وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ مَا يَشْمَلُ الْوَصْفَ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ الْأَوْصَافِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهَا قَبْلَ وَضْعِ التُّرَابِ اهـ سم وَحَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ أَوَّلًا، ثُمَّ يُتْبِعُهُ بِالْمَاءِ أَوْ يَعْكِسُ أَوْ يَمْزُجُهُمَا خَارِجَ الْمَحِلِّ وَيَصُبُّ الْمَاءَ الْمَمْزُوجَ هَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ، ثُمَّ يَنْقُلُ النَّظَرَ إلَى النَّجَاسَةِ، فَإِنْ كَانَ جِرْمُهَا بَاقِيًا لَمْ تَكْفِ وَاحِدَةٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِحَيْلُولَةِ الْجِرْمِ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحَلِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِرْمٌ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رُطُوبَةٌ لَمْ يَكْفِ وَضْعُ التُّرَابِ أَوَّلًا لِتَنَجُّسِهِ بِالرُّطُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَيَكْفِي الصُّورَتَانِ الْأُخْرَيَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رُطُوبَةٌ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ بَعْضُ الْأَوْصَافِ أَوْ كُلُّهَا وَهِيَ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ وَالرِّيحُ كَفَى كُلٌّ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَلَكِنْ لَا تُحْسَبُ غَسْلَةٌ إلَّا إنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ، وَلَوْ بِمَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الِاكْتِفَاءِ بِهِ لِتَتْرِيبٍ مَعَ وُجُودِ الْأَوْصَافِ وَبَيْنَ عَدَمِ حُسْبَانِ الْغَسْلَةِ إلَّا بِزَوَالِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَوْصَافٌ أَصْلًا فَالْأَمْرُ هُنَا ظَاهِرٌ اهـ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ رَبِّهِ نَصُّهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وَضَعَ التُّرَابَ عَلَى جِرْمِ النَّجَاسَةِ لَمْ يَكْفِ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْجِرْمُ مَوْجُودًا وَلَا شَيْءَ مِنْ الْأَوْصَافِ وَوَضَعَ التُّرَابَ كَفَى مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ مَزَجَهُ بِالْمَاءِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحِلُّ رَطْبًا أَوْ جَافًّا، وَإِنْ بَقِيَتْ الْأَوْصَافُ، فَإِنْ كَانَ الْمَحِلُّ جَافًّا وَوَضَعَ التُّرَابَ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ وَزَالَتْ الْأَوْصَافُ كَفَى، وَإِنْ وَضَعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ لِتَنَجُّسِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ
(1/187)
إلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ مَثَلًا حُسِبَتْ وَاحِدَةً كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا سِتٌّ وَقَوَّاهُ فِي الْمُهِّمَّاتِ.
(أَوْ) نَجُسَ (بِبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يَطْعَمْ) أَيْ لَمْ يَتَنَاوَلْ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ (غَيْرَ لَبَنٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَيْضًا، وَلَوْ لَمْ تَزُلْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى تَقْيِيدِ الْمَتْنِ أَيْ وَلَا تُحْسَبُ السَّبْعُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ، وَلَوْ لَمْ تَزُلْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ أَيْ جِرْمُهَا أَوْ أَحَدُ أَوْصَافِهَا إلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ حُسِبَتْ وَاحِدَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَحِلَّ غَلَّظَ فِيهِ بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ حَيْثُ حَسَبَ فِيهِ الْعَدَدَ قَبْلَ زَوَالِ الْعَيْنِ أَيْ تُحْسَبُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمُزِيلَ لِلْعَيْنِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَخْفِيفٍ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ هُنَا الْجِرْمُ لَا مَا يَشْمَلُ ذَلِكَ وَبَقِيَّةُ الْأَوْصَافِ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ زَوَالِ الْأَوْصَافِ وَإِلَّا عُدَّ مَرَّةً وَاحِدَةً وَزَوَالُ الْعَيْنِ بِأَنْ تَنْفَصِلَ الْغُسَالَةُ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ وَغَيْرَ زَائِدَةِ الْوَزْنِ فَلَوْ انْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَةً أَوْ زَائِدَةَ الْوَزْنِ لَمْ تُحْسَبْ مِنْ السَّبْعِ وَكَتَبَ أَيْضًا هَلْ مُزِيلُ الْعَيْنِ يُحْسَبُ مِنْ السَّبْعِ، وَإِنْ انْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا أَوْ زَائِدَ الْوَزْنِ أَوْ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ مَا عَدَا السَّابِعَةَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ وَلَا زَائِدَ الْوَزْنِ وَمَا عَدَا السَّابِعَةَ لَمْ يُزِلْ النَّجَاسَةَ، وَإِنْ انْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إلَخْ) ضَعِيفٌ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ أَوْ نَجُسَ بِبَوْلِ صَبِيٍّ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ وَمَا نَجُسَ بِبَوْلِ صَبِيٍّ إلَخْ انْتَهَتْ وَكَتَبَ عَلَيْهَا ع ش مَا نَصُّهُ دَخَلَ فِي مَا غَيْرِ الْآدَمِيِّ كَإِنَاءٍ وَأَرْضٍ فَيَطْهُرُ بِالنَّضْحِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَفَارَقَتْ الذِّكْرَ إلَخْ؛ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ الْمَذْكُورَ حِكْمَةٌ فِي الْأَصْلِ فَلَا يُنَافِي تَخَلُّفُهُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَعُمُومُ الْحُكْمِ اهـ سم عَلَى حَجّ قَالَ شَيْخُنَا ح ل لَوْ وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَأَصَابَ شَيْئًا وَجَبَ غَسْلُهُ وَلَا يَكْفِي نَضْحُهُ، وَلَوْ أَصَابَ ذَلِكَ الْبَوْلُ الصَّرْفُ شَيْئًا كَفَى النَّضْحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِ خُرُوجِهِ بِأَنْ كَانَ فِي إنَاءٍ كَالْقَصْرِيَّةِ مَثَلًا أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِمْ مَا نَجُسَ بِبَوْلِ صَبِيٍّ إلَخْ لِصِدْقِهِ بِغَيْرِ أَوَّلِ خُرُوجِهِ وَلَا تَتَوَقَّفُ الرُّخْصَةُ عَلَى مُلَاقَاتِهِ مِنْ مَحِلِّهِ وَمَعْدِنِهِ اهـ أَقُولُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِالنَّضْحِ فِي الْمُتَنَجِّسِ مِنْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَنَجَّسَ بِالْبَوْلِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ صَدَقَ عَلَى مُصَابِهِ أَنَّهُ تَنَجَّسَ بِغَيْرِ الْبَوْلِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِبَوْلِ صَبِيٍّ) أَيْ، وَلَوْ مُخْتَلِطًا بِأَجْنَبِيٍّ أَوْ كَانَ مُتَطَايِرًا مِنْ ثَوْبِ أُمِّهِ وَخَرَجَ بَقِيَّةُ فَضَلَاتِهِ وَقَوْلُهُ لَمْ يَطْعَمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَقَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَتَنَاوَلْ أَيْ لَا مَأْكُولًا وَلَا مَشْرُوبًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمُخْتَارِ الطُّعْمُ بِالضَّمِّ الطَّعَامُ، وَقَدْ طَعِمَ بِالْكَسْرِ طُعْمًا بِضَمِّ الطَّاء إذَا أَكَلَ أَوْ ذَاقَ فَهُوَ طَاعِمٌ اهـ ع ش عَلَى م ر وَفِي الْمِصْبَاحِ طَعِمْته أَطْعِمَةً مِنْ بَابِ تَعِبَ طَعْمًا وَيَقَعُ عَلَى كُلِّ مَا يُسَاغُ حَتَّى الْمَاءِ وَذَوْقُ الشَّيْءِ وَالطُّعْمُ بِالضَّمِّ الطَّعَامُ اهـ. (قَوْلُهُ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ) أَمَّا بَعْدَهُمَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَبِرَ غَلُظَتْ مَعِدَتُهُ وَقَوِيَتْ عَلَى الْإِحَالَةِ فَرُبَّمَا كَانَتْ تُحِيلُ إحَالَةً مَكْرُوهَةً فَالْحَوْلَانِ أَقْرَبُ مَرَدٍّ فِيهِ وَلِهَذَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَا يَتَنَاوَلُونَ إلَّا اللَّبَنَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر فَلَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، ثُمَّ بَالَ بَعْدَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ غَيْرَ اللَّبَنِ فَهَلْ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ أَوْ يَجِبُ الْغَسْلُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ أَكْلِ غَيْرِ اللَّبَنِ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الطَّنْدَتَائِيُّ، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ وَصَارَ يَقْتَصِرُ عَلَى اللَّبَنِ فَهَلْ يُقَالُ لِكُلِّ زَمَنٍ حُكْمُهُ أَوْ يُقَالُ يُغْسَلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الطَّنْدَتَائِيُّ أَيْضًا، وَلَوْ اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْغَيْرُ أَكْثَرَ غُسِلَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا فَلَا غَسْلَ وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُغْسَلُ مُطْلَقًا حَيْثُ كَانَ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى وَجْهِ التَّغَذِّي اهـ زي اهـ ع ش.
(فَرْعٌ) لَوْ أَصَابَهُ بَوْلُ صَبِيٍّ وَشَكَّ هَلْ هُوَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَوْ بَعْدَهُ فَهَلْ يَكْتَفِي بِالرَّشِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ س ل فِي دَرْسِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ؛ لِأَنَّ الرَّشَّ رُخْصَةٌ وَالرُّخَصُ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا يُخَالِفُهُ، وَقَالَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بُلُوغِ الْحَوْلَيْنِ وَعَدَمُ كَوْنِ الْبَوْلِ بَعْدَهُمَا اهـ وَالْحَوْلَانِ تَحْدِيدٌ كَمَا قَالَهُ ع ش خِلَافًا لِلشَّيْخِ خَضِرٍ فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ اهـ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْحِفْنِيِّ وَمِثْلُ مَا قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ الْبَوْلُ الْمُصَاحِبُ لِآخِرِهِمَا كَمَا قَالَهُ سم فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ع ش عَلَى م ر وَأَقَرَّهُ اهـ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْحِفْنِيِّ فَقَوْلُهُ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِبَوْلٍ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَالَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ مَا ذُكِرَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرَ لَبَنٍ) مِنْ
(1/188)
لِلتَّغَذِّي نُضِحَ) بِأَنْ يُرَشَّ عَلَيْهِ مَا يَعُمُّهُ وَيَغْلِبُهُ بِلَا سَيَلَانٍ بِخِلَافِ الصَّبِيَّةِ وَالْخُنْثَى لَا بُدَّ فِي بَوْلِهِمَا مِنْ الْغَسْلِ عَلَى الْأَصْلِ وَيَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ وَذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ «أُمِّ قَيْسٍ أَنَّهَا جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ» وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الِائْتِلَافَ بِحَمْلِ الصَّبِيِّ أَكْثَرُ فَخَفَّفَ فِي بَوْلِهِ وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ مِنْ بَوْلِهَا فَلَا يَلْصَقُ بِالْمَحِلِّ لُصُوقَ بَوْلِهَا بِهِ وَأُلْحِقَ بِهَا الْخُنْثَى وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي لِلتَّغَذِّي تَحْنِيكُهُ بِتَمْرٍ وَنَحْوِهِ وَتَنَاوُلُهُ السَّفُوفَ وَنَحْوَهُ لِلْإِصْلَاحِ فَلَا يَمْنَعَانِ النَّضْحَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
(أَوْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
اللَّبَنِ هُنَا الْقِشْطَةُ وَالزُّبْدُ وَالْجُبْنُ الْخَالِي عَنْ الْإِنْفَحَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ حَلِيبًا أَوْ رَائِبًا أَوْ خَائِرًا أَوْ أَقِطًا مِنْ أُمِّهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَمْنَعُ النَّضْحَ اهـ شَيْخُنَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي ح ل وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا ح ف خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي ع ش. (قَوْلُهُ نَضَحَ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَقِيلَ مُعْجَمَةٌ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ النَّضْخُ بِالْمُعْجَمَةِ مِثْلُ النَّضْحِ بِالْمُهْمَلَةِ، وَقِيلَ النَّضْخُ بِالْمُعْجَمَةِ لِمَا ثَخُنَ كَالطِّينِ وَبِالْمُهْمَلَةِ لِمَا رَقَّ كَالْمَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ نَضَحْت الثَّوْبَ نَضْحًا فِي بَابَيْ ضَرَبَ وَنَفَعَ وَهُوَ الْبَلُّ بِالْمَاءِ وَالرَّشُّ وَيُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ أَيْ يُرَشُّ وَنَضَحَ الْفَرَسُ عَرِقَ وَنَضَحَ الْعَرَقُ خَرَجَ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا نَضَخْت الثَّوْبَ نَضْخًا مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَنَفَعَ إذَا بَلَلْته أَكْثَرَ مِنْ النَّضْحِ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ وَغَيْثٌ نَضَّاخٌ أَيْ كَثِيرٌ غَزِيرٌ وَعَيْنٌ نَضَّاخَةٌ أَيْ فَوَّارَةٌ غَزِيرَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا نَضَحَ) هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ حُكْمِيَّةً، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنِيَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ جِرْمِهَا وَأَوْصَافِهَا، فَإِنْ لَمْ تَزُلْ بِالنَّضْحِ وَجَبَ الْغَسْلُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ كَمُتَنَجِّسٍ بِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْمُصَابُ بِالْبَوْلِ رَطْبًا بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ سَالَ مِنْهُ الْبَوْلُ وَجَبَ عَصْرُهُ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ أَيْضًا نَضَحَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ فِيهِ التَّثْلِيثُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ تَوْجِيهُهُمْ التَّثْلِيثُ فِي غَيْرِهِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِذَلِكَ فِي النَّجَاسَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ وَأَنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالرَّشِّ مَعَ بَقَاءِ أَوْصَافِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي اللَّوْنِ وَالرِّيحِ قَالَ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَكْتَفِ بِهِ لَأَوْجَبْنَا غَسْلَهُ اهـ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ سُهُولَةِ زَوَالِهِ اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ بِأَنْ يَرُشَّ عَلَيْهِ) أَيْ بَعْدَ إزَالَةِ أَوْصَافِهَا وَلَا تَضُرُّ طَرَاوَةُ مَحِلِّهِ بِلَا رُطُوبَةٍ تَنْفَصِلُ مِنْهُ وَتَكْفِي إزَالَةُ الْأَوْصَافِ مَعَ الرَّشِّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ) وَاسْمُهَا أُمَيْمَةُ، وَقِيلَ بَرَكَةُ بِنْتُ مُحْصَنٍ الْأَسَدِيَّةُ أَسْلَمَتْ قَدِيمًا وَهَاجَرَتْ وَبَايَعَتْ وَهِيَ الَّتِي جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ الْحَدِيثَ رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْهَا قُتَيْبَةُ وَغَيْرُهُ وَعَمَرَتْ كَثِيرًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ) أَيْ لَمْ يَبْلُغْ حَوْلَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ نَقَلَ أَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي حِجْرِهِ) هُوَ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْك مِنْ ثَوْبِك وَبِمَعْنَى الْمَنْعِ مُثَلَّثٌ اهـ قَامُوسٌ.
وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ طَرَفَ الثَّوْبِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَحِجْرُ الْإِنْسَانِ بِالْفَتْحِ، وَقَدْ يُكْسَرُ حَضْنُهُ وَهُوَ مَا دُونَ إبْطِهِ إلَى الْكَشْحِ وَهُوَ فِي حِجْرِهِ أَيْ فِي كَنَفِهِ وَحِمَايَتِهِ وَالْجَمْعُ حُجُورٌ، ثُمَّ قَالَ وَالْحَضْنُ مَا دُونَ الْإِبْطِ إلَى الْكَشْحِ وَالْجَمْعُ أَحْضَانٌ، مِثْلُ حَمْلٍ وَأَحْمَالٍ اهـ ع ش عَلَى م ر وَبِالْكَسْرِ الْعَقْلُ وَمَا حَوَاهُ الْحَطِيمُ الدَّائِرُ بِالْكَعْبَةِ مِنْ جَانِبِ الشِّمَالِ وَدِيَارِ ثَمُودَ وَالْأُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ وَالْقَرَابَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْحِجْرُ الْقَرَابَةُ وَالْحِجْرُ بِالْكَسْرِ أَيْضًا الْفَرَسُ إلَى آخِرِ هَذِهِ السَّبْعَةِ اهـ فَلَهُ مَعَانٍ سَبْعَةٌ قَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ
رَكِبْت حِجْرًا وَطُفْت الْبَيْتَ خَلْفَ الْحِجْر ... وَحُزْت حِجْرًا عَظِيمًا مَا دَخَلْت الْحِجْر
لِلَّهِ حِجْرٌ مَنَعَنِي مِنْ دُخُولِ الْحِجْرِ ... مَا قُلْت حِجْرًا وَلَوْ أُعْطِيت مِلْءَ الْحِجْر
. (قَوْلُهُ فَخَفَّفَ فِي بَوْلِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَهَذِهِ حِكْمَةٌ فَلَا يَضُرُّ تَخَلُّفُهَا فِي نَحْوِ الْإِنَاءِ وَالْأَرْضِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ وَطِينٍ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ وَهُوَ آدَم وَالْأُنْثَى مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهَا وَهُوَ حَوَّاءُ وَالْغَالِبُ عَلَى الشَّيْءِ مُحَاكَاةُ أَصْلِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الذَّكَرَ لُوحِظَ فِيهِ أَصْلُ نَوْعِهِ وَهُوَ آدَم وَالْأُنْثَى لُوحِظَ فِيهَا أَصْلُ نَوْعِهَا وَهُوَ حَوَّاءُ فَأَلْحَقْنَا أَفْرَادَ كُلٍّ بِنَوْعِهِ وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مَخْلُوقٌ مِنْ النُّطْفَةِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ اهـ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا ح ف، وَقِيلَ لَمَّا كَانَ بُلُوغُ الصَّبِيِّ بِمَائِعٍ طَاهِرٍ وَهُوَ الْمَنِيُّ وَبُلُوغُهَا بِمَائِعٍ كَذَلِكَ وَنَجِسٍ وَهُوَ الْحَيْضُ جَازَ أَنْ يَفْتَرِقَا فِي طَهَارَةِ الْبَوْلِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفَرَّقَ أَيْضًا بِأَنَّ بَوْلَهَا بِسَبَبِ اسْتِيلَاءِ الرُّطُوبَةِ وَالْبُرُودَةِ عَلَى مِزَاجِهَا أَغْلَظُ وَأَنْتَنُ اهـ قَسْطَلَّانِيٌّ عَلَى الْبُخَارِيِّ. (قَوْلُهُ فَلَا يَلْصَقُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ لَصِقَ يَلْصَقُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ تَحْنِيكُهُ بِتَمْرٍ) بِالْمُثَنَّاةِ لَا بِالْمُثَلَّثَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَتَنَاوُلُهُ السَّفُوفَ) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ وَكُلُّ مَا يُؤْخَذُ غَيْرَ مَعْجُونٍ فَهُوَ سَفُوفٌ بِفَتْحِ السِّينِ اهـ ع ش عَلَى
(1/189)
نَجُسَ (بِغَيْرِهِمَا) أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ مِنْ نَحْوِ كَلْبٍ وَغَيْرِ بَوْلِ الصَّبِيِّ الْمَذْكُورِ (وَكَانَ حُكْمِيًّا) كَبَوْلٍ جَفَّ، وَلَمْ تُدْرَكْ لَهُ صِفَةٌ (كَفَى جَرْيُ مَاءٍ) عَلَيْهِ مَرَّةً (أَوْ) كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
م ر أَمَّا بِضَمِّهَا فَهُوَ الْفِعْلُ وَهُوَ التَّنَاوُلُ اهـ لِكَاتِبِهِ وَقَوْلُهُ لِلْإِصْلَاحِ أَيْ إنْ حَصَلَ بِهِ التَّغَذِّي اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ.
(قَوْلُهُ أَوْ بِغَيْرِهِمَا) وَكَانَ حُكْمِيًّا بِأَنْ لَمْ يُدْرَكْ لَهُ عَيْنٌ وَلَا وَصْفٌ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِجَفَاءِ أَثَرِهَا بِالْجَفَافِ أَمْ لَا، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْمُغَلَّظَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ مَعَ انْضِمَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِذَلِكَ لَا يُقَالُ هَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ كَمُتَنَجِّسٍ بِهِمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْعَيْنِيِّ مِنْهُمَا إزَالَةُ أَوْصَافِهِ إلَّا مَا عَسِرَ مِنْ اللَّوْنِ أَوْ الرِّيحِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا لَمْ يَفْصِلْ فِي الْمُغَلَّظَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السَّبْعِ فِي كُلٍّ مِنْ الْعَيْنِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ. وَأَمَّا بَوْلُ الصَّبِيِّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْحُكْمِيَّةِ بِأَنْ جَفَّ وَلَا صِفَةَ لَهُ كَفَى نَضْحُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَيْنِيَّةِ فَلَا يُكْتَفَى بِالنَّضْحِ إلَّا إنْ زَالَتْ تِلْكَ الْأَوْصَافُ اهـ ح ل وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ فِي مُصْحَفٍ تَنَجَّسَ بِغَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ بِوُجُوبِ غَسْلِهِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى تَلَفِهِ، وَلَوْ كَانَ لِيَتِيمٍ وَيَتَعَيَّنُ فَرْضُهُ عَلَى مَا فِيهِ فِيمَا إذَا مَسَّتْ النَّجَاسَةُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي نَحْوِ الْجِلْدِ وَالْحَوَاشِي وَمَا بَيْنَ السُّطُورِ اهـ حَجّ وم ر اهـ ع ش وَقَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ لِيَتِيمٍ أَيْ وَالْغَاسِلُ لَهُ الْوَلِيُّ، وَهَلْ لِلْأَجْنَبِيِّ فِعْلُ ذَلِكَ فِي مُصْحَفِ الْيَتِيمِ بَلْ.
وَفِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِعَدَمِ عِلْمِنَا بِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ سِيَّمَا، وَقَدْ قَالَ عَلَى مَا فِيهِ الْمُشْعِرُ بِالتَّوَقُّفِ فِي حُكْمِهِ مِنْ أَصْلِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ كَبَوْلٍ جَفَّ) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ، وَلَمْ تُدْرَكْ لَهُ صِفَةٌ سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِخَفَاءِ أَثَرِهَا بِالْجَفَافِ كَبَوْلٍ جَفَّ فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ وَلَا أَثَرَ لَهُ وَلَا رِيحَ فَذَهَبَ وَصْفُهُ أَمْ لَا لِكَوْنِ الْمَحِلِّ صَقِيلًا لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ كَالْمِرْآةِ وَالسَّيْفِ اهـ شَرْحُ م ر.
وَقَوْلُهُ لِكَوْنِ الْمَحِلِّ صَقِيلًا صَرِيحُهُ أَنَّ نَجَاسَةَ الصَّقِيلِ حُكْمِيَّةٌ، وَلَوْ قَبْلَ الْجَفَافِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ نَجَاسَتُهُ حِينَئِذٍ عَيْنِيَّةٌ، وَإِنَّمَا نَصُّوا عَلَيْهِ لِلْإِشَارَةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْمَسْحِ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ قُلْت إذَا أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ شَيْئًا ثَقِيلًا كَسَيْفٍ وَسِكِّينٍ وَمِرْآةٍ لَمْ يَطْهُرْ بِالْمَسْحِ عِنْدَنَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا اهـ رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ كَفَى جَرْيُ مَاءٍ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ كَمَطَرٍ، وَمِنْ ذَلِكَ السِّكِّينُ إذَا حُمِيَتْ، ثُمَّ سُقِيَتْ مَاءً نَجِسًا وَالْحَبُّ إذَا نُقِعَ فِي بَوْلٍ حَتَّى انْتَفَخَ وَاللَّحْمُ إذَا طُبِخَ بِبَوْلٍ فَيَطْهُرُ بَاطِنُهَا بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَالْآجُرُّ الْمَعْجُونُ بِنَجَسٍ سُئِلَ عَنْهُ الْمُزَنِيّ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ نَجِسٌ، ثُمَّ سُئِلَ عَنْهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسِعْ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَكُونُ مَعْفُوًّا عَنْهُ، وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ لِلْعَلَّامَةِ الزِّيَادِيِّ صُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ فِي الْجِرَرِ وَالْأَزْيَارِ وَالْأَجَانَاتِ وَالْقِلَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَالْبَرَانِيِّ وَالصُّحُونِ مِمَّا يُعْجَنُ مِنْ الطِّينِ بِالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَيُحْكَمُ بِطَهَارَةِ مَا وُضِعَ فِيهَا مَعَ مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ لَا وَفِي الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ بِالْإِنْفَحَةِ الْمُتَنَجِّسَةِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَيَجُوزُ أَكْلُهُ حَتَّى لَوْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ أَوْ لَا، وَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْ الْمِشِّ الْمَعْمُولِ بِهِ الْكِشْكُ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ وَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَلَا تَجِبُ الْمَضْمَضَةُ مِنْهُ وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَوْ لَا، وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الطُّوبِ الْمَعْجُونِ بِالزِّبْلِ إذَا أُحْرِقَ وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ بِهِ وَفَرْشُ أَرْضَهَا بِهِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا حَائِلٍ وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي أَوْ مَلْبُوسِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَوْ لَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَأَجَابَ بِمَا صُورَتُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَعَمْ الْخَزَفُ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الطِّينِ وَيُضَافُ إلَيْهِ السِّرْجِينُ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَطَهَارَةِ مَا وُضِعَ فِيهِ مِنْ مَاءٍ أَوْ مَائِعٍ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ.
وَقَدْ قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسِعْ وَالْجُبْنُ الْمَعْمُولُ بِالْإِنْفَحَةِ الْمُتَنَجِّسَةِ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى أَيْضًا فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَأَكْلُهُ وَلَا يَجِبُ تَطْهِيرُ الْفَمِ مِنْهُ وَإِذَا أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهُ ثَوْبَ الْآكِلِ أَوْ بَدَنَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ تَطْهِيرُهُ لِلْمَشَقَّةِ. وَأَمَّا الْآجُرُّ الْمَعْجُونُ بِالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ بِهِ وَفَرْشُ أَرْضِهَا بِهِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا حَائِلٍ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ بِهِ وَالْمِشُّ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ بِالْإِنْفَحَةِ طَاهِرٌ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ حَتَّى لَوْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهُ بَدَنًا أَوْ ثَوْبًا لَمْ يَجِبْ تَطْهِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَتَبَهُ عَلَى
(1/190)
(عَيْنِيًّا وَجَبَ إزَالَةُ صِفَاتِهِ) مِنْ طَعْمٍ، وَلَوْنٍ وَرِيحٍ (إلَّا مَا عَسِرَ) زَوَالُهُ (مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ) فَلَا تَجِبُ إزَالَتُهُ بَلْ يُطَهَّرُ الْمَحِلُّ (كَمُتَنَجِّسٍ بِهِمَا) أَيْ بِنَحْوِ الْكَلْبِ وَبِبَوْلِ الصَّبِيِّ، فَإِنَّهُ تَجِبُ فِي الْعَيْنِيِّ مِنْهُمَا إزَالَةُ صِفَاتِهِ إلَّا مَا عَسِرَ مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي، أَمَّا إذَا اجْتَمَعَا فَتَجِبُ إزَالَتُهُمَا مُطْلَقًا لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الزِّيَادِيِّ الشَّافِعِيُّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَيْخُنَا، وَقَدْ سَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فِي دَرْسِهِ فَقَالَ قُلْته مِنْ عِنْدِي، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِهِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجْته عَلَى قَوَاعِدِ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَعَمْ يُتَّجَهُ عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ حَامِلِ الشَّيْءِ مِنْهَا، إذْ لَا ضَرُورَةَ فِيهَا حِينَئِذٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ إفْتَاءَ الزِّيَادِيِّ الْمَذْكُورَ بِالْحَرْفِ مَا نَصُّهُ، ثُمَّ رَأَيْت مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ الْعِمَادِ وَشَرْحِهَا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ اهـ. (قَوْلُهُ وَجَبَ إزَالَةُ صِفَاتِهِ) أَيْ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُهَا بِالشَّمِّ وَالْبَصَرِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا عَلَى الْأَعْمَى أَوْ مَنْ بِعَيْنِهِ رَمَدٌ أَنْ يَسْأَلَ بَصِيرًا هَلْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ أَوْ لَا اهـ ح ل وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ بَعْدَ طُهْرِهَا غَسْلَتَيْنِ لِتَكْمُلَ الثَّلَاثُ، وَلَوْ مُخَفَّفَةً فِي الْأَوْجَهِ.
أَمَّا الْمُغَلَّظَةُ فَلَا كَمَا قَالَهُ الْجِيلُونِيُّ فِي بَحْرِ الْفَتَاوَى فِي شَرْحِ الْحَاوِي وَبِهِ الْتَقَى ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يَكْبَرُ كَمَا أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يَصْغُرُ وَمَعْنَى أَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يَكْبَرُ أَنَّ الشَّارِعَ بَالَغَ فِي تَكْبِيرِهِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ الشَّيْءَ إذَا صَغُرَ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ الشَّيْءُ إذَا انْتَهَى نِهَايَتَهُ فِي الْغَلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظُ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَكَقَتْلِ الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ لَا تَغْلُظَ فِيهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ غَلُظَتْ فِي الْخَطَأِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْجِزْيَةِ إنَّ الْجُبْرَانَ لَا يُضْعِفُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ نِيَّةٌ وَتَجِبُ إزَالَتُهَا فَوْرًا إنْ عَصَى بِهَا وَإِلَّا فَلِنَحْوِ صَلَاةٍ نَعَمْ تُسَنُّ الْمُبَادَرَةُ بِإِزَالَتِهَا حَيْثُ لَمْ تَجِبْ. وَأَمَّا الْعَاصِي بِجَنَابَتِهِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ بِالْغُسْلِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْمُتَنَجِّسَ مُتَلَبِّسٌ بِمَا عَصَى بِهِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ إلَّا مَا عَسِرَ زَوَالُهُ إلَخْ) أَيْ، وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ بِأَنْ لَمْ يَزُلْ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْغَسْلِ وَالْحَتِّ وَالْقَرْصِ، وَإِنْ طَالَ بَقَاءُ ذَلِكَ اللَّوْنِ أَوْ الرِّيحِ وَلَا بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ حَيْثُ تَوَقَّفَتْ الْإِزَالَةُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَذَكَرَ حَجّ أَنَّهُ بَعْدَ ظَنِّ الطُّهْرِ لَا يَجِبُ شَمٌّ وَلَا نَظَرٌ نَعَمْ يَنْبَغِي سَنَّهُ اهـ ح ل وَخَرَجَ مَا سَهُلَ زَوَالُهُ فَلَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَائِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ اهـ شَرْحُ م ر وَحَاصِلُ صُوَرِ النَّجَاسَةِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ صُورَةً فِي الْعَيْنِيِّ مِنْهَا خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ فِي الْمَحِلِّ إمَّا الْجِرْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ أَوْ الطَّعْمُ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَوْ اثْنَانِ مِنْهَا وَفِيهِ سِتُّ صُوَرٍ أَوْ ثَلَاثٌ مِنْهَا وَفِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَوْ الْجَمِيعُ وَهِيَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ فَهَذِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صُورَةً وَكُلُّهَا فِي الْمُغَلَّظَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَفِي الْحُكْمِيَّةِ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهَا إمَّا مُخَفَّفَةٌ أَوْ مُغَلَّظَةٌ أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ اهـ مَدَابِغِيٌّ.
(قَوْلُهُ بَلْ يَطْهُرُ الْمَحِلُّ) أَيْ حَقِيقَةً لَا أَنَّهُ نَجَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ حَتَّى لَوْ أَصَابَهُ بَلَلٌ لَمْ يَتَنَجَّسْ، إذْ لَا مَعْنَى لِلْغَسْلِ إلَّا الطَّهَارَةُ وَالْأَثَرُ الْبَاقِي شَبِيهٌ بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا فَلَوْ عَسُرَتْ إزَالَةُ لَوْنِ نَحْوِ دَمٍ مُغَلَّظٍ أَوْ رِيحِهِ طَهُرَ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي خَادِمِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْفَ عَنْ قَلِيلِ دَمِهِ لِسُهُولَةِ إزَالَةِ جِرْمِهِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ كَمُتَنَجِّسٍ بِهِمَا) أَيْ فَمَا تَقَدَّمَ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالنَّضْحِ مَحِلُّهُ إنْ زَالَتْ بِهِ الْأَوْصَافُ وَمَحِلُّ الِاكْتِفَاءِ فِي الْمُغَلَّظَةِ بِالسَّبْعِ إنْ زَالَتْ بِهَا الْأَوْصَافُ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ مَا إذَا اجْتَمَعَا) أَيْ بِمَحِلٍّ وَاحِدٍ مِنْ نَجَاسَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِلَّا فَلَا لِفَوَاتِ الْعِلَّةِ الْآتِيَةِ وَأَفْتَى وَالِدُ شَيْخِنَا بِنَجَاسَةِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْبَحْرِ فَيُوجَدُ فِيهِ رِيحُ الزِّبْلِ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَيْ لَكِنْ يُعْفَى عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر، فَإِنْ بَقِيَا مَعًا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَإِنْ عَسِرَ زَوَالُهُمَا ضَرَّ عَلَى الصَّحِيحِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ، فَإِنْ بَقِيَا فِي مَحِلَّيْنِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا لَوْ تَخَرَّقَتْ بِطَانَةُ الْخُفِّ وَطَهَارَتُهُ فِي مَحِلَّيْنِ غَيْرِ مُتَحَاذِيَيْنِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ قُوَّةُ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَائِهَا انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ ضَرَّ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْ إنْ كَانَ مِنْ نَجَاسَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُمَا مِنْ نَجَاسَةٍ وَاحِدَةٍ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا مِنْ ثِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِلَّةٌ لَا ارْتِبَاطَ لَهَا بِالْأُخْرَى وَكُلُّ وَاحِدَةٍ بِانْفِرَادِهَا ضَعِيفَةٌ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ فَتَجِبُ إزَالَتُهُمَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَسِرَ أَوْ لَمْ يَعْسَرْ وَمَعْنَى الْوُجُوبِ فِيمَا إذَا عَسِرَ أَنَّهُ إذَا تَيَسَّرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إزَالَتُهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعِلَاجُ. وَأَمَّا الْمَحِلُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيُعْفَى عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ وَيُصَلِّي بِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا قَطْعُ الْمَحِلِّ اهـ شَيْخنَا اج وح ف
(1/191)
الْعَيْنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا بَقَاءُ الطَّعْمِ وَحْدَهُ، وَإِنْ عَسِرَ زَوَالُهُ وَلَا تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ فِي زَوَالِ الْأَثَرِ بِغَيْرِ الْمَاءِ إلَّا إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ.
(وَشَرْطُ وُرُودِ مَاءٍ) إنْ (قَلَّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَقَوْلُهُ وَيُصَلِّي بِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ أَوْ فِي الثَّوْبِ، وَقَدْ رَأَيْت لِشَيْخِنَا الَأَشْبُولِيِّ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ النَّجَاسَةُ فِي الْبَدَنِ فَالْحُكْمُ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الثَّوْبِ وَجَبَ نَزْعُهُ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ بَلْ يُصَلِّي بِدُونِهِ، وَلَوْ عَارِيًّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ اهـ وَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا فِي بَقَاءِ الطَّعْمِ وَحْدَهُ وَفِي ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ لَكِنْ إذَا عَسِرَ عُفِيَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْعُسْرُ وَتَجِبُ إزَالَتُهُمَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَلَا تَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ مَعَهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي الطَّعْمِ إذَا عَسِرَ اهـ أَيْ فَيَكُونُ الْمَحِلُّ نَجِسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ. (قَوْلُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا بَقَاءُ الطَّعْمِ) تَقَدَّمَ فِي الْأَوَانِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ جَوَازُ الذَّوْقِ وَأَنَّ مَحَلَّ مَنْعِهِ إذَا تَحَقَّقَ وُجُودُهَا فِيمَا يُرِيدُ ذَوْقَهُ أَوْ انْحَصَرَتْ فِيهِ اهـ شَرْحُ م ر فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ كَيْفَ يَعْرِفُ بَقَاءَ الطَّعْمِ مَعَ حُرْمَةِ ذَوْقِ النَّجَاسَةِ.
وَعِبَارَةُ سم يَعْرِفُ بَقَاءَ الطَّعْمِ فِيمَا إذَا دَمِيَتْ لِثَتُهُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُهُ فَيَجُوزُ لَهُ ذَوْقُ الْمَحِلِّ اسْتِظْهَارًا وَفِي الْأَنْوَارِ وَيُصَوِّرُ وُجْدَانَ الطَّعْمِ بِدَمْيِ الْفَمِ أَوْ تَلَطُّخِهِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْقَيْءِ لَا بِذَوْقِ الْمَحِلِّ اهـ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ فِي زَوَالِ الْأَثَرِ) أَيْ مِنْ الطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الرِّيحِ أَوْ هُمَا بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنْ نَحْوِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ إلَّا إنْ تَعَيَّنَتْ أَيْ الِاسْتِعَانَةُ بِأَنْ تَوَقَّفَتْ إزَالَةُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذُكِرَ وَالتَّوَقُّفُ بِحَسَبِ ظَنِّ الْمُطَهِّرِ إنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ وَإِلَّا سَأَلَ خَبِيرًا وَقَوْلُهُ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ إلَخْ الْمُعْتَمَدُ مِنْهُ مَا هُنَا مِنْ كَوْنِهَا إذَا تَعَيَّنَتْ وَجَبَتْ سَوَاءٌ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ أَوْ هُمَا أَوْ الطَّعْمُ وَاسْتِحْبَابُهَا حَيْثُ لَمْ تَتَوَقَّفْ إزَالَةُ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا يَفْضُلُ عَنْهُ ثَمَنُ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ قَالَ حَجّ، وَمِنْ ثَمَّ اُتُّجِهَ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا التَّفْصِيلُ الْآتِي فِيمَا إذَا وَجَدَهُ بِحَدِّ الْغَوْثِ أَوْ الْقُرْبِ وَلَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَحْوِ الْحَتِّ وَجَبَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إذَا وَجَدَهَا فَاضِلَةً عَمَّا ذُكِرَ فَلَوْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ حِسًّا أَوْ شَرْعًا عُفِيَ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ فَلَوْ زَالَ التَّعَذُّرُ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ لِزَوَالِ الْعُذْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ حَجّ أَنَّهُ يَصِيرُ طَاهِرًا لَا مَعْفُوًّا عَنْهُ حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ الْعُسْرِ بِأَنْ لَمْ تَتَوَقَّفْ إزَالَتُهُ عَلَى شَيْءٍ أَوْ تَوَقَّفَتْ، نَحْوُ صَابُونٍ، وَلَمْ يَجِدْهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِلْمَشَقَّةِ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا فِي شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ أَضْرَبَ عَنْهُ وَاسْتَوْجَهَ أَنَّ مَنْ فَقَدَ نَحْوَ الْأُشْنَانِ يَصِيرُ بِمَثَابَةِ مَنْ فَقَدَ الْمَاءَ، وَقَدْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ أَيْ فَلَا يُصَلِّي فِيهِ، وَإِنْ صَلَّى فِيهِ لِلضَّرُورَةِ أَعَادَ اهـ ح ل
(قَوْلُهُ وَشَرْطُ وُرُودِ مَاءٍ إنْ قَلَّ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْعَصْرَ إلَخْ أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى مَحِلِّهَا إنْ كَانَ قَلِيلًا لَا الْعَصْرُ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ فِيمَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا لَهُ خَمْلٌ كَالْبِسَاطِ أَوْ لَا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ فَقَوْلُ الْغَزِّيِّ يُشْتَرَطُ أَيْ الْعَصْرُ اتِّفَاقًا فِي الْأَوَّلِ ضَعِيفٌ وَمُقَابِلُهُ فِي الْأَوَّلِ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْمَحِلُّ النَّجِسُ لِتَطْهِيرِهِ كَالثَّوْبِ يُغْمَسُ فِي إجَّانَةِ مَاءٍ لِذَلِكَ أَنَّهُ يُطَهِّرُهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَارِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِيهِ فَيُنَجَّسُ بِهِ وَالْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي طَهَارَةِ الْغُسَالَةِ إنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعَصْرُ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْجَفَافُ فِي الْأَصَحِّ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ مِنْهُ يَعْلَمُ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ لِرِعَايَةِ الْخِلَافِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ يُسَنُّ الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافًا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا هُنَا لَكِنْ ذُكِرَ حَجّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِاسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْهُ قُوَّةُ الْخِلَافِ وَمَحِلُّ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ أَمَّا هُوَ فَتُسَنُّ مُرَاعَاتِهِ، وَإِنْ شَذَّ قَالَ حَجّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَنُّهُمْ لَهُ لِدَلِيلٍ قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ إمَّا بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى مَنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالشُّذُوذِ أَوْ بِكَوْنِهِ مَعَ شُذُوذِهِ عِنْدَنَا مُوَافِقًا لِبَعْضِ الْمَذَاهِبِ فَيَكُونُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ اهـ ع ش عَلَيْهِ قَالَ فِي الْخَادِمِ لَوْ وَضَعَ ثَوْبًا فِي إجَّانَةٍ وَفِيهِ دَمٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَصَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ تَنَجَّسَ بِالْمُلَاقَاةِ؛ لِأَنَّ نَحْوَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ لَا يَزُولُ بِالصَّبِّ فَلَا بُدَّ بَعْدَ زَوَالِهِ مِنْ صَبِّ مَاءٍ طَهُورٍ قَالَ، وَهَذَا مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَارِدَ الْقَلِيلَ يُنَجِّسُ إنْ لَمْ يَطْهُرْ الْمَحِلُّ اهـ شَوْبَرِيٌّ وسم وَفِي ع ش عَلَى م ر فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مَا نَصُّهُ.
(فَرْعٌ) قَرَّرَ م ر أَنَّهُ لَوْ غُسِلَ ثَوْبٌ فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ لِأَجْلِ تَنْظِيفِهِ مِنْ الْأَوْسَاخِ أَيْ، وَلَوْ نَجِسَةً لَمْ يَضُرَّ بَقَاءُ الدَّمِ فِيهِ وَيُعْفَى
(1/192)
لَا إنْ كَثُرَ عَلَى الْمَحِلِّ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ لَوْ عَكَسَ فَلَا يَطْهُرُ الْمَحِلُّ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ لِمَا يَأْتِي مِنْ طَهَارَةِ الْغُسَالَةِ وَقَوْلِي قَلَّ مِنْ زِيَادَتِي (وَغُسَالَةٌ قَلِيلَةٌ مُنْفَصِلَةٌ بِلَا تَغَيُّرٍ و) بِلَا (زِيَادَةٍ) وَزْنًا بَعْدَ اعْتِبَارِ مَا يَتَشَرَّبُهُ الْمَحِلُّ (وَقَدْ طَهُرَ الْمَحِلُّ طَاهِرَةً) ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ، وَقَدْ فُرِضَ طُهْرُهُ، فَإِنْ كَانَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عَنْ إصَابَةِ هَذَا الْمَاءِ لَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ أَيْ أَمَّا إذَا قَصَدَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ الَّتِي هِيَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ أَثَرِ هَذَا الدَّمِ مَا لَمْ يَعْسَرْ، فَيُعْفَى عَنْ اللَّوْنِ عَلَى مَا مَرَّ اهـ بِالْحَرْفِ. (قَوْلُهُ إنْ قَلَّ) قَدَّرَ أَنَّ الشَّرْطِيَّةَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْجُمْلَةُ صِفَةً؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ أَقْوَى مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ خِلَافٌ بِخِلَافِ مَفْهُومِهَا اهـ شَيْخُنَا ح ف. (قَوْلُهُ عَلَى الْمَحِلِّ) أَيْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ لَا عَلَى عَيْنِهَا أَوْ عَلَى عَيْنِهَا وَزَالَتْ بِهِ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا فِي إنَاءٍ وَكَتَبَ أَيْضًا أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَنَجَّسْ بِأَنْ يَرِدَ عَلَى مَحَلِّ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَنَجِّسُ لَهُ خَمْلٌ كَالْبُسُطِ لَا عَلَى عَيْنِهَا كَمَا لَوْ صُبَّ الْمَاءُ عَلَى بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ دَمٍ بِأَرْضٍ قَبْلَ جَفَافِهِ وَلَا نَظَرَ لِمَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا بَعْدَ جَفَافِ الدَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ إذَا لَمْ يَزُلْ بِإِيرَادِهِ وَجَامِعِهِ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْإِنَاءِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ) أَيْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَجَبَ إزَالَةُ صِفَاتِهِ، وَمِنْ قَوْلِهِ وَشَرْطُ وُرُودِ مَاءٍ قَلَّ وَوَجْهُ الْعِلْمِ اقْتِصَارُهُ عَلَى هَذَيْنِ فِي مَقَامِ الْبَيَانِ فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهُمَا كَالْعَصْرِ وَمِثْلُ الْعَصْرِ صَبُّ الْمَاءِ مِنْ الْإِنَاءِ الَّذِي يَطْهُرُ فَلَا يَجِبُ، وَكَذَا أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ الَّتِي تَطْهُرُ فَلَا يَجِبُ أَيْضًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً، فَإِنَّ الْمَاءَ الَّذِي عَلَى الْمَحِلِّ الَّذِي يُغْسَلُ مُتَنَجِّسٌ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ وَغُسَالَةٌ) أَيْ، وَلَوْ لِمَصْبُوغٍ بِمُتَنَجِّسٍ أَوْ نَجَسٍ، وَقَدْ زَالَتْ عَيْنُ الصِّبْغِ النَّجِسِ أَوْ الْمُتَنَجِّسِ وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ اللَّوْنِ لِعُسْرِ زَوَالِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِصَفَاءِ الْغُسَالَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَزِيدَ وَزْنُ الثَّوْبِ بَعْدَ الْغَسْلِ عَلَى وَزْنِهِ قَبْلَ الصِّبْغِ، فَإِنْ زَادَ ضَرَّ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ مِنْ النَّجَاسَةِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ اُسْتُعْمِلَ لِلْمَصْبُوغِ مَا يَمْنَعُ مِنْ انْفِصَالِ الصِّبْغِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ اسْتِعْمَالِ مَا يُسَمُّونَهُ فِطَامًا لِلثَّوْبِ كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَطْهُرْ بِالْغَسْلِ لِلْعِلْمِ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَهُوَ طَاهِرٌ إنْ اُشْتُرِطَ زَوَالُهَا بِأَنْ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ مَخْلُوطَةً بِنَجِسِ الْعَيْنِ أَمَّا حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ زَوَالُهَا بِأَنْ جَفَّتْ فَلَا يَضُرُّ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(فَرْعٌ) إذَا غَسَلَ ثَوْبًا مُتَنَجِّسًا بِالصَّابُونِ حَتَّى زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ قَالَ م ر جَوَابًا بِالسُّؤَالِ عَلَى الْفَوْرِ يَصِيرُ لِأَثَرِ الصَّابُونِ حُكْمُ الصِّبْغِ فَلَا يَطْهُرُ حَتَّى تَصْفُوَ الْغُسَالَةُ مِنْ لَوْنِ الصَّابُونِ مَعَ عَدَمِ الزِّيَادَةِ، ثُمَّ قَالَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَشُقُّ اسْتِقْصَاؤُهُ يَكُونُ مَعْفُوًّا عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم.
(فَرْعٌ) مِنْ الْغُسَالَةِ مَا لَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ بِدَمِ لِثَتِهِ أَوْ بِمَا يَخْرُجُ بِسَبَبِ الْجُشَاءِ فَتَفِلَهُ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَأَدَارَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ بِحَيْثُ عَمَّهُ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنَّ فَمَه يَطْهُرُ وَلَا يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ فَيَجُوزُ ابْتِلَاعُهُ لِطَهَارَتِهِ فَتَنَبَّهْ لَهُ، فَإِنَّهُ دَقِيقٌ هَذَا وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَتْ تُدْمِي لِثَتُهُ مِنْ بَعْضِ الْمَأْكُولِ لِتَشْوِيشِهِ عَلَى لَحْمِ الْأَسْنَانِ دُونَ بَعْضٍ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ فِيمَا تُدْمِي بِهِ لِثَتُهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ أَمْ لَا لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِتَنَاوُلِ الْبَعْضِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ مِنْهُ دَمْيُ اللِّثَةِ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى حِينَئِذٍ وَبِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ يُمْكِنُ تَطْهِيرُ فَمِهِ مِنْهُ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَشَقَّةٌ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَلَا بُدَّ مِنْ صَفَاءِ غُسَالَةِ ثَوْبٍ صُبِغَ بِنَجَسٍ وَيَكْفِي غَمْرُ مَا صُبِغَ بِمُتَنَجِّسٍ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ صَبُّ مَاءٍ قَلِيلٍ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَيَطْهُرُ هُوَ وَصِبْغُهُ. (قَوْلُهُ أَيْضًا وَغُسَالَةٌ قَلِيلَةٌ إلَخْ) الْمُرَادُ بِغُسَالَةِ النَّجَاسَةِ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي وَاجِبِ الْإِزَالَةِ أَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَنْدُوبِهَا كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَطَهُورٌ وَمَا غُسِلَ بِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا كَقَلِيلِ دَمٍ غَيْرِ طَهُورٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَيَتَعَيَّنُ فِي نَحْوِ الدَّمِ إذَا أُرِيدَ غَسْلُهُ بِالصَّبِّ عَلَيْهِ فِي نَحْوِ جَفْنَةٍ وَالْمَاءُ قَلِيلٌ إزَالَةُ عَيْنِهِ وَإِلَّا تَنَجَّسَ الْمَاءُ بِهَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ مَعَهَا فِيهَا اهـ شَرْحُ م ر وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ اللَّحْمَ يُغْسَلُ مِرَارًا وَلَا تَصْفُو غُسَالَتُهُ، ثُمَّ يُطْبَخُ وَيَظْهَرُ فِي مَرَقَتِهِ لَوْنُ الدَّمِ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ أَمْ لَا فَأَقُولُ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ الْعَفْوِ قِيَاسًا عَلَى الْمَيْتَةِ الَّتِي لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ، فَإِنَّ مَحَلَّ الْعَفْوِ عَنْهَا حَيْثُ لَمْ تُغَيِّرْ مَا وَقَعَتْ فِيهِ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ بَعْدَ اعْتِبَارِ مَا يَتَشَرَّبُهُ الْمَحِلُّ) أَيْ وَيُلْقِيهِ مِنْ الْوَسَخِ الطَّاهِرِ وَيَظْهَرُ الِاكْتِفَاءُ فِيهِمَا بِالظَّنِّ وَقَوْلُهُ، وَقَدْ طَهُرَ الْمَحِلُّ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ بِهِ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ فِي الْمُغَلَّظِ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ طَاهِرَةٌ) أَيْ غَيْرُ طَهُورَةٍ لِإِزَالَتِهَا لِلْخَبَثِ؛ لِأَنَّ مَا أُزِيلَ بِهِ الْخَبَثُ غَيْرُ طَهُورٍ، وَلَوْ كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: وَقَدْ فُرِضَ طُهْرُهُ) أَيْ طُهْرُ الْمُتَّصِلِ فَكَذَا الْمُنْفَصِلُ وَقَوْلُهُ فَطَاهِرَةٌ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَطْهُرْ الْمَحِلُّ
(1/193)
كَثِيرَةً فَطَاهِرَةٌ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ أَوْ لَمْ تَنْفَصِلْ أَوْ لَمْ تَنْفَصِلْ فَطَاهِرَةٌ أَيْضًا، وَإِنْ انْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَةً أَوْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ وَزَادَ وَزْنُهَا بَعْدَ مَا ذُكِرَ أَوْ لَمْ يَزِدْ، وَلَمْ يَطْهُرْ الْمَحِلُّ فَنَجِسَةٌ وَالتَّقْيِيدُ بِالْقَلِيلَةِ وَبِعَدَمِ الزِّيَادَةِ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ) غَيْرَ مَاءٍ، وَلَوْ دُهْنًا (تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْخَطَّابِيِّ فَأَرِيقُوهُ فَلَوْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَالْجَامِدُ هُوَ الَّذِي إذَا أُخِذَ مِنْهُ قِطْعَةٌ لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَقَوْلُهُ فَطَاهِرَةٌ أَيْضًا أَيْ إنْ طَهُرَ الْمَحِلُّ وَقَوْلُهُ فَنَجِسَةٌ أَيْ وَالْمَحَلُّ نَجِسٌ، إذْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ مَتَى حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْمَحِلِّ حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْغُسَالَةِ وَمَتَى حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْغُسَالَةِ، وَلَوْ بِزِيَادَةِ الْوَزْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمَحِلِّ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ أَوْ لَمْ تَنْفَصِلْ فَطَاهِرَةٌ أَيْضًا) أَيْ وَمُطَهِّرَةٌ لِلْمَحَلِّ الَّذِي هِيَ فِيهِ فَلَوْ وُضِعَ مَاءٌ فِي إنَاءٍ مُتَنَجِّسٍ كُلُّهُ، وَلَمْ يَعُمَّ الْمَاءُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، فَإِنَّهُ يُدَارُ فِي جَوَانِبِهِ كُلِّهَا حَتَّى يَعُمَّهَا وَيُطَهِّرَ جَمِيعَهَا، فَإِنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْمَحِلِّ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ مَا بَقِيَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ مَوْجُودَةً فِي الْإِنَاءِ، وَلَوْ مَائِعَةً أَوْ مَعْفُوًّا عَنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً، فَإِنَّ الْمَاءَ يُنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ صَبِّهِ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ حَجّ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِطَهَارَةِ مَا صُبَّ عَلَى بَوْلٍ فِي إجَّانَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى بَوْلٍ لَا جِرْمَ لَهُ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي الْغُسَالَةِ مَحِلُّهُ فِيمَا لَا جِرْمَ لِلنَّجَاسَةِ فِيهَا لَكِنَّ قَوْلَهُمْ لَوْ صُبَّ مَاءٌ عَلَى دَمِ نَحْوِ بَرَاغِيثَ فَزَالَتْ عَيْنُهُ طَهُرَ الْمَحِلُّ وَالْغُسَالَةُ بِشَرْطِهِ يُنَازَعُ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ فَطَاهِرَةٌ أَيْضًا) لَعَلَّ مَحِلَّهُ مَعَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْعِبَارَةِ خِلَافُهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ دُهْنًا) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر، وَقِيلَ يَطْهُرُ الدُّهْنُ بِغَسْلِهِ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ بِأَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَيُكَاثِرَهُ، ثُمَّ يُحَرِّكُهُ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يَظُنُّ وُصُولَهُ لِجَمِيعِهِ، ثُمَّ يُتْرَكُ لِيَعْلُوَ، ثُمَّ يَثْقُبُ أَسْفَلَهُ فَإِذَا خَرَجَ الْمَاءُ سَدَّ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ إذَا تَنَجَّسَ بِمَاءٍ لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ كَالْبَوْلِ وَإِلَّا لَمْ يَطْهُرْ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ صَارَ جَامِدًا وَعَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى صِبْغٌ جَمَدَ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَأَجْزَاءٌ صِبْغِيَّةٌ وَبِجُمُودِهِ زَالَتْ أَجْزَاءُ الْمَاءِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْأَجْزَاءُ الصِّبْغِيَّةُ وَهِيَ جَامِدَةٌ فَلْيُحَرَّرْ.
(فَرْعٌ) السُّكَّرُ الْمُتَنَجِّسُ إنْ كَانَ تَنْجِيسُهُ حَالَ مَائِعِيَّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِأَنْ تَنَجَّسَ، ثُمَّ طُبِخَ سُكَّرًا لَمْ يَطْهُرْ، وَإِنْ كَانَ تَنْجِيسُهُ بَعْدَ انْعِقَادِهِ طَهُرَ بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ الْجَامِدُ بِفَتْحِ الْبَاءِ إنْ كَانَ تَنَجَّسَ حَالَ كَوْنِهِ لَبَنًا مَائِعًا لَمْ يَطْهُرْ، وَإِنْ جَمَدَ وَطَرَأَ التَّنَجُّسُ بَعْدَ جُمُودِهِ بِتَجْبِينٍ أَوْ غَيْرِهِ طَهُرَ بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ بِخِلَافِ الدَّقِيقِ إذَا عُجِنَ بِمَاءٍ نَجِسٍ سَوَاءٌ انْتَهَى إلَى حَالَةِ الْمَائِعِيَّةِ بِأَنْ صَارَ يَتَرَادُّ مَوْضِعَ مَا أَخَذَ مِنْهُ عَنْ قُرْبٍ أَوْ لَمْ يَنْتَبِهْ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ إذَا جُفِّفَ، ثُمَّ نُقِعَ فِي الْمَاءِ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُجَفَّفُ حَيْثُ كَانَ جَامِدًا.
وَكَذَلِكَ التُّرَابُ إذَا عُجِنَ بِمَاءٍ نَجِسٍ أَوْ بَوْلٍ سَوَاءٌ صَارَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا، فَإِنَّهُ إذَا جُفِّفَ، ثُمَّ نُقِعَ فِي الْمَاءِ طَهُرَ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُجَفِّفْ حَيْثُ كَانَ جَامِدًا وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الدَّقِيقِ وَالتُّرَابِ جَامِدٌ والْمَائِعِيَّةُ عَارِضَةٌ بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَالْعَسَلِ وَنَحْوِهِمَا هَذَا حَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ م ر وَأَفَادَهُ وَاعْتَمَدَهُ أَقُولُ، وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي الصِّبْغُ فَإِذَا صُبِغَ ثَوْبٌ بِصِبْغٍ مُتَنَجِّسٍ، ثُمَّ جَفَّ الثَّوْبُ، ثُمَّ غُمِسَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ حَتَّى غَمَرَهُ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ هُوَ وَصِبْغُهُ؛ لِأَنَّ صَبْغَهُ بِمَنْزِلَةِ تُرَابٍ عُجِنَ بِبَوْلٍ أَوْ مَاءٍ نَجِسٍ أَوْ بِمَنْزِلَةِ عَجِينٍ بِبَوْلٍ أَوْ مَاءٍ نَجِسٍ فَقَوْلُهُمْ لَا بُدَّ فِي طُهْرِ الْمَصْبُوغِ بِنَجِسٍ مِنْ أَنْ تَصْفُوَ غُسَالَتُهُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى صِبْغٍ نَجِسِ الْعَيْنِ أَوْ مَخْلُوطٍ بِأَجْزَاءٍ نَجِسَةِ الْعَيْنِ وِفَاقًا فِي ذَلِكَ لِشَيْخِنَا الطَّبَلَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي هَامِشِ التَّجْرِيدِ قَالَ فِي الْعُبَابِ وَإِذَا تَنَجَّسَ جُبْنٌ بِزَيْتٍ مُتَنَجِّسٍ طَهُرَ بِغَسْلٍ يُزِيلُ الزَّيْتَ اهـ أَيْ كَأَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ اهـ سم وَلَعَلَّ هَذَا فِي الْمُغَلَّظَةِ، وَمِنْ الْجَامِدِ الزِّئْبَقُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَبَاءٍ مَفْتُوحَةٍ أَوْ مَكْسُورَةٍ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِوَضْعِهِ فِي نَحْوِ جِلْدِ كَلْبٍ حَيْثُ لَا رُطُوبَةَ وَإِلَّا فَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ التَّتْرِيبِ فِي النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ مَا لَمْ يَتَفَتَّتْ وَإِلَّا فَيَتَعَذَّرُ تَطْهِيرُهُ فَلَوْ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ لَمْ تُنَجِّسْهُ حَيْثُ لَا رُطُوبَةَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ عَنْ الْفَأْرَةِ) بِالْهَمْزَةِ لَا غَيْرَ أَمَّا فَأْرَةُ الْمِسْكِ فَبِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ اهـ ع ش وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَأَرِيقُوهُ) قَالَ شَيْخُنَا مَحَلُّ وُجُوبِ إرَاقَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَرِدْ اسْتِعْمَالُهُ فِي نَحْوِ وَقُودٍ وَعَمَلِ صَابُونٍ بِهِ وَاسْتِقَاءِ دَابَّةٍ اهـ ح ل، وَمِنْ ذَلِكَ الْعَسَلُ إذَا تَنَجَّسَ، فَإِنَّهُ يُسْقَى لِلنَّحْلِ وَلَا يُنَجَّسُ عَسَلُهَا بَعْدَهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(فَائِدَةٌ) فِي الْبُخَارِيِّ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُحَدِّثُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ قَالَ هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ» إلَخْ.
وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَيْهِ مِنْ هَرَاقَ الْمَاءَ يُهْرِيقُهُ هِرَاقَةً وَلِلْأَصِيلَيَّ أَهْرِيقُوا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ إهْرَاقِ الْمَاءِ يُهْرِقُهُ إهْرَاقًا أَيْ صُبُّوا انْتَهَى وَبِهَامِشِهِ بِخَطِّ الشَّيْخِ أَبِي الْعِزِّ الْعَجَمِيِّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ هَرِيقُوا هُوَ فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ هَرْيَقَ يُهَرْيِقُ عَلَى وَزْنِ دَحْرَجَ يُدَحْرِجُ وَأَصْلُهُ أَرْيَقَ يُؤَرْيِقُ فَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ هَرَاقَ الْمَاءَ نَظَرٌ. وَأَمَّا رِوَايَةُ أَهْرِيقُوا فَهِيَ
(1/194)
يَتَرَادُّ مِنْ الْبَاقِي مَا يَمْلَأُ مَحِلَّهَا عَلَى قُرْبٍ وَالْمَائِعُ بِخِلَافِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
(بَابُ التَّيَمُّمِ) هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا إيصَالُ تُرَابٍ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ مِنْ أَهْرَاقَ الْمَاءَ إذَا صَبَّهُ وَالْمُضَارِعُ مِنْهُ يَهْرِيقُ الْمَاءَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّهُ خُمَاسِيٌّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. (قَوْلُهُ مَا يَمْلَأُ مَحِلَّهَا عَلَى قُرْبٍ) أَيْ عُرْفًا اهـ شَيْخُنَا.
[بَابُ التَّيَمُّمِ]
(بَابُ التَّيَمُّمِ) هَذَا الْبَابُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَطْرَافٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ فِي أَسْبَابِهِ وَذِكْرُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ، الثَّانِي فِي كَيْفِيَّتِهِ وَسَيَذْكُرُهُ فِي قَوْلِهِ فَصْلٌ يُتَيَمَّمُ بِتُرَابٍ طَهُورٍ إلَخْ. وَالثَّالِثُ فِي أَحْكَامِهِ وَسَيَذْكُرُهُ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ إلَخْ وَهُوَ رُخْصَةٌ، وَقِيلَ عَزِيمَةٌ وَفِي الْمُسْتَصْفَى لِلْغَزَالِيِّ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ عَزِيمَةٌ وَلِنَحْوِ الْمَرَضِ رُخْصَةٌ فَالْأَوَّلُ يَصِحُّ مِنْ الْعَاصِي وَغَيْرِهِ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ مِنْ الْعَاصِي كَذَلِكَ.
وَعِبَارَةُ هَذَا الشَّرْحِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ نَعَمْ لَهُ بَلْ عَلَيْهِ أَيْ الْمُسَافِرِ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُوبِ إعَادَةِ مَا صَلَّاهُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَيَمُّمُهُ لِفَقْدِ الْمَاءِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا لَكِنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى مَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَعَلَى إطْلَاقِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ سَوْقِ الْكَلَامِ يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهُ عَزِيمَةٌ مُطْلَقًا. وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَفِي الْقَوَاعِدِ لِلزَّرْكَشِيِّ أَنَّ مِنْ الرُّخْصَةِ التَّيَمُّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ عَزِيمَةٌ، وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَعَزِيمَةٌ أَوْ لِلْمَرَضِ أَوْ لِبُعْدِ الْمَاءِ عَنْهُ أَوْ لِبَيْعِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَرُخْصَةٌ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَهُوَ رُخْصَةٌ مُطْلَقًا انْتَهَتْ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ع ش قَوْلُهُ وَهُوَ رُخْصَةٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْفَقْدُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ هُوَ الْحُكْمُ الْمُتَغَيِّرُ إلَيْهِ السَّهْلُ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَقِيلَ عَزِيمَةٌ، وَقِيلَ إنْ كَانَ لِلْفَقْدِ الْحِسِّيِّ فَعَزِيمَةٌ وَإِلَّا فَرُخْصَةٌ، وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَقْرَبُ لِمَا يَأْتِي مِنْ صِحَّةِ تَيَمُّمِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ إنْ فَقَدَ الْمَاءَ حِسًّا وَبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ قَبْلَهَا إنْ فَقَدَهُ شَرْعًا كَأَنْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ اهـ. (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ) مَأْخُوذٌ مِنْ أَمَّمْته وَتَأَمَّمْته وَتَيَمَّمْتُهُ قَصَدْته اهـ ق ل. (قَوْلُهُ إيصَالُ تُرَابٍ إلَخْ) يَتَضَمَّنُ الْإِيصَالُ النَّقْلَ وَالْقَصْدَ وَقَوْلُهُ بِشُرُوطٍ إلَخْ مُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ الْأَرْكَانَ فَدَخَلَ فِيهِ النِّيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ فَاشْتَمَلَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ السَّبْعَةِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ إلَخْ) ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفُرِضَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ، وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ اهـ ح ل قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَالْأَخِيرُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. .
(قَوْلُهُ جُعِلَتْ لَنَا) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأُمَّتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ جُعِلَتْ لِي اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ كُلُّهَا مَسْجِدًا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا كَانُوا لَا يُصَلُّونَ إلَّا فِيمَا تَيَقَّنُوا طَهَارَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَخُصِّصْنَا نَحْنُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ إلَّا مَا تَيَقَّنَّا نَجَاسَتَهُ، وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ أَمَّا كَوْنُهَا مَسْجِدًا فَلَمْ يَأْتِ فِي أَثَرٍ أَنَّهَا مُنِعَتْ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَيُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَجُعِلَتْ لِغَيْرِي مَسْجِدًا، وَلَمْ تُجْعَلْ لَهُ طَهُورًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا إنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ الصَّلَوَاتُ فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ كَالْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ مُسَافِرِينَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُمَمِ لَا فِي أَنْبِيَائِهَا أَوْ إلَّا لِعُذْرٍ، ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْحَلَبِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ الْمِعْرَاجِ فَرَاجِعْهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا إنْ قُلْت الْمُقَرَّرُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ احْتَجَجْتُمْ بِهِ حَيْثُ قُلْتُمْ لَا يَكْفِي التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ، وَأَجَابَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ مَحَلُّ كَوْنِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ غَيْرَ حُجَّةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ كَالِامْتِنَانِ أَوْ الْعُدُولِ عَنْ الْعُمُومِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حُجَّةً وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ التُّرَابِ مِنْ عُمُومِ الْأَرْضِ قَبْلَهُ قَرِينَةٌ عَلَى الْعَمَلِ بِمَفْهُومِهِ وَإِلَّا كَانَ يَقُولُ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا» فَتَخْصِيصُ التُّرَابِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ اهـ تَقْرِيرُ شَيْخِنَا ح ف وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَمَا قِيلَ إنَّ لَفْظَ التُّرْبَةِ لَقَبٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ فَلَا يُخَصِّصُهُ، وَلِذَلِكَ جَوَّزَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ بِمَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ كَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبُهُ مُحَمَّدٌ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالزَّرْنِيخِ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا لَا غُبَارَ فِيهِ
(1/195)
وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» (يَتَيَمَّمُ مُحْدِثٌ وَمَأْمُورٌ بِغُسْلٍ) ، وَلَوْ مَسْنُونًا (لِلْعَجْزِ) عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ لِأَسْبَابٍ (وَأَسْبَابُهُ) أَيْ الْعَجْزُ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا (فَقْدُ مَاءٍ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (فَإِنْ تَيَقَّنَهُ) أَيْ فَقْدَ الْمَاءِ (تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ) ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَمْ لَا وَقَوْلُ الْأَصْلِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ (وَإِلَّا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
كَالْحَجَرِ الصُّلْبِ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعَامِّ بَلْ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي تَقْيِيدِ الرَّقَبَةِ وَإِطْلَاقِهَا فِي الْكَفَّارَةِ وَبِأَنَّ الْآيَةَ الشَّرِيفَةَ دَالَّةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ، إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ مِنْ إلَّا التَّبْعِيضُ نَحْوُ مَسَحْت الرَّأْسَ مِنْ الدُّهْنِ وَهُوَ الْغُبَارُ وَالْغَالِبُ أَنْ لَا غُبَارَ لِغَيْرِ التُّرَابِ فَتَعَيَّنَ وَجَعْلُ مِنْ لِلِابْتِدَاءِ خِلَافُ الْحَقِّ وَالْحَقُّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4] وَأُجِيبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ مِنْ مَحِلِّهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا) بِفَتْحِ الطَّاءِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَبِضَمِّهَا الْفِعْلُ أَيْ الطُّهْرُ، وَقِيلَ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا كَذَا بِخَطِّ ابْنِ الْمُؤَلِّفِ بِهَامِشِ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ لِوَالِدِهِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَمَأْمُورٌ بِغُسْلٍ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَمَأْمُورٌ بِطُهْرٍ لِيَشْمَلَ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ الْمَسْنُونَيْنِ اهـ ع ش وَالْوُضُوءُ الْمَسْنُونُ كَالْمُجَدَّدِ فَيُتَيَمَّمُ عَنْهُ اهـ شَيْخُنَا.
وَفِي سم مَا نَصُّهُ (فَرْعٌ)
وَافَقَ م ر عَلَى أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ، ثُمَّ أَرَادَ صَلَاةً قَبْلَ الْحَدَثِ وَعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِعْمَالُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ اهـ.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ وَمَأْمُورٌ بِغُسْلٍ أَيْ أَوْ وُضُوءٍ مَسْنُونٍ كَالتَّجْدِيدِ فَلَوْ قَالَ وَمَأْمُورٌ بِطُهْرٍ عَنْ غَيْرِ نَجَسٍ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ الْمَيِّتِ وَالْمَجْنُونَةِ إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِيَحِلَّ وَطْؤُهَا وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّوَافِ وَنَحْوِهِ تَأَمَّلْ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ) أَوْلَوِيَّةُ عُمُومٍ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ وَمَأْمُورٌ بِغُسْلٍ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَالْجُنُبُ وَأَوْلَوِيَّةُ إيهَامٍ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ لِلْعَجْزِ، إذْ قَوْلُ الْأَصْلِ لِأَسْبَابٍ يُوهِمُ أَنَّ السَّبَبَ الْمُبِيحَ لِلتَّيَمُّمِ مُتَعَدِّدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَجْزُ لَهُ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَلِهَذَا قَالَ حَجّ (تَنْبِيهٌ)
جَعْلُهُ هَذِهِ أَسْبَابًا نَظَرَ فِيهِ لِلظَّاهِرِ أَنَّهَا الْمُبِيحَةُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمُبِيحَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ سَبَبٌ وَاحِدٌ هُوَ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا وَتِلْكَ أَسْبَابٌ لِهَذَا الْعَجْزِ اهـ. (قَوْلُهُ فَقْدُ مَاءٍ) أَيْ حِسًّا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ السَّبَبَيْنِ الْآتِيَيْنِ وَضَابِطُ الْحِسِّيِّ أَنْ يَتَعَذَّرَ اسْتِعْمَالُهُ، وَمِنْ الْحِسِّيِّ مَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدُوٌّ أَوْ سَبُعٌ أَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَخَافَ غَرَقًا لَوْ اسْتَقَاءَ. وَأَمَّا وُجُودُ مَاءٍ مُسَبَّلٍ فَهُوَ مِنْ الْفَقْدِ الشَّرْعِيِّ اهـ شَيْخُنَا لَكِنْ سَيَأْتِي لِلْقَلْيُوبِيِّ عَلَى الْجَلَالِ فِي آخِرِ الْبَابِ مَا نَصُّهُ وَكَالْمَرَضِ حَيْلُولَةٌ نَحْوُ سَبُعٍ أَوْ خَوْفِ رَاكِبِ سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ اهـ. وَأَمَّا وُجُودُ مَاءٍ مُسَبَّلٍ فَهُوَ مِنْ الْفَقْدِ الشَّرْعِيِّ اهـ شَيْخُنَا وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى كَوْنِ الْفَقْدِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَحِلِّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ لَا فِي الْحِسِّيِّ وَعَدَمِهِ فِي الشَّرْعِيِّ فَلَا يُعِيدُ فِي السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ مُطْلَقًا وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ فِي الْفَقْدِ الشَّرْعِيِّ إلَّا إنْ تَابَ وَيَصِحُّ فِي الْفَقْدِ الْحِسِّيِّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ فَقْدُ مَاءٍ أَيْ حِسًّا كَأَنْ عُدِمَ مُطْلَقًا أَوْ شَرْعًا كَالْمُسَبَّلِ لِلشُّرْبِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا، وَلَوْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ كَالسِّقَايَاتِ الَّتِي عَلَى الطُّرُقِ وَالصَّهَارِيجِ الْمُسَبَّلَةِ لِلشُّرْبِ بِخِلَافِ الْمُسَبَّلَةِ لِلِانْتِفَاعِ، وَمِنْهَا صِهْرِيجُ ابْنِ طُعْمَةَ بِصَحْنِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ، فَإِنَّهُ عُمِّمَ فِي وَقْفِهِ الِانْتِفَاعَ بِهِ حَتَّى غَسْلُ خِرَقِ الْحَيْضِ بِإِرْشَادٍ مِنْ الْعَلَّامَةِ الزِّيَادِيِّ، وَلَوْ تَوَضَّأَ مِنْ صِهْرِيجٍ مُسَبَّلٍ لِلشُّرْبِ صَحَّ وُضُوءُهُ مَعَ الْحُرْمَةِ كَمَا فِي الْمَاءِ الْمَغْصُوبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ السِّقَايَةِ وَالصِّهْرِيجِ وَهُوَ كَقِنْدِيلٍ مَوْضِعٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ مَاءٌ كَثِيرٌ، وَلَوْ مَرَّ بِأَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِ كُلٍّ؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ بِهِ عَادَةً انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ تَيَقَّنَهُ) أَيْ تَيَقَّنَ الْفَقْدَ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي يَجِبُ طَلَبُهُ مِنْهُ وَهُوَ حَدُّ الْغَوْثِ أَوْ الْقُرْبِ، وَإِنْ عَلِمَهُ فِي غَيْرِهِ وَكَانَ الْمُنَاسِبَ، فَإِنْ تَيَقَّنَاهُ أَيْ الْمُحْدِثُ وَالْمَأْمُورُ بِالْغُسْلِ وَيُمْكِنُ التَّأْوِيلُ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ ذُكِرَ الشَّامِلُ لِلْقِسْمَيْنِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ بِلَا طَلَبٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ لَا) وَقَوْلُهُ إنْ أَمِنَ مَعَ مَا يَأْتِي إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ صَنِيعَهُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُقِيمَ إذَا جُوِّزَ وُجُودُ الْمَاءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهُ إلَّا إنْ أَمِنَ مَا ذُكِرَ الَّذِي مِنْهُ الْوَقْتُ وَفِيهِ بُعْدٌ، فَإِنَّ الْمُقِيمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ التَّجْوِيزِ أَيْ فِيمَا إذَا ظَنَّ أَوْ شَكَّ أَوْ تَوَهَّمَ، وَإِنْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا وَاضِحٌ عِنْدَ التَّيَقُّنِ دُونَ غَيْرِهِ هَذَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ لَا خَاصًّا بِمُتَيَقَّنِ الْفَقْدِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فَاعِلُ طَلَبَهُ الْمُسَافِرَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مِنْ رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ
(1/196)
بِأَنْ جَوَّزَ وُجُودَهُ (طَلَبَهُ) ، وَلَوْ بِمَأْذُونِهِ (لِكُلِّ تَيَمُّمٍ فِي الْوَقْتِ مِمَّا جَوَّزَهُ فِيهِ مِنْ رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ) الْمَنْسُوبَيْنِ إلَيْهِ وَيَسْتَوْعِبُهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الرَّوْضِ لَمَّا ذَكَرَ حَدَّ الْغَوْثِ وَحَدَّ الْقُرْبِ وَحَدَّ الْبُعْدِ وَأَحْكَامَهَا قَالَ أَمَّا الْمُقِيمُ فَلَا يَتَيَمَّمُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى، وَإِنْ فَاتَ بِهِ الْوَقْتُ اهـ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعُدْ مُسَافِرًا فِي طَلَبِ الْمَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ الْمُتَيَقَّنِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَيَقَّنًا وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الطَّلَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْرِجَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ أَوْ الشَّكِّ أَوْ الظَّنِّ لَكِنْ يَبْعُدُ جَعْلُ الظَّنِّ كَالتَّيَقُّنِ فِي وُجُوبِ الطَّلَبِ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَسَيُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقِيمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَبِالْمُسَافِرِ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلَوْ مُقِيمًا بِمَحِلٍّ لَا يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ بِأَنْ جُوِّزَ وُجُودُهُ) التَّجْوِيزُ إمَّا بِالظَّنِّ أَوْ الشَّكِّ أَوْ الْوَهْمِ فَعِبَارَتُهُ شَامِلَةٌ لِذَلِكَ وَلِلتَّجْوِيزِ بِالْيَقِينِ اهـ شَوْبَرِيٌّ لَكِنَّ التَّجْوِيزَ بِالْيَقِينِ يَجْرِي فِي حَدِّ الْغَوْثِ وَالْقُرْبِ وَمَا عَدَاهُ خَاصٌّ بِحَدِّ الْغَوْثِ فَفِي الْكَلَامِ تَوْزِيعٌ لِمَصْدُوقِ إلَّا كَمَا صَنَعَ م ر فِي شَرْحِهِ فَالْمُرَادُ بِالتَّجْوِيزِ بِالنِّسْبَةِ لِحَدِّ الْغَوْثِ مَا قَابَلَ الْيَقِينَ لِيَصِحَّ التَّفْصِيلُ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ نَظَرَ حَوَالَيْهِ إلَخْ، إذْ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ قَوْلِهِ إنْ أَمِنَ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْمَاءَ فِي حَدِّ الْغَوْثِ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَيْهِ إلَّا فِي حَدِّ الْقُرْبِ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ بِأَنْ جَوَّزَ وُجُودَهُ أَيْ بِرَاجِحِيَّةٍ أَوْ مَرْجُوحِيَّةٍ أَوْ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ فَقْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لَشَمِلَ صُورَةَ تَيَقُّنِ الْوُجُودِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي قَوْلِهِ فَلَوْ عَلِمَ مَاءً إلَخْ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمَأْذُونِهِ) أَيْ الثِّقَةِ، وَلَوْ وَاحِدًا عَنْ جَمَاعَةٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الطَّلَبُ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ إمْكَانِ الْمَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ لِكُلِّ تَيَمُّمٍ فِي الْوَقْتِ) ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَعْدَ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ مَاءً تَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ الْفَقْدَ حَاصِلٌ، وَتَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ عَنْ الطَّلَبِ فِي الْوَقْتِ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَحْدُثْ سَبَبٌ يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ الْمَاءِ فَلَوْ طَلَبَ كَمَا مَرَّ وَتَيَمَّمَ وَمَكَثَ مَوْضِعَهُ، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ عَدَمَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ وُجُودُهُ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الطَّلَبِ ثَانِيًا لِمَا يَطْرَأُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ طَرَيَانُهُ لِلْحَدَثِ أَمْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَوْ قَضَاءِ صَلَوَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ أَمْ غَيْرِ مُتَوَالِيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ اطِّلَاعِهِ عَلَى بِئْرٍ خَفِيَتْ عَلَيْهِ أَوْ وُجُودِ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى الْمَاءِ لَكِنَّ الطَّلَبَ الثَّانِيَ أَخَفُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ لَظَفِرَ بِهِ فِي الطَّلَبِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ طَلَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَدَامَ نَظَرُهُ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ نَظَرُهَا حَتَّى دَخَلَ الْوَقْتُ كَفَى قَالَهُ ابْن الصَّبَّاغ وَغَيْرُهُ وَلَا يُجْزِيهِ مَعَ الشَّكِّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِنْ صَادَفَهُ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ فِي الْوَقْتِ) أَيْ إنْ طَلَبَ لِصَاحِبَةِ الْوَقْتِ فَلَوْ طَلَبَهُ قَبْلَهُ لِفَائِتَةٍ فَدَخَلَ الْوَقْتُ اكْتَفَى بِذَلِكَ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ وَقَعَ صَحِيحًا أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَحْتَمِلْ تَجَدُّدَ مَاءٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ فِي الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ مَا دَامَ التَّوَهُّمُ وَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ قَبْلَهُ، وَإِنْ عَلِمَ اسْتِغْرَاقَ الْوَقْتِ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا م ر، وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ فِي شَرْحِهِ وَفَارَقَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ بِخِلَافِهَا وَبِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ وَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ قَطَعَ الطَّلَبَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى نَعَمْ لَوْ طَلَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ لِعَطَشٍ أَوْ فَائِتَةٍ كَفَى وَخَرَجَ بِالطَّلَبِ الْإِذْنُ فِيهِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَفَارَقَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِذْنِ فِي الْقِبْلَةِ بِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَلَا يَقُومُ اجْتِهَادُ شَخْصٍ عَنْ آخَرَ اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ رَحْلِهِ) أَيْ بِأَنْ يُفَتِّشَ فِيهِ، ثُمَّ إطْلَاقُ الطَّلَبِ عَلَى مُجَرَّدِ التَّفْتِيشِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَأَنَّ الطَّلَبَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّفْتِيشِ وَالسُّؤَالِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُسْعَى بِهِ فِي تَحْصِيلِ مُرَادِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ عَنْ الطِّيبِيِّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 102] مِنْ أَنَّ الطَّلَبَ وَالسُّؤَالَ وَالِاسْتِخْبَارَ وَالِاسْتِفْهَامَ وَالِاسْتِعْلَامَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ، وَإِنَّهَا مُتَرَتِّبَةٌ فَالطَّلَبُ أَعَمَّهَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الطَّلَبَ مِنْ نَفْسِهِ، وَمِنْ غَيْرِهِ وَالسُّؤَالُ خَاصٌّ بِالطَّلَبِ مِنْ الْغَيْرِ إلَى آخِرِ مَا بَيَّنَ بِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ مِنْ النَّفْسِ لَيْسَ عِبَارَةً إلَّا عَنْ التَّأَمُّلِ فِي الشَّيْءِ لِيَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ فَهُوَ كَالْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ فِي الرَّحْلِ عَنْ الْمَاءِ اهـ ع ش.
وَالرَّحْلُ مَسْكَنُ الشَّخْصِ وَمَأْوَاهُ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ وَيُجْمَعُ فِي الْكَثْرَةِ عَلَى رِحَالٍ وَفِي الْقِلَّةِ عَلَى أَرْحُلٍ وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى مَا يَسْتَصْحِبُهُ الْمُسَافِرُ مِنْ الْأَثَاثِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ أَمْتِعَتُهُ وَأَوْعِيَةُ زَادِهِ وَمَرْكَبُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَنْكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ وَخَطَّأَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَرُفْقَتُهُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَحُكِيَ فَتْحُهَا فَهِيَ مُثَلَّثَةٌ وَهُمْ الْجَمَاعَةُ يَنْزِلُونَ مَعَاوِيرَ يَرْتَحِلُونَ مَعًا سُمُّوا
(1/197)
كَأَنْ يُنَادِيَ فِيهِمْ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَجُودُ بِهِ وَقَوْلِي فِي الْوَقْتِ مِمَّا جَوَّزَهُ فِيهِ مِنْ زِيَادَتِي (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فِي ذَلِكَ (نَظَرَ حَوَالَيْهِ) يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَمَامًا وَخَلْفًا إلَى الْحَدِّ الْآتِي وَخَصَّ مَوْضِعَ الْخُضْرَةِ وَالطَّيْرِ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ (إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ) مِنْ الْأَرْضِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ ثَمَّ وَهْدَةٌ أَوْ جَبَلٌ. (تَرَدَّدَ إنْ أَمِنَ) مَعَ مَا يَأْتِي اخْتِصَاصًا وَمَا لَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِمَاءِ طَهَارَتِهِ (إلَى حَدِّ غَوْثٍ) أَيْ إلَى حَدٍّ يَلْحَقُهُ فِيهِ غَوْثُ رُفْقَتِهِ لَوْ اسْتَغَاثَ بِهِمْ فِيهِ مَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِذَلِكَ لِارْتِفَاقِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَمُسَاعِدَتِهِ وَمَا زَادَ دَاخِلٌ فِيمَا بَعْدَهُ فَيَكْفِي فِيهِ النَّظَرُ وَالتَّرَدُّدُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ كَأَنْ يُنَادِيَ فِيهِمْ إلَخْ) وَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْ كُلٍّ بِعَيْنِهِ بَلْ يَكْفِي نِدَاءٌ يَعُمُّ جَمِيعَهُمْ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَجُودُ بِهِ مَنْ يَبِيعُهُ فَيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْذُلُهُ وَلَا يَهَبُهُ وَلَا يَبِيعُهُ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَنْ يَجُودُ بِهِ سَكَتَ مَنْ لَا يَبْذُلُهُ مَجَّانًا أَوْ عَلَى إطْلَاقِ النِّدَاءِ سَكَتَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهَا بِهِ وَلَا يَسْمَحُ إلَّا بِبَيْعِهِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ يَجُودُ بِهِ) أَيْ إنْ ظَنَّ مِنْهُمْ السَّمَاحَ بِهِ وَإِلَّا فَيَزِيدُ، وَلَوْ بِثَمَنِهِ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّامِعَ قَدْ يَكُونُ بَخِيلًا فَلَا يَسْمَحُ بِهِ إلَّا بِثَمَنِهِ وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَخْ) هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا جَوَّزَهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا عَطَفَهُ بِثُمَّ لِتَرَاخِيهِ عَمَّا قَبْلَهُ اهـ ح ل.
وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالتَّرَاخِي هُنَا اهـ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَخْ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى النَّظَرِ إلَّا بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْتِيشِ وَالطَّلَبِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَسْهَلَ مَا ذَكَرَ وَرُبَّمَا تُوهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ انْتَهَتْ فَالتَّرْتِيبُ الَّذِي فِي كَلَامِ الْمَتْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَدَّمَ النَّظَرُ وَالتَّرَدُّدَ الْآتِي عَلَى الطَّلَبِ مِنْ رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ. (قَوْلُهُ حَوَالَيْهِ) جَمْعُ حَوْلٍ بِمَعْنَى جِهَةٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقِيَاسُهُ أَحْوَالٌ، وَهَذَا الْجَمْعُ عَلَى صُورَةِ الْمُثَنَّى اهـ شَيْخُنَا ح ف وَفِي الْمُخْتَارِ يُقَالُ قَعَدَ حَوْلَهُ وَحَوَالَهُ وَحَوَالَيْهِ وَحَوْلَيْهِ وَلَا يُقَالُ حَوَالِيه بِكَسْرِ اللَّامِ وَقَعَدَ حِيَالَهُ وَبِحِيَالِهِ أَيْ بِإِزَائِهِ اهـ. (قَوْلُهُ إلَى الْحَدِّ الْآتِي) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ إلَى حَدِّ غَوْثٍ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ الْعَامِلَيْنِ أَيْ نَظَرٌ وَتَرَدُّدٌ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَخَصَّ مَوْضِعَ الْخُضْرَةِ إلَخْ) أَيْ وُجُوبًا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَتُوقَفُ غَلَبَةُ ظَنِّ الْفَقْدِ عَلَيْهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَرَدَّدَ إنْ أَمِنَ إلَخْ) بِأَنْ يَمْشِيَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ إلَى آخِرِ حَدِّ الْغَوْثِ إنْ كَانَ لَا يُحِيطُ بِهِ إلَّا بِهَذَا الْمَشْيِ وَإِلَّا مَشَى بِقَدْرِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْإِحَاطَةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَلَوْ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ ثَمَّ وَهْدَةٌ) فِي الْمُخْتَارِ الْوَهْدَةُ كَالْوَرْدَةِ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ وَالْجَمْعُ وَهْدٌ كَوَعْدٍ وَوِهَادٌ كَمِهَادٍ اهـ.
(قَوْلُهُ مَعَ مَا يَأْتِي) أَيْ فِي حَدِّ الْقُرْبِ بِأَنْ يَأْمَنَ نَفْسًا أَوْ عُضْوًا أَوْ مَالًا زَائِدًا عَلَى مَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِمَاءِ طَهَارَتِهِ وَانْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَةٍ وَخُرُوجِ الْوَقْتِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَأْتِي الْوَقْتُ وَمَحِلُّ اشْتِرَاطِ الْأَمْنِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ التَّجْوِيزُ بِغَيْرِ الْعِلْمِ أَمَّا إنْ كَانَ بِالْعِلْمِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَيْهِ انْتَهَتْ وَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ التَّجْوِيزِ بِالنِّسْبَةِ لِحَدِّ الْغَوْثِ عَلَى مَا عَدَا الْعِلْمَ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ أَيْضًا مَعَ مَا يَأْتِي) مِنْ جُمْلَةِ مَا يَأْتِي أَمْنُ الْوَقْتِ وَمَحِلُّ اشْتِرَاطِهِ فِيمَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ أَمَّا مَنْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْنُ الْوَقْتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ نِزَاعٍ طَوِيلٍ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ الْآتِيَةِ فِي حَدِّ الْقُرْبِ. وَأَمَّا مَا هُنَا أَيْ مَا فِي حَدِّ الْغَوْثِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْقَضَاءُ يَلْزَمُ الْمُتَيَمِّمَ أَمْ لَا اهـ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالطَّلَبِ، فَإِنَّهُ لَا يَطْلُبُ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَحِلُّ يَغْلِبُ فِيهِ الْوُجُودُ فَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْأُجْهُورِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مُجَوِّزٌ لِلْمَاءِ لَا عَالِمٌ بِهِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا وَجَبَ طَلَبُهُ، وَلَوْ أَدَّى الطَّلَبُ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.
وَهَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ مَفْرُوضٌ فِي حَدِّ الْغَوْثِ أَمَّا حَدُّ الْقُرْبِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ لَكِنْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحِلُّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ يُسْتَوَى الْأَمْرَانِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالطَّلَبِ، فَإِنَّهُ لَا يَطْلُبُ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي لِأَجْلِ إدْرَاكِ الْوَقْتِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَحِلُّ يَغْلِبُ فِيهِ الْوُجُودُ، فَإِنَّهُ يَشْتَغِلُ بِالطَّلَبِ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِوُجُودِ الْمَاءِ كَمَا يُؤْخَذُ هَذَا التَّفْصِيلُ مِنْ حَوَاشِي التَّحْرِيرِ. (قَوْلُهُ أَيْ إلَى حَدٍّ يَلْحَقُهُ فِيهِ غَوْثُ رُفْقَتِهِ) أَيْ مَعَ اعْتِدَالِ أَسْمَاعِهِمْ وَمَعَ اعْتِدَالِ صَوْتِهِ، وَابْتِدَاءُ هَذَا الْحَدِّ مِنْ آخِرِ رُفْقَتِهِ الْمَنْسُوبِينَ إلَيْهِ لَا مِنْ آخِرِ الْقَافِلَةِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَأَوَّلُهُ مِنْ مَحِلِّهِ، وَقِيلَ مِنْ آخِرِ رَحْلِهِ، وَقِيلَ مِنْ آخِرِ رُفْقَتِهِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُ سُؤَالُهُمْ وَهُمْ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْهِ لَا مِنْ آخِرِ الْقَافِلَةِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَقَدْ تَتَّسِعُ جِدًّا بِحَيْثُ تَأْخُذُ قَدْرَ فَرْسَخٍ أَوْ أَكْثَرَ فَلَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ مِنْ آخِرِهَا لَزِمَ مِنْهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَرُبَّمَا تَزِيدُ عَلَى حَدِّ الْقُرْبِ وَاسْتَقَرَّ بِهِ شَيْخُنَا الشبراملسي
(1/198)
تَشَاغُلِهِمْ بِأَشْغَالِهِمْ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْأَصْلِ تَرَدَّدَ قَدْرَ نَظَرِهِ أَيْ فِي الْمُسْتَوِي وَبِقَوْلِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرَدَّدَ غَلْوَةَ سَهْمٍ أَيْ غَايَةَ رَمْيِهِ وَقَوْلِي إنْ أَمِنَ مِنْ زِيَادَتِي (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَاءً (تَيَمَّمَ) لِظَنِّ فَقْدِهِ.
(فَلَوْ عَلِمَ مَاءً) بِمَحِلٍّ (يَصِلُهُ مُسَافِرٌ لِحَاجَتِهِ) كَاحْتِطَابٍ وَاحْتِشَاشٍ، وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ الْمُتَقَدِّمِ وَيُسَمَّى حَدَّ الْقُرْبِ (وَجَبَ طَلَبُهُ) مِنْهُ. (إنْ أَمِنَ غَيْرَ اخْتِصَاصٍ وَمَالٌ يَجِبُ بَذْلُهُ لِمَاءِ طَهَارَتِهِ) ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً مِنْ نَفْسٍ وَعُضْوٍ وَمَالٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِلْمَاءِ وَانْقِطَاعٌ عَنْ رُفْقَةٍ لَهُ وَخُرُوجُ وَقْتٍ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ طَلَبُهُ بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ، وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَوَصْفُ الْمَالِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ زِيَادَتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
انْتَهَتْ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ أَغَاثَهُ إغَاثَةً إذَا أَعَانَهُ وَنَصَرَهُ فَهُوَ مُغِيثٌ وَالْغَوْثُ اسْمٌ مِنْهُ اهـ أَيْ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْإِغَاثَةِ فَالْإِضَافَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ يَلْحَقُهُ فِيهِ رُفْقَتُهُ الْمُسْتَغَاثُ بِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ لِحَدِّ الْغَوْثِ بِقَوْلِهِ أَيْ إلَى حَدٍّ يَلْحَقُهُ فِيهِ غَوْثُ رُفْقَتِهِ إلَخْ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْأَصْلِ إلَخْ وَبِقَوْلِ الشَّارِحِ الصَّغِيرِ تَرَدَّدَ غَلْوَةَ سَهْمٍ فَالْعِبَارَاتُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى ثَلَاثَةٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ.
وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ.
وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ وَهِيَ قَوْلُهُ إلَى حَدِّ غَوْثٍ اِ هـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ تَرَدَّدَ قَدْرَ نَظَرِهِ) مُتَعَلَّقُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ فِي غَيْرِ الْمُسْتَوَى وَقَوْلُهُ أَيْ فِي الْمُسْتَوَى مُتَعَلِّقٌ بِنَظَرِهِ فَضَابِطُ التَّرَدُّدِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَوَى بِقَدْرِ النَّظَرِ فِي الْمُسْتَوَى وَحِينَئِذٍ فَمُقْتَضَى الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمْشِيَ إلَى آخِرِ حَدِّ الْغَوْثِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَحْصُلْ الْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ حَدِّ الْغَوْثِ إلَّا بِهَذَا الْمَشْيِ، فَإِنْ حَصَلَتْ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ غَلْوَةَ سَهْمٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْغَلْوَةُ الْغَايَةُ وَالْجَمْعُ غَلَوَاتٌ مِثْلُ شَهْوَةٍ وَشَهَوَاتٍ وَقَوْلُهُ أَيْ غَايَةَ رَمْيِهِ أَيْ فِي أَبْعَدِ مَا يَقْدِرُ وَيُقَالُ هِيَ قَدْرُ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَقَوْلِي إنْ أَمِنَ مِنْ زِيَادَتِي) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِي إلَخْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَيْدَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّا إذَا اشْتَرَطْنَا الْأَمْنَ فِي حَالَةِ تَيَقُّنِ الْمَاءِ فَفِي حَالَةِ تَوَهُّمِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَشْتَرِطُ الْأَمْنَ عَلَيْهِ فِي حَدِّ الْغَوْثِ أَعَمُّ مِمَّا يَشْتَرِطُ الْأَمْنَ عَلَيْهِ فِي حَدِّ الْقُرْبِ فَصَدَقَ حِينَئِذٍ أَنَّ لَفْظَ إنْ أَمِنَ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ مَعْنَاهَا يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِمَّا بَعْدَهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً) أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَرَكَ التَّرَدُّدَ لِعَدَمِ الْأَمْنِ عَلَى مَا مَرَّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ أَيْ، وَلَوْ كَانَ الْوُجْدَانُ بِإِخْبَارِ فَاسِقٍ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ وَكَتَبَ أَيْضًا لَنَا صُورَةٌ يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقِ وَهِيَ مَا إذَا فَقَدَ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ فَأَخْبَرَهُ فَاسِقٌ بِأَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ اعْتَمَدَهُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَسَبَبُهُ أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ هُوَ الْأَصْلُ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَاءَ فِيهِ لَمْ يَعْتَمِدْهُ اهـ ح ل وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ وَإِلَّا فَالْحُدُودُ الثَّلَاثَةُ مُشْتَرَكَةٌ فِي الْمَبْدَأِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ وَيُسَمَّى حَدَّ الْقُرْبِ) وَقَدَّرُوهُ بِنِصْفِ فَرْسَخٍ وَقُدِّرَ نِصْفُ الْفَرْسَخِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ الْمُعْتَدِلَةِ إحْدَى عَشْرَةَ دَرَجَةً وَرُبُعَ دَرَجَةٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَقَدْرُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ دَرَجَةً وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا فَإِذَا قُسِمَتْ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ الدَّرَجِ كَانَ مَا يَخُصُّ كُلَّ فَرْسَخٍ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَنِصْفُ دَرَجَةٍ وَنِصْفُ الْفَرْسَخِ مَا ذَكَرَ اهـ ع ش عَلَى م ر وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَمَنْ ضَبَطَهُ بِنِصْفِ فَرْسَخٍ أَدْخَلَ فِيهِ حَدَّ الْغَوْثِ السَّابِقَ. (قَوْلُهُ وَجَبَ طَلَبُهُ) أَيْ قَصْدُهُ وَتَحْصِيلُهُ فَالطَّلَبُ هُنَا بِمَعْنَى الْقَصْدِ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ عَالِمٌ وَثُمَّ بِمَعْنَى التَّفْتِيشِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ يَجُوزُ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ إنْ أَمِنَ غَيْرَ اخْتِصَاصٍ) أَيْ وَكَانَ الْعِلْمُ بِغَيْرِ خَبَرِ عَدْلٍ وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ أَمْنُ الِاخْتِصَاصِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمَالٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِلْمَاءِ) أَيْ، وَلَوْ لِغَيْرِهِ وَكَالْمَالِ الْبُضْعُ، وَلَوْ لِغَيْرِهِ أَيْضًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ وَانْقِطَاعٌ عَنْ رُفْقَةٍ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْحِشْ عَلَى الْأَوْجَهِ وَفَارَقَ الْجُمُعَةُ بِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهَا اهـ ز ي.
وَعِبَارَةُ ع ش بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرِّفْقَةِ لَا يُجَوِّزُ السَّفَرَ مَعَهُمْ بَعْدَ الْفَجْرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَى السَّفَرِ لِتَكَرُّرِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِخِلَافِهَا انْتَهَتْ وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَخَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ رُفْقَةٍ أَيْضًا، وَلَوْ لِمُجَرَّدِ الْوَحْشَةِ وَفَارَقَتْ الْوَحْشَةُ هُنَا مَا فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا مَقْصِدٌ قَالَ شَيْخُنَا وَالْمُرَادُ بِالْوَحْشَةِ أَنْ يَسْتَوْحِشَ إذَا ذَهَبَ لِطَلَبِ الْمَاءِ فَلَهُ تَرْكُ الطَّلَبِ وَالتَّيَمُّمُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْوَحْشَةَ بِرَحِيلِهِمْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا م ر لَهُ أَنْ يَرْحَلَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَحْشَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ، إذْ لَيْسَ لِصَلَاتِهِ مَحَلٌّ يَلْزَمُهُ وُقُوعُهَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَخُرُوجُ وَقْتٍ) أَيْ إنْ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ بِأَنْ كَانَ فَقْدُ الْمَاءِ أَكْثَرَ مِنْ وُجُودِهِ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ، فَإِنْ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ بِأَنْ كَانَ وُجُودُ الْمَاءِ أَكْثَرَ مِنْ فَقْدِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ الْأَمْنُ عَلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ اهـ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ طَلَبُهُ) أَيْ وَإِلَّا يَأْمَنْ عَلَى مَا ذُكِرَ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الْوَقْتُ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ إلَخْ مُقَابِلٌ لِبَعْضِ الصُّوَرِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ إلَّا اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ إنْ أَمِنَ الْمُتَعَلِّقِ بِقَوْلِهِ فَلَوْ عَلِمَ مَاءً مِنْ حَيْثُ
(1/199)
وَلَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا الْأَمْنُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَلَا عَلَى الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ بَذْلُهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ لِتَيَقُّنِ وُجُودِ الْمَاءِ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ (، فَإِنْ كَانَ) الْمَاءُ بِمَحِلٍّ (فَوْقَ ذَلِكَ) الْمَحِلِّ الْمُتَقَدِّمِ وَيُسَمَّى حَدَّ الْبُعْدِ (تَيَمَّمَ) وَلَا يَجِبُ قَصْدُ الْمَاءِ لِبُعْدِهِ.
(فَلَوْ تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) مِنْ تَعْجِيلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
شُمُولُهُ لِلْوَقْتِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُقَابِلًا أَيْضًا لِقَوْلِهِ إنْ أَمِنَ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي حَدِّ الْغَوْثِ مِنْ حَيْثُ شُمُولُهَا لِلْوَقْتِ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ أَيْ مُحَصَّلٌ عِنْدَهُ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ وَهُوَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ مَنْ يُحَصِّلُهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى الْوَقْتِ فَلْيُحَرَّرْ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْتَبَرْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا أَيْ الْأَصْحَابُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ الْأَمْنُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَيْ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ اُعْتُبِرَ الْأَمْنُ عَلَيْهِ أَيْضًا اهـ ع ش.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَخَرَجَ بِالْمَالِ الِاخْتِصَاصَاتُ وَالْمَالُ الَّذِي يَجِبُ بَذْلُهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً فَلَا أَثَرَ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ هُنَا، وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ ثَمَّ فِي حَالَةِ التَّوَهُّمِ كَمَا مَرَّ وَلِأَنَّ دَانِقًا مِنْ الْمَالِ خَيْرٌ مِنْهَا، وَإِنْ كَثُرَتْ وَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ هَذَا لَا يَأْتِي فِي الْكَلْبِ إلَّا إنْ حَلَّ قَتْلُهُ وَإِلَّا فَلَا طَلَبَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ سَقْيُهُ وَالتَّيَمُّمُ فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ وَيُضَيِّعُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْخَشْيَةَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ هُنَا إنَّمَا هِيَ خَشْيَةُ أَخْذِ الْغَيْرِ لَهُ لَوْ قَصَدَ الْمَاءَ وَتَرَكَهُ لَا خَشْيَةَ ذَهَابِ رُوحِهِ بِالْعَطَشِ وَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمَجْمُوعِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ لِتَيَقُّنِ وُجُودِ الْمَاءِ) أَيْ وَالْعِلْمُ لَيْسَ مُسْتَنِدًا إلَى الظَّنِّ بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ الْأَمْنُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا مَرَّ مَحِلُّهُ فِي ظَنٍّ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى خَبَرِ مَا ذُكِرَ أَمَّا إذَا كَانَ بِأَخْبَارِهِ فَهِيَ مِنْ أَفْرَادِ مَا هُنَا وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ فَوْقَ ذَلِكَ الْمَحِلِّ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ كَقَدَمٍ مَثَلًا وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ لَا يُعَدُّ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا عَلِمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ عُرْفًا وَفِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِمَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهُ وَإِذَا اتَّفَقَ أَنَّهُ طَلَبَ الْمَاءَ فَوَصَلَ إلَى غَايَةِ حَدِّ الْقُرْبِ، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ فَوْقَهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَجَبَ طَلَبُهُ اهـ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعَدُّ زِيَادَةً عَلَى حَدِّ الْقُرْبِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ اهـ ع ش عَلَى م ر.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ فَوْقَ ذَلِكَ الْمَحِلِّ أَيْ عُرْفًا وَالْعِبْرَةُ فِي هَذِهِ الْحُدُودِ بِذَاتِهَا لَا بِنَفْسِ الشَّخْصِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ إلَى آخِرِ الْمَسَافَةِ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ مَاءً لَكِنْ وَجَدَ مَاءً خَارِجَ الْحَدِّ قَرِيبًا مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ لَهُ بَلْ يَعُودُ إلَى مَحِلِّهِ وَيَتَيَمَّمُ، وَلَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَخَافَ غَرَقًا لَوْ اغْتَرَفَ مِنْ الْبَحْرِ تَيَمَّمَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ سَبُعٌ مَثَلًا وَلِمُسْتَوْطِنٍ بِمَحِلٍّ لَا مَاءَ فِيهِ الْجِمَاعُ وَيَتَيَمَّمُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ النَّقْلَةُ عَنْهُ وَيَلْزَمُ الْبَدْوِيَّ النَّقْلَةُ لِفَقْدِ التُّرَابِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْمُتَيَمِّمِ أَحْوَالًا فِي حُدُودٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا الْغَوْثُ، فَإِنْ تَيَقَّنَ فَقْدَ الْمَاءِ تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ، وَإِنْ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ فِيهِ لَزِمَهُ طَلَبُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ وَلَا يَتَيَمَّمُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ لَزِمَهُ طَلَبُهُ أَيْضًا بِشَرْطِ الْأَمْنِ عَلَى مَا مَرَّ وَعَلَى الِاخْتِصَاصِ وَالْوَقْتِ ثَانِيهَا حَدُّ الْقُرْبِ، فَإِنْ عَلِمَ فَقْدَ الْمَاءِ فِيهِ تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ بِالْأَوْلَى مِمَّا قَبْلَهُ، وَإِنْ عَلِمَ وُجُودَهُ فِيهِ لَزِمَهُ طَلَبُهُ بِشَرْطِ الْأَمْنِ أَيْضًا، وَمِنْهُ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ لَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَالْمَالُ الَّذِي يَجِبُ بَذْلُهُ لِمَاءِ طَهَارَتِهِ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ لَمْ يَجِبْ طَلَبُهُ مُطْلَقًا ثَالِثُهَا حَدُّ الْبُعْدِ وَهُوَ مَا فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الطَّلَبُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ وَمَا وَقَعَ لِلْعَلَّامَةِ ابْن قَاسِمٍ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا يَسْتَقِيمُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ هُنَا الْوُثُوقُ بِحُصُولِ الْمَاءِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّفُ عَادَةً لَا مَا يَنْتَفِي مَعَهُ عَدَمُ الْحُصُولِ عَقْلًا وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَتَعْجِيلُ تَيَمُّمٍ أَيْ فِي الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ إنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ، ثُمَّ أَعَادَهَا آخِرَهُ مَعَ الْكَمَالِ فَهُوَ الْغَايَةُ فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ وَيُجَابُ عَنْ اسْتِشْكَالِ ابْنِ الرِّفْعَةِ لَهُ بِأَنَّ الْفَرْضَ الْأَوْلَى، وَلَمْ تَشْمَلْهَا فَضِيلَةُ الْوُضُوءِ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمَّا كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى كَانَتْ جَابِرَةً لِنَقْصِهَا لَا يُقَالُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَحِلُّهُ فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْمَاءَ بَعْدُ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ كَلَامِهِمْ وَمَحِلُّ مَا ذَكَرَ فِي الْأُولَى إذَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي الْحَالَيْنِ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ إذَا قَدَّمَهَا صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ فِي جَمَاعَةٍ وَإِذَا أَخَّرَ لِلْوُضُوءِ انْفَرَدَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى وَجْهٍ تَحْصُلُ مَعَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ إدْرَاكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إدْرَاكِ غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَمَحِلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَمَّا فِيهَا عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِ
(1/200)
التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ، وَلَوْ آخِرَ الْوَقْتِ أَبْلَغُ مِنْهَا بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا تَيَقَّنَ وُجُودَهُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ وَإِلَّا وَجَبَ التَّأْخِيرُ جَزْمًا (وَإِلَّا) بِأَنْ ظَنَّهُ أَوْ ظَنَّ أَوْ تَيَقَّنَ عَدَمَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ آخِرَ الْوَقْتِ (فَتَعْجِيلُ تَيَمُّمٍ أَفْضَلُ) لِتَحَقُّقِ فَضِيلَتِهِ دُونَ فَضِيلَةِ الْوُضُوءِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
رُكُوعِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ مُتَأَخِّرًا أَوْ مُنْفَرِدًا لِإِدْرَاكِهَا، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ قِيَامِ الثَّانِيَةِ وَقِرَاءَتِهَا فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَيَقِفَ فِي الصَّفِّ الْمُتَأَخِّرِ لِتَصِحَّ جُمُعَتُهُ إجْمَاعًا وَإِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ تَثْلِيثِ الْوُضُوءِ وَسَائِرِ آدَابِهِ فَإِذَا خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ لَوْ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ بِآدَابِهِ فَإِدْرَاكُهَا أَوْلَى مِنْ إكْمَالِهِ، وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ الْمَاءُ عَنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَجَبَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى فَرَائِضِهِ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ فَإِذَا خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ إلَخْ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهَا بِذَلِكَ بَلْ خَافَ فَوْتَ بَعْضٍ مِنْهَا كَمَا لَوْ كَانَ لَوْ ثَلَّثَ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ مَثَلًا كَانَ تَثْلِيثُ الْوُضُوءِ أَوْلَى فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضٌ فَثَوَابُهَا يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ السُّنَنِ فَيَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ فَاتَتْ سُنَنُ الْوُضُوءِ وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ لَوْ ثَلَّثَ فَاتَتْ الْجَمَاعَةُ مَعَ إمَامٍ عَدْلٍ وَأَدْرَكَهَا مَعَ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنَّ تَرْكَ التَّثْلِيثِ فِيهِ أَفْضَلُ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
1 -
(قَوْلُهُ أَيْضًا فَلَوْ تَيَقَّنَهُ) أَيْ تَيَقَّنَ طَرَيَانَهُ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ وَهُوَ حَدُّ الْغَوْثِ وَالْقُرْبِ أَوْ تَيَقَّنَ طَرَيَانَهُ بِمَنْزِلِهِ أَيْ مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ نَازِلٌ بِهِ فَهَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فِي حَدِّ الْغَوْثِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَيَمَّمَ وَلِقَوْلِهِ فَلَوْ عَلِمَ مَاءً إلَخْ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَى مَا ذُكِرَ تَيَمَّمَ أَيْ فَمَحِلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ طَرَيَان الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ اهـ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ آخِرَ الْوَقْتِ الْمُرَادُ بِالْآخِرِ هُنَا مَا زَادَ عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ فَيَشْمَلُ الْآخِرَ الْحَقِيقِيَّ وَالْوَسَطَ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ قَوْلُهُ فَلَوْ تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ أَيْ بِأَنْ بَقِيَ مِنْهُ وَقْتٌ يَسَعُ الصَّلَاةَ كُلَّهَا وَطُهْرَهَا، وَلَوْ فِي مَنْزِلِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَمَحِلُّ أَفْضَلِيَّةِ التَّأْخِيرِ حَيْثُ لَمْ يَقْتَرِنْ التَّقْدِيمُ بِنَحْوِ جَمَاعَةٍ وَإِلَّا كَانَ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي تَيَقُّنِ السُّتْرَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْقِيَامِ آخِرَهُ أَوْ ظَنِّهَا، فَإِنْ تَيَقَّنَ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ أَوْ ظَنَّ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيْ الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ وَإِلَّا وَجَبَ التَّأْخِير، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَلَوْ عَلِمَ ذُو النَّوْبَةِ مِنْ مُتَزَاحِمِينَ عَلَى نَحْوِ بِئْرٍ أَوْ سُتْرَةِ عَوْرَةٍ أَوْ مَحَلِّ صَلَاةٍ أَنَّهَا لَا تَنْتَهِي إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ صَلَّى فِيهِ بِلَا إعَادَةٍ وَيَتَيَمَّمُ رَاكِبُ سَفِينَةٍ خَافَ غَرَقًا لَوْ اسْتَقَى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ سَبُعٌ مَثَلًا وَلِمُسْتَوْطِنٍ بِمَحِلٍّ لَا مَاءَ بِهِ الْجِمَاعُ وَالتَّيَمُّمُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ النَّقْلَةُ عَنْهُ انْتَهَتْ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَكَتَبَ عَلَيْهِ ع ش.
قَوْلُهُ خَافَ غَرَقًا لَوْ اسْتَقَى قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَا نَصُّهُ وَنَحْوُهُ كَالْتِقَامِ حُوتٍ وَسُقُوطِ مُتَمَوَّلٍ أَوْ سَرِقَتِهِ اهـ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ فِي مَسْأَلَتِنَا بَلْ قَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْقَضَاءِ فِي مُقِيمٍ تَيَمَّمَ لِلْخَوْفِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَلْيُنْظَرْ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ سَبُعٌ فَيَتَيَمَّمُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ أَنْ يُلْغَزَ بِذَلِكَ فَيُقَالُ لَنَا رَجُلٌ سَلِيمُ الْأَعْضَاءِ غَيْرُ فَاقِدٍ لِلْمَاءِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَصُورَتُهُ لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَيْ، وَإِنْ قَصُرَ السَّفَرُ قَالَ سم وَمَحِلُّ عَدَمِ الْإِعَادَةِ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ مِمَّا لَا يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا فِيهِ السَّفِينَةُ، إذْ لَوْ غَلَبَ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا ذُكِرَ وَجَبَ الْقَضَاءُ اهـ بِالْمَعْنَى وَقَوْلُهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا فِيهِ السَّفِينَةُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ الْغَالِبُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وُجُودُ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَاتَّفَقَ احْتِيَاجُهُ إلَى النُّزُولِ فِي السَّفِينَةِ فِي وَقْتٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ لِمَا سَبَقَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَحِلُّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ فِي غَالِبِ السَّنَةِ لَكِنْ اتَّفَقَ وُجُودُهُ مِنْ نِيلٍ مَثَلًا فِي بَعْضِ أَيَّامِ السَّنَةِ، فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ انْتَهَى لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّيَمُّمَ فِي السَّفِينَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ سَبَبُهُ الْفَقْدُ الشَّرْعِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا إعَادَةَ فِي الْفَقْدِ الشَّرْعِيِّ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) هَذَا ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَاءَ يَأْتِي إلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ وَيُمْكِنُ شُمُولُهُ لِذَلِكَ وَلِعَكْسِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) مَرْجُوحٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِمَحِلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ حِينَئِذٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزِّيَادِيُّ وَيُفِيدُهُ مَا جُمِعَ بِهِ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ الْمَارِّ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ) أَيْ الَّذِي هُوَ لَهُ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا بِأَنْ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَطْرَأُ وُجُودُهُ آخِرَ الْوَقْتِ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ لَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ، إذْ لَوْ كَانَ
(1/201)
(وَمَنْ وَجَدَهُ غَيْرَ كَافٍ) لَهُ (وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ) فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (ثُمَّ تَيَمَّمَ) عَنْ الْبَاقِي فَلَا يُقَدِّمُهُ لِئَلَّا يَتَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ وَلَا يَجِبُ مَسْحُ الرَّأْسِ بِثَلْجٍ أَوْ بَرَدٍ لَا يَذُوبُ، وَقِيلَ يَجِبُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ أَقْوَى فِي الدَّلِيلِ.
(وَيَجِبُ فِي الْوَقْتِ شِرَاؤُهُ) أَيْ الْمَاءِ لِطُهْرِهِ (بِثَمَنِ مِثْلِهِ) مَكَانًا وَزَمَانًا فَلَا يَجِبُ شِرَاؤُهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْت نَعَمْ إنْ بِيعَ مِنْهُ لِأَجَلٍ بِزِيَادَةٍ لَائِقَةٍ بِذَلِكَ الْأَجَلِ وَكَانَ مُمْتَدًّا إلَى وُصُولِهِ مَحِلًّا يَكُونُ غَنِيًّا فِيهِ وَجَبَ الشِّرَاءُ (إلَّا أَنْ يَحْتَاجَهُ) أَيْ الثَّمَنَ (لِدَيْنِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مَوْجُودًا بِهِ بِالْفِعْلِ لَجَاءَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ فَمَا دُونَهُ وَجَبَ طَلَبُهُ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ لَمْ يَجِبْ طَلَبُهُ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَدَهُ غَيْرَ كَافٍ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ) ، وَلَوْ وَجَدَ مُحْدِثٌ تَنَجَّسَ بَدَنُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مَاءٌ لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ لِلْخَبَثِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِإِزَالَتِهِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَظَاهِرٌ أَنَّ تَنَجُّسَ الثَّوْبِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ نَزْعُهُ كَتَنَجُّسِ الْبَدَنِ فِيمَا ذُكِرَ فَيَغْسِلُهُ وَيَتَيَمَّمُ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ نَزْعُهُ أَيْ كَانَ خَافَ الْهَلَاكَ لَوْ نَزَعَهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ لَمْ يَخْشَ مِنْ نَزْعِهِ مَحْذُورَ تَيَمُّمٍ تَوَضَّأَ وَنَزَعَ الثَّوْبَ وَصَلَّى عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَقْدَ السُّتْرَةِ مِمَّا يَكْثُرُ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ) أَيْ مُحْدِثًا كَانَ أَوْ جُنُبًا وَيُرَاعَى التَّرْتِيبُ إنْ كَانَ حَدَثُهُ أَصْغَرَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ شِرَاءُ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَقَبَةً وَبَعْضُ الْمَاءِ مَاءٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ مَسْحُ الرَّأْسِ إلَخْ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ إنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الثَّلْجِ وَإِلَّا بِأَنْ لِمَ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ع ش وَصُورَةُ الشَّارِحِ أَنَّهُ وَجَدَ الثَّلْجَ فَقَطْ أَمَّا إذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِيهِ لِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَوَجَدَ ثَلْجًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ حِينَئِذٍ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ فَيَتَيَمَّمُ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، ثُمَّ يَمْسَحُ الرَّأْسَ بِالثَّلْجِ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ عَنْ الرِّجْلَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ شِرَاؤُهُ) أَيْ الْمَاءِ وَمِثْلُهُ التُّرَابُ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ هُمَا مَعًا، وَلَوْ بِمَحِلٍّ يَلْزَمُهُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَشِرَاءُ آلَتِهِ كَدَلْوٍ وَرِشَاءٍ كَذَلِكَ وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمَدُّ حَبْلٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمَاءِ وَالْجَمْعُ أَرْشِيَةٌ مِثْلُ كِسَا وَأَكْسِيَةٍ وَالرِّشَاءُ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إذَا تَحَرَّكَ وَمَشَى وَبَعْدَهُ رِيمٌ وَبَعْدَهُ ظَبْيٌ وَبِضَمِّهَا جَمْعُ رِشْوَةٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الشِّرَاءَ فَيَحْرُمُ بَيْعُهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ صِحَّةُ بَيْعِ عَبْدِهِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِلْكَفَّارَةِ أَوْ وَفَاءَ دَيْنٍ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ مَحْدُودٌ وَالدُّيُونُ مُتَعَلِّقُهَا الذِّمَمُ، وَقَدْ رَضِيَ بِهَا رَبُّهَا كَذَلِكَ فَلَا حَجْرَ فِي الْأَعْيَانِ، وَهَلْ يَجِبُ شِرَاؤُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ إذَا لَمْ يَسَعْ الْوَقْتُ الشِّرَاءَ مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ فِي الطَّلَبِ فِيهِ نَظَرٌ قَالَ شَيْخُنَا الشبراملسي الْقِيَاسُ الْوُجُوبُ، وَقَالَ شَيْخُنَا يُسَنُّ. وَأَمَّا لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ، ثُمَّ دَخَلَ الْوَقْتُ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْفَسْخَ فِي الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ إنْ كَانَ هُنَاكَ خِيَارٌ وَإِلَّا فَلَا وَتَحْرُمُ هِبَتُهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَكِنْ لَوْ أَتْلَفَهُ وَتَيَمَّمَ صَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَعَهُ إلَّا ثَمَنَ الْمَاءِ أَوْ السُّتْرَةِ قَدَّمَ السُّتْرَةَ لِدَوَامِ نَفْعِهَا مَعَ عَدَمِ الْبَدَلِ، وَمِنْ ثَمَّ لَزِمَهُ شِرَاءُ سَاتِرِ عَوْرَةٍ قِنِّهِ لَا مَاءِ طَهَارَتِهِ، وَلَوْ وَهَبَهُ لِفَرْعِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ، ثُمَّ دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ عِنْدَهُ لَزِمَ الْأَصْلَ الرُّجُوعُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ صَاعَانِ مِنْ مَاءٍ وَأَحَدُهُمَا يَكْفِيهِ وَبَاعَهُمَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَهَلْ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهِمَا أَوْ فِي صَاعٍ وَاحِدٍ قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي الْبُطْلَانُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِهِمَا وَيُحْتَمَلُ فَسْخُ أَحَدِهِمَا حَرِّرْهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُرَادُ ثَمَنُ مِثْلِ الْمَاءِ الَّذِي يَكْفِي لِوَاجِبِ الطَّهَارَةِ أَمَّا الزَّائِدُ لِلسُّنَنِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُهُ اهـ مِنْ حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ مَكَانًا وَزَمَانًا) أَيْ فَلَا يُعْتَبَرُ حَالَةُ الِاضْطِرَارِ فَقَدْ تُسَاوِي الشَّرْبَةُ فِيهَا دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ شِرَاؤُهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ بَلْ يُسَنُّ نَعَمْ يَجِبُ شِرَاءُ الْآلَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ بِقَدْرِ ثَمَنِ الْمَاءِ لَوْ اشْتَرَاهُ.
(فَرْعٌ) يَجِبُ قَطْعُ ثَوْبِهِ لِيَجْعَلَهُ رِشَاءً إنْ لَمْ يَزِدْ نَقْضُهُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ أَوْ أُجْرَتِهِ. وَقَوْلُهُ، وَإِنْ قُلْت شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَدْرًا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ فَاشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِزِيَادَةِ قَدْرٍ يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَحِيحٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُضُوءَ هُنَا لَهُ بَدَلٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِهِ، ثُمَّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ بِيعَ مِنْهُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ ثَمَنُ مِثْلٍ، إذْ الزَّائِدُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَجَلِ وَلِهَذَا لَمْ يُورِدْهُ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فَلِلَّهِ دَرُّهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر، وَلَوْ زِيدَ فِي ثَمَنِهِ بِسَبَبِ التَّأْجِيلِ زِيَادَةً لَائِقَةً بِالْأَجَلِ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا عَنْ كَوْنِهِ ثَمَنَ مِثْلِهِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَهُ لِدَيْنِهِ) أَيْ، وَلَوْ مُؤَجَّلًا نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حُلُولُهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى وَطَنِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا مَالَ لَهُ فِيهِ وَإِلَّا وَجَبَ شِرَاؤُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ النَّسِيئَةِ السَّابِقَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ كَعَيْنٍ أَعَارَهَا فَرَهَنَهَا الْمُسْتَعِيرُ بِإِذْنِهِ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ كَعَيْنٍ أَعَارَهَا إلَخْ لَعَلَّ الصُّورَةَ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمُسْتَعِيرِ تَعَذَّرَ وَأَرَادَ الْمُعِيرُ
(1/202)
أَوْ مُؤْنَةِ) حَيَوَانٍ (مُحْتَرَمٍ) مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ كَزَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكِهِ وَرَفِيقِهِ حَضَرًا وَسَفَرًا ذَهَابًا وَإِيَابًا فَيَصْرِفُ الثَّمَنَ إلَى ذَلِكَ وَيَتَيَمَّمُ وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ وَلَا حَاجَةَ لِوَصْفِ الدَّيْنِ بِالْمُسْتَغْرِقِ كَمَا فَعَلَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِيهِ وَتَعْبِيرِي بِالْمُؤْنَةِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالنَّفَقَةِ.
(وَ) يَجِبُ فِي الْوَقْتِ (اقْتِرَاضُ الْمَاءِ وَاتِّهَابُهُ وَاسْتِعَارَةُ آلَتِهِ) إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ بِغَيْرِهَا، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ الْمَالِكُ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ طَلَبِ الْمَاءِ وَخَرَجَ بِالْمَاءِ ثَمَنُهُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ ذَلِكَ لِثِقَلِ الْمِنَّةِ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالِاقْتِرَاضِ وَتَالِيَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
فَكَّ عَيْنِهِ بِمَالٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ إعَارَةَ الْعَيْنِ لِرَهْنِهَا ضَمَانٌ لِلدَّيْنِ فِيهَا وَلَا يَصِحُّ تَصْوِيرُهُ بِاحْتِيَاجِهِ لِبَيْعِ تِلْكَ الْعَيْنِ لِلْمَاءِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ اهـ رَشِيدِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ.
قَوْلُهُ لِدَيْنِهِ أَيْ الْمُتَعَلِّقِ بِذِمَّتِهِ أَوْ عَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ كَأَنْ أَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ آخَرُ بِدَيْنِهِ فَرَهَنَهُ بِهِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ أَوْ مُؤْنَةُ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ) سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَمْ غَيْرَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ احْتِيَاجِهِ لِذَلِكَ حَالًا أَوْ مَآلًا وَلَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ رَقِيقِهِ وَرُفْقَتِهِ وَزَوْجَتِهِ سَوَاءٌ فِيهِ الْكُفَّارُ وَالْمُسْلِمُونَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا أَيْضًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَخَادِمِهِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ أَيْضًا أَوْ مُؤْنَةُ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَائِقًا بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِهِ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ هُنَا وَلِوُجُودِ الْبَدَلِ أَيْضًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ حَضَرًا وَسَفَرًا) وَلَا بُدَّ أَنْ يَفْضُلَ فِي الْحَاضِرِ عَنْ مُؤْنَةِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ اهـ ح ل وَلَا بُدَّ فِي الْمُسَافِرِ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ مُؤْنَةِ مَمُونِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا اهـ شَيْخُنَا وَالْمُرَادُ سَفَرُهُ الَّذِي يُرِيدُهُ، وَلَوْ مَآلًا وَسَفَرُ غَيْرِهِ إذَا لَزِمَهُ كَسَفَرِهِ، وَمِنْهُ أَجْنَبِيٌّ خِيفَ انْقِطَاعُهُ عَنْ رُفْقَتِهِ وَنَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ عِنْدَ خَوْفِ ضَرَرِهِ كَذَلِكَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ نَصُّهَا وَالْعِبْرَةُ بِالْمُؤْنَةِ مُؤْنَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ لَا مُؤْنَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَالْفِطْرَةِ وَلَا الْعُمُرِ الْغَالِبِ كَالزَّكَاةِ هَذَا فِي الْمُسَافِرِ أَمَّا الْمُقِيمُ فَيَتَّجِهُ اعْتِبَارُ مَا فِي الْفِطْرَةِ اهـ حَاشِيَةُ الْإِيضَاحِ لِابْنِ حَجَرٍ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ كَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ) أَيْ وَكَكَلْبٍ عَقُورٍ. وَأَمَّا غَيْرُ الْعَقُورِ فَمُحْتَرَمٌ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي مَوْضِعِ جَوَازِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَحْتَاجُهُ لِلْعَطَشِ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ثَمَنِهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا وَقَدَرَ عَلَى شَدِّهِ فِي الدَّلْوِ أَوْ عَلَى إدْلَائِهِ فِي الْبِئْرِ وَعَصْرِهِ أَوْ عَلَى شَقِّهِ وَإِيصَالِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِيَصِلَ وَجَبَ إنْ لَمْ يَزِدْ نُقْصَانُهُ عَلَى أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِ الْمَاءِ وَأُجْرَةِ مِثْلِ الْحَبْلِ، وَلَوْ وَجَدَ ثَمَنَ الْمَاءِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى سُتْرَةٍ لِلصَّلَاةِ قَدَّمَهَا لِدَوَامِ النَّفْعِ بِهَا، وَلَوْ فَقَدَ الْمَاءَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ مَحِلَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِحَفْرٍ يَسِيرٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ، وَهَلْ تُذْبَحُ شَاةُ الْغَيْرِ الَّتِي لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا لِكَلْبِهِ الْمُحْتَرَمِ الْمُحْتَاجِ إلَى طَعَامٍ وَجْهَانِ فِي الْمَجْمُوعِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَالْمَاءِ فَيَلْزَمُ مَالِكَهَا بَذْلُهَا لَهُ وَعَلَى نَقْلِهِ عَنْ الْقَاضِي اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَثَانِيهمَا لَا لِكَوْنِ الشَّاةِ ذَاتَ حُرْمَةٍ أَيْضًا اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَزَانٍ مُحْصَنٌ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرَ صَاحِبِ الْمَاءِ أَمَّا لَوْ كَانَ هُوَ صَاحِبَ الْمَاءِ فَيَتَيَمَّمُ وَيَشْرَبُ الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ عَلَى نَفْسِهِ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ إلَخْ) مُرَادُ الشَّارِحِ أَنَّهُ إذَا فَضَلَ عَنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ بِأَنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الَّتِي احْتَرَزَ عَنْهَا الْأَصْلُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمُسْتَغْرَقِ وَالشَّارِحُ يَقُولُ التَّعْبِيرُ بِالِاحْتِيَاجِ يُخْرِجُهَا، فَإِنَّ مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِيهِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ خَارِجَةٌ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَهُ فَيَلْزَمُ مِنْ الِاحْتِيَاجِ الِاسْتِغْرَاقُ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر مُسْتَغْرَقٌ هُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ غَيْرَ أَنَّهُ أَتَى بِهِ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ فِي كَلَامِهِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ، إذْ مِنْ لَازِمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لِأَجْلِهِ اسْتِغْرَاقُهُ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالنَّفَقَةِ) أَيْ لِشُمُولِهِ الْأَثَاثَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَأُجْرَةَ التَّدَاوِي وَنَحْوَ ذَلِكَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي الْقَلْيُوبِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ الْمُؤْنَةُ فِي اللُّغَةِ الْقِيَامُ بِالْكِفَايَةِ قُوتًا أَوْ غَيْرَهُ وَالْإِنْفَاقُ بَذْلُ الْقُوتِ وَالْقُوتُ نَفْسُهُ هُوَ النَّفَقَةُ قَالَهُ السُّبْكِيُّ اهـ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَقَةَ دُونَ الْمُؤْنَةِ أَيْ أَخَصُّ مِنْهَا اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ فِي الْوَقْتِ اقْتِرَاضُ الْمَاءِ إلَخْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ لَهُ إعْدَامَ الْمَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَمَا هُنَا أَوْلَى وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ وُجُوبِ طَلَبِ الْمَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ إذَا اتَّسَعَتْ الْقَافِلَةُ كَمَا لَا يَخْفَى خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ اهـ رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ وَاقْتِرَاضُ الْمَاءِ إلَخْ) أَظْهَرُ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَضْمَرَ لِرُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلثَّمَنِ الْمُتَقَدِّمِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ اقْتِرَاضُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَاسْتِعَارَةُ آلَتِهِ) أَيْ، وَإِنْ جَاوَزَتْ قِيمَتُهَا أَضْعَافَ ثَمَنِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّلَامَةُ وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا وَلَا يَلْزَمُ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ بَذْلُهُ لِمُحْتَاجِ طَهَارَةٍ بِهِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ ذَلِكَ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ قَبُولُهُمَا مِنْ أَبٍ أَوْ ابْنٍ، وَلَوْ كَانَ قَابِلُ الْقَرْضِ مُوسِرًا بِمَالٍ غَائِبٍ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالِاقْتِرَاضِ وَتَالِيَيْهِ إلَخْ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ مَاءٌ أَوْ
(1/203)
مَا يَعُمُّ الْقَبُولَ وَالسُّؤَالَ فَتَعْبِيرِي بِهَا أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْقَبُولِ وَقَوْلِي فِي الْوَقْتِ مَعَ مَسْأَلَةِ الِاقْتِرَاضِ مِنْ زِيَادَتِي وَتَعْبِيرِي بِآلَتِهِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالدَّلْوِ (وَلَوْ نَسِيَهُ) أَيْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الْمَاءِ وَالثَّمَنِ وَالْآلَةِ. (أَوْ أَضَلَّهُ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ) وَصَلَّى، ثُمَّ تَذَكَّرَهُ أَوْ وَجَدَهُ (أَعَادَ) الصَّلَاةَ لِوُجُودِ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا مَعَهُ وَنِسْبَتُهُ فِي إهْمَالِهِ حَتَّى نَسِيَهُ أَوْ أَضَلَّهُ إلَى تَقْصِيرٍ وَخَرَجَ بِإِضْلَالِ ذَلِكَ فِي رَحْلِهِ مَا لَوْ أَضَلَّ رَحْلَهُ فِي رِحَالٍ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ وَجَدَهُ وَفِيهِ الْمَاءُ أَوْ الثَّمَنُ أَوْ الْآلَةُ فَلَا يُعِيدُ إنْ أَمْعَنَ فِي الطَّلَبِ، إذْ لَا مَاءَ مَعَهُ حَالَ التَّيَمُّمِ وَفَارَقَ إضْلَالُهُ فِي رَحْلِهِ بِأَنَّ مُخَيَّمَ الرُّفْقَةِ أَوْسَعُ مِنْ مُخَيَّمِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَقْرَضَهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ أُعِيرَ دَلْوًا أَوْ نَحْوَهُ مِنْ آلَاتِ الِاسْتِقَاءِ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمُسَامَحَةَ فِيهِ غَالِبَةٌ فَلَا تَعْظُمُ فِيهِ الْمِنَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ وَتَيَمَّمَ بَعْدَ فَقْدِهِ أَوْ امْتِنَاعِ مَالِكِهِ عَنْ هِبَتِهِ أَثِمَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ مَا يَعُمُّ الْقَبُولَ وَالسُّؤَالَ) ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَبُولِ أَوْ السُّؤَالِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ فِي الْمَاءِ وَالثَّمَنِ وَالْآلَةِ أَنَّ الْمَاءَ يَجِبُ فِيهِ الْجَمِيعُ مِنْ الشِّرَاءِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْقَرْضِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالسُّؤَالِ وَالْآلَةُ يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثَةٌ الْإِجَارَةُ وَالشِّرَاءُ وَالْعَارِيَّةُ وَالثَّمَنُ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَسِيَهُ أَوْ أَضَلَّهُ فِي رَحْلِهِ إلَخْ) لَوْ ذَكَرَ هَذَا آخِرَ الْبَابِ عِنْدَ ذِكْرِ مَا يُقْضَى مِنْ الصَّلَاةِ وَمَا لَا يُقْضَى كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ هُنَا فِي السَّبَبِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ وَعَدَمُهُ بِالتَّيَمُّمِ فَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ اهـ زِيَادِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَخَتَمَ السَّبَبَ الْأَوَّلَ بِهَاتَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا بِآخِرِ الْبَابِ الْمَبْحُوثِ فِيهِ عَنْ الْقَضَاءِ أَنْسَبُ كَمَا يَظْهَرُ بِبَادِئِ الرَّأْيِ تَذْيِيلًا لِهَذَا الْمَبْحَثِ لِمُنَاسَبَتِهِمَا لَهُ وَلِإِفَادَتِهِمَا مَسَائِلَ حَسَنَةٍ فِي الطَّلَبِ وَهِيَ أَنَّهُ يُعِيدُ مَعَ وُجُودِ التَّقْصِيرِ وَأَنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ عُذْرًا مُقْتَضِيًا لِسُقُوطِهِ وَأَنَّ الْإِضْلَالَ يُغْتَفَرُ تَارَةً وَلَا يُغْتَفَرُ أُخْرَى فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الشُّرَّاحِ عَلَيْهِ فِي ذِكْرِ هَاتَيْنِ وَوَضَح أَنَّهُمَا هُنَا أَنْسَبُ انْتَهَتْ، ثُمَّ قَالَ، وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَاءَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَتْلَفَهُ بَعْدَهُ لِغَرَضٍ كَتَبَرُّدٍ وَتَنْظِيفِ ثَوْبٍ فَلَا قَضَاءَ أَيْضًا، وَكَذَا لِغَيْرِ غَرَضٍ فِي الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ فِي الشِّقِّ الْأَخِيرِ وَيُقَاسُ بِهِ مَا لَوْ أَحْدَثَ فِي الْوَقْتِ عَبَثًا وَلَا مَاءَ ثَمَّ، وَلَوْ بَاعَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَوْ وَهَبَهُ فِيهِ بِلَا حَاجَةٍ لَهُ وَلَا لِلْمُشْتَرَى أَوْ الْمُتَّهِبِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِلْعَجْزِ عَنْهُ شَرْعًا لِتَعَيُّنِهِ لِلطُّهْرِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِحَّةِ هِبَةِ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ أَوْ دُيُونٌ فَوَهَبَ مَا يَمْلِكُهُ بِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ رَضِيَ بِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالذِّمَّةِ فَلَا حَجْزَ لَهُ فِي الْعَيْنِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْ تَعَلُّقِ غُرَمَائِهِ بِعَيْنِ مَالِهِ وَيَلْزَمُهُ اسْتِرْدَادُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَعَ تَمَكُّنِهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِرْدَادِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَقَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي وَقَعَ تَفْوِيتُ الْمَاءِ فِي وَقْتِهَا لِتَقْصِيرِهِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَلَوْ تَلِفَ الْمَاءُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُتَّهِبِ، ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي الْمَاءَ لَا الْمُتَّهَبُ، إذْ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ.
وَلَوْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَاءِ الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِبَيْعٍ جَائِزٍ وَهِبَةٍ لِفَرْعٍ لَزِمَ الْأَصْلَ الرُّجُوعُ فِيهِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ لَهُ لِطَهَارَتِهِ وَلَزِمَ الْبَائِعَ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ خِيَارٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ (قَوْلُهُ أَوْ أَضَلَّهُ فِي رَحْلِهِ) أَيْ تَسَبَّبَ فِي ضَيَاعِهِ فِيهِ وَفِي الْمُخْتَارِ وَأَضَلَّهُ أَضَاعَهُ وَأَهْلَكَهُ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ تَقُولُ أَضْلَلْت بَعِيرِي إذَا ذَهَبَ مِنْك وَضَلَلْت الْمَسْجِدَ وَالدَّارَ إذَا لَمْ تَعْرِفْ مَوْضِعَهُمَا، وَكَذَا لِكُلِّ شَيْءٍ مُقِيمٍ لَا يُهْتَدَى لَهُ اهـ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ مَا لَوْ أَضَلَّ رَحْلَهُ يُقْرَأُ فِيهِ رَحْلُهُ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ ضَلَّ الرَّجُلُ الطَّرِيقَ وَضَلَّ عَنْهُ يَضِلُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ ضَلَالًا وَضَلَالَةً زَلَّ عَنْهُ فَلَمْ يَهْتَدِ إلَيْهِ وَأَضْلَلْته بِالْأَلِفِ فَقَدْته قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَضْلَلْت الشَّيْءَ بِالْأَلِفِ إذَا ضَاعَ مِنْك فَلَمْ تَعْرِفْ مَوْضِعَهُ كَالدَّابَّةِ وَالنَّاقَةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، فَإِنْ أَخْطَأْت مَوْضِعَ الشَّيْءِ الثَّابِتِ كَالدَّارِ قُلْت ضَلَلْته وَضَلِلْته وَلَا تَقُلْ أَضْلَلْته اهـ. (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْمَاءِ حَقِيقَةً) أَيْ فِيمَا لَوْ وَجَدَهُ بِالْفِعْلِ وَقَوْلُهُ أَوْ حُكْمًا أَيْ فِيمَا لَوْ كَانَ الَّذِي وَجَدَهُ الثَّمَنَ أَوْ الْآلَةَ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ وَنَسَبْته فِي إهْمَالِهِ إلَخْ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ أَدْرَجَ لَهُ مَاءً فِي رَحْلِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ أَوْ وَرِثَهُ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا تَيَمَّمَ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا مَعَهُ لِعَدَمِ نِسْبَتِهِ إلَى التَّقْصِيرِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ بِأَنَّ مُخَيَّمَ الرُّفْقَةِ) أَيْ خِيَامَهُمْ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الرِّحَالُ خِيَامًا أَوْ لَا اهـ شَيْخُنَا وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ لَا مَخِيمٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ أَوْسَعُ مِنْ مُخَيَّمِهِ يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ اتَّسَعَ جِدًّا كَمُخَيَّمِ أَمِيرِ الْحَاجِّ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ اهـ ع ش وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الِاتِّسَاعِ وَعَدَمِهِ الِاتِّسَاعُ بِالْفِعْلِ لَا الشَّأْنِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر اهـ شَيْخُنَا ح ف لَكِنَّ مُخَيَّمَ بِمَعْنَى الْخِيَامِ لَمْ نَجِدْهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَا فِي الْمُخْتَارِ وَلَا فِي الْقَامُوسِ وَاَلَّذِي فِي الْقَامُوسِ الْخَيْمَةُ أَكَمَةٌ فَوْقَ أَبَانِينَ وَكُلُّ بَيْتٍ مُسْتَدِيرٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ يُلْقَى عَلَيْهَا الثُّمَامُ وَيُسْتَظَلُّ بِهَا فِي الْحَرِّ أَوْ كُلُّ بَيْتٍ يُبْنَى مِنْ
(1/204)
(وَ) ثَانِي الْأَسْبَابِ (حَاجَتُهُ) إلَيْهِ (لِعَطَشِ) حَيَوَانٍ (مُحْتَرَمٍ، وَلَوْ) كَانَتْ حَاجَتُهُ إلَيْهِ لِذَلِكَ (مَآلًا) أَيْ فِيهِ أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ صَوْنًا لِلرُّوحِ أَوْ غَيْرِهَا عَنْ التَّلَفِ فَيَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ وَلَا يُكَلَّفُ الطُّهْرَ بِهِ، ثُمَّ جَمَعَهُ وَشَرِبَهُ لِغَيْرِ دَابَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ عَادَةً وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَمَا مَرَّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عِيدَانِ الشَّجَرِ وَالْجَمْعُ خَيْمَاتٌ وَخِيَامٌ وَخِيمٌ وَخَيْمٌ بِالْفَتْحِ وَكَعِنَبٍ وَتَخَيَّمَ بِالْمَكَانِ ضَرَبَ خَيْمَتَهُ بِهِ وَالْمُخَيَّمُ كَمُكَتَّلِ أَنْ تَجْمَعَ جُزُرَ الْحَصِيدِ وَوَادٍ أَوْ جَبَلٍ وَالْمُخَيَّمُ وَالْمُخَيَّمَاتُ نَخْلٌ لِبَنِي سَلُولَ بِبَطْنِ بِيشَةَ وَخَيَّمَ وَذُو خِيَمٍ وَذَاتُ خِيَمٍ مَوَاضِعُ وَالْخِيمَاءُ بِالْكَسْرِ مَاءٌ لِبَنِي أَسَدٍ اهـ.
(قَوْلُهُ وَحَاجَتُهُ إلَيْهِ) أَيْ الْمَاءِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْمَاءِ أَوْ ثَمَنِهِ أَوْ آلَتِهِ لَا يُنَاسِبُ مَا بَعْدَهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّكْرَارِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ مُحْتَرَمٌ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صَاحِبُ الْمَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِعَطَشٍ أَوْ مَرَضٍ عَاصٍ بِسَفَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ حَتَّى يَتُوبَ، فَإِنْ شَرِبَ الْمَاءَ، ثُمَّ تَيَمَّمَ لَمْ يُعِدْ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِاحْتِيَاجِهِ لَهُ لِغَيْرِ الْعَطَشِ مَآلًا كَبَلِّ كَعْكٍ وَفَتِيتٍ وَطَبْخِ لَحْمٍ بِخِلَافِ حَاجَتِهِ لِذَلِكَ حَالًا فَلَهُ التَّيَمُّمُ مِنْ أَجْلِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا غِنَى عَنْ دَفْعِ الْعَطَشِ بِوَجْهٍ مَا. وَأَمَّا بَلُّ نَحْوِ الْكَعْكِ فَيُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ فَاعْتَبَرْنَاهُ حَالًا لَا مَآلًا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ كَالْعَطَشِ وَكَلَامُ الْقَائِلِ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ حُضُورِهِ عَلَى الْحَاجَةِ الْمَالِيَّةِ اهـ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ كَبَلِّ كَعْكٍ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ اسْتِعْمَالُهُ وَأَخَذَ سم عَلَيْهِ بِمُقْتَضَاهُ فَقَالَ لَوْ عَسِرَ اسْتِعْمَالُهُ بِدُونِ الْبَلِّ كَانَ كَالْعَطَشِ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ لِعَطَشِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ) فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِشَيْخِنَا وَهُوَ مَا حَرُمَ قَتْلُهُ، وَمِنْهُ الْكَلْبُ غَيْرُ الْعَقُورِ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا مَنْفَعَةَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بَلْ نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعِ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فَخَرَجَ نَحْوُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ بِشَرْطِهِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْمَاءِ إلَيْهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الطُّهْرُ بِهِ، وَإِنْ أَفْضَى إلَى تَلَفِهَا وَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ أَنَّ مَنْ مَعَهُ الْمَاءُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَزَانٍ مُحْصَنٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ شُرْبُهُ وَتَيَمَّمَ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهُ قَتْلُ نَفْسِهِ اهـ سم وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ نَعَمْ يُقَدِّمُ شُرْبَ نَفْسِهِ عَلَى تَيَمُّمِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ عَلَى نَفْسِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ فِيهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَآلًا مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَيْ الْمُسْتَقْبَلِ إلَى أَنَّ مَآلًا بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ صَوْنًا لِلرُّوحِ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ الِاحْتِيَاجِ سَبَبًا لِلْعَجْزِ اهـ ع ش وَقَوْله أَوْ غَيْرِهَا كَسُقُوطِ طَرَفٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَخَوْفِ مَحْذُورٍ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ إلَخْ فَسَقَطَ مَا لِلْحَلَبِيِّ هُنَا اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ فَيَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ) وَيَحْرُمُ تَطَهُّرُهُ بِهِ، وَإِنْ قَلَّ حَيْثُ ظَنَّ وُجُودَ مُحْتَرَمٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي الْقَافِلَة، وَإِنْ كَبُرَتْ وَخَرَجَتْ عَنْ الضَّبْطِ وَكَثِيرٌ يَجْهَلُونَ فَيُتَوَهَّمُونَ أَنَّ التَّطْهِيرَ بِالْمَاءِ قُرْبَةٌ حِينَئِذٍ وَهُوَ خَطَأٌ قَبِيحٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ وَشُرْبُهُ لِغَيْرِ دَابَّةٍ) أَمَّا لَهَا فَيُكَلَّفُ الطُّهْرُ بِهِ، ثُمَّ جَمْعُهُ لِسَقْيِهَا اهـ شَيْخُنَا وَمِثْلُ الدَّابَّةِ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ اهـ حَجّ وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الْمُحْتَاجُ لِلْمَاءِ غَيْرَ حَاضِرٍ فَهَلْ يَلْزَمُ مَنْ مَعَهُ الْمَاءُ اسْتِعْمَالُهُ وَجَمْعُهُ وَدَفْعُهُ لَهُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ فِيهِ نَظَرٌ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ الثَّانِي، وَلَوْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا فَلْيُرَاجَعْ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَمَا مَرَّ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ عَطَشُهُ مُجَوِّزًا لِبَذْلِ الْمَاءِ لَهُ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ الِاحْتِرَامُ فِي مَالِكِ الْمَاءِ أَيْضًا أَوْ لَا فَيَكُونُ أَحَقَّ بِمَائِهِ، وَإِنْ كَانَ مُهْدَرًا لِزِنَاهُ مَعَ إحْصَانِهِ أَوْ غَيْرِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّا مَعَ ذَلِكَ لَا نَأْمُرُهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهَا وَيُفَارِقُ مَا يَأْتِي فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ بِقُدْرَةِ ذَاكَ عَلَى التَّوْبَةِ وَهِيَ تُجَوِّزُ تَرَخُّصَهُ وَتَوْبَةُ هَذَا لَا تَمْنَعُ إهْدَارَهُ نَعَمْ إنْ كَانَ إهْدَارُهُ يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ كَتَرْكِهِ الصَّلَاةَ بِشَرْطِهِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ كَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِمَائِهِ إلَّا إنْ تَابَ إلَّا أَنَّ الزَّرْكَشِيَّ اسْتَشْكَلَ اسْتَشْكَلَ عَدَمَ حِلِّ بَذْلِ الْمَاءِ لِغَيْرِ الْمُحْتَرَمِ بِأَنَّ عَدَمَ احْتِرَامِهِ لَا يُجَوِّزُ عَدَمَ سَقْيِهِ، وَإِنْ قَتَلَ شَرْعًا؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ بِأَنْ يُسْلَكَ أَسْهَلُ طُرُقِ الْقَتْلِ وَلَيْسَ الْعَطَشُ وَالْجُوعُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ أَنَّمَا يَجِبُ أَنْ لَوْ مَنَعْنَاهُ الْمَاءَ مَعَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لِلطُّهْرِ أَمَّا مَعَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فَلَا مَحْذُورَ فِي مَنْعِهِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ فِي الْجَوَابِ (فَرْعٌ)
ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ نَحْوِ ثَمَنِ الْمَاءِ فَاضِلًا عَنْ مُؤْنَةِ حَيَوَانِهِ الْمُحْتَرَمِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ الْحَيَوَانِ أَوْ لَا، وَقَدْ قَيَّدُوا الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ بِالْمُحْتَاجِ إلَيْهِمَا فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ أَقُولُ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَانِعَ هُنَا خَوْفُ هَلَاكِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ اتَّحَدَ الْحَيَوَانُ أَوْ تَعَدَّدَ وَالْكَلَامُ ثَمَّ فِيمَا لَوْ احْتَاجَ لِبَيْعِ الْخَادِمِ وَالْمَسْكَنِ لِطَهَارَتِهِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُ سم أَنَّهُ لَوْ كَانَ
(1/205)
وَالْعَطَشُ الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ مُعْتَبَرٌ بِالْخَوْفِ الْمُعْتَبَرِ فِي السَّبَبِ الْآتِي وَلِلْعَطْشَانِ أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ مَالِكِهِ قَهْرًا بِبَذْلِهِ أَنْ يَبْذُلَهُ.
(وَ) ثَالِثُهَا (خَوْفُ مَحْذُورٍ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمَاءِ مُطْلَقًا أَوْ الْمَعْجُوزُ عَنْ تَسْخِينِهِ (كَمَرَضٍ وَبُطْءِ بَرْءٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا (وَزِيَادَةُ أَلَمٍ وَشَيْنٌ فَاحِشٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مَعَهُ حَيَوَانَاتٌ زَائِدَةٌ عَلَى حَاجَتِهِ وَأَمْكَنَ بَيِّعُهَا لِمَنْ يَسْقِيهَا لَا يُكَلَّفُ بَيْعُهَا بَلْ يَسْقِيهَا مَا يَحْتَاجُ إلَى طَهَارَتِهِ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ فَيَأْتِي الْإِشْكَالُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إنْ فُرِضَ ذَلِكَ كُلِّفَ بَيْعَهُ وَيَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ فِي الطَّهَارَةِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ مِنْ أَفْرَادِ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَاءِ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهَذَا مِنْهُ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ مُعْتَبَرٌ بِالْخَوْفِ إلَخْ) أَيْ مُعْتَبَرٌ فِيهِ الْخَوْفُ أَيْ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْخَوْفُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِ الْآتِي أَيْ ضَابِطُ الْعَطَشِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ أَنْ يَخَافَ مِنْهُ مَحْذُورًا كَمَرَضٍ وَبُطْءِ بُرْءٍ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي اهـ شَيْخُنَا، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا يَشْرَبُهُ إلَّا بَعْدَ إخْبَارِ طَبِيبٍ عَدْلٍ بِأَنَّ عَدَمَ الشُّرْبِ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مَحْذُورٌ تَيَمَّمَ اهـ ع ش عَلَى م ر وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَيُعْتَبَرُ فِي الْحَاجَةِ لِلْعَطَشِ مَا يَأْتِي فِي خَوْفِ الْمَرَضِ مِنْ قَوْلِ طَبِيبٍ عَدْلٍ عَلَى مَا يَأْتِي وَمُقْتَضَى ذَلِكَ عَدَمُ جَوَازِهِ، وَلَوْ مَعَ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً خُصُوصًا مَعَ عَدَمِ وُجُودِ طَبِيبٍ وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى وَمَحَاسِنُ الشَّرِيعَةِ تَأْبَى ذَلِكَ صِيَانَةً لِلرُّوحِ فَهُوَ كَالِاضْطِرَارِ (فَرْعٌ)
يُقَدَّمُ فِي الْحَاجَةِ إلَى الْمَاءِ الْعَطْشَانُ، ثُمَّ الْمَيِّتُ، ثُمَّ أَسْبَقُ الْمَيِّتِينَ، ثُمَّ الْمُتَنَجِّسُ، ثُمَّ الْحَائِضُ، ثُمَّ النُّفَسَاءُ، ثُمَّ الْجُنُبُ، ثُمَّ الْمُحْدِثُ نَعَمْ إنْ كَفَى الْمُحْدِثَ دُونَ الْجُنُبِ قُدِّمَ وَإِذَا اسْتَوَى اثْنَانِ قُدِّمَ بِالرَّحِمِ، ثُمَّ بِالْأَفْضَلِيَّةِ، ثُمَّ بِالْقُرْعَةِ نَعَمْ إنْ كَفَى أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُدِّمَ الْأَوَّلُ عَلَى نَظِيرِ مَا قَبْلَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْعَطْشَانِ أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ مَالِكِهِ) أَيْ الْغَيْرِ الْعَطْشَانِ وَلَهُ مُقَاتَلَتُهُ وَيُهْدَرُ الْمَالِكُ اهـ ح ل. وَمِثْلُ عَطَشِ الْمَالِكِ عَطَشُ آدَمِيٍّ مَعَهُ مُحْتَرَمٍ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ كَمَا فِي الْأَمْدَادِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَبْذُلْهُ لَهُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ بَذَلَ كَنَصَرَ لَا مِنْ أَبْذَلَ، فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى هَلَاكِهِ كَانَ هَدَرًا؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِمَنْعِهِ أَوْ إلَى إهْلَاكِ الظَّامِي كَانَ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ، وَلَوْ احْتَاجَ مَالِكُ مَاءٍ إلَيْهِ مَآلًا وَثَمَّ مَنْ يَحْتَاجُهُ حَالًا لَزِمَهُ بَذْلُهُ لَهُ لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِ وَمَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ حَاجَةَ غَيْرِهِ لَهُ مَآلًا لَزِمَهُ التَّزَوُّدُ لَهُ إنْ قَدَرَ وَإِذَا تَزَوَّدَ لِلْمَآلِ، ثُمَّ فَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَإِنْ سَارُوا عَلَى الْعَادَةِ، وَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَالْقَضَاءُ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ أَيْ لَمَّا كَانَتْ تَكْفِيهِ تِلْكَ الْفَضْلَةُ بِاعْتِبَارِ عَادَتِهِ الْغَالِبَةِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ يَجِبُ قَضَاءُ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي صَلَّاهَا لَا لِمَا تَكْفِيهِ تِلْكَ الْفَضْلَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ وَوَجْهُهُ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا فُعِلَتْ وَمَعَهُمْ مَاءٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَاسْتَقَرَّ بِهِ الْعَلَّامَةُ سم اهـ بِرْمَاوِيٌّ، وَكَذَا اسْتَقَرَّ بِهِ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ وَخَوْفُ مَحْذُورٍ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ) شَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِالْخَوْفِ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ كَأَنْ قَالَ لَهُ الْعَدْلُ قَدْ يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ اهـ ع ش عَلَى م ر.
وَفِي الْمِصْبَاحِ يُقَالُ حَذِرَ الشَّيْءَ إذَا خَافَهُ فَالشَّيْءُ مَحْذُورٌ أَيْ مَخُوفٌ وَحَذَّرْته الشَّيْءَ بِالتَّثْقِيلِ فِي التَّعَدِّيَةِ أَيْ خَوَّفْته اهـ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ قَدَرَ عَلَى تَسْخِينِهِ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ أَوْ الْمَعْجُوزُ عَنْ تَسْخِينِهِ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يُسَخِّنُهُ بِهِ وَجَبَ تَسْخِينُهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَكَذَا يَجِبُ تَحْصِيلُ مَا يُسَخِّنُهُ بِهِ إنْ عَلِمَ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ اهـ سم وَخَرَجَ بِالتَّسْخِينِ التَّبْرِيدُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ انْتِظَارُهُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّبْرِيدَ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ التَّسْخِينِ اهـ ع ش قَالَ شَيْخُنَا ح ف وَهُوَ الَّذِي تَلَقَّيْنَاهُ خِلَافًا لَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا اهـ وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَيَجْرِي هُنَا فِيمَا يُسَخَّنُ بِهِ مَا مَرَّ فِي طَلَبِ الْمَاءِ مِنْ الْحُدُودِ السَّابِقَةِ وَأَحْوَالِهَا. (قَوْلُهُ وَبُطْءُ بُرْءٍ) أَيْ طُولُ مُدَّتِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ قَدْرُ وَقْتِ صَلَاةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَقَلُّهُ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَقَلُّهُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا) أَيْ فِيهِمَا فَهِيَ أَرْبَعُ لُغَاتٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَقُولُ بَرِئَ بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ بَرْءًا بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا وَمَفْتُوحُ الْبَاءِ أَفْصَحُ وَهُوَ مَصْدَرٌ لِلْمَفْتُوحِ أَيْضًا. وَأَمَّا الْمَضْمُومُ فَهُوَ مَصْدَرٌ لِلْمَضْمُومِ وَالْمَكْسُورِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ بَرَأَ مِنْ الْمَرَضِ يَبْرَأُ مِنْ بَابَيْ نَفَعَ وَتَعِبَ وَبَرُأَ بَرْءًا مِنْ بَابِ قَرُبَ لُغَةٌ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا بَطُؤَ بُطْأً مِنْ بَابِ قَرُبَ اهـ وَمِثْلُهُ الْمُخْتَارُ اهـ. (قَوْلُهُ وَزِيَادَةُ أَلَمٍ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً بِخِلَافِ أَلَمٍ يَسِيرٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ اهـ حَجّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْأَلَمِ أَوْ زِيَادَتِهِ مُبِيحَةً بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُصُولُهُ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ بِسَبَبِ الْجُرْحِ وَبَيْنَ كَوْنِ الْأَلَمِ يَنْشَأُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَمْ يَكُنْ حَاصِلًا قَبْلُ، لَكِنْ فِي سم مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَزِيَادَةُ أَلَمٍ كَذَا فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ كَذَا قَالَاهُ وَلَا يُبِيحُهُ التَّأَلُّمُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِجُرْحٍ أَوْ بَرْدٍ لَا يَخَافُ مِنْ
(1/206)
فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ) لِلْعُذْرِ وَلِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَالشَّيْنُ الْأَثَرُ الْمُسْتَكْرَهُ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنٍ وَنُحُولٍ وَاسْتِحْشَافٍ وَثُغْرَةٍ تَبْقَى وَلَحْمَةٍ تَزِيدُ وَالظَّاهِرُ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمَهْنَةِ غَالِبًا كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ، وَذَكَرَ فِي الْجِنَايَاتِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَا لَا يُعَدُّ كَشْفُهُ هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ وَخَرَجَ بِالْفَاحِشِ الْيَسِيرُ كَقَلِيلِ سَوَادٍ وَبِالظَّاهِرِ الْفَاحِشُ فِي الْبَاطِنِ فَلَا أَثَرَ لِخَوْفِ ذَلِكَ وَيُعْتَمَدُ فِي خَوْفِ مَا ذُكِرَ قَوْلُ عَدْلٍ فِي الرِّوَايَةِ وَذِكْرُ زِيَادَةِ الْأَلَمِ مِنْ زِيَادَتِي وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَا ذَكَرَهُ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ الْأَسْبَابَ ثَلَاثَةٌ هُوَ مَا فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَهَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الِاسْتِعْمَالِ مَعَهُ مَحْذُورًا فِي الْعَاقِبَةِ اهـ وَالتَّأَلُّمُ بِالِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْشَأَ أَلَمٌ مِنْهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ بِخِلَافِ التَّأَلُّمِ النَّاشِئِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فَتَدَبَّرْ.
وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ وَزِيَادَةُ الْعِلَّةِ وَهِيَ إفْرَاطُ الْأَلَمِ انْتَهَتْ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ لِلْعُذْرِ إلَخْ) إنَّمَا قَدَّمَ الْعُذْرَ عَلَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ وَالْعُذْرَ عَامٌّ فَلِهَذَا قَدَّمَهُ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ وَنُحُولٌ وَاسْتِحْشَافٌ) أَيْ، وَإِنْ قَلَّا اهـ ع ش وَالنُّحُولُ هُوَ الْهُزَالُ مَعَ طَرَاوَةِ الْبَدَنِ وَالِاسْتِحْشَافُ هُوَ الْهُزَالُ مَعَ يُبُوسَتِهِ اهـ شَيْخُنَا.
وَفِي الْمِصْبَاحِ نَحَلَ الْجِسْمُ يَنْحَلُ نُحُولًا سَقِمَ، وَمِنْ بَابِ تَعِبَ وَأَنْحَلَهُ الْهَمُّ بِالْأَلِفِ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا وَاسْتَحْشَفَتْ الْأُذُنُ يَبِسَتْ وَاسْتُحْشِفَ الْأَنْفُ يَبِسَ غُضْرُوفُهُ فَعَدَمُ الْحَرَكَةِ الطَّبِيعِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَثُغْرَةٌ تَبْقَى وَلَحْمَةٌ تَزِيدُ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ صَغُرَ كُلٌّ مِنْ اللَّحْمَةِ وَالثُّغْرَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِهِمَا فِي الْعُضْوِ يُورِثُ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ بَلْ إنْ كَانَ فَاحِشًا تَيَمَّمَ أَوْ يَسِيرًا فَلَا وَالْوَاوُ فِي الْجَمِيعِ بِمَعْنَى أَوْ وَبِهَا عَبَّرَ حَجّ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ عِنْدَ الْمَهْنَةِ) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ الْمَهْنَةُ بِالْفَتْحِ الْخِدْمَةُ وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ وَالْكِسَائِيُّ الْمِهْنَةَ بِالْكَسْرِ وَأَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَفِي الْقَامُوسِ الْمِهْنَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَالتَّحْرِيكِ وَكَكِلْمَةٍ الْحِذْقُ بِالْخِدْمَةِ وَالْعَمَلُ مَهَنَهُ كَمَنَعَهُ وَنَصَرَهُ مَهْنًا وَمِهْنَةً وَيُكْسَرُ خَدَمَهُ وَضَرَبَهُ، ثُمَّ قَالَ وَأَمْهَنَهُ وَامْتَهَنَهُ اسْتَعْمَلَهُ لِلْمَهْنَةِ فَامْتَهَنَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ اهـ ع ش عَلَى م ر فَفِيهَا اللُّغَاتُ الْأَرْبَعُ فِي نَحْوِ مَعِدَةٍ وَحَاصِلُ الْأَرْبَعَةِ مَهْنَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ سُكُونِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا وَمِهْنَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَعَ سُكُونِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ) أَيْ الرَّافِعِيُّ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَقَالَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ مُسْتَحِقِّ الدَّمِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَلَوْ أَزَالَ طَرَفًا ظَاهِرًا حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ مَا يُعْتَادُ سَتْرُهُ مُرُوءَةً وَبِالظَّاهِرِ غَيْرُهُ اهـ. (قَوْلُهُ هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْكَسْرُ لَحْنٌ كَذَا بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ وَضَبَطَهَا فِي الْمُخْتَارِ بِضَمِّ الْمِيمِ بِضَبْطِ الْقَلَمِ، وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَنِ الْمُرُوءَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَبِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ مَعَ إبْدَالِهَا وَاوًا مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ، وَقَالَ الْمَوْلَى شِهَابٌ فِي شَرْحِ الشِّفَاء الْمُرُوءَةُ فُعُولَةٌ بِالضَّمِّ مَهْمُوزٌ، وَقَدْ تُبْدَلُ هَمْزَتُهُ وَاوًا وَتُدْغَمُ وَتُسَهَّلُ بِمَعْنَى الْمَلَكَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَرْءِ وَهُوَ تَعَاطِي الْمَرْءِ مَا يُسْتَحْسَنُ وَتَجَنُّبُهُ مَا يُسْتَرْذَلُ كَالْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ وَالْمُلَابِسِ الْخَسِيسَةِ وَالْجُلُوسِ فِي الْأَسْوَاقِ وَفِي تَقْرِيبِ التَّقْرِيبِ مَرُأَ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ مُرُوءَةً كَسُهُولَةٍ، وَقَدْ تُسَهَّلُ وَتُشَدَّدُ وَاوُهُ أَيْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ وَالْبَاءَ إذَا زِيدَتَا وَوَقَعَ بَعْدَهُمَا هَمْزَةٌ أُبْدِلَتْ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا وَاوًا أَوْ يَاءً، ثُمَّ تُدْغَمُ فِيهَا الْوَاوُ أَوْ الْيَاءُ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُرُوءَةُ آدَابٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَحْمِلُ مُرَاعَاتُهَا الْإِنْسَانَ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَجَمِيلِ الْعَادَاتِ وَهِيَ الْآنَ قَلِيلَةٌ أَوْ مَعْدُومَةٌ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ
مَرَرْت عَلَى الْمُرُوءَةِ وَهْيَ تَبْكِي ... فَقُلْت عَلَامَ تَنْتَحِبُ الْفَتَاةُ
فَقَالَتْ كَيْفَ لَا أَبْكِي وَأَهْلِي ... جَمِيعًا دُونَ خَلْقِ اللَّهِ مَاتُوا
(قَوْلُهُ وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ الَّذِي لَا يُعَدُّ كَشْفُهُ هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ هُوَ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمَهْنَةِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ فَلَا أَثَرَ لِخَوْفِ ذَلِكَ) وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْمُتَطَهِّرِ قَدْ يَكُونُ رَقِيقًا، وَلَوْ أَمَةً حَسْنَاءَ فَتَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ نَقْصًا فَاحِشًا وَيُفَارِقُ عَدَمُ وُجُوبِ بَذْلِ فَلْسٍ زَائِدٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِ الْمَاءِ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ الْخُسْرَانَ ثَمَّ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِهِ هُنَا وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ تَحَقُّقِ النَّقْصِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ أَيْضًا، وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَلَيْسَ فِي مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِشْكَالَ فِيهِ أَيْضًا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرْنَاهُ هُنَا بِالِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ تَحَقَّقَ نَقْصٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ تَعَالَى بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَلَمْ نَعْتَبِرْ حَقَّ السَّيِّدِ بِدَلِيلٍ مَا لَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ، فَإِنَّا نَقْتُلُهُ بِهِ، وَإِنْ فَاتَ حَقُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ بَذْلِ الزِّيَادَةِ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ مَا أَطْلَقُوهُ بِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ تَأْثِيرِ الْقَلِيلِ فِي الظَّاهِرِ وَالْكَثِيرِ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فِي الظَّاهِرِ فَأَنَاطُوا الْحُكْمَ بِالْغَالِبِ فِيهِمَا، وَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى خِلَافِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَذْلِ زَائِدٍ عَلَى الثَّمَنِ بِأَنَّ هَذَا يُعَدُّ غَبْنًا فِي الْمُعَامَلَةِ وَلَا يَسْمَحُ بِهَا أَهْلُ الْعَقْلِ كَمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَشُحُّ فِيهَا بِالتَّافِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْكَثِيرِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ ذَاكَ عَقْلِي، وَهَذَا جُودِي اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ وَيَعْتَمِدُ فِي خَوْفِ مَا ذُكِرَ إلَخْ) ، وَكَذَا يَعْمَلُ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ عَارِفًا بِالطَّلَبِ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا بِخِلَافِ تَجْرِبَةِ نَفْسِهِ لَا يَعْمَلُ بِهَا اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ ز ي قَوْلُهُ قَوْلُ عَدْلٍ فِي الرِّوَايَةِ
(1/207)
سَبْعَةٌ وَكُلُّهَا فِي الْحَقِيقَةِ تَرْجِعُ إلَى فَقْدِ الْمَاءِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا.
(وَإِذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ الْمَاءِ (فِي عُضْوٍ) لِعِلَّةِ (وَجَبَ تَيَمُّمٌ) لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعُضْوُ عَنْ طُهْرٍ وَيُمِرُّ التُّرَابَ مَا أَمْكَنَ عَلَى الْعِلَّةِ إنْ كَانَتْ بِمَحِلِّ التَّيَمُّمِ (وَ) وَجَبَ (غَسْلُ صَحِيحٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْعُضْوِ سَاتِرٌ كَلَصُوقٍ يُخَافُ مِنْ نَزْعِهِ مَحْذُورًا أَمْ لَا لِخَبَرِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَيَتَلَطَّفُ فِي غَسْلِ الصَّحِيحِ الْمُجَاوِرِ لِلْعَلِيلِ بِوَضْعِ خِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ بِقُرْبِهِ وَيَتَحَامَلُ عَلَيْهَا لِيَنْغَسِلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِالطِّبِّ، فَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِهِ، فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ، وَلَمْ يَجِدْ طَبِيبًا وَخَافَ مَحْذُورًا فَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَخَالَفَهُ الْبَغَوِيّ فَأَفْتَى بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، ثُمَّ يُعِيدُ إذَا وَجَدَ الْمُخْبِرَ وَأَخْبَرَهُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ أَوْ بِعَدَمِهِ انْتَهَتْ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ عَدْلٌ فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِي لَمْ يُرْتَكَبْ كَبِيرَةً، وَلَمْ يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَكَالْعَدْلِ فَاسِقٌ، وَلَوْ كَافِرًا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ وَيَعْمَلُ بِمَعْرِفَتِهِ لِنَفْسِهِ إنْ عَرَفَ الطِّبَّ مُطْلَقًا وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا م ر عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّجْرِبَةِ وَاكْتَفَى بِهَا الْإِسْنَوِيُّ وحج وَغَيْرُهُمَا وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَهُوَ الْوَجْهُ كَمَا فِي جَوَازِ الْعُدُولِ إلَى الْمَيْتَةِ مَعَ الْخَوْفِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الظَّاهِرِ فِي الْمُضْطَرِّ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ لُزُومَ الصَّلَاةِ مُحَقَّقٌ لَا يُجْدِي نَفْعًا وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْخَوْفِ اتِّفَاقًا وَلَا بُدَّ مِنْ سُؤَالِ الطَّبِيبِ فِي كُلِّ وَقْتٍ اُحْتُمِلَ فِيهِ عَدَمُ الضَّرَرِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الطَّبِيبُ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لَزِمَهُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَهُ بِجَوَازِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا فَرَاجِعْهُ اهـ.
(فَرْعٌ)
لَوْ امْتَنَعَ الْعَدْلُ مِنْ الْإِخْبَارِ إلَّا بِأُجْرَةٍ وَجَبَ دَفْعُهَا لَهُ إنْ كَانَ فِي الْإِخْبَارِ كُلْفَةٌ كَأَنْ احْتَاجَ فِي إخْبَارِهِ إلَى سَعْيٍ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْمَرِيضِ أَوْ لِتَفْتِيشِ كُتُبٍ لِيُخْبِرَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ كَأَنْ حَصَلَ مِنْهُ الْجَوَابُ بِكَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ لَمْ يَجِبْ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا بِلَا عَقْدٍ تَبَرُّعًا جَازَ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ أَوْ كَافِرٌ لَا يَأْخُذُ بِخَبَرِهِ، فَإِنْ غَلَبَ ظَنَّهُ صِدْقُهُ عَمِلَ بِهِ وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ أَخْبَارُ عُدُولٍ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْأَوْثَقِ وَالْأَكْثَرِ عَدَدًا أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْمِيَاهِ فَلَوْ اسْتَوَوْا وُثُوقًا وَعَدَالَةً تَسَاقَطُوا وَكَانَ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ مُخْبِرًا فَيَأْتِي فِيهِ كَلَامُ السِّنْجِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قِيلَ بِتَقْدِيمِ خَبَرِ مَنْ أَخْبَرَ بِالضَّرَرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَرَضُ مَضْبُوطًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى مُرَاجَعَةِ الطَّبِيبِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَمِنْ التَّعَارُضِ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ يَعْرِفُ الطِّبَّ مِنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ آخَرُ بِخِلَافِ مَا يَعْرِفُهُ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ سَبْعَةٌ) وَنَظَمَهَا صَاحِبُ الطِّرَازِ الْمُذَهَّبِ فَقَالَ
يَا سَائِلِي أَسْبَابَ حِلِّ تَيَمُّمٍ ... هِيَ سَبْعَةٌ لِسَمَاعِهَا تَرْتَاحُ
فَقْدٌ وَخَوْفٌ حَاجَةٌ إضْلَالُهُ ... مَرَضٌ يَشُقُّ جَبِيرَةٌ وَجِرَاحُ
وَعَدَّهَا الشَّارِحُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَكُلُّهَا فِي الْحَقِيقَةِ) أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا ثَلَاثَةٌ أَوْ سَبْعَةٌ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ وَإِذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ انْتَفَى وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ أَيْ الْمَاءِ مَعْنَاهُ أَوْ حَرُمَ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالْمُرَادُ بِالِامْتِنَاعِ امْتِنَاعُ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَحْرِيمَهُ أَيْضًا عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنِّ حُصُولِ الْمَحْذُورِ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ فَالِامْتِنَاعُ عَلَى بَابِهِ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنٍّ إلَخْ أَفْهَمَ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ مَا ذَكَرَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا اقْتَضَاهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْخَوْفِ وَحِينَئِذٍ فَحَيْثُ أَخْبَرَهُ الطَّبِيبُ بِأَنَّ الْغَالِبَ حُصُولُ الْمَرَضِ حَرُمَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِمُجَرَّدِ الْخَوْفِ لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ بَلْ يَجُوزُ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فِي عُضْوٍ) الْمُرَادُ بِالْعُضْوِ هُنَا الْجُزْءُ مِنْ الْبَدَنِ لِيَشْمَلَ نَحْوَ الصَّدْرِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ الْآتِي، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إلَخْ اهـ شَيْخُنَا.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْعُضْوُ كُلُّ عَظْمٍ وَافِرٍ مِنْ الْجَسَدِ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَضَمُّ الْعَيْنِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا وَالْجَمْعُ أَعْضَاءٌ وَعَضَّيْت الذَّبِيحَةَ بِالتَّشْدِيدِ جَعَلْتهَا أَعْضَاءً اهـ. (قَوْلُهُ وَجَبَ تَيَمُّمٌ) لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَجَبَ تَقْدِيمُ غَسْلِ الصَّحِيحِ عَلَى التَّيَمُّمِ لِأَجْلِ مَفْهُومِ قَوْلِهِ لَا تَرْتِيبَ لِنَحْوِ جُنُبٍ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ الْمُحْدِثَ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بِأَنْ يُقَدِّمَ غَسْلَ الصَّحِيحِ تَأَمَّلْ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ أَيْضًا وَجَبَ تَيَمُّمٌ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ وَجَبَ التَّيَمُّمُ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ وَعَرَّفَ التَّيَمُّمَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إشَارَةً لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يُمِرُّ التُّرَابَ عَلَى الْمَحِلِّ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعُضْوُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر لِئَلَّا يَبْقَى مَحَلُّ الْعِلَّةِ بِلَا طُهْرٍ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ وَيُمِرَّ التُّرَابَ) مَعْطُوفٌ عَلَى تَيَمُّمٍ مِنْ قَوْلِهِ وَجَبَ تَيَمُّمٌ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ، وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفَ إلَخْ فَحِينَئِذٍ تُفِيدُ الْعِبَارَةُ وُجُوبَ الْإِمْرَارِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ كَلَصُوقٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجِرَاحَةُ مِنْ خِرْقَةٍ وَقُطْنَةٍ وَنَحْوِهِمَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَلَهُ وَلِمَحِلِّهِ حُكْمُ الْجَبِيرَةِ وَهِيَ أَلْوَاحٌ تُهَيَّأُ لِلْكَسْرِ وَالِانْخِلَاعِ تُجْعَلُ عَلَى مَوْضِعِهِ اهـ مَحَلِّيٌّ. (قَوْلُهُ وَيُتَلَطَّفُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ
(1/208)
بِالْمُتَقَاطَرِ مِنْهَا مَا حَوَالَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ إلَيْهِ (وَ) وَجَبَ (مَسْحُ كُلِّ السَّاتِرِ) إنْ كَانَ (إنْ لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ بِمَاءٍ) لَا بِتُرَابٍ اسْتِعْمَالًا لِلْمَاءِ مَا أَمْكَنَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ مَسْحُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ كَالتَّيَمُّمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَوْ الْمَفْعُولِ، وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي وَيَتَحَامَلُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ بِالْمُتَقَاطَرِ) بِفَتْحِ الطَّاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَسْرَ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ إمَّا لَازِمٌ أَصَالَةً كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَوْ مُطَاوِعٌ لِلْمُتَعَدِّي لِوَاحِدٍ. (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ إلَيْهِ) ، فَإِنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ إلَّا بِالسَّيَلَانِ إلَى الْعَلِيلِ أَمَسَّهُ الْمَاءَ مِنْ غَيْرِ إفَاضَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ غَسْلًا اهـ ح ل، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِمْسَاسُ صَلَّى كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَأَعَادَ اهـ ع ش وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضَعَ سَاتِرًا عَلَى الْعَلِيلِ لِيَمْسَحَ عَلَى السَّاتِرِ، إذْ الْمَسْحُ رُخْصَةٌ فَلَا يُنَاسِبُهَا وُجُوبُ ذَلِكَ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ وَمَسْحُ كُلِّ السَّاتِرِ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَكْفِي مَسْحُ بَعْضِهِ فَقَوْلُهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ مَسْحُ الْكُلِّ إلَخْ غَرَضُهُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الضَّعِيفِ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَلَا يُجْزِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ السَّاتِرِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لِضَرُورَةِ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ فَيَجِبُ فِيهِ التَّعْمِيمُ كَالْمَسْحِ فِي التَّيَمُّمِ، وَقِيلَ يَكْفِيهِ مَسْحُ بَعْضِهِ كَالْخُفِّ وَالرَّأْسِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّأْسِ بِأَنَّ فِي تَعْمِيمِهِ مَشَقَّةَ النَّزْعِ وَبَيْنَ الْخُفِّ بِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا، فَإِنَّ الِاسْتِيعَابَ يُبْلِيهِ انْتَهَتْ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ وَمَسْحُ كُلِّ السَّاتِرِ أَيْ إنْ كَانَ كُلُّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَالْأَلَمِ يَجِبُ مَسْحُ مَا حَاذَى الْخَارِجَ عَنْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَمَسْحُ كُلِّ السَّاتِرِ) أَيْ حَيْثُ أَخَذَ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَسْلِهِ أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا عَلَى إمْسَاسِهِ الْمَاءَ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ أَيْ بِأَنْ خَافَ مِنْ نَزْعِهِ الْمَحْذُورَ السَّابِقَ وَسَتَرَ مِنْ الصَّحِيحِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا لَمْ يَجِبْ مَسْحُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يُوضَعَ عَلَى طُهْرٍ كَامِلٍ وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهُ وَالْوَضْعُ عَلَى الطُّهْرِ إنْ أَمْكَنَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ مَسَحَ وَقَضَى اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ أَيْ بِأَنْ شَقَّ عَلَيْهِ نَزْعُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَبَ كَأَنْ وَضَعَ عَلَى حَدَثٍ وَتَعَذَّرَ نَزْعُهُ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ وَيُشْتَرَطُ فِي الْجَبِيرَةِ لِيَكْتَفِيَ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْجَبِيرَةَ إذَا وُضِعَتْ عَلَى طُهْرٍ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ أَوْ عَلَى حَدَثٍ وَجَبَ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ إلَخْ جَعَلَ الْإِسْنَوِيُّ ذَلِكَ شَرْطًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَالْمَسْحُ عَلَيْهَا وَاقِعٌ عَمَّا أَخَذَتْهُ مِنْ الصَّحِيحِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ بِأَخْذِ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ وَبِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا وَأَتْبَاعُهُ وَيُمْكِنُ تَنْزِيلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ لِيُكْتَفَى أَيْ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ خِلَافُهُ وَأَنَّ الْمَسْحَ لَمْ يَقَعْ عَنْ الْجُزْءِ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ بَلْ إنْ قَدَرَ عَلَى نَزْعِ السَّاتِرِ عَنْهُ وَغَسْلِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى عَدَمِ الطَّهَارَةِ فَصَلَاتُهُ مَعَهُ كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ لِذَلِكَ لَا لِعَدَمِ وَضْعِ الْجَبِيرَةِ عَلَى طُهْرٍ فَتِلْكَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَسَيَأْتِي إلَخْ.
(تَنْبِيهٌ)
عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ الْعَلِيلِ فَقَطْ وَأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَمَّا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ مِنْ الصَّحِيحِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَحْدَهُ أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا سَقَطَ الْمَسْحُ وَأَنَّ الْمَسْحَ رَافِعٌ كَالْغَسْلِ، وَإِنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِالتُّرَابِ، وَإِنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ اهـ ق ل عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ أَيْضًا وَمَسَحَ كُلَّ السَّاتِرِ) أَيْ، وَإِنْ أَصَابَهُ دَمٌ مِنْ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَإِنْ اخْتَلَطَ الدَّمُ بِالْمَاءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ عَلَى دَفْعِ مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ كَوُجُوبِ تَنَحْنُحِ مُصَلِّي الْفَرْضِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ دَمٌ إلَخْ عِبَارَةُ حَجّ، وَلَوْ نَفَذَ إلَيْهِ نَحْوُ دَمِ الْجُرْحِ وَعَمَّهُ عُفِيَ عَنْ مُخَالَطَةِ مَاسِحِهِ لَهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ اخْتِلَاطِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ يَحْتَاجُ إلَى مُمَاسَّتِهِ لَهُ اهـ ع ش عَلَيْهِ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَيُعْفَى عَنْ الدَّمِ عَلَيْهَا، وَإِنْ اخْتَلَطَ بِمَاءِ الْمَسْحِ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا فَلَوْ جَمَدَ الدَّمُ عَلَى الْعِلَّةِ حَتَّى صَارَ كَالْجَبِيرَةِ وَجَبَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَكَفَى اهـ. (قَوْلُهُ لَا بِتُرَابٍ) نَعَمْ يُسَنُّ كَسَتْرِ الْجُرْحِ لِيَمْسَح عَلَيْهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ اهـ حَجّ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ وَاحْتَرَزَ بِالْمَاءِ عَنْ التُّرَابِ فَلَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِهِ إذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ انْتَهَتْ أَيْ بَلْ يُنْدَبُ إذَا كَانَ مَعَهُ مَسْحٌ بِالْمَاءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي اهـ ق ل عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَ مَسْحُ الْكُلِّ) أَيْ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْبَعْضِ كَالْخُفِّ.
وَتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ حَيْثُ كَانَ مُحَصَّلُهُ أَنَّ الَّذِي أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يَجِبُ فِيهِ التَّعْمِيمُ وَاَلَّذِي أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ لَا يَجِبُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ الْمُتَبَادِرَ لِلنَّظَرِ الْعَكْسَ اهـ شَيْخُنَا وَتَأَمَّلْنَا فَوَجَدْنَا الدَّلِيلَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْقِيَاسُ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ بَيَانٌ لِلْجَامِعِ فِيهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ
(1/209)
وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَحَلِّ الْعِلَّةِ بِالْمَاءِ (لَا تَرْتِيبَ) بَيْنَ الثَّلَاثَةِ (لِنَحْوِ جُنُبٍ) فَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا لِلْعِلَّةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فِي اسْتِعْمَالِ النَّاقِصِ، فَإِنَّهُ لِفَقْدِ الْمَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَقْدِهِ بَلْ الْأَوْلَى هُنَا تَقْدِيمُهُ لِيُزِيلَ الْمَاءُ أَثَرَ التُّرَابِ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا لِلْجُنُبِ وَخَرَجَ بِنَحْوِ الْجُنُبِ الْمُحْدِثُ فَيَتَيَمَّمُ وَيَمْسَحُ بِالْمَاءِ وَقْتَ دُخُولِ غَسْلِ عَلِيلِهِ رِعَايَةً لِتَرْتِيبِ الْوُضُوءِ (أَوْ) امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي (عُضْوَيْنِ فَتَيَمُّمَانِ) يَجِبَانِ وَكُلٌّ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَيُنْدَبُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ كَعُضْوٍ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَعْضَاءٍ فَثَلَاثُ تَيَمُّمَاتٍ أَوْ أَرْبَعَةٌ فَأَرْبَعَةٌ إنْ عَمَّتْ الْعِلَّةُ الرَّأْسَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مَسْحُ الْكُلِّ كَالتَّيَمُّمِ قِيَاسًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَسَحَ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَحَلِّ الْعِلَّةِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَاتِرٌ وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الْغَسْلُ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَسْحِ لَكِنَّهُ يُسَنُّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) أَيْ التَّيَمُّمِ وَغَسْلِ الصَّحِيحِ وَالْمَسْحِ عَلَى السَّاتِرِ وَالتَّرْتِيبُ بِأَنْ يُقَدِّمَ الْغَسْلَ عَلَى التَّيَمُّمِ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِنَحْوِ جُنُبٍ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ حَتَّى بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَمَسْحِ كُلِّ السَّاتِرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ الْوَاجِبَ عَلَى غَيْرِ الْجُنُبِ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالتَّيَمُّمِ فَقَطْ. وَأَمَّا التَّيَمُّمُ وَالْمَسْحُ فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَرْتِيبٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ مَجْمُوعِهَا وَيَكُونُ مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْجُنُبِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ فِي مَجْمُوعِ الثَّلَاثَةِ أَيْ بَعْضِهَا وَهُوَ الْغَسْلُ وَالتَّيَمُّمُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ لِنَحْوِ جُنُبٍ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ غَيْرَ الْجُنُبِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالتَّيَمُّمِ فَقَطْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ اهـ شَيْخُنَا ح ف وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ فِيمَا بَعْدُ وَخَرَجَ بِنَحْوِ الْجُنُبِ الْمُحْدِثُ فَيَتَيَمَّمُ وَيَمْسَحُ بِالْمَاءِ إلَخْ حَيْثُ أَتَى بِالْوَاوِ الدَّالَّةِ عَلَى مُطْلَقِ الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ بَيْنَهُمَا يَعْنِي بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ اهـ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ لِنَحْوِ جُنُبٍ) كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَمَأْمُورٍ بِغُسْلٍ مَنْدُوبٍ، وَمِنْ نَحْوِ الْجُنُبِ تَطْهِيرُ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ إذَا كَانَ هَذَا الْعُضْوُ فِيهِ غَسْلٌ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ غَسْلِ مَا يُغْسَلُ مِنْهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ وَمَسْحِ سَاتِرِهِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ) غَرَضُهُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا لِلْعِلَّةِ إلَخْ غَرَضُهُ بِهِ إبْدَاءُ فَارِقٍ فِي الْقِيَاسِ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الضَّعِيفُ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَرُدَّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ تَقْدِيمِ غَسْلِ الصَّحِيحِ كَوُجُوبِ تَقْدِيمِ مَاءٍ لَا يَكْفِيهِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا لِلْعِلَّةِ وَهِيَ مُسْتَمِرَّةٌ وَهُنَاكَ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَأَمَرَ بِاسْتِعْمَالِهِ أَوَّلًا لِيَصِيرَ عَادِمًا وَيُحْمَلُ النَّصُّ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِالتَّيَمُّمِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِيُذْهِبَ الْمَاءُ أَثَرَ التُّرَابِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ بَلْ الْأَوْلَى هُنَا تَقْدِيمُ إلَخْ) نَظَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِي مَسْحِ السَّاتِرِ هَلْ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ التَّيَمُّمِ كَالْغَسْلِ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الْأَوْلَى ذَلِكَ لَكِنْ إنْ فَعَلَ السُّنَّةَ مِنْ مَسْحِهِ بِالتُّرَابِ لِيُزِيلَهُ مَاءُ الْمَسْحِ حِينَئِذٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ اهـ سم عَلَى حَجّ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا لِجُنُبٍ) أَيْ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغَسْلِ وَعِبَارَتُهُ وَجَبَ التَّيَمُّمُ، وَكَذَا غَسْلُ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا لِلْجُنُبِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ فَيَتَيَمَّمُ وَيَمْسَحُ إلَخْ) لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَيَغْسِلُ الصَّحِيحَ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَيَمْسَحُ لِيُنَبِّهَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُرَادِ، وَإِنْ كَانَ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَقْتُ دُخُولِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ وَقْتَ دُخُولِ تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ أَعْنِي يَتَيَمَّمُ وَيَمْسَحُ وَقَوْلُهُ عَلِيلَهُ كَالْيَدَيْنِ مَثَلًا فَيَجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ غَسْلَ الْوَجْهِ عَلَى التَّيَمُّمِ عَنْهُمَا وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ غَسْلِ الصَّحِيحِ مِنْهُمَا وَالتَّيَمُّمِ عَنْهُمَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي الْوَجْهِ فَلَا تَرْتِيبَ هُنَا أَصْلًا فَمَحِلُّ كَوْنِ الْمُحْدِثِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغَسْلِ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي الَّذِي بَعْدَ الْوَجْهِ مَثَلًا اهـ عَشْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَوْ عُضْوَيْنِ فَتَيَمُّمَانِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ تَعُمَّ الْجِرَاحَةُ الْعُضْوَيْنِ وَإِلَّا كَفَى تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الثَّلَاثَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَعَدُّدَ التَّيَمُّمِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْغَسْلِ بِتَعَدُّدِ الْعُضْوِ، فَإِنْ سَقَطَ الْغَسْلُ عَنْ الْعُضْوَيْنِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ فَيَكْفِي تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إلَخْ) فَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ تَيَمَّمَ عَنْ الْوَجْهِ قَبْلَ الِانْتِقَالِ إلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ يَدَيْهِ قَبْلَ الِانْتِقَالِ لِمَسْحِ الرَّأْسِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ وَيُنْدَبُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَخْ) ، فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَغَسْلٍ صَحِيحٍ لِلْوَجْهِ أَوَّلًا جَازَ تَوَالِي تَيَمُّمَيْهِمَا فَلِمَ لَا يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ كَمَنْ عَمَّتْ الْجِرَاحَةُ أَعْضَاءَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا فِي طُهْرٍ تَحَتَّمَ فِيهِ التَّرْتِيبُ فَلَوْ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ حَصَلَ تَطْهِيرُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ عَنْ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِسُقُوطِ الْغَسْلِ اهـ ز ي وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ فَأَرْبَعَةٌ) وَلَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ نِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَكْرِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ إنْ عَمَّتْ الْعِلَّةُ الرَّأْسَ) أَيْ أَوْ بَقِيَ مَا يَسْتَمْسِكُ بِهِ السَّاتِرُ، فَإِنْ بَقِيَ مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ تَعَيَّنَ مَسْحُ بَعْضِهِ وَلَا يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ وَلَا مَسْحُ السَّاتِرِ؛ لِأَنَّ مَسْحَ الصَّحِيحِ يَرْفَعُ الْحَدَثَ مُطْلَقًا وَمَسْحَ السَّاتِرِ يَرْفَعُهُ إلَى الْبُرْءِ وَأَيْضًا كُلٌّ مِنْ مَسْحِ السَّاتِرِ وَالتَّيَمُّمِ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ إمْكَانِ مَسْحِ
(1/210)
وَإِنْ عَمَّتْ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا فَتَيَمُّمٌ وَاحِدٌ.
(وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرْضٍ آخَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الصَّحِيحِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ أَيْضًا إنْ عَمَّتْ الْعِلَّةُ الرَّأْسَ) أَيْ، وَلَمْ يَكُنَّ عَلَيْهَا سَاتِرٌ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَ قَدْرَ الِاسْتِمْسَاكِ كَفَاهُ مَسْحُ السَّاتِرِ بِالْمَاءِ وَلَا يَتَيَمَّمُ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا تَيَمَّمَ فَقَطْ اهـ سم بِالْمَعْنَى وَعِبَارَتُهُ.
(فَرْعٌ)
عَمَّتْ الْجِرَاحَةُ رَأْسَهُ إلَّا مِقْدَارَ مَا تَسْتَمْسِكُ بِهِ الْجَبِيرَةُ وَوَضَعَهَا بِحَيْثُ اسْتَتَرَ جَمِيعُ الرَّأْسِ عَلِيلُهُ، وَكَذَا صَحِيحُهُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ اسْتِمْسَاكِ الْجَبِيرَةِ فَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ يَمْسَحُ جَمِيعَ الْجَبِيرَةِ لِأَجْلِ طَهَارَةِ مَا تَحْتَهَا مِنْ صَحِيحِ الرَّأْسِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَسْحَ جَمِيعِهَا وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ الَّذِي تَحْتَهَا أَزْيَدَ مِمَّا يَكْفِي مَسْحُهُ عَنْ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي تَحْتَهَا مِقْدَارُ الْوَاجِبِ فَقَطْ وَجَبَ مَسْحُ جَمِيعِهَا؛ لِأَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الصَّحِيحِ إلَّا إذَا كَانَ لِجَمِيعِ الْجَبِيرَةِ لَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْبَدَلِ عَلَى الْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَمَّا أَوَّلًا فَلَا مَانِعَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَدَلَ لَا يَزِيدُ أَبَدًا بَلْ قَدْ يَزِيدُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَا تُسَلِّمُ الزِّيَادَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى السَّاتِرِ ضَعِيفٌ فَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ الْمَسْحِ الْمُجْزِئِ إلَّا أَنَّ ذَاكَ الْمِقْدَارَ أَقْوَى مِنْهُ فَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ الَّذِي هُوَ الْبَدَلُ لَيْسَ زَائِدًا، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهُ أَكْثَرَ، وَهَلْ يَكْفِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ لِلْعَلِيلِ مِنْ الرَّأْسِ وَهُوَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الْعَلِيلِ بِالْمَاءِ كَفَى يَتَّجِهُ الْآنَ عَدَمُ الْكِفَايَةِ وِفَاقًا لَمْ ر؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ فَرْضًا آخَرَ وَلَمْ يُحْدِثْ لَمْ يُعِدْ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ وَيُعِيدُ التَّيَمُّمَ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَقَائِمٌ مَقَامَ غَسْلِ الصَّحِيحِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَالَ، وَهَلْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِمَا تَحْتَهَا مِنْ عَلِيلِ الرَّأْسِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَوْ لَا يَجِبُ الَّذِي يَظْهَرُ الْآنَ سُقُوطُ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ الْعَلِيلِ وَالْعَلِيلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ يَكْفِي تَطْهِيرُ بَعْضِهِ، وَقَدْ حَصَلَ تَطْهِيرُ الصَّحِيحِ يُمْسَحُ جَمِيعُ الْجَبِيرَةِ؛ لِأَنَّ مَسْحَهَا طَهَارَةٌ لِلصَّحِيحِ كَمَا قَرَّرُوهُ.
وَقَدْ سُئِلَ م ر فِي دَرْسِهِ عَنْ ذَلِكَ فَبَادَرَ إلَى عَدَمِ سُقُوطِ التَّيَمُّمِ فَبُحِثَ مَعَهُ بِمَا ذُكِرَ فَتَوَقَّفَ، وَقَالَ لَا أَقُولُ الْآنَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ إنَّهُ عُرِضَ ذَلِكَ عَلَى شَيْخِنَا الطَّبَلَاوِيِّ فَجَزَمَ بِسُقُوطِ التَّيَمُّمِ، وَقَالَ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ وَعُرِضَ عَلَى شَيْخِنَا عَبْدِ الْحَمِيدِ فَوَافَقَهُ عَلَى عَدَمِ السُّقُوطِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ فَتَيَمُّمٌ وَاحِدٌ) ، فَإِنْ كَانَ عَلَى كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا سَاتِرٌ عَمَّهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ رَفْعِ السَّاتِرِ عَنْ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ تَيَمُّمِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ وَيُصَلِّي كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي لَكِنَّهُ يُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ اهـ شَرْحُ م ر وَانْظُرْ لَوْ عَمَّتْ الْعِلَّةُ الْوَجْهَ وَكَانَ عَلَيْهِ بِتَمَامِهِ سَاتِرٌ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ فِيهِ وَانْظُرْ هَلْ يَتَيَمَّمُ فِي الْيَدَيْنِ أَوْ لَا وَانْظُرْ أَيْضًا هَلْ يَغْسِلُ مَا عَدَا الْوَجْهَ أَوْ لَا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ عَمَّ السَّاتِرُ الْيَدَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبِرْمَاوِيِّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَإِذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي عُضْوٍ، وَمِنْهُ الْوَجْهُ فَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْيَدَيْنِ بِنِيَّةٍ عِنْدَ هُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرْضٍ آخَرَ إلَخْ) أَيْ وَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ فَرْضٍ آخَرَ وَهُوَ بِتَيَمُّمِهِ بِأَنْ لَمْ يُحْدِثْ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ لِذَلِكَ الْفَرْضِ وَيُعِيدُ تَيَمُّمًا وَاحِدًا، وَإِنْ تَعَدَّدَ التَّيَمُّمُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ طُهْرَهُ بَاقٍ، وَإِنَّمَا أَعَادَ هَذَا التَّيَمُّمَ الثَّانِيَ لِضَعْفِ الْأَوَّلِ عَنْ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ فَرْضًا آخَرَ وَإِذَا كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ وَنَوَى بِالتَّيَمُّمِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ هَلْ يَضُرُّ ذَلِكَ وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ الثَّانِيَ إلَّا إذَا أَضَافَهُ لِلْأَكْبَرِ أَوْ أَطْلَقَ حَرِّرْ. قُلْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُعْلَمُ حُكْمُهَا مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى النِّيَّةِ الْآتِي، وَإِنَّهُ يَضُرُّ مَا لَمْ يُضِفْهُ لِلْأَكْبَرِ أَوْ يُطْلِقْ اهـ ح ل، وَلَوْ رَفَعَ الْجَبِيرَةَ عَنْ مَوْضِعِ الْكَسْرِ فَوَجَدَهُ قَدْ انْدَمَلَ أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ الِانْدِمَالِ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا، وَلَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَرِئَ أَوْ لَا كَانْقِطَاعِ الْخُفِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ السَّاتِرَ لِتَوَهُّمِ الْبُرْءِ فَبَانَ خِلَافُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ وَلَعَلَّ صُورَةَ رَفْعِ السَّاتِرِ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الصَّحِيحِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ عَكْسُ صُورَةِ سُقُوطِ الْجَبِيرَةِ، إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهَا مَعَ وُجُوبِ غَسْلِ مَا ظَهَرَ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَلْحَظَ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ غَيْرُ مَلْحَظِ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ وَانْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا أَثَرَ لِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ الصَّحِيحِ فِي بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ الْعَلِيلِ، وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْ هَذَا الظُّهُورَ سَبَبًا لِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ بَلْ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَمَلْحَظُهُمَا مُخْتَلِفٌ كَمَا تَقَرَّرَ وَإِذَا تَحَقَّقَ الْبُرْءُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ كَانَ كَوُجْدَانِ الْمُتَيَمِّمِ الْمَاءَ فِي تَفْصِيلِهِ الْآتِي، وَلَوْ كَانَتْ لُصُوقًا تُنْزَعُ وَتُغَيَّرُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ فَحُكْمُهَا كَالْجَبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ.
بَلْ الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ عَلَى عُضْوَيْنِ فَرَفَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْأُخْرَى بِخِلَافِ مَاسِحِ الْخُفِّ
(1/211)
وَلَمْ يَحْدُثْ لَمْ يُعِدْ غَسْلًا وَ) لَا (مَسْحًا) بِالْمَاءِ لِبَقَاءِ طُهْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَفَّلُ بِهِ، وَإِنَّمَا أَعَادَ التَّيَمُّمَ لِضَعْفِهِ عَنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ، فَإِنْ أَحْدَثَ أَعَادَ غَسْلَ صَحِيحِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ وَتَيَمَّمَ عَنْ عَلِيلِهَا وَقْتَ غَسْلِهِ وَمَسَحَ السَّاتِرَ إنْ كَانَ بِالْمَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ تَيَمَّمَ لِحَدَثِهِ الْأَكْبَرِ وَتَوَضَّأَ لِلْأَصْغَرِ وَتَعْبِيرِي بِآخَرَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ ثَانٍ وَقَوْلِي وَمَسْحًا مِنْ زِيَادَتِي.
(فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَغَيْرِهَا (يَتَيَمَّمُ بِتُرَابٍ طَهُورٍ لَهُ غُبَارٌ) حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ قَالَ تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
لَوْ نَزَعَ أَحَدَ خُفَّيْهِ لَزِمَهُ نَزْعُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يَلْبَسَهُمَا جَمِيعًا وَهُنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يَضَعَ الْجَبِيرَةَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ أَجْنَبَ صَاحِبُ الْجَبِيرَةِ اغْتَسَلَ وَتَيَمَّمَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي إيجَابِ النَّزْعِ هُنَا مَشَقَّةً اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ فِي تَفْصِيلِهِ الْآتِي أَيْ فَيُقَالُ إنَّ تَحَقُّقَ ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ امْتَنَعَ الْإِحْرَامُ بِهَا أَوْ وَهُوَ فِيهَا وَوَجَبَ قَضَاءٌ كَكَوْنِ السَّاتِرِ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الِاسْتِمْسَاكِ بَطَلَتْ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ كَكَوْنِ السَّاتِرِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا أَتَمَّهَا اهـ ع ش وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ لَوْ رَفَعَ السَّاتِرَ فَرَأَى الْعِلَّةَ قَدْ انْدَمَلَتْ أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ كَانَتْ بِالْمَسْحِ مَعَ الِانْدِمَالِ، وَلَوْ احْتِمَالًا، وَلَوْ سَقَطَ السَّاتِرُ أَوْ تَوَهَّمَ الْبُرْءَ فَرَفَعَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِمَا مِنْ الصَّحِيحِ شَيْءٌ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَصَلَاتُهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَرَدُّدِهِ فِي صِحَّتِهَا لَا تَيَمُّمُهُ لِبَقَاءِ مُوجِبِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْدُثْ) أَيْ، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَى تَيَمُّمِهِ مُبْطِلٌ كَرِدَّةٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ لَمْ يُعِدْ غَسْلًا وَلَا مَسْحًا) مَحِلُّهُ مَا لَمْ يَنْزِعْ السَّاتِرَ أَمَّا إذَا نَزَعَهُ وَوَضَعَ بَدَلَهُ فَتَجِبُ إعَادَتُهُمَا اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَحْدَثَ أَعَادَ غَسْلَ إلَخْ) الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ، فَإِنْ أَحْدَثَ أَعَادَ جَمِيعَ مَا مَرَّ كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ إلَخْ) أَيْ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ تَيَمَّمَ لِحَدَثِهِ الْأَكْبَرِ وَتَوَضَّأَ لِلْأَصْغَرِ وَيُعِيدُ التَّيَمُّمَ فَقَطْ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ تَيَمَّمَ لِحَدَثِهِ الْأَكْبَرِ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ هَذَا التَّيَمُّمِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ حَدَثًا أَكْبَرَ وَلَا أَصْغَرَ، فَإِنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ تَوَضَّأَ فَقَوْلُهُ وَتَوَضَّأَ لِلْأَصْغَرِ أَيْ إنْ أَحْدَثَ. وَأَمَّا إذَا أَرَادَ النَّفَلَ فَيُصَلِّي بِهَذَا التَّيَمُّمِ مَا شَاءَ مِنْهُ بِشَرْطِ وُضُوئِهِ فَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْأَكْبَرِ، وَلَمْ يُحْدِثْ حَدَثًا أَصْغَرَ وَصَلَّى الْفَرْضَ فَتَيَمُّمُهُ بَاقٍ لِلنَّوَافِلِ. وَأَمَّا إذَا أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَتَيَمُّمُهُ بَاقٍ أَيْضًا وَلَا يُبْطِلُهُ إلَّا الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ فَإِذَا تَوَضَّأَ وَأَرَادَ فَرْضًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي صَلَّاهُ بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلًا لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَتَيَمَّمَ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ وَتَوَضَّأَ لِلْأَصْغَرِ، فَإِنْ خَرَجَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَغَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضًا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ عَنْ غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ، فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فَرْضًا، فَإِنْ أَرَادَ نَفْلًا كَفَاهُ الْوُضُوءُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ تَيَمُّمٍ أَوْ فَرْضًا آخَرَ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ انْتَهَتْ.
(فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَغَيْرِهَا الْمُرَادُ بِكَيْفِيَّتِهِ أَرْكَانُهُ وَسُنَنُهُ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا اسْتِعْمَالَ التُّرَابِ فِي الْعُضْوِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِهَا الْأَعَمُّ كَكَوْنِ التَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ طَهُورٍ وَكَوْنِهِ بِضَرْبَتَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر، ثُمَّ الْكَلَامُ فِي التَّيَمُّمِ يَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ فِي أَسْبَابِهِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا الثَّانِي فِي كَيْفِيَّتِهِ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّرَفِ الثَّانِي فَقَالَ فَصْلٌ إلَخْ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُهَا وَهُوَ الْكَلَامُ عَلَى الطَّرَفِ الثَّالِثِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ يَتَيَمَّمُ) أَيْ يَصِحُّ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِ الْجَوَازِ وَهُوَ إمَّا بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ وَقَوْلُهُ بِتُرَابٍ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ إنَّهُ جَمْعٌ وَاحِدُهُ تُرَابَهُ وَيُقَالُ لَهُ الرَّغَامُ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافُ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ بِعَدَدِ التُّرَابِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَقَعُ طَلْقَةً وَعَلَى الثَّانِي ثَلَاثًا كَمَا سَيَأْتِي اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ بِتُرَابٍ طَهُورٍ) أَيْ، وَلَوْ مَغْصُوبًا لَكِنَّهُ يَحْرُمُ كَتُرَابِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مَا دَخَلَ فِي وَقْفِيَّتِهِ لَا مَا حَمَلَهُ نَحْوُ رِيحٍ، وَلَوْ شَكَّ فِيمَا وَجَدَهُ فِيهِ حِينَئِذٍ فَالْأَشْبَهُ بِكَلَامِهِمْ الْحِلُّ، وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ تُرَابُهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ لَهُ غُبَارٌ) الْغُبَارُ وَالْغَبَرَةُ بِفَتْحَتَيْنِ وَاحِدٌ وَالْغَبَرَةُ لَوْنُ الْأَغْبَرِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْغُبَارِ، وَقَدْ اغْبَرَّ الشَّيْءُ اغْبِرَارًا وَالْغَبْرَاءُ الْأَرْضُ وَالْغُبَيْرَا بِوَزْنِ الْحُمَيْرَا مَعْرُوفٌ وَالْغُبَيْرَاءُ أَيْضًا شَرَابٌ تَتَّخِذُهُ الْحَبَشُ مِنْ الذُّرَةِ يُسْكِرُ وَفِي الْحَدِيثِ «إيَّاكُمْ وَالْغُبَيْرَاءَ، فَإِنَّهَا خَمْرُ الْعَالَمِ» وَغَبَرَ الشَّيْءُ بَقِيَ وَغَبَرَ أَيْضًا مَضَى فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ وَبَابُهُ دَخَلَ وَاغْبَرَّ وَغَبَرَ تَغْبِيرًا أَثَارَ الْغُبَارَ اهـ مُخْتَارٌ.
(قَوْلُهُ حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ) أَيْ كَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ فِيهِمَا نِسْبَةً إلَى أَرْمِينِيَّةَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، وَهَذَا تَعْمِيمٌ فِي إرَادَةِ أَنْوَاعِ التُّرَابِ فَيَشْمَلُ الْأَصْفَرَ وَالْأَعْفَرَ وَهُوَ الْأَبْيَضُ لَيْسَ بِشَدِيدِ الْبَيَاضِ
(1/212)
{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أَيْ تُرَابًا طَاهِرًا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِالطَّاهِرِ الطَّهُورُ كَمَا عَبَّرْتُ بِهِ (وَلَوْ بِرَمْلٍ لَا يَلْصَقُ) بِالْعُضْوِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَالْأَحْمَرَ وَالْأَسْوَدَ وَالْأَبْيَضَ وَغَيْرَ ذَلِكَ كَالتَّعْمِيمِ فِي إرَادَةِ أَنْوَاعِ الْمَاءِ مِنْ مِلْحٍ وَعَذْبٍ وَكَدِرٍ وَصَافٍ وَسَائِرِ الْأَنْوَاعِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ صَعِيدًا طَيِّبًا) اسْمُ الطَّيِّبِ يَقَعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الطَّاهِرُ كَمَا هُنَا الْحَلَالُ، وَمِنْهُ {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] وَمَا لَا أَذًى فِيهِ كَقَوْلِهِمْ هَذَا يَوْمٌ طَيِّبٌ وَلَيْلَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَا تَسْتَطِيبُهُ النَّفْسُ نَحْوُ هَذَا طَعَامٌ طَيِّبٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ أَيْ تُرَابًا طَاهِرًا إلَخْ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُرَابٌ لَهُ غُبَارٌ وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْ تَفْسِيرُهُ الصَّعِيدَ بِالتُّرَابِ قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ؛ لِأَنَّ مِنْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِلتَّبْعِيضِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْسَحَ بِشَيْءٍ يَحْصُلُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَعْضُهُ وَدَعْوَى بَعْضِهِمْ أَنَّهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِلِابْتِدَاءِ ضَعَّفَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعَرَبِ لَا يَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ الدُّهْنِ، وَمِنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ إلَّا مَعْنَى التَّبْعِيضِ وَالْإِذْعَانُ لِلْحَقِّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ اهـ ح ل وَجَوَّزَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ بِكُلِّ مَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ كَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبُهُ مُحَمَّدٌ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالزِّرْنِيخِ وَجَوَّزَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا لَا غُبَارَ فِيهِ كَالْحَجَرِ الصُّلْبِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
(قَوْلُهُ كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ) هُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الصَّحَابِيُّ حَبْرُ الْأُمَّةِ وَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمُّهُ لُبَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ وُلِدَ بِالشِّعْبِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَحَنَّكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِيقِهِ حِينَ وُلِدَ وَهُوَ أَحَدُ الْعَبَادِلَةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحَدُ السِّتَّةِ الْمُكْثِرِينَ الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْهُ الْخَلَائِقُ الْكَثِيرَةُ وَكَانَ قَدْ كُفَّ بَصَرُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ الْمُتَوَفَّى بِالطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَسِتِّينَ، وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَصَلَّى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَ الْيَوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمَّا وُضِعَ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ جَاءَ طَائِرٌ أَبْيَضُ مِنْ وَجِّ الطَّائِفِ يُقَالُ لَهُ الْغُرْنُوقُ فَدَخَلَ فِي أَكْفَانِهِ فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجَدْ فَلَمَّا سُوِّيَ عَلَيْهِ التُّرَابُ سُمِعَ مَنْ يُسْمَعُ صَوْتُهُ وَلَا يُرَى شَخْصُهُ يَقْرَأُ {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27] إلَخْ السُّورَةِ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالطَّاهِرِ الطَّهُورُ) قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ إنَّمَا جُعِلَ التُّرَابُ طَهُورًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَمَّا أَحَسَّتْ بِمَوْلِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْبَسَطَتْ وَتَمَدَّدَتْ وَتَطَاوَلَتْ وَأَزْهَرَتْ وَأَيْنَعَتْ وَافْتَخَرَتْ عَنْ السَّمَاءِ وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَنَّهُ مِنِّي خُلِقَ وَعَلَى ظَهْرِي تَأْتِيهِ كَرَامَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى بِقَاعِي يَسْجُدُ بِجَبْهَتِهِ وَفِي بَطْنِي مَدْفِنُهُ فَلَمَّا زَادَ فَخْرُهَا جَعَلَ اللَّهُ تُرَابَهَا طَهُورًا لِأُمَّتِهِ فَالتَّيَمُّمُ هَدِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصَّةً لِتَدُومَ لَهُمْ الطَّهَارَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِرَمْلٍ لَا يَلْصَقُ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ، وَلَوْ رَمْلًا لِيَكُونَ غَايَةً لِلتُّرَابِ وَكَتَبَ أَيْضًا هُوَ غَايَةٌ لِلتُّرَابِ بِدَلِيلِ كَلَامِهِ الْآتِي أَيْ. وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ الَّذِي لَهُ غُبَارٌ رَمْلًا، وَلَوْ قَالَ، وَلَوْ رَمْلًا لَكَانَ أَوْلَى وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ التُّرَابَ وَقَوْلُهُ جِنْسٌ لَهُ أَيْ فَهُوَ أَيْ الرَّمَلُ مِنْ أَنْوَاعِهِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش. قَوْلُهُ، وَلَوْ بِرَمْلٍ إلَخْ أَخَذَهُ غَايَةً لِيُبَيِّنَ أَنَّ فِيهِ قَيْدًا مَخْصُوصًا وَهُوَ عَدَمُ لُصُوقِهِ بِالْعُضْوِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا وُضِعَ لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التُّرَابِ انْتَهَتْ.
(تَنْبِيهٌ) فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ لَوْ سُحِقَ الرَّمَلُ الصِّرْفُ وَصَارَ لَهُ غُبَارٌ أَجْزَأَ أَيْ بِأَنْ صَارَ كُلُّهُ بِالسَّحْقِ غُبَارًا أَوْ أُبْقِيَ مِنْهُ خَشِنٌ لَا يَمْنَعُ لُصُوقَ الْغُبَارِ بِالْعُضْوِ حَتَّى لَا يُنَافِيَ ذَلِكَ مَا يَأْتِي قَالَ بِخِلَافِ الْحَجَرِ الْمَسْحُوقِ، وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ الرَّمَلُ ضَرْبَانِ مَا لَهُ غُبَارٌ فَيَجُوزُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ وَمَا لَا غُبَارَ لَهُ فَلَا لِعَدَمِ الْغُبَارِ لَا لِخُرُوجِهِ عَنْ جِنْسِ التُّرَابِ اهـ، إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تُرَابٌ حَقِيقَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غُبَارٌ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ لَا يَلْصَقُ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فِي الْمُضَارِعِ وَكَسْرِهَا فِي الْمَاضِي مِنْ بَابِ تَعِبَ يَتْعَبُ وَيُقَالُ بِالسِّينِ وَالزَّاي اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ لَصِقَ الشَّيْءُ بِغَيْرِهِ مِنْ بَابِ تَعِبَ لَصْقًا وَلُصُوقًا مِثْلَ لَزِقَ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ) قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي لَطَائِفِ الْمَعَارِفِ إنَّمَا اُخْتُصَّتْ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مِنْهُمَا آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَامْتَازَا عَلَى غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ اسْمَ التُّرَابِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ وَهِيَ سِتُّونَ نَوْعًا وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ مِنْ السِّتِّينَ فَجَاءَتْ أَوْلَادُهُ عَلَى أَلْوَانٍ وَصُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهَذَا حِكْمَةُ إطْعَامِ السِّتِّينَ فِي الْكَفَّارَةِ كَمَا سَيَأْتِي لِيُسْتَوْفَى بِهِ جَمِيعُ الْأَنْوَاعِ، قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ الْأَرْضِ الْأُولَى وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَهَبَ
(1/213)
وَالتُّرَابُ جِنْسٌ لَهُ بِخِلَافِ مَا يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ لُصُوقِهِ مِنْ زِيَادَتِي وَدَخَلَ فِي التُّرَابِ الْمَذْكُورِ الْمَحْرُوقُ مِنْهُ، وَلَوْ اسْوَدَّ مَا لَمْ يَصِرْ رَمَادًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَخَرَجَ بِهِ التُّرَابُ الْمُتَنَجِّسُ وَمَا لَا غُبَارَ لَهُ وَالْمُسْتَعْمَلُ وَسَيَأْتِي وَغَيْرُهَا كَنُورَةٍ وَزَرْنِيخٍ وَسَحَاقَةِ خَزَفٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
إلَيْهِ وَهْبٌ مِنْ أَنَّ رَأْسَهُ مِنْ الْأُولَى وَعُنُقَهُ مِنْ الثَّانِيَةِ وَصَدْرُهُ مِنْ الثَّالِثَةِ وَيَدَيْهِ مِنْ الرَّابِعَةِ وَبَطْنَهُ مِنْ الْخَامِسَةِ وَفَخِذَيْهِ وَمَذَاكِيرَهُ وَعَجِيزَتَهُ مِنْ السَّادِسَةِ وَسَاقَيْهِ وَقَدَمَيْهِ مِنْ السَّابِعَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خُلِقَ آدَم مِنْ أَقَالِيمِ الدُّنْيَا فَرَأْسُهُ مِنْ تُرْبَةِ الْكَعْبَةِ وَصَدْرُهُ مِنْ تُرْبَةِ الدَّهْنَاءِ وَبَطْنُهُ وَظَهْرُهُ مِنْ تُرْبَةِ الْهِنْدِ وَيَدَاهُ مِنْ تُرْبَةِ الْمَشْرِقِ وَرِجْلَاهُ مِنْ تُرْبَةِ الْمَغْرِبِ وَفِي سُؤَالَاتِ الْحَجَّاجِ لِلصَّبِيِّ حِينَ قَالَ لَهُ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خُلِقَ آدَم فَقَالَ مِنْ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ أَنَّ شَعْرَ رَأْسِهِ مِنْ السَّحَابِ وَعَيْنَيْهِ مِنْ الشَّمْسِ وَنَفْسَهُ مِنْ الرِّيحِ وَرِئَتَهُ مِنْ الضَّبَابِ وَلَحْمَهُ مِنْ التُّرَابِ وَكَبِدَهُ مِنْ الْمَاءِ وَعَظْمَهُ مِنْ الْحَجَرِ فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ وَمَا أَخَذْنَا مِنْهُ فَقَالَ الصَّبِيُّ إذَا رَأَيْت وَلَدَهُ مُسَافِرًا يَتَمَنَّى شَرْقًا وَغَرْبًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ شَعْرِهِ خُلِقَ وَشَعْرُهُ مِنْ السَّحَابِ وَهُوَ يَتَلَأْلَأُ شَرْقًا وَغَرْبًا وَإِذَا رَأَيْته أَدِيبًا يُعْطِي السُّؤَالَ لِكُلِّ أَحَدٍ.
فَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ عَيْنَيْهِ خُلِقَ وَعَيْنَاهُ مِنْ الشَّمْسِ وَهِيَ تَطْلُعُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَإِذَا رَأَيْته عَاجِزًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ نَفْسِهِ خُلِقَ وَنَفْسُهُ مِنْ الرِّيحِ وَهِيَ تَهُبُّ تَارَةً وَتَسْكُنُ أُخْرَى وَإِذَا رَأَيْته جَاهِلًا يُفْسِدُ مَا لَا يُصْلِحُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ رِئَتِهِ خُلِقَ وَرِئَتُهُ مِنْ الضَّبَابِ وَهُوَ يُفْسِدُ مَا لَا يُصْلِحُ وَإِذَا رَأَيْته عَاقِلًا يَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ لَحْمِهِ خُلِقَ وَلَحْمُهُ مِنْ التُّرَابِ وَهُوَ مِنْ الْأَرْضِ وَهِيَ تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَإِذَا رَأَيْته كَرِيمًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ كَبِدِهِ خُلِقَ وَكَبِدُهُ مِنْ الْمَاءِ وَهُوَ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَإِذَا رَأَيْته شَحِيحًا بَخِيلًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ عَظْمِهِ خُلِقَ وَعَظْمُهُ مِنْ الْحَجَرِ وَهُوَ أَقْسَى كُلِّ شَيْءٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالتُّرَابُ جِنْسٌ لَهُ) وَوَقَعَ سُؤَالٌ اسْتِطْرَادِيٌّ عَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ رَمْلٌ لَهُ غُبَارٌ وَحَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ تُرَابٌ هَلْ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ التُّرَابِ لِإِجْزَائِهِ فِي التَّيَمُّمِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى تُرَابًا وَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ، وَأَجَابَ شَيْخُنَا الشبراملسي بِأَنَّ الظَّاهِرَ الَّذِي لَا مَحِيصَ عَنْهُ هُوَ الثَّانِي لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَدَخَلَ فِي التُّرَابِ الْمَذْكُورِ الْمَحْرُوقُ مِنْهُ) أَيْ وَالطَّفْلُ وَالسَّنْجُ الَّذِي لَمْ يَصِلْهُ مِلْحٌ وَمَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرَضَةُ مِنْ مَدَرٍ وَلَا أَثَرَ لِامْتِزَاجِهِ بِلُعَابِهَا كَطِينٍ عُجِنَ بِنَحْوِ خَلٍّ حَتَّى تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ وَجَفَّ وَكَانَ لَهُ غُبَارٌ وَقَوْلُهُ وَخَرَجَ بِهِ أَيْ بِالتُّرَابِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الطَّهُورُ الَّذِي لَهُ غُبَارٌ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ التُّرَابِ الْخَالِصِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِغَيْرِهِ وَغَيْرُهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَوْلَى فِي الْإِخْرَاجِ أَنْ يَقُولَ خَرَجَ مَا لَيْسَ تُرَابًا كَنَوْرَةٍ وَالْمُخْتَلِطُ بِمَا يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ كَدَقِيقٍ وَخَرَجَ التُّرَابُ الْمُتَنَجِّسُ وَالْمُسْتَعْمَلُ وَمَا لَا غُبَارَ لَهُ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ الْمَحْرُوقُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ فِيهِ قُوَّةُ الْإِنْبَاتِ وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَصِرْ رَمَادًا أَيْ بِأَنْ خَرَجَ عَنْ قُوَّةِ الْإِنْبَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِهِ) أَيْ بِالتُّرَابِ بِقَيْدِهِ وَهُوَ طَهُورٌ فَالضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ لِلتُّرَابِ فَكَانَ الْأَنْسَبَ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَخَرَجَ بِهِ التُّرَابُ الْمُتَنَجِّسُ وَالْمُسْتَعْمَلُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَهُورٌ يَخْرُجُ بِهِ شَيْئَانِ الْمُتَنَجِّسُ وَالْمُسْتَعْمَلُ وَمَا لَا غُبَارَ لَهُ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لَهُ غُبَارٌ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى قَوْلِهِ وَمَا لَا غُبَارَ لَهُ وَأَجَابَ شَيْخُنَا الشبراملسي بِأَنَّهُ إنَّمَا ضُمَّ مَا لَا غُبَارَ لَهُ لِلْمُتَنَجِّسِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا آتِيَيْنِ فِي عِبَارَتِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ وَأَخَّرَ قَوْلَهُ وَغَيْرُهَا لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَأَيْت بِهَامِشٍ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِهِ أَيْ خَرَجَ بِالْمَجْمُوعِ الْمَجْمُوعُ لَكِنْ لَمْ يُرَاعِ التَّرْتِيبَ فِي الْإِخْرَاجِ، إذْ لَوْ رَاعَاهُ لَقَدَّمَ قَوْلَهُ كَنَوْرَةٍ عَلَى قَوْلِهِ التُّرَابُ الْمُتَنَجِّسُ وَالْمُسْتَعْمَلُ وَلَعَلَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنَّ مَفْهُومَ التُّرَابِ لَقَبٌ وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ خِلَافٌ فَلِذَا أَخَّرَهُ أَوْ لِكَثْرَةِ الْمُخْرَجِ بِهِ وَقِلَّةِ الْمَخْرَجِ بِغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ حَصَرَ الْمَخْرَجَ بِالطَّاهِرِ الَّذِي لَهُ غُبَارٌ وَعَمَّمَ فِي الْمُخْرَجِ بِذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ حَيْثُ قَالَ كَنَوْرَةٍ إلَخْ، فَإِنَّهُمْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ الْمُتَنَجِّسُ) ، وَمِنْهُ تُرَابُ الْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ يَقِينًا لِاخْتِلَاطِهِ بِصَدِيدِ الْمَوْتَى الْمُتَجَمِّدِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَطَرُ وَلَا يَضُرُّ أَخْذُهُ مِنْ عَلَى ظَهْرِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَمْ يُعْلَمْ الْتِصَاقُهُ بِهِ مَعَ رُطُوبَةٍ وَلَا اخْتِلَاطُهُ بِنَجِسٍ كَفُتَاتِ رَوْثٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ كَنَوْرَةٍ) وَهِيَ الْجِيرُ قَبْلَ الطَّفْيِ اهـ ح ل اهـ ع ش عَلَى م ر وَفِي الْمِصْبَاحِ النُّورَةُ بِضَمِّ النُّونِ حَجَرُ الْكِلْسِ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى أَخْلَاطٍ تُضَافُ إلَى الْكِلْسِ مِنْ زِرْنِيخٍ وَغَيْرِهِ وَيُسْتَعْمَلُ لِإِزَالَةِ الشَّعْرِ. (قَوْلُهُ وَزِرْنِيخٍ) بِكَسْرِ الزَّايِ هُوَ حَجَرٌ مَعْرُوفٌ مِنْهُ أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ وَأَصْفَرُ وَقَرْيَةٌ بِالصَّعِيدِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَسَحَاقَةُ خَزَفٍ) الْخَزَفُ مَا اتَّخَذَهُ مِنْ الطِّينِ وَشُوِيَ فَصَارَ فَخَّارًا وَاحِدَتُهُ خَزَفَةٌ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ
(1/214)
وَمُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَعْلَقُ بِالْعُضْوِ، وَإِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى التُّرَابِ وَلِأَنَّ الْخَلِيطَ يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ (لَا بِمُسْتَعْمَلٍ) كَالْمَاءِ (وَهُوَ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مِمَّا يَعْلَقُ) بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ بَابِ طَرِبَ يَطْرَبُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَسَوَاءٌ أَقَلَّ الْخَلِيطُ أَمْ كَثُرَ، وَقِيلَ إنْ قَلَّ الْخَلِيطُ جَازَ كَالْمَائِعِ الْقَلِيلِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ، فَإِنَّ الْغَلَبَةَ تُصَيِّرُ الْمُنْغَمِرَ الْقَلِيلَ عَدَمًا وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَائِعَ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ لِلَطَافَتِهِ وَالدَّقِيقُ وَنَحْوُهُ يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَعْلَقُ بِهِ لِكَثَافَتِهِ وَالْأَرْجَحُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ضَبْطُ الْقَلِيلِ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْمَاءِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ النُّورَةَ وَتَالِيَيْهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى التُّرَابِ أَيْ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا مِنْهُ فَهِيَ خَارِجَةٌ بِالتُّرَابِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْمُحْتَرَزَاتِ وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْخَلِيطَ إلَخْ إنْ كَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبَ فِي مَنْعِ التَّيَمُّمِ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُخْرِجُهُ وَكَتَبَ أَيْضًا أَيْ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ فِي مَعْنَى التُّرَابِ وَإِلَّا فَيَتَوَقَّفُ فِي إخْرَاجِ هَذَا الْمُخْتَلِطِ بِالتُّرَابِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ صَنِيعِهِ، وَإِنَّمَا اُخْتُصَّ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» فَقَدْ خَصَّصَ بَعْدَ أَنْ عَمَّمَ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا احْتِجَاجٌ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ قُلْنَا نَعَمْ هُوَ حُجَّةٌ حَيْثُ وُجِدَتْ الْقَرِينَةُ وَهِيَ هُنَا الِامْتِنَانُ الْمُقْتَضِي تَكْثِيرَ مَا يُمْتَنُّ بِهِ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ لَا بِمُسْتَعْمَلٍ) صَرَّحَ بِهِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَهُوَ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ إلَخْ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنَّهُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ طَهُورٌ وَالْمَفَاهِيمُ لَيْسَتْ مِنْ عَادَةِ الْمُتُونِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ لَا بِمُسْتَعْمَلٍ هَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا طَهُورٌ، وَذَكَرَهُ هُنَا تَوْطِئَةً لِلتَّعْرِيفِ قَالَ حَجّ فِي حَدَثٍ، وَكَذَا خَبَثٌ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ وَخَرَجَ بِهِ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بَدَلًا عَنْ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ أَوْ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي نَفْلِ الطَّهَارَةِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ أَيْضًا لَا بِمُسْتَعْمَلٍ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَلَا بِتُرَابٍ مُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أُدِّيَ بِهِ فَرْضٌ وَعِبَادَةٌ فَكَانَ مُسْتَعْمَلًا كَالْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَتْ بِهِ الْمُسْتَحَاضَةُ وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِالِاسْتِعْمَالِ انْتَهَتْ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَنْعَ انْتَقَلَ إلَى التُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ كَالْمَاءِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَنْعَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ) أَيْ الْمَاسِحِ وَالْمَمْسُوحِ فِي الصُّورَتَيْنِ أَيْ، وَلَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ مَا دَامَ عَلَى الْعُضْوِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ مَا بَقِيَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَهَتْ اهـ شَيْخُنَا وَقَضِيَّةُ هَذَا الْحَصْرِ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحَيْ الرَّوْضِ وَالْبَهْجَةِ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ تَعْرِيفُ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ عُضْوِهِ الْمَاسِحِ وَالْمَمْسُوحِ جَمِيعًا، وَكَذَا مَا اُسْتُعْمِلَ فِي الطَّهَارَةِ الْمُغَلَّظَةِ، وَإِنْ غُسِلَ مِرَارًا، وَكَذَا حَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ لَا يُجْزِئُ هُنَا أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ سم فِي النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ أَيْضًا أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعُضْوِ أَيْ انْفَصَلَ عَنْهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ الْمَاسِحَةِ وَالْمَمْسُوحَةِ جَمِيعًا بَعْدَ مُمَاسَّةِ الْعُضْوِ يَقِينًا أَوْ احْتِمَالًا سَوَاءٌ تَنَاثَرَ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ بَقِيَ بِعُضْوِهِ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ، ثُمَّ انْفَصَلَ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا بَقِيَ إلَخْ. وَأَمَّا مَا دَامَ عَلَى الْعُضْوِ أَيْ الْمَاسِحِ وَالْمَمْسُوحِ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ الْعُضْوِ فِي الْحَدَثِ فَلَوْ أَغْفَلَ لُمْعَةً فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ التُّرَابَ الَّذِي فِي الْمَاسِحِ أَوْ الْمَمْسُوحِ عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْمَاءِ خِلَافًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ أَنَّ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ مُسْتَعْمَلٌ، وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ لِتِلْكَ اللُّمْعَةِ، وَإِنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ حَدَثٌ آخَرُ، ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْ التُّرَابَ وَرَدَّدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعُضْوِ لَا يُكْتَفَى بِهِ اهـ ح ل وَقَوْلُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ الْمَاسِحَةِ وَالْمَمْسُوحَةِ جَمِيعًا هَذَا رُبَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُتَسَاقِطَ مِنْ الْكَفِّ بَعْدَ النَّقْلِ لِمَسْحِ الْيَدَيْنِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْ الْمَاسِحَةِ دُونَ الْمَمْسُوحَةِ لِعَدَمِ حُصُولِ مَسْحٍ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْكَفَّ مَاسِحَةٌ بِاعْتِبَارِ الْأَخْذِ بِهَا لِمَسْحِهَا وَمَمْسُوحَةٌ لِرَفْعِ التُّرَابِ حَدَثَهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا التُّرَابَ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ لِلْكَفَّيْنِ قَدْ أُدِّيَ بِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا فَإِذَا انْفَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ حُكِمَ بِاسْتِعْمَالِهِ كَالْمَاءِ قَالَ الْخَطِيبُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ وَيُنْدَبُ مَسْحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ
(1/215)
حَالَةَ التَّيَمُّمِ كَالْمُتَقَاطَرِ مِنْ الْمَاءِ وَيُؤْخَذُ مِنْ حَصْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي ذَلِكَ صِحَّةُ تَيَمُّمِ الْوَاحِدِ أَوْ الْكَثِيرِ مِنْ تُرَابٍ يَسِيرٍ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ رَفَعَ يَدَهُ فِي أَثْنَاءِ مَسْحِ الْعُضْوِ، ثُمَّ وَضَعَهَا صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مِنْهُ مَا تَنَاثَرَ مِنْ غَيْرِ مَسِّ الْعُضْوِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ.
(وَأَرْكَانُهُ) أَيْ التَّيَمُّمِ خَمْسَةٌ أَحَدُهَا (نَقْلُ تُرَابٍ، وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ وَيَدٍ) بِأَنْ يَنْقُلَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ أَوْ إلَى الْآخَرِ فَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فَلَوْ نُقِلَ مِنْ وَجْهٍ إلَى يَدٍ أَوْ عَكْسٍ كَفَى وَكَنَقْلِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا نَقْلُهُ مِنْ الْهَوَاءِ وَنَقْلُهُ يَتَضَمَّنُ قَصْدَهُ لِوُجُوبِ قَرْنِ النِّيَّةِ بِهِ كَمَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْقَصْدِ لِلْآيَةِ، فَإِنَّهَا آمِرَةٌ بِالتَّيَمُّمِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالنَّقْلُ طَرِيقُهُ (فَلَوْ سَفَّتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ) أَيْ الْوَجْهِ أَوْ الْيَدِ (فَرَدَّدَهُ) عَلَيْهِ (وَنَوَى لَمْ يَكْفِ) ، وَإِنْ قَصَدَ بِوُقُوفِهِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التُّرَابَ، وَإِنَّمَا التُّرَابُ أَتَاهُ لَمَّا قَصَدَ الرِّيحَ، وَقِيلَ يَكْفِي فِي صُورَةِ الْقَصْدِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ (وَلَمْ يُمِّمَ بِإِذْنِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِالْأُخْرَى عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُمَا تَمَادَى وَحَصَلَ بِضَرْبِهِمَا بَعْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا جَازَ مَسْحُ الذِّرَاعَيْنِ بِتُرَابِهِمَا لِعَدَمِ انْفِصَالِهِ وَلِلْحَاجَةِ، إذْ لَا يُمْكِنُ مَسْحُ الذِّرَاعِ بِكَفِّهَا فَصَارَ كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ اهـ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْحَنَفِيِّ.
(قَوْلُهُ حَالَةَ التَّيَمُّمِ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ قَالَ ز ي أَعْرَضَ عَنْهُ أَمْ لَا وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا قَبْلَ التَّيَمُّمِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَفَعَ يَدَهُ) أَيْ وَبِهَا تُرَابٌ قَدْ مَسَّ الْعُضْوَ الْمَمْسُوحَ أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْعُضْوِ الْمَاسِحَةُ وَالْمَمْسُوحَةُ جَمِيعًا لَا الْمَمْسُوحَةُ فَقَطْ وَالِاسْتِعْمَالُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ هَذَا الْعُضْوِ أَوْ لَهُ فِي حَدَثٍ آخَرَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُسْتَفَادًا مِمَّا ذُكِرَ بَلْ جَعَلَهُ تَقْيِيدًا لِقَوْلِهِ أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ أَيْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُتَنَاثِرُ قَدْ انْفَصَلَ مِنْ الْمَاسِحَةِ وَالْمَمْسُوحَةِ جَمِيعًا اهـ ح ل. وَلَوْ عَبَّرَ بِالْفَاءِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُقَالَ كَوْنُ الْأَصَحِّ مَا ذَكَرَ لَمْ يُعْلَمْ مِمَّا تَقَدَّمَ فَلَمْ يَحْسُنْ التَّفْرِيعُ لِذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مِنْهُ مَا تَنَاثَرَ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُتَنَاثِرَ مِنْهُ ظَاهِرٌ فِي الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ بَعْدَ مَسِّهِ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ صَادِقٌ بِمَا تَنَاثَرَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّةٍ لِكَثَافَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ فَصَّلَ النَّوَوِيُّ فِي الْمُتَنَاثِرِ مِنْ الْعُضْوِ بَيْنَ الْمَاسِّ لِلْعُضْوِ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمَاسِّ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ مَسِّ الْعُضْوِ أَيْ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ تَنَاثَرَ مِنْ الْعُضْوِ إلَّا مَا فَارَقَهُ بَعْدَ مَسِّهِ. وَأَمَّا مَا فَارَقَهُ قَبْلَ مَسِّهِ فَلَا يُقَالُ تَنَاثَرَ مِنْهُ بَلْ عَنْهُ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ ابْنِ شُهْبَةَ اهـ ح ل.
[أَرْكَانُ التَّيَمُّمِ]
(قَوْلُهُ نَقْلُ تُرَابٍ) أَيْ تَحْوِيلُهُ بِالْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ أَوْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ، وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ أَيْ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ وَيَدٌ أَيْ إلَيْهَا أَوْ إلَى غَيْرِهَا فَالْأَعَمِّيَّةُ ظَاهِرَةٌ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ وَيَدٍ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر فَلَوْ نُقِلَ مِنْ وَجْهٍ إلَى يَدٍ أَوْ عَكْسٍ كَفَى فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْ عُضْوٍ غَيْرِ مَمْسُوحٍ بِهِ فَجَازَ كَالْمَنْقُولِ مِنْ الرَّأْسِ وَالظَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا وَالثَّانِي لَا يَكْفِي فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ نُقِلَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ كَالنَّقْلِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ مَعَ تَرْدِيدِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ عَنْهُ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ بِالِانْفِصَالِ انْقَطَعَ حُكْمُ ذَلِكَ الْعُضْوِ عَنْهُ بِخِلَافِ تَرْدِيدِهِ عَلَيْهِ انْتَهَتْ، وَمِنْ هَذَا تَعْلَمُ عُذْرَ النَّوَوِيِّ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِمَا وَغَرَضُهُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَنَقْلُهُ يَتَضَمَّنُ قَصْدَهُ) أَيْ يَسْتَلْزِمُهُ وَضَابِطُ النَّقْلِ هُوَ التَّحْوِيلُ وَضَابِطُ الْقَصْدِ هُوَ قَصْدُ نَقْلِ التُّرَابِ لِلْمَسْحِ أَوْ يُقَالُ هُوَ قَصْدُ الْمَسْحِ بِهِ وَضَابِطُ النِّيَّةِ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِبَاحَةَ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي غَيْرُهَا هَذَا حَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى دَفْعِ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَعُدَّ الْقَصْدَ مِنْ الْأَرْكَانِ كَمَا عَدَّهُ الْأَصْحَابُ مِنْهَا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ النَّقْلَ مَتَى كَانَ مُقْتَرِنًا بِالنِّيَّةِ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِلْقَصْدِ وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْقَصْدِ مَعَ ذِكْرِ النَّقْلِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِالْقَصْدِ أَيْ ذَكَرُوهُ مَعَ ذِكْرِ النَّقْلِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ حِينَئِذٍ بِالنَّقْلِ لِلْآيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ وَالنَّقْلُ طَرِيقٌ لِذَلِكَ الْقَصْدِ اهـ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ، وَقَدْ يُقَالُ هَلَّا اتَّبَعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْقَصْدَ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْغُسْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ يُطْلَقُ مَعَ انْتِفَاءِ الْقَصْدِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ اهـ ز ي. (قَوْلُهُ وَالنَّقْلُ طَرِيقُهُ) أَيْ مُحَقِّقٌ وَمُسْتَلْزِمٌ لَهُ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ فَلَوْ سَفَّتْهُ رِيحٌ إلَخْ) فِي الْمُخْتَارِ سَفَّتْ الرِّيحُ التُّرَابَ ذَرَّته فَهُوَ سَفِيٌ كَصَفِيٍّ وَبَابُهُ رَمَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَذَرَّتْ الرِّيحُ التُّرَابَ وَغَيْرَهُ مِنْ بَابِ عَدَّا وَرَمَى أَيْ سَفَّتْهُ اهـ. (قَوْلُهُ فَرَدَّدَهُ) أَيْ بِغَيْرِ انْفِصَالِهِ عَنْهُ وَعَوْدِهِ إلَيْهِ وَإِلَّا كَفَى كَمَا يَأْتِي اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التُّرَابَ) أَيْ بِالنَّقْلِ أَيْ لَمْ يَنْقُلْهُ فَلَوْ تَلَقَّاهُ بِوَجْهِهِ أَوْ يَدِهِ كَانَ نَاقِلًا بِالْعُضْوِ وَهُوَ كَافٍ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ) وَهُوَ مَرْدُودٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ قَوِيَّةٌ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ بِإِذْنِهِ) أَيْ بِاللَّفْظِ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ كَالْإِشَارَةِ، وَلَوْ مِنْ نَاطِقٍ وَقَوْلُهُ وَنِيَّتِهِ أَيْ الْإِذْنِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُنْوَى عِنْدَ نَقْلِ الْمَأْذُونِ وَعِنْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُتَيَمِّمَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَخَرَجَ مَا لَوْ يَمَّمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ سَفَّتْهُ رِيحٌ اهـ مَحَلِّيٌّ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِذْنِهِ نِيَّتُهُ لَا أَمْرُهُ لِغَيْرِهِ فَيَكْفِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ بَلْ وَمَعَ نَهْيِهِ اهـ ق ل عَلَيْهِ لَكِنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ مِنْ كَلَامِ الْبِرْمَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ أَيْ بِاللَّفْظِ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ إلَخْ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْإِذْنَ غَيْرُ النِّيَّةِ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَوْ
(1/216)
وَنِيَّتِهِ (صَحَّ) ، وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ إقَامَةً لِفِعْلِ مَأْذُونِهِ مَقَامَ فِعْلِهِ.
(وَ) ثَانِيهَا (نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ مُفْتَقِرٍ إلَيْهِ) أَيْ التَّيَمُّمِ كَصَلَاةٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْمُتَعَيِّنُ مِنْهُ، إذْ الْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ خُصُوصًا مَعَ قَوْلِ الْمَحَلِّيِّ وَخَرَجَ مَا لَوْ يَمَّمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَجَعَلَ هَذِهِ الْحَالَةَ مِثْلَ مَا لَوْ سَفَّتْهُ الرِّيحُ عَلَيْهِ وَهِيَ لَا تَكْفِي قَطْعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّيَمُّمَ يُخَالِفُ الْوُضُوءَ فِي هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْوُضُوءَ إذَا غَسَلَ لَهُ الْغَيْرُ مَعَ نِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ يَكْفِي بِخِلَافِ مَا هُنَا تَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ) وَهُوَ حِينَئِذٍ مَكْرُوهٌ أَمَّا مَعَ الْعُذْرِ فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يَجِبُ أَنْ تُوقَفَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ إقَامَةً لِفِعْلِ مَأْذُونِهِ مَقَامَ فِعْلِهِ) أُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلطَّهَارَةِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ فَيَكْفِي كَوْنُهُ كَافِرًا وَحَائِضًا حَيْثُ لَا نَقْضَ وَغَيْرُ مُمَيِّزٍ كَقِرْدٍ وَلَا يُقَالُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ لَا يَتَأَتَّى الْإِذْنُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَشْمَلُ الْإِشَارَةَ اهـ ح ل، وَلَوْ أَحْدَثَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ أَخْذِ التُّرَابِ وَقَبْلَ الْمَسْحِ لَمْ يَضُرَّ خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ أَمَّا الْإِذْنُ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ نَاقِلٍ. وَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَيَمِّمٍ، وَكَذَا لَا يَضُرُّ حَدَثُهُمَا فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي فَتَاوَى الشِّهَابِ م ر سُئِلَ عَمَّا إذَا نَقَلَ التُّرَابَ وَأَحْدَثَ قِيلَ مَسْحُ شَيْءٍ مِنْ وَجْهِهِ هَلْ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْآنَ وَيَمْسَحَ، وَهَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ نُقِلَ مِنْ وَجْهٍ إلَى يَدٍ أَوْ عَكْسَهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ، ثُمَّ يَمْسَحَ وَجْهَهُ بِالتُّرَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى التَّمَعُّكِ وَنَقْلِ التُّرَابِ مِنْ عَلَى كُمِّهِ أَوْ يَدِهِ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ، فَإِنَّ الْحَدَثَ إنَّمَا أَبْطَلَهَا فَقَطْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةٍ مُفْتَقَرٍ إلَيْهِ) تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ هَذَا الْأَمْرَ الْعَامَّ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِجُزْئِيَّاتِهِ أَوْ يَنْوِيَ الْأَفْرَادَ كَأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ هُنَا لَكِنَّ الْحَالَةَ الْأُولَى تَكُونُ فِي مَرْتَبَةِ نِيَّةِ الْفَرْضِ الْعَيْنِيِّ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ مُفْتَقِرًا إلَيْهِ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ النَّاوِي فَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي مِنْهُ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ الْمَرَاتِبِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(فَرْعٌ) لَهُ تَفْرِيقُ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ عَلَى أَعْضَائِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ وَمَسُّ مُصْحَفٍ) أَيْ وَحَمْلُهُ، وَكَذَا كُلُّ مَا تَفْتَقِرُ اسْتِبَاحَتُهُ إلَى طَهَارَةٍ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُهُ هُنَا فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَأَمَّا مَا يَسْتَبِيحُهُ بِهِ فَسَيَأْتِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَ الْحَدَثَ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ ظَانًّا كَوْنَ حَدَثِهِ أَصْغَرَ فَتَبَيَّنَ كَوْنَهُ أَكْبَرَ أَوْ عَكْسَهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُمَا مُتَّحِدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُتَعَمِّدًا، فَإِنَّهُ يَضُرُّ لِتَلَاعُبِهِ فَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا وَأَجْنَبَ فِي سَفَرِهِ وَنَسِيَ وَكَانَ يَتَيَمَّمُ وَقْتًا وَيَتَوَضَّأُ وَقْتًا أَعَادَ صَلَاةَ الْوُضُوءِ فَقَطْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ صِحَّةِ تَيَمُّمِ الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ بِنِيَّةِ الْأَكْبَرِ غَلَطًا أَوْ عَكْسَهُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ بِقَوْلِهِ
أَلَيْسَ عَجِيبًا أَنَّ شَخْصًا مُسَافِرًا ... إلَى غَيْرِ عِصْيَانٍ تُبَاحُ لَهُ الرُّخَصْ
إذَا مَا تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ أَعَادَهَا ... وَلَيْسَ مُعِيدًا لِلَّتِي بِالتُّرَابِ خُصْ
وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ صَاحِبُنَا الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ
لَقَدْ كَانَ هَذَا لِلْجَنَابَةِ نَاسِيًا ... وَصَلَّى مِرَارًا بِالْوُضُوءِ أَتَى بِنَصْ
وَصَلَّى مِرَارًا بِالتَّيَمُّمِ يَا فَتَى ... عَلَيْك بِكُتْبِ الْعِلْمِ يَا خَيْرَ مَنْ فَحَصْ
قَضَاءُ الَّتِي فِيهَا تَوَضَّأَ وَاجِبٌ ... وَلَيْسَ مُعِيدًا لِلَّتِي بِالتُّرَابِ خُصْ
لِأَنَّ مَقَامَ الْغُسْلِ قَامَ تَيَمُّمٍ ... خِلَافَ وُضُوءٍ هَاكَ فَرْقًا بِهِ تَخُصْ
وَذَا نَظْمُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ أَحْمَدَ ... فَيَا رَبِّ سَلِّمْهُ مِنْ الْهَمِّ وَالْغَصَصْ
اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَبِذَلِكَ) أَيْ بِنِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُتَيَمِّمِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الِاسْتِبَاحَةِ لَا رَفْعُ الْحَدَثِ أَيْ حُكْمُهُ الْعَامُّ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ إنَّهُ لَا تَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَ مَعَ التَّيَمُّمِ غَسْلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَرْفَعُهُ حِينَئِذٍ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُهُ) قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ، فَإِنْ قِيلَ الْحَدَثُ الَّذِي يُنْوَى رَفْعُهُ هُوَ الْمَنْعُ وَالْمَنْعُ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّيَمُّمِ قُلْنَا الْحَدَثُ مَنْعٌ مُتَعَلَّقُهُ كُلُّ صَلَاةٍ فَرِيضَةً
(1/217)
وَلَا نِيَّةُ فَرْضِ تَيَمُّمٍ وَفَارَقَ الْوُضُوءَ بِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا وَلِهَذَا لَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ (مَقْرُونَةً) أَيْ النِّيَّةُ (بِنَقْلِ) أَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْأَرْكَانِ (وَمُسْتَدَامَةٌ إلَى مَسْحٍ) لِشَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ فَلَوْ عَزَبَتْ أَوْ أَحْدَثَ قَبْلَهُ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ، وَإِنْ كَانَ رُكْنًا غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ.
(فَإِنْ نَوَى) بِالتَّيَمُّمِ (فَرْضًا أَوْ) نَوَاهُ وَ (نَفْلًا) أَيْ اسْتِبَاحَتَهُمَا (فَلَهُ) مَعَ الْفَرْضِ (نَفْلٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً وَكُلُّ طَوَافٍ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى أَحَدُ الْأَسْبَابِ، وَهَذَا الْمَنْعُ الْعَامُّ الْمُتَعَلِّقُ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّيَمُّمِ، وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ بِهِ مَنْعٌ خَاصُّ الْمُتَعَلَّقِ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ النَّوَافِلِ فَقَطْ أَوْ مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا يُسْتَبَاحُ مَعَهَا وَالْخَاصُّ غَيْرُ الْعَامِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْخَاصِّ صَحَّ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ وَلَا نِيَّةَ فَرْضٍ تَيَمَّمَ إلَخْ) لَا يُقَالُ لِمَ لَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ أَوْ فَرْضِهِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا نَوَى الْوَاقِعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَمْنُوعٌ بِإِطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ نَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ نَوَى خِلَافَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ نِيَّةَ الِاسْتِبَاحَةِ وَعُدُولَهُ إلَى نِيَّةِ التَّيَمُّمِ أَوْ نِيَّةِ فَرْضِيَّتِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالضَّرُورَةِ، وَهَذَا خِلَافُ الْوَاقِعِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى فَرِيضَةَ الْإِبْدَالِ لَا الْأُصُولِ صَحَّ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ الْآنَ نَوَى الْوَاقِعَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ لِلْإِبْطَالِ وَجْهٌ اهـ شَرْحُ م ر.
وَقَوْلُهُ فَرِيضَةَ الْإِبْدَالِ بِأَنْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ قَاصِدًا أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ أَصَالَةً اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ أَيْضًا وَلَا نِيَّةَ فَرْضِ تَيَمُّمٍ) أَيْ مَا لَمْ يُضِفْهُ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَإِلَّا فَيَصِحُّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ لَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ) أَيْ، وَلَوْ مَضْمُومًا لِمَغْسُولٍ وَيُنْدَبُ تَجْدِيدُ الْمَغْسُولِ وَحْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ بِنَقْلِ أَوَّلَ) أَيْ بِأَوَّلِهِ الْحَاصِلِ بِالضَّرْبِ كَذَا قَالَ الْمَحَلِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْ فَتَكُونُ النِّيَّةُ قَبْلَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ مِنْ الْأَرْضِ عِنْدَ أَوَّلِ مُمَاسَّتِهِ الْأَرْضَ اهـ وَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ وِفَاقًا ل م ر اهـ سم وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْقَيْدِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ النَّقْلِ الثَّانِي وَهُوَ النَّقْلُ لِلْيَدَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ وَلَا يَكْفِي إذَا لَمْ يَقْرِنْهَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ النَّقْلُ لِلْوَجْهِ. (قَوْلُهُ أَيْضًا بِنَقْلِ أَوَّلَ) فَلَوْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ النَّقْلِ، ثُمَّ نَوَى قَبْلَ مُمَاسَّةِ التُّرَابِ لِلْوَجْهِ كَفَى وَكَأَنَّهُ نَقَلَ مِنْ يَدِهِ إلَى وَجْهِهِ وَهُوَ كَافٍ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ فَلَوْ عَزَبَتْ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجِهُ الِاكْتِفَاءُ بِاسْتِحْضَارِهَا عِنْدَ هُمَا، وَإِنْ عَزَبَتْ بَيْنَهُمَا وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِكَلَامٍ لِأَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا قَالَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَرَى عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ يَسِيرٌ لَا تَعْزُبُ فِيهِ النِّيَّةُ غَالِبًا حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ إرَادَةِ الْمَسْحِ لِلْوَجْهِ أَجْزَأَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْأَصْحَابِ يَجِبُ قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَدِّ بِهِ، وَهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، إذْ الْمُعْتَدُّ بِهِ الْآنَ هُوَ النَّقْلُ مِنْ الْيَدَيْنِ إلَى الْوَجْهِ، وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ لَمْ يَكْفِ) أَيْ الْمَسْحُ أَيْ لِعَدَمِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ فِي الْأُولَى وَلِعَدَمِ صِحَّةِ النَّقْلِ فِي الثَّانِيَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ لَمْ يَكْفِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَدَثِ قَبْلَ مُمَاسَّةِ التُّرَابِ لِلْوَجْهِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْعُزُوبِ، وَلَوْ مَعَ الْمُمَاسَّةِ وَمِثْلُهَا مَا لَوْ أَحْدَثَ الْآذِنُ بَعْدَ النَّقْلِ فَيَكْفِي تَجْدِيدُ نِيَّتِهِ، وَلَوْ مَعَ الْمُمَاسَّةِ؛ لِأَنَّ نَقْلَهُ لَمْ يَبْطُلْ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى فَرْضًا إلَخْ) بَيَانٌ لِمَا يَسْتَبِيحُهُ بِالتَّيَمُّمِ بَعْدَ صِحَّتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى سُؤَالٍ كَأَنَّهُ قِيلَ، ثُمَّ إذَا صَحَّ التَّيَمُّمُ فَمَاذَا يَسْتَبِيحُ بِهِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ فِيهِ تَفْصِيلٌ اهـ ع ش وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ الْعَيْنِيُّ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَ صَلَاةً أَوْ طَوَافًا وَمِثْلُ هَذِهِ النِّيَّةِ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ مُفْتَقِرٍ إلَى تَيَمُّمٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَسْتَبِيحُ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ اهـ شَيْخُنَا ح ف وَظَاهِرٌ أَنَّ الطَّوَافَ كَالصَّلَاةِ فَفَرْضُهُ يُبِيحُ فَرْضَهَا وَنَفْلُهُ يُبِيحُ نَفْلَهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَة ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ، فَإِنْ نَوَى فَرْضًا أَيْ عَيْنِيًّا بِأَنْ تَلَفَّظَ بِهِ كَالظُّهْرِ وَلَاحَظَهُ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ شَيْخُنَا عَمَّا كَانَ اعْتَمَدَهُ تَبَعًا لِشَيْخِهِ عَمِيرَةَ قَالَ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ نَظَرًا لِقَرِينَةِ كَوْنِهِ عَلَيْهِ أَصَالَةً بِلَا صَارِفٍ عَنْهُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ نَادِرَةٌ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ فَلَيْسَتْ صَارِفَةً إلَّا مَعَ حُضُورِهَا أَوْ مُلَاحَظَتِهَا فَهِيَ الْآنَ صَارِفَةٌ وَتَمْكِينُ الْحَلِيلِ نَادِرٌ أَيْضًا بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الذِّكْرِ فَلَا تَنْصَرِفُ النِّيَّةُ إلَيْهِ إلَّا مَعَ حُضُورِهِ أَوْ مُلَاحَظَتِهِ.
(تَنْبِيهٌ) فَرْضُ الطَّوَافِ، وَلَوْ لِلْوَدَاعِ كَفَرْضِ الصَّلَاةِ وَنَفْلُهُ كَنَفْلِهَا، وَلَوْ نَوَى فَرْضَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَضُرَّ وَلَهُ اسْتِبَاحَةُ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَرْضَ الَّذِي نَوَاهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَوْ أَخْطَأَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ فِيهِمَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الِاسْتِبَاحَةِ وَلِوُجُوبِ التَّعَرُّضِ لِلْفَرْضِ هُنَا وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْوُضُوءَ انْتَهَتْ وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَرَاتِبَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ فَرْضِ عَيْنٍ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ أَوْ النَّفْلِ أَوْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَثَلًا الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْ الشُّكْرِ أَوْ الْمُكْثِ
(1/218)
(صَلَاةُ جَنَائِزَ) وَخُطْبَةُ جُمُعَةٍ، وَإِنْ عَيَّنَ فَرْضًا عَلَيْهِ فَلَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ (أَوْ) نَوَى (نَفْلًا أَوْ الصَّلَاةَ فَلَهُ غَيْرُ فَرْضِ عَيْنٍ) مِنْ النَّوَافِلِ وَفُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهِمَا كَمَسِّ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إمَّا مِثْلُ مَا نَوَاهُ فِي جَوَازِ تَرْكِهِ لَهُ أَوْ دُونَهُ أَمَّا الْفَرْضُ الْعَيْنِيُّ فَلَا يَسْتَبِيحُهُ فِيهِمَا أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَصْلٌ لِلنَّفْلِ فَلَا يُجْعَلُ تَابِعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِالْمَسْجِدِ أَوْ تَمْكِينِ الزَّوْجِ فِي حَقِّ الْحَائِضِ فَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى فَلَهُ مَعَهَا اسْتِبَاحَةُ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَرْتَبَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ بِاسْتِبَاحَةِ شَيْءٍ مِنْهُمَا اسْتِبَاحَةُ شَيْءٍ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ فَلَهُ مَعَهَا اسْتِبَاحَةُ الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ وَلَهُ بِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ النَّفْلِ اسْتِبَاحَةُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمَحَلِّيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، وَلَوْ نَوَى نَافِلَةً مُعَيَّنَةً أَوْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ جَازَ لَهُ فِعْلُ غَيْرِهَا مِنْ النَّوَافِلِ مَعَهَا اهـ. وَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ فَجَمِيعُ أَفْرَادِهَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَهُ بِاسْتِبَاحَةِ أَيْ فَرْدٍ مِنْهَا بَقِيَّةُ أَفْرَادِهَا وَلَيْسَ لَهُ بِاسْتِبَاحَةِ شَيْءٍ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ هَذَا حَاصِلُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ وِفَاقًا لِمَا فَهِمَهُ مِنْهُ وَمَشْي عَلَيْهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ، ثُمَّ رَأَيْت م ر اعْتَمَدَهُ وَجَزَمَ بِهِ. وَأَمَّا الطَّوَافُ فَيَظْهَرُ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ مِنْهُ كَفَرْضِ الْعَيْنِ وِفَاقًا لِمَا ظَهَرَ لِلْعَلَّامَةِ م ر. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَظْهَرُ أَنَّ فَرْضَهُ الْعَيْنِيَّ كَفَرْضِ الصَّلَاةِ الْعَيْنِيِّ وَنَفْلَهُ كَنَفْلِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّوَافُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ» ، وَإِنَّمَا كَانَ تَمْكِينُ الزَّوْجِ دُونَ النَّفْلِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلتَّعَبُّدِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَوُجُوبُهُ عَارِضٌ لِحَقِّ الزَّوْجِ تَأَمَّلْ اهـ سم وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ الْفَرْضَ كَمَا يُفِيدُهُ تَنْكِيرُ الْمَتْنِ لَهُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوُضُوءِ تَعْيِينُ الْحَدَثِ الَّذِي يَنْوِي رَفْعَهُ فَلَوْ عَيَّنَ فَرْضًا، وَلَوْ مَنْذُورًا وَصَلَّى بِهِ غَيْرُهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا فِي الْوَقْتِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صَلَّى بِهِ الْفَرْضَ الْمَنْوِيَّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ جَازَ، وَلَوْ عَيَّنَّ فَرْضًا وَأَخْطَأَ فِي تَعْيِينِهِ كَمَنْ نَوَى فَائِتَةً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ ظُهْرًا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ عَصْرٌ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ، إذْ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ وَاجِبَةٌ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ التَّعْيِينُ فَإِذَا عَيَّنَ وَأَخْطَأَ لَمْ يَصِحَّ.
وَكَذَا مَنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ هَلْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ فَتَيَمَّمَ لَهَا، ثُمَّ ذَكَرَهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ وَصَلَاةُ جَنَائِزَ) فَهِيَ فِي مَرْتَبَةِ النَّفْلِ جَزْمًا، وَإِنْ تَعَيَّنَتْ كَمَا قَالَهُ حَجّ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ تَعَيَّنَتْ بِانْفِرَادٍ أَوْ نَذْرٍ وَتَقْيِيدُ الشَّرْحِ لَهَا بِالْأُولَى فِيمَا يَأْتِي لَيْسَ قَيْدًا، وَإِنْ كَانَ الْوَجْهُ مَعَهُ. وَأَمَّا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ فَقَالَ شَيْخُنَا إنَّهَا كَالْفَرْضِ مُطْلَقًا، وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا م ر فِي شَرْحِهِ إلَّا فِي جَوَازِ جَمْعِ خُطْبَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ تَبَعًا لحج، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَمْتَنِعُ أَنْ يُصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لَهَا الْجُمُعَةُ مُطْلَقًا وَأَنْ يَجْمَعَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ خُطْبَتَيْنِ كَذَلِكَ وَهُوَ قِيَاسُ الِاحْتِيَاطِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ وَخُطْبَةُ جُمُعَةٍ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتِهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ أَوْ لِلْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ وَالْقَائِلُ بِالصَّحِيحِ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الضَّعِيفِ، وَإِنَّمَا جُمِعَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُجْلَسُ بَيْنَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّهُمَا فَرْضَانِ لِكَوْنِهِمَا فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخَطِيبَ يَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمَيْنِ، وَإِنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ فَلَهُ أَنْ يَخْطُبَ بِهِ وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْجُمُعَةَ، وَإِنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْخُطْبَةِ فَلَمْ يَخْطُبْ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ دُونَ مَا فَعَلَهُ بِهِ.
(فَرْعٌ)
تَيَمَّمَ شَخْصٌ لِلْخُطْبَةِ بِمَكَانٍ وَخَطَبَ بِأَهْلِهِ، ثُمَّ جَاءَ إلَى مَكَانِ آخَرَ بِحَيْثُ تَجُوزُ فِيهِ الْجُمُعَةُ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ بِأَهْلِهِ بِتَيَمُّمِهِ الَّذِي خَطَبَ بِهِ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ فِي الدَّرْسِ فَظَهَرَ عَلَى نَوْعِ عَجَلٍ لِلْعَلَّامَةِ م ر أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ وَلْيُنْظَرْ هَلْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ صَلَّى فَهَلْ تَتِمُّ بِهِ الْجُمُعَةُ الثَّانِيَةُ أَوْ لَا، فَإِنْ صَحَّ أَنْ تَتِمَّ بِهِ لِكَوْنِهِ جَمَعَ شُرُوطَ الِانْعِقَادِ أُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ سَبْعُونَ رَجُلًا بِشَرْطِ الِانْعِقَادِ لَا يَسَعُهُمْ مَكَانٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا يَسَعُ أَرْبَعِينَ فَقَطْ فَصَلَّى أَرْبَعُونَ بِمَكَانٍ، ثُمَّ صَلَّى الثَّلَاثُونَ الْبَاقُونَ مَعَ عَشَرَةٍ مِنْ الْأَوَّلِينَ بِمَكَانٍ آخَرَ بَعْدَ صَلَاتِهِمْ أَوَّلًا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا أَوَّلًا فَقَدْ يُقَالُ الْخُطْبَةُ، وَإِنْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَكِنَّهَا نُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَزِيَادَتُهُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ أَيْ مُدْخِلٌ لَهَا فِي ذَلِكَ، وَهَذَا يُرَدُّ، وَإِنْ كَانَ صَلَّاهَا أَيْضًا أَوَّلًا فَلْيُحَرَّرْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَيَّنَ فَرْضًا) أَيْ، وَلَوْ مَنْذُورًا وَقَوْلُهُ فَلَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ أَيْ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَإِنْ دَخَلَ وَقْتُهُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ كَأَنْ نَوَى فَائِتَةً فَدَخَلَ وَقْتُ حَاضِرَةٍ أَوْ عَكْسُهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ فَغَيْرُ فَرْضِ عَيْنٍ) فَلَوْ نَوَى الْفَرْضَ، وَلَمْ يُلَاحِظْ الْعَيْنِيَّ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْفَرْضُ الْعَيْنِيُّ وَتَوَقَّفَ فِيهِ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ أَصْلٌ لِلنَّفْلِ) أَيْ أَصْلٌ لَهُ فِي التَّكْلِيفِ وَالْمَشْرُوعِيَّةِ أَيْ، وَلَوْلَا أَنْ يُكَلَّفَ الشَّخْصُ بِالْفَرْضِ لَمَا كُلِّفَ بِالنَّفْلِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُكَلَّفْ الصَّبِيُّ بِالنَّفْلِ لِانْتِفَاءِ تَكْلِيفِهِ بِالْفَرْضِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي
(1/219)
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِلْأَخْذِ بِالْأَحْوَطِ وَذِكْرُ حُكْمِ غَيْرِ النَّوَافِلِ فِيهِمَا مِنْ زِيَادَتِي وَمِثْلُهُمَا مَا لَوْ نَوَى فَرْضَ الْكِفَايَةِ كَأَنْ نَوَى بِالتَّيَمُّمِ اسْتِبَاحَةَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بِهِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ نَوَى فَرْضَيْنِ اسْتَبَاحَ أَحَدَهُمَا أَوْ نَوَى مَسَّ مُصْحَفٍ أَوْ نَحْوِهِ اسْتَبَاحَهُ دُونَ النَّفْلِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
(وَ) ثَالِثُهَا وَرَابِعُهَا وَخَامِسُهَا (مَسْحُ وَجْهِهِ) حَتَّى مُسْتَرْسِلِ لِحْيَتِهِ وَالْمُقْبِلُ مِنْ أَنْفِهِ عَلَى شَفَتِهِ (ثُمَّ) مَسْحُ (يَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) وَالتَّرْتِيبُ الْمُفَادُ بِثُمَّ بِأَنْ يُقَدِّمَ الْوَجْهَ عَلَى الْيَدَيْنِ، وَلَوْ فِي تَيَمُّمٍ لِحَدَثٍ أَكْبَرَ (لَا) مَسْحُ (مَنْبِتِ شَعْرٍ) ، وَإِنْ خَفَّ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فَلَا يَجِبُ لِعُسْرِهِ.
(وَيَجِبُ نَقْلَتَانِ) لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِنَقْلِهِ بِخِرْقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِوُرُودِهِ فِي خَبَرَيْ أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ وَلَفْظُ الْحَاكِمِ «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ اهـ شَوْبَرِيٌّ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُرَادُ أَنَّ الْخِطَابَ وَقَعَ أَوَّلًا بِالْفَرْضِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَأَمَّا السُّنَنُ فَسَنَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ وَالْكَلَامُ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ الْفَرْضِ لَا لِفَاعِلِهِ فَلَا يَرِدُ الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيَامَ وَنِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ عَلَى مَا فِيهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْأَخْذِ إلَخْ) وَكَوْنُ الْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى بِأَلْ لِلْعُمُومِ إنَّمَا يُفِيدُ فِيمَا مَدَارُهُ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَالنِّيَّاتُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا عَلَى الِاحْتِيَاطِ يَمْنَعُ الْعَمَلَ فِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ لَوْ فُرِضَ أَنَّ لِلْأَلْفَاظِ فِيهَا دَخْلًا فَانْدَفَعَ مَا لِلْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ فَيَمْتَنِعُ الْجُمَعُ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِبَاحَةِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ ضَعِيفٌ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
وَعِبَارَةُ ع ش أَيْ وَلَيْسَ لَهُ إذَا لَمْ يَخْطُبْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ دُونَ صَلَاتِهَا لِكَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَخْطُبْ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ بِمَثَابَةِ رَكْعَتَيْنِ فَأَشْبَهَتْ الْفُرُوضَ الْعَيْنِيَّةَ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ) فَالْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِ تُبِيحُ الْجَمْعَ وَنِيَّةَ النَّفْلِ أَوْ الصَّلَاةِ أَوْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ تُبِيحُ مَا عَدَا الْفَرْضَ الْعَيْنِيَّ وَنِيَّةُ شَيْءٍ مِمَّا عَدَا الصَّلَاةَ لَا تُبِيحُهَا وَتُبِيحُ مَا عَدَا الصَّلَاةَ اهـ حَجّ وَقَوْلُهُ مَا عَدَا الْفَرْضَ الْعَيْنِيَّ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا هُوَ كَذَلِكَ بِالْأَصَالَةِ فَيَشْمَلُ الْمُعَادَةَ فَلَا تُسْتَبَاحُ بِهَذَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ؛ لِأَنَّهَا أَرْقَى مِنْ النَّفْلِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ حَتَّى مُسْتَرْسِلِ لِحْيَتِهِ) وَلَا يُشْتَرَطُ تَيَقُّنُ وُصُولِ التُّرَابِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْعُضْوِ بَلْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ وَلَا قَصْدُ التُّرَابِ أَيْضًا لِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ يَمْسَحُهُ فَلَوْ أَخَذَ التُّرَابَ لِيَمْسَحَ بِهِ وَجْهَهُ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ مَسَحَهُ جَازَ أَنْ يَمْسَحَ بِذَلِكَ التُّرَابِ يَدَيْهِ وَعَكْسُهُ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَدَيْهِ) فَهَلْ يَجِبُ إزَالَةُ مَا تَحْتَ الْأَظْفَارِ مِمَّا يَمْنَعُ الْوُصُولَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ أَمْ لَا جَزَمَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ بِالْأَوَّلِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ إيصَالِ التُّرَابِ إلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ بِأَنَّ الْأَظْفَارَ مَطْلُوبَةُ الْإِزَالَةِ بِخِلَافِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ، وَإِنْ نَدَرَ لَا يُقَالُ قَضِيَّةُ الْفَرْقِ وُجُوبُ إيصَالِهِ إلَى مَنَابِتِ لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِمَطْلُوبِيَّةِ الْإِزَالَةِ الْمَطْلُوبُ أَصَالَةً لِذَاتِهِ. وَأَمَّا لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ فَلَا تُطْلَبُ إزَالَتُهَا إلَّا لِعَارِضِ تَشَوُّهٍ أَوْ تَزَيُّنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلَا يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ لِمَا تَحْتَ الْأَظْفَارِ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ شَيْخُنَا اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ لِعُسْرِهِ) أَيْ وَلَا يُنْدَبُ لِلْمَشَقَّةِ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ نَقْلَتَانِ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ وَمُقَابَلَةُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ اهـ شَرْحُ م ر وَالْمُرَادُ بِوُجُوبِ النَّقْلَتَيْنِ عَدَمُ جَوَازِ النَّقْصِ عَنْهُمَا وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَلَا يَكْفِي النَّقْلُ بِعُضْوٍ مُتَنَجِّسٍ إنْ كَانَ بِغَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ، إذْ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ مَعَهُ وَإِلَّا فَيَصِحُّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ قَالَ فِي الرَّوْضِ، وَلَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدِهِ الْمُتَنَجِّسَةِ لَمْ يَجُزْ أَيْ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ زَوَالُ النَّجَاسَةِ عَنْ بَدَنِهِ لَا لِكَوْنِهِ مَسَحَ بِآلَةٍ نَجِسَةٍ وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَسَحَ بِثَوْبٍ نَجِسٍ مَعَ طَهَارَةِ بَدَنِهِ صَحَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي تَنَجُّسِ سَائِرِ الْبَدَنِ اهـ ع ش عَلَى م ر فَشَرْطُ صِحَّتِهِ أَيْ التَّيَمُّمِ عَدَمُ نَجَاسَةٍ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ فَلَوْ مَسَحَ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَا إبَاحَةَ مَعَ الْمَانِعِ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَلِهَذَا لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ اسْتِنْجَائِهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ، وَلَوْ تَنَجَّسَ بَدَنُهُ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ لَمْ يَبْطُلْ قَبْلَ سَتْرِ عَوْرَتِهِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ سَتْرِهَا صَحَّ؛ لِأَنَّ مُنَافَاةَ النَّجَاسَةِ لِلصَّلَاةِ أَشَدُّ مِنْ مُنَافَاةِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ أَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ فَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ لِقِلَّةِ الْمُنَافَاةِ لَهَا بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ صَحَّتْ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ حَجّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَمْكَنَ بِنَقْلَةِ بِخِرْقَةٍ) بِأَنْ يَمْسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ مَعًا وَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ نَقْلَةً وَاحِدَةً حَصَلَ بِهَا تَعْمِيمُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَلْ الْحَاصِلُ مِنْ ذَلِكَ نَقْلَتَانِ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا فَالْبُطْلَانُ لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ وَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهَا هَلْ مِنْ نَحْوِ الْخِرْقَةِ مَا لَوْ وَضَعَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ مَعًا عَلَى التُّرَابِ؛ لِأَنَّهَا نَقْلَةٌ أَوْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ نَقْلَتَانِ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا الظَّاهِرُ الثَّانِي أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي فِيمَا لَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ مَعًا حَيْثُ جُعِلَ ذَلِكَ تَصْوِيرًا لِلنَّقْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا اهـ ح ل مَعَ زِيَادَةٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْغَايَةُ لَا تَسْتَقِيمُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهَا قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ، فَإِنَّهُ لَوْ ضَرَبَ بِخِرْقَةٍ كَبِيرَةٍ
(1/220)
(لَا تَرْتِيبُهُمَا) فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ مَعًا وَمَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى الْأُخْرَى جَازَ وَفَارَقَ الْمَسْحَ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَالْمَسْحُ أَصْلٌ وَعُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِي بِالنَّقْلِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الضَّرْبُ، وَإِنْ عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْخَبَرُ فَيَكْفِي تَمَعُّكٌ وَوَضْعُ يَدٍ عَلَى تُرَابٍ نَاعِمٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فَالتَّعْبِيرُ بِالضَّرْبَتَيْنِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْخَبَرِ «ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ» كَذَلِكَ، إذْ لَوْ مَسَحَ بِبَعْضِ ضَرْبَةِ الْوَجْهِ وَبِبَعْضِهَا مَعَ أُخْرَى الْيَدَيْنِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُجْزِئُ.
(وَسُنَّ تَسْمِيَةٌ) حَتَّى لِجُنُبٍ وَنَحْوه أَوَّلَهُ وَتَوَجُّهٌ فِيهِ لِلْقِبْلَةِ وَسِوَاكٌ وَعَدَمُ تَكَرُّرِ مَسْحٍ وَإِتْيَانٌ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَهُ (وَوِلَاءٌ) فِيهِ بِتَقْدِيرِ التُّرَابِ مَاءً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَمَسَحَ بِبَعْضِهَا وَجْهَهُ وَقَصَدَ مَسْحَ يَدَيْهِ بِبَاقِيهَا وَمَسَحَهُمَا بِهِ كَفَى؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ النَّقْلُ، وَهَذَا نَقْلٌ آخَرُ اهـ وَهَذَا خَطَأٌ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ النَّقْلَ الَّذِي تَقْتَرِنُ بِهِ النِّيَّةُ، وَإِنْ كَثُرَ يُعَدُّ نَقْلَةً وَاحِدَةً وَالنِّيَّةُ الثَّانِيَةُ لَا تَلْغِي النِّيَّةَ الْأُولَى فَالْبَعْضُ الَّذِي قَصَدَ بِهِ الْمَسْحَ الْيَدَيْنِ بَقِيَّةُ النَّقْلَةِ الْأُولَى لَا نَقْلَةٌ أُخْرَى فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ مَعًا وَمَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ مَسْحَ الْيَدِ بِالْيَدِ الثَّانِيَةِ نَقْلَةٌ ثَانِيَةٌ مَعَ قَصْدِهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ نَقْلَةً أُخْرَى وَأَيْضًا يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ اسْتِحَالَةُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ بِالِاكْتِفَاءِ بِنَقْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا وَاضِحٌ جَلِيٌّ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ اتِّبَاعُهُ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ وَبِهِ يَتَّضِحُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيَنْدَفِعُ مَا أَطَالُوا بِهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَالْإِشْكَالِ وَكَثْرَةِ الْقِيلِ وَالْقَالِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ النِّعْمَةِ وَالْإِفْضَالِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
(قَوْلُهُ لَا تَرْتِيبُهُمَا) أَيْ فَلَا يَجِبُ لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ مَعًا إلَخْ) هَذَا تَصْوِيرٌ لِلنَّقْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا فَكُلُّ يَدٍ نَقْلَةٌ وَفِيهِ أَنَّ عَدَمَ التَّرْتِيبِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْوَضْعِ. وَأَمَّا عِنْدَ الْمَسْحِ فَحَاصِلٌ بَيْنَ النَّقْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ يُعَدُّ نَقْلَةً وَمَسْحَ الْيَدِ يُعَدُّ نَقْلَةً أُخْرَى فَقَدْ حَصَلَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ النَّقْلَتَيْنِ وَقَوْلُهُ وَفَارَقَ الْمَسْحَ أَيْ فَارَقَ النَّقْلُ الْمَسْحَ حَيْثُ يُجْزِئُ النَّقْلُ لِشَيْءٍ مِنْ الْيَدَيْنِ مَعَ النَّقْلِ لِلْوَجْهِ أَيْ وَعَكْسُهُ وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَقَعَ الْمَسْحُ لِشَيْءٍ مِنْ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمَسْحِ لِلْوَجْهِ أَيْ وَعَكْسُهُ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ أَيْ النَّقْلُ أَيْ وَالْمَسْحُ أَصْلٌ مَقْصُودٌ وَيُغْتَفَرُ فِي الْوَسَائِلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ أَيْضًا فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ إلَخْ) قَدْ يُشْكِلُ تَفْرِيعُ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ تَرْتِيبِ النَّقْلِ؛ لِأَنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ الْيَمِينِ بِالْيَسَارِ يَتَضَمَّنُ تَرْتِيبَ النَّقْلِ، إذْ مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَمِينِ نَقْلٌ بِهَا إلَيْهِ إنْ رَفَعَهَا إلَيْهِ أَوْ بِهِ مِنْهَا إنْ وَضَعَهُ عَلَيْهَا، وَكَذَا فِي مَسْحِ الْيَمِينِ بِالْيَسَارِ، وَقَدْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا وَضَعَ الْيَمِينَ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَسَارَ عَلَى الْيَمِينِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الْوَجْهَ بِأَنْ رَدَّدَ الْيَمِينَ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْيَمِينَ بِأَنْ رَدَّدَ الْيَسَارَ عَلَيْهَا إنْ صَحَّ أَجْزَأَ ذَلِكَ فَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَحِينَئِذٍ فَيُصَوَّرُ بِوَضْعِ الْخِرْقَةِ دُفْعَةً عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، ثُمَّ يُرَتِّبُ تَرْدِيدَهَا عَلَيْهِمَا فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ فِيهَا اهـ سُلْطَانٌ.
(قَوْلُهُ فَيَكْفِي تَمَعُّكٌ) فِي الْمُخْتَارِ تَمَعَّكَتْ الدَّابَّةُ أَيْ تَمَرَّغَتْ وَمَعَّكَهَا صَاحِبُهَا تَمْعِيكًا اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْخَبَرِ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ تَوْزِيعُ الضَّرْبَتَيْنِ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ لَا مِنْ حَيْثُ التَّعْبِيرُ بِالضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ قَبْلُ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ مَسَحَ بِبَعْضِ ضَرْبَةٍ إلَخْ) هَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ عَيْنُ قَوْلِهِ أَوَّلًا فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ مَعًا إلَخْ فَذَكَرَهَا أَوَّلًا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَذَكَرَهَا هُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ خُصُوصُ ضَرْبَةٍ لِلْوَجْهِ وَخُصُوصُ ضَرْبَةٍ لِلْيَدَيْنِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ حَتَّى لِجُنُبٍ) نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْجُنُبَ فِيهِ يَقْتَصِرُ عَلَى أَقَلِّ التَّسْمِيَةِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْأَكْمَلِ قَاصِدًا الذِّكْرَ أَوْ يُطْلَقُ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ وَسِوَاك) وَمَحِلُّهُ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالنَّقْلِ كَمَا أَنَّهُ فِي الْوُضُوءِ بَيْنَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْمُضَمْضِمَةِ اهـ حَجّ أَقُولُ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تُسْتَحَبُّ مُقَارَنَتُهَا لِلنَّقْلِ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ اسْتِحْبَابِ مُقَارَنَتِهَا لِغَسْلِ الْكَفَّيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ فِي الْغُسْلِ فَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ لَهُ، ثُمَّ السِّوَاكُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَعَلَى قِيَاسِ الْوُضُوءِ مِنْ مُقَارَنَةِ التَّسْمِيَةِ لِغَسْلِ الْكَفَّيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَارِنَ هُنَا أَوَّلَ النَّقْلِ فَيَكُونُ السِّوَاكُ قَبْلَ النَّقْلِ وَالتَّسْمِيَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ وَعَدَمُ تَكَرُّرِ مَسْحٍ) فَلَوْ كَرَّرَهُ كَانَ مَكْرُوهًا اهـ ع ش. (قَوْلُهُ وَإِتْيَانٌ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَهُ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالذِّكْرُ آخِرَهُ السَّابِقُ فِي الْوُضُوءِ، وَذَكَرَ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ وَالْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ وَأَنْ لَا يَرْفَعَ يَدَهُ عَنْ الْعُضْوِ حَتَّى يَتِمَّ مَسْحُهُ وَتَخْلِيلَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ بَعْدَ مَسْحِهِمَا بِالتَّشْبِيكِ كَالْوُضُوءِ وَيَجِبُ إنْ لَمْ يُفَرِّقْهَا فِي الضَّرْبَتَيْنِ لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى الْمَحِلِّ الْوَاجِبِ مَسْحُهُ أَوْ فَرَّقَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا وَصَلَ إلَيْهِ قَبْلَ مَسْحِ وَجْهِهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي حُصُولِ الْمَسْحِ فَاحْتَاجَ إلَى التَّخْلِيلِ لِيَحْصُلَ تَرْتِيبُ الْمَسْحَيْنِ انْتَهَتْ، وَكَذَا يُسَنُّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ عَنْ طَهَارَةٍ مَنْدُوبَةٍ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَوِلَاءٌ فِيهِ) ، وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ الدَّلْكُ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ انْتَهَى بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ بِتَقْدِيرِ التُّرَابِ مَاءً)
(1/221)
(وَتَقْدِيمُ يَمِينِهِ) عَلَى يَسَارِهِ (وَأَعْلَى وَجْهِهِ) عَلَى أَسْفَلِهِ كَالْوُضُوءِ فِي الْجَمِيعِ إلَّا عَدَمَ التَّكَرُّرِ (وَيَخْتَلِفُ غُبَارٌ) مِنْ كَفَّيْهِ مَثَلًا إنْ كَثُرَ بِأَنْ يَنْفُضَهَا أَوْ يَنْفُخَهُ عَنْهُمَا لِئَلَّا يَتَشَوَّهَ الْعُضْوُ بِالْمَسْحِ (وَتَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلَ كُلٍّ) مِنْ النَّقْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إثَارَةِ الْغُبَارِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهِمَا (وَنَزْعُ خَاتَمِهِ فِي الْأُولَى) لِيَكُونَ مَسْحُ الْوَجْهِ بِجَمِيعِ الْيَدِ وَالتَّصْرِيحُ بِسَنِّ هَذَا مِنْ زِيَادَتِي (وَيَجِبُ) نَزْعُهُ (فِي الثَّانِيَةِ) لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَحِلِّهِ وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِيجَابُ نَزْعِهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمَسْحِ لَا عِنْدَ النَّقْلِ.
(وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ فَجَوَّزَهُ) لَا فِي صَلَاةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَيْ فِي السَّلِيمِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الضَّرُورَةِ فَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ فِي تَيَمُّمِهِ كَمَا تَجِبُ فِي وُضُوئِهِ، وَكَذَا تَجِبُ فِي حَقِّ السَّلِيمِ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَتَقْدِيمُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ) وَأَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى كَيْفِيَّتِهِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ أَنْ يَضَعَ بُطُونَ أَصَابِعِ الْيُسْرَى سِوَى الْإِبْهَامِ عَلَى ظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى سِوَى الْإِبْهَامِ بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ أَنَامِلُ الْيُمْنَى عَنْ مِسَجَّةِ الْيُسْرَى وَلَا مِسَجَّةُ الْيُمْنَى عَنْ أَنَامِلِ الْيُسْرَى وَيُمِرُّهَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّ الْيُمْنَى فَإِذَا بَلَغَ الْكُوعَ ضَمَّ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ إلَى حَرْفِ الذِّرَاعِ إلَى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ يُدِيرُ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى بَطْنِ الذِّرَاعِ فَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ رَافِعًا إبْهَامَهُ فَإِذَا بَلَغَ الْكُوعَ أَمَرَّ إبْهَامَ الْيُسْرَى عَلَى إبْهَامِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْيُمْنَى كَذَلِكَ، ثُمَّ يَمْسَحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُمَا حَصَلَ بِضَرْبِهِمَا بَعْدَ مَسْحِ وَجْهِهِ وَجَازَ مَسْحُ ذِرَاعَيْهِ بِتُرَابِهِمَا لِعَدَمِ انْفِصَالِهِ مَعَ الْحَاجَةِ، إذْ لَا يُمْكِنُ مَسْحُ الذِّرَاعِ بِكَفِّهَا فَصَارَ كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمُرَادُهُ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ بِنَقْلِ الْمَاءِ تَقَاذَفَهُ الَّذِي يَغْلِبُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ كَالْوُضُوءِ) فِي الْجَمِيعِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ أَوَّلَهُ أَتَى بِهَا فِي أَثْنَائِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ أَوْ يَنْفُخُهُ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى إلَّا قَدْرُ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَضَ يَدَيْهِ وَنَفَخَ فِيهِمَا. وَأَمَّا مَسْحُ التُّرَابِ عَنْ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ فَالْأَحَبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا يُكَلَّفُ مُسَافِرٌ نَفْضَ مَا غَشِيَهُ مِنْ غُبَارِ السَّفَرِ عِنْدَ إرَادَةِ التَّيَمُّمِ إلَّا إنْ كَثُفَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ نَفَخَ فِي التُّرَابِ نَفْخًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَالْمِنْفَخُ وَالْمِنْفَاخُ بِالْكَسْرِ مَا يُنْفَخُ بِهِ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا نَفَضْته نَفْضًا مِنْ بَابِ قَتَلَ لِيَزُولَ عَنْهُ الْغُبَارُ وَنَحْوُهُ فَانْتَفَضَ أَيْ تَحَرَّكَ انْتَهَى وَنَفَضْت الْوَرَقَ عَنْ الشَّجَرِ نَفْضًا أَسْقَطْته وَالنَّفَضُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا تَسَاقَطَ فَفَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. (قَوْلُهُ وَتَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلَ كُلٍّ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي الْأُولَى عَدَمُ صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ لِمَنْعِ الْغُبَارِ الْحَاصِلِ فِيهَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ وُصُولَ الْغُبَارِ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي الْأُولَى أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ وُجُوبِ تَرْتِيبِ النَّقْلِ كَمَا مَرَّ فَحُصُولُ التُّرَابِ الثَّانِي إنْ لَمْ يَزِدْ الْأَوَّلَ قُوَّةً لَمْ يَنْقُصْهُ وَأَيْضًا الْغُبَارُ عَلَى الْمَحِلِّ لَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ غَشِيَهُ غُبَارُ السَّفَرِ لَا يُكَلَّفُ نَفْضَهُ لِلتَّيَمُّمِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُ الْبَغَوِيّ يُكَلَّفُ نَفْضَ التُّرَابِ مَحْمُولٌ عَلَى تُرَابٍ يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْمَحِلِّ اهـ سم.
(قَوْلُهُ لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَحِلِّهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاسِعًا أَوْ حَرَّكَهُ وَوَصَلَ التُّرَابُ إلَى مَحِلِّهِ لَا يَجِبُ نَزْعُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ أَيْ بِمَحِلِّهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ وَيَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ أَيْ تَجِبُ إزَالَتُهُ عَنْ مَحِلِّهِ بِقَدْرِ مَا يَصِلُ التُّرَابُ لِمَا تَحْتَهُ وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ بِمَحِلِّهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ لِقُوَّةِ سَرَيَانِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي أَحْكَامِ التَّيَمُّمِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ
الْأَوَّلُ بُطْلَانُهُ بِغَيْرِ الْحَدَثِ. الثَّانِي بَيَانُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ. الثَّالِثُ بَيَانُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ لِمَا صَلَّاهُ بِهِ وَعَدَمُ وُجُوبِهِ اهـ شَيْخُنَا ح ف. (قَوْلُهُ لِفَقْدِ مَاءٍ) أَيْ حِسِّيًّا أَوْ شَرْعِيًّا كَأَنْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ وَقَوْلُهُ فَجَوَّزَهُ أَيْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بِالشِّفَاءِ فَافْهَمْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر، وَمِنْهُ أَيْ التَّوَهُّمُ مَا لَوْ تَوَهَّمَ زَوَالَ الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ كَأَنْ تَوَهَّمَ زَوَالَ السَّبُعِ فَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ تَوَهُّمِ زَوَالِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ كَتَوَهُّمِ الشِّفَاءِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ كَمَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ السَّاتِرَ لِتَوَهُّمِ الْبُرْءِ فَبَانَ خِلَافُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ، وَمِنْهُ كَمَا قَالَهُ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مَا لَوْ رَأَى رَجُلًا لَابِسًا إذَا احْتَمَلَ أَنَّ تَحْتَ ثِيَابِهِ مَاءً انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ فَجَوَّزَهُ) مِثْلُ تَجْوِيزِهِ وُجُودَ ثَمَنِهِ مَعَ إمْكَانِ شِرَائِهِ أَوْ اقْتِرَاضِ ثَمَنِهِ أَوْ أَتَاهُ مَالُهُ الْغَائِبُ اهـ م ر اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ أَيْضًا فَجَوَّزَهُ إلَخْ) أَيْ بِرَاجِحِيَّةٍ أَوْ مَرْجُوحِيَّةٍ أَوْ مُسَاوَاةٍ وَمِثْلُهَا مَا لَوْ عَمِلَهُ بِالْأَوْلَى فَالْأَحْوَالُ أَرْبَعَةٌ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ مَانِعٌ أَصْلًا أَوْ يَكُونَ مَانِعٌ مُتَأَخِّرٌ أَوْ مُقَارِنٌ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ بِلَا مَانِعٍ وَأَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَحِلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْوُجُودُ أَوْ الْفَقْدُ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ تَسْقُطْ بِهِ وَثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ وَكُلُّهَا تَأْتِي فِيمَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَفِيمَا إذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ نَوْعُ اخْتِلَافٍ عَلَى التَّفْصِيلِ
(1/222)
وَلَوْ فِي تَحَرُّمِهِ (بَطَلَ) تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِالْمَقْصُودِ فَصَارَ كَمَا لَوْ جَوَّزَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ (بِلَا مَانِعٍ) مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ يُقَارِنُ تَجْوِيزَهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَانِعٌ مِنْهُ كَعَطَشٍ وَسَبُعٍ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ حِينَئِذٍ كَالْعَدَمِ وَقَوْلِي فَجَوَّزَهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فَوَجَدَهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ (أَوْ وَجَدَهُ فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاةٍ وَلَا مَانِعَ (، وَلَمْ تَسْقُطْ بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ كَصَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ بِمَحِلٍّ يَنْدُرُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الَّذِي ذَكَرَهُ فَجُمْلَةُ صُوَرِ الْمَقَامِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ فَذَكَرَ صُوَرَ خَارِجِ الصَّلَاةِ السِّتَّةَ وَالثَّلَاثِينَ بِقَوْلِهِ فَجَوَّزَهُ لَا فِي صَلَاةٍ إلَخْ اشْتَمَلَ هَذَا الْمَنْطُوقُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَاشْتَمَلَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِلَا مَانِعٍ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ، وَذَكَرَ صُوَرَ دَاخِلِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ أَوْ وَجَدَهُ فِيهَا إلَخْ، وَقَدْ اشْتَمَلَ مَنْطُوقُهُ عَلَى صُورَتَيْنِ بِمُلَاحَظَةِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَا مَانِعَ يَعْنِي يُقَارِنُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ مُتَأَخِّرًا وَاشْتَمَلَ مَفْهُومُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ دَاخِلَةٍ تَحْتَ إلَّا فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ بِأَنْ جَوَّزَ وُجُودَ سَبْعَةٍ وَعِشْرُونَ وَفِي قَوْلِهِ أَوْ وَجَدَهُ إلَخْ سِتَّةٌ وَبَقِيَ وَاحِدَةٌ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهَا وَهِيَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَلَا مَانِعَ وَهِيَ مَا إذَا وُجِدَ فِيهَا، وَلَمْ تَسْقُطْ بِهِ وَهُنَاكَ مَانِعٌ مُقَارِنٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ فِي تَحَرُّمِهِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ اهـ شَرْحُ م ر وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ التَّجْوِيزُ مُقَارِنًا لِلرَّاءِ مِنْ أَكْبَرُ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِتَمَامِهَا، وَقَدْ قَارَنَهُ الْمَانِعُ اهـ ح ل وع ش.
فَالْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ فِي النَّفْيِ لَا فِي الْمَنْفِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فِيهَا أَنْ يَلْتَبِسَ بِهَا بِإِتْمَامِ الرَّاءِ مِنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ اهـ. (قَوْلُهُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ) مَحَلُّ بُطْلَانِهِ بِالتَّجْوِيزِ الشَّامِلِ لِلتَّوَهُّمِ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ زَمَنٌ لَوْ سَعَى فِيهِ إلَى ذَلِكَ لَأَمْكَنَهُ التَّطَهُّرُ بِهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ كَامِلَةً اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ لَأَمْكَنَهُ التَّطَهُّرُ بِهِ إلَخْ فَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ وَمَحِلُّ بُطْلَانِهِ بِالتَّوَهُّمِ إذَا تَوَهَّمَهُ فِي حَدِّ الْغَوْثِ لِوُجُوبِ طَلَبِهِ مِنْهُ بِالتَّوَهُّمِ أَمَّا فِي حَدِّ الْقُرْبِ فَلَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ إلَّا بِعِلْمِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ طَلَبُهُ مِنْهُ إلَّا عِنْدَ الْعِلْمِ اهـ ع ش عَلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي التَّجْوِيزِ الْمُقَابِلِ لِلْعِلْمِ أَمَّا لَوْ عَلِمَهُ فَيُفَصَّلُ فِيهِ، فَإِنْ عَلِمَهُ فِي حَدِّ الْغَوْثِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَحِلُّ تَسْقُطُ فِيهِ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ أَمْ لَا، وَإِنْ عَلِمَهُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ فَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ، فَإِنْ كَانَتْ تَسْقُطُ فَلَا يَبْطُلُ إلَّا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَاقَ فَلَا يَبْطُلُ. (قَوْلُهُ بِلَا مَانِعٍ) قَيْدٌ لِلْبُطْلَانِ وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِجَوَّزَ أَيْ جَوَّزَ بِلَا مَانِعٍ إلَخْ اهـ ع ش وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا اهـ لِكَاتِبِهِ. (قَوْلُهُ كَعَطَشٍ وَسَبُعٍ) الْأَوَّلُ مِثَالٌ لِلْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ وَالثَّانِي مِثَالٌ لِلْحِسِّيِّ اهـ لِكَاتِبِهِ وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَرَنَ بِهِ مَانِعٌ بِأَنْ سَبَقَهُ وَاسْتَمَرَّ أَوْ وُجِدَا مَعًا كَرُؤْيَةِ مَاءٍ وَسَبُعٍ مَعًا وَالْمُرَادُ بِالْمَانِعِ وُجُودُ حَالَةٍ يَسْقُطُ مَعَهَا وُجُوبُ طَلَبِ الْمَاءِ أَوْ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا مِنْ الْمَانِعِ خَوْفُ خُرُوجِ الْوَقْتِ لِمَنْ عَلِمَ الْمَاءَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ لِمَنْ ازْدَحَمَ عَلَى بِئْرٍ وَعَلِمَ تَأَخُّرَ نَوْبَتِهِ عَنْ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ، وَمِنْهُ مَا لَوْ سَمِعَ مَنْ يَقُولُ عِنْدِي لِغَائِبٍ مَاءٌ وَقَيَّدَهُ شَيْخُنَا م ر بِمَا إذَا عَلِمَ بِغَيْبَتِهِ وَعَدَمِ رِضَاهُ، وَمِنْهُ مَا لَوْ سَمِعَ مَنْ يَقُولُ عِنْدِي مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ مَاءٌ وَخَالَفَ شَيْخُنَا م ر فِي هَذِهِ لِوُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ صَاحِبِ الْمَاءِ.
وَمِنْهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا م ر مَا لَوْ مَرَّ عَلَى بِئْرٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ عَلَى مَاءٍ نَائِمًا مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى بَعُدَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ، وَمِنْهُ حُدُوثُ نَجَاسَةٍ فِي الصَّلَاةِ كَرُعَافٍ، ثُمَّ وُجُودُ مَاءٍ بِقَدْرِ مَا يُزِيلُهَا اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ وَجَدَهُ فِيهَا إلَخْ) وَشِفَاءُ الْمَرِيضِ مِنْ مَرَضِهِ فِي الصَّلَاةِ كَوَجْدِ أَنَّ الْمَاءَ فِي التَّفْصِيلِ اهـ شَرْحُ م ر وَمَحِلُّ كَوْنِ الشِّفَاءِ كَوُجْدَانِ الْمَاءِ فِي التَّفْصِيلِ إذَا عَلِمَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَهَّمَهُ أَوْ شَكَّ أَوْ ظَنَّهُ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ كَمَا فِي الْمَاءِ، وَمِنْ شِفَاءِ الْمَرِيضِ انْقِطَاعُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ أَيْ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَصَلَاةِ جِنَازَةٍ أَوْ عِيدٍ وَمَحِلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ صَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ أَمَّا هِيَ فَيُبْطِلُهَا حَتَّى التَّوَهُّمُ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ نَاصِرُ الدِّينِ الْبَابِلِيُّ التَّقْيِيدُ بِالصَّلَاةِ شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَيَمَّمَتْ لِتَمْكِينِ حَلِيلِهَا، ثُمَّ وَجَدَتْ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الْجِمَاعِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهَا وَيَجِبُ النَّزْعُ إذَا عَلِمَ بِرُؤْيَتِهَا لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهَا وَمِثْلُ ذَلِكَ الطَّوَافُ وَالْقِرَاءَةُ، وَلَوْ لِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا ارْتِبَاطٌ بِبَعْضِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ فَهَذَا كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ لَا فِي صَلَاةٍ (قَوْلُهُ كَصَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ بِمَحِلٍّ يَنْدُرُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَافَ اسْتِقْصَائِيَّةٌ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ م ر فَقَالَ بِأَنْ كَانَ بِمَكَانٍ يَنْدُرُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ إلَخْ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي اهـ.
(فَرْعٌ)
صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِفَقْدِ الْمَاءِ، ثُمَّ شَكَّ أَنَّ الْمَحِلَّ تَسْقُطُ فِيهِ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ لَا هَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ يَحْتَمِلُ وِفَاقًا ل م ر عَدَمَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُقَالُ إنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِالصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَيُّنِ الْبَرَاءَةِ كَمَا يَنْدَفِعُ بِأَنَّ مَنْ شَكَّ
(1/223)
سَيَأْتِي (بَطَلَتْ) فَلَا يُتِمُّهَا، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إتْمَامِهَا لِوُجُوبِ إعَادَتِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ جَوَّزَ وُجُودَهُ فِيهَا أَوْ وَجَدَهُ وَكَانَتْ تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ كَصَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ بِمَحِلٍّ لَا يَنْدُرُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ كَمَا سَيَأْتِي (فَلَا) تَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَتْ نَفْلًا فَلَهُ إتْمَامُهَا لِتَلَبُّسِهِ بِالْمَقْصُودِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إتْمَامِهِ كَوُجُودِ الْمُكَفِّرِ الرَّقَبَةَ فِي الصَّوْمِ نَعَمْ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَوْ الْإِتْمَامَ فِي مَقْصُورَةٍ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ بَطَلَتْ لِحُدُوثِ مَا لَمْ يَسْتَبِحْهُ، إذْ الْإِتْمَامُ كَافْتِتَاحِ صَلَاةٍ أُخْرَى (وَقَطْعُهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ، وَلَمْ تَبْرَأْ بِيَقِينٍ لَا يُقَالُ قَدْ مَنَعُوا الْمِلَاحَ الْمُدِيمَ لِلسَّفَرِ مِنْ الْفِطْرِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا مَنَعُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْضِ رَأْسًا وَهُنَا قَدْ أُتِيَ بِمَقْدُورِهِ اهـ سم. (قَوْلُهُ بَطَلَتْ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا وَيُعِيدُهَا اهـ شَرْحُ م ر، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَطَلَ أَيْ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ وَيَلْزَمُهُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ، وَقَدْ يُقَالُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَطَلَتْ رَاجِعٌ لِلصَّلَاةِ لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهَا كَمَا عُلِمَ مِنْ السِّيَاقِ الْمَذْكُورِ، إذْ الْمَبْحَثُ إنَّمَا هُوَ فِي مُبْطِلِهِ لَا فِي مُبْطِلِهَا فَلَا اعْتِرَاضَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا يُتِمُّهَا) لَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ مَنْ قَوْلِهِ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وَضْعُ التَّفْرِيعِ أَنْ يَكُونَ لِمَا عُلِمَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ بُطْلَانَهَا بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ الْإِتْمَامِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا أَوْقَعَهُ مِنْهَا فَيُثَابُ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ إعَادَتِهَا) أَيْ لَوْ كَانَتْ فَرْضًا فَحِينَئِذٍ سَقَطَ مَا يُقَالُ إنَّ الْعِلَّةَ قَاصِرَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ وَجَدَهُ وَكَانَتْ تَسْقُطُ إلَخْ) أَيْ أَوْ وَجَدَهُ فِيهَا، وَلَمْ تَسْقُطْ لَكِنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ مُقَارِنٌ فَهَذِهِ صُورَةٌ ثَالِثَةٌ مِنْ مَصْدُوقٍ إلَّا أَسْقَطَهَا الشَّارِحُ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ فَلَا تَبْطُلُ) أَيْ وَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِمُجَرَّدِ سَلَامِهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَاءَ تَلِفَ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ أَنْ يُدْخِلَ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ لِسُجُودِ سَهْوٍ بِخِلَافِهِ لِتَذَكُّرِ رُكْنٍ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا اهـ شَيْخُنَا ح ف.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَلَا يَبْقَى تَيَمُّمُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ سَلَامِهِ لِوُجُودِ الْمَاءِ، وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَلَوْ نَاسِيًا، وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ بِالسَّلَامِ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ حَجّ كَابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا الشبراملسي وَنَقَلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ نَفْلًا) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِحَالَةِ التَّجْوِيزِ. وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْوُجُودِ فَلَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ النَّفَلَ لَا يُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَسْقُطَ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ لَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمِثْلُ الْفَرْضِ النَّفَلُ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي حَالِ التَّجْوِيزِ لَا حَالِ الْوُجُودِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ نَفْلًا) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر، وَإِنْ أَسْقَطَهَا التَّيَمُّمُ فَلَا تَبْطُلُ، وَقِيلَ يَبْطُلُ النَّفَلُ الَّذِي يَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ لِقُصُورِ حُرْمَتِهِ عَنْ حُرْمَةِ الْفَرْضِ، إذْ الْفَرْضُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ بِخِلَافِ النَّفْلِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ لِتَلَبُّسِهِ بِالْمَقْصُودِ) إنْ قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ يَشْمَلُ الصَّلَاةَ الَّتِي تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا تَبْطُلُ فَأَشَارَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إتْمَامِهِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ إتْمَامِهَا وَهُوَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ اهـ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ قَوْلُهُ لِتَلَبُّسِهِ بِالْمَقْصُودِ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْمُصَلِّي بِالْخُفِّ إذَا تَخَرَّقَ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ مَعَ تَلَبُّسِهِ بِالْمَقْصُودِ وَالْمُعْتَدَّةُ بِالْأَشْهُرِ إذَا حَاضَتْ فِيهَا فَتَنْتَقِلُ لِلْحَيْضِ مَعَ التَّلَبُّسِ بِالْمَقْصُودِ أَيْضًا وَالْأَعْمَى إذَا صَلَّى بِالتَّقْلِيدِ، ثُمَّ أَبْصَرَ الْقِبْلَةَ فِيهَا، فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ فَدَفَعَ هَذَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْإِتْمَامِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَذْكُورَاتِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فِيهَا وَهُوَ فِي الْأُولَى عَدَمُ جَوَازِ افْتِتَاحِهَا بِحَالٍ مَعَ تَخَرُّقِ الْخُفِّ وَفِي الثَّانِيَةِ قَدَّرْتهَا عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ فَرَاغِهَا مِنْ الْبَدَلِ وَفِي الثَّالِثَةِ زَوَالُ مَا يَجُوزُ مَعَهُ التَّقْلِيدُ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ) أَيْ أَوْ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ تَيَمَّمَ وَيَمَّمَ الْمَيِّتَ وَصَلَّى عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ دَفَنَهُ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ تَوَضَّأَ وَصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ، وَهَلْ تَتَوَقَّفُ عَلَى نَبْشِ الْمَيِّتِ وَغَسْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِيهِ نَظَرٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ م ر لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَبْشٍ وَأَقَرَّهُ الْعَلَّامَةُ سم وَفِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ حَجّ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ قَالَ شَيْخُنَا الشبراملسي وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَقَطَعَهَا) أَيْ الصَّلَاةَ الَّتِي لَا تَبْطُلُ، وَلَوْ فَرِيضَةً أَيْ بِالتَّيَمُّمِ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ تَعْمِيمُهُ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا تَبْطُلُ بِتَجْوِيزِ الْمَاءِ أَوْ وُجُودِهِ الشَّامِلِ لِلْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النَّافِلَةَ تَبْطُلُ بِوُجُودِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَحِلُّ تَسْقُطُ فِيهِ الْفَرِيضَةُ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ لَا وَحَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ النَّافِلَةُ فَقَطْعُهَا أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَ إتْمَامَهَا؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ لِإِتْمَامِ الْفَرِيضَةِ مُحَرِّمٌ لِإِتْمَامِ النَّفْلِ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَحْرِيمُ إتْمَامِ الْفَرِيضَةِ دُونَ النَّافِلَةِ وَيُفَرَّقَ وَقَوْلُهُ أَفْضَلُ أَيْ حَيْثُ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِلْفَرِيضَةِ أَيْ، وَإِنْ أَرَادَ إعَادَتَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ وَقَلَبَ الْفَرِيضَةَ نَفْلًا وَيُسَلِّمُ
(1/224)
وَلَوْ فَرِيضَةً لِيَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّي بَدَلَهَا (أَفْضَلُ) مِنْ إتْمَامِهَا لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَ إتْمَامَهَا (وَحَرُمَ) أَيْ قَطْعُهَا (فِي فَرْضٍ) إنْ (ضَاقَ وَقْتُهُ) عَنْهُ لِئَلَّا يُخْرِجَهُ عَنْ وَقْتِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَدَائِهِ فِيهِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّحْقِيقِ، وَإِنْ ضَعَّفَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ قَطْعِهَا لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ بِقَوْلِهِ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ قَطْعَهَا أَفْضَلُ مِنْ قَلْبِهَا نَفْلًا وَفِي كَلَامِ حَجّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَلْبُهَا نَفْلًا؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ كَافْتِتَاحِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَمُنِعَ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا نَوَاهُ، وَإِنَّمَا غَيَّرَ صِفَةَ النِّيَّةِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ قَطْعَهَا أَفْضَلُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَحِلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ ابْتَدَأَهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَوْ قَطَعَهَا وَتَوَضَّأَ لَانْفَرَدَ وَإِلَّا فَالْمُضِيُّ فِيهَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْلَى اهـ ح ل.
وَقَوْلُهُ وَفِي كَلَامِ حَجّ إلَخْ مِثْلُهُ الزِّيَادِيُّ وَع ش وسم، وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ جَوَازُ قَلْبِهَا نَفْلًا اهـ. (قَوْلُهُ أَيْضًا وَقَطْعُهَا أَفْضَلُ) أَيْ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْمَاءُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِيَتَوَضَّأْ إلَخْ أَمَّا إذَا جَوَّزَهُ فِيهَا فَلَا يَقْطَعُهَا، إذْ لَا مَعْنَى لَهُ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُهَا حِينَئِذٍ اهـ م ر اهـ إطْفِيحِيٌّ وَمَحِلُّ كَوْنِ الْقَطْعِ أَفْضَلَ مَا لَمْ تَكُنْ فِي الْأُولَى فَضِيلَةٌ خَلَتْ عَنْهَا الثَّانِيَةُ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْأُولَى فَضِيلَةٌ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ فِي جَمَاعَةٍ وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ خَالِيَةً عَنْ الْجَمَاعَةِ فَإِتْمَامُهَا بِالتَّيَمُّمِ أَفْضَلُ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَاعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّ قَطْعَهَا أَفْضَلُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنْ ابْتَدَأَهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَوْ قَطَعَهَا وَتَوَضَّأَ لَانْفَرَدَ فَالْمُضِيُّ فِيهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ، وَإِنْ ابْتَدَأَهَا مُنْفَرِدًا، وَلَوْ قَطَعَهَا وَتَوَضَّأَ لَصَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْ ابْتَدَأَهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَوْ قَطَعَهَا وَتَوَضَّأَ لَصَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْ ابْتَدَأَهَا مُنْفَرِدًا، وَلَوْ قَطَعَهَا وَتَوَضَّأَ لَصَلَّاهَا مُنْفَرِدًا فَقَطْعُهَا أَفْضَلُ انْتَهَتْ (وَقَوْلُهُ، وَلَوْ فَرِيضَةً) قَدْ تُوهِمُ الْغَايَةُ أَنَّ قَطْعَ النَّفْلِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قِيلَ إنَّ الْأَفْضَلَ إتْمَامُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ لِيَخْرُجَ إلَخْ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ رِعَايَةُ مَنْ حَرَّمَ الْقَطْعَ لِقُوَّةِ مُدْرِكِهِ قَالَهُ فِي التُّحْفَةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ، وَهَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إتْمَامَ الْفَرِيضَةِ أَفْضَلُ كَمَا حَكَاهُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِهِ وَعَلَى الْوَجْهِ الْجَارِي عَلَى أَنَّ إتْمَامَهَا وَاجِبٌ كَمَا حَكَاهُ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ.
وَأَشَارَ الشَّارِحُ لِقَوْلٍ ثَالِثٍ وَهُوَ وُجُوبُ الْقَطْعِ بِقَوْلِهِ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَ إتْمَامَهَا فَهَذِهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ وَهُوَ أَنَّ قَطْعَهَا أَفْضَلُ مُتَلَخِّصٌ أَنَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ هَذَا مَا أَمْكَنَ اسْتِنْبَاطُهُ مِنْ صَنِيعِهِمْ هُنَا. وَأَمَّا النَّفَلُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُمْ فِيهِ عِبَارَةٌ صَرِيحَةٌ فِي تَحْرِيرِ الْخِلَافِ الَّذِي فِيهِ اهـ لِكَاتِبِهِ. (قَوْلُهُ لِيَتَوَضَّأْ وَيُصَلِّي بَدَلَهَا) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ وَهُوَ قَرِيبٌ إنْ لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرٌ، فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ تَغَيُّرٌ مَا فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ بَلْ قَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرٌ أَصْلًا مُسَارَعَةً إلَى دَفْنِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ لِيَتَوَضَّأْ أَيْ وَلَوْ وُضُوءً مُكَمَّلًا بِالتَّيَمُّمِ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ إنْ ضَاقَ وَقْتُهُ) مَالَ م ر إلَى أَنَّ الْمُرَادَ ضِيقُهُ عَنْ وُقُوعِهَا أَدَاءً حَتَّى لَوْ كَانَ إذَا قَطَعَهَا وَتَوَضَّأَ أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ قَطَعَهَا وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِعِبَارَةِ النَّاشِرِيّ فِي ذَلِكَ اهـ سم اهـ ع ش، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِتَعْلِيلِ الشَّارِحِ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْمُرَادَ ضِيقُهُ عَنْ إدْرَاكِ جَمِيعِهَا اهـ شَيْخُنَا وَقَدَّرَ الشَّارِحُ أَدَاةَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ تَخْصِيصُ التَّحْرِيمِ بِفَرْضٍ اتَّصَفَ بِأَنَّ وَقْتَهُ ضَيِّقٌ وَلَيْسَ لَنَا وَقْتٌ كَذَلِكَ إلَّا الْمَغْرِبَ عَلَى قَوْلٍ فَأَشَارَ بِالتَّقْدِيرِ إلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ لَيْسَتْ صِفَةً وَكَتَبَ أَيْضًا قَدَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ هُنَا وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ التَّيَمُّمِ وَيَأْتِي فِي الْحَيْضِ وَفِي مَبْحَثِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَفِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَفِي بَابِ الْقَرْضِ وَفِي بَابِ الْفَلَسِ وَفِي بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ وَفِي إتْلَافِ الدَّوَابِّ وَفِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَفِي فَصْلِ التَّفْوِيضِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَفِي الْجِزْيَةِ وَفِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَفِي بَابِ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ وَفِي بَابِ الشُّفْعَةِ وَفِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَفِي بَابِ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ وَفِي أَوَاخِرِ بَابِ اللِّعَانِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا إنْ ضَاقَ وَقْتُهُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَسَعْهَا كُلَّهَا، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ نَاصِرُ الدِّينِ الْبَابِلِيُّ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُهَا تَامَّةً إنْ أَرَادَ الْإِتْمَامَ وَمَقْصُورَةً إنْ أَرَادَ الْقَصْرَ بِأَقَلَّ مُجْزِئٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ حَجّ وَكَلَامُ الْعَلَّامَةِ م ر فِي شَرْحِهِ يُفِيدُ أَنَّ مَحِلَّهُ إذَا أَخَّرَهَا عَنْ الْأَدَاءِ وَأَقَرَّهُ الْعَلَّامَةُ سم.
(تَنْبِيهٌ)
لَوْ يَمَّمَ مَيِّتًا وَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ كَانَ حُكْمُ تَيَمُّمِهِ كَتَيَمُّمِ الْحَيِّ وَحُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَيَصِحُّ تَيَمُّمُهُ سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْفَرْضُ أَوْ لَا فَالْوَجْهُ جَوَازُ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ الْفَرْضُ أَوْ لَا قَالَ شَيْخُنَا الشبراملسي لَكِنْ إذَا لَمْ تَسْقُطْ الصَّلَاةُ بِفِعْلِهِ وَكَانَ ثَمَّ مَنْ تَسْقُطُ بِفِعْلِهِ وَجَبَ عَلَى مَنْ تَسْقُطُ بِفِعْلِهِ
(1/225)
(وَالْمُتَنَفِّلُ) الْوَاجِدُ لِلْمَاءِ فِي صَلَاتِهِ (إنْ نَوَى قَدْرًا) رَكْعَةً فَأَكْثَرَ (أَتَمَّهُ) لِانْعِقَادِ نِيَّتِهِ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ قَدْرًا (ف) لَا يُجَاوِزُ (رَكْعَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَحَبُّ وَالْمَعْهُودُ فِي النَّفْلِ نَعَمْ إنْ وَجَدَهُ فِي ثَالِثَةٍ فَمَا فَوْقَهَا أَتَمَّهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ.
(وَلَا يُؤَدَّى بِهِ) أَيْ بِتَيَمُّمِهِ لِفَرِيضَةٍ عَيْنِيَّةٍ (مِنْ فُرُوضٍ عَيْنِيَّةٍ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَوْ نَذْرًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَصَحَّتْ لِمَنْ لَا تَسْقُطُ بِفِعْلِهِ كَنَافِلَتِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ وَالْمُتَنَفِّلُ إنْ نَوَى قَدْرًا إلَخْ) هَذَا عَامٌّ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْمَحِلُّ يَغْلِبُ فِيهِ الْوُجُودُ أَوْ الْفَقْدُ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِصِحَّةِ النَّفْلِ وَعَدَمِ بُطْلَانِهِ فِي الْحَالَيْنِ اهـ قُلْت وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ عَدَمِ الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا فِي النَّفْلِ يُخَالِفُهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي إجْرَاءِ التَّفْصِيلِ فِيهِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ تَسْقُطُ بِهِ أَوْ لَا تَسْقُطُ بِهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ إسْقَاطُ الطَّلَبِ وَعَدَمُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ حَلَبِيٌّ وَقَوْلُهُ الْوَاجِدُ لِلْمَاءِ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُجَوِّزَ لَهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَلْ يُصَلِّي مَا شَاءَ، وَهَذَا يُسَاعِدُ تَقْيِيدَ الْحَلَبِيِّ كَوْنَ التَّيَمُّمِ يَبْطُلُ بِالسَّلَامِ بِصُورَةِ الْوُجْدَانِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ أَتَمَّهُ) أَيْ جَوَازًا، وَالْأَفْضَلُ قَطْعُهُ لِيُصَلِّيَهُ بِالْوُضُوءِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ لِانْعِقَادِ نِيَّتِهِ عَلَيْهِ) هَذَا بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ، فَإِنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةِ قَدْرٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ أَثْنَاءَ الْقِرَاءَةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِعَدَمِ ارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَلَوْ فِي أَثْنَائِهَا، وَإِنْ كَانَ مَا انْتَهَى إلَيْهِ يَحْرُمُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ لَا مُسْتَمِرٌّ حَتَّى يَحْرُمُ الْوَقْفُ كَمَنْ أَجْنَبَ عِنْدَمَا يَحْرُمُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ، وَكَذَا الطَّوَافُ لِجَوَازِ تَفْرِيقِهِ قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ أَثْنَاءَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ أَتَمَّهَا إذَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا، وَلَوْ رَأَتْ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ جِمَاعِهَا حَرُمَ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ النَّزْعُ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ فَلَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ هُوَ الْأَحَبُّ وَالْمَعْهُودُ فَلَا وَجْهَ لِمُجَاوَزَتِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ وَلَا يُؤَدِّي) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَيَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ وَغَيْرِ مَفْعُولٍ أَوْ نَائِبِ فَاعِلٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ لَا يُقَالُ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنْ نَوَى فَرْضًا إلَخْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مُبَيِّنٌ لِلْفَرْضِ الْمُتَقَدِّمِ الْمُحْتَمَلِ لِجِنْسِ الْفَرْضِ الصَّادِقِ بِفَرْضَيْنِ وَأَكْثَرَ وَتَوْطِئَةٌ لِاسْتِثْنَاءِ تَمْكِينِ الْحَلِيلِ اهـ ع ش وَأَيْضًا مَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ وَمَرَاتِبِهَا وَمَا هُنَا فِي بَيَانِ مَا تَسْتَبِيحُهُ بِهِ تَأَمَّلْ.
(فَرْعٌ)
لَوْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ مَكْتُوبَةً مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ أَعَادَهَا فِي جَمَاعَةٍ بِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ أَوْ صَلَّاهَا حَيْثُ تَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا كَمَرْبُوطٍ، ثُمَّ أَعَادَهَا بِهِ جَازَ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَرْضَهُ الْمُعَادَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يُقَالُ الْأَوْلَى أَتَى بِهَا فَرْضًا وَالْفَرْضَانِ لَا يُجْمَعَانِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ كَالْمَنْسِيَّةِ مِنْ خَمْسٍ يَجُوزُ جَمْعُهَا بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ كَانَتْ فُرُوضًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ بِالذَّاتِ وَاحِدٌ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مُصَلِّيَ الْجُمُعَةِ بِالتَّيَمُّمِ لَوْ لَزِمَهُ أَعَادَةُ الظُّهْرِ صَلَّاهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ كَمَا تَقَرَّرَ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ أَيْ بِتَيَمُّمِهِ) أَيْ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ فَلَوْ تَيَمَّمَ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ، ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ انْتَقَضَ طُهْرُهُ الْأَصْغَرُ لَا الْأَكْبَرُ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ غُسْلِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَيَسْتَمِرُّ تَيَمُّمُهُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يُعْرَفُ لَنَا جُنُبٌ تُبَاحُ لَهُ الْقِرَاءَةُ وَالْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ إلَّا هَذَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ لِفَرِيضَةٍ عَيْنِيَّةٍ) هَذَا الْقَيْدُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ، فَإِنْ نَوَى فَرْضًا أَوْ نَفْلًا إلَخْ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا تُوهِمُهُ الْعِبَارَةُ مِنْ أَنَّهُ يُؤَدَّى بِهِ الْفَرْضُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ نَوَى بِهِ فَرْضًا عَيْنِيًّا أَوْ كِفَائِيًّا أَوْ غَيْرَهُمَا اهـ ع ش. (قَوْلُهُ مِنْ فُرُوضٍ عَيْنِيَّةٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ مُتَعَلِّقَةً بِيُؤَدِّي وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً فِي الْمَفْعُولِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً وَالْمُبَيَّنُ غَيْرُ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ غَيْرَ وَاحِدٍ) أَيْ خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ أَدَاءً كَانَ أَوْ قَضَاءً.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَذْرًا) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَالنَّذْرُ كَفَرْضٍ عَيْنِيٍّ فِي الْأَظْهَرِ عَلَى النَّاذِرِ سُلُوكًا بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْضٍ آخَرَ بِتَيَمُّمٍ أَدَاءً كَانَ أَوْ قَضَاءً وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِعَارِضٍ فَلَا يُلْحَقُ بِالْفَرْضِ أَصَالَةً فَلَهُ مَا ذَكَرَ وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ جَنَائِزَ أَوْ جِنَازَتَيْنِ أَوْ جِنَازَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى مَعَ فَرْضٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِأَنَّ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ لِعَدَمِ كَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْقِيَامُ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ أَرْكَانِهَا وَتَرْكُهُ يَمْحَقُ صُورَتَهَا وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ وَالْفَرْضُ بِالْفَرْضِ أَشْبَهُ وَالثَّالِثُ إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ فَكَالْفَرْضِ وَإِلَّا فَكَالنَّفَلِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ أَيْضًا، وَلَوْ نَذْرًا) أَيْ سُلُوكًا بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِسَلَامٍ وَجَبَ تَيَمُّمَانِ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِسَلَامٍ، وَلَوْ نَذَرَ إتْمَامَ كُلِّ صَلَاةٍ دَخَلَ فِيهَا فَلَهُ فِعْلُهَا مَعَ فَرْضٍ آخَرَ عَيْنِيٍّ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا نَفْلٌ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ
(1/226)
لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَيَمْتَنِعُ جَمْعُهُ بَيْنَ صَلَاتَيْ فَرْضٍ، وَلَوْ صَبِيًّا وَبَيْنَ طَوَافَيْنِ (إلَّا تَمْكِينَ حَلِيلٍ) لِلْمَرْأَةِ فَلَهَا تَمْكِينُهُ مِنْ الْوَطْءِ مِرَارًا وَأَنْ تَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْضٍ آخَرَ وَخَرَجَ بِالْفُرُوضِ الْعَيْنِيَّةِ النَّفَلُ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَهُ فِعْلُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ لَا يَنْحَصِرُ فَخُفِّفَ أَمْرُهُ وَصَلَاةُ الْجَنَائِزِ تُشْبِهُ النَّفَلَ فِي جَوَازِ التَّرْكِ وَتُعِينُهَا عِنْدَ انْفِرَادِ الْمُكَلَّفِ عَارِضٌ وَقَوْلِي يُؤَدَّى أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ يُصَلَّى وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَمَنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ) ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهَا (كَفَاهُ لَهُنَّ تَيَمُّمٌ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ وَاحِدٌ وَمَا سِوَاهُ وَسِيلَةٌ لَهُ فَلَوْ تَذَكَّرَ الْمَنْسِيَّةَ بَعْدُ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ كَفَاهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
لِتِلْكَ الصَّلَاةِ لَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ الْعَيْنِيَّ، وَلَوْ تَيَمَّمَ الصَّبِيُّ لِلْفَرْضِ، ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يُصَلِّ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ نَفْلٌ فَلَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةَ جَمْعِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُعَادَةِ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ أَيْضًا، وَلَوْ نَذْرًا) فَلَوْ نَذَرَ التَّرَاوِيحَ أَوْ الْوِتْرَ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ اكْتَفَى لِكُلِّ مِنْهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى صَلَاةً وَاحِدَةً مَنْذُورَةً، وَإِنْ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَمَحِلُّهُ فِي الْوِتْرِ وَالضُّحَى إنْ لَمْ يَنْذِرْ السَّلَامَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِلَّا لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ حِينَئِذٍ كَصَلَاةٍ مُسْتَقِلَّةٍ اهـ. وَأَمَّا التَّرَاوِيحُ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ السَّلَامِ فِيهَا لِوُجُوبِهِ شَرْعًا وَالْوَاجِبُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ حَيْثُ صَحَّ أَنْ يُصَلِّيَهَا كُلَّهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ نَذَرَ السَّلَامَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ عَلَى مَا فِي فَتَاوَى حَجّ وَبَيْنَ الْوِتْرِ مَثَلًا حَيْثُ وَجَبَ تَعَدُّدُ التَّيَمُّمِ فِيهِ بِأَنَّ الْوِتْرَ مَثَلًا لَمَّا نَذَرَ السَّلَامَ فِيهِ كَانَ الْجُعْلُ مَقْصُودًا نَاشِئًا مِنْ الْتِزَامِهِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ لِكَوْنِهِ مِنْ فِعْلِهِ وَالتَّرَاوِيحُ لَمَّا كَانَ السَّلَامُ فِيهَا مُعْتَبَرًا أَصَالَةً مَعَ صِدْقِ اسْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا بَقِيَتْ عَلَى أَصْلِهَا مِنْ عَدَمِ تَعَدُّدِ التَّيَمُّمِ لِمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ فَيُقَدَّرُ) أَيْ التَّيَمُّمُ بِقَدْرِهَا أَيْ الضَّرُورَةِ، وَقَدْرُ الضَّرُورَةِ فَرْضٌ وَاحِدٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى جَمْعِ فَرْضَيْنِ بِهِ اهـ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبِيًّا) أَيْ؛ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّيهِ الصَّبِيُّ كَالْفَرْضِ فِي النِّيَّةِ وَغَيْرِهَا مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْوُقُوعِ عَنْ الْفَرْضِ إذَا بَلَغَ فِيهَا لِيُفَارِقَ الْمُعَادَةَ الْمُصَرَّحَ بِجَوَازِ جَمْعِهَا مَعَ الْأُولَى بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فِي كَلَامِ الْخِفَافِ، وَإِنْ سَاوَتْ صَلَاةَ الصَّبِيِّ فِي النِّيَّةِ وَغَيْرِهَا نَعَمْ لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ التَّيَمُّمِ لِفَرْضٍ لَمْ يُصَلِّ بِهِ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْلٌ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ، وَلَوْ صَبِيًّا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا صَلَاتَهُ بِالْفَرَائِضِ حَيْثُ لَمْ يُجَوِّزُوهَا مِنْ قُعُودٍ وَلَا عَلَى الدَّابَّةِ فِي السَّفَرِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَوْ فَاتَهُمَا صَلَوَاتٌ وَأَرَادَ الصَّبِيُّ قَضَاءَ مَا فَاتَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْمَجْنُونُ قَضَاءَهُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ عَمَلًا بِالسُّنَّةِ فِيهِمَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا التَّيَمُّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ مَعَ وُقُوعِهِ نَفْلًا لَهُمَا لِلْعِلَّةِ السَّابِقَةِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ وَأَنْ تَجْمَعْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْضٍ آخَرَ) أَيْ إذَا تَيَمَّمْت بِنِيَّةِ فَرْضِ الصَّلَاةِ أَمَّا لَوْ تَيَمَّمْت لِلتَّمْكِينِ فَلَا تُصَلِّي فَرْضًا وَلَا نَفْلًا اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ) أَيْ إلَّا خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ فَمُلْحَقَةٌ بِفُرُوضِ الْأَعْيَانِ فَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْخُطْبَةِ وَخَطَبَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِ الْمُعَادَةِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِتَيَمُّمِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْخُطْبَةِ يُعِيدُ لِغَيْرِهِ وَفِي الصَّلَاةِ يُعِيدُ لِنَفْسِهِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر وَحَوَاشِيهِ. (قَوْلُهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) فِي مَبْحَثِ النِّيَّةِ حَيْثُ قَالَ أَوْ نَفْلًا أَوْ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ فَرْضِ عَيْنٍ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَتَعَيُّنُهَا عِنْدَ انْفِرَادِ الْمُكَلَّفِ عَارِضٌ) أَيْ لَا بِالْجُعْلِ بِخِلَافِ الْمُتَعَيِّنِ بِالْجُعَلِ وَهُوَ الْمَنْذُورُ، فَإِنَّهُ كَالْمُتَعَيِّنِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ وَمَنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ وَلَا يُؤَدَّى بِهِ مِنْ فُرُوضٍ عَيْنِيَّةٍ غَيْرُ وَاحِدٍ أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنْ أَدَّى بِهِ فُرُوضًا عَدِيدَةً ظَاهِرًا تَوَصُّلًا لِذَلِكَ الْوَاحِدِ اهـ لِكَاتِبِهِ. (قَوْلُهُ كَفَاهُ لَهُنَّ تَيَمُّمٌ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ يَجِبُ خَمْسُ تَيَمُّمَاتٍ لِوُجُوبِ الْخَمْسِ اهـ شَرْحُ م ر وَيُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ أَنْ يَقُولَ نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ فَرْضِ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيتهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي يَوْمِ كَذَا مَثَلًا فَلَوْ عَيَّنَ صَلَاةً مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي نَسِيَ الصَّلَاةَ فِيهِ كَأَنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصُّبْحِ مَثَلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرَهَا بِهِ مِنْ صَلَوَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُعَيَّنَةَ لَيْسَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُسْتَبِيحًا فِي نِيَّتِهِ لِفَرْضٍ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ وَاحِدٌ) فُهِمَ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ الْمُعَادَةَ يَكْفِي لَهَا تَيَمُّمُ الْأُولَى وَأَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ فِي مِصْرَ يَكْفِيهِ تَيَمُّمُهُ لِلظُّهْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَوَضَّأَ احْتِيَاطًا وَهُوَ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ بِأَنَّهُ هُنَا فَعَلَهَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ وَالْوُضُوءُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ، ثُمَّ أَوَانُهُ، ثُمَّ يُمْكِنُهُ الْيَقِينُ بِنَحْوِ اللَّمْسِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَلَوْ نَذَرَ شَيْئًا إنْ رَدَّهُ اللَّهُ سَالِمًا، ثُمَّ شَكَّ أَنَذَرَ صَدَقَةً أَمْ عِتْقًا أَمْ صَوْمًا قَالَ الْبَغَوِيّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَجْتَهِدُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا هُنَاكَ وُجُوبَ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْيَقِينِ وَهُنَا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْكُلَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ وَاحِدَةٌ وَاشْتَبَهَ الْحَالُ فَيَجْتَهِدُ كَالْقِبْلَةِ
(1/227)
تَيَمُّمٌ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوهَمُ تَعَلُّقٌ لَهُنَّ بِتَيَمُّمٍ فَيَقْتَضِي اشْتِرَاطَ كَوْنِ التَّيَمُّمِ لَهُنَّ وَلَيْسَ مُرَادًا (أَوْ) نَسِيَ مِنْهُنَّ (مُخْتَلِفَتَيْنِ) ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهُمَا (صَلَّى كُلًّا) مِنْهُنَّ (بِتَيَمُّمٍ أَوْ) صَلَّى (أَرْبَعًا) كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (بِهِ) أَيْ بِتَيَمُّمٍ (وَأَرْبَعًا لَيْسَ مِنْهَا مَا بَدَأَ بِهَا) أَيْ الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ (بِ) تَيَمُّمٍ (آخَرَ) فَيَبْرَأُ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْسِيَّتَيْنِ إمَّا الظُّهْرُ وَالصُّبْحُ أَوْ إحْدَاهُمَا مَعَ إحْدَى الثَّلَاثِ أَوْ هُمَا مِنْ الثَّلَاثِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ صَلَّى كُلًّا مِنْهُمَا بِتَيَمُّمٍ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا كَأَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ فَلَا يَبْرَأُ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمَنْسِيَّتَيْنِ الْعِشَاءَ وَوَاحِدَةً غَيْرَ الصُّبْحِ فَبِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ تَصِحُّ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ دُونَ الْعِشَاءِ وَبِالثَّانِي لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ وَاكْتَفَى بِتَيَمُّمَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا عَدَدُ الْمَنْسِيِّ وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْأَصْلِ أَرْبَعًا وِلَاءً اشْتِرَاطُ الْوِلَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلِهَذَا حَذَفْته (أَوْ) نَسِيَ مِنْهُنَّ (مُتَّفِقَتَيْنِ أَوْ شَكَّ) فِي اتِّفَاقِهِمَا، وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ الْمُتَّفِقَتَانِ إلَّا مِنْ يَوْمَيْنِ (فَيُصَلِّي الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ) لِيَبْرَأَ بِيَقِينٍ وَقَوْلِي أَوْ شَكَّ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَلَا يَتَيَمَّمُ لِمُؤَقَّتٍ) فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا (قَبْلَ وَقْتِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ بَلْ يَتَيَمَّمُ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِشَرْطِهِ كَسَتْرٍ وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ، وَإِنْ أَوْهَمَ تَعْبِيرُ الْأَصْلِ بِوَقْتِ فِعْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَالْأَوَانِي وَالرَّاجِحُ الثَّانِي، فَإِنْ اجْتَهَدَ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ وَأَيِسَ مِنْ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْكُلِّ، إذْ لَا يَتِمُّ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ وَاجِبِهِ يَقِينًا إلَّا بِفِعْلِ الْكُلِّ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ فِي بَابِ النَّذْرِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوهِمُ إلَخْ) هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ لَهُنَّ مُتَعَلِّقٌ بِكَفَاهُ، إذْ الْأَصْلُ فِي الْعَمَلِ لِلْفِعْلِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ هَذَا التَّوَهُّمُ، وَإِنْ أَبْدَاهُ السُّبْكِيُّ كَذَا قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَلَك أَنْ تَقُولَ كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْعَمَلِ لِلْفِعْلِ لَا يَدْفَعُ هَذَا التَّوَهُّمَ؛ لِأَنَّ التَّوَهُّمَ يُوجَدُ عِنْدَ شَخْصٍ غَيْرِ عَالِمٍ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَمَلِ لِلْفِعْلِ اهـ شَيْخُنَا وَمِثْلُهُ سم وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ لَهُنَّ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِكَفَاهُ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّعَلُّقِ بِالْفِعْلِ فَيَدْخُلُ مَا لَوْ تَيَمَّمَ لِغَيْرِهِنَّ أَوْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مُخْتَلِفَتَيْنِ) أَيْ فِي الِاسْمِ، وَإِنْ تَوَافَقَا عَدَدًا كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ اهـ شَيْخُنَا وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ أَوْ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَيْ يَقِينًا سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُمَا مِنْ يَوْمٍ أَوْ مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ صَلَّى كُلًّا بِتَيَمُّمٍ) أَيْ فَيُصَلِّي الْخَمْسَ بِخَمْسِ تَيَمُّمَاتٍ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ مِنْ يَوْمٍ اهـ ح ل وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ وَيَبْرَأَ بِيَقِينٍ كَمَا نَقَلَهُ الْإِطْفِيحِيُّ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ اهـ. (قَوْلُهُ صَلَّى كُلًّا بِتَيَمُّمٍ) ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاصِّ بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُصُّ الْقِصَصَ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ لِابْنِ الْحَدَّادِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ الْمُسْتَحْسَنَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ لِقِلَّةِ التَّيَمُّمِ فِيهَا، إذْ الصَّلَوَاتُ فِيهَا ثَمَانِيَةٌ وَذَكَرُوا لَهَا ضَوَابِطَ مِنْهَا أَنْ تَضْرِبَ عَدَدَ الْمَنْسِيِّ وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ ثِنْتَانِ فِي الْمَنْسِيِّ فِيهِ وَهُوَ خَمْسٌ تَبْلُغُ عَشْرًا وَتَزِيدُ عَلَى الْحَاصِلِ عَدَدَ الْمَنْسِيِّ وَهُوَ اثْنَانِ فَالْجُمْلَةُ أَثْنَا عَشَرَ، ثُمَّ تَضْرِبُ الْمَنْسِيَّ وَهُوَ اثْنَانِ فِي مِثْلِهِ بِأَرْبَعَةٍ فَتُسْقِطُهُ مِنْ الْجُمْلَةِ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا بِتَيَمُّمٍ، ثُمَّ أَرْبَعًا لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا بِالتَّيَمُّمِ الْآخَرِ، وَمِنْهَا أَنْ يُزَادَ عَلَى الْمَنْسِيِّ فِيهِ عَدَدٌ لَا يُنْقَصُ عَمَّا بَقِيَ مِنْ الْمَنْسِيِّ فِيهِ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمَنْسِيِّ وَيُقْسَمُ الْمَجْمُوعُ صَحِيحًا عَلَى الْمَنْسِيِّ وَيُصَلِّي بِكُلِّ تَيَمُّمٍ مَا اقْتَضَتْهُ الْقِسْمَةُ وَيَتْرُكُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَا ابْتَدَأَ بِهِ مِثَالُهُ الْمَنْسِيُّ صَلَاتَانِ وَالْمَنْسِيُّ فِيهِ خَمْسٌ فَيُزَادُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَمَّا بَقِيَ مِنْ الْمَنْسِيِّ فِيهِ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمَنْسِيِّ بَلْ تُسَاوِيهِ فَالْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةٌ وَإِذَا قُسِمَ عَلَى الْمَنْسِيِّ خَرَجَ أَرْبَعَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَتَيَمَّمَ بِعَدَدِ الْمَنْسِيِّ وَيُصَلِّيَ بِكُلِّ تَيَمُّمٍ بِعَدَدِ غَيْرِ الْمَنْسِيِّ مَعَ زِيَادَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ اهـ شَيْخُنَا وَمِثْلُهُ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ.
(قَوْلُهُ لَيْسَ مِنْهَا مَا بَدَأَ بِهِ) هَذَا الشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَوْ خَالَفَ حَرُمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ عَمِيرَةَ صَرَّحَ بِالْحُرْمَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ بِأَجْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَأَرْبَعًا اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْسِيَّتَيْنِ إلَخْ) اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى عَشْرِ احْتِمَالَاتٍ فَقَوْلُهُ أَمَّا الظُّهْرُ وَالصُّبْحُ أَيْ، وَقَدْ صَلَّى الظُّهْرَ بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ وَالصُّبْحَ بِالثَّانِي هَذَا احْتِمَالٌ وَقَوْلُهُ أَوْ إحْدَاهُمَا مَعَ إحْدَى الثَّلَاثِ فِيهِ سِتُّ احْتِمَالَاتٍ وَقَوْلُهُ أَوْ ثِنْتَانِ مِنْهَا ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ اهـ شَيْخُنَا. (وَقَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْأَصْلِ أَرْبَعًا وِلَاءً) عِبَارَةُ الْأَصْلِ، وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ مَرَّتَيْنِ وَصَلَّى بِالْأَوَّلِ أَرْبَعًا وِلَاءً وَبِالثَّانِي أَرْبَعًا لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ أَيْضًا وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْأَصْلِ إلَخْ) مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا تَرَكَ الْمَنْسِيَّ لِعُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوِلَاءُ وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ يُرَادَ بِالْوِلَاءِ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْعَلَّامَةِ الْبَكْرِيِّ حَيْثُ أَرَادَ بِهِ الزَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْوِلَاءِ أَصَالَةً اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا تَكُونُ الْمُنْفِقَتَانِ إلَّا مِنْ يَوْمَيْنِ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا كَذَلِكَ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْزَمَهُ صُبْحَانِ فِي يَوْمٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِشَرْطِهِ) فَلَوْ تَيَمَّمَ ضَحْوَةً لِفَائِتَةٍ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) أَيْ غَيْرِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ بَدَنِهِ كَمَا يَأْتِي اهـ ع ش. (قَوْلُهُ كَسَتْرٍ) أَيْ وَاجْتِهَادٍ فِي الْقِبْلَةِ أَوْ تَمَامِ الْعَدَدِ فِي الْجُمُعَةِ أَمَّا الِاجْتِهَادُ فِي الْوَقْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ عَلَى التَّيَمُّمِ أَوْ ظَنِّ دُخُولِهِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ كَالْعِلْمِ بِهِ. وَقَوْلُهُ وَخُطْبَةُ جُمُعَةٍ فَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا دَخَلَ بِالزَّوَالِ وَتَقَدُّمُ الْخُطْبَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ فِعْلِهَا وَقَوْلُهُ، وَإِنْ أَوْهَمَ إلَخْ أَيْ وَإِلَّا فَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ وَقْتٌ تُفْعَلُ فِيهِ أَيْ يَصِحُّ أَنْ تُفْعَلَ فِيهِ، وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ وَقَوْلُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ أَيْ مَعَ أَنَّ زَوَالَهَا مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ لِلتَّضَمُّخِ أَيْ التَّلَوُّثِ بِهَا مَعَ كَوْنِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً ضَعِيفَةً أَيْ فَلَا يُجَامِعَانِهَا وَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ لَوْ كَانَ زَوَالُهَا شَرْطًا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَنْ أَفْتَى بِهِ حَجّ مَعَ أَنَّ
(1/228)
خِلَافُ ذَلِكَ وَلِهَذَا اقْتَصَرَتْ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَلَى وَقْتِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ لِلتَّضَمُّخِ بِهَا مَعَ كَوْنِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً ضَعِيفَةً لَا لِكَوْنِ زَوَالِهَا شَرْطًا لِلصَّلَاةِ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِهَا عَنْ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَالْوَقْتُ شَامِلٌ لِوَقْتِ الْجَوَازِ وَوَقْتِ الْعُذْرِ وَيَدْخُلُ وَقْتُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِانْقِضَاءِ الْغُسْلِ أَوْ بَدَلِهِ وَيَتَيَمَّمُ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَرَادَهُ إلَّا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْوَقْتِ فَلَوْ تَيَمَّمَ شَاكًّا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ صَادَفَهُ.
(وَعَلَى فَاقِدِ) الْمَاءِ وَالتُّرَابِ (الطَّهُورَيْنِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَقَوْلُهُمْ لَا يَتَيَمَّمُ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ قَبْلَ إزَالَتِهَا فَرَضُوهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ وَتَنَاقَضَ كَلَامُهُ فِي الْفَتَاوَى فِي الْمَيِّتِ الَّذِي عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مَاءٌ فَقَالَ فِي جَوَابِ سَائِلٍ يَجِبُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ لَا يُيَمَّمُ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ عَنْهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ الْحَيِّ لِمَا صَحَّ إلَخْ اهـ ح ل وَنَصُّ عِبَارَةِ حَجّ فِي التُّحْفَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا مُطْلَقًا.
خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ فَفِي الْمَجْمُوعِ إذَا قُلْنَا لَا يُجْزِئُ الْحَجَرُ فِي نَادِرٍ كَالْمَذْيِ أَوْ إنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ لَا يُعْفَى عَنْهَا يَتَيَمَّمُ وَيَقْضِي وَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَنَّ مَنْ بِجُرْحِهِ دَمٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ يَتَيَمَّمُ وَيَقْضِي قَبْلَ طُهْرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ لِلتَّضَمُّخِ بِهِ مَعَ ضَعْفِ التَّيَمُّمِ لَا يَكُونُ زَوَالُهُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ قَبْلَ زَوَالِهِ عَنْ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ اهـ. (قَوْلُهُ خِلَافُ ذَلِكَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَ خُطْبَتِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِ النَّجَاسَةِ) أَيْ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهَا أَمْ لَا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لحج اهـ ع ش، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى الْبَدَنِ كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ؟ لَا يَبْعُدُ الِاشْتِرَاطُ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْإِبَاحَةِ وَلَا إبَاحَةَ مَعَ النَّجَاسَةِ فَلْيُحَرَّرْ، ثُمَّ رَأَيْت السَّيِّدَ السَّمْهُودِيَّ فِي شُرُوطِ الْوُضُوءِ نَقَلَ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ وَأَقَرَّهُ فَانْظُرْهُ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَخَالَفَ الْعَلَّامَةُ ح ل وَاعْتَمَدَ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ لِقُوَّةِ الْمَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ لِلتَّضَمُّخِ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ أَزَالَهَا، وَلَوْ حُكْمًا كَمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ.
وَعِبَارَةُ م ر بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَتَغْسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا أَيْ إنْ أَرَادَتْهُ وَإِلَّا اسْتَعْمَلَتْ الْأَحْجَارَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِهَا فِي النَّادِرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، ثُمَّ قَالَ وَبَعْدَ ذَلِكَ أَيْ الْغُسْلِ أَوْ اسْتِعْمَالِ الْأَحْجَارِ يَتَوَضَّأُ أَوْ يَتَيَمَّمُ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ وَقْتَ الْعُذْرِ) أَيْ لِيَدْخُلَ مَا لَوْ جَمَعَ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِلثَّانِيَةِ حِينَئِذٍ، فَإِنْ بَطَلَ الْجَمْعُ بِدُخُولِ وَقْتِهَا قَبْلَ فِعْلِهَا أَوْ بِغَيْرِهِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِزَوَالِ التَّبَعِيَّةِ بِخِلَافِ رَابِطَةِ الْجَمَاعَةِ وَبِهِ فَارَقَ اسْتِبَاحَةَ الظُّهْرِ مَثَلًا بِالتَّيَمُّمِ لِفَائِتَةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ لَمَّا اسْتَبَاحَهَا اسْتَبَاحَ غَيْرَهَا بَدَلًا وَهُنَا لَمْ يَسْتَبِحْ مَا نَوَى عَلَى الصِّفَةِ الْمَنْوِيَّةِ فَلَمْ يَسْتَبِحْ غَيْرَهُ، وَلَوْ أَرَادَ الْجَمْعَ تَأْخِيرًا صَحَّ التَّيَمُّمُ لِلْأُولَى وَقْتَهَا نَظَرًا لِأَصَالَتِهَا لَهُ لَا لِلثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتًا لَهَا وَلَا لِمَتْبُوعِهَا؛ لِأَنَّهَا الْآنَ غَيْرُ تَابِعَةٍ لِلظُّهْرِ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ بِانْقِضَاءِ الْغُسْلِ) أَيْ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْغَسْلَةُ الْأُولَى اهـ ع ش وَبِهِ يُلْغَزُ فَيُقَالُ لَنَا شَخْصٌ يَتَوَقَّفُ طُهْرُهُ عَلَى طُهْرِ غَيْرِهِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ أَوْ بَدَلِهِ) أَيْ وَهُوَ التَّيَمُّمُ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُكَفَّنْ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ قَبْلَ تَكْفِينِهِ وَيَدْخُلُ وَقْتُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِاجْتِمَاعِ مُعْظَمِ النَّاسِ لَهَا فِي الصَّحْرَاءِ إنْ أَرَادَ فِعْلَهَا جَمَاعَةٌ، فَإِنْ أَرَادَ فِعْلَهَا فُرَادَى فَبِإِرَادَةِ فِعْلِهَا وَوَقْتُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ بِالتَّغَيُّرِ سَوَاءٌ أَرَادَ فِعْلَهَا جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِمُجَرَّدِ التَّغَيُّرِ فِي حَقِّ مَنْ أَرَادَ فِعْلَهَا فُرَادَى وَبِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا فِي حَقِّ مَنْ أَرَادَ فِعْلَهَا جَمَاعَةً اهـ.
(قَوْلُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَرَادَهُ) قَالَ الْقَرَافِيُّ وَقْتُ إرَادَتِهِ وَقْتٌ لَهُ فَصَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ لَهُ إلَّا فِي وَقْتِهِ اهـ عَمِيرَةُ اهـ سم. (قَوْلُهُ إلَّا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ) أَيْ حَيْثُ قَصَدَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَكَتَبَ أَيْضًا ظَاهِرُهُ، وَإِنْ قَصَدَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ أَوْ مُطْلَقًا وَفِي كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي مَنْعُهُ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا، وَلَوْ تَيَمَّمَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ اهـ ح ل وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ إلَّا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ أَيْ إنْ أَرَادَ فِعْلَهُ فِي وَقْتِهَا فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ، وَلَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ فِعْلَهُ فِيهِ صَحَّ التَّيَمُّمُ لَهُ، وَلَوْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ صِحَّتِهِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ إلَخْ) هَذَا فِي الْمَعْنَى رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ يَتَيَمَّمُ مُحْدِثٌ وَمَأْمُورٌ بِغُسْلٍ لِلْعَجْزِ كَأَنَّهُ يَقُولُ هَذَا إذَا وَجَدَ التُّرَابَ، فَإِنْ فَقَدَهُ كَالْمَاءِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَيُعِيدُ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا لِكَوْنِهِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَا فِيهِ أَوْ وَجَدَهُمَا وَمَنَعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِمَا مَانِعٌ مِنْ نَحْوِ حَاجَةِ عَطَشٍ فِي الْمَاءِ أَوْ نَدَاوَةٍ فِي التُّرَابِ مَانِعَةٌ مِنْ وُصُولِ الْغُبَارِ لِلْعُضْوِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَجْفِيفُهُ بِنَحْوِ نَارٍ لَزِمَهُ فِي الْجَدِيدِ
(1/229)
كَمَحْبُوسٍ بِمَحِلٍّ لَيْسَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ) لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ (وَيُعِيدَ) إذَا وَجَدَ أَحَدَهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ الْأَدَاءَ، وَلَوْ جُمُعَةً لَكِنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْأَرْبَعِينَ لِنَقْصِهِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ، فَإِنْ كَانَ جُنُبًا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَصَلَاتُهُ مُتَّصِفَةٌ بِالصِّحَّةِ فَتَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ غَيْرُهَا مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَلَوْ بِسَبْقِ الْحَدَثِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ ضِيقُ الْوَقْتِ بَلْ إنَّمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مَا دَامَ يَرْجُو أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالثَّانِي تَجِبُ الصَّلَاةُ بِلَا إعَادَةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَهُوَ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ فِي الْوَقْتِ مَعَ خَلَلٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيّ وَاخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ سِوَى الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ كَالنَّفْلِ فِي أَنَّهَا تُؤَدَّى مَعَ مَكْتُوبَةٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَقِيَاسُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُصَلُّونَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا حَصَلَ فَرْضُهَا بِغَيْرِهِمْ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَسْجُدُ فِيهَا التِّلَاوَةَ وَلَا سَهْوًا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا فَاقِدُ السُّتْرَةِ فَلَهُ التَّنَفُّلُ لِعَدَمِ لُزُومِ الْإِعَادَةِ لَهُ كَدَائِمِ الْحَدَثِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ الْمُنَافِي.
وَإِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُخَالِفُهُ وَمُرَادُهُ بِالْإِعَادَةِ هُنَا الْقَضَاءُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ وَفِي الْقَدِيمِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا يُنْدَبُ لَهُ النَّفَلُ وَالثَّانِي يَحْرُمُ وَيُعِيدُ عَلَيْهِمَا وَالثَّالِثُ يَجِبُ وَلَا يُعِيدُ حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَاخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ كُلُّ صَلَاةٍ وَجَبَ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ مَعَ خَلَلٍ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا فِي قَوْلٍ قَالَ بِهِ الْمُزَنِيّ وَاخْتَارَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ انْتَهَتْ قَالَ الشِّهَابُ حَجّ بَلْ مُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ فَيَلْزَمُهُ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ إنْ وَجَدَ مَا مَرَّ فِيهِ وَإِلَّا فَخَارِجَهُ اهـ رَشِيدِيٌّ وَقَوْلُهُ سِوَى الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَهَلْ يَلْحَقُ بِهَا آيَةُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالسُّورَةُ الْمُعَيَّنَةُ الْمَنْذُورَةُ كُلَّ يَوْمٍ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ يَوْمًا بِكَمَالِهِ أَوْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْإِرْشَادِ نَعَمْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي آيَةِ الْخُطْبَةِ وَفِيهِ فِي السُّورَةِ الْمَنْذُورَةِ تَرَدُّدٌ، إذْ النَّذْرُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُهَا بِمَا قَبْلَهَا، إذْ مَا ذُكِرَ فِي التَّرَدُّدِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَحِينَئِذٍ لَوْ قَرَأَ مَعَ إمْكَانِ الطُّهْرِ فَهَلْ تُجْزِئُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَوْ لَا كَمَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْقِرَاءَةِ فَقْر أَوْ هُوَ جُنُبٌ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(فَرْعٌ)
يَجِبُ طَلَبُ التُّرَابِ عَلَى التَّفْصِيلِ فِي طَلَبِ الْمَاءِ فَحَيْثُ وَجَبَ طَلَبُ الْمَاءِ وَجَبَ طَلَبُ التُّرَابِ وَحَيْثُ لَا فَلَا وَمَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الطَّلَبِ هُنَاكَ يُشْتَرَطُ لَهُ هُنَا اهـ م ر.
(فَرْعٌ)
فِي تَجْرِيدِ الْمُزَجَّدِ مَا نَصُّهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ مَنْ لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ فَوْرًا فَعَدِمَ الطَّهُورَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ عِنْدِي، وَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَجْهَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ الْمَنْعُ اهـ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْعُبَابِ فَقَالَ وَمَنْ فَوَّتَ صَلَاةً عَمْدًا وَفَقَدَ الطَّهُورَيْنِ حَرُمَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِلتَّسَلْسُلِ اهـ أَقُولُ يُتَأَمَّلُ فِي قَوْلِهِ لِلتَّسَلْسُلِ مِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ وَانْظُرْ التَّقْيِيدَ بِعُمْرٍ أَوْ لَعَلَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَغَيْرُهَا يَمْتَنِعُ قَطْعًا فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا الْبُرُلُّسِيَّ قَالَ، وَمِنْهُ يَعْنِي مِنْ تَعْلِيلِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ بِحُرْمَةِ الْوَقْتِ يُسْتَفَادُ أَنَّ الْفَائِتَةَ، وَلَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَفْعَلُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهَا اهـ اهـ سم. (قَوْلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ) أَيْ إذَا انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ، وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ اهـ ز ي أَمَّا مَا دَامَ يَرْجُو أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ فَلَا يُصَلِّي إلَّا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ. (قَوْلُهُ أَيْضًا أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ) أَيْ الْمَكْتُوبَ مِنْ الْخَمْسِ أَدَاءً، وَلَوْ جُمُعَةً، وَإِنْ لَزِمَهُ إعَادَتُهَا ظُهْرًا لَكِنْ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْأَرْبَعِينَ لِنَقْصِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ مَوْصُوفَةٌ بِالصِّحَّةِ يُبْطِلُهَا مَا يُبْطِلُ الصَّحِيحَةَ وَيُبْطِلُهَا وُجُودُ أَحَدِ الطَّهُورَيْنِ، وَلَوْ فِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ يَجُوزُ اهـ ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ أَيْ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ الْمُؤَقَّتَةَ، وَلَوْ بِالنَّذْرِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَلَهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ مِنْهَا إلَّا نَحْوَ السُّورَةِ لِلْجُنُبِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَصْدُ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَاتِحَةِ وَلَا تَجُوزُ الْمَنْدُوبَاتُ فِيهَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَلَوْ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَسُجُودِ السَّهْوِ إلَّا تَبَعًا لِإِمَامِهِ فِيهِمَا وَدَخَلَ فِي الْفَرْضِ الْجُمُعَةُ فَتَلْزَمُهُ، وَإِنْ وَجَبَ إعَادَتُهَا ظُهْرًا اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعِيدُ) الْمُرَادُ بِالْإِعَادَةِ هُنَا الْقَضَاءُ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيَقْضِي وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ
(1/230)
وَإِنَّمَا يُعِيدُ بِالتَّيَمُّمِ فِي مَحَلٍّ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ فِي مَحَلٍّ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ فَلَا يُفْعَلُ.
(وَيَقْضِي) وُجُوبًا (مُتَيَمِّمٌ) ، وَلَوْ فِي سَفَرٍ (لِبَرْدٍ) لِنُدْرَةِ فَقْدِ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ أَوْ يُدَثِّرُ بِهِ أَعْضَاءَهُ (وَ) مُتَيَمِّمٌ (لِفَقْدِ مَاءٍ) بِمَحِلٍّ (يَنْدُرُ) فِيهِ فَقْدُهُ، وَلَوْ مُسَافِرًا لِنُدْرَةِ فَقْدِهِ بِخِلَافِهِ بِمَحِلٍّ لَا يَنْدُرُ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَوْ مُقِيمًا (وَ) مُتَيَمِّمٌ (لِعُذْرٍ) كَفَقْدِ مَاءٍ وَجُرْحٍ (فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ) كَآبِقٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ رُخْصَةٌ فَلَا تُنَاطُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مَوْضِعٍ وَجَبَتْ فِيهِ الْإِعَادَةُ، فَإِنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْمُعَادَةُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَهُوَ الْأَفْقَهُ، وَقِيلَ الْأَوْلَى، وَقِيلَ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَائِتَةَ بِتَيَمُّمِ الْأُولَى اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي مَحَلٍّ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ) أَيْ إذَا كَانَ بَعْدَ الْوَقْتِ. وَأَمَّا فِيهِ فَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ) مِثْلُهُ قِرَاءَةُ الْجُنُبِ لِلْقُرْآنِ وَالْمُكْثُ بِالْمَسْجِدِ وَتَمْكِينُ الْمَرْأَةِ الزَّوْجَ مِنْ الْوَطْءِ وَنَحْوُهُ فَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ فَقْدِ الطَّهُورَيْنِ اهـ عَمِيرَةُ، وَقَالَ أَيْضًا، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ قَالَ فِي الْخَادِمِ فَلَا يُصَلِّيهَا عَلَى الْمَيِّتِ كَالْمَيِّتِ إذَا تَعَذَّرَ تَيَمُّمُهُ ذَكَرَ ذَلِكَ بَحْثًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ انْتَهَى سم.
(قَوْلُهُ أَوْ يُدَثِّرُ بِهِ أَعْضَاءَهُ) يُفْهَمُ مِنْهُ إنْ وَجَدَ أَنَّ مَا يُدَثِّرُهَا بِهِ مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ التَّيَمُّمِ وَلَعَلَّهُ إذَا كَانَ التَّدَثُّرُ يَمْنَعُ حُصُولَ الْمَحْذُورِ الْمَخُوفِ اهـ سم. (قَوْلُهُ بِمَحِلٍّ يَنْدُرُ فِيهِ فَقْدُهُ) أَيْ حَيْثُ صَلَّى بِهِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُصَلِّي بِمَحِلِّ تَيَمُّمِهِ فَلَوْ تَيَمَّمَ بِالْمَحِلِّ الْمَذْكُورِ وَصَلَّى بِمَحِلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَمْرَانِ فَلَا قَضَاءَ أَوْ عَكْسُهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَالْعِبْرَةُ بِمَحِلِّ الصَّلَاةِ لَا بِمَحِلِّ التَّيَمُّمِ وَالْمَدَارُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْإِحْرَامِ أَيْ الْإِتْيَانِ بِالرَّاءِ مِنْ أَكْبَرِ وَرُبَّمَا كَانَ شَيْخُنَا ز ي يَمِيلُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِإِتْمَامِهَا، وَلَوْ شَكَّ هَلْ الْمَحِلُّ الَّذِي صَلَّى بِهِ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَا لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ فَرْضٍ بَعْدَ السَّلَامِ، وَلَمْ يَنْظُرْ وَلِكَوْنِ ذِمَّتِهِ اُشْتُغِلَتْ اهـ ح ل وَالْمُرَادُ بِغَلَبَةِ الْوُجُودِ وَالْفَقْدِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَكَانِ الصَّلَاةِ وَبِوَقْتِهَا بِالنَّظَرِ لِغَالِبِ السِّنِينَ لَا بِالنَّظَرِ لِتِلْكَ السَّنَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَاءُ يُوجَدُ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَقْتَ هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي غَالِبِ السِّنِينَ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ جَمِيعِهَا إلَّا وَقْتَ الصَّلَاةِ يُقَالُ إنَّهُ غَلَبَ الْفَقْدُ اهـ شَيْخُنَا.
(فَرْعٌ) وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ كَانَ بِمَحِلٍّ مَاؤُهُ قَرِيبٌ بِحَيْثُ لَوْ حَفَرَ الْأَرْضَ حَصَلَ الْمَاءُ هَلْ يُكَلَّفُ ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ الْحَفْرُ غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ لَمْ يَلِقْ بِهِ الْحَفْرُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُغْتَفَرُ فِي جَانِبِ الصَّلَاةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ بِمَحِلٍّ لَا يَنْدُرُ فِيهِ ذَلِكَ) الْمُرَادُ أَيْضًا بِغَلَبَةِ وُجُودِ الْمَاءِ فَقْدُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِبَعْضِ ضَعَفَةِ الطَّلَبَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ غَلَبَةَ الْوُجُودِ بِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا فِي السَّنَةِ وَغَلَبَةُ الْفَقْدِ بِأَرْبَعَةٍ مَثَلًا فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَوْ كَانَ الْمَاءُ يَسْتَمِرُّ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا فِي الْوَادِي وَفِي غَالِبِ السِّنِينَ أَنَّ شَهْرًا فَقَطْ يُفْقَدُ فِيهِ الْمَاءُ فَإِذَا تَيَمَّمَ شَخْصٌ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ يَوْمٌ فَقَطْ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ فِي أَكْثَرِ السِّنِينَ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا فِي السَّنَةِ بِتَمَامِهَا إلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ فِيهِ فَالْعِبْرَةُ بِالْوَقْتِ الَّذِي يَتَيَمَّمُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِأَكْثَرِ أَوْقَاتِ السَّنَةِ وَجَبَ الْقَضَاءُ، وَإِنْ غَلَبَ الْفَقْدُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَلَا قَضَاءَ اهـ سم بِالْمَعْنَى وَأَقَرَّهُ الْعَزِيزِيُّ وَشَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ وَالْعَشْمَاوِيُّ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر.
(تَنْبِيهٌ)
إذَا اعْتَبَرْنَا مَحَلَّ الصَّلَاةِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ زَمَنُ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ وَقَعَتْ فِي صَيْفٍ وَكَانَ الْغَالِبُ فِي صَيْفِ ذَلِكَ الْمَحِلِّ الْعَدَمَ وَفِي شِتَائِهِ الْوُجُودَ فَلَا قَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعَكْسِ وَجَبَ الْقَضَاءُ أَوْ فِي جَمِيعِ الْعَامِ أَوْ غَالِبِهِ أَوْ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ أَوْ غَالِبِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ غَلَبَ الْوُجُودُ صَيْفًا وَشِتَاءً فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ لَكِنْ غَلَبَ الْعَدَمُ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ الصَّيْفِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فَيَسْقُطُ الْقَضَاءُ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ اعْتِبَارُهُ وَيَجْرِي جَمِيعُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ إذَا اعْتَبَرْنَاهُ اهـ سم عَلَى حَجّ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ وَجُرْحٍ) الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إذَا كَانَ الْفَقْدُ شَرْعِيًّا إلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ اهـ ع ش.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيَصِحُّ تَيَمُّمُهُ أَيْ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فِيهِ إنْ فَقَدَ الْمَاءَ حِسًّا لَا شَرْعًا لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ عَطَشٍ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يَتُوبَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى زَوَالِ مَانِعِهِ بِالتَّوْبَةِ، وَلَوْ عَصَى بِالْإِقَامَةِ بِمَحِلٍّ لَا يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَتَيَمَّمَ لِفَقْدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلرُّخْصَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ حَتَّى يَفْتَرِقَ الْحَالُ بَيْنَ الْعَاصِي وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ السَّفَرِ فَانْدَفَعَ مَا لِلسُّبْكِيِّ هُنَا وَخَرَجَ الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ كَانَ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَخَّصَ غَيْر مَا بِهِ الْمَعْصِيَةُ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ رُخْصَةٌ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ فَاقِدَ الْمَاءِ شَرْعًا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ مَا دَامَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ بِخِلَافِ الْفَاقِدِ حِسًّا الْعَاصِي فَيَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَيَلْزَمُهُ
(1/231)
بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَضَبْطِي لِلْقَضَاءِ وَلِعَدَمِهِ بِمَا تَقَرَّرَ هُوَ التَّحْقِيقُ فَضَبْطُ الْأَصْلِ لَهُ بِالْمُتَيَمِّمِ فِي الْإِقَامَةِ وَلِعَدَمِهِ بِالتَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ غَلَبَةِ الْمَاءِ فِي الْإِقَامَةِ وَعَدَمِهَا فِي السَّفَرِ (لَا) مُتَيَمِّمٌ فِي غَيْرِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ (لِمَرَضٍ يَمْنَعُ الْمَاءَ مُطْلَقًا) أَيْ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ (أَوْ فِي عُضْوٍ لَمْ يَكْثُرْ دَمُ جُرْحِهِ وَلَا سَاتِرَ) بِهِ مِنْ لَصُوقٍ أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ) بِهِ (سَاتِرٌ) مِنْ ذَلِكَ (وَوُضِعَ عَلَى طُهْرٍ فِي غَيْرِ عُضْوِ تَيَمُّمٍ) فَلَا يَقْضِي لِعُمُومِ الْمَرَضِ وَالْجُرْحِ مَعَ الْعَفْوِ عَنْ قَلِيلِ الدَّمِ وَقِيَاسًا عَلَى مَاسِحِ الْخُفِّ فِي الْأَخِيرَةِ بَلْ أَوْلَى لِلضَّرُورَةِ هُنَا وَالْقَيْدُ الْأَخِيرُ مَعَ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ كَثْرَةِ الدَّمِ فِي السَّاتِرِ مِنْ زِيَادَتِي (وَإِلَّا) بِأَنْ كَثُرَ الدَّمُ أَوْ وُضِعَ السَّاتِرُ عَلَى حَدَثٍ أَوْ عَلَى طُهْرٍ فِي عُضْوِ التَّيَمُّمِ (قَضَى) ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْوَضْعِ عَلَى الطُّهْرِ فِي الثَّانِيَةِ وَنُقْصَانِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ جَمِيعًا فِي الثَّالِثَةِ وَحَمْلُهُ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي الْأُولَى وَلِكَوْنِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً ضَعِيفَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْقَضَاءُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فِي الْمَكَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْفَقْدِ الْحِسِّيِّ عَزِيمَةٌ وَلِلشَّرْعِيِّ رُخْصَةٌ اهـ ح ل وَلْيُنْظَرْ مَا وَجْهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ ضَابِطَ الرُّخْصَةِ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِمَا فَلْيُرَاجَعْ جَمْعَ الْجَوَامِعِ اهـ لِكَاتِبِهِ.
(قَوْلُهُ وَضَبْطِي لِلْقَضَاءِ) أَيْ فِي مَنْطُوقِ الْمَتْنِ فِي قَوْلِهِ وَلِفَقْدِ مَا يَنْدُرُ وَقَوْلُهُ وَلِعَدَمِهِ أَيْ فِي مَفْهُومِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِهِ بِمَحِلٍّ لَا يَنْدُرُ فِيهِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ بِمَا تَقَرَّرَ أَيْ مِنْ نُدْرَةِ الْفَقْدِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِهَا فِي الثَّانِي وَقَوْلُهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبُ فَلِذَلِكَ نَبَّهَ عَلَى قُصُورِهِ فِي الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ مُسَافِرًا وَفِي الثَّانِي بِقَوْلِهِ، وَلَوْ مُقِيمًا عَلَى عَادَتِهِ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى أَصْلِهِ حَيْثُ يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى لِلْإِشَارَةِ بِالْغَايَةِ وَالثَّانِيَةُ بِالتَّصْرِيحِ بِالِاعْتِرَاضِ اهـ لِكَاتِبِهِ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْأَصْلِ وَيَقْضِي الْمُقِيمُ الْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ لَا الْمُسَافِرُ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ لَا لِمَرَضٍ يَمْنَعُ الْمَاءَ مُطْلَقًا) أَيْ، وَلَوْ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْوُجُودُ وَكَالْمَرَضِ حَيْلُولَةُ نَحْوِ سَبُعٍ أَوْ خَوْفِ رَاكِبِ سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَالْمَرَضُ هُنَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ جُرْحًا أَوْ غَيْرَهُ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ عَلَى طُهْرٍ) أَيْ كَامِلٍ مِنْ الْحَدَثَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحُ م ر، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالطُّهْرِ الطُّهْرُ الْكَامِلُ وَهُوَ مَا يُبِيحُ الصَّلَاةَ كَالْخُفِّ أَوْ طَهَارَةُ ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَقَطْ الْأَوْجَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ الْأَوَّلُ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِطَهَارَةِ مَحِلِّهَا فَقَطْ كَمَا نَقَلَهُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ تَرْجِيحِهِ اهـ شَرْحُ م ر وَرَشِيدِيٍّ. (قَوْلُهُ لِعُمُومِ الْمَرَضِ وَالْجُرْحِ) اعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ تَارَةً يُعَلِّلُونَ بِالْعُذْرِ الْعَامِّ وَتَارَةً بِالْعُذْرِ النَّادِرِ وَالْعُذْرُ النَّادِرُ تَارَةً يَقُولُونَ فِيهِ إذَا وَقَعَ دَامَ وَتَارَةً يَقُولُونَ وَإِذَا وَقَعَ لَا يَدُومُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّ وَالنَّادِرِ بِقِسْمَيْهِ أَنَّ الْعَامَّ هُوَ الَّذِي يَكْثُرُ وُقُوعُهُ كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالنَّادِرِ وَالنَّادِرُ هُوَ الَّذِي يَنْدُرُ وُقُوعُهُ وَالْمُرَادُ بِدَوَامِهِ عَدَمُ زَوَالِهِ بِسُرْعَةٍ كَالِاسْتِحَاضَةِ وَالسَّلَسِ وَفَقْدِ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ بُخْلُ النَّاسِ بِمِثْلِ السَّاتِرِ الْمَذْكُورِ وَاَلَّذِي لَا يَدُومُ إذَا وَقَعَ هُوَ الَّذِي يَزُولُ بِسُرْعَةٍ كَفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
(قَوْلُهُ أَوْ وُضِعَ السَّاتِرُ عَلَى حَدَثٍ) أَيْ وَأَخَذَ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا وَإِلَّا فَلَا يَقْضِي اهـ شَيْخُنَا وَمَحِلُّ هَذَا التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْوَضْعِ عَلَى الطُّهْرِ فِي الثَّانِيَةِ إلَخْ) اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يَأْتِ بِالْعِلَلِ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَقَدْ يُقَالُ أَخَّرَ تَعْلِيلَ الْأُولَى لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ بِالْإِيرَادِ وَأَجْوِبَتُهُ الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ وَلِكَوْنِ التَّيَمُّمِ إلَخْ، فَإِنَّهُمَا مِنْ تَعَلُّقَاتِ تَعْلِيلِ الْأُولَى اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَنُقْصَانِ الْبَدَلِ) وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ وَهُوَ الْوُضُوءُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَاتِر وَلَكِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إمْسَاسُ مَحَلِّ الْعِلَّةِ بِالتُّرَابِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَحَاصِلُ مَا يُقَالُ فِي الْإِعَادَةِ وَعَدَمِهَا فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَرَضِ إنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَاتِرٌ فَلَا إعَادَةَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ سَاتِرٌ وَهُوَ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا فَلَا إعَادَةَ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الِاسْتِمْسَاكِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا أَوْ بِقَدْرِهِ فَلَا إعَادَةَ إنْ وُضِعَتْ عَلَى طُهْرٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَحَمْلُهُ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا) أَيْ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الدَّمَ طَرَأَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ لِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ لَا لِحَمْلِ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ جَاوَزَ مَحِلَّهُ أَوْ كَثُرَ بِفِعْلِهِ وَإِلَّا قَدِمَ الشَّخْصِ نَفْسُهُ يُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ اهـ ع ش، وَهَذَا التَّصْوِيرُ سَلَكَهُ الْحَلَبِيُّ أَيْضًا وَلَا يَحْتَاجُ لَهُ إلَّا عَلَى جَوَابِ الشَّارِحِ الْأَوَّلِ حَيْثُ اقْتَضَى أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ. وَأَمَّا عَلَى مُقْتَضَى الْجَوَابِ الثَّانِي مِنْ التَّقْيِيدِ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ مَعَهُ وَلَا مَعْنَى لِلْعَفْوِ إلَّا هَذَا وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا وَلَا قَضَاءَ فَحِينَئِذٍ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمَتْنِ لَمْ يَكْثُرْ دَمُ جُرْحِهِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ جَاوَزَ مَحِلَّهُ وَإِلَّا فَيُعْفَى عَنْهُ وَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ مَعَهُ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
(قَوْلُهُ وَلِكَوْنِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً ضَعِيفَةً إلَخْ) شُرُوعٌ فِي جَوَابِ إيرَادٍ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا بِأَنْ كَثُرَ الدَّمُ قَضَى، إذْ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ جَاوَزَ مَحِلَّهُ أَوْ لَا مَعَ أَنَّهُمْ نَصُّوا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الدَّمِ الْكَثِيرِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَحِلَّهُ وَمَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ فَفَصَّلُوا هُنَاكَ وَأَطْلَقُوا هُنَا، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ حَاصِلُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ تَسْلِيمُ الْإِطْلَاقِ هُنَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا هُنَا طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِي التَّيَمُّمِ وَمَا هُنَاكَ قَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ بِالْوُضُوءِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ الثَّانِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ لَكِنْ يَتَقَيَّدُ مَا هُنَا بِمَا إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ جَاوَزَ مَحِلَّهُ وَإِلَّا فَيُعْفَى عَنْهُ
(1/232)
لَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ الدَّمُ الْكَثِيرُ كَمَا لَا يُغْتَفَرُ فِيهِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الِاسْتِنْجَاءِ عَنْهُ بِخِلَافِ الطُّهْرِ بِالْمَاءِ وَيُمْكِنُ أَيْضًا حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى كَثِيرٍ جَاوَزَ مَحِلَّهُ أَوْ حَصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ الْأَصَحَّ عَدَمَ الْعَفْوِ أَخْذًا مِمَّا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ، ثُمَّ مِنْ عَدَمِ الْعَفْوِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ ثَمَّ (وَيَجِبُ نَزْعُهُ) سَوَاءٌ وَضَعَهُ عَلَى حَدَثٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ أَمْ عَلَى طُهْرٍ (إنْ أَمِنَ) مَحْذُورًا مِمَّا مَرَّ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ.
(بَابُ الْحَيْضِ) وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
كَمَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ الثَّالِثِ رَدُّ مَا هُنَاكَ إلَى مَا هُنَا وَأَنَّهُ لَا يُعْفَى هُنَاكَ عَنْ الْكَثِيرِ مُطْلَقًا كَمَا هُنَا لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْجَوَابُ الثَّانِي اهـ شَيْخُنَا بِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَوْلُهُ أَيْضًا وَلِكَوْنِ التَّيَمُّمِ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّكُمْ ذَكَرْتُمْ هُنَا أَنَّ الدَّمَ الْكَثِيرَ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَأَطْلَقْتُمْ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ جَاوَزَ مَحِلَّهُ أَوْ لَمْ يُجَاوِزْ وَرَتَّبْتُمْ عَلَى عَدَمِ الْعَفْوِ مُطْلَقًا وُجُوبَ الْقَضَاءِ وَذَكَرْتُمْ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الْكَثِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَحِلَّهُ اهـ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ الدَّمُ الْكَثِيرُ) ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ وَلَا جَاوَزَ مَحِلَّهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَيُمْكِنُ إلَخْ اهـ أَطْفِيحِيٌّ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الطُّهْرِ بِالْمَاءِ) أَيْ فَمَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ الدَّمِ الْكَثِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ دُونَ طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ وَقَوْلُهُ وَيُمْكِنُ أَيْضًا حَمْلُ مَا هُنَا إلَخْ أَيْ لِيُوَافِقَ طَرِيقَةَ النَّوَوِيِّ وَقَوْلُهُ فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَيْ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ الدَّمِ الْكَثِيرِ مِنْ الشَّخْصِ، إذْ مَحِلُّهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَحِلَّهُ أَوْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ فَالْأَجْوِبَةُ ثَلَاثَةٌ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ الْأَصَحَّ عَدَمَ الْعَفْوِ أَيْ عَنْ الْكَثِيرِ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ أَيْ مِنْ الْعَفْوِ مُوَافَقَةً لِلرَّافِعِيِّ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ عَلَى كَثِيرٍ جَاوَزَ مَحِلَّهُ) هَذَا كَمَا تَرَى إنَّمَا يَأْتِي عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ تَقْدِيمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَلَى التَّيَمُّمِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ إزَالَتِهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لَا لِعَدَمِ الْعَفْوِ، وَإِنْ فُرِضَ طُرُوُّ النَّجَاسَةِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فَلَا بِنَاءَ اهـ ز ي. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَالْبَابَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ نَزْعُهُ إنْ أَمِنَ) أَيْ سَوَاءٌ وُضِعَ عَلَى طُهْرٍ أَمْ لَا، وَهَذَا إذَا أَخَذَ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا وَكَانَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ، وَإِنْ وُضِعَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ وَجَبَ نَزْعُهُ مُطْلَقًا أَيْ أَخَذَ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا أَمْ لَا وُضِعَ عَلَى طُهْرٍ أَمْ لَا اهـ ح ل.
(خَاتِمَةٌ)
التَّيَمُّمُ يُخَالِفُ الْوُضُوءَ فِي سَبْعٍ وَعِشْرِينَ صُورَةً لَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ وَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ وَلَا يَجِبُ الْإِيصَالُ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهُ وَلَا يَصِحُّ إلَّا الْمُحْتَاجُ وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَلَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلَا لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَلَا لِمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهَا عَلَى النَّصِّ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَيَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَلَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاتِهَا وَالْجِنَازَةُ كَالنَّفْلِ وَلَا يُصَلَّى الْفَرِيضَةُ بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ وَيُعِيدُ الْمُصَلِّي بِهِ فِي الْحَضَرِ لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ سَفَرًا وَحَضَرًا فَلَا يُعِيدُ فِي الْحَضَرِ إذَا كَانَ مُقِيمًا بِمَفَازَةٍ وَيُعِيدُ فِي السَّفَرِ إذَا كَانَ مُقِيمًا بَقَرِيَّة وَإِذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ صَلَاةً فَرَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِالتَّيَمُّمِ وَيُعِيدُ الْعَاصِي بِالسَّفَرِ لِفَقْدِ الْمَاءِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَحْتَاجُهُ لِلْعَطَشِ وَيُقَالُ لَهُ إنْ تُبْت اسْتَبَحْته وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَلَا يُمْسَحُ بِطَهَارَتِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا كَانَ لِفَقْدِ الْمَاءِ وَيَجِبُ فِيهِ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ إنْ لَمْ يُفَرِّقْهَا حَالَ الضَّرْبِ وَيَجِبُ تَعْدَادُهُ بِحَسَبِ تَعْدَادِ الْأَعْضَاءِ الْمَجْرُوحَةِ فِي الْوُضُوءِ إذَا بَقِيَ مِنْهَا مَا يُغْسَلُ وَيُسَنُّ تَعْدَادُهُ بِحَسَبِ تَعْدَادِ الْأَعْضَاءِ الْمَسْنُونَةِ أَيْضًا كَالْكَفَّيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَبِرُؤْيَةِ الْمَاءِ بِلَا حَائِلٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَبِتَوَهُّمِ الْمَاءِ وَبِوُجْدَانِ ثَمَنِهِ وَبِأَنْ يَسْمَعَ شَخْصًا يَقُولُ عِنْدِي مَاءٌ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الرَّوْضِ.
[بَابُ الْحَيْضِ]
(بَابُ الْحَيْضِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ لَا غَيْرُ وَهُوَ مَصْدَرُ حَاضَتْ حَيْضًا وَمَحِيضًا وَمَحَاضًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَالْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ هَذَا الْبَابِ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ بَلْ الطَّهَارَةُ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالنِّسَاءِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْبَابَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْحَيْضِ بَلْ فِيهِ غَيْرُهُ وَتَرْجَمَ بِهِ دُونَهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ لِكَثْرَةِ أَحْكَامِهِ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ وَإِلَّا فَأَحْكَامُ الِاسْتِحَاضَةِ أَكْثَرُ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِأَنَّهُمَا كَالتَّابِعِينَ لَهُ أَمَّا الِاسْتِحَاضَةُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا النِّفَاسُ فَلِأَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِهِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَاقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى بَيَانِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ دُونَ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَهُوَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّرْجَمَةِ وَلَيْسَ مَعِيبًا وَإِنَّمَا الْمَعِيبُ النَّقْصُ
(1/233)
وَالنِّفَاسِ وَالْحَيْضُ لُغَةً السَّيَلَانُ يُقَالُ حَاضَ الْوَادِي إذَا سَالَ وَشَرْعًا دَمُ جِبِلَّةٍ يَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ وَالِاسْتِحَاضَةُ دَمُ عِلَّةٍ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ فَمُهُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى الْعَاذِلَ بِالْمُعْجَمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ سَوَاءٌ أَخَرَجَ إثْرَ حَيْضٍ أَمْ لَا وَالنِّفَاسُ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ فَرَاغِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ وَالْأَصْلُ فِي الْحَيْضِ آيَةُ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عَنْهَا خُصُوصًا مَا كَانَ زَائِدًا عَلَيْهَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ كَمَا هُنَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْحَيْضُ لُغَةً السَّيَلَانُ) وَكَذَا الِاسْتِحَاضَةُ وَالنِّفَاسُ لُغَةً الْوِلَادَةُ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ يُقَالُ حَاضَ الْوَادِي إذَا سَالَ) أَيْ وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا سَالَ صَمْغُهَا وَمِنْهُ الْحَوْضُ لِحَيْضِ الْمَاءِ أَيْ سَيَلَانِهِ فِيهِ وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ الْوَاوَ عَلَى الْيَاءِ وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حَيِّزٍ أَيْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْهَوَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ قَالَ الْجَاحِظُ بِالْجِيمِ وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ وَاَلَّذِي يَحِيضُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ أَرْبَعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ الْمَرْأَةُ وَالْأَرْنَبُ وَالضَّبُعُ وَالْخُفَّاشُ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ النَّاقَةُ وَالْكَلْبَةُ وَالْوَزَغَةُ وَالْحِجْرُ بِغَيْرِ هَاءٍ وَإِلْحَاقُهَا بِهِ لَحْنٌ أَيْ الْأُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ الثَّمَانِيَةَ فَقَالَ
ثَمَانِيَةٌ فِي جِنْسِهَا الْحَيْضُ يَثْبُتُ ... وَلَكِنْ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ لَا يُوَقَّتُ
نِسَاءٌ وَخُفَّاشٌ وَضَبُعٌ وَأَرْنَبُ ... كَذَا نَاقَةٌ وَوَزَغٌ وَحِجْرٌ وَكَلْبَةُ
وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهَا بَنَاتَ وَرْدَانِ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْجُنْدُبِ وَبِالْحُمْرَةِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا الْقِرَدَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ حَتَّى لَوْ عُلِّقَ طَلَاقٌ مَثَلًا بِحَيْضِ شَيْءٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ مِقْدَارَ أَقَلِّ الْحَيْضِ أَمَّا أَوَّلًا فَكَوْنُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ يَقَعُ لَهَا الْحَيْضُ لَيْسَ أَمْرًا قَطْعِيًّا وَذِكْرُ الْجَاحِظِ أَوْ غَيْرِهِ لَهُ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ فِي الْوَاقِعِ وَلَا الْقَطْعَ بِهِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضُ الْمَذْكُورَاتِ فِي سِنٍّ وَعَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ نَعَمْ إنْ أُرِيدَ بِحَيْضِهَا مُجَرَّدُ خُرُوجِ دَمٍ مِنْهَا اعْتَبِرْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ دَمُ جِبِلَّةٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ أَيْ دَمٌ مُسَبَّبٌ وَنَاشِئٌ عَنْ الطَّبِيعَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ دَمُ عِلَّةٍ اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: مِنْ أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ) أَيْ مِنْ عِرْقِ فَمِهِ فِي أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ وَالرَّحِمُ وِعَاءُ الْوَلَدِ وَهُوَ جِلْدَةٌ عَلَى صُورَةِ الْجَرَّةِ الْمَقْلُوبَةِ فَبَابُهُ الضَّيِّقُ مِنْ جِهَةِ الْفَرْجِ وَوَاسِعُهُ إلَى جِهَةِ الْبَطْنِ وَيُسَمَّى بِأُمِّ الْأَوْلَادِ اهـ شَيْخُنَا.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الرَّحِمُ مَوْضِعُ تَكْوِينِ الْوَلَدِ وَيُخَفَّفُ بِسُكُونِ الْحَاءِ مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ وَمَعَ كَسْرِهَا أَيْضًا فِي لُغَةِ بَنِي كِلَابٍ وَفِي لُغَةٍ لَهُمْ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَتْبَاعٌ لِكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ سُمِّيَتْ الْقَرَابَةُ وَالْوَصْلَةُ مِنْ جِهَةِ الْوَلَاءِ رَحِمًا فَالرَّحِمُ خِلَافُ الْأَجْنَبِيِّ (قَوْلُهُ: فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ) قَالَ ح ل أَيْ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ اهـ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْبُلُوغُ لَا يُسَمَّى حَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ دَمُ جِبِلَّةٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ دَمٌ اقْتَضَتْهُ الْجِبِلَّةُ وَالطَّبِيعَةُ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: فِي أَدْنَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ) وَمِنْ الطُّرُقِ الَّتِي تَعْرِفُ بِهَا الْمَرْأَةُ كَوْنَهُ دَمَ حَيْضٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٍ أَنْ تَأْخُذَ مَنْ قَامَ بِهَا مَا ذَكَرَ مَاسُورَةً مَثَلًا وَتَجْعَلَهَا فِي فَرْجِهَا، فَإِنْ دَخَلَ الدَّمُ فِيهَا فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى جَوَانِبِهَا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَهَذِهِ عَلَامَةٌ ظَنِّيَّةٌ فَقَطْ لَا قَطْعِيَّةٌ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ لَنَا مُتَحَيِّرَةٌ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ سِيدَهْ إهْمَالُهَا وَلِلْجَوْهَرِيِّ مَعَ إعْجَامِهَا بَدَلُ اللَّامِ رَاءٌ وَهُوَ غَيْرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْحَيْضُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالنِّفَاسُ الدَّمُ الْخَارِجُ إلَخْ) بِكَسْرِ النُّونِ مِنْ النَّفْسِ أَيْ الدَّمِ أَوْ مِنْ تَنَفَّسَ الصُّبْحُ إذَا ظَهَرَ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَقِبَ نَفَسٍ غَالِبًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ يُقَالُ نُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا وَبِكَسْرِ الْفَاءِ وَيُقَالُ لِلْحَائِضِ نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ وَلِلْحَيْضِ عَشَرَةُ أَسْمَاءَ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ
حَيْضٌ نِفَاسٌ دِرَاسٌ طَمْسٌ إعْصَارُ ... ضِحْكٌ عِرَاكٌ فِرَاكٌ طَمْثٌ إكْبَارُ
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَنُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَالْجَمْعُ نِفَاسٌ بِالْكَسْرِ وَمِثْلُهُ عُشَرَاءُ وَعِشَارٌ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ نَفِسَتْ تَنْفَسُ مِنْ بَابِ تَعِبَ حَاضَتْ وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ نُفِسَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْضًا وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ فِي الْكُتُبِ فِي الْحَيْضِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ فَرَاغِ الرَّحِمِ) أَيْ عَقِبَهُ مِنْ الْحَمْلِ وَلَوْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً قَالَ الْقَوَابِلُ فِيهَا خَلْقُ آدَمِيٍّ أَيْ وَقَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ نَحْوِ الْوِلَادَةِ فَمَا بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ حَيْضٌ فِي وَقْتِهِ أَوْ دَمُ فَسَادٍ فِي غَيْرِهِ وَكَذَا مَا يَخْرُجُ مَعَ الْوَلَدِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وع ش عَلَى م ر.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالنِّفَاسُ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ فَرَاغِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ فَخَرَجَ بِذَلِكَ دَمُ الطَّلْقِ وَالْخَارِجُ مَعَ الْوَلَدِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ لِكَوْنِهِ مِنْ آثَارِ الْوِلَادَةِ وَلَا نِفَاسَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى خُرُوجِ الْوَلَدِ بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ إلَّا أَنْ يَتَّصِلَ بِحَيْضِهَا الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حَيْضًا
انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي الْحَيْضِ) أَيْ فِي وُجُودِهِ
(1/234)
أَيْ الْحَيْضِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» (أَقَلُّ سِنِّهِ تِسْعُ سِنِينَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَبَعْضِ أَحْكَامِهِ فَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَيْ الْحَيْضِ) فَسَّرَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ «أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنْ الْبُيُوتِ وَلَمْ يُسَاكِنُوهَا وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا فَسَأَلَتْ الصَّحَابَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ فَأَنْكَرَتْ الْيَهُودُ ذَلِكَ فَجَاءَ أُسَيْدَ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُجَامِعُهُنَّ فِي الْحَيْضِ خِلَافًا لِلْيَهُودِ فَلَمْ يَأْذَنْ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ الَّذِي سَأَلَ أَوَّلًا ثَابِتُ بْنُ الدَّحْدَاحِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا حُضُورُ الْمُحْتَضَرِ وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَا مَسَّتْهُ بِطَبْخٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا فِعْلُهَا لَهُ وَلَا غُسْلُ الثِّيَابِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ) أَيْ قَدَّرَهُ عَلَيْهِنَّ وَلَوْ حُكْمًا لِتَدْخُلَ حَوَّاءُ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَحِيضُ وَقَدْ خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ الْأَيْسَرِ وَكَيْفِيَّةُ خَلْقِهَا أَنَّهُ سَلَّ مِنْ آدَمَ ضِلْعَهُ الْأَيْسَرَ مِنْ غَيْرِ تَأَلُّمٍ وَإِلَّا لَمَا مَالَ ذَكَرٌ لِأُنْثَى وَخُلِقَتْ مِنْهُ حَوَّاءُ وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ إنْسَانٍ نَاقِصًا ضِلْعًا مِنْ جِهَةِ يَسَارِهِ عَنْ جِهَةِ يَمِينِهِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَيْضًا كَتَبَهُ اللَّهُ إلَخْ) أَيْ امْتَحَنَهُنَّ بِهِ وَتَعَبَّدَهُنَّ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَرَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ كَانَ عَلَى حَوَّاءَ حِينَ أُهْبِطَتْ مِنْ الْجَنَّةِ لَمَّا عَصَتْ رَبَّهَا وَكَسَرَتْ شَجَرَةَ الْحِنْطَةِ فَدَمِيَتْ أَيْ سَالَ مَاؤُهَا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُدْمِيَنَّكِ كَمَا أَدْمَيْتِهَا وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ أَوَّلَ وُجُودِهِ كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ ظُهُورِهِ وَكَثْرَتِهِ.
(فَائِدَةٌ) قِيلَ: إنَّ حَوَّاءَ لَمَّا عَصَتْ رَبَّهَا فِي الْجَنَّةِ بِأَكْلِهَا مِنْ الشَّجَرَةِ عَاقَبَ اللَّهُ تَعَالَى بَنَاتَهَا النِّسَاءَ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ عُقُوبَةً إحْدَاهَا الْحَيْضُ وَثَانِيهَا الْوِلَادَةُ وَثَالِثُهَا فِرَاقُ أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَرَابِعُهَا التَّزَوُّجُ بِأَجْنَبِيٍّ وَخَامِسُهَا النِّفَاسُ وَالتَّلَطُّخُ بِدَمِهِ وَسَادِسُهَا أَنْ لَا تَمْلِكَ نَفْسَهَا وَسَابِعُهَا نَقْصُ مِيرَاثِهَا وَثَامِنُهَا الطَّلَاقُ وَكَوْنُهُ بِيَدِ غَيْرِهَا وَتَاسِعُهَا التَّزَوُّجُ عَلَيْهَا بِثَلَاثٍ غَيْرِهَا وَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَعَاشِرُهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا وَلَوْ لِحَجِّهَا إلَّا بِمَحْرَمٍ وَحَادِي عَشْرَهَا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَثَانِي عَشْرَهَا صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَثَالِثُ عَشْرَهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَرَابِعُ عَشْرَهَا الْجِهَادُ وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ ذَلِكَ وَخَامِسُ عَشْرَهَا عَدَمُ صَلَاحِيَّتِهَا لِلْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ وَسَادِسَ عَشْرَهَا أَنَّ النِّسَاءَ الْفَوَاجِرَ يُعَذَّبْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضِعْفَ عَذَابِ الرِّجَالِ وَسَابِعَ عَشْرَهَا اعْتِدَادُهَا لِمَوْتِ زَوْجِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَإِحْدَادُهَا مَعَ ذَلِكَ وَثَامِنَ عَشْرَهَا إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ لَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ ثَلَاثِ حَيْضَاتٍ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَهَذِهِ عُقُوبَةٌ لِلنِّسَاءِ وَبِئْسَتِ الْعُقُوبَةُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: أَقَلُّ سِنِّهِ إلَخْ) أَيْ وَغَالِبُهُ عِشْرُونَ سَنَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي الْكَلَامِ عَلَى عُيُوبِ الْمَبِيعِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا لَا تَحِيضُ، فَإِنْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ سَنَةً كَانَ عَيْبًا وَإِلَّا فَلَا وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ مَا دَامَتْ الْمَرْأَةُ حَيَّةً اهـ ح ل (قَوْلُهُ: أَيْضًا أَقَلُّ سِنِّهِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر ثُمَّ الْكَلَامُ فِي الْحَيْضِ يَسْتَدْعِي مَعْرِفَةَ حُكْمِهِ وَسِنِّهِ وَقَدْرِهِ وَقَدْرِ الطُّهْرِ وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا مُبْتَدِئًا بِمَعْرِفَةِ سِنِّهِ فَقَالَ أَقَلُّ سِنِّهِ إلَخْ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: تِسْعُ سِنِينَ) فَمَنْ بَلَغَتْ هَذَا السِّنَّ فَبِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتْرُكَ مَا تَتْرُكُهُ الْحَائِضُ حَمْلًا عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ كَوْنِهِ حَيْضًا فَلَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ حَتَّى يَحْرُمَ طَلَاقُهَا حِينَئِذٍ، فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ فَتَقْضِي الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ، فَإِنْ كَانَتْ صَائِمَةً قَبْلَ وُجُودِ الدَّمِ أَوْ نَوَتْ الصَّوْمَ بَعْدَ عِلْمِهَا بِهِ وَظَنَّتْ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ أَوْ جَهِلَتْ الْحَالَ صَحَّ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ حَيْضٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَتْ مَعَ الْعِلْمِ أَوْ لَمْ تَظُنَّهُ دَمَ فَسَادٍ لِتَلَاعُبِهَا اهـ ح ل.
وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر أَمَّا لَوْ انْقَطَعَ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ لَكِنْ لِدُونِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ وَلَوْ كَانَ قَوِيًّا وَضَعِيفًا، وَإِنْ تَقَدَّمَ الضَّعِيفُ عَلَى الْقَوِيِّ اهـ مِنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَبِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ لِزَمَنِ إمْكَانِ الْحَيْضِ يَجِبُ الْتِزَامُ أَحْكَامِهِ ثُمَّ إنْ انْقَطَعَ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَانَ أَنْ لَا شَيْءَ فَتَقْضِي صَلَاةَ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَإِلَّا بَانَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَكَذَا فِي الِانْقِطَاعِ بِأَنْ كَانَتْ لَوْ أَدْخَلَتْ الْقُطْنَةَ خَرَجَتْ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً فَيَلْزَمُهَا حِينَئِذٍ الْتِزَامُ أَحْكَامِ الطُّهْرِ ثُمَّ إنْ عَادَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ كَفَّتْ، وَإِنْ انْقَطَعَ فَعَلَتْ وَهَكَذَا حَتَّى يَمْضِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَحِينَئِذٍ يُرَدُّ كُلٌّ إلَى مَرَدِّهَا الْآتِي انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ فَصْلٌ الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ إذَا بَدَأَهَا الدَّمُ لَزِمَهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا حَرُمَ بِالْحَيْضِ ثُمَّ إذَا انْقَطَعَ لِدُونِ الْأَقَلِّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَوَجَبَ قَضَاءُ الصَّوْمِ
(1/235)
قَمَرِيَّةٍ (تَقْرِيبًا) فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ تَمَامِ التِّسْعِ بِمَا لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا فَهُوَ حَيْضٌ وَإِلَّا فَلَا وَالتِّسْعُ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ ظَرْفًا بَلْ خَبَرٌ فَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ جَعَلَهَا كُلَّهَا ظَرْفًا لِلْحَيْضِ وَلَا قَائِلَ بِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَالصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ أَقَامَتْ عَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ ثُمَّ إنْ انْقَطَعَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَهَا فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَإِنْ جَاوَزَهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً إلَخْ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ وَشَرْحُهُ لِابْنِ حَجَرٍ.
(فَرْعٌ) الْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ يَثْبُتُ لَهُمَا حُكْمُ الْحَائِضِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَلَوْ غَيْرَ زَمَنِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ فَتَتَرَبَّصُ، فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ أَقَلِّهِ فَلَا حَيْضَ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ لِأَقَلِّهِ تَرَبَّصَتْ وَإِنْ جَاوَزَ عَادَتَهَا مَثَلًا لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْأَكْثَرِ، وَإِنْ انْقَطَعَ فَعَلَتْ بَعْدَ كُلِّ انْقِطَاعٍ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرُ مِنْ نَحْوِ صَلَاةٍ وَوَطْءٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ عَوْدَةٍ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْإِرْشَادِ وَشَرْحُهَا لِابْنِ حَجَرٍ وَسِنُّهُ تِسْعُ سِنِينَ تَقْرِيبًا وَتَحِيضُ امْرَأَةٌ رَأَتْ الدَّمَ فِي سِنِّ الْحَيْضِ بِرُؤْيَتِهِ فَتُؤْمَرُ بِاجْتِنَابِ مَا تَجْتَنِبُهُ الْحَائِضُ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَوَطْءٍ وَلَا تَنْتَظِرُ بُلُوغَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ حَيْضٌ ثُمَّ إنْ نَقَصَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَضَتْ مَا كَانَتْ تَرَكَتْهُ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَلَا يَلْزَمُهَا غُسْلٌ لِعَدَمِ الْحَيْضِ وَكَمَا أَنَّهَا تَحِيضُ بِرُؤْيَتِهِ تَطْهُرُ أَيْ يُحْكَمُ بِطُهْرِهَا بِانْقِطَاعِهِ بَعْدَ بُلُوغِ أَقَلِّهِ فَتُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا، فَإِنْ عَادَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ تَبَيَّنَ وُقُوعُ عِبَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ فَتُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ فَقَطْ وَلَا إثْمَ بِالْوَطْءِ لِبِنَاءِ الْأَمْرِ عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِنْ انْقَطَعَ حُكِمَ بِطُهْرِهَا وَهَكَذَا مَا لَمْ يَعْبُرْ خَمْسَةَ عَشَرَ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: قَمَرِيَّةً) مَنْسُوبَةٌ إلَى الْقَمَرِ لِاعْتِبَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الشَّمْسِ لَا مِنْ حَيْثُ رُؤْيَتُهُ هِلَالًا وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَثِمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَخُمْسِ يَوْمٍ وَسُدْسِ يَوْمٍ بِخِلَافِ الْعَدَدِيَّةِ، فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ فَالْقَمَرِيَّةُ تَنْقُصُ عَنْ الْعَدَدِيَّةِ أَيْ الشَّمْسِيَّةِ سِتَّةَ أَيَّامٍ إلَّا خُمْسَ يَوْمٍ وَسُدُسَهُ وَخَرَجَ بِالْقَمَرِيَّةِ الشَّمْسِيَّةُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى الشَّمْسِ لِاعْتِبَارِهَا مِنْ حَيْثُ حُلُولُهَا فِي نُقْطَةِ رَأْسِ الْحَمْلِ إلَى عَوْدِهَا إلَيْهَا وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَرُبْعٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(فَرْعٌ) إمْكَانُ إنْزَالِهَا كَإِمْكَانِ حَيْضِهَا، وَقَدْ عَلِمْته بِخِلَافِ إمْكَانِ إنْزَالِ الصَّبِيِّ، فَإِنَّ التِّسْعَ فِيهِ تَحْدِيدِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِهَا لِحَرَارَةِ طَبْعِهَا كَذَا قِيلَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ إنْزَالَهَا كَإِنْزَالِهِ اهـ ح ل وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر فَلَوْ رَأَتْ الْمَنِيَّ قَبْلَ تَمَامِ التِّسْعِ فَلَا يَكُونُ مَنِيًّا وَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُ تَحْدِيدٌ وَلَا فَرْق فِيهِ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَهُوَ تَقْرِيبٌ وَهَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الرَّمْلِيُّ فِي بَابِ الْحَجْرِ، وَإِنْ خَالَفَهُ هُنَا اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَإِنْ اتَّصَلَ بِدَمٍ قَبْلَهُ بَلْ هُوَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ هُنَا أَنَّ سِنَّ الْمَنِيِّ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى تَقْرِيبِيٌّ كَالْحَيْضِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُهُمَا مَنِيًّا فِي زَمَنٍ لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا حُكِمَ بِبُلُوغِهِ وَفِي بَابِ الْحَجْرِ أَنَّهُ تَحْدِيدٌ فِيهِمَا وَهُوَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُرَجَّحُ بِذِكْرِهِ فِي بَابِهِ وَالْمَنِيَّ لَا يُقَدَّرُ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: بَلْ خَبَرٌ) أَيْ لِانْدِفَاعِ الْإِيهَامِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ وَفِيهِ أَنَّ الْإِيهَامَ مَوْجُودٌ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ أَيْضًا لِشُمُولِهِ أَوَّلَ التَّاسِعَةِ وَأَثْنَائِهَا غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الْخَبَرِيَّةَ أَقَلُّ إيهَامًا اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ إلَى الْخَبَرِيَّةِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَمَالُ التِّسْعِ اهـ ع ش.
(فَرْعٌ) لَوْ رَأَتْ الدَّمَ أَيَّامًا بَعْضُهَا قَبْلَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَبَعْضُهَا فِيهِ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ جَعْلُ الْمُمْكِنِ حَيْضًا اهـ أَقُولُ فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ مِنْ التَّاسِعَةِ فَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْعَشَرَةِ الْمُرَتَّبَةِ وَاقِعَةٌ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ مَا بَعْدَهَا لَا تَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا فَهِيَ حَيْضٌ وَالْخَمْسَةُ الْأُولَى مِمَّا ذَكَرَ وَاقِعَةٌ قَبْلَ زَمَانِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ مَا بَعْدَهَا تَسَعُ مَا ذَكَرَ فَلَيْسَتْ حَيْضًا نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بَعْضُهَا حَيْضٌ وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ بِلَيْلَتِهِ نَاقِصًا شَيْئًا بِحَيْثُ يَكُونُ الْبَاقِي مَعَ مَا بَعْدَهُ لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا بِأَنْ يَنْقُصَ عَنْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا وَهِيَ أَقَلُّ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَلَوْ رَأَتْ دَمًا جَمِيعَ الْعِشْرِينَ الَّتِي هِيَ تَمَامُ التَّاسِعَةِ فَقِيَاسُ مَا ذَكَرَ أَنْ يُقَالَ الْخَمْسَةُ الْأُولَى مَعَ الْقَدْرِ الَّذِي يَنْقُصُ بِهِ بَعْدَهَا عَنْ كَمَالِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا دَمُ فَسَادٍ وَالْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ وَاقِعٌ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَيَكُونُ بَعْضُهُ حَيْضًا وَبَعْضُهُ طُهْرًا عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ الْآتِيَةِ، فَإِذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ ذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم (قَوْلُهُ: فَمَا قِيلَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَالْقَائِلُ هُوَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَوْلُهُ لَيْسَ
(1/236)
وَتَقْرِيبًا مِنْ زِيَادَتِي.
(وَأَقَلُّهُ) زَمَنًا (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) أَيْ قَدْرُهُمَا مُتَّصِلًا وَهُوَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً (وَأَكْثَرُهُ) زَمَنًا (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا) وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ وَغَالِبُهُ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ كُلُّ ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (كَأَقَلَّ) زَمَنِ (طُهْرٍ بَيْنَ) زَمَنَيْ (حَيْضَتَيْنِ) فَإِنَّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِلَيَالِيِهَا لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَخْلُو غَالِبًا عَنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الطُّهْرِ كَذَلِكَ وَخَرَجَ بِبَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ الطُّهْرُ بَيْنَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ الطُّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَغَالِبُهُ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ بَعْدَ غَالِبِ الْحَيْضِ.
(وَحَرُمَ بِهِ) أَيْ بِالْحَيْضِ (وَبِنِفَاسٍ مَا حَرُمَ بِجَنَابَةٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِشَيْءٍ أَيْ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَى ذَلِكَ إلَّا لَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْقَائِلَ نَطَقَ بِتِسْعٍ مَفْتُوحَةٍ أَوْ ضَبَطَهَا بِقَلَمِهِ بِذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْهُ اهـ ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَلَفْظُ تِسْعٍ فِي كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ مَرْفُوعٌ مِنْ الْخَبَرِ الْمُفْرَدِ عَنْ أَقَلَّ لَا مَنْصُوبٌ ظَرْفًا مِنْ الْخَبَرِ الْجُمْلَةِ عَنْهُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَدَمَ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْأَقَلِّ لِكَوْنِهِ مَظْرُوفًا فِي التِّسْعِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمَنْهَجِ فَقَوْلُهُ فِيهِ وَالتِّسْعُ مُبْتَدَأٌ وَلَيْسَتْ ظَرْفًا خَبَرُهُ وَمَا قِيلَ مُبْتَدَأٌ أَيْضًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ خَبَرُهُ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ فَرَاجِعْهُ اهـ
(قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ زَمَنًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ أَيْ أَقَلُّ زَمَنِهِ يَوْمٌ إلَخْ وَدَفَعَ بِهِ مَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي (أَقَلُّهُ) رَاجِعٌ لِلدَّمِ وَاسْمُ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَأَقَلُّ دَمِ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْبَارِ بِاسْمِ الزَّمَانِ عَنْ الْجُثَّةِ، وَإِنَّمَا آثَرَ ذَلِكَ التَّمْيِيزَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَارِ وَعَدَمِ تَغْيِيرِ الْإِعْرَابِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَدَّرَهُ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ فَقَالَ: وَأَقَلُّ زَمَنِهِ غَيَّرَ صُورَةَ الْمَتْنِ بِتَصْيِيرِ الْهَاءِ مَكْسُورَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَضْمُومَةً وَفَصَلَ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ، وَإِنْ أَخَّرَ الْبَيَانَ عَنْ الْمَتْنِ فَقَالَ أَيْ وَأَقَلُّ زَمَنِهِ بَعْدُ وَأَقَلُّهُ أَدَّى إلَى طُولٍ فَمَا ذَكَرَهُ أَخْصَرُ وَأَوْلَى اهـ شَوْبَرِيٌّ وع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: أَيْ قَدْرُهُمَا مُتَّصِلًا) قَيَّدَ فِي تَحَقُّقِ الْأَقَلِّ فَقَطْ أَيْ لَا يُتَصَوَّرُ الْأَقَلُّ فَقَطْ إلَّا إذَا رَأَتْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً عَلَى الِاتِّصَالِ، وَأَمَّا لَوْ رَأَتْهَا مُتَفَرِّقَةً فِي أَيَّامٍ لَا تَكُونُ أَقَلَّ فَقَطْ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا رَأَتْ دَمًا مُتَقَطِّعًا يَنْقُصُ كُلٌّ مِنْهُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِذَا جُمِعَ بَلَغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى الِاتِّصَالِ فَيَكُونُ كَافِيًا فِي حُصُولِ أَقَلِّ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ لَهُ صُورَتَانِ أَقَلُّ فَقَطْ وَأَقَلُّ مَعَ غَيْرِهِ إمَّا مَعَ الْغَالِبِ أَوْ مَعَ الْأَكْثَرِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ) أَيْ وَكَانَ قَدْرُ مَجْمُوعِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً (قَوْلُهُ: وَغَالِبُهُ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ) أَتَى بِهِ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ شَرْحًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ رِعَايَةً لِلَفْظِ الْحَدِيثِ الْآتِي وَذَكَرَ الْعَدَدَ لِحَذْفِ الْمَعْدُودِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: كُلُّ ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرَاءِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْمُتَعَارَفِ بِالِاسْتِقْرَاءِ اهـ ز ي وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِقْرَاءِ الِاسْتِقْرَاءُ النَّاقِصُ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ فَيُفِيدُ الظَّنَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَتَبُّعٌ لِأَكْثَرِ الْجُزْئِيَّاتِ بَلْ يَكْتَفِي بِالِاسْتِقْرَاءِ النَّاقِصِ بِتَتَبُّعِ الْبَعْضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ كَمَا هُنَا وَهَذَا مَا انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ سم فِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ اهـ لِكَاتِبِهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَخْلُو غَالِبًا إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر إذْ الشَّهْرُ غَالِبًا لَا يَخْلُو مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ، فَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الطُّهْرِ كَذَلِكَ وَلِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي عِدَّةٍ الْآيِسَةِ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ إمَّا أَنْ يَجْمَعَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ أَقَلَّهُمَا أَوْ أَكْثَرَهُمَا لَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي وَالرَّابِعِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَلَا إلَى الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ فَثَبَتَ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: لَا يَخْلُو غَالِبًا) اُنْظُرْ أَيَّ حَاجَةٍ لَهُ وَهَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَجْتَمِعُ فِيهِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ أَقُولُ قَدْ يُقَالُ ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ الْمُطَابِقَ لِلْوَاقِعِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ ثُبُوتُ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ بَلْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا طُهْرًا أَصْلًا كَأَنْ يَتَّصِلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: الطُّهْرُ بَيْنَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) وَكَذَا الطُّهْرُ بَيْنَ نِفَاسَيْنِ وَيُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي نِفَاسِهَا وَعَلِقَتْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّفَاسَ لَا يَمْنَعُ الْعُلُوقَ ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَقَبْلَ مُضِيِّ أَقَلِّ الطُّهْرِ أَلْقَتْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً كَمَا صَوَّرَهُ سُلْطَانٌ اهـ (قَوْلُهُ: تَقَدَّمَ) أَيْ الطُّهْرُ عَلَى النِّفَاسِ أَوْ تَأَخَّرَ أَيْ عَنْ النِّفَاسِ وَكَانَ طُرُوُّهُ بَعْدَ بُلُوغِ النِّفَاسِ أَكْثَرَهُ بِأَنْ رَأَتْ النِّفَاسَ سِتِّينَ يَوْمًا ثُمَّ انْقَطَعَ يَوْمًا وَعَادَ، فَإِنَّهُ حَيْضٌ بِخِلَافِ مَا إذَا طَرَأَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أَكْثَرَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا إلَّا إذَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اهـ ح ل (قَوْلُهُ: أَيْ الطُّهْرِ) أَتَى بِأَيْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى مُطْلَقِ الطُّهْرِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ بِهِ وَبِنِفَاسٍ مَا حَرُمَ بِجَنَابَةٍ) أَيْ لِكَوْنِهِمَا أَغْلَظَ مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْرُمُ بِهِمَا أُمُورُ زِيَادَةٍ عَلَى مَا يَحْرُمُ بِهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَعُبُورُ مَسْجِدٍ إلَخْ اهـ ح ل وَفِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لِلسُّيُوطِيِّ مَا نَصُّهُ.
(فَائِدَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْحَيْضَ يَتَعَلَّقُ
(1/237)
مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا (وَعُبُورِ مَسْجِدٍ) إنْ (خَافَتْ تَلْوِيثَهُ) بِمُثَلَّثَةٍ قَبْلَ الْهَاءِ بِالدَّمِ لِغَلَبَتِهِ أَوْ عَدَمِ إحْكَامِهَا الشَّدَّ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ فَإِنْ أَمِنَتْهُ جَازَ لَهَا الْعُبُورُ كَالْجُنُبِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ بِهِ نَجَاسَةٌ مِثْلُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِهِ عِشْرُونَ حُكْمًا اثْنَا عَشَرَ حَرَامٌ تِسْعَةٌ عَلَيْهَا وَهِيَ الصَّلَاةُ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَالطَّوَافُ وَالصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَمَسُّهُ وَكِتَابَتُهُ عَلَى وَجْهٍ وَزَادَ فِي الْمُهَذَّبِ الطَّهَارَةَ وَزَادَ الْمَحَامِلِيُّ حُضُورَ الْمُحْتَضَرِ وَثَلَاثَةٌ عَلَى الزَّوْجِ وَهِيَ الْوَطْءُ وَالطَّلَاقُ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَثَمَانِيَةٌ غَيْرُ حَرَامٍ الْبُلُوغُ وَالِاغْتِسَالُ وَالْعِدَّةُ وَالِاسْتِبْرَاءُ وَبَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَقَبُولُ قَوْلِهَا فِيهِ وَسُقُوطُ الصَّلَاةِ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ ضَابِطٌ: حَيْثُ أُبِيحَتْ الصَّلَاةُ أُبِيحَ الْوَطْءُ إلَّا فِي الْمُتَحَيِّرَةِ وَاَلَّتِي انْقَطَعَ دَمُهَا وَلَمْ تَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا تُصَلِّي وَلَا تُوطَأُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَبِنِفَاسٍ) أَيْ قِيَاسًا لَهُ عَلَى الْحَيْضِ فَهُوَ مِثْلُهُ إلَّا فِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ تَعَلُّقِ الْبُلُوغِ بِهِ لِوُجُودِهِ قَبْلَهُ بِمُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ نَعَمْ لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِحَمْلِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ كَلَا حَمْلٍ وَيَنْبَغِي أَنْ تَنْقَضِيَ بِالنِّفَاسِ بَعْدَهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَالِثًا وَهُوَ عَدَمُ سُقُوطِ الصَّلَاةِ بِأَقَلِّهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَحُكْمُ النِّفَاسِ مُطْلَقًا حُكْمُ الْحَيْضِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَيْضَ يُوجِبُ الْبُلُوغَ، وَالنِّفَاسَ لَا يُوجِبُهُ لِثُبُوتِهِ قَبْلَهُ بِالْإِنْزَالِ الَّذِي حَبِلَتْ مِنْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْحَيْضَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِدَّةُ وَالِاسْتِبْرَاءُ وَلَا يَتَعَلَّقَانِ بِالنِّفَاسِ لِحُصُولِهِمَا قَبْلَهُ بِمُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا فِي أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ لَا يُسْقِطُ الصَّلَاةَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَأَقَرَّهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَغْرِقَ وَقْتَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي الْأَثْنَاءِ فَقَدْ تَقَدَّمَ وُجُوبُهَا، وَإِنْ وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ فَقَدْ لَزِمَتْ بِالِانْقِطَاعِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْوَقْتَ انْتَهَتْ وَمِنْهَا تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الْبِرْمَاوِيِّ مِنْ السَّقْطِ (قَوْلُهُ وَعُبُورُ مَسْجِدٍ) أَيْ لَوْ مَشَاعًا لِغِلَظِ حَدَثِهَا وَمِنْهُ سَطْحُهُ وَرَحْبَتُهُ وَرَوْشَنُهُ وَخَرَجَ بِهِ غَيْرُهُ كَالرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَالْخَانِقَاهْ، فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ وَلَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ التَّنْجِيسُ، وَأَمَّا مِلْكُ الْغَيْرِ فَيَجُوزُ تَنْجِيسُهُ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ دُونَ غَيْرِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ) قَدَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ لَا خِلَافَ فِي الْعَمَلِ بِهِ بِخِلَافِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ فِيهِ خِلَافٌ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: أَيْضًا إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ) أَيْ وَلَوْ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ الظَّنِّ فِي حُرْمَةِ بَيْعِ نَحْوِ الْعِنَبِ لِمُتَّخِذِهِ خَمْرًا بِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُحْتَاطُ لَهُ لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ قَرِينَةِ التَّلْوِيثِ هُنَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ بِمُثَلَّثَةٍ قَبْلَ الْهَاءِ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ قِرَاءَتِهِ بِالنُّونِ الْمُوهِمِ أَنَّهُ إذَا لَوَّثَهُ مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ لَوْنٍ فِيهِ كَحُمْرَةٍ لَمْ يَحْرُمْ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَمِنَتْهُ جَازَ لَهَا الْعُبُورُ كَالْجُنُبِ) التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الْجَوَازِ وَإِلَّا فَعُبُورُ الْجُنُبِ خِلَافُ الْأَوْلَى وَعُبُورُهَا مَكْرُوهٌ وَمَحَلُّهُ فِيهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى اهـ شَيْخُنَا وَهَلْ مِنْ الْحَاجَةِ الْمُرُورُ مِنْ الْمَسْجِدِ بِنَجَاسَةٍ لِبُعْدِ بَيْتِهِ مِنْ طَرِيقٍ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَقُرْبِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعُ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ بِالنَّجَاسَةِ وَهُوَ حَرَامٌ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ يَجُوزُ إدْخَالُ النَّعْلِ الْمُتَنَجِّسِ الْمَسْجِدَ حَيْثُ أُمِنَ وُصُولُ نَجَاسَةٍ مِنْهُ لِلْمَسْجِدِ وَكَذَا دُخُولُهُ بِثَوْبٍ مُتَنَجِّسٍ نَجَاسَةً حُكْمِيَّةً، وَإِنْ زَادَ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَيُحْتَمَلُ الثَّانِي وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ النَّعْلَ وَنَحْوَهُ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ وَلَعَلَّهُ الْأَقْرَبُ فَلْيُرَاجَعْ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ حَجّ بَحَثَ بَعْضُهُمْ حِلَّ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِمُسْتَبْرِئِ يَدِهِ عَلَى ذَكَرِهِ لِمَنْعِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ سَوَاءٌ السَّلَسُ وَغَيْرُهُ اهـ وَأَقَرَّهُ سم أَقُولُ سم أَقُولُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِي دُخُولِهِ أَيْضًا وَمُرَادُ ابْنِ حَجَرٍ بِالدُّخُولِ مَا يَشْمَلُ الْمُكْثَ وَمِثْلُ الْمُسْتَبْرِئِ بِالْأَوْلَى الْمُسْتَنْجِي بِالْأَحْجَارِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافُهُ وَقَوْلُهُ (يَدِهِ عَلَى ذَكَرِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مَعَ نَحْوِ خِرْقَةٍ عَلَى ذَكَرِهِ أَمْ لَا اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ مِمَّنْ بِهِ نَجَاسَةٌ) كَمُسْتَحَاضَةٍ وَسَلَسِ بَوْلٍ وَمَنْ بِهِ قُرُوحٌ نَضَّاحَةٌ وَمَنْ بِنَعْلِهِ نَجَاسَةٌ يُخْشَى سُقُوطُ شَيْءٍ مِنْهَا اهـ ح ل وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَمِثْلُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى مَا يَقَعُ لِإِخْوَانِنَا الْمُجَاوِرِينَ مِنْ حُصُولِ التَّشْوِيشِ لَهُمْ وَإِقَامَتِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ غَلَبَةِ نَجَاسَةٍ بِهِمْ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْإِقَامَةُ فِيهِ وَيَجِبُ إخْرَاجُهُمْ مِنْهُ فَتَنَبَّهْ لَهُ.
(فَرْعٌ) سُئِلَ م ر فِي دَرْسِهِ عَنْ غُسْلِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَانْفِصَالِ الْغُسَالَةِ فِيهِ حَيْثُ حُكِمَ بِطَهَارَتِهَا كَأَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً فَقَالَ يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ لِلِاسْتِقْذَارِ، وَإِنْ جَوَّزْنَا الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ سُقُوطِ مَائِهِ الْمُسْتَعْمَلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي النَّجَاسَةِ يُسْتَقْذَرُ بِخِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ السَّاقِطِ مِنْ الْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ جَوَّزْنَا الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ
(1/238)
فِي ذَلِكَ (وَطُهْرٍ عَنْ حَدَثٍ) أَوْ لِعِبَادَةٍ لِتَلَاعُبِهَا إلَّا أَغْسَالَ الْحَجِّ وَنَحْوَهَا فَتُنْدَبُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي (وَصَوْمٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِأَعْضَائِهِ مَا يُقَذِّرُ الْمَاءَ (فَرْعٌ) يَجُوزُ إلْقَاءُ الطَّاهِرَاتِ كَقُشُورِ الْبِطِّيخِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا إنْ قَذَّرَهُ بِهَا أَوْ قَصَدَ الِازْدِرَاءَ بِهِ وَالِامْتِهَانَ فَيَحْرُمُ وَيَحْرُمُ إلْقَاءُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ وَيَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهِ، وَإِنْ سَقَطَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْأَوَّلِ امْتِهَانًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ اهـ م ر.
(فَرْعٌ) قَالَ م ر يَحْرُمُ الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَجُوزُ إلْقَاءُ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا بِالْبُصَاقِ لِاسْتِهْلَاكِهِ فِيهِ اهـ وَخَرَجَ بِاسْتِهْلَاكِهِ فِيهِ مَا إذَا كَانَ الْبُصَاقُ مُتَمَيِّزًا فِي مَاءِ الْمَضْمَضَةِ ظَاهِرًا بِحَيْثُ يُحَسُّ وَيُدْرَكُ مُنْفَرِدًا فَلْيُتَأَمَّلْ.
(فَرْعٌ) الَّذِي يَظْهَرُ حُرْمَةُ الْبُصَاقِ عَلَى حُصُرِ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ نَاتِئٍ فِيهِ كَخَشَبَةٍ وَحَجَرٍ؛ لِأَنَّهُ فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ وَمِنْ ذَلِكَ الْبُصَاقُ عَلَى خَزَائِنِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ؛ لِأَنَّهَا فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ نَعَمْ إنْ بَصَقَ بَيْنَ خِزَانَتَيْنِ بِحَيْثُ صَارَ مَدْفُونًا غَيْرَ بَارِزٍ فِي الْهَوَاءِ فَلَا يَبْعُدُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى الدَّفْنِ وَكَذَا لَوْ بَصَقَ تَحْتَ الْحَصِيرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَتَأَثَّرَ بِتَعْفِينِهَا أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ التَّحْرِيمُ، وَأَمَّا بَصْقُهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي ثَوْبٍ عِنْدَهُ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ وَلَيْسَ بَاقِيًا فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَصْقِهِ فِي نَحْوِ كُمِّهِ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ اهـ ع ش عَلَى م ر
(فَرْعٌ) يَحْرُمُ إلْقَاءُ الْقَمْلِ مَيِّتًا فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا حَيًّا؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ وَيَصِيرُ نَجَاسَةً وَمِنْهُ إلْقَاءُ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ بِالْمَسْجِدِ وَفِيهِ الْقَمْلُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَلْقَاهُ زَمَنًا يَمُوتُ فِيهِ، فَإِنْ أَلْقَاهُ زَمَنًا لَا يَمُوتُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ تَعْذِيبٌ مِنْ الْجُوعِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِإِلْقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَيَحْتَاجُ لِقَتْلِهِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ وَاخْتَارَ الْعَلَّامَةُ الْبُرُلُّسِيُّ فِي إلْقَاءِ الْقَمْلِ حَيًّا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا؛ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ عَنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ إلْقَاؤُهُ فِي الْمَسْجِدِ حَيًّا وَمَيِّتًا بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبُرْغُوثَ يَعِيشُ بِأَكْلِ التُّرَابِ دُونَهُ فَفِي طَرْحِهِ حَيًّا تَعْذِيبٌ لَهُ بِالْجُوعِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ فَيَحْرُمُ طَرْحُهُ حَيًّا فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُلْقِيَ ثِيَابَهُ وَفِيهَا قَمْلٌ قَبْلَ قَتْلِهِ، وَأَمَّا قَتْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلَوِّثَ أَرْضَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ فِيهِ وَدَفْنُهُ فِيهِ حَرَامٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: عَنْ حَدَثٍ أَوْ لِعِبَادَةٍ) بِأَنْ قَصَدَتْ بِغُسْلِهَا رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ التَّعَبُّدَ بِهِ كَغُسْلِ جُمُعَةٍ فَظَهَرَ قَوْلُهُ لِتَلَاعُبِهَا؛ لِأَنَّ حَدَثَهَا لَا يَرْتَفِعُ وَتَعَبُّدَهَا بِالْغُسْلِ لَا يَصِحُّ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ بِقَصْدِ التَّعَبُّدِ مَعَ عِلْمِهَا بِالْحُرْمَةِ لِتَلَاعُبِهَا، انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: إلَّا أَغْسَالَ الْحَجِّ وَنَحْوَهَا) أَيْ كَغُسْلِ عِيدٍ وَحُضُورِ جَمَاعَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا وَلَهَا الْوُضُوءُ لِتِلْكَ الْأَغْسَالِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، فَإِنْ قُلْت إنَّ الْجُنُبَ كَالْحَائِضِ لَا يَصِحُّ طُهْرُهُ حَالَةَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ قُلْتُ الْمَنْعُ فِي الْحَيْضِ لِذَاتِهِ وَلِذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خُرُوجِهِ كَزَمَنِ النَّقَاءِ بَيْنَ دِمَائِهِ، وَالْمَنْعُ فِي الْجُنُبِ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَلِذَلِكَ صَحَّ مَعَ وُجُودِهِ فِي سَلَسِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَصَوْمٍ) قِيلَ تَحْرِيمُهُ تَعَبُّدِيٌّ وَقِيلَ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَيْهَا مُضَعِّفَانِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَهَلْ تُثَابُ عَلَى التَّرْكِ كَمَا يُثَابُ الْمَرِيضُ عَلَى تَرْكِ النَّوَافِلِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا فِي صِحَّتِهِ وَشَغَلَهُ الْمَرَضُ عَنْهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ يَنْوِي أَنَّهُ يَفْعَلُهُ لَوْ كَانَ سَلِيمًا مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ وَهِيَ غَيْرُ أَهْلٍ فَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَفْعَلَ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهَا اهـ شَرْحِ م ر اهـ شَوْبَرِيٌّ وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَتُثَابُ الْحَائِضُ عَلَى تَرْكِ مَا حَرُمَ عَلَيْهَا إذَا قَصَدَتْ امْتِثَالَ الشَّارِعِ فِي تَرْكِهِ لَا عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ لَوْلَا الْحَيْضُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ حَالَةَ عُذْرِهِ اهـ وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ ابْتِدَاءً بِأَنْ تَشْرَعَ فِي الصَّوْمِ وَهِيَ حَائِضٌ وَدَوَامًا بِأَنْ يَطْرُقَهَا الْحَيْضُ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا اسْتِمْرَارُهَا فِيهِ بِأَنْ تُلَاحِظَ أَنَّهَا فِي صَوْمٍ وَأَنَّهَا تُتِمُّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَاحَظَتْ الْخُرُوجَ مِنْهُ أَوْ لَمْ تُلَاحِظْ شَيْئًا فَالْحُرْمَةُ فِي صُورَةٍ وَعَدَمُهَا فِي صُورَتَيْنِ وَفِي ع ش عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ الْغَزِّيِّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَالصَّوْمُ أَيْ ابْتِدَاءً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَدَوَامًا بِمَعْنَى مُلَاحَظَةِ الصَّوْمِ فَالشَّرْطُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا تُلَاحِظَ أَنَّهَا صَائِمَةٌ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا بَعْدَ طُرُوقِ دَمِ الْحَيْضِ تَنَاوُلُ مُفْطِرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ أَنْ لَا تُلَاحِظَ إلَخْ قَدْ يُخَالِفُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَنْ لَبِسَ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ ثَوْبًا مُتَنَجِّسًا حَيْثُ اشْتَرَطُوا لِلْجَوَازِ قَصْدَ قَطْعِ النَّفْلِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ قِيَامُ صُورَةِ الصَّلَاةِ وَلَا كَذَلِكَ الصَّوْمُ إذْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التُّرُوكِ وَقِيَاسُهُ حِينَئِذٍ وُجُوبُ مُلَاحَظَتِهَا الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ حَيْثُ طَرَقَهَا الدَّمُ فِي أَثْنَائِهَا اهـ.
(1/239)
لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» (وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهَا تَكْثُرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِهِ (وَمُبَاشَرَةِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا) بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
قَوْلُهُ: أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ إلَخْ) اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ وَهُوَ جَوَابُ سُؤَالِ مَنْ قَالَ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ» مَا مَعْنَاهُ أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَمُشَاهَدٌ فَمَا نُقْصَانُ الدِّينِ، فَبَيَّنَ وَجْهَهُ بِقَوْلِهِ أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ إلَخْ اهـ ع ش وَفِي الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى إلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إحْدَاكُنَّ قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِيننَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» اهـ وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذِكْرِ نَقْصِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ فِي النِّسَاءِ لَوْمُهُنَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ تَحْذِيرًا مِنْ الِافْتِتَانِ بِهِنَّ وَلَيْسَ نَقْصُ الدِّينِ مُنْحَصِرًا فِيمَا يَحْصُلُ مِنْ الْإِثْمِ بَلْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ فَالْكَامِلُ مَثَلًا نَاقِصٌ عَنْ الْأَكْمَلِ وَمِنْ ذَلِكَ الْحَائِضُ لَا تَأْثَمُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَيْضِ لَكِنَّهَا نَاقِصَةٌ عَنْ الْمُصَلِّينَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ) أَيْ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لِانْعِقَادِ سَبَبِهِ فِي حَقِّهَا كَمَا فِي نَحْوِ النَّوْمِ وَلَيْسَ وَاجِبًا حَالَ الْحَيْضِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لِفِعْلِهِ مُقْتَضٍ فِي الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِصُورَةِ فِعْلِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) أَيْ، فَإِنَّهَا لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا بَلْ يُكْرَهُ وَتَنْعَقِدُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا ثَوَابَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الصَّلَاةِ لِذَاتِ الصَّلَاةِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ لِذَاتِهِ لَا ثَوَابَ فِيهِ اهـ ح ل وع ش وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَنَفْيُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ يُوهِمُ جَوَازَهَا لَكِنْ مَعَ كَرَاهَتِهَا تَنْزِيهًا خِلَافًا لِقَوْلِ الْبَيْضَاوِيِّ بِحُرْمَتِهَا وَعَلَى كُلٍّ لَا تَنْعَقِدُ لَوْ فَعَلْتهَا؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا لَمْ تُطْلَبْ لَمْ تَنْعَقِدْ وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا كَالْخَطِيبِ وَغَيْرِهِ وَخَالَفَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فَقَالَ بِصِحَّتِهَا وَانْعِقَادِهَا عَلَى قَوْلِ الْكَرَاهَةِ الْمُعْتَمَدِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَعَلَى الصِّحَّةِ فَلَهَا جَمْعُ صَلَوَاتٍ بِتَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّهَا دُونَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَرَاجِعْهُ اهـ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا تُكْثِرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا) أَيْ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عُهِدَ تَأْخِيرُهُ بِعُذْرٍ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ ثُمَّ يَقْضِي وَالصَّلَاةَ لَمْ يُعْهَدْ تَأْخِيرُهَا لِعُذْرٍ ثُمَّ تُقْضَى اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَمُبَاشَرَةُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا) أَيْ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تُبَاشِرَهُ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ السَّبَبَ قَائِمٌ بِهِ وَالْمُبَاشَرَةُ اللَّمْسُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ فَخَرَجَ غَيْرُ الْمُبَاشَرَةِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ وَطْءٍ فَلَا يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ بِوَطْءٍ فَيَحْرُمُ فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ اهـ شَيْخُنَا وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ حُرْمَةُ وَطْئِهَا فِي فَرْجِهَا وَلَوْ بِحَائِلٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَجَوَازُ النَّظَرِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ إذْ لَيْسَ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ اهـ شَرْحُ م ر
(فَرْعٌ) لَوْ مَاتَتْ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَالْوَجْهُ حُرْمَةُ مُبَاشَرَةِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا كَمَا فِي الْحَيَاةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَعْدَ الْمَوْتِ مُبَاشَرَةُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَائِضًا بِخِلَافِهِ فِي الْحَيَاةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ فَحَالُ الْمَوْتِ أَضْيَقُ فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ فِيهِ فِيمَا ذَكَرَ أَوْلَى اهـ سم عَلَى حَجّ أَقُولُ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ حُرْمَةُ مَسِّ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَإِنْ طَالَ وَهُوَ قَرِيبٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنِيطُوا الْحُكْمَ هُنَا بِالشَّهْوَةِ وَعَدَمِهَا فَلْيُرَاجَعْ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا حُرْمَةُ مَسِّ ذَلِكَ بِظُفْرِهِ أَوْ سِنِّهِ أَوْ شَعْرِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ لَكِنَّ فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ نَقْلًا عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ أَنَّهُ لَوْ مُسَّ بِسِنِّهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ لَمْ يَحْرُمْ وَفِيهِ وَقْفَةٌ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا) السُّرَّةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْ الْمَوْلُودِ وَالسُّرُّ مُثَلَّثُ الْأَوَّلِ مَا يُقْطَعُ مِنْ سُرَّتِهِ يُقَالُ عَرَفْتُك قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ سُرُّك وَلَا يُقَالُ سُرَّتُك؛ لِأَنَّ السُّرَّةَ لَا تُقْطَعُ وَالْجَمْعُ سُرَرٌ وَالرُّكْبَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ مَوْصِلُ مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْفَخِذِ وَأَعْلَى السَّاقِ وَالْجَمْعُ رُكَبٌ وَكُلُّ حَيَوَانٍ ذِي أَرْبَعٍ رُكْبَتَاهُ فِي يَدَيْهِ وَعُرْقُوبَاهُ فِي رِجْلَيْهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِوَطْءٍ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ وَلَوْ بِحَائِلٍ أَوْ فِي هَوَاءِ الْفَرْجِ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَطْءُ الْحَائِضِ فِي فَرْجِهَا زَمَنَ الْحَيْضِ مِنْ عَامِدٍ عَالِمٍ مُخْتَارٍ كَبِيرَةٌ وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ إذَا وَطِئَهَا فِي الزَّمَنِ
(1/240)
وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ غَيْرُ الْوَطْءِ وَقَوَّاهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَاخْتَارَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَلَفْظُ مُبَاشَرَةِ مِنْ زِيَادَتِي (وَطَلَاقٍ بِشَرْطِهِ) أَيْ بِشَرْطِ تَحْرِيمِهِ الْآتِي فِي بَابِهِ مِنْ كَوْنِهَا مَوْطُوءَةً تَعْتَدُّ بِأَقْرَاءِ مُطَلَّقَةٍ بِلَا عِوَضٍ مِنْهَا لِتَضَرُّرِهَا بِطُولِ الْمُدَّةِ فَإِنَّ زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِي.
(وَإِذَا انْقَطَعَ) مَا ذُكِرَ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ (لَمْ يَحِلَّ) مِمَّا حَرُمَ بِهِ (قَبْلَ طُهْرٍ) غُسْلًا كَانَ أَوْ تَيَمُّمًا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ الْغُسْلِ (غَيْرُ صَوْمٍ وَطَلَاقٍ وَطُهْرٍ) فَتَحِلُّ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَأَمَّا إذَا زَادَ عَلَيْهَا فَلَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إنَّ أَكْثَرَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ وَيُسَنُّ لِلْوَاطِئِ فِي إقْبَالِ الدَّمِ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا دُونَ الْمَوْطُوءَةِ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ إسْلَامِيٍّ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَوْ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ وَفِي أَدْبَارِهِ بِنِصْفِ دِينَارٍ كَذَلِكَ وَلَوْ زَوْجًا أَوْ غَيْرَهُ وَقَدْ أَبْدَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ مَعْنًى لَطِيفًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِهِ قَرِيبُ عَهْدٍ بِالْجِمَاعِ فَلَا يُعْذَرُ وَفِي آخِرِهِ قَدْ بَعُدَ عَهْدُهُ فَخَفَّفَ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِإِدْبَارِهِ زَمَنُ ضَعْفِهِ وَتَنَاقُصِهِ وَبُعْدِهِ إلَى الْغُسْلِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِلْإِيذَاءِ فَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ كَاللِّوَاطِ وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ أَمَّا هِيَ فَلَا كَفَّارَةَ فِي وَطْئِهَا، وَإِنْ حَرُمَ وَالْوَطْءُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إلَى الطُّهْرِ كَالْوَطْءِ فِي آخِرِهِ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْوَطْءَ قَبْلَ الْغُسْلِ يُورِثُ الْجُذَامَ فِي الْوَلَدِ وَقِيلَ فِي الْوَاطِئِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَشَرْحُ م ر.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ بِلَا عُذْرٍ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ وَعَمَّمَهُ بَعْضُهُمْ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: أَيْضًا بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْوَطْءُ لِدَفْعِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ أَخَفَّ الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَشَدِّهِمَا بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ وَقِيَاسُ ذَلِكَ حِلُّ اسْتِمْنَائِهِ بِيَدِهِ إنْ تَعَيَّنَ لِذَلِكَ اهـ سم وَهَلْ قَوْلُهُ بِيَدِهِ قَيْدٌ فَيَحْرُمُ بِيَدِ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ لَا فَيَجُوزُ بِنَحْوِ يَدِهَا لِمَا عَلَّلَ بِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَالِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِهِ تَقْدِيمُ وَطْئِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُبَاحُ فِعْلُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَوْلَا الْحَيْضُ وَيَنْبَغِي أَيْضًا تَعَيُّنُ وَطْئِهَا فِي دُبُرِهَا حَيْثُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الزِّنَا كَأَنْ انْسَدَّ قُبُلُهَا وَلَوْ أَخْبَرَتْهُ بِالْحَيْضِ فَكَذَّبَهَا لَمْ يَحْرُمْ الْوَطْءُ أَوْ صَدَّقَهَا حَرُمَ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهَا وَلَمْ يُكَذِّبْهَا فَالْأَوْجَهُ حِلُّهُ لِلشَّكِّ وَلَوْ وَافَقَهَا عَلَى الْحَيْضِ فَادَّعَتْ نَقَاءَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ خَالَفَتْ عَادَتَهَا اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَطَلَاقٌ بِشَرْطِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْحُكْمَيْنِ وَالْمَوْلَى بِخِلَافِهِ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَيُمْكِنُ أَخْذُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ بِشَرْطِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ الشَّارِحُ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ مِنْ كَوْنِهَا مَوْطُوءَةً) سَيَأْتِي شَرْحُ هَذِهِ الْقُيُودِ وَمَفَاهِيمِهَا فِي مَبْحَثِ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ اهـ.
(قَوْلُهُ: مِمَّا حَرُمَ بِهِ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ لَا عَدَمُ الْحِلِّ مُطْلَقًا الشَّامِلُ لِمَا حَرُمَ وَغَيْرِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ طُهْرٍ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالطُّهْرِ الْأَوَّلِ الْوَصْفُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْبَدَنِ وَهُوَ التَّطْهِيرُ وَالْمُرَادُ بِالطُّهْرِ الثَّانِي الْفِعْلُ وَهُوَ التَّطْهِيرُ، فَإِنَّهُ الَّذِي يُوصَفُ بِالْحِلِّ أَوْ الْمُرَادُ بِالطُّهْرِ الْأَوَّلِ الْخَاصُّ وَهُوَ الْغُسْلُ الْوَاجِبُ أَوْ بَدَلُهُ وَبِالثَّانِي الْعَامُّ فِي الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ فَانْدَفَعَ التَّهَافُتُ الَّذِي فِي الْعِبَارَةِ إذْ ظَاهِرُهَا حِلُّ الشَّيْءِ قَبْلَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الطُّهْرِ غَيْرُ الطُّهْرِ اهـ شَبْرَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ وَطَهُرَ أَيْ مُطْلَقًا مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ عَنْهَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ فَغَايَرَهُ أَوْ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْحُصُولُ وَبِالثَّانِي الْفِعْلُ وَعَلَى كُلٍّ فَلَا اعْتِرَاضَ فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ فِي عِبَارَتِهِ تَهَافُتًا تَأَمَّلْ انْتَهَى لِكَاتِبِهِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: غَيْرُ صَوْمٍ إلَخْ) أَيْ وَغَيْرُ عُبُورِ مَسْجِدٍ فَتَحِلُّ الْأَرْبَعَةُ قَبْلَ الطُّهْرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْعُبُورَ لِلْعِلْمِ بِجَوَازِهِ مِنْ انْتِفَاءِ شَرْطِ حُرْمَتِهِ الَّذِي قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لَا تَلْوِيثَ يُخَافُ وَحِينَئِذٍ يَحِلُّ الْعُبُورُ فَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ بِهَذَا عَنْ ذِكْرِ الْعُبُورِ اهـ شَيْخُنَا وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ تَمَتُّعٍ وَمَسٍّ مُصْحَفٍ وَحَمْلِهِ وَنَحْوِهَا بَاقٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ أَمَّا غَيْرُ التَّمَتُّعِ فَلِبَقَاءِ حَدَثِهَا، وَأَمَّا التَّمَتُّعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ، فَإِنَّهُ قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْقِرَاءَتَانِ فِي السَّبْعِ فَأَمَّا قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ فَصَرِيحَةٌ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ التَّخْفِيفِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَيْضًا الِاغْتِسَالَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ لِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فَقَدْ ذُكِرَ بَعْدَهُ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا مَعًا اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ) وَهِيَ فِي الصَّوْمِ أَنَّهُ مُضْعِفٌ وَخُرُوجَ الدَّمِ مُضْعِفٌ فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهَا مُضَعِّفَانِ وَقَدْ نَظَرَ الشَّارِعُ لِحِفْظِ الْأَبْدَانِ وَفِي الطَّلَاقِ تَضَرُّرُهَا بِطُولِ الْمُدَّةِ وَفِي الطُّهْرِ التَّلَاعُبُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ
(1/241)
وَتَحِلُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا لِفَاقِدَةِ الطَّهُورَيْنِ بَلْ تَجِبُ وَقَوْلِي وَطُهْرٌ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَالِاسْتِحَاضَةُ كَسَلَسٍ) أَيْ كَسَلَسِ بَوْلٍ أَوْ مَذْيٍ فِيمَا يَأْتِي (فَلَا تَمْنَعُ مَا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ) مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا لِلضَّرُورَةِ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا تَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي.
(فَيَجِبُ أَنْ تَغْسِلَ مُسْتَحَاضَةٌ فَرْجَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عَلَى أَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ هَذَا التَّعْلِيلُ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَتَحِلُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ) أَيْ كَمَا عُلِمَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ فِي التَّيَمُّمِ وَعَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ وَيُعِيدَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَسْتَثْنِهَا فِي الْمَتْنِ هُنَا اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحَاضَةُ) وَهِيَ الدَّمُ الْوَاقِعُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَيَشْمَلُ مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ وَقَوْلُ الْمَحَلِّيِّ هِيَ أَنْ يُجَاوِزَ الدَّمُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَيَسْتَمِرَّ فِيهِ قُصُورٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَمٍ لَيْسَ فِي زَمَنِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسِ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ ذِكْرُهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى تَقْدِيمِهَا عَلَى النِّفَاسِ أَوْ لِبَيَانِ حُكْمِهَا الْإِجْمَالِيِّ، وَلَهَا أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ حُكْمًا مَذْكُورَةً فِي الْمُطَوَّلَاتِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ح ل وَهِيَ الدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَالدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ الْمَرْأَةُ قَبْلَ تِسْعِ سِنِينَ بِمَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُمْنَعُ مَا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ وَيَجُوزُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ كَانَ دَمُهَا جَارِيًا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ انْتَهَتْ وَالْمُسْتَحَاضَةُ اسْمٌ لِلْمَرْأَةِ وَقَوْلُهُ كَسَلَسٍ هُوَ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْبَوْلِ مَثَلًا وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلشَّخْصِ وَقَاسَ الِاسْتِحَاضَةَ عَلَى السَّلَسِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ وَشَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ بِقَوْلِهِ فَيَجِبُ أَنْ تَغْتَسِلَ مُسْتَحَاضَةٌ إلَخْ نَصِّهَا، وَالسَّلَسُ بَوْلًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالرِّيحِ كَالِاسْتِحَاضَةِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ وَمِنْهُ أَنْ يَحْشُوَ ذَكَرَهُ بِقُطْنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ عَصَبَهُ بِخِرْقَةٍ وَأَجْرَى الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ نَظِيرَ ذَلِكَ فِي سَلَسِ الرِّيحِ، فَإِنْ كَانَ مَنِيًّا وَقَلَّ مَا يَعِيشُ صَاحِبُهُ فَاحْتِيَاطُهُ بِالْغُسْلِ مَعَ مَا مَرَّ لِكُلِّ فَرْضٍ وَذُو الْجُرْحِ وَالدُّمَّلِ وَالنَّاسُورِ وَالرُّعَافِ السَّيَالَةِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي وُجُوبِ غُسْلِ نَحْوِ الدَّمِ لِكُلِّ فَرْضٍ وَالشَّدِّ عَلَى مَحَلِّهِ وَنَحْوِهِمَا، انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: أَوْ مَذْيٍ) وَكَذَا رِيحٌ وَغَائِطٌ وَلَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ تَعْلِيقُ قَارُورَةٍ لِيُقَطِّرَ فِيهَا بَوْلَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ بَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِكَوْنِهِ حَامِلًا نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ سَلَسِ الْبَوْلِ فِي الثَّوْبِ وَالْعِصَابَةِ بِالنِّسْبَةِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ خَاصَّةً فَلَوْ اسْتَمْسَكَ السَّلَسُ بِالْقُعُودِ دُونَ الْقِيَامِ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا احْتِيَاطًا لِلطَّهَارَةِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ النَّجَاسَةِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ اجْتِنَابِهَا وَمَنْ دَامَ خُرُوجُ مَنِيِّهِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَقَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ الْآتِيَةِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ وَغَسْلُ الْعِصَابَةِ أَوْ تَجْدِيدُهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ اهـ مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ (قَوْلُهُ: فَلَا تُمْنَعُ مَا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ) فَيَجُوزُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ كَانَ دَمُهَا جَارِيًا فِي زَمَنٍ يُحْكَمُ لَهَا فِيهِ بِكَوْنِهَا طَاهِرَةً وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا) فَلَا تُمْنَعُ الصَّوْمَ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَصَرَّحُوا بِهِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ كَمَا سَيَأْتِي خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي النَّفْلِ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي النَّفْلِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقُولُ بِحُرْمَةِ صَوْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَلَوْ غَيْرَ الْمُتَحَيِّرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَبِهِ يُعْلَمُ رَدُّ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي مَنْعُهَا مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهَا إنْ حَشَتْ أَفْطَرَتْ وَإِلَّا ضَيَّعَتْ فَرْضَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ لِذَلِكَ وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ التَّوْسِعَةَ لَهَا فِي طُرُقِ الْفَضَائِلِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَصَلَاةُ النَّفْلِ وَلَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ اقْتَضَتْ أَنْ يُسَامَحَ بِذَلِكَ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فَيَجِبُ أَنْ تَغْسِلَ) بَيَانٌ لِتَفْصِيلِ حُكْمِهَا وَقَوْلُهُ فَرْجَهَا أَيْ إنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يُكْثِرُوا انْتَشَرَ فَوْقَ الْعَادَةِ وَإِلَّا اسْتَعْمَلَتْ الْأَحْجَارَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهَا فِي النَّادِرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَالتَّعْبِيرُ بِالْغَسْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَيَكُونُ الْغَسْلُ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ قَبْلَ طَهَارَتِهَا وُضُوءًا كَانَ أَوْ تَيَمُّمًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى الْبَدَنِ كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ لَا يَبْعُدُ الِاشْتِرَاطُ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْإِبَاحَةِ وَلَا إبَاحَةَ مَعَ النَّجَاسَةِ فَلْيُحَرَّرْ ثُمَّ رَأَيْت السَّيِّدَ السَّمْهُودِيَّ فِي شُرُوطِ الْوُضُوءِ نَقَلَ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ وَأَقَرَّهُ فَانْظُرْهُ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَخَالَفَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَاعْتَمَدَ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ لِقُوَّةِ الْمَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ مَا نَصُّهُ (فَرْعٌ)
قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُضُوءِ دَائِمِ الْحَدَثِ تَقَدَّمْ إزَالَة النَّجَاسَةُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ
(1/242)
فَتَحْشُوهُ) بِنَحْوِ قُطْنَةٍ (فَتَعْصِبُهُ) بِأَنْ تَشُدَّهُ بَعْدَ حَشْوِهِ بِذَلِكَ بِخِرْقَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ تُخْرِجُ أَحَدَهُمَا أَمَامَهَا وَالْآخَرَ وَرَاءَهَا وَتَرْبِطُهُمَا بِخِرْقَةٍ تَشُدُّ بِهَا وَسَطَهَا كَالتِّكَّةِ (بِشَرْطِهِمَا) أَيْ الْحَشْوِ وَالْعَصْبِ أَيْ بِشَرْطِ وُجُوبِهِمَا بِأَنْ احْتَاجَتْهَا وَلَنْ تَتَأَذَّ بِهِمَا وَلَمْ تَكُنْ فِي الْحَشْوِ صَائِمَةً وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَلْ يَجِبُ عَلَى الصَّائِمَةِ تَرْكُ الْحَشْوِ نَهَارًا وَلَوْ خَرَجَ الدَّمُ بَعْدَ الْعَصْبِ لِكَثْرَتِهِ لَمْ يَضُرَّ أَوْ لِتَقْصِيرِهَا فِيهِ ضَرَّ (فَتَتَطَهَّرُ) بِأَنْ تَتَوَضَّأَ أَوْ تَتَيَمَّمَ وَتَفْعَلَ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ (لِكُلِّ فَرْضٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
قَوِيَّةٌ فَتَكُونُ طَهَارَةُ الْمُسْتَحَاضَةِ كَذَلِكَ بَلْ إنَّهَا مِنْ أَفْرَادِهِ تَأَمَّلْ اهـ (فَرْعٌ)
اسْتِطْرَادِيٌّ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ مَيِّتٍ أَكَلَ الْمَرَضُ لَحْمَ مَخْرَجِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ الْغَاسِلَ قَطْعُ الْخَارِجِ مِنْهُ فَمَا الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَقُولُ الْوَاجِبُ فِي حَالِ الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُغْسَلَ وَيُغْسَلَ مَخْرَجُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَيُسَدَّ مَخْرَجُهُ بِقُطْنٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيُشَدَّ عَلَيْهِ عَقِبَ الْحَشْوِ عِصَابَةٌ أَوْ نَحْوُهَا وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عَقِبَ ذَلِكَ فَوْرًا وَلَوْ قَبْلَ وَضْعِ الْكَفَنِ عَلَيْهِ حَيْثُ خِيفَ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى لَوْ غَلَبَهُ شَيْءٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَخَرَجَ مِنْهُ قَهْرًا عُفِيَ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَتَحْشُوهُ بِنَحْوِ قُطْنَةٍ) وَيَجِبُ فِي الْحَشْوِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا عَنْ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ لَا بَارِزًا عَنْهُ لِئَلَّا تَصِيرَ حَامِلًا لِمُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَتَعْصِبُهُ) بِفَتْحِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ فِي الْأَفْصَحِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَمُقَابِلُهُ ضَمُّ التَّاءِ مَعَ تَشْدِيدِ الصَّادِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَتَرْبِطُهُمَا) بَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُخْتَارِ اهـ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ وَسْطَهَا بِسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْأَفْصَحِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ كَالتِّكَّةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ التِّكَّةُ بِالْكَسْرِ رِبَاطُ السَّرَاوِيلِ وَالْجَمْعُ تِكَكٌ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَتَأَذَّ بِهِمَا) قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُكْتَفَى فِي التَّأَذِّي بِالْحُرْقَانِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُبِيحُ تَيَمُّمٍ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَالتَّأَذِّي بِالْعَصْبِ ظَاهِرٌ وَبِالْحَشْوِ بِأَنْ يُؤْذِيَهَا اجْتِمَاعُ الدَّمِ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ أَيْ بَلْ يُتْرَكُ نَدْبًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ تَرْكُ الْحَشْوِ نَهَارًا) أَيْ وَتَحْشُو لَيْلًا، فَإِنْ أَصْبَحَتْ صَائِمَةً وَالْحَشْوُ بَاقٍ فَهَلْ لَهَا نَزْعُهُ بِإِدْخَالِ أَصَابِعِهَا لِأَجْلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ.
قَالَ شَيْخُنَا فِيهِ نَظَرٌ مَعَ مَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الْحَشْوِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا تَرْكُ الْحَشْوِ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ نَهَارًا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِدْخَالِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْفِطْرُ بِمَا دَخَلَ وَالْحَشْوُ فِيهِ إدْخَالُ عَيْنٍ فِي فَرْجِهَا وَهُوَ مُفْطِرٌ وَرَاعُوا هُنَا مَصْلَحَةَ الصَّوْمِ دُونَ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ عَكْسَ مَا قَالُوهُ فِي مَنْ ابْتَلَعَ طَرْفَ خَيْطٍ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ وَطَرْفُهُ خَارِجٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا فَلَوْ رَاعُوا مَصْلَحَةَ الصَّلَاةِ هُنَا لَتَعَذَّرَ قَضَاءُ الصَّوْمِ لِلْحَشْوِ وَلِأَنَّ الْمَحْذُورَ هُنَا لَا يَنْتَفِي بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّ الْحَشْوَ يَتَنَجَّسُ وَهِيَ حَامِلَتُهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَلِأَنَّهَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا تَقْصِيرٌ فَخَفَّفَ عَنْهَا وَصَحَّتْ مِنْهَا الْعِبَادَاتُ قَطْعًا كَمَا صَحَّتْ صَلَاتُهَا مَعَ النَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ الدَّائِمِ لِلضَّرُورَةِ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ فَيَشُقُّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا كَذَا قَالُوا وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ فِي الصَّوْمِ مِنْ الْحَشْوِ وَالتَّعَارُضُ إنَّمَا يَأْتِي فِي شَيْئَيْنِ إذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا فَاتَ الْآخَرُ مَعَ الْأَمْرِ بِهِمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الصَّوْمَ أَسْقَطَ عَنْهَا الْحَشْوَ فَقَطْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَرَاعُوا هُنَا مَصْلَحَةَ الصَّوْمِ إلَخْ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ رَاعُوا مَصْلَحَةَ الصَّوْمِ حَيْثُ أَمَرُوهَا بِتَرْكِ الْحَشْوِ لِئَلَّا يَفْسُدَ بِهِ صَوْمُهَا وَلَمْ يُرَاعُوا مَصْلَحَةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِ الْحَشْوِ خُرُوجُ الدَّمِ الْمُقْتَضِي لِإِفْسَادِهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَغْتَفِرُوا إخْرَاجَهُ فِي الصَّوْمِ بَلْ أَوْجَبُوهُ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَأَبْطَلُوا صَوْمَهُ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَوْلُهُمْ، وَإِنَّمَا رَاعُوا إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ.
فَإِنَّهُمْ لَمْ يُبْطِلُوا الصَّلَاةَ بِخُرُوجِ الدَّمِ كَمَا أَبْطَلُوهَا ثَمَّ بِبَقَاءِ الْخَيْطِ بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ رَاعُوا كُلًّا مِنْهُمَا حَيْثُ اغْتَفَرُوا مَا يُنَافِيهِ وَحَكَمُوا بِصِحَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ وُجُودِ الْمُنَافِي اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَتَوَضَّأَ) وَلَا تَقْتَصِرَ فِي وُضُوئِهَا عَلَى غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ لَهَا فِعْلُ الثَّلَاثِ كَمَا لَهَا أَنْ تَأْتِيَ بِسُنَنِ الصَّلَاةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَفْعَلُ جَمِيعَ مَا ذَكَرَ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ: لِكُلِّ فَرْضٍ. مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ اهـ شَيْخُنَا وَاَلَّذِي ذَكَرَ غَسْلُ الْفَرْجِ وَالْحَشْوُ وَالْعَصْبُ وَالطُّهْرُ، وَقَوْلُهُ: لِكُلِّ فَرْضٍ وَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَعَهُ مَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ بَلْ وَبَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ اهـ ح ل
(قَوْلُهُ: لِكُلِّ فَرْضٍ) أَيْ وَلَوْ نَذْرًا احْتِيَاطًا وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ فَلَهَا أَنْ تَتَنَفَّلَ مَا شَاءَتْ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ إنْ كَانَتْ رَوَاتِبَ، فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فَفِي الْوَقْتِ فَقَطْ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ فَلَهَا أَنْ تَتَنَفَّلَ مَا شَاءَتْ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهَا تَسْتَبِيحُ النَّوَافِلَ مُسْتَقِلَّةً وَتَبَعًا لِلْفَرِيضَةِ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَبَعْدَهُ عَلَى
(1/243)
وَإِنْ لَمْ تَزُلْ الْعِصَابَةُ عَنْ مَحَلِّهَا وَلَمْ يَظْهَرْ الدَّمُ عَلَى جَوَانِبِهَا كَالتَّيَمُّمِ فِي غَيْرِ دَوَامِ الْحَدَثِ فِي التَّطَهُّرِ وَقِيَاسًا عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي (وَقْتَهُ) لَا قَبْلَهُ كَالتَّيَمُّمِ وَذِكْرُ الْحَشْوِ وَالتَّرْتِيبِ مَعَ قَوْلِي بِشَرْطِهِمَا مِنْ زِيَادَتِي وَأَفَادَ تَعْبِيرِي بِالْفَاءِ مَا شَرَطَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَعْقِيبِ الطُّهْرِ لِمَا قَبْلَهُ وَتَعْبِيرِي بِالتَّطَهُّرِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْوُضُوءِ (وَ) إنْ (تَبَادَرَ بِهِ) أَيْ بِالْفَرْضِ بَعْدَ التَّطَهُّرِ تَقْلِيلًا لِلْحَدَثِ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ فِي غَيْرِ دَوَامِ الْحَدَثِ (وَلَا يَضُرُّ تَأْخِيرُهَا) الْفَرْضَ (لِمَصْلَحَةٍ كَسَتْرٍ وَانْتِظَارِ جَمَاعَةٍ) وَإِجَابَةِ مُؤَذِّنٍ وَاجْتِهَادٍ فِي قِبْلَةٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقَصِّرَةٍ بِذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْأَصَحِّ لَكِنَّهُ خَالَفَهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ فَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ أَنَّهَا لَا تَسْتَبِيحُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ بِتَجَدُّدِ حَدَثِهَا وَتَزَايُدِ نَجَاسَتِهَا وَجَمَعَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهَا، انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَزُلْ الْعِصَابَةُ) قَالَ شَيْخُنَا مَحَلُّ وُجُوبِ تَجْدِيدِهَا أَيْ الْعِصَابَةِ عِنْدَ تَلْوِيثِهَا بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ تَتَلَوَّثْ أَصْلًا أَوْ تَلَوَّثَتْ بِمَا يُعْفَى عَنْهُ فَالْوَاجِبُ فِيمَا يَظْهَرُ تَجْدِيدُ رَبْطِهَا لِكُلِّ فَرْضٍ لَا تَغْيِيرُهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ قَلِيلِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ هُوَ مَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاسْتَثْنَاهُ مِنْ دَمِ الْمَنَافِذِ الَّتِي حَكَمُوا فِيهَا بِعَدَمِ الْعَفْوِ عَمَّا خَرَجَ مِنْهَا اهـ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ سَلَسِ الْبَوْلِ فِي الثَّوْبِ وَالْعِصَابَةِ بِالنِّسْبَةِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ خَاصَّةً اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ: كَالْمُتَيَمِّمِ فِي غَيْرِ دَوَامِ الْحَدَثِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ النِّيَّةُ وَمَا يُسْتَبَاحُ بِهِ وَالْوَقْتُ وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ وَالْوُضُوءُ وَنَحْوُهَا خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَعُلِمَ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّهَا لَا تَغْتَسِلُ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْمُتَحَيِّرَةِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ تَحَقُّقُ عَدَمِ الْحَيْضِ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا صَلَاةُ الْفَرْضِ الَّذِي تَطَهَّرَتْ لَهُ فَلَوْ تَطَهَّرَتْ لِحَاضِرَةٍ فَتَذَكَّرَتْ فَائِتَةً أَوْ عَكْسَهُ فَلَهَا فِعْلُ أَيِّهِمَا شَاءَتْ وَلَوْ تَوَضَّأَتْ لِفَائِتَةٍ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِهِ الثَّانِيَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ لَمْ يَحْضُرْنِي الْآنَ فِيهِ نَقْلٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ دَوَامِ الْحَدَثِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَ غَيْرِهِ أَصْلٌ لَهُمَا فَهُوَ أَوْلَى بِقِيَاسِهِمَا عَلَيْهِ لَا عَلَيْهِ وَعَلَى تَيَمُّمِ دَائِمِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ لَاقْتَضَى ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ قِيَاسُ طُهْرِ ذِي ضَرُورَةٍ عَلَى طُهْرِ ذِي ضَرُورَةٍ، فَإِنْ قُلْت قَدْ قَاسَ عَلَيْهِ بَعْدُ قُلْت الْقِيَاسُ عَلَيْهِ بَعْدُ فِي مُلْحَقَاتِ الطُّهْرِ مِنْ الْحَشْوِ وَنَحْوِهِ فَسُومِحَ فِي الْقِيَاسِ فِيهِ فَفِي كَلَامِهِ قِيَاسَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمُتَيَمِّمِ وَالثَّانِي عَلَى دَائِمِ الْحَدَثِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَمَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ قِيسَتْ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ فِي أَنَّ طُهْرَهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ فَرْضٍ وَفِي الْوَقْتِ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ وَقِيسَتْ عَلَى مَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ فِي الْغَسْلِ وَالْعَصْبِ وَالْحَشْوِ وَالْمُبَادَرَةِ بِالْفَرْضِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَيَمِّمِ وَدَائِمِ الْحَدَثِ طُهْرُهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فِي التَّطَهُّرِ) أَيْ لِكُلِّ فَرْضٍ وَقِيَاسًا عَلَيْهِ أَيْ عَلَى دَوَامِ الْحَدَثِ فِي الْبَاقِي وَهُوَ غَسْلُ الْفَرْجِ وَالْحَشْو وَالْعَصْبِ، فَإِنْ قِيلَ هَلَّا قَاسَ عَلَى دَائِمِ الْحَدَثِ حَتَّى فِي التَّطَهُّرِ لِكُلِّ فَرْضٍ قُلْنَا دَائِمُ الْحَدَثِ مَقِيسٌ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ اهـ ح ل أَيْ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسًا عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي) فِي الضَّمِيرِ اسْتِخْدَامٌ إذْ هُوَ رَاجِعٌ لِدَائِمِ الْحَدَثِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَوَضِّئًا أَوْ مُتَيَمِّمًا وَدَوَامُ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ مَدْخُولُ غَيْرٍ هُوَ الْمُتَيَمِّمُ بِدَلِيلِ إخْرَاجِهِ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ السَّلِيمَ أَصْلٌ فِي الطُّهْرِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَدَائِمُ الْحَدَثِ غَيْرُ الْمُسْتَحَاضَةِ أَصَّلَ لَهَا فِي مُلْحَقَاتِ الطُّهْرِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَقْتَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: مِنْ تَعْقِيبِ الطُّهْرِ لِمَا قَبْلَهُ) أَيْ وَمِنْ تَعْقِيبِ مَا قَبْلَهُ بَعْضَهُ مَعَ بَعْضٍ فَيَجِبُ تَعْقِيبُ الْحَشْوِ لِلِاسْتِنْجَاءِ وَتَعْقِيبُ الْعَصْبِ لِلْحَشْوِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ وَكَمَا أَفَادَتْهُ الْفَاءُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ قَاصِرٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَبَادَرَ بِهِ) فَلَوْ أَحْدَثَتْ قَبْلَ فِعْلِهَا الْفَرْضَ حَدَثًا آخَرَ غَيْرَ الِاسْتِحَاضَةِ وَجَبَ أَنْ تُعِيدَ جَمِيعَ ذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ الرَّوْضُ وَشَرْحُهُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَحْدَثَتْ عَلَى الْفَوْرِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: أَيْ بِالْفَرْضِ) قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالْفَرْضِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالنَّفْلِ وَيَدُلُّ لَهُ جَوَازُ فِعْلِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَحَيْثُ وَجَبَتْ الْمُبَادَرَةُ فَيُغْتَفَرُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ وَضَبَطَهُ الْإِمَامُ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: لِمَصْلَحَتِهِ) أَيْ الْفَرْضِ خَرَجَ بِمَصْلَحَةِ الْفَرْضِ التَّأْخِيرُ لِنَحْوِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَهَلْ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ نَافِلَةٌ وَلَوْ مُطْلَقَةً، وَإِنْ طَالَ زَمَنُ ذَلِكَ أَوْ لَا حَرِّرْهُ قُلْتُ وَفِي الْإِيعَابِ وَلَهَا التَّأْخِيرُ لِلرَّاتِبَةِ الْقَبْلِيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ فَيُعْلَمُ مِنْهَا أَنَّ فِعْلَهَا لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ مُضِرٌّ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ: وَانْتِظَارِ جَمَاعَةٍ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ انْتِظَارُ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ طَالَ جِدًّا وَاسْتَغْرَقَ أَكْثَرَ الْوَقْتِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ الِانْتِظَارُ مَطْلُوبًا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الِانْتِظَارُ مَطْلُوبًا كَكَوْنِ الْإِمَامِ فَاسِقًا أَوْ مُخَالِفًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُكْرَهُ فِيهِ الِاقْتِدَاءُ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ أَيْضًا: وَانْتِظَارِ جَمَاعَةٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مَا تَحْصُلُ بِهِ
(1/244)
وَالتَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ فِي غَيْرِ الْوُضُوءِ وَالْعَصْبِ مِنْ زِيَادَتِي (وَيَجِبُ طُهْرٌ) مِنْ غَسْلِ فَرْجٍ وَوُضُوءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ (إنْ انْقَطَعَ دَمُهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الطُّهْرِ (أَوْ فِيهِ) لِاحْتِمَالِ الشِّفَاءِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ عَوْدِ الدَّمِ وَيَجِبُ أَيْضًا إعَادَةُ مَا صِلَتُهُ بِالطُّهْرِ الْأَوَّلِ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهِ (لَا إنْ عَادَ قَرِيبًا) بِأَنْ عَادَ قَبْلَ إمْكَانِ فِعْلِ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ الَّتِي تَتَطَهَّرُ لَهَا سَوَاءٌ اعْتَادَتْ انْقِطَاعَهُ زَمَنًا يَسَعُ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَسَعْهُ أَمْ لَمْ تَعْتَدْ انْقِطَاعَهُ أَصْلًا وَفِي تَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ سَلَامَةٌ مِمَّا أُورِدَ عَلَى كَلَامِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْجَمَاعَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَإِنْ طَالَ وَاسْتَغْرَقَ غَالِبَ الْوَقْتِ بَلْ فِي كَلَامِ شَيْخِنَا م ر أَنَّ لَهَا جَمِيعَ مَا ذَكَرُوا، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّتْرِ وَلِلِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا فَلْيُحَرَّرْ اهـ ح ل وَقَالَ ع ش أَيْ حَيْثُ عُذِرَتْ فِي التَّأْخِيرِ لِنَحْوِ غَيْمٍ فَبَالَغَتْ فِي الِاجْتِهَادِ أَوْ طَلَبِ السُّتْرَةِ وَإِلَّا بِأَنْ عَلِمَتْ ضِيقَ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّأْخِيرُ وَالْقِيَاسُ حِينَئِذٍ امْتِنَاعُ صَلَاتِهَا بِذَلِكَ الطُّهْرِ اهـ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْوُضُوءِ وَالْعَصْبِ) وَهُوَ الْغُسْلُ وَالْمُبَادَرَةُ، وَأَمَّا الْحَشْوُ فَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْضًا اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ طُهْرٌ إنْ انْقَطَعَ دَمُهَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ عَلَى الْأَصْلِ مَعَ الْمَتْنِ وَلَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ وَلَمْ تَعْتَدْ انْقِطَاعَهُ وَعَوْدَهُ أَوْ اعْتَادَتْ ذَلِكَ وَوَسِعَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وُضُوءًا وَالصَّلَاةُ بِأَقَلَّ مُمْكِنٍ وَجَبَ الْوُضُوءُ أَمَّا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى فَلِاحْتِمَالِ الشِّفَاءِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ عَوْدِ الدَّمِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِإِمْكَانِ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ مِنْ غَيْرِ مُقَارَنَةِ حَدَثٍ فَلَوْ عَادَ الدَّمُ قَبْلَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فِي الْحَالَتَيْنِ فَوُضُوءُهَا بِحَالِهِ تُصَلِّي بِهِ وَلَوْ لَمْ يَسَعْ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ عَادَةً الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ صَلَّتْ بِوُضُوئِهَا فَلَوْ امْتَدَّ الزَّمَنُ بِحَيْثُ يَسَعُ مَا ذَكَرَ وَقَدْ صَلَّتْ بِوُضُوئِهَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، انْتَهَتْ وَكَتَبَ عَلَيْهَا الْقَلْيُوبِيُّ قَوْلَهُ فَلَوْ عَادَ الدَّمُ قَبْلَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ إلَخْ فَلَوْ كَانَتْ تَوَضَّأَتْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ هَذَا الْوُضُوءِ الثَّانِي لِبَقَاءِ الْأَوَّلِ وَلِأَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ كَانَ لِزَوَالِ الْحَدَثِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بَقَاؤُهُ وَقَوْلُهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ شُرِعَتْ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ فِي هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا اهـ وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ مَا نَصُّهُ وَيَبْطُلُ وُضُوءُهَا أَيْضًا بِالشِّفَاءِ، وَإِنْ اتَّصَلَ بِآخِرِهِ وَبِانْقِطَاعٍ يَسَعُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِ الدَّمِ وَالْمُرَادُ بِبُطْلَانِهِ بِذَلِكَ إذَا خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَلَا يَبْطُلُ، فَإِنْ انْقَطَعَ عَنْهَا وَعَادَتُهُ الْعَوْدُ قَبْلَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ أَوْ أَخْبَرَهَا بِعَوْدِهِ كَذَلِكَ ثِقَةٌ صَلَّتْ اعْتِمَادًا عَلَى الْعَادَةِ أَوْ الْإِخْبَارِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ (كَغَيْرِهِ) مَا لَوْ كَانَ عَادَتُهُ الْعَوْدَ عَلَى نُدُورٍ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَلْحَقَ مُدَّةُ النَّادِرَةِ بِالْمَعْدُومَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ، فَإِنْ امْتَدَّ الِانْقِطَاعُ زَمَنًا يَسَعُ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ إعَادَتَهُمَا لَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوُضُوءِ أَوْ انْقَطَعَ وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ وَعَادَتُهُ الْعَوْدُ بَعْدَ إمْكَانِهِمَا أَوْ لَمْ تَعْتَدْ انْقِطَاعَهُ وَعَوْدَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهَا ثِقَةٌ بِعَوْدِهِ كَذَلِكَ أُمِرَتْ بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ فَلَوْ خَالَفَتْ وَصَلَّتْ بِلَا وُضُوءٍ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهَا سَوَاءٌ امْتَدَّ الِانْقِطَاعُ أَمْ لَا لِشُرُوعِهَا مُتَرَدِّدَةً فِي طُهْرِهَا فَلَوْ عَادَ الدَّمُ فَوْرًا لَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهَا إذْ لَمْ يُوجَدْ الِانْقِطَاعُ الْمُغْنِي عَنْ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَمَنْ اعْتَادَتْ انْقِطَاعَهُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَوَثِقَتْ بِانْقِطَاعِهِ فِيهِ بِحَيْثُ تَأْمَنُ الْفَوَاتَ لَزِمَهَا انْتِظَارُهُ.
لِاسْتِغْنَائِهَا حِينَئِذٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَإِلَّا، أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَثِقْ بِانْقِطَاعِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ، قَدَّمَتْ جَوَازًا صَلَاتَهَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنْ كَانَتْ تَرْجُو انْقِطَاعَهُ آخِرَ الْوَقْتِ فَهَلْ الْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ أَمْ تُؤَخِّرُهَا إلَى آخِرِهِ وَجْهَانِ فِي التَّتِمَّةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مِثْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِمَا قَدَّمَهُ ثَمَّ لَكِنَّ صَاحِبَ الشَّامِلِ جَزَمَ بِوُجُوبِ التَّأْخِيرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الْوَجْهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَرَجَا الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّأْخِيرُ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَكَذَا هُنَا اهـ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَيْضًا إعَادَةُ مَا صَلَّتْهُ إلَخْ) قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(تَنْبِيهٌ) مَحَلُّ بُطْلَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فِيمَا ذَكَرَ إنْ خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فِي الْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ طَهَارَتُهَا وَتُصَلِّي بِهَا وَلَا تَبْطُلُ وَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ اهـ وَهَذَا التَّنْبِيهُ يُفْهَمُ مُحَصَّلُهُ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ إنْ انْقَطَعَ دَمُهَا بَعْدَهُ أَوْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فِي أَثْنَاءِ الطُّهْرِ أَوْ بَعْدَهُ تَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: أَمْ لَمْ تَعْتَدْ انْقِطَاعَهُ أَصْلًا) أَيْ وَلَمْ يُخْبِرْهَا ثِقَةٌ عَارِفٌ بِعَوْدِهِ وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ مَتَى وَسِعَ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ بَطَلَ وُضُوءُهَا وَصَلَاتُهَا، وَإِنْ لَمْ يَسَعْ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ لَمْ يَبْطُلُ الْوُضُوءُ وَلَا الصَّلَاةُ سَوَاءٌ اعْتَادَتْ ذَلِكَ أَمْ لَمْ تَعْتَدْهُ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاقِعِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ عَلَيْهَا بِالْبُطْلَانِ وَعَدَمِهِ فَبِالْعَادَةِ وَعَدَمِهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَهَذَا التَّعْمِيمُ أَيْ قَوْلُهُ سَوَاءٌ إلَخْ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلُ لَا وَمَا بَعْدَهَا فَهُوَ تَعْمِيمٌ فِي النَّفْيِ وَالْمَنْفِيِّ
(1/245)
(فَصْلٌ) إذَا (رَأَتْ وَلَوْ حَامِلًا لَا مَعَ طَلْقٍ دَمًا) وَلَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَكْدَرَ (لِزَمَنِ حَيْضٍ قَدْرُهُ) يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ (وَلَمْ يَعْبُرْ) أَيْ يُجَاوِزْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
[فَصْلٌ إذَا رَأَتْ وَلَوْ حَامِلًا لَا مَعَ طَلْقٍ دَمًا]
فَصْلٌ) فِي الِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ وَبَيَانِ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَقْسَامَ الْمُسْتَحَاضَةِ سَبْعَةٌ مُمَيِّزَةٌ وَغَيْرُهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مُبْتَدَأَةٌ أَوْ مُعْتَادَةٌ وَالْمُعْتَادَةُ الْغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ إمَّا ذَاكِرَةٌ لِلْقَدْرِ وَالْوَقْتِ أَوْ نَاسِيَةٌ لَهُمَا أَوْ نَاسِيَةٌ لِأَحَدِهِمَا ذَاكِرَةٌ لِلْآخَرِ اهـ ح ل وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالِاسْتِحَاضَةُ كَسَلَسِ إلَخْ كَمَا صَنَعَ فِي الرَّوْضِ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جِهَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ فَالْأَنْسَبُ جَمْعُ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا تَحْتَ الْفَصْلِ.
(قَوْلُهُ: إذَا رَأَتْ) أَيْ عَمِلَتْ وَقَدَّرَ مَا ذَكَرَ لِأَجْلِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَهُوَ مَعَ نَقَاءٍ إلَخْ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمَحْذُوفِ وَقَدَّرَ " إذَا " دُونَ " أَنْ " مَعَ أَنَّهَا أَخْصَرُ؛ لِأَنَّ إذَا لِلْجَزْمِ، وَإِنْ لِلشَّكِّ وَالرُّؤْيَةُ الْمَذْكُورَةَ مَجْزُومٌ بِهَا كَمَا عَلِمْتَ اهـ شَيْخُنَا ح ف، فَإِنْ قُلْتَ: صَنِيعُ الْمَاتِنِ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ مِنْ أَنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ حَذْفُهَا وَالْمُصَنِّفُ يَرْتَكِبُهُ كَثِيرًا لَا سِيَّمَا فِي الْجِنَايَاتِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ إلَّا حَذْفُ فِعْلِ الشَّرْطِ أَوْ جَوَابِهِ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قُلْتُ ارْتَكَبَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاخْتِصَارِ لِدَلَالَةِ الْفَاعِلِيَّةِ اهـ عَشْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَامِلًا) إنَّمَا أَخَذَهُ غَايَةً لِلْخِلَافِ فِيهِ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَكْدَرَ اهـ ع ش.
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ مَعَ شَرْحَيْ ابْنِ حَجَرٍ وَم ر وَالْأَظْهَرُ أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ حَيْضٌ إذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهُ، وَإِنْ عَقِبَهُ الطَّلْقُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّهُ دَمٌ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ بَلْ إذَا وُجِدَ مَعَهُ حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا، وَإِنْ نَدَرَ فَكَذَا لَا يَمْنَعُهُ الْحَمْلُ، وَإِنَّمَا حَكَمَ الشَّارِعُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِهِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَيْضٌ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ إلَّا حُرْمَةَ الطَّلَاقِ فِيهِ إنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَمْلِ لِكَوْنِهِ مَنْسُوبًا لِلْمُطَلِّقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوبًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًا كَأَنْ فَسَخَ نِكَاحَ صَبِيٍّ بِعَيْنِهِ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زِنًا أَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ حَامِلًا مِنْ زِنًا وَطَلَّقَهَا أَوْ فَسَخَ نِكَاحَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ مَعَ وُجُودِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ زِنًا كَأَنْ طَلَّقَهَا حَامِلًا مِنْهُ فَوَطِئَهَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ بَلْ هُوَ حَدَثٌ دَائِمٌ كَسَلَسِ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَسُدَّ مَخْرَجَ الْحَيْضِ، وَقَدْ جُعِلَ دَلِيلًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَالْأَوَّلُ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ، انْتَهَتْ.
وَقَوْلُهُ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زِنًا بَقِيَ مَا لَوْ يَعْلَمُ هَلْ هُوَ مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ لُحُوقُهُ بِالزَّوْجِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا.
وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعِدَّةُ حُرَّةٍ ذَاتِ أَقْرَاءٍ ثَلَاثَةٌ مَا نَصُّهُ وَلَوْ جُهِلَ حَالُ الْحَمْلِ وَلَمْ يُمْكِنْ لُحُوقُهُ بِالزَّوْجِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ أَيْ مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ نِكَاحِهَا مَعَهُ وَجَوَازُ وَطْءِ الزَّوْجِ لَهَا أَمَّا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ عُقُوبَتِهَا بِسَبَبِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ شُبْهَةٍ، فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِلْإِمْكَانِ مِنْهُ لَحِقَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ مَعَ شَرْحِ الْمَحَلِّيِّ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَيْضٌ فِي الْأَصَحِّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ الْمُعْتَادِ إلَّا فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ فَهُوَ فِيهَا حَيْضٌ اتِّفَاقًا وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا فِي غَيْرِهَا تَقَدُّمُ دَمٍ قَوِيٍّ مِنْ سَوَادٍ أَوْ حُمْرَةٍ عَلَيْهِ وَقِيلَ: وَتَأَخُّرُهُ عَنْهُ وَعَلَى هَذَيْنِ يَكْفِي أَيُّ قَدْرٍ مِنْ الْقَوِيِّ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ أَيْضًا وَلَوْ حَامِلًا) أَيْ وَإِنْ خَالَفَتْ عَادَتَهَا حَيْثُ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ بِصِفَةٍ غَيْرِ صِفَةِ الدَّمِ الَّذِي كَانَتْ تَرَاهُ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْحَمْلِ اهـ ع ش عَلَى م ر، وَإِنَّمَا كَانَ دَمُ الْحَامِلِ حَيْضًا إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ كَوْنِهِ دَمَ عِلَّةٍ وَدَمَ جِبِلَّةٍ وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الظَّاهِرِ أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ اهـ ح ل (فَائِدَةٌ)
قَالَ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ يُقَالُ امْرَأَةٌ حَامِلٌ وَحَامِلَةٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ، وَإِنْ حَمَلَتْ عَلَى رَأْسِهَا أَوْ ظَهْرِهَا فَحَامِلَةٌ لَا غَيْرُ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا مَعَ طَلْقٍ) الطَّلْقُ هُوَ الْوَجَعُ النَّاشِئُ مِنْ الْوِلَادَةِ أَوْ الصَّوْتُ الْمُصَاحِبُ لَهَا اهـ شَيْخُنَا ح ف وَفِي الْمُخْتَارِ الطَّلْقُ وَجَعُ الْوِلَادَةِ، وَقَدْ طُلِقَتْ تُطْلَقُ طَلْقًا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: لِزَمَنِ حَيْضٍ) أَيْ فِي زَمَنِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: قَدْرَهُ) مَفْعُولٌ ثَانٍ أَوْ نَعْتٌ لِدَمًا أَوْ حَالٌ مِنْهُ أَوْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْهُ فَهَذِهِ أَرْبَعُ احْتِمَالَاتٍ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا مَا فِيهِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْبُرْ) أَيْ الْمَرْئِيُّ
(1/246)
(أَكْثَرَهُ فَهُوَ مَعَ نَقَاءٍ تَخَلَّلَهُ حَيْضٌ) مُبْتَدَأَةً كَانَتْ أَوْ مُعْتَادَةً وَخَرَجَ بِزَمَنِ الْحَيْضِ مَا لَوْ بَقِيَ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ طُهْرٍ كَأَنْ رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ دَمُ فَسَادٍ لَا حَيْضٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِسِنِّ الْحَيْضِ وَتَعْبِيرِي بِقَدْرِهِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِأَقَلِّهِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْبُرَ أَكْثَرَهُ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي لَا مَعَ طَلْقٍ الدَّمُ الْخَارِجُ مَعَ طَلْقِهَا فَلَيْسَ بِحَيْضٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ (فَإِنْ عَبَرَهُ وَكَانَتْ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الَّذِي هُوَ الدَّمُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ قَدْرَهُ فَسَقَطَ مَا قِيلَ، يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى أَصْلِهِ وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَنْ أَصْلِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَبَابُهُ نَصَرَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي الْمُخْتَارِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ دَخَلَ وَنَصَرَ اهـ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مَعَ نَقَاءٍ تَخَلَّلَهُ حَيْضٌ) وَهَذَا الْقَوْلُ يُسَمَّى قَوْلُ السَّحْبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالثَّانِي أَنَّ النَّقَاءَ طُهْرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَلَّ الدَّمُ عَلَى الْحَيْضِ وَجَبَ أَنْ يَدُلَّ النَّقَاءُ عَلَى الطُّهْرِ وَيُسَمَّى هَذَا قَوْلُ اللَّقْطِ وَقَوْلُ التَّلْفِيقِ وَمَحَلُّ التَّلْفِيقِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُجْعَلُ النَّقَاءُ طُهْرًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إجْمَاعًا اهـ شَرْحُ م ر وَظَهَرَ مِنْ عِبَارَةِ الْإِرْشَادِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ لَا يَظْهَرَانِ إلَّا فِي غَيْرِ الدَّوْرِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ أَمَّا فِيهِ فِي حَقِّهَا فَتَقَدَّمَ أَنَّهَا كُلَّمَا انْقَطَعَ الدَّمُ تُؤْمَرُ بِأَحْكَامِ الطَّاهِرِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ تَأَمَّلْ.
وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ وَالثَّانِي يَقُولُ هُوَ طُهْرٌ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْعِدَّةِ وَالطَّلَاقِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ فَهُوَ مَعَ نَقَاءٍ تَخَلَّلَهُ حَيْضٌ) هَذَا ظَاهِرٌ حَيْثُ تَحَقَّقَتْ أَنَّ أَوْقَاتَ الدَّمِ لَا تَنْقُصُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَمَّا إذَا شَكَّتْ فِي أَنَّهُ يَبْلُغُ ذَلِكَ فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا تَرَاهُ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَى مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ حَيْضٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ حَيْضٌ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَا يَمْنَعُهُ فَلَا تَقْضِي مَا فَاتَهَا فِيهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَيُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِسَبَبِهِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ ثُمَّ رَأَيْت م ر صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ الْعَدَدِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: مُبْتَدَأَةً كَانَتْ أَوْ مُعْتَادَةً) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر سَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً وَقَعَ الدَّمُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ انْقَسَمَ إلَى قَوِيٍّ وَضَعِيفٍ وَافَقَ ذَلِكَ عَادَتَهَا أَمْ خَالَفَهَا؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ قَدْ اجْتَمَعَتْ، وَاحْتِمَالُ تَغَيُّرِ الْعَادَةِ مُمْكِنٌ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: كَأَنْ رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَخْ) فَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ ثَلَاثَةً نَقَاءً ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ دَمًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دَمًا ثُمَّ ثَلَاثَةً نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِيهِمَا أَنَّ حَيْضَهَا السَّابِقَ فَقَطْ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ فِي الْأُولَى، وَالِاثْنَا عَشَرَ فِي الثَّانِيَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ ثُمَّ إنَّ الْحُكْمَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأُولَى بِأَنَّهَا حَيْضٌ فَقَطْ رُبَّمَا يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مِنْ انْتِفَاءِ الْحَيْضِ فِيمَا لَوْ زَادَتْ أَوْقَاتُ الدِّمَاءِ مَعَ النَّقَاءِ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ إلَّا أَنَّ مَا سَيَأْتِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَزِدْ أَوْقَاتُ الدَّمِ وَالنَّقَاءِ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَرَاجِعْهُ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ انْقَطَعَ) خَرَجَ مَا لَوْ اسْتَمَرَّ، فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَغَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ مُعْتَادَةٍ عَلِمَتْ بِعَادَتِهَا كَمَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثُمَّ نَقَاءَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ طُهْرٌ ثُمَّ تَحِيضُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْهُ وَيَسْتَمِرُّ دَوْرُهَا عِشْرِينَ يَوْمًا اهـ حَجّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِسِنِّ الْحَيْضِ) أَيْ فَزَمَنُ الْحَيْضِ أَخَصُّ مِنْ سِنِّ الْحَيْضِ فَهَذَا الدَّمُ يُقَالُ لَهُ إنَّهُ فِي سِنِّ الْحَيْضِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ لَا يَخْفَى عَدَمُ وُرُودِهِ لِمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَفِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يُوجَدْ أَقَلُّ الطُّهْرِ حَتَّى تَكُونَ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ حَيْضًا فَإِيرَادُهُ عَلَيْهِ غَفْلَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ سم وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ وُرُودُهُ بِأَنَّ عِلْمَ كَوْنِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ لَيْسَتْ حَيْضًا مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ قَبْلُ وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ إلَخْ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَقَلَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْبُرَ أَكْثَرَهُ) بِخِلَافِ رُؤْيَةِ الْقَدْرِ، فَإِنَّهَا تَصْدُقُ بِمَا إذَا جَاءَ مَعَ الْقَدْرِ شَيْءٌ آخَرُ فَرُؤْيَةُ عِشْرِينَ مَثَلًا يَصْدُقُ عَلَيْهَا رُؤْيَةُ الْقَدْرِ لَا الْأَقَلِّ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَقَلَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ قَدْرَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْبُرَ أَكْثَرُهُ أَيْضًا، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْقَدْرَ لَمَّا صَدَقَ بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ بِخِلَافِ الْأَقَلِّ، فَإِنَّهُ لَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ اهـ ع ش وَمَعَ ذَلِكَ فَتَعْبِيرُ الْأَصْلِ صَحِيحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْأَقَلِّ صَادِقَةٌ بِرُؤْيَةِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَوْ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَعْبُرْ لِلْمَرْئِيِّ الصَّادِقِ بِالْأَقَلِّ وَالْأَعَمِّ مِنْهُ لَا لِنَفْسِ الْأَقَلِّ فَقَطْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِحَيْضٍ) أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ الْوِلَادَةِ اهـ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ أَيْ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى انْفِصَالِ الْوَلَدِ بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِدَمٍ قَبْلَهُ، فَإِنْ اتَّصَلَ بِحَيْضِهَا الْمُتَقَدِّمِ فَهُوَ حَيْضٌ إنْ لَمْ يَنْقُصْ مَجْمُوعُهُمَا عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُمَا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَبَرَهُ إلَخْ) جَوَابُ الشَّرْطِ
(1/247)
مَنْ عَبَرَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَتُسَمَّى بِالْمُسْتَحَاضَةِ (مُبْتَدَأَةً) أَيْ أَوَّلَ مَا ابْتَدَأَهَا الدَّمُ (مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى قَوِيًّا وَضَعِيفًا) كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ فَهُوَ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَسْوَدِ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَشْقَرِ وَالْأَشْقَرُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْفَرِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْأَكْدَرِ وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَقْوَى مِمَّا لَا رَائِحَةَ لَهُ وَالثَّخِينُ أَقْوَى مِنْ الرَّقِيقِ فَالْأَقْوَى مَا صِفَاتُهُ مِنْ نَتَنٍ وَثِخَنٍ وَقُوَّةٍ وَلَوْنٍ أَكْثَرَ فَيُرَجَّحُ أَحَدُ الدَّمَيْنِ بِمَا زَادَ مِنْهَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِالسَّبْقِ (فَالضَّعِيفُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ أَوْ نَظَرٌ وَفِي (عَبَرَهُ) ضَمِيرَانِ ظَاهِرٌ وَمُسْتَتِرٌ فَالظَّاهِرُ يَرْجِعُ لِلْأَكْثَرِ وَالْمُسْتَتِرُ يَرْجِعُ لِلدَّمِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: أَيْ مَنْ عَبَرَ دَمُهَا) بَيَانٌ لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ بِحَسَبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامُ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لِلْمَرْأَةِ ذِكْرٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتُسَمَّى بِالْمُسْتَحَاضَةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ رَأَتْ دَمًا لَا يَبْلُغُ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَا تُسَمَّى مُسْتَحَاضَةً وَهُوَ أَحَدُ اصْطِلَاحَيْنِ غَيْرُ مَشْهُورٍ اهـ ع ش (قَوْلُهُ أَيْ أَوَّلَ مَا ابْتَدَأَهَا الدَّمُ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ فَيَنْحَلُّ التَّرْكِيبُ إلَى أَوَّلِ ابْتِدَاءِ الدَّمِ فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ الْإِخْبَارُ عَنْ اسْمٍ كَانَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ ذَاتِ أَوَّلٍ اهـ شَيْخُنَا وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ أَيْ أَوَّلُ إلَخْ أَوَّلُ مُبْتَدَأٌ وَمَا بِمَعْنَى شَيْءٍ وَجُمْلَةُ ابْتَدَأَهَا صِفَةٌ وَعَائِدُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَا وَالدَّمُ خَبَرٌ أَيْ أَوَّلُ شَيْءٍ ابْتَدَأَهَا هُوَ الدَّمُ أَيْ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ اهـ.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ أَيْ أَوَّلُ مَا ابْتَدَأَهَا الدَّمُ هَذَا التَّفْسِيرُ يُفْهَمُ مِنْهُ ضَبْطُ الْمَتْنِ بِفَتْحِ الدَّالِ.
وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ أَوَّلُ إلَخْ فَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ فِي الْمَتْنِ وَتَوَقَّفَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي صِحَّةِ قَوْلِك ابْتَدَأَهُ الشَّيْءُ وَقَالَ لَمْ أَجِدْهُ فِي اللُّغَةِ وَعَلَيْهِ فَيُقْرَأُ فِي الْمَتْنِ بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ ابْتَدَأَتْ فِي الدَّمِ اهـ.
وَلَعَلَّ الشَّارِحَ لَمْ يَشْرَحْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْوِجُ إلَى تَجَوُّزٍ فِي إسْنَادِ الِابْتِدَاءِ بِمَعْنَى الشُّرُوعِ إلَى الْمَرْأَةِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَرَى قَوِيًّا وَضَعِيفًا) تَفْسِيرٌ لِلْمُمَيِّزَةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا مُبْتَدَأَةً اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَلْوَانِ الدَّمِ خَمْسَةٌ وَأَشَارَ لِصِفَاتِهِ بِقَوْلِهِ وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ إلَخْ وَهِيَ أَرْبَعَةُ الثَّخَنُ وَالنَّتْنُ مَعًا وَعَدَمُهُمَا مَعًا وَأَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَلْوَانِ الْخَمْسَةِ فَلِذَا قَالَ الشَّوْبَرِيُّ وَحَاصِلُ أَقْسَامِ الدَّمِ خَمْسَةٌ أَسْوَدُ وَأَحْمَرُ وَأَصْفَرُ وَأَشْقَرُ وَأَكْدَرُ وَكُلٌّ مِنْهَا لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْصَافٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُجَرَّدٌ عَنْ الثَّخَنِ وَالنَّتْنِ أَوْ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا، فَإِذَا أَرَدْت ضَرْبَهَا فَتُضْرَبُ أَوْصَافُ الْأَوَّلِ الْأَرْبَعَةُ فِي أَوْصَافِ الثَّانِي ثُمَّ الْمَجْمُوعُ فِي أَوْصَافِ الثَّالِثِ ثُمَّ الْمَجْمُوعُ فِي أَوْصَافِ الرَّابِعِ ثُمَّ الْمَجْمُوعُ فِي أَوْصَافِ الْخَامِسِ فَالْحَاصِلُ أَلْفٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَشْقَرُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْفَرِ) فِي الْمُخْتَارِ الشُّقْرَةُ لَوْنُ الْأَشْقَرِ وَبَابُهُ طَرِبَ وَشُقْرَةٌ أَيْضًا وَهِيَ فِي الْإِنْسَانِ حُرَّةٌ صَافِيَةٌ وَبَشَرَتُهُ مَائِلَةٌ إلَى الْبَيَاضِ وَفِي الْخَيْلِ حُمْرَةٌ صَافِيَةٌ يَحْمَرُّ مَعَهَا الْعُرْفُ وَالذَّنَبُ، فَإِنْ اسْوَدَّ فَهُوَ الْكُمَيْتُ وَبَعِيرٌ أَشْقَرُ أَيْ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْأَكْدَرِ فِيهِ أَيْضًا الْكَدَرُ ضِدُّ الصَّفْوِ وَبَابُهُ طَرِبَ وَسَهُلَ فَهُوَ كَدِرٌ وَكَدَرٌ مِثْلُ فَخْذٍ وَفَخِذٍ وَتَكَدَّرَ أَيْضًا وَكَدَّرَهُ غَيْرُهُ تَكْدِيرًا وَالْكَدِرُ أَيْضًا مَصْدَرُ الْأَكْدَرِ وَهُوَ الَّذِي فِي لَوْنِهِ كُدْرَةٌ وَالْأَكْدَرِيَّةُ مَسْأَلَةٌ فِي الْفَرَائِضِ مَعْرُوفَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَالْأَقْوَى مَا صِفَاتُهُ إلَخْ) فِيهِ قُصُورٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ تَقْدِيمَ مَا فِيهِ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا لَا صِفَةَ فِيهِ أَصْلًا كَأَسْوَدَ ثَخِينٍ غَيْرِ مُنْتِنٍ عَلَى أَسْوَدَ رَقِيقٍ غَيْرِ مُنْتِنٍ وَلَا مَا فِيهِ صِفَتَانِ عَلَى مَا لَا صِفَةَ فِيهِ كَأَسْوَدَ ثَخِينٍ مُنْتِنٍ عَلَى أَسْوَدَ رَقِيقٍ غَيْرِ مُنْتِنٍ اهـ شَيْخُنَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّنَوَانِيُّ إنْ كَانَتْ مَا مَوْصُولَةً فَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ وَالْأَقْوَى خَبَرُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْصُوفَةً فَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا خَبَرٌ وَالْأَقْوَى مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهَا صِلَتُهَا أَوْ صِفَتُهَا اهـ انْتَهَى بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِالسَّبْقِ) بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَسْوَدَ بِلَا ثَخَنٍ وَنَتَنٍ وَالْآخَرُ أَحْمَرُ بِأَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ الْأَسْوَدُ بِأَحَدِهِمَا وَالْأَحْمَرُ بِهِمَا أَيْ الثَّخَنِ وَالنَّتْنِ أَوْ كَانَ أَسْوَدَ ثَخِينًا وَأَسْوَدَ مُنْتِنًا وَكَأَحْمَرَ ثَخِينٍ أَوْ مُنْتِنٍ وَأَسْوَدَ مُجَرَّدٍ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: فَالضَّعِيفُ) ، وَإِنْ طَالَ اسْتِحَاضَةً كَأَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَوَادًا ثُمَّ اتَّصَلَ بِهِ الضَّعِيفُ وَتَمَادَى سِنِينَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ لَا حَدَّ لَهُ وَقَوْلُهُ وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ أَيْ مَعَ بَقَاءِ تَخَلُّلِهِ كَأَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَوَادًا ثُمَّ كَذَلِكَ نَقَاءً ثُمَّ كَذَلِكَ سَوَادًا وَهَكَذَا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةَ وَلَوْ اجْتَمَعَ قَوِيٌّ وَضَعِيفٌ وَأُضْعِفَ فَالْقَوِيُّ مَعَ مَا يُنَاسِبُهُ فِي الْقُوَّةِ مِنْ الضَّعِيفِ حَيْضٌ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْقَوِيُّ وَأَنْ يَتَّصِلَ بِهِ الْمُنَاسِبُ الضَّعِيفُ وَأَنْ يَصْلُحَا مَعًا لِلْحَيْضِ بِأَنْ لَا يَزِيدَ مَجْمُوعُهُمَا عَلَى أَكْثَرِهِ كَخَمْسَةٍ سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةٍ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَالْأَوَّلَانِ حَيْضٌ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحَا مَعًا لِلْحَيْضِ كَعَشَرَةٍ سَوَادًا وَسِتَّةٍ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ أَوْ صَلَحَا لَكِنْ تَقَدَّمَ الضَّعِيفُ كَخَمْسَةٍ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةٍ سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ أَوْ تَأَخَّرَ لَكِنْ لَمْ يَتَّصِلْ
(1/248)
وَإِنْ طَالَ (اسْتِحَاضَةٌ وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ إنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ وَلَا عَبَرَ أَكْثَرَهُ وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ طُهْرٍ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (وَلَاءً) بِأَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُتَّصِلَةً فَأَكْثَرَ تَقَدَّمَ الْقَوِيُّ عَلَيْهِ أَوْ تَأَخَّرَ أَوْ تَوَسَّطَ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمَيْنِ أَحْمَرَ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِعَدَمِ اتِّصَالِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الضَّعِيفِ فَهِيَ فَاقِدَةٌ شَرْطًا مِمَّا ذُكِرَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهَا (أَوْ) كَانَتْ مُبْتَدَأَةً (لَا مُمَيِّزَةً) بِأَنْ رَأَتْهُ بِصِفَةٍ (أَوْ) مُمَيِّزَةً بِأَنْ رَأَتْهُ بِأَكْثَرَ لَكِنْ (فَقَدَتْ شَرْطًا مِمَّا ذُكِرَ) مِنْ الشُّرُوطِ (فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الضَّعِيفُ بِالْقَوِيِّ كَخَمْسَةٍ سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةٍ صُفْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَالْحَيْضُ الْأَسْوَدُ فَقَطْ اهـ شَرْحٌ.
(قَوْلُهُ وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ) أَيْ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَنْقُصْ أَيْ الْقَوِيُّ عَنْ أَقَلِّهِ وَلَا عَبَرَ أَيْ جَاوَزَ أَكْثَرَهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ إلَخْ أَيْ حَيْثُ اسْتَمَرَّ الدَّمُ وَإِلَّا بِأَنْ رَأَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَسْوَدَ ثُمَّ عَشَرَةً أَحْمَرَ مَثَلًا ثُمَّ انْقَطَعَ كَانَ الْقَوِيُّ حَيْضًا، وَقَدْ نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَسْوَدَ إلَخْ أَيْ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُتَمَيِّزًا مُعْتَدًّا بِهِ لِعَدَمِ اتِّصَالِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الضَّعِيفِ، وَإِنْ كَانَتْ جُمْلَتُهُ لَمْ تَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ إلَخْ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ إنَّمَا يُفْتَقَرُ إلَى هَذَا الْقَيْدِ حَيْثُ اسْتَمَرَّ الدَّمُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ رَأَتْ عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ عَشَرَةً أَحْمَرَ أَوْ نَحْوَهَا وَانْقَطَعَ الدَّمُ، فَإِنَّهَا تَعْمَلُ بِتَمْيِيزِهَا مَعَ أَنَّ الضَّعِيفَ نَقَصَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ إلَخْ) هَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْمُعْتَادَةِ أَيْضًا اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ إلَخْ) قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّا نُرِيدُ أَنْ نَجْعَلَ الضَّعِيفَ طُهْرًا وَالْقَوِيَّ بَعْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إذَا بَلَغَ الضَّعِيفُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَمَثَّلَ الْإِسْنَوِيُّ لِذَلِكَ بِمَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ السَّوَادَ ثُمَّ قَالَ فَلَوْ أَخَذْنَا بِالتَّمْيِيزِ هُنَا وَاعْتَبَرْنَاهُ لَجَعَلْنَا الْقَوِيَّ حَيْضًا وَالضَّعِيفَ طُهْرًا وَالْقَوِيَّ بَعْدَهُ حَيْضًا آخَرَ فَيَلْزَمُ نُقْصَانُ الطُّهْرِ عَنْ أَقَلِّهِ اهـ عَمِيرَةُ اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَالَ فِي الذَّخَائِرِ لَا يُحْتَاجُ لِهَذَا الشَّرْطِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الْقَوِيَّ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَ أَنْ لَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْهَا وَرَدَّهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ الْأُسْتَاذِ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ الدَّوْرُ الثَّلَاثِينَ فَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عُبُورِ الْقَوِيِّ الْأَكْثَرَ عَدَمُ نَقْصِ الضَّعِيفِ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَقَلَّ فَيَكُونُ الْقَوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالضَّعِيفُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ يَكُونُ كُلٌّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَقَدْ نَقَصَ الضَّعِيفُ وَلَمْ يَزِدْ الْقَوِيُّ أَيْ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ الْآتِيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيمَنْ دَوْرُهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عُبُورِ الْقَوِيِّ الْأَكْثَرَ عَدَمُ نَقْصِ الضَّعِيفِ عَنْهُ بَلْ لَا يَكُونُ إلَّا زَائِدًا عَلَيْهِ نَعَمْ مَنْ دَوْرُهَا ثَلَاثُونَ فَأَقَلُّ يَلْزَمُ مِنْ الثَّالِثِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الضَّعِيفُ خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْقَوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ فَالْوَاجِبُ ذِكْرُ شَرْطَيْنِ فَقَطْ أَقَلُّ الْقَوِيِّ مُطْلَقًا ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّوْرُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ ضُمَّ إلَيْهِ أَكْثَرُ الْقَوِيِّ فَقَطْ إذْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الضَّعِيفُ حِينَئِذٍ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَ دُونَهَا ضُمَّ إلَيْهِ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْآخَرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْطٍ ثَالِثٍ بِحَالٍ اهـ قَالَ فِي الْإِيعَابِ، وَقَدْ يُوَجَّهُ مَا جَرَوْا عَلَيْهِ بِأَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ اخْتَلَفَا فِيمَا يَخْرُجُ بِهِمَا وَأَيْضًا فَاعْتِبَارُهُمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْ أَحَدِهِمَا الْآخَرُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلِذَلِكَ صَرَّحُوا بِهِمَا مَعًا وَلَمْ يَنْظُرُوا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّلَازُمِ اهـ م ر اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: وَلَاءً) حَالٌ مِنْ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ الضَّعِيفُ أَيْ وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ حَالَةَ كَوْنِهِ مُتَوَالِيًا عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ وَهَذَا مِنْ بَابِ تَقْيِيدِ النَّفْيِ لَا مِنْ بَابِ نَفْيِ الْقَيْدِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْغَالِبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ هُنَا فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلِهِمْ النَّفْيُ دَاخِلٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْغَالِبِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُتَّصِلَةً) أَيْ إنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَسْوَدَ ثُمَّ عَشَرَةً أَحْمَرَ مَثَلًا وَانْقَطَعَ الدَّمُ، فَإِنَّهَا تَعْمَلُ بِتَمْيِيزِهَا مَعَ نَقْصِ الضَّعِيفِ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَى الشَّارِحِ لِوُضُوحِهِ اهـ ز ي.
(قَوْلُهُ: مُتَّصِلَةً) الْمُرَادُ بِاتِّصَالِهَا أَنْ لَا يَتَخَلَّلَهَا قَوِيٌّ وَلَوْ تَخَلَّلَهَا نَقَاءٌ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَوْ لَا مُمَيِّزَةً) لَا اسْمٌ بِمَعْنَى غَيْرِ ظَهَرَ إعْرَابُهَا عَلَى مَا بَعْدَهَا لِكَوْنِهَا عَلَى صُورَةِ الْحَرْفِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: لَكِنْ فَقَدَتْ شَرْطًا) مِمَّا ذُكِرَ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ كَأَنْ رَأَتْ الْقَوِيَّ دُونَ أَقَلِّهِ كَنِصْفِ يَوْمٍ أَسْوَدَ أَوْ فَوْقَ أَكْثَرِهِ كَسِتَّةَ عَشَرَ أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فِيهِمَا أَوْ الضَّعِيفُ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ كَأَنْ رَأَتْ الْأَسْوَدَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ الْأَحْمَرَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ عَادَ الْأَسْوَدُ اهـ انْتَهَى سم (قَوْلُهُ: فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) أَيْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْضًا فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) أَيْ لِأَنَّ سُقُوطَ الصَّلَاةِ عَنْهَا فِي هَذَا الْقَدْرِ مُتَيَقَّنٌ فِيمَا سِوَاهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُتْرَكُ الْيَقِينُ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ أَمَارَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنْ تَمْيِيزٍ أَوْ عَادَةٍ لَكِنَّهَا فِي الدَّوْرِ الْأَوَّلِ تُمْهَلُ حَتَّى يَعْبُرَ الدَّمُ أَكْثَرَهُ فَتَغْتَسِلَ وَتَقْضِيَ مَا زَادَ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَفِي الدَّوْرِ الثَّانِي تَغْتَسِلُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى الْأَظْهَرِ إنْ اسْتَمَرَّ فَقْدُ التَّمْيِيزِ
(1/249)
وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) بِشَرْطٍ زِدْته بِقَوْلِي (إنْ عَرَفَتْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الدَّمِ) وَإِلَّا فَمُتَحَيِّرَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهَا وَحَيْثُ أُطْلِقَتْ الْمُمَيِّزَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا الْجَامِعَةُ لِلشُّرُوطِ السَّابِقَةِ وَأَفَادَ تَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَنَّ فَاقِدَةَ شَرْطٍ مِمَّا ذُكِرَ تُسَمَّى مُمَيِّزَةً عَكْسُ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ (أَوْ) كَانَتْ (مُعْتَادَةً بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ) وَهِيَ ذَاكِرَةٌ لَهُمَا وَغَيْرُ مُمَيِّزَةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (فَتُرَدُّ إلَيْهِمَا) قَدْرًا وَوَقْتًا.
(وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ بِمَرَّةٍ) ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِابْتِدَاءِ فَمَنْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ كَمَا تَرُدُّ إلَيْهَا لَوْ تَكَرَّرَتْ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
اهـ شَرْحٌ م ر (قَوْلُهُ وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) إنَّمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ طُهْرَهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ أَوْ غَالِبُهُ وَتَحْتَاطُ فِيمَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اهـ شَيْخُنَا وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ فَقَالَ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَطُهْرُهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ مَا ذَكَرَ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهْرِ الشَّهْرُ الْهِلَالِيُّ الصَّادِقُ بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَكُونُ بَقِيَّتُهُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ اهـ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ.
قَوْلُهُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ إنَّمَا حَذَفَ التَّاءَ مِنْ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مَحْذُوفٌ أَوْ تَغْلِيبًا لِلَّيَالِيِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ التَّأْنِيثَ فِي أَسْمَاءِ الْعَدَدِ إذَا أَرَادَتْ ذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَمْ يَقُلْ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ شَهْرَ الْمُسْتَحَاضَةِ الَّذِي هُوَ دَوْرُهَا لَا يَكُونُ إلَّا ثَلَاثِينَ يَوْمًا دَائِمًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ هِلَالٍ، فَإِنْ طَرَأَ لَهَا تَمْيِيزٌ رَدَّتْ إلَيْهِ نَسْخًا لِلْمَاضِي بِالْمُتَجَدِّدِ انْتَهَتْ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّهْرَ مَتَى أُطْلِقَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْهِلَالِيُّ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْمُمَيِّزَةِ الْفَاقِدَةِ شَرْطًا وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ هُنَا وَفِي الْمُتَحَيِّرَةِ وَفِي الْحَمْلِ بِالنَّظَرِ لِأَقَلِّهِ وَغَالِبِهِ، فَإِنَّ الشَّهْرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ عَدَدِيٌّ أَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا اهـ شَيْخُنَا ح ف نَقْلًا عَنْ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ: بِشَرْطٍ زِدْته إلَخْ) هَلَّا قَالَ بِقَيْدٍ كَمُسَابَقَةٍ وَمَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ غَيْرُ التَّفَنُّنِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ تَصْدِيرُهُ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ فَصَرَّحَ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِصِحَّةِ التَّعْبِيرِ بِالْقَيْدِ فِيمَا صَدَرَ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمُتَحَيِّرَةٌ) عِبَارَةُ التَّحْرِيرِ وَشَرْحُ م ر وَإِلَّا فَكَمُتَحَيِّرَةٍ وَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ خَاصَّةٌ بِالْمُعْتَادَةِ النَّاسِيَةِ لِلْقَدْرِ وَالْوَقْتِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي وَهَذِهِ مُبْتَدَأَةٌ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: تُسَمَّى مُمَيِّزَةً) أَيْ فَاقِدَةً شَرْطَ تَمْيِيزٍ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمُمَيِّزَةِ بِلَا قَيْدٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَيْثُ أَطْلَقَتْ الْمُمَيِّزَةُ إلَخْ اهـ ح ل (قَوْلُهُ فَتُرَدُّ إلَيْهِمَا) وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَادَةَ إذَا جَاوَزَ دَمُهَا عَادَتَهَا أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ قَطْعًا لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِهِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَإِنْ عَبَرَهَا قَضَتْ مَا وَرَاءَ قَدْرِ عَادَتِهَا فِي الدَّوْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ إذَا عَبَرَ أَيَّامَ عَادَتِهَا اغْتَسَلَتْ وَصَامَتْ وَصَلَّتْ لِظُهُورِ الِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ جَزْمًا وَلَا فَرْقَ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ أَيَّامًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ هُنَا إلَّا آيِسَةً إذَا حَاضَتْ وَجَاوَزَ دَمُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَتُرَدُّ لِعَادَتِهَا قَبْلَ الْيَأْسِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْعَدَدِ أَنَّهَا تَحِيضُ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهَا غَيْرُ آيِسَةٍ فَلَزِمَ كَوْنُهَا مُسْتَحَاضَةً بِمُجَاوَزَةِ دَمِهَا الْأَكْثَرَ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: قَدْرًا وَوَقْتًا) أَيْ، وَإِنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْيَأْسِ أَوْ زَادَ دَوْرُهَا عَلَى تِسْعِينَ يَوْمًا كَأَنْ لَمْ تَحِضْ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَهِيَ الْحَيْضُ وَبَاقِي السَّنَةِ طُهْرٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ) هِيَ تَكَرُّرُ الشَّيْءِ عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ لَكِنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ خُصُوصًا مَعَ تَمْثِيلِ الشَّارِحِ لَهُ بِقَوْلِهِ فَمَنْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً إلَخْ فَالْخَمْسَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ تَتَكَرَّرْ فَلَعَلَّ تَسْمِيَةَ الْفُقَهَاءِ لِمِثْلِ هَذَا عَادَةً مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ وَإِلَّا فَفِي اللُّغَةِ مَا يَقْتَضِي مِثْلَ مَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ فَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْعَادَةُ مَعْرُوفَةٌ وَالْجَمْعُ عَادٌ وَعَادَاتٌ وَعَوَائِدُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يُعَاوِدُهَا أَيْ يَرْجِعُ إلَيْهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَعَوَّدْتُهُ كَذَا فَاعْتَادَهُ وَتَعَوَّدَهُ أَيْ صَيَّرْته لَهُ عَادَةً اهـ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ) هَلَّا قَالَ بِشَرْطٍ زِدْته بِقَوْلِي إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ كَسَابِقِهِ مَعَ أَنَّ هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي إلَخْ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِابْتِدَاءِ) أَيْ وَالْمُقَابَلَةُ تَحْصُلُ بِمَرَّةٍ أَيْ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ فِي مُقَابَلَةِ الِابْتِدَاءِ أَيْ مُنَافِيَةٌ لَهُ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ) أَيْ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ هَذَا حُكْمُ الْمَفْهُومِ وَذَكَرَ لَهُ سَبْعَ صُوَرٍ فِي كُلٍّ مِنْهَا قَدْ تَكَرَّرَتْ الْعَادَةُ حَتَّى فِي صُورَةِ عَدَمِ تَكَرُّرِ الدَّوْرِ بِأَنْ حَاضَتْ ثَلَاثَةً ثُمَّ خَمْسَةً ثُمَّ سَبْعَةً فَالْعَادَةُ مُتَكَرِّرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً، وَقَدْ بَيَّنَ السَّبْعَةَ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ تَكَرَّرَ الدَّوْرُ إلَخْ هَذِهِ صُورَةٌ وَبِقَوْلِهِ أَوْ لَمْ تَنْتَظِمْ أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الدَّوْرُ هَاتَانِ صُورَتَانِ وَبِقَوْلِهِ أَوْ لَمْ تَنْسَهَا إلَخْ فِيهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَنَسِيَتْ النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ الرَّاجِعِ لِلثَّلَاثَةِ وَبِقَوْلِهِ أَوْ لَمْ تَنْسَ انْتِظَامَ الْعَادَةِ فِيهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُهُ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ رَاجِعٌ لِلصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ لَمْ تَنْسَ انْتِظَامَ الْعَادَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي أَوَّلِ صُوَرِ الْمَفَاهِيمِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ صَنِيعَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْأَخِيرَةِ حَتَّى فَهِمَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلًا أَيْ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَذَلِكَ فِي الصُّورَةِ السَّابِعَةِ دُونَ السِّتَّةِ قَبْلَهَا فَحَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ
(1/250)
فَإِنْ تَكَرَّرَ الدَّوْرُ وَانْتَظَمَتْ عَادَتُهَا وَنَسِيَتْ انْتِظَامَهَا أَوْ لَمْ تَنْتَظِمْ أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الدَّوْرُ وَنَسِيَتْ النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ فِيهِمَا حِيضَتْ أَقَلَّ النُّوَبِ وَاحْتَاطَتْ فِي الزَّائِدِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي أَوْ لَمْ تَنْسَهَا رُدَّتْ إلَيْهَا وَاحْتَاطَتْ فِي الزَّائِدِ إنْ كَانَ أَوْ لَمْ تَنْسَ انْتِظَامَ الْعَادَةِ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ فَلَوْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً وَفِي ثَانِيهِ خَمْسَةً وَفِي ثَالِثِهِ سَبْعَةً ثُمَّ عَادَ دَوْرُهَا هَكَذَا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ رَدَّتْ فِيهِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَفِي الثَّامِنِ إلَى خَمْسَةٍ وَفِي التَّاسِعِ إلَى سَبْعَةٍ وَهَكَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
يَقُولَ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ، فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَلَى كَوْنِهَا تَحِيضُ أَقَلَّ النُّوَبِ أَوْ النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ تَأَمَّلْ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَكَرَّرَ الدَّوْرُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالدَّوْرِ فِيمَنْ لَمْ تَخْتَلِفْ عَادَتُهَا هُوَ الْمُدَّةُ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى حَيْضٍ وَطُهْرٍ وَفِيمَنْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهَا هُوَ جُمْلَةُ الْأَشْهُرِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْعَادَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ كَثُرَتْ الْأَشْهُرُ أَوْ قَلَّتْ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَنَسِيَتْ انْتِظَامَهَا) بِأَنْ لَمْ تَدْرِ هَلْ تَرَتَّبَ الدَّوْرُ فِي نَحْوِ الْمِثَالِ الْآتِي هَكَذَا الثَّلَاثَةُ ثُمَّ الْخَمْسَةُ ثُمَّ السَّبْعَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ الْخَمْسَةُ ثُمَّ الثَّلَاثَةُ ثُمَّ السَّبْعَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُمْكِنَةِ تَأَمَّلْ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: وَنَسِيَتْ النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ فِيهِمَا) أَيْ فِي التَّكَرُّرِ وَعَدَمِهِ وَالتَّكَرُّرُ فِيهِ صُورَتَانِ فَالْمَسَائِلُ ثَلَاثَةٌ وَحِينَئِذٍ تُسَاوِي هَذِهِ النُّسْخَةُ نُسْخَةً فِيهَا بِغَيْرِ مِيمٍ كَمَا قَرَّرَهُ الزِّيَادِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي صُورَةِ التَّكَرُّرِ وَالِانْتِظَامِ وَنِسْيَانِ الِانْتِظَامِ بِحَيْضِهَا أَقَلَّ النُّوَبِ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِلنَّوْبَةِ الْأَخِيرَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ فِيهِمَا إذَا تَكَرَّرَ الدَّوْرُ وَلَمْ تَنْتَظِمْ عَادَتُهَا أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الدَّوْرُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَمَّا إذَا تَكَرَّرَ وَانْتَظَمَتْ وَنَسِيَتْ انْتِظَامَهُ فَتَحَيُّضُهَا أَقَلُّ النُّوَبِ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِلنَّوْبَةِ الْأَخِيرَةِ اهـ ح ل وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: وَاحْتَاطَتْ فِي الزَّائِدِ) أَيْ فِي النُّوَبِ فَتَحْتَاطُ إلَى آخِرِ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ فَتَغْتَسِلُ آخِرَ كُلِّ نَوْبَةٍ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ دَمِهَا عِنْدَهُ اهـ ح ل وَقَوْلُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي أَيْ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ حَيْثُ قَالَ فَكَحَائِضٍ لَا فِي طَلَاقٍ إلَخْ فَالْمُرَادُ بِهَذَا الِاحْتِيَاطِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ نَوْبَةٍ مِنْ الزَّائِدِ وَتَكُونُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ كَحَائِضٍ فِي أَحْكَامٍ وَطَاهِرٍ فِي أَحْكَامٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُتَحَيِّرَةِ مَثَلًا إذَا حَيَّضَتْ الثَّلَاثَةَ تَكُونُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَمْسَةِ كَالْمُتَحَيِّرَةِ فِي أَحْكَامِهَا الْآتِيَةِ إلَّا فِي الْغُسْلِ فَلَا تَغْتَسِلُ إلَّا عَلَى رَأْسِ الْخَمْسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَنْسَهَا إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَنَسِيَتْ النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ فِيهِمَا فَقَضِيَّتُهُ رُجُوعُ ذَلِكَ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ الدَّوْرُ وَلَمْ تَنْسَ النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ رُدَّتْ إلَيْهَا وَاحْتَاطَتْ فِي الزَّائِدِ إنْ كَانَ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ وَلَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَا فِي الْعُبَابِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي رَأَيْتهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادًا، وَأَمَّا رُجُوعُهُ لِمَا إذَا تَكَرَّرَ وَلَمْ تَنْتَظِمْ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، فَإِنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا اهـ سم اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ رُدَّتْ إلَيْهَا) ضَعِيفٌ فِي الْأُولَى مِنْ الثَّلَاثِ إذْ الْمُعْتَمَدُ فِيهَا أَنَّهَا تَحِيضُ أَقَلَّ النُّوَبِ وَتَحْتَاطُ فِي الزَّائِدِ بِحَالَةِ النِّسْيَانِ وَقَوْلُهُ وَاحْتَاطَتْ إلَخْ ضَعِيفٌ فِي الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهَا أَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا احْتِيَاطٌ فِي الزَّائِدِ بَلْ تَقْتَصِرُ دَائِمًا عَلَى النَّوْبَةِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ النُّوَبِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَاحْتَاطَتْ فِي الزَّائِدِ إنْ كَانَ) ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ التَّكَرُّرِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذِهِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاطُ فِي الزَّائِدِ؛ لِأَنَّهَا تُرَدُّ لِلنَّوْبَةِ الْأَخِيرَةِ وَتَكُونُ نَاسِخَةً لِمَا قَبْلَهَا، وَأَمَّا رُجُوعُهُ لِمَا إذَا لَمْ تُكَرِّرْ وَلَمْ تَنْتَظِمْ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ اهـ سم.
وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ وَاحْتَاطَتْ فِي الزَّائِدِ إنْ كَانَ أَيْ فِيمَا إذَا تَكَرَّرَ الدَّوْرُ وَلَمْ تَنْتَظِمْ وَتَذَكَّرَتْ النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ الثَّلَاثَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْعُبَابِ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ سُلْطَانٍ فِي حَاشِيَتِهِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَنْسَ النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ لَا تَحْتَاطُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ تَنْسَخُ مَا قَبْلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ الدَّوْرُ، فَإِنْ تَكَرَّرَ حُيِّضَتْ النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ وَاحْتَاطَتْ، انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ، فَإِنْ تَكَرَّرَ تَحَيَّضَتْ إلَخْ أَيْ إذَا لَمْ تَنْتَظِمْ عَادَتُهَا أَمَّا إذَا تَكَرَّرَ الدَّوْرُ وَانْتَظَمَتْ عَادَتُهَا وَذَكَرَتْ الِانْتِظَامَ جَرَتْ عَلَى ذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَأَمَّا إذَا تَكَرَّرَ الدَّوْرُ وَانْتَظَمَتْ الْعَادَةُ وَنَسِيَتْ الِانْتِظَامَ، فَإِنَّهَا تَحِيضُ أَقَلَّ النُّوَبِ سَوَاءٌ أَذَكَرَتْ النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ أَوْ نَسِيَتْهَا وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْأَخِيرَةُ أَكْثَرَ النُّوَبِ أَوْ أَقَلَّهَا وَحِينَئِذٍ تَحْتَاطُ لِلزَّائِدِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ الْأَرْبَعَ الْأُولَى أَنْ يَتَكَرَّرَ الدَّوْرُ وَتَنْتَظِمَ عَادَتُهَا وَتَذْكُرَ الِانْتِظَامَ فَتَجْرِيَ عَلَى ذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الِاسْتِحَاضَةِ كَأَنْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً وَفِي ثَانٍ خَمْسَةً وَفِي ثَالِثٍ سَبْعَةً ثُمَّ عَادَ الدَّوْرُ كَذَلِكَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي السَّابِعِ فَتُرَدُّ فِيهِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَفِي الثَّامِنِ إلَى خَمْسَةٍ وَفِي التَّاسِعِ إلَى سَبْعَةٍ وَهَكَذَا الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَكَرَّرَ الدَّوْرُ وَتَنْتَظِمَ عَادَتُهَا وَتَنْسَى الِانْتِظَامَ فَتَحِيضُ أَقَلَّ النُّوَبِ مُطْلَقًا وِفَاقًا لِلْحَلَبِيِّ وَخِلَافًا لِشَيْخِهِ الزِّيَادِيِّ وَتَحْتَاطُ فِي الزَّائِدِ الثَّالِثَةُ أَنْ يَتَكَرَّرَ الدَّوْرُ وَلَمْ تَنْتَظِمْ الْعَادَةُ، فَإِنْ نَسِيَتْ
(1/251)
(وَيُحْكَمُ لِمُعْتَادَةٍ مُمَيِّزَةٍ بِتَمْيِيزٍ لِإِعَادَةٍ) مُخَالِفَةٍ لَهُ بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (وَلَمْ يَتَخَلَّلْ) بَيْنَهُمَا (أَقَلُّ طُهْرٍ) ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ أَقْوَى مِنْ الْعَادَةِ لِظُهُورِهِ وَلِأَنَّهُ عَلَامَةٌ فِي الدَّمِ وَهِيَ عَلَامَةٌ فِي صَاحِبَتِهِ فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَبَقِيَّتُهُ طُهْرٌ فَرَأَتْ عَشَرَةً أَسْوَدَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَبَقِيَّتَهُ أَحْمَرَ حُكِمَ بِأَنَّ حَيْضَهَا الْعَشَرَةُ لَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْهَا، أَمَّا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ طُهْرٍ كَأَنْ رَأَتْ بَعْدَ خَمْسَتِهَا عِشْرِينَ ضَعِيفًا ثُمَّ خَمْسَةً قَوِيًّا ثُمَّ ضَعِيفًا فَقَدْرُ الْعَادَةِ حَيْضٌ لِلْعَادَةِ وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ آخَرُ
(أَوْ) كَانَتْ (مُتَحَيِّرَةً) وَهِيَ النَّاسِيَةُ لِحَيْضِهَا قَدْرًا أَوْ وَقْتًا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَحَيُّرِهَا فِي أَمْرِهَا وَتُسَمَّى مُحَيِّرَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا حَيَّرَتْ الْفَقِيهَ فِي أَمْرِهَا (فَإِنْ) هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ (نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا) وَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ (فَكَحَائِضٍ) فِي أَحْكَامِهَا السَّابِقَةِ كَتَمَتُّعٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ حُيِّضَتْ أَقَلَّ النُّوَبِ وَاحْتَاطَتْ فِي الزَّائِدِ، وَإِنْ لَمْ تَنْسَهَا رُدَّتْ إلَيْهَا وَاحْتَاطَتْ فِي الزَّائِدِ إنْ كَانَ بِأَنْ كَانَتْ النَّوْبَةُ الْأَخِيرَةُ فِي مِثَالِهَا ثَلَاثَةً. الرَّابِعَةُ أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ الدَّوْرُ، فَإِنْ نَسِيَتْ النَّوْبَةَ الْأَخِيرَةَ حُيِّضَتْ أَقَلَّ النُّوَبِ وَاحْتَاطَتْ فِي الزَّائِدِ، وَإِنْ ذَكَرَتْهَا حُيِّضَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَلَا احْتِيَاطَ خِلَافًا لِلشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْأَخِيرَةَ تَنْسَخُ مَا قَبْلَهَا كَمَا ذَكَرَهُ سم وَالشَّيْخُ سُلْطَانٌ وَغَيْرُهُمَا فَتَأَمَّلْ اهـ شَيْخُنَا الْأَشْبُولِيُّ عَنْ شَيْخِنَا الْحِفْنِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَيُحْكَمُ لِمُعْتَادَةٍ مُمَيِّزَةٍ إلَخْ) هَذَا قِسْمٌ ثَانٍ مِنْ أَقْسَامِ الْمُعْتَادَةِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ لِتَكُونَ أَقْسَامُ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ مُتَّصِلَةً اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَيْضًا وَيُحْكَمُ لِمُعْتَادَةٍ مُمَيِّزَةٍ) قَدْ سَلَفَ لَك شُرُوطُ التَّمْيِيزِ فَاعْتَبِرْهَا هُنَا فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ كُلِّ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَادَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّمْيِيزَ حَيْثُمَا وُجِدَ بِشُرُوطِهِ السَّابِقَةِ عَمِلَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً ذَاكِرَةً أَوْ مُتَحَيِّرَةً وَافَقَ الْعَادَةَ أَوْ خَالَفَهَا تَقَدَّمَ الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ أَوْ تَأَخَّرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ عَمِيرَةُ اهـ سم، وَأَمَّا إذَا فَقَدَتْ الْمُعْتَادَةُ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ السَّابِقَةِ فَسَيَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِهَا ذَاكِرَةً لِلْقَدْرِ وَالْوَقْتِ أَوْ نَاسِيَةً لَهُمَا إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: لِظُهُورِهِ) أَيْ لِظُهُورِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا إلَخْ) جَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ أَيْ فَتَعْمَلُ بِهِمَا كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ فَقَدْرُ الْعَادَةِ إلَخْ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ كَأَنْ رَأَتْ بَعْدَ خَمْسَتِهَا إلَخْ) عِبَارَةُ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ كَأَنْ رَأَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ الْأَحْمَرِ حَيْضٌ وَخَمْسَةُ الْأَسْوَدِ حَيْضٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ: عِشْرِينَ ضَعِيفٌ لَعَلَّهُ كَانَ هَذَا الضَّعِيفُ مِنْ جِنْسِ خَمْسَتِهَا إذْ لَوْ كَانَتْ خَمْسَتُهَا أَقْوَى فَهَذَا، أَعْنِي جَعْلَ خَمْسَتِهَا حَيْضًا، مِنْ بَابِ الْأَخْذِ بِالتَّمْيِيزِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَادَةِ تَأَمَّلْ ثُمَّ سَأَلْت م ر فَوَافَقَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ شَيْخِنَا اهـ سم اهـ ع ش (قَوْلُهُ: ثَمَّ ضَعِيفًا) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ شَرْطًا فِي الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ لَمْ تَرَ بَعْدَ الْخَمْسَةِ الْقَوِيَّةِ شَيْئًا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ اهـ سم، وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْقَوِيِّ قَوِيًّا كَانَتْ عَامِلَةً بِالتَّمْيِيزِ فَقَطْ لَا بِهِ وَبِالْعَادَةِ وَقَوْلُهُ وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ آخَرُ أَيْ لِلتَّمَيُّزِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا طُهْرًا كَامِلًا اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ) أَيْ مَنْ جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَهُ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: قَدْرًا أَوْ وَقْتًا) أَوْ مَانِعَةً خُلُوَّ تَجَوُّزِ الْجَمْعِ فَتَدْخُلُ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ فِي التَّعْرِيفِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ لِتَحَيُّرِهَا فِي أَمْرِهَا) أَيْ فَهِيَ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ وَالْأَصْلُ مُتَحَيِّرٌ فِي أَمْرِهَا وَيُقَالُ مُحَيَّرَةٌ بِفَتْحِ الْيَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ حَيَّرَهَا فِي أَمْرِهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا حَيَّرَتْ الْفَقِيهَ) أَيْ قَبْلَ تَدْوِينِ الْكُتُبِ الَّتِي فِي شَأْنِهَا، وَأَمَّا بَعْدَ التَّدْوِينِ فَلَا تَحَيُّرَ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْحُكْمِ مِنْهَا سَهْلٌ اهـ شَيْخُنَا، وَإِنَّمَا حَيَّرَتْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا حَائِضًا دَائِمًا لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِ وَلَا طَاهِرًا دَائِمًا لِقِيَامِ الدَّمِ وَلَا التَّبْعِيضَ؛ لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ فَاحْتَاطَتْ لِلضَّرُورَةِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَنَّفَ الدَّارِمِيُّ فِيهَا مُجَلَّدًا ضَخْمًا) لَخَّصَ النَّوَوِيُّ مَقَاصِدَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِلْقَدْرِ وَالْوَقْتِ أَوْ لِلْقَدْرِ دُونَ الْوَقْتِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَسَتَأْتِي الثَّلَاثَةُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ) وَجْهَ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ تُوهِمُ الْحَصْرَ فِيمَنْ نَسِيَتْ الْقَدْرَ وَالْوَقْتَ وَلَيْسَ مُرَادًا وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَصْرَ قِسْمَانِ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ وَمَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ مِنْ الثَّانِي فَهُوَ حَصْرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَحَيِّرَةِ الْمُطَلَّقَةِ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا) هَذِهِ تُسَمَّى مُتَحَيِّرَةً تَحَيُّرًا مُطْلَقًا، وَأَمَّا الذَّاكِرَةُ لِأَحَدِهِمَا فَتُسَمَّى مُتَحَيِّرَةً تَحَيُّرًا نِسْبِيًّا إلَّا أَنَّ الذَّاكِرَةَ لِلْقَدْرِ إنْ لَمْ تَعْلَمْ مَحَلَّهُ مِنْ الشَّهْرِ، فَإِنَّهَا تُسَمَّى مُتَحَيِّرَةً تَحَيُّرًا مُطْلَقًا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: كَتَمَتُّعٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا وَطْؤُهَا وَلَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُهُمَا فَالْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ الزَّوْجِ لَا الزَّوْجَةِ وَفِي حَجّ مَا يُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ وَفِيمَا لَوْ مَكَّنَتْهُ عَمَلًا بِعَقِيدَةِ الزَّوْجِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا التَّقْلِيدُ لِمَنْ قَلَّدَهُ زَوْجُهَا أَوْ لَا قَالَ فِي الْإِيعَابِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ وُجُوبُ التَّقْلِيدِ أَقُولُ، وَقَدْ يُقَالُ فِي وُجُوبِ التَّقْلِيدِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا حَيْثُ قُلْنَا الْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ الزَّوْجِ صَارَتْ مُكْرَهَةً عَلَى التَّمْكِينِ شَرْعًا وَالْمُكْرَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْرِيَةُ، وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَلَا فِعْلٍ فَكَذَلِكَ يُقَالُ هُنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّقْلِيدُ؛ لِأَنَّ
(1/252)
وَقِرَاءَةٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ كُلِّ زَمَنٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا الْحَيْضُ (لَا فِي طَلَاقٍ وَعِبَادَةٍ تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ) كَصَلَاةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
فِعْلَهَا كَلَا فِعْلٍ لَا يُقَالُ يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالُوهُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَعَدَمِهِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ يَدِينُ وَعَلَيْهَا الْهَرَبُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهَا ثَمَّةَ لَمْ تُوَافِقْهُ عَلَى مُدَّعَاهُ وَإِلَّا فَلَا تَدْيِينَ وَلِأَنَّ مُعْتَقَدَهُ ثَمَّ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَلَزِمَهَا الْهَرَبُ مِنْهُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا هُنَا، فَإِنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ فَلَزِمَهَا تَمْكِينُهُ رِعَايَةً لِاعْتِقَادِهِ ثُمَّ رَأَيْته فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ نَقْلًا عَنْ الْعُبَابِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا كَتَمَتُّعٍ) أَيْ فَيَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا مَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مِنْ جَوَازِهِ مَعَ الْحَيْضِ الْمُحَقَّقِ وَكَذَا مُبَاشَرَةُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا وَيَسْتَمِرُّ لَهَا وُجُوبُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَسَائِرِ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ كَالْقَسْمِ وَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا مُتَوَقَّعٌ بِالشِّفَاءِ وَتَعْتَدُّ إذَا طَلُقَتْ مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ مِنْ أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ لَا يَخْلُو عَنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ مِنْ انْتِظَارِ سِنِّ الْيَأْسِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا لَا يُطَاقُ هَذَا إذَا طَلَّقَهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي أَثْنَائِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرُ لَغَا مَا بَقِيَ وَاعْتَدَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْهُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرُ فَبِشَهْرَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ تَعْلَمْ قَدْرَ دَوْرِهَا، فَإِنْ عَلِمَتْهُ فَبِثَلَاثَةِ أَدْوَارٍ، فَإِنْ شَكَّتْ فِيهِ أَخَذَتْ بِالْأَكْثَرِ، فَإِنْ قَالَتْ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى سِتَّةٍ فَدَوْرُهَا سِتَّةٌ، وَأَمَّا الْحَامِلُ فَتَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ) أَيْ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَحَمْلِهِ وَمُكْثٍ بِمَسْجِدٍ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ أَوْ لَا لِغَرَضٍ، فَإِنْ كَانَ لِلصَّلَاةِ فَكَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِيهَا أَوْ لِاعْتِكَافٍ أَوْ طَوَافٍ فَكَالصَّلَاةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا قَالَهُ فِي الْمُهِّمَّاتِ قَالَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ.
هَذَا وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ وَالِدُ شَيْخِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا لِصِحَّتِهَا خَارِجَهُ بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ أَيْ كَالِاعْتِكَافِ، فَإِنَّهُ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ فَجَائِزَةٌ مُطْلَقًا أَيْ فَاتِحَةً أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ حَدَثَهَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ مِنْ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ حَيْثُ لَا يَقْرَأُ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ لِتَحَقُّقِ حَدَثِهِ اهـ ح ل وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا كَحَائِضٍ فِي خَمْسَةِ أَحْكَامٍ وَكَطَاهِرٍ فِي خَمْسَةٍ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ إذْ الْمُحَرَّمُ بِالْحَيْضِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ فَهِيَ كَطَاهِرٍ فِي الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَالصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ وَالْغُسْلِ وَكَحَائِضٍ فِي خَمْسَةٍ فِي مُبَاشَرَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَعُبُورِهِ بِشَرْطِهِ (قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ) أَيْ وَإِنْ خَافَتْ نِسْيَانَ الْقُرْآنِ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ إجْرَائِهِ عَلَى قَلْبِهَا فَلَوْ لَمْ يَكْفِ فِي دَفْعِ النِّسْيَانِ إجْرَاؤُهُ عَلَى قَلْبِهَا وَلَمْ تَتَّفِقْ لَهَا قِرَاءَتُهُ فِي الصَّلَاةِ لِمَانِعٍ قَامَ بِهَا كَاشْتِغَالِهَا بِصِنَاعَةٍ تَمْنَعُهَا مِنْ تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ وَالنَّافِلَةِ جَازَ لَهَا الْقِرَاءَةُ وَيَجُوزُ لَهَا الْقِرَاءَةُ لِلتَّعَلُّمِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَ الْقُرْآنِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَيَنْبَغِي جَوَازُ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ إنْ تَوَقَّفَتْ قِرَاءَتُهَا عَلَيْهِمَا ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْقِرَاءَةِ خَوْفَ النِّسْيَانِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَقْصِدَ بِتِلَاوَتِهَا الذِّكْرَ أَوْ تُطْلِقَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ دَفْعِ النِّسْيَانِ مَعَ ذَلِكَ قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ لَهَا قَصْدُ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ وَالْعُذْرَ قَائِمٌ بِهَا فَلَا تُمْنَعُ مِنْ قَصْدِ الْقِرَاءَةِ الْمُحَصِّلِ لِلثَّوَابِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهَا مَشْرُوعَةً سُنَّ لِلسَّامِعِ لَهَا سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَإِلَّا فَلَا اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: كَصَلَاةٍ) أَيْ وَلَوْ مَنْذُورَةً وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ وَتَكْفِي مِنْهَا وَيَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ وَلَوْ بِحَضْرَةِ غَيْرِهَا مِنْ مُتَطَهِّرٍ كَامِلٍ خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ الْخَطِيبِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وع ش عَلَى م ر.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ، وَإِنْ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَاعْتَمَدَهُ ز ي وَالرَّمْلِيُّ كَوَالِدِهِ وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الشَّيْخَانِ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا وَفِي كَيْفِيَّتِهِ طُرُقٌ تُطْلَبُ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
وَعِبَارَةُ الْإِسْعَادِ لِابْنِ أَبِي شَرِيفٍ مَعَ مَتْنِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ الْمُقْرِي نَصُّهَا (فَتُصَلِّي كُلَّ فَرْضٍ أَوَّلَ وَقْتِهِ) لَا لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا التَّعْجِيلُ بَلْ لِتَكْفِيَهَا الْكَيْفِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقَضَاءِ بَعْدُ فَلَوْ أَخَّرَتْ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ حَتَّى مَضَى مَا يَسَعُ الْغُسْلَ وَتِلْكَ الصَّلَاةَ لَزِمَتْهَا الزِّيَادَةُ عَلَى تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) إذَا صَلَّتْ الْفَرْضَ أَوَّلَ وَقْتِهِ بِغُسْلٍ لَمْ يَكْفِهَا ذَلِكَ فِي إسْقَاطِهِ بَلْ (تُعِيدُهُ) أَيْ تَقْضِيهِ وُجُوبًا بِالِاحْتِمَالِ أَنَّهَا صَلَّتْ حَائِضًا ثُمَّ انْقَطَعَ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ فِي خِلَالِهَا، فَإِنَّهُ إذَا انْقَطَعَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةً وَجَبَتْ ذَاتُ الْوَقْتِ مَعَ مَا قَبْلَهَا مِنْ صَلَاةٍ
(1/253)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
تُجْمَعُ مَعَهَا وَلِهَذَا تُؤْمَرُ بِتَأْخِيرِ الْإِعَادَةِ عَنْ وَقْتِ مَا بَعْدَهَا مِمَّا يُجْمَعُ مَعَهَا فَلَا تَقْضِي الظُّهْرَ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَلَا الْمَغْرِبَ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهَا إذَا قَضَتْ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ احْتَمَلَ الِانْقِطَاعُ قَبْلَ آخِرِ وَقْتِ الْأَخِيرَةِ بِتَكْبِيرَةٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَيَكْفِي أَنْ تُعِيدَهُ (بِوُضُوءٍ) إنْ أَعَادَتْهُ (بَعْدَ) أَدَاءِ (فَرْضٍ لَا يُجْمَعُ مَعَهُ) وَلَا حَاجَةَ بِهَا حِينَئِذٍ إلَى الْغُسْلِ لَهُ؛ لِأَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِفَرْضِ الْوَقْتِ فَيَكْفِيهَا ذَلِكَ، فَإِذَا قَضَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَأَخَّرَتْهُمَا عَنْ أَدَاءِ الْمَغْرِبِ اغْتَسَلَتْ لِلْمَغْرِبِ وَكَفَاهَا ذَلِكَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ فَلَا يَعُودُ إلَى تَمَامِ مُدَّةِ الطُّهْرِ.
وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ظُهْرٌ وَلَا عَصْرٌ لَكِنْ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَلَوْ قَدَّمَتْهُمَا عَلَى أَدَاءِ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ أَنْ تَغْتَسِلَ لِلظُّهْرِ وَتَتَوَضَّأَ لِلْعَصْرِ وَتَغْتَسِلَ ثَانِيًا لِلْمَغْرِبِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي خِلَالِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَوْ عَقِبَهُمَا وَعَنْ هَذَا احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ فَرْضٍ، وَإِنَّمَا كَفَى غُسْلٌ وَاحِدٌ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ الْحَيْضُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَقَدْ اغْتَسَلَتْ بَعْدَهُ، وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهَا ظُهْرٌ وَلَا عَصْرٌ وَهَذَا الْحُكْمُ فِي إعَادَةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَأَمَّا الصُّبْحُ، فَإِذَا قَضَتْهَا خَارِجَ وَقْتِهَا قَبْلَ وَقْتِ الظُّهْرِ الَّتِي تَلِيهَا أَوْ فِيهِ قَبْلَ أَدَاءِ الظُّهْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ لِقَضَائِهَا، وَإِذَا قَضَتْهَا بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ كَفَاهَا الْوُضُوءُ لَهَا مَعَ الْغُسْلِ لِلظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا إنْ أَدَّتْهَا طَاهِرًا أَجْزَأَتْهَا أَوْ حَائِضًا وَانْقَطَعَ فِي الْوَقْتِ أَجْزَأَتْهَا الْإِعَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ فِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا فَفِي صُورَةِ تَقْدِيمِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ عَلَى أَدَاءِ مَا بَعْدَهُمَا تَكُونُ مُصَلِّيَةً لِلْوَظَائِفِ الْخَمْسِ مَرَّتَيْنِ بِثَمَانِيَةِ أَغْسَالٍ وَوُضُوءَيْنِ وَفِي صُورَةِ تَأْخِيرِهِمَا عَنْ أَدَاءِ مَا بَعْدَهُمَا بِسِتَّةِ أَغْسَالٍ وَالْوُضُوءِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى لِكَوْنِ الْعَمَلِ مَعَهُ أَقَلَّ وَلِكَوْنِهِ مُخْرِجًا مِنْ عُهْدَةِ الْوَظَائِفِ الْخَمْسِ بِخِلَافِ التَّقْدِيمِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهِمَا فَتَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَدَاهُمَا أَمَّا هُمَا إذَا أُخِّرَتَا حَتَّى مَضَى مِنْ وَقْتِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَسَعُهُ وَالْغُسْلَ فَلَا يَكْفِي فِعْلُهُمَا مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ الْوَقْتِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ يَطْرَأَ الْحَيْضُ فَتَلْزَمَهَا الصَّلَاةُ مَعَ وُقُوعِ الْمَرَّتَيْنِ فِي الْحَيْضِ ثُمَّ إنَّ مَا ذُكِرَ فِي صُورَتَيْ تَقْدِيمِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ وَتَأْخِيرِهِمَا مَحَلُّهُ إذَا قَدَّمَتْ الصُّبْحَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ أَخَّرَتْ اُكْتُفِيَ فِي الْأُولَى بِسَبْعَةِ أَغْسَالٍ وَثَلَاثِ وُضُوآتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ بِخَمْسَةِ أَغْسَالٍ وَخَمْسِ وُضُوآتٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ بِالْإِعَادَةِ بَلْ تَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إذَا أَتَتْ بِهَا (قَبْلَ) انْقِضَاءِ (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْفَرْضِ الْمُعَادِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ انْقَطَعَ فِيهِ بَقِيَ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا ثُمَّ إنَّ الْإِعَادَةَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ مَنْ أَدَّتْ الْفَرَائِضَ أَوَائِلَ أَوْقَاتِهَا مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ أَنْ تُعِيدَ كَمَا ذَكَرَ، وَإِنْ تُمْهَلَ حَتَّى يَمْضِيَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَقْضِيَ الْخَمْسَ وَهَكَذَا (تَقْضِي الْخَمْسَ لِكُلِّ سِتَّةَ عَشَرَ) يَوْمًا قَالَ فِي التَّعْلِيقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْضِي مَا وَقَعَ فِي الْحَيْضِ وَلَا مَا وَقَعَ فِي الطُّهْرِ وَلَا مَا سَبَقَ لِانْقِطَاعِ غُسْلِهِ، وَإِنَّمَا تَقْضِي الصَّلَاةَ الَّتِي تَأَخَّرَ الِانْقِطَاعُ عَنْ غُسْلِهَا وَلَا يُحْتَمَلُ الِانْقِطَاعُ فِي سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَيُحْتَمَلُ تَأَخُّرُ الِانْقِطَاعِ عَنْ الْغُسْلِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَأَنْ يَجِبَ بِذَلِكَ الِانْقِطَاعِ قَضَاءُ صَلَاتَيْ جَمْعٍ، فَإِذَا أَشْكَلَ الْحَالُ وَجَبَ لِقَضَائِهِمَا الْخَمْسُ وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهَا تَقْضِي لِكُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الْخَمْسَ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ فِي الْمُهِّمَّاتِ وَصَوَّبَ مَا فِي الْحَاوِي وَلِذَا تَبِعَهُ فِيهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ غَلِطَ صَاحِبُ الْحَاوِي الزَّيْنُ الْكَتَّانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ كُلِّ سِتَّةَ عَشَرَ تَقْتَضِي أَنْ يَلْزَمَهَا عَشْرُ صَلَوَاتٍ إذْ يُحْتَمَلُ طُرُوُّ الْحَيْضِ أَثْنَاءَ صَلَاةٍ فِي أَوَّلِ السِّتَّةَ عَشَرَ وَانْقِطَاعُهُ فِي مِثْلِهَا مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ فَتَفْسُدُ عَلَيْهَا صَلَاتَانِ مُتَّفِقَتَانِ فَتَقْضِيهِمَا بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ وَأَيَّدَهُ صَاحِبُ الْخَادِمِ وَتَغْلِيطُهُمْ صَاحِبَ الْحَاوِي بِذَلِكَ غَلَطٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّصْوِيرِ بِمَا إذَا صَلَّتْ الْفَرَائِضَ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَلَا يَتَأَتَّى وُجُوبُ الصَّلَاةِ الَّتِي طَرَأَ الْحَيْضُ فِي أَثْنَائِهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ طَهَارَتُهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا مَعَ الطَّهَارَةِ كَمَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ إيجَابُ الْعَشْرِ إذَا صَلَّتْ مَتَى اتَّفَقَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (فَإِنْ) لَمْ تُؤَدِّ الْفَرَائِضَ أَوَائِلَ أَوْقَاتِهَا بَلْ (صَلَّتْ مَتَى اتَّفَقَ) مِنْ الْوَقْتِ (فَالْعَشْرُ) أَيْ فَتَقْضِي الْعَشْرَ لِكُلِّ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَطْرَأَ الْحَيْضُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةٍ فَتَبْطُلُ، وَقَدْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا فِيهِ فَتَلْزَمُهَا وَيَنْقَطِعُ
(1/254)
وَطَوَافٍ وَصَوْمٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الطُّهْرِ، وَذِكْرُ حُكْمِ الطَّلَاقِ مِنْ زِيَادَتِي (وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
فِي أُخْرَى كَذَلِكَ فَتَجِبُ أَيْضًا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَا مُتَّفِقَتَيْنِ كَظُهْرَيْنِ أَوْ عَصْرَيْنِ وَمَنْ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ.
وَهَا هُنَا أَمْرٌ أَنَّ الْأَوَّلَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ إنَاطَةُ قَضَاءِ الْخَمْسِ وَالْعَشْرِ بِكُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمَا فِي الْكِتَابِ كَأَصْلِهِ مِنْ الْإِنَاطَةِ بِكُلِّ سِتَّةَ عَشَرَ هُوَ مَا صَوَّبَهُ فِي الْمُهِّمَّاتِ وَتَعْلِيلُهُ السَّابِقُ الْمَأْخُوذُ مِنْ التَّعْلِيقَةِ ظَاهِرٌ الثَّانِي أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْكِتَابُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ مِنْ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ هُوَ مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَنُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ تَرْجِيحُهُ عَنْ الْإِمَامِ وَجُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَكِنْ فِي الْمُهِّمَّاتِ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ اسْتَنَدَا فِي تَرْجِيحِ الْوُجُوبِ إلَى أَنَّهُ لَا نَصَّ لِلشَّافِعِيِّ يَدْفَعُهُ، وَقَدْ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ نَصَّهُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءَ الصَّلَاةِ وَنَقَلَ فِيهِ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَنْ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ قَالَ وَنَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا انْتَهَتْ بِالْحَرْفِ (قَوْلُهُ وَطَوَافٍ) وَمِثْلُهُ الِاعْتِكَافُ وَمَحَلُّ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لَهُمَا إذَا أَمِنَتْ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا جَازَ الدُّخُولُ لَهُمَا مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِمَا خَارِجَهُ بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا الدُّخُولُ لِفِعْلِهَا إلَّا إذَا دَخَلَتْ لِفَرْضٍ غَيْرَهَا كَالِاعْتِكَافِ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ أَرَادَتْ فِعْلَ الْجُمُعَةِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا الِاقْتِدَاءُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ لَهَا دُخُولُهُ لِفِعْلِهَا وَلَا يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْمَسْجِدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَدْخُلُ لِفِعْلِهَا فَرْضًا بِدَلِيلِ دُخُولِهَا لِلطَّوَافِ وَالِاعْتِكَافِ الْمَنْدُوبَيْنِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَقَالَ الزِّيَادِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ اللَّبْثِ إذَا تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ تِلْكَ الْعِبَادَةِ عَلَى الْمَسْجِدِ كَطَوَافٍ وَاعْتِكَافٍ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ جَوَازِ دُخُولِهَا لِلصَّلَاةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا رَدَّهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَفْهُومِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا دُخُولُهُ لِذَلِكَ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ خَارِجَهُ بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ ضَرُورَتِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: لِكُلِّ فَرْضٍ) وَلَوْ نَذْرًا وَلَوْ كِفَايَةً دُونَ النَّفْلِ، وَإِذَا اغْتَسَلَتْ، فَإِنْ كَانَ بِانْغِمَاسٍ فَوَاضِحٌ وَالْأَوْجَبُ عَلَيْهَا أَنْ تُرَتِّبَ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبُهَا وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَنْوِيَ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ جَهْلَهَا بِالْحَالِ يُصَيِّرُهَا كَالْغَالِطِ وَهُوَ يُجْزِئُهُ الْوُضُوءُ بِنِيَّةٍ نَحْوُ الْحَيْضِ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَعُمُومُهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْغَالِطُ رَجُلًا وَهُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ وَالِدِهِ فِي بَابِ الْغُسْلِ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا نَوَى غَالِطًا الْحَيْضَ، وَقَدْ أَجْنَبَ أَجْزَأَهُ اهـ ح ل وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر.
(فَرْعٌ) لَوْ كَانَ عَلَيْهَا حَدَثٌ أَصْغَرُ فَهَلْ يَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْغُسْلُ أَمْ لَا نَظَرًا لِلِاحْتِيَاطِ، فِي التَّعْلِيقَةِ عَلَى الْحَاوِي عَدَمُ الِانْدِرَاجِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ سم وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ مَا نَصُّهُ (تَنْبِيهٌ) اكْتِفَاؤُهُمْ بِالْغُسْلِ صَرِيحٌ فِي انْدِرَاجِ وُضُوئِهَا فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غُسْلُهَا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فِي الْوَاقِعِ فَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِيهِ قَطْعًا وَإِلَّا فَهُوَ وُضُوءٌ بِصُورَةِ الْغُسْلِ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ انْدِرَاجِهِ فِي غُسْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لِلِاحْتِيَاطِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَيَرُدُّهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ إنَّهَا لَوْ نَوَتْ فِيهِ الْأَكْبَرَ كَفَاهَا؛ لِأَنَّ جَهْلَ حَدَثِهَا جَعَلَهَا كَالْغَالِطَةِ.
(فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ الطَّبَلَاوِيُّ لَوْ لَمْ تُحْدِثْ بَيْنَ الْغُسْلَيْنِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ غَيْرِ حَدَثِهَا الدَّائِمِ لَا تَسْتَقِيمُ وَحَيْثُ وَجَبَ الْغُسْلُ بِحَدَثِهَا الدَّائِمِ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ لَيْسَ حَيْضًا فَأَوْلَى أَنْ يَجِبَ الْوُضُوءُ لِتَحَقُّقِ كَوْنِهِ خَارِجًا وَلَوْ غَيْرَ حَيْضٍ، وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ وُجُودُهُ فِي الْمُعْتَادَةِ لِلضَّرُورَةِ وَحَيْثُ بَطَلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْغُسْلِ فَأَوْلَى أَنْ يَبْطُلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُضُوءِ اهـ (قَوْلُهُ: أَيْضًا لِكُلِّ فَرْضٍ) خَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ لَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ لَهُ أَيْ وَيَكْفِيهَا لَهُ الْوُضُوءُ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ فَعَلَتْهُ اسْتِقْلَالًا كَالضُّحَى، وَقَضِيَّةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّ مَحَلَّ الِاكْتِفَاءِ بِالْوُضُوءِ حَيْثُ فَعَلَ بَعْدَ غُسْلِ الْفَرْضِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ عَلَى الْفَرْضِ أَوْ تَأَخَّرَ أَمَّا لَوْ فَعَلَ اسْتِقْلَالًا سَوَاءٌ كَانَ فِي وَقْتِ فَرْضٍ أَمْ لَا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْغُسْلِ وَعِبَارَتُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْقَاضِي كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا عَلَيْهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرْضٍ فَلَهَا صَلَاةُ النَّفْلِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ لَمْ يَجُزْ النَّفَلُ إلَّا بِالْغُسْلِ أَيْضًا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَسْتَبِيحَ النَّفَلَ
(1/255)
فِي وَقْتِهِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ حِينَئِذٍ بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (إنْ جَهِلَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِ) الدَّمِ فَإِنْ عَلِمَتْهُ كَعِنْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا عِنْدَ الْغُرُوبِ وَتُصَلِّي بِهِ الْمَغْرِبَ وَتَتَوَضَّأُ لِبَاقِي الْفَرَائِضِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ عِنْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَا عَدَاهُ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِذَا اغْتَسَلَتْ لَا يَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ لِلصَّلَاةِ لَكِنْ لَوْ أَخَّرَتْ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ حَيْثُ يَلْزَمُ الْمُسْتَحَاضَةَ الْمُؤَخَّرَةُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَى ذَاتِ التَّقَطُّعِ فِي النَّقَاءِ إذَا اغْتَسَلَتْ فِيهِ (وَتَصُومُ رَمَضَانَ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا جَمِيعَهُ (ثُمَّ شَهْرًا كَامِلًا) بِأَنْ تَأْتِيَ بَعْدَ رَمَضَانَ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا بِثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً فَقَوْلِي كَامِلًا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ كَامِلَيْنِ (فَيَبْقَى) عَلَيْهَا (يَوْمَانِ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (إنْ لَمْ تَعْتَدْ الِانْقِطَاعَ لَيْلًا) بِأَنْ اعْتَادَتْهُ نَهَارًا أَوْ شَكَّتْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَحِيضَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَيَطْرَأَ الدَّمُ فِي يَوْمٍ وَيَنْقَطِعَ فِي آخَرَ فَيَفْسُدُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ كُلٍّ مِنْ الشَّهْرَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَادَتْ الِانْقِطَاعَ لَيْلًا فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهَا شَيْءٌ وَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ (فَتَصُومُ لَهُمَا مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) يَوْمًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بَعْدَ الْفَرْضِ وَأَقُولُ وَقَبْلَهُ أَيْضًا اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فِي وَقْتِهِ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَاحْتِمَالُهُ قَائِمٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَلِمَ قَيَّدَ الْغُسْلَ بِالْوَقْتِ اهـ سم وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ احْتِمَالَ الِانْقِطَاعِ قَائِمٌ فِي كُلِّ زَمَنٍ وَبِفَرْضِ وُجُودِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ يُحْتَمَلُ الِانْقِطَاعُ بَعْدَهُ فَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ، وَأَمَّا احْتِمَالُ الِانْقِطَاعِ بَعْدَ الْغُسْلِ إذَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ فَلَا حِيلَةَ فِي دَفْعِهِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَلِمَتْهُ) أَيْ قَبْلَ التَّحَيُّرِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَقَوْلُهُ كَعِنْدِ الْغُرُوبِ فِيهِ جَرُّ عِنْدَ بِالْكَافِ وَهِيَ لَا تُجَرُّ إلَّا بِمِنْ وَسَهَّلَ ذَلِكَ كَوْنُهَا بِمَعْنَى وَقْتٍ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ جَوَّزَ جَرَّهَا بِالْكَافِ عَلَى لُغَةٍ اهـ شَيْخُنَا.
1 -
(قَوْلُهُ: وَتُصَلِّي بِهِ الْمَغْرِبَ) أَيْ ثُمَّ إنْ بَادَرَتْ لِفِعْلِهَا فَذَاكَ، وَإِنْ أَخَّرَتْ لَا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَجَبَ الْوُضُوءُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ عِنْدَ الْغُرُوبِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا عَلِمَتْ الِانْقِطَاعَ عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلِمَ عَبَّرَ بِالِاحْتِمَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِهِ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ عَادَتِهَا لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالظَّنِّ لَا بِالِاحْتِمَالِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَإِذَا اغْتَسَلَتْ) أَيْ الْمُتَحَيِّرَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَلِمَتْ وَقْتَ الِانْقِطَاعِ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ إلَخْ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ يَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ لَهُ عَقِبَ الْوُضُوءِ لِمَا فِي الْمُبَادَرَةِ مِنْ تَقْلِيلِ الْحَدَثِ وَالْغُسْلُ إنَّمَا وَجَبَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَلَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُهُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، وَأَمَّا احْتِمَالُ وُقُوعِ الْغُسْلِ فِي الْحَيْضِ وَالِانْقِطَاعِ بَعْدَهُ فَلَا حِيلَةَ فِي دَفْعِهِ بَادَرَتْ أَمْ لَا اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَلْزَمُ الْمُسْتَحَاضَةَ الْمُؤَخَّرَةُ) أَيْ الَّتِي أَخَّرَهَا لَا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ مَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَالْمُرَادُ الْمُسْتَحَاضَةُ غَيْرُ الْمُتَحَيِّرَةِ لِيَصِحَّ قِيَاسُ هَذِهِ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَهِيَ قِسْمٌ مِنْ مُطْلَقِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَيَلْزَمُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ إلَخْ) غَرَضُهُ بِهَذَا تَقْيِيدٌ آخَرُ لِقَوْلِ الْمَتْنِ لِكُلِّ فَرْضٍ بَعْدَ أَنْ قَيَّدَهُ هُوَ بِقَوْلِهِ إنْ جَهِلَتْ وَقْتَ انْقِطَاعٍ أَيْ فَإِذَا كَانَتْ ذَاتٌ تَقْطَعُ لَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا فِي أَوْقَاتِ النُّزُولِ، فَإِذَا كَانَ النَّقَاءُ يَسَعُ صَلَاتَيْنِ مَثَلًا وَاغْتَسَلَتْ لِلْأُولَى لَا يَجِبُ أَنْ تَغْتَسِلَ ثَانِيًا لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا اهـ ح ل وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَى ذَاتِ التَّقَطُّعِ أَيْ لَا وَاجِبٌ وَلَا مَنْدُوبٌ بَلْ لَوْ قِيلَ بِحُرْمَتِهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ تَعَاطٍ لِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَتَصُومُ رَمَضَانَ إلَخْ) أَيْ وُجُوبًا وَكَذَا كُلُّ صَوْمِ فَرْضٍ وَلَوْ نَذْرًا مُوَسَّعًا وَلَهَا صَوْمُ النَّفْلِ بِالْأَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ وَلَا يَلْزَمُهَا الْفِدَاءُ إنْ أَفْطَرَتْ لِرَضَاعٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا حَائِضًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(فَائِدَةٌ)
يُقْرَأُ رَمَضَانُ فِي الْمَتْنِ بِمَنْعِ الصَّرْفِ كَمَا هُوَ الْمَحْفُوظُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّرْفِ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ رَمَضَانُ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا وَهُنَا لَمْ يُرِدْ بِهِ ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ رَمَضَانُ مِنْ أَيِّ سَنَةٍ كَانَتْ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَانِعُ لِرَمَضَانَ مِنْ الصَّرْفِ الْعَلَمِيَّةُ وَالزِّيَادَةُ وَالْعَلَمِيَّةُ بَاقِيَةٌ، وَإِنْ أُرِيدَ مِنْ أَيِّ سَنَةٍ فَهُوَ مَعْرِفَةٌ دَائِمًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ مِنْ جَمِيعِ السِّنِينَ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ كَامِلَيْنِ) فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا قَيَّدَ بِكَمَالِهِمَا لِأَجْلِ قَوْلِهِ يَحْصُلُ لَهَا مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ النَّاقِصَ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَقَطْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر فَالْكَمَالُ فِي رَمَضَانَ قَيْدٌ لِغَرَضِ حُصُولِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ لَا لِبَقَاءِ الْيَوْمَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَمَا لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهَا شَيْءٌ إذَا عَلِمَتْ أَنَّ الِانْقِطَاعَ كَانَ لَيْلًا لِوُضُوحِهِ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا حَصَلَ لَهَا مِنْهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَالْمَقْضِيُّ مِنْهُ بِكُلِّ حَالٍ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَيَبْقَى عَلَيْهَا يَوْمَانِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَعْتَدْ الِانْقِطَاعَ لَيْلًا) أَيْ قَبْلَ التَّحَيُّرِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) هِيَ تُكْتَبُ بِالْأَلِفِ إنْ كَانَ فِيهَا تَاءُ التَّأْنِيثِ كَمَا هُنَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا بِأَنْ كَانَ الْمَعْدُودُ مُؤَنَّثًا فَانْظُرْ إنْ أَتَيْت بِالْيَاءِ فَقُلْت: ثَمَنِي عَشَرَةَ فَبِغَيْرِ أَلِفٍ وَإِلَّا فَبِالْأَلِفِ نَحْوُ ثَمَانِ عَشَرَةَ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي آدَابِ الْكَاتِبِ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَيُنَافِيهِ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ إذَا أُضِيفَتْ الثَّمَانِيَةُ إلَى مُؤَنَّثٍ ثَبَتَتْ الْيَاءُ ثُبُوتَهَا فِي الْقَاضِي وَأُعْرِبَ إعْرَابَ الْمَنْقُوصِ تَقُولُ جَاءَ ثَمَانِي نِسْوَةٍ وَثَمَانِي مِائَةٍ وَرَأَيْت ثَمَانِيَ نِسْوَةٍ تَظْهَرُ الْفَتْحَةُ عَلَى الْيَاءِ، وَإِذَا لَمْ تُضَفْ قُلْتَ عِنْدِي مِنْ النِّسَاءِ ثَمَانٍ وَمَرَرْت مِنْهُنَّ بِثَمَانٍ وَرَأَيْت ثَمَانِيَ، وَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْمُرَكَّبِ تَخَيَّرْتَ بَيْنَ سُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ يُقَالُ عِنْدِي مِنْ النِّسَاءِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ امْرَأَةً وَتُحْذَفُ الْيَاءُ فِي لُغَةٍ بِشَرْطِ فَتْحِ النُّونِ، فَإِنْ كَانَ الْمَعْدُودُ مُذَكَّرًا قُلْتَ
(1/256)
(ثَلَاثَةً أَوَّلَهَا وَثَلَاثَةً آخِرَهَا) فَيَحْصُلَانِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ طَرَأَ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا فَغَايَتُهُ أَنْ يَنْقَطِعَ فِي السَّادِسَ عَشَرَ فَيَصِحُّ لَهَا الْيَوْمَانِ الْأَخِيرَانِ وَإِنْ طَرَأَ فِي الثَّانِي صَحَّ الطَّرَفَانِ أَوْ فِي الثَّالِثِ صَحَّ الْأَوَّلَانِ أَوْ فِي السَّادِسَ عَشَرَ صَحَّ الثَّانِي وَالثَّالِثُ أَوْ فِي السَّابِعَ عَشَرَ صَحَّ السَّادِسَ عَشْرَ وَالثَّالِثُ أَوْ فِي الثَّامِنِ عَشَرَ صَحَّ اللَّذَانِ قَبْلَهُ وَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ أَيْضًا بِأَنْ تَصُومَ لَهُمَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَاثْنَيْنِ آخِرَهَا أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ اثْنَيْنِ أَوَّلَهَا وَاثْنَيْنِ آخِرَهَا وَاثْنَيْنِ وَسَطَهَا وَبِأَنْ تَصُومَ لَهُمَا خَمْسَةً الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ وَالتَّاسِعَ عَشَرَ.
(وَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَثَالِثِهِ وَسَابِعَ عَشَرَهُ) ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ طَرَأَ فِي الْأَوَّلِ سَلِمَ الْأَخِيرُ أَوْ فِي الثَّالِثِ سَلِمَ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ آخِرَ الْحَيْضِ الْأَوَّلِ سَلِمَ الثَّالِثُ، أَوْ الثَّالِثِ سَلِمَ الْأَخِيرُ وَلَا يَتَعَيَّنُ الثَّالِثُ وَالسَّابِعَ عَشَرَ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ تَتْرُكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عِنْدِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ اهـ فَلَمْ يُفَرَّقْ فِي ثُبُوتِ الْأَلِفِ بَيْنَ ثُبُوتِ الْيَاءِ وَحَذْفِهَا، وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي حَذْفِ الْأَلِفِ خَطَأٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ حَذْفُهَا مِنْ اللَّفْظِ وَكَلَامَ الْمِصْبَاحِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُنْطَقُ بِهِ فِيهَا مِنْ الْحُرُوفِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: صَحَّ الثَّانِي وَالثَّالِثُ) أَيْ لِأَنَّا إذَا فَرَضْنَا أَنَّ السَّادِسَ عَشَرَ الَّذِي طَرَأَ فِيهِ الْحَيْضُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ الَّذِي قَبْلَهُ طَرَأَ فِي سَادِسَ عَشَرَ صَفَرٍ وَحِينَئِذٍ يَسْتَمِرُّ إلَى السَّادِسَ عَشَرَ وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَيَفْسُدُ الْأَوَّلُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ صَحَّ السَّادِسَ عَشَرَ، وَالثَّالِثُ أَيْ وَفَسَدَ الْأَوَّلَانِ مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَالْأَخِيرَانِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ وَاقِعَانِ فِي حَيْضِ الشَّهْرِ السَّابِقِ وَالْأَخِيرَيْنِ وَاقِعَانِ فِي حَيْضِ الشَّهْرِ اللَّاحِقِ اهـ عَزِيزِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ أَيْضًا إلَخْ) وَلَا يَتَعَيَّنُ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ بَلْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُمَا بِكَيْفِيَّاتٍ تَبْلُغُ أَلْفَ صُورَةٍ وَوَاحِدَةٍ وَلَعَلَّهُ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الصَّوْمِ بِأَنْوَاعِهِ لَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِخُصُوصِهَا لِظُهُورِ فَسَادِهِ اهـ شَرْحُ م ر وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي كَيْفِيَّةِ قَضَاءِ الْيَوْمَيْنِ سِتُّ كَيْفِيَّاتٍ خَمْسَةٌ فِيمَا إذَا قَضَتْ الْيَوْمَيْنِ مَعًا وَوَاحِدَةٌ فِيمَا إذَا قَضَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ وَالْخَمْسَةُ الْأُولَى قِسْمَانِ قِسْمٌ تَصُومُ فِيهِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا صُورَةٌ وَقِسْمٌ تَصُومُ فِيهِ سِتَّةً وَفِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ (قَوْلُهُ: وَاثْنَيْنِ وَسَطَهَا) أَيْ لَيْسَا مُتَّصِلَيْنِ بِالْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَا بِالْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ سَوَاءٌ وَاَلَّتِي بَيْنَهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا أَوْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ إلَخْ) .
(تَنْبِيهٌ) سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَضَاءِ الصَّلَاةِ فَفِيهِ إشْعَارٌ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ فَلَا قَضَاءَ أَوْ فِي حَيْضٍ فَكَذَلِكَ وَاعْتَمَدَهُ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ كَالْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ وَوَلَدِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخَانِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ فِي طُهْرٍ امْتَنَعَ اقْتِدَاؤُهَا بِالْمُتَحَيِّرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْإِعَادَةُ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ وَاعْتَمَدَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّبْشِيرِيُّ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ طُرُقٌ تُطْلَبُ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي عِبَارَةِ الْإِسْعَادِ (قَوْلُهُ: وَسَابِعَ عَشَرَهُ) يَجُوزُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ اعْتِبَارَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَقْصِدَ أَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ تَرْكِيبٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى أَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَالْأَصْلُ سَابِعَ عَشَرَ سَبْعَةَ عَشَرَ وَكَيْفِيَّةُ الِاخْتِصَارِ أَنْ يُحْذَفَ الْعَقْدُ مِنْ الْأَوَّلِ وَالنَّيِّفُ مِنْ الثَّانِي فَتَبْقَى صُورَةُ التَّرْكِيبِ الْأَوَّلِ لَا نَفْسُهُ وَفِيهِ حِينَئِذٍ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ بِنَاءُ الْجُزْأَيْنِ وَإِعْرَابُهُمَا وَإِعْرَابُ الْأَوَّلِ وَبِنَاءُ الثَّانِي وَالِاعْتِبَارُ الثَّانِي أَنْ يَقْصِدَ أَنَّهُ تَرْكِيبٌ مُسْتَقِلٌّ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ السَّابِعَ مَثَلًا مَعَ الْعَشَرَةِ لِيُفِيدَ الِاتِّصَافَ بِمَعْنَاهُ مُقَيَّدًا بِمُصَاحَبَةِ الْعَشَرَةِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ بِنَاءُ الْجُزْأَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأُشْمُونِيِّ صَرِيحًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ آخِرُ الْحَيْضِ الْأَوَّلَ) آخِرُ اسْمُ كَانَ وَالْأَوَّلَ خَبَرُهَا، وَقَوْلُهُ: " أَوْ الثَّالِثَ " مَعْطُوفٌ عَلَى " الْأَوَّلَ " وَالْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ آخِرُ الْحَيْضِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ صُورَتُهُ أَنْ يَطْرَأَ الْحَيْضُ فِي الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَنْقَطِعُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الْقَابِلِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ الثَّالِثَ أَيْ أَوْ كَانَ آخِرُ الْحَيْضِ الْيَوْمَ الثَّالِثَ بِأَنْ طَرَأَ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ فَيَنْقَطِعُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ الشَّهْرِ الْقَابِلِ وَقَوْلُهُ سَلِمَ الْأَخِيرُ وَهُوَ السَّابِعَ عَشَرَ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ مُسَامَحَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ طَرَأَ فِي السَّادِسَ عَشَرَ سَلِمَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ طَرَأَ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ سَلِمَ الْأَخِيرُ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ طَرَأَ إلَخْ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الطُّرُوِّ، وَالْوَجْهَ الثَّانِي أَنَّهُ تَرَكَ احْتِمَالًا وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمَهُ وَهُوَ طُرُوُّهُ فِي السَّابِعَ عَشَرَ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَيَّامِ الصَّوْمِ وَعَلَيْهِ فَيَسْلَمُ لَهَا الثَّالِثُ، وَأَمَّا الِاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ آخِرُ الْحَيْضِ إلَخْ فَزَائِدَانِ عَلَى سِيَاقِ الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَمْ يَطْرَأْ فِيهِمَا فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الصِّيَامِ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذَا الْمَقَامِ كَانَ الطُّرُوُّ فِيهَا فِي أَيَّامِ الصِّيَامِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَيَّنُ الثَّالِثُ وَالسَّابِعَ عَشَرَ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا يَتَعَيَّنُ الْيَوْمُ الثَّالِثُ لِلصَّوْمِ الثَّانِي وَلَا السَّابِعَ عَشَرَ لِلصَّوْمِ الثَّالِثِ بَلْ لَهَا أَنْ تَصُومَ بَدَلَ الثَّالِثِ يَوْمًا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَبَدَلَ السَّابِعَ عَشَرَ يَوْمًا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُخَلَّفُ أَيْ الْمَتْرُوكُ صَوْمُهُ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ مِثْلَ مَا بَيْنَ صَوْمِهَا الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ.
فَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالثَّامِنَ
(1/257)
أَيَّامًا بَيْنَ الْخَامِسَ عَشَرَ وَبَيْنَ الصَّوْمِ الثَّالِثِ بِقَدْرِ الْأَيَّامِ الَّتِي بَيْنَ الصَّوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا (وَإِنْ ذَكَرَتْ أَحَدَهُمَا) بِأَنْ ذَكَرَتْ الْوَقْتَ دُونَ الْقَدْرِ أَوْ بِالْعَكْسِ (فَلِلْيَقِينِ) مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ (حُكْمُهُ وَهِيَ) أَيْ الْمُتَحَيِّرَةُ الذَّاكِرَةُ لِأَحَدِهِمَا (فِي) الزَّمَنِ (الْمُحْتَمَلِ) لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ (كَنَاسِيَةٍ لَهُمَا) فِيمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عَشَر لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمُخَلَّفَ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ يَوْمَانِ وَلَيْسَ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَنْقَطِعَ الْحَيْضُ فِي أَثْنَاءِ الثَّالِثِ وَيَعُودَ فِي أَثْنَاءِ الثَّامِنَ عَشَرَ وَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُخَلَّفَ أَقَلُّ مِمَّا بَيْن الصَّوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ فَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَلَهَا أَنْ تَصُومَ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الْمُخَلَّفَ مُمَاثِلٌ وَأَنْ تَصُومَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ، نَعَمْ لَا يَكْفِي أَنْ تَصُومَ السَّادِسَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَلِّفْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ لِبَيَانِ أَنَّ السَّبْعَةَ عَشَرَ أَقَلُّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا قَضَاءُ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَضَابِطُ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ فَتَصُومُ لَهُمَا مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ إلَخْ أَنْ تَصُومَ قَدْرَ مَا عَلَيْهَا مُتَوَالِيًا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَصُومَ قَدْرَهُ مُتَوَالِيًا مِنْ سَابِعَ عَشَرَ صَوْمِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ تَصُومَ يَوْمَيْنِ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ سَوَاءٌ اتَّصَلَا بِالصَّوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ وَقَعَا مُجْتَمِعَيْنِ أَمْ مُتَفَرِّقَيْنِ وَضَابِطُ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ إلَخْ أَنْ تَصُومَ قَدْرَ مَا عَلَيْهَا مُفَرَّقًا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَعَ زِيَادَةِ صَوْمِ يَوْمٍ ثُمَّ تَصُومَ قَدْرَهُ مِنْ سَابِعَ عَشَرَ صَوْمِهَا الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرٍ زِيَادَةٍ فَتَصُومَ يَوْمًا وَثَالِثَهُ وَسَابِعَ عَشَرَهُ. وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى تَأْتِي فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا وَالثَّانِيَةُ تَأْتِي فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُتَتَابِعِ أَمَّا هُوَ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ سَبْعًا فَمَا دُونَهَا صَامَتْهُ وَلَاءً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْمَرَّةُ الثَّالِثَةُ مِنْهَا مِنْ سَابِعَ عَشَرَ شُرُوعُهَا فِي الصَّوْمِ بِشَرْطِ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ كُلِّ مَرَّتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ بِيَوْمٍ فَأَكْثَرَ حَيْثُ يَتَأَتَّى الْأَكْثَرُ، فَإِنْ كَانَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا صَامَتْ لَهُ سِتَّةَ عَشَرَ وَلَاءً ثُمَّ تَصُومُ قَدْرَ الْمُتَتَابِعِ أَيْضًا وَلَاءً، فَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهَا شَهْرَيْنِ صَامَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَاءً، انْتَهَتْ.
وَقَوْلُهُ صَامَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ إلَخْ أَيْ فَيَحْصُلُ لَهَا مِنْ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا لِحُصُولِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ وَمِنْ الْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يَفْسُدُ مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ ذَكَرَتْ أَحَدَهُمَا فَلِلْيَقِينِ حُكْمُهُ) وَلَوْ قَالَتْ كُنْت أَخْلِطُ شَهْرًا بِشَهْرٍ حَيْضًا أَيْ كُنْت فِي آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ وَأَوَّلِ مَا بَعْدَهُ حَائِضًا فَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَلَحْظَةٌ مِنْ آخِرِهِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَلَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَيْنَ اللَّحْظَةِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاللَّحْظَةِ مِنْ آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالِانْقِطَاعَ وَمَا بَيْنَ اللَّحْظَةِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ وَاللَّحْظَةِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ يَحْتَمِلُهُمَا دُونَ الِانْقِطَاعِ وَلَوْ قَالَتْ كُنْت أَخْلِطُ شَهْرًا بِشَهْرٍ طُهْرًا فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَلَهَا لَحْظَتَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَآخِرِهِ ثُمَّ قَدْرُ أَقَلِّ الْحَيْضِ بَعْدَ اللَّحْظَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الِانْقِطَاعُ وَبَعْدَهُ مُحْتَمَلٌ وَالْحَافِظَةُ لِلْقَدْرِ إنَّمَا تَخْرُجُ عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ بِحِفْظِ قَدْرِ الدَّوْرِ وَابْتِدَائِهِ، وَقَدْرِ الْحَيْضِ، فَإِذَا قَالَتْ: دَوْرِي ثَلَاثُونَ أَوَّلُهَا كَذَا وَحَيْضِي عَشَرَةٌ فَعَشَرَةٌ فِي أَوَّلِهَا لَا تَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ وَالْبَاقِي يَحْتَمِلُهُ وَالْجَمِيعُ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الْعَشَرَاتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا الشَّهْرُ فَهَذِهِ كَالْأُولَى إلَّا أَنَّ احْتِمَالَ الِانْقِطَاعِ هُنَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي آخِرِ كُلِّ عَشَرَةٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَالْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْعِشْرُونَ تَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالْعَشَرَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهَا تَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ أَيْضًا وَلَوْ قَالَتْ: كَانَ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْعِشْرِينَ الْأُولَى فَالْعَشْرَةُ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالْأُولَى تَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ دُونَ الِانْقِطَاعِ وَالرَّابِعَةُ تَحْتَمِلُ الْجَمِيعَ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ وَكُنْت فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ طَاهِرًا فَخَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّوْرِ تَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ دُونَ الِانْقِطَاعِ وَمَا بَعْدَهَا يَحْتَمِلُ الْجَمِيعَ إلَى آخِرِ الثَّانِي عَشَرَ ثُمَّ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الْعِشْرِينَ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ دُونَ الِانْقِطَاعِ وَمِنْهُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ يَحْتَمِلُ الْجَمِيعَ وَمَتَى كَانَ الْقَدْرُ الَّذِي أَضَلَّتْهُ زَائِدًا عَلَى نِصْفِ الْمُضَلِّ فِيهِ حَصَلَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ مِنْ وَسَطِهِ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى النِّصْفِ مَعَ مِثْلِهِ اهـ شَرْحُ م ر
(قَوْلُهُ: أَوْ بِالْعَكْسِ) وَهُوَ الْقَدْرُ دُونَ الْوَقْتِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ ذَاكِرَةً لِقَدْرِ الدَّوْرِ وَابْتِدَائِهِ وَإِلَّا فَمُتَحَيِّرَةٌ مُطْلَقَةٌ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهَا، وَإِنَّمَا أَخَّرَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ عَنْ حُكْمِ الصَّوْمِ فِي الْقِسْمِ السَّابِقِ لِمُخَالَفَتِهِمَا لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِمَا حَيْضًا مُحَقَّقًا وَطُهْرًا كَذَلِكَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: كَنَاسِيَةٍ لَهُمَا فِيمَا
(1/258)
مَرَّ وَمِنْهُ غُسْلُهَا لِكُلِّ فَرْضٍ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ كَحَائِضٍ فِي الْوَطْءِ وَطَاهِرٍ فِي الْعِبَادَةِ لِمَا لَا يَخْفَى وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ إلَّا عِنْدَ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَيُسَمَّى مَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ طُهْرًا مَشْكُوكًا فِيهِ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ حَيْضًا مَشْكُوكًا فِيهِ، وَالذَّاكِرَةُ لِلْوَقْتِ كَأَنْ تَقُولَ كَانَ حَيْضِي يَبْتَدِئُ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَنِصْفُهُ الثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالِانْقِطَاعَ، وَالذَّاكِرَةُ لِلْقَدْرِ كَأَنْ تَقُولَ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةً فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ الشَّهْرِ لَا أَعْلَمُ ابْتِدَاءَهَا وَأَعْلَمُ أَنِّي فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ طَاهِرٌ فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ كَالْعَشَرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَالثَّانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مَرَّ) أَيْ مِنْ حُرْمَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ وَعُبُورِ الْمَسْجِدِ وَالْمُكْثِ فِيهِ وَمِنْ حِلِّ الطَّلَاقِ وَفِعْلِ الْعِبَادَةِ الْمُفْتَقِرِ لِنِيَّةٍ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ غُسْلُهَا لِكُلِّ فَرْضٍ) غَرَضُهُ بِهَذَا التَّوْطِئَةُ لِقَوْلِهِ وَمَعْلُومٌ إلَخْ وَالِاعْتِذَارُ عَنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْمَتْنِ لَهُ هُنَا مَعَ كَوْنِ الْأَصْلِ ذَكَرَهُ هُنَا وَمُحَصِّلُ الِاعْتِذَارِ أَنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِهِ فِيمَا سَبَقَ عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا اهـ شَوْبَرِيٌّ بِإِيضَاحٍ (قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ كَحَائِضٍ فِي الْوَطْءِ وَطَاهِرٍ فِي الْعِبَادَةِ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْوَطْءِ يُوهِمُ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لَا تَحْرُمُ وَكَذَلِكَ يُوهِمُ جَوَازَ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَطَاهِرٌ فِي الْعِبَادَةِ لَا يَشْمَلُ الطَّلَاقَ مَعَ أَنَّهَا فِيهِ كَالطَّاهِرِ وَأَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهَذَا تَخْصِيصُ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ دَائِمًا فِي الْمُحْتَمَلِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ طُهْرًا مَشْكُوكًا فِيهِ) أَيْ وَحَيْضًا مَشْكُوكًا فِيهِ وَقَوْلُهُ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ حَيْضًا مَشْكُوكًا فِيهِ أَيْ وَطُهْرًا مَشْكُوكًا فِيهِ فَفِيهِ الْحَذْفُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي وَبِالْعَكْسِ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِالِاحْتِبَاكِ اهـ شَيْخُنَا.
(فَرْعٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَفْعَلُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا فِي الْحَيْضِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَلَا فِيمَا لَوْ نَسِيَتْ انْتِظَامَ عَادَتِهَا فَرَدَّتْ لِأَقَلِّ النُّوَبِ وَاحْتَاطَتْ فِي الزَّائِدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ وَهِيَ فِي زَمَنِ الشَّكِّ يُحْتَمَلُ فَسَادُ طَوَافِهَا فَيَجِبُ تَأْخِيرُهُ إلَى طُهْرِهَا الْمُحَقَّقِ بِخِلَافِ النَّاسِيَةِ لِعَادَتِهَا قَدْرًا وَوَقْتًا، فَإِنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى فِعْلِهِ إذْ لَا زَمَنَ لَهَا تَرْجُو فِيهِ الِانْقِطَاعَ حَتَّى تُؤْمَرَ بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ هَذَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَا لَوْ طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ زَمَنَ التَّحَيُّرِ هَلْ تَجِبُ إعَادَتُهُ فِي زَمَنٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَعَهُ وُقُوعُهُ فِي الطُّهْرِ كَمَا فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ أَوْ لَا قِيَاسُ مَا فِي الصَّلَاةِ وُجُوبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إنْ طَافَتْ زَمَنَ التَّحَيُّرِ احْتَمَلَ وُقُوعُ الطَّوَافِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ) أَيْ فِي الظَّاهِرِ وَكَذَا تَقُولُ فِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُغَيِّرُ عَادَتَهَا اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ الْحَيْضُ إلَخْ) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِاحْتِمَالِ الطُّهْرِ هُنَا طُهْرَ أَصْلِيٍّ لَا يَكُونُ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عَطْفِ الِانْقِطَاعِ عَلَيْهِ وَجَعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَحَدَ الْمُحْتَمَلَاتِ، فَإِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ بَعْدَ فَرْضِ تَقَدُّمِ الْحَيْضِ يَقِينًا بَلْ مُرَادُهُمْ الطُّهْرُ فِي الْجُمْلَةِ فَالْمُرَادُ بِاحْتِمَالِ الطُّهْرِ وَالِانْقِطَاعِ احْتِمَالُ طُهْرٍ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ أَوْ مَعَهُ الِانْقِطَاعُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ حُصُولُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ كَمَا تَبَيَّنَ بَلْ الْمُرَادُ احْتِمَالُ طُهْرٍ مَعَ انْقِطَاعٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالطُّهْرِ بِدُونِ الِانْقِطَاعِ مَعَ تَقَدُّمِ الْحَيْضِ يَقِينًا فِي الْمِثَالِ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّهْرِ وَالِانْقِطَاعِ الطُّهْرُ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَالطُّهْرُ قِسْمَانِ طُهْرٌ أَصْلِيٌّ بِأَنْ لَا يَتَقَدَّمَهُ انْقِطَاعُ حَيْضٍ كَمَا بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالسَّادِسِ فِي مِثَالِ ذَاكِرَةِ الْقَدْرِ الْآتِي وَطُهْرٌ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ كَمَا هُنَا وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ هُنَا بِاحْتِمَالِ الطُّهْرِ احْتِمَالُ الطُّهْرِ إنْ حَصَلَ مِنْهَا غُسْلٌ بَعْدَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ الْحَيْضُ أَيْ يُفْرَضُ أَنَّ حَيْضَهَا الْأَكْثَرُ وَقَوْلُهُ وَالطُّهْرُ أَيْ لِجَمِيعِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِمَالِ انْقِطَاعٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الِانْقِطَاعَ بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: وَالِانْقِطَاعُ أَيْ عَلَى احْتِمَالِ مُجَاوَزَتِهِ لِلْأَوَّلِ فَكُلُّ زَمَنٍ يُحْتَمَلُ امْتِدَادُ الْحَيْضِ إلَيْهِ وَالِانْقِطَاعُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُسْتَغْنَى بِهَذَا عَمَّا قَبْلَهُ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فِي الْعَشَرِ الْأُوَلِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَكَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ وَسَيَأْتِي لَنَا فِي الِاعْتِكَافِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ اهـ ع ش عَلَى م ر وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ فِي الْعَشَرِ الْأُوَلِ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَإِنْ قَالَتْ خَمْسَةً وَلَا أَعْلَمُ ابْتِدَاءَهَا فَهِيَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ) أَيْ فَتَتَوَضَّأُ فِيهِ لِكُلِّ فَرْضٍ مَعَ الْحَشْوِ وَالْعَصْبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ فِي الْعِشْرِينَ الْأَخِيرِينَ، وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي إلَى آخِرِ الْخَامِسِ إلَخْ أَيْ فَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرْضٍ أَيْضًا وَلَا تَغْتَسِلُ وَلَا يُقَالُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ، فَإِنَّ هَذَا الزَّمَنَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ فِي الْمُحْتَمَلِ كَنَاسِيَةٍ لَهُمَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسِيَةَ لَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الْغُسْلِ لِكُلِّ فَرْضٍ خَرَجَ بِقَوْلِ الشَّارِحِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ إلَّا عِنْدَ احْتِمَالِ
(1/259)
إلَى آخِرِ الْخَامِسِ مُحْتَمِلٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالسَّابِعُ إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا وَلِلِانْقِطَاعِ.
(وَأَقَلُّ النِّفَاسِ مَجَّةٌ) كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي التَّنْبِيهِ وَالتَّحْقِيقِ وَهِيَ الْمُرَادُ بِتَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ أَيْ لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ مَا وُجِدَ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ يَكُونُ نِفَاسًا وَلَا يُوجَدُ أَقَلُّ مِنْ مَجَّةٍ أَيْ دَفْعَةٍ وَعَبَّرَ الْأَصْلُ عَنْ زَمَانِهَا بِلَحْظَةٍ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِقَوْلِهِمْ (وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا وَغَالِبُهُ أَرْبَعُونَ) يَوْمًا وَذَلِكَ بِاسْتِقْرَاءِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
(وَعُبُورُهُ سِتِّينَ كَعُبُورِ الْحَيْضِ أَكْثَرَهُ) فَيُنْظَرُ أَمُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ أَمْ مُعْتَادَةٌ مُمَيِّزَةٌ أَمْ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ ذَاكِرَةٌ أَمْ نَاسِيَةٌ فَتُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ الْمُمَيِّزَةُ إلَى التَّمْيِيزِ إنْ لَمْ يَزِدْ الْقَوِيُّ عَلَى سِتِّينَ وَلَا يَأْتِي هُنَا بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الِانْقِطَاعِ فَكَلَامُهُ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ اهـ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مُحْتَمِلٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ) أَيْ الطُّهْرِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي لَيْسَ نَاشِئًا عَنْ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ، وَوَجْهُ عَدَمِ احْتِمَالِ هَذِهِ الْأَيَّامِ لِلِانْقِطَاعِ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَوَّلُ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ حَيْضُهَا الْيَوْمَ الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ أَوْ الرَّابِعَ أَوْ الْخَامِسَ أَوْ السَّادِسَ يَكُونُ الِانْقِطَاعُ فِي السَّابِعِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ اهـ عَزِيزِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ النِّفَاسِ مَجَّةٌ) ذَهَبَ الْمُزَنِيّ مِنْ أَئِمَّتِنَا إلَى أَنَّ أَقَلَّهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُ قَدْرُ الْحَيْضِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلْيَكُنْ أَقَلُّهُ كَذَلِكَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ دُفْعَةً) بِضَمِّ الدَّالِ إنْ أُرِيدَ الْمَدْفُوعُ وَبِفَتْحِهَا إنْ أُرِيدَ الْمَرَّةُ مِنْ الدَّفَعَاتِ اهـ شَيْخُنَا لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ هُنَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي النِّفَاسِ الَّذِي هُوَ الدَّمُ لَا خُرُوجِهِ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالدَّفْعَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِمَا يُدْفَعُ بِمَرَّةٍ يُقَالُ دَفَعْت مِنْ الْإِنَاءِ دَفْعَةً بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَجَمْعُهَا دَفَعَاتٌ مِثْلُ سَجْدَةٍ وَسَجَدَاتٍ وَبَقِيَ فِي الْإِنَاءِ دُفْعَةٌ بِالضَّمِّ أَيْ مِقْدَارُ مَا يُدْفَعُ وَالدُّفْعَةُ مِنْ الْمَطَرِ وَالدَّمِ وَغَيْرِهِ وَالْجَمْعُ دُفَعٌ وَدُفُعَاتٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ وَغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا اهـ (قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ الْأَصْلُ عَنْ زَمَانِهَا إلَخْ) أَيْ فَالْمُرَادُ مِنْ الْعِبَارَاتِ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِقَوْلِهِمْ إلَخْ، وَإِنَّمَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا الْأَنْسَبِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرٌ لِحَقِيقَةِ النِّفَاسِ الَّتِي هِيَ الدَّمُ لَا زَمَنِهِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش إنَّمَا عَدَلَ عَنْ هَذَا الْأَنْسَبِ؛ لِأَنَّ مَا عَبَّرَ بِهِ أَظْهَرُ فِي إفَادَةِ الْمَقْصُودِ إذْ اللَّحْظَةُ الْقِطْعَةُ مِنْ الزَّمَانِ وَهِيَ تَصْدُقُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا) هِيَ وَالْأَرْبَعُونَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الْوِلَادَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ خَرَجَ عَقِبَ الْوَلَدِ دَمٌ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَقِبَهُ دَمٌ وَتَأَخَّرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا فَهِيَ فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ حُكْمُهَا حُكْمُ الطَّاهِرِ فَتَلْزَمُهَا الْعِبَادَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَالسِّتُّونَ مِنْ الْوِلَادَةِ عَدَدًا لَا حُكْمًا إذْ الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ مِنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَأَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ وَقَبْلَ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً قَالَ الْقَوَابِلُ إنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، فَإِنْ تَأَخَّرَ خُرُوجُهُ عَنْ الْوِلَادَةِ فَأَوَّلُهُ مِنْ خُرُوجِهِ لَا مِنْهَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَمَوْضِعٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَإِنْ صُحِّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَكْسُ ذَلِكَ إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ جَعْلُ النَّقَاءِ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ دَمٌ نِفَاسًا فَتَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ فِي النَّقَاءِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ صُحِّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يَصِحُّ غُسْلُهَا عَقِبَ وِلَادَتِهَا وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا رَجَّحْنَاهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِبُطْلَانِ صَوْمِ مَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْوِلَادَةُ مَظِنَّةَ خُرُوجِ الدَّمِ أُنِيطَ الْبُطْلَانُ بِوُجُودِهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَمَا جُعِلَ النَّوْمُ نَاقِضًا، وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ وَكَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنَّهُ إلَى الثَّانِي أَقْرَبُ وَقَضِيَّةُ الْأَخْذِ بِالْأَوَّلِ أَنَّ زَمَنَ النَّقَاءِ لَا يُحْسَبُ مِنْ السِّتِّينَ لَكِنْ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِهِ فَقَالَ ابْتِدَاءُ السِّتِّينَ مِنْ الْوِلَادَةِ وَزَمَنُ النَّقَاءِ لَا نِفَاسَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْسُوبًا مِنْ السِّتِّينَ وَلَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَ هَذَا اهـ وَلَوْ لَمْ تَرَ نِفَاسًا أَصْلًا فَهَلْ يُبَاحُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ بِشَرْطِهِ أَوْ لَا أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِجَوَازِهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهَا جَنَابَةٌ بَلْ عَلَّلُوا إيجَابَ خُرُوجِ الْوَلَدِ الْجَافِّ الْغُسْلَ بِأَنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ وَلَوْ لَمْ تَرَ دَمًا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ فَلَا نِفَاسَ لَهَا أَصْلًا عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ قَالَ الْقَوَابِلُ: إنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا يُفِيدُ الظَّنَّ وَالْوَاحِدَةُ تُحَصِّلُهُ.
وَعِبَارَةُ حَجّ عَلَقَةٌ أَوْ مُضْغَةٌ فِيهَا صُورَةٌ خَفِيَّةٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْغُسْلِ إذْ لَا تُسَمَّى وِلَادَةً إلَّا حِينَئِذٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَفِي الْعَدَدِ خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّهُ، انْتَهَتْ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَعُبُورُهُ سِتِّينَ) قَالَ الرَّاغِبُ أَصْلُ الْعَبْرِ تَجَاوُزٌ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ فَأَمَّا الْعُبُورُ فَيَخْتَصُّ بِتَجَاوُزِ الْمَاءِ إمَّا بِسِبَاحَةٍ أَوْ فِي سَفِينَةٍ أَوْ عَلَى بَعِيرٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ اهـ وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الصَّوَابُ التَّعْبِيرَ بِالْعَبْرِ لَا الْعُبُورِ قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ عَلَى الْأَصْلِ لَكِنَّ فِي الصِّحَاحِ عَبَرْت النَّهْرَ وَغَيْرَهُ أَعْبُرُهُ عَبْرًا وَعُبُورًا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: فَيَنْظُرُ أَمُبْتَدَأَةٌ إلَخْ) أَفَادَ هَذَا التَّفْصِيلُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى الْمُجَاوِزِ لِلسِّتِّينَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ بَلْ يُنْظَرُ فِيهِ لِأَحْوَالِ الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَلَا يَأْتِي هُنَا بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ) أَيْ وَهِيَ عَدَمُ نُقْصَانِ الْقَوِيِّ عَنْ الْأَقَلِّ وَالضَّعِيفِ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِلْأَقَلِّ هُنَا حَتَّى يُشْتَرَطَ عَدَمُ النُّقْصَانِ عَنْهُ وَلِأَنَّ الطُّهْرَ بَيْنَ أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ لَا يُشْتَرَطُ
(1/260)
وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ إلَى مَجَّةٍ وَالْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ إلَى التَّمْيِيزِ لَا الْعَادَةِ وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ الْحَافِظَةِ إلَى الْعَادَةِ وَتَثْبُتُ إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ بِمَرَّةٍ وَإِلَّا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي الْحَيْضِ وَالْمُتَحَيِّرَةُ تَحْتَاطُ
(كِتَابُ الصَّلَاةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
كَوْنُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا يَتَأَتَّى اشْتِرَاطُ عَدَمِ نُقْصَانِ الضَّعِيفِ عَنْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَوِيَّ قَدْ يَكُونُ دُونَ السِّتِّينَ كَعَشَرَةٍ سَوَادًا ثُمَّ عَشَرَةٍ حُمْرَةً ثُمَّ عَادَ السَّوَادُ فِي السِّتِّينَ فَلَا يَكُونُ الطُّهْرُ بَيْنَ أَكْمَلِ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ حَتَّى يُقَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ فِي السِّتِّينَ وَعَادَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا كَانَ الثَّانِي حَيْضًا فَالطُّهْرُ بَيْنَ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ إلَى مَجَّةٍ إلَخْ) وَهِيَ بَعْدَ الْمَجَّةِ أَوْ التَّمْيِيزِ إنْ رُدَّتْ إلَيْهِ أَوْ الْعَادَةِ إنْ رُدَّتْ إلَيْهَا طَاهِرٌ فَيَأْتِي فِي حَيْضِهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهَا مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا فَتَحِيضُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْمُتَحَيِّرَةُ تَحْتَاطُ) أَيْ، فَإِذَا نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا فَمَجَّةُ نِفَاسٍ بِيَقِينٍ وَبَعْدَهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ حَتَّى تُتِمَّ السِّتِّينَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرْضٍ اهـ عَزِيزِيٌّ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ الْمُطَلَّقَةِ، وَأَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ النِّسْبِيَّةُ وَهِيَ الذَّاكِرَةُ لِأَحَدِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَأْتِي هُنَا اهـ شَيْخُنَا.
[كِتَابُ الصَّلَاةِ]
(كِتَابُ الصَّلَاةِ) أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ بَيَانِ حَقِيقَتِهَا وَأَحْكَامِهَا اهـ ع ش عَلَى م ر وَالْمُرَادُ الصَّلَاةُ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا تِلْوَ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْقُرَبِ وَأَشْبَهُ بِهِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى نُطْقٍ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٍ بِالْأَرْكَانِ وَاعْتِقَادٍ بِالْجِنَانِ وَلِأَنَّهَا تَجْمَعُ مِنْ الْقُرَبِ مَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَاللُّبْثِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَالطَّهَارَةِ وَالسُّتْرَةِ وَتَرْكِ الْأَكْلِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ اخْتِصَاصِهَا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ الصَّوْمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَقَرَّبْ إلَى أَحَدٍ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَحَسُنَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ وَلِأَنَّ خُلُوَّ الْجُوعِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ يَرْجِعُ إلَى الصَّمَدِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ وَالصَّمَدِيَّةَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَحَسُنَتْ الْإِضَافَةُ لِاخْتِصَاصِ الصَّوْمِ بِصِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِخْلَاصِ لِخَفَائِهِ دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، فَإِنَّهَا أَعْمَالٌ ظَاهِرَةٌ يُطَّلَعُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ الرِّيَاءُ فِيهَا أَغْلَبَ فَحَسُنَتْ الْإِضَافَةُ لِلشَّرَفِ الَّذِي حَصَلَ لِلصَّوْمِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَفْضَلُهَا الطَّوَافُ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَقَالَ الْقَاضِي الْحَجُّ أَفْضَلُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ الْجِهَادُ أَفْضَلُ وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ الْعِبَادَاتُ تَخْتَلِفُ أَفْضَلِيَّتُهَا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَفَاعِلِيهَا فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَفْضَلِيَّةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخُبْزَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْجَائِعِ وَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِلْعَطْشَانِ.
فَإِنْ اجْتَمَعَا نُظِرَ لِلْأَغْلَبِ فَتَصَدُّقُ الْغَنِيِّ الشَّدِيدِ الْبُخْلِ بِدِرْهَمٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ حُبِّ الدُّنْيَا، وَالصَّوْمُ لِمَنْ اسْتَحْوَذَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَلِي الصَّلَاةَ الصَّوْمُ ثُمَّ الْحَجُّ ثُمَّ الزَّكَاةُ وَقِيلَ الزَّكَاةُ بَعْدَهَا وَالْخِلَافُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ أَحَدِهَا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْآكَدِ مِنْ الْآخَرِ وَإِلَّا فَصَوْمُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ وَخَرَجَ بِعِبَادَاتِ الْبَدَنِ عِبَادَاتُ الْقَلْبِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ كَالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّفَكُّرِ وَالتَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ وَالتَّوْبَةِ وَالتَّطَهُّرِ مِنْ الرَّذَائِلِ بِأَنْ يَبْعُدَ عَنْهَا وَأَفْضَلُهَا الْإِيمَانُ وَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا، وَقَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا بِالتَّجْدِيدِ، وَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ كَمَا مَرَّ فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفُرُوضِ وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ وَلَا يَرِدُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَحِفْظُ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ اهـ شَرْحُ م ر مِنْ بَابِ صَلَاةِ النَّفْلِ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَأَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ الْجُمُعَةُ ثُمَّ عَصْرُهَا ثُمَّ عَصْرُ غَيْرِهَا ثُمَّ صُبْحُهَا ثُمَّ صُبْحُ غَيْرِهَا ثُمَّ الْعِشَاءُ ثُمَّ الظُّهْرُ ثُمَّ الْمَغْرِبُ وَأَفْضَلُ الْجَمَاعَاتِ جَمَاعَةُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صُبْحُهَا ثُمَّ صُبْحُ غَيْرِهَا ثُمَّ الْعِشَاءُ ثُمَّ الْعَصْرُ ثُمَّ الظُّهْرُ ثُمَّ الْمَغْرِبُ وَسُمِّيَتْ الصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّةُ صَلَاةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْجُزْءِ عَلَى اسْمِ الْكُلِّ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي خَاصِرَتَيْ الْمُصَلِّي يَنْحَنِيَانِ عِنْدَ انْحِنَائِهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَيَرْتَفِعَانِ عِنْدَ ارْتِفَاعِهِ وَقِيلَ مِنْ صَلَّيْت الْعُودَ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى النَّارِ إذَا قَوَّمْته لِانْعِطَافِهِ وَلِينِهِ وَالصَّلَاةُ تُقَوِّمُهُ
(1/261)
هِيَ لُغَةً مَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَشَرْعًا أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ وَلَا تُرَدُّ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الصَّلَاةِ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ عُرُوضُ مَانِعٍ.
وَالْمَفْرُوضَاتُ مِنْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
لِلطَّاعَةِ وَتُلَيِّنُ قَلْبَهُ وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ «مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» أَيْ كَامِلَةً وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ لَامِ الصَّلَاةِ وَاوًا وَهَذَا يَائِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الْوَاوِيَّ مِنْ الْيَائِيِّ وَبِالْعَكْسِ نَحْوُ الْبَيْعِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَاعِ وَالْعِيدِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَوْدِ وَالصَّدَاقِ مَأْخُوذٌ مِنْ الصَّدْقِ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ أَيْ مِنْ كَوْنِهَا تُقَوِّمُ الْعَبْدَ لِلطَّاعَةِ وَتُلِينُ قَلْبَهُ وَقَوْلُهُ مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ أَيْ مَنْ لَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُ سَبَبًا لِانْتِهَائِهِ وَارْتِدَاعِهِ عَنْ الْفَحْشَاءِ.
(قَوْلُهُ: مَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ) أَيْ مِنْ أَنَّهَا مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ إلَخْ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ فَهُوَ مِمَّا اتَّفَقَ فِيهِ الشَّرْعُ وَاللُّغَةُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَإِطْلَاقُهَا عَلَى الدُّعَاءِ لُغَوِيٌّ فَقَطْ وَعَلَى الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ شَرْعِيٌّ فَقَطْ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالصَّلَاةُ قِيلَ أَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَقَوْلُهُ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] أَيْ دُعَاءً ثُمَّ سَمَّى بِهَا هَذِهِ الْهَيْئَةَ الْمَشْهُورَةَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ وَهَلْ سَبِيلُهُ النَّقْلُ حَتَّى تَكُونَ الصَّلَاةُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَجَازًا لُغَوِيًّا فِي الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ فِي اللُّغَاتِ كَالنَّسْخِ فِي الْأَحْكَامِ أَوْ يُقَالُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ مَجَازٌ رَاجِحٌ وَفِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ حَقِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَقِيلَ الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالتَّعْظِيمِ وَالرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ وَمِنْهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى أَيْ بَارِكْ عَلَيْهِمْ وَارْحَمْهُمْ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ بَلْ مَقُولٌ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْظِيمُ (قَوْلُهُ: أَقْوَالٌ) أَيْ خَمْسَةٌ وَأَفْعَالٌ أَيْ ثَمَانِيَةٌ وَالْمُرَادُ الْأَفْعَالُ وَلَوْ حُكْمًا لِتَدْخُلَ صَلَاةُ الْمَرِيضِ وَالْمَرْبُوطِ عَلَى خَشَبَةٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَخَرَجَ بِجَمْعِ الْأَفْعَالِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ السُّجُودُ، وَقَدْ يُقَالُ بَلْ هِيَ أَفْعَالٌ؛ لِأَنَّ الْهَوَى لِلسُّجُودِ وَالرَّفْعَ مِنْهُ فِعْلَانِ خَارِجَانِ عَنْ مُسَمَّى السُّجُودِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ أَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ قِيَامَاتِهَا أَفْعَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَخَرَجَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهَا بَلْ هُوَ تَابِعٌ عَارِضٌ فِيهَا اهـ (قَوْلُهُ: وَلَا تُرَدُّ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ) أَيْ خُرُوجًا إذْ لَا أَقْوَالَ فِيهَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ وَضْعَ الصَّلَاةِ ذَلِكَ) إنْ أَرَادَ بِوَضْعِهَا حَقِيقَتَهَا وَمَعْنَاهَا لَزِمَ خُرُوجُ هَذَا الْفَرْدِ أَوْ أَصْلِهَا، فَإِنْ أَرَادَ بِالْأَصْلِ الْغَالِبَ فَلَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ قَيْدِ الْغَلَبَةِ، وَإِنْ أَرَادَ شَيْئًا آخَرَ فَلْيُبَيَّنْ لِيُنْظَرَ فِيهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَضْعِ هُنَا الشَّأْنُ أَيْ لِأَنَّ شَأْنَهَا ذَلِكَ فَقَدْ بُيِّنَ الشَّيْءُ الْآخَرُ وَوُجِدَ صَحِيحًا تَأَمَّلْ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَالْمَفْرُوضَاتُ) أَيْ عَلَى الْأَعْيَانِ بِحَسَبِ أَصْلِ الشَّرْعِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرًا فِيهِمَا كَأَيَّامِ الدَّجَّالِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ أَوَّلَهَا كَسَنَةٍ وَثَانِيهَا كَشَهْرٍ وَثَالِثَهَا كَجُمُعَةٍ وَالْبَقِيَّةَ كَأَيَّامِنَا وَكَلَيْلَةِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهَا تَمْكُثُ قَدْرَ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَكَثَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ قَوْمٍ مُدَّةً، فَإِنَّهَا تُحَدَّدُ فِيهَا أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ وَتُصَلَّى وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ الزَّمَانِيَّةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَحُلُولِ الْآجَالِ وَنَحْوِهَا وَلَمْ يَقُلْ عَيْنًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ خَمْسٌ) وَلَا تَرِدُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا خَامِسَةُ يَوْمِهَا وَإِيرَادُ بَعْضِهِمْ لَهَا مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ كُلِّ يَوْمٍ مَعَ أَنَّ الْأَخْبَارَ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ وَقَعَ قَبْلَ فَرْضِهَا وَحِينَ فُرِضَتْ لَمْ تَجْتَمِعْ مَعَ الظُّهْرِ وَجَمْعُهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ خَصَائِصِهَا تَعْظِيمًا لَهَا وَتَكْثِيرًا لِلْأَجْرِ وَإِلَّا فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الصُّبْحَ كَانَتْ لِآدَمَ وَالظُّهْرَ لِدَاوُدَ وَالْعَصْرَ لِسُلَيْمَانَ وَالْمَغْرِبَ لِيَعْقُوبَ وَالْعِشَاءَ لِيُونُسَ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ
لِآدَمَ صُبْحٌ وَالْعِشَاءُ لِيُونُسَ ... وَظُهْرٌ لِدَاوُدَ وَعَصْرٌ لِنَجْلِهِ
وَمَغْرِبُ يَعْقُوبَ كَذَا شَرْحُ مُسْنَدٍ ... لِعَبْدٍ كَرِيمٍ فَاشْكُرْنَ لِفَضْلِهِ
وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِذَلِكَ وَمِنْهُ مَا قِيلَ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ آدَم لَمَّا أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَظْلَمَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَجَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ وَلَمْ يَكُنْ رَأَى ذَلِكَ قَبْلُ فَخَافَ خَوْفًا شَدِيدًا فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا رَكْعَةً لِلنَّجَاةِ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَرَكْعَةً لِرُجُوعِ ضَوْءِ النَّهَارِ.
فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَوْنِهَا رَكْعَتَيْنِ وَفُرِضَتْ عَلَيْنَا كَذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ إبْرَاهِيمُ حِينَ نَزَلَ الْفِدَاءُ عَنْ وَلَدِهِ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا الْأُولَى شُكْرًا لِذَهَابِ غَمِّ وَلَدِهِ
(1/262)
كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَمِمَّا يَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] وَأَخْبَارٌ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَالثَّانِيَةُ لِنُزُولِ الْفِدَاءِ عَنْهُ وَالثَّالِثَةُ لِرِضَا رَبِّهِ حِينَ نُودِيَ {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} [الصافات: 104] {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105] وَالرَّابِعَةُ لِصَبْرِ وَلَدِهِ عَلَى الذَّبْحِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَوْنِهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفُرِضَتْ عَلَيْنَا كَذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ يُونُسُ حِينَ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَرْبَعِ ظُلُمَاتٍ ظُلْمَةِ الزَّلْزَلَةِ وَظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَظُلْمَةِ الْمَاءِ وَظُلْمَةِ بَطْنِ الْحُوتِ وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ الْعَصْرِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَوْنِهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفُرِضَتْ عَلَيْنَا كَذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ عِيسَى حِينَ خُوطِبَ بِقَوْلِهِ {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116] وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَصَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا الْأُولَى لِنَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ نَفْسِهِ وَالثَّانِيَةُ لِنَفْيِهَا عَنْ أُمِّهِ وَالثَّالِثَةُ لِإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَوْنِهَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَفُرِضَتْ عَلَيْنَا كَذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ مُوسَى حِين خَرَجَ مِنْ مَدْيَنَ وَوَصَلَ إلَى الطَّرِيقِ وَكَانَ فِي غَمِّ أَخِيهِ وَغَمِّ عَدُوِّهِ وَغَمِّ أَوْلَادِهِ وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ الْعِشَاءِ فَلَمَّا نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَنُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَوْنِهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفُرِضَتْ عَلَيْنَا كَذَلِكَ وَوَرَدَ فِي فَضْلِهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ بِبَابِ أَحَدِكُمْ نَهْرًا يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالُوا لَا قَالَ فَكَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا» اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ) أَيْ عِلْمُهَا مُشَابِهٌ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ فِي كَوْنِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَأَمُّلٍ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ الضَّرُورِيَّ مُخْتَصٌّ بِإِدْرَاكِ إحْدَى الْحَوَاسِّ وَأَيْضًا الضَّرُورِيُّ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أُقِيمَتْ عَلَيْهَا الْأَدِلَّةُ اهـ شَيْخُنَا وَلَعَلَّ تَقْدِيرَ ذَلِكَ كَالْكَوْنِ الَّذِي هُوَ مَعْلُومٌ أَيْ كَوْنُ الْمَفْرُوضِ مِنْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسًا مُشَابِهٌ لِكَوْنِ الشَّيْءِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدَّيْنِ بِالضَّرُورَةِ كَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا هَذَا إذَا كَانَتْ الْكَافُ تَشْبِيهِيَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ وَمَا مَصْدَرِيَّةً أَيْ لِعِلْمِ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ مِنْ الدِّينِ) أَيْ مِنْ أَدِلَّةِ الدِّينِ وَقَوْلُهُ وَمِمَّا يَأْتِي أَيْ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ وَهُوَ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ اهـ. لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] أَيْ حَافِظُوا عَلَيْهَا بِأَدَاءِ فُرُوضِهَا وَسُنَنِهَا وَشُرُوطِهَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي) أَيْ وَعَلَيَّ أَيْضًا وَقَوْلُهُ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا أَيْ فِي حَقِّي وَحَقِّهَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ) أَيْ لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ مِنْ رَبِيعِ الْآخَرِ وَقِيلَ مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ وَقِيلَ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَعَلَى كُلٍّ قِيلَ كَانَتْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَقِيلَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ وَكَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَقِيلَ بِسَنَةٍ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقِيلَ قَبْلَهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ صُبْحُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّتِهَا وَوُجُوبُهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَّا عِنْدَ الظُّهْرِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقِيلَ قَبْلَهَا بِخَمْسِ سِنِينَ وَالْحِكْمَةُ فِي وُقُوعِ فَرْضِ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ لَمَّا قُدِّسَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حَتَّى غُسِلَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِالْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ وَمِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا الطُّهْرُ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ تُفْرَضَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلِيَظْهَرَ شَرَفُهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُصَلِّي بِمَنْ سَلَفَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَلِيُنَاجِيَ رَبَّهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا اهـ فَتْحُ الْبَارِي وَفِيهِ أَيْضًا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ إلَّا مَا كَانَ وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَذَهَبَ الْحَرْبِيُّ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ مَفْرُوضَةً رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ مَفْرُوضَةً ثُمَّ نُسِخَتْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَالْحَرْبِيُّ نِسْبَةٌ إلَى حَرْبِيَّةٍ مَحَلَّةٌ بِبَغْدَادَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ: خَمْسِينَ صَلَاةً) قَالَ شَيْخُنَا لَكِنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْخَمْسِ لَمْ تُعْلَمْ كَيْفِيَّتُهُ وَلَا كَمِّيَّتُهُ وَفِي كَلَامِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ مَا يُرْشِدُ إلَى أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الظُّهْرُ عَشْرَ أَظْهَارٍ وَالْعَصْرُ كَذَلِكَ وَهَكَذَا إلَى أَنْ قَالَ وَالنَّسْخُ لَمْ يَقَعْ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَمْ يَزَلْ قَائِمًا بِهَا كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى وَفْقِ مَا كَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَحِينَئِذٍ بَقَاؤُهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَعَلَهَا كَذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَلَا وَقْتٍ مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى الْحِرْصِ عَلَيْهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَأَمَّا قِيَامُ اللَّيْلِ فَنُسِخَ فِي حَقِّنَا وَكَذَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الرَّاجِحِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ) أَيْ بِإِشَارَةٍ مِنْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ مَرَّ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَمَّا فُرِضَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى إبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَسْأَلْهُ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى كَلِيمٌ وَمِنْ شَأْنِ الْكَلِيمِ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَلِأَنَّهُ اُخْتُبِرَ قَوْمُهُ بِالصَّلَاةِ
(1/263)
حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» «وَقَوْلُهُ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَغَيْرُ هُمَا وَوُجُوبُهَا مُوسَعٌ إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا، فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الَّتِي كَانُوا يُصَلُّونَهَا فَعَجَزُوا عَنْهَا وَذَلِكَ شَفَقَةٌ مِنْهُ عَلَى أُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ إبْرَاهِيمَ لِكَوْنِهِ خَلِيلًا وَمِنْ شَأْنِ الْخَلِيلِ التَّسْلِيمُ وَلَمْ يُخْتَبَرْ قَوْمُهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا) وَلَمْ يُرَاجِعْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهُ لَحَطَّ عَنْهُ الْخَمْسَ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخَمْسِينَ صَلَاةً نُسِخَتْ فِي حَقِّنَا وَحَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى وَجْهِ النَّفْلِيَّةِ، وَضَبَطَ السُّيُوطِيّ فِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَتْ مِائَةَ رَكْعَةٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْمِائَةَ هِيَ الَّتِي فُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ هَذَا وَفِي كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} [البقرة: 286] أَنَّ مِنْ الْإِصْرِ الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَخُفِّفَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَتْ مَفْرُوضَةً عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيُعَارِضُهُ مَا فِي مِعْرَاجِ الْغَيْطِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ مُوسَى بِذَلِكَ قَالَ لَهُ ارْجِعْ إلَى رَبِّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ عَنْك وَعَنْ أُمَّتِك، فَإِنَّ أُمَّتَك لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ خَبَرْت النَّاسَ قَبْلَك وَبَلَوْت بَنِي إسْرَائِيلَ وَعَالَجْتُهُمْ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَضَعُفُوا اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ الْخَمْسُونَ فَلَمْ يَقُومُوا بِهَا فَسَأَلَ مُوسَى التَّخْفِيفَ عَنْهُمْ فَخَفَّفَ بِإِسْقَاطِ الْبَعْضِ فَلَمْ يَقُومُوا بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ التَّخْفِيفِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَمَا نَقَلَهُ الْغَيْطِيُّ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(فَائِدَةٌ)
وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ عِبَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَاةِ مَا هِيَ وَفِي أَيِّ مَكَانِ كَانَ يَتَعَبَّدُ وَهَلْ وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَبَّدُ عَلَى شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ لَا وَمَا كَانَتْ شَرِيعَتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ هَلْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَمْ لَا وَهَلْ كَانَ يَقْرَأُ فِي عِبَادَتِهِ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَأَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَبَّدْ بِشَرِيعَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مُطْلَقًا وَعِبَادَتُهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَتْ شَهْرًا فِي السَّنَةِ فِي غَارِ حِرَاءَ بِالْمَدِّ يَتَفَكَّرُ فِي آلَاءِ اللَّهِ وَيُكْرِمُ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ الضِّيفَانِ ثُمَّ بَعْدَ الْبَعْثَةِ كَانَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَانِ بِالْعَشِيِّ كَمَا قِيلَ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُ فِيهِمَا وَالرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ صَلَّاهُمَا بِالْأَنْبِيَاءِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتَا مِمَّا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا قَرَأَهُ فِيهِمَا ثُمَّ رَأَيْت فِي نُزْهَةِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَ فِيهِمَا سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَقَوْلُهُ سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ لِمَا وَرَدَ أَنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ لَمْ يُحْفَظْ فِي الْإِسْلَامِ صَلَاةٌ قَطُّ بِغَيْرِ الْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَوْلُهُ أَيْ الْبِرْمَاوِيِّ كَانَتْ شَهْرًا فِي السَّنَةِ أَيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ رَمَضَانَ فَكَانَ يَخْلُوهُ فِي حِرَاءَ كُلَّ سَنَةٍ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَخْ) غَرَضُهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ بِالتَّخْفِيفِ عَدَمُ الْوُجُوبِ مَعَ النَّدْبِ أَوْ تَقْوِيَةُ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذِكْرِ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ح ل دَفَعَ بِهِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ التَّخْفِيفَ حَصَلَ فِي الْفَرِيضَةِ كَمَا حَصَلَ فِي الْعَدَدِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا) ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ كَأَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَطَالَبَهُ وَلِيُّ الدَّمِ بِاسْتِيفَائِهِ فَأَمَرَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ تَعَيَّنَتْ فِيهِ أَيْ فِي أَوَّلِهِ فَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ تُضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ اهـ رَوْضٌ وَشَرْحُهُ اهـ ع ش
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَخْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا أَيْ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ بِأَنْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهَا وَلَمْ يُلَاحِظْ كَوْنَهُ فِي الْوَقْتِ أَثِمَ اهـ ح ل وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا عَزْمٌ عَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَعْزِمَ عِنْدَ الْبُلُوغِ عَلَى فِعْلِ كُلِّ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ كُلِّ الْمَعَاصِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ سم فِي الْآيَاتِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَهَا) أَيْ وَقَدْ ظَنَّ السَّلَامَةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ السُّبْكِيّ وَمَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ عَصَى، فَإِنْ عَاشَ وَفَعَلَهُ فَالْجُمْهُورُ أَدَاءً وَقَالَ الْقَاضِيَانِ أَبُو بَكْرٍ وَالْحُسَيْنُ قَضَاءً وَمَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ فَالصَّحِيحُ لَا يَعْصِي بِخِلَافِ مَا وَقْتُهُ الْعُمْرُ كَالْحَجِّ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ أَيْضًا: فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَخْ) فَالْوَاجِبُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ الْفِعْلُ أَوْ الْعَزْمُ الْمَذْكُورُ لَا يُقَالُ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً عَلَى الْعَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّازِمُ كَوْنُهَا غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَى الْعَيْنِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِجُمْلَةِ الْوَقْتِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مُطْلَقًا عَنْهَا وَلَا يَلْزَمُ خِلَافُ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ) فَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْعَزْمِ وَقَبْلَ الْفِعْلِ يَأْثَمُ
(1/264)
(بَابُ أَوْقَاتِهَا) التَّرْجَمَةُ بِهِ مِنْ زِيَادَتِي وَلَمَّا كَانَ الظُّهْرُ أَوَّلَ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْلِهِ {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] وَكَانَتْ أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَّمَهَا جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأْتُ كَغَيْرِي بِوَقْتِهَا فَقُلْت (وَقْتُ ظُهْرٍ بَيْنَ) وَقْتَيْ (زَوَالٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِخِلَافِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ لَا يُقَالُ شَرْطُ جَوَازِ التَّأْخِيرِ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْعَاقِبَةُ مَسْتُورَةٌ عَنْهُ وَيُفَارِقُ الْحَجَّ بِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا مَعْلُومٌ بِخِلَافِ آخِرِ وَقْتِ الْحَجِّ فَأُبِيحَ لَهُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُبَادِرَ الْمَوْتُ، فَإِذَا لَمْ يُبَادِرْهُ كَانَ مُقَصِّرًا وَلِأَنَّ الْمَوْتَ بِالنَّظَرِ إلَى الزَّمَنِ الطَّوِيلِ لَا يَنْدُرُ نُدْرَتَهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَصِيرِ ثُمَّ جَوَازُ تَأْخِيرِهَا مَشْرُوطٌ بِظَنِّ إمْكَانِ الْفِعْلِ وَبِالْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهَا فِي وَقْتِهَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَهَذَا لَا يُنَافِي اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الِاتِّفَاقِ فِي الْعَزْمِ الْعَامِّ فِي جَمِيعِ التَّكَالِيفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَمَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْخَاصِّ بِالْفَرْضِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ فَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُ اكْتَفَى بِالْعَامِّ وَمَنْ أَوْجَبَهُ فَلِتَعَلُّقِ الْفَرْضِ بِالْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَيَكُونُ وُجُوبُهُ رَاجِعًا إلَى إيقَاعِهِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ اهـ ح ل (فَائِدَةٌ)
فِي شَرْحِ الْمُنْفَرِجَةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْعِبَادَةُ مَا تُعُبِّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ وَالْقُرْبَةُ مَا تُقُرِّبَ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَالطَّاعَةُ غَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهَا امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ قَالَ وَالطَّاعَةُ تُوجَدُ بِدُونِهِمَا فِي النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ إذْ مَعْرِفَتُهُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالنَّظَرِ وَالْقُرْبَةُ تُوجَدُ بِدُونِ الْعِبَادَةِ فِي الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ انْتَهَى وَوُجِدَ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِكَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورِ مَا نَصُّهُ فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَ الثَّلَاثِ تَبَايُنًا بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ التَّحَقُّقِ فَبَيْنَ الطَّاعَةِ وَكُلٍّ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبَةِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ فَكُلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ أَوْ قُرْبَةٌ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَاعَةٌ وَلَا عَكْسَ فَالطَّاعَةُ أَعَمُّ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْعِبَادَةُ أَخَصُّهَا وَالْقُرْبَةُ أَعَمُّ مِنْ الْعِبَادَةِ وَأَخَصُّ مِنْ الطَّاعَةِ فَهِيَ أَوْسَطُهَا اهـ فَتَدَبَّرْ.
[بَابُ أَوْقَاتِ الصَّلَاة]
(بَابُ أَوْقَاتِهَا) صَدَّرَ الْكِتَابَ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ بِبَحْثِ الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ شُرُوطِهَا إذْ بِدُخُولِهَا تَجِبُ وَبِخُرُوجِهَا تَفُوتُ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَوَّلَ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ) أَيْ فِي الْوُجُودِ بَلْ وَأَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ إمَّا بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ أَوْ بِتَوَقُّفِ الْوُجُوبِ عَلَى التَّعْلِيمِ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقَوْلِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَوْ لِظُهُورِهَا فِي وَسَطِ النَّهَارِ أَوْ لِفِعْلِهَا فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ أَوْ لِأَنَّ وَقْتَهَا أَظْهَرُ الْأَوْقَاتِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حِكْمَةِ الْأَوَّلِيَّةِ احْتِيَاجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى تَعْلِيمِ كَيْفِيَّتِهَا وَالتَّعْلِيمُ فِي أَظْهَرِ الْأَوْقَاتِ أَبْلَغُ وَصَرِيحُ هَذَا وَمَا يَأْتِي أَنَّهُ صَلَّاهَا بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَمَا قِيلَ إنَّهُ صَلَّاهَا أَوَّلَ يَوْمٍ بِغَيْرِ رُكُوعٍ وَفِي عَصْرِ الثَّانِي رَكَعَ فَسَأَلَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ بِهَذَا أُمِرْت غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ بِهَا) قَدْ بَدَأَ اللَّهُ أَيْضًا بِالصُّبْحِ فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ فَهَذَا لَا يَتِمُّ إلَّا إنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ سَابِقَةٌ عَلَى تِلْكَ فِي النُّزُولِ اهـ شَيْخُنَا وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ قَوْلَهُ، وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ بِهَا إلَخْ بَعْضُ الْحِكْمَةِ وَتَمَامُهَا هُوَ مَجْمُوعُ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فَلَا تَرِدُ الصُّبْحُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ زَوَالِهَا وَاللَّامُ بِمَعْنَى عِنْدَ أَيْ عِنْدَ زَوَالِهَا اهـ شَيْخُنَا.
وَفِي الْمِصْبَاحِ دَلَكْت الشَّيْءَ دَلْكًا مِنْ بَابِ قَتَلَ مَرَسْته بِيَدِك وَدَلَكْت النَّعْلَ بِالْأَرْضِ مَسَحْتهَا بِهَا وَدَلَكَتْ الشَّمْسُ وَالنُّجُومُ دُلُوكًا مِنْ بَابِ قَعَدَ زَالَتْ عَنْ الِاسْتِوَاءِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْغُرُوبِ أَيْضًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَانَتْ أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَّمَهَا إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ عَطْفَ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: بَدَأْت كَغَيْرِي بِوَقْتِهَا فَقُلْت) : وَإِنَّمَا بَدَءُوا بِهَا، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ صَلَاةٍ حَضَرَتْ بَعْدَ الْإِيجَابِ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ الصُّبْحَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ لَهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِ الْخَمْسِ مِنْ الظُّهْرِ وَأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالصَّلَاةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِهَا وَلَمْ يَتَبَيَّنْ إلَّا وَقْتُ الظُّهْرِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَقْتُ ظُهْرٍ) بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُشَالَةِ أَيْ وَقْتُ صَلَاتِهِ وَهُوَ لُغَةً اسْمٌ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَمِنْهُ صَلَاةُ الظَّهِيرَةِ وَشَرْعًا اسْمٌ لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَحِكْمَةُ اخْتِصَاصِ الْخَمْسِ بِهَذِهِ الْأَوْقَاتِ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَكَذَا خُصُوصُ كُلِّ عَدَدٍ مِنْهَا وَمَجْمُوعُ عَدَدِهَا مِنْ كَوْنِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَأَبْدَى بَعْضُهُمْ لِذَلِكَ حِكَمًا مِنْهَا تَذَكُّرُ الْإِنْسَانِ بِهَا نَشْأَتَهُ إذْ وِلَادَتُهُ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَنَشْؤُهُ كَارْتِفَاعِهَا وَشَبَابُهُ كَوُقُوفِهَا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَكُهُولَتُهُ كَمَيْلِهَا وَشَيْخُوخَتُهُ كَقُرْبِهَا مِنْ الْغُرُوبِ وَمَوْتُهُ كَغُرُوبِهَا وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَفَنَاءُ جِسْمِهِ كَانْمِحَاقِ أَثَرِهَا وَهُوَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فَوَجَبَتْ
(1/265)
وَ) زِيَادَةِ (مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ غَيْرَ ظِلِّ اسْتِوَاءٍ) أَيْ غَيْرَ ظِلِّ الشَّيْءِ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ إنْ كَانَ وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ قَوْله تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [ق: 40] أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الصُّبْحَ وَبِالثَّانِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبِالثَّالِثِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَخَبَرُ «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْعِشَاءُ حِينَئِذٍ تَذْكِيرًا بِذَلِكَ كَمَا أَنَّ كَمَالَهُ فِي الْبَطْنِ وَتَهْيِئَتُهُ لِلْخُرُوجِ كَطُلُوعِ الْفَجْرِ الَّذِي هُوَ مُقَدِّمَةٌ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ الْمُشَبَّهِ بِالْوِلَادَةِ فَوَجَبَتْ الصُّبْحُ حِينَئِذٍ لِذَلِكَ وَمِنْهَا حِكْمَةُ كَوْنِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ بَقَاءُ كَسَلِ النَّوْمِ وَالْعَصْرَيْنِ أَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَرْبَعًا تَوَفُّرُ النَّشَاطِ عِنْدَهُمَا بِمُعَانَاةِ الْأَسْبَابِ وَالْمَغْرِبِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ وَلَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا بُتَيْرًا تَصْغِيرُ بَتْرًا مِنْ الْبَتْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَأُلْحِقَتْ الْعِشَاءُ بِالْعَصْرَيْنِ لِيَنْجَبِرَ نَقْصُ اللَّيْلِ عَنْ النَّهَارِ زَادَ فِيهِ فَرْضَانِ وَفِي النَّهَارِ ثَلَاثَةً لِكَوْنِ النَّفْسِ عَلَى الْحَرَكَةِ فِيهِ أَقْوَى وَمِنْهَا حِكْمَةُ كَوْنِ عَدَدِهَا سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً أَنَّ سَاعَاتِ الْيَقَظَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْهَا النَّهَارُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً وَنَحْوُ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَسَاعَتَيْنِ آخِرَهُ فَكُلُّ رَكْعَةٍ تُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَاعَةٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَشَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَزِيَادَةِ مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلُهُ) أَيْ فَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمَّا كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ إلَّا بِهَا عَوَّلَ عَلَيْهَا الْإِمَامُ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَدْخُلُ بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَقِيلَ فَاصِلَةٌ بَيْنَهُمَا اهـ ح ل (قَوْلُهُ غَيْرَ ظِلِّ اسْتِوَاءٍ) لَمَّا كَانَتْ الْعِبَارَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِوَاءَ لَهُ ظِلٌّ أَوَّلَهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ غَيْرَ ظِلِّ الشَّيْءِ إلَخْ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ إلَخْ) الْآيَةُ مُجْمَلَةٌ وَالسُّنَّةُ فَصَّلَتْ ذَلِكَ الْمُجْمَلَ وَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْآيَةَ عَلَى الْحَدِيثِ إشَارَةً لِذَلِكَ إذْ الْآيَةُ لَا يُعْلَمُ مِنْهَا ابْتِدَاءُ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَا انْتِهَاؤُهُ، وَإِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى الْأَوْقَاتِ إجْمَالًا فَذِكْرُ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا تَفْصِيلٌ لِذَلِكَ الْمُجْمَلِ وَبِهِ يُعْلَمُ رَدُّ مَا اسْتَشْكَلَ بِهِ الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْمَوَاقِيتِ، وَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الصَّلَوَاتِ إجْمَالًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [طه: 130] أَيْ صَلِّ حَامِدًا اهـ جَلَالٌ وَعَبَّرَ عَنْ الصَّلَاةِ بِالتَّسْبِيحِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ اهـ ع ش وَفِيهِ أَنَّ التَّسْبِيحَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْهَا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَعْظَمَ الْأَجْزَاءِ حَتَّى يُسْتَعْمَلَ فِي الْكُلِّ وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَعَانِي التَّسْبِيحِ الصَّلَاةَ وَعَلَيْهِ لَا تَجُوزُ اهـ وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ دُونَ قَوْلِهِ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْأَمْرَ بِالتَّسْبِيحِ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ فِيهَا وَلَمَّا كَانَتْ الْآيَةُ مُجْمَلَةً وَالدَّلِيلُ الْمُجْمَلُ فِيهِ مَا فِيهِ احْتَاجَ إلَى الثَّانِي فَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: وَخَبَرُ أَمَّنِي جِبْرِيلُ إلَخْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَخَبَرَ أَمَّنِي جِبْرِيلُ) أَيْ جَعَلَنِي إمَامًا وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى بِي الظُّهْرَ بِمَعْنَى مَعَ وَقِيلَ مَعْنَى أَمَّنِي صَارَ إمَامًا لِي فَتَكُونُ الْبَاءُ عَلَى حَقِيقَتِهَا اهـ شَوْبَرِيٌّ وَالْأَخِيرُ هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ الَّذِي فِي ع ش وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ جِبْرِيلُ وَصَلَّى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ مِنْهُ لِغَرَضِ التَّعْلِيمِ لَا يُقَالُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَقْتَدِيَ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعَلِّمَهُ التَّبَعِيَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ أَوْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بِهِ إمَامًا وَيُعَلِّمُهُ جِبْرِيلُ مَعَ كَوْنِهِ مُقْتَدِيًا بِالْإِشَارَةِ أَوْ نَحْوِهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَعَلَّ إمَامَةَ جِبْرِيلَ أَظْهَرُ مَعَ التَّعْلِيمِ مِنْهُ فِيمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ جِبْرِيلُ وَعَلَّمَهُ بِالْإِشَارَةِ لَا يُقَالُ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّتِهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الشَّرْعِ وَظُهُورِ كَيْفِيَّتِهَا لِلنَّاسِ وَأَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ عَلَّمَهُ مَا فِيهَا مِنْ الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَأَمَّ بِهِ لِيُعَلِّمَهُ كَيْفِيَّةَ الْفِعْلِ الَّذِي عَلِمَ وُجُوبَهُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: جِبْرِيلَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَفِيهِ لُغَاتٌ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْجَلِيلِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْفُتُوحِ كَذَا قِيلَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْبَيْتِ) أَيْ فِيمَا بَيْنَ الْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَحَلُّ الْمَعْرُوفُ بِالْمِعْجَنَةِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَقْبِلِينَ الْكَعْبَةَ وَيُخَالِفُهُ مَا وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِرَأْيِهِ لِأَجْلِ أَنْ يَعْلَمَ هَلْ تَتْبَعُهُ الْكُفَّارُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ قِبْلَتَهُمْ» لَا يُقَالُ: إنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مُسْتَقْبِلِينَ الشَّامَ.
لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَ يَجْعَلُ الْبَيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ» «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَهُ جِبْرِيلُ لِيُعَلِّمَهُ الْكَيْفِيَّةَ نَادَى أَصْحَابَهُ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ إنَّ جِبْرِيلَ أَتَى إلَيْكُمْ لِيُعَلِّمَكُمْ الصَّلَاةَ فَأَحْرَمَ جِبْرِيلُ وَأَحْرَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَهُ وَأَحْرَمَتْ الصَّحَابَةُ كَذَلِكَ مُقْتَدِينَ بِجِبْرِيلَ لَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَهُ فَصَارُوا يُتَابِعُونَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالرَّابِطَةِ» قَالَ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِيَاجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلتَّعْلِيمِ هُنَا تَفْصِيلًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ أُعْطِيَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إجْمَالًا؛ لِأَنَّ
(1/266)
مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ الْفَيْءُ قَدْرَ الشِّرَاكِ وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ أَيْ الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَيْ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وَالْفَجْرَ حِينَ حُرِّمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ وَالْعَصْرَ حِين كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَالْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَالْفَجْرَ فَأَسْفَرَ وَقَالَ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ ثَلَاثُونَ أَلْفَ مُعْجِزَةٍ سِوَى الْقُرْآنِ وَفِيهِ سِتُّونَ أَلْفَ مُعْجِزَةٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنْيَّةِ مَا نَصُّهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوَّلَ مَا صَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ صُرِفَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَرَّ بِمَكَّةَ فَصَلَّى ثَلَاثَ حِجَجٍ ثُمَّ هَاجَرَ فَصَلَّى إلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْكَعْبَةِ» اهـ وَقَوْلُهُ ثَلَاثَ حِجَجٍ أَيْ ثَلَاثَ سِنِينَ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ أَمَّا عَلَى أَنَّهُ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَالْمُرَادُ مَا كَانَ يُصَلِّيهِ قَبْلَ فَرْضِ الْخَمْسِ اهـ شَارِحٌ (قَوْلُهُ: مَرَّتَيْنِ) الْمَرَّةُ كِنَايَةٌ عَنْ فِعْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مِنْ الظُّهْرِ إلَى الصُّبْحِ وَإِلَّا فَهُوَ صَلَّى بِهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ) أَيْ عَقِبَ هَذَا الْحِينِ وَقَوْلُهُ وَالْعَصْرُ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ إلَخْ أَيْ عَقِبَ هَذَا الْحِينِ أَيْضًا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَيْ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ) وَكَانَ هَذَا الْوَقْتُ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ فَلَا يَرُدُّ أَنَّ فَرْضَ رَمَضَانَ كَانَ بَعْدَ فَرْضِ الصَّلَاةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر، فَإِنْ قِيلَ الصَّوْمُ إنَّمَا فُرِضَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَكَيْفَ قَالَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ تَقَرُّرِ فَرْضِ الصَّوْمِ بِالْمَدِينَةِ أَوْ الْمُرَادُ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ الَّذِي تَعْهَدُونَهُ، فَإِنَّهُ كَانَ مَفْرُوضًا عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْضًا انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: حِينَ غَابَ الشَّفَقُ) أَيْ الْحُمْرَةُ الَّتِي تَلِي الشَّمْسَ عِنْدَ سُقُوطِ الْقُرْصِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِرِقَّتِهِ وَمِنْهُ الشَّفَقَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَيْ رِقَّةُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ ثُمَّ يَغِيبُ وَيَبْقَى الْأَبْيَضُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَأَشْفَقْت عَلَى الصَّغِيرِ حَنَوْت وَعَطَفْت وَالِاسْمُ الشَّفَقَةُ وَشَفَقْت أُشْفِقُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةً فَأَنَا شَفِيقٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ صَوْمٌ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَنْدُوبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ حِينَ امْتَنَعَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَوْ نَفْلًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ) أَيْ فَلَمَّا جَاءَ الْغَدُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ إلَخْ وَفِيهِ أَنَّ أَوَّلَ الْيَوْمِ الثَّانِي لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ هُوَ الصُّبْحُ وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَقُولُ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الصُّبْحَ إلَى آخِرِ الْعِشَاءِ ثُمَّ يَقُولُ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَيْ بَعْدَ الْيَوْمِ الثَّانِي صَلَّى بِي الصُّبْحَ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ قُلْتُ يَجُوزُ أَنَّهُ جَعَلَ الْيَوْمَ مُلَفَّقًا مِنْ يَوْمَيْنِ فَيَكُونُ الصُّبْحُ الْأَوَّلُ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالصُّبْحُ الثَّانِي مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي اهـ ع ش عَلَى م ر أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْغَدِ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الْخَمْسِ ثَانِيًا وَأَوَّلُهَا الظُّهْرُ فَلِذَا قَالَ صَلَّى بِي الظُّهْرَ وَلَمْ يَقُلْ الصُّبْحَ مَعَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْغَدِ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ وَلَمْ يَقُلْ صَلَّى بِي الصُّبْحَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَمَّلَ بِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ كَانَ كَأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْأَوَّلِ انْتَهَتْ أَوْ يُقَالُ: إنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَأَمَّا الصُّبْحُ فَهُوَ لَيْلِيٌّ بِدَلِيلِ الْجَهْرِ فِيهِ فَصَحَّ قَوْلُهُ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ وَكَيْنُونَةُ الْغَدِ مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهَذَا بَعْدَ وَقْتِ الصُّبْحِ (قَوْلُهُ: إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ مُؤَخَّرَةً إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إلَى بِمَعْنَى عِنْدَ وَلَا حَذْفَ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَأَسْفَرَ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرِيدُ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ فَدَخَلَ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْهَا فِي الْإِسْفَارِ وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَوْقَعَهَا فِيهِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخِّرَ إلَى الْإِسْفَارِ أَيْ الْإِضَاءَةِ كَمَا سَيَأْتِي اهـ عَزِيزِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ فَأَسْفَرَ قَالَ فِي مَرْقَاةِ الصُّعُودِ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ يَعْنِي الْعِرَاقِيَّ الظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى جِبْرِيلَ وَمَعْنَى أَسْفَرَ دَخَلَ فِي السَّفَرِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفَاءِ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الصُّبْحِ أَيْ فَأَسْفَرَ الصُّبْحُ فِي وَقْتِ صَلَاتِهِ وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ «ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِين أَسْفَرَتْ الْأَرْضُ» اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ) أَيْ هَذِهِ أَوْقَاتُ الْأَنْبِيَاءِ فَهُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ قَالَ السُّيُوطِيّ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ أُمَّةٌ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ وَقْتَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَوْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ يُونُسُ صَلَّاهَا دُونَ أُمَّتِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ) أَيْ مَا بَيْنَ مُلَاصِقٍ أَوَّلَ أَوَّلِهِمَا مِمَّا قَبْلَهُ وَمُلَاصِقِ آخِرِ ثَانِيهِمَا مِمَّا بَعْدَهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ بِدُونِ هَذَا التَّأْوِيلِ يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَ الصَّلَاتَيْنِ لَيْسَ مِنْ الْوَقْتِ وَلَيْسَ مُرَادًا اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ سم قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ مَا بَيْنَ أَوَّلِ أُولَاهُمَا وَآخِرِ أُخْرَاهُمَا فَيَكُونُ عَلَى هَذَا قَدْ بَيَّنَ جَمِيعَ الْوَقْتِ بِالْقَوْلِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ (قُلْت)
(1/267)
مِثْلَهُ أَيْ فَرَغَ مِنْهَا حِينَئِذٍ كَمَا شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ.
قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَافِيًا بِهِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ «وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ وَالزَّوَالُ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ» الْمُسَمَّى بُلُوغُهَا إلَيْهِ بِحَالَةِ الِاسْتِوَاءِ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ فِي الظَّاهِرِ لَنَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ ظِلِّ الشَّيْءِ عَلَى ظِلِّهِ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ أَوْ بِحُدُوثِهِ إنْ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ ظِلٌّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَلِلظُّهْرِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلُهُ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى آخِرِهِ وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الْعَصْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ وَقَالَ الْقَاضِي لَهَا أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَ رُبْعِهِ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلَ نِصْفِهِ وَوَقْتُ جَوَازٍ إلَخْ وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
يَرُدُّ عَلَيْهِ وَقْتُ أَوَّلِ الْأُولَى وَآخِرِ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَيَكُونُ سَبِيلُ بَيَانِهِ الْفِعْلَ اهـ عَمِيرَةُ وَقَوْلُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَيْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تُخْرِجُهُ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ أَيْ مَا بَيْنَ مُلَاصِقِ أَوَّلِ الْأُولَى مِمَّا قَبْلَهَا وَمُلَاصِقِ آخِرِ الثَّانِيَةِ مِمَّا بَعْدَهَا وَهَذَا مِنْ التَّقْدِيرِ الَّذِي تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَالتَّأْوِيلُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ مَعَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْمُرَادِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ وَقْتُهَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْحَدِيثِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَيْ فَرَغَ مِنْهَا حِينَئِذٍ) هَلْ يَصِحُّ بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ قَدْرِ الِاسْتِوَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ.
وَقَدْ يُقَالُ لَا يَصِحُّ بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ الِاسْتِوَاءِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ مَعَ بَقَاءِ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ قَالَهُ إمَامُنَا اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: اشْتِرَاكَهُمَا فِي وَقْتٍ) أَيْ وَاحِدٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَائِلِ بِأَنَّهُمَا مُشْتَرِكَتَانِ فِي قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَوَافَقَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَعَلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَائِلِ بِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ فِي ثَانِي قَوْلَيْهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ) أَيْ بِمَنْطُوقِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ نُؤَوِّلْهُ وَنَقُولُ بِالِاشْتِرَاكِ بِخِلَافِ حَدِيثِ جِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ بِظَاهِرِهِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِنَفْيِهِ أَيْضًا فَأَوَّلْنَاهُ لِذَلِكَ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي الْمُحْتَمَلِ مَعَ غَيْرِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ اهـ غَزِّيٌّ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالزَّوَالُ مَيْلُ الشَّمْسِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ أَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا تَسِيرُ إلَى وَسَطِ السَّمَاءِ ثُمَّ تَرْجِعُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ كَعَادَتِهَا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ بِرُجُوعِهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ زَوَالِهَا وَوَقْتُ الْعَصْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَالْمَغْرِبِ بِغُرُوبِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لَيْلَةَ طُلُوعِهَا مِنْ مَغْرِبِهَا تَطُولُ بِقَدْرِ ثَلَاثِ لَيَالِي لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهَا لِانْبِهَامِهَا عَلَى النَّاسِ فَحِينَئِذٍ قِيَاسُ مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِنَا بَعْدُ بِيَسِيرٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْخَمْسِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَيْلَتَانِ فَيُقَدَّرَانِ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَوَاجِبُهُمَا الْخَمْسُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوَاقِيتَ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ ارْتِفَاعًا فَقَدْ يَكُونُ زَوَالُ الشَّمْسِ فِي بَلَدِ طُلُوعِهَا بِبَلَدٍ آخَرَ وَعَصْرًا بِآخَرَ وَمَغْرِبًا بِآخَرَ وَعِشَاءً بِآخَرَ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَالزَّوَالُ مَيْلُ الشَّمْسِ إلَخْ) الشَّمْسُ تُجْمَعُ عَلَى شُمُوسٍ كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا كُلَّ نَاحِيَةٍ مِنْهَا شَمْسًا كَمَغْرِبٍ وَمَغَارِبَ وَهِيَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَمَرِ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَهِيَ تَقْطَعُ فِي خُطْوَةِ الْفَرَسِ فِي شِدَّةِ عَدْوِهَا عَشَرَةَ آلَافِ فَرْسَخٍ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ الْأُجْهُورِيُّ قَالَ شَيْخُنَا ح ف وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَبْلَغَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ جِبْرِيلَ هَلْ زَالَتْ الشَّمْسُ قَالَ لَا نَعَمْ فَقَالَ مَا مَعْنَى لَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَطَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ فَلَكِهَا بَيْنَ قَوْلِي لَا نَعَمْ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» اهـ أَيْ بَيْنَ قَوْلِي لَا وَقَوْلِي نَعَمْ فَفِيهِ حَذْفُ الْعَاطِفِ وَالْمَعْطُوفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] أَيْ بَيْنَ أَحَدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ بَيْنَ لَا تَقَعُ إلَّا بَيْنَ مُتَعَدِّدٍ تَأَمَّلْ اهـ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّ الْفُلْكَ الْأَعْظَمَ الْمُحَرِّكَ لِغَيْرِهِ يَتَحَرَّكُ بِقَدْرِ النُّطْقِ بِالْحَرْفِ الْمُحَرَّكِ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ أَوْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا وَلِذَلِكَ لَمَّا سَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِبْرِيلَ هَلْ زَالَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ لَا نَعَمْ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا تَحَرَّكَ الْفُلْكُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا فَزَالَتْ فَقَالَ نَعَمْ اهـ (قَوْلُهُ: وَقْتَ فَضِيلَةِ أَوَّلِهِ) قَالَ حَجّ الْمُرَادُ بِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ مَا يَزِيدُ فِيهِ الثَّوَابُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ وَبِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ مَا فِيهِ ثَوَابٌ دُونَ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَبِوَقْتِ الْجَوَازِ مَا لَا ثَوَابَ فِيهِ مِنْهَا وَبِوَقْتِ الْكَرَاهَةِ مَا فِيهِ مُلَامٌ مِنْهَا وَبِوَقْتِ الْحُرْمَةِ مَا فِيهِ إثْمٌ مِنْهَا اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي) الْمُرَادُ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ شَيْخُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيِّ وَهُوَ الَّذِي جَاءَهُ إنْسَانٌ وَقَالَ لَهُ أَنَا حَلَفْت بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا أَعْلَمُ مِنْك فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ اذْهَبْ لَا حِنْثَ عَلَيْك هَكَذَا يَفْعَلُ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مِثْلَ رُبْعِهِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ زَمَنٌ يَسَعُ الْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ وَالْغُسْلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَلَا وَاجِبُهُ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عَلَيْهِ
(1/268)
الْعَصْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ وَلَهَا أَيْضًا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَسَيَأْتِي وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي لَا يَسَعُهَا وَإِنْ وَقَعَتْ أَدَاءً لَكِنَّهُمَا يَجْرِيَانِ فِي غَيْرِ الظُّهْرِ وَعَلَى هَذَا فَفِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَالْقَاضِي إلَى آخِرِهِ تَسَمُّحٌ.
(فَ) وَقْتُ (عَصْرٍ) مِنْ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ (إلَى غُرُوبٍ) لِلشَّمْسِ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ مَعَ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ فِي مُسْلِمٍ «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَيَسَعُ السِّتْرَ لِلْعَوْرَةِ وَاللِّبَاسَ لِلتَّجَمُّلِ وَإِزَالَةَ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْمُخَفَّفَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ وَيَسَعُ أَكْلَ لُقَيْمَاتٍ تَكْسِرُ حِدَةَ الْجُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَائِعًا وَيَسَعُ صَلَاةَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا مُؤَكَّدًا وَغَيْرَهُ وَهَذَا الضَّابِطُ لِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ يَجْرِي فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسِ وَقَوْلُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلَ نِصْفِهِ أَيْ مُمْتَدًّا مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلَ نِصْفِهِ فَوَقْتُ الْفَضِيلَةِ مُشْتَرَكٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ اخْتِيَارٌ لَا غَيْرُ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ زَالَتْ الْمَوَانِعُ وَبَقِيَ قَدْرُ تُحْرِمُ وَخَلَا مِنْهَا قَدْرُ الظُّهْرِ وَالصَّلَاةُ لَزِمَتْ مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا إنْ صَلَحَ لِجَمْعِهِ مَعَهَا وَخَلَا قَدْرُهُ اهـ وَمُحَصِّلُهُ أَنْ تَزُولَ الْمَوَانِعُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةً فَوَقْتُ الظُّهْرِ الضَّرُورِيُّ لَهُ صُورَتَانِ وَكَذَا يُقَالُ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ الضَّرُورِيِّ وَهُوَ أَنْ تَزُولَ الْمَوَانِعُ وَيَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا أَوْ مِنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةَ التَّحَرُّمِ، وَأَمَّا الْعَصْرُ فَوَقْتُهُ الضَّرُورِيُّ لَهُ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَنْ تَزُولَ الْمَوَانِعُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا هِيَ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةَ التَّحَرُّمِ وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ تَأَمَّلْ اهـ لِكَاتِبِهِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي لَا يَسَعُهَا) أَيْ جَمِيعُ أَرْكَانِهَا حَتَّى لَوْ كَانَ يَسَعُ الْأَرْكَانَ وَلَا يَسَعُ بَقِيَّةَ السُّنَنِ وَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِتِلْكَ السُّنَنِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ لِذَلِكَ الزَّمَنِ أَيْ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهَا إلَى هَذَا الْوَقْتِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ، وَإِنْ وَقَعَتْ أَدَاءً أَيْ بِوُقُوعِ رَكْعَةٍ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ لَا يَسَعُهَا هَلْ الْمُرَادُ لَا يَسَعُ وَاجِبَاتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا جَازَ أَوْ أَعَمَّ أَوْ يَفْصِلَ، فَإِنْ أَخَّرَ إلَى مَا لَا يَسَعُ جَمِيعَهَا لَكِنْ يَسَعُ الْوَاجِبَاتِ، فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا لَمْ يَحْرُمْ أَوْ الْإِتْيَانَ بِجَمِيعِهَا يَحْرُمُ فَلْيُحَرَّرْ وَفِي الْأَنْوَارِ لَوْ أَدْرَكَ آخِرَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَوْ أَدَّى الْفَرِيضَةَ بِسُنَّتِهَا لَفَاتَ الْوَقْتُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ تَقَعُ فِي الْوَقْتِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ السُّنَنَ اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْوَقْتِ إنْ كَانَ يَسَعُ جَمِيعَ أَرْكَانِهَا وَلَا يَسَعُ مَعَ ذَلِكَ سُنَنَهَا فَيَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِالسُّنَنِ، وَإِنْ لَزِمَ إخْرَاجُ بَعْضِهَا عَنْ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمَدِّ وَالْأَفْضَلُ الْإِتْيَانُ بِالسُّنَنِ؛ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ فِيهَا وَلَا مَحْذُورَ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُخْرِجُ بَعْضًا وَهُوَ جَائِزٌ بِالْمَدِّ قَالَ م ر لَا يُقَالُ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ الْمَدِّ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَدَّ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ يُشْبِهُ الْمَدَّ مِنْ جِهَةٍ دُونَ أُخْرَى فَلِشَبَهِهِ بِالْمَدِّ جَازَ وَلِكَوْنِهِ فِيهِ مُحَافَظَةٌ عَلَى سُنَنِ الصَّلَاةِ كَانَ أَفْضَلَ.
قَالَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ لَا يَسَعُ جَمِيعَ الْأَرْكَانِ فَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِالسُّنَنِ وَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ اهـ فَقُلْت لَهُ لَعَلَّ هَذَا التَّفْصِيلَ إذَا أَخَّرَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانَ بِعُذْرٍ فَيَنْبَغِي جَوَازُ الْإِتْيَانِ بِالسُّنَنِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ بِالتَّأْخِيرِ فَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ الْمُشَارِ إلَيْهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتٍ لَا يَسَعُ وَاجِبَاتِهَا فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ رَأَيْت م ر قَرَّرَهُ ثُمَّ قَالَ فِيمَنْ أَخَّرَ إلَى وَقْتٍ لَا يَسَعُ جَمِيعَهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُكَلَّفُ الْعَجَلَةَ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ أَخَّرَ بِعُذْرٍ أَمْ لَا. نَعَمْ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى إيقَاعِ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ انْتَهَتْ وَنَقَلَهَا ع ش عَلَى م ر وَأَقَرَّهَا اهـ (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) هَذَا مَقُولُ الْقَوْلِ وَقَوْلُهُ تَسَمُّحٌ أَيْ تَسَاهُلٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إلَخْ يَشْمَلُ وَقْتَ الْحُرْمَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا وَقْتَ اخْتِيَارٍ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَوَقْتَ جَوَازٍ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي اهـ شَيْخُنَا وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَيْضًا وَقْتُ جَوَازٍ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَيَتَّحِدُ بِالذَّاتِ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَالْجَوَازِ كَمَا اتَّحَدَ كَذَلِكَ وَقْتُ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِيَارِ فِي الْمُغْرِبِ كَمَا سَيَأْتِي اهـ سم.
(قَوْلُهُ: مِنْ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ) أَيْ غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُدُوثِ زِيَادَةٍ، وَإِنْ قُلْت وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَّا أَنَّ خُرُوجَ وَقْتِ الظُّهْرِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ بِدُونِهَا وَقِيلَ إنَّهَا مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَقِيلَ إنَّهَا فَاصِلَةٌ بَيْنَهُمَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مَعَ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً إلَخْ) هَذَا بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ الْآتِي فِي الصُّبْحِ بِقَوْلِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ خَبَرُ مَنْ أَدْرَكَ إلَخْ اهـ شَيْخُنَا وَنَصُّ عِبَارَةِ شَرْحِ م ر هُنَا لِخَبَرِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» اهـ (قَوْلُهُ: وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ إلَخْ) أَتَى بِهِ لِعَدَمِ صَرَاحَةِ الْأَوَّلِ فِي مَقْصُودِهِ مِنْ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لِلْغُرُوبِ إذْ قَوْلُهُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً يُفْهِمُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهَا لَا يُدْرِكُ الْعَصْرَ وَمُقْتَضَاهُ خُرُوجُ وَقْتِهَا بِذَلِكَ اهـ ع ش أَوْ يُقَالُ
(1/269)
(وَالِاخْتِيَارُ) وَقْتُهُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا (إلَى مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْنِ) بَعْدَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ إنْ كَانَ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ وَقَوْلِهِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَبَعْدَهُ وَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى الِاصْفِرَارِ ثُمَّ بِهَا إلَى الْغُرُوبِ وَلَهَا وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الظُّهْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ وَوَقْتُ تَحْرِيمٍ فَلَهَا سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ.
(فَ) وَقْتُ (مَغْرِبٍ) مِنْ الْغُرُوبِ (إلَى مَغِيبِ شَفَقٍ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَقَيَّدَ الْأَصْلُ الشَّفَقَ بِالْأَحْمَرِ لِيُخْرِجَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَصْفَرِ ثُمَّ الْأَبْيَضِ وَحَذَفْته كَالْمُحَرَّرِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ إنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْحُمْرَةُ فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْآخَرِينَ مَجَازٌ، فَإِنْ لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ لِقِصَرِ لَيَالِي أَهْلِ نَاحِيَتِهِ كَبَعْضِ بِلَادِ الْمَشْرِقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَتَى بِهِ لِدَفْعِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوَقْتِ إلَى تَمَامِهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِيَارُ وَقْتُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ شَيْخُنَا وَسُمِّيَ وَقْتَ اخْتِيَارٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الرُّجْحَانِ عَلَى مَا بَعْدَهُ أَوْ لِاخْتِيَارِ جِبْرِيلَ إيَّاهُ اهـ س ل.
(قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا) ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ وَفِي الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ إشَارَةً إلَى الْجَوَابِ عَنْ اخْتِلَافِ صَلَاةِ جِبْرِيلَ فِيهَا فِي الْيَوْمَيْنِ مَعَ قَوْلِ جِبْرِيلَ الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ بِخِلَافِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ ثُمَّ بِهَا إلَى الْغُرُوبِ) فِيهِ تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَمَّ بِهَا إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا ثُمَّ يَدْخُلُ وَقْتُ الْحُرْمَةِ فَتَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَهَا وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ) أَيْ وَيَمْتَدُّ إلَى مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَنِصْفَ مِثْلِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَوَقْتُ تَحْرِيمٍ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَوَقْتُ حُرْمَةٍ آخِرُ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُ جَمِيعَهَا، وَإِنْ وَقَعَتْ أَدَاءً وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ حُرْمَةٍ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ وَهَذَا الْوَقْتُ وَقْتُ إيجَابٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ فَنَفْسُ التَّأْخِيرِ هُوَ الْمُحَرَّمُ لَا نَفْسُ الصَّلَاةِ فِيهِ اهـ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِوَقْتِ الْحُرْمَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْخِيرُ لَا مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ وَنَظِيرُهُ يَجْرِي فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَيْضًا وَمَا زَادَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَفْسَدَهَا عَمْدًا صَارَتْ قَضَاءً فَرَّعَهُ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَدَاءٌ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَمَغْرِبٍ) هُوَ فِي اللُّغَةُ يُطْلَقُ عَلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ وَعَلَى مَكَانِهِ وَعَلَى الْبُعْدِ نَفْسِهِ سُمِّيَتْ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ لِفِعْلِهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ اهـ عَمِيرَةُ اهـ سم.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا تُفْعَلُ عَقِبَ الْغُرُوبِ وَأَصْلُ الْغُرُوبِ الْبُعْدُ يُقَالُ غَرَبَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالرَّاءِ إذَا بَعُدَ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: مِنْ الْغُرُوبِ) أَيْ لِجَمِيعِ الْفُرَصِ وَلَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ كَرَامَةً لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فَلَوْ عَادَتْ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَادَ الْوَقْتُ وَوَجَبَ قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَيْ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ إنْ كَانَ صَلَّاهَا وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي الصَّوْمِ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ أَفْطَرَ نَهَارًا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعَصْرَ يُصَلِّيهَا أَدَاءً وَهَلْ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْغُرُوبِ الْأَوَّلِ أَوْ يَتَبَيَّنُ عَدَمَ أَئِمَّةِ الظَّاهِرِ الثَّانِي وَيَشْهَدُ لَهُ قِصَّةُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فِي بَلَدٍ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ ثُمَّ سَارَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَوَجَدَ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ كَمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ شَيْخِنَا اهـ ح ل (قَوْلُهُ: إلَى مَغِيبِ شَفَقٍ) الْمَغِيبُ مَصْدَرٌ وَفِي الْمُخْتَارِ الْغَيْبُ مَا غَابَ عَنْك تَقُولُ غَابَ عَنْهُ مِنْ بَابِ بَاعَ وَغَيْبَةً أَيْضًا وَغَيْبُوبَةً وَغَيُوبًا بِالْفَتْحِ وَمَغِيبًا اهـ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ إلَخْ) بِخِلَافِ الَّذِينَ يَغِيبُ شَفَقُهُمْ فَوَقْتُ الْعِشَاءِ لَهُمْ غَيْبُوبَتُهُ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْ غَيْبُوبَتِهِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ تَأْخِيرًا كَثِيرًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْكَلَامِ اهـ سم عَلَى الْبَهْجَةِ أَقُولُ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ شَفَقَ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْعِشَاءِ (تَنْبِيهٌ)
لَوْ عَدِمَ وَقْتُ الْعِشَاءِ كَأَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ لَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ اخْتِلَافٍ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَوْ لَمْ تَغِبْ إلَّا بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فَأَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ حَالَهُمْ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ أَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ فِي الصَّوْمِ لَيْلَهُمْ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ ثُمَّ يُمْسِكُونَ إلَى الْغُرُوبِ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ وَمَا قَالَاهُ إنَّمَا يَظْهَرُ إنْ لَمْ تَسَعْ مُدَّةُ غَيْبُوبَتِهَا أَكْلَ مَا يُقِيمُ بِنْيَةَ الصَّائِمِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِمَا عِنْدَهُمْ فَاضْطُرِرْنَا إلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَسِعَ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا حِينَئِذٍ كَأَيَّامِ الدَّجَّالِ لِوُجُودِ اللَّيْلِ هُنَا وَإِنْ قَصُرَ وَلَوْ لَمْ يَسَعْ ذَلِكَ إلَّا قَدْرَ الْمَغْرِبِ أَوْ أَكْلِ الصَّائِمِ قَدَّمَ أَكْلَهُ وَقَضَى الْمَغْرِبَ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ حَجّ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْأَوْجَهِ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ صَوْمِ رَمَضَانَ هَلْ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَهُمْ أَوْ يُعْتَبَرُ قَدْرُ طُلُوعِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَوَالِي الصَّوْمِ الْقَاتِلِ أَوْ الْمُضِرِّ ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ لِعَدَمِ اسْتِمْرَارِ الْغُرُوبِ زَمَنًا يَسَعُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مُشْكِلٌ بِالْحُكْمِ بِانْعِدَامِ وَقْتِ الْعِشَاءِ بَلْ قِيَاسُهُ اعْتِبَارُ قَدْرِ طُلُوعِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ وَبَقَاءِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَوُقُوعِهَا أَدَاءً فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِيمَا إذَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ:
(1/270)
اُعْتُبِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ زَمَنٌ يَغِيبُ فِيهِ شَفَقُ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ وَلَهَا خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَوَقْتُ جَوَازٍ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الْعِشَاءِ لِمَنْ يَجْمَعُ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ وَوَقْتُ حُرْمَةٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
اُعْتُبِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَخْ) وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ اعْتِبَارُ ذَلِكَ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ هَؤُلَاءِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ مَا بَيْنَ الْغُرُوبِ وَمَغِيبِ الشَّفَقِ عِنْدَهُمْ بِقَدْرِ لَيْلِ هَؤُلَاءِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ مَغِيبِ الشَّفَقِ لِانْعِدَامِ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ عِنْدَ أُولَئِكَ إلَى لَيْلِهِمْ، فَإِنْ كَانَ السُّدُسَ مَثَلًا جَعَلْنَا لَيْلَ هَؤُلَاءِ سُدُسَهُ وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَبَقِيَّتَهُ وَقْتَ الْعِشَاءِ.
وَإِنْ قَصُرَ جِدًّا ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ ذَكَرَ فِي صُورَتِنَا هَذِهِ اعْتِبَارَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ بِالْأَقْرَبِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى طُلُوعِ فَجْرِ هَؤُلَاءِ فَلَا يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ الصُّبْحِ عِنْدَهُمْ بَلْ يَعْتَبِرُونَ أَيْضًا بِفَجْرِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا إذْ مَعَ وُجُودِ فَجْرٍ لَهُمْ حِسِّيٍّ كَيْفَ يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ وَيُعْتَبَرُ فَجْرُ الْأَقْرَبِ إلَيْهِمْ وَالِاعْتِبَارُ بِالْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِيمَنْ انْعَدَمَ عِنْدَهُمْ ذَلِكَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ مَا إذَا وُجِدَ فَيُدَارُ الْأَمْرُ عَلَيْهِ لَا غَيْرُ اهـ حَجّ اهـ ز ي عِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَخْ أَيْ مَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى اعْتِبَارِ غَيْبُوبَةِ شَفَقِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ طُلُوعُ الْفَجْرِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُصَلُّوا الْعِشَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِالنِّسْبَةِ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ سُدُسَ لَيْلِ أُولَئِكَ أَيْ أَهْلِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ جَعَلْنَا لَيْلَ هَؤُلَاءِ سُدُسَهُ وَقْتَ الْغُرُوبِ وَبَقِيَّتَهُ وَقْتَ الْعِشَاءِ، فَإِذَا كَانَ لَيْلُ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ مِائَةً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَلَيْلُ هَؤُلَاءِ عِشْرِينَ كَانَ وَقْتُ الْعِشَاءِ سُدُسَهَا وَكَتَبَ أَيْضًا وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ لَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى طُلُوعِ فَجْرِهِمْ فَلَا إذْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلُّوا الْعِشَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ عِنْدَ أُولَئِكَ إلَى لَيْلِهِمْ، فَإِنْ كَانَ السُّدُسَ مَثَلًا جَعَلْنَا لَيْلَ هَؤُلَاءِ سُدُسَهُ وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَبَقِيَّتَهُ وَقْتَ الْعِشَاءِ، وَإِنْ قَصُرَ جِدًّا وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْأَقْرَبَ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَالَ وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الصُّبْحِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ بِالْفَجْرِ بَلْ يُعْتَبَرُ بِفَجْرِ الْأَقْرَبِ أَيْضًا قَالَ حَجّ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا إذْ مَعَ وُجُودِ فَجْرٍ لَهُمْ حِسِّيٍّ كَيْفَ يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ وَيُعْتَبَرُ فَجْرُ الْأَقْرَبِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ انْعَدَمَ لَا فِيمَا وُجِدَ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: يَغِيبُ فِيهِ شَفَقُ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ) أَيْ قَدْرَ ذَلِكَ كَعَادَةِ الْقُوتِ الْمُجْزِئِ فِي الْفِطْرَةِ بِبَلَدِهِ وَبِمُضِيِّ ذَلِكَ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ وَيَخْرُجُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَعَ بَقَاءِ شَفَقِهِمْ وَالْمُرَادُ قَدْرُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ الْجُزْئِيَّةِ إلَى لَيْلِ الْبَلَدِ الْأَقْرَبِ مِثَالُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْبَلَدُ الْأَقْرَبُ مَا بَيْنَ غُرُوبِ شَمْسِهِ وَطُلُوعِهَا مِائَةُ دَرَجَةٍ، وَشَفَقُهُمْ عِشْرُونَ مِنْهَا فَهُوَ خُمُسُ لَيْلِهِمْ فَخُمُسُ لَيْلِ الْآخَرِينَ هُوَ حِصَّةُ شَفَقِهِمْ وَهَكَذَا طُلُوعُ فَجْرِهِمْ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّا نَعْتَبِرُ لِلصُّبْحِ بَعْدَ هَذَا الزَّمَنِ زَمَنًا يَطْلُعُ فِيهِ الْفَجْرُ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَهَا خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ) بَلْ لَهَا سِتَّةٌ فَلَهَا وَقْتُ كَرَاهَةٍ وَهُوَ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ فَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ مُرَاعَاةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ مِقْدَارِ مَا يَتَوَضَّأُ وَيَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيُصَلِّي خَمْسَ رَكَعَاتٍ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ: وَقْتُ فَضِيلَةِ وَاخْتِيَارِ أَوَّلِ الْوَقْتِ) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَاحِدٌ أَيْ الْأَفْضَلُ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخِّرَ عَنْ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ لَهَا وَقْتَ كَرَاهَةٍ وَهُوَ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْجَدِيدِ وَاسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ مُضِيُّ قَدْرِ زَمَنِ وُضُوءٍ أَوْ نَحْوِهِ وَاسْتِنْجَاءٍ وَإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ عَنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَتَحَفُّظِ دَائِمِ حَدَثٍ وَمَا يُسَنُّ لِلصَّلَاةِ مِنْ تَعَمُّمٍ وَتَقَمُّصٍ وَأَكْلِ لُقَمٍ يَكْسِرُ بِهَا سَوْرَةَ الْجُوعِ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَآذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ بِالْوَسَطِ لَا بِاعْتِبَارِ فِعْلِ نَفْسِهِ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ، فَإِذَا مَضَى قَدْرُ ذَلِكَ خَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ عَلَى الْجَدِيدِ وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعِشَاءِ إلَّا بِمَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ فَيَكُونُ بَيْنَ وَقْتَيْهِمَا فَاصِلٌ كَمَا بَيْنَ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ اهـ ح ل لَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى الْجَدِيدِ امْتِنَاعُ جَمْعِ التَّقْدِيمِ إذْ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ وُقُوعُ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الْمَتْبُوعَةِ، وَقَدْ حَضَرَ وَقْتُهَا فِيمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِعَدَمِ لُزُومِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَسَعُ الصَّلَاتَيْنِ لَا سِيَّمَا فِي حَالَةِ تَقَدُّمِ الشَّرَائِطِ عَلَى الْوَقْتِ وَاسْتِجْمَاعِهَا فِيهِ، فَإِنْ فُرِضَ ضِيقُهُ عَنْهُمَا لِاشْتِغَالِهِ بِالْأَسْبَابِ امْتَنَعَ الْجَمْعُ وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا أَيْ الْمَغْرِبِ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْجَدِيدِ وَمَدَّ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ بِقِرَاءَةٍ أَمْ ذِكْرٍ بَلْ أَمْ سُكُوتٍ فِيمَا يَظْهَرُ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِيهَا بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِوُقُوعِ بَعْضِهَا خَارِجَ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ إذَا خَرَجَ بَعْضُهَا عَنْ الْوَقْتِ يَكُونُ الْمَفْعُولُ فِيهِ أَدَاءً وَمَا خَرَجَ عَنْهُ قَضَاءً وَحُكْمُ غَيْرِ الْمَغْرِبِ فِي جَوَازِ الْمَدِّ كَالْمَغْرِبِ.
؛ لِأَنَّ
(1/271)
(فَ) وَقْتُ (عِشَاء) مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ (إلَى) طُلُوعِ (فَجْرٍ صَادِقٍ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ مَعَ خَبَرِ مُسْلِمٍ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ وَإِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي امْتِدَادَ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْأُخْرَى مِنْ الْخَمْسِ أَيْ غَيْرِ الصُّبْحِ لِمَا يَأْتِي فِي وَقْتِهَا وَخَرَجَ بِالصَّادِقِ وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِنَوَاحِي السَّمَاءِ الْكَاذِبُ وَهُوَ يَطْلُعُ قَبْلَ الصَّادِقِ مُسْتَطِيلًا ثُمَّ يَذْهَبُ وَتَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ (وَالِاخْتِيَارُ) وَقْتُهُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا (إلَى ثُلُثِ لَيْلٍ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَلَهَا سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى مَا بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ وَبِهَا إلَى الْفَجْرِ الثَّانِي وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ وَهُوَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ لِمَنْ يَجْمَعُ.
(فَ) وَقْتُ (صُبْحٍ) مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ (إلَى) طُلُوعِ (شَمْسٍ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ خَبَرُ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» وَطُلُوعُهَا هُنَا بِطُلُوعِ بَعْضِهَا بِخِلَافِ غُرُوبِهَا فِيمَا مَرَّ إلْحَاقًا لِمَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ فِيهِمَا وَلِأَنَّ الصُّبْحَ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ بَعْضِ الْفَجْرِ فَنَاسَبَ أَنْ يَخْرُجَ بِطُلُوعِ بَعْضِ الشَّمْسِ (وَالِاخْتِيَارُ) وَقْتُهُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا (إلَى إسْفَارٍ) وَهُوَ الْإِضَاءَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طَوَّلَ مَرَّةً فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقِيلَ لَهُ كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ فَقَالَ لَوْ طَلَعَتْ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ أَمَّا الْجُمُعَةُ فَيَمْتَنِعُ تَطْوِيلُهَا إلَى مَا بَعْدَ وَقْتِهَا بِلَا خِلَافٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مَا تَوَقَّفَ صِحَّتُهَا عَلَى وُقُوعِ جَمِيعِهَا فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ حَيْثُ شَرَعَ فِيهَا وَفِي وَقْتِهَا مَا يَسَعُ جَمِيعَهَا وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ يُوقِعَ رَكْعَةً مِنْهَا فِي الْوَقْتِ أَوَّلًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ إيقَاعَ رَكْعَةٍ فِيهِ شَرْطٌ لِتَسْمِيَتِهَا مُؤَدَّاةً وَإِلَّا فَتَكُونُ قَضَاءً لَا إثْمَ فِيهِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَقْتُ فَضِيلَةِ وَاخْتِيَارِ إلَخْ) هُمَا مُتَغَايِرَانِ ذَاتًا وَمَفْهُومًا فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ وَمُتَّحِدَانِ ذَاتًا فِي الْمَغْرِبِ مُتَغَايِرَانِ مَفْهُومًا، وَقَدْ عَرَفْت ضَابِطَهُمَا وَهُوَ وَقْتُ الْفَضِيلَةِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى الْحَقِيقَةِ اقْتَصَرَ فِي الْمَغْرِبِ عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْمَفْهُومِ عَدَّهُمَا وَقْتَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ يَزِيدُ عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِيَارِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ غَيْرِ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُ مُشَارِكٌ لِلْوَقْتَيْنِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُوقِعَهَا قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ زَمَنٌ يَسَعُهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِمَّا يُذْكَرُ فِي سِنِّ التَّعْجِيلِ وَهَذَا هُوَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْجَدِيدِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ كَمَا عَلِمْت وَبَعْدَهُ يَدْخُلُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ كَمَا سَبَقَ فَلَمْ يَبْقَ وَقْتٌ لِلْجَوَازِ بِلَا كَرَاهَةٍ فَتَعَيَّنَ مُشَارَكَتُهُ لِلْوَقْتَيْنِ فَلَا تَغْفُلْ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
(قَوْلُهُ: فَعِشَاءٌ) هِيَ لُغَةُ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَلَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ خِلَافًا لِمَنْ قَالَهُ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ) أَيْ الْأَحْمَرِ وَيَنْبَغِي نَدْبُ تَأْخِيرِهَا إلَى زَوَالِ الْأَصْفَرِ وَنَحْوِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: إلَى فَجْرٍ صَادِقٍ) سُمِّيَ صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ يُصْدِقُ عَنْ الصُّبْحِ وَيُبَيِّنُهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ إطْلَاقُ الْكَذِبِ عَلَى مَا لَا يُعْقَلُ وَهُوَ «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك» لِمَا أَوْهَمَهُ مِنْ عَدَمِ حُصُولِ الشِّفَاءِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ اهـ م ر أَيْ حِينَ سَأَلَهُ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ بَطْنَ أَخِي وَجِعَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْرَبَ الْعَسَلَ فَشَرِبَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ شِفَاءٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُشْفَ فَقَالَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ أَيْ لِأَنَّهُ خَالَفَ قَوْله تَعَالَى {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] اهـ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ) وَيُقَالُ لَهُ الْمُسْتَطِيرُ بِالرَّاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ مُعْتَرَضًا) أَيْ فِي عُرْضِ الْأُفُقِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ فِيمَا بَيْنَ شَمَالِهِ وَجَنُوبِهِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: مُسْتَطِيلًا) شَبَّهَهُ الْعَرَبُ بِذَنَبِ السِّرْحَانِ أَيْ الذِّئْبِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِطَالَةُ وَكَوْنُ النُّورِ فِي أَعْلَاهُ اهـ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ: إلَى ثُلُثِ لَيْلٍ) أَيْ ثُلُثِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَحُكِيَ إسْكَانُهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَى مَا بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ) الْأَوْلَى إلَى الْفَجْرِ الْأَوَّلِ إذْ الْبَيِّنَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِصِدْقِهَا عَلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الزَّمَنِ فَهِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَانْبَهَمَ الْوَقْتُ هُنَا فَلْيُتَأَمَّلْ.
(فَائِدَةٌ)
السَّحَرُ عِبَارَةٌ عَمَّا بَيْنَ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي بَابِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى الطُّرُقِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَوَقْتُ صُبْحٍ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ لُغَةً اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ وَسُمِّيَتْ بِهِ هَذِهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي أَوَّلِهِ وَيُقَالُ لَهَا الْفَجْرُ لِوُرُودِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِهِمَا وَتَسْمِيَتُهُ غَدَاةً خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا كَرَاهَةَ فِي تَسْمِيَةِ الصُّبْحِ غَدَاةً كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ نَعَمْ الْأَوْلَى عَدَمُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ وَتُسَمَّى فَجْرًا وَصُبْحًا لِوُرُودِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِهِمَا مَعًا انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ) لَعَلَّ إيرَادَ هَذَا بَعْدَمَا قَبْلَهُ لِكَوْنِهِ رِوَايَةَ الشَّيْخَيْنِ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ أَصْرَحُ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ) أَيْ مُؤَدَّاةً وَهَذَا الْخَبَرُ مُفِيدٌ لِكَوْنِهَا مُؤَدَّاةً بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُسْتَفَادًا مِمَّا قَبْلَهُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَطُلُوعُهَا هُنَا إلَخْ) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ هُنَا عَمَّا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بَعْضُهَا صَلَّى الْبَاقِيَ فَلَمْ يُلْحِقُوا مَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ وَفِيهِ شَيْءٌ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: إلْحَاقًا لِمَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ) أَيْ فَكَأَنَّهَا كُلَّهَا طَلَعَتْ بِخِلَافِ غُرُوبِهَا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ جَمِيعِ الْقُرْصِ، فَإِذَا غَابَ الْبَعْضُ أُلْحِقَ مَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ اهـ ز ي (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِضَاءَةُ) فِي الْمِصْبَاحِ سَفَرَتْ الشَّمْسُ سَفْرًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ طَلَعَتْ وَسَفَرْت بَيْنَ الْقَوْمِ أَسْفِرْ أَيْضًا سِفَارَةً بِالْكَسْرِ أَصْلَحْت فَأَنَا سَافِرٌ وَسَفِيرٌ وَقِيلَ لِلْوَكِيلِ وَنَحْوِهِ سَفِيرٌ وَالْجَمْعُ سُفَرَاءُ مِثْلُ شَرِيفٍ وَشُرَفَاءَ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ سَفَرْت الشَّيْءَ سَفْرًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا كَشَفْتُهُ وَأَوْضَحْته؛ لِأَنَّهُ يُوَضِّحُ مَا يَنُوبُ فِيهِ وَيَكْشِفُهُ وَأَسْفَرَ الصُّبْحُ إسْفَارًا
(1/272)
لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ وَقَوْلِهِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَبَعْدَهُ وَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى الِاحْمِرَارِ ثُمَّ بِهَا إلَى الطُّلُوعِ وَتَأْخِيرُهَا إلَى أَنْ يَبْقَى مَا لَا يَسَعُهَا حَرَامٌ وَفِعْلُهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا فَضِيلَةٌ وَلَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ وَتَعْبِيرِي فِيمَا ذُكِرَ بِالْفَاءِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ فِيهِ بِالْوَاوِ وَلِإِفَادَتِهَا التَّعْقِيبَ الْمَقْصُودَ.
(وَكُرِهَ تَسْمِيَةُ مَغْرِبٍ عِشَاءً وَعِشَاءٍ عَتَمَةً) لِلنَّهْيِ عَنْ الْأَوَّلِ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ» وَعَنْ الثَّانِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا إنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يَعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ» بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ «بِحِلَابِ الْإِبِلِ» قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِكَوْنِهِمْ يَعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ إلَى شِدَّةِ الظَّلَامِ فَالْعَتَمَةُ شِدَّةُ الظُّلْمَةِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْكَرَاهَةِ فِي الثَّانِي هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي كُتُبِهِ لَكِنَّهُ خَالَفَ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً وَذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ يُكْرَهُ (وَ) كُرِهَ (نَوْمٌ قَبْلَهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَضَاءَ وَأَسْفَرَ الرَّجُلُ بِالصَّلَاةِ صَلَّاهَا فِي الْإِسْفَارِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ) ، وَقَدْ نَظَمَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا فَقَالَ
إذَا مَا رَأَيْت الظِّلَّ قَدْ زَالَ وَقْتُهُ ... فَصَلِّ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي الْوَقْتِ تَسْعَدُ
وَقُمْ قَامَةً بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ ... أَوَانُ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَقْتٌ مُحَدَّدُ
وَصَلِّ صَلَاةً لِلْغُرُوبِ بَعْدَمَا ... تَرَى الشَّمْسَ يَا هَذَا تَغِيبُ وَتُفْقَدُ
وَصَلِّ صَلَاةً لِلْأَخِيرَةِ بَعْدَمَا ... تَرَى الشَّفَقَ الْأَعْلَى يَغِيبُ وَيُفْقَدُ
وَلَا تَنْتَظِرْ نَحْوَ الْبَيَاضِ فَإِنَّهُ ... يَدُومُ زَمَانًا فِي السَّمَاءِ وَيَقْعُدُ
وَإِنْ شِئْت فِيهَا فَانْتَظِرْ بِصَلَاتِهَا ... إلَى ثُلُثِ لَيْلٍ وَهُوَ بِالْحَقِّ يُعْهَدُ
وَحَقِّقْ فَإِنَّ الْفَجْرَ فَجْرَانِ عِنْدَنَا ... وَمَيِّزْهُمَا حَقًّا فَأَنْتَ الْمُقَلِّدُ
فَأَوَّلُ طُلُوعٍ مِنْهُمَا يَبْدُ شَاهِقًا ... كَمَا ذَنَبُ السِّرْحَانِ فِي الْجَوِّ يَصْعَدُ
فَذَاكَ كَذُوبٌ ثُمَّ آخَرُ صَادِقٌ ... تَرَاهُ مُنِيرًا ضَوْءُهُ يَتَوَقَّدُ
وَصَلِّ صَلَاةَ الْفَجْرِ عِنْدَ ابْتِسَامِهِ ... تَنَالُ بِهَا الْفِرْدَوْسَ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ
فَلَا خَيْرَ فِيمَنْ كَانَ لِلْوَقْتِ جَاهِلًا ... وَلَيْسَ لَهُ وَقْتٌ بِهِ يَتَعَبَّدُ
فَذَاكَ مِنْ الْمَوْلَى طَرِيدٌ وَمُبْعَدٌ ... كَذَا وَجْهُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَسْوَدُ
اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْقَاتَ مِنْهَا مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَهُوَ الْفَضِيلَةُ وَالِاخْتِيَارُ وَالْجَوَازُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَالْحُرْمَةُ وَالضَّرُورَةُ، وَأَمَّا وَقْتُ الْكَرَاهَةِ فَخَاصٌّ بِمَا عَدَا الظُّهْرَ وَالْمَغْرِبَ وَانْظُرْ حِكْمَتَهُ وَوَقْتُ الْعُذْرِ خَاصٌّ بِمَا عَدَا الصُّبْحَ وَانْظُرْ حِكْمَتَهُ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْجَوَازِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ تَدْخُلُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَتَخْرُجُ مُتَعَاقِبَةً إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، فَإِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ فِيهِ دُخُولًا وَخُرُوجًا وَإِلَّا فِي الظُّهْرِ، فَإِنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ وَالِاخْتِيَارِ يَتَّحِدَانِ خُرُوجًا أَيْضًا وَجُمْلَةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ إمَّا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَقْتًا أَوْ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَقْتًا إذَا اعْتَبَرْنَا مَفْهُومَ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِيَارِ فِي الْمَغْرِبِ اهـ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الطُّوخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَسْمِيَةُ مَغْرِبٍ عِشَاءً) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِالتَّغْلِيبِ كَالْعِشَاءَيْنِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ حَيْثُ قَالَ وَغَلَبَ فِي التَّئْنِيَةِ الْعَصْرُ لِشَرَفِهَا وَالْمَغْرِبُ لِلنَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عِشَاءً لَكِنْ نَقَلَ سم فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَيْ مَعَ التَّغْلِيبِ اهـ ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ: عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ) بِجَرِّ الْمَغْرِبِ صِفَةٌ لِصَلَاتِكُمْ وَبِالرَّفْعِ خَبَرٌ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٌ وَبِالنَّصْبِ بِأَعْنِي وَالْمَعْنَى لَا تَتَّبِعُوا الْإِعْرَابَ فِي تَسْمِيَتِهِمْ الْمَغْرِبَ عِشَاءً؛ لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهَا مَغْرِبًا وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ أَوْلَى مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ وَالسِّرُّ فِي النَّهْيِ خَوْفُ الِاشْتِبَاهِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اهـ شَرْحُ الْبُخَارِيِّ لِلْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ: وَهُمْ يَعْتِمُونَ) بِكَسْرِ التَّاءِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَأَكْرَمَ لَا مِنْ بَابِ نَصَرَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ أَيْ مَعَ كَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا اهـ ع ش.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْعَتَمَةُ مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ إلَى آخِرِ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَعَتَمَةُ اللَّيْلِ ظَلَامُ أَوَّلِهِ عِنْدَ سُقُوطِ نُورِ الشَّفَقِ وَأَعْتَمَ الرَّجُلُ دَخَلَ فِي الْعَتَمَةِ مِثْلُ أَصْبَحَ دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ اهـ (قَوْلُهُ: أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً) أَيْ فَتَكُونُ التَّسْمِيَةُ خِلَافَ الْأَوْلَى أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إلَخْ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْأَقَلُّونَ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً؛ لِأَنَّ خِلَافَ السُّنَّةِ إنْ وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ بِخُصُوصِهِ كَانَ مَكْرُوهًا كَمَا هُنَا وَإِلَّا كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُكْرَهُ) أَيْ لِوُرُودِ النَّهْيِ الْخَاصِّ بِهِ وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ الْعِشَاءَانِ وَلَا لِلْعِشَاءِ الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ أَوْ الْآخِرَةُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ نَوْمٌ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ فِعْلِهَا وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَهَا إذَا ظَنَّ تَيَقُّظَهُ فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا حَرُمَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ نَامَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَحْرُمْ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ تَيَقُّظِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا وَلَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَعَزْمِهِ عَلَى الْفِعْلِ وَأَزَالَ تَمْيِيزَهُ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَلَا كَرَاهَةَ اهـ شَرْحُ
(1/273)
أَيْ الْعِشَاءِ (وَحَدِيثٌ بَعْدَهَا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُهُمَا رَوَاهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
م ر وَقَوْلُهُ: فَإِنْ نَامَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَحْرُمْ إلَخْ هُوَ شَامِلٌ لِلْعِشَاءِ فَلَا يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَشَامِلٌ لِلْجُمُعَةِ أَيْضًا فَلَا يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِهَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ السَّعْيِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ لَا يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إلَى الْجُمُعَةِ إلَّا بِالسَّعْيِ قَبْلَهَا نَزَلَ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ السَّعْيُ مَنْزِلَةَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ لَأَدَّى إلَى عَدَمِ طَلَبِهَا مِنْهُ وَالنَّوْمُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا لِتَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ اُعْتُبِرَ لِحُرْمَتِهِ خِطَابُهُ بِالْجُمُعَةِ وَهُوَ لَا يُخَاطَبُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ أَنَّ حُرْمَةَ النَّوْمِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ هُوَ قِيَاسُ وُجُوبِ السَّعْيِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ قَالَ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَحَرُمَ النَّوْمُ الْمُفَوِّتُ لِذَلِكَ السَّعْيِ الْوَاجِبِ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(فَرْعٌ) يُسَنُّ إيقَاظُ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِنَوْمِهِ أَوْ جُهِلَ حَالُهُ، فَإِنْ عُلِمَ تَعَدِّيهِ بِنَوْمِهِ كَأَنْ عُلِمَ أَنَّهُ نَامَ فِي الْوَقْتِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَيْقِظُ فِي الْوَقْتِ وَجَبَ إيقَاظُهُ اهـ سم.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُبَادِرُ بِفَائِتٍ وَيُسَنُّ إيقَاظُ النَّائِمِينَ لِلصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِهَا، فَإِنْ عَصَى بِنَوْمِهِ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ إيقَاظُهُ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ إيقَاظُهُ إذَا رَآهُ نَائِمًا أَمَامَ الْمُصَلِّينَ حَيْثُ قَرُبَ مِنْهُمْ بِحَيْثُ يُعَدُّ عُرْفًا أَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ أَوْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ مِحْرَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى سَطْحٍ لَا حَاجِزَ لَهُ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى الصُّبْحَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَعِجُّ أَيْ تَرْفَعُ صَوْتَهَا إلَى اللَّهِ مِنْ نَوْمَةِ عَالِمٍ حِينَئِذٍ أَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَوْ خَالِيًا فِي بَيْتٍ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ أَوْ نَامَتْ الْمَرْأَةُ مُسْتَلْقِيَةً وَوَجْهُهَا إلَى السَّمَاءِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ أَوْ نَامَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ مُنْسَطِحًا عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنَّهَا ضَجَّةٌ يَبْغُضُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَيُسَنُّ إيقَاظُ غَيْرِهِ أَيْضًا لِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَلِلتَّسَحُّرِ وَمَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَالنَّائِمِ بِعَرَفَاتٍ وَقْتَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ طَلَبٍ وَتَضَرُّعٍ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وَمَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ التَّقْيِيدُ بِالْيَدِ الْغَالِبُ وَمِثْلُهَا ثِيَابُهُ وَبَقِيَّةُ بَدَنِهِ وَالْحِكْمَةُ فِي طَلَبِ إيقَاظِهِ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي لِلْغَمَرِ وَرُبَّمَا آذَى صَاحِبَهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْيَدَ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ فَأَصَابَهُ وَضَحٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» اهـ وَالْوَضَحُ هُوَ الْبَرَصُ وَقَوْلُهُ غَمَرٌ هُوَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ رِيحُ اللَّحْمِ وَعِبَارَتُهُ الْغَمَرُ بِالتَّحْرِيكِ رِيحُ اللَّحْمِ وَمَا يَعْلَقُ بِالْيَدِ مِنْ دَسَمِهِ انْتَهَتْ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(فَائِدَةٌ) النَّوْمُ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ نَوْمُ الْغَفْلَةِ وَنَوْمُ الشَّقَاوَةِ وَنَوْمُ اللَّعْنَةِ وَنَوْمُ الْعُقُوبَةِ وَنَوْمُ الرَّاحَةِ وَنَوْمُ الرَّحْمَةِ وَنَوْمُ الْحَسَرَاتِ أَمَّا نَوْمُ الْغَفْلَةِ فَالنَّوْمُ فِي مَجْلِسِ الذِّكْرِ وَنَوْمُ الشَّقَاوَةِ النَّوْمُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَنَوْمُ اللَّعْنَةِ النَّوْمُ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ وَنَوْمُ الْعُقُوبَةِ النَّوْمُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَنَوْمُ الرَّاحَةِ النَّوْمُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَنَوْمُ الرَّحْمَةِ النَّوْمُ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَنَوْمُ الْحَسَرَاتِ النَّوْمُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ اهـ مِنْ هَامِشِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَكُرِهَ نَوْمٌ قَبْلَهَا إلَخْ) وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ تَعُمُّ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ وَسِيَاقُ كَلَامِهِمْ يُشْعِرُ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ أَيْضًا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فِعْلِ الْمَغْرِبِ لِلْمَعْنَى السَّابِقِ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ أَيْضًا قَبْلَهُ قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ عَدَمُ تَحْرِيمِ النَّوْمِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَيْقِظُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِخِفَّةِ أَمْرِهَا تَوَسَّعُوا فِيهَا فَأَثْبَتُوهَا لِمُجَرَّدِ الِاحْتِيَاطِ وَلَا كَذَلِكَ التَّحْرِيمُ اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَحَدِيثٌ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ فِعْلِهَا مَا لَمْ تَكُنْ مَجْمُوعَةً جَمْعَ تَقْدِيمٍ فَلَا يُكْرَهُ الْحَدِيثُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَمُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُهَا.
وَعِبَارَةُ حَجّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْأَوْجَهُ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَهَا تَقْدِيمًا لَا يُكْرَهُ الْحَدِيثُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَمُضِيِّ وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْهَا غَالِبًا اهـ شَوْبَرِيٌّ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا ح ف وَفَارَقَ الْكَرَاهَةَ فِيمَا إذَا جَمَعَ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ تَقْدِيمًا حَيْثُ كُرِهَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كُرِهَ الْحَدِيثُ الَّذِي بَعْدَهَا مَفْقُودٌ وَكَرَاهَةَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَنُوطَةٌ بِفِعْلِهَا، وَقَدْ وُجِدَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ اهـ سم (تَنْبِيهٌ)
أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ كَرَاهَةِ الْحَدِيثِ قَبْلَهَا لَكِنَّ قَضِيَّةَ التَّعْلِيلِ بِخَوْفِ الْفَوَاتِ عَدَمُ الْفَرْقِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ إبَاحَةَ الْكَلَامِ قَبْلَ الصَّلَاةِ تَنْتَهِي بِالْأَمْرِ بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَلِمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا ضَابِطَ لَهُ فَخَوْفُ الْفَوَاتِ فِيهِ أَكْثَرُ اهـ شَرْحُ م ر وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ مَا نَصُّهُ (تَنْبِيهٌ)
قَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ كَرَاهَةِ النَّوْمِ
(1/274)
الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ بِالْأَوَّلِ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا وَبِالثَّانِي يَتَأَخَّرُ نَوْمُهُ فَيَخَافُ فَوْتَ صَلَاةِ اللَّيْلِ إنْ كَانَ لَهُ صَلَاةُ لَيْلٍ أَوْ فَوْتَ الصُّبْحِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ عَنْ أَوَّلِهِ وَالْمُرَادُ الْحَدِيثُ الْمُبَاحُ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ أَمَّا الْمَكْرُوهُ ثَمَّ فَهُوَ هُنَا أَشَدُّ كَرَاهَةً (إلَّا فِي خَيْرٍ) كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَمُذَاكَرَةِ عِلْمٍ وَإِينَاسِ ضَيْفٍ وَمُحَادَثَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ لِحَاجَةٍ كَمُلَاطَفَةٍ فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ نَاجِزٌ فَلَا يَتْرُكُ الْمَفْسَدَةَ مُتَوَهَّمَةً وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُنَا عَامَّةَ لَيْلِهِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ» .
(وَسُنَّ تَعْجِيلُ صَلَاةٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَالْحَدِيثِ يَجْرِي فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْعِشَاءُ بِذِكْرِهِمَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ النَّوْمِ أَصَالَةً، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ الْحَدِيثُ قَبْلَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ بَاعِثٌ عَلَى تَرْكِهِ بِطَلَبِ الْفِعْلِ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَحَدِيثٌ بَعْدَهَا) وَأَلْحَقَ بِالْحَدِيثِ نَحْوَ الْخِيَاطَةِ وَلَعَلَّهُ لِغَيْرِ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَمِثْلُ الْخِيَاطَةِ الْكِتَابَةُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ لِلْقُرْآنِ أَوْ لِعِلْمٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ بِالْأَوَّلِ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا) بَلْ رُبَّمَا اسْتَمَرَّ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ بِالْكُلِّيَّةِ (فَرْعٌ)
نَامَ فِي الْوَقْتِ وَجَوَّزَ خُرُوجَ الْوَقْتِ قَبْلَ اسْتِيقَاظِهِ حَرُمَ كَذَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الِاسْتِيقَاظُ فِي الْوَقْتِ حَرُمَ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الْمَذْكُورَ يُجَامِعُ تَجْوِيزَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ الِاسْتِيقَاطَ فِي الْوَقْتِ لَمْ يَحْرُمْ وَإِلَّا حَرُمَ فَيَحْرُمُ فِي صُورَةِ الِاسْتِوَاءِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمَكْرُوهُ ثَمَّ) أَيْ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ وَكَذَا الْحَرَامُ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ يَكُونُ أَشَدَّ حُرْمَةً فِي هَذَا الْوَقْتِ كَقِرَاءَةِ سِيرَةِ الْبَطَّالِ؛ لِأَنَّ كَذِبَهَا مُحَقَّقٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: إلَّا فِي خَيْرٍ) أَيْ وَإِلَّا الْمُسَافِرُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي خَيْرٍ أَوْ لِحَاجَةِ السَّفَرِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَإِينَاسِ ضَيْفٍ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَأَمَّا الْفُسَّاقُ فَيَحْرُمُ إينَاسُهُمْ اهـ وَذَكَرَ حَجّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ وَيُوَجَّهُ قَوْلُهُمْ بِحُرْمَةِ إينَاسِهِمْ بِالْجُلُوسِ مَعَهُمْ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» يَشْمَلُ الْفَاسِقَ وَيَحْتَمِلُ الْحُرْمَةَ رَدْعًا وَزَجْرًا، وَقَدْ قَيَّدَ الْحَلَبِيُّ وَع ش عَلَى م ر سُنَّ إينَاسُ الضَّيْفِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ فَاسِقٍ أَمَّا هُوَ فَلَا يُسَنُّ إينَاسُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَانْظُرْ هَلْ إينَاسُهُ حَرَامٌ رَدْعًا وَزَجْرًا أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ سَنِّ إينَاسِهِ صَادِقٌ بِذَلِكَ حَرِّرْ هَذَا وَفِي ع ش عَلَى م ر أَنَّ إينَاسَهُ لِكَوْنِهِ فَاسِقًا حَرَامٌ وَكَذَا إذَا لَمْ يُلَاحِظْ فِي إينَاسِهِ شَيْئًا.
وَأَمَّا إينَاسُهُ لِكَوْنِهِ شَيْخَهُ أَوْ مُعَلِّمَهُ فَيَجُوزُ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: وَمُحَادَثَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ فَاسِقَةً اهـ ع ش (قَوْلُهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) هُوَ أَبُو نُجَيْبٍ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْجِيمِ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ خَلَفٍ الْخُزَاعِيُّ الصَّحَابِيُّ أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَغَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَوَاتٍ وَبَعَثَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الْبَصْرَةِ لِيُفَقِّهَ أَهْلَهَا وَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بِهَا أَيَّامًا رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةً وَثَمَانِينَ حَدِيثًا وَرَوَى عَنْهُ أَبُو رَجَاءٍ وَغَيْرُهُ الْمُتَوَفَّى بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ) أَيْ عَنْ عُبَّادِهِمْ وَزُهَّادِهِمْ لِيَحْمِلَ ذَلِكَ الصَّحَابَةَ عَلَى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِمْ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ تَعْجِيلُ صَلَاةٍ إلَخْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] وَقَوْلُهُ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّلَاةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَفِي آخِرِهِ عَفْوُ اللَّهِ» قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِضْوَانُ اللَّهِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُحْسِنِينَ وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَصِّرِينَ اهـ ح ل وَيُنْدَبُ التَّعْجِيلُ فِي النَّفْلِ ذِي الْوَقْتِ أَوْ السَّبَبِ وَرُبَّمَا يَشْمَلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: تَعْجِيلُ صَلَاةٍ) لَيْسَ الْمُرَادُ مَعْنَى التَّعْجِيلِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ تَقْدِيمُ الشَّيْءِ عَلَى وَقْتِهِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْمُبَادَرَةُ اهـ شَيْخُنَا.
(تَنْبِيهٌ) فَرَّقَ ابْنُ الْقَيِّمِ بَيْنَ الْمُبَادَرَةِ وَالْعَجَلَةِ بِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ انْتِهَازُ الْفُرْصَةِ فِي وَقْتِهَا فَلَا يَتْرُكُهَا حَتَّى إذَا فَاتَتْ طَلَبَهَا فَهُوَ لَا يَطْلُبُ الْأُمُورَ فِي أَدْبَارِهَا وَلَا قَبْلَ وَقْتِهَا بَلْ إذَا حَضَرَ وَقْتُهَا بَادَرَ إلَيْهَا وَوَثَبَ عَلَيْهَا وَالْعَجَلَةُ طَلَبُ أَخْذِ الشَّيْءِ قَبْلَ وَقْتِهِ اهـ مُنَاوِيٌّ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَادِرُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ» إلَخْ وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ التَّعْبِيرَ هُنَا بِالتَّعْجِيلِ لِلْمُبَالَغَةِ وَهُوَ مَجَازٌ عَنْ الْمُبَادَرَةِ لَكِنَّهُ لِشِدَّتِهَا كَأَنَّهُ طَلَبَ الصَّلَاةَ قَبْلَ وَقْتِهَا أَوْ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ الِاشْتِغَالُ بِأَسْبَابِهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَذَلِكَ كَالطَّلَبِ لَهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَالْفُرْصَةُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَفَارُصِ الْقَوْمِ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ نَوْبَةٌ فَيُقَالُ يَا فُلَانُ جَاءَتْ فُرْصَتُك أَيْ نَوْبَتُك وَوَقْتُك الَّذِي تَسْتَقِي فِيهِ فَيُسَارِعُ لَهُ وَانْتَهَزَ الْفُرْصَةَ أَيْ شَمَّرَ لَهَا مُبَادِرًا وَالْجَمْعُ فُرَصٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ اهـ وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ الْحِرْصُ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ لَكِنْ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَفِعْلِهِمْ لِأَسْبَابِهَا عَادَةً وَبَعْدَهُ يُصَلِّي بِمَنْ حَضَرَ، وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّ
(1/275)
وَلَوْ عِشَاءً (لِأَوَّلِ وَقْتِهَا) لِخَبَرِ «ابْنِ مَسْعُودٍ سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ لِوَقْتِهَا وَأَمَّا خَبَرُ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ» فَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ تَعْجِيلَهَا هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ الْأَقْوَى دَلِيلًا تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ وَيَحْصُلُ تَعْجِيلُهَا (بِاشْتِغَالٍ) أَوَّلَ وَقْتِهَا (بِأَسْبَابِهَا) كَطُهْرٍ وَسَتْرٍ إلَى أَنْ يَفْعَلَهَا وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي وَلَا يَضُرُّ فِعْلُ رَاتِبَةٍ وَلَا شُغْلٌ خَفِيفٌ وَأَكْلُ لُقَمٍ بَلْ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْأَسْبَابِ قَبْلَ الْوَقْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْأَصَحَّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الْقَلِيلَةَ أَوَّلَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْكَثِيرَةِ آخِرَهُ وَلَا يَنْتَظِرُ وَلَوْ نَحْوَ شَرِيفٍ وَعَالِمٍ، فَإِنْ انْتَظَرَ كُرِهَ وَمِنْ ثَمَّ «لَمَّا اشْتَغَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ بِحَيْثُ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ عَادَتِهِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً وَابْنُ عَوْفٍ أُخْرَى مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَطُلْ تَأَخُّرُهُ بَلْ أَدْرَكَ صَلَاتَيْهِمَا وَاقْتَدَى بِهِمَا وَصَوَّبَ فِعْلَهُمَا» اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ عِشَاءً) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الضَّعِيفِ.
وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ هُنَا وَفِي قَوْلِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ أَفْضَلُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ انْتَهَتْ وَعِبَارَتُهُ مَعَ شَرْحِ م ر فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخِّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ وَفِي قَوْلٍ عَنْ نِصْفِهِ لِخَبَرِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَكَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ انْتَهَتْ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَمَا أَشَارَ لَهُ بِالْغَايَةِ بِقَوْلِهِ نَقْلًا عَنْ الْمَجْمُوعِ لَكِنَّ الْأَقْوَى دَلِيلًا تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ اهـ. وَقَدْ تَمَسَّكَ الضَّعِيفُ بِالْخَبَرِ الَّذِي أَشَارَ الشَّارِحُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا خَبَرُ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: لِأَوَّلِ وَقْتِهَا) أَيْ إذَا تَيَقَّنَ دُخُولَهُ اهـ ز ي أَيْ وَلَمْ يَجْرِ خِلَافٌ فِي دُخُولِهِ وَإِلَّا فَيُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ سُنَّ التَّأْخِيرُ إلَى مَغِيبِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْفَرِ وَالْأَبْيَضِ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَقَدْ يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَيْ إذَا تَيَقَّنَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ يَمْنَعُ مِنْ التَّيَقُّنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ التَّيَقُّنَ مَا قَالَهُ الْمُخَالِفُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) هُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيّ بِرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَقَافٍ مَضْمُومَةٍ نِسْبَةً إلَى دَارِ الْقُطْنِ مَحَلَّةٌ بِبَغْدَادَ أَخَذَ عَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ وَغَيْرِهِ الْمُتَوَفَّى بِبَغْدَادَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ عَنْ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَدُفِنَ قَرِيبًا مِنْ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) أَتَى بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ رِوَايَةَ الصَّحِيحَيْنِ مُطْلَقَةٌ وَرِوَايَةَ الدَّارَقُطْنِيّ مُقَيَّدَةٌ وَالْقَاعِدَةُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا قَدَّمَ رِوَايَةَ الدَّارَقُطْنِيّ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا أَصْرَحَ فِي الْمَقْصُودِ وَأَتَى بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ تَقْوِيَةً لَهَا وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا لِتَكُونَ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ مُقَدَّمَةً لِحَمْلِهَا عَلَى رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ إخْبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ إخْبَارِ الرَّاوِي بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ تَأْخِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفِعْلِهَا أَحْيَانَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ الَّذِي رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عِظَمِهَا مَنْعُهُ وَلِذَلِكَ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى التَّعْجِيلِ وَبِهِ يَرُدُّ أَيْضًا دَعْوَى قُوَّةِ دَلِيلِ التَّأْخِيرِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى أَنَّ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ تُفِيدُ الدَّوَامَ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يَنْزِلُ مَا فِي الْمَنْهَجِ فَرَاجِعْهُ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ) أَيْ، وَأَمَّا التَّأْخِيرُ فَكَانَ لِعُذْرٍ وَمَصْلَحَةٍ تَقْتَضِي التَّأْخِيرَ وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ كَانَ تُفِيدُ التَّكْرَارَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَمَّا أَوَّلًا فَإِفَادَتُهَا التَّكْرَارَ لَيْسَ مِنْ وَضْعِهَا بَلْ بِحَسَبِ الْقَرَائِنِ الْمُحْتَفَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَنَقُولُ سَلَّمْنَا إفَادَتَهَا التَّكْرَارَ لَكِنَّهُ يَصْدُقُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَتَكَرُّرُهَا بِتَكَرُّرِ الْعُذْرِ وَالْأَكْثَرُ التَّعْجِيلُ بَلْ هُوَ الْأَصْلُ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَقْوَى دَلِيلًا إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ صَحَّ أَنَّ تَعْجِيلَهَا هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَقْوَى دَلِيلًا تَأْخِيرَهَا إلَى مَا ذَكَرَ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْجَوَابُ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مُحْتَمَلٌ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَبِهِ تُجْمِعُ الْأَدِلَّةُ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الْأَمْرَ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْأَدِلَّةِ خِلَافُهُ اهـ سم وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ إلَخْ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَعْجِيلُهُ لِعِلْمِهِ بِرَغْبَةِ الصَّحَابَةِ فِي التَّعْجِيلِ لِمَشَقَّةِ انْتِظَارِهِمْ إمَّا لِتَعَبِهِمْ فِي أَشْغَالِهِمْ الَّتِي كَانُوا بِهَا نَهَارًا أَوْ خَشْيَةَ فَوَاتِ أَشْغَالِهِمْ الَّتِي يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا فِي آخِرِ لَيْلِهِمْ وَانْتِظَارُهُمْ الْعِشَاءَ رُبَّمَا فَوَّتَ عَلَيْهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ إلَى فِعْلِهِ بَعْدُ فَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَخَذُوا بِظَاهِرِ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى التَّعْجِيلِ فَجَعَلُوهُ أَفْضَلَ وَالنَّوَوِيُّ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ حَيْثُ ثَبَتَ عَنْهُ اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ وَاحْتَمَلَ أَنَّ التَّعْجِيلَ لِعَارِضٍ جَعَلَ التَّأْخِيرَ هُوَ الْأَقْوَى فِي الدَّلِيلِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: بِاشْتِغَالٍ بِأَسْبَابِهَا) الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا لَا السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ.
وَعِبَارَةُ ع ش أَيْ مَا يُطْلَبُ لِأَجْلِهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا أَوْ مُكَمِّلًا اهـ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ فِعْلُ رَاتِبَةٍ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِالرَّاتِبَةِ مَعَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا سُنَّةٌ وَلَوْ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ فَحِينَئِذٍ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ وَتَقْدِيمُ الرَّاتِبَةِ
(1/276)
وَأَخَّرَ بِقَدْرِهَا الصَّلَاةَ بَعْدَهُ لَمْ يَضُرَّ قَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ سَنِّ التَّعْجِيلِ مَعَ صُوَرٍ ذَكَرْت بَعْضَهَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ مَا ذَكَرْته بِقَوْلِي.
(وَ) سُنَّ (إبْرَادٌ بِظُهْرٍ) أَيْ تَأْخِيرُ فِعْلِهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا (لِشِدَّةِ حَرٍّ بِبَلَدٍ حَارٍّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
لَا يَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْمُبَادَرَةِ بَلْ يُسَنُّ وَتَوَهُّمُ أَنَّ فِعْلَ الرَّاتِبَةِ وَأَكْلَ اللُّقَمِ لَيْسَا مِنْ الْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ السَّبَبِ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر تَقْتَضِي أَنَّهُمَا مِنْهَا وَنَصُّهَا وَلَا يَمْنَعُ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ اشْتِغَالَهُ فِي أَوَّلِهِ بِأَسْبَابِهَا مِنْ طَهَارَةٍ وَآذَانٍ وَسَتْرٍ وَأَكْلِ لُقَمٍ وَتَقْدِيمِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ اهـ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ الرَّشِيدِيُّ قَوْلُهُ وَأَكْلُ لُقَمٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْبَابِ أَعَمُّ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ أَوْ كَمَالُهَا بِخِلَافِ صَنِيعِ الشِّهَابِ حَجّ حَيْثُ جَعَلَهَا مِنْ الشُّغْلِ الْخَفِيفِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْبَابِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فَحَسْبُ اهـ.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَيْهِ وَلَعَلَّ جَعْلَهُ أَكْلَ اللُّقَمِ سَبَبًا بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْخُشُوعِ فِيهَا وَإِلَّا فَالْأَكْلُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِهَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الشِّبَعَ يُفَوِّتُ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ، وَقَدْ يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ لَهُ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَالْأَقْرَبُ إلْحَاقُ مَا هُنَا بِمَا هُنَاكَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ حَجّ الْمَذْكُورِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ نَقْلًا عَنْ الزَّرْكَشِيّ وَلَعَلَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْوَسَطُ مِنْ غَالِبِ النَّاسِ لِئَلَّا يَخْتَلِفَ وَقْتُ الْفَضِيلَةِ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ وَهُوَ غَيْرُ مَعْهُودٍ وَعُمُومُهُ شَامِلٌ لِهَذِهِ فَلَوْ خَالَفَ عَادَةَ الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَاتَتْهُ سُنَّةُ التَّعْجِيلِ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ وَنَوَى أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ الْعُذْرِ بِمَحَلٍّ فَمِنْ الظَّاهِرِ عَدَمُ حُصُولِ السُّنَّةِ وَلَكِنْ لَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ لَهُ ثَوَابًا مِثْلَ ثَوَابِهِ لَوْ عَجَّلَ لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ الشَّارِعِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَضُرَّ) أَيْ فِي سُنَّةِ التَّعْجِيلِ بَلْ يَكُونُ مُعَجِّلًا اهـ ح ل لَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْفِعْلُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ بَعْدُ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ فِي وَقْتِ الْفَضِيلَةِ كَمَنْ أَدْرَكَ التَّحَرُّمَ مَعَ الْإِمَامِ وَمَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَالْحَاصِلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ لَكِنَّ دَرَجَاتِ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: مَعَ صُوَرٍ) أَيْ نَحْوُ الْأَرْبَعِينَ اهـ شَرْحُ م ر.
وَقَوْلُهُ ذَكَرْت بَعْضَهَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عِبَارَتُهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ نَدْبِ التَّعْجِيلِ أَيْضًا أَيْ زِيَادَةً عَلَى الطُّهْرِ أَشْيَاءُ مِنْهَا أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّأْخِيرُ لِمَنْ يَرْمِي الْجِمَارَ وَلِمُسَافِرٍ سَائِرٍ وَقْتَ الْأُولَى وَلِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ فَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ، وَإِنْ كَانَ نَازِلًا وَقْتَهَا لِيَجْمَعَهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ وَلِمَنْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ أَوْ السُّتْرَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ آخِرَ الْوَقْتِ وَلِدَائِمِ الْحَدَثِ إذَا رَجَا الِانْقِطَاعَ آخِرَهُ وَلِمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فِي يَوْمِ غَيْمٍ حَتَّى يَتَيَقَّنَهُ أَوْ يَظُنَّ فَوَاتَهُ لَوْ أَخَّرَهُ انْتَهَتْ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ بَعْدَ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّمَا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَةُ فِعْلِهِ وَلَوْ أَخَّرَ فَاتَتْ يُقَدِّمُ عَلَى الصَّلَاةِ وَأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ كَالْجَمَاعَةِ اقْتَرَنَ بِالتَّأْخِيرِ وَخَلَا عَنْهُ التَّقْدِيمُ يَكُونُ التَّأْخِيرُ مَعَهُ أَفْضَلَ اهـ. وَقَدْ يَجِبُ التَّأْخِيرُ وَلَوْ عَنْ الْوَقْتِ كَمَا فِي مُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَكَمَنْ رَأَى نَحْوَ غَرِيقٍ أَوْ أَسِيرٍ لَوْ أَنْقَذَهُ أَوْ صَائِلٍ عَلَى مُحْتَرَمٍ لَوْ دَفَعَهُ خَرَجَ الْوَقْتُ وَيَجِبُ التَّأْخِيرُ أَيْضًا لِلصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتٍ خِيفَ انْفِجَارُهُ اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ إبْرَادٌ بِظُهْرٍ) الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ فِي التَّعْجِيلِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ مَشَقَّةً تَسْلُبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ فَسُنَّ لَهُ التَّأْخِيرُ كَمَنْ حَضَرَهُ طَعَامٌ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إلَيْهِ أَوْ دَافَعَهُ الْخُبْثُ اهـ شَرْحُ م ر وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِظُهْرٍ لِلتَّعْدِيَةِ يُقَالُ أَبْرَدَ بِهِ أَدْخَلَهُ فِي وَقْتِ الْبُرُودَةِ فَفِي الْمِصْبَاحِ الْبَرْدُ خِلَافُ الْحَرِّ وَأَبْرَدْنَا دَخَلْنَا فِي الْبَرْدِ مِثْلُ أَصْبَحْنَا دَخَلْنَا فِي الصَّبَاحِ، وَأَمَّا أَبْرَدُوا بِالظُّهْرِ فَالْبَاءُ لِلتَّعَدِّيَةِ وَالْمَعْنَى أَدْخَلُوا صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي الْبَرْدِ وَهُوَ سُكُونُ شِدَّةِ الْحَرِّ وَبَرُدَ الشَّيْءُ بُرُودَةً مِثْلُ سَهُلَ وَسُهُولَةً إذَا سَكَنَتْ حَرَارَتُهُ، وَأَمَّا بَرَدَ بَرْدًا مِنْ بَابِ قَتَلَ قَتْلًا فَيُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا يُقَالُ بَرَدَ الْمَاءُ وَبَرَدْتُهُ فَهُوَ بَارِدٌ وَمَبْرُودٌ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَكُونُ فِي كُلِّ ثُلَاثِيٍّ يَكُونُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا اهـ.
وَقَوْلُهُ لِشِدَّةِ حَرٍّ اللَّامُ بِمَعْنَى فِي أَوْ عِنْدَ وَقَوْلُهُ بِبَلَدٍ حَارٍّ الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي وَقَوْلُهُ لِمُصَلٍّ اللَّامُ لِلتَّعْدِيَةِ وَكُلٌّ مِنْ اللَّامَيْنِ وَالْبَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِإِبْرَادٍ وَقَوْلُ الشَّارِحِ إلَى أَنْ يَصِيرَ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَيْضًا وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِمُصَلٍّ مُتَعَلِّقَةً بِسُنَّ الْمُقَدَّرُ وَهُوَ أَوْلَى اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَإِبْرَادٌ بِظُهْرٍ) خَرَجَ آذَانُهَا فَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِهِ إلَّا لِقَوْمٍ يُعْلَمُ أَنَّهُمْ إذَا سَمِعُوا الْآذَانَ لَا يَتَخَلَّفُونَ عَنْ سَمَاعِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْإِبْرَادِ بِهِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْإِقَامَةِ وَلَا بُعْدَ فِيهِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: بِبَلَدٍ حَارٍّ) أَيْ وَصْفُهُ الْحَرَارَةُ كَمَكَّةَ وَبَعْضِ بِلَادِ الْعِرَاقِ، وَإِنْ خَالَفَتْ وَضْعَ قُطْرِهَا اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ كَالْحِجَازِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ لَا بِمُعْتَدِلٍ كَمِصْرِ وَلَا بَارِدٍ كَالشَّامِ وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ الْبُلْدَانِ إنْ خَالَفَتْ وَضْعَ الْقُطْرِ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِهِ خِلَافًا
(1/277)
إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ أَيْ هَيَجَانِهَا وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ الْوَقْتِ وَهَذَا (لِمُصَلَّى جَمَاعَةٍ بِمُصَلَّى) مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ (يَأْتُونَهُ) كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ (بِمَشَقَّةٍ) فِي طَرِيقِهِمْ إلَيْهِ فَلَا يُسَنُّ فِي وَقْتٍ وَلَا بَلَدٍ بَارِدَيْنِ أَوْ مُعْتَدِلَيْنِ وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً وَلَا لِجَمَاعَةٍ بِمُصَلًّى يَأْتُونَهُ بِلَا مَشَقَّةٍ أَوْ حَضَرُوهُ وَلَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ أَوْ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ بِلَا مَشَقَّةٍ عَلَيْهِ فِي إتْيَانِهِ كَأَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِقُرْبِ الْمُصَلَّى أَوْ بَعِيدًا وَثَمَّ ظِلٌّ يَأْتِي فِيهِ وَتَعْبِيرِي بِمُصَلَّى وَبِمَشَقَّةٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَسْجِدٍ وَبِمَنْ بَعُدَ وَخَرَجَ بِالظُّهْرِ غَيْرُهَا وَلَوْ جُمُعَةً لِشِدَّةِ خَطَرِ فَوْتِهَا الْمُؤَدِّي إلَيْهِ تَأْخِيرُهَا بِالتَّكَاسُلِ وَلِأَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِالتَّبْكِيرِ إلَيْهَا فَلَا يَتَأَذَّوْنَ بِالْحَرِّ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبْرِدُ بِهَا بَيَانٌ لِلْجَوَازِ فِيهَا مَعَ عِظَمِهَا مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
لِلْعَلَّامَةِ حَجّ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ) وَلَا يُشْتَرَطُ لِسَنِّ التَّأْخِيرِ وُجُودُ الظِّلِّ الْمَذْكُورِ بَلْ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِهِ ظِلٌّ أَصْلًا كَأَنْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ؛ لِأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ تَنْكَسِرُ بِالتَّأْخِيرِ كَمَا فِي ع ش اهـ شَيْخُنَا ح ف
(فَرْعٌ) سَأَلَ سَائِلٌ هَلْ يُسَنُّ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ إلَى أَنْ يَخِفَّ الْبَرْدُ الشَّاغِلُ السَّالِبُ لِلْخُشُوعِ قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَرِّ وَأَجَابَ م ر بِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَادَ فِي الْحَرِّ رُخْصَةٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ اهـ سم أَقُولُ الْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ زِيَادَةَ الظِّلِّ مُحَقَّقَةٌ فَلِزَوَالِ الْحَرِّ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ وَلَا كَذَلِكَ الْبَرْدُ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ زِيَادَتُهُ مَعَ التَّأْخِيرِ لِعَدَمِ وُجُودِ عَلَامَةٍ تَدُلُّ عَلَى زَوَالِهِ عَادَةً، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ عَلَى مَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ) هِيَ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْأَوْلَى اهـ ع ش (قَوْلُهُ: «فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ) وَوَرَدَ أَيْضًا «، فَإِنَّ شِدَّةَ الْبَرْدِ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْفَيْحُ سُطُوعُ الْحَرِّ وَفَوَرَانُهُ وَيُقَالُ بِالْوَاوِ وَفَاحَتْ الْقِدْرُ تَفِيحُ وَتَفُوحُ إذَا غَلَتْ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ أَيْ كَأَنَّهُ نَارُ جَهَنَّمَ فِي حَرِّهَا اهـ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ مَظِنَّةُ وُجُودِ الرَّحْمَةِ كَفِعْلِهَا مَظِنَّةَ طَرْدِ الْعَذَابِ فَكَيْفَ أَمَرَ بِتَرْكِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَقْتَ ظُهُورِ الْغَضَبِ لَا يَنْجَحُ فِيهِ الطَّلَبُ إلَّا مِمَّنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا الْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ قَدْ تَكُونُ نِعْمَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ لِإِصْلَاحِ مَعَايِشِهِمْ فَلَا تَكُونُ بِمُجَرَّدِهَا عَلَامَةً عَلَى الْغَضَبِ وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَشَقَّةٌ مِنْهَا لَا يُنَافِي كَوْنَهَا نِعْمَةً مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ، وَإِنْ صَحِبَهَا مَشَقَّةٌ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا لِمُصَلِّي جَمَاعَةٍ) قَيْدٌ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَقَطْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ لِمُنْفَرِدٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَعِبَارَتُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ لِمُنْفَرِدٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إشْعَارٌ بِسَنِّهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ سم وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ الْمُنْفَرِدِ تَفْضِيلُ تَأْخِيرِ صَلَاةِ مَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً بِمَحَلِّ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاتِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِبَيْتِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهَا فِيهِ جَمَاعَةً مَعَ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: بِمَشَقَّةٍ) أَيْ تَسْلُبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ صَلَاتُهُمْ مَعَ هَذَا التَّأْخِيرِ أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ جَمَاعَةً فِي بَيْتِهِ اهـ ح ل وَهَلْ يُعْتَبَرُ خُصُوصُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ مِنْ الْمُصَلِّينَ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مَرِيضًا أَوْ شَيْخًا يَزُولُ خُشُوعُهُ بِمَجِيئِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَوْ مِنْ قُرْبٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِبْرَادُ أَوْ الْعِبْرَةُ بِغَالِبِ النَّاسِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَنْ ذَكَرَ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي ثُمَّ رَأَيْت حَجّ صَرَّحَ بِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ فِي وَقْتٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر فَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَوْ بِقُطْرٍ حَارٍّ وَلَا فِي قُطْرٍ بَارِدٍ أَوْ مُعْتَدِلٍ، وَإِنْ اتَّفَقَ فِيهِ شِدَّةُ الْحَرِّ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: بَارِدَيْنِ أَوْ مُعْتَدِلَيْنِ) أَيْ وَإِنْ عَرَضَ فِيهِمَا حَرٌّ شَدِيدٌ كَمَا يُفِيدُهُ عُمُومُ كَلَامِهِ هُنَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَرُّ الشَّدِيدُ فِي زَمَنِهِ عَادَةً اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِمُصَلًّى وَتَرَكَ مُحْتَرَزَ الَّذِي قَبْلَهُ أَيْ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يُسَنُّ فَسَكَتَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَقَوْلُهُ وَلَا لِجَمَاعَةٍ بِمُصَلًّى إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِمَشَقَّةٍ وَقَوْلَهُ أَوْ حَضَرُوهُ وَلَا يَأْتِيهِمْ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ يَأْتُونَهُ وَقَوْلُهُ أَوْ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِمَشَقَّةٍ أَيْضًا فَكَانَ الْأَنْسَبُ جَعْلَهُ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا لِجَمَاعَةٍ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَهُ فِي الْخُرُوجِ بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُ هُمْ إلَخْ) أَيْ أَوْ كَانُوا فِيهِ سَقِيمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ بِمَشَقَّةٍ فَيُسَنُّ لِلْحَاضِرِينَ بِالْمُصَلَّى الْإِبْرَادُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ الْإِمَامُ اهـ ح ل
(قَوْلُهُ: وَلَوْ جُمُعَةً) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ لَا لِلرَّدِّ اهـ شَيْخُنَا لَكِنْ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَحَلِّيِّ مَا نَصُّهُ وَفِي اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالْجُمُعَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبْرِدُ بِالْجُمُعَةِ» وَأَصَحُّهُمَا لَا لِشِدَّةِ الْخَطَرِ فِي فَوَاتِهَا الْمُؤَدِّي إلَيْهِ تَأْخِيرُهَا بِالتَّكَاسُلِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: مَعَ عِظَمِهَا) أَيْ لِأَنَّ عِظَمَهَا رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ وُجُوبُ تَعْجِيلِهَا وَعَدَمُ جَوَازِ الْإِبْرَادِ بِهَا اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ) هُوَ شِدَّةُ خَطَرِهَا أَيْ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ التَّكَاسُلُ فَهَذَا
(1/278)
(وَمَنْ وَقَعَ مِنْ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهَا رَكْعَةٌ) فَأَكْثَرُ وَالْبَاقِي بَعْدَهُ (فَالْكُلُّ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» أَيْ مُؤَدَّاةً وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مُؤَدَّاةً وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّكْعَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ إذْ مُعْظَمُ الْبَاقِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
هُوَ الْمُنْتَفِي وَقَوْلُهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ إلَخْ قَدْ يُقَالُ هُوَ وَإِنْ انْتَفَى فِي حَقِّهِ لَكِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ الْمُبَرِّدِينَ بِهَا تَبَعًا لَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا بِبَرَكَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ شَيْخُنَا ح ف نَقْلًا عَنْ الْحَلَبِيِّ وَالْبِرْمَاوِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ وَقَعَ مِنْ صَلَاتِهِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَاهَا فَتَدْخُلُ الْجُمُعَةُ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ غَيْرَ مَكْتُوبَةٍ فَلَوْ جَمَعَ أَرْبَعَةَ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةَ أَوْ الْبَعْدِيَّةَ أَوْ الثَّمَانِيَةَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَأَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَوَقَعَ الْبَاقِي خَارِجَهُ كَانَ الْكُلُّ أَدَاءً؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ صَارَ فِي حُكْمِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُنَا اهـ ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَشَمِلَتْ الصَّلَاةُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَدَخَلَ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ تَسْمِيَتُهَا أَدَاءً وَقَضَاءً، وَإِنْ فَاتَ كَوْنُهَا جُمُعَةً، وَإِنْ حَرُمَ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: رَكْعَةٌ) أَيْ بِأَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ إلَى حَدٍّ تَجْرِي فِيهِ الْقِرَاءَةُ كَمَا يَأْتِي وَبَقِيَ مَا لَوْ قَارَنَ رَفْعُ رَأْسِهِ خُرُوجَ الْوَقْتِ هَلْ تَكُونُ قَضَاءً أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا قَضَاءً أَوْ أَدَاءً اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَالْكُلُّ أَدَاءٌ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ الْجَمِيعُ أَدَاءٌ مُطْلَقًا وَفِي وَجْهٍ أَنَّ مَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَمَا وَقَعَ بَعْدَهُ قَضَاءٌ قِيلَ وَهُوَ التَّحْقِيقُ اهـ شَرْحُ م ر.
وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْضُهَا خَارِجَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ وَإِلَّا بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَكْعَةٍ فَقَضَاءٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمِيعَ أَدَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا فِي الْوَقْتِ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَضَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا بَعْدَ الْوَقْتِ. الرَّابِعُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَعَلَى الْقَضَاءِ يَأْثَمُ الْمُصَلِّي بِالتَّأْخِيرِ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا عَلَى الْأَدَاءِ نَظَرًا لِلتَّحْقِيقِ وَقِيلَ لَا نَظَرًا لِلظَّاهِرِ الْمُسْتَنِدِ لِلْحَدِيثِ اهـ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ الْمُسَافِرُ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ فَرَاغِهَا، فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الصَّلَاةَ كُلَّهَا أَدَاءٌ فَلَهُ الْقَصْرُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ فِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ يَأْتِي اهـ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(فَائِدَةٌ)
نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْقَمُولِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ حَيْثُ شَرَعَ فِيهَا فِي الْوَقْتِ نَوَى الْأَدَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُ رَكْعَةً وَقَالَ الْإِمَامُ لَا وَجْهَ لِنِيَّةِ الْأَدَاءِ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَقْتَ لَا يَسَعُهَا بَلْ لَا يَصِحُّ وَاسْتَوْجَهَ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ حَمْلَ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى مَا إذَا نَوَى الْأَدَاءَ الشَّرْعِيَّ وَكَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِهِ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ اهـ شَوْبَرِيٌّ وع ش عَلَى م ر.
(فَرْعٌ) لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا صَلَّى جَمِيعَهَا فِي الْوَقْتِ وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا جُزْءًا مِنْهَا فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ مُحَافَظَةً عَلَى إيقَاعِهَا فِي الْوَقْتِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ أَدْرَكَ رَكْعَةً تَامَّةً فِي الْوَقْتِ وَلَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَدْرَكَهَا كُلَّهَا، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَحْرَمَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي وَقْتٍ يَسَعُهَا جَمِيعَهَا لَكِنْ طَوَّلَ خَلْفَهُ فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ الْإِتْمَامُ خَلْفَهُ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةِ الْوَقْتِ، وَمَنْ كَانَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَرْكَانِ الصَّلَاةِ أَدْرَكَهَا وَلَوْ حَافَظَ عَلَى سُنَنِهَا فَاتَ بَعْضُهَا فَالْإِتْيَانُ بِالسُّنَنِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَدِّ وَهُوَ جَائِزٌ وَأَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ شُوحِحَ فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْمَكْتُوبَةِ عَنْ إدْرَاكِ جَمِيعِهَا فِي الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الْوَسَائِلِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْمَقَاصِدِ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَدِّ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ يَسَعُهَا وَلَا كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ التَّثْلِيثِ إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِشَيْءٍ مِنْهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ مَا نَصُّهُ اعْلَمْ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ يَسَعُ جَمِيعَ فَرَائِضِهَا لَيْسَ حَرَامًا بِلَا خِلَافٍ وَلَهُ الْمَدُّ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَنْدُوبَاتِهَا كَتَطْوِيلِ قِرَاءَتِهَا، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهَا أَوْ كُلُّهَا عَنْ الْوَقْتِ وَفَارَقَ تَرْكَ تَثْلِيثِ الْوُضُوءِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَتَأْخِيرُ النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ ثُمَّ إنْ وَقَعَ مِنْهَا رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ فِي الْوَقْتِ فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ، وَإِنَّ الْإِحْرَامَ بِهَا فِي وَقْتٍ لَا يَسَعُ مَا ذَكَرَ لَيْسَ حَرَامًا أَيْضًا إنْ كَانَ تَأْخِيرُهَا لِعُذْرٍ وَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَحَرَامٌ قَطْعًا وَلَيْسَ لَهُ الْإِتْيَانُ بِشَيْءٍ مِنْ مَنْدُوبَاتِهَا ثُمَّ إنْ وَقَعَ مِنْهَا رَكْعَةٌ فِي الْوَقْتِ فَأَدَّاهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَقَضَاءٌ مَعَ الْإِثْمِ فِيهِمَا اهـ.
(قَوْلُهُ تَشْتَمِلُ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ) لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ مُعْظَمِ مَعَ ذِكْرِ أَفْعَالِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُ نَحْوَ قُعُودِ التَّشَهُّدِ أَوْ فِعْلِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ كَالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ اهـ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ:
(1/279)
كَالتَّكْرِيرِ لَهَا فَجُعِلَ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَابِعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا دُونَهَا.
(وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ) لِغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ بِبَيْتٍ مُظْلِمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِهِ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ (اجْتَهَدَ) إنْ قَدَرَ (بِنَحْوِ وِرْدٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
كَالتَّكْرِيرِ لَهَا) قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي الْآيَاتِ إنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ تَكْرِيرًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ التَّكْرِيرَ هُوَ الْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ ثَانِيًا مُرَادًا بِهِ تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ كَالْأُولَى كَمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ خَمْسِ الْيَوْمِ تَكْرِيرٌ لِمِثْلِهَا فِي الْأَمْسِ انْتَهَى انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ مُنَاسَبَةٌ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ وَسُنَّ تَعْجِيلُ صَلَاةٍ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهُ هُنَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِهِ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ) ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ الثِّقَةُ عَنْ عِلْمٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ وَلَوْ أَمْكَنَهُ هُوَ الْعِلْمُ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِتَكَرُّرِ الْأَوْقَاتِ فَيَعْسُرُ الْعِلْمُ كُلَّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ عَيْنَهَا مَرَّةً اكْتَفَى بِهِ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: اجْتَهَدَ) أَيْ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ وَوُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يُخْبِرْهُ ثِقَةٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنْ عِلْمٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ كَوُجُودِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مِنْ أَخْبَارِ الدِّينِ فَرَجَعَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ إلَى قَوْلِ الثِّقَةِ كَخَبَرِ الرَّسُولِ اهـ شَرْحُ م ر وَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا كُلُّهُ إلَخْ وَمِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ ثِقَةٌ إلَخْ أَنَّهُ مَتَى أَخْبَرَهُ الثِّقَةُ بِالْفِعْلِ وَبِالْأَوْلَى مِنْهُ مَا لَوْ عَلِمَ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ وَلَا يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى الِاجْتِهَادِ وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى إخْبَارِ الثِّقَةِ أَوْ الْعِلْمِ بِالنَّفْسِ وَلَمْ يَحْصُلَا لَهُ بِالْفِعْلِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْعَى فِي تَحْصِيلِهِمَا وَلَا يَجْتَهِدُ وَأَنْ يَجْتَهِدَ وَلَا يَسْعَى فِي تَحْصِيلِهِمَا، وَأَمَّا إنْ حَصَلَا لَهُ بِالْفِعْلِ فَلَا يُجْتَهَدُ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى الِاجْتِهَادِ الْمُخَالِفِ لَهُمَا يُشِيرُ لِهَذَا قَوْلُهُ كَالشَّارِحِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ إلَخْ وَلَمْ يَقُولَا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَبَرِ الثِّقَةِ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ أَطْرَافُ الْكَلَامِ.
وَقَدْ رَأَيْت بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ م ر جَوَازًا إلَخْ أَنَّ الِاجْتِهَادَ جَائِزٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعِلْمِ بِالنَّفْسِ أَوْ خَبَرِ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ لَكِنَّهُ إذَا خَالَفَهُمَا لَا يَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ حَجّ مَا نَصُّهُ نَعَمْ إنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمِعَ آذَانَ عَدْلٍ عَارِفٍ بِالْوَقْتِ فِي صَحْوٍ لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَلَمْ يَجْتَهِدْ إذْ لَا حَاجَةَ بِهِ لِلِاجْتِهَادِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لِرُؤْيَةِ نَحْوِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ وَفِي الْمَحَلِّيِّ مَا نَصُّهُ اجْتَهَدَ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ وَوُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى الصَّبْرِ إلَى الْيَقِينِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ اهـ وَفِي ق ل عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ جَوَازًا إنْ قَدَرَ هُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْمِيَاهِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الِاجْتِهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ مَعَ الْعَجْزِ وَمَتَى وَقَعَ كَانَ وَاجِبًا وَالْقُدْرَةُ تَعُمُّ مَا كَانَ بِالْبَصَرِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَمَا كَانَ بِغَيْرِهِ كَوُجُودِ مُخْبِرٍ عَنْ عِلْمٍ عِنْدَهُ أَوْ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ سُؤَالِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ وَفَارَقَ مَنْعُ الِاجْتِهَادِ وَوُجُوبُ السُّؤَالِ فِي مِثْلِهِ فِي الْقِبْلَةِ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ وَقَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ لَهُ وَلَوْ لِأَعْمَى أَقْوَى إدْرَاكًا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاجْتِهَادِ كَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ لِعَجْزِ الْبَصِيرِ حَقِيقَةً وَالْأَعْمَى فِي الْجُمْلَةِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّقْلِيدَ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى الْعَاجِزِ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ الْبَصِيرِ الْقَادِرِ لِمُجْتَهِدٍ آخَرَ وَمُقْتَضَى مَا بَعْدَهُ عَنْ النَّوَوِيِّ جَوَازُهُ لَهُ كَمَا مَرَّ وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا عَاجِزَيْنِ وَجَبَ التَّقْلِيدُ أَوْ قَادِرَيْنِ تَخَيَّرَا بَيْنَ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ وَالِاجْتِهَادِ وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ تَقْلِيدِ الْقَادِرِ عَلَى الِاجْتِهَادِ لِمُجْتَهِدٍ لِلْمَشَقَّةِ هُنَا وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَنْ مَنَعَ تَقْلِيدَ الْأَعْمَى لِغَيْرِهِ فِي الْأَوَانِي مَا لَمْ يَتَحَيَّرْ اهـ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فَصْلٌ وَلِلْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى، وَإِنْ قَدَرَا عَلَى الْيَقِينِ بِالْبَصَرِ أَوْ بِغَيْرِهِ الِاجْتِهَادُ لِلْوَقْتِ فِي الْغَيْمِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَحْصُلُ الِاشْتِبَاهُ فِي الْوَقْتِ بِمُغَلِّبٍ ظَنًّا بِدُخُولِهِ كَالْأَوْرَادِ وَصَوْتِ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ إصَابَتُهُ الْوَقْتَ هَذَا إنْ لَمْ يُخْبِرْهُمَا ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ أَيْ مُشَاهَدَةٍ، فَإِنْ أَخْبَرَهُمَا عَنْ عِلْمٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الِاجْتِهَادُ كَوُجُودِ النَّصِّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا اجْتَهَدَ) فَلَوْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَيَلْزَمُ الْمُجْتَهِدَ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الْوَقْتِ وَتَأْخِيرُهُ إلَى خَوْفِ الْفَوَاتِ أَفْضَلُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ وِرْدٍ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَالْمَعْنَى اجْتَهَدَ بِسَبَبِ نَحْوِ وِرْدٍ وَحِينَئِذٍ فَتُجْعَلُ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ دَلَائِلَ كَالرَّشَاشِ فِي الْأَوَانِي بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ اجْتَهَدَ هَلْ دَخَلَ الْوَقْتُ أَوْ لَا وَهَلْ اسْتَعْجَلَ فِي قِرَاءَتِهِ أَوْ لَا وَتَعْبِيرُهُ بِاجْتَهَدَ يُسَاعِدُهُ وَقِيلَ لِلْآلَةِ أَيْ فَنَحْوُ الْوَرْدِ آلَةٌ لِلِاجْتِهَادِ فَيُصَلِّي بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ مِنْ ذَلِكَ
(1/280)
كَخِيَاطَةٍ وَصَوْتِ دِيكٍ مُجَرَّبٍ سَوَاءٌ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى وَلَهُ كَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ لِعَجْزِهِ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلِلْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ الْعَارِفِ فِي الْغَيْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ إلَّا فِي الْوَقْتِ أَمَّا فِي الصَّحْوِ فَكَالْمُخْبَرِ عَنْ عِلْمٍ
(، فَإِنْ عَلِمَ) أَنَّ (صَلَاتَهُ) بِالِاجْتِهَادِ وَقَعَتْ (قَبْلَ وَقْتِهَا) وَعَلِمَ بِذَلِكَ فِيهِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ (أَعَادَ) وُجُوبًا، فَإِنْ عَلِمَ وُقُوعَهَا فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَالْوِرْدُ مَا كَانَ بِنَحْوِ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ لَفْظُ نَحْوِ قَبْلُ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ مَا دَخَلَ تَحْتَهُ مِنْ الْوَرْدِ وَكَلَامِ الشَّارِحِ يُشِيرُ إلَى رَدِّهِ؛ لِأَنَّ الْوِرْدَ مَا كَانَ بِنَحْوِ ذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ وَنَحْوِهِ مَا كَانَ بِنَحْوِ صِنَاعَةٍ وَمِنْهُ سَمَاعُ صَوْتِ دِيكٍ مُجَرَّبٍ وَسَمَاعُ مَنْ لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُ وَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ آذَانَهُ أَوْ خَبَرَهُ عَنْ عِلْمٍ وَسَمَاعِ آذَانِ ثِقَةٍ عَارِفٍ فِي الْغَيْمِ لَكِنَّ لَهُ فِي هَذِهِ تَقْلِيدَهُ اهـ (قَوْلُهُ: كَخِيَاطَةٍ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَتَأَمَّلَ فِي الْخِيَاطَةِ الَّتِي فَعَلَهَا هَلْ أَسْرَعَ فِيهَا عَادَتَهُ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ وَصَوْتِ دِيكٍ مُجَرَّبٍ أَيْ بِأَنْ يَتَأَمَّلَ هَلْ آذَانُهُ قَبْلَ عَادَتِهِ أَمْ لَا.
(فَائِدَةٌ) قَدْ اشْتَهَرَ أَنَّ الدِّيكَ يُؤَذِّنُ عِنْدَ آذَانِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ يَقُولُ فِي صِيَاحِهِ يَا غَافِلُونَ اُذْكُرُوا اللَّهَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مُجَرَّبٍ) أَيْ جُرِّبَتْ إصَابَتُهُ لِلْوَقْتِ اهـ ح ل أَيْ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ تَخَلُّفِهِ وَيَنْبَغِي ضَبْطُهُ كَمَا فِي جَارِحَةِ الصَّيْدِ، وَقَدْ نُقِلَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ الزَّرْكَشِيّ فَلْيُرَاجَعْ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَهُ كَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ إلَخْ) قَضِيَّةُ صَنِيعِهِ أَنَّ الْأَعْمَى يُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدَ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْبَصِيرِ لَا بُدَّ مِنْ عَجْزِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِذَا نَظَرْت إلَى هَذَا مَعَ مَا نُقِلَ عَنْ الرَّمْلِيِّ السَّابِقِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ فِي حَقِّ الْأَعْمَى إلَّا فِي الْإِخْبَارِ عَنْ عِلْمٍ فَقَطْ وَاعْلَمْ أَنَّ مَرَاتِبَ الْوَقْتِ ثَلَاثَةٌ الْعِلْمُ بِالنَّفْسِ وَإِخْبَارُ الثِّقَةِ عَنْ عِلْمٍ وَالْمُؤَذِّنُ الْعَارِفُ فِي الصَّحْوِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا وَكَذَلِكَ الْمِزْوَلَةُ الصَّحِيحَةُ وَالسَّاعَةُ الصَّحِيحَةُ وَالْمَنَاكِبُ الصَّحِيحَةُ فَهَذِهِ كُلُّهَا فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الِاجْتِهَادُ وَالْمُؤَذِّنُ الْعَارِفُ فِي الْغَيْمِ وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ وَكَوْنُهَا ثَلَاثَةً فِي الْمُجْمَلَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الرَّمْلِيِّ اجْتَهَدَ جَوَازًا إلَخْ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ الْعَارِفِ فِي الْغَيْمِ) قَدْ يُقَالُ هُوَ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ يَجْتَهِدُ فَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى تَقْلِيدٌ لِلْمُجْتَهِدِ وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ إلَّا لِعَاجِزٍ كَأَعْمَى الْبَصَرِ أَوْ الْبَصِيرَةِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ عَلَى مَرْتَبَةٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِ، وَقَدْ يَكُونُ اعْتَمَدَ عَلَى أَمْرٍ قَوِيٍّ كَانْكِشَافِ سَحَابَةٍ لَهُ فَيَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ الْخَطَأِ مِنْ الْمُجْتَهِدِ فَهُوَ رُتْبَةٌ بَيْنَ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ وَالْمُجْتَهِدِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ آذَانَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ امْتَنَعَ تَقْلِيدُهُ اهـ م ر اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: الثِّقَةِ) خَرَجَ الْفَاسِقُ وَمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ وَلَوْ مَسْتُورًا وَالصَّبِيُّ وَلَوْ مَأْمُونًا عَارِفًا وَفِي صَحْوٍ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُتَوَلِّي مِنْ صِحَّةِ قَبُولِ قَوْلِ الصَّبِيِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ كَرُؤْيَةِ النَّجَاسَةِ وَدَلَالَةِ الْأَعْمَى عَلَى قِبْلَةٍ وَخُلُوِّ الْمَوْضِعِ عَنْ الْمَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا لَا فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ كَالْإِفْتَاءِ لَمْ يَعْتَمِدْهُ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَكَالْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ) أَيْ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ مَعَ وُجُودِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ آذَانَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَهُ وَلِلْمُنَجِّمِ وَالْحَاسِبِ الْعَمَلُ بِمَعْرِفَتِهِمَا وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُمَا وَالْأَوَّلُ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ وَالثَّانِي مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَالْفَجْرِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهِمَا اهـ ح ل بِخِلَافِ الْمِيقَاتِيِّ، فَإِنَّهُ يُقَلَّدُ وَكَذَا الْمُؤَذِّنُ بِإِخْبَارِ الْمِيقَاتِيِّ يُقَلَّدُ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُ الْمُنَجِّمِ وَالْحَاسِبِ جَازَ تَقْلِيدُهُمَا قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ كَمَا نُقِلَ عَنْ ع ش عَلَى م ر اهـ شَيْخُنَا ح ف.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَلِمَ صَلَاتَهُ قَبْلَ وَقْتِهَا) أَيْ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا وَلَوْ تَكْبِيرَةَ التَّحَرُّمِ وَمِثْلُ الْعِلْمِ إخْبَارُ عَدْلٍ لَهُ بِهِ عَنْ عِلْمٍ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَعَادَ وُجُوبًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيمَا إذَا عَلِمَ فِي الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ وَعَلَى الْأَظْهَرِ فِيمَا إذَا عَلِمَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ لَا يُعِيدُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي ظَنِّهِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ أَيْ ظَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَجَبَ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْوَقْتِ هَلْ صَلَّى أَوْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ بَعْدَهَا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ لَا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ التَّنَاقُضِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ شَكَّ فِي الْفِعْلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَالثَّانِي شَكَّ فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا وَلَوْ قَضَى صَلَاةً شَكَّ فِيهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ مَا فَعَلَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَفِيهِ بَحْثٌ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ الْحَالُ لَمْ يُعَاقَبْ فِي الْآخِرَةِ، وَإِذَا شَكَّ فِي مِقْدَارِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ قَضَى مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ فِعْلَهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ يَقْضِي مَا تَيَقَّنَ تَرْكَهُ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارَ. وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُصَلِّي تَارَةً وَيَتْرُكُ أُخْرَى وَلَا يُعِيدُ فَهُوَ كَقَوْلِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ نَادِرًا فَهُوَ كَمُقَابِلِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ
(1/281)
لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ وَتَعْبِيرِي بِالْإِعَادَةِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْقَضَاءِ (وَيُبَادِرُ بِفَائِتٍ) وُجُوبًا إنْ فَاتَ بِلَا عُذْرٍ وَنَدْبًا إنْ فَاتَ بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَنِسْيَانٍ تَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا»
(وَسُنَّ تَرْتِيبُهُ) أَيْ الْفَائِتِ فَيَقْضِي الصُّبْحَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَهَكَذَا (وَتَقْدِيمُهُ عَلَى حَاضِرَةٍ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَقَوْلُهُ نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ أَصْلُهُ لِابْنِ قَاسِمٍ وَتَعَقَّبَهُ ع ش عَلَى م ر بِأَنَّهُ حَيْثُ بَنَى فِعْلَهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ إلَّا بِتَعَيُّنِ خِلَافِهِ وَمُجَرَّدُ ظَنِّ أَنَّهَا وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا أَثَرَ لَهُ بَلْ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ ثَانِيًا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى خِلَافِ مَا بَنَى عَلَيْهِ فِعْلَهُ الْأَوَّلَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ انْتَهَتْ عِبَارَتُهُ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي لَوْ قَضَى فَائِتَةً عَلَى الشَّكِّ فَالْمَرْجُوُّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْبُرَ بِهَا خَلَلًا فِي الْفَرَائِضِ أَوْ يَحْسِبَهَا لَهُ نَفْلًا وَسَمِعْت بَعْضَ أَصْحَابِ بَنِي عَاصِمٍ يَقُولُ: إنَّهُ قَضَى صَلَوَاتِ عُمْرِهِ كُلَّهَا مَرَّةً، وَقَدْ اسْتَأْنَفَ قَضَاءَهَا ثَانِيًا اهـ قَالَ الْغَزِّيِّ وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ عَزِيزَةٌ عَدِيمَةُ النَّقْلِ اهـ إيعَابٌ وَأَقُولُ فِي إطْلَاقِهَا نَظَرٌ إذْ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ إلَّا لِمُوجِبٍ كَأَنْ جَرَى خِلَافٌ فِي صِحَّةِ الْمُؤَدَّاةِ أَوْ شَكَّ فِيهَا شَكًّا يُنْدَبُ لَهُ بِسَبَبِهِ الْقَضَاءُ أَمَّا الْقَضَاءُ لِمُجَرَّدِ الِاحْتِيَاطِ فَلَا يَجُوزُ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ قَضَى بِسَبَبٍ مُجَوِّزٍ لِلْقَضَاءِ أَوْ مُوجِبٍ لَهُ وَكَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ إيعَابٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ) أَيْ وَإِنْ وَصَلَ بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاتِهِ إلَى بَلَدٍ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا فِيهِ لِمُخَالَفَةِ مَطْلَعِهِ كَمَنْ أَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ مَجْمُوعَةٍ مَقْصُورَةٍ قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ بِمَا قَالُوهُ فِي الصَّوْمِ إنَّ لَهُ حُكْمَ الْبَلَدِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَقِيَاسُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ: أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْقَضَاءِ) فِيهِ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ ثَانِيًا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا وَعَلَيْهِ فَالتَّعْبِيرُ بِهَا لَا يَشْمَلُ مَا لَوْ تَبَيَّنَ الْحَالَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ وَافِيَةً بِالْمَقْصُودِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْإِعَادَةِ فِعْلُ الْعِبَادَةِ إلَخْ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ الْإِعَادَةُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ ثَانِيًا مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَرَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَيُبَادِرُ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَلَا يُنَافِي الْمُبَادَرَةُ بِالْفَائِتَةِ اشْتِغَالَهُ بِرَاتِبَتِهَا الْقَبْلِيَّةِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وُجُوبًا إنْ فَاتَ بِلَا عُذْرٍ) أَيْ مَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ فَوَاتُ التَّرْتِيبِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي كَأَنْ فَاتَهُ الظُّهْرُ بِعُذْرٍ وَالْعَصْرُ بِلَا عُذْرٍ فَيَبْدَأُ بِالظُّهْرِ نَدْبًا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَوْرًا أَنْ تَجِبَ الْبُدَاءَةُ بِالْعَصْرِ، وَإِنْ فَاتَ التَّرْتِيبُ الْمَحْبُوبُ وَعُورِضَ بِأَنَّ خِلَافَ التَّرْتِيبِ خِلَافٌ فِي الصِّحَّةِ وَمُرَاعَاتُهُ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ التَّكْمِلَاتِ الَّتِي تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا وَهِيَ الْمُبَادَرَةُ وَمِنْ ثَمَّ يُرَاعَى التَّرْتِيبُ، وَإِنْ خِيفَ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ الْحَاضِرَةِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ: كَنَوْمٍ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْتِ مَعَ ظَنِّ عَدَمِ الِاسْتِيقَاظِ فِيهِ أَوْ الشَّكِّ وَإِلَّا حَرُمَ وَقَوْلُهُ وَنِسْيَانٍ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ مَنْهِيٍّ عَنْهُ كَلَعِبِ شِطْرَنْجٍ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ عُذْرًا اهـ ح ل وَالْمُرَادُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَوْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ لَعِبَ الشِّطْرَنْجِ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ وَبَقِيَ مَا لَوْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَعَزَمَ عَلَى الْفِعْلِ ثُمَّ تَشَاغَلَ فِي مُطَالَعَةٍ أَوْ صَنْعَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ غَافِلٌ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هَذَا نِسْيَانٌ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ تَقْصِيرٍ مِنْهُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا حُكِيَ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ شَرَعَ فِي الْمُطَالَعَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَاسْتَغْرَقَ فِيهَا حَتَّى لَذَعَهُ حَرُّ الشَّمْسِ فِي جَبْهَتِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا) دَلَّ عَلَى طَلَبِ الصَّلَاةِ وَقْتَ تَذَكُّرِهَا وَهُوَ يُفِيدُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَكَوْنَ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ صَرَفَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا نَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْوَادِي حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ ارْتَحَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثُمَّ سَارُوا مُدَّةً ثُمَّ نَزَلُوا وَصَلَّوْا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ فَوْرِيَّةِ الْقَضَاءِ وَبَقِيَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى ظَاهِرِهِ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ تَرْتِيبُهُ إلَخْ) أَيْ فَاتَ بِعُذْرٍ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ وَتَقْدِيمُهُ إلَخْ أَيْ فَاتَ بِعُذْرٍ أَوْ لَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَسُنَّ تَرْتِيبُهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الْفَوَائِتِ مَتْرُوكًا عَمْدًا أَيْ بِلَا عُذْرٍ وَالْأَوَّلُ بِعُذْرٍ وَهُوَ مَا مَالَ إلَيْهِ الطَّبَلَاوِيُّ وَجَزَمَ بِهِ م ر فِي شَرْحِهِ اهـ سم وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِشَاءِ هَلْ لَهُ صَلَاةُ الْوِتْرِ قَبْلَ قَضَائِهَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَوَائِتُ وَأَرَادَ قَضَاءَهَا هَلْ يَبْدَأُ بِالصُّبْحِ أَوْ الظُّهْرِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِاَلَّتِي فَاتَتْهُ أَوَّلًا مُحَافَظَةً عَلَى التَّرْتِيبِ اهـ شَرْحُ م ر اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: فَيَقْضِي الصُّبْحَ قَبْلَ الظُّهْرِ) الْأَوْجَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِاَلَّتِي فَاتَتْهُ أَوَّلًا اهـ م ر وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَيَقْضِي الصُّبْحَ قَبْلَ الظُّهْرِ أَيْ إنْ كَانَا مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَا مِنْ يَوْمَيْنِ وَتَأَخَّرَ يَوْمُ الصُّبْحِ بَدَأَ بِالظُّهْرِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: لَمْ يَخَفْ فَوْتَهَا) أَيْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ أَدَائِهَا، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ جَمَاعَتِهَا اهـ
(1/282)
مُحَاكَاةً لِلْأَدَاءِ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا بَدَأَ بِهَا وُجُوبًا لِئَلَّا تَصِيرَ فَائِتَةً وَتَعْبِيرِي كَالْأَصْلِ وَكَثِيرٍ بِلَمْ يَخَفْ فَوْتَهَا صَادِقٌ بِمَا إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُدْرِكَ رَكْعَةً مِنْ الْحَاضِرَةِ فَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْفَائِتِ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ خِلَافَهُ وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ تَحْرِيمِ إخْرَاجِ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا وَنَحْوِهِ وَلَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي حَاضِرَةٍ أَتَمَّهَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ اتَّسَعَ وَلَوْ شَرَعَ فِي فَائِتَةٍ مُعْتَقِدًا سَعَةَ الْوَقْتِ فَبَانَ ضِيقُهُ عَنْ إدْرَاكِهَا أَدَاءً وَجَبَ قَطْعُهَا
(وَكُرِهَ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ هُنَا وَكَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَفِي الطَّهَارَةِ مِنْ الْمَجْمُوعِ (فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ صَلَاةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
ز ي وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: فَإِذَا رَأَى إمَامًا فِي حَاضِرَةٍ وَعَلَيْهِ فَائِتَةٌ فَالْأَفْضَلُ فِعْلُ الْفَائِتَةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ إنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْحَاضِرَةِ شَيْئًا فَعَلَهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا خَلْفَ الْحَاضِرَةِ أَوْ يُحْرِمَ بِالْحَاضِرَةِ مَعَ الْإِمَامِ لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ اقْتَدَى فِي مَقْضِيَّةٍ خَلْفَ مُؤَدَّاةٍ وَفِي الثَّانِي عَدَمُ التَّرْتِيبِ وَفِيهِمَا خِلَافٌ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَمَّا لَوْ خَافَ فَوْتَ جَمَاعَتِهَا، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُهَا عَلَى الْفَائِتِ، وَإِنْ أَمْكَنَ صَلَاتُهَا ظُهْرًا مُؤَدَّاةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مُحَاكَاةً لِلْأَدَاءِ) تَعْلِيلٌ لِسَنِّ التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيمِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وِفَاقَا ل شَرْحُ م ر وَخِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ الطَّبَلَاوِيِّ كَابْنِ حَجَرٍ وَقَوْلُهُ وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ إلَخْ مَحَلُّ نَظَرٍ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْفَائِتُ بِغَيْرِ عُذْرٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ) كَالْمَدِّ اهـ ح ل وَكَمَا لَوْ عَلِمَ بِوُجُودِ الْمَاءِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ طَلَبَهُ خَرَجَ بَعْضُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا اهـ ع ش (قَوْلُهُ: أَتَمَّهَا) أَيْ ثُمَّ يَقْضِي الْفَائِتَةَ وَيُسَنُّ لَهُ حِينَئِذٍ إعَادَةُ الْحَاضِرَةِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر وَقَوْلُهُ اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَوْ ضَاقَ أَيْ وَسَوَاءٌ فَاتَتْهُ بِعُذْرٍ أَوْ لَا اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَجَبَ قَطْعُهَا) أَيْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا فَلَا يُنَافِي سَنُّ قَلْبِهَا نَفْلًا مُطْلَقًا إذَا مَضَى مِنْهَا رَكْعَتَانِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ع ش عَلَى م ر وَاعْلَمْ أَنَّ قَلْبَ الْمَكْتُوبَةِ نَفْلًا مُطْلَقًا يَكُونُ مَنْدُوبًا وَوَاجِبًا وَمُحَرَّمًا وَمُبَاحًا فَالْأَوَّلُ كَمَا هُنَا وَكَقَطْعِ الْمُنْفَرِدِ لَهَا لِيُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً بِشَرْطِ أَنْ لَا يُكْرَهَ الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ لِنَحْوِ بِدْعَةٍ وَأَنْ يَتَحَقَّقَ إتْمَامُهَا فِي الْوَقْتِ لَوْ اسْتَأْنَفَهَا وَإِلَّا حَرُمَ فِي هَذِهِ الْقَلْبُ وَيُشْتَرَطُ لِنَدْبِ الْقَلْبِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا مِنْ أُولَى أَوْ ثَالِثَةٍ كَانَ الْقَلْبُ مُبَاحًا وَيُشْتَرَطُ لِلنَّدَبِ أَيْضًا كَوْنُ الْجَمَاعَةِ مَطْلُوبَةً فَلَوْ كَانَ يُصَلِّي فَائِتَةً لَمْ يَجُزْ قَلْبُهَا نَفْلًا لِيُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً إلَّا إذَا كَانَتْ مِثْلَهَا كَظُهْرٍ مَقْضِيَّةٍ خَلْفَ ظُهْرٍ تُقْضَى، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ فَوْرِيًّا وَإِلَّا حَرُمَ الْقَلْبُ وَمِمَّا يَحْرُمُ الْقَلْبُ فِيهِ أَنْ يَحْرُمَ بِفَائِتَةٍ ظَانًّا سَعَةَ الْوَقْتِ فَبَانَ ضِيقُهُ وَهُوَ فِي قِيَامِ رَكْعَةٍ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَتَمَّ الرَّكْعَةَ لِيَقْلِبَهَا نَفْلًا لَمْ يُدْرِكْ مِنْ صَاحِبَةِ الْوَقْتِ رَكْعَةً اهـ شَيْخُنَا ح ف.
(قَوْلُهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَكَرَاهَتِهِ أَنَّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مُحْتَمِلٍ لِلتَّأْوِيلِ وَالتَّحْرِيمَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ لَا يَحْتَمِلُهُ أَوْ بِإِجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْلَوِيٍّ أَوْ مُسَاوٍ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ إلَخْ) وَعَلَى كُلٍّ لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إذَا رَجَعَ لِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْ لَازَمَهَا اقْتَضَى الْفَسَادَ سَوَاءٌ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ قَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَتَكُونُ مَعَ جَوَازِهَا فَاسِدَةً قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْفَاسِدَةَ حَرَامٌ مُطْلَقًا أَوْ يُقَالُ الْإِقْدَامُ عَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ جَائِزٌ وَالِاسْتِمْرَارُ حَرَامٌ أَوْ يُقَالُ هِيَ جَائِزَةٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا صَلَاةً حَرَامٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا فَاسِدَةً اهـ ح ل وَسَمَ وَشَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحُ م ر وَمَنْ فَعَلَ صَلَاةً حُكِمَ بِكَرَاهَتِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَثِمَ تَنْعَقِدُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْ لَازَمَهَا اقْتَضَى الْفَسَادَ سَوَاءٌ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ وَأَيْضًا فَإِبَاحَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَا تُنَافِي حُرْمَةَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي إبَاحَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا لَا يَنْعَقِدُ إذَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ التَّلَاعُبَ وَفَارَقَ كَرَاهَةُ الزَّمَانِ كَرَاهَةَ الْمَكَانِ حَيْثُ انْعَقَدَتْ فِيهِ مَعَهَا بِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الزَّمَانِ يُذْهِبُ جُزْءًا مِنْهُ فَكَانَ النَّهْيُ مُنْصَرِفًا لِإِذْهَابِ هَذَا الْجُزْءِ فِي النَّهْيِ عَنْهُ فَهُوَ وَصْفٌ لَازِمٌ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ فِعْلٍ إلَّا بِإِذْهَابِ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ، وَأَمَّا الْمَكَانُ فَلَا يَذْهَبُ جُزْءٌ مِنْهُ وَلَا يَتَأَثَّرُ بِالْفِعْلِ فَالنَّهْيُ عَنْهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ مُجَاوِرٍ لَا لَازِمٍ فَحَقِّقْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَفِيسٌ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِاللُّزُومِ وَعَدَمِهِ وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ لِلْعِبَادِ تَقْتَضِي زَمَانًا وَمَكَانًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَازِمٌ لِوُجُودِ الْفِعْلِ لَكِنَّ الزَّمَانَ كَمَا يَلْزَمُ الْوُجُودَ يَلْزَمُ الْمَاهِيَّةَ دُونَ الْمَكَانِ وَلِهَذَا يَنْقَسِمُ الْفِعْلُ بِحَسَبِ انْقِسَامِ الزَّمَانِ إلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ وَالْحَالِ فَكَانَ أَشَدَّ ارْتِبَاطًا بِالْفِعْلِ مِنْ الْمَكَانِ فَافْتَرَقَا انْتَهَتْ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ وَعَلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَعَلَى طُورِ سَيْنَا وَيُقَالُ لَهُ طُورُ سِينِينَ كَمَا فِي الْآيَةِ وَعَلَى طُورِ زَيْتَا وَهُمَا جَبَلَانِ بِالشَّامِ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعَلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَعَلَى جَبَلِ عَرَفَاتٍ لِبُعْدِهِ عَنْ الْأَدَبِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ) وَكَذَا فِي حَرَمِهَا وَقْتَ الْخُطْبَةِ وَلَوْ فَرْضًا لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَخَرَجَ
(1/283)
عِنْدَ اسْتِوَاءٍ) لِلشَّمْسِ حَتَّى تَزُولَ (إلَّا يَوْمَ جُمُعَةٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ (وَ) عِنْدَ (طُلُوعِ شَمْسٍ وَبَعْدَ) صَلَاةِ (صُبْحٍ) أَدَاءً لِمَنْ صَلَّاهَا (حَتَّى تَرْتَفِعَ) فِيهِمَا (كَرُمْحٍ) فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَالْمَسَافَةُ طَوِيلَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الرُّمْحِ وَهُوَ تَقْرِيبٌ (وَ) بَعْدَ صَلَاةِ (عَصْرٍ) أَدَاءً وَلَوْ مَجْمُوعَةً فِي وَقْتِ الظُّهْرِ (وَعِنْدَ اصْفِرَارٍ) لِلشَّمْسِ (حَتَّى تَغْرُبَ) فِيهِمَا لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (إلَّا) صَلَاةً (لِسَبَبٍ) بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي (غَيْرِ مُتَأَخِّرٍ) عَنْهَا بِأَنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُقَارِنًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِحَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ وَالْقُدْسِ فَهُمَا كَغَيْرِهِمَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ اسْتِوَاءٍ) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ اهـ ع ش عَلَى م ر وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ عِنْدَ اسْتِوَاءٍ أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرًا كَمَا فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ أَيْ لَوْ صَادَفَهُ التَّحَرُّمُ لَمْ تَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ ضِيقٍ (قَوْلُهُ: أَيْضًا عِنْدَ اسْتِوَاءٍ) أَيْ بِأَنْ قَارَنَهُ التَّحَرُّمُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ لَطِيفٌ وَقَوْلَهُ إلَّا يَوْمَ جُمُعَةٍ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَاتُهَا اهـ ح ل قَالَ حَجّ وَيَأْتِي فِي التَّحِيَّةِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَفِيمَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَصَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ الْقِيَاسُ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ ذَاكَ أَغْلَظُ لِاسْتِوَاءِ ذَاتِ السَّبَبِ وَغَيْرِهَا ثَمَّ لَا هُنَا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْقِيَاسُ فِي الْأُولَى بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ إلَّا فِي رَكْعَتَيْنِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا كَإِنْشَاءِ صَلَاةٍ أُخْرَى مُطْلَقًا ثَمَّ وَلَا سَبَبَ لَهَا هُنَا إلَّا فِي الثَّانِيَةِ، فَإِذَا نَوَى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ وَلَمْ يَتَحَرَّ تَأْخِيرَ بَعْضِهَا إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِدُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَإِذَا نَوَى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ إلَخْ بَقِيَ مَا لَوْ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ لِعَدَمِ قَابِلِيَّةِ الْوَقْتِ مَعَ عَدَمِ تَأَتِّي الزِّيَارَةِ بِنِيَّتِهَا قَبْلُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَخَلَ الْوَقْتَ وَهُوَ فِي ثَالِثَةٍ أَوْ رَابِعَةٍ مَثَلًا فَهَلْ يُتِمُّهَا وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ اهـ سم عَلَيْهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ طُلُوعِ شَمْسٍ) أَيْ ابْتِدَاءِ جُزْءٍ مِنْ قُرْصِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ صَلَاةِ صُبْحٍ) الْمُنَاسِبُ لِمَا بَعْدَهُ أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ وَعِنْدَ طُلُوعِ شَمْسٍ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: أَدَاءً لِمَنْ صَلَّاهَا) أَيْ وَكَانَتْ تَسْقُطُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَوْ كَانَ نَحْوَ مُتَيَمِّمٍ بِمَحَلٍّ الْغَالِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ فَلَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ صَلَاتِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: كَرُمْحٍ) أَيْ قَدْرُهُ وَهُوَ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَتَرْتَفِعُ قَدْرُهُ فِي أَرْبَعِ دَرَجَاتٍ اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ: لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ) أَيْ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى حِكْمَتِهِ «، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ وَتَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهَا تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا، فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا» وَالْمُرَادُ بِقَرْنِهِ قَوْمُهُ وَهُمْ عِبَادُهَا يَسْجُدُونَ لَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَقِيلَ مَعْنَى كَوْنِهَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ أَنَّهُ يُدْنِي رَأْسَهُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى يَكُونَ السَّاجِدُ لَهَا سَاجِدًا لَهُ فَالْكَرَاهَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ فِي وَقْتَيْنِ وَبِالزَّمَانِ فِي ثَلَاثَةٍ وَزَادَ الدَّارِمِيُّ كَرَاهَةَ وَقْتَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاتِهِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ إلَى صَلَاتِهَا وَمِثْلُهُمَا وَقْتُ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَصُعُودِ الْخَطِيبِ الْمِنْبَرَ قَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي تِلْكَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَجْمُوعَةً فِي وَقْتِ الظُّهْرِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ يُونُسَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا شَخْصٌ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقِيلَ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلُهُ قَالَ شَيْخُنَا وَلَيْسَ مِنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِإِيقَاعِهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ حَتَّى لَا تَنْعَقِدَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ تَأْخِيرِ الْجِنَازَةِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ كَثْرَةَ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْ لَا التَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ تَبْعُدُ إرَادَتُهُ فَلَوْ فُرِضَتْ إرَادَتُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ اهـ ح ل (قَوْلُهُ حَتَّى تَغْرُبَ) أَيْ يَقْرُبَ غُرُوبُهَا فَهَذِهِ خَمْسَةٌ وَلَا تُرَدُّ النَّافِلَةُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صَلَاةٍ لَا تَنْعَقِدُ، وَإِنْ قُلْنَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَا الصَّلَاةُ حَالَ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهَا لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْفَرْضِ وَغَيْرِهِ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي كَرَاهَةِ مُطْلَقِ النَّافِلَةِ فَصَحَّ أَنَّ الْأَوْقَاتِ خَمْسَةٌ ثُمَّ تَقْسِيمُ السَّبَبِ إلَى مُتَقَدِّمٍ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَقْتِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ فَلَا تَأْتِي الْمُقَارَنَةُ إذْ السَّبَبُ دَائِمًا مُتَقَدِّمٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْخَمْسَةِ غَيْرُهَا كَوَقْتِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَوَقْتُ صُعُودِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَالصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَمُنْعَقِدَةٌ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ حَالَ الْخُطْبَةِ فَحَرَامٌ وَلَا تَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَلَوْ فَرْضَهَا إلَّا رَكْعَتَيْ التَّحِيَّةِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ امْتَنَعَتْ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ طَلَبِ التَّحِيَّةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا) كَالْجِنَازَةِ وَالْفَائِتَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَقَوْلُهُ أَوْ مُقَارَنًا كَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءِ وَإِعَادَةِ صَلَاةِ جَمَاعَةٍ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ أَوْ مُقَارَنًا) كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الْكَرَاهَةِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ الَّذِي
(1/284)
(كَفَائِتَةِ) فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (لَمْ يَقْصِدْ تَأْخِيرَهَا إلَيْهَا) لِيَقْضِيَهَا فِيهَا (وَ) صَلَاةِ (كُسُوفٍ وَتَحِيَّةٍ) لِمَسْجِدٍ بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي (لَمْ يَدْخُلْ) إلَيْهِ (بِنِيَّتِهَا فَقَطْ وَسَجْدَةِ شُكْرٍ) فَلَا تُكْرَهُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَهُ رَكْعَتَا سُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي بَعْدَهُ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَقِيسَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ وَحُمِلَ النَّهْيُ فِيمَا ذَكَرَ عَلَى صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا وَهِيَ النَّافِلَةُ الْمُطْلَقَةُ أَوْ لَهَا سَبَبٌ مُتَأَخِّرٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا وَخَرَجَ بِغَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ الصَّلَاةُ بِحَرَمِهَا الْمَسْجِدُ وَغَيْرُهُ فَلَا تُكْرَهُ مُطْلَقًا لِخَبَرِ «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَبِغَيْرِ مُتَأَخِّرٍ مَا لَهَا سَبَبٌ مُتَأَخِّرٌ فَتَحْرُمُ كَصَلَاةِ الْإِحْرَامِ وَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ، فَإِنَّ سَبَبَهُمَا وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَالِاسْتِخَارَةُ مُتَأَخِّرٌ أَمَّا إذَا قَصَدَ تَأْخِيرَ الْفَائِتَةِ إلَى الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِيَقْضِيَهَا فِيهَا أَوْ دَخَلَ فِيهَا الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ التَّحِيَّةِ فَقَطْ فَلَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ وَكَسَجْدَةِ الشُّكْرِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ آيَتَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِقَصْدِ السُّجُودِ أَوْ يَقْرَأَهَا فِي غَيْرِهَا لِيَسْجُدَ فِيهَا وَعَدُّهُ كَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ لِأَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ خَمْسَةً أَجْوَدُ مِنْ عَدِّهِ لَهَا ثَلَاثَةً عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، فَإِنَّ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَعِنْدَ الِاصْفِرَارِ حَتَّى تَغْرُبَ عَامَّةٌ لِمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ وَلِغَيْرِهِ عَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى خَاصَّةٌ بِمَنْ صَلَّاهُمَا عَلَى الثَّانِيَةِ.
(فَصْلٌ) فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (إنَّمَا تَجِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
هُوَ الْمُرَادُ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمُقَارَنَةُ وَفِي كَلَامِ حَجّ أَنَّ الْكُسُوفَ مِمَّا سَبَبُهُ مُتَقَدِّمٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ زَالَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا لِتَقَدُّمِ سَبَبِهَا اهـ ح ل (قَوْلُهُ: كَفَائِتَةٍ) أَيْ وَكَنَافِلَةٍ اتَّخَذَهَا وِرْدًا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ اهـ سم ع ش وَسَبَبُ الْفَائِتَةِ مُتَقَدِّمٌ وَهُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: وَصَلَاةِ كُسُوفٍ) أَيْ وَإِنْ تَحَرَّى فِعْلَهَا؛ لِأَنَّهَا صَاحِبَةُ الْوَقْتِ كَسُنَّةِ الْعَصْرِ لَوْ تَحَرَّى تَأْخِيرَهَا عَنْهَا وَسَبَبُهَا وَهُوَ أَوَّلُ التَّغَيُّرِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى صَلَاتِهَا أَوْ مُقَارِنٌ لَهُ إنْ عَلِمَ بِهِ وَأَوْقَعَ إحْرَامَهُ مَعَ أَوَّلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا لِوَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَالتَّحِيَّةِ كَذَلِكَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ إنْ اُعْتُبِرَ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَهُوَ إمَّا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا أَوْ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَقْتِ فَقَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا أَيْضًا اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: فَلَا تُكْرَهُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ خِلَافَ الْأَوْلَى اهـ سم ع ش (قَوْلُهُ: فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ) فِي مُسْلِمٍ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّيهِمَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا أَيْ لِأَنَّ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ أَنَّهُ إذَا عَمِلَ عَمَلًا دَاوَمَ عَلَيْهِ فَفَعَلَهُمَا أَوَّلَ مَرَّةٍ قَضَاءً وَبَعْدَهُ نَفْلًا اهـ م ر وَلْيَنْظُرْ الْحِكْمَةَ فِي اسْتِمْرَارِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِمَا دُونَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُمَا فَاتَتَاهُ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى قَضَائِهِمَا اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَحَرَّ فَاعِلُهَا تَأْخِيرَهَا لِأَجْلِ صَلَاتِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَهِيَ إمَّا ذَاتُ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ إنْ نَظَرْنَا فِي التَّقَدُّمِ وَمُقَابِلُهُ إلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِمَّا ذَاتُ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ أَوْ مُقَارِنٍ إنْ نَظَرْنَا إلَى الْوَقْتِ عَلَى مَا قَالَهُ آخَرُونَ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا قَدْ يَقَعُ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهِ اهـ حَجّ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيسَ بِذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ فِعْلِ الْفَائِتِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَهُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: فَلَا تُكْرَهُ مُطْلَقًا) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ وَمَعَ ذَلِكَ هِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي مُقْنِعِ الْمَحَامِلِيِّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهَا تُكْرَهُ لِعُمُومِ الْإِخْبَارِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ إلَخْ) أَيْ بِأَيِّ مَحَلٍّ مِنْ أَجْزَاءِ الْحُرُم فَلَا يَرُدُّ أَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ وَصَلَّى أَيْ فِي الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ فَيَكُونُ الدَّلِيلُ أَخَصَّ اهـ لِكَاتِبِهِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا قَصَدَ تَأْخِيرَ الْفَائِتَةِ إلَخْ) قَالَ حَجّ بَعْدَ كَلَامٍ قَرَّرَهُ وَمِنْ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحَرِّي قَصْدُهُ إيقَاعَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ مُرَاغَمَتَهُ أَيْ مُعَانَدَتَهُ لِلشَّرْعِ إنَّمَا تَتَأَتَّى حِينَئِذٍ اهـ شَرْحُ الْعُبَابِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَأَشَارَ الشَّارِحُ لِهَذَا بِقَوْلِهِ لِيَقْضِيَهَا فِيهَا اهـ.
(فَرْعٌ) لَوْ تَحَرَّى الْفَائِتَةَ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ فَلَمَّا دَخَلَ الْوَقْتُ نَسِيَ أَنَّهُ تَحَرَّى ذَلِكَ فَصَلَّاهَا حِينَئِذٍ مَعَ نِسْيَانِ التَّحَرِّي انْعَقَدَتْ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَاغَمٍ بِفِعْلِهَا لِلشَّرْعِ وَلَمْ يُبْنَ فِعْلُهَا حِينَئِذٍ عَلَى التَّحَرِّي فَلَوْ كَانَ مُتَصَوِّرًا لِلتَّحَرِّي مُسْتَحْضِرًا لَهُ وَأَحْرَمَ مَعَ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا لِأَجْلِ التَّحَرِّي وَلَا قَصَدَ بِإِيقَاعِهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ الْوَفَاءَ بِمَا قَصَدَهُ مِنْ تَأْخِيرِهَا إلَيْهِ بَلْ اخْتَارَ الْآنَ إيقَاعَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا لِأَجْلِ مَا ذَكَرَ انْعَقَدَتْ أَيْضًا كَمَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَاغَمٍ لِلشَّرْعِ حَيْثُ لَمْ تَتَرَتَّبْ الصَّلَاةُ عَلَى قَصْدِهِ الْأَوَّلِ اهـ سم (قَوْلُهُ: أَيْضًا أَمَّا إذَا قَصَدَ تَأْخِيرَ الْفَائِتَةِ إلَخْ) خَرَجَ مَا إذَا قَصَدَ تَأْخِيرَ الْحَاضِرَةِ كَأَنْ قَصَدَ تَأْخِيرَ الْعَصْرِ إلَى الِاصْفِرَارِ، فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ اهـ م ر وَكَذَا لَوْ قَصَدَ تَأْخِيرَ سُنَّةِ الصُّبْحِ أَوْ الْعَصْرِ عَنْهَا وَلَا حُرْمَةَ فِي ذَلِكَ اهـ طَبَلَاوِيٌّ وَم ر اهـ سم - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
[فَصْلٌ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ]
(فَصْلٌ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ) أَيْ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ اهـ م ر (، فَإِنْ قُلْت) التَّعْبِيرُ بِالْفَصْلِ لَا وَجْهَ لَهُ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهِ تَحْتَ بَابِ الْمَوَاقِيتِ (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَعْرِفَتُهَا مَطْلُوبَةً لِذَاتِهَا بَلْ لِيُعْرَفَ بِهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ عِنْدَ دُخُولِهَا نَزَلَتْ مَعْرِفَةُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ مَنْزِلَةَ الْمَسَائِلِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ الْمَوَاقِيتِ اهـ ع ش وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَقْتَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ مِنْ الْمَوَاقِيتِ اهـ (قَوْلُهُ: وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ اهـ شَيْخُنَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِمَا يُذْكَرُ مَعَهُ قَوْلُهُ وَلَوْ زَالَتْ الْمَوَانِعُ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ فَهُوَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ
(1/285)
عَلَى مُسْلِمٍ) وَلَوْ فِيمَا مَضَى فَدَخَلَ الْمُرْتَدُّ (مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ ذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (طَاهِرٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ بِهَا فِي الدُّنْيَا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا بِالْإِسْلَامِ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
قَوْلُهُ: عَلَى مُسْلِمٍ) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ اشْتَبَهَ صَبِيَّانِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ وَبَلَغَا مَعَ بَقَاءِ الِاشْتِبَاهِ لَمْ يُطَالَبْ أَحَدُهُمَا بِهَا وَيُقَالُ عَلَى هَذَا لَنَا شَخْصٌ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ لَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا تَرَكَهَا وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا م ر فِي شَرْحِهِ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ إسْلَامٌ كَصِغَارِ الْمَمَالِيكِ الَّذِينَ يَصِفُونَ الْإِسْلَامَ بِدَارِنَا لَا يُؤْمَرُ بِهَا لِاحْتِمَالِ كُفْرِهِ وَلَا يَتْرُكُهَا لِاحْتِمَالِ إسْلَامِهِ وَقَالَ الْخَطِيبُ الْوَجْهُ أَمْرُهُ بِهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ وَوُجُوبُهَا عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِيمَا مَضَى) قَالَ الشَّيْخُ هَذَا مَجَازٌ يَحْتَاجُ فِي تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ إلَى قَرِينَةٍ اهـ.
(أَقُولُ) يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْقَرِينَةُ قَوْلَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ إذَا قَيَّدَ الْأَصَالَةَ أَخْرَجَ الْمُرْتَدَّ وَالْقَضَاءُ مِنْهُ فَرْعُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ لِكَاتِبِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ أَيْ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ كَانَ مُقِرًّا بِإِسْلَامِهِ فَلَا يُفِيدُهُ جَحْدُهُ لَهَا بَعْدَ نَظِيرِ مَنْ أَقَرَّ لِأَحَدٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ جَحَدَهُ وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ دَيْنٍ إلَى آخَرَ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الصَّلَاةَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: أَيْ بَالِغٌ عَاقِلٌ) أَيْ سَالِمُ الْحَوَاسِّ وَبَلَغَتْهُ الدَّعْوَى فَلَا يُطَالَبُ بِهَا مَنْ خُلِقَ أَعْمَى أَصَمَّ أَبْكَمَ وَلَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى لَكِنْ لَوْ أَسْلَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَوْرًا لِنِسْبَتِهِ إلَى تَقْصِيرٍ فِيمَا حَقُّهُ أَنْ يُعْلَمَ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ مَنْ خُلِقَ أَعْمَى أَصَمَّ أَبْكَمَ، فَإِنَّهُ إنْ زَالَ مَانِعُهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَوَقَّفُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى، فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ غَيْرُ مُهْدِرٍ وَتَكْلِيفَهُ كَتَكْلِيفِ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَإِنْ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ وَقَدْ يُفَرَّقُ عَلَى بُعْدٍ بِأَنَّ الْأَعْمَى الْأَصَمَّ الْأَبْكَمَ لَيْسَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْخِطَابِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا أُسْقِطَتْ الصَّلَاةُ عَنْ الْكَافِرِ وَهِيَ النَّفْرَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى وَذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ كَانَ عِنْدَهُ عِنَادٌ وَزَالَ بِالْإِسْلَامِ وَرُبَّمَا كَانَ عِنْدَهُ عِنَادٌ يَعُودُ بِالْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَيَنْفِرُ عَنْهُ، وَأَمَّا مَنْ تَبْلُغُهُ الدَّعْوَى فَلَيْسَ عِنْدَهُ عِنَادٌ يَعُودُ بِالْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَيَنْفِرُ عَنْهُ بِسَبَبِهِ وَالْمَانِعُ لَهُ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ الْعِنَادُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ بَلْ الْمَانِعُ لَهُ هُوَ الْجَهْلُ بِالدَّعْوَى فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ مُسْلِمٍ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ فَافْهَمْ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ لِيَخْرُجَ النَّائِمُ وَالسَّاهِي وَالْجَاهِلُ بِوُجُوبِهَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَأَصْلُهُ فِي ع ش عَلَى م ر.
فَشُرُوطُ الْوُجُوبِ سِتَّةٌ فِي الْمَتْنِ ثَلَاثَةٌ وَالثَّلَاثَةُ الَّتِي زَادَهَا الْمُحَشِّي (قَوْلُهُ: ذَكَرٌ أَوْ غَيْرُهُ) تَعْمِيمٌ فِي الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِخِلَافِ الثَّالِثِ، فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْأُنْثَى اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ إلَخْ) لَا يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ هَذِهِ الْمُحْتَرَزَاتِ، فَإِنَّهَا تَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ إلَخْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ وَمَا هُنَا فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ) أَيْ وُجُوبًا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ مِنَّا وَفِي الْحَقِيقَةِ مَعْنَى الْعِبَارَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْنَا مُطَالَبَتُهُ فَفِيهَا تَسَمُّحٌ وَقَوْلُهُ: وُجُوبَ عِقَابٍ عَلَيْهَا إلَخْ أَيْ وُجُوبًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا الْوُجُوبُ فِي الدُّنْيَا اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَقَوْلُهُ فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُطَالَبُ مِنَّا وَإِلَّا فَهُوَ مُطَالَبٌ شَرْعًا إذْ لَوْ لَمْ يُطَالَبْ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِلْعِقَابِ عَلَيْهَا اهـ سم عَلَى حَجّ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ) أَيْ مَعَ عَدَمِ تَلَبُّسِهِ بِمَانِعٍ يُطْلَبُ مِنْهُ رَفْعُهُ بِخُصُوصِهِ وَمَعَ عَدَمِ قَصْدِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ لَا نُطَالِبُهُ بِرَفْعِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْكُفْرُ بِخُصُوصِهِ، وَإِنَّمَا نُطَالِبُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا فَلَا يَرُدُّ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمُرْتَدُّ وَالْمُحْدِثُ؛ لِأَنَّهُمَا يُطَالَبَانِ بِرَفْعِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْكُفْرُ بِخُصُوصِهِ فَيُطَالَبُ الْأَوَّلُ بِالْإِسْلَامِ بِخُصُوصِهِ وَالثَّانِي بِالطَّهَارَةِ وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمَجْنُونُ الْمُتَعَدِّي وَالسَّكْرَانُ لِقَصْدِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَسْلَمَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُقْصَدُ حِينَئِذٍ التَّغْلِيظُ وَلَا يُنَاسِبُهُ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
وَقَوْلُهُ مَعَ عَدَمِ قَصْدِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَلَا لِمَا أَخْرَجَهُ بِهَا بِقَوْلِهِ وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمَجْنُونُ الْمُتَعَدِّي إلَخْ بَلْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ الْمُتَعَدِّيَ وَنَحْوَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبُ أَدَاءِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَيْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا لِجَوَازِ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ قَلَّدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ
(1/286)
وَسَكْرَانَ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ وَلَا عَلَى حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُمَا وَوُجُوبُهَا عَلَى الْمُتَعَدِّي بِجُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ أَوْ سُكْرِهِ عِنْدَ مَنْ عَبَّرَ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وُجُوبَ انْعِقَادٍ سَبَبٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي
(فَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ) إذَا أَسْلَمَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَخَرَجَ بِالْأَصْلِ الْمُرْتَدُّ فَعَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَسَكْرَانَ) سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَجْنُونِ وَمَا بَعْدَهُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ فَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ وَوُجُوبُهَا عَلَى الْمُتَعَدِّي بِجُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ إلَخْ وَلَمْ يُفِدْ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ وَالسُّكْرَ بِعَدَمِ التَّعَدِّي هُنَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ بَيْنَ التَّعَدِّي وَعَدَمِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَجِيئِهِ فِي الْقَضَاءِ مَجِيئُهُ فِي الْوُجُوبِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ) قَدْ يُقَالُ فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَهُوَ عَدَمُ تَكْلِيفٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُعَلَّلُ خَاصٌّ وَالتَّعْلِيلُ عَامٌّ فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ الْخَاصِّ بِنَفْيِ الْعَامِّ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) أَيْ وَإِنْ تَسَبَّبَا فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِدَوَاءٍ وَنَحْوِهِ وَيُثَابَانِ عَلَى التَّرْكِ امْتِثَالًا اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: وُجُوبَ انْعِقَادِ سَبَبٍ) أَيْ وُجُوبُ سَبَبِهِ انْعِقَادُ السَّبَبِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَفِي الْعِبَارَةِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: فَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ الْمَتْنِ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَكِنَّهُ فِي الشِّقِّ الثَّانِي مُعْتَرَضٌ بِالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الْمُتَعَدِّي كُلٌّ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ اهـ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ عَلَى كَافِرٍ أَيْ وَإِنْ انْتَقَلَ فِي زَمَنِ الْكُفْرِ مِنْ مِلَّةٍ إلَى أُخْرَى اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: أَيْضًا فَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ) أَيْ لَا قَضَاءٌ وَاجِبٌ وَلَا مَنْدُوبٌ وَلَا يَنْعَقِدُ أَيْضًا بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَلَا تَنْعَقِدُ حَيْثُ كَانَ عَالِمًا عَامِدًا وَإِلَّا وَقَعَتْ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ وَنَقَلَ سم عَنْ الشَّارِحِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يُطْلَبُ وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا؛ لِأَنَّهُ يَنْفِرُ وَالْأَصْلُ فِيمَا لَمْ يُطْلَبْ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ اهـ لَكِنْ قَدْ يُشْكِلُ ذَلِكَ بِانْعِقَادِهَا مِنْ الْحَائِضِ إذَا قَضَتْ، فَإِنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ مِنْهَا لِكَرَاهَتِهِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَائِضَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ صَحَّ مِنْهَا الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ أَصْلًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَيْضِ هَذَا وَانْظُرْ حُكْمَ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ هَلْ يَصِحُّ قَضَاؤُهُمَا أَوْ لَا، فَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ الَّتِي قَالَ بِهَا السُّيُوطِيّ اُحْتِيجَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزَّكَاةِ مُوَاسَاةُ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ وَتَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِالْمَالِ وَبِحَوَلَانِ الْحَوْلِ فَالْتَحَقَتْ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ فَاعْتُدَّ بِدَفْعِهَا مِنْهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَرْبَابِهَا انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَى صَبِيٍّ أَيْ لَا يَجِبُ وَيُنْدَبُ لَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ حِينِ التَّمْيِيزِ، وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ اهـ ع ش عَلَى م ر وَقَوْلُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَى ذِي جُنُونٍ إلَخْ أَيْ لَا قَضَاءٌ وَاجِبٌ بَلْ يُنْدَبُ لِلثَّلَاثَةِ اهـ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ وَلَا عَلَى حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ أَيْ لَا قَضَاءٌ وَاجِبٌ وَلَا مَنْدُوبٌ بَلْ يُكْرَهُ وَيَنْعَقِدُ نَفْلًا مُطْلَقًا اهـ حَلَبِيٌّ (قَوْلُهُ: تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) قَدَّمَهُ عَلَى الْآيَةِ لِقُوَّتِهِ فِي الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى عُمُومِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا حُقُوقُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَافِرِ أَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَلَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ وَكَذَا لَوْ زَنَى فِي كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ اهـ إطْفِيحِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مِنْهُ قَضَاءَ عِبَادَاتِ زَمَنِ كُفْرِهِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا لَكَانَ سَبَبًا لِتَنْفِيرِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ خُصُوصًا إذَا مَضَى غَالِبُ عُمْرِهِ فِي الْكُفْرِ اهـ شَرْحُ م ر، وَإِذَا أَسْلَمَ أُثِيبَ عَلَى مَا فَعَلَهُ فِي الْكُفْرِ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ كَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجَرَى خِلَافٌ فِي ثَوَابِ أَعْمَالِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ هَلْ يُجَازَى عَلَيْهَا مُضَاعَفًا أَوْ لَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَلْقَمِيُّ لَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُضِيفُ إلَى حَسَنَاتِهِ فِي الْإِسْلَامِ مَا صَدَرَ مِنْهُ فِي الْكُفْرِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا فَاَلَّذِي فِيهِ لَفْظُ الْإِضَافَةِ لَا الْمُضَاعَفَةُ فَيُفِيدُ أَنَّهُ يُجَازَى عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الْكُفْرِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ غَيْرِ تَضْعِيفٍ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْعَمَلِ الْحَاصِلِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَفْظَهُ «إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا وَمَحَى عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا وَكَانَ عَمَلُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةٍ وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ» فَقَيَّدَ الْمُضَاعَفَةَ بِكَوْنِهَا فِي الْعَمَلِ الصَّادِرِ مِنْهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ وَكَانَ عَمَلُهُ بَعْدَ إلَخْ وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ م ر عَنْ ذِمِّيٍّ لَهُ عَلَى مُسْلِمٍ دَيْنٌ ثُمَّ مَاتَا وَلَمْ يَسْتَوْفِ الذِّمِّيُّ دَيْنَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الْمُسْلِمِ فَتُعْطَى لِلْكَافِرِ أَوْ يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ
(1/287)
قَضَاءُ مَا فَاتَهُ زَمَنَ الرِّدَّةِ حَتَّى زَمَنِ الْجُنُونِ فِيهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِيهَا كَمَا يَأْتِي وَالْفَرْقُ أَنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ عَزِيمَةٌ وَعَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةٌ وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَمَا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ قَضَاءِ الْحَائِضِ الْمُرْتَدَّةِ زَمَنَ الْجُنُونِ سَبْقُ قَلَمٍ
(وَلَا) قَضَاءَ عَلَى (صَبِيٍّ) ذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا بَلَغَ (وَيُؤْمَرُ بِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الذِّمِّيِّ فَتُعْطَى لِلْمُسْلِمِ أَوْ يُخَفَّفُ عَنْ الذِّمِّيِّ الْعَذَابُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَتَى تَمَكَّنَ الْمُسْلِمُ مِنْ وَفَاءِ دَيْنِ الذِّمِّيِّ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ أَوْ طُرِحَ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ غَيْرَ الْكُفْرِ وَيُخَفَّفُ عَنْهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْعَذَابِ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ الْمَعَاصِي غَيْرَ الْكُفْرِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى زَمَنِ الْجُنُونِ فِيهَا) أَيْ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ زَمَنِ الْحَيْضِ إلَخْ وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ انْقَطَعَتْ الرِّدَّةُ فِي زَمَنِ الْجُنُونِ بِأَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لَهُ وَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ حِينِ الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ اهـ ح ل قَالَ حَجّ، فَإِنْ قُلْت لِمَ وَجَبَ الْقَضَاءُ زَمَنَ الْجُنُونِ الْمُقَارِنِ لِلرِّدَّةِ تَغْلِيظًا وَمَنَعَ الْجُنُونُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ وَلَمْ يُنْظَرْ لِلتَّغْلِيظِ عَلَيْهِ لِأَجْلِهَا وَأَوْجَبَ السُّكْرَ الْأَوَّلَ وَلَا يُمْنَعُ الثَّانِي تَغْلِيظًا فِيهِمَا مَعَ أَنَّهَا أَفْحَشُ مِنْهُ قُلْتُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِيهَا جِنَايَةٌ إلَّا عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَاقْتَضَتْ التَّغْلِيظَ فِيهَا فَحَسْبُ أَيْ فَقَطْ وَهُوَ فِيهِ جِنَايَةٌ عَلَى الْحَقَّيْنِ فَاقْتَضَى التَّغْلِيظَ فِيهِمَا فَتَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِيهَا) أَيْ وَلَوْ وَقَعَا فِي جُنُونٍ كَائِنٍ فِيهَا وَلَوْ بِتَعَدٍّ وَقَوْلُهُ: إنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ عَزِيمَةٌ إلَخْ قَدْ قِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ إنَّهَا قَدْ انْتَقَلَتْ مِنْ صُعُوبَةٍ إلَى صُعُوبَةٍ لِوُجُوبِ التَّرْكِ عَلَيْهَا وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّرْكِ أَسْهَلَ مِنْ وُجُوبِ الْفِعْلِ لِمَيْلِ النَّفْسِ إلَى الْبَطَالَةِ فَالْحَقُّ أَنَّهَا قَدْ انْتَقَلَتْ إلَى سُهُولَةٍ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَحَلِّيِّ أَنَّ السُّهُولَةَ وَلَوْ مِنْ حَيْثُ مَيْلُ النَّفْسِ فَحِينَئِذٍ وَجْهُ كَوْنِهِ عَزِيمَةً أَنَّ الْحُكْمَ تَغَيَّرَ فِي حَقِّهَا لَا لِعُذْرٍ وَالْحَيْضُ لَيْسَ عُذْرًا بَلْ مَانِعٌ وَمِنْ مَانِعِيَّتِهِ نَشَأَ وُجُوبُ التَّرْكِ كَمَا قَالَ الْمَحَلِّيُّ مَا نَصُّهُ وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ وُجُوبَ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ، فَإِنَّهُ عَزِيمَةٌ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الرُّخْصَةِ وَيُجَابُ بِمَنْعِ الصِّدْقِ، فَإِنَّ الْحَيْضَ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ فِي التَّرْكِ مَانِعٌ مِنْ الْفِعْلِ وَمِنْ مَانِعِيَّتِهِ نَشَأَ وُجُوبُ التَّرْكِ اهـ كَلَامُ الْمَحَلِّيِّ بِحُرُوفِهِ.
وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ سُلْطَانٍ.
وَالْعَزِيمَةُ الِانْتِقَالُ مِنْ صُعُوبَةٍ إلَى صُعُوبَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا انْتَقَلَا مِنْ وُجُوبِ الْفِعْلِ إلَى وُجُوبِ التَّرْكِ وَالرُّخْصَةُ الِانْتِقَالُ مِنْ صُعُوبَةٍ إلَى سُهُولَةٍ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ وُجُوبِ الْفِعْلِ إلَى جَوَازِ التَّرْكِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ الْقَضَاءُ وَلَا يُشْكِلُ بِالْمُضْطَرِّ، فَإِنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ وُجُوبِ التَّرْكِ إلَى وُجُوبِ الْفِعْلِ أَيْ الْأَكْلِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَمِيلُ إلَى الْأَكْلِ وَلَا تَمِيلُ إلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ غَالِبًا انْتَهَتْ مَعَ إيضَاحٍ وَالْمُرَادُ بِالرُّخْصَةِ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ السُّهُولَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ جُنُونِهِ اهـ إطْفِيحِيٌّ (قَوْلُهُ: عَزِيمَةٌ) أَيْ وَالْعَزِيمَةُ يَسْتَوِي فِيهَا الْعَاصِي وَغَيْرُهُ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَمَا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَقَضِيَّةُ عُمُومِهِ تَشْمَلُ مَنْ جَنَتْ فِي حَيْضِهَا وَغَيْرَهَا اهـ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ سَبْقُ قَلَمٍ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَائِضِ الْبَالِغَةُ كَمَا فِي حَدِيثِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَائِضِ الْبَالِغَةُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَضَاءِ الْحَائِضِ زَمَنُ الْجُنُونِ أَيْ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ اهـ كَذَا بِهَامِشٍ أَقُولُ وَكِلَا الْجَوَابَيْنِ بَعِيدٌ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَلَا قَضَاءَ عَلَى صَبِيٍّ) أَيْ وَاجِبٌ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْقَضَاءُ مِنْ حِينِ التَّمْيِيزِ إلَى الْبُلُوغِ وَلَوْ قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ وَحُكْمُ قَضَائِهِ كَأَدَائِهِ مِنْ تَعَيُّنِ الْقِيَامِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالنَّفْلِ وَكَذَا الْمُعَادَةُ وَعَدَمُ جَمْعِ فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَعَدَمُ وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَلَا يَقْضِ بَلْ لَوْ فَعَلَهُ كَانَ حَرَامًا وَلَا يَنْعَقِدُ خِلَافًا لِجَهَلَةِ الصُّوفِيَّةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: ذَكَرٌ أَوْ غَيْرُهُ) فِيهِ إطْلَاقُ الصَّبِيِّ عَلَى الْأُنْثَى وَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ اللُّغَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُؤْمَرُ بِهَا) أَيْ بِفِعْلِهَا وَفِعْلِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ وُضُوءٍ وَنَحْوِهِ وَبِجَمِيعِ شُرُوطِهَا أَيْضًا وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ صِيغَتِهِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ التَّهْدِيدِ إنْ تَوَقَّفَ الْحَالُ عَلَيْهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ سم وَيُؤْمَرُ بِهَا أَيْ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا أَدَاءً وَقَضَاءً وَقَوْلُهُ وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى فَرْضِهَا دُونَ نَفْلِهَا انْتَهَتْ وَنَقَلَهُ الرَّشِيدِيُّ وَأَقَرَّهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُمْ يُضْرَبُونَ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ وَتَوَقَّفَ فِيهِ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ لَا يُضْرَبُ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ فَأَوْلَى الصَّبِيُّ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُضْرَبُ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَهُوَ سُنَّةٌ فَأَجَابَ بِمَنْعِ كَوْنِهِ سُنَّةً وَقَالَ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ اهـ ح ل.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَمْرِ بِهَا مَنْ لَا يُعْرَفُ دِينُهُ وَهُوَ مُمَيِّزٌ يَصِفُ الْإِسْلَامَ
(1/288)
مُمَيِّزٌ لِسَبْعٍ وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى تَرْكِهَا (لِعَشْرٍ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» وَهُوَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (كَصَوْمٍ أَطَاقَهُ) ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ لِسَبْعٍ وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ لِعَشْرٍ كَالصَّلَاةِ وَذِكْرُ الضَّرْبِ عَلَيْهِ مِنْ زِيَادَتِي وَالْأَمْرُ بِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبَانِ عَلَى الْوَلِيِّ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَفِي الرَّوْضَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
فَلَا يُؤْمَرُ بِهَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ كَافِرًا وَلَا يُنْهَى عَنْهَا لِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُ كُفْرَهُ وَهَذَا كَصِغَارِ الْمَمَالِيكِ بِدَارِنَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا وَهُوَ صَحِيحٌ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَهَذَا كَصِغَارِ الْمَمَالِيكِ إلَخْ قَالَ حَجّ وَالْأَوْجَهُ نَدْبُ أَمْرِهِ بِهَا لِيَأْلَفَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَالَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضِ إنَّهُ يَجِبُ أَمْرُهُ بِهَا نَظَرًا لِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ وَمِثْلُهُ فِي الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْهَاجِ ثُمَّ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: مُمَيِّزٌ) قِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ مَا يَضُرُّهُ وَيَنْفَعُهُ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي صَارَ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ وَهَذَا أَحْسَنُهَا اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: لِسَبْعٍ) أَيْ لِتَمَامِهَا اتِّفَاقًا فَلَا يَكْفِي التَّمْيِيزُ وَحْدَهُ فِي الْأَمْرِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ السَّبْعِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ) وَلَوْ كَانَتْ مَقْضِيَّةً اهـ شَرْحُ م ر وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا فَاتَهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْعَشْرِ أَمَّا مَا فَاتَهُ بَعْدَ السَّبْعِ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى دَخَلَ الْعَشْرُ فَهَلْ يُضْرَبُ عَلَى قَضَائِهِ كَاَلَّذِي فَاتَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ نَعَمْ وَنَقَلَهُ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ) أَيْ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَوْ لَمْ يُفِدْ إلَّا بِمُبَرِّحٍ تَرَكَهُ وِفَاقًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اهـ حَجّ وَقَوْلُهُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ أَيْ وَإِنْ كَثُرَ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ فَوْقَ ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ «غَطِّ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ» وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ نَهَى أَنْ يُضْرَبَ الْمُؤَدَّبُ ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْيَنْبُوعِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم يُتَّجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا وَتَوَقَّفَ فِعْلُهَا عَلَى الضَّرْبِ ضَرَبَهُ لِيَفْعَلَهَا؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهَا مِنْ غَيْرِ سَبْقِ طَلَبِهَا فِيهِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا مَثَلًا يُضْرَبُ لِأَجْلِ التَّرْكِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ) أَيْ وَصَلَ إلَيْهَا وَذَلِكَ يَصْدُقُ بِأَوَّلِ الْعَاشِرَةِ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: كَصَوْمِ) أَيْ أَدَاءً وَقَضَاءً وَقَوْلُهُ أَطَاقَهُ أَيْ بِأَنْ لَا تَحْصُلَ لَهُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً، وَإِنْ لَمْ تُبِحْ التَّيَمُّمَ اهـ ح ل وَيُعْرَفُ حَالُهُ مِنْ الْإِطَاقَةِ وَعَدَمِهَا بِالْقَرَائِنِ فَحَيْثُ ظَهَرَ لِوَلِيِّهِ عَدَمُ إطَاقَتِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَحَيْثُ ظَهَرَتْ وَجَبَ أَمْرُهُ وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُ بِأَنْ تَرَدَّدَ فِي حَالِهِ فَيَنْبَغِي امْتِنَاعُ الْأَمْرِ أَيْضًا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِطَاقَةِ وَيَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ يَضُرُّهُ اهـ ع ش عَلَى م ر قَوْلُ الْمَتْنِ كَصَوْمٍ أَطَاقَهُ الْكَافُ لِلتَّنْظِيرِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ كَالصَّلَاةِ الْكَافُ فِيهِ لِلْقِيَاسِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِهِ) أَيْ فَلَيْسَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَيْهِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبَانِ) أَيْ عَيْنًا وَقَوْلُهُ يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ إلَخْ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَوْ جَدًّا) أَيْ وَإِنْ عَلَا قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ السُّبْكِيُّ اهـ سم عَلَى حَجّ لَكِنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ لَيْسَ لِلْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ بَلْ لِمُجَرَّدِ الْقَرَابَةِ.
(فَرْعٌ) يَجُوزُ لِلَامِ الضَّرْبِ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْأَمْرُ وَالضَّرْبُ إلَّا أَنَّ فَقْدَ الْأَبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ الْخَاصَّةَ مَعَ وُجُودِهِ لَهُ لَا لَهَا كَذَا قَرَّرَهُ م ر عَلَى وَجْهِ الْبَحْثِ وَالْفَهْمِ أَقُولُ لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ إلَى آخِرِ مَا حَكَاهُ الشَّارِحُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ فَلْيُحَرَّرْ لَكِنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْأُمِّ لَيْسَ لِوِلَايَتِهَا عَلَى الصَّبِيِّ بَلْ لِكَوْنِهِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأُمِّ بَلْ يَشْرَكُهَا فِيهِ الْأَجَانِبُ، وَأَمَّا الْوُجُوبُ عَلَى الْأَبِ فَلِلْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ بِهِ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَكَالْأُمِّ فِيمَا ذَكَرَ كَبِيرُ الْإِخْوَةِ وَبَقِيَّةُ الْعَصَبَةِ حَيْثُ لَا وِصَايَةَ لَهُمْ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَفِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ فِيمَا قَبْلَهُ الْجِنْسُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا وِلَايَةٌ خَاصَّةٌ لِشُمُولِهَا لِلْأُمَّهَاتِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْآبَاءِ وَأَنَّ أَوْ فِي الْأَوَّلِ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيُفِيدُ طَلَبَهُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ، وَإِنْ عَلَوْنَ مَعَ وُجُودِ الْآبَاءِ، وَإِنْ قَرُبُوا وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ أَوْ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِلتَّنْوِيعِ وَفِي الْأَخِيرَيْنِ لِلتَّخْيِيرِ فَيَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ وَلَوْ اجْتَمَعَا مَعًا فَالْأُمُّ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَعْضُهُمْ عَكَسَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُمْ الزَّوْجُ لَكِنْ فِي الْأَمْرِ لَا فِي الضَّرْبِ؛ لِأَنَّ لَهُ الضَّرْبَ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خِلَافًا لِابْنِ الْبِزْرِيِّ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ
(1/289)
كَأَصْلِهَا يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ وَضَرْبُهُمْ عَلَى تَرْكِهَا بَعْدَ عَشْرٍ وَقَوْلُهُمْ لِسَبْعٍ وَعَشْرٍ أَيْ لِتَمَامِهِمَا وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ يُضْرَبُ فِي أَثْنَاءِ الْعَاشِرَةِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَقَوْلِي مُمَيِّزٍ مِنْ زِيَادَتِي
(وَلَا) قَضَاءَ عَلَى (ذِي جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَسُكُونِ الزَّايِ نِسْبَةً لِبِزْرِ الْكَتَّانِ.
لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيعُهُ وَقِيلَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ مَكْسُورَةٌ نِسْبَةً إلَى بَزْرَةَ قَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ ثُمَّ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَيِّمُ ثُمَّ الْمُلْتَقِطُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُودَعُ وَمَالِكُ الرَّقِيقِ وَالْإِمَامُ ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ وَلِغَيْرِ الزَّوْجِ الضَّرْبُ وَالْفَقِيهُ فِي الْمُتَعَلِّمِ كَالزَّوْجِ فَلَهُ الْأَمْرُ لَا الضَّرْبُ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ التَّأْدِيبَ، فَإِنْ وَكَّلَهُ الْوَلِيُّ قَامَ مَقَامَهُ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَجَبَ عَلَيْهِ النَّهْيُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَوْ صَغَائِرَ وَمِنْهَا تَرْكُ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ مَقْضِيَّةً أَوْ مُعَادَةً وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ فِي حَجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ فَوِلَايَةُ تَعْلِيمِهِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَيْنًا لِخِدْمَتِهِ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْ يُعَيِّنُهُ الْحَاكِمُ وَيَجُوزُ لِمُؤَدِّبِ الْأَيْتَامِ الْأَطْفَالِ بِمُكَاتَبِ الْأَيْتَامِ أَمْرُهُمْ وَضَرْبُهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَوْصِيَاءُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمَّا قَرَّرَهُ لِتَعْلِيمِهِمْ كَانَ مُسَلِّطًا لَهُ عَلَيْهِمْ فَثَبَتَتْ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فِي وَقْتِ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُمْ ضَائِعُونَ فِيهِ بِغَيْبَةِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْهُمْ وَقَطْعِ نَظَرِهِمْ فَكَانَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَهُمْ ثُبُوتُ هَذِهِ الْوِلَايَةِ لَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَنَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر عَنْ ابْنِ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ) وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ نَهْيُهُمْ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَعْلِيمُهُمْ الْوَاجِبَاتِ وَسَائِرَ الشَّرَائِعِ كَالسِّوَاكِ وَحُضُورِ الْجَمَاعَاتِ ثُمَّ إنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْتَفَى ذَلِكَ عَنْ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ سَفِيهًا فَوِلَايَةُ الْأَبِ مُسْتَمِرَّةٌ فَيَكُونُ كَالصَّبِيِّ وَأُجْرَةُ تَعْلِيمِهِ الْوَاجِبَاتِ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ الْأُمِّ وَيُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ أُجْرَةَ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْآدَابِ كَزَكَاتِهِ وَنَفَقَةِ مُمَوِّنِهِ وَبَدَلِ مُتْلَفِهِ فَمَعْنَى وُجُوبِهَا فِي مَالِهِ ثُبُوتُهَا فِي ذِمَّتِهِ وَوُجُوبُ إخْرَاجِهَا مِنْ مَالِهِ عَلَى وَلِيِّهِ، فَإِنْ بَقِيَتْ إلَى كَمَالِهِ.
وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ الْمُتَنَاقِضِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا إذْ مَحَلُّ جَوَازُ ضَرْبِهِ لَهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ أُجْرَةَ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ثَمَّ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ تَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ وَدَفْعِ أُجْرَتِهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ نَفْسِهِ أَيْ الْوَلِيِّ أَوْ بِلَا أُجْرَةٍ حَيْثُ كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلصَّبِيِّ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي تَعْلِيمِهِ صَنْعَةً يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهَا مَعَ احْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ تَيَسُّرِ النَّفَقَةِ لَهُ إذَا اشْتَغَلَ بِالْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ شَغْلُهُ بِالْقُرْآنِ وَلَا بِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ بَلْ يَشْغَلُهُ بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَصْلَحَةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَكِيًّا وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ النَّجَابَةِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْقُرْآنِ أَوْ الْعِلْمِ نَعَمْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ عِبَادَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهُ لَهُ وَلَوْ كَانَ بَلِيدًا وَيَصْرِفُ أُجْرَةَ التَّعْلِيمِ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِ أَبِيهِ فَقِيهًا أَوْ لَا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلصَّبِيِّ فَقَدْ يَكُونُ الْأَبُ فَقِيهًا وَتَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى تَعْلِيمِ الِابْنِ صَنْعَةً يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهَا اهـ ع ش عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إلَخْ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَلَا وَلِيَّ لَهَا خَاصٌّ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ يُتَوَقَّفُ فِيهِ أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ إذْ لَا يَتَقَاعَدُ عَنْ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْهُمَا فَلَعَلَّ كَلَامَ الشَّارِحِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذَا اهـ رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: الصَّيْمَرِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ كَمَا فِي التِّبْيَانِ وَبِضَمِّهَا أَيْضًا قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَيْضًا اهـ شَوْبَرِيٌّ نِسْبَةً لِصَيْمَرَ نَهْرٌ بِالْبَصْرَةِ (قَوْلُهُ: فِي أَثْنَاءِ الْعَاشِرَةِ) الْمُرَادُ بِالْأَثْنَاءِ تَمَامُ التِّسْعِ فَلَا يُشْتَرَطُ مُضِيُّ مُدَّةٍ مِنْ الْعَاشِرَةِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا وُجُوبَ الضَّرْبِ بِاحْتِمَالِ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالتِّسْعِ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَتُهُ فِي أَثْنَاءِ الْعَاشِرَةِ وَلَوْ عَقِبَ اسْتِكْمَالِ التِّسْعِ انْتَهَتْ اهـ ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَتُهُ عَلَى الشَّارِحِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ اسْتِكْمَالِ السَّبْعِ وَعَدَمِ اسْتِكْمَالِ الْعَشْرِ أَنَّ التِّسْعَ وَالْعَشْرَ مَظِنَّةُ الْبُلُوغِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّمْيِيزُ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ السَّبْعِ فَاشْتُرِطَ اسْتِكْمَالُهَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلِأَذَى جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ إلَخْ) اشْتَمَلَ كَلَامُهُ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا عَلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ صُورَةً بَيَانُهَا أَنَّ الْجُنُونَ وَالسُّكْرَ وَالْإِغْمَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهَا بِتَعَدٍّ أَوْ بِدُونِهِ فَهَذِهِ سِتٌّ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَقَعَ فِي إغْمَاءٍ بِتَعَدٍّ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ فِي سُكْرٍ بِتَعَدٍّ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ فِي رِدَّةٍ أَوْ فِي خُلُوٍّ مِنْ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ أَيْضًا وَسِتَّةٌ فِي مِثْلِهَا بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَلَا قَضَاءَ فِي تِسْعَةٍ مِنْهَا أَشَارَ إلَيْهَا مَنْطُوقًا بِقَوْلِهِ وَلِأَذَى جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ إلَخْ؛ لِأَنَّ نَحْوَ الْجُنُونِ السُّكْرُ وَالْإِغْمَاءُ فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ تُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ فِي غَيْرِ رِدَّةٍ وَنَحْوِ سُكْرٍ بِتَعَدٍّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الرِّدَّةِ وَغَيْرَ نَحْوِ السُّكْرِ بِالتَّعَدِّي أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ
(1/290)
كَإِغْمَاءٍ وَسُكْرٍ (بِلَا تَعَدٍّ) إذَا أَفَاقَ (فِي غَيْرِ رِدَّةٍ وَ) غَيْرِ (نَحْوِ سُكْرٍ) كَإِغْمَاءٍ (بِتَعَدٍّ) أَمَّا فِيهِمَا كَأَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ سَكِرَ بِلَا تَعَدٍّ وَكَأَنْ سَكِرَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِتَعَدٍّ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ سَكِرَ بِلَا تَعَدٍّ فَيَقْضِي مُدَّةَ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ أَوْ السُّكْرِ الْحَاصِلَةَ فِي مُدَّةِ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ بِتَعَدٍّ لِتَعَدِّيهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِي بِلَا تَعَدٍّ مَا لَوْ تَعَدَّى بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَوْ سَكِرَ مَثَلًا بِتَعَدٍّ ثُمَّ جُنَّ بِلَا تَعَدٍّ قَضَى مُدَّةَ السُّكْرِ لَا مُدَّةَ جُنُونِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
السُّكْرُ بِلَا تَعَدٍّ وَالْإِغْمَاءُ بِلَا تَعَدٍّ وَالْخُلُوُّ مِنْهُمَا وَمِنْ الرِّدَّةِ وَيَقْضِي فِي سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ هِيَ مَفْهُومُ الْمَتْنِ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى تِسْعَةٍ مِنْهَا بِقَوْلِهِ أَمَّا فِيهِمَا أَيْ فِي الرِّدَّةِ وَنَحْوِ السُّكْرِ بِالتَّعَدِّي فَالرِّدَّةُ قِسْمٌ وَالسُّكْرُ بِتَعَدٍّ قِسْمٌ وَالْإِغْمَاءُ بِتَعَدٍّ قِسْمٌ وَيَطْرَأُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا الثَّلَاثَةُ أَيْ الْجُنُونُ وَالسُّكْرُ وَالْإِغْمَاءُ بِلَا تَعَدٍّ فَقَوْلُهُ كَأَنْ ارْتَدَّ إلَخْ فِيهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ وَقَوْلُهُ كَأَنْ سَكِرَ إلَخْ فِيهِ سِتُّ صُوَرٍ وَأَشَارَ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشْرَ بِقَوْلِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِي بِلَا تَعَدٍّ إلَخْ بَيَانُهَا أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَهِيَ السُّكْرُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ بِتَعَدٍّ إمَّا أَنْ يَقَعَ كُلٌّ مِنْهَا فِي سُكْرٍ بِتَعَدٍّ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ فِي إغْمَاءٍ كَذَلِكَ أَوْ فِي رِدَّةٍ أَوْ خُلُوٍّ مِنْهَا وَمِنْ السُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ وَثَلَاثَةٌ فِي سِتَّةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ تَأَمَّلْ لِكَاتِبِهِ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ مَا نَصُّهُ.
(تَنْبِيهٌ) مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ دُخُولِ كُلٍّ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْهَا يُرَاجَعُ فِيهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْتَظِمُ مِنْهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ تَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ صُورَةً؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا بِتَعَدٍّ أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا فِي رِدَّةٍ أَوْ لَا فَهَذِهِ اثْنَا عَشْرَ صُورَةً وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَهِيَ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ صُورَةً بِحَسَبِ الضَّرْبِ وَالْمُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ مِنْهَا سِتَّةٌ وَسِتُّونَ صُورَةً بِحَسَبِ الْعَقْلِ وَالْوَاقِعُ مِنْهَا مَا يَقُولُ بِهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَحَاصِلُ الْحُكْمِ فِيهَا أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي رِدَّةٍ وَانْفَرَدَ بِالتَّعَدِّي أَوْ اجْتَمَعَ مَعَ مُتَعَدٍّ بِهِ هُنَا مِنْ مِثْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَجَبَ فِيهِ الْقَضَاءُ وَأَنَّ مَا كَانَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ سَوَاءٌ انْفَرَدَ بِعَدَمِ التَّعَدِّي أَوْ اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِ مُتَعَدٍّ بِهِ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْقَضَاءُ وَأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ مَا تَعَدَّى بِهِ وَغَيْرُهُ وَجَبَ قَضَاءُ زَمَنِ الْمُتَعَدَّى بِهِ سَوَاءٌ سَبَقَ أَوْ تَأَخَّرَ اهـ (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَلَا ذِي جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ إلَخْ) ، وَإِنَّمَا وَجَبَ قَضَاءُ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ اسْتَغْرَقَ إغْمَاؤُهُ جَمِيعَ النَّهَارِ لِمَا فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَرَجِ لِكَثْرَتِهَا بِتَكَرُّرِهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: كَإِغْمَاءٍ وَسُكْرٍ) الْكَافُ فِيهِ اسْتِقْصَائِيَّةٌ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ وَنَحْوِ سُكْرٍ كَإِغْمَاءٍ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: بِلَا تَعَدٍّ) اُنْظُرْ هَلْ مِنْ الْجُنُونِ بِتَعَدٍّ الْجُنُونُ الْحَاصِلُ لِمَنْ يَتَعَاطَى الْخَلَاوَى وَالْأَوْرَادَ بِغَيْرِ طَرِيقٍ مُوَصِّلٍ لِذَلِكَ أَمْ لَا قَالَ شَيْخُنَا الشبراملسي الْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ ضَابِطَ التَّعَدِّي أَنْ يُعْلَمَ تَرَتُّبُ الْجُنُونِ عَلَى مَا تَعَاطَاهُ وَيَفْعَلُهُ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَانَ سَكِرَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ أَوْ جُنَّ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ السُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ اهـ ع ش مَعَ زِيَادَةٍ لِشَيْخِنَا ح ف.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِغْمَاءَ يَقْبَلُ طُرُوُّ إغْمَاءٍ آخَرَ عَلَيْهِ دُونَ الْجُنُونِ وَأَنَّهُ يُمْكِنُ تَمْيِيزُ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ بَعْدَ طُرُوُّ الثَّانِي وَفِي تَصْوِيرِهِ بُعْدٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ وَلِلْأَطِبَّاءِ دَخْلٌ فِي تَمَايُزِ أَنْوَاعِهِ وَمَدِّدْهَا بِخِلَافِ الْجُنُونِ انْتَهَتْ وَصُورَةُ طُرُوُّ السُّكْرِ بِلَا تَعَدٍّ عَلَى السُّكْرِ بِتَعَدٍّ أَنْ يَشْرَبَ مُسْكِرًا عَمْدًا وَقَبْلَ أَنْ يَزُولَ عَقْلُهُ يَشْرَبُ مُسْكِرًا يَظُنُّهُ مَاءً مَثَلًا ثُمَّ يَزُولُ عَقْلُهُ وَيَعْلَمُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ غَايَةَ الْأَوَّلِ وَلَا يَصِحُّ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا سَكِرَ بِلَا تَعَدٍّ فِي أَثْنَاءِ السُّكْرِ بِتَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْمُدَّتَيْنِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُكَلَّفِ وَقِسْ عَلَيْهِ فَافْهَمْهُ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: فَيَقْضِي مُدَّةَ الْجُنُونِ إلَخْ) الْكَلَامُ فِي مَقَامَيْنِ قَضَاءً مُدَّةُ الْجُنُونِ وَمَا بَعْدَهُ الْمُقَارَنَةُ لِلسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ وَعَدَمُ قَضَاءِ مَا زَادَ عَلَى مُدَّتِهِمَا فَكَلَامُهُ هُنَا فِي الْأَوَّلِ وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَلَوْ سَكِرَ مَثَلًا إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَمَسْأَلَةُ الْجُنُونِ مُسَاوِيَةٌ لِلرِّدَّةِ لِقَضَاءِ الْمُقَارَنِ فِيهِمَا وَعَدَمِ قَضَاءِ مَا زَادَ فِيهِمَا إذَا عَرَفْت ذَلِكَ عَرَفْت أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْحَوَاشِي قَوْلُهُ وَلَوْ سَكِرَ إلَخْ مَعْلُومٌ مِمَّا سَبَقَ وَأَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ الْفَرْقَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي الْفَرْقِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ جُنَّ فِي سُكْرِهِ إلَخْ لَا يَظْهَرُ لِمَا عَرَفْت أَنَّهُمَا سِيَّانِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: الْحَاصِلَةَ فِي مُدَّةِ الرِّدَّةِ) أَيْ لَا الْحَاصِلَةُ بَعْدَهَا بِأَنْ انْقَطَعَتْ بِإِسْلَامٍ حُكْمِيٍّ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.
(قَوْلُهُ: وَالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ بِتَعَدٍّ) أَيْ وَالْحَاصِلَةُ فِي مُدَّةِ السُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ بِتَعَدٍّ وَذَكَرَ مُحْتَرَزَ الْحُصُولِ فِيهِمَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ سَكِرَ مَثَلًا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَكِرَ مَثَلًا) أَيْ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ جُنَّ أَيْ أَوْ سَكِرَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ قَضَى مُدَّةَ السُّكْرِ أَيْ مُدَّةَ الْجُنُونِ الْمُقَارِنِ لِلسُّكْرِ انْتَهَى شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: قَضَى مُدَّةَ السُّكْرِ إلَخْ) فَقَدْ قَضَى مُدَّةَ الْجُنُونِ الْحَاصِلِ فِي السُّكْرِ كَمَا يَقْضِي مُدَّةَ الْجُنُونِ فِي الرِّدَّةِ لَا مُدَّةَ الْجُنُونِ بَعْدَهَا فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ تَأَمَّلْ وَقَوْلُهُ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَهِيَ قَوْلُهُ وَالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ بِتَعَدٍّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَيَقْضِي مُدَّةَ السُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ الْحَاصِلَةَ فِي مُدَّةِ السُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ
(1/291)
بَعْدَهَا بِخِلَافِ مُدَّةِ جُنُونِ الْمُرْتَدِّ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ جُنَّ فِي رِدَّتِهِ مُرْتَدٌّ فِي جُنُونِهِ حُكْمًا وَمَنْ جُنَّ فِي سُكْرِهِ لَيْسَ بِسَكْرَانَ فِي دَوَامِ جُنُونِهِ قَطْعًا وَقَوْلِي أَوْ نَحْوِهِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ إغْمَاءٍ، وَبِلَا تَعَدٍّ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي (وَلَا) عَلَى (حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) وَلَوْ فِي رِدَّةٍ إذَا طَهُرَتَا وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ وَذِكْرُ النُّفَسَاءِ مِنْ زِيَادَتِي.
ثُمَّ بَيَّنْتُ وَقْتَ الضَّرُورَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ زَوَالِ مَوَانِعِ الْوُجُوبِ فَقُلْت (وَلَوْ زَالَتْ الْمَوَانِعُ) الْمَذْكُورَةُ أَيْ الْكُفْرُ الْأَصْلِيُّ وَالصِّبَا وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ (وَ) قَدْ (بَقِيَ) مِنْ الْوَقْتِ (قَدْرُ) زَمَنِ (تَحَرُّمٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِتَعَدٍّ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمِنْ قَوْلِهِ قَضَى مُدَّةَ الْجُنُونِ الْحَاصِلَةَ فِي مُدَّةِ الرِّدَّةِ اهـ ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ مَا نَصُّهُ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْقَضَاءِ فِي الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي غَيْرِ الْمُتَعَدَّى بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَمْ تَقَعْ فِيمَا تَعَدَّى بِهِ وَالْأَوْجَبُ الْقَضَاءُ فِيهَا وَمِنْهَا الْوَاقِعُ فِي نَحْوِ جُنُونٍ بِلَا تَعَدٍّ وَفِي رِدَّةٍ أَوْ سُكْرٍ بِتَعَدٍّ فَيَقْضِي مَا انْتَهَى إلَيْهِ زَمَنَ الرِّدَّةِ أَوْ السُّكْرِ لَا مَا بَعْدَهُ فَقَوْلُهُمْ لَوْ سَكِرَ مَثَلًا بِتَعَدٍّ ثُمَّ جُنَّ بِلَا تَعَدٍّ قَضَى زَمَنَ السُّكْرِ لَا زَمَنَ جُنُونِهِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ زَمَنِ جُنُونِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ مَنْ جُنَّ فِي رِدَّتِهِ مُرْتَدٌّ فِي جُنُونِهِ حُكْمًا وَحُدَّ وَمَنْ جُنَّ فِي سُكْرِهِ لَيْسَ بِسَكْرَانَ فِي دَوَامِ جُنُونِهِ قَطْعًا اهـ كَلَامٌ سَاقِطٌ مُتَهَافَتٌ وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مِنْ زَمَنِ الْجُنُونِ الَّذِي لَا يُقْضَى هُوَ مَا اتَّصَلَ بِالسُّكْرِ لَا مَا وَقَعَ فِيهِ كَمَا أَنَّ الْمَجْنُونَ فِي الرِّدَّةِ إنَّمَا يَقْضِي مَا انْتَهَى إلَيْهِ زَمَنَ الرِّدَّةِ فَقَطْ لَا مَا بَعْدَهُ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أُصُولِهِ فِي زَمَنِ جُنُونِهِ لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا كَمَا مَرَّ فَهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ مُسَلَّمٌ قَبْلَ جُنُونِهِ لَمْ يَقْضِ مِنْ زَمَنِ الْجُنُونِ شَيْئًا فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا قَضَى مُدَّةَ السُّكْرِ إلَخْ) ، فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ قَضَى مُدَّةَ السُّكْرِ الْحَاصِلَةَ إلَخْ قُلْتُ لَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ السُّكْرِ ثَمَّ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ الْجُنُونِ فَمُدَّتُهَا أَوْ بَعْضُهَا ظَرْفٌ لِلسُّكْرِ بِخِلَافِ هَذِهِ فَالْفَرْضُ أَنَّ إحْدَى الْمُدَّتَيْنِ تَعْقُبُ الْأُخْرَى وَلِهَذَا وَصَفَهَا الشَّارِحُ بِالْبَعْدِيَّةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ وَلَوْ سَكِرَ إلَخْ كَأَنَّ مَقْصُودَهُ بِهِ بَيَانُ عَدَمِ الْقَضَاءِ فِي مُدَّةِ الْجُنُونِ الْمُتَّصِلَةِ بِمُدَّةِ السُّكْرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَكَأَنْ سَكِرَ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ جُنَّ إلَخْ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ بِهِ بَيَانُ الْقَضَاءِ فِي مُدَّةِ الْجُنُونِ الْوَاقِعَةِ فِي مُدَّةِ السُّكْرِ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ.
(فَرْعٌ) مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ قَضَى أَيَّامَ الْجُنُونِ مَعَ مَا قَبْلَهَا أَوْ سَكِرَ ثُمَّ جُنَّ قَضَى مِنْهَا أَيْ مِنْ الْأَيَّامِ مُدَّةَ السُّكْرِ فَقَطْ أَيْ الْمُدَّةَ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا السُّكْرُ لَا مُدَّةَ جُنُونِهِ بَعْدَهَا بِخِلَافِ مُدَّةِ جُنُونِ الْمُرْتَدِّ إلَخْ انْتَهَى مُخْتَصَرًا انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُدَّةِ جُنُونِ الْمُرْتَدِّ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقْضِي زَمَنَ جُنُونِهِ مُطْلَقًا الزَّائِدَ وَالْمُقَارِنَ هَذَا غَرَضُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَلِمْت فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ) أَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ جُنَّ فِي رِدَّتِهِ إلَخْ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى حَائِضٍ) أَيْ وَإِنْ تَسَبَّبَتْ فِي الْحَيْضِ بِدَوَاءٍ وَنَحْوه بِخِلَافِ اسْتِعْجَالِ الْجُنُونِ وَتُثَابُ عَلَى التَّرْكِ امْتِثَالًا وَقَوْلُهُ وَنُفَسَاءَ أَيْ، وَإِنْ اسْتَخْرَجَتْ الْجَنِينَ بِدَوَاءٍ وَنَحْوِهِ كَمُسْتَعْجِلَةِ الْحَيْضِ بِدَوَاءٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلَوْ فِي رِدَّةٍ أَيْ أَوْ فِي سُكْرٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِتَعَدٍّ أَوْ بِدُونِهِ فَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ لَا يُقْضَى زَمَنُهُمَا مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ زَالَتْ الْمَوَانِعُ) أَيْ مَوَانِعُ الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ الصَّادِقِ بِوُجُوبِ الْأَدَاءِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَحِينَئِذٍ يُقَيَّدُ قَوْلُهُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ بِعَدَمِ التَّعَدِّي أَمَّا بِالتَّعَدِّي فَيَمْنَعَانِ وُجُوبَ الْأَدَاءِ لَا وُجُوبَ الْقَضَاءِ وَاَلَّذِي لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَلَامُ الْآتِي مِنْ قَوْلِهِ لَزِمَتْ مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا إلَخْ؛ لِأَنَّ ذَاكَ يَجِبُ فِيهِ قَضَاءُ جَمِيعِ مَا فَاتَ، وَإِنْ كَثُرَ (قَوْلُهُ: وَالنِّفَاسُ) أَيْ وَالسُّكْرُ بِلَا تَعَدٍّ فَالْمَوَانِعُ سَبْعَةٌ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَبَقِيَ قَدْرُ تَحَرُّمٍ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَلَوْ زَالَتْ الْمَوَانِعُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ أَيْ صَلَاةُ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِخَبَرِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً» السَّابِقِ بِجَامِعِ إدْرَاكِ مَا يَسَعُ رُكْنًا وَقِيَاسًا عَلَى اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ الْقَاصِرِ بِالْمُتِمِّ بِجَامِعِ اللُّزُومِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُدْرَكْ الْجُمُعَةُ بِدُونِ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ ذَاكَ إدْرَاكُ إسْقَاطٍ وَهَذَا إدْرَاكُ إيجَابٍ فَاحْتِيطَ فِيهِمَا وَمَفْهُومُ الْخَبَرِ لَا يُنَافِي الْقِيَاسَ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ أَدَاءً لَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ قَضَاءً أَمَّا إذَا بَقِيَ دُونَ تَكْبِيرَةٍ فَلَا لُزُومَ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ الْجُوَيْنِيُّ وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ رَكْعَةٌ بِأَخَفَّ مُمْكِنٍ كَمَا أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُدْرَكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ وَلِمَفْهُومِ خَبَرِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَشَرْطُ الْوُجُوبِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بَقَاءُ السَّلَامَةِ عَنْ الْمَوَانِعِ بِقَدْرِ فِعْلِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ أَخَفَّ مَا يُمْكِنُ فَلَوْ عَادَ الْعُذْرُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ قَالَ فِي الْمُهِّمَّاتِ وَالْقِيَاسُ اعْتِبَارُ وَقْتِ السُّتْرَةِ وَلَوْ قِيلَ بِاعْتِبَارِ زَمَنِ التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ لَكَانَ مُتَّجَهًا اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ الْفَرْقُ بَيْنَ اعْتِبَارِ زَمَنِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ زَمَنِ السَّتْرِ أَنَّ الطَّهَارَةَ تَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ اعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْ السَّتْرِ وَالتَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُدْرِكَ مَعَ التَّكْبِيرَةِ أَوْ الرَّكْعَةِ قَدْرَ الطَّهَارَةِ
(1/292)
فَأَكْثَرَ (وَخَلَا) الشَّخْصُ (مِنْهَا قَدْرَ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ لَزِمَتْ) أَيْ صَلَاةُ الْوَقْتِ لِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ وَقْتِهَا كَمَا يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ إتْمَامُهَا بِاقْتِدَائِهِ بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْهَا (مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا إنْ صَلَحَ لِجَمْعِهِ مَعَهَا وَخَلَا) الشَّخْصُ مِنْ الْمَوَانِعِ (قَدْرَهُ) أَيْضًا؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا وَقْتٌ لَهُ حَالَةَ الْعُذْرِ فَحَالَةُ الضَّرُورَةِ أَوْلَى فَيَجِبُ الظُّهْرُ مَعَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبُ مَعَ الْعِشَاءِ لَا الْعِشَاءُ مَعَ الصُّبْحِ وَلَا الصُّبْحُ مَعَ الظُّهْرِ وَلَا الْعَصْرُ مَعَ الْمَغْرِبِ لِانْتِفَاءِ صَلَاحِيَّةِ الْجَمْعِ هَذَا إنْ خَلَا مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ قَدْرَ الْمُؤَدَّاةِ، فَإِنْ خَلَا قَدْرَهَا وَقَدْرَ الطُّهْرِ فَقَطْ تَعَيَّنَتْ أَوْ مَعَ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَسَعُ الَّتِي قَبْلَهَا تَعَيَّنَتَا أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا قَدْرُ تَحَرُّمٍ أَوْ لَمْ يَخْلُ الشَّخْصُ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ فَلَا تَلْزَمُ إنْ لَمْ تُجْمَعْ مَعَ مَا بَعْدَهَا وَإِلَّا لَزِمَتْ مَعَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ لَا لِلُّزُومِ وَلِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالْوَقْتِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَخَلَا مِنْهَا قَدْرُ الطُّهْرِ) أَيْ طُهْرٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ طُهْرَ رَفَاهِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ طُهْرَ ضَرُورَةٍ اُشْتُرِطَ أَنْ يَخْلُوَ قَدْرُ أَطْهَارٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِتَعَدُّدِ الْفُرُوضِ اهـ لِكَاتِبِهِ.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَالَ فِي الْخَادِم، وَإِذَا اعْتَبَرْنَا الطَّهَارَةَ فَهَلْ يُعْتَبَرُ طَهَارَتَانِ أَوْ وَاحِدَةٌ أَعْنِي فِي إدْرَاكِ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الثَّانِي وَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ طَهَارَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ شَرْطُهَا الطَّهَارَةُ وَلَا يَجِبُ فِعْلُهَا بِالطَّهَارَةِ الْأُولَى اهـ وَقَالَ م ر وَظَهَرَ لِي الْآنَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا مَا يَسَعُ طَهَارَةً وَاحِدَةً حَيْثُ كَانَتْ تِلْكَ الطَّهَارَةُ مِمَّا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ فَرْضَيْنِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ طَهَارَةَ ضَرُورَةٍ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ زَمَنٍ يَسَعُهُمَا اهـ وَأَيَّدَهُ الشَّيْخُ ابْنُ قَاسِمٍ بِأُمُورٍ وَرَدَّ تَوْجِيهَ كَلَامِ الْخَادِمِ بِأُمُورٍ فِي الْحَوَاشِي اهـ (قَوْلُهُ: قَدْرُ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ) أَيْ بِأَخَفَّ مَا يُمْكِنُ كَأَرْبَعٍ فِي الْمُقِيمِ وَثِنْتَيْنِ فِي الْمُسَافِرِ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِتْمَامَ بَلْ وَإِنْ شَرَعَ فِيهَا عَلَى قَصْدِ الْإِتْمَامِ فَعَادَ الْمَانِعُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ رَكْعَتَيْنِ فَتَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: وَخَلَا مِنْهَا قَدْرُ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ) أَيْ خُلُوًّا مُتَّصِلًا فَيَخْرُجُ مَا لَوْ خَلَا قَدْرُ الطُّهْرِ وَعَادَ الْمَانِعُ ثُمَّ خَلَا قَدْرُ الصَّلَاةِ وَعَادَ الْمَانِعُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا وُجُوبَ وَإِلَيْهِ مَالَ شَيْخُنَا وَاعْتَمَدَهُ فَرَاجِعْهُ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: فِي جُزْءٍ مِنْهَا وَكَانَ قِيَاسُهُ الْوُجُوبَ) بِدُونِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ غَالِبًا هُنَا أَسْقَطُوا اعْتِبَارَهُ لِعُسْرِ تَصَوُّرِهِ إذْ الْمَدَارُ عَلَى إدْرَاكِ قَدْرِ جُزْءٍ مَحْسُوسٍ مِنْ الْوَقْتِ وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ اعْتِبَارِ التَّكْبِيرَةِ هُنَا دُونَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ الرَّبْطِ وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَحْرَمَ قَاصِرًا مُنْفَرِدًا ثُمَّ وَجَدَ إمَامًا فَنَوَى بِقَلْبِهِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِإِدْرَاكِهِ جُزْءًا مِنْهَا وَهَذَا التَّصْوِيرُ مُتَعَيِّنٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا) فَلَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةً مَثَلًا وَخَلَا مِنْ الْمَوَانِعِ مَا يَسَعُهَا وَالظُّهْرَ وَجَبَتْ الظُّهْرُ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ كَأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ وَقْتٌ لَهَا وَبِهِ يُلْغَزُ وَيُقَالُ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَوَجَبَتْ الظُّهْرُ عَلَيْهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْحَائِضِ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: هَذَا إنْ خَلَا مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ قَدْرُ الْمُؤَدَّاةِ إلَخْ) نَعَمْ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً آخِرَ الْعَصْرِ مَثَلًا فَعَادَ الْمَانِعُ بَعْدَمَا يَسَعُ الْمَغْرِبَ وَجَبَتْ فَقَطْ لِتَقَدُّمِهَا لِكَوْنِهَا صَاحِبَةَ الْوَقْتِ وَمَا فَضَلَ لَا يَكْفِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ سَوَاءٌ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَمْ لَا.
خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ هَذَا إنْ خَلَا مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ إلَخْ وَلَوْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ وَمِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا وَجَبَتْ الْعَصْرُ فَقَطْ كَمَا لَوْ وَسِعَ مِنْ الْمَغْرِبِ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلْمُقِيمِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ فَتَتَعَيَّنُ الْعَصْرُ؛ لِأَنَّهَا الْمَتْبُوعَةُ لَا الظُّهْرُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي إدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ ثُمَّ خَلَا مِنْ الْمَوَانِعِ قَدْرُ تِسْعِ رَكَعَاتٍ لِلْمُقِيمِ أَوْ سَبْعٍ لِلْمُسَافِرِ فَتَجِبُ الصَّلَوَاتُ الثَّلَاثُ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ لَزِمَ الْمُقِيمَ الصُّبْحُ وَالْعِشَاءُ فَقَطْ أَوْ خَمْسٌ فَأَقَلُّ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى الصُّبْحِ وَلَوْ أَدْرَكَ ثَلَاثًا مِنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ لَمْ تَجِبْ هِيَ وَلَا الْمَغْرِبُ عَلَى الْأَوْجَهِ اهـ ز ي وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ مَا نَصُّهُ وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْخُلُوِّ مِنْ الْمَوَانِعِ قَدْرَ الْمُؤَدَّاةِ وَطُهْرِهَا فَلَوْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ مَعَ زَمَنِ الطَّهَارَةِ قَدْرَ مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ لَمْ تَجِبْ وَاحِدَةٌ مِنْ الثَّلَاثِ أَوْ قَدْرُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَجَبَتْ الْمَغْرِبُ فَقَطْ أَوْ قَدْرُ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَجَبَتْ الْعَصْرُ أَيْضًا عَلَى الْمُسَافِرِ دُونَ الْمُقِيمِ أَوْ قَدْرُ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ وَجَبَتْ الظُّهْرُ أَيْضًا عَلَى الْمُسَافِرِ أَوْ قَدْرُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ وَجَبَتْ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْمُقِيمِ أَيْضًا وَلَوْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ قَدْرَ رَكْعَةٍ وَمِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ قَدْرَ ثَلَاثٍ وَجَبَتْ الْمَغْرِبُ فَقَطْ فَلَوْ كَانَ قَدْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ وَقَعَتْ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا وَبَقِيَتْ الْمَغْرِبُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَمِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ لَمْ تَجِبْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ وَقَعَتْ نَفْلًا أَيْضًا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَأَتْبَاعُهُ فَرَاجِعْهُ وَيُقَاسُ بِهَذَا إدْرَاكُ الزَّمَنِ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ بَعْدَ إدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ اهـ فَقَدْ خَالَفَ ز ي فِي صُورَةِ مَا لَوْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ وَمِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَقَالَ ز ي بِوُجُوبِ الْعَصْرِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا إلَخْ) أَيْ
(1/293)
فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْخُلُوِّ الْمَذْكُورِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ زِيَادَتِي (وَلَوْ بَلَغَ فِيهَا) بِالسِّنِّ (أَتَمَّهَا) وُجُوبًا (وَأَجْزَأَتْهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا بِشَرْطِهَا فَلَا يُؤَثِّرُ تَغَيُّرُ حَالِهِ بِالْكَمَالِ كَالْعَبْدِ إذَا عَتَقَ فِي الْجُمُعَةِ (أَوْ) بَلَغَ (بَعْدَهَا) وَلَوْ فِي الْوَقْتِ بِالسِّنِّ أَوْ بِغَيْرِهِ (فَلَا إعَادَةَ) وَاجِبَةٌ كَالْعَبْدِ إذَا عَتَقَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
(وَلَوْ) (طَرَأَ مَانِعٌ) مِنْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (فِي الْوَقْتِ) أَيْ فِي أَثْنَائِهِ وَاسْتَغْرَقَ الْمَانِعُ بَاقِيَهُ (وَأَدْرَكَ) مِنْهُ (قَدْرَ صَلَاةٍ وَطُهْرٍ) (لَا يُقَدِّمُ) أَيْ لَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ كَتَيَمُّمٍ (لَزِمَتْ) مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا إنْ صَلَحَ لِجَمْعِهِ مَعَهَا وَأَدْرَكَ قَدْرَهُ كَمَا فُهِمَ مِمَّا مَرَّ بِالْأُولَى لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ مَعَهَا مَا بَعْدَهَا وَإِنْ صَلَحَ لِجَمْعِهِ مَعَهَا وَفَارَقَ عَكْسَهُ بِأَنَّ وَقْتَ الْأُولَى لَا يَصْلُحُ لِلثَّانِيَةِ إلَّا إذَا صَلَّاهُمَا جَمْعًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَإِنْ صَحَّ تَقْدِيمُ طُهْرِهِ عَلَى الْوَقْتِ كَوُضُوءِ رَفَاهِيَةٍ لَمْ يُشْتَرَطْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَبَقِيَ دُونَ التَّحَرُّمِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي فِي طُرُوُّ الْمَوَانِعِ مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا إلَخْ اهـ لِكَاتِبِهِ.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ أَيْ خُلُوِّهِ مِنْ الْمَوَانِعِ وَحِينَئِذٍ فَتَجِبُ الصَّلَاةُ بِهَذَا الْجُزْءِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ اسْتِقْلَالًا لَا تَبَعًا فَسَقَطَ مَا يُقَالُ الَّتِي تُجْمَعُ مَعَ مَا بَعْدَهَا تَجِبُ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ وَقْتِهَا أَيْ وَقْتِ مَا بَعْدَهَا فَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَسَعُهَا كَامِلَةً، فَإِنْ قُلْت مَا فَائِدَةُ هَذَا قُلْتُ تَظْهَرُ فِي نَحْوِ التَّعَالِيقِ بِالْوُجُوبِ اسْتِقْلَالًا أَوْ تَبَعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ انْتَهَتْ وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوُجُوبُ اسْتِقْلَالًا لَمْ يُقَيِّدْ الشَّارِحُ بِكَوْنِهَا تُجْمَعُ مَعَ مَا بَعْدَهَا بَلْ كَانَتْ تَجِبُ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ) أَيْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الشِّقِّ الثَّانِي اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: بِالشَّرْطِ السَّابِقِ) وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَخَلَا قَدْرُهُ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ هَذَا إنْ خَلَا إلَخْ لَا قَوْلُهُ هَذَا إنْ خَلَا إلَخْ فَقَطْ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَوَاشِي اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: بِالسِّنِّ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بِالِاحْتِلَامِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا نَزَلَ الْمَنِيُّ مِنْ صُلْبِهِ إلَى ذَكَرِهِ فَأَمْسَكَهُ بِحَائِلٍ حَتَّى رَجَعَ الْمَنِيُّ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْرُزْ مِنْهُ إلَى خَارِجٍ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ مَنُوطٌ بِبُرُوزِ الْمَنِيِّ إلَى خَارِجٍ حَتَّى لَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَفِيهِ الْمَنِيُّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ مَا لَمْ يَبْرُزْ مِنْ الْمُتَّصِلِ بِالْبَدَنِ شَيْءٌ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ كَمَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِ الْحُبْلَى، وَإِنْ لَمْ يَبْرُزْ مَنِيُّهَا وَمَنْ صَوَّرَهَا بِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ يُصِبْ بَلْ الصَّوَابُ وُجُوبُ اسْتِئْنَافِهَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ التَّحَرُّزُ فِي دَوَامِهَا عَنْ الْمُبْطِلِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: أَتَمَّهَا وُجُوبًا) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ إتْمَامُهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ وَلَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا وَقَعَ فِي حَالِ النُّقْصَانِ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَأَجْزَأَتْهُ) أَيْ وَلَوْ مَجْمُوعَةً مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ كَانَتْ بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْفَرِيضَةَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا فِي حَقِّهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَأَصْلُهُ فِي شَرْحِ م ر وَيُثَابُ عَلَى مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ ثَوَابَ النَّفْلِ وَعَلَى مَا بَعْدَهُ ثَوَابَ الْفَرْضِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: إذَا عَتَقَ فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي أَثْنَائِهَا بِجَامِعِ أَنَّهُ شَرَعَ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَصَوَّبَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ بِمَا لَوْ عَتَقَ فِي الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ وَاجِبَهُ الْجُمُعَةُ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر كَالْعَبْدِ إذَا شَرَعَ فِي الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ عَتَقَ قَبْلَ إتْمَامِ الظُّهْرِ وَفَوَاتِ الْجُمُعَةِ، وَوُقُوعُ أَوَّلِهَا نَفْلًا لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ بَاقِيهَا وَاجِبًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَكَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ أَوْ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ شُفِيَ لَكِنْ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ لِيُؤَدِّيَهَا فِي حَالِ الْكَمَالِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ طَرَأَ مَانِعٌ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ الْمَوَانِعَ لِعَدَمِ تَأَتِّي الْجَمِيعِ هُنَا وَأَيْضًا فَطُرُوُّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَافٍ، وَإِنْ انْتَفَى غَيْرُهُ بِخِلَافِ الزَّوَالِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ مَعَهُ إذَا انْتَفَتْ كُلُّهَا اهـ ع ش وَقَوْلُهُ مِنْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَيْ أَوْ سُكْرٍ وَكَانَتْ الثَّلَاثَةُ بِلَا تَعَدٍّ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي أَثْنَائِهِ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ وَلَوْ حَاضَتْ أَوَّلَ الْوَقْتِ إلَخْ انْتَهَتْ وَكَتَبَ عَلَيْهَا الْقَلْيُوبِيُّ قَوْلُهُ أَوَّلَ الْوَقْتِ هُوَ قَيْدٌ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الطُّهْرِ يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ وَلِخُرُوجِ الْخُلُوِّ فِي أَثْنَائِهِ زَمَنًا لَا يَسَعُ الْفَرْضَ وَطُهْرَهُ مُتَّصِلًا كَمَا مَرَّ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ عُدُولِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَنْهُ إلَى الْأَثْنَاءِ لِشُمُولِهِ لِمَا لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ الْقَدْرُ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَأَنْ أَفَاقَ قَدْرَ الطَّهَارَةِ ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ جُنَّ فَلَا يَنْبَغِي الْوُجُوبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ مِنْ شَرْطِ اتِّصَالِ الْخُلُوِّ وَلِمَا لَوْ خَلَا فِي نَحْوِ وَسَطِ الْوَقْتِ قَدْرَ الْفَرْضِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ إنْ كَانَ الظُّهْرُ مِمَّا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ اسْتِدْرَاكُ مَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ وَطُهْرٌ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَأَدْرَكَ مِنْهُ قَدْرَ الصَّلَاةِ) قَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ أَيْ بِأَخَفَّ مَا يُمْكِنُهُ فَاعْتَبَرَ الْأَخَفَّ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَقَالَ فِيمَا لَوْ زَالَتْ الْمَوَانِعُ آخِرَ الْوَقْتِ تَفْرِيعًا عَلَى اشْتِرَاطِ رَكْعَةٍ أَخَفَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَيْ أَحَدٌ فَانْظُرْ مَا الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا وَأَقُولُ الْفَارِقُ أَنَّ الْمَانِعَ هُنَاكَ مَوْجُودٌ وَهُنَا طَارِئٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَأَدْرَكَ قَدْرَهُ) أَيْ الْفَرْضِ قَبْلَهَا مَعَ قَدْرِ الصَّلَاةِ وَظَاهِرُهُ اتِّصَالُ الْقَدْرَيْنِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ وَاسْتَغْرَقَ الْمَانِعُ بَاقِيَهُ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا لَوْ أَدْرَكَ قَدْرَ الصَّلَاةِ مِنْ وَقْتِهَا وَطَرَأَ الْمَانِعُ وَزَالَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُهَا أَيْضًا فَعَادَ فَهَلْ يَجِبُ الْفَرْضُ قَبْلَهَا لِإِدْرَاكِ قَدْرِهِ مِنْ وَقْتِهَا وَهُوَ أَحَدُ الْقَدْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْ لَا لِفَوَاتِ اتِّصَالِهِمَا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى إدْرَاكِ
(1/294)
إدْرَاكُ قَدْرِ وَقْتِهِ لِإِمْكَانِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا لَمْ يُدْرِكْ قَدْرَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهِ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ حَاضَتْ أَوْ جُنَّ وَالتَّقْيِيدُ بِطُهْرٍ لَا يُقَدَّمُ، مِنْ زِيَادَتِي.
(بَابٌ) بِالتَّنْوِينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْقَدْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ ع ش وَشَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَأَدْرَكَ قَدْرَهُ) لَا يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى إدْرَاكِ قَدْرِ الْفَرْضِ الثَّانِي مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِإِدْرَاكِهِ فِي وَقْتِ نَفْسِهِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْمَانِعَ إنَّمَا طَرَأَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَيَلْزَمُ الْخُلُوُّ مِنْهُ فِي وَقْتِ الْأُولَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَانِعُ قَائِمًا بِهِ فِي وَقْتِ الْأُولَى كُلِّهِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ مَثَلًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ حَاضَتْ فِيهِ اهـ ع ش عَلَى م ر قَالَ الشَّوْبَرِيُّ بَعْدَ تَقْرِيرِ هَذَا الْكَلَامِ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ اهـ وَالْإِيرَادُ لسم وَصُورَتُهُ قَوْلُهُ مَعَ فَرْضِ فِعْلِهَا ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تَدْخُلْ فِيمَا سَبَقَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا سَبَقَ وَلَوْ زَالَتْ الْمَوَانِعُ، وَقَدْ بَقِيَ قَدْرُ تَحَرُّمٍ فَأَكْثَرَ لَزِمَتْ مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا نُصَّ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (قَوْلُهُ: لِإِمْكَانِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ) فِيهِ إنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَانِعَ يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الْأُولَى إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ إمْكَانَ تَقْدِيمِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ شَيْخُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمْ.
[بَابُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]
(بَابٌ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) وَحُكْمُهُمَا وَمَا يُطْلَبُ فِيهِمَا وَعَبَّرَ بِالْبَابِ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْأَصْلَ بِالْفَصْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَرْجَمْ بِالْبَابِ فِيمَا سَبَقَ فَهُوَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الْكِتَابِ اهـ ع ش وَالْأَذَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لُغَةً الْإِعْلَامُ يُقَالُ آذَنَ بِالشَّيْءِ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الذَّالِ أَوْ أَذَّنَ بِتَشْدِيدِهَا أَذَانًا وَتَأْذِينًا وَأُذَيْنًا بِمَعْنَى أَعْلَمْ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] وَقَوْلُهُ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] وَشَرْعًا أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ يُعْرَفُ بِهَا دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْإِقَامَةُ مَصْدَرُ أَقَامَ بِالْمَكَانِ يُقِيمُ إقَامَةً وَأَقَامَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَأَقَامَ الشَّيْءَ أَيْ أَدَامَهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة: 3] وَهِيَ لُغَةً كَالْأَذَانِ وَشَرْعًا أَلْفَاظًا مَخْصُوصَةً تُقَالُ لِاسْتِنْهَاضِ الْحَاضِرِينَ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُقِيمُ إلَى الصَّلَاةِ وَنَقَلَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَوَّلُ مَشْرُوعِيَّتِهِمَا بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ بِنَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدَهُ وَقِيلَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالرِّوَايَاتُ الْمُصَرِّحَةُ بِأَنَّ الْأَذَانَ فُرِضَ بِمَكَّةَ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ
وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَأَوَّلُ ظُهُورِ مَشْرُوعِيَّتِهِمَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ فِي الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فَلَا يُنَافِي مَا قِيلَ: إنَّ جِبْرِيلَ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْ فِيهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ اهـ وَفِي الْمَوَاهِبِ وَشَرْحِهِ لِلْعَلَّامَةِ الزَّرْقَانِيُّ مَا نَصُّهُ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَكِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ بِمَكَّةَ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي بِغَيْرِ أَذَانٍ مُنْذُ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ إلَى أَنْ وَقَعَ التَّشَاوُرُ فِي ذَلِكَ فَأَمَرَ بِهِ بَعْدَ رُؤْيَا ابْنِ زَيْدٍ فِي السَّنَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ فَجَزْمُهُ بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي حَاشِيَةِ ع ش عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ.
وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا ح ل وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهَا الرُّكُوعُ وَالْجَمَاعَةُ وَافْتِتَاحُ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ، فَإِنَّ صَلَاةَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ كَانَتْ لَا رُكُوعَ فِيهَا وَلَا جَمَاعَةَ وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَكَانَ دَأْبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إحْرَامِهِ لَفْظُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ سِوَاهَا أَيْ كَالنِّيَّةِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الرُّكُوعِ قَوْله تَعَالَى لِمَرْيَمَ {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْخُضُوعُ وَالصَّلَاةُ لَا الرُّكُوعُ الْمَعْهُودُ كَمَا قِيلَ لَكِنْ فِي الْبَغَوِيّ قِيلَ إنَّمَا قُدِّمَ السُّجُودُ عَلَى الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ وَقِيلَ: كَانَ الرُّكُوعُ قَبْلَ السُّجُودِ فِي الشَّرَائِعِ كُلِّهَا وَلَيْسَتْ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ بَلْ لِلْجَمْعِ هَذَا كَلَامُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ الزَّرْقَانِيُّ وَهُوَ كَالْإِقَامَةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَأَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَجَاهِيلُ «أَنَّ آدَمَ لَمَّا نَزَلَ الْهِنْدَ اسْتَوْحَشَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَنَادَى بِالْأَذَانِ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهُ لِلصَّلَاةِ هُوَ الْخُصُوصِيَّةُ انْتَهَتْ.
(فَائِدَةٌ) أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ فِي السَّمَاءِ جِبْرِيلُ وَأَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ فِي الْإِسْلَامِ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ وَأَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ بِمَكَّةَ حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَوَّلُ مَنْ زَادَ الْأَذَانَ
(1/295)
(سُنَّ) عَلَى الْكِفَايَةِ (أَذَانٌ) بِمُعْجَمَةٍ (وَإِقَامَةٌ) لِمُوَاظَبَةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَيْهِمَا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ» (لِرَجُلٍ وَلَوْ مُنْفَرِدًا) بِالصَّلَاةِ وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي خِلَافَتِهِ وَأَوَّلُ مَنْ بَنَى الْمَنَارَة بِمِصْرَ مُسْلِمُ بْنُ مَخْلَدٍ اهـ مِنْ فَتَاوَى ابْنِ جَرِيرٍ الْحَنَفِيِّ (قَوْلُهُ سُنَّ أَذَانٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ فَائِتَةً) اشْتَمَلَ كَلَامُهُ مَتْنًا وَشَرْحًا عَلَى سِتِّ دَعَاوَى سَنَّهُمَا وَكَوْنُهُمَا عَلَى الْكِفَايَةِ وَكَوْنُهُمَا لِرَجُلٍ وَكَوْنُ الرَّجُلِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا وَكَوْنُهُمَا لِمَكْتُوبَةٍ وَكَوْنُهَا وَلَوْ فَائِتَةً فَأَثْبَتَ الْأُولَى بِالْمُوَاظَبَةِ وَأَثْبَتَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَالْخَامِسَةَ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَأَثْبَتَ الرَّابِعَةَ بِالْخَبَرِ الْآتِي وَأَثْبَتَ السَّادِسَةَ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ اهـ شَيْخُنَا وَلَهُ مَوَاطِنُ غَيْرِ الصَّلَاةِ يُطْلَبُ فِيهَا يَأْتِي بَعْضُهَا فِي الْعَقِيقَةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمَهْمُومِ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يُؤَذِّنُ فِي أُذُنِهِ، فَإِنَّهُ يُزِيلُ الْهَمَّ كَمَا رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ يَرْفَعُهُ وَرَوَى أَيْضًا مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَةٍ، فَإِنَّهُ يُؤَذَّنُ فِي أُذُنِهِ وَيُسَنُّ أَيْضًا إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ أَيْ تَمَرَّدَتْ الْجَانُّ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ يَدْفَعُ شَرَّهُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَهُ أَدْبَرَ وَلَا تَرِدُ هَذِهِ الصُّوَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي أَذَانٍ مَعَهُ إقَامَةٌ وَهَذِهِ لَا إقَامَةَ فِيهَا مَا سِوَى أَذَانِ الْمَوْلُودِ وَأَمَّا هُوَ فَأَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ فِي الْعَقِيقَةِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر زَادَ حَجّ وَالْمَصْرُوعُ وَالْغَضْبَانُ وَعِنْدَ مُزْدَحَمِ الْجَيْشِ وَعِنْدَ الْحَرِيقِ قِيلَ وَعِنْدَ إنْزَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ قِيَاسًا عَلَى أَوَّلِ خُرُوجِهِ لِلدُّنْيَا لَكِنَّهُ رَدَّهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ اهـ.
وَقَوْلُهُ سِوَى أَذَانِ الْمَوْلُودِ قَالَ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ هَلْ وَلَوْ وُلِدَ كَافِرًا أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَلَا بُعْدَ فِي الْأَوَّلِ أُخِذَ بِإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ اهـ أَقُولُ وَقَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَإِنْ أُطْلِقَتْ مَحْمُولَةً عَلَى أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعْنَى وِلَادَتِهِمْ عَلَى الْفِطْرَةِ أَنَّ فِيهِمْ قَابِلِيَّةَ الْخِطَابِ لَوْ وُجِّهَ إلَيْهِمْ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُعْطَوْا فِي الدُّنْيَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِنَا حَتَّى إذَا مَاتُوا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ) أَيْ حَيْثُ كَانُوا جَمَاعَةً قَالَ م ر أَمَّا فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ فَهُمَا سُنَّةُ عَيْنٍ وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُ م ر بِقَوْلِهِ إنَّهُمَا سُنَّةُ عَيْنٍ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِ الْمُنْفَرِدِ أَذَانٌ لِصَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ وَمُرَادُ الشَّارِحِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ لِأَجْلِ صَلَاتِهِ سَقَطَ عَنْهُ اهـ ع ش وَقَرَّرَ هَذَا الْإِيرَادَ أَيْضًا الشَّوْبَرِيُّ وَالْحَلَبِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرِدُ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ عُرُوضَ التَّعَيُّنِ بِسَبَبِ الِانْفِرَادِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ كِفَائِيًّا بِالنَّظَرِ لِأَصْلِهِ وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ اهـ لِكَاتِبِهِ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ سُنَّةٌ) أَيْ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُنْفَرِدِ وَكَذَا فِي حَقِّهِ تَعَيُّنُهُمَا عَلَيْهِ عَارِضٌ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقِيلَ سُنَّةُ عَيْنٍ فِي حَقِّهِ وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ اهـ (قَوْلُهُ لِمُوَاظَبَةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَيْهِمَا) السَّلَفُ هُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ وَالْخَلَفُ مَنْ بَعْدَهُمْ اهـ شَيْخُنَا وَفِي الْمُخْتَارِ سَلَفَ يَسْلُفُ سَلَفًا بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَضَى وَالْقَوْمُ السِّلَافُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَسَلَفُ الرَّجُلِ آبَاؤُهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْجَمْعُ أَسْلَافٌ وَسِلَافٌ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا وَالْخَلَفُ الْقَرْنُ بَعْدَ الْقَرْنِ يُقَالُ هَؤُلَاءِ خَلَفُ سَوْءٍ لِقَوْمٍ لَاحِقِينَ بِنَاسٍ أَكْثَرَ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْأَذَانِ مَا يَشْمَلُ الْإِقَامَةَ أَوْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْأَذَانِ فَقَطْ اهـ ح ل وَتَتِمَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ «ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ أُمُورٌ مِنْهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَهُ لِلثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ حِينَ ذَكَرَ لَهُ شُرُوطَ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانَهَا وَيُسَنُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ لِلْإِقَامَةِ مِنْ مَحَلِّ الْأَذَانِ وَأَنْ يَقْعُدَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مَا يَجْتَمِعُ النَّاسُ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ فَلَا يُؤَخِّرُهَا لِضِيقِ وَقْتِهَا وَلِاجْتِمَاعِهِمْ لَهَا عَادَةً قَبْلَ وَقْتِهَا نَعَمْ يُسَنُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ أَوْ سُكُوتٍ وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ بَيْنَهُمَا لِخَبَرِ «الدُّعَاءِ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» وَآكَدُهُ سُؤَالُ الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ لِرَجُلٍ) اسْمُ جِنْسٍ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْأَكْثَرَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُنْفَرِدًا) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَدِيمِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يُنْدَبُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ مَدْعُوًّا بِهِ وَيُرِيدُ الصَّلَاةَ فِيهِ وَيُصَلِّي بِالْفِعْلِ فِيهِ فَمَحَلُّ سُقُوطِ الطَّلَبِ عَنْهُ فِيمَا إذَا بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ مَدْعُوًّا بِهِ بِأَنْ يَكُونَ فِي خُطَّةِ مَحَلِّ الْأَذَانِ وَأَنْ يُرِيدَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالْفِعْلِ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الطَّلَبُ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَإِنْ بَلَغَهُ إلَخْ أَيْ وَلَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ فِي مَحَلِّ الْأَذَانِ أَوْ أَرَادَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ بِالْفِعْلِ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَدْعُوًّا بِهِ، وَأَمَّا إنْ
(1/296)
(لِمَكْتُوبَةٍ وَلَوْ فَائِتَةً) لِمَا مَرَّ وَلِلْخَبَرِ الْآتِي وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَسَارُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ ثُمَّ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ» بِخِلَافِ الْمَنْذُورَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالنَّافِلَةِ
(وَ) سُنَّ لَهُ (رَفْعُ صَوْتِهِ بِأَذَانٍ فِي غَيْرِ مُصَلَّى أُقِيمَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَذَهَبُوا) رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَهُ إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْت فِي غَنَمِك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
كَانَ مَدْعُوًّا بِهِ بِأَنْ سَمِعَهُ مِنْ مَكَان وَأَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَصَلَّى فِيهِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَا يُنْدَبُ لَهُ الْأَذَانُ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ اهـ وَمِثْلُهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ لِمَكْتُوبَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ، وَقَوْلُهُ: لِرَجُلٍ مُتَعَلِّقٌ بِسُنَّ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَيْضًا لِمَكْتُوبَةٍ) هَلْ الْمُرَادُ وَلَوْ بِحَسَبِ الْأَصْلِ فَيُؤَذِّنُ لِلْمُعَادَةِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْهَا عَقِبَ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ تَلْحَقُ بِالنَّقْلِ الَّذِي تُطْلَبُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فَيُقَالُ فِيهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ النَّفْسُ إلَى الثَّانِي أَمْيَلُ اهـ سَمِّ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: وَسَائِرُ النَّوَافِلِ شَمِلَ الْمُعَادَةَ فَلَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يُؤَذَّنْ لِلْأُولَى؛ لِأَنَّهَا نَفْلٌ وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ حَيْثُ لَمْ يُؤَذَّنْ لِلْأُولَى سُنَّ الْأَذَانُ لَهَا لِمَا قِيلَ إنَّ فَرْضَهُ الثَّانِيَةُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَائِتَةً) أَخْذُهُ غَايَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يُقِيمُ لَهَا وَلَا يُؤَذِّنُ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ حَقٌّ لِلْوَقْتِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ الْأَصَحِّ هُوَ حَقٌّ لِلْفَرِيضَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، فَإِنْ قُلْت مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْفَرِيضَةِ يَنْتَقِضُ بِمَا يَأْتِي فِي تَوَالِي فَوَائِتَ أَوْ مَجْمُوعَتَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لِغَيْرِ الْأُولَى (قُلْت) لَا يُنَاقِضُهُ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الثَّانِيَةِ تَبَعًا حَقِيقَةً فِي الْجَمْعِ أَوْ فِي صُورَةٍ فِي غَيْرِهِ صَيَّرَهَا كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُولَى فَاكْتَفَى بِالْأَذَانِ لَهَا اهـ شَرْحُ الْعُبَابِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(فَرْعٌ) نَظَرَ الْإِسْنَوِيُّ فِي سَنِّ الْأَذَانِ فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ إذَا نَوَى جَمْعَ التَّأْخِيرِ قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَيَظْهَرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَقْتِ أَوْ لِلصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ أُذِّنَ وَإِلَّا فَلَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَدِيمِ الْمُعْتَمَدِ حَقٌّ لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ اهـ سم (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَلَوْ فَائِتَةً) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أُذِّنَ لَهَا فِي وَقْتِهَا وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَإِذَا كَانَتْ الْفَائِتَةُ هِيَ الصُّبْحَ أُذِّنَ لَهَا مَرَّتَيْنِ وَوَالَى بَيْنَهُمَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَتَثْوِيبٌ فِي صُبْحٍ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: فَسَارُوا) وَالْحِكْمَةُ فِي سَيْرِهِمْ مِنْهُ وَلَمْ يُصَلُّوا فِيهِ أَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا وَانْظُرْ حِكْمَةَ سَيْرِهِمْ إلَى الِارْتِفَاعِ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْطَعُوا الْوَادِيَ إلَّا حِينَئِذٍ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «ارْحَلُوا بِنَا مِنْ هَذَا الْوَادِي، فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا» اهـ اط ف (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ) قَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَعْدِيَتِهِ بِالْبَاءِ دُونَ اللَّامِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَعْنَى أَذَّنَ أَعْلَمَ النَّاسَ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَحْضُرُوهَا لَا بِمَعْنَى الْأَذَانِ الْمَشْهُورِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَهَذَا يُنَافِي سِيَاقَ الشَّارِحِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَذَانَ الَّذِي وَقَعَ كَانَ شَرْعِيًّا اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِسَنِّ الْأَذَانِ لِلْمُنْفَرِدِ فِي الْفَائِتَةِ بَلْ لِلْجَمَاعَةِ فِيهَا وَهُوَ بَعْضُ الْمُدَّعِي اهـ ح ل (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُطْلَبَانِ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ بَلْ يُكْرَهَانِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ) أَيْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَكْتُوبَةً فِي الْمُتَعَارَفِ بَلْ لَيْسَتْ صَلَاةً شَرْعِيَّةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي اهـ ح ل وَقَوْلُهُ شَرْعِيَّةٌ صَوَابُهُ عُرْفِيَّةٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ وَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ أَدْخَلُوهَا فِي تَعْرِيفِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِمْ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ إلَخْ بِالتَّأْوِيلِ كَمَا عَلِمْت.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ رَفْعُ صَوْتِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيَرْفَعُ الْمُنْفَرِدُ صَوْتَهُ بِالْأَذَانِ فَوْقَ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يُؤَذِّنُ لِجَمَاعَةٍ فَوْقَ مَا يُسْمِعُ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَيُبَالِغُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْجَهْرِ مَا لَمْ يُجْهِدْ نَفْسَهُ انْتَهَتْ وَالرَّفْعُ الْمَذْكُورُ سُنَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الرَّفْعِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ ضَابِطَهُ فِي الْمُنْفَرِدِ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَفِي الْجَمَاعَةِ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ وَاحِدًا مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَسُنَّ رَفْعُ صَوْتِهِ) أَيْ فَوْقَ مَا تَسْمَعُ الْجَمَاعَةُ وَلَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ فِي أَذَانِ الْإِعْلَامِ وَفَوْقَ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ فِي أَذَانِ الْمُنْفَرِدِ اهـ شَيْخُنَا فَحِينَئِذٍ لَا يُخَالِفُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْجَهْرَ شَرْطٌ إذْ ذَاكَ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السَّمَاعِ وَهَذَا فِيمَا زَادَ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: أُقِيمَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ) لَيْسَ بِقَيْدٍ اهـ حَجّ (وَقَوْلُهُ وَذَهَبُوا) تَبِعَ فِيهِ أَصْلَ الرَّوْضَةِ وَهُوَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ فَلَا يَرْفَعُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ ذَهَبُوا أَمْ مَكَثُوا اهـ م ر اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَذَهَبُوا) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَلَوْ لَمْ يَذْهَبُوا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ طَالَ الزَّمَنُ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ تَوَهَّمَ السَّامِعُونَ دُخُولَ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَإِلَّا تَوَهَّمُوا وُقُوعَ صَلَاتِهِمْ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا سِيَّمَا فِي وَقْتِ الْغَيْمِ اهـ شَرْحُ م ر وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ وَالْمَسْجِدَ وَالْجَمَاعَةَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَكَذَا الِانْصِرَافُ وَوُقُوعُ الصَّلَاةِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ وَلَوْ غَيْرَ الْمُصَلِّينَ أَوْ غَيْرَ الْمُنْصَرِفِينَ اهـ (قَوْلُهُ: قَالَ لَهُ) أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَفِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ لِلنَّجَّارِيِّ أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ
(1/297)
أَوْ بَادِيَتِك فَأَذَّنَتْ لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَيْ سَمِعْت مَا قُلْته لَك بِخِطَابٍ لِي وَيَكْفِي فِي أَذَانِ الْمُنْفَرِدِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ أَذَانِ الْإِعْلَامِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) سُنَّ (عَدَمُهُ فِيهِ) أَيْ عَدَمُ رَفْعِ صَوْتِهِ بِالْأَذَانِ فِي الْمُصَلَّى الْمَذْكُورِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ دُخُولَ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَالتَّصْرِيحُ بِسُنَّ رَفْعُ الصَّوْتِ وَعَدَمُ رَفْعِهِ لِغَيْرِ الْمُنْفَرِدِ مَعَ قَوْلِي وَذَهَبُوا مِنْ زِيَادَتِي وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَتَعْبِيرِي بِمُصَلًّى أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَسْجِدٍ وَتَعْبِيرِي بِسُنَّ عَدَمُ الرَّفْعِ فِيمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ السَّنِّ وَسُنَّ إظْهَارُ الْأَذَانِ فِي الْبَلَدِ وَغَيْرِهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ كُلُّ مَنْ أَصْغَى إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ
(وَ) سُنَّ (إقَامَةٌ) لَا أَذَانٌ (لِغَيْرِهِ) أَيْ لِلْمَرْأَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَبُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: أَوْ بَادِيَتِكِ) قِيلَ: إنَّ أَوْ لِلشَّكِّ وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا لِلتَّنْوِيعِ وَهِيَ مَانِعَةُ خُلُوٍّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ) أَيْ غَايَةُ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ وَالْمَدَى بِفَتْحِ الْمِيمِ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَهُوَ غَايَةُ الشَّيْءِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَالْمُرَادُ هُنَا الصَّوْتُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَلَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ الْغَايَةَ وَالنِّهَايَةَ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: جِنٌّ وَلَا إنْسٌ) قُدِّمَ الْجِنُّ عَلَى الْإِنْسِ لَعَلَّهُ لِسَبْقِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي الْخَلْقِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ قُدِّمَ الْجِنُّ لِتَأَثُّرِهِمْ بِالْأَذَانِ أَكْثَرَ مِنْ تَأَثُّرِ الْإِنْسِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ غَيْرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مِمَّا يَصِحُّ إضَافَةُ السَّمَاعِ إلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَعَمَّ وَيَشْهَدُ لَهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، «فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إنْسٌ وَلَا جِنٌّ وَلَا حَجَرٌ وَلَا شَجَرٌ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ لَهَا لِسَانًا تَشْهَدُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَهُ الْحَاوِي فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَدَخَلَ فِي الْجِنِّ إبْلِيسٌ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ وَهُوَ شَهَادَةٌ لِلْمُؤَذِّنِ لَا عَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ هُوَ عَدُوٌّ لِبَنِي آدَمَ فَكَيْفَ يَشْهَدُ لَهُ وَدَخَلَ فِي الْإِنْسِ الْكَافِرُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ أَيْضًا اهـ ع ش (قَوْلُهُ: إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ بِشَعَائِرِ الدِّينِ فَيُجَازَى عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا الثَّوَابُ إنَّمَا يَحْصُلُ لِلْمُؤَذِّنِ احْتِسَابًا بِالْمُدَاوِمِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يَحْصُلُ لَهُ أَصْلُ السُّنَّةِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَقَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ قَوْلُهُ «إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ بِالْأَذَانِ وَمَنْ لَازِمَهُ إيمَانُهُ لِنُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ: أَيْ سَمِعْت مَا قُلْته لَك) أَيْ جَمِيعَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ إلَخْ اهـ زي وَلَفْظُ الْمَاوَرْدِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ إنَّك رَجُلٌ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَأَذِّنْ وَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ إلَى آخَرِ» الْحَدِيثِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ سَمِعْته أَيْ قَوْلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إلَخْ كَمَا بَيَّنَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ بِخِلَافِ ذِكْرِ الْغَنَمِ وَالْبَادِيَةِ، فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَفَهِمَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ وَأَنَّ سَمِعْته عَائِدٌ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمْ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ وَوَافَقَهُ حَجّ اهـ مِنْ التَّوْشِيحِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّحِيحِ لِلسُّيُوطِيِّ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: بِخِطَابٍ لِي) مُقْتَضَاهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ كَانَ يُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ اهـ.
(قَوْلُهُ: إسْمَاعُ نَفْسِهِ) أَيْ إنْ كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ وَإِلَّا فَقَدْرُ مَا يَسْمَعُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ أَذَانِ الْإِعْلَامِ) أَيْ الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَةِ أَوْ لِأَهْلِ الْبَلَدِ، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ غَيْرِهِ وَلَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ سَنُّ رَفْعِ الصَّوْتِ زِيَادَةً عَلَى مَا ذُكِرَ اهـ ح ل (قَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلِجَمَاعَةٍ جَهْرٌ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر؛ لِأَنَّهُ إنْ طَالَ الزَّمَنُ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ تَوَهَّمَ السَّامِعُونَ دُخُولَ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَإِلَّا تَوَهَّمُوا وُقُوعَ صَلَاتِهِمْ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا سِيَّمَا فِي وَقْتِ الْغَيْمِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَرْفَعُ الْمُنْفَرِدُ صَوْتَهُ نَدْبًا لَا بِمَسْجِدٍ وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ السَّنِّ أَيْ وَالْمُدَّعَى سَنُّ الْعَدَمِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ عَدَمَ السَّنِّ صَادِقٌ بِالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ سَنِّ الْعَدَمِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْفِعْلَ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَسُنَّ إظْهَارُ الْأَذَانِ فِي الْبَلَدِ إلَخْ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ حُصُولَ سُنَّةِ الْأَذَانِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ إظْهَارُهُ الَّذِي هُوَ إظْهَارُ الشِّعَارِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَيَكْفِي فِي تَحَقُّقِهِ لِأَهْلِ الْبَلَدِ إسْمَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي تَحَقُّقِهِ مَا ذُكِرَ، فَإِنْ كَبُرَتْ الْبَلَدُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِهِ فِيهَا بِحَيْثُ يَظْهَرُ فِيهَا قَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ أُذِّنَ فِي جَانِبٍ مِنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ حَصَلَتْ السُّنَّةُ أَيْ سُنَّةُ الْإِظْهَارِ لِأَهْلِ ذَلِكَ الْجَانِبِ فَقَطْ فَعُلِمَ أَنَّ إظْهَارَ الْأَذَانِ وَهُوَ ظُهُورُ الشِّعَارِ غَيْرُ الْأَذَانِ وَأَنَّ الْأَذَانَ لِلْجَمَاعَةِ أَوْ لِأَهْلِ الْبَلَدِ يَكْفِي فِيهِ سَمَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَأَمَّا ظُهُورُ الشِّعَارِ فِي الْبَلَدِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ جَمِيعُ أَهْلِ الْبَلَدِ فَلَا بُدَّ فِي حُصُولِ سُنَّةِ إظْهَارِ الْأَذَانِ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ الْبُلْدَانِ يَظْهَرُ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ بِهَا لَوْ أَصْغَوْا إلَيْهِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ جَمِيعُ أَهْلِهَا لَوْ أَصْغَوْا إلَيْهِ لَكِنْ لَا بُدَّ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ الْبَلَدِ مِنْ ظُهُورِ الشِّعَارِ كَمَا ذُكِرَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي أَنَّ أَذَانَ الْجَمَاعَةَ يَكْفِي فِيهِ سَمَاعُ وَاحِدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِأَدَاءِ أَصْلِ سُنَّةِ الْأَذَانِ وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِأَدَائِهِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْبَلَدِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ إقَامَةٌ لَا أَذَانٌ لِغَيْرِهِ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ يُخْشَى
(1/298)
وَالْخُنْثَى مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ لِأَنَّهَا لِاسْتِنْهَاضِ الْحَاضِرِينَ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى رَفْعِ صَوْتٍ وَالْأَذَانِ لِإِعْلَامِ الْغَائِبِينَ فَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّفْعِ وَالْمَرْأَةُ يُخَافُ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهَا الْفِتْنَةُ فَأُلْحِقَ بِهَا الْخُنْثَى احْتِيَاطًا، فَإِنْ أَذَّنَا لِلنِّسَاءِ بِقَدْرِ مَا يَسْمَعْنَ لَمْ يُكْرَهْ وَكَانَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فَوْقَهُ كُرِهَ بَلْ حَرُمَ إنْ كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ وَذِكْرُ سُنَّ الْإِقَامَةِ لِلْمَرْأَةِ الْمُنْفَرِدَةِ وَلِلْخُنْثَى مِنْ زِيَادَتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مِنْ رَفْعِ الْمَرْأَةِ صَوْتَهَا بِهِ الْفِتْنَةُ وَالْإِقَامَةُ لِاسْتِنْهَاضِ الْحَاضِرِينَ وَلَيْسَ فِيهَا رَفْعٌ كَالْأَذَانِ، وَالثَّانِي يَنْدُبَانِ بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَكِنْ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا فَوْقَ مَا تَسْمَعُ صَوَاحِبُهَا. وَالثَّالِثُ: لَا يَنْدُبَانِ الْأَذَانُ لِمَا مَرَّ وَالْإِقَامَةُ تَبَعٌ لَهُ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَسُنَّ إقَامَةٌ لَا أَذَانٌ لِغَيْرِهِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَذَانَ لَا يُطْلَبُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى لَا بِأَنْفُسِهِنَّ وَلَا بِتَحْصِيلِ رَجُلٍ يُؤَذِّنُ لَهُنَّ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلِغَيْرِ نِسَاءِ ذُكُورَةٍ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ النِّسَاءَ وَالْخَنَاثَى لَهُنَّ أَذَانٌ وَأَنَّ أَذَانَ النِّسَاءِ يَصِحُّ مِنْ الْإِنَاثِ وَالرِّجَالِ وَالْخَنَاثَى وَلِلْخَنَاثَى يَصِحُّ مِنْ الرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْخُنْثَى لَا يُسَنُّ الْأَذَانُ مِنْ نَفْسِهِمَا وَيُسَنُّ أَنْ يُحَصِّلَا لَهُمَا ذَكَرًا يُؤَذِّنُ لَهُمَا سَوَاءٌ كَانَتَا مُنْفَرِدَتَيْنِ أَوْ مُجْتَمَعِينَ لَمْ يَحْصُلْ تَعَارُضٌ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ حُرِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ أَحَدِ الْمُرَادَيْنِ دُونَ الْآخَرِ (وَقَوْلُهُ مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُمَا تَحْصِيلَ الْإِقَامَةِ سَوَاءٌ كَانَا مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ أَيْ مُنْفَرِدٌ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي حَدِّ نَفْسِهِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ أَيْ مُجْتَمِعٌ كُلٌّ مِنْهُمَا مَعَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ أَوْ مَعَ أَبْنَاءِ الْجِنْسِ الْآخَرِ فَالصُّوَرُ خَمْسٌ، وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ يُقِيمُ لَهُنَّ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْخَمْسَةِ فَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَلِغَيْرِ نِسَاءِ ذُكُورَةٍ فَحِينَئِذٍ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَيْ قَوْلُهُ مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ لَا تَقْتَضِي أَنَّ الْخُنْثَى يُؤَذِّنُ لِلْخَنَاثَى وَلَا لِلْخَنَاثَى مَعَ النِّسَاءِ لَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْمُرَادِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، فَإِنْ صَحَّ انْدَفَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا يَأْتِي الَّذِي أَوْرَدَهُ الْحَلَبِيُّ تَأَمَّلْ اهـ لِكَاتِبِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَصْدُقُ بِاجْتِمَاعِ الْخَنَاثَى الْخُلَّصِ وَبِاجْتِمَاعِ النِّسَاءِ الْخُلَّصِ وَبِاجْتِمَاعِ الْجِنْسَيْنِ وَتَقْتَضِي أَنَّ الْخُنْثَى يُقِيمُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لَكِنَّ إقَامَتَهُ لِلْخَنَاثَى الْخُلَّصِ وَلَهُنَّ مَعَ النِّسَاءِ يُعْلَمُ امْتِنَاعُهَا مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَلِغَيْرِ نِسَاءٍ ذُكُورَةٌ إلَى أَنْ قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَلَا مِنْ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى لِرِجَالٍ وَخَنَاثَى انْتَهَى، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَخَنَاثَى صَادِقٌ بِكَوْنِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ أَوْ مُجْتَمَعَاتٍ مَعَ النِّسَاءِ وَإِقَامَتُهُ لِلنِّسَاءِ الْخُلَّصِ لَمْ يُعْلَمْ امْتِنَاعُهَا مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي بَلْ يُعْلَمُ جَوَازُهَا وَحِينَئِذٍ فَيَشْكُلُ مَعَ قَوْلِ م ر وَكَذَا أَيْ لَا يَصِحُّ لَوْ أَذَّنَ الْخُنْثَى لِلرِّجَالِ أَوْ لِلنِّسَاءِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ أَذَانِهِ لَهُنَّ حَيْثُ امْتَنَعَ وَإِقَامَتُهُ لَهُنَّ حَيْثُ جَازَتْ تَأَمَّلْ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لِاسْتِنْهَاضِ الْحَاضِرِينَ) أَيْ طَلَبِ نُهُوضِهِمْ أَيْ قِيَامِهِمْ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ:، فَإِنْ أَذَّنَا لِلنِّسَاءِ إلَخْ) صُوَرُ أَذَانِهِمَا سِتَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إمَّا أَنْ تُؤَذِّنَ لِنَفْسِهَا وَحْدَهَا أَوْ لِلنِّسَاءِ أَوْ لِلْخَنَاثَى وَالْخُنْثَى كَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا مُحَرَّمَةٌ مَعَ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَثَلَاثَةٌ جَائِزَةٌ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْمُحَرَّمَةُ فَأَذَانُ الْمَرْأَةِ لِلْخَنَاثَى وَأَذَانُ الْخُنْثَى لِلنِّسَاءِ وَرَفْعُ صَوْتِهِ فِي هَذِهِ فَوْقَ مَا يَسْمَعْنَ وَأَذَانُهُ لِلْخَنَاثَى، وَالثَّلَاثَةُ الْجَائِزَةُ أَذَانُ الْمَرْأَةِ لِنَفْسِهَا وَأَذَانُ الْخُنْثَى لِنَفْسِهِ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ لِلنِّسَاءِ يُعْلَمُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ شَرْحِ م ر حَيْثُ قَالَ وَلَوْ أَذَّنَتْ الْمَرْأَةُ لِلْخَنَاثَى لَمْ يَصِحَّ أَذَانُهَا وَأَثِمَتْ وَكَذَا لَوْ أَذَّنَتْ الْخُنْثَى لِلنِّسَاءِ أَوْ الْخَنَاثَى إلَى أَنْ قَالَ أَمَّا إذَا أَذَّنَ كُلٌّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِنَفْسِهِ أَوْ أَذَّنَتْ الْمَرْأَةُ لِلنِّسَاءِ كَانَ جَائِزًا غَيْرَ مُسْتَحَبٍّ اهـ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ فِي اللَّفْظِ.
إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت عَدَمَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ كَلَامِ م ر وَالشَّارِحِ فِي صُورَةِ أَذَانِ الْخُنْثَى لِلنِّسَاءِ حَيْثُ نَصَّ فِيهَا م ر عَلَى الْحُرْمَةِ وَنَصَّ الشَّارِحُ عَلَى الْجَوَازِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ أَذَّنَا لِلنِّسَاءِ إلَخْ وَوَجْهُ دَفْعِ الْمُخَالَفَةِ أَنْ م ر قَيَّدَ الْحُرْمَةَ فِيهَا بِمَا لَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ مَا يَسْمَعْنَ وَالشَّارِحُ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ مَا يَسْمَعْنَ لَكِنْ تَبْقَى الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ أَوْ فَوْقَهُ مَعَ أَنَّ م ر نَصَّ عَلَى الْحُرْمَةِ حِينَئِذٍ كَمَا عَلِمْت وَلَا جَوَابَ عَنْ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ غَيْرُ أَنَّ الشَّارِحَ قَدْ جَرَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى ضَعِيفٍ وَهَذَا يَكْفِي فِي الْجَوَابِ تَأَمَّلْ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: وَكَانَ ذِكْرُ اللَّهَ تَعَالَى) أَيْ فَيَحْصُلُ لِقَائِلِهِ ثَوَابُ الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمَحَلُّ كَوْنِهِ ذِكْرًا مَا لَمْ تَقْصِدْ الْأَذَانَ الشَّرْعِيَّ، فَإِنْ قَصَدَتْهُ حَرُمَ عَلَيْهَا ذَلِكَ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: أَوْ فَوْقَهُ كُرِهَ) الْمُعْتَمَدُ حِينَئِذٍ الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا أَيْ قَصَدَتْ الْأَذَانَ أَمْ لَا، كَانَ هُنَاكَ أَجْنَبِيٌّ أَمْ لَا وَهَذَا كُلُّهُ لِلنِّسَاءِ، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِنَّ حَرُمَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ بَلْ حَرُمَ إنْ كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ) وَإِنَّمَا جَازَ غِنَاءُ الْمَرْأَةِ مَعَ سَمَاعِ الرَّجُلِ لَهُ إذَا لَمْ يَخْشَ مِنْهُ فِتْنَةً؛ لِأَنَّ فِي تَجْوِيزِ الْأَذَانِ لَهَا حَمْلًا لِلرَّجُلِ عَلَى الْإِصْغَاءِ وَالنَّظَرِ إذْ هُمَا لِلْمُؤَذِّنِ حَالَ أَذَانِهِ سُنَّةٌ وَهُمَا مُوقِعَانِ لَهُ فِي الْفِتْنَةِ بِخِلَافِ تَمْكِينِهَا مِنْ الْغِنَاءِ لَيْسَ فِيهِ حَمْلُ أَحَدٍ عَلَى مَا يَفْتِنُهُ أَلْبَتَّةَ لِكَرَاهَةِ
(1/299)
(وَأَنْ يُقَالَ فِي نَحْوِ عِيدٍ) مِنْ نَفْلٍ تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَصُلِّيَ جَمَاعَةً كَكُسُوفٍ وَتَرَاوِيحَ (الصَّلَاةَ جَامِعَةً) لِوُرُودِهِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ.
وَيُقَاسُ بِهِ نَحْوُهُ وَالْجُزْءَانِ مَنْصُوبَانِ الْأَوَّلُ بِالْإِغْرَاءِ وَالثَّانِي بِالْحَالِيَّةِ وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ وَرَفْعُ أَحَدِهِمَا وَنَصْبُ الْآخَرِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
اسْتِمَاعِهِ تَارَةً أَيْ إذَا لَمْ يُخْشَ مِنْهُ فِتْنَةٌ وَتَحْرِيمُهُ أُخْرَى أَيْ إذَا خُشِيَ فِتْنَةٌ وَرَفْعُ صَوْتِهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَلَوْ فَوْقَ مَا يَسْمَعُ صَوَاحِبُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ ثَمَّ مُشْتَغِلٌ بِتَلْبِيَتِهِ مَعَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَا يُسَنُّ الْإِصْغَاءُ لَهَا بِخِلَافِهِ هُنَا وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ تَقْيِيدٌ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْمَحَارِمِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ وَظِيفَةِ الرِّجَالِ فَفِيهِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ وَهُوَ حَرَامٌ كَعَكْسِهِ اهـ م ر اهـ زي وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا حُرْمَةَ رَفْعِ صَوْتِ الْمَرْأَةِ بِالْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا؛ لِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ مَطْلُوبٌ وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا عَدَمُ حُرْمَةِ رَفْعِ صَوْتِهَا بِالْقِرَاءَةِ قَالَ فَقَدْ صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ جَهْرِهَا بِهَا فِي الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ وَعَلَّلُوهُ بِخَوْفِ الِافْتِتَانِ اهـ ح ل وَلَا يَحْرُمُ الْأَذَانُ عَلَى الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الرِّجَالِ فَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ تَشْبِيهٌ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْأَذَانِ عَلَى الْمَرْأَةِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ وَحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهَا وَخَوْفِ الِافْتِتَانِ بِسَمَاعِهَا وَالْحُكْمُ إذَا عُلِّلَ بِعِلَّةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ عِلَّتَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ إحْدَاهُمَا وَالتَّشَبُّهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الْأَمْرَدِ فَيَنْتَفِي تَحْرِيمُ الْأَذَانِ عَلَيْهِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يُقَالَ فِي نَحْوِ عِيدٍ إلَخْ) وَيَنْبَغِي نَدْبُهُ عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ نَائِبًا عَنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ اهـ حَجّ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْإِقَامَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَذْكَارِ لِلنَّوَوِيِّ اهـ م ر وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَأْتِي بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لِجَمْعِ النَّاسِ وَإِلَّا أَتَى بِهِ أَيْضًا لِجَمْعِهِمْ اهـ ع ش وَانْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْمُؤَذِّنِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَيَكُونُ الْمُنَادِي الْمَذْكُورُ ذَكَرًا مَثَلًا أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَالْأَقْرَبُ الِاشْتِرَاطُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْإِقَامَةِ اهـ اط ف وَهَلْ تُسَنُّ إجَابَةُ ذَلِكَ لَا يَبْعُدُ سَنُّهَا بِلَا حَوْلٍ وَلَا قُوَّةٍ إلَّا بِاَللَّهِ وَيَنْبَغِي كَرَاهَةُ ذَلِكَ لِنَحْوِ الْجُنُبِ اهـ سم عَلَى حَجّ وَقَوْلُهُ: كَرَاهَةُ ذَلِكَ أَيْ قَوْلُهُ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ لَا كَرَاهَةَ قَوْلِهِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لِمَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ إجَابَةِ الْحَائِضِ وَنَحْوهَا بِذَلِكَ وَنَحْوِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَجِّهَ اسْتِحْبَابَ إجَابَةِ ذَلِكَ بِلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى إجَابَةِ الْمُقِيمِ بِذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يَسْتَنْهِضُ الْحَاضِرِينَ لِلْقِيَامِ إلَيْهَا، وَأَمَّا أَخْذُهُ مِنْ إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ بِذَلِكَ إذَا قَالَ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا قِيلَ لِفَوَاتِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِمْ اهـ ع ش عَلَى م ر وَلَوْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ فَهَلْ يَحْرُمُ لِتَعَاطِيهِ عِبَادَةً فَاسِدَةً أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ حَيْثُ حَرُمَ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً فَاسِدَةً لَكِنْ فِي شَرْحِ م ر التَّصْرِيحُ فِي هَذِهِ بِكَرَاهَةِ الْأَذَانِ لِغَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ وَقَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا أَذَّنَ لَا بِنِيَّةِ الْأَذَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْلٍ تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ إلَخْ) خَرَجَ الْمَنْذُورَةُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَالنَّفَلُ الْمَذْكُورُ إذَا صَلَّى فُرَادَى فَلَا يُقَالُ فِيهِ مَا ذُكِرَ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ النَّافِلَةُ الَّتِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا أَوْ الَّتِي تُسَنُّ فِيهَا إذَا صُلِّيَتْ فُرَادَى وَالْمَنْذُورَةُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَيِّعِينَ لَهَا حَاضِرُونَ فَلَا حَاجَةَ لِإِعْلَامِهِمْ انْتَهَتْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُشَيِّعِينَ لَهَا لَوْ كَثُرُوا وَلَمْ يَعْلَمُوا وَقْتَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ لِلصَّلَاةِ أَنَّهُ يُسَنُّ ذَلِكَ وَلَا بُعْدَ فِيهِ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَتَرَاوِيحُ) وَكَذَا وِتْرٌ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ لَهُ وَتَرَاخَى فِعْلُهُ عَنْ التَّرَاوِيحِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ عَقِبَهَا، فَإِنَّ النِّدَاءَ لَهَا نِدَاءٌ لَهُ كَذَا قِيلَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ تَرَاخَى فِعْلُهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْإِقَامَةِ لَوْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً هُنَا اهـ شَرْحُ م ر اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: لِوُرُودِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ) ، فَإِنْ قِيلَ حَيْثُ كَانَ الْكُسُوفُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرَهُ فِي الْمَتْنِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعِيدَ لِأَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى الْكُسُوفِ أَوْ لِتَكَرُّرِهِ وَهُمْ قَدْ يُقَدِّمُونَ الْمَقِيسَ عَلَى الْمَقِيسِ عَلَيْهِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ بِالْإِغْرَاءِ) وَهُوَ أَمْرُ الْمُخَاطَبِ بِلُزُومِ أَمْرٍ يُحْمَدُ بِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْإِغْرَاءُ وَهُوَ الْفِعْلُ الْمَحْذُوفُ وُجُوبًا اهـ لِكَاتِبِهِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا بَيَّنَتْهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ) عِبَارَتُهُ وَرُفِعَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَوْ عَكْسُهُ وَنُصِبَ الْآخَرُ عَلَى الْإِغْرَاءِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَعَلَى الْحَالِ فِي الثَّانِي انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وَرُفِعَ أَحَدُهُمَا أَرَادَ بِهِ الْمَفْهُومَ الْعَامَّ الشَّامِلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ إلَخْ رَاجِعٌ لِلْأَحَدِ بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ أَوْ عَكْسُهُ رَاجِعٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ الثَّانِي عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ
(1/300)
وَكَالصَّلَاةِ جَامِعَةٌ الصَّلَاةُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَ) أَنْ (يُؤَذِّنَ لِلْأُولَى فَقَطْ مِنْ صَلَوَاتٍ وَالَاهَا) كَفَوَائِتَ وَصَلَاتِي جَمْعٍ وَفَائِتَةٍ وَحَاضِرَةٍ دَخَلَ وَقْتُهَا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْأَذَانِ وَيُقِيمُ لِكُلٍّ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأُولَيَيْنِ رَوَاهُ فِي أُولَاهُمَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي ثَانِيَتِهِمَا الشَّيْخَانِ وَقِيَاسًا فِي الثَّالِثَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوَالِ أَوْ وَالَى فَائِتَةً وَحَاضِرَةً لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْأَذَانِ لَمْ يَكْفِ لِغَيْرِ الْأُولَى الْأَذَانُ لَهَا وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَتْ فَوَائِتَ لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى
(وَمُعْظَمُ الْأَذَانِ مُثَنَّى) هُوَ مَعْدُولٌ عَنْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ (وَ) مُعْظَمُ (الْإِقَامَةِ فُرَادَى) قُيِّدَتْ مِنْ زِيَادَتِي بِالْمُعْظَمِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ أَوَّلَ الْأَذَانِ أَرْبَعٌ وَالتَّوْحِيدَ آخِرَهُ وَاحِدٌ وَالتَّكْبِيرُ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ وَلَفْظُ الْإِقَامَةِ فِيهَا مُثَنَّى مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ اسْتَثْنَى لَفْظَ الْإِقَامَةِ وَاعْتَذَرَ فِي دَقَائِقِهِ عَنْ تَرْكِ التَّكْبِيرِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَى نِصْفِ لَفْظِهِ فِي الْأَذَانِ كَانَ كَأَنَّهُ فَرْدٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا قُلْنَاهُ فَالْإِقَامَةُ إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ مَنْ فَهِمَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ رَاجِعٌ لِلْأَحَدِ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْ الْفَرْدَيْنِ فَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الِابْتِدَاءُ بِجَامِعَةٍ وَهُوَ نَكِرَةٌ بِلَا مُسَوِّغٍ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَاهُ قُلْنَا الْمُسَوِّغُ الْفَائِدَةُ اهـ سم اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَكَالصَّلَاةِ جَامِعَةٌ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَكَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ هَلُمُّوا إلَى الصَّلَاةِ أَوْ الصَّلَاةَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ أَوْحَى عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْعُبَابِ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وك الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ الصَّلَاةَ إلَخْ أَيْ فِي أَدَاءِ أَصْلِ السُّنَّةِ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِوُرُودِهِ عَنْ الشَّارِعِ اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُؤَذِّنَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى أَذَانٍ فَفِيهِ عَطْفُ مَصْدَرٍ مُؤَوَّلٍ عَلَى مَصْدَرٍ صَرِيحٍ وَهُوَ شَائِعٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُؤَذِّنَ لَلْأُولَى إلَخْ) أَيْ يُؤَذِّنَ، فَإِذَا أَذَّنَ كَانَ لِلْأُولَى وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْأُولَى بَلْ لَوْ أَطْلَقَ كَانَ مُنْصَرِفًا لِلْأُولَى فَلَوْ قَصَدَ بِهِ الثَّانِيَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِهِ اهـ ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى أَيْ فَيَحْرُمُ بِقَصْدِهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ (قَوْلُهُ لِلْأُولَى فَقَطْ) يَشْكُلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَذَانَ حَقٌّ لِلْفَرِيضَةِ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ طَلَبُهُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَيُجَابُ بِأَنَّ جَمْعَ الصَّلَوَاتِ صَيَّرَهَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: كَفَوَائِتِ) اُنْظُرْ لَوْ تَذَكَّرَ فَوَائِتَ فَأَذَّنَ وَشُرِطَ فَتَذَكَّرَ فَوَائِتَ أُخَرَ فَهَلْ يَكْفِي لَهَا الْأَذَانُ الْمَذْكُورُ وَلَا يَضُرُّ وُقُوعُهُ قَبْلَ تَذَكُّرِهِ أَوْ يُعِيدُهُ عِنْدَ إرَادَةِ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّ تَذَكُّرَهُ كَدُخُولِ وَقْتِ الْحَاضِرَةِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي ثُمَّ رَأَيْت مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا لَوْ أَذَّنَ لِحَاضِرَةٍ فَفَرَغَ مِنْهَا فَتَذَكَّرَ فَائِتَةً فَلَا يُؤَذِّنُ لَهَا؛ لِأَنَّ تَذَكُّرَهَا لَيْسَ كَدُخُولِ وَقْتِهَا الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَلَاتِي جَمْعٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ دَخَلَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ قَبْلَ فَرَاغِ الْأُولَى وَقَدْ وَقَعَ الْأَذَانُ فِي وَقْتِهَا وَبِهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ يُؤَذِّنُ لِلثَّانِيَةِ أَذَانًا آخَرَ وَاعْتَمَدَهُ مَشَايِخُنَا، وَلَوْ أَذَّنَ لِصَلَاةٍ ثُمَّ أَرَادَ تَقْدِيمَ غَيْرِهَا فَالْوَجْهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهَا أَذَانًا آخَرَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ فِي أُولَاهُمَا الشَّافِعِيُّ) عِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُبَادِرُ بِفَائِتٍ إلَخْ نَصُّهَا وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ هَوِي مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا أَيْ شَرَّ الْعَدُوِّ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ» اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْهُوِيُّ كَغَنِيٍّ وَيُضَمُّ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر هُنَا «وَقَدْ فَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَوَاتٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهَا وَلَمْ يُؤَذِّنْ لَهَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَجَازَ لَهُمْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْقِتَالِ وَلَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ انْتَهَى.
إذَا عَلِمْتَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَوَّلَيْنِ إلَخْ غَرَضُهُ بِهِ الِاسْتِدْلَال عَلَى قَوْلِهِ وَيُقِيمُ لِكُلٍّ وَيَكُونُ تَارِكًا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَتْنِ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ وَانْظُرْ مَا عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَحَاضِرَةٍ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا إلَخْ) بِأَنْ صَلَّى فَائِتَةً قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ حَصَلَ الزَّوَالُ قَبْلَ سَلَامِهِ وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ مُؤَدَّاةً لِآخِرِ وَقْتِهَا وَأَذَّنَ لَهَا ثُمَّ عَقِبَ سَلَامِهِ دَخَلَ وَقْتُ مُؤَدَّاةٍ أُخْرَى فَيُؤَذِّنُ لَهَا اهـ ح ل (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فَوَائِتَ إلَخْ) أَيْ وَأَعَمُّ وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ قَوْلَ الْأَصْلِ لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى شَامِلٌ لِمَا إذَا وَالَى بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَلَهَا إذَا لَمْ يُوَالِ مَعَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوَالِ يُؤَذِّنُ لِغَيْرِ الْأُولَى، وَوَجْهُ الْعُمُومِ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ لَا يَشْمَلُ صَلَاتَيْ الْجُمَعِ وَالْفَائِتَةِ وَالْحَاضِرَةِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَمُعْظَمُ الْأَذَانِ) أَيْ مُعْظَمُ أَنْوَاعِ لَفْظِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ إنْ عَدَّ التَّكْبِيرَ مَرَّتَيْنِ وَهِيَ تَكْبِيرٌ ثُمَّ شَهَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ شَهَادَةٌ لِرَسُولِهِ ثُمَّ حَيْعَلَةُ صَلَاةٍ ثُمَّ حَيْعَلَةُ فَلَاحٍ ثُمَّ تَكْبِيرٌ ثُمَّ تَوْحِيدٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: عَنْ تَرْكِ التَّكْبِيرِ) أَيْ عَنْ تَرْكِ اسْتِثْنَائِهِ وَالْمُرَادُ التَّكْبِيرُ أَوَّلُهَا، وَأَمَّا آخِرُهَا فَهُوَ مُسَاوٍ لِمَا فِي الْأَذَانِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: أَنْ يَشْفَعَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ أَيْ يَأْتِيَ بِهِ شَفْعًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ شَفَعْت الشَّيْءَ شَفْعًا مِنْ بَابِ نَفَعَ ضَمَمْته إلَى الْفَرْدِ وَشَفَعْت الرَّكْعَةَ جَعَلْتهَا شَفْعًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا قُلْنَاهُ) أَيْ أَنْ يَشْفَعَ مُعْظَمَ الْأَذَانِ وَيُوتِرَ مُعْظَمَ الْإِقَامَةِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَالْإِقَامَةُ إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً إلَخْ) وَإِنَّمَا كَانَتْ الْإِقَامَةُ أَنْقَصَ مِنْ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ أَمْرَانِ يَتَقَدَّمَانِ الصَّلَاةَ لِأَجْلِهَا فَكَانَ الثَّانِي مِنْهُمَا أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ ثَانٍ لِأَوَّلٍ يُفْتَتَحُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِتَكْبِيرَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَكَانَ الثَّانِي أَنْقَصَ مِنْ
(1/301)
وَالْأَذَانُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً بِالتَّرْجِيعِ وَسَيَأْتِي.
(وَشُرِطَ فِيهِمَا تَرْتِيبٌ وَوَلَاءٌ) بَيْنَ كَلِمَاتِهِمَا مُطْلَقًا (وَلِجَمَاعَةٍ جَهْرٌ) بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ لِأَنَّ تَرْكَ كُلٍّ مِنْهُمَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ وَيَكْفِي إسْمَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَضُرُّ فِي الْوَلَاءِ تَخَلُّلٌ يَسِيرٌ سُكُوتٌ أَوْ كَلَامٌ (وَ) شُرِطَ فِيهِمَا (عَدَمُ بِنَاءِ غَيْرٍ) عَلَى أَذَانِهِ أَوْ إقَامَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْأَوَّلِ كَتَكْبِيرَاتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ أَوْفَى صِفَةً مِنْ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْتَى بِهِ مُرَتَّلًا وَيُرْفَعُ بِهِ الصَّوْتُ فَكَانَ أَوْفَى قَدْرًا مِنْهَا كَالرَّكْعَتَيْنِ لَمَّا كَانَتَا أَوْفَى صِفَةً بِالْجَهْرِ كَانَتَا أَوْفَى قَدْرًا بِالسُّورَةِ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ قَضِيَّتُهُ أَنَّ الثَّانِيَةَ أَقْصَرُ مِنْ الْأُولَى وَفِيهِ أَنَّ الْأَرْكَانَ فِيهِمَا ثَلَاثَةٌ وَأَنَّ الْآيَةَ تَكْفِي فِي إحْدَاهُمَا وَأَنَّهُ يَجِبُ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي الثَّانِيَةِ فَالثَّانِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى إلَّا أَنْ يُقَالَ يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُ الْأُولَى عَنْ الثَّانِيَةِ بِأَذْكَارٍ زِيَادَةً عَلَى الْأَرْكَانِ فَلْيُرَاجَعْ مِنْ بَابِهِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهَا أَنْقَصُ بِاعْتِبَارِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْخُطَبَاءِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَعْظِ فِي الْأُولَى وَالِاخْتِصَارِ فِي الثَّانِيَةِ وَتَخْفِيفِهَا مَا أَمْكَنَ وَقَدْ قِيلَ إنَّ تَطْوِيلَ الْأُولَى وَتَقْصِيرَ الثَّانِيَةِ مِنْ جَهْلِ الْخُطَبَاءِ اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَذَانُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً إلَخْ) وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر.
وَقَضِيَّةُ قَوْلِ حَجّ أَنَّهُ لَوْ أُتِيَ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُخِلُّ بِمَعْنَاهَا لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ إذَا خَفَّفَ مُشَدَّدًا بِحَيْثُ لَمْ يُخِلَّ بِمَعْنَى الْكَلِمَةِ لَمْ يَصِحَّ أَذَانُهُ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فَكُّ الْإِدْغَامِ فِي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ أُتِيَ بِالْأَصْلِ وَلَا إخْلَالَ فِيهِ وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَكِّ الْإِدْغَامِ فِي التَّشَهُّدِ حَيْثُ قِيلَ إنَّهُ يَضُرُّ بِأَنَّ أَمْرَ الصَّلَاةِ أَضْيَقُ مِنْ الْأَذَانِ فَيُحَافِظُ فِيهِ عَلَى كَمَالِ صِفَاتِهِ اهـ ع ش عَلَيْهِ وَيَجِبُ أَنْ يَحْتَرِزَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ أَغْلَاطٍ تُبْطِلُ الْأَذَانَ بَلْ يَكْفُرُ مُتَعَمِّدُ بَعْضِهَا كَمَدِّ بَاءِ أَكْبَرَ وَهَمْزَتِهِ وَهَمْزَةِ أَشْهَدُ وَأَلْفِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ وَعَدَمِ النُّطْقِ بِهَاءِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَشْتَبِهُ بِهِ وَلَا اللَّهُ الْأَكْبَرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: بِالتَّرْجِيعِ) وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَرْبَعًا وَلَا سِرًّا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا جَهْرًا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَذَانِ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ صَحَّ أَذَانُهُ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: وَشُرِطَ فِيهِمَا تَرْتِيبٌ) أَيْ بِحَيْثُ يُنْسَبُ بَعْضُ كَلِمَاتِهِمَا إلَى بَعْضٍ فَلَا يَعْتَمِدُ بِغَيْرِ مَا رُتِّبَ وَيُعِيدُهُ فِي مَحَلِّهِ وَيُكْرَهُ عَدَمُ تَرْتِيبِهِ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى وَإِلَّا حَرُمَ وَلَا يَصِحُّ وَقَوْلُهُ وَلَاءٌ فَلَا يُعْتَدُّ بِغَيْرِ الْمُتَوَالِي وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ إلَّا فِي أَعْجَمِيٍّ لِنَفْسِهِ أَوْ لِأَعَاجِمَ وَلَا يَضُرُّ فِيهِمَا لَحْنٌ لَكِنْ يُكْرَهُ لِلْقَادِرِ وَقِيلَ يَحْرُمُ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْنَى وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَاسِمِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَوَلَاءٌ) فَيُؤَخِّرُ رَدَّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ إلَى الْفَرَاغِ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْذُورًا سُومِحَ لَهُ فِي التَّدَارُكِ مَعَ طُولِهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِوَجْهٍ، فَإِنْ لَمْ يُؤَخِّرْ ذَلِكَ لِلْفَرَاغِ فَخِلَافُ السُّنَّةِ كَالتَّكَلُّمِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: بَيْنَ كَلِمَاتِهِمَا مُطْلَقًا) أَيْ لِلْجَمَاعَةِ وَالْمُنْفَرِدِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ جَمِيعِهِمْ فَيُخَالِفُ قَوْلَهُ وَيَكْفِي إسْمَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ مَا نَصُّهُ وَيُشْتَرَطُ سَمَاعُ نَفْسِهِ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ وَسَمَاعُ جَمَاعَةٍ أَذَّنَ لَهُمْ وَلَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ اهـ وَعَلَى هَذَا فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَيَكْفِي سَمَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَرْكَ كُلٍّ مِنْهَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ يُوهِمُ اللَّعِبَ وَيُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ، فَإِنْ عَكَسَ وَلَوْ نَاسِيًا لَمْ يَصِحَّ وَيَبْنِي عَلَى الْمُنْتَظِمِ مِنْهُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى وَلَوْ تَرَكَ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ فِي خِلَالِهِ أُتِيَ بِالْمَتْرُوكِ وَأَعَادَ مَا بَعْدَهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَيَكْفِي إسْمَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) ظَاهِرُهُ بِالْفِعْلِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ حُضُورُ الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا يَأْتِي فِي الْخُطْبَةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالسَّمَاعِ بِالْقُوَّةِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ إعْلَامُ مَنْ يَسْمَعُ لِيَحْضُرَ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ، فَإِنَّهُ حَضَرَ بِالْفِعْلِ فَاكْتُفِيَ مِنْهُ بِالسَّمَاعِ بِالْقُوَّةِ اهـ ع ش وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَسْمَعَ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ عِنْدَهُ كَلَامُهُ أَوْ يَكْفِي سَمَاعُ صَوْتٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ الْأَذَانُ، وَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الْكَلِمَاتُ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ كَلَامٌ) أَيْ وَلَوْ عَمْدًا وَمِثْلُ الْكَلَامِ يَسِيرُ نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٌ أَوْ جُنُونٌ لِعَدَمِ إخْلَالِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ الرِّدَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُبْطِلُ مَا مَضَى إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْإِقَامَةَ فِي ذَلِكَ لَقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ فِي الْأَوَّلَيْنِ اهـ ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلَا يَضُرُّ الْيَسِيرُ مِنْ الْكَلَامِ وَالسُّكُوتِ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِمَا الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْفَاتِحَةَ وَلَا يُنْدَبُ الِاسْتِئْنَافُ فِي ذَلِكَ وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُمَا نِيَّةٌ بَلْ عَدَمُ الصَّارِفِ عَمْدًا فَلَا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيمَا أَذَّنَ لَهُ اهـ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ بِنَاءِ غَيْرٍ) وَمِنْهُ مَا يَقَعُ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ حَالَ اشْتِرَاكِهِمْ فِي الْأَذَانِ مِنْ تَقْطِيعِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ بِحَيْثُ يَذْكُرُ أَحَدُهُمْ
(1/302)
لِأَنَّ ذَلِكَ يُوقِعُ فِي لَبْسٍ وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجَهْرِ مُطْلَقًا وَاشْتِرَاطُ التَّرْتِيبِ وَالْوَلَاءِ فِي الْإِقَامَةِ مِنْ زِيَادَتِي (وَدُخُولُ وَقْتٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْإِعْلَامِ بِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ (إلَّا أَذَانَ صُبْحٍ فَمِنْ نِصْفِ لَيْلٍ) يَصِحُّ وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ»
(وَ) شُرِطَ (فِي مُؤَذِّنٍ وَمُقِيمٍ إسْلَامٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بَعْضَ الْكَلِمَةِ وَغَيْرُهُ بَاقِيَهَا وَيَنْبَغِي حُرْمَةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعَاطٍ لِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ طُرُوُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ خُصُوصَ الْأَذَانِ وَيَنْبَغِي كَوْنُهُ ذِكْرًا فَلَا يَحْرُمُ لَكِنَّ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الْأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِكَوْنِهِ عِبَادَةً فَاسِدَةً خِلَافُهُ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ يُوقِعُ فِي لَبْسٍ) أَيْ لَبْسِ الْأَذَانِ بِغَيْرِهِ فَلَا يُدْرَى أَهُوَ ذِكْرٌ مَحْضٌ أَمْ أَذَانٌ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَدُخُولُ وَقْتٍ) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَوْ أَذَّنَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْوَقْتِ فَصَادَفَهُ اُعْتُدَّ بِأَذَانِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَم اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ وَبِهِ فَارَقَ التَّيَمُّمَ وَالصَّلَاةَ اهـ شَرْحُ م ر وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ جَاهِلًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْوَقْتِ أَجْزَأَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْخُطْبَةِ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ أَشْبَهَتْ الصَّلَاةَ وَقِيلَ: إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ اهـ حَجّ اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَدُخُولُ وَقْتٍ) أَفْهَمَ كَلَامُهُ صِحَّتَهُ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا فَتَقْيِيدُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِ نَعَمْ تَبْطُلُ مَشْرُوعِيَّتُهُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَوْ أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِنِيَّتِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَاطٍ لِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ) أَيْ وَيَكُونُ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَاطٍ لِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ وَهُوَ صَغِيرَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَبَالَغَ الْعَلَّامَةِ م ر فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ كَبِيرَةٌ نَعَمْ إنْ أَذَّنَ جَاهِلًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَصَادَفَهُ اعْتَدَّ بِهِ وَفَارَقَ التَّيَمُّمَ وَالصَّلَاةَ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ ثُمَّ لَا هُنَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَتُشْكِلُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْأَذَانِ لِنَحْوِ الْمَنْذُورَةِ فَلْيُحَرَّرْ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ إيقَاعُ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِأَنَّهُ لَمَّا طُلِبَ فِي وَقْتِهَا لَهَا كَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ قَبْلَهُ كَالْإِتْيَانِ بِالْعِبَادَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَلَا كَذَلِكَ نَحْوُ الْمَنْذُورَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا أَذَانَ صُبْحٍ فَمِنْ نِصْفِ لَيْلٍ) أَيْ شِتَاءً وَصَيْفًا وَالْأَوْلَى كَوْنُ الْأَذَانِ فِي الشِّتَاءِ فِي نِصْفِ سُبْعِ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ فِي سُبْعِهِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
فَإِنْ قُلْت تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفِ الْأَذَانِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ إعْلَامٌ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَالْأَذَانُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَيْسَ إعْلَامًا بِالْوَقْتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِعْلَامَ بِالْوَقْتِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إعْلَامًا بِأَنَّهُ دَخَلَ أَوْ قَارَبَ أَنْ يَدْخُلَ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الصُّبْحُ بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا مَرْغُوبٌ فِيهَا وَالصُّبْحُ غَالِبًا عَقِبَ نَوْمٍ فَنَاسَبَ أَنْ يُوقِظَ النَّاسَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِيَتَأَهَّبُوا وَيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ اهـ فَتْحُ الْبَارِي اهـ شَوْبَرِيٌّ وَلَوْ أَذَّنَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ اهـ سم عَلَى حَجّ وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَوْ أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِنِيَّتِهِ حَرُمَ أَنْ يُقَالَ هُنَا بِالتَّحْرِيمِ حَيْثُ أَذَّنَ بِنِيَّتِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَلَوْ دَخَلَ نِصْفُ اللَّيْلِ وَأَذَّنَ لِلصُّبْحِ وَكَانَ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي هَذَا الْأَذَانُ لِلْعِشَاءِ وَهَلْ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي أَذَانِ الْمَوْلُودِ وَنَحْوه، فَإِذَا أَتَى بِهِ الشَّخْصُ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَقِبَهُ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ فَيُطْلَبُ مِنْهُ أَذَانٌ آخَرُ أَوَّلًا وَأَقُولُ هَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَغْسَالٌ مَسْنُونَةٌ وَاغْتَسَلَ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَكْفِي وَأَيْضًا الْأَذَانُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ) وَحِكْمَةُ اخْتِصَاصِ بِلَالٍ بِالْأَذَانِ أَنَّهُ لَمَّا عُذِّبَ لِيَرْجِعَ عَنْ الْإِسْلَامِ صَارَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ فَجُوزِيَ بِوِلَايَةِ الْأَذَانِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى التَّوْحِيدِ فِي ابْتِدَائِهِ وَانْتِهَائِهِ، قَالَ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ أَذَانَ الصُّبْحِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَزْيَدَ مِنْ كَوْنِهِ بِلَيْلٍ وَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَتَوَقَّفَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) وَكَانَ مَعَهُ بِلَالٌ يُعْلِمُهُ بِالْوَقْتِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ أَذَانَ الْأَعْمَى وَحْدَهُ مَكْرُوهٌ اهـ شَيْخُنَا وَكَانَ اسْمُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ عُمَرَ وَقِيلَ الْحُصَيْنُ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ وَعَمِيَ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ وَاسْمُ أَبِيهِ قَيْسُ بْنُ زَائِدَةَ وَاسْمُ أُمِّهِ عَاتِكَةُ اهـ ق ل وَقَوْلُهُ وَعَمِيَ بَعْدَ بَدْرٍ إلَخْ كَلَامٌ سَاقِطٌ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ الصَّرِيحَ فِي أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّ سُورَةَ عَبَسَ مَكِّيَّةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّفَاسِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَشُرِطَ فِي مُؤَذِّنٍ وَمُقِيمٍ إسْلَامٌ إلَخْ) أَيْ مَا لَمْ يُنَصِّبْهُ حَاكِمٌ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا أَمِينًا عَارِفًا بِالْوَقْتِ وَلَوْ بِإِخْبَارِ مُوَقِّتٍ نَصَبَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ نَصْبُهُ، وَإِنْ صَحَّ أَذَانُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ، وَأَمَّا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ مَنْ صَحَّ أَذَانُهُ صَحَّ نَصْبُهُ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَى الْإِمَامِ وَيَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ فَفِيهِ نَظَرٌ وَسَيَأْتِي عَنْهُ فِي نَصْبِ مَنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَصْبُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ
(1/303)
وَتَمْيِيزٌ) مُطْلَقًا (وَلِغَيْرِ نِسَاءٍ ذُكُورَةٌ) فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ كَافِرٍ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا وَلَا مِنْ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى لِرِجَالٍ وَخَنَاثَى كَإِمَامَتِهِمَا لَهُمْ أَمَّا الْمُؤَذِّنُ وَالْمُقِيمُ لِلنِّسَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا ذُكُورَةٌ وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْخُنْثَى يُسَنُّ لَهُ الْإِقَامَةُ لِنَفْسِهِ دُونَ الْأَذَانِ وَذِكْرُ الْمُقِيمِ وَتَقْيِيدُهُ الذُّكُورَةَ بِغَيْرِ النِّسَاءِ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَسُنَّ إدْرَاجُهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ أَيْ الْإِسْرَاعِ بِهَا (وَخَفْضُهَا) وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِي (وَتَرْتِيلُهُ) أَيْ الْأَذَانِ أَيْ التَّأَنِّي فِيهِ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي خَبَرِ الْحَاكِمِ إلَّا الْخَفْضَ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْغَائِبَيْنِ وَالْإِقَامَةُ لِلْحَاضِرَيْنِ فَاللَّائِقُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا ذُكِرَ فِيهِ (وَتَرْجِيعٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْأَذَانِ لِوُرُودِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ بِخَفْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْمَعْلُومَ فَالْوَجْهُ أَنَّ مَا هُنَا مِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى وَلَعَلَّهُ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحْضِرًا لِمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ الِاسْتِئْجَارُ لِلْأَذَانِ بِشَرْطِ أَنْ يَذْكُرَ مُدَّةً وَأُجْرَةً مَعْلُومَتَيْنِ نَعَمْ إنْ قَالَ الْإِمَامُ اسْتَأْجَرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَحَّ وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا أَوْ يَقِفَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُنَاكَ مُتَبَرِّعٌ، وَتَدْخُلُ الْإِقَامَةُ فِي الْإِجَارَةِ لِلْأَذَانِ وَلَا يَصِحُّ إفْرَادُهَا بِأُجْرَةٍ لِعَدَمِ الْكُلْفَةِ فِيهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَمْيِيزٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ اعْتِمَادًا عَلَى أَذَانِهِ وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ لِغَيْرِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَفِيهِمْ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وَأَمَّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَيَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُحْسِنُهَا وَعَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ: وَلِغَيْرِ نِسَاءٍ ذُكُورَةٌ) اُنْظُرْ هَلْ ذَلِكَ مُطْلَقٌ أَيْ وَلَوْ فِي أَذَانٍ نَحْوُ الْمَوْلُودِ مِمَّا يُطْلَبُ لَهُ الْأَذَانُ كَخَلْفِ الْمُسَافِرِ أَوْ لَا قُوَّةُ كَلَامِهِمْ تُشْعِرُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ بَلْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ أَيْ الْأَذَانَ شَرْعًا أَقْوَالٌ مَخْصُوصَةٌ تُعْرَفُ بِهَا أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِأَذَانٍ فَلْيُرَاجَعْ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ كَافِرٍ) وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ وَيَسْتَأْنِفُ مَا مَضَى نَعَمْ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ عِيسَوِيٍّ وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ وَهُوَ مِنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْيَهُودِ يُنْسَبُونَ إلَى ابْنِ عِيسَى إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصْبَهَانِيِّ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرْسِلَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ اعْتَقَدَ رِسَالَتَهُ وَنُبُوَّتَهُ لَزِمَهُ تَصْدِيقُهُ خُصُوصًا وَقَدْ قَالَ أُرْسِلْت إلَى كَافَّةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ لِرِجَالٍ وَخَنَاثَى) الْمُتَبَادِرُ مِنْ السِّيَاقِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ أَذَّنَتْ لِلرِّجَالِ الْمُرِيدِينَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَذَانُهَا خَلْفَ الْمُسَافِرِ وَلَوْ رَجُلًا وَلَا فِيمَا لَوْ تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُشْرَعُ فِيهِ الْأَذَانُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي حُرْمَةِ أَذَانِهَا أَنَّهُ مِنْ وَظَائِفِ الرِّجَالِ وَفِي فِعْلِهَا لَهُ تَشَبُّهٌ بِهِمْ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي مِنْ وَظَائِفِهِمْ الْأَذَانُ لِلصَّلَاةِ لَا مُطْلَقًا أَمَّا عَلَى التَّعْلِيلِ بِحُرْمَةِ نَظَرِهِمْ إلَيْهَا فَمُقْتَضَاهُ حُرْمَةُ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يُسَنُّ النَّظَرُ لِلْمُؤَذِّنِ حَيْثُ أَذَّنَ لِلصَّلَاةِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا ز ي بِالدَّرْسِ حُرْمَةُ أَذَانِهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَنَّ م ر سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ.
فَأَجَابَ بِأَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهَا لَا تُؤَذِّنُ اهـ وَمَا نُقِلَ عَنْ م ر لَا يُفِيدُ حُرْمَةَ أَذَانِهَا، وَإِنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ طَلَبِهِ مِنْهَا لِتِلْكَ الْأَحْوَالِ وَعَدَمُ الطَّلَبِ لَا يَسْتَدْعِي الْحُرْمَةَ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَخَنَاثَى) قَضِيَّتُهُ امْتِنَاعُ أَذَانِ وَإِقَامَةِ الْخُنْثَى لِلْخَنَاثَى فَلْيُتَأَمَّلْ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ إلَّا أَنْ يَخُصَّ مَا تَقَدَّمَ بِمَا إذَا اجْتَمَعَ الْخُنْثَى مَعَ النِّسَاءِ وَقَوْلُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا ذُكُورَةٌ أَيْ بَلْ يُشْتَرَطُ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمُؤَذِّنُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَضِيَّةُ مَا هُنَا أَنَّهُ يَصِحُّ أَذَانُ الْمَرْأَةِ لِلنِّسَاءِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِقَدْرِ مَا يَسْمَعْنَ لَمْ يُكْرَهْ وَكَانَ ذِكْرُ اللَّهِ أَيْ فَهُوَ لَيْسَ بِأَذَانٍ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ رَفْعٌ حَرُمَ إنْ كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى الرَّفْعِ مَعَ عَدَمِ أَجْنَبِيٍّ وَيَكُونُ جَارِيًا عَلَى طَرِيقَتِهِ هُوَ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَدْ وَقَعَ لِكَثِيرٍ التَّوَقُّفُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: أَيْ الْإِسْرَاعُ بِهَا) إذْ أَصْلُ الْإِدْرَاجِ الطَّيُّ وَمِنْهُ إدْرَاجُ الْمَيِّتِ فِي أَكْفَانِهِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِإِدْخَالِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ فِي بَعْضٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَرْتِيلُهُ) يُسْتَثْنَى التَّكْبِيرُ، فَإِنَّهُ يَجْمَعُ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ فِي نَفَسٍ لِخِفَّةِ لَفْظِهِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْبُرُلُّسِيِّ عَلَى الْمَحَلِّيِّ اهـ سم عَلَى حَجّ وَقَوْلُهُ فِي نَفَسٍ قَالَ حَجّ أَيْ مَعَ وَقْفَةٍ لَطِيفَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَقِفْ فَالْأَوْلَى الضَّمُّ وَقِيلَ الْفَتْحُ اهـ ع ش عَلَى م ر وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَالْقِيَاسُ ضَمُّ رَاءِ أَكْبَرَ الْأُولَى وَالْقَوْلُ بِفَتْحِهَا أَمْرٌ غَيْرُ صَحِيحٍ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ تَبَعًا لِلْمُبَرِّدِ وَمَا عَلَّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: أَيْ التَّأَنِّي فِيهِ) وَهُوَ أَنْ يَأْتِي بِكُلِّ كَلِمَةٍ فِي نَفَسٍ إلَّا التَّكْبِيرَ، فَإِنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ فِي نَفَسٍ لِخِفَّةِ لَفْظِهِ وَيُزَادُ مَعَ ذَلِكَ امْتِدَادُ الْحُرُوفِ وَتَطْوِيلُهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَرْجِيعٌ فِيهِ) وَحِكْمَتُهُ تَدَبُّرُ كَلِمَتَيْ الْإِخْلَاصِ لِكَوْنِهِمَا الْمُنْجِيَتَيْنِ مِنْ الْكُفْرِ الْمُدْخِلَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَذَكُّرُ خَفَاءَهُمَا فِي أَوَّلِهِ ثُمَّ ظُهُورَهُمَا؛ لِأَنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ إلَخْ) وَيَأْتِي بِالْأَرْبَعِ وَلَاءً قَالَ فِي الْعُبَابِ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا سِرًّا أَوَّلًا أَتَى بِهِمَا بَعْدَ الْجَهْرِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: بِخَفْضِ
(1/304)
الصَّوْتِ قَبْلَ إعَادَتِهِمَا بِرَفْعِهِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لِلثَّانِي وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَهُمَا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ رَجَعَ إلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بَعْدَ أَنْ تَرَكَهُ أَوْ إلَى الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِهِمَا (وَتَثْوِيبٌ) بِمُثَلَّثَةٍ مِنْ ثَابَ إذَا رَجَّعَ (فِي) أَذَانَيْ (صُبْحٍ) لِوُرُودِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ وَخَرَجَ بِالصُّبْحِ مَا عَدَاهَا فَيُكْرَهُ فِيهِ التَّثْوِيبُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (وَقِيَامٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى عَالٍ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ» وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَوَضَعَ مُسَبِّحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الصَّوْتِ) الْمُرَادُ بِخَفْضِهِ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ بِقُرْبِهِ أَوْ أَهْلَ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهِمْ وَالْمَسْجِدُ مُتَوَسِّطُ الْخُطَّةِ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمَا ذُكِرَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْإِسْرَارِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْجَهْرِ اهـ شَرْحُ م ر، وَإِذَا عَلِمْت الْمُرَادَ بِالسِّرِّ سَقَطَ مَا أَوْرَدَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الضَّعِيفَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْجَهْرِ أَوْ لِمَجْمُوعِ السِّرِّ وَالْجَهْرِ وَحَاصِلُ الْإِيرَادُ أَنَّ التَّرْجِيعَ سُنَّةٌ فِي الْأَذَانِ لَا مِنْهُ وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْجَهْرَ لَمْ يَبْطُلْ الْأَذَانُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ الْتِزَامُ أَنَّهُ لَوْ أُسْقِطَ الْجَهْرُ لَمْ يَبْطُلْ الْأَذَانُ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ كَافٍ فِي صِحَّةِ الْأَذَانِ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْمُرَادِ بِالسِّرِّ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَوَّلِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلتَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَتَسْمِيَةُ الْأَوَّلِ بِهِ مَجَازٌ مِنْ تَسْمِيَةِ السَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ إذْ هُوَ سَبَبُ الرُّجُوعِ اهـ رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَتَثْوِيبٌ) بِيَاءٍ قَبْلَ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ تَثُوب بِإِسْقَاطِهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ ثَابَ إذَا رَجَّعَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ ثُمَّ عَادَ فَدَعَا إلَيْهَا بِذَلِكَ وَأَصْلُهُ أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مُسْتَصْرِخًا يُلَوِّحُ بِثَوْبٍ لِيُرَى فَسُمِّيَ الدُّعَاءُ تَثْوِيبًا لِذَلِكَ وَلِلْإِمَامِ أَحْمَدَ احْتِمَالٌ بِرُكْنِيَّتِهِ نَظَرًا لِأَصْلِهِ وَخَصَّ التَّثْوِيبَ بِالصُّبْحِ لِمَا يَعْرِضُ لِلنَّائِمِ مِنْ التَّكَاسُلِ بِسَبَبِ النَّوْمِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر وع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فِي أَذَانَيْ صُبْحٍ) أَيْ وَلَوْ فَائِتًا اهـ شَرْحُ م ر أَيْ فَيُثَوِّبُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ الْفَائِتِ أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ أَذَانَيْ الصُّبْحِ الْفَائِتِ وَيُوَالِي بَيْنَهُمَا اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ إلَخْ) وَلَا يَلْتَفِتَ فِيهِ اهـ شَرْحُ م ر أَيْ وَلَوْ تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِ الِالْتِفَاتِ عَدَمُ سَمَاعِ بَعْضِهِمْ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) أَيْ الْيَقَظَةُ لَهَا خَيْرٌ مِنْ رَاحَةِ النَّوْمِ أَيْ لَذَّتِهِ وَإِلَّا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ وَالنَّوْمُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيَامٌ فِيهِمَا) فَيُكْرَهُ لِلْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ أَشَدَّ كَرَاهَةً وَلِلرَّاكِبِ الْمُقِيمِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ لَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِحَاجَتِهِ لِلرُّكُوبِ لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يُؤَذِّنَ إلَّا بَعْدَ نُزُولِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لِلْفَرِيضَةِ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا تَرْكُ الِاسْتِقْبَالِ وَلَا الْمَشْيِ لِاحْتِمَالِهِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فَفِي الْأَذَانِ أَوْلَى وَالْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ فِيمَا ذُكِرَ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُجْزِئُ مِنْ الْمَاشِي، وَإِنْ بَعُدَ عَنْ مَحَلِّ ابْتِدَائِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ آخِرَهُ مِنْ سَمِعَ أَوَّلَهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ فَعَلَهُمَا لِغَيْرِهِ كَأَنْ كَانَ ثَمَّ مَعَهُ مَنْ يَمْشِي وَفِي مَحَلِّ ابْتِدَائِهِ غَيْرُهُ اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَبْعُدَ عَنْ مَحَلِّ ابْتِدَائِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ آخِرَهُ مَنْ سَمِعَ أَوَّلَهُ وَإِلَّا لَمْ يُجِزْهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ فِي مَحَلِّ ابْتِدَائِهِ كَمَا فِي الْمُقِيمِ اهـ شَرْحُ م ر وَيُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ وَهُوَ يَمْشِي اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ قَيْدٌ فِي الْإِقَامَةِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْأَذَانُ فَيُطْلَبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى عَالٍ مُطْلَقًا.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى عَالٍ كَمَنَارَةٍ وَسَطْحٍ لِلِاتِّبَاعِ وَلِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا ذَلِكَ إلَّا إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِكِبَرِ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي الْبَحْرِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ مَنَارَةٌ سُنَّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى الْبَابِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى سَطْحِهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى عَالٍ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ وَيَدُلُّ لَهُ قُوَّةٌ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا ذَلِكَ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَأَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ قَائِمًا وَعَلَى عَالٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ انْتَهَتْ.
وَظَاهِرُهُ رُجُوعُ الْقَيْدِ لِكُلٍّ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى قَوْلِ الشَّارِحِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ وَالْأَقْرَبُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ وَالْغَرَضُ بِهِ إظْهَارُ الشَّعَائِرِ وَكَوْنُهُ عَلَى عَالٍ أَظْهَرُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ.
وَفِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ م ر وَلَا يَدُورُ عَلَيْهِ، فَإِنْ دَارَ كَفَى إنْ سَمِعَ آخِرَ أَذَانِهِ مَنْ سَمِعَ أَوَّلَهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَوَضَعَ مِسْبَحَتَيْهِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيُسَنُّ لِلْمُؤَذِّنِ جَعْلُ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ لِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِ بِلَالٍ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ أُنْمُلَتَا سَبَّابَتَيْهِ وَلِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلصَّوْتِ وَبِهِ يَسْتَدِلُّ الْأَصَمُّ أَوْ مَنْ هُوَ عَلَى بُعْدٍ عَلَى كَوْنِهِ أَذَانًا فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي الْإِعْلَامِ فَيُجِيبُ إلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ لَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ بِالْقَوْلِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا يُسَنُّ فِيهَا ذَلِكَ وَلَوْ تَعَذَّرَتْ إحْدَى يَدَيْهِ لِعِلَّةِ جَعْلِ السَّلِيمَةِ فَقَطْ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْعَلِيلَةُ سَبَّابَتَيْهِ فَيَظْهَرُ جَعْلُ غَيْرِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ أَصَابِعِهِ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ مِنْ بَقِيَّةِ أَصَابِعِهِ قَضِيَّتُهُ اسْتِوَاؤُهَا فِي حُصُولِ السُّنَّةِ بِكُلٍّ مِنْهَا وَأَنَّهُ لَوْ فُقِدَتْ أَصَابِعُهُ الْكُلُّ لَمْ يَضَعْ الْكَفَّ وَفِي
(1/305)
فِي الْأَذَانِ (وَ) تَوَجُّهٌ (لِقِبْلَةٍ) لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَلِأَنَّ تَوَجُّهَهَا هُوَ الْمَنْقُولُ سَلَفًا وَخَلَفًا وَذَكَرَ سَنَّ الْقِيَامِ وَالتَّوَجُّهِ فِي الْإِقَامَةِ مَعَ جَعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً مِنْ زِيَادَتِي وَكَذَا قَوْلِي (وَأَنْ يَلْتَفِتَ بِعُنُقِهِ فِيهِمَا يَمِينًا مَرَّةً فِي حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) مَرَّتَيْنِ فِي الْأَذَانِ وَمَرَّةً فِي الْإِقَامَةِ (وَشِمَالًا مَرَّةً فِي حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلِ صَدْرِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَقَدَمَيْهِ عَنْ مَكَانِهِمَا لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْأَذَانِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقِيسَ بِهِ الْإِقَامَةُ وَاخْتُصَّ الِالْتِفَاتُ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا خِطَابُ آدَمِيٍّ كَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا (وَ) أَنْ (يَكُونَ كُلٌّ) مِنْ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ (عَدْلًا) فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بِذَلِكَ (صَيِّتًا) أَيْ عَالِيَ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (حَسَنَ الصَّوْتِ) لِأَنَّهُ أَبْعَثُ عَلَى الْإِجَابَةِ بِالْحُضُورِ
(وَكُرِهَا) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (مِنْ فَاسِقٍ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ (وَصَبِيٍّ) كَالْفَاسِقِ (وَأَعْمَى وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَغْلَطُ فِي الْوَقْتِ وَذِكْرُ الثَّلَاثَةِ مِنْ زِيَادَتِي (وَمُحْدِثٍ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
حَاشِيَةِ سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ سَبَّابَتَيْهِ فَلَوْ تَعَذَّرَا لِنَحْوِ فَقْدِهِمَا اتَّجَهَ جَعْلُ غَيْرِهِمَا مِنْ أَصَابِعِهِ بَلْ لَا يَبْعُدُ حُصُولُ أَصْلِ السُّنَّةِ بِجَعْلِ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرَا وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَالُوهُ فِي التَّشَهُّدِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ سَبَّابَتُهُ لَا يَرْفَعُ غَيْرَهَا أَنَّ غَيْرَ السَّبَّابَةِ طُلِبَ لَهُ صِفَةٌ يَكُونُ عَلَيْهَا، فَرَفَعَهَا بَدَلَ السَّبَّابَةِ يُفَوِّتُ صِفَتُهَا بِخِلَافِهِ هُنَا اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَتَوَجَّهَ لِقِبْلَةٍ) فَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِهِ اهـ شَرْحُ م ر.
وَيُكْرَهُ التَّوَجُّهُ لِغَيْرِهَا فِي الْمُنْفَرِدِ مُطْلَقًا وَفِي غَيْرِهِ إلَّا إنْ تَوَقَّفَ الْإِعْلَامُ عَلَى تَرْكِهَا كَالدَّوَرَانِ حَوْلَ الْمَنَارَةِ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ وَيَكُونُ دَوَرَانُهُ حَوْلَهَا لِجِهَةِ يَمِينِ الْمُؤَذِّنِ حَالَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ كَمَا أَنَّ الطَّوَافَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَكْسُ مَا هُنَا فِي الصُّورَةِ وَكَدَوَرَانِ دَابَّةِ الرَّحَى وَالسَّاقِيَّةِ وَالدَّرَّاسَةِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ يَمِينِهَا مُسْتَقْبِلًا لَهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ لِجِهَةِ يَمِينِ الْمُؤَذِّنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا دَارَ لِجِهَةِ يَمِينِهِ كَانَتْ الْمَنَارَةُ عَنْ يَمِينِهِ عَكْسُ دَوَرَانِ دَابَّةِ الرَّحَا وَالسَّاقِيَّةِ فَقَوْلُهُ كَمَا أَنَّ الطَّوَافَ كَذَلِكَ أَيْ يَكُونُ الدَّوَرَانُ فِيهِ لِجِهَةِ يَمِينِ الطَّائِفِ لَكِنْ بِالنَّظَرِ لِحَالَةِ وُقُوفِهِ وَاسْتِقْبَالِهِ لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَتَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جِهَةُ يَمِينِهِ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ إذَا انْفَتَلَ وَدَارَ فَيَكُونُ الْبَيْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَظَهَرَ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَيْ دَوَرَانُ الطَّائِفِ عَكْسُ مَا هُنَا أَيْ دَوَرَانِ الْمُؤَذِّنِ فِي الصُّورَةِ وَقَوْلُهُ وَكَذَا دَوَرَانُ إلَخْ أَيْ دَوَرَانُ الْمُؤَذِّنِ عَكْسُ دَوَرَانِ دَابَّةِ الرَّحَى أَيْضًا وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَنْ يَمِينِهَا إلَخْ لَمْ أَفْهَمْهُ هَذَا مَا فَهِمْته مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ:، وَأَنْ يَلْتَفِتْ بِعُنُقِهِ إلَخْ) اُنْظُرْ وَجْهَ الْإِتْيَانِ بِهِ مَصْدَرًا مُؤَوَّلًا وَهَلَّا أَتَى بِهِ كَسَابِقِهِ مَصْدَرًا صَرِيحًا لَا يُقَالُ أَتَى بِهِ كَذَلِكَ لِيَعْطِفَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَا صَرِيحًا يَأْتِي بِأَنْ بَعْدَهُ مَعَ رِعَايَةِ الِاخْتِصَارِ هُنَا تَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ مَرَّتَيْنِ) حَالٌ مِنْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ قَائِلًا ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ إلَخْ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا) وَمِنْهُ التَّثْوِيبُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَفَارَقَ كَرَاهَةَ الِالْتِفَاتِ فِي الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِ الْغَائِبِينَ وَالِالْتِفَاتُ أَبْلَغُ وَالْخُطْبَةُ لِوَعْظِ الْحَاضِرِينَ فَالْأَدَبُ أَنْ لَا يُعْرِضَ عَنْهُمْ فَلَا يَرِدُ نَدْبُ الِالْتِفَاتِ فِي الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا الْإِعْلَامُ فَلَيْسَ فِيهِ تَرْكُ أَدَبٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: عَدْلًا فِي الشَّهَادَةِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر عَدْلُ رِوَايَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِأَصْلِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا كَمَالُهَا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ كَوْنُهُ عَدْلَ شَهَادَةٍ وَبِهِ يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامِ الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ عَلَى الزَّبْدِ وَكَلَامِ شَيْخِهِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ وَيُكْرَهُ تَمْطِيطُ الْأَذَانِ أَيْ تَمْدِيدُهُ وَالتَّغَنِّي بِهِ أَيْ التَّطْرِيبُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ وَلَدِ مُؤَذِّنِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبِي مَحْذُورَةَ وَسَعْدٍ الْقُرَظِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ أَوْلَادِ مُؤَذِّنِي أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَمِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ مَكَانِ الْأَذَانِ لِلْإِقَامَةِ وَلَا يُقِيمُ وَهُوَ يَمْشِي وَأَنْ يَفْصِلَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي مَحَلِّ الصَّلَاةِ وَبِقَدْرِ فِعْلِ السُّنَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَيَفْصِلُ فِي الْمَغْرِبِ بَيْنَهُمَا بِنَحْوِ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ كَقُعُودٍ يَسِيرٍ لِضِيقِ وَقْتِهَا وَلِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا عَادَةً قَبْلَ وَقْتِهَا وَعَلَى تَصْحِيحِ الْمُصَنِّفِ مِنْ اسْتِحْبَابِ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَهَا يَفْصِلُ بِقَدْرِ أَدَائِهَا أَيْضًا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَصَبِيٍّ) أَيْ وَلَوْ مُرَاهِقًا وَمَعَ ذَلِكَ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَقَلَ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ اعْتِمَادَ الصَّبِيِّ فِي تَبْلِيغِ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَبُولِ خَبَرِهِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ وَهُوَ مَرْجُوحٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَعْمَى وَحْدَهُ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيُكْرَهُ أَذَانُ الْأَعْمَى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَصِيرٌ يَعْرِفُ الْوَقْتَ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَغْلَطُ فِي الْوَقْتِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُؤَذِّنُ بِقَوْلِ مُؤَقِّتٍ لَمْ يُكْرَهْ اهـ ح ل وَفِي الْمُخْتَارِ غَلِطَ فِي الْأَمْرِ مِنْ بَابِ طَرِبَ اهـ (قَوْلُهُ: وَمُحْدِثٌ) إلَّا إذَا أَحْدَثَ فِي الْأَثْنَاءِ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ إكْمَالُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُهُ لِيَتَوَضَّأَ نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا صُورَةٌ وَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الْأَذَانُ لِلْمُحْدِثِ اهـ ح ل وَمِثْلُ الْمُحْدِثِ ذُو نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بِصِفَةِ الْمُصَلِّي وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَبْعُدُ الْتِزَامُهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَالْمُرَادُ بِالْمُحْدِثِ مَنْ لَا تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ فَلَا يُكْرَهَانِ مِنْ مُتَيَمِّمٍ اهـ شَرْحُ م ر وَلَا مِنْ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ فَلَا يُكْرَهُ بِدَلِيلِ طَلَبِ نَحْوِ السُّورَةِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ
(1/306)
«لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ» وَقِيسَ بِالْأَذَانِ الْإِقَامَةُ (وَ) الْكَرَاهَةُ (لِجُنُبٍ أَشَدُّ) مِنْهَا لِلْمُحْدِثِ لِغِلَظِ الْجَنَابَةِ (وَ) هِيَ (فِي إقَامَةٍ) مِنْهُمَا (أَغْلَظُ) مِنْهَا فِي أَذَانِهِمَا لِقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ.
(وَهُمَا) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ أَيْ مَجْمُوعُهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ فِي الْأَصْلِ كَغَيْرِهِ عَلَى الْأَذَانِ (أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَذَانُهُ لِتَأْدِيَةِ الشَّعَائِرِ كُرِهَ أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِهِ فَتَدَبَّرْ انْتَهَتْ، وَأَمَّا غَيْرُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ فَلَا يُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ لَا يُكْرَهُ لَهُ فَبَقِيَّةُ الْأَذْكَارِ أَوْلَى وَفِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَلَا يُكْرَهُ الذِّكْرُ لِلْمُحْدِثِ بَلْ وَلَا لِلْجُنُبِ اهـ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إجَابَةُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِلْمُؤَذِّنِ اهـ سم عَلَى حَجّ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَمُحْدِثٌ) أَيْ وَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِأَنَّهُ دَاعٍ إلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ وَلَوْ لِنَفْسِهِ اهـ سم.
(قَوْلُهُ: لِغِلَظِ الْجَنَابَةِ) أَيْ وَلِأَنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجُنُبُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ فَوْقَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُحْدِثُ وَيَكْفِي أَذَانُ الْجُنُبِ بِمَسْجِدٍ وَمَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِمَعْنًى خَارِجٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: لِقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ إقَامَةَ الْمُحْدِثِ أَغْلَظُ مِنْ أَذَانِ الْجُنُبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ بِتَسَاوِيهِمَا اهـ ح ل وع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَجْمُوعُهُمَا إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْأَذَانَ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهَا الْإِقَامَةُ سَوَاءٌ قَامَ الْإِمَامُ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ انْضَمَّ إلَى الْأَذَانِ الْإِقَامَةُ أَوْ لَا خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، وَإِنَّمَا وَاظَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ عَلَى الْإِمَامَةِ وَلَمْ يُؤَذِّنُوا لِاشْتِغَالِهِمْ بِمُهِمَّاتِ الدِّينِ الَّتِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُمْ فِيهَا مَقَامَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ أَفْضَلَ مَعَ كَوْنِهِ سُنَّةً وَالْجَمَاعَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَفْضُلُ الْفَرْضَ كَرَدِّ السَّلَامِ مَعَ ابْتِدَائِهِ وَابَرَاءِ الْمُعْسِرِ، وَإِنْظَارِهِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ وَالثَّانِيَ فَرْضٌ عَلَى أَنَّ مَرْجُوحِيَّةَ الْإِمَامَةِ لَيْسَتْ مِنْ جِهَةِ الْجَمَاعَةِ بَلْ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِ كَوْنِهَا مَظِنَّةَ التَّقْصِيرِ وَأَيْضًا فَالْجَمَاعَةُ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إمَامَةَ الْجُمُعَةِ فَالْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْهَا أَيْضًا وَيَظْهَرُ أَنَّ إمَامَتَهَا أَفْضَلُ مِنْ خُطْبَتِهَا وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ الْأَذَانِ عَلَى إمَامَتِهَا تَفْضِيلُهُ عَلَى خُطْبَتِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيُسَنُّ لِلْمُتَأَهِّلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مُتَطَوِّعًا بِهِ، فَإِنْ أَبَى رَزَقَهُ الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَهُوَ يَجِدُ مُتَبَرِّعًا، فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ فَاسِقٌ وَثَمَّ أَمِينٌ أَوْ أَمِينٌ وَثَمَّ أَمِينٌ أَحْسَنُ صَوْتًا مِنْهُ وَأَبَى الْأَمِينُ فِي الْأُولَى وَالْأَحْسَنُ صَوْتًا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا بِالرِّزْقِ رَزَقَهُ الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ حَاجَتِهِ بِقَدْرِهَا أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ.
وَيَجُوزُ لِلْوَاحِدِ مِنْ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ مَالِهِ وَأَذَانُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ فَيَزِيدُ ثَوَابُهُ عَلَى ثَوَابِ غَيْرِهِ وَلِكُلٍّ مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ وَالْأُجْرَةُ عَلَى جَمِيعِهِ وَيَكْفِي الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ إنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِجَارَةِ وَتَدْخُلُ الْإِقَامَةُ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْأَذَانِ ضِمْنًا فَيَبْطُلُ إفْرَادُهَا بِإِجَارَةٍ إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا وَفِي الْأَذَانِ كُلْفَةٌ لِرِعَايَةِ الْوَقْتِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ بِصَافِيَةٍ عَنْ الْإِشْكَالِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَذَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَذَانَ فِيهِ مَشَقَّةُ الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ وَمُرَاعَاةُ الْوَقْتِ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ. الثَّانِي أَنَّ الْأَذَانَ يَرْجِعُ لِلْمُؤَذِّنِ وَالْإِقَامَةُ لَا تَرْجِعُ لِلْمُقِيمِ بَلْ تَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ أَيْ إمَامِ الْمَسْجِدِ بَلْ فِي صِحَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ خِلَافٌ وَشَرْطُ الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مُفَوَّضًا لِلْأَجِيرِ وَلَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الْإِتْيَانِ بِالْإِقَامَةِ لِتَعَلُّقِ أَمْرِهَا بِالْإِمَامِ فَكَيْفَ يَسْتَأْجِرُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ وَكَيْفَ تَصِحُّ إجَارَةُ عَيْنٍ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ وَأَنْ لَا يَكْتَفِيَ أَهْلُ الْمَسَاجِدِ الْمُتَقَارِبَةِ بِأَذَانِ بَعْضِهِمْ بَلْ يُؤَذِّنُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَيُكْرَهُ خُرُوجُ الْمُؤَذِّنِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ الْأَذَانِ مِنْ مَحَلِّ الْجَمَاعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ إلَّا لِعُذْرٍ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ وَقْتَ الْأَذَانِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْمُؤَذِّنِ وَوَقْتَ الْإِقَامَةِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْإِمَامِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ» وَلِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْوَقْتِ فَيَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الْمُرَاصِدِ لَهُ وَهُوَ الْمُؤَذِّنُ وَهِيَ لِلْقِيَامِ إلَى الصَّلَاة فَلَا تُقَامُ إلَّا بِإِشَارَتِهِ أَيْ الْإِمَامِ، فَإِنْ أُقِيمَتْ بِغَيْرِ إشَارَتِهِ أَجْزَأَتْ وَلَا إثْمَ عَلَى الْفَاعِلِ وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ لِغَيْرِهِ أَيْ لِغَيْرِ نَفْسِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُنَاكَ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا، وَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ صَحَّ
(1/307)
قَالُوا لِخَبَرٍ «لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّهُ لِإِعْلَامِهِ بِالْوَقْتِ أَكْثَرُ نَفْعًا مِنْهَا
(وَسُنَّ مُؤَذِّنَانِ لِمُصَلَّى) مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَيُؤَذِّنُ وَاحِدٌ) لِلصُّبْحِ (قَبْلَ فَجْرٍ) بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ (وَآخَرُ بَعْدَهُ) لِخَبَرِ «أَنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ» السَّابِقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدًا أَذَّنَ لَهَا الْمَرَّتَيْنِ نَدْبًا أَيْضًا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَوْلِي لِمُصَلًّى أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ لِمَسْجِدٍ (و) سُنَّ (لِسَامِعِهِمَا) أَيْ لِسَامِعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُحْسِنُهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ انْتَهَتْ.
وَقَوْلُهُ وَالْأُجْرَةُ عَلَى جَمِيعِهِ أَيْ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ أَخَلَّ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ فِي الْمُسَمَّى بِقِسْطِهِ أَمَّا لَوْ أَخَلَّ بِبَعْضِ كَلِمَاتِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي أَخَلَّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ بِتَرْكِ كَلِمَةٍ مِنْهُ أَوْ بَعْضِهَا بَطَلَ الْأَذَانُ بِجُمْلَتِهِ وَقَوْلُهُ وَتَدْخُلُ الْإِقَامَةُ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْأَذَانِ أَيْ فَلَوْ تَرَكَهَا سَقَطَ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يُقَابِلُهَا وَأَمَّا مَا اُعْتِيدَ مِنْ فِعْلِ الْمُؤَذِّنِينَ مِنْ التَّسْبِيحَاتِ وَالْأَدْعِيَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي الْإِجَارَةِ فِي الْأَذَانِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ لَا يَسْقُطَ مِنْ أُجْرَتِهِ لِلْأَذَانِ شَيْءٌ وَقَوْلُهُ إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا كُلْفَةٌ كَأَنْ احْتَاجَ إلَى سَمَاعِ النَّاسِ إلَى صُعُودِ مَحَلٍّ عَالٍ فِي صُعُودِهِ مَشَقَّةٌ أَوْ مُبَالَغَةٌ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ وَالتَّأَنِّي فِي الْكَلِمَاتِ لِيَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنْ سَمَاعِهِ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ لَهَا اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: قَالُوا لِخَبَرِ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إلَخْ) إنَّمَا أَسْنَدَهُ لَهُمْ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ الشَّهَادَةِ لَهُ فَضْلُ الْأَذَانِ عَلَى الْإِمَامَةِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ اهـ ع ش وَكُلٌّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ خَاصٌّ بِالْأَذَانِ فَهَذَا الِاسْتِدْلَال ظَاهِرٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْمِنْهَاجِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ أَنَّ الْأَذَانَ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ لَا عَلَى طَرِيقَةِ الشَّارِحِ الضَّعِيفَةِ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ مِنْ الْإِمَامَةِ إنَّمَا هُوَ مَجْمُوعُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ مُؤَذِّنَانِ لِمُصَلَّى) لَعَلَّ الْمُرَادَ يُؤَذِّنَانِ عَلَى التَّنَاوُبِ هَذَا فِي وَقْتٍ وَهَذَا فِي آخَرَ لَمْ يَتَّسِعْ الْمَسْجِدُ؛ لِأَنَّهُمَا يُؤَذِّنَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ فَيُؤَذِّنُ وَاحِدٌ إلَخْ مِنْ جُمْلَةِ فَوَائِدِ التَّعَدُّدِ لَا أَنَّ هَذَا فَائِدَةُ التَّعَدُّدِ فَقَطْ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمِنْ جُمْلَةِ فَوَائِدِ التَّعَدُّدِ أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ إلَخْ انْتَهَتْ ثُمَّ قَالَ وَتُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَيَتَرَتَّبُونَ فِي أَذَانِهِمْ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَالْمَسْجِدُ كَبِيرٌ تَفَرَّقُوا فِي أَقْطَارِهِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي قُطْرٍ، وَإِنْ صَغُرَ اجْتَمَعُوا إنْ لَمْ يُؤَدِّ اجْتِمَاعُهُمْ إلَى اضْطِرَابٍ وَاخْتِلَاطٍ وَيَقِفُونَ عَلَيْهِ كَلِمَةً كَلِمَةً، فَإِنْ أَدَّى إلَى تَشْوِيشٍ أَذَّنَ بَعْضُهُمْ بِالْقُرْعَةِ إذَا تَنَازَعُوا نَعَمْ لَنَا صُورَةٌ يُسْتَحَبُّ فِيهَا اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْأَذَانِ مِنْ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ وَهِيَ أَذَانُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَسَبَبُهُ التَّطْوِيلُ عَلَى الْحَاضِرِينَ، فَإِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَالِبًا سِيَّمَا مَنْ امْتَثَلَ وَبَكَّرَ لَكِنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ السُّنَّةَ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاحِدًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَعِنْدَ التَّرْتِيبِ لَا يَتَأَخَّرُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ لِئَلَّا يَذْهَبَ أَوَّلُ الْوَقْتِ اهـ (وَقَوْلُهُ: فَيُؤَذِّنُ وَاحِدٌ قَبْلَ فَجْرٍ إلَخْ) وَهُوَ أَيْ الْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ مَا لَمْ يَكُنْ الرَّاتِبُ غَيْرَهُ فَيَكُونُ الرَّاتِبُ أَوْلَى اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَلِسَمَاعِهِمَا مِثْلَ قَوْلِهِمَا) شَمِلَ السَّامِعَ الْمُجَامِعَ وَقَاضِيَ الْحَاجَةِ غَيْرَ أَنَّهُمَا إنَّمَا يُجِيبَانِ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ عُرْفًا وَإِلَّا لَمْ تُسْتَحَبَّ لَهُمَا الْإِجَابَةُ وَمَنْ فِي صَلَاةٍ لَكِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ اسْتِحْبَابِ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّهِ بَلْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ، فَإِنْ قَالَ فِي التَّثْوِيبِ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ أَوْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَبْطُلُ بِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي يَقْرَأُ فِي الْفَاتِحَةِ فَأَجَابَهُ قَطَعَ مُوَالَاتَهَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ وَنَحْوُهُ فِي ذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ سُنَّ لَهُ الْإِجَابَةُ وَقَطْعُ مَا هُوَ فِيهِ، أَوْ فِي طَوَافٍ إجَابَةُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَهَا بِأَنْ لَا يُقَارِنَهُ وَلَا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ الْإِجْزَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْ حَالَةِ الْمُقَارَنَةِ وَالتَّأَخُّرِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ التَّقَدُّمِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْعِمَادِ مِنْ عَدَمِ حُصُولِ سُنَّةِ الْإِجَابَةِ فِي حَالَةِ الْمُقَارَنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ الْكَامِلَةِ وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ اسْتِحْبَابِ الْإِجَابَةِ إذَا عَلِمَ بِأَذَانِ غَيْرِهِ أَيْ أَوْ إقَامَتِهِ وَلَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِالسَّمَاعِ فِي خَبَرِ إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ قَالَ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ التَّرْجِيعَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْإِجَابَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ مَا تَسْمَعُونَ وَصَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِ الْإِجَابَةِ فِي جَمِيعِهِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ إلَّا بَعْضَهُ أَيْ الْأَذَانِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ قَالَ فِيهِ: وَإِذَا سَمِعَ مُؤَذِّنًا بَعْدَ مُؤَذِّنٍ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَصْلَ الْفَضِيلَةِ فِي الْإِجَابَةِ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ
(1/308)
الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ قَالُوا، وَلَوْ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ (مِثْلُ قَوْلِهِمَا) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَى» وَيُقَاسُ بِالْمُؤَذِّنِ الْمُقِيمُ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِي (إلَّا فِي حَيْعَلَاتٍ وَتَثْوِيبٍ وَكَلِمَتَيْ إقَامَةٍ فَيُحَوْلِقُ) فِي كُلِّ كَلِمَةٍ فِي الْأَوَّلِ بِأَنْ يَقُولَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «، وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ أَيْ سَامِعُهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» أَيْ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَتِهِ إلَّا بِمَعُونَتِهِ وَيُقَاسُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ مُتَأَكِّدٌ يُكْرَهُ تَرْكُهُ وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ إجَابَةَ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ إلَّا أَذَانَيْ الصُّبْحِ فَلَا أَفْضَلِيَّةَ فِيهِمَا لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَوُقُوعِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا أَذَانَيْ الْجُمُعَةِ لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الثَّانِي فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مَا إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ وَاخْتَلَطَتْ أَصْوَاتُهُمْ عَلَى السَّامِعِ وَصَارَ بَعْضُهُمْ يَسْبِقُ بَعْضًا.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُسْتَحَبُّ إجَابَةُ هَؤُلَاءِ وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إجَابَتُهُمْ اهـ شَرْحُ م ر وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَأَمَّا الْأَذَانُ الْأَوَّلُ فِي الْجُمُعَةِ فَقَدْ حَدَثَ فِي زَمَانِ الْإِمَامِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَلِسَمَاعِهِمَا) أَيْ وَلَوْ بِصَوْتٍ لَمْ يَفْهَمْهُ، وَإِنْ كُرِهَ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ إلَّا آخِرَهُ أَجَابَ الْجَمِيعُ مُبْتَدِئًا مِنْ أَوَّلِهِ وَيُجِيبُ فِي التَّرْجِيعِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَيَقْطَعْ نَحْوَ الطَّائِفِ وَالْقَارِئِ مَا هُوَ فِيهِ وَيَتَدَارَكُ مَنْ تَرَكَ الْمُتَابَعَةَ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ وَفَارَقَ تَكْبِيرَ الْعِيدِ الْمَشْرُوعِ عَقِبَ الصَّلَاةِ حَيْثُ يَتَدَارَكُ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بِأَنَّ الْإِجَابَةَ تَنْقَطِعُ مَعَ الطُّولِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَلَوْ تَرَتَّبَ مُؤَذِّنُونَ أَجَابَ الْكُلُّ مُطْلَقًا، فَإِنْ أَذَّنُوا مَعًا كَفَتْ إجَابَةٌ وَاحِدَةٌ وَخَرَجَ بِسَمَاعِهِمَا نَفْسُهُمَا وَالْأَصَمُّ فَلَا يُسَنُّ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَا تُسَنُّ إجَابَةُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي أُذْنَيْ الْمَوْلُودِ وَلَا عِنْدَ تَغَوُّلِ الْغِيلَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ ثَنَّى الْإِقَامَةَ حَنَفِيٌّ أُجِيبَ مَثْنَى وَبِهِ صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ م ر اهـ بِرْمَاوِيٌّ (فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ فَفِي الْعُبَابِ تَبَعًا لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو شُكَيْلٍ أَنَّهُ يُجِيبُ قَائِمًا ثُمَّ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ بِخِفَّةٍ لِيَسْمَعَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ اهـ سم عَلَى حَجّ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُصَلِّي ثُمَّ يُجِيبُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا؛ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ لَا تَفُوتُ بِطُولِ الْفَصْلِ مَا لَمْ يُفْحِشْ الطُّولَ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِالْإِجَابَةِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا تَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إذَا طَالَ الْفَصْلُ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: قَالُوا وَلَوْ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر، وَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نَحْوَهُمَا خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يُجِيبَانِ انْتَهَتْ وَلَعَلَّ حِكْمَةَ التَّبَرِّي احْتِمَالُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدُ لِلتَّخْصِيصِ بِغَيْرِ الْجُنُبِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ» اهـ ع ش (قَوْلُهُ أَيْضًا قَالُوا وَلَوْ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ) كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَتَبْرَأُ مِنْهُ مِيلًا لِمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ إنَّ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ لَا يُجِيبَانِ وَقَالَ وَلَدُهُ لَا يُجِيبُ الْجُنُبُ وَتُجِيبُ الْحَائِضُ لِطُولِ أَمَدِهَا اهـ ح ل هَذَا وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ كَرَاهَةُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَهُمْ وَفَرَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ وَالْمُقِيمَ مُقَصِّرَانِ حَيْثُ لَمْ يَتَطَهَّرَا عِنْدَ مُرَاقَبَتِهِمَا الْوَقْتَ وَالْمُجِيبُ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إجَابَتَهُ تَابِعَةٌ لِأَذَانِ غَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ غَالِبًا وَقْتَ الْأَذَانِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ صَلُّوا) عَلَى تَتِمَّتِهِ، «فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» أَيْ وَجَبَتْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81] وَقِيلَ مِنْ الْحُلُولِ بِمَعْنَى النُّزُولِ لَا مِنْ الْحِلِّ بِكَسْرِ الْحَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً قَبْلَ ذَلِكَ يَعْنِي اسْتَحَقَّ شَفَاعَتِي مُجَازَاةً لِدُعَائِهِ وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَجَابَتْ الْأَذَانَ أَوْ الْإِقَامَةَ كَانَ لَهَا بِكُلِّ حَرْفٍ أَلْفُ أَلْفِ دَرَجَةٍ وَلِلرَّجُلِ ضِعْفُ ذَلِكَ» اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَيُحَوْلِقُ) تَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ عَلَى لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ وَالْمَشْهُورُ الْحَوْقَلَةُ لِتَرَكُّبِهِ مِنْ جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْكَلِمَةِ بِتَرْتِيبِهَا وَتِلْكَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَوْلٍ وَقُوَّةٍ فَقَطْ أَوْ مِنْ الْكُلِّ لَكِنْ فِيهِ إخْلَالٌ بِالتَّرْتِيبِ وَهُوَ مَعِيبٌ وَهَلْ تُسَنُّ إجَابَةُ " الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ " أَوْ لَا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُسَنُّ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَيُجِيبُ بِلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ كَلِمَةٍ) أَيْ مِنْ الْحَيْعَلَاتِ وَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى بَابِهَا فَلَا يَلْزَمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ اهـ شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الْأَكْمَلِ، فَإِنْ قَارَنَهُ كَفَى وَيَقُولُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَوَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَكْثِرُوا مِنْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، فَإِنَّ ذِكْرَهَا يَدْفَعُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ دَاءً أَدْنَاهَا اللَّمَمُ» وَعَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ مَنْ قَالَهَا كَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْبَلَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ الْهَمِّ أَدْنَاهَا الْفَقْرُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ اللَّمَمُ طَرَفٌ مِنْ الْجُنُونِ اهـ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ إلَخْ) أَيْ وَلِأَنَّ الْحَيْعَلَتَيْنِ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الْمُؤَذِّنِ إذْ لَوْ قَالَهُ السَّامِعُ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ دُعَاةً فَمَنْ الْمُجِيبُ فَسُنَّ لِلْمُجِيبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ مَحْضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ
(1/309)
بِالْأَذَانِ الْإِقَامَةُ قَالَ فِي الْمُهِّمَّاتِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ السَّامِعَ يَقُولُ فِي قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَالْحَيْعَلَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَحَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَالْحَوْقَلَةُ مِنْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَيُقَالُ فِيهَا الْحَوْقَلَةُ (وَ) يَقُولُ فِي الثَّانِي (صَدَقْت وَبَرَرْت) مَرَّتَيْنِ لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَبَرَرْت بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ صِرْت ذَا بِرٍّ أَيْ خَيْرٍ كَثِيرٍ (وَ) فِي الثَّالِثِ (أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا وَجَعَلَنِي مِنْ صَالِحِي أَهْلِهَا) لِوُرُودِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد هَذَا مِنْ زِيَادَتِي وَالْقِيَاسُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مَرَّتَيْنِ.
(وَ) سُنَّ (لِكُلٍّ) مِنْ مُؤَذِّنٍ وَمُقِيمٍ وَسَامِعٍ وَمُسْتَمِعٍ (أَنْ يُصَلِّي وَيُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَرَاغِ) مِنْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَيُقَاسُ بِالسَّامِعِ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ) أَيْ عَلَى الْحَيْعَلَتَيْنِ بِجَامِعِ الْخِطَابِ فِي كُلٍّ وَقَوْلُهُ فِي قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ إلَخْ وَالْمُؤَذِّنُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي أَذَانِ الْعِشَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ أَوْ ذَاتِ الرِّيحِ أَوْ الظُّلْمَةِ بِنَحْوِ سَحَابٍ لَا بِعَدَمِ طُلُوعِ الْقَمَرِ كَمَا فِي أَوَاخِرِ الشُّهُورِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَهُوَ الْأَوْلَى أَوْ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ لَا بُدَّ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْأَذَانُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ مُطْلَقًا وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ فَيَقُولُ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ» .
(فَائِدَةٌ) مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ اللَّهُ أَكْبَرُ أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَوْ مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، وَأَشْهَدُ أَيْ أَعْلَمُ وَأُذْعِنُ وَأَتَيَقَّنُ، وَحَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ أَقْبِلُوا عَلَيْهَا، وَالْفَلَاحُ الْفَوْزُ وَالْبَقَاءُ أَيْ هَلُمُّوا إلَى سَبَبِ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَخَتَمَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِيَخْتِمَ بِالتَّوْحِيدِ وَبِاسْمِهِ تَعَالَى كَمَا بَدَأَ بِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ) وَيَقُولُ الْمُؤَذِّنُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) أَيْ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ بَعْضُ حُرُوفِهَا فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْحَيْعَلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَيَّ عَلَى فَقَطْ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الرَّاءِ) وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَفِي الْعُبَابِ زِيَادَةٌ وَبِالْحَقِّ نَطَقْت اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْبِرُّ بِالْكَسْرِ الْخَيْرُ وَالْفَضْلُ وَبَرَّ الرَّجُلُ يَبَرُّ بِرًّا وِزَانُ عَلِمَ يَعْلَمُ عِلْمًا فَهُوَ بَرٌّ بِالْفَتْحِ وَبَارٌّ أَيْضًا أَيْ صَادِقٌ أَوْ تَقِيٌّ وَهُوَ خِلَافُ الْفَاجِرِ وَجَمْعُ الْأَوَّلِ أَبْرَارٌ وَجَمْعُ الثَّانِي بَرَرَةٌ مِثْلُ كَافِرٍ وَكَفَرَةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ لِلْمُؤَذِّنِ صَدَقْت وَبَرَرْت أَيْ صَدَقْت فِي دُعَائِك إلَى الطَّاعَةِ وَصِرْت بَارًّا دَعَا لَهُ بِذَلِكَ أَوْ دَعَا لَهُ بِالْقَبُولِ وَالْأَصْلُ بَرَّ عَمَلُك اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ وَيُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَغِ عَلَى الرَّاجِحِ صِيغَةُ التَّشَهُّدِ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَى غَيْرِهَا وَمِنْ الْغَيْرِ مَا يَقَعُ لِلْمُؤَذِّنِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ بَعْدَ الْأَذَانِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتُونَ بِهِ فَيَكْفِي.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَتَتَأَكَّدُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَاضِعَ وَرَدَ فِيهَا أَخْبَارٌ خَاصَّةٌ أَكْثَرُهَا بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ عَقِب إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَأَوَّلُ الدُّعَاءِ وَأَوْسَطُهُ وَآخِرُهُ وَفِي أَوَّلِهِ آكَدُ وَفِي آخِرِ الْقُنُوتِ وَفِي أَثْنَاءِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَالتَّفَرُّقِ وَعِنْدَ السَّفَرِ وَالْقُدُومِ مِنْهُ وَالْقِيَامِ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَخَتْمِ الْقُرْآنِ وَعِنْدَ الْكَرْبِ وَالْهَمِّ وَالتَّوْبَةِ وَقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ وَتَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ وَنِسْيَانِ الشَّيْءِ وَوَرَدَ أَيْضًا فِي أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَطَنِينِ الْأُذُنِ وَالتَّلْبِيَةِ وَعَقِبِ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ الذَّبْحِ وَالْعُطَاسِ وَوَرَدَ الْمَنْعُ مِنْهَا عِنْدَهُمَا أَيْضًا اهـ مُنَاوِيٌّ.
عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ عَلَيَّ زَكَاةٌ لَكُمْ» وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَدِيثَيْنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: «صَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي» إلَخْ وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَمَّا بَذَلُوا أَعْرَاضَهُمْ فِيهِ لِأَعْدَائِهِ فَنَالُوا مِنْهُمْ وَسَبُّوهُمْ أَعْطَاهُمْ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَطْيَبَ الثَّنَاءِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَأَخْلَصَهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ مَنْدُوبَةٌ لَا وَاجِبَةٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّنَا إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ كَذَا بَحَثَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: بَعْدَ فَرَاغٍ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) ، وَأَمَّا قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَهَلْ يُسَنُّ أَيْضًا أَوْ لَا أَفْتَى شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ حِينَ سُئِلَ عَمَّا يَفْعَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْإِقَامَةِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ بِدْعَةٌ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ ثُمَّ رَأَيْت ذَلِكَ مَنْقُولًا عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ.
(فَائِدَةٌ) وَأَوَّلُ مَا زِيدَتْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ كُلِّ أَذَانٍ عَلَى الْمَنَابِرِ فِي زَمَنِ السُّلْطَانِ الْمَنْصُورِ حَاجِي بْنِ الْأَشْرَفِ شَعْبَانَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ بِأَمْرِ الْمُحْتَسِبِ نَجْمِ الدِّينِ الطَّنْبَدِيِّ وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَكَانَ حَدَثَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ بْنِ أَيُّوبَ أَنْ يُقَالَ قَبْلَ أَذَانِ الْفَجْرِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بِمِصْرَ وَالشَّامِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فَزِيدَ فِيهِ بِأَمْرِ الْمُحْتَسِبِ صَلَاحِ الدِّينِ الْبُرُلُّسِيِّ أَنْ يُقَالَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَى أَنْ جُعِلَ عَقِبَ كُلِّ أَذَانٍ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ الْمَخْذُولَ لَمَّا قُتِلَ أَمَرَتْ أُخْتُهُ الْمُؤَذِّنِينَ أَنْ يَقُولُوا فِي حَقِّ وَلَدِهِ السَّلَامُ عَلَى الْإِمَامِ الظَّاهِرِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ السَّلَامُ عَلَى الْخُلَفَاءِ
(1/310)
غَيْرُهُ مِمَّنْ ذُكِرَ (ثُمَّ) يَقُولُ (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (إلَى آخِرِهِ) تَتِمَّتُهُ كَمَا فِي الْأَصْلِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته، وَالتَّامَّةُ السَّالِمَةُ مِنْ تَطَرُّقِ نَقْصٍ إلَيْهَا وَالْقَائِمَةُ أَيْ الَّتِي سَتُقَامُ وَالْوَسِيلَةُ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاَلَّذِي مَنْصُوبٌ بَدَلًا مِمَّا قَبْلَهُ أَوْ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي أَوْ مَرْفُوعٌ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَذِكْرُ مَا يُقَالُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ مَعَ ذِكْرِ السَّلَامِ مِنْ زِيَادَتِي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بَعْدَهُ إلَى أَنْ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ الْمَذْكُورُ وَجَعَلَ بَدَلَهُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ كُلِّ أَذَانٍ إلَّا الْمَغْرِبَ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَعْهُودَةِ الْآنَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَوَّلَ حُدُوثِ السَّلَامِ الْمَشْهُورِ كَانَ فِي مِصْرَ فِي عَامِ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَنَّهُ عَقِبَ عِشَاءِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِالْخُصُوصِ ثُمَّ حَدَثَ فِي بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ إلَّا الْمَغْرِبَ لِقَصَرِ وَقْتِهَا فِي عَامِ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَحْدَثَهُ الْمُحْتَسِبُ بَدْرُ الدِّينِ الطَّنْبَدِيُّ وَاسْتَمَرَّ إلَى الْآنَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِجَابَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَوْ تَرَكَ بَعْضَهَا سُنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَاقِي اهـ ع ش عَلَى م ر وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا وَرَدَ «أَنَّ الدُّعَاءَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَا يُرَدُّ فَادْعُوَا» وَأَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ وَمَنْ سَمِعَهُ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِك وَإِدْبَارُ نَهَارِك وَأَصْوَاتُ دُعَاتِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَيَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ أَذَانِ الصُّبْحِ اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ نَهَارِك وَإِدْبَارُ لَيْلِك وَأَصْوَاتِ دُعَاتِك فَاغْفِرْ لِي وَآكَدُ الدُّعَاءِ كَمَا فِي الْعُبَابِ سُؤَالُ الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَيْ وَإِنْ طَالَ مَا بَيْنَهُمَا وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِمُجَرَّدِ الدُّعَاءِ وَالْأَوْلَى شَغْلُ الزَّمَنِ بِتَمَامِهِ بِالدُّعَاءِ إلَّا وَقْتَ فِعْلِ الرَّاتِبَةِ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ فِي نَحْوِ سُجُودِهَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ دُعَاءٌ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ الدُّعَاءُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَقَبْلَ التَّحْرِيمِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْمُصَلِّي الْمُبَادَرَةُ إلَى التَّحَرُّمِ لِتَحْصُلَ لَهُ الْفَضِيلَةُ التَّامَّةُ.
(فَرْعٌ) لَوْ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِالْإِجَابَةِ يُفَوِّتُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ بَلْ أَوْ كُلَّهَا بِقِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ سُنَّةَ الْوُضُوءِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْإِجَابَةَ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهَا اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَالْفَضِيلَةُ) عَطْفٌ مُرَادِفٌ أَوْ مُغَايِرٌ لِمَا قِيلَ إنَّهُمَا قُبَّتَانِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ إحْدَاهُمَا مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ وَقِيلَ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ يَسْكُنُهَا مُحَمَّدٌ وَآلُهُ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ أَوْ صَفْرَاءَ يَسْكُنُهَا إبْرَاهِيمُ وَآلُهُ وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى إظْهَارُ شَرَفِهِ وَحُصُولُ الثَّوَابِ لِلدَّاعِي وَالْوَفَاءُ بِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُطْلُبُوهَا لِي وَلَمْ يَقُلْ كَأَصْلِهِ وَالدَّرَجَةَ الْعَالِيَةَ الرَّفِيعَةَ وَخَتَمَهُ بِقَوْلِهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُمَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَكَتَبَ عَلَيْهِ ع ش قَوْلُهُ يَسْكُنُهَا إبْرَاهِيمُ وَآلُهُ وَلَا يُنَافِي هَذَا سُؤَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا عَلَى أَنَّ هَذَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ لِتَنْجِيزِ مَا وَعَدَ بِهِ مِنْ أَنَّهُمَا لَهُ وَتَكُونُ سُكْنَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ فِيهَا مِنْ قَبْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إظْهَارًا لِشَرَفِهِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: مَقَامًا مَحْمُودًا) مَفْعُولٌ بِهِ لِابْعَثْهُ بِتَضْمِينِهِ مَعْنَى أَعْطِهِ أَوْ مَفْعُولٌ فِيهِ أَيْ ابْعَثْهُ فِي مَقَامٍ مَحْمُودٍ أَوْ حَالٌ أَيْ ابْعَثْهُ ذَا مَقَامٍ مَحْمُودٍ مُقَنِّنًا مَعَ أَنَّهُ مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّهُ أَفْخَمُ كَأَنَّهُ قِيلَ مَقَامًا أَيْ مَقَامٌ وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ أَيْضًا الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ وَقَوْلُهُ مَحْمُودًا أَيْ بِكُلِّ لِسَانٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْمُصَنِّفِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ الَّذِي وَعَدْته) زَادَ فِي رِوَايَةٍ «وَأَوْرِدْنَا حَوْضَهُ وَاسْقِنَا مِنْ يَدِهِ الشَّرِيفَةِ شَرْبَةً هَنِيئَةً مَرِيئَةً لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ» وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ أَيْضًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مَقَامَ الشَّفَاعَةِ) هَذَا مَا عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُفَسِّرِينَ كَمَا قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ وَقِيلَ شَهَادَتُهُ لِأُمَّتِهِ وَقِيلَ إعْطَاؤُهُ لِوَاءَ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُجْلِسَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ وَقِيلَ عَلَى الْكُرْسِيِّ وَقِيلَ هُوَ كَوْنُ آدَمَ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَوَّلِ عَرَصَاتِهَا إلَى دُخُولِهِمْ الْجَنَّةَ قَالَهُ حَجّ فِي الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ وَفَائِدَةُ الدُّعَاءِ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَهُ بِهِ طَلَبُ الدَّوَامِ أَوْ إشَارَةٌ لِنَدْبِ دُعَاءِ الشَّخْصِ لِغَيْرِهِ قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ اهـ شَوْبَرِيٌّ أَوْ لِإِظْهَارِ شَرَفِهِ وَعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ اهـ شَرْحُ م ر أَوْ إيصَالُ الثَّوَابِ إلَى الدَّاعِي اهـ ع ش (قَوْلُهُ: فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ) أَيْ الَّذِي يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَصَدِّي لِذَلِكَ بِسُجُودِهِ تَحْتَ سَاقِ الْعَرْشِ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ لَمَّا فَزِعُوا إلَيْهِ بَعْدَ فَزَعِهِمْ لِآدَمَ ثُمَّ لِأُولِي الْعَزْمِ نُوحٍ فَإِبْرَاهِيمَ فَمُوسَى فَعِيسَى وَاعْتَذَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ فَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يُجَابَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي الْمِصْبَاحِ فَزِعْت إلَيْهِ مِنْ بَابِ تَعِبَ لَجَأْت اهـ
(1/311)
(بَابٌ) بِالتَّنْوِينِ (التَّوَجُّهُ) لِلْقِبْلَةِ بِالصَّدْرِ لَا بِالْوَجْهِ (شَرْطٌ لِصَلَاةِ قَادِرٍ) عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] أَيْ جِهَتَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
[بَابٌ التَّوَجُّهُ لِلْقِبْلَةِ بِالصَّدْرِ لَا بِالْوَجْهِ شَرْطٌ لِصَلَاةِ قَادِرٍ عَلَيْهِ]
بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاةِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ) وَتَعْبِيرُهُ هُنَا بِالْبَابِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْفَصْلِ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَذَانِ وَلِمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا فِي بَابِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ إلَخْ، وَأَمَّا كَوْنُهُ شَرْطًا وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ فَمَذْكُورٌ بِالتَّبَعِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي اهـ شَيْخُنَا قَالَ السُّيُوطِيّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ نَسَخَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ مَرَّتَيْنِ وَنَسَخَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ مَرَّتَيْنِ وَلُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَحْفَظُ رَابِعًا وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْعَوْفِيُّ فِي رَابِعِهَا الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ قُلْت وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ فَقُلْت
وَأَرْبَعٌ تَكَرَّرَ النَّسْخُ لَهَا ... جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ وَالْآثَارُ
لِقِبْلَةٍ وَمُتْعَةٍ تُحْسَبُ ... كَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ
انْتَهَى اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: بِالتَّنْوِينِ) أَيْ لِقَطْعِهِ عَنْ الْإِضَافَةِ كَمَا فِي سَابِعِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْدَهُ جُمْلَةٌ قُرِئَ بِالتَّنْوِينِ أَوْ مُفْرَدٌ قُرِئَ بِالْإِضَافَةِ مِثْلُ بَابِ الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: بِالصَّدْرِ) الْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ عَرْضِ الْبَدَنِ فَلَوْ اسْتَقْبَلَ طَرَفَهَا فَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الْعَرْضِ عَنْ مُحَاذَاتِهِ لَمْ يَصِحَّ اهـ حَجّ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: أَيْضًا بِالصَّدْرِ) أَيْ إذَا كَانَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ بِجُمْلَتِهِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ وَلَوْ صَلَّى مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا فَالِاسْتِقْبَالُ بِمُقَدَّمِ الْبَدَنِ أَيْ بِالصَّدْرِ وَالْوَجْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي الْمُسْتَلْقِي لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ أَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: أَيْ وَالِاسْتِقْبَالُ بِالْوَجْهِ أَيْضًا) بِأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ كَمَا سَيَأْتِي فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ بِالصَّدْرِ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ وَكَذَا قَوْلُهُ لَا بِالْوَجْهِ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
وَقَالَ الرَّشِيدِيُّ إنَّمَا قَيَّدَ بِالصَّدْرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي صَلَاةِ الْقَادِرِ فِي الْفَرْضِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْمَتْنِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ بِالْوَجْهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَلْقِي؛ لِأَنَّ تِلْكَ حَالَةُ عَجْزٍ وَسَيَأْتِي لَهَا حُكْمٌ يَخُصُّهَا فَانْدَفَعَ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ اهـ.
وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ أَعْنِي ع ش عَلَى الشَّارِحِ قَوْلُهُ بِالصَّدْرِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ وَالْمُسْتَلْقِي وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا يَأْتِي أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ فِي حَقِّ الْمُسْتَلْقِي بِالْوَجْهِ وَفِي حَقِّ الْمُضْطَجِعِ بِمُقَدَّمِ بَدَنِهِ ثُمَّ قَوْلُهُ لَا بِالْوَجْهِ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ نَفْيًا لِمَا قَدْ يَقْتَضِيه التَّعْبِيرُ بِالتَّوَجُّهِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْمُقَابَلَةِ بِالْوَجْهِ فَلَا يُقَالُ نَحْوُ الْيَدِ تَنَازَعَ فِيهَا الْمَفْهُومَانِ، فَإِنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ بِالصَّدْرِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ خُرُوجُ نَحْوِ الْيَدِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَقَوْلُهُ لَا بِالْوَجْهِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ هَذَا وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ بِالصَّدْرِ أَنَّ خُرُوجَ الْقَدَمَيْنِ عَنْ الْقِبْلَةِ لَا يَضُرُّ وَشَمِلَهُ قَوْلُ حَجّ فِيمَا لَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ بِهِ وَلَا بِنَحْوِ الْيَدِ أَيْ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ بِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلَهُ وَلَا بِنَحْوِ الْيَدِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْقَدَمَانِ وَعَلَيْهِ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ قَدَمَيْهِ خَارِجَ مُحَاذَاتِهَا مَعَ اسْتِقْبَالِهَا بِصَدْرِهِ وَبَقِيَّةِ بَدَنِهِ أَجْزَأَ وَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ فَلْيُرَاجَعْ أَقُولُ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ وَهُوَ عَدَمُ الضَّرَرِ بِخُرُوجِ الْقَدَمَيْنِ عَنْ الْقِبْلَةِ أَخْذًا بِإِطْلَاقِهِمْ اهـ وَعِبَارَتُهُ عَلَى شَرْحِ م ر قَوْلُهُ لَا بِوَجْهِهِ أَيْ وَلَا بِقَدَمَيْهِ أَخْذًا بِإِطْلَاقِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ سم عَلَى حَجّ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَجْهَ لَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ بِهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ بِالْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِقْبَالِهِ بِمَا ذُكِرَ كَذَا بِهَامِشِ عَنْ الشَّيْخِ سُلَيْمَانَ الْبَابِلِيِّ أَقُولُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّدْرِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى التَّعْمِيمُ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْوَارِدَةَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ وَمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَيْهِمَا لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَمَّا التَّوَجُّهُ بِالْوَجْهِ فَهُوَ بِدَلِيلٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: التَّوَجُّهُ شَرْطٌ) أَيْ فَلَا يَسْقُطُ بِجَهْلٍ وَلَا غَفْلَةٍ وَلَا إكْرَاهٍ وَلَا نِسْيَانٍ فَلَوْ اسْتَدْبَرَ نَاسِيًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَصِحَّ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: لِصَلَاةِ قَادِرٍ) أَيْ حِسًّا فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا اهـ ع ش (قَوْلُهُ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144] الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَالْمُرَادُ بِالذَّاتِ بَعْضُهَا وَهُوَ الصَّدْرُ فَهُوَ مَجَازٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَجَازٍ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَيْ جِهَتَهُ) لَا يَرِدُ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ لَا يُوَافِقُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ مِنْ اشْتِرَاطِ اسْتِقْبَالِ الْعَيْنِ وَعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْجِهَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا بَيَانُ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ إجْمَاعًا، وَأَمَّا تَعَيُّنُ الْعَيْنِ فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى لَهَا طَرِيقٌ آخَرُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ الْجِهَةَ الْمُفَسَّرَ بِهَا الشَّطْرُ فِي الْآيَةِ مُقَابِلَةٌ لِلْعَيْنِ فَقَدْ قَالَ جَدّ شَيْخِنَا الشَّرِيفُ عِيسَى فِي مُصَنَّفٍ لَهُ فِي وُجُوبِ إصَابَةِ عَيْنِ الْقِبْلَةِ مَا نَصُّهُ بَلْ التَّحْقِيقُ
(1/312)
وَالتَّوَجُّهُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَلَ الْكَعْبَةِ أَيْ وَجْهَهَا وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ» مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ إجْمَاعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَنَّ إطْلَاقَ الْجِهَةِ فِي مُقَابِلِ الْعَيْنِ إنَّمَا هُوَ اصْطِلَاحُ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ أَصْلِ اللُّغَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ انْحَرَفَ عَنْ مُقَابَلَةِ شَيْءٍ فَلَيْسَ مُتَوَجِّهًا نَحْوَهُ وَلَا إلَى جِهَتِهِ بِحَسَبِ حَقِيقَةِ اللُّغَةِ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِمُسَامَحَةٍ أَوْ اصْطِلَاحٍ وَالشَّافِعِيُّ لَاحَظَ حَقِيقَةَ اللُّغَةِ وَحَكَمَ بِالْآيَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ أَصَالَةُ الْعَيْنِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُعَدُّ عُرْفًا أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ كَمَا حَقَّقَهُ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ اهـ سم اهـ ع ش عَلَى م ر وَبِهَامِشِهِ مَنْسُوبًا لَهُ وَجَدُّهُ هُوَ السَّيِّدُ مُعِينُ الدَّيْنِ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ الْمَشْهُورِ اهـ.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ تُطْلَقُ الْجِهَةُ عَلَى الْعَيْنِ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا نَقَلَهُ الشِّهَابُ فِي الْحَوَاشِي فَلْيُرَاجَعْ وَفِي الْخَادِمِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْجِدَارَ بَلْ أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ وَهُوَ سَمْتُ الْبَيْتِ وَهَوَاؤُهُ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالْأَرْضِ السَّابِعَةِ اهـ حَجّ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّوَجُّهُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إلَخْ) مِنْ تَمَامِ الدَّلِيلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الضَّمِيمَةِ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ فِي الصَّلَاةِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: قُبُلَ الْكَعْبَةِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْبَاءِ مَعَ ضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرُ الْقَافِ مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة: 177] قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهَا مُقَابِلَهَا وَبَعْضُهُمْ مَا اسْتَقْبَلَك مِنْهَا أَيْ وَجْهُهَا. وَسُمِّيَتْ كَعْبَةً لِتَكَعُّبِهَا أَيْ تَرَبُّعِهَا وَارْتِفَاعُهَا يُقَالُ كَعَّبْته أَيْ رَبَّعْته وَقِيلَ لِاسْتِدَارَتِهَا وَيُقَالُ لَهَا الْبَيْتُ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ وَيُقَال لَهَا أَيْضًا لَيْلَى، وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِ مَرَّاتِ بِنَائِهَا وَغَايَتُهُ وِفَاقًا وَخِلَافًا عَشْرُ مَرَّاتٍ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ وَكَانَتْ الْكَعْبَةُ قِبْلَةَ آبَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ كَانُوا يُصَلُّونَ إلَيْهَا فَكَانَ يَسْتَقْبِلُهَا وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُرَادُ بِهِ مَأْوَاهُمْ لَا قِبْلَتُهُمْ ثُمَّ «أَمَرَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَاسْتَقْبَلَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَكَانَ يَجْعَلُ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَيَقِفُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ اسْتَدْبَرَهَا لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ فَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَسَأَلَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ التَّحَوُّلَ إلَيْهَا فَسَأَلَهُ ثُمَّ نَزَلَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ فَتَحَوَّلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إلَيْهَا» وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ إنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا إلَى الْكَعْبَةِ الْعَصْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَامِلَةِ وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَابِعَ عَشَرَ رَجَبَ وَقِيلَ نِصْفَهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ وَقِيلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِشَهْرَيْنِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَا فَعَلَتْهُ الصَّحَابَةُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ هَلْ تَحَوَّلُوا بِأَمْكِنَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَأَخُّرٍ أَمْ تَأَخَّرُوا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ ثُمَّ رَأَيْت فِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ فِي مَبْحَثِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مَا نَصُّهُ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ فَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ تَحَوَّلَ مِنْ مَقَامِهِ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ إلَى مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ بِالْمَدِينَةِ فَقَدْ اسْتَدْبَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ لَوْ دَارَ مَكَانَهُ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ مَكَانٌ يَسَعُ الصُّفُوفَ فَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَامُ تَحَوَّلَتْ الرِّجَالُ حَتَّى صَارُوا خَلْفَهُ وَتَحَوَّلَتْ النِّسَاءُ حَتَّى صَارُوا خَلْفَ الرِّجَالِ وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَا كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ أَيْ كَالْحُكْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ وَهُوَ إبَاحَتُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اُغْتُفِرَ الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ لَمْ تَتَوَالَ الْخُطَى عِنْدَ التَّحَوُّلِ بَلْ وَقَعَتْ مُتَفَرِّقَةً اهـ ع ش عَلَى م ر وَنَظَّمَ شَيْخُنَا الْمَدَابِغِيُّ عَدَدَ مَرَّاتِ الْبِنَاءِ فَقَالَ
بَنَى بَيْتَ رَبِّ الْعَرْشِ عَشْرٌ فَخُذْهُمُو ... مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْكِرَامُ وَآدَمُ
وَشِيثُ وَإِبْرَاهِيمُ ثُمَّ عَمَالِقُ ... قُصَيٌّ قُرَيْشٌ قَبْلَ هَذَيْنِ جُرْهُمُ
وَعَبْدُ الْإِلَهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بَنَى كَذَا ... بِنَاءٌ لِحَجَّاجٍ وَهَذَا مُتَمِّمٌ
وَقَوْلُهُ عَشْرُ مَرَّاتٍ هَذَا بِحَسَبِ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ مَرَّةً أُخْرَى حَادِيَةَ عَشْرَةَ عَامَ أَلْفٍ وَتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَلَّانَ الْمَكِّيُّ فِي رِسَالَةٍ لَهُ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَسَيَأْتِي نَقْلُ عِبَارَتِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ.
(قَوْلُهُ: مَعَ خَبَرِ صَلُّوا إلَخْ) أَتَى بِهَذَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ الْقِبْلَةُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ وَأَيْضًا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ إجْمَاعًا) ، فَإِنْ قِيلَ حَيْثُ أُرِيدَ بِالْجِهَةِ الْعَيْنُ يَشْكُلُ قَوْلُهُ إجْمَاعًا قُلْت الْمُرَادُ بِالْقِبْلَةِ الَّتِي هِيَ مَرْجِعُ
(1/313)
أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْهُ كَمَرِيضٍ لَا يَجِدُ مَنْ يُوَجِّهُهُ إلَيْهَا وَمَرْبُوطٌ عَلَى خَشَبَةٍ فَيُصَلِّي عَلَى حَالِهِ وَيُعِيدُ وُجُوبًا (إلَّا فِي) صَلَاةِ (شِدَّةِ خَوْفٍ) مِمَّا يُبَاحُ مِنْ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا فَلَيْسَ التَّوَجُّهُ بِشَرْطٍ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ لِلضَّرُورَةِ (وَ) إلَّا فِي (نَفْلِ سَفَرٍ) بِقَيْدَيْنِ زِدْتُهُمَا بِقَوْلِي (مُبَاحٍ لِقَاصِدِ) مَحَلٍّ (مُعَيَّنٍ) ، وَإِنْ قَصُرَ السَّفَرُ لِأَنَّ النَّفَلَ يَتَوَسَّعُ فِيهِ كَجَوَازِهِ عَاقِدًا لِلْقَادِرِ
(فَلِمُسَافِرٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
ضَمِيرِ قَوْلِهِ بِدُونِهِ أَيْ التَّوَجُّهُ لِلْقِبْلَةِ الْأَعَمُّ مِنْ الْعَيْنِ وَالْجِهَةِ اهـ حَلَبِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَرِيضٍ لَا يَجِدُ مَنْ يُوَجِّهُهُ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ لَا يُقَالُ هُوَ عَاجِزٌ فَكَيْفَ يُمْكِنُ الطَّلَبُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِمَا دُونَهُ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَيُصَلِّي عَلَى حَالِهِ وَيُعِيدُ وُجُوبًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ إنْ رَجَا زَوَالَ الْعُذْرِ لَا يُصَلِّي إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، وَإِنْ لَمْ يَرْجُ زَوَالَهُ صَلَّى فِي أَوَّلِهِ ثُمَّ إنْ زَالَ بَعْدُ عَلَى خِلَافِ ظَنِّهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْعُذْرُ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ كَانَتْ فَائِتَةً بِعُذْرٍ فَيُنْدَبُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ أَنْ يَفْعَلَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ كَسَائِرِ الْفَوَائِتِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ وَيُعِيدُ وُجُوبًا) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمَرِيضِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا مَرِيضٌ لَا يُطِيقُ التَّوَجُّهَ بِوَجْهٍ مَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ إلَّا فِي صَلَاةِ شِدَّةِ خَوْفٍ) الْمُرَادُ بِهَا النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتْرُكَهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مِمَّا يُبَاحُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ خَوْفٍ أَيْ خَافَ مِنْ الَّذِي يُبَاحُ وَالْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مِنْ مُتَعَلِّقِ مَا يُبَاحُ وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَفْعَالِ كَالْقِتَالِ وَالْهَرَبِ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالضَّمِيرُ وَاقِعٌ عَلَى الْأَفْعَالِ وَالْمُتَعَلِّقُ الَّذِي خَافَ مِنْهُ كَالْعَدُوِّ وَالنَّارِ وَغَيْرِهِمَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَرْضًا كَانَتْ) أَيْ الصَّلَاةُ أَوْ نَفْلًا تَعْمِيمٌ فِيمَا بَعْدُ إلَّا وَمَا قَبْلَهَا وَلَا يُصَلِّيهَا إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ فَلَوْ صَلَّى أَوَّلَهُ لِانْقِطَاعِ رَجَائِهِ ظَنًّا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ أَمِنَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ ظَنًّا فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ أَوْ لَا، فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَمِنْ الْخَوْفِ الْمُجَوِّزِ لِتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ أَنْ يَكُونَ بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَيَخَافُ فَوْتَ الْوَقْتِ فَيُحْرِمُ وَيَتَوَجَّهُ لِلْخُرُوجِ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ التَّوَجُّهُ بِشَرْطٍ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا بَلْ يُصَلِّي إلَى أَيْ جِهَةٍ كَانَتْ وَتُغْتَفَرُ لَهُ الضَّرَبَاتُ وَالطَّعَنَاتُ وَالْخُطُوَاتُ الْمُتَوَالِيَاتُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَمِنَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ رَاكِبًا وَأَمِنَ وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ، فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ قَاعِدًا لَا قَائِمًا صَلَّى قَاعِدًا مُسْتَقْبِلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُهِدَ تَرْكُ الْقِيَامِ كَمَا فِي النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فِي نَفْلِ سَفَرٍ) أَيْ نَفْلٍ يُفْعَلُ فِيهِ، وَإِنْ فَاتَ حَضَرًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْفَرْضِ وَلَوْ مَنْذُورًا أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ جَازَ لَهُ فِعْلُهُمَا عَلَيْهَا وَكَانَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ الْتَزَمَهَا كَذَلِكَ فَلَا يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ تَقْيِيدُ قَوْلِهِمْ يُسْلَكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا لَهُ عَلَى صِفَةٍ لَا تَتَأَتَّى فِي الْوَاجِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَإِلَّا فِي نَفْلِ سَفَرٍ) يَنْبَغِي غَيْرُ الْمُعَادَةِ وَصَلَاةُ الصَّبِيِّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ وَإِلَّا فِي نَفْلِ سَفَرٍ أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي مِنْ أَنَّ الرَّاكِبَ يُتِمُّ إنْ سَهُلَ عَلَيْهِ وَالْمَاشِي يَسْتَقْبِلُ فِي أَرْبَعٍ فِي التَّحَرُّمِ إلَخْ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: مُبَاحٌ) الْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْحَرَامَ فَشَمِلَ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمَكْرُوهَ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ لِقَاصِدِ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ) تَعْيِينُ الْمَحَلِّ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَقْصِدَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ الْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ الْمَعْلُومُ مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةُ بِأَنْ يَقْصِدَ قَطْعَ مَسَافَةٍ يُسَمَّى فِيهَا مُسَافِرًا عُرْفًا لَا خُصُوصَ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ تَأَمَّلْ انْتَهَتْ. وَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ السُّورِ وَالْعُمْرَانِ فَيُشْتَرَطُ هُنَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَصْرِ إلَّا طُولَ السَّفَرِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصُرَ السَّفَرُ) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَلَا يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَقِيَاسًا عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَعَدَمِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ، وَالسَّفَرُ الْقَصِيرُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى ضَيْعَةٍ مَسِيرَتُهَا مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ وَالْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَانِهِ لَا تَلْزَمُهُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ قَالَ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ فِي الْبَلَدِ وَلَعَلَّ كَلَامَ غَيْرِهِ رَاجِعٌ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْبَغَوِيّ اعْتَبَرَ الْحِكْمَةَ، وَغَيْرَهُ اعْتَبَرَ الْمَظِنَّةَ اهـ.
وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ كَالْقَصْرِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ النَّفَلَ أَخَفُّ وَلِهَذَا جَازَ قَاعِدًا فِي الْحَضَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ انْتَهَتْ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْبَغَوِيّ اعْتَبَرَ الْحِكْمَةَ وَهِيَ مُفَارَقَةُ الْمُقِيمِينَ فِي الْبَلَدِ وَالْمَظِنَّةُ هِيَ الْمَيْلُ وَنَحْوُهُ، فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِعَدَمِ سَمَاعِ النِّدَاءِ وَقَدْ يُفِيدُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إلَى
(1/314)
سَفَرًا مُبَاحًا (تَنَفُّلٌ) وَلَوْ رَاتِبًا صَوْبَ مَقْصِدَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (رَاكِبًا وَمَاشِيًا) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ» أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ» وَقِيسَ بِالرَّاكِبِ الْمَاشِي وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَالْهَائِمِ وَالْمُقِيمِ وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ تَرْكُ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ كَرَكْضٍ وَعَدْوٍ بِلَا حَاجَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بَعْضِ بَسَاتِينِ الْبَلَدِ أَوْ غِيطَانِهَا الْبَعِيدَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسَافِرًا عُرْفًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ ضَابِطًا لِمَا يُسَمَّى سَفَرًا فَيُفِيدُ جَوَازَ التَّنَفُّلِ عِنْدَ قَصْدِهِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مَا قُصِدَ الذَّهَابُ إلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ يُشْعِرُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فَارَقَ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ بِالْبَلَدِ بِالثَّانِي وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ زِيَارَةَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ بَيْنَ مَبْدَأِ سَيْرِهِ وَمَقَامِ الْإِمَامِ الْمِيلُ وَنَحْوُهُ جَازَ لَهُ التَّرَخُّصُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ السُّورِ إنْ كَانَ دَاخِلَهُ وَمُجَاوَزَةِ الْعُمْرَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِمَا خَرَجَ مِنْهُ سُوَرٌ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي التَّوَجُّهِ إلَى بَرَكَةِ الْمُجَاوِرِينَ مِنْ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَنَحْوِهِ اهـ ع ش عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَكَانَ بَيْنَ مَبْدَإِ سَيْرِهِ إلَخْ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْمَسَافَةَ تُحْسَبُ وَتُعْتَبَرُ مِنْ مَبْدَأِ السَّيْرِ وَلَوْ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ السُّورِ أَوْ الْعُمْرَانِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (فَرْعٌ) نَذَرَ إتْمَامَ كُلِّ نَفْلٍ شَرَعَ فِيهِ فَشَرَعَ فِي السَّفَرِ فِي نَافِلَةٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِقْرَارُ يَنْبَغِي نَعَمْ اهـ سم عَلَى حَجّ أَقُولُ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ وُجُوبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ نَذَرَ إتْمَامَهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا نَفْلًا وَمِنْ ثَمَّ جَازَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فَرْضٍ عَيْنِيٍّ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا لَوْ أَفْسَدَهَا وَأَرَادَ قَضَاءَهَا فَهَلْ لَهُ صَلَاتُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَجَمْعُهَا مَعَ فَرْضٍ آخَرَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَجِبْ أَوَّلُهَا لِذَاتِهِ بَلْ إنَّمَا وَجَبَ وَسِيلَةً لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْوَاجِبِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(وَقَوْلُهُ: وَلَوْ رَاتِبًا) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ نَحْوَ عِيدٍ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ الْأَصْلِ اهـ زي وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالرَّاتِبِ مَا لَهُ وَقْتٌ فَيَشْمَلُ الْعِيدَ لَكِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْكُسُوفَ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا وَيَشْمَلُ نَحْوَ الضُّحَى وَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَيُوهِمُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا اهـ ع ش وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِشَارَةَ إلَى الْخِلَافِ وَالتَّعْمِيمِ مَعًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ م ر وَقَوْلُهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ أَيْ وَهُوَ الَّذِي تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: صَوْبَ مَقْصِدِهِ) أَيْ جِهَتَهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ جِهَةِ الْمَقْصِدِ لَا عَيْنِهِ وَفَارَقَ الْكَعْبَةَ بِأَنَّهَا أَصْلٌ وَهُوَ بَدَلٌ اهـ شَيْخُنَا وَلَا يَضُرُّ التَّحَوُّلُ عَنْهَا لِمُنْعَطَفَاتِ الطَّرِيقِ وَلَا لِنَحْوِ زَحْمَةٍ أَوْ غُبَارٍ وَلَا يُكَلَّفُ التَّحَفُّظَ وَلَا الِاحْتِيَاطَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ إلَّا لِقِبْلَةٍ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ) وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّ تَرْكَ الدَّابَّةِ تَمُرُّ إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَتْ لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ عَبَثًا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُسَيِّرُهَا جِهَةَ مَقْصِدِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَالْهَائِمُ) الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ قَطْعَ مَسَافَةٍ يُسَمَّى فِيهَا مُسَافِرًا عُرْفًا اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَتْنِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا دَوَامُ سَفَرِهِ فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا إلَخْ أَيْ أَوْ وَصَلَ الْمَحَلُّ الْمُنْقَطِعُ بِهِ السَّيْرُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَسِيرُ بَعْدَهُ بَلْ يَنْزِلُ فِيهِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْمَحَطُّ مُتَّسِعًا وَوَصَلَ إلَيْهِ يَتَرَخَّصُ إلَى وُصُولِ خُصُوصِ مَا يُرِيدُ النُّزُولَ فِيهِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يَأْتِي اهـ ع ش عَلَيْهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ فَلَوْ بَلَغَ الْمَحَطَّ الْمُنْقَطِعَ بِهِ السَّيْرُ أَوْ طَرَفَ مَحَلِّ الْإِقَامَةِ أَوْ نَوَاهَا مَاكِثٌ بِمَحِلٍّ صَالِحٍ لَهَا نَزَلَ وَأَتَمَّهَا بِأَرْكَانِهَا لِلْقِبْلَةِ مَا لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ عَلَيْهَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ بِلَا حَاجَةٍ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَهُ الرَّكْضُ لِلدَّابَّةِ وَالْعَدْوُ لِحَاجَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الرَّكْضُ وَالْعَدْوُ لِحَاجَةِ السَّفَرِ كَخَوْفِ تَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ أَمْ لِغَيْرِ حَاجَتِهِ كَتَعَلُّقِهَا بِصَيْدٍ يُرِيدُ إمْسَاكَهُ كَمَا اقْتَضَى ذَلِكَ كَلَامُهُمْ وَكَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ الْأَوْجَهَ بُطْلَانُهَا فِي الثَّانِي بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجْرَى الدَّابَّةَ أَوْ عَدَا الْمَاشِيَ فِي صَلَاتِهِ بِلَا حَاجَةٍ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ كَمَا مَرَّ وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ دَابَّتُهُ أَوْ وَطِئَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَوْطَأَهَا نَجَاسَةً لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلَاقِهَا وَلَوْ دَمِيَ فَمُ الدَّابَّةِ وَفِي يَدِهِ لِجَامُهَا فَسِيَاقُ الْكَلَامِ قَدْ يُفْهِمُ صِحَّتَهَا وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ حَبْلٌ طَاهِرٌ عَلَى نَجَاسَةٍ وَقَضِيَّتُهُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِمَا ذُكِرَ كُلُّ نَجَاسَةٍ اتَّصَلَتْ بِالدَّابَّةِ وَعَنَانُهَا بِيَدِهِ أَخْذًا مِمَّا تَقَرَّرَ أَمَّا الْمَاشِي فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ وَطِئَ نَجَاسَةً عَمْدًا وَلَوْ يَابِسَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَنْهَا مَعْدِلًا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ
(1/315)
(فَإِنْ سَهُلَ تَوَجُّهُ رَاكِبٍ غَيْرِ مَلَّاحٍ بِمَرْقَدٍ) كَهَوْدَجٍ وَسَفِينَةٍ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ (وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ) كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَإِتْمَامُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ (لَزِمَهُ) ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ عَلَيْهِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
التَّحْقِيقِ بِخِلَافِ وَطْئِهَا نَاسِيًا وَهِيَ يَابِسَةٌ لِلْجَهْلِ بِهَا مَعَ مُفَارِقَتِهَا حَالًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَنَحَّاهَا حَالًا، فَإِنْ كَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْهَا كَذَرْقِ طُيُورٍ عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى وَلَا رُطُوبَةَ ثَمَّ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجِدْ عَنْهَا مَعْدِلًا لَمْ تَضُرَّ وَلَا يُكَلَّفُ التَّحَفُّظَ وَلَا الِاحْتِيَاطَ فِي مَشْيِهِ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ ذَلِكَ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ غَرَضَ سَيْرِهِ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وَعَنَانُهَا بِيَدِهِ أَيْ، وَإِنْ طَالَ وَهَلْ مِثْلُ الْعَنَانِ الرِّكَابُ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَمْلِهِ عَلَى رِجْلِهِ وَرَفَعَهَا وَهُوَ عَلَيْهَا لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا ضُرَّ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُتَّصِلًا بِهِ عُرْفًا.
وَقَوْلُهُ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَلَا رُطُوبَةَ أَيْ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْمُرَادُ بِعُمُومِهَا كَثْرَةُ وُقُوعِهَا فِي الْمَحَلِّ بِحَيْثُ يَشُقُّ تَحَرِّي الْمَحَلِّ الطَّاهِرِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَجِدْ عَنْهَا مَعْدِلًا لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ جِهَةٌ خَالِيَةٌ عَنْهُ رَأْسًا يَسْهُلُ الْمُرُورُ بِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلَا يُكَلَّفُ التَّحَفُّظَ إلَخْ اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَهُلَ تَوَجُّهُ رَاكِبٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي تَفْصِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ فَالِاسْتِثْنَاءُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَحَلُّهُ فِيمَا بَعُدَ إلَّا الْأُولَى، وَأَمَّا قَبْلَهَا فَهُوَ كَغَيْرِهِ فَلِذَلِكَ فَصَّلَهُ وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى تِسْعِ صُوَرٍ بَيَانُهَا أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا أَوْ لَا يَسْهُلُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يُمْكِنَهُ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضِهَا أَوْ لَا يُمْكِنُهُ إتْمَامُ شَيْءٍ مِنْهَا وَثَلَاثَةٌ فِي مِثْلِهَا بِتِسْعَةٍ وَبَيَانُ أَخْذِهَا مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْطُوقَ الشَّرْطَيْنِ وَهُمَا قَوْلُهُ، فَإِنْ سَهُلَ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا يَشْتَمِلُ عَلَى صُورَتَيْنِ وَمَفْهُومُهُمَا الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا يَشْتَمِلُ عَلَى سَبْعٍ بَيَانُ السَّبْعَةِ أَنَّ مُحْتَرَزَ الْقَيْدِ الْأَوَّلِ وَهُوَ سُهُولَةُ التَّوَجُّهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ يَنْتَظِمُ فِيهِ سِتَّ صُوَرٍ.
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْهُلْ التَّوَجُّهُ فِي الْكُلِّ إمَّا أَنْ يَسْهُلَ فِي الْبَعْضِ أَوْ لَا يَسْهُلَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ أَصْلًا وَعَلَى كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ إمَّا أَنْ يُمْكِنَهُ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا أَوْ لَا يُمْكِنَهُ إتْمَامُ شَيْءٍ مِنْهَا وَثِنْتَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ وَمَفْهُومُ الْقَيْدِ الثَّانِي وَهُوَ سُهُولَةُ إتْمَامِ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا صُورَةٌ وَاحِدَةٌ بَيَانُهَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ إتْمَامُ الْكُلِّ وَلَا الْبَعْضِ وَتَيَسَّرَ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ إذَا عَرَفْت هَذَا عَرَفْت أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ السَّبْعِ أَرْبَعَ صُوَرٍ يَسْهُلُ التَّوَجُّهُ فِيهَا مِنْ الْكُلِّ فِي وَاحِدَةٍ وَفِي الْبَعْضِ فِي ثَلَاثَةٍ وَالْبَعْضُ صَادِقٌ بِالتَّحَرُّمِ وَغَيْرِهِ فَلِذَلِكَ اسْتَثْنَى مِنْ السَّبْعَةِ قَوْلَهُ إلَّا تَوَجَّهَ فِي تَحَرُّمِهِ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَدْخُلُ فِيهِ صُوَرٌ أَرْبَعَةٌ مِنْ جُمْلَةِ السَّبْعَةِ فَظَهَرَ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ إنْ سَهُلَ وَهَذَا التَّقْيِيدُ يَدْخُلُ فِيهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِيهَا التَّوَجُّهُ فِي الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَمَّا كَانَ صَادِقًا بِالتَّحَرُّمِ وَغَيْرِهِ احْتَاجَ إلَى التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ إنْ سَهُلَ وَيُخْرِجُ الرَّابِعَةَ وَهِيَ سُهُولَةُ التَّوَجُّهِ فِي الْكُلِّ إذْ لَا يَحْتَاجُ فِي هَذِهِ أَنْ يَقُولَ إنْ سَهُلَ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: بِمَرْقَدٍ) هُوَ مَكَانُ الرُّقَادِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ غَيْرُهُ كَالْقَتَبِ وَالسَّرْجِ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَضْعُ جِهَتِهِ إلَخْ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: كَهَوْدَجٍ) الْهَوْدَجُ مَرْكَبٌ لِلنِّسَاءِ وَالْمَحْمِلُ كَمَجْلِسٍ شَفَتَانِ عَلَى الْبَعِيرِ فِيهِمَا الْعَدِيلَانِ وَالْجَمْعُ مَحَامِلُ اهـ قَامُوسٌ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ وَسَفِينَةٍ) قَدْ سَوَّى الشَّارِحُ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر بَيْنَ رَاكِبِ السَّفِينَةِ وَرَاكِبِ غَيْرِهَا فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ رَاكِبَ السَّفِينَةِ كَاَلَّذِي فِي بَيْتِهِ، فَإِنْ سَهُلَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَإِتْمَامِ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ تَنَفَّلَ وَإِلَّا تَرَكَ التَّنَفُّلَ اهـ شَيْخُنَا وَالْهَوْدَجُ كَالسَّرْجِ وَنَحْوِهِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ خِلَافًا لِمَنْ أَلْحَقَهُ بِالسَّفِينَةِ كَالْعَلَّامَةِ الْبِرْمَاوِيِّ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ سَهُلَ التَّوَجُّهُ وَالْإِتْمَامُ تَنَفَّلَ وَإِلَّا فَلَا اهـ شَيْخُنَا ح ف نَقْلًا عَنْ شَرْحِ م ر.
(قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ) أَفَادَ بِهِ أَنَّهُ الْمُرَادُ وَإِلَّا فَالْعِبَارَةُ تَصْدُقُ بِالْبَعْضِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا) الْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَعًا لَا مَا يَصْدُقُ بِأَحَدِهِمَا فَعِبَارَةُ الْأَصْلِ أَظْهَرُ فَلَوْ قَدَرَ عَلَى إتْمَامِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ مَعَ التَّوَجُّهِ فِي الْجَمِيعِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك سُقُوطُ مَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي هُنَا اهـ شَيْخُنَا كَحَاشِيَةِ سم وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُهَا قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَذِنَ أَنَّهُ إنْ سَهُلَ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ سِوَى إتْمَامِ رُكُوعٍ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْجَمِيعِ وَالْإِتْمَامُ فِي ذَلِكَ الرُّكُوعِ فَقَطْ وَهُوَ كَلَامٌ لَا وَجْهَ لَهُ اهـ عَمِيرَةُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) مِنْ جُمْلَةِ مَا صَدُقَاتِهِ مَا لَوْ كَانَ رَاكِبًا فِي غَيْرِ مَرْقَدٍ فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَنْ فِي مَرْقَدٍ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ ذَلِكَ أَيْ عَلَى الرَّاكِبِ مُطْلَقًا أَيْ بِمَرْقَدٍ أَوْ لَا تَأَمَّلْ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ
(1/316)
ذَلِكَ (فَلَا) يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْهُ (إلَّا تَوَجَّهَ فِي تَحَرُّمِهِ إنْ سَهُلَ) بِأَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً وَأَمْكَنَ انْحِرَافُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَحْرِيفُهَا أَوْ سَائِرَةً وَبِيَدِهِ زِمَامُهَا وَهِيَ سَهْلَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ ذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ صَعْبَةً أَوْ مَقْطُورَةً وَلَمْ يُمْكِنْهُ انْحِرَافُهُ عَلَيْهَا وَلَا تَحْرِيفُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَوَجُّهٌ لِلْمَشَقَّةِ وَاخْتِلَالِ أَمْرِ السَّيْرِ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي غَيْرُ مَلَّاحٍ مَلَّاحُ السَّفِينَةِ وَهُوَ مُسَيِّرُهَا فَلَا يَلْزَمُهُ تَوَجُّهٌ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ ذَلِكَ يَقْطَعُهُ عَنْ النَّفْلِ أَوْ عَمَلِهِ وَمَا ذَكَرْته مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَخِيرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ فِي غَيْرِ التَّحَرُّمِ، وَإِنْ سَهُلَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الِانْعِقَادَ يُحْتَاطُ لَهُ مَا لَا يُحْتَاطُ لِغَيْرِهِ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَا ذَكَرَاهُ بَعِيدٌ ثُمَّ نَقَلَ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ مَا ذَكَرَاهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
ذَلِكَ) أَيْ التَّوَجُّهُ فِي الْجَمِيعِ وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَهَذَا يَصْدُقُ بِمَا إذَا سَهُلَ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ إتْمَامِ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ وَبِمَا إذَا لَمْ يَسْهُلْ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ بَلْ فِي بَعْضِهَا وَأَمْكَنَهُ إتْمَامُ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضِهَا وَبِمَا إذَا سَهُلَ التَّوَجُّهُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ إتْمَامِ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ إتْمَامِ بَعْضِهَا اهـ ح ل (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّوَجُّهِ فِي كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَقَدْ سَهُلَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ إلَى التَّوَجُّهِ خَاصَّةً دُونَ إتْمَامِ الْأَرْكَانِ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَهَذَا وَاضِحٌ فِي نَحْوِ الْهَوْدَجِ، وَأَمَّا فِي السَّفِينَةِ لِغَيْرِ الْمَلَّاحِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّوَجُّهِ وَإِتْمَامِ الْأَرْكَانِ، فَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ عَلَيْهِ ذَلِكَ تَرَكَ التَّنَفُّلَ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَانَ الْأَوْلَى لَلْمُؤَلِّف إسْقَاطُ لَفْظِ السَّفِينَةِ اهـ ح ل.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ رَاكِبَ السَّفِينَةِ غَيْرُ الْمَلَّاحِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ، فَإِنْ سَهُلَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَإِتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ تَنَفَّلَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا الرَّاكِبُ فِي مَرْقَدٍ أَوْ هَوْدَجٍ أَوْ مَحْمِلٍ أَوْ عَلَى سَرْجٍ أَوْ بَرْذَعَةٍ أَوْ رَحْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَحُكْمُهُمْ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمَاتِنِ، فَإِنْ سَهُلَ تَوَجُّهُ رَاكِبٍ غَيْرِ مَلَّاحٍ بِمَرْقَدٍ إلَخْ وَيَكُونُ قَوْلُهُ بِمَرْقَدٍ أَيْ مَثَلًا كَمَا اقْتَضَاهُ عُمُومُ قَوْلِهِ فَلِمُسَافِرٍ تَنَفَّلَ رَاكِبًا إذْ قَوْلُهُ رَاكِبًا يَشْمَلُ الرَّاكِبَ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَكَمَا أَنَّ هَذَا الْحَاصِلَ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُحَشِّي هُوَ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الشَّوْبَرِيِّ وَالشَّيْخِ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الْبِرْمَاوِيِّ مِنْ أَنَّ رَاكِبَ الْمَرْقَدِ وَالْمِحَفَّةِ وَالْهَوْدَجِ مِثْلُ رَاكِبِ السَّفِينَةِ وَأَنَّ التَّفْصِيلَ الْوَاقِعَ فِي قَوْلِهِ، فَإِنْ سَهُلَ إلَخْ إنَّمَا هُوَ فِي رَاكِبٍ عَلَى سَرْجٍ أَوْ قَتَبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَتَدَبَّرْ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: إلَّا تَوَجَّهَ فِي تَحَرُّمِهِ) فَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بَدَا لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى اسْتِقْبَالٍ عِنْدَ نِيَّةِ الزِّيَادَةِ أهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مَلَّاحُ السَّفِينَةِ) وَمِثْلُهُ مُسَيِّرُ الْمَرْقَدِ وَحَامِلُ السَّرِيرِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر فَحُكْمُ الْكُلِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ وَلَا بَعْضِهَا، وَإِنْ سَهُلَ وَلَا التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَلَا فِي الْبَعْضِ، وَإِنْ سَهُلَ إلَّا فِي التَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ إنْ سَهُلَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت سُقُوطَ مَا لِلرَّشِيدِيِّ عَلَى م ر مِنْ التَّنْظِيرِ فِي إلْحَاقِ مُسَيِّرِ الْمَرْقَدِ بِالْمَلَّاحِ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مُسَيِّرُهَا) أَيْ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي سَيْرِهَا بِحَيْثُ يَخْتَلُّ أَمْرُهُ لَوْ اشْتَغَلَ عَنْهَا اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَهُوَ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي سَيْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُعَدِّينَ لِتَسْيِيرِهَا كَمَا لَوْ عَاوَنَ بَعْضَ الرُّكَّابِ أَهْلَ الْعَمَلِ فِيهَا فِي بَعْضِ أَعْمَالِهِمْ انْتَهَتْ وَوَصَفَ مُجْرِي السَّفِينَةِ بِالْمَلَّاحِ مِنْ الْمِلَاحَةِ لِإِصْلَاحِ شَأْنِ السَّفِينَةِ وَقِيلَ إنَّهُ وَصْفٌ لِلرِّيحِ وَيُسَمَّى بِهِ الْمُسَيِّرِ لَهَا لِمُلَابَسَتِهِ وَقِيلَ: إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُعَالَجَةِ الْمَاءِ الْمِلْحَ بِإِجْرَاءِ السَّفِينَةِ فِيهِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ مِنْ فَصْلِ الِاصْطِدَامِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُهُ تَوَجُّهٌ) أَيْ وَلَا إتْمَامٌ لِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَإِنْ سَهُلَ عِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ تَوَجُّهٌ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَوْ فِي التَّحَرُّمِ، وَإِنْ سَهُلَ وَالْمُعْتَمَدُ وُجُوبُهُ فِيهِ إنْ سَهُلَ وَلَا يَلْزَمُ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ كَرَاكِبِ الدَّابَّةِ قَالَهُ حَجّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ ع ش وَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ مِنْ أَنَّ الْمَلَّاحَ لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ لَا فِي التَّحَرُّمِ وَلَا فِي غَيْرِهِ لَا قَائِلَ بِهِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: يَقْطَعُهُ عَنْ النَّفْلِ) أَيْ إنْ قَدَّمَ عَمَلَهُ أَيْ شَغَلَهُ الَّذِي يَشْتَغِلُ بِهِ عَنْ النَّفْلِ وَقَوْلُهُ أَوْ عَمَلَهُ أَيْ إنْ قَدَّمَ النَّفَلَ عَلَى الْعَمَلِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَخِيرِ) هُوَ قَوْلُهُ إلَّا تَوَجَّهَ فِي تَحَرُّمِهِ إلَخْ اهـ ح ل وَالْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُهُ إلَّا فِي شِدَّةِ خَوْفٍ اهـ ح ل وَالْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُهُ إلَّا فِي شِدَّةِ خَوْفٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ نُقِلَ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ مَا ذَكَرَاهُ) وَهُوَ إيجَابُ التَّوَجُّهِ فِي كُلِّ مَا سَهُلَ عَلَيْهِ غَيْرُ التَّحَرُّمِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي فِي كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُسَافِرٍ وَسُهُولَةُ مَا ذُكِرَ لَا تَتَقَيَّدُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ تُوجَدُ فِيهَا لَوْ كَانَتْ سَائِرَةً وَبِيَدِهِ زِمَامُهَا وَهِيَ سَهْلَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ سَهْلَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي غَيْرِ التَّحَرُّمِ، وَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً أَيْضًا قَالَ فِي الْمُهِّمَّاتِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إنَّهُ مَهْمَا دَامَ وَاقِفًا لَا يُصَلِّي إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ انْتِظَارِ رُفْقَةٍ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ مَا دَامَ وَاقِفًا، فَإِنْ سَارَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ إلَى جِهَةِ مَقْصِدِهِ إنْ كَانَ سَيْرُهُ لِأَجْلِ سَيْرِ الرُّفْقَةِ، فَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا لَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسِيرَ حَتَّى تَنْتَهِيَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْوُقُوفِ لَزِمَهُ فَرْضُ التَّوَجُّهِ
(1/317)
(وَلَا يَنْحَرِفُ) عَنْ صَوْبِ طَرِيقِهِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْقِبْلَةِ (إلَّا لِقِبْلَةٍ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، فَإِنْ انْحَرَفَ إلَى غَيْرِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَمَحَتْ دَابَّتُهُ وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ (وَيَكْفِيه إيمَاءٌ) هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَيُومِئُ (بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) حَالَةَ كَوْنِهِ (أَخْفَضَ) مِنْ الرُّكُوعِ تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَكَذَا الْبُخَارِيُّ لَكِنْ بِدُونِ تَقْيِيدِ السُّجُودِ بِكَوْنِهِ أَخْفَضَ وَبِذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي سُجُودِهِ وَضْعُ جَبْهَتِهِ عَلَى عُرْفِ الدَّابَّةِ أَوْ سَرْجِهَا أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: خِلَافُ مَا ذَكَرَاهُ) وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى سَهُلَ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَلَوْ فِي السَّلَامِ وَجَبَ وَمِمَّا ذَكَرَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا التَّوَجُّهُ فِي التَّحَرُّمِ إنْ سَهُلَ وَلَا يَجِبُ التَّوَجُّهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ سَهُلَ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَلَا يَنْحَرِفُ إلَّا لِقِبْلَةٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا الْمَفْرُوضُ فِي الرَّاكِبِ لَكِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَكَانَ الْأَنْسَبُ تَأْخِيرَهُ عَنْ الْمَاشِي لِيَرْجِعَ لَهُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ وَيَكْفِيه إيمَاءٌ إلَخْ رَاجِعٌ أَيْضًا لِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا اهـ شَيْخُنَا.
وَلَا نَاهِيَةٌ وَعَدَلَ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِ الْأَصْلِ وَيَحْرُمُ انْحِرَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ عَدَمُ الصِّحَّةِ إذْ الشَّيْءُ قَدْ يَحْرُمُ مَعَ الصِّحَّةِ بِخِلَافِ النَّهْيِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي مُخَالَفَتِهِ الْفَسَادُ وَقَدْ يُقَالُ الْحُرْمَةُ أَيْضًا يَلْزَمُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ نَهْيٌ فَمَا حِكْمَةُ الْعُدُولِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا أَخْصَرُ أَوْ يُقَالُ فَرْقٌ بَيْنَ دَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ وَدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَعَدَمُ السُّنِّيَّةِ وَالْبُطْلَانِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَتْ نَصًّا فِي الْبُطْلَانِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: عَنْ صَوْبِ طَرِيقِهِ) إنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ مَعَ مُضِيِّهِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الِانْحِرَافِ مَعَ قَطْعِهَا فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ لَهُ تَرْكَهَا وَيَجُوزُ رُكُوبُ الدَّابَّةِ مَقْلُوبًا بِالْجِهَةِ الْقِبْلَةَ لَكِنْ لَا يُكَلَّفُهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا لِقِبْلَةٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَيُصَلِّي صَوْبَ مَقْصِدِهِ، وَإِنْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقٌ آخَرُ يَسْتَقْبِلُ فِيهِ الْقِبْلَةَ مُسَاوٍ لَهُ مَسَافَةً وَسُهُولَةً وَسَلَكَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ لَا لِغَرَضٍ لِتَوَسُّعِهِمْ فِي النَّفْلِ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا إلَّا لِقِبْلَةٍ) أَيْ وَلَوْ بِرُكُوبِهِ مَقْلُوبًا فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ عَنْ يَمِينِهِ أَمْ يَسَارِهِ أَمْ خَلْفِهِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ لِكَوْنِهِ وَصَلَةً لِلْأَصْلِ إذْ لَا يَتَأَتَّى الرُّجُوعُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ مُغْتَفَرًا كَمَا لَوْ تَغَيَّرَتْ نِيَّتُهُ عَنْ مَقْصِدِهِ الَّذِي صَلَّى إلَيْهِ وَعَزَمَ أَنْ يُسَافِرَ إلَى غَيْرِهِ أَوْ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ، فَإِنَّهُ يَصْرِفُ وَجْهَهُ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَتَكُونُ هِيَ قِبْلَتَهُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْأُولَى قِبْلَتَهُ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الْعَزِيمَةُ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَوْ جَمَحَتْ دَابَّتُهُ) وَلَوْ انْحَرَفَتْ بِنَفْسِهَا بِغَيْرِ جِمَاحٍ وَهُوَ غَافِلٌ عَنْهَا ذَاكِرًا لِلصَّلَاةِ فَفِي الْوَسِيطِ إنْ قَصُرَ الزَّمَانُ لَمْ تَبْطُلْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ اهـ وَأَوْجُهُمَا الْبُطْلَانُ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَفِي الْمُخْتَارِ جَمَحَ الْفَرَسُ أَعْجَزَ رَاكِبَهُ وَغَلَبَهُ وَبَابُهُ خَضَعَ وَجِمَاحًا أَيْضًا بِالْكَسْرِ فَهُوَ فَرَسٌ جَمُوحٌ بِالْفَتْحِ وَجَمَحَ أَسْرَعَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة: 57] اهـ (قَوْلُهُ: وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ أَيْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ ع ش.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَكِنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ عَمْدَ ذَلِكَ مُبْطِلٌ وَفِعْلُ الدَّابَّةِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَحَّحَاهُ فِي الْجِمَاحِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فِي النِّسْيَانِ وَنَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ فِيهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ نَقَلَا عَنْ الشَّافِعِيِّ عَدَمَ السُّجُودِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَيَكْفِيه إيمَاءٌ) مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الرَّاكِبُ غَيْرُ الْمَلَّاحِ الْمُتَعَذِّرُ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِ م ر لَكِنْ هُوَ صَحِيحٌ حُكْمًا لَا مَرْجِعًا اهـ شَوْبَرِيٌّ وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا اهـ (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَيُومِئُ) أَيْ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْإِيمَاءَ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُ جِهَتِهِ عَلَى عُرْفِهَا مَثَلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذَا الْإِيهَامُ إنَّمَا هُوَ فِي السُّجُودِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر وَيُومِئُ بِالْهَمْزَةِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا) وَلَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ وُسْعِهِ فِي الِانْحِنَاءِ فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى أَكْمَلِ الرُّكُوعِ دُونَ مَا زَادَ كَرَّرَهُ مَرَّتَيْنِ كَمَا فِي الْخَادِمِ اهـ ح ل وَفِي الْمُخْتَارِ أَوْمَأْت إلَيْهِ أَشَرْت وَلَا تَقُلْ أَوْ مَيْت وَوَمَأْت إلَيْهِ أَمَأُ وَمْأً مِثْلُ وَضَعْت أَضَعُ وَضْعًا لُغَةً اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَمَأْت إلَيْهِ إيمَاءً أَشَرْت إلَيْهِ بِحَاجِبٍ أَوْ يَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي لُغَةِ وَمَأْت أَمَأُ وَمْأً مِنْ بَابِ وَقَعَ وَسَقَطَتْ الْوَاوُ كَمَا سَقَطَتْ مِنْ يَقَعْ اهـ وَفِي هَامِش الْقَسْطَلَّانِيِّ بِخَطِّ الشَّيْخِ أَبِي الْعِزِّ الْعَجَمِيِّ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْإِيمَاءُ الْإِشَارَةُ بِالْأَعْضَاءِ كَالرَّأْسِ وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالْحَاجِبِ يُقَالُ أَوْمَأْت إلَيْهِ أُومِئُ إيمَاءً وَوَمَأْت لُغَةً فِيهِ وَلَا يُقَالُ أَوْ مَيْت وَقَدْ جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ مَهْمُوزَةٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ فِي قَرَأْت قَرَيْت وَهَمْزَةُ الْإِيمَاءِ زَائِدَةٌ وَبَابُهَا الْوَاوُ (قَوْلُهُ عَلَى عُرْفِ الدَّابَّةِ) شَامِلٌ لِغَيْرِ الْفَرَسِ وَفِي الْمُخْتَارِ الْعُرْفُ ضِدُّ النُّكُرِ إلَى أَنْ قَالَ وَالْعُرْفُ أَيْضًا عُرْفُ الْفَرَسِ اهـ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُضَافُ لِغَيْرِ الْفَرَسِ مِنْ الدَّوَابِّ ثُمَّ قَالَ وَالْمَعْرِفَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهِ الْعُرْفُ اهـ وَفِي الْقَامُوسِ وَالْعُرْفُ بِالضَّمِّ شَعْرُ عُنُقِ الرَّأْسِ وَتُضَمُّ رَاؤُهُ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَعُرْفُ الدَّابَّةِ الشَّعْرُ النَّابِتُ فِي مُحَدَّبِ
(1/318)
نَحْوِهِ (وَالْمَاشِي يُتِمُّهُمَا) أَيْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ (وَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا وَفِي تَحَرُّمِهِ) وَفِيمَا زِدْته بِقَوْلِي (وَجُلُوسِهِ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ) لِسُهُولَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ وَلَهُ الْمَشْيُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ لِطُولِ زَمَنِهِ أَوْ سُهُولَةِ الْمَشْيِ فِيهِ.
(وَلَوْ صَلَّى) شَخْصٌ (فَرْضًا) عَيْنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ (عَلَى دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ وَتَوَجَّهَ) الْقِبْلَةَ (وَأَتَمَّهُ) أَيْ الْفَرْضَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ (جَازَ) ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً لِاسْتِقْرَارِهِ فِي نَفْسِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَكُونَ سَائِرَةً أَوْ لَمْ يَتَوَجَّهْ أَوْ لَمْ يُتِمَّ الْفَرْضَ (فَلَا) يَجُوزُ لِرِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الطَّوَافِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا فِي نَفْسِهِ نَعَمْ إنْ خَافَ مِنْ نُزُولِهِ عَنْهَا انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَتِهِ أَوْ نَحْوِهِ صَلَّى عَلَيْهَا وَأَعَادَ كَمَا مَرَّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنْ قَوْلِي وَإِلَّا فَلَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ أَوْ سَائِرَةً فَلَا وَلَوْ صَلَّى عَلَى سَرِيرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
رَقَبَتِهَا اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الشَّارِحِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَالْمَاشِي يُتِمُّهُمَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُمَا أَوْ عَدَمُ الِاسْتِقْبَالِ فِيهِمَا لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مَثَلًا لَمْ يَتَنَفَّلْ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ بِالْمَعْنَى أَقُولُ وَلَوْ قِيلَ يَتَنَفَّلُ وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ الْمُجَوِّزَةَ لِتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ فِي السَّفَرِ فِي حَقِّ الرَّاكِبِ مَوْجُودَةٌ هُنَا فَلْيُرَاجَعْ وَقَدْ يَشْهَدُ لَهُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ بِالطَّرِيقِ وَحْلٌ إلَخْ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَالْمَاشِي يُتِمُّهُمَا) أَيْ إنْ سَهُلَ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ يَمْشِي فِي وَحْلٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ مَاءٍ أَوْ ثَلْجٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ كَمَالُ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ لُزُومُهُ وَاشْتِرَاطُهُ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ يَكْفِيه الْإِيمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَتَلْوِيثِ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ بِالطِّينِ، وَقَدْ وَجَّهُوا وُجُوبَ إكْمَالِهِ بِالتَّيَسُّرِ وَعَدَمِ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا وَإِلْزَامُهُ بِالْكَمَالِ يُؤَدِّي إلَى التَّرْكِ جُمْلَةً اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ أَنْ يُقَالَ يَكْفِيه الْإِيمَاءُ إلَخْ وَلَا تُسَنُّ إعَادَةُ النَّفْلِ الرَّاتِبِ مِنْهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِيه الْإِيمَاءُ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يُبَالِغُ فِي ذَلِكَ بِحَيْثُ يَقْرُبُ مِنْ الْوَحْلِ كَمَنْ حُبِسَ بِمَوْضِعٍ نَجِسٍ وَكَمَا فِي مَنْ يُصَلِّي النَّفَلَ قَاعِدًا إذَا عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ فِي السَّفَرِ خُفِّفَ فِيهِ وَحَيْثُ وُجِدَتْ مَشَقَّةٌ سَقَطَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَيَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ الْإِيمَاءِ اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَجُلُوسُهُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ) هَذَا فِي غَيْرِ الْمَاشِي زَحْفًا أَوْ حَبْوًا أَمَّا هُوَ فَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي حَقِّهِ كَالِاعْتِدَالِ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَهُ الْمَشْيُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) أَيْ مِنْ قِيَامٍ وَاعْتِدَالٍ وَتَشَهُّدٍ وَلَوْ أَوَّلَ وَكَذَا سَلَامٌ وَبِهِ يَنْتَظِمُ قَوْلُهُمْ يَسْتَقْبِلُ فِي أَرْبَعٍ وَيَمْشِي فِي أَرْبَعٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَبَيْنَ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِأَنَّ مَشْيَ الْقَائِمِ سَهْلٌ فَسَقَطَ عَنْهُ التَّوَجُّهُ فِيهِ لِيَمْشِيَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ سَفَرِهِ قَدْرَ مَا يَأْتِي بِهِ بِالذِّكْرِ الْمَسْنُونِ فِيهِ وَمَشْيُ الْجَالِسِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْقِيَامِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَزِمَهُ التَّوَجُّهُ فِيهِ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ صَلَّى فَرْضًا) هَذَا مَفْهُومُ النَّفْلِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ السَّابِقِ لَكِنَّهُ أَعَمُّ لِشُمُولِهِ لِلْمُقِيمِ أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْفَرْضُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُهُ) كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمُعَادَةِ وَصَلَاةِ الصَّبِيِّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ فَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَالْفُرُوضِ الْعَيْنِيَّةِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ م ر مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ أَصْلِهِ فَاغْتَرَّ بِهِ بَعْضُ الْحَوَاشِي فَنَقْلُهُ كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ؛ لِأَنَّهُ سَاقَهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّشِيدِيُّ عَلَيْهِ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ) وَكَالْوَاقِفَةِ مَا لَوْ كَانَ زِمَامُهَا بِيَدِ مُمَيِّزٍ وَكَذَا حَامِلُ السَّرِيرِ وَلَوْ وَاحِدًا مِنْ حَامِلِيهِ حَيْثُ ضُبِطَ بَاقِيهِمْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُسَيِّرُ السَّفِينَةِ غَيْرَهُ لِعَدَمِ نِسْبَةِ سَيْرِ مَا ذَكَرَهُ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ طَوَافُهُ عَلَيْهِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: لِرِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ السَّابِقَةِ) هِيَ قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِقَضِيَّتِهَا فَيُمْنَعُ مِنْ صَلَاتِهِ عَلَيْهَا وَاقِفَةً مَعَ التَّوَجُّهِ وَإِتْمَامِ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّ السِّيَاقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تُرِكَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا لِمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ الْخَلَلِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الصِّحَّةِ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: مَنْسُوبٌ إلَيْهِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ وَثَبَتَ وَثْبَةً فَاحِشَةً أَوْ سَارَتْ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَةً بُطْلَانَ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ز ي اهـ شَوْبَرِيٌّ وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ زِمَامُهَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَكَانَ مُمَيِّزًا وَالْتَزَمَ بِهَا الْقِبْلَةَ وَاسْتَقْبَلَ الرَّاكِبُ وَأَتَمَّ الْأَرْكَانَ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ م ر وَصَرَّحَ بِهِ سم اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ جَوَازِ الطَّوَافِ عَلَيْهَا) أَيْ بِخِلَافِ السَّفِينَةِ، فَإِنَّهَا كَالدَّارِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ خَافَ مِنْ نُزُولٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر نَعَمْ إنْ خَافَ مِنْ النُّزُولِ عَنْهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، وَإِنْ قَلَّ أَوْ فَوَّتَ رُفْقَتَهُ إذَا اسْتَوْحَشَ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ أَوْ خَافَ وُقُوعَ مُعَادِلِهِ لِمَيْلِ الْحَمْلِ أَوْ تَضَرُّرَ الدَّابَّةِ أَوْ احْتَاجَ فِي نُزُولِهِ إذَا رَكِبَ إلَى مُعَيَّنٍ وَلَيْسَ مَعَهُ أَجِيرٌ لِذَلِكَ وَلَمْ يَتَوَسَّمْ مِنْ نَحْوِ صَدِيقٍ إعَانَتَهُ فَلَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ عَلَيْهَا وَهِيَ سَائِرَةٌ إلَى جِهَةِ مَقْصِدِهِ وَيُعِيدُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: أَيْضًا نَعَمْ إنْ خَافَ مِنْ نُزُولِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ الرَّاكِبِ بِذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَاشِي الْخَائِفُ كَذَلِكَ فَيُصَلِّي مَاشِيًا كَالنَّافِلَةِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِنُدْرَةِ الْعُذْرِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَعَادَ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ حَجّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى سَرِيرٍ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ السَّرِيرَ مَنْسُوبٌ لِحَامِلِهِ دُونَ رَاكِبِهِ وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّابَّةِ
(1/319)
مَحْمُولٍ عَلَى رِجَالٍ سَائِرِينَ بِهِ صَحَّ.
(وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَلَوْ فِي عَرْصَتِهَا لَوْ انْهَدَمَتْ (أَوْ عَلَى سَطْحِهَا وَتَوَجَّهَ شَاخِصًا مِنْهَا) كَعَتَبَتِهَا أَوْ بَابِهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ أَوْ خَشَبَةٍ مَبْنِيَّةٍ أَوْ مُسَمَّرَةٍ فِيهِ أَوْ تُرَابٍ جُمِعَ مِنْهَا (ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ) بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ (تَقْرِيبًا) مِنْ زِيَادَتِي (جَازَ) أَيْ مَا صَلَّاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الشَّاخِصُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ لِأَنَّهُ سُتْرَةُ الْمُصَلِّي فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَدْرُهَا وَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا فَقَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
السَّائِرَةِ بِنَفْسِهَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ السَّائِرِينَ بِالسَّرِيرِ بِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَكَادُ تَثْبُتُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُرَاعَى جِهَةُ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الرِّجَالِ قَالَ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلدَّابَّةِ مَنْ يَلْزَمُ لِجَامَهَا أَيْ وَهُوَ مُمَيِّزٌ وَيُسَيِّرُهَا بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْجِهَةُ جَازَ ذَلِكَ مِنْهُ مَسْأَلَةُ الْبَدْرِ بْنِ شُهْبَةَ وَهِيَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي الْمِحَفَّةِ السَّائِرَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ زِمَامُ الدَّابَّةِ يُرَاعِي الْقِبْلَةَ اهـ ح ل وَقَوْلُهُ كَمَا مَرَّ أَيْ فِي آخِرِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الْعُذْرَ النَّادِرَ تَلْزَمُ فِيهِ الْإِعَادَةُ أَوْ مَرَّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي الْعَاجِزِ أَوْ فِيهِمَا اهـ شَيْخُنَا وَفِي ع ش عَلَى الْمَوَاهِبِ مَا نَصُّهُ عِبَارَةُ شَيْخِنَا ح ل وَاخْتُلِفَ هَلْ أَذَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ فَقِيلَ نَعَمْ أَذَّنَ مَرَّةً وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَيْ وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي السَّفَرِ وَصَلَّى وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ فَتَقَدَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُ إيمَاءً بِجَعْلِ السُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ» اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ سَنَدَهُ.
وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ لِمَانِعٍ مَنَعَهُمْ مِنْ النُّزُولِ وَفِي تُحْفَةِ حَجّ عَلَى الْمِنْهَاجِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَوْ صَلَّى فَرْضًا عَلَى دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ إلَخْ مَا نَصُّهُ أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ النُّزُولِ عَنْهَا كَأَنْ خَشِيَ مِنْهُ مَشَقَّةً لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً أَوْ خَوْفَ الرُّفْقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا مُجَرَّدُ الْوَحْشَةِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ فَيُصَلِّي عَلَيْهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ وَخَالَفَهُ الشَّمْسُ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ فِي عَدَمِ الْإِعَادَةِ فَقَالَ يُومِئُ وَيُعِيدُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: عَلَى سَرِيرٍ) وَمِنْهُ الْأُرْجُوحَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهِيَ مَا تُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ بِالْمُرْجِيحَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر عَلَى سَرِيرٍ أَوْ أُرْجُوحَةٍ مُعَلَّقَةٍ بِحِبَالٍ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى رِجَالٍ) أَيْ عُقَلَاءَ، فَإِنْ كَانُوا مَجَانِينَ فَكَالدَّابَّةِ لِنِسْبَةِ السَّيْرِ إلَى الرَّاكِبِ اهـ عَبْدُ رَبِّهِ فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مَجَانِينَ وَبَعْضُهُمْ عُقَلَاءَ أَفْتَى شَيْخُنَا إنْ كَانَ غَيْرُ الْعُقَلَاءِ تَابِعِينَ لِلْعُقَلَاءِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا اهـ سم قَالَ الْأَطْفِيحِيُّ الْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ) وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَفْضَلُهَا جِهَةُ الْبَابِ وَالصَّلَاةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهَا خَارِجَهَا إلَّا لِنَحْوِ جَمَاعَةٍ خَارِجَهَا إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِذَاتِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَحَلِّهَا كَالْجَمَاعَةِ بِبَيْتِهِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَالنَّافِلَةِ بِبَيْتِهِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهَا بِالْمَسْجِدِ وَلَوْ الْكَعْبَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ أَفْضَلَ مِنْهُ بَلْ نَقَلَ الطُّرْطُوشِيُّ الْمَالِكِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ حَتَّى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نَعَمْ النَّفَلُ ذُو السَّبَبِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي بَيْتِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَوَجَّهَ شَاخِصًا مِنْهَا إلَخْ) أَمَّا إذَا لَمْ يَتَوَجَّهْ مَا ذُكِرَ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى فِيهِ أَيْ فِي الْبَيْتِ لَا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِقْبَالُ هَوَائِهَا لِمَنْ هُوَ خَارِجُهَا هُدِمَتْ أَوْ وُجِدَتْ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عُرْفًا مُسْتَقْبِلًا لَهَا بِخِلَافِ مَنْ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ فِي هَوَائِهَا فَلَا يُسَمَّى عُرْفًا مُسْتَقْبِلًا لَهَا اهـ حَجّ وَلَوْ زَالَ ذَلِكَ الشَّاخِصُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ بِخِلَافِ زَوَالِ الرَّابِطَةِ اهـ زي؛ لِأَنَّ أَمْرَ الِاسْتِقْبَالِ فَوْقَ أَمْرِ الرَّابِطَةِ اهـ سم، وَإِنَّمَا كَانَ الِاسْتِقْبَالُ فَوْقَ الرَّابِطَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالرَّابِطَةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجَمَاعَةِ اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُسَمَّرَةٍ فِيهَا) مِنْ سَمَّرَهُ وَبَابُهُ قَتَلَ وَالتَّثْقِيلُ مُبَالَغَةٌ فِيهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَلَوْ سَمَّرَهَا هُوَ لِيُصَلِّيَ إلَيْهَا ثُمَّ يَأْخُذَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ وَمَالَ م ر إلَى هَذَا الْخِلَافِ وَارْتَضَاهُ اهـ سم وَفِي حَجّ أَنَّهُ يَكْفِي اسْتِقْبَالُ الْوَتَدِ الْمَغْرُوزِ فَتَقْيِيدُ الْخَشَبَةِ بِالْمُسَمَّرَةِ وَالْمَبْنِيَّةِ لَيْسَ لِلتَّخْصِيصِ بَلْ يَكْفِي ثُبُوتُهَا وَلَوْ بِغَيْرِ بِنَاءٍ وَسَمْرٍ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ح ل وزي اهـ (قَوْلُهُ أَوْ تُرَابٍ جُمِعَ مِنْهَا) أَيْ دُونَ مَا تُلْقِيهِ الرِّيَاحُ وَالْأَحْجَارُ الْمَقْلُوعَةُ مِنْهَا كَالتُّرَابِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ) أَيْ ارْتِفَاعِهِ ذَلِكَ أَيْ وَإِنْ بَعُدَ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ فَأَكْثَرَ وَخَرَجَ بَعْضُ بَدَنِهِ عَنْ مُحَاذَاةِ الشَّاخِصِ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ بِبَعْضِ بَدَنِهِ جُزْءًا مِنْهَا وَبِبَاقِيهِ هَوَاءَهَا لَكِنْ تَبَعًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ إنْ بَعُدَ عَنْهُ إلَخْ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي وَقَاضِي الْحَاجَةِ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ السَّتْرُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا مَعَ الْقُرْبِ وَهُنَا إصَابَةُ الْعَيْنِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الشَّاخِصُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَمَّا إذَا كَانَ الشَّاخِصُ دُونَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا كَحَشِيشٍ نَابِتٍ وَعَصًا مَغْرُوزَةٍ بِهَا فَلَا يَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ اهـ زي وَهُوَ يُخَالِفُ مَا فِي حَجّ فِي الْعَصَا الْمَغْرُوزَةِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ سُتْرَةُ الْمُصَلِّي) أَيْ كَسُتْرَةِ
(1/320)
كَمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلِي شَاخِصًا مِنْهَا أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ (وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (وَلَا حَائِلَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَأَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ أَوْ سَطْحٍ بِحَيْثُ يُعَايِنُهَا (لَمْ يَعْمَلْ بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ مِنْ تَقْلِيدٍ أَوْ قَبُولِ خَبَرٍ أَوْ اجْتِهَادٍ لِسُهُولَةِ عِلْمِهَا فِي ذَلِكَ وَكَالْحَاكِمِ إذَا وَجَدَ النَّصَّ فَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالتَّقْلِيدِ وَالِاجْتِهَادِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا لَمْ يُمْكِنْهُ عِلْمُهَا أَوْ أَمْكَنَهُ وَثَمَّ حَائِلٌ كَجَبَلٍ وَبِنَاءٍ (اعْتَمَدَ ثِقَةً) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً (يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ) لَا عَنْ اجْتِهَادٍ كَقَوْلِهِ أَنَا أُشَاهِدُ الْكَعْبَةَ وَلَا يُكَلَّفُ الْمُعَايَنَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْمُصَلِّي فَالْمَعْنَى عَلَى التَّشْبِيهِ وَقَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَدْرُهَا بَيَانٌ لِلْجَامِعِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا أَيْ عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي بَيَانٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ أَيْ لِدَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: كَمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ) بِمِيمٍ مَضْمُونَةٍ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ مَكْسُورَةٌ أَوْ مَفْتُوحَةٌ مُخَفَّفَةٌ فِيهِمَا وَيُقَالُ مُؤَخَّرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ الْمَفْتُوحَةِ أَوْ الْمَكْسُورَةِ وَقَدْ تُبْدَلُ الْهَمْزَةُ وَاوًا يُقَالُ آخِرُهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمَدِّ مَعَ كَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ الْحَقِيبَةُ الْمَحْشُوَّةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إلَيْهَا الرَّاكِبُ خَلْفَهُ مِنْ كُورِ الْبَعِيرِ وَالرَّحْلُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي التَّوْشِيحِ لِلسُّيُوطِيِّ أَنَّهَا الْعُودُ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَيْهِ الرَّاكِبُ فِي آخِرِ الرَّحْلِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَمْكَنَهُ) أَيْ سَهُلَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ رَقِيقًا بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْكَعْبَةُ) أَيْ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا كَالْقُطْبِ وَمَوْقِفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ، وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْآحَادِ فَكَالْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ اهـ ح ل وَقَوْلُهُ كَالْقُطْبِ أَيْ بَعْدَ الِاهْتِدَاءِ إلَيْهِ وَمَعْرِفَتِهِ يَقِينًا وَكَيْفِيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ بِهِ فِي كُلِّ قُطْرٍ، وَأَمَّا إذَا فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يَجْتَهِدُ مَعَهَا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَهُوَ بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ فِي بَنَاتِ نَعْشِ الصُّغْرَى اهـ شَيْخُنَا ح فُ (قَوْلُهُ: أَيْضًا أَيْ الْكَعْبَةُ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ عَلِمَ الْقِبْلَةَ وَهِيَ أَوْلَى إذْ مِثْلُ الْكَعْبَةِ مَحَارِيبُ الْمُسْلِمِينَ الْمُعْتَمَدَةُ فِي أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَهُ عِلْمُهَا لَمْ يَعْمَلْ بِغَيْرِهِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ وَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِهَا، وَإِنْ احْتَمَلَ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى مَثَلًا إذَا أَمْكَنَهُ التَّحْسِيسُ عَلَيْهَا لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ لِكَثْرَةِ الصُّفُوفِ وَالزِّحَامِ فَيَكُونُ كَالْحَائِلِ هَكَذَا ظَهَرَ وَعَرَضْته عَلَى شَيْخِنَا الطَّبَلَاوِيِّ فَوَافَقَ اهـ سم وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَعْمَى مُسْتَفَادٌ مِنْ تَفْسِيرِهِمْ الْإِمْكَانَ بِالسُّهُولَةِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْجَبَلُ الْمُشْرِفُ عَلَى الصَّفَا وَكَانَ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأَمِينَ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَانَ مُودَعًا فِيهِ عَامَ الطُّوفَانِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اقْتَبَسَ مِنْهُ النَّارَ الَّتِي فِي أَيْدِي النَّاسِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يُعَايِنُهَا) قَيْدٌ فِي الثَّلَاثَةِ أَيْ بِحَيْثُ تُمْكِنُ مُعَايَنَتُهَا كَأَنْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ لَا أَنَّهُ يُعَايِنُهَا بِالْفِعْلِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ يُعَايِنُهَا بِالْفِعْلِ فَيُقَالُ لَهُ عَالِمٌ بِهَا لَا أَنَّهُ يُمْكِنُهُ عِلْمُهَا فَلَا يَصِحُّ جَعْلُ هَذِهِ أَمْثِلَةً لِقَوْلِهِ وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُهَا اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر بِأَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ بِمَكَّةَ وَلَا حَائِلَ أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مُعَايَنَتِهَا وَحَصَلَ لَهُ شَكٌّ فِيهَا لِنَحْوِ ظُلْمَةٍ انْتَهَتْ.
وَقَوْلُهُ لِنَحْوِ ظُلْمَةٍ مُرَادُهُ بِالظُّلْمَةِ الظُّلْمَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْمُعَايَنَةِ فِي الْحَالِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّوَصُّلِ إلَى الْمُعَايَنَةِ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ إذْ هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَالْحَاكِمِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ إذَا وَجَدَ النَّصَّ فَلَا يَرْجِعُ لِتَقْلِيدِ غَيْرِهِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا اعْتَمَدَ ثِقَةً إلَخْ) مَعَ قَوْلِهِ قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا يَقْتَضِي هَذَا الصَّنِيعُ أَنَّ اعْتِمَادَ الثِّقَةِ الْمَذْكُورِ لَا يُسَمَّى تَقْلِيدًا وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ التَّقْلِيدَ أَخْذُ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ وَالْمُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ لَيْسَ مُجْتَهِدًا حَتَّى يَكُونَ أَخَذَ قَوْلَهُ تَقْلِيدًا،.
وَعِبَارَةُ ابْنِ السُّبْكِيّ التَّقْلِيدُ أَخْذُ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً) قَدْ يَشْمَلُ التَّعْبِيرُ بِالثِّقَةِ دُونَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ مَنْ يَرْتَكِبُ خَارِمَ الْمُرُوءَةِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ الْفِسْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَشْعُرُ بِهِ قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِالثِّقَةِ غَيْرُهُ كَفَاسِقٍ إلَخْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ قَبُولِ خَبَرِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ أَنَا أُشَاهِدُ الْكَعْبَةَ) أَيْ أَوْ الْمِحْرَابَ الْمُعْتَمَدَ أَوْ قَالَ: رَأَيْت الْقُطْبَ أَوْ نَحْوَهُ أَوْ رَأَيْت الْجَمْعَ الْكَثِيرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُصَلَّوْنَ هَكَذَا فَفِي هَذَا كُلِّهِ يَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ بَلْ يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ لَزِمَهُ سُؤَالُهُ حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي سُؤَالِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَيَسْأَلُ مَنْ دَخَلَ دَارِهِ وَلَا يَجْتَهِدُ نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا يُخْبِرُ عَنْ اجْتِهَادٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ تَقْلِيدُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ زي.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُكَلَّفُ الْمُعَايَنَةَ إلَخْ) وَمِنْهَا تَكْلِيفُ الْأَعْمَى الذَّهَابَ إلَى حَائِطِ الْمِحْرَابِ مَعَ وُجُودِ الصُّفُوفِ أَوْ تَعَثُّرِهِ بِالْجَالِسِينَ أَوْ السَّوَارِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ تَكْلِيفُهُ الصَّلَاةَ خَلْفَ إمَامٍ بَعِيدٍ عَنْ حَائِطِ الْمِحْرَابِ وَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ عَنْ الْأَعْمَى إذَا اسْتَدَلَّ عَلَى الْقِبْلَةِ بِنَصْبِ حَصِيرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ وَجَّهَهُ شَخْصٌ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَابِ سَوَاءٌ سَهُلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ لَا هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْمِحْرَابِ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ خَالِيًا.
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْمِحْرَاب إلَّا فِي أَيَّامِ الْعِيدِ وَنَحْوِهِ إذَا كَثُرَ النَّاسُ وَعَجَزَ عَنْ مَسِّ
(1/321)
بِصُعُودِ حَائِلٍ أَوْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمَشَقَّةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ مَعَ وُجُودِ إخْبَارِ الثِّقَةِ، وَفِي مَعْنَاهُ رُؤْيَةُ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ بِبَلَدٍ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ يَكْثُرُ طَارِقُوهُ، وَخَرَجَ بِالثِّقَةِ غَيْرُهُ كَفَاسِقٍ وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْمِحْرَابِ، وَإِجْمَاعُ الْعُمْيَان عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ جَهْلٍ وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا الشبراملسي فِي ذَلِكَ وَهُوَ فُسْحَةٌ عَظِيمَةٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: بِصُعُودِ حَائِلٍ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ كَثَلَاثِ دَرَجٍ (وَقَوْلُهُ أَوْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ) أَيْ وَإِنْ قَرُبَ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ.
وَعِبَارَةُ الْخَطِيبِ نَعَمْ إنْ حَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ مَشَقَّةٌ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ ثِقَةٍ مُخْبِرٍ عَنْ عِلْمٍ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِ إخْبَارِ الثِّقَةِ) وَيُكَلَّفُ الذَّهَابَ إلَى مَنْ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ وَسُؤَالَهُ، وَإِذَا سَأَلَهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْشَادُهُ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ إرْشَادَهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَمَنْ سُئِلَ شَيْئًا مِنْهَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ حَيْثُ لَا عُذْرَ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ عَدَمُ تَكْلِيفِهِ صُعُودَ السَّطْحِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ بِخِلَافِ الصُّعُودِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي السُّؤَالِ مَشَقَّةٌ كَانَ كَذَلِكَ وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَسْأَلَهُ هَلْ إخْبَارُهُ عَنْ عِلْمٍ أَوْ اجْتِهَادٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَاهُ رُؤْيَةُ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِمَادُ لَا مِنْ حَيْثُ امْتِنَاعُ الِاجْتِهَادِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهَا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ مَعَهُ اهـ عَزِيزِيٌّ قَالَ سم عَلَى حَجّ.
فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ وَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ قَبْلَ الْإِقْدَامِ أَيْ عَلَى اعْتِمَادِ الْمِحْرَابِ الْبَحْثُ عَنْ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ الطَّعْنِ، فَإِذَا صَلَّى قَبْلَهُ بِدُونِ اجْتِهَادٍ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي مَحَلٍّ لَمْ يَكْثُرْ طَارِقُوهُ وَاحْتَمَلَ الطَّعْنَ فِيهِ وَإِلَّا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ اهـ ع ش عَلَى م ر (فَرْعٌ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَيَعْتَمِدُ الْأَعْمَى وَكَذَا مَنْ فِي ظُلْمَةٍ الْمِحْرَابِ بِالْمَسِّ وَلَوْ لَمْ يَرَهُ قَبْلَ الْعَمَى كَمَا يَعْتَمِدُهُ الْبَصِيرُ الَّذِي لَيْسَ فِي ظُلْمَةٍ بِالْمُشَاهَدَةِ فَالْمِحْرَابُ الْمُعْتَمَدُ كَصَرِيحِ الْخَبَرِ فَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَوَاضِعُ لَمَسَهَا صَبَرَ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَلَّى كَيْفَ اتَّفَقَ وَأَعَادَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ اهـ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ فِي ظُلْمَةٍ كِلَيْهِمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَلَا يُقَلِّدَانِ الْمُخْبِرَ عَنْ الْمِحْرَابِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْعُبَابِ نَصُّهَا وَيَعْتَمِدُ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ فِي ظُلْمَةٍ الْمِحْرَابَ بِالْمَسِّ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ قَبْلَ الْعَمَى، فَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ قَلَّدَ بَصِيرًا، فَإِنْ فَقَدَهُ صَبَرَ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ صَلَّاهَا كَيْفَ شَاءَ وَأَعَادَ إذَا قَدَرَ اهـ اهـ سم (قَوْلُهُ: رُؤْيَةُ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ) جَمْعُ مِحْرَابٍ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ صَدْرُ الْمَجْلِسِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُحَارِبُ الشَّيْطَانَ فِيهِ وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا بِمَنْ فِيهِ خِلَافًا لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ.
(فَائِدَةٌ) لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْمِائَةِ الْأُولَى مِحْرَابٌ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ الْمَحَارِيبُ فِي أَوَّلِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِهَا؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَلِأَنَّهَا مِنْ بِنَاءِ الْكَنَائِسِ وَاِتِّخَاذُهَا فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَة ع ش عَلَى م ر وَالْمِحْرَابُ الْمُجَوَّفُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَعْرُوفَةِ حَدَثَ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُكْرَهُ الدُّخُولُ فِي طَاقَةِ الْمِحْرَابِ وَرَأَيْت بِهَامِشِ نُسْخَةٍ قَدِيمَةٍ وَلَا يُكْرَهُ الدُّخُولُ فِي الطَّاقَةِ خِلَافًا لِلسُّيُوطِيِّ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: أَوْ صَغِيرٍ يَكْثُرُ طَارِقُوهُ) أَيْ وَسَلِمَتْ مِنْ الطَّعْنِ فِيهَا فَلَا يُجْتَهَدُ مَعَ وُجُودِهَا بِخِلَافِ مَا يَنْدُرُ طَارِقُوهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَخْفَى كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي أَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُمْتَنِعَ مَعَ وُجُودِ مَا ذُكِرَ الِاجْتِهَادُ فِي الْجِهَةِ، وَأَمَّا فِي الْيَمْنَةِ أَوْ الْيَسْرَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ فِي غَيْرِ مَوْقِفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا هُوَ فَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَإٍ حَتَّى وَلَوْ تَخَيَّلَ حَاذِقٌ فِيهِ انْحِرَافًا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً كَانَ خَيَالًا بَاطِلًا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَخَرَجَ بِسَلِمَتْ مِنْ الطَّعْنِ مَا لَمْ تَسْلَمْ مِنْهُ كَمَحَارِيبِ الْقَرَافَةِ وَأَرْيَافِ مِصْرَ فَلَا يَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ مَعَ وُجُودِهَا بَلْ يَجِبُ لِامْتِنَاعِ اعْتِمَادِهَا وَيَكْفِي الطَّعْنُ مِنْ وَاحِدٍ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمِيقَاتِ أَوْ ذَكَرَ لَهُ مُسْتَنَدًا قَالَ شَيْخُنَا وَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى بَيْتِ الْإِبْرَةِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَالْقِبْلَةِ لِإِفَادَتِهَا الظَّنَّ بِذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ الِاجْتِهَادُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ مَعَ وُجُودِهَا وَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَحَارِيبِ وَقَدْ جَعَلُوهَا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ كَالْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ: كَفَاسِقٍ وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ) أَيْ وَكَافِرٍ فَلَا يُقْبَلُ إخْبَارُهُ بِمَا ذُكِرَ كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي خَبَرِ الدِّينِ، نَعَمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ تَعَلَّمَ مُسْلِمٌ مِنْ مُشْرِكٍ دَلَائِلَ الْقِبْلَةِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ وَاجْتَهَدَ لِنَفْسِهِ فِي جِهَاتِ الْقِبْلَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي الْقِبْلَةِ عَلَى اجْتِهَادِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا قُبِلَ خَبَرُ الْمُشْرِكِ فِي غَيْرِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا أَظُنُّهُمْ يُوَافِقُونَهُ عَلَيْهِ وَنَظَرَ فِيهِ الشَّاشِيُّ وَقَالَ إذَا لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ فِي الْقِبْلَةِ لَا يُقْبَلُ فِي الْأَدِلَّةِ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَلَيْهَا مُسْلِمٌ وَسُكُونُ نَفْسِهِ إلَى خَبَرِهِ لَا يُوجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ
(1/322)
(فَإِنْ فَقَدَهُ) أَيْ الثِّقَةَ الْمَذْكُورَةَ (وَأَمْكَنَهُ اجْتِهَادٌ) بِأَنْ كَانَ عَارِفًا بِأَدِلَّةِ الْكَعْبَةِ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَيْهَا (اجْتَهَدَ لِكُلِّ فَرْضٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عَلَيْهِ الْحُكْمُ اهـ وَهَذَا التَّنْظِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَكَافِرٌ قَالَ حَجّ إلَّا إنْ عَلَّمَهُ قَوَاعِدَ صَيَّرَتْ لَهُ مَلَكَةً يَعْلَمُ بِهَا الْقِبْلَةَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَيْهَا، وَإِنْ نَسِيَ تِلْكَ الْقَوَاعِدَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ الْمُخَالِفُ لِذَلِكَ ضَعِيفٌ اهـ وَأَقُولُ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِمُخَالَفَةِ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا تَعَلَّمَ مِنْهُ الْأَدِلَّةَ وَقَلَّدَهُ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا كَأَنْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ النَّجْمَ الْفُلَانِيَّ إذَا اسْتَقْبَلْته أَوْ اسْتَدْبَرْته عَلَى صِفَةِ كَذَا كُنْت مُسْتَقْبِلًا لِلْكَعْبَةِ وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ضَعِيفٌ أَمَّا إذَا لَمْ تُعْلَمْ أَصْلُ الْأَدِلَّةِ مِنْهُ ثُمَّ تَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى اسْتِخْرَاجِهَا مِنْ الْكُتُبِ وَاجْتُهِدَ فِي ذَلِكَ حَتَّى صَارَ لَهُ مَلَكَةٌ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ صَحِيحِ الْأَدِلَّةِ مِنْ فَاسِدِهَا لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَمَا ذَكَرَهُ حَجّ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا كَفَاسِقٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الصَّوْمِ الْأَخْذُ بِخَبَرِهِ حِينَئِذٍ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقِبْلَةِ مَبْنِيًّا عَلَى الْيَقِينِ وَكَانَتْ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ أَعْظَمَ مِنْ الصَّوْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي تَأْخِيرِهَا بِحَالٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ اُحْتِيطَ لَهَا اهـ ع ش عَلَى م ر وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ عَارِفًا بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ هُوَ تَصْوِيرٌ لِإِمْكَانِ الِاجْتِهَادِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعْرِفَةُ الْأَدِلَّةِ مِنْ مُعَلِّمٍ مُسْلِمٍ أَوْ مِنْ كَافِرٍ بَلَغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ أَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا مُسْلِمٌ عَارِفٌ وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِهَا وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، وَإِنْ صَدَّقَ الْمُعَلَّمُ عَلَيْهِ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر وَاعْتَمَدَهُ وَتَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا اعْتِبَارُ التَّصْدِيقِ اهـ (قَوْلُهُ: وَصَبِيٌّ مُمَيِّزٌ) أَيْ وَإِنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ عَلَى الرَّاجِحِ لَكِنَّ قِيَاسَ مَا قَالُوهُ فِي الْمِيَاهِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ أَخَذَ بِقَوْلِهِ وَاعْتَمَدَهُ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ:، فَإِنْ فَقَدَهُ) أَيْ فِي مَحَلٍّ لَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلُ الْمَاءِ مِنْهُ بِأَنْ كَانَ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ اهـ ع ش.
1 -
(قَوْلُهُ: وَالنُّجُومِ) عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمِنْهَا قَلْبُ الْعَقْرَبِ الَّذِي هُوَ نَصٌّ فِي قِبْلَةِ مِصْرَ عِنْدَ طُلُوعِهِ مِنْ الْأُفُقِ، وَمِنْهَا الْكَوْكَبُ الْمُسَمَّى بِالْجُدَيِّ بِالتَّصْغِيرِ وَبِالْقُطْبِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَبِالْوَتَدِ وَبِفَاسِ الرَّحَى اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَيْهَا) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا كَالْعِلْمِ بِأَنَّهَا فِي بُرْجِ كَذَا أَوْ مُقَارِنَةٌ لِكَذَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَقْوَاهَا الْقُطْبُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَقْبَلُ بِهِ فِي جَمِيعُ الْأَمَاكِنِ وَهُوَ نَجْمٌ صَغِيرٌ فِي بَنَاتِ نَعْشِ الصُّغْرَى بَيْنَ الْجَدْيِ وَالْفَرْقَدَيْنِ سُمِّيَ نَجْمًا لِمُجَاوَرَتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ بِنَجْمٍ بَلْ نُقْطَةٌ تَدُورُ عَلَيْهَا هَذِهِ الْكَوَاكِبُ بِقُرْبِ النَّجْمِ فَيُجْعَلُ فِي الْيَمَنِ قُبَالَةَ الْوَجْهِ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ وَفِي الشَّامِ وَرَاءَهُ وَنَجْرَانَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ.
وَلِذَلِكَ قِيلَ: إنَّ قِبْلَتَهَا أَعْدَلُ الْقِبَلِ وَقِيلَ: إنَّهُ يَنْحَرِفُ بِدِمَشْقَ وَمَا قَارَبَهَا إلَى الشَّرْقِ قَلِيلًا وَفِي الْعِرَاقِ خَلْفَ الْأُذُنِ الْيُمْنَى وَفِي مِصْرَ خَلْفَ الْأُذُنِ الْيُسْرَى وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ
مَنْ وَاجَهَ الْقُطْبَ بِأَرْضِ الْيَمَنِ ... وَعَكْسُهُ الشَّامُ وَخَلْفَ الْأُذُنِ
الْيُمْنَى عِرَاقٌ وَيُسْرَى مِصْرُ ... قَدْ صُحِّحَ اسْتِقْبَالُهُ فِي الْعُمْرِ
وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الْجِبَالُ وَالرِّيَاحُ وَهِيَ أَضْعَفُهَا لِاخْتِلَافِهَا وَأُصُولُهَا أَرْبَعٌ الشَّمَالُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ لَهَا الْبَحْرِيَّةُ وَمَبْدَؤُهَا مِنْ الْقُطْبِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَهَا حُكْمُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَيُقَاسُ غَيْرُهَا بِمَا يُنَاسِبُهَا، وَيُقَابِلُهَا الْجَنُوبُ وَيُقَالُ لَهَا الْقِبْلِيَّةُ لِكَوْنِهَا إلَى جِهَةِ قِبْلَةِ الْمَدِينَةِ وَمَبْدَؤُهَا مِنْ نُقْطَةِ الْجَنُوبِ، وَالصَّبَا وَيُقَالُ لَهَا الشَّرْقِيَّةُ وَمَبْدَؤُهَا مِنْ نُقْطَةِ الْمَشْرِقِ، وَيُقَابِلُهَا الدَّبُّورُ وَيُقَالُ لَهَا الْغَرْبِيَّةُ وَمَبْدَؤُهَا مِنْ نُقْطَةِ الْمُغْرِبِ وَلِكُلٍّ مِنْهَا طَبْعٌ فَالشَّمَالُ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ وَهِيَ رِيحُ الْجَنَّةِ الَّتِي تَهُبُّ عَلَيْهِمْ، وَالْجَنُوبُ حَارَّةٌ رَطْبَةٌ، وَالصَّبَا حَارَّةٌ يَابِسَةٌ وَالدَّبُورُ يَابِسَةٌ رَطْبَةٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ بَنَاتُ نَعْشٍ الْكُبْرَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا نَعْشٌ وَثَلَاثٌ بَنَاتٌ وَكَذَا بَنَاتُ نَعْشٍ الصُّغْرَى وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ
بَنُو نَعْشٍ
وَاتَّفَقَ سِيبَوَيْهِ وَالْفَرَّاءُ عَلَى تَرْكِ صَرْفِ نَعْشٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ اهـ وَفِي الْقَامُوسِ وَبَنَاتُ نَعْشٍ الْكُبْرَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا نَعْشٌ وَثَلَاثٌ بَنَاتٌ وَكَذَا الصُّغْرَى تَنْصَرِفُ نَكِرَةً لَا مَعْرِفَةً الْوَاحِدُ ابْنُ نَعْشٍ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الشِّعْرِ بَنُو نَعْشٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: اجْتَهِدْ لِكُلِّ فَرْضٍ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَيَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالتَّقْلِيدِ فِي نَحْوِ الْأَعْمَى لِكُلِّ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ عَيْنِيَّةٍ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً وَلَوْ مَنْذُورَةً انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وَلَوْ مَنْذُورَةً قَالَ حَجّ وَمُعَادَةً مَعَ جَمَاعَةٍ اهـ وَعَلَيْهِ فَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّافِلَةِ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّ
(1/323)
بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (إنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّلِيلَ) الْأَوَّلَ إذْ لَا ثِقَةَ بِبَقَاءِ الظَّنِّ بِالْأَوَّلِ وَتَعْبِيرِي بِالْفَرْضِ أَيْ الْعَيْنِيِّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالصَّلَاةِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا إذَا كَانَ ثَمَّ حَائِلٌ أَنْ لَا يَبْنِيَهُ بِلَا حَاجَةٍ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِتَفْرِيطِهِ (، فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهُ) عَنْ الِاجْتِهَادِ هَذَا مِنْ زِيَادَتِي (أَوْ تَحَيَّرَ) الْمُجْتَهِدُ لِظُلْمَةٍ أَوْ تَعَارُضِ أَدِلَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (صَلَّى) إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ لِلضَّرُورَةِ (وَأَعَادَ) وُجُوبًا فَلَا يُقَلِّدُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَلِجَوَازِ زَوَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْمُعَادَةَ لَمَّا قِيلَ بِفَرْضِيَّتِهَا وَعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْ قُعُودٍ مَعَ الْقُدْرَةِ أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ فَلَمْ تَلْحَقْ بِالنَّوَافِلِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلَهُ وَمُعَادَةٌ مَعَ جَمَاعَةٍ يَنْبَغِي أَوْ فُرَادَى لِفَسَادِ الْأُولَى ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَمُعَادَةٌ لِفَسَادِ الْأُولَى كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ اهـ وَبَقِيَ مَا لَوْ سُنَّ إعَادَتُهَا عَلَى الِانْفِرَادِ لِجَرَيَانِ قَوْلٍ بِبُطْلَانِهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجَمَاعَةِ فَهَلْ يُجَدِّدُ لَهَا أَيْضًا لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ يُجَدِّدُ لَهَا اهـ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلَهُ وَمُعَادَةٌ؛ ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَقِبَ السَّلَامِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ أَقُولُ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي وُجُوبِ تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْإِعَادَةُ لِفَسَادِ الْأُولَى أَوْ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَفْسَدَهَا بِأَنَّ الْأُولَى حَيْثُ تَبَيَّنَ فَسَادُهَا كَانَتْ كَمَا لَوْ لَمْ تُفْعَلْ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُعَادَةَ هِيَ الْأُولَى وَقَدْ تَأَخَّرَ الْإِحْرَامُ بِهَا عَنْ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ، وَهَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ إذَا سَلَّمَ مِنْهُمَا كَالضُّحَى أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يَصِحُّ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ رَكَعَاتٍ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ كَالضُّحَى فَيَكْفِي لَهُ اجْتِهَادٌ وَاحِدٌ بَيْنَ مَا لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ كَالتَّرَاوِيحِ فَيَجِبُ فِيهِ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ لِكُلِّ إحْرَامٍ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ إلْحَاقُهُ بِمَا فِي التَّيَمُّمِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ الرَّاجِحُ مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي لِلتَّرَاوِيحِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ هُنَا لِمَا مَرَّ أَيْضًا أَنَّهَا كُلَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَالْكَلَامُ فِي الْمَنْذُورَةِ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لِكُلِّ فَرْضٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَوْضِعِهِ بَلْ يَجِبُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ لِلْفَرْضِ الْوَاحِدِ إذَا فَسَدَ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَوْضِعِهِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّلِيلَ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَرْضِ الثَّانِي أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَرْضِ الْأَوَّلِ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَذَكُّرِ الدَّلِيلِ كَمَا تَرَاخَى فِعْلُهُ عَنْ الِاجْتِهَادِ لِتَذَكُّرِ الدَّلِيلِ عِنْدَهُ بَلْ يَكْفِي الِاهْتِدَاءُ إلَى الْجِهَةِ تَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ مَعْنَى ذِكْرِ الدَّلِيلِ أَنْ لَا يَنْسَى مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ فِي الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ كَالشَّمْسِ وَالْقُطْبِ وَقِيلَ أَنْ لَا يَنْسَى الْجِهَةَ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا أَوَّلًا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالصَّلَاةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا تَشْمَلُ النَّفَلَ وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ لَهُمَا بَلْ هُمَا تَابِعَانِ لِاجْتِهَادِ الْفَرْضِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّلِيلَ الْأَوَّلَ الَّذِي صَلَّى بِهِ الْفَرْضَ حِينَ كَانَ عَالِمًا بِالْجِهَةِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَهُمَا ابْتِدَاءً اجْتَهَدَ لَهُمَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ) أَيْ وَالْأَخْذِ بِقَوْلِ الثِّقَةِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ أَيْ وَلَا الْأَخْذُ بِقَوْلِ الثِّقَةِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَبْنِيَهُ بِلَا حَاجَةٍ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَنَاهُ غَيْرُهُ بِلَا حَاجَةٍ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ صُعُودَهُ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِتَفْرِيطِهِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَطْرَأْ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: بِلَا حَاجَةٍ) ، فَإِذَا بَنَاهُ غَيْرُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ مَنْعُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَلَا يَأْخُذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ مَنْعُهُ أَخَذَ بِقَوْلِ غَيْرِهِ الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ عِلْمٍ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ رُؤْيَةُ الْمَحَارِيبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي مَرْتَبَتِهَا بَيْتُ الْإِبْرَةِ الْمَعْرُوفُ لِعَارِفٍ بِهِ ثُمَّ إخْبَارُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ ثُمَّ رُؤْيَةُ الْقُطْبِ ثُمَّ إخْبَارُ شَخْصٍ أَنَّهُ رَأَى الْجَمَّ الْغَفِيرَ يُصَلُّونَ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ ثُمَّ الِاجْتِهَادُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ضَاقَ وَقْتٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ عِلْمُهَا دُونَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ اسْتِوَاءَهُمَا فِي هَذَا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ شَوْبَرِيٌّ وَالْمُرَادُ بِضِيقِهِ ضِيقُهُ عَنْ إيقَاعِهَا كُلِّهَا فِيهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ وَكَانَ لَوْ صَلَّاهَا خَرَجَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَيْثُ وَقَعَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاجْتِهَادِ ظُهُورُ الصَّوَابِ فَرُوعِيَ الْوَقْتُ وَشَبَهُ ذَلِكَ مَنْ تَوَهَّمَ الْمَاءَ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الطَّلَبِ أَمْنُهُ عَلَى الْوَقْتِ وَالِاخْتِصَاصُ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: صَلَّى وَأَعَادَ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّ لَهُ فِي صُورَةِ التَّخَيُّرِ أَنْ يُصَلِّيَ، وَإِنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ إنْ جَوَّزَ زَوَالَ التَّحَيُّرِ صَبَرَ لِضِيقِ الْوَقْتِ وَإِلَّا صَلَّى أَوَّلَهُ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: أَيْضًا صَلَّى وَأَعَادَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي النَّفَلَ حِينَئِذٍ وَفِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ مَنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ النَّفَلَ إلَّا فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ وَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ عَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا وَالْعَاجِزُ عَنْ السُّتْرَةِ فَلْيُحَرِّرْ الْحَصْرَ مَعَ هَذَا الْمَحَلِّ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَحْوِ الْمَرْبُوطِ عَلَى خَشَبَةٍ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) أَيْ ضَرُورَةِ حُرْمَةِ الْوَقْتِ أَيْ وَضَاقَ الْوَقْتُ أَيْضًا بِأَنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا قَدْرُ الصَّلَاةِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَمْتَنِعُ التَّقْلِيدُ قَطْعًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَنَازَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ بِأَنَّهُ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ التَّعْمِيمُ اهـ أَيْ جَرَيَانُ الْخِلَافِ قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّيَمُّمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ ثُمَّ مِنْ غَيْرِ نِسْبَتِهِ لِتَقْصِيرٍ
(1/324)
التَّحَيُّرِ فِي صُورَتِهِ (، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الِاجْتِهَادِ فِي الْكَعْبَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَعَلُّمُ أَدِلَّتِهَا (كَأَعْمَى) الْبَصَرِ أَوْ الْبَصِيرَةِ (قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا) بِأَدِلَّتِهَا وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّاهُ بِالتَّقْلِيدِ (وَمَنْ أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُ أَدِلَّتِهَا لَزِمَهُ) تَعَلُّمُهَا كَتَعَلُّمِ الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ (وَهُوَ) أَيْ تَعَلُّمُهَا (فَرْضُ عَيْنٍ لِسَفَرٍ) فَلَا يُقَلِّدُ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا صَلَّى كَيْفَ كَانَ وَأَعَادَ وُجُوبًا (وَ) فَرْضُ (كِفَايَةٍ لِحَضَرٍ) وَإِطْلَاقُ الْأَصْلِ أَنَّهُ وَاجِبٌ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَقَيَّدَ السُّبْكِيُّ السَّفَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ هَذَا اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا وَفَارَقَ مَا هُنَا مَا تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ إتْيَانِ الْمَاءِ بِمَحَلٍّ لَا تَسْقُطُ فِيهِ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ حَيْثُ يَأْتِي الْمَاءُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بِأَنَّ الْمَاءَ هُنَاكَ مُحَقَّقُ الْحُصُولِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ هُنَا اهـ ح ل (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ إلَخْ) أَيْ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْأَدِلَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ إذْ الْعَالِمُ بِهَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ كَمَا مَرَّ الشِّهَابُ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ إلَخْ بِتَأَمُّلٍ هَذَا مَعَ مَا قَبْلَهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْعَالِمَ بِالْفِعْلِ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ يَمْتَنِعُ تَقْلِيدُهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ التَّعَلُّمُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَغَيْرُ الْعَالِمِ بِالْفِعْلِ يُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ التَّعَلُّمُ فَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعَلُّمُ وَامْتَنَعَ التَّقْلِيدُ، فَإِنْ قَلَّدَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَالَ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ اهـ رَشِيدِيٌّ.
(فَرْعٌ) فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ لِلشِّهَابِ سم مَا نَصُّهُ يُؤْخَذُ مِنْ جَوَازِ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ عِنْدَ وُجُودِ الْحَائِلِ الْمَذْكُورِ أَيْ لِلْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ وَمِنْ قَوْلِهِ أَيْ الشِّهَابِ حَجّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَشَقَّةٌ عُرْفًا أَنَّ الْأَعْمَى إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدًا مِحْرَابُهُ مُعْتَمَدٌ وَشَقَّ عَلَيْهِ لَمْسُ الْكَعْبَةِ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْمِحْرَابِ فِي الثَّانِي لِامْتِلَاءِ الْمَحَلِّ بِالنَّاسِ أَوْ لِامْتِدَادِ الصُّفُوفِ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ اللَّمْسِ وَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ قَالَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَفِي ذَلِكَ مَزِيدٌ فِي شَرْحِنَا لِأَبِي شُجَاعٍ اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَعَلُّمُ أَدِلَّتِهَا) هَذَا إنَّمَا يَكُونُ قَيْدًا إذَا قُلْنَا إنَّ التَّعَلُّمَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ التَّعَلُّمَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيُقَلِّدُ مُطْلَقًا بَلْ قِيلَ إنَّ هَذَا مُدْرَجٌ مِنْ خَطِّ وَلَدِهِ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ ح ل مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ وَهُوَ وَاضِحٌ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ الْأَدِلَّةِ عَيْنًا وَكَتَبَ أَيْضًا يَتَعَيَّنُ إسْقَاطُ هَذَا وَقَدْ وُجِدَ بِخَطِّ وَلَدِهِ عَلَى الْهَامِشِ مُلْحَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَأْتِي إلَّا إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ تَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ عَيْنًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَحَيْثُ لَمْ يَجِبْ عَيْنًا وَكَانَ لَا يَعْرِفُ الْأَدِلَّةَ كَانَ لَهُ تَقْلِيدُ الثِّقَةِ الْعَارِفِ بِالْأَدِلَّةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ بِعَدَمِ التَّعَلُّمِ لَهَا اهـ (قَوْلُهُ: قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا) وَيَجِبُ تَكْرِيرُ سُؤَالِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ تَحْضُرْ وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ إخْبَارُهُ الثَّانِي عَنْ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ثِقَةً عَارِفًا فَهُوَ كَالْمُتَحَيِّرِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُ أَدَاتِهَا) أَيْ بِأَنْ كَانَ إذَا عَلِمَ تَعَلَّمَ وَالْمُرَادُ تَعَلَّمَ الظَّاهِرَ مِنْهَا دُونَ دَقَائِقِهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَرْضُ عَيْنٍ لِسَفَرٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَقْصِدِ الْمُسَافِرِ بِلَادٌ مُتَقَارِبَةٌ فِيهَا مَحَارِيبُ مُعْتَمَدَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.
(وَقَوْلُهُ كِفَايَةٍ لِحَضَرٍ) أَيْ إنْ كَثُرَ فِيهِ الْعَارِفُونَ وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ اهـ حَجّ وم ر لَا يُقَالُ حَيْثُ اكْتَفَى بِتَعَلُّمِ وَاحِدٍ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ عَنْ الْبَاقِي لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ فَرْضَ عَيْنٍ إذْ الْمُطَالَبُ بِهِ كُلُّ مُكَلَّفٍ طَلَبًا جَازِمًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ عَدَمُ جَوَازِ التَّقْلِيدِ لِكُلِّ أَحَدٍ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ مُخَاطَبٌ بِالتَّعَلُّمِ حَيْثُ كَانَ أَهْلًا لَهُ يُرْشَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ فَلَا يُقَلَّدُ إلَخْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِفَرْضِ الْعَيْنِ مَعْنَاهُ الْأُصُولِيُّ الْمَذْكُورُ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْعَارِفِ أَنْ يُقَلِّدَ الْعَارِفَ وَلَا يُكَلَّفَ التَّعَلُّمَ لِيَجْتَهِدَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَالتَّعَلُّمِ لِيَجْتَهِدَ اهـ شَيْخُنَا ح ف وَلَهُ تَقْرِيرٌ آخَرُ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ نَصُّهُ قَوْلُهُ فَرْضُ عَيْنٍ لِسَفَرٍ إلَخْ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ السَّفَرَ وَالْحَضَرَ لَيْسَا بِقَيْدَيْنِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى قِلَّةِ الْعَارِفِ وَكَثْرَتِهِ وَمُرَادُهُمْ بِالْقِلَّةِ عَدَمُ الْعَارِفِ بِالْكُلِّيَّةِ وَبِالْكَثْرَةِ وُجُودُهُ وَلَوْ وَاحِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ.
وَحَاصِلُ مَا يُسْتَفَادُ مِمَّا كَتَبَهُ الطَّبَلَاوِيُّ أَنَّ ضَابِطَ كَوْنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ أَنْ لَا يُوجَدَ عَارِفٌ تَسْهُلُ مُرَاجَعَتُهُ قَبْلَ ضِيقِ الْوَقْتِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا أَوْ وُجِدَ وَلَمْ تَسْهُلْ مُرَاجَعَتُهُ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ بِالْأَدِلَّةِ أَوْ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَأَنَّ ضَابِطَ كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَنْ يُوجَدَ عَارِفٌ تَسْهُلُ مُرَاجَعَتُهُ قَبْلَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ تَفْرِيعُ الشَّارِحِ عَلَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ فَلَا يُقَلِّدُ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِهِ أَنْ يُوجَدَ الْعَارِفُ وَلَمْ تَسْهُلْ مُرَاجَعَتُهُ لِامْتِنَاعِهِ مَثَلًا لَكِنْ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْأَدِلَّةِ لَا مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْقِبْلَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَرْضَى بِالْإِخْبَارِ بِهَا دُونَ أَدِلَّتِهَا فَحِينَئِذٍ لَا يُقَلِّدُهُ فِيهَا وَفِي هَذَا الْمَقَامِ وَقْفَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ هُوَ مَا خُوطِبَ بِهِ كُلُّ مُكَلَّفٍ بِعَيْنِهِ بِحَيْثُ لَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْخِطَابُ وَيَأْثَمُ بِالتَّرْكِ فَعَلَى مَا قُلْتُمْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ عَشَرَةُ أَشْخَاصٍ لَيْسَ فِيهِمْ عَارِفٌ فَمُقْتَضَى كَوْنِ التَّعَلُّمِ فَرْضَ عَيْنٍ أَنَّهُ لَوْ تَعَلَّمَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَسْقُطْ الْإِثْمُ عَلَى الْبَاقِينَ وَيَكُونُونَ مُكَلَّفِينَ بِالتَّعَلُّمِ مَعَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْطَبِقُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ ضَابِطُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ الْعَارِفُ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ الْبَاقُونَ فَهَذَا
(1/325)
بِمَا يَقِلُّ فِيهِ الْعَارِفُ بِالْأَدِلَّةِ، فَإِنْ كَثُرَ كَرَكْبِ الْحَاجِّ فَكَالْحَضَرِ.
(وَمَنْ صَلَّى بِاجْتِهَادٍ) مِنْهُ أَوْ مِنْ مُقَلِّدِهِ (فَتَيَقَّنَ خَطَأً مُعَيَّنًا) فِي جِهَةٍ أَوْ تَيَامُنٍ أَوْ تَيَاسُرٍ (أَعَادَ) وُجُوبًا صَلَاتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِيمَا يَأْمَنَ مِثْلَهُ فِي الْإِعَادَةِ كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ يَجِدُ النَّصَّ بِخِلَافِهِ وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْإِعَادَةِ عَنْ الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ نَاسِيًا وَالْخَطَأُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ فِيهَا (فَلَوْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا اسْتَأْنَفَهَا) وُجُوبًا، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الصَّوَابُ وَخَرَجَ بِتَيَقُّنِ الْخَطَإِ ظَنُّهُ وَالْمُرَادُ بِتَيَقُّنِهِ مَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ فَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الثِّقَةِ عَنْ مُعَايَنَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
تَنَافٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَلَى بُعْدٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَرْضِ الْعَيْنِ أَنَّ الْجَمِيعَ مُخَاطَبُونَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكُوا أَثِمَ كُلُّ وَاحِدٍ وَلَوْ فَعَلَ الْبَعْضُ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَهَذَا مَعْنَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ فَيَكُونُ فِي إطْلَاقِ فَرْضِ الْعَيْنِ عَلَيْهِ تَجَوُّزٌ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ الْبَعْضُ لَا الْكُلُّ وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ مُبْهَمٌ، وَقِيلَ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَقِيلَ مَنْ قَامَ بِهِ، وَعَلَى كُلٍّ فَيَسْقُطُ الْإِثْمُ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْ إذَا فَعَلَ غَيْرُهُ فَتَكُونُ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيلَا فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَيَنْبَنِي حِينَئِذٍ عَلَى الْمُقَابَلَةِ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَهْجُمُ وَيُصَلِّي وَيَعْبُدُ كَمَا فِي الشَّارِحِ وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يُصَلِّي بَلْ يَشْتَغِلُ بِتَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ إذْ الْفَرْضُ فِيهَا أَنَّ هُنَاكَ مَنْ تَسْهُلُ مُرَاجَعَتُهُ فِي الْأَدِلَّةِ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ كَمَا عَرَفْت بِخِلَافِ الْأُولَى إذْ الْفَرْضُ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَارِفٌ تَسْهُلُ مُرَاجَعَتُهُ قَبْلَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَلَا يَنْبَغِي حِينَئِذٍ إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَيُصَلِّي وَيُعِيدُ حَرَّرَهُ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) لَوْ سَافَرَ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى أُخْرَى قَرِيبَةٍ بِحَيْثُ يَقْطَعُ الْمَسَافَةَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَالْحَضَرِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُسَافِرِ أَصْحَابُ الْخِيَامِ وَالنُّجْعَةِ إذَا قَلُّوا وَكَذَا مَنْ قَطَنَ بِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنْ بَادِيَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: بِمَا يَقِلُّ فِيهِ الْعَارِفُ بِالْأَدِلَّةِ) أَيْ لَا يُوجَدُ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ كَثُرَ أَيْ وُجِدَ وَلَوْ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ بِهِ يَسْقُطُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَثْرَةِ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّكْبِ جَمَاعَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِيهِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ السُّؤَالَ عَنْ الصَّلَاةِ وُجُودُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ قَوِيَّةٍ تَحْصُلُ فِي قَصْدِهِ لَهُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَثُرَ كَرَكْبِ الْحَاجِّ إلَخْ) ضَابِطُ الْكَثْرَةِ أَنْ تَسْهُلَ مُرَاجَعَةُ عَارِفٍ قَبْلَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَضَابِطُ الْقِلَّةِ أَنْ لَا تَسْهُلَ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَوْ وُجِدَ وَامْتَنَعَ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ صَلَّى بِاجْتِهَادٍ إلَخْ) الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ صُورَةً؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا فِي الْجِهَةِ أَوْ التَّيَامُنِ أَوْ التَّيَاسُرِ فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ قَلَّدَ غَيْرَهُ أَوْ لَا فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا فَهَذِهِ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَتَيَقَّنَ خَطَأً مُعَيَّنًا) التَّعْقِيبُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْفَاءِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَهُوَ قَيْدٌ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَعَادَ وُجُوبًا) أَيْ عِنْدَ ظُهُورِ الصَّوَابِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الصَّوَابُ الْآنَ أَوْ نَقُولُ مَعْنَى أَعَادَ وُجُوبًا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الصَّوَابُ وَلَكِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وُجُوبُ الصَّلَاةِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ كَالْمُتَحَيِّرِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ وَأَعَادَ وُجُوبًا أَيْ تَرَتَّبَ الْقَضَاءُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ بِالْفِعْلِ إلَّا إذَا ظَهَرَ لَهُ الصَّوَابُ وَقَدْ يَشْكُلُ عَلَى وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ لِلْمُعَادَةِ مَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لَهَا ثَانِيًا وَيُفَرَّقُ أَخْذًا مِمَّا تَقَرَّرَ بِأَنَّ الْقِبْلَةَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ كَانَ فِي الْإِعَادَةِ هُنَا فَائِدَةٌ فَعَلَيْهِ لَمْ يُصَادِفْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَتَصِحُّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَجْزِهِ بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ بَانَ فَسَادُ الْأُولَى أَنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ الثَّانِيَةُ بِخِلَافِ إعَادَةِ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهَا مَعَ كَوْنِهَا نَفْلًا؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِيمَا يَأْمَنُ مِنْ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَأْتِي إلَّا إذَا ظَهَرَ لَهُ الصَّوَابُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الصَّوَابُ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْخَطَأِ فِي الْإِعَادَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى جِهَةٍ يَظْهَرُ لَهُ فِيهَا الصَّوَابُ اهـ ح ل (قَوْلُهُ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَا الْمُفَسِّرَةِ بِفِعْلٍ بِقَيْدِ تَعَلُّقِ الْخَطَإِ بِهِ أَيْ الْخَطَإِ فِي فِعْلٍ يَأْمَنُ مِثْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِقَيْدِهِ وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي الْعَائِدِ لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ فَالْأَوْلَى أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْخَطَإِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْإِعَادَةِ أَلْ فِيهِ عِوَضٌ عَنْ الضَّمِيرِ فَالرَّابِطُ مَأْخُوذٌ مِنْهَا اهـ (قَوْلُهُ: اسْتَأْنَفَهَا) أَيْ اسْتَقَرَّ اسْتِئْنَافُهَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا إذَا تَيَقَّنَ الصَّوَابَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ الصَّوَابِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ حَيْثُ قَالُوا لَا يَقْضِي بِالتَّيَمُّمِ فِي مَحَلٍّ لَا يَسْقُطُ فِيهِ الْفَرْضُ بِتَيَمُّمِهِ قُلْنَا لَا إشْكَالَ وَهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا اسْتَقَرَّ وُجُوبُ اسْتِئْنَافِهَا فِي ذِمَّتِهِ لَكِنْ لَا يَفْعَلُهَا إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ الصَّوَابِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِتَيَقُّنِ الْخَطَإِ ظَنُّهُ) وَمِنْهُ قَوْلُ الْمَاتِنِ، وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إلَخْ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الثِّقَةِ عَنْ مُعَايَنَةٍ) وَيَدْخُلُ
(1/326)