في أمر مباح فهو جائز إن رجا الوفاء من جهة ظاهرة أو سبب ظاهر والظاهر أنه لا مطالبة حينئذ والرجاء في الله تعالى تعويض خصمه
تنبيهات الأول لو عبر المصنف بالخروج من ظلامة آدمي بدل الرد لكان أولى ليشمل الرد والإبراء منها وإقباض البدل عند التلف ويشمل المال والعرض والقصاص فلا بد في القصاص وحد القذف من التمكين أو طلب العفو فإن لم يعلم وجب إعلامه بالقصاص فيقول أنا الذي قتلت أباك ولزمني القصاص فاقتص إن شئت وكذلك حد القذف
وأما الغيبة فإن بلغت المغتاب اشترط أن يأتيه ويستحل منه فإن تعذر بموته أو تعسر لغيبته الطويلة استغفر الله تعالى
ولا اعتبار بتحليل الورثة وإن لم تبلغه كفى الندم والاستغفار كما قاله الحناطي في فتاويه ويظهر أنها إذا بلغته بعد ذلك أنه لا بد من استحلاله إن أمكن لأن العلة موجودة وهو الإيذاء
وهل يكفي الاستحلال من الغيبة المجهولة قال في زيادة الروضة فيه وجهان سبقا في كتاب الصلح اه
ولكنهما إنما سبقا في كتاب الضمان ولم نرجح منهما شيئا ورجح في الأذكار عدم الاكتفاء
والوجهان كالوجهين في الإبراء من المجهول قال الشيخ عماد الدين الحسباني وقد يقال بالمسامحة في ذلك بخلاف الأموال وفي كلام الحليمي وغيره الاقتصار على الجواز وحديث كلام الأذكار في باب الضمان ولكن الفرق بينهما وبين الأموال أظهر
والحسد وهو أن يتمنى زوال نعمة ذلك الشخص ويفرح بمصيبته كالغيبة كما نقلاه عن العبادي فيأتي فيه ما مر فيها قال في زيادة الروضة المختار بل الصواب أنه لا يجب إخبار المحسود ولو قيل بكراهته لم يبعد
التنبيه الثاني قضية إطلاقه رد الظلامة توقف التوبة في القصاص على تسليم نفسه ولكن الذي نقله في زيادة الروضة عن الإمام وأقره إن القاتل إذا ندم صحت توبته في حق الله تعالى قبل أن يسلم نفسه للقصاص وكان تأخر ذلك معصية أخرى تجب التوبة منها ولا يقدح في الأولى
التنبيه الثالث كان ينبغي له أن يقول حيث أمكن لئلا يوهم أنها لا تصح عند تعذر الرد قال الزركشي فينبغي أن يكون قوله إن تعلقت بآدمي أعم مما تمحض حقا له أو لم يتمحض وفيه حق الله تعالى كالزكاة إذا تمكن من إخراجها فلم يفعل وكذا الكفارات قاله البندنيجي والمراد التي يجب إخراجها على الفور وحينئذ فلا يقال إن تقييده بالآدمي يخرج حقوق الله تعالى كالزكاة
التنبيه الرابع أن مقتضى كلامه أن المعصية القولية لا يشترط فيها ذلك بل يكفي القول وليس مرادا بل الثلاثة الأول ركن في التوبة لكل معصية قولية كانت أو فعلية
وإذا تعلق بالمعصية حد لله تعالى كالزنا وشرب المسكر فإن لم يظهر عليه أحد فله أن يظهره ويقربه ليستوفي منه وله أن يستر على نفسه وهو الأفضل فإن ظهر فقد فات الستر فيأتي الحاكم ويقربه ليستوفي منه
التنبيه الخامس أن كلامهم يقتضي أنه لا يكفي في انتفاء المعصية استيفاء الحد بل لا بد معه من التوبة وقد قدمت الكلام على ذلك في أول كتاب الجراح فليراجع
التنبيه السادس من مات وله ديون أو مظالم ولم تتصل إلى الورثة طالب بها في الآخرة لا آخر وارث كما قيل وإن دفعها إلى الوارث أو أبرأه كما قاله القاضي خرج عن مظلمة غير المطل
التنبيه السابع تجب التوبة من المعصية ولو صغيرة على الفور بالاتفاق وتصح من ذنب دون ذنب وإن تكررت وتكرر العود لا تبطل به بل هو مطالب بالذنب الثاني دون الأول ولا يجب عليه تجديد التوبة كلما ذكر الذنب كما رجحه ابن المقري
التنبيه الثامن أن من شروط التوبة زيادة على ما مر كونها لله تعالى فلو تاب عن معصية مالية لفقره أو شحه أو نحو ذلك لم تصح توبته وكونها قبل وصوله إلى الغرغرة أو الاضطرار بظهور الآيات كطلوع الشمس من مغربها قاله البلقيني
التنبيه التاسع أن سقوط الذنب بالتوبة مظنون لا مقطوع به
وسقوط الكفر بالإسلام مع الندم مقطوع به وتائب بالإجماع
قال في أصل الروضة وليس إسلام الكافر توبة من كفره وإن توبته ندمه على كفره ولا يتصور إيمانه بلا ندم فيجب مقارنة الإيمان للندم على الكفر اه
وإنما كان توبة الكافر مقطوعا بها لأن الإيمان لا يجامع الكفر والمعصية قد تجامع التوبة
فصل في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال وتعدد الشهود وما لا يعتبر فيه ذلك مع ما يتعلق بهما ( لا يحكم بشاهد )
____________________
(4/440)
واحد ( إلا في هلال ) شهر ( رمضان ) فيحكم به فيه ( في الأظهر ) لما مر في كتاب الصيام
فإن قيل لم يذكرها هنا مع تقدمه أجيب بأنه ذكره هنا لبيان الحصر
وأورد على الحصر مسائل منها ما لو نذر صوم رجل مثلا فشهد واحد برؤيته فهل يجب الصوم إذا قلنا يثبت به رمضان حكى ابن الرفعة فيه وجهين عن البحر ورجح ابن المقرى في كتاب الصيام الوجوب
ومنها ما في المجموع آخر الصلاة على الميت عن المتولي أنه لو مات ذمي فشهد عدل بإسلامه لم يكف في الإرث وفي الاكتفاء به في الصلاة عليه وتوابعها وجهان بناه على القولين في هلال رمضان ومقتضاه ترجيح القبول وهو الظاهر وإن أفتى القاضي حسين بالمنع
ومنها ما سبق في المتن في باب القسامة أن شهادة العدل الواحد لوث
ومنها ما سبق فيه أيضا في زكاة النبات الاكتفاء بخارص واحد أي على القول بأن الخرص شهادة
ومنها ثبوت هلال ذي الحجة بالعدل الواحد فإن فيه وجهين حكاهما الدارمي و القاضي الحسين بالنسبة إلى الوقوف بعرفة والطواف ونحو ذلك قال الأذرعي والقياس القبول وإن كان الأشهر خلافه
ومنها ثبوت شوال بشهادة العدل الواحد بطريق التبعية فيما إذا ثبت رمضان بشهادته ولم ير الهلال بعد الثلاثين فإنا نفطر في الأصح
ومنها ما مر في كتاب القضاء أنه يكفي قول العون بامتناع الغريم من الحضور في التعزير
ومنها المسمع للخصم كلام القاضي أو الخصم يقبل فيه الواحد وهو من باب الشهادة كذا ذكره الرافعي قبيل القضاء على الغائب
( ويشترط للزنا أربعة رجال ) لقوله تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } ولما في صحيح مسلم عن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء قال نعم ولأنه لا يقوم إلا من اثنين فصار كالشهادة على فعلين ولأن الزنا من أغلظ الفواحش فغلظت الشهادة ليكون أستر
وإنما تقبل شهادتهم بالزنا إذا قالوا حانت منا التفاتة فرأينا أو تعمدنا النظر لإقامة الشهادة فإن قالوا تعمدنا لغير الشهادة فسقوا بذلك وردت شهادتهم كما يؤخذ من الحصر المتقدم في قبول شهادتهم
ومحل ما قاله الماوردي إذا تكرر ذلك منهم ولم تغلب طاعاتهم على معاصيهم وإلا فتقبل شهادتهم لأن ذلك صغيرة
ولا بد أن يقولوا رأيناه أدخل حشفته أو قدرها من فاقدها في فرجها وإن لم يقولوا كالمرود في المكحلة أو كالأصبع في الخاتم
والثاني يثبت برجلين ومقتضى كلام القاضي أنه لا خلاف فيه
تنبيه اللواط في ذلك كالزنا وكذا إتيان البهيمة على المذهب المنصوص في الأم قال في زيادة الروضة لأنه كالجماع ونقصان العقوبة فيه لا يمنع من العدد كما في زنا الأمة
قال البلقيني ووطء الميتة لا يوجب الحد على الأصح وهو كإتيان البهيمة في أنه لا يثبت إلا بأربعة على المعتمد اه
وخرج بما ذكر وطء الشبهة إذا قصد بالدعوى به المال أو شهد به حسبة ومقدمات الزنا كقبلة ومعانقة فلا يحتاج إلى أربعة بل الأول بقيده الأول يثبت مما يثبت به المال وسيأتي ولا يحتاج فيه إلى ذكر ما يعتبر في شهادة الزنا من قول الشهود رأيناه أدخل حشفته الخ
( و ) يشترط ( للإقرار به ) أي الزنا ( اثنان في الأظهر ) كغيره من الأفارير ومثله ما شبه به مما ذكر
( وفي قول أربعة ) كفعله
وأجاب الأول بأن المقر لا يتحتم حده بخلاف المعاين فلذك غلظت بينته
( و ) يشترط ( لمال ) عين أو دين ( وعقد مالي ) وفسخه ( كبيع وإقالة وحوالة وضمان ) وصلح ورهن وشفعة ومسابقة وحصول السبق ( وحق مالي كخيار ) لمجلس أو شرط ( وأجل ) وجناية توجب مالا ( رجلان أو رجلا وامرأتان ) لعموم قوله تعالى { واستشهدوا } أي فيما يقع لكم { شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } فكان عموم الأشخاص فيه مستلزما لعموم الأحوال المخرج منه بدليل ما يشترط فيه الأربعة وما لا يكتفي فيه بالرجل والمرأتين والمعنى في تسهيل ذلك كثرة جهات المداينات وعموم البلوى بها
وفهم من التخيير قبول المرأتين مع وجود الرجلين وحكى ابن المنذر وغيره الإجماع وإن كان ظاهر الآية غير مراد والخنثى هنا كالأنثى
____________________
(4/441)
تنبيه شمل إطلاقه الشركة والقراض لكن رجحا في الشرح والروضة اشتراط رجلين
قال ابن الرفعة وينبغي أن يقال إن رام مدعيهما إثبات التصرف فهو كالوكيل لا بد فيه من شاهدين أو إثبات حصته من الربح ثبت برجل وامرأتين إذ المقصود المال
وهو تفصيل حسن
واقتصار المصنف على العقد المالي قد يوهم أن الفسوخ ليست كذلك وليس مرادا
