& باب القسمة & فصل ويفتقر القاسم إلى سبعة شرائط الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورة والعدالة والحساب فإن تراضى الشريكان بمن يقسم بينهما لم يفتقر إلى ذلك
الأصل في القسمة الكتاب والسنة وإجماع الأمة قال الله تعالى { وإذا حضر القسمة } وقال عليه الصلاة والسلام الشفعة فيما لم يقسم الحديث وقسم عليه الصلاة والسلام الغنائم وكذا الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم من بعده ثم القسمة تارة يتولاها الشركاء بأنفسهم وتارة يتولاها منصوب القاضي فإن تولاها منصوب القاضي فيشترط فيه الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورة والعدالة لأنها ولاية ومن لم يتصف بذلك فليس أهلا للولاية ويشترط أيضا أن يكون عالما بالقسمة يعني بالحساب والمساحة لأنهما آلة القسمة واعتبر الماوردي والبغوي مع ذلك أن يكون نزها قليل الطمع وهل يشترط أن يكون عالما بالقيم لاحتياجه إلى ذلك أم يستحب وجهان ولو نصب الشركاء من يقسم بينهم فإن جعلوه وكيلا فلا يشترط ذلك بل يجوز أن يكون عيدا أو فاسقا صرح به جماعة قال الرافعي كذا أطلقوه وينبغي أن يكون في العبد الخلاف في توكيله في البيع وإن نصبه الشركاء حكما فقد أطلق البندنيجي وأبو الطيب وغيرهما أنه يعتبر فيه صفات قاسم الحاكم قال ابن الصباغ بعد ذكره ذلك ينبغي إذا قلنا باعتبار الرضا بعد القرعة أنه لا يشترط عدالته وحريته وقال ابن الرفعة بل ينبغي اشتراطهما وإن اعتبرنا الرضا بعد القرعة لأن القائل به يجعل تمام التحكيم موقوفا على هذا الرضا فهي حينئذ بعد الرضا قسمة من حاكم فاشترطت فيه صفات الحاكم كما اشترطناها في التحكيم في الأموال وإن لم يلزم حكمه فيها إلا بالرضا بعده عند هذا القائل وهذا كله إذا لم يكن في القسمة تقويم فإن كان فسيأتي إن شاء الله تعالى والله أعلم قال
( وإذا كان فيها تقويم لم يقتصر فيها على أقل من اثنين )
اعلم أن الأملاك المشتركة قسمتها على نوعين عند العراقيين قسمة فيها رد وقسمة لا رد فيها وعند المراوزة على ثلاثة أنواع قسمة فيها رد وقسمة تعديل وقسمة إفراز فقسمة الإفراز
____________________
(1/559)
تسمى قسمة المتشابهات وإنما تجري في الحبوب والدراهم والأدهان وسائر المثليات وكذا تجري في الدار المتفقة الأبنية والأرض المتشابهة الأجزاء وما في معناها فتعديل الانصباء في المكيل بالكيل وفي الموزون بالوزن والأرض المتساوية تجزأ أجزاء متساوية بعدد الأنصباء إن تساوت بأن كانت لثلاثة أثلاثا فيجعل ثلاثة أجزاء متساوية ثم يؤخذ ثلاث رقاع متساوية ويكتب على كل رقعة اسم شريك أو جزء من الأجزاء ويميز بعضها عن بعض بحد أو جهة أو غيرهما وتدرج في بنادق متساوية وزنا وشكلا من طين أو شمع ونحوهما وتجعل في حجر رجل لم يحضر الكتابة والإدراج فإن كان صبيا أو أعجميا كان أولى ثم يؤمر بإخراج رقعة أخرى على الجزء الأول من كتب اسماء الشركاء فمن خرج اسمه أخذه ثم يؤمر بإخراخ رقعه أخرى على الجزىء الذي يلي الأول فمن خرج اسمه أخذه وتعين الباقي للثالث وكما تجوز القسمة بالرقاع المدرجة تجوز بالعصى والحصا ونحوهما وإذا طلب أحد الشركاء في هذه القسمة فامتنع أجبر الممتنع على الصحيح لأنه لا ضرر ويتخلص من سوء المشاركة وتسمى هذه قسمة إجبار كما تسمى قسمة إفراز
النوع الثاني قسمة التعديل والمشترك الذي تعدل سهامه تارة يكون شيئا واحدا وتارة يكون شيئين فصاعدا فإن كان شيئا واحدا كالأرض تختلف أجزاؤها لاختلافها في قوة النبات والقرب من الماء ونحو ذلك فيكون ثلثها لجودته كثلثيها بالقيمة مثلا فيجعل هذا سهما وهذان سهما إن كانت بينهما نصفين وإن كانت شيئين فصاعدا فإن كانت عقارا كدارين أو حانوتين متساويي القيمة فطلب أحدهما القسمة بأن يجعل لهذا دارا ولهذا دارا لم يجبر الممتنع سواء تجاور الحانوتان أو الداران أم لا لاختلاف الأغراض باختلاف المحال والأبنية فلو كانت دكاكين صغارا متلاصقة لا يحتمل آحادها القسمة ويقال لها العضائد فطلب أحدهما القسمة أعيانا فهل يجبر الممتنع وجهان
أحدهما لا كالمتفرقة وكالدور وأصحهما نعم يجبر للحاجة وكذا حكم الخان المشتمل على بيوت ومساكن ولو كانت دار بين اثنين لها علو وسفل فطلب أحدهما قسمتها علوا أو سفلا أجبر الآخر عند الإمكان وإن طلب أحدهما أن يجعل العلو لواحد والسفل لآخر لا يجبر كذا أطلقه الأصحاب وإن كان غير عقار كأن اشتركا في دواب أو أشجار أو ثياب ونحوها فإن كانت من نوع واحد وأمكن التسوية بين الشريكين عددا فالمذهب أنه يجبر على قسمتها أعيانا لقلة اختلاف الأغراض فيها بخلاف الدور وإن لم تمكن التسوية كثلاثة أعبد بين اثنين بالسوية إلا أن أحدهم يساوي الآخرين في القيمة فإن قلنا بالإجبار عند استواء القيمة وهو المذهب فهنا قولان كالأرض المختلفة الأجزاء وإن كانت الشركة لا ترتفع إلا عن بعض الأعيان كعبدين بين اثنين قيمة أحدهما مائة وقيمة الآخر مائتان فطلب أحدهما القسمة ليختص من خرجت له القسمة بالخسيس ويكون له في النفيس ربعه ففيه خلاف والأرجح لا إجبار هنا لأن الشركة لا ترتفع بالكلية وإن كانت
____________________
(1/560)
الأعيان أجناسا كدواب وثياب وحنطة وشعير ونحو ذلك أو أنواعا كجمل بختي وعربي وضأن ومعز وثوبين كتان وقطن ونحو ذلك فطلب أحدهما أن يقسم أجناسا أو أنواعا لم يجبر الآخر وإنما يقسم بالتراضي وكذا لو اختلطت الأنواع وتعذر التمييز كتمر جيد ورديء فلا قسمة إلا بالتراضي على ما قطع به الجمهور وهو المذهب
النوع الثالث قسمة الرد وصورتها أن يكون في أحد جانبي الأرض بئر أو شجر أو في الدار بيت لا يمكن قسمته فتضبط قيمة ما اختص ذلك الجانب به وتقسم الأرض والدار على أن يرد من يأخذ ذلك الجانب تلك القيمة وهذه لا إجبار عليها بلا خلاف لأنه دخل في ذلك ما لا شركة فيه وكذا لو كان بينهما عبدان ونحوهما بالسوية وقيمة أحدهما ألف وقيمة الآخر ستمائة واقتسما على أن يرد أحد النفيس مائتين ليستويا هذا هو المذهب المشهور نعم لو تراضيا بقسمة الرد جاز وبالجملة فالراجح أن قسمة الرد والتعديل بيع وقسمة الأجزاء إفراز على الراجح ويشترط الرد في الرضا بعد خروج القرعة وكذا لو تراضيا بقسمة ما لا إجبار فيه اشترط الرضا بعد القرعة على الراجح كقولهما رضينا بهذه القسمة أو بما أخرجته القرعة إذا عرفت هذا فإن لم يكن في القسمة تقويم وقد أمر الحاكم بها جبرا جاز قاسم واحد لأن قسمته تلزم بنفس قوله فأشبه الحاكم وهذا هو المذهب وبه قطع جماعة وإن كان في القسمة تقويم لم يكف إلا قاسمان لأن التقويم لا يثبت إلا باثنين كذا حكاه الرافعي والبندنيجي والماوردي والروياني والبغوي وصاحب الكافي وتبعهم النووي قال ابن الرفعة وقضيته أن الحاكم لو فوض لواحد سماع البينة بالتقويم وأن يحكم به لا يكفي وقد قال الإمام أن ذلك سائغ وعبارة الروضة إن كان تقويم اشترط اثنان وللإمام أن ينصب قاسما يجعله حاكما في التقويم ويعتمد في التقويم على عدلين وقال ابن الرفعة إن تعلقت بصبي أو مجنون اشترط اثنان وإلا فلا وقضية كلام ابن الرفعة أن ذلك يجري فيما لا تقويم فيه واعلم أنه لو فوض الشركاء القسمة إلى واحد بالتراضي جاز بلا خلاف قاله الرافعي وتبعه النووي والله أعلم قال
( وإذا دعي أحد الشريكين إلى قسمة مالا ضرر فيه لزم الآخر إجابته )
الأعيان المشتركة إذا طلب أحد الشريكين أو الشركاء قسمتها وامتنع الآخر ينظر إن كان لا ضرر في القسمة أجبر الممتنع وذلك كالثياب الغليظة التي لا تنقص بقطعها والأراضي والدور والحبوب ونحو ذلك لأنه لا ضرر وإن كان عليها ضرر كالجواهر والثياب النفيسة التي تنقص بقطعها أو الرحى أو البئر أو الحمام الصغير لم يجبر الممتنع لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار
____________________
(1/561)
ولنهيه عليه الصلاة والسلام عن إضاعه المال فلو طلبوها من الحاكم وكانت المنفعة تبطل بالكلية لم يجبهم ويمنعهم أن يقتسموا بأنفسهم لأنه سفه وإن نقصت كيف يكسر لم يجبهم على الأصح لكن لا يمنعهم أن يقتسموا بأنفسهم وإن كان على أحدهما ضرر دون الآخر مثل أن يكون لأحدهما عشر الأرض والآخر تسعة أعشار وإذا قسمت أمكن صاحب الأعشار الانتفاع 2 بها دون الآخر فإن طلب صاحب العشر لم يجبر الآخر على الأصح وإن طلبها الآخر أجبر صاحب العشر على الأصح لأن صاحب العشر متعنت في طلبه إذ لا نفع له فيما يملك بعد القسمة بخلاف الآخر فإنه ينتفع فيعذر قلت ينبغي أن يقال إن كان صاحب العشر له ملك ملاصق إلى ما يحصل له بالقسمة أو موات وبالإضافة إلى ذلك ينتفع به فينبغي الإجبار لدفع سوء المشاركة وحصول الانتفاع والله أعلم قال & باب الدعاوي والبينات & فصل في البينة وإذا كان مع المدعي بينة سمعها الحاكم وحكم له بها فإن لم تكن بينة فالقول قول المدعي عليه
الأصل في الدعاوي قوله لو يعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه وفي رواية البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه والمعنى في جعل البينة في جانب المدعي لأنها حجة قوية بانتفاء التهمة لأنها لا تجلب لنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضررا وجانب المدعي ضعيف لأن ما يقوله خلاف الظاهر فكلف الحجة القوية ليقوي بها ضعفه واليمين حجة ضعيفة لأن الحالف متهم يجلب لنفسه النفع وجانبه قوي إذ الاصل براءة ذمته فاكتفوا منه بالحجة الضعيفة والصحيح أن المدعي من يخالف قوله الظاهر والمدعي عليه من يوافق قوله الظاهر فإذا أقام المدعي البينة قضي له بها ولو كان بعد حلف المدعي عليه لإطلاق الخبر وقدمت البينة على اليمين لأن اليمين من جهة الخصم وهو قول واحد بخلاف البينة فيها فإن لم تكن بينة فالقول قول المدعي عليه للحديث وقد ورد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين على المدعي عليه والله أعلم قال
____________________
(1/562)
( وإن نكل عن اليمين ردت على المدعي فيحلف ويستحق )
إذا كان الحق المدعي به لشخص معين يمكن تحليفه ونكل المدعي عليه ردت اليمين على المدعي لأنه عليه الصلاة والسلام رد اليمين على طالب الحق وقد ردت اليمين على زيد بن ثابت فحلف وعلى عثمان رضي الله عنه فلم يحلف وهو مستفيض عن الصحابة رضي الله عنهم ولم يظهر منهم مخالف فإن لم يمكن تحليفه الآن كالصبي والمجنون فالمشهور انتظار البلوغ والإفاقة وإن كان الحق لغير معين كالمسلمين كمن مات ولا وارث له إذا وجد في دفتره ما يدل عليه أو ادعى الموصي إليه أنه أوصى للفقراء بكذا فإنه والحالة هذه يحبس المدعي عليه حتى يحلف أو يدفع الحق لأنه لا يمكن القضاء بالنكول بلا يمين لأن الحق يثبت بالإقرار أو بالبينة وليس النكول واحدا منهما ولا يمكن رد اليمين لأن المستحق غير معين ولا يمكن تركه لما فيه من ترك الحق فتعين الحبس لفصل الخصومة وقيل يقضي بالنكول ويؤخذ منه الحق للضرورة وفي وجه يخلي ومتولي المسجد والوقف هل يحلف إذا نكل المدعي عليه ففيه أوجه المرجح لا وقيل نعم وقيل إن باشر السبب بنفسه حلف وإلا فلا فعلى الصحيح هل يقضي بالنكول أو يقف حتى تقوم بينة وجهان والله أعلم قال
( وإذا تداعيا في يد أحدهما فالقول قول صاحب اليد وإن كان في أيديهما تحالفا ويجعل بينهما )
إذا تداعيا اثنان عينا ولا بينة فإن كانت في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه لأن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم ألك بينة قلت لا فقال لليهودي احلف فقلت يا رسول الله إذن يحلف ويذهب بمالي فأنزل الله تعالى { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية وإن كان المدعي في أيديهما أو لم يكن في يد واحد منهما حلفا وجعل بينهما لأنه عليه الصلاة والسلام قضى بمثل ذلك والله أعلم
( فرع ) تداعيا دابة ولأحدهما عليها حمل فالقول قول صاحب الحمل مع يمينه لانفراده في
____________________
(1/563)
الانتفاع بالدابة فلو تداعيا عبدا لأحدهما عليه ثوب لم يحكم له بالعبد والفرق أن كون الحمل على الدابة انتفاع به فيده عليها والمنفعة في لبس الثوب للعبد لا لصاحب الثوب فلا يدله قاله البغوي ولو تداعيا دابة حاملا واتفقا على أن الحمل لأحدهما فهي لصاحب الحمل ولو تداعيا دابة ثلاثة واحد سائقها والآخر آخذ بزمامها والآخر راكبها فالقول قول الراكب لوجود الانتفاع في حقه هذا هو الصحيح بخلاف ما إذا تنازع اثنان جدارا وعليه جذوع لأحدهما فإنه بينهما ينتفعان به وإن امتاز صاحب الجذوع بزيادة كما لو كان في دار ولأحدهما فيها متاع فإنها بينهما ولو تنازع اثنان دابة في اصطبل أحدهما ويدهما عليها فهي لهما إن كان فيه دواب لغير مالكه وإلا فهي لصاحب الإصطبل فلو تنازعا عمامة في يد أحدهما عشرها وفي يد الآخر باقيها حلفا وجعلت بينهما كما لو كان أحدهما في صحن الدار والآخر في دهليزها أو على سطحها ولو كان غير محوط فإنها لهما قال الماوردي ولو تنازعا شيئا في ظرف ويد أحدهما على الشيء ويد الآخر على الظرف اختص كل منهما بما في يده لانفصال أحدهما عن الآخر بخلاف ما لو تنازعا عبدا ويد أحدهما عليه ويد الآخر على ثوبه فإنه لمن يده على العبد لا لمن يده على ثوبه بخلاف العكس والله أعلم قال
( ومن حلف على فعل نفسه حلف على قطع والبت ومن حلف على فعل غيره فإن كان إثباتا حلف على نفي العلم )
من حلف على فعل نفسه حلف على القطع نفيا كان المحلوف عليه أو إثباتا لإحاطته بعلم حاله وإن حلف على فعل غيره فإن كان على نفي حلف على نفي العلم إذا لم يكن عبده أو بهيمته فيقول والله ما علمت أنه فعل كذا لأنه لا طريق له إلى القطع بنفيه فلم يكلف به كما لا يكلف الشاهد بالقطع فيما لا يمكن فيه القطع فلو حلف على القطع اعتد به قاله القاضي أبو الطيب وغيره وإن كان إثباتا حلف على البت لإمكان الإحاطة قال الرافعي هنا وكل ما يحلف فيه على البت لا يشترط فيه اليقين بل يكفي ظن مؤكد ينشأ من خطه أو خط أبيه أو نكول خصمه وقال ابن الصباغ إذا وجد بخط أبيه أو أخبره به عدل جاز أن يحلف عليه إن غلب على ظنه صدق ذلك وإن وجده بخط أبيه أو أخبره به عدل جاز أن يحلف عليه إن غلب على ظنه صدق ذلك وإن وجده بخط نفسه لم يطالب به ولم يحلف عليه حتى يتيقنه لأنه في خطه يمكنه التذكر بخلاف خط أبيه واقتصر الرافعي على حكايته عنه عن الأصحاب في كتاب القضاء قلت وكلام الماوردي يوافق المذكور هنا ولفظه إذا رآه في جانب يغلب على ظنه صحته أو أخبره به عدل فيجوز أن يدعى به وهل له أن يحلف إذا ردت اليمين عليه أو شهد له به شاهد فيه وجهان أصحهما نعم والله أعلم وقول الشيخ إن كان نفيا حلف على نفي العلم كذا ذكره الرافعي والنووي وغيرهما وينبغي أن يكون ذلك في النفي المطلق أما نفي الفعل المقيد بزمن فيكون على البت
____________________
(1/564)
البت لإمكان الإحاطة ويشهد له قولهم أن الشهادة على النفي لا تجوز إلا أن يكون محصورا فتجوز والله أعلم
( فرع ) من له عند شخص حق وليس له بينة وهو منكر فله أن يأخذ جنس حقه من ماله إن قدر ولا يأخذ غير الجنس مع قدرته على الجنس وفيه وجه فإن لم يجد إلا غير الجنس جاز له الأخذ على المذهب الذي قطع به جمهور الأصحاب ولو أمكن تحصيل الحق بالقاضي بأن كان من عليه الحق مقرا مماطلا أو منكرا وعليه البينة أو كان يرجو إقرارهه لو حضر عند القاضي وعرض عليه اليمين فهل يستقل بالأخذ أم يجب الرفع إلى القاضي فيه خلاف الراجح جواز الأخذ ويشهد له قضية هند ولأن في المرافعة مشقة ومؤنة وتضييع زمان ثم متى جاز له الأخذ فلم يصل إلى حقه إلا بكسر الباب ونقب الجدار جاز له ذلك ولا يضمن ما أتلف كمن لم يقدر على دفع الصائل إلا بإتلاف ماله فأتلفه لا يضمن هذا هو الصحيح وفي مقالة شاذة يضمن والله أعلم قال & باب الشهادة & فصل في الشهادة ولا تقبل الشهادة إلا ممن اجتمعت فيه خمسة أوصاف الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والعدالة
الشهادة الإخبار بما شوهد
والأصل فيها الكتاب والسنة وإجماع الأمة قال الله تعالى { وأشهدوا إذا تبايعتم } وهو أمر إرشاد وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة قال ترى الشمس قال نعم فقال على مثلها فاشهد أو دع والآيات والأخبار فيها كثيرة ثم للشاهد صفات معتبرة في قبول شهادته منها الإسلام فلا تقبل شهادة كافر ذميا كان أو حربيا سواد شهد على مسلم أو كافر واحتج له الرافعي بقوله صلى الله عليه وسلم لا تقبل شهادة أهل دين على غير دين أهلهم إلا المسلمون فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم ويحتج بذلك بأن الشهادة نفوذ قول على الغير وذلك ولاية والكافر ليس من أهل الولايات ومنها البلوغ فلا تقبل شهادة الصبي وإن كان مراهقا
ومنها العقل فلا تقبل شهادة المجنون لأن الصبي والمجنون إذا لم ينفذ قولهما في حق
____________________
(1/565)
أنفسهما إذا أقرا ففي حق غيرهما أولى ويحتج أيضا بقوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء } فالصبي ليس من الرجال وهو المجنون ممن لا يرضون للشهادة
ومنها الحرية فلا تقبل شهادة الرقيق قنا كان أو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد لقوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } والخطاب للأحرار لأنهم المشهود في حقهم وأيضا فقوله منكم ليس لإخراج الكافر لأنه خرج بقوله ذوي عدل منكم فتعين أنه لإخراج العبد ولأن الشهادة صفة كمال وتفضيل بدليل نقص شهادة النساء فوجب أن لا يدخل فيه العبد ولأنها نفوذ قول على الغير فهي ولاية والعبد ليس أهلا للولايات
ومنها العدالة لقوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } ولقوله تعالى { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } وقال عليه الصلاة والسلام لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ثم معرفة العدل تحتاج إلى معرفة أمور بها يتميز العدل من غيره فلهذا ذكر الشيخ لها شروطا قال
( وللعدالة خمس شرائط أن يكون مجتنبا للكبائر غير مصر على الصغائر )
لا تقبل الشهادة من صاحب كبيرة ولا من مدمن على صغيرة لأن المتصف بذلك فاسق وإنما قلنا إنه فاسق لأن الفسق لغة الخروج ولهذا يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها والفسق في الشرع الميل عن الطريق وهو كذلك والمراد بإدمان الصغيرة أن تكون الغالب من أفعاله لا أن يفعلها أحيانا ثم يقلع عنها ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه إذا كان الأغلب الطاعة والمروءة قبلت الشهادة وإن كان الأغلب المعصية وخلاف المروءة ردت شهادته وهل المراد بالإدمان السالب للعدالة المداومة على نوع واحد من الصغائر أم الإكثار منها سواء كانت من نوع أو أنواع قال الرافعي منهم من يفهم كلامه الأول ومنهم من يفهم كلامه الثاني ويوافقه قول الجمهور من غلبت معاصيه طاعته ردت شهادته ولفظ المختصر قريب منه قلت ومقتضى ترجيحه الثاني أن المداومة على الصغيرة لا تسلب العدالة وليس كذلك فقد صرح هو نفسه في غير موضع أن المداومة على الصغيرة تصير كبيرة فاعرفه والله أعلم
____________________
(1/566)
وللأصحاب اختلاف في حد الكبيرة وليس هذا الكتاب من متعلقات البسط فلنذكر حدين مما ذكره الرافعي أحدهما ذكره البغوي فقال الكبيرة ما توجب الحد وقال غيره ما يلحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة قال الرافعي وهم إلى ترجيح الأول أميل يعني إلى ما قاله البغوي لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر قلت وقال الماوردي الكبيرة ما أوجبت الحد أو توجه إلى الفاعل الوعيد والصغيرة ما قل فيها الإثم والله أعلم قال
( وأن يكون سليم السريرة مأمونا عند الغضب محافظا على مروءة مثله )
قوله سليم السريرة احترز به عن سيئها من أهل البدع والأهواء
وللناس خلاف منتشر في تكفيرهم وإن كانوا من أهل القبلة ولا شك أن منهم من هو كافر قطعا ومنهم من ليس بكافر قطعا ومنهم من فيه خلاف وليس هذا موضع بسطه والكلام فيمن تقبل شهادته منهم ومن لا تقبل قال النووي في أصل الروضة من كفر من أهل البدع لا تقبل شهادته وأما من لم يكفر من أهل البدع والأهواء فقد نص الشافعي في الأم والمختصر على قبول شهادتهم إلا الخطابية وهم قوم يرون جواز شهادة أحدهم لصاحبه إذا سمعه يقول لي عند فلان كذا فيصدقه بيمين أو غيرها ثم يشهد له اعتمادا على أنه لا يكذب هذا نصه
والأصحاب فيه على ثلاث فرق فرقة جرت على ظاهر نصه وقبلت شهادة جميعهم وهذه طريقة الجمهور واستدلوا بأنهم مصيبون في زعمهم ولم يظهر منهم ما يسقط الثقة بقوله حتى قبل هؤلاء شهادة من سب الصحابة والسلف رضي الله عنهم لأنه يقدم عليه عن اعتقاد لا عن عداوة وعناد قالوا لو شهد خطابي وذكر في شهادته ما يقطع احتمال الاعتماد على قول المدعي بأن قال سمعت فلانا يقر بكذا لفلان أو رأيه أقربه قبلت شهادته وفرقة منهم الشيخ أبو حامد ومن تبعه حملوا النص على المخالفين في الفروع وردوا شهادة أهل الأهواء كلهم وقالوا هم بالرد أولى من الفسقة وفرقة ثالثة توسطوا فردوا شهادة بعضهم دون بعض فقال أبو إسحاق من أنكر إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ردت شهادته لمخالفة الإجماع ورد الشيخ أبو محمد شهادة الذين يسبون الصحابة ويقذفون أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن الصحابة أجمعين فإنها محصنة كما نطق به القرآن العظيم وعلى هذا جرى الإمام والغزالي والبغوي واستحسنه الرافعي وفي الرقم أن شهادة الخوارج مردودة لتكفيرهم أهل القبلة ثم قال النووي قلت الصواب مقالة الفرقة الأولى وهو قبول شهادة الجميع فقد قال الشافعي رضي الله عنه في الأم ذهب الناس في تأويل القرآن والأحاديث إلى أمور تباينوا فيها تباينا شديدا واستحل بعضهم من بعض ما تطول حكايته وكان ذلك متقادما منه ما كان في عهد السلف وإلى يومنا هذا ولم نعلم أحدا من سلف الأئمة يقتدي به ولا من بعدهم من التابعين رد شهادة أحد بتأول وإن خطأه وضلله ورآه استحل ما حرم الله تعالى
____________________
(1/567)
عليه فلا ترد شهادة أحد بشيء من التأويل إذا كان له وجه يحتمله وإن بلغ فيه استحلال المال والدم هذا نصه بحروفه وفيه التصريح بما ذكرناه من تأويل تكفير القائل بخلق القرآن نعم قاذف عائشة رضي الله عنها كافر فلا تقبل شهادته انتهى كلام النووي قلت كلام النووي صريح في قبول شهادة من يستحل في تأويله الدم والمال وقد بالغ في ذلك فقال الصواب كذا ولا شك أن البغاة نوع من المخالفين بتأويل وقد ذكر الرافعي هنا أن الباغي إن كان يستحل دماء أهل العدل وأموالهم لا ينفذ حكم حاكمهم ولا تقبل شهادة شاهدهم ونقله عن المعتبرين وتبعه النووي على ذلك وعلل بالفسق بل جزما بذلك في المحرر ولمنهاج ولفظه وتقبل شهادة البغاة وقضاء قاضيهم فيما يقبل قضاء قاضينا إلا أن يستحل دماءنا وقد ذكر النووي قبل هذا ما يقتضي قبول شهادة المجسمة لكنه جزم في شرح المهذب بتكفيرهم ذكره في صفة الأئمة فلينتبه له والخطابية هم أصحاب ابن خطاب الكوفي وهم يعتقدون أن الكذب كفر وإن من كان على مذهبهم لا يكذب فيصدقونه على ما يقوله ويشهدون له بمجرد إخباره وهذه شهادة زور لأنها شهادة على غير مشهود عليه والله أعلم
وقول الشيخ مأمونا عند الغضب احترز به عمن لا يؤمن عند غضب ككثير في زماننا هذا فلا تقبل شهادته لأنه غيره مأمون فسقطت الثقة به وقول الشيخ محافظا على مروءة مثله احترز به عمن ليس كذلك فلا تقبل شهادة القمام وهو الذي يجمع القمامة أي الكناسة ويحملها وكذا القيم في الحمام ومن يلعب بالحمام يعني يطيرها لينظر تقلبها في الجو وكذا المغني سواء أتى الناس أو أتوه وكذا الرقاص كهذه الصوفية الذين يسعون إلى ولائم الظلمة والمكسة ويظهرون التواجد عند رقصهم وتحريك رؤوسهم وتلويح لحاهم الخسيسة صنع المجانين وإذا قرئ القرآن لا يستمعون له ولا ينصتون وإذا نعق مزمار الشيطان صاح بعضهم على بعض بالوسواس قاتلهم الله ما أفسقهم وأزهدهم في كتاب الله وأرغبهم في مزمار الشيطان وقرن الشيطان عافانا الله من ذلك
وكذا لا تقبل شهادة من يأكل في الأسواق ومثله لا يعتاد بخلاف من يأكل قليلا على باب دكانه لجوع كما قاله البندنيجي أو كان ممن عادتهم الغذاء في الأسواق كالصباغين والسماسرة وكذا لا تقبل شهادة من يمد رجله عند الناس بلا مرض كما قاله البندنيجي وكذا لا تقبل شهادة من يلعب بالشطرنج على الطريق وكذا لا تقبل شهادة من يكشف عن بدنه مالا يعتاد وإن لم يكن عورة وكذا لا تقبل شهادة من يكثر من الحكايات المضحكة أو يذكر أهله أو زوجته بالسخف كما ذكره ابن الصباغ ونحو ذلك ومدار ذلك كله على حفظ المروءة لأن الأصل في ذلك إن حفظ المروءة من الحياء ووفور العقل وطرح ذلك إما لخبل بالعقل أو قلة حياء أو قلة مبالاته بنفسه وحينئذ فلا يوثق بقوله في حق غيره وهو أولى لأن من لا يحافظ على ما يشينه في نفسه فغيره
____________________
(1/568)
أولى فإن من لا حياة فيه يصنع ما يشاء وقد اختلفت عبارات الأصحاب في حد المروءة مع تقاربها في المعنى فقيل أن يصون نفسه عن الأدناس وما يشينها بين الناس وقيل أن يسير كسير أشكاله في زمانه ومكانه وقيل غير ذلك والضابط العرف وللماوردي وغيره من الأصحاب في ذلك أمور مهمة مستكثرة لا يحتملها هذا المختصر والله أعلم قال & باب أقسام المشهود به & فصل والحقوق ضربان حق الله وحق الآدمي فأما حقوق الآدميين فعلى ثلاثة أضرب ضرب لا يقبل فيه إلا شاهدان ذكران أو رجل وامرأتان أو شاهد ويمين المدعي وهو ما كان القصد منه المال
المقصود من هذه الجملة بيان عدد الشهود وصفتهم من الذكورة والأنوثة ولا شك أن الحقوق على ضربين حق الله سبحانه وتعالى وحق الآدميين أما حق الله فسيأتي إن شاء الله وأما حقوق الآدميين فهي على ثلاثة أضرب كما ذكره الشيخ الأول ما هو مال أو كان المقصود منه المال أما المال كالأعيان والديون وأما ما كان المقصود من المال وذلك كالبيع والإجارة والرهن والإقرار والغصب وقتل الخطأ ونحو ذلك فيقبل فيه رجلان أو رجل وامرأتان لقوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } فكان على عموم إلا ما خصه دليل قال القاضي أبو الطيب وهذا بالإجماع
ثم لا فرق بين أن تتقدم شهادة الرجل على المرأتين أو تتأخر وسواء قدر على رجلين أو لم يقدر وكما يقبل في هذا الضرب رجل وامرأتان كذلك يقبل فيه شاهد ويمين المدعي لأنه صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين ورد من رواية ابن عباس وقال الماوردي ورواه من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية علي وابن عباس وأبو هريرة وجابر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعد بن عبادة رضي الله عنهم
ولا فرق في ذلك بين أن يتمكن من البينة الكاملة أم لا لأنها حجة تامة وفيه وجه نعم يشترط أن يتعرض في يمينه لصدق شاهده فيقول والله إن شاهدي لصادق فيما شهد به وإني لمستحق لكذا هذا هو الصحيح وقيل لا يشترط ذلك ويكفي الاقتصار على الاستحقاق لأن
____________________
(1/569)
اليمين بمنزلة الشاهد الآخر ووجه مقابله أن اليمين مع الشاهد حجتان مختلفتا الجنس فوجب ربط إحداهما بالأخرى ويجب تأخير اليمين على الشاهد وتعديله على الصحيح الذي قطع به الجمهور والله أعلم
( فرع ) هل يقبل في الوقف ما يقبل في المال من رجل وامرأتين أو رجل ويمين فيه خلاف الصحيح أنه يقبل ونص عليه الشافعي رضي الله عنه وإن قلنا ينتقل إلى الله تعالى لأن المقصود من الوقف تمليك غلة الموقوف للموقوف عليه وهي منفعة مالية فأشبه الإجارة ولو شهد بالسرقة رجل وامرأتان ثبت المال دون القطع على الصحيح وكذا لو شهد رجل وامرأتان على صداق في نكاح فإنه يثبت الصداق لأنه المقصود والله أعلم قال
( وضرب يقبل فيه شاهدان ذكران وهو النسب )
هذا هو الضرب الثاني وهو ما ليس بمال ولا يقصد منه المال وهو مما يطلع عليه الرجال كالنسب والنكاح والطلاق والعتاق والولاء والوكالة والوصية وقتل العمد الذي يقصد به القصاص وسائر الحدود غير حد الزنا وكذا الإسلام والردة أعاذنا الله منها
والبلوغ وانقضاء العدة والعفو عن القصاص والإيلاء والظهار والموت والخلع من جانب المرأة والتدبير وكذا الكتابة في الأصح فلا يقبل في ذلك إلا رجلان
والأاصل في بعض ذلك قوله تعالى { حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } وقال تعالى { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم } قال صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل وقال ابن شهاب مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق وفيه إرسال والله أعلم
( فرع ) ادعى شخص على آخر أنغصبه مالا فقال إن كنت غصبته فامرأتي طالق فأقام المدعي على الغاصب شاهدا وحلف معه أو رجلا وامرأتين ثبت الغصب وترتب عليه الضمان ولا يقع الطلاق كما لو قال إن ولدت فأنت طالق فأقامت أربع نسوة على الولادة ثبت النسب والولادة
____________________
(1/570)
ولا تطلق والله أعلم قال
( وضرب لا يقبل فيه إلا أربع نسوة وهو ما لا يطلع عليه الرجال )
هذا هو الضرب الثالث وهو ما لا يطلع عليه الرجال وتختص النساء بمعرفته غالبا فيقبل فيه شهادتهن منفردات وذلك كالولادة والبكارة والثيوبة والرتق والقرن والحيض والرضاع وكذا عيوب المرأة من برص وغيره تحت الإزار حرة كانت أو أمة وكذا استهلال الولد على المشهور فكل هذا الضرب لا يقبل فيه إلا أربع نسوة واحتج لشهادتين منفردات بقول الزهري مضت السنة بأن تجوز شهادة النساء في كل شيء لا يليه غيرهن رواه عبد الرزاق عنه بمعناه ولأ الرجال لا يرون ذلك غالبا فلو لم تقبل منهن لتعذر إثباته واعتبار الأربع لأن الله تعالى أقام كل امرأتين حيث قبلت شهادة النساء مقام رجل وقال عليه الصلاة والسلام أما نقصان عقلهن فإن شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد وإذا جاز شهادة النساء الخلص جاز شهادة رجل وامرأتين أو رجلين وهو أولى بالقبول والله أعلم
( فرع ) ما يثبت بشهادة النساء الخلص الأصح أنه لا يثبت بشاهد ويمين ولا بامرأتين ويمين وقيل يثبت في كل ذلك بامرأتين ويمين وكل ما يثبت بشهادة النساء المنفردات بالنسبة إلى الشهادة على الفعل لا تقبل فيه شهادتهن على الإقرار صرح به المتولي وغيره في الإقرار بالرضاع والله أعلم قال
( وأما حقوق الله تعالى فلا تقبل فيها النساء وهي على ثلاثة أضرب ضرب لا يقبل فيه أقل من أربعة وهو الزنا )
لا يقبل في حد الزنا واللواط وإتيان البهائم إلا أربعة من الرجال وحجة ذلك في الزنا واللواط قوله تعالى { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } وقوله تعالى { لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء } وورد أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال لرسول الله أو أن السلطان يحلل أو شهداء قال نعم ولأن الزنا واللواط من أعظم الفواحش فغلظ في الشهادة عليهما ليكون أستر للمحارم
____________________
(1/571)
وأما إتيان البهائم فإنه إتيان فرج في فرج يوجب الغسل فأشبه الآدمي وقيل إن قلنا الواجب في إتيان البهائم التعزير وهو الراجح قيل فيه شاهدان لخروجه عن حكم الزنا وهذا ضعيف جدا لأن نقصان العقوبة لا يدل على نقصان الشهادة بدليل زنا الأمة فلو شهد ثلاثة بالزنا فهل يجب الحد على الشهود فيه خلاف الراجح أنهم يحدون لعدم تمام الحجة ولأنا لو لم نوجب الحد لاتخذ الناس الشهادة ذريعة إلى القذف فتستباح الأعراض بصورة الشهادة والله أعلم قال
( وضرب يقبل فيه شاهدان وهو غير الزنا من الحدود )
وهذا هو الضرب الثاني من حقوق الله تعالى ولا مدخل للنساء فيه ولا يقبل فيه إلا رجلان كحد الشرب وقطع الطريق والقتل بالردة ونحو ذلك لقوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقياسا على النكاح والوصية والله أعلم قال
( وضرب يقبل فيه شاهد واحد وهو هلال رمضان )
لا يقبل الواحد إلا في هلال رمضان على الراجح واحتج له بقول ابن عمر رضي الله عنهما تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه ويستثنى مع مسألة الهلال مسألة أخرى ذكرها المتولي ونقلها عنه النووي في شرح المهذب فقال فرع ذكر المتولي أنه لو مات كافر فشهد واحد أن أسلم فلا يحكم بأنه مسلم في الإرث فيرثه الكافر لا المسلم وهل يحكم به في جواز الصلاة عليه قولان كما في ثبوت هلال رمضان واستثنى الشيخ تاج الدين بن الفركاح مسألة نقلها عن الماوردي وهم فيها فليعلم ذلك والله أعلم قال
( ولا تقبل شهادة الأعمى إلا في خمسة مواضع النسب والموت والملك المطلق والترجمة وعلى المضبوط وما تحمله قبل العمى )
اعلم أن المشهود به قد يكون العلم به من جهة حاسة البصر وقد يكون من جهة حاسة السمع فبأي الجهتين حصل العلم جاز الاعتماد فيه على قبول الشهادة فمما يستفاد العلم به بحاسة السمع ما طريقه الاستفاضة وذلك كالنسب والموت والملك المطلق لأن الشهادة والحالة هذه معتمدة على السماء فالأعمى والبصير في ذلك على السواء هذا هو الصحيح الذي قاله الجمهور وقيل لا تقبل شهادة الأعمى في ذلك لأن المخبرين لا بد من العلم بعدالتهم
____________________
(1/572)
والأعمى لا يشاهدهم فلا يعرف عدالتهم قال القاضي أبو الطيب وهذا يعني القبول محمول على ما إذا سمع ذلك في دفعات وتكرر من قوم مختلفين في أزمان حتى يتيقنه ويصير كالتواتر عنده ولا يجوز التحمل إلا على هذا الوجه وكما تجوز الشهادة في هذه المواضع كذلك تجوز شهادته في الترجمة على الأصح وكذا تجوز شهادة الأعمى على المضبوط وصورة المسألة أن يقر شخص في أذنه بشيء فيمسكه إما بأن يضع يده على رأسه أو بأن يمسك بيده ويحمله إلى القاضي ويشهد عليه بما قاله في أذنه لحصول العلم بذلك هذا هو الأصح وفي وجه لا يقبل لجواز أن يكون المقر غيره وهو بعيد قال القاضي حسين ومحل الخلاف إذا جمعهما مكان خال وألصق فاه بأذنه وضبطه فلو كان هناك جماعة وأقر في أذنه لم يقبل وكذلك تقبل شهادة الأعمى فيما تحمله قبل العمي بشرط أن يعرف اسم المشهود عليه ونسبه لأن الأعمى كالبصير في العلم بذلك والبصير له أن يشهد والحالة هذه وإن لم ير المشهود عليه لغيبة أو موت فكذلك الأعمى والله أعلم
قلت وأيد ابن الصلاح احتمالا في إلحاق موضع سادس وهو أن يألف شخصا ويعرف صورته ضرورة فينبغي أن يجوز أن يشهد عليه لأنه يقين ولهذا قال أصحابنا له أن يشهد بالاستفاضة وهذا الذي قاله ابن الصباغ أورده بعضهم سؤالا وقال ينبغي إذا عرف صوت شخص وألفه أن تسمع شهادته عليه كما أن له أن يطأ زوجته بمثل ذلك
وأجيب بأن وطء الزوجة أحق بدليل أنه أبيح له الوطء اعتمادا على اللمس إذا عرف به علامة فيها ويقبل خبر الواحدة إذا زفتها إليه وقالت إنها زوجته ولا تجوز الشهادة بمثل ذلك والله أعلم
( فرع ) تقبل رواية الأعمى فيما تحمله قبل العمي بلا خلاف وكذا فيما تحمله بعد العمي على الأصح إذا حصلت الثقة الظاهرة بقوله وصحح الإمام مقابله
فإن قلت ما الفرق بين الرواية والشهادة فالجواب قال القرافي بقيت زمانا أتطلب الفرق بالحقيقة فلم أجد الأكثرين يفرقون بالحكم كاشتراط العدالة والحرية والذكورة وحاصل الفرق أن المخبر عنه إن كان أمرا عاما لا يختص بمعين فهذه الرواية فإن اختص بمعين فهو شهادة كقول العدل للحاكم لهذا على هذا كذا والله أعلم قال
( ولا تجوز شهادة الجار لنفسه نفعا ولا الدافع عنها ضررا )
من شرط الشهادة عدم التهمة وللتهمة أسباب منها أن يجر إلى نفسه نفعا وذلك كشهادة الوارث لمورثه بجراحة قبل الاندمال حيث كانت مما تسري لأن الشاهد هو مستحق موجب الجراحة فيصير شاهدا لنفسه وكذلك أيضا لا تصح شهادة الغرماء للمفلس بعد الحجر لأن حقوقهم تتعلق بما يثبتونه فتصير شهادة لأنفسهم وكذا لا تصح شهادة الوصي لليتيم والوكيل
____________________
(1/573)
للموكل فيما فوض إليهما النظر فيه ونحو ذلك من الصور الكثيرة واحتج لذلك بقوله تعالى { وأدنى ألا ترتابوا } والريبة حاصلة هنا وبقوله صلى الله عليه وسلم لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين والظنين المتهم ولهذا لا تقبل شهادة الدافع عن نفسه ضررا كشهادة العاقلة الأغنياء الأقربين على شهود القتل بالفسق للتهمة لأنهم يدفعون عن أنفسهم التحمل وكذا لا تقبل شهادة الضامن ببراءة المضمون عنه قال الرافعي وكذا شهادة المشتري شراء فاسدا بعد القبض بأن العين المبيعة لغير بائعه لما في ذلك من نقل الضمان وما أشبه ذلك والله أعلم قال
____________________
(1/574)
= كتاب العتق =
العتق في الشرع عبارة عن إزالة الملك عن الآدمي لا إلى مالك تقربا إلى الله تعالى مأخوذ من قولهم عتق الفرس إذا سبق ونجا وعتق الفرخ إذا طار واستقل وقوي وهو قربة مندوب إليها بالكتاب والسنة وإجماع الأمة قال الله تعالى { فك رقبة } وورد أنه عليه الصلاة والسلام قال من أعتق رقبة أعتق الله سبحانه بكل عضو منه عضوا من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه وغير ذلك من الأخبار وخصت الرقبة بالذكر لأن ملك السيد له كالحبل في رقبته فهو محبس به كما تحبس الدابة بحبل في عنقها فإذا أعتق فكأنه أطلق من ذلك لأن في العتق فكاكا من الذل وتكميلا للأحكام والتصرف فكان من أعظم القرب وأجزل النعم والله أعلم قال
( ويصح العتق من كل مالك جائز الأمر )
شرط صحة العتق أن يكون المعتق مطلق التصرف في ماله سواء كان مسلما أو ذميا أو حربيا لأنه تصرف في المال في حال الحياة فأشبه الهبة أما من ليس بمالك ولا مالك التصرف فلا يصح إعتاقه لعدم سلطته على ذلك نعم لنا قول في صحة عتق المفلس ويكون موقوفا على فك الحجر ولنا وجه في صحة عتق السفيه والصبي في مرض الموت إذا جوزنا وصيتهما والله أعلم قال
( بصريح العتق والكناية مع النية )
قوله بصريح الباء متعلقة بيصح والكناية معطوف عليه وتقدير الكلام ويصح العتق بالصريح والكناية بالنية ووجهه أنها ألفاظ تفيد قطع الملك فأشبهت الطلاق ثم صريح العتق العتق
____________________
(1/575)
والحرية لأنه ثبت لهما عرف الشرع والاستعمال فإذا قال أعتقتك أو أنت معتق أو حررتك أو أنت محرر أو أنت حر عتق وإن لم يقصد بذلك إيقاع العتق لأن هزله جد كما جاء في الخبر والله أعلم
( فرع ) لشخص أمة كانت تسمى حرة قبل العتق فقال لها سيدها يا حرة إن قصد النداء لم تعتق وإن أطلق فوجهان أشبههما لا تعتق كذا ذكره ابن الرفعة والذي ذكره النووي في أصل الروضة إذا لم يقصد نداءها باسمها القديم عتق وإن قصد لم تعتق في الأصح ولو كان اسمها في الحال حرة فإن قص النداء لم تعتق وإن أطلق فكذا لا تعتق في الأصح والله أعلم
قلت لو قصد توبيخها فما الحكم لم أرها في الشرح والروضة وهي مسألة كثيرة الوقوع وفي بعض الشروح عن القاضي حسين أنها لا تعتق والله أعلم
وأما ألفاظ الكناية فكقوله لا ملك لي عليك ولا سلطان لي عليك ولا سبيل لي عليك وأنت لله وأنت طالق وأنت حرام وحبلك على غاربك وما أشبه ذلك كقوله لا حكم لي عليك ولا أمرا ولا يدا ولا خدمة وكذا لو قال أنت سيدي فهو كناية عند الإمام ولغو عند القاضي حسين وكل كنايات الطلاق وصرائحه كنايات في العتق والكناية كل ما احتمل معنيين فصاعدا نص عليه الشافعي رضي الله عنه في الأم والله أعلم
( فرع ) قال لأمته أنت علي كظهر أمي فكناية في الأصح وقيل لغو ولو قال ملكتك نفسك أو وهبتك نفسك فالذي جزم به القاضي حسين والبغوي أنه إن قبلت في المجلس عتقت وإلا فلا وفي التتمة أن ملكتك رقبتك كناية ونقله الروياني في البحر عن الإمام والله أعلم قال
( وإذا أعتق بعض عبد عتق جميعه )
يجوز للشخص أن يعتق بعض العبد كما أن له يعتق جميعه فإذا عتق بعضه عتق كله واحتج له بأن شخصا أعتق شقصا من غلام فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ليس لله شريك وفي رواية هو حر كله ولأنه لو ملك بعضه فأعتقه وهو موسر عتق عليه كله كما سيأتي فإذا ملك جميعه كان أولى والله أعلم قال
( فإن أعتق شركا له في عبد وهو موسر سرى العتق إلى باقيه وعليه قيمة نصيب شريكه )
إذا أعتق شريك في عبد وحصت الشريك قابلة للعتق وكان المعتق موسرا حالة العتق بنصيب الشريك قوم عليه نصيب شريكه ويسري العتق إليه وإن كان معسرا عتق نصيبه ورق الباقي
____________________
(1/576)
لقوله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق وفي رواية فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق وفي رواية ايضا فهو عتيق والله أعلم قال
( ومن ملك واحدا من والديه أو مولوديه عتق عليه )
من ملك أحدا من أصوله وإن علا أو من فروعه وإن سفل عتق عليه
أما في الآباء فلقوله صلى الله عليه وسلم لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه وفي رواية فيعتق عليه ولأن بين الوالد والولد بعضية ولا يجوز أن يملك بعض الشخص بعضه وأما في الأولاد فلقوله تعالى { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } وقوله تعالى { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } فدل على امتناع اجتماع البنوة والملك واعلم أنه لا فرق بين أن يتفق الوالد والولد في الدين أو يختلفا ولا فرق بين جهة الأب وجهة الأم ولا فرق بين الذكور والإناث وفي المنفى باللعان وجهان ومتى يحكم بنفوذ العتق قال أبو إسحاق مع دخوله في الملك وقال إمام الحرمين يترتب على الملك والله أعلم
( فرع ) ملك ابن أخيه ثم مات وهو معسر وعليه دين مستغرق ووارثه أخوه فقط وقلنا الدين لا يمنع الإرث وهو الأصح فإن الأخ يملك ابنه ولا يعتق عليه ولو كان الوارث غير الأخ ممن لا يعتق عليه العبد فإن عتقه والحالة هذه وهو معسر لم يعتق في الأصح لأنه مرهون بالديون وقيل يعتق والله أعلم قال & باب الولاء & فصل في الولاء والولاء من حقوق العتق وحكمه حكم التعصيب عند عدمه وينتقل من المعتق إلى الذكور من عصبته
____________________
(1/577)
الولاء بالمد وفتح الواو وهو مشتق من الموالاة وهي المعاونة فكأن العبد أحد اقارب المعتق وقيل غير ذلك وهو في الشرع عصوبة متراخية عن عصوبة النسب تقتضي للمعتق الإرث والعقل وولاية أمر النكاح والصلاة عليه وعصبته الذكور من بعد واسم المولى يقع على المعتق وعلى العتيق
والأصل في الباب بعد السنة والإجماع وقول الشيخ الولاء من حقوق العتق حجته قوله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وفي رواية لهما الولاء لمن ولي النعمة وقوله وحكمه حكم التعصيب عند عدمه أي عند عدم المعتق فينتقل الولاء إلى عصبات المعتق دون سائر الورثة أي أصحاب الفروض ومن يعصبهم العاصب لقوله صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث والنسب إلى العصبات دون غيرهم فلو انتقل إلى غيرهم لكان موروثا ومعنى الحديث اختلاط النسب ولحمة بضم اللام وفتحها فإذا كان للعصبة ابن وابن ابن فالولاء للابن وإن كان له أب وأخ فالولاء للأب كالإرث وإن كان له أخ من أب وأم وأخ من أب فالولاء للأخ من الأبوين كالإرث وقيل هما سواء لأن الأم لا ترث بالولاء وإن كان له أخ وجد فقولان أحدهما يقدم الأخ لأن تعصيبه يشبه تعصيب ابن والجد تعصيبه يشبه تعصيب الأب والابن مقدم على الأب وكان القياس تقديمهه في الميراث أيضا إلا أن الإجماع قام على عدم التقديم هناك فصرفنا عنه هنا ولا إجماع هنا وهذا هو الأصح والثاني أنه بينهما كالإرث وإن كان له ابن أخ وعم فالولاء لابن الأخ كالميراث وهكذا فإلم يكن عصبة انتقل إلى مواليه لأنهم كالعصبة ثم إلى عصبتهم كما مر ولا يرث النساء بالولاء إلا من اعتقن لقوله صلى الله عليه وسلم إنما الولاء لمن أعتق واعتقن من اعتقن فإن ماتت المرأة المعتقه انتقل حقها من الولاء إلى اقرب الناس إليها من العصبات على ما تقدم والله أعلم قال
( ولا يجوز بيع الولاء ولا هبته )
ورد أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الولاء وعن هبته قال النووي فيه تحريم بيع الولاء وهبته وأنهما لا يصحان وأنه لا ينتقل الولاء عن مستحقه بل هو لحمة كلحمة النسب وبهذا
____________________
(1/578)
قال جماهير العلماء من السلف والخلف وأجاز بعض السلف نقله ولعله لم يبلغهم الحديث والله أعلم قال & باب التدبير & فصل في المدبر ومن قال لعبده إذا مت فأنت حر فهو مدبر يعتق بعد وفاته من ثلث المال
هذا فصل التدبير وهو في اللغة النظر في عواقب الأمور وفي الشرع تعليق عتق بالموت والتدبير مأخوذ من الدبر لأن الموت دبر الحياة وقيل لأنه لم يجعل تدبيره إلى غيره وقيل لأنه دبر أمر حياته باستخدامه 2 وأمر آخرته بعتقه وكان معروفا في الجاهلية فأقره الشرع قد دبر المهاجرون والأنصار ودبرت عائشة رضي الله عنها أمة وأجمع المسلمون عليه وأما المغلب فيه هل هو تعليق العتق بصفة لأن صيغته تعليق كما ذكره أو حكم الوصية لأنه من الثلث فيه قولان أصحهما التعليق
وأما حجة اعتبره من الثلث فلقول ابن عمر رضي الله عنهما المدبر من الثلث ولأنه تبرع بتتجز بالموت كالوصية فإن خرج من الثلث عتق كل بالموت وإن خرج منه بعضه عتق بقدر ما خرج إن لم تجز الورثة والله أعلم قال
( ويجوز أن يبيعه في حال حياته ويبطل تدبيره )
التدبير لا يزيل الملك عن المدبر وإنما هو تعليق عتق بصفة أو في حكم الوصية وذلك لا يمنع التصرف فيه بإزالة الملك كما لو قال لعبده أنت حر إن دخلت الدار أو أوصى به لزيد مثلا فله الرجوع واحتج له أيضا بأن جابرا رضي الله عنه أخبر بأن رجلا دبر غلاما له ليس له مال غير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن النحام وهو حديث متفق على صحته وفي الصحيحين فاشتراه نعيم بن عبد الله وفي لفظ البخاري فاشتراه نعيم النحام وهو الصواب لأن النحام وصف لنعيم والنحام بالحاء المهملة فللسيد إزالة الملك عنه بالبيع والهبة وغيرهما وبكل ما ينقل الملك مثله جعله صداقا أو أجرة أو رأس مال سلم والهبة مع الإقباض ونحو ذلك وهل يجوز الرجوع عن التدبير بالقول كقوله فسخت التدبير أو نقضته أو رجعت عنه ونحو ذلك فيه قولان مبنيان على أن التدبير تعليق عتق بصفة أو وصية والصحيح أنه
____________________
(1/579)
لا يجوز الرجوع بالقول لأن الصحيح أنه تعليق عتق بصفة وقيل يجوز لأنه وصية والله أعلم قال
( وحكم المدبر في حياة السيد كحكم عبده القن )
قد علمت أن التدبير لا يزيل الملك عن العبد وإن كان كذلك فللسيد اكتسابه والجناية عليه كالجناية على القن فإن قتل فللسيد القصاص أو القيمة بحسب الجناية ولا يلزمه أن يشتري بها عبدا يدبره وإن جني على طرفه فللسيد القصاص والأرش ويبقى التدبير بحاله ولو جنى المدبر فهو في الجناية كالعبد القن أيضا فإن جنى جناية توجب القصاص فاقتص منه فات التدبير لفوات محله وإن جني جناية توجب المال أو عفي عن القصاص فللسيد أن يفديه وأن يسلمه ليباع في الجناية فإن فداه بقي التدبير وإن سلمه للبيع فبيع
( وحكم المدبر في حياة السيد كحكم عبده القن ) قد علمت أن التدبير لا يزيل الملك عن العبد وإن كان كذلك فللسيد اكتسابه والجنايه عليه كالجنايه على القن فإن قتل فللسيد القصاص أو القيمه بحسب الجنايه ولا يلزمه أن يشتري بها عبدا يدبره وإن جني على طرفه فللسيد القصاص والأرش ويبقى التدبير بحاله ولو جني المدبر فهو في الجنايه كالعبد القن أيضا فإن جني جنايه توجب القصاص فاقتص منه فات التدبير لفوات محله وإن جني جنايه توجب المال أو عفي عن القصاص فللسيد أن يفديه وأن يسلمه ليباع في الجنايه فإن فداه بقي التدبير وإن سلمه للبيع فبيع في الجنايه بطل التدبير والحاصل أن المدبر قن للسيد غنمه وعليه غرمه والله أعلم قال & باب الكتابة & فصل والكتابة مستحبة إذا سألها العبد وكان مأمونا مكتسبا
الكتابة تعليق عتق بصفة ضمنت معاوضة وهي معدولة عن القياس لأنها بيع ماله بماله أداء وهي مشتقة من الكتب وهو الضم لأن فيها ضم نجم إلى نجم والنجم الوقت الذي يحل فيه مال الكتابة وسميت به لأن العرب ما كانت تعرف الحساب والكتابة وإنما تعرف الأوقات بالنجوم وهي ثمانية وعشرون نجما منازل القمر فيقول أعطيتك إذا طلع نجم كذا أو سقط نجم كذا فسميت باسمها مجازا وقد يطلق النجم على المال الذي يحل في الوقت وقال الروياني الكتابة إسلامية ثم الكتابة مستحبة إذا طلبها العبد بشرطين أن يكون أمينا قادرا على الكسب واحتج
____________________
(1/580)
لذلك بقوله تعالى { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } قال الشافعي رضي الله عنه المراد بالخير الاكتساب والأمانة فإن الخير ورد بمعنى المال في قوله تعالى { وإنه لحب الخير لشديد } وبمعنى العمل الصالح في قوله تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } فحمل هنا عليهما لجواز إرادتهما لتوقف المقصود عليهما لأن غير المكتسب عاجز عن الأداء وغير الأمين لا يوثق بوفائه وفي قول تجب الكتابة لظاهر الآية والمشهور الذي قطع به الجماهير لا تجب لأنها بيع مال السيد بماله وهو حرام لأنه سفه ولأنه عتق بعوض فلا يلزم السيد كالاستسعاء فإذن الآية محمولة على الندب والله أعلم قال
( ولا تصح إلا بمال معلوم إلى أجل معلوم وأقله نجمان )
أما شرط كون المال معلوما فلأن الجهالة به غرر ويؤدي إلى النزاع وكلاهما منهي عنه وكذلك يشترط العلم بالمحل كما ذكرنا وأما اشتراط النجمين فإنه لا يجوز على أقل منهما فلفظ الكتابة يبنى على ذلك إذ لا ضم إلا بين اثنين فصاعدا واحتج له أيضا بفعل الصحابة رضي الله عنهم كما قاله الشافعي رضي الله عنه في البويطي وقال علي رضي الله عنه عنى الكتابة على نجمين والإيفاء من الثاني وهذا يقتضي أن أقل ما يجوز نجمان لأن ما فوقهما يجوز للإجماع وأصرح من ذلك في الدلالة قول عثمان رضي الله عنه لعبده لما غضب عليه لأكاتبنك على نجمين فلو جاز على ذلك في الدلالة قول عثمان رضي الله عنه لعبده لما غضب عليه لأكاتبنك على نجمين فلو جاز على أقل لفعله لأنه أزيد في العقوبة ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه كاتب على أقل منهما فلو جاز لابتدروا إليه تعجيلا للقربة وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال الكتابة على نجمين وهذا نص عليه إن صح وإلا ففي ما مر كفاية والله ولي الهداية قال
( وهي لازمة من جهة السيد ومن جهة العبد جائزة وله تعجيز نفسه وفسخها متى شاء )
العقود منها ما هو لازم من الطرفين كالبيع ونحوه ومنها ما هو جائز منهما كالقراض ونحوه ومنها ما هو لازم من أحد الطرفين دون الآخر ومن ذلك الكتابة وهي جائزة من جهة العبد فله فسخها متى شاء لأن عقد الكتابة لحظه فأشبه المرتهن وهذا هو المذهب وقيل ليس له الفسخ إذ لا ضرر عليه في بقائها قال العراقيون قولهم لا ضرر عليه ممنوع فإنه قد يتضرر بكون النفقة على نفسه فيستفيد بالفسخ رفعها عنه وأما من جهة السيد فهي لازمة فليس له فسخها لأن الكتابة عقدت
____________________
(1/581)
لحظ المكاتب لا لحظ السيد فكان السيد فيها كالراهن ولأنه لو جاز له الفسخ لم يثق المكاتب ببقائه على الكتابة فيتكاسل في التحصيل نعم إن عجز المكاتب عن الأداء عند المحل فللسيد فسخها كما يفسخ البائع البيع بعجز المشتري عن الثمن ولو لم يعجز ولكن امتنع المكاتب عن الأداء فللسيد الفسخ أيضا وخالف عقد الكتابة البيع فإنه لازم من جهة المشتري فيجبر المشتري على الأداء فيندفع الضرر بخلاف الكتابة فإنها جائزة من جهة المكاتب فلا إجبار والخيار في هذا على التراخي فلو صرح بالإمهال ثم عن له الفسخ جاز والله أعلم قال
( وعلى المكاتب التصرف بما فيه تنمية المال )
المكاتب يملك بعقد الكتابة منافعه وأكسابه إلا أنه محجور عليه في استهلاكها بغير حق لحق السيد فله البيع والشراء والاستئجار ونحوها لكن على وجه الغبطة فلا يحابي ولا يهب ولا يرهن بلا ضرورة ولا ينفق على أقاربه لأنه كالمعسر بدليل عدم نفوذ تبرعاته ولا يبيع بنسيئة أي بأجل وإن ربح أضعاف الثمن وأخذ رهنا أو كفيلا وقيل يجوز كولي المحجور عليه في الارتهان والأصح المنصوص الأول فلو أذن له السيد في شيء من ذلك فهل يجوز قولان
أحدهما لا يجوز لأن المكاتب ناقص الملك والسيد لا يملك ما في يده فلا يصح باتفاقهما ولأن لله تعالى حقا في ذلك فلا يفوت برضا السيد
والثاني يصح وهو الأصح لأن المنع إنما كان لحقه فزال بإذنه كالمرتهن وهذا فيما عدا العتق أما العتق فإن أعتق المكاتب عن نفسه فالمذهب في الروضة تبعا للرافعي أنه لا ينفذ لأنه يترتب عليه الولاء والمكاتب ليس أهلا له وقيل ينفذ وهو مقتضى ما في تصحيح التنبيه فإن أعتق عن السيد أو عن أجنبي فقولان أيضا والصحيح النفوذ والله أعلم قال
( وعلى السيد أن يضع عنه من مال الكتابة ما يستعين به ولا يعتق إلا بأداء جميع المال بعد القدر الموضوع عنه )
يجب على السيد في الكتابة الصحيحة أن يحط عن المكاتب بعض ما عليه أو يؤتيه شيئا من عنده يستعين به على الأداء لقوله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } فظاهره الوجوب وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } قال ربع الكتابة وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما في الآية ضعوا عنهم من مكاتبتهم فلو لم
____________________
(1/582)
يحط السيد عنه شيئا وجب عليه أن يؤتيه مالا من عنده والحط هو الأصل والإيتاء بدل عنه هذا هو الأصح المنصوص وقيل الإيتاء هو الأصل فيعطيه إذا أعتقه شيئا ليهيئ به أمر نفسه والحط لا يقوم مقامه وقيل يتخير بينهما قال الماوردي فلو أراد السيد أن يعطيه وأراد العبد الحط أجيب العبد لأنه يروم تعجيل العتق ثم قيل وقت الوجوب بعد العتق كالمتعة والأصح قبل العتق ليستعين به على العتق وخالفت المتعة لأنها لجبر الكسر وهو بعد الطلاق وعلى هذا محلة النجم الأخير وعبارة الروضة وعلى هذا إنما يتعين النجم الأخير وعبارة المنهاج والنجم الأخير أليق وعبارة بعضهم يجب إذا بقي عليه قدر يجب دفعه إليه
واعلم أنه لو حط أو أدى من حين العقد أجزأ على الأصح وقيل إنما يجوز بعد أن يأخذ شيئا لقوله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } وعلى الصحيح المراد من قوله تعالى { آتاكم } أي أوجبه لكم على نفسه بالعقد أو يعود الضمير على الله تعالى وفي قدر الواجب وجهان
أحدهما يعتبر بقدر مال الكتابة فيؤتيه من الكثير بقدره ومن القليل بقدره كالمتعة تكون بقدر يساره وإعساره وأصحهما ونص عليه الشافعي رضي الله عنه يكفي أقل ما يتمول ولو حبة لأن الله تعالى لم يقدر شيئا بخلاف المتعة فإن الله تعالى قدرها بحسب الموسر والمعسر ويستحب حط الربع على الأصح وقيل الثلث والكتابة الفاسدة لا حط فيها على الأصح ولو قبض المال كله رد عليه بعضه لظاهر الآية قال بعضهم والإيتاء يقع على الحط والرفع إلا أن الحط أولى لأنه أنفع له وبه فسر الصحابة رضي الله عنهم
واعلم أنه لا يعتق المكاتب ولا شيء منه ما بقي عليه درهم لقوله صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم ولأنه إن غلب فيه العتق بالصفة فلا يعتق قبل استكمالها وإن غلب معنى المعاوضة فالمبيع لا يجب تسليمه إلا بقبض جميع الثمن وكذلك هذا والله أعلم قال & باب أحكام أم الولد & فصل وإذا أصاب السيد أمته فوضعت منه ما تبين فيه شيء من خلق آدمي حرم عليه بيعها وهبتها وجاز له التصرف فيها بالاستخدام والوطء
إذا وطئ الحر أمته فحبلت منه انعقد ولده حرا وتصير الأمة بالولادة مستولدة تعتق بموت
____________________
(1/583)
السيد ويقدم عتقها على الديون كما سيأتي وكما يثبت الاستيلاد بوضع الولد التام كذلك يثبت بإلقائه مضغة ظهر فيها خلقة الآدمي أما لكل أحد أو للقوابل وأهل الخبرة من النساء فإن لم تظهر وقلن هو أصل آدمي ولو بقي لتصور فهل يثبت الاستيلاد فيه خلاف قيل يثبت كما تنقضي به العدة والمذهب أنه لا يثبت أمية الولد وإن انقضت به العدة وقد مر الفرق في العدد واحتج لأمة الولد وحريته بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال لما ولدت مارية أم إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها ولدها وبقوله صلى الله عليه وسلم من اشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها أي سيدتها فأقام عليه الصلاة والسلام الولد مقام أبيه والاب حر فكذا الولد ولا ولاء عليه لأحد لأن مانع الرق قارن سبب الملك فرفعه بخلاف ما لو اشترى زوجته الحامل منه فإن الولد يعتق عليه وولاؤه له وإذا ثبت حرية الولد وأمية أمه ثبت لها حق الحرية وحرم بيعها وهبتها ورهنها والوصية بها لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع أمهات الأولاد وقال لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن ليستمتع بها سيدها ما دام حيا فإذا مات فهي حرة
فإن قلت ففي حديث جابر رضي الله عنه كنا نبيع أمهات الأولاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى بذلك بأسا وورد من حديث جابر بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله وأبي بكر رضي الله عنه فلما كان عمر رضي الله عنه نهانا فانتهينا واجيب على تسليم صحة ذلك أن هذا الفعل منهم في زمنه عليه الصلاة والسلام وهو لا يشعر لأن هذا الأمر نادر ويحتمل أنه كان مباحا ثم نهى عنه ولم يعلم بذلك الصديق رضي الله عنه ومثل هذا يعني عدم العلم كثير وقد وقع لعمر رضي الله عنه وغيره ولهذا كان الصديق وغيره إذا وقعت له الواقعة ولم يعلم فيها شيئا سأل ويجوز للسيد استخدامها إجارتها ووطؤها للحديث وفي تزويجها أقوال أصحها أنه يجوز أيضا لأنه يملك رقبتها ومنافعها حتى الوطء فملك تزويجها برضاها وبدونه كالمدبرة وهذا هو الصحيح ونص عليه الشافعي رضي الله عنه في الجديد والله أعلم قال
( وإذا مات السيد عتقت من رأس ماله قبل الديون والوصايا )
____________________
(1/584)
أما إعتاقها فلما مر من الأخبار ولأن الولد انعقد حرا وبعضه منها فقد صار بعضها حرا فاستتبع باقيها كالعتق إلا أن في العتق قوة فاستتبع في الحال وهذا ضعيف فأثر في المستقبل وأما كونها من رأس المال فلأنه إتلاف حصل بالاستمتاع فأشبه الإتلاف بالأكل واللبس وبالقياس على من تزوجها في مرض الموت وقيل لا تعتق بموت السيد وخطب علي رضي الله عنه في الكوفة فقال أجمع رأيي ورأي عمر رضي الله عنه على أن لا تباع أمهات الأولاد وأنا الآن أرى بيعهن فقال له عبيدة السلماني رأيك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك في الفرقة فأطرق علي ثم قال اقضوا ما أنتم قاضون فإني أكره أن أخالف أصحابي
ولهذا اختلف الأصحاب هل رجع علي رضي الله عنه أم لا قال النووي في أصل الروضة فإن قلنا بالمذهب أنه لا يجوز بيعها فقضى بجوازه 2 قاض حكى الروياني عن الأصحاب انه ينقض قضاؤه وما كان فيه خلاف بين الفرق الأول فقد انقطع وصار مجمعا على منعه ونقل الإمام فيه وجهين انتهى ومقتضاه رجحان النقص قال الرافعي وللأصوليين خلاف في أنه هل يشترط لحصول الإجماع انقراض العصر ولأصحابنا وجهان فيما إذا اختلفت الصحابة رضي الله عنهم في مسألة ثم أجمع التابعون على أحد القولين هل يرتفع به الخلاف الأول قال النووي الأصح إنه إجماع وقال الغزالي وابن برهان إنه مذهب الشافعي رضي الله عنه وقال إمام الحرمين ميل الشافعي رضي الله عنه إليه ومن عبارته الرشيقة في ذلك أن المذاهب لا تموت بموت أصحابها والله أعلم قال
( وولدها من غيره بمنزلتها )
أولاد المستولدة إن كانوا من السيد فلا خلاف في حريتهم وإن حدثوا من نكاح أو زنا فلم حكم الأم لأن الولد يتبع الأم في الحرية فكذا في حق الحرية فليس للسيد بيعهم ويعتقون بموته وإن كانت الأم قد 2 ماتت في حياة السيد ولو أعتق السيد الأم لا يعتق الولد وكذا حكم العكس كما في التدبير بخلاف ما لو أعتق المكاتبة بعتق ولدها والفرق أن التبعية في أم الولد والمدبرة إنما هي بسراية التدبير وأمية الولد والصفة موت السيد ولا كذلك الكتابة ولو ولدت المستولدة من وطء شبهة فإن كان الواطئ يعتقد أنها زوجته الأمة فالولد رقيق للسيد كالأم وهو كما لو أتت به من نكاح أو زنا وإن كان يعتقدها زوجه الحره أو أمته الحره انعقد الولد حرا وعليه قيمته للسيد وأما الأولاد الحاصلون قبل الاستياد بنكاح أو زنا فليس لهم حكم الأم بعد الاستيلاد بل للسيد بيعهم إذا ولدوا في ملكه ولا يعتقدون بموته لأنهم حدثوا قبل ثبوت الحرية للأم والله أعلم قال
( ومن أصاب أمه غيره في نكاح فولده منها مملوك لسيدها )
إذا أولد شخص جارية أجنبي بنكاح أو زنا فالولد مملوك لصاحب الجارية لأنه يتبع الأم في
____________________
(1/585)
الرق كما يتبعها في الحرية قال
( وإن أصابها بشبهة فولده منها حر وعليه قيمته لسيده فإن ملك الأمة بعد ذلك لم تصر أم ولد له بالوطء في النكاح وصارت أم ولد له بالوطء بالشبهة )
إذا وطئ الشخص أمة الغير ظانا أنها زوجته الحرة أو أمته أو أم ولده فالولد حر نظرا إلى ظنه وعليه قيمته للسيد لأنه فوت رقه بظنه ولا تصير الأمة أم ولد في الحال لعدم ملكه لها فإن ملكها بعد ذلك فهل تصير أم ولد له قولان
أحدهما نعم تصير أم ولد له لأن العلوق بالحر في الملك بسبب الحرية بعد الموت كما أن القرابة عند الملك بسبب العتق في الحال فلما كان الملك إذا طرأ على القرابة حصل العتق في الحال فكذا إذا طرأ بعد انعقاد الولد حرا يحصل بعد الموت
والثاني لا تصير وهذا هو الصحيح وهو ما جزم به الشيخ لأنها علقت منه في غير ملكه فأشبه ما لو علقت به في نكاح وكذا لو غر بحرية أمة فنكحها فإن ولده منها حر وفي صيرورتها أم ولد له إذا ملكها هذان القولان وقول الشيخ وصارت أم ولد له بالوطء بالشبهة هذا قول مرجوح وعلته ما قدمنا أن حرية الولد سبب لأمية الأم عند الملك والمذهب أنها لا تصير لأنها علقت في غير ملك اليمين وأعدنا التعليل للإيضاح
فنسأل الله العزيز القدير أن يرشدنا إلى طرق النجاح والفلاح أنه سبحانه فالق الحب والإصباح وقد كان في النفس من الزيادة على ما مر ولاح إلا أنني عارضني في ذلك عدول النفس عن طلب العلم وتسريحها في رياض الارتياح فضربنا صفحا عن التطويل والمغالاة ونادينا بلسان الحال هلموا إلى هذا اللقحة فإن السماح رباح والحمد لله على ما يسر من تعليق هذه الأحرف حمدا لا ينقطع عند المساء والصباح وصل الله على سيد الأولين والآخرين وقائد الغر المحجلين رسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم وعلى جبريل وميكائيل وعلى كل الملائكة والمقربين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى آل كل وسائر الصالحين وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قال مؤلفه نفع الله به الإسلام والمسلمين فرغت منه يوم الجمعة في العشر الأول من شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة وكان ذلك بالمدرسة الصالحية بالقدس الشريف زاده الله شرفا وكرامة إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير غفر الله لنا ولمن أحبنا ولمن قرأ في كتابنا هذا ودعا لنا بالمغفرة وللمسلمين آمين والحمد لله رب العالمين
____________________
(1/586)