وجعله الإقالة من أمثلة العقد إنما يأتي على الوجه الضعيف أنها بيع والأصح أنها فسخ
وعطفه الحوالة على البيع لا حاجة إليه فإنها بيع دين بدين
فلو قال وعقد مالي وزاد وفسخه كما قدرته في كلامه كان أولى
( ولغير ذلك ) أي ما ذكر من الزنا ونحوه وما ليس بمال ولا يقصد منه المال ( من ) موجب ( عقوبة لله تعالى ) كالردة وقطع الطريق والشرب ( أو ) من عقوبة ( لآدمي ) كقتل نفس وقطع طرف وقذف ( و ) كذا ( ما يطلع عليه رجال غالبا ) من غير العقوبات ( كطلاق ونكاح ورجعة ) وعتاق وولاء وانقضاء عدة بالأشهر وبلوغ وإيلاء وظهار ( وإسلام وردة وجرح ) للشاهد ( وتعديل ) له ( وموت وإعسار ووكالة ووصاية وشهادة على شهادة رجلان ) لأنه تعالى نص على شهادة الرجلين في الطلاق والرجعة والوصاية وتقدم خبر لا نكاح إلا بولي وشاهد عدل
وروى مالك عن الزهري مضت السنة بأنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق
وقيس بالمذكورات غيرها مما شاركها في الشرط المذكور
ولا نظر إلى رجوع الوكالة والوصاية إلى مال لأن القصد منها الولاية لا بالمال
تنبيه يستثنى من النكاح ما لو ادعت أنه نكحها وطلقها وطلبت شطر الصداق أو أنها زوجة فلان الميت وطلبت الإرث فيثبت ما ادعته برجل وامرأتين وبشاهد ويمين وإن لم يثبت النكاح بذلك لأن مقصودها المال كما حكياه في الشرح والروضة في آخر الدعاوى عن فتاوى القفال وأقراه وإن نازع في ذلك البلقيني وقال إنه غير معمول به
ومن الطلاق ما لو كان بعوض وادعاه الزوج فإنه يثبت بشاهد ويمين ويلغز به فيقال لنا طلاق ثبت بشاهد ويمين
ومن الإسلام ما لو ادعاه واحد من الكفار قبل أسره وأقام رجلا وامرأتين فإنه يكفيه لأن المقصود نفي الاسترقاق والمفاداة دون نفي القتل ذكره الماوردي
وحكى في البحر عن الصيمري أنه يقبل شاهد وامرأتان وشاهد ويمين من الوارث أن مورثه توفي على الإسلام أو الكفر لأن القصد منه إثبات الميراث ثم استغربه
( وما يختص بمعرفته النساء ) غالبا ( أو لا يراه رجال غالبا كبكارة ) وثيوبة وقرن ورتق ( وولادة وحيض ورضاع وعيوب ) للنساء ( تحت الثياب ) كجراحة على فرجها حرة كانت أو أمة واستهلال ولد ( يثبت بما سبق ) أي برجلين ورجل وامرأتين ( وبأربع نسوة ) مفردات لما رواه ابن أبي شيبة عن الزهري مضت السنة بأنه تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادة النساء وعيوبهن وقيس بما ذكر غيره مما شاركه في الضابط المذكور وإذا قبلت شهادتهن في ذلك منفردات فقبول الرجلين والرجل والمرأتين أولى
تنبيه تمثيل المصنف بالحيض صريح في إمكان إقامة البينة عليه قال الزركشي وهو الصواب بخلاف ما ذكر في كتاب الطلاق أنه لو علق على حيضها فقالت حضت وأنكر صدقت بيمينها لتعذر إقامة البينة عليه فإن الدم وإن شوهد لا يعلم أنه حيض لاحتمال أنه استحاضة وصرحا بمثله في الديات
وينبغي كما قال ابن شهبة حمله على تعسر إقامة البينة عليه لا التعذر بالكلية فلا منافاة
وذكر المصنف في فتاويه أنها تقبل من النسوة لممارستهن ذلك ونقله عن ابن الصباغ و البغوي وأنه لا خلاف فيه لكن قضية تعليله أنه لا يثبت برجلين ولا برجل وامرأتين وليس مرادا
وقيد القفال وغيره مسألة الرضاع بما إذا كان الرضاع من الثدي فإن كان من إناء حلب فيه اللبن لم تقبل شهادة
____________________
(4/442)
النساء به لكن تقبل شهادتهن بأن هذا اللبن من هذه المرأة لأن الرجال لا يطلعون عليه غالبا
واحترز بقوله تحت الثياب عما نقله في الروضة عن البغوي وأقره أن العيب في وجه الحرة وكفيها لا يثبت إلا برجلين وفي وجه الأمة وما يبدو عند المهنة يثبت برجل وامرأتين لأن المقصود منه المال
فإن قيل هذا وما قبله إنما يأتيان على القول بحل النظر إلى ذلك أما ما صححه الشيخان في الأولى والمصنف في الثانية من تحريم ذلك فتقبل النساء فيه مفردات
أجيب بأن الوجه والكفين يطلع عليهما الرجال غالبا وإن قلنا بحرمة نظر الأجنبي لأن ذلك جائز لمحارمها وزوجها ويجوز نظر الأجنبي لوجهها لتعليم ومعاملة وتحمل شهادة
وقد قال الولي العراقي أطلق الماوردي نقل الإجماع على أن عيوب النساء في الوجه والكفين لا يقبل فيها إلا الرجال ولم يفصل بين الأمة والحرة وبه صرح القاضي حسين فيهما اه
أي فلا تقبل النساء الخلص في الأمة لما مر أنه يقبل فيها رجل وامرأتان لما مر
وقول المصنف وما يختص بمعرفته النساء غالبا الخ يفهم أن الإقرار بما يختص بمعرفتهن لا يكفي فيه شهادة النسوة وهو كذلك لأن الرجال تسمعه غالبا كسائر الأقارير
وقوله فيما سبق وبأربع نسوة يقتضي أنه لا يثبت بشاهد ويمين وهو كذلك كما صرح به الماوردي في الرضاع قال الرافعي وهو الموافق لإطلاق عامة الأصحاب
ولو اقتصر المصنف على أربع لعلم اختصاص ذلك بالنسوة لأن التاء لا تثبت مع المعدود المؤنث
وأما الخنثى فيحتاط في أمره على المرجح فلا يراه بعد بلوغه رجال ولا نساء وفي وجه يستصحب حكم الصغر عليه
ويشترط في الشاهد بالعيوب المعرفة بالطب كما حكاه الرافعي في التهذيب
ثم أشار المصنف لضابط يعرف به ما يثبت بشاهد ويمين وما لا يثبت بهما فقال ( و ) كل ( ما لا يثبت ) من الحقوق ( برجل وامرأتين لا يثبت برجل ويمين ) لأن الرجل والمرأتين أقوى وإذا لم يثبت بالأقوى لا يثبت بما دونه
فإن قيل يرد على المصنف اللوث في قتل عمد فإنه يكفي فيه شاهد ويمين متعددة ولا يثبت برجل وامرأتين
أجيب بأنه أراد اليمين المتحدة لا المتعددة
( و ) كل ( ما ثبت بهم ) أي برجل وامرأتين وأتى بالضمير مذكرا تغليبا له على المؤنث ( ثبت برجل ويمين ) لما رواه مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين وروى البيهقي في خلافياته حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين عن نيف وعشرين صحابيا قال الزركشي وبه يندفع قول الحنفية أنه خبر واحد فلا ينسخ القرآن اه
والقضاء بالشاهد واليمين قال به جمهور العلماء سلفا وخلفا منهم الخلفاء الأربعة وكتب به عمر بن عبد العزيز إلى عماله في جميع الأمصار وهو مذهب الإمام مالك و أحمد وخالف في ذلك أبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم أجمعين
( إلا عيوب النساء ونحوها ) بنصب نحو بخطه عطفا على عيوب كرضاع فإنها لا تثبت بشاهد ويمين لأنها أمور خطرة بخلاف المال
تنبيه ينبغي كما قال الدميري تقييد إطلاقه بالحرة أما الأمة فيثبت فيها بذلك قطعا لأنها مال وبذلك جزم الماوردي وأورد على حصره الاستثناء فيما ذكره الترجمة في الدعوى بالمال أو الشهادة به فإنها تثبت برجل وامرأتين ولا مدخل للشاهد واليمين فيها لأن ذلك ليس بمال وإنما هو إخبار عن معنى لفظ المدعي أو الشاهد
( ولا يثبت شيء ) من الحقوق ( بامرأتين ويمين ) في المال جزما وفيما يقبل فيه النسوة منفردات في الأصح لعدم ورود وقيامهما مقام رجل في غير ذلك لوروده
ثم شرع في شرط مسألة الاكتفاء بشاهد ويمين بقوله ( وإنما يحلف المدعي ) فيها ( بعد شهادة شاهد و ) بعد ( تعديله ) لأنه إنما يتقوى جانبه حينئذ واليمين أبدا في جانب القوي
وفارق عدم اشتراط تقدم شهادة الرجل على شهادة المرأتين بقيامهما مقام الرجل قطعا ولا ترتيب بين الرجلين
تنبيه هل القضاء بالشاهد واليمين معا أو بالشاهد فقط واليمين مؤكدة أو بالعكس أقوال أصحها أولها وتظهر فائدة الخلاف فيما لو رجع الشاهد فعلى الأول يغرم النصف وعلى الثاني الكل وعلى الثالث لا شيء عليه
____________________
(4/443)
( ويذكر ) حتما ( في حلفه صدق الشاهد ) له واستحقاقه لما ادعاه فيقول والله شاهدي صادق فيما شهد به وأنا مستحق لكذا
تنبيه علم من تعبير المصنف بالواو أنه لا ترتيب بين الحلف على إثبات الحق وصدق الشاهد وحكى الإمام فيه الاتفاق وإنما اعتبر تعرضه في يمينه لصدق شاهده لأن اليمين والشهادة حجتان مختلفتا الجنس فاعتبر ارتباط إحداهما بالأخرى ليصيرا كالنوع الواحد
( فإن ترك ) المدعي ( الحلف ) بعد شهادة شاهده ( وطلب يمين خصمه فله ذلك ) لأنه قد يتورع عن اليمين فإن حلف سقطت الدعوى وليس له أن يحلف بعد ذلك مع شاهده كما نقله الرافعي عن ابن الصباغ بخلاف ما لو أقام بينة بعد يمين المدعى عليه حيث تسمع لأن البينة قد يتعذر عليه إقامتها فعذر واليمين إليه بعد شهادة الشاهد الواحد فلا عذر له في الامتناع
( فإن نكل ) المدعى عليه عن اليمين ( فله ) أي المدعي ( أن يحلف يمين الرد في الأظهر ) كما لو لم يكن له شاهد ونكل المدعى عليه لأنها غير التي امتنع عنها لأن تلك لقوة جهته بالشاهد وهذه لقوة جهته بنكول المدعى عليه ولأن تلك لا يقضى بها إلا في المال وهذه يقضى بها في جميع الحقوق
والثاني المنع لأنه ترك الحلف فلا يعود إليه وعورض بما مر
وعلى الأول لو لم يحلف سقط حقه من اليمين وليس له مطالبة الخصم كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الدعاوى
( ولو كان بيده ) أي شخص ( أمة وولدها ) يسترقهما ( فقال ) له ( رجل هذه مستولدتي علقت ) مني ( بهذا ) الولد ( في ملكي وحلف مع شاهد ) بذلك ( ثبت الاستيلاد ) لأن حكم المستولدة حكم المال فتنزع ممن هي في يده وتسلم إليه كغيرها من الأموال وإذا مات حكم بعتقها بإقراره لا بالشاهد واليمين كما توهمه عبارة الكتاب والروضة لأن الاستيلاد لا يثبت بالحجة الناقصة
فإن قيل لا بد أن يقول في الدعوى وهي باقية على ملكي على حكم الاستيلاد إلى الآن لاحتمال أن يكون ملكه زال عنها ببيع بعد استيلادها بأن استولدها وهي مرهونة رهنا لازما ولم يأذن له المرتهن في الوطء وكان معسرا فإنه لا ينفذ الاستيلاد في حق المرتهن وكذا الجانية
أجيب بأن هذا احتمال بعيد لا يعول عليه في الدعوى
( لا نسب الولد وحريته ) فلا يثبتان بالشاهد واليمين ( في الأظهر ) لأنهما حجة ناقصة
والثاني يثبتان تبعا فينزع ممن هو في يده ويكون حرا نسبيا بإقرار المدعي
وعلى الأول يبقى الولد في يد صاحب اليد
وفي ثبوت نسبه من المدعي بالإقرار ما مر في بابه فقال الرافعي مقتضاه أنه إن كان صغيرا لم يثبت محافظة على حق الولاء للسيد أو بالغا وصدقه ثبت في الأصح
( ولو كان بيده غلام ) يسترقه ( فقال ) له ( رجل كان لي ) هذا الغلام ( وأعتقته ) وأنت تسترقه ظلما ( وحلف مع شاهد ) بذلك أو شهد له رجل وامرأتان بذلك ( فالمذهب انتزاعه ) من يده ( ومصيره حرا ) لا بالشهادة كما هو ظاهر كلامه بل بإقراره كما نص عليه وإن تضمن استلحاقه الولاء لأنه تابع
ومنهم من خرج قولا من مسألة الاستيلاد بنفي ذلك فجعل في المسألة قولين ومنهم من قطع بالأول وهو الراجح في أصل الروضة
والفرق أن المدعي هنا يدعي ملكا وحجته تصلح لإثباته والعتق يترتب عليه بإقراره
( ولو ادعت ورثة ) الميت كلهم أو بعضهم ( مالا ) عينا أو دينا أو منفعة ( لمورثهم وأقاموا ) عليه ( شاهدا ) بالمال بعد أن أثبتوا موته ووراثتهم منه ( وحلف معه بعضهم أخذ ) الحالف ( نصيبه ) فقط ( ولا يشارك فيه ) أي لا يشاركه أحد ممن لم يحلف لا من الغائبين ولا من الحاضرين الناكلين لأن الحجة تمت في حقه وحده
كذا نص عليه هنا ونص في الصلح أنهما لو ادعيا دارا أو إرثا وصدق المدعى عليه أحدهما
____________________
(4/444)
في نصيبه وكذب الآخر شارك المكذب المصدق فخرج بعضهم منه قولا هنا أن ما يأخذه الحالف يشارك فيه من لم يحلف لأن الإرث يثبت على الشيوع وقطع الجمهور بالمنصوص هنا وفرقوا بأن الثبوت هنا بشاهد ويمين فلو أثبتنا الشركة لملكنا الشخص بيمين غيره وهناك الثبوت بإقرار المدعى عليه ثم ترتب عليه إقرار المصدق بأنه إرث وبأن الممتنع هنا قادر على الوصول إلى حقه بيمينه فحيث لم يفعل صار كالتارك لحقه
تنبيه كلام المصنف يشعر بأن بعض الورثة يحلف على حصته من المال وليس مرادا بل يحلف على الجميع كما في أصل الروضة عن أبي الفرج ثم قال وفي كلام غيره إشعار بخلافه
( ويبطل حق من لم يحلف بنكوله ) عن اليمين مع الشاهد ( إن حضر ) في البلد بحيث يمكن تحليفه ( وهو كامل ) ببلوغ وعقل حتى لو مات بعد نكوله لم يكن لوارثه أن يحلف مع ذلك الشاهد ولا مع شاهد آخر يقيمه
وهل له ضم شاهده إلى الأول ليحكم له بالبينة فيه احتمالان للإمام جاريان فيما لو أقام مدع شاهدا معه في خصومة ثم مات وأقام وارثه شاهدا آخر يجوز أن يقال له البناء ويجوز أن يقال عليه تجديد الدعوى وإقامة البينة الأولى وقضية كلام الإمام الجزم بالأول
أما إذا مات قبل نكوله فلوارثه الحلف قال الماوردي والإمام إن لم يصدر من مورثه ما يبطل حقه ولا يجب إعادة الشهادة
( فإن كان ) من لم يحلف ( غائبا أو صبيا أو مجنونا فالمذهب أنه لا يقبض نصيبه ) لأن الشافعي رضي الله تعالى عنه نص في المجنون على أنه يوقف نصيبه وفي معناه الصبي والغائب
واختلف الأصحاب في معنى النص فقال جمهورهم أراد التوقف عن الحكم له إلى إفاقته فيحلف ويأخذ أو يمتنع فلا يعطى شيئا وعلى هذا فلا ينزع من يد المدعى عليه
وقيل أراد أنه يأخذ نصيبه من المدعى عليه ويوقف الدفع إليه على حلفه
( فإذا زال عذره ) بأن حضر الغائب وبلغ الصبي وأفاق المجنون ( حلف وأخذ ) حصته ( بغير إعادة شهادة ) واستئناف دعوى لأن الدعوى والشاهد للميت قد وجدا بإقامة الكامل من الورثة خلافة عن الميت
وهذا بخلاف ما لو كانت الدعوى لا عن جهة الإرث كما لو ادعى أنه أوصى له ولأخيه الغائب أو الصبي أو المجنون أو اشتريت أنا وأخي الغائب منك كذا وأقام شاهدا وحلف معه فإنه لا بد هناك من تجديد الدعوى والشهادة إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو قدم الغائب ولا يؤخذ نصيب الصبي أو المجنون أو الغائب قطعا لأن الدعوى في الميراث عن الميت وهو واحد والوارث خليفته وفي غيره الحق لأشخاص فلا يدعي ويقيم البينة لهم من غير إذن ولا ولاية
قالا وينبغي أن يكون الحاضر الكامل الذي لم يشرع في الخصومة أو لم يشعر بالحال كالصبي ونحوه في بقاء حقه بخلاف ما مر في الكامل
تنبيه محل ما ذكره المصنف من عدم الإعادة إذا لم يتغير حال الشاهد بما يقتضي رد شهادته فإن تغير فوجهان أوجههما كما رجحه الأذرعي المنع لأن الحكم قد اتصل بشهادته دون الحالف
ومحل موضع عدم الحاجة إلى إعادة الشهادة في حالتي تغير الشاهد وعدمه كما قاله الزركشي فيما إذا كان الأول قد ادعى بجميع الحق أما لو كان قد ادعى بحصته فقط فلا بد من الإعادة
ثم شرع في بيان مستند علم الشاهد من البناء على اليقين والعلم فقال ( ولا تجوز شهادة على فعل كزنا ) وشرب خمر ( وغصب وإتلاف وولادة ) ورضاع واصطياد وإحياء وكون اليد على مال ( إلا بالإبصار ) له مع فاعله لأنه يصل به إلى العلم واليقين فلا يكفي فيه السماع من الغير قال تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم } وقال صلى الله عليه وسلم على مثلها فاشهد
إلا أن من الحقوق ما اكتفى فيه بالظن المؤكد لتعذر اليقين فيه وتدعو الحاجة إلى إثباته كالملك فإنه لا سبيل إلى معرفته يقينا وكذلك العدالة والإعسار
تنبيه أورد البلقيني صورا يقبل فيها شهادة الأعمى على الفعل الأولى الزنا إذا وضع يده على ذكر داخل في فرج امرأة أو دبر صبي مثلا فأمسكهما ولزمهما حتى شهد عند الحاكم بما عرفه بمقتضى وضع اليد فهذا أبلغ من الرؤية
____________________
(4/445)
الثانية الغصب والإتلاف لو جلس الأعمى على بساط لغيره فغصبه غاصب أو أتلفه فأمسكه الأعمى في تلك الحالة والبساط وتعلق حتى شهد بما عرفه جاز
الثالثة الولادة إذا وضعت العمياء يدها على قبل المرأة وخرج منها الولد وهي واضعة يده على رأسه إلى تكامل خروجه وتعلقت بهما حتى شهدت بولادتها مع غيرها قبلت شهادتها
( وتقبل ) في الفعل ( من أصم ) لإبصاره ويجوز تعمد النظر لفرجي الزانيين لتحمل الشهادة كما مرت الإشارة إليه لأنهما هتكا حرمة أنفسهما
وسكت عن الأخرس وسبق حكم شهادته عند ذكر شروط الشاهد
( والأقوال كعقد ) وفسخ وطلاق وإقرار ( يشترط ) في الشاهد بها ( سمعها ) فلا تقبل من أصم بها ( وإبصار قائلها ) حال تلفظه بها حتى لو نطق بها من وراء حجاب وهو يتحققه لم يكف وما حكاه الروياني عن الأصحاب من أنه لو جلس بباب بيت فيه اثنان فقط فسمع تعاقدهما بالبيع وغيره كفى من غير رؤية زيفه البندنيجي بأنه لا يعرف الموجب من القابل قال الأذرعي وقضية كلامه أنه لو عرف هذا من هذا أنه يصح التحمل ويتصور ذلك بأن يعرف إن المبيع ملك أحدهما كما لو كان الشاهد يسكن بيتا ونحوه لأحدهما أو كان جاره فسمع أحدهما يقول بعني بيتك الذي يسكنه فلان الشاهد أو الذي في جواره أو علم أن القابل في زاوية والموجب في أخرى أو كان كل واحد منهما في بيت بمفرده والشاهد جالس بين البيتين وغير ذلك
قال الحسباني ولو كان أحدهما في البيت وحده والآخر معه على بابه وهو عالم أنه ليس في البيت غيره جاز له الشهادة عليه بما سمعه من الإقرار وإن لم يشاهده حالة النطق
( ولا يقبل ) شهادة ( أعمى ) فيما يتعلق بالبصر لجواز اشتباه الأصوات وقد يحاكي الإنسان صوت غيره ( إلا ) صورة الضبط وهي ( أن يقر ) شخص ( في أذنه ) بنحو طلاق أو عتق أو مال لشخص معروف الاسم والنسب ( فيتعلق ) الأعمى ( به ) ويضبطه ( حتى يشهد ) عليه بما سمعه منه ( عند قاض به ) فيقبل ( على الصحيح ) لحصول العلم بأنه المشهود عليه
والثاني المنع حسما للباب
تنبيه تقدم أنه يصح أن يكون الأعمى مترجما أو مسمعا
وسيأتي أنه يصح أن يشهد بما يثبت بالتسامع إن لم يحتج إلى تعيين
وإشارة بأن يكون الرجل مشهورا باسمه وصفته
وله أن يطأ زوجته اعتمادا على صوتها للضرورة ولأن الوطء يجوز بالظن
ولا يجوز أن يشهد على زوجته اعتمادا على صوتها كغيرها خلافا لما بحثه الأذرعي من قبول شهادته عليها اعتمادا على ذلك
( ولو حملها ) أي الشهادة في محتاج للبصر ( بصير ثم عمي شهد إن كان المشهود له وعليه معروفي الاسم والنسب ) لإمكان الشهادة عليهما فيقول أشهد أن فلان ابن فلان أقر لفلان ابن فلان بكذا بخلاف مجهولهما أو أحدهما أخذا من مفهوم الشرط
نعم لو عمي أو يدهما ويد المشهود عليه في يده فشهد عليه في الأولى مطلقا مع تمييزه له من خصمه وفي الثانية لمعروف الاسم والنسب قبلت شهادته كما بحثه الزركشي في الأولى وصرح به في أصل الروضة في الثانية
( ومن سمع قول شخص أو رأى فعله فإن عرف عينه واسمه ونسبه شهد عليه في حضوره إشارة ) لا باسمه ونسبه فقط كما لو لم يعرف بهما ( وعند غيبته وموته ) ودفنه ( باسمه ونسبه ) لحصول التمييز بذلك
( فإن جهلهما ) أي اسمه ونسبه أو أحدهما ( لم يشهد عند موته ) ودفنه ( وغيبته ) فإن مات ولم يدفن أحضر ليشاهد صورته ويشهد على عينه
وهذا كما قال الأذرعي إن كان بالبلد ولم يخش تغيره بإحضاره وإلا فالوجه حضور الشاهد إليه فإن دفن لم يحضر إذ لا يجوز نبشه
قال الغزالي فإن اشتدت الحاجة إليه ولم تتغير صورته جاز نبشه اه
قال في أصل الروضة وهذا احتمال ذكره الإمام ثم قال والأظهر أنه لا فرق
والمراد بالنسب اسم أبيه وجده فإن عرف اسمه واسم أبيه دون جده شهد بذلك ولم تفد شهادته به إلا إن ذكر للقاضي أمارات يتحقق بها
____________________
(4/446)
نسبه بأن يتميز بها عن غيره فله أن يحكم بشهادته حينئذ كذا نقله في أصل الروضة عن الغزالي ثم نقل عن غيره ما يقتضي أنها لا تفيد لأنها شهادة على مجهول وجمع بينهما الإسنوي بأن الأول فيما إذا حصلت المعرفة بذلك والثاني فيما إذا لم تحصل به
والحاصل أن المدار على المعرفة ولو بمجرد لقب خاص به كالشهادة على السلطان بقوله أشهد على سلطان الديار المصرية والشامية فلان فإنه يكفي ولا يحتاج معه إلى شيء آخر ولو كان بعد موته ويدل لذلك قول الرافعي بعد اشتراطه ذكر اسمه واسم أبيه وجده وحليته وصنعته وإذا حصل الإعلام ببعض ما ذكرناه اكتفي به اه
قال ابن شهبة وبها يزول الإشكال في الشهادة على عتقاء السلطان والأمراء وغيرهم فإن الشهود لا تعرف أنسابهم غالبا فيكتفى بذكر أسمائهم مع ما يحصل التمييز به من أوصافهم وعليه العمل عند الحكام قال وقد اعتمدت على شهادة من شهد على فلان التاجر المتوفى في وقت كذا الذي كان ساكنا في الحانوت الفلاني إلى وقت وفاته وعلم أنه لم يسكن في ذلك الحانوت في هذا الوقت غيره وحكمت بهذه الشهادة
وقال البلقيني فالمدار على ذكر ما يعرف به كيفما كان قال ومقتضى كلام الإمام أن للشهادة على مجرد الاسم قد تنفع عند الشهرة وعدم المشاركة فلو تحملها على من لم يعرفه وقال له اسمي ونسبي كذا لم يعتمده فلو استفاض اسمه ونسبه بعد تحملها عليه فله أن يشهد في غيبته باسمه ونسبه كما لو عرفهما عند التحمل وإن أخبره عدلان عند التحمل أو بعده باسمه ونسبه لم يشهد في غيبته بناء على عدم جواز الشهادة على النسب بالسماع من عدلين كما هو الراجح كما سيأتي
تنبيه لو شهدا أن فلان ابن فلان وكل فلان ابن فلان كانت شهادة بالوكالة والنسب جميعا قاله الماوردي و الروياني
( ولا يصح تحمل شهادة على متنقبة اعتمادا على صوتها ) فإن الأصوات تتشابه فمن لم يسمع صوته ولم يرها بأن كانت من وراء ستر أولى بالمنع ولا يمنع الحائل الرقيق على الأصح
تنبيه مراد المصنف والأصحاب بأنه لا يصح التحمل على المتنقبة ليؤدي ما تحمله اعتمادا على معرفة صوتها
أما لو شهد اثنان أن امرأة متنقبة أقرت يوم كذا لفلان بكذا فشهد آخران أن تلك المرأة التي حضرت وأقرت يوم كذا هي هذه ثبت الحق بالبينتين كما لو قامت بينة أن فلان ابن فلان الفلاني أقر بكذا وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان ابن فلان ثبت الحق
ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو تحقق صوتها من وراء نقاب كثيف ولازمها حتى أدى على عينها كما أشار إليه الرافعي بحثا كنظيره من الأعمى
قال في المطلب ولا إشكال فيه
وضبط المصنف متنقبة بمثناة فوقية ثم نون مفتوحة ثم قاف مكسورة شديدة وفي بعض شروح المتن ضبطه بنون ساكنة ثم مثناة فوقية مفتوحة ثم قاف مكسورة خفيفة وجرى على ذلك الشارح فقال بنون ثم تاء من انتقب كما في الصحاح
( فإن عرفها بعينها أو باسم ونسب جاز ) التحمل عليها ولا يضر النقاب بل يجوز كشف الوجه حينئذ كما في الحاوي وغيره
( ويشهد ) المتحمل على المتنقبة ( عند الأداء بما يعلم ) مما ذكر فيشهد في العلم بعينها إن حضرت وفي صورة علمه باسمها ونسبها إن غابت أو ماتت ودفنت فإن لم يعلم شيئا من ذلك كشف وجهها عند التحمل عليها وضبط حليتها وكشفه أيضا عند الأداء
ويجوز استيعاب وجهها بالنظر للشهادة عند الجمهور وصحح الماوردي أن ينظر ما يعرفها به فقط فإن عرفها بالنظر إلى بعضه لم يتجاوزه
وهذا هو الظاهر ولا يزيد على مرة سواء قلنا بالاستيعاب أم لا إلا أن يحتاج للتكرار
( ولا يجوز التحمل عليها ) أي المرأة متنقبة أم لا ( بتعريف عدل أو عدلين ) أنها فلانة بنت فلان ( على الأشهر ) المعبر به في المحرر وفي الروضة وأصلها عند الأكثرين بناء على أن المذهب في أن التسامع لا بد فيه من جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب
وقيل يجوز بتعريف عدل لأنه خبر وقيل بتعريف عدلين بناء على جواز الشهادة على النسب بالسماع منهما
( والعمل على خلافه ) أي الأشهر وهو التحمل بما ذكر
ولم يبين أن مراده العمل على التحمل بتعريف عدل فقط وقد مر أنهما وجهان وقد سبق للمصنف مثل هذه
____________________
(4/447)
العبارة في صلاة العيد وهي تقتضي الميل إليه ولم يصرحا بذلك في الشرح والروضة بل نقلا عن الأكثرين المنع وساقا الثاني مساق الأوجه الضعيفة
وقال البلقيني ليس المراد بالعمل عمل الأصحاب بل عمل بعض الشهود في بعض البلدان أي ولا اعتبار به
( ولو قامت بينة على عينه ) أي المدعى عليه ( بحق فطلب المدعي التسجيل ) بذلك ( سجل القاضي ) عليه جوازا ( بالحلية ) فيكتب حضر رجل ذكر أنه فلان ابن فلان ومن حليته كيت وكيت ويذكر ما يدل على المحلى من أوصافه الظاهرة كالطول والقصر والبياض والسواد والسمن والهزال وعجلة اللسان وثقله وما في العين من الكحل والشهلة وما في الشعر من جعودة وسبوطة وبياض وسواد ونحو ذلك
و ( لا ) يسجل القاضي بذلك ( بالاسم والنسب ما لم يثبتا ) ببينة أو بعلمه ولا يكفي فيهما قول المدعى ولا إقرار من قامت عليه البينة لأن نسب الشخص لا يثبت بإقراره ويثبتان ببينة حسبة فإن ثبتا ببينة أو بعلمه سجل بهما
ونازع البلقيني في عدم ثبوت نسب الإنسان بإقراره وأطال الكلام في ذلك ومع هذا فالمعول عليه ما ذكر
ثم شرع فيما لا يشترط فيه إبصار السماع فقال ( وله الشهادة بالتسامع ) أي الاستفاضة ( على نسب ) لذكر أو أنثى وإن لم يعرف عين المنسوب إليه ( من أب ) فيشهد أن هذا ابن فلان أو أن هذه بنت فلان ( أو قبيلة ) فيشهد أنه من قبيلة كذا لأنه لا مدخل للروية فيه فإن غاية الممكن أن يشاهد الولادة على الفراش وذلك لا يفيد القطع بل الظاهر فقط والحاجة داعية إلى إثبات الأنساب إلى الأجداد المتوفين والقبائل القديمة فسومح فيه
قال ابن المنذر وهذا مما لا أعلم فيه خلافا
تنبيه ذكر الأب والقبيلة زائد على ما أطلقه المحرر
( وكذا أم ) يثبت النسب بالتسامع ( في الأصح ) كالأب وإن كان النسب في الحقيقة للأب
والثاني المنع لإمكان رؤية الولادة
تنبيه صورة الاستفاضة في التحمل أن يسمع الشاهد المشهود بنسبه ينتسب إلى الشخص أو القبيلة والناس ينسبونه إلى ذلك وامتد ذلك مدة ولا يقدر بسنة بل العبرة بمدة يغلب على الظن صحة ذلك
وإنما يكتفي بالانتساب ونسبة الناس بشرط أن لا يعارضهما ما يورث تهمة فإن أنكر النسب المنسوب إليه لم تجز الشهادة به وكذا لو طعن بعض الناس في نسبه ولو سمعه يقول هذا ابني لصغير أو كبير وصدقه الكبير أو أنا ابن فلان وصدقه فلان جاز له أن يشهد بنسبه ولو سكت المنسوب الكبير للشاهد أن يشهد بالإقرار لا بالنسب
( و ) كذا ( موت ) يثبت بالتسامع ( على المذهب ) كالنسب ولأن أسبابه كثيرة ومنها ما يخفى ومنها ما يظهر وقد يعسر الاطلاع عليها فجاز أن يعتمد على الاستفاضة وفي وجه من طريق المنع لأنه يمكن فيه المعاينة
و ( لا ) يثبت بالتسامع ( عتق و ) لا ( ولاء ) ولا ( وقف ) على جهة عامة أو معين ( و ) لا ( نكاح و ) لا ( ملك في الأصح ) لأن مشاهدة هذه الصور متيسرة وأسبابها غير متعددة
( قلت الأصح عند المحققين والأكثرين ) من الأصحاب ( في الجميع الجواز والله أعلم ) لأنها أمور مؤبدة فإذا طالت مدتها عسر إقامة البينة على ابتدائها فمست الحاجة إلى إثباتها بالاستفاضة ولا يشك أحد أن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأن فاطمة رضي الله تعالى عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم ولا مستند غير السماع
تنبيه ما ذكر في الوقف هو بالنظر إلى أصله وأما شروطه فقال المصنف في فتاويه لا يثبت بالاستفاضة شروط الوقف وتفاصيله بل إن كان وقفا على جماعة معينين أو جهات متعددة قسمت الغلة بينهم بالسوية أو على مدرسة مثلا وتعذرت معرفة الشروط صرف الناظر الغلة فيما يراه من مصالحها اه
قال الإسنوي وهذا الإطلاق ليس بجيد بل الأرجح فيه ما أفتى به ابن الصلاح فإنه قال يثبت بالاستفاضة أن هذا وقف لأن فلانا وقفه
قال وأما الشروط فإن
____________________
(4/448)
شهد بها منفردة لم تثبت بها وإن ذكرها في شهادته بأصل الوقف سمعت لأنه يرجع حاصله إلى بيان كيفية الوقف اه
وما قاله المصنف قال به ابن سرافة وغيره والأوجه كما قال شيخنا حمله على ما قاله ابن الصلاح وهو شيخه كما قاله ابن قاسم
قال الإسنوي ولا شك أن المصنف لم يطلع عليه أي ما قاله ابن الصلاح
وبقي مما يثبت بالاستفاضة صور أخر منها القضاء والجرح والتعديل والرشد والإرث واستحقاق الزكاة والرضاع وتقدم بعض ذلك
وحيث ثبت النكاح بالتسامع لا يثبت الصداق به بل يرجع لمهر المثل ولا يكفي الشاهد بالاستفاضة أن يقول سمعت الناس يقولون هكذا وإن كانت شهادته مبنية عليها بل يقول أشهد أنه له أو أنه ابنه مثلا لأنه قد يعلم أنه خلاف ما سمع من الناس بل قال ابن أبي الدم لو صرح بذلك لم تقبل الشهادة على الأصح لأن ذكره يشعر بعدم جزمه بالشهادة
ويؤخذ من هذا التعليل حمل هذا على ما إذا ظهر بذكره تردد في الشهادة فإن ذكره لتقوية أو حكاية حال قبلت شهادته وهو ظاهر
وليس له أن يقول أشهد أن فلانة ولدت فلانا وأن فلانا أعتق فلانا لما مر أنه يشترط في الشهادة بالفعل الإبصار وبالقول الإبصار والسمع
( وشرط التسامع ) الذي تستند الشهادة إليه في المشهود به ( سماعه ) أي المشهود به ( من جمع ) كثير ( يؤمن تواطؤهم ) أي توافقهم ( على الكذب ) بحيث يقع العلم أو الظن القوي بخبرهم كما ذكراه في الشرح والروضة لأن الأصل في الشهادة اعتماد اليقين وإنما يعدل عنه عند عدم الوصول إليه إلى ظن يقرب منه على حسب الطاقة
تنبيه قد يفهم كلامه أنه لا يشترط فيهم عدالة ولا حرية ولا ذكورة وهو كذلك كما لا يشترط في التواتر
( وقيل يكفي ) سماعه ( من عدلين ) فقط إذا سكن القلب إلى خبرهما لأن الحاكم يعتمد قولهما فكذا الشاهد ومال إليه الإمام
وقيل يكفي واحد إذا سكن إليه القلب
( ولا تجوز الشهادة على ملك بمجرد يد ) أو تصرف لأن اليد لا تستلزم الملك إذ قد يكون عن إجارة أو عارية
( ولا بيد وتصرف في مدة قصيرة ) عرفا بلا استفاضة لاحتمال أنه وكيل عن غيره
( وتجوز في ) مدة ( طويلة ) عرفا بلا معارضة منازع ( في الأصح ) لأن امتداد اليد والتصرف مع طول الزمان من غير منازع يغلب على الظن الملك
والثاني لا يجوز لأنهما قد يوجدان من مستأجر ووكيل وغاصب
تنبيه محل الخلاف إذا لم ينضم إلى اليد والتصرف استفاضة وإلا جازت الشهادة قطعا
ويستثنى من إطلاقه الرقيق فليس لمن رأى صغيرا في يد من يستخدمه ويأمره وينهاه مدة طويلة أن يشهد له بملكه إلا أن يسمعه يقول هو عبدي أو يسمع الناس يقولون ذلك كما صححه في الروضة في أثناء باب اللقيط قال ابن شهبة وكان الفرق الاحتياط في الحرية ووقع الاستخدام في الأحرار كثير
( و ) التصرف المنضم إلى اليد ( شرطه ) في عقار ( تصرف ملاك ) فيه جمع مالك
وبين التصرف بقوله ( من سكنى وهدم وبناء ) ودخول وخروج ( وبيع ) وفسخ بعده ( ورهن ) وإجارة ونحوها لأنها تدل على الملك مع عدم النكير
تنبيه لا يشترط اجتماع هذه الأمور كما يوهمه كلامه بل واحد منها كاف
قالا ولا يكفي التصرف مرة واحدة فإنه لا يثير الظن لقوله قبل ذلك في مدة طويلة
( وتبنى شهادة الإعسار على قرائن ) خفية من أحوال المعسر ( و ) على ( مخائل الضر ) جمع مخيلة من خال بمعنى ظن أي ما يظن بها ما ذكر والضر بالفتح خلاف النفع وبالضم الهزال وسوء الحال وهو المناسب هنا
( و ) على مخائل ( الإضافة ) مصدر أضاق الرجل ذهب ماله والضيق بالكسر
____________________
(4/449)
والفتح مصدر ضاق الشيء وبالفتح جمع الضيقة وهو الفقر وسوء الحال
وإنما اعتبر ذلك لأنه لا يمكن فيه التوصل إلى اليقين بل يكفي الاعتماد فيه على ما تدل عليه القرائن من حاله ويعرف ذلك بمراقبته في خلواته وحالة ضمها وما يظهر عليه من الإعسار بشدة صبره على الضرر والإضافة
ولا بد فيه من اعتبار الخبرة الباطنة كما ذكره في التفليس وإنما لم يذكره هنا لأنه شرط لقبول شهادته لا لجواز إقدام الشاهد
تتمة لا يثبت دين باستفاضة لأنها لا تقع في قدره كذا علله ابن الصباغ
قال الزركشي ويؤخذ منه أن ملك الحصص من الأعيان لا يثبت بالاستفاضة قال وثبوت الدين بالاستفاضة قوي
وكان ينبغي للمصنف ترجيحه كما رجح ثبوت الوقف ونحوه بها ولا فرق بينهما
وما شهد به الشاهد اعتمادا على الاستفاضة يجوز الحلف عليه اعتمادا عليها بل أولى لأنه يجوز التحلف على خط الأب دون الشهادة
فصل في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك وتطلق الشهادة على تحملها ك شهدت بمعنى تحملت وعلى أدائها ك شهدت عند القاضي بمعنى أديت وعلى المشهود به وهو المراد هنا ك تحملت شهادة يعني المشهود به فيكون مصدرا بمعنى المفعول
( تحمل الشهادة فرض كفاية في النكاح ) لتوقف الانعقاد عليه ومثله ما يجب فيه الإشهاد لتوقف الانعقاد عليه فلو امتنع الكل أثموا ولو طلب من اثنين وثم غيرهما لم يتعينا بخلاف ما إذا تحمل جماعة وطلب الأداء من اثنين وسيأتي الفرق بينهما
( وكذا الإقرار والتصرف المالي ) وغيره كطلاق وعتق ورجعة ( وكتابة الصك ) وهو الكتاب فالتحمل في كل منها فرض كفاية ( في الأصح ) للحاجة إلى إثبات ذلك عند التنازع
وكتابة الصكوك يستعان بها في تحصين الحقوق والمراد بها في الجملة لما مر أنه لا يلزم القاضي أن يكتب للخصم بما ثبت عنده أو حكم به ولأنها لا يستغنى عنها في حفظ الحق والمال ولها أثر ظاهر في التذكر
والثاني المنع لصحة ما ذكر بدون إشهاد
تنبيه التقييد بالتصرف المالي لا معنى له فإن الخلاف جار في غيره كما قدرته في كلامه كالطلاق ولذلك أطلق في التنبيه أن تحمل الشهادة فرض كفاية
ثم على فرضية التحمل من طلب منه لزمه إذا كان مستجمعا لشرائط العدالة معتقدا لصحة ما يتحمله وحضره المتحمل فإن لم يكن مستجمع الشروط فلا وجوب قال القاضي جزما
أو دعي للتحمل فلا وجوب إلا أن يكون الداعي معذورا بمرض أو حبس أو كان امرأة مخدرة أو قاضيا يشهده على أمر ثبت عنده فتلزمه الإجابة
قال البلقيني محل كون التحمل فرض كفاية إذا كان المتحملون كثيرين فإن لم يوجد إلا العدد المعتبر في الحكم فهو فرض عين كما جزم به الشيخ أبو حامد و الماوردي وغيرهما وهو واضح جار على القواعد وفي كلام الشافعي ما يقتضيه اه
ومحله أيضا في غير الحدود كما صرح به الماوردي لأنها تدرأ الشبهات
وهذه المسألة مكررة فإنها ذكرت في السير
ولا يلزم الشاهد كتابة الصك ورسم الشهادة إلا بأجرة فله أخذها كما له ذلك في تحمل إذا ادعي له كما سيأتي
وأجرة رسم الشهادة ليست داخلة في أجرة التحمل وله بعد كتابته حبسه عنده للأجرة كالقصار في الثوب وكتمان الشهادة حرام لآية { ولا تكتموا الشهادة } ولأنها أمانة حصلت عنده فعليه أداؤها
( و ) على هذا ( إذا لم يكن في القضية إلا اثنان ) بأن لم يتحمل سواهما أو مات غيرهما أو جن أو فسق أو غاب
وجواب إذا قوله ( لزمهما الأداء ) إن دعيا له لقوله تعالى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } أي للأداء ولأنه يؤدي فرضا التزمه في ذمته
( فلو أدى واحد ) منهما ( وامتنع الآخر ) بلا عذر سواء كان بعد أداء صاحبه أم قبله ( وقال ) للمدعي ( احلف معه ) عصى وإن كان القاضي يرى الحكم بشاهد ويمين لأن من مقاصد الإشهاد التورع عن اليمين فلا يفوت عليه وكذا لو امتنع شاهد رد لوديعة وقالا له احلف على ردها عصيا
( وإن كان ) في القضية ( شهود )
____________________
(4/450)
كأربعة ( فالأداء فرض كفاية ) عليهم لحصو الغرض بالبعض كالجهاد فإذا قام بها اثنان منهم سقط الجرح عن الباقين وإن امتنع الكل عصوا سواء طلبهم المدعي مجتمعين أم متفرقين والمدعو أولا أعظمهم إثما لأنه متبوع في الامتناع كما لو أجاب أولا فإنه يكون أعظمهم أجرا
( فلو طلب ) المدعي الأداء ( من اثنين ) منهم بأعيانهما ( لزمهما ) ذلك ( في الأصح ) لئلا يفضي إلى التواكل
والثاني لا كالمتحمل
وفرق الأول بأنه هناك طلبهما لتحمل أمانة وهنا لأدائها
والخلاف جار فيما لو طلبه من واحد أيضا كما نقله في المطلب
تنبيه محل الخلاف كما قاله الإمام وأقراه ما إذا لم يعلم إباء الباقين وإلا فلا خلاف في اللزوم
وقضية كلام الروضة فيما إذا علمت رغبة غيرهما أنه لا خلاف في جواز الامتناع نبه عليه الزركشي
( وإن لم يكن ) في القضية ( إلا واحد لزمه ) الأداء ( إن كان فيما ) أي في حق يثبت بشاهد ويمين هذا إذا كان القاضي المطلوب إليه يرى بذلك كما قيده الماوردي
وقد يقال إن هذا معلوم من قول المصنف يثبت بشاهد ويمين
( وإلا ) بأن لم يثبت الحق بذلك أو كان القاضي لا يرى ذلك ( فلا ) يلزمه الأداء إذ لا فائدة فيه
ولو كان مع الشاهد امرأتان فالحكم فيهما كالحكم فيما ذكر قاله الماوردي
ولما كان مقابل الأصح السابق مفصلا بينه بقوله ( وقيل لا يلزم الأداء إلا من ) أي شاهد ( تحمل قصدا لا اتفاقا ) لأنه لم يوجد منه التزام
والأصح عدم الفرق لأنها أمانة حصلت عنده فلزمه أداؤها وإن لم يلتزمها كثوب طيرته الريح إلى داره
تنبيه محل الخلاف كما قاله الأذرعي فيما لا يقبل فيه شهادة الحسبة كالحقوق المالية دون ما فيه خطر كما لو سمع من طلق امرأته ثم استفرشها أو عفا عن قصاص ثم طلبه فيلزمه الأداء جزما وإن لم يتحمله قصدا
( ولوجوب الأداء شروط ) أحدها ( أن يدعى ) الشاهد إليه ( من مسافة العدوى ) فأقل وهي التي يتمكن المبكر إليها من الرجوع إلى أهله في يومه كما مر في الحاجة إلى الإثبات وتعذره فلو دعي مما فوقها لم يجب للضرر وإمكان الإثبات بالشهادة على الشهادة قال الأذرعي هذا إذا دعاه المستحق أو الحاكم وليس في عمله فإن دعاه الحاكم وهو في عمله أو الإمام الأعظم فيشبه أن يجب حضوره وقد استحضر عمر رضي الله عنه الشهود من الكوفة إلى المدينة وروي من الشام أيضا
قال شيخنا وما قاله ظاهر في الإمام الأعظم دون غيره اه
ولعله أخذ ذلك من قصة عمر رضي الله تعالى عنه ولا دليل فيه إذ ليس فيها أن عمر أجبرهم على الحضور فالمعتمد إطلاق الأصحاب
ومتى كان القاضي في البلد فالمسافة قريبة كما قطع به الشيخان وغيرهما
تنبيه قول المصنف يدعى يقتضي أنه لا يجب عليه من غير دعاء ومحله في غير شهادة الحسبة
أما هي فالظاهر كما قال الأذرعي وغيره الوجوب مسارعة للنهي عن المنكر إذ هو على الفور
( وقيل دون مسافة القصر ) وهذا مزيد على الأول بما بين المسافتين فإن دعي من مسافة القصر لم يجب عليه الحضور للأداء لبعدها
( و ) الشرط الثاني ( أن يكون ) المدعو ( عدلا فإن دعي ذو فسق مجمع عليه ) كشارب خمر ولا فرق فيه بين الظاهر للناس والخفي كما هو قضية كلام المصنف في عدم الوجوب
قال الأذرعي وفي تحريم الأداء مع الفسق الخفي نظر لأنها شهادة بحق وإعانة عليه في نفس الأمر
ولا إثم على القاضي إذا لم يقصر بل يتجه وجوب الأداء إذا كان فيه إنقاذ نفس أو عضو أو بعض قال وبه صرح الماوردي
( قيل أو دعي ذو فسق ( مختلف فيه ) كشرب نبيذ ( لم يجب ) عليه الأداء لما فيه من تعرض نفسه من إسقاط عدالته بما لا يراه مسقطا في اعتقاده
والأصح الوجوب وإن عهد من
____________________
(4/451)
القاضي رد الشهادة به لأنه قد يتغير اجتهاده
وقضية التعليل عدم اللزوم إذا كان القاضي مقلدا من يفسق بذلك وهو كما قال شيخنا ظاهر
فإن قيل قد يمتنع بأنه يجوز أن يقلد غير مقلده
أجيب بأن اعتبار مثل هذا الجواز بعيد
وهل يجوز للعدل أن يشهد ببيع عند من يرى إثبات الشفعة للجار وهو لا يراه أو لا وجهان أفقههما كما قال شيخنا الجواز والبيع مثال والضابط أن يشهد بما يعلم أن القاضي يرتب عليه ما لا يعتقده
فروع لو كان مع المجمع على فسقه عدل لم يلزمه الأداء إلا فيما يثبت بشاهد ويمين إذ لا فائدة فيه فيما عداه
ولو امتنع الشاهد من الأداء حياء من المشهود عليه أو غيره عصى وردت شهادته إلى أن تصح توبته
ولو قال المدعي للقاضي شاهدي ممتنع من أداء الشهادة لي عنادا فأحضره ليشهد لم يجبه إلى ذلك لأنه لو شهد لم تقبل شهادته له لأنه فاسق بالامتناع بزعمه بخلاف ما لم يقل عنادا لاحتمال أن يكون امتناعه لعذر شرعي
( و ) الشرط الثالث ( أن لا يكون ) المدعو ( معذور بمرض ونحوه ) كخوفه على ماله أو تعطل كسبه في ذلك الوقت إلا إن بذل له قدر كسبه أو طلبه في حر أو برد شديد وكتخدير المرأة وكذا كل عذر يسقط عنه به الجمعة ( فإن كان ) المدعو معذورا لم يلزمه الأداء ( وأشهد على شهادته ) غيره ( أو بعث القاضي ) إليه ( من يسمعها ) دفعا للمشقة عنه تنبيه قضية حصره الشروط الثلاثة المذكورة عدم اشتراط كون المدعو إليه قاضيا وعدم كونه أهلا للقضاء وهو كذلك فلو دعي إلى أمير أو نحوه كوزير وعلم حصول الحق به وجب عليه الأداء عنده كما في زيادة الروضة
وينبغي كما في التوضيح حمله على ما إذا علم أن الحق لا يخلص إلا عنده وإليه يرشد قولهم إذا علم أنه يصل به للحق فقول المصنف في باب القضاء على الغائب أن منصب سماع البينة مختص بالقضاء هو يقتضي أنه لا يجب في غير القاضي محمول على غير هذا
ويجب عليه الأداء أيضا إذا دعي إلى قاض جائر أو امتنعت في الشهادة على الأصح في زيادة الروضة
ومن شروط الوجوب أن لا يكون في حد لله تعالى فإن كان قال المصنف إن رأى المصلحة في الشهادة شهدوا وإلا فلا إلا إن ترتب على تركها حد على غير الشاهد مثل أن لا يكمل النصاب إلا به فإنه يجب عليه الأداء كما قاله الماوردي
قال ابن سراقة وربما أثم الشاهد بالأداء مثل أن يشهد على مسلم أنه قتل كافرا والحاكم عراقي فلا يجوز له الأداء لما في ذلك من قتل المسلم بالكافر
وإذا اجتمعت الشروط وكان في صلاة أو حمام أو على طعام أو نحو ذلك فله التأخير إلى أن يفرغ
ولو رد قاض شهادته لجرحه ثم دعى إلى قاض آخر لا إليه لزمه أداؤها
ولو دعي في وقت واحد لشهادتين بحقين فإن تساويا تخير في إجابة من شاء من الداعيين وإن اختلف قدم ما يخاف فوته فإن لم يخف فوته تخير قاله ابن عبد السلام
قال الزركشي ويحتمل الإقراع وهو أوجه
تتمة ليس للشاهد أخذ رزق لتحمل الشهادة من الإمام أحد أو الرعية وأما أخذه من بيت المال فهو كالقاضي وتقدم تفصيله وإن قال المقري ليس له الأخذ مطلقا وقال غيره له ذلك بلا تفصيل
وله بكل حال أخذ أجرة من المشهود له على التحمل وإن تعين عليه إن دعي له فإن تحمل بمكانه فلا أجرة له
وليس له أخذ أجرة للأداء إن لم يتعين عليه لأنه فرض عليه فلا يستحق عوضا ولأنه كلام يسير لا أجرة لمثله
وفارق التحمل بأن الأخذ للأداء يورث تهمة قوية مع أن زمنه يسير ولا تفوت به منفعة متقومة بخلاف زمن التحمل إلا إن دعي من مسافة عدوى فأكثر فله نفقة الطريق وأجرة المركوب وإن لم يركب
نعم لمن في البلد أخذ الأجرة إن احتاج إليها وله صرف ما يعطيه له المشهود له إلى غير النفقة والأجرة وكذا من أعطى شيئا فقيرا ليكسو به نفسه للفقير أن يصرفه لغير الكسوة ثم إن مشى الشاهد من بلد إلى بلد مع قدرته على الركوب قد تنخرم المروءة فيظهر امتناعه فيمن هذا شأنه قاله الإسنوي
قال الأذرعي لا يتقيد ذلك ببلدين بل قد يأتي في البلد الواحد فيعد ذلك خرما للمروءة إلا أن تدعو الحاجة إليه أو يفعله تواضعا
فصل في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها ( تقبل الشهادة على الشهادة ) لعموم قوله تعالى
____________________
(4/452)
{ وأشهدوا ذوي عدل منكم } ولدعاء الحاجة إليها لأن الأصل قد يتعذر ولأن الشهادة حق لازم فيشهد عليها كسائر الحقوق لأنها طريق تظهر الحق كالإقرار فيشهد عليها
لكنها إنما تقبل ( في غير عقوبة ) لله تعالى وغير إحصان كالأقارير والعقود والفسوخ والرضاع والولادة وعيوب النساء سواء فيه حق الآدمي وحق الله تعالى كالزكاة ووقف المساجد والجهات العامة وهلال رمضان للصوم وذي الحجة للحج
( وفي ) إثبات ( عقوبة لآدمي على المذهب ) كالقصاص وحد القذف
أما العقوبة لله تعالى كالزنا وشرب الخمر فلا يقبل فيها الشهادة على الشهادة على الأظهر
وخرج منها قول في عقوبة الآدمي ودفع التخريج بأن حق الله تعالى مبني على التخفيف بخلاف حق الآدمي فلذلك عبر المصنف فيه بالمذهب
وأما الإحصان فيمن ثبت زناه فكالحد فلا يقبل فيه الشهادة على الشهادة على الأصح كما حكاه الرافعي عن ابن القاص
تنبيه يفهم من منع ثبوت إحصان من ثبت زناه منع ثبوت بلوغه لأنه يؤول إلى العقوبة وكذا بقية ما يعتبر في الإحصان
قال البلقيني وكذا لا تقبل الشهادة على الشهادة بلعان الزوج إذا أنكرته المرأة لم يترتب عن لعانه من إيجاد الحد على المرأة إذا لم تلعن وكذا الشهادة على الشهادة بانتقاض عهد الذمي ليخير الإمام فيه بين أمور فيها القتل والشهادة على الشهادة على الإمام باختيار القتل وعلى الحاكم الذي حكم بقتل من نزل على حكمه من الرجال المكلفين وعلى الحاكم بإيجاد الحد على الزاني
فرع يجوز إشهاد الفرع على شهادته كما يفهم من إطلاق المتن وصرح به الصيمري وغيره
( وتحملها ) أي الشهادة له أسباب ثلاثة السبب الأول ما ذكره بقوله ( بأن يسترعيه ) الأصل أي يلتمس منه رعاية الشهادة وحفظها لأن الشهادة على الشهادة نيابة فاعتبر فيه الإذن
( فيقول ) الأصل للفرع ( أنا شاهد بكذا ) أي بأن لفلان على فلان كذا ( وأشهدك ) على شهادتي أو أشهدتك على شهادتي
( أو ) يقول ( أشهد على شهادتي ) أو إذا شهدت على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد به
قال في أصل الروضة ولا يشترط أن يقول في الاسترعاء أشهدك على شهادتي وعن شهادتي لكنه أتم فقوله أشهدك على شهادتي تحميل وقوله وعن شهادتي إذن في الأداء كأنه قال أدها عني
تنبيه ليس استرعاء الأصل شرطا كما يفهم كلامه بل متى صح الاسترعاء لم يختص التحمل بالمسترعي بل له ولمن سمع ذلك أن يشهد على الشهادة المذكورة
وأفهم كلامه أنه يشترط لفظ الشهادة وهو كذلك فلا يكفي أعلمك وأخبرك بكذا ونحوهما كما لا يكفي في أداء الشهادة عند القاضي
السبب الثاني ما ذكره بقوله ( أو ) بأن ( يسمعه ويشهد عند قاض ) أن لفلان على فلان كذا فله أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه كما أن للقاضي ذلك قبل الحكم لأنه إنما شهد عند القاضي بعد تحقيق الوجوب
السبب الثالث ما ذكره بقوله ( أو ) بأن يسمعه ( يقول أشهد أن لفلان على فلان ألفا عن ثمن مبيع أو غيره ) كقرض فإذا بين سبب الشهادة جاز لمن سمعه أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه لأن إسناده إلى السبب يرفع احتمال الوعد والتساهل
( وفي هذا ) السبب الأخير ( وجه ) أنه لا يكفي لاحتمال التوسع فيه وحكاه الإمام عن الإكثرين وصححه البلقيني
تنبيه كلامه يشعر بأن ما قبل الأخير وهو الشهادة عند قاض لا خلاف فيه وليس مرادا بل فيه وجه بعدم الكفاية أيضا
وورد على حصره الأسباب فيما ذكره صور منها ما إذا سمعه يؤدي عند المحكم كما قاله القاضي والإمام ولم يفصلا بين أن يقول بجواز التحكيم أو لا وبه صرح الفوراني و البغوي وجرى عليه الشيخان لأنه لا يشهد عنده إلا وهو جازم بما يشهد به
وينبغي كما قال ابن شهبة الاكتفاء بأداء الشهادة عند أمير أو وزير
____________________
(4/453)
بناء على تصحيح المصنف وجوب أدائها عنده على ما مر لأن الشاهد لا يقدم على ذلك عند الوزير إلا وهو جازم بثبوت المشهود به قال البلقيني وكذا إذا شهد عند الكبير الذي دخل في القضية بغير تحكيم ويجوز تحمل الشهادة على المقر وإن لم يسترعه وعلى الحاكم إذا قال في محل حكمه حكمت بكذا وإن لم يسترعه وألحق به البغوي إقراره بالحكم
ومنها لو كان حاكما أو محكما فشهدا عنده ولم يحكم جاز له أن يشهد على شهادتهما لأنه إذا جاز لغيره أن يشهد عليهما بذلك فهو أولى
( ولا يكفي ) جزما ( سماع قوله ) أي الأصل ( لفلان على فلان كذا أو أشهد بكذا أو عندي شهادة بكذا ) ونحو ذلك من صور الشهادة التي في معرض الأخبار لاحتمال أن يريد أن له عليه ذلك من جهة وعد وعده إياه ويشير بكلمة على إلا أن مكارم الأخلاق تقتضي الوفاء بها
( وليبين ) الشاهد ( الفرع عند الأداء ) للشهادة ( جهة التحمل ) فإن استرعاه الأصل قال أشهد أن فلانا شهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته وإن لم يسترعه بين أنه شهد عند القاضي أو المحكم أو أنه أسند المشهود به إلى سببه ليكون مؤديا لها على الوجه الذي تحملها به فيعرف القاضي صحتها وفسادها إذ الغالب على الناس الجهل بجهة التحمل
( فإن لم يبين ) جهة التحمل كقوله أشهد على شهادة فلان بكذا ( ووثق القاضي بعلمه ) بمعرفة شرائط التحمل ( فلا بأس ) بذلك لحصول الغرض به ولكن يندب أن يسأله بأي سبب ثبت هذا المال وهل أخبرك به الأصل أو لا ونازع البلقيني في الاكتفاء بذلك وقال إنه مخالف لإطلاق الأصحاب
ثم شرع المصنف رحمه الله تعالى في صفة شاهد الأصل وما يطرأ عليه فقال ( ولا يصح التحمل على شهادة ) شخص ( مردود الشهادة ) بفسق أو غيره كرق لأنه غير مقبول الشهادة
تنبيه شمل إطلاقه ما لو ردت شهادته مطلقا أو بالنسبة لتلك الواقعة كما لو شهد فردت شهادته ثم أعادها فلا يصح تحملها وإن كان كاملا في غيرها لأنه لو أعادها بنفسه لم تقبل وهو ظاهر ( ولا تحمل النسوة ) أي لا تقبل شهادتهن على شهادة غيرهن وإن كانت الأصول أو بعضهم نساء وكانت الشهادة في ولادة أو رضاع أو مال لأن شهادة الفرع تثبت شهادة الأصل لا ما شهد به
تنبيه لم يصرح في المحرر بهذه المسألة
وقال المصنف في الدقائق ليست بزيادة محضة فإنها تفهم من قول المحرر قبل هذا أن ما ليس المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال غالبا لا يثبت إلا برجلين انتهى
ولا يصح أيضا تحمل الخنثى المشكل فإن بانت ذكورته صح تحمله
ولو تحمل فرع واحد عن أصل فيما يثبت بشاهد ويمين فأراد ذو الحق أن يحلف مع هذا الفرع لم يجز لأن شهادة الأصل لا تثبت بشاهد ويمين ولو شهد على أصل واحد فرعان فله الحلف معهما قاله الماوردي
( فإن مات الأصل أو ) حدث به مانع لا يقدح كأن ( غاب أو مرض لم يمنع ) ذلك ( شهادة الفرع ) أي أداءها لأنه محلها كما سيأتي بشرطه وذكر هنا توطئة لما بعده ( وإن حدث ) بالأصل مانع قادح وهو ( ردة أو فسق أو عداوة ) أو نحو ذلك ( منعت ) هذه القوادح وما أشبههما شهادة الفرع لأن هذه الأمور لا تهجم دفعة واحدة بل الفسق يورث الريبة فيما تقدم والردة تشعر بخبث في العقيدة والعداوة بضغائن كانت مستكنة وليس لمدة ذلك ضبط فيعطف إلى حالة التحمل
تنبيه لو حدث الفسق أو الردة بعد الشهادة وقبل الحكم امتنع الحكم وهذا مما يلغز به فيقال عدلان شهدا بشيء عند القاضي وقبلت شهادتهما ثم امتنع عليه الحكم بشهادتهما لفسق غيرهما ولا أثر لحدوث ذلك بعد القضاء
____________________
(4/454)
كذا في الروضة وأصلها قال البلقيني وهو مقيد في الفسق والردة بأن لا يكون في حد لآدمي أو قصاص لم يستوف فإن وجد بعد الحكم وقبل الاستيفاء لم يستوف كالرجوع بخلاف حدوث العداوة بعد الحكم أو قبله وبعد الأداء فإنه لا يؤثر
( وجنونه ) أي الأصل إذا كان مطبقا وخرسه وعماه ( كموته ) فتقبل شهادة الفرع ( على الصحيح ) لأن ذلك لا يوقع ريبة في الماضي
والثاني يمنع كالفسق
تنبيه كالجنون الإغماء إلا أن يكون المغمى عليه حاضرا فلا يشهد الفرع بل ينتظر زوال الإغماء لقرب زواله قاله الإمام وأقره
قال الرافعي وقضيته أن يلحق به كل مرض يتوقع قرب زواله
قال المصنف والصواب الفرق لبقاء أهلية المريض بخلاف المغمى عليه انتهى
واعترضه الأذرعي بأنه إذا انتظرنا إفاقة المغمى عليه مع عدم أهليته فانتظار المريض الأهل أولى بلا شك
( ولو تحمل فرع فاسق ) أو كافر ( أو عبد أو صبي فأدى وهو كامل ) بعدالة في الأول وإسلام في الثاني وحرية في الثالث وبلوغ في الرابع ( قبلت ) حينئذ شهادته على الصحيح كالأصل إذا تحمل وهو ناقص ثم أدى بعد كماله
تنبيه لا بد من عدد الفرع ولو كانت الشهادة مما يقبل فيها الواحد كهلال رمضان
( ويكفي شهادة اثنين ) فرعين ( على الشاهدين ) الأصليين كما لو شهدا على مقرين
والمراد أن يشهد كل من الفرعين على كل من الأصلين ولا يكفي واحد على هذا وواحد على الآخر قطعا وإن أوهم كلامه خلافه ولا يكفي أيضا أصل شهد مع فرع على الأصل الثاني لأن من قام بأحد شطري البينة لا يقوم بالآخر ولو مع غيره
تنبيه يكفي شاهدان على رجل وامرأتين لأنهما مقام رجل
( وفي قول ) صححه جمع ( يشترط لكل رجل أو امرأة ) من الأصول ( اثنان ) لأن شهادتهما على واحد قائمة مقام شهادته فلا تقوم مقام شهادة غيره
( وشرط ) شهادة الفرع في ( قبولها تعذر أو تعسر الأصيل بموت أو عمى ) لا تسمع معه شهادة الأعمى
وهذان مثالان للتعذر ومثلهما الجنون المطبق والخرس الذي لا يفهم فلو قال كالموت كان أولى
( أو مرض يشق حضوره ) مشقة ظاهرة بأن يجوز لأجله ترك الجمعة وخوف من غريم وسائر أعذار الجمعة كما في أصل الروضة لأنها جوزت للحاجة
قال الزركشي وما ذكر من ضابط المرض هنا نقله في أصل الروضة عن الإمام و الغزالي وهو بعيد نقلا وعقلا وبين ذلك ثم قال على أن إلحاقه سائر أعذار الجمعة بالمرض لا يمكن القول به على الإطلاق فإن أكل ماله ريح كريهة عذر في الجمعة ولا يقول أحد هنا بأن أكل شهود الأصل ذلك سوغ سماع الشهادة على شهادتهم
وسبقه إلى ذلك الأذرعي
وقد يقال المراد من ذلك ما يشق معه الحضور
( أو غيبة لمسافة عدوة وقيل ) لمسافة ( قصر ) لأن ما دونها في حكم البلد
تنبيه قوله لمسافة عدوى نسب فيه إلى سبق القلم وصوابه فوق مسافة العدوى كما هو في المحرر والروضة وغيرهما فإن المسوغ لشهادة الفرع غيبة الأصل فوق مسافة العدوى
وقد تقدم في الفصل قبله أن من شروط وجوب الأداء أن يدعى من مسافة العدوى فكيف يقبل فيها شهادة الفرع مع وجوب الأداء على الأصل
وليس ما ذكر هنا تكرارا مع ما مر من أن موت الأصل وغيبته ومرضه لا يمنع شهادة الفرع لأن ذاك في بيان طريان العذر وهذا في المسوغ للشهادة
ويستثنى من شروط الغيبة شهود التزكية فإن أصحاب المسائل تقبل شهادتهم عند القاضي على شهادة المزكي مع حضور المزكين في البلد كما ذكراه في فصل التزكية وتقدم ما فيه
ولو شهد الفرع في غيبة الأصل ثم حضر أو قال لا أعلم أني تحملت أو نسيت أو نحو ذلك لم يحكم بها لحصول القدرة على الأصل في الأولى والريبة فيما عداها أو بعد الحكم بها لم يؤثر ولو كذب به الأصل بعد القضاء لم ينقبض
قال ابن الرفعة ويظهر أن يجيء تغريمهم والتوقف في استيفاء العقوبة ما يأتي في رجوع الشهود بعد القضاء
قال الأذرعي وهو ظاهر إلا أن يثبت أنه كذبه قبله فينقض
____________________
(4/455)
قال الزركشي تفقها إلا إن ثبت أنه أشهده فلا ينقض
واستثنى الشيخان بحثا من الأعذار ما يعم الأصل والفرع كالمطر والوحل الشديد فلا تسمع معه شهادة الفرع
قال الإسنوي أخذا من كلام ابن الرفعة وهذا باطل فإن مشاركة غيره له لا تخرجه عن كونه عذرا في حقه فلو تجشم المشقة وحضر وأدى قبلت شهادته اه
وقد يجاب عن كلامهما بأن المراد من لا تسمع شهادة الفرع منه أي لا تلزمه فمن تجشم المشقة منهما وحضر وأدى قبلت فإن الشيخين لا يمنعان ذلك وحيث أمكن حمل العبارة على معنى صحيح ولو مع العبد كان أولى من حمله على كونه باطلا خصوصا من عظمت مرتبته في العلم
( و ) يشترط ( أن يسمي الأصول ) وإن كانوا عدولا ليعرف القاضي عدالتهم ويتمكن الخصم من الجرح إن عرفه
تنبيه شمل إطلاق المصنف ما لو كان الأصل قاضيا كما لو قال أشهدني قاض من قضاء مصر أو القاضي الذي بها ولم يسمه وليس بها سواه على نفسه في مجلس حكمه
قال الأذرعي والصواب في وقتنا وجوب تعيين القاضي أيضا لما لا يخفى
( ولا يشترط ) في شهادة الأصول ( أن يزكيهم الفروع ) بل لهم إطلاق الشهادة والقاضي يبحث عن عدالة الأصول ولا يلزم الفرع أن يتعرض في شهادته لصدق أصله لأنه لا يعرف بخلاف ما إذا حلف المدعي مع شاهده حيث يتعرض لصدقه لأنه يعرف
( فإن زكوهم ) وهم أهل للتعديل غير متهمين ( قبل ) ذلك منهم
فإن قيل لو شهد اثنان في واقعة وزكى أحدهما الآخر فإنه لا يثبت عدالة الثاني فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن تزكية الفروع للأصول من تتمة شهادتهم ولذلك شرط بعضهم التعرض لها وهناك قام الشاهد المزكي بأحدى شطري الشهادة فلا يصح قيامه بالثاني
( ولو شهدوا ) أي الفروع ( على شهادة عدلين أو عدول ) يذكرونهم ( ولم يسموهم لم يجز ) أي لم يكف لأن القاضي قد يعرف جرحهم لو سموهم ولأنه يسد باب الجرح على الخصم
فإن قيل كان ينبغي ذكر هذه المسألة عقب قوله وأن يسمي الأصول
أجيب بأنه إنما أخرها ليفيد أن تزكية الفروع للأصول وإن جازت فلا بد من تعيينهم بالاسم ولو قدمه لم يكن صريحا في ذلك
تتمة لو اجتمع أصل وفرعا أصل آخر قدم عليهما في الشهادة كما لو كان معه ماء لا يكفيه يستعمله ثم يتيمم قاله صاحب الاستقصاء
فصل في رجوع الشهود عن شهادتهم إذا ( رجعوا عن الشهادة ) أو توقفوا فيها بعد الأداء و ( قبل الحكم امتنع ) الحكم بشهادتهم وإن أعادوها سواء كانت في عقوبة أم في غيرها لأن الحاكم لا يدري أصدقوا في الأول أو في الثاني فينتفي ظن الصدق
وأيضا فإن كذبهم ثابت لا محالة إما في الشهادة أو الرجوع ولا يجوز الحكم بشهادة الكذاب ولا يفسقون برجوعهم إلا إن قالوا تعمدنا شهادة الزور فيفسقون
ولو رجعوا عن شهادتهم في زنا حدوا حد القذف وإن قالوا غلطنا لما فيه من التعبير وكان حقهم التثبت وكما لو رجعوا عنها بعد الحكم
والمراد بالرجوع التصريح به فيقول رجعت عن شهادتي فلو قال أبطلت شهادتي أو فسختها أو رددتها فهل يكون الحكم كذلك فيما قبله ولو قالوا للحاكم بعد شهادتهم توقف عن الحكم ثم قالوا له احكم فنحن على شهادتنا حكم لأنه لم يتحقق رجوعهم ولا بطلت أهليتهم
وإن شك فقد زال ولا يحتاج إلى إعادة الشهادة منهم لأنها صدرت من أهل جازم والتوقف الطارىء قد زال
( أو ) رجعوا ( بعده ) أي الحكم ( وقيل استيفاء مال ) في شهادة به أو عقد ولو نكاحا نفذ الحكم به و ( استوفي ) المال لأن القضاء قد تم وليس هذا ما يسقط بالشبهة حتى يتأثر بالرجوع
وأما الفسوخ فتستمر على إمضائها
( أو ) رجعوا بعد الحكم وقبل استيفاء ( عقوبة ) في شهادة بها سواء أكانت لله تعالى أم
____________________
(4/456)
لآدمي كحد زنا وحد قذف ( فلا ) يستوفى تلك العقوبة لأنها تسقط بالشبهة والرجوع شبهة
( أو بعده ) أي استيفاء المحكوم به ( لم ينقض ) أي الحكم لتأكد الأمر ولجواز صدقهم في الشهادة وكذبهم في الرجوع وعكسه وليس أحدهما بأولى من الآخر فلا ينقض الحكم بأمر مختلف
( فإن كان المستوفى ) عقوبة كأن كان ( قصاصا ) في نفس أو طرف ( أو قتل ردة أو رجم زنا أو جلده ) بلفظ المصدر المضاف لضمير الزنا ولو حذفه كان أخصر وأعم ليشمل جلدة قذف وشرب
( ومات ) المجلود أو قطع سرقة أو نحوها ثم رجعوا ( وقالوا تعمدنا ) شهادة أو قال كل منهم تعمدت ولا أعلم حال صاحبي مع قولهم علمنا أنه يستوفى منه بقولنا ( فعليهم قصاص ) غائلة إن جهل الولي تعمدهم وإلا فالقصاص عليه فقط كما أفاده كلام المتن في الجنايات وسيأتي
( أو دية مغلظة ) في مالهم موزعة على عدد رؤوسهم لتسببهم إلى إهلاكه
ولو قال كل من الشاهدين تعمدت وأخطأ صاحبي فلا قصاص لانتفاء تمحض العمد العدوان في حق كل منهما بإقراره بل يلزمهما دية مغلظة
أو قال أحدهما تعمدت وصاحبي أخطأ
أو قال تعمدت ولا أدري أتعمد صاحبي أم لا وهو ميت أو غائب لا يمكن مراجعته
أو اقتصر على تعمدت وقال صاحبه أخطأت فلا قصاص لما مر
وإن قال تعمدت وتعمد صاحبي وهو غائب أو ميت اقتص منه
ولو اعترف أحدهما بعمدهما والآخر بعمده وخطأ صاحبه اقتص من الأول لاعترافه بتعمدهما جميعا دون الثاني لأنه لم يعترف إلا بشركة مخطىء ولا أثر لقولهم بعد رجوعهم لم نعلم أنه يقتل بقولنا بل يحدون في شهادة الزنا حد القذف ثم يرجمون ولا يضر فيه عدم معرفة محل الجناية ولا قدر الحجر وعدمه قال القاضي لأن ذلك تفاوت يسير
وقيل يقتلون بالسيف ورجحه في المهمات إلا لقرب عهدهم بالإسلام ونشئهم ببادية بعيدة عن العلماء فيكون شبه عمد
وإن قالوا أخطأنا في شهادتنا فدية مخففة موزعة على عدد رؤوسهم إن كذبتهم العاقلة لأن إقرارهم لا يلزم العاقلة ما لم يصدقهم فإن صدقتهم فعليهم الدية وكذا إن سكتت كما هو ظاهر كلام كثير خلافا لما يفهمه كلام الروض فإن صدقتهم لزمه الدية
فرع لو ادعوا أن العاقلة تعرف خطأهم هل لهم تحليفهم أو لا رأيان أوجههما أن لهم ذلك كما رجحه الإسنوي لأنها لو أقرت غرمت خلافا لما جرى عليه ابن المقرى من عدم التحليف
( وعلى القاضي ) الراجع دون الشهود ( قصاص ) أو دية مغلظة ( إن قال تعمدت ) الحكم بشهادة الزور فإن قال أخطأت فدية مخففة عليه لا على عاقلته إن لم تصدقه
( وإن رجع هو ) أي القاضي ( وهم ) أي الشهود ( فعلى الجميع قصاص ) أو دية مغلظة ( إن قالوا تعمدنا ) ذلك لاعترافهم بالتسبب في قتله عمدا عدوانا
( فإن قالوا أخطأنا فعليه ) أي القاضي ( نصف دية وعليهم ) أي الشهود ( نصف ) منها توزيعا على المباشرة والتسبب قال الرافعي كذا نقله البغوي وغيره وقياسه أن لا يجب كمال الدية عند رجوعه وحده كما لو رجع بعض الشهود اه
ورد القياس بأن القاضي قد يستقل بالمباشرة فيما إذا قضى بعلمه بخلاف الشهود وبأنه يقتضى أنه لا يجب كمال الدية عند رجوع الشهود وحدهم مع أنه ليس كذلك
( ولو رجع مزك ) وحده عن تعديل الشهود ولو قبل شهادتهم ( فالأصح أنه يضمن ) بالقصاص أو الدية لأنه بالتزكية يلجىء القاضي إلى الحكم المفضي إلى القتل
والثاني المنع لأنه كالممسك مع القاتل
تنبيه ظاهر كلامهم على الأول أنه لا فرق بين قوله علمت كذبهم وقوله علمت فسقهم وبه صرح الإمام وإن قال القفال محله إذا قال علمت كذبهم فإن قال علمت فسقهم لم يلزمه شيء لأنهم قد يصدقون مع فسقهم
( أو ) رجع ( ولى ) للدم ( وحده ) دون الشهود ( فعليه قصاص أو دية ) بكمالها لأنه المباشر للقتل
( أو ) رجع ( مع الشهود
____________________
(4/457)
فكذلك ) يجب القصاص أو الدية على الولي وحده على الأصح للمباشرة وهم معه كالممسك مع القاتل
( وقيل هو وهم شركاء ) لتعاونهم في القتل فعليهم القود
وإن آل الأمر إلى الدية فعليهم النصف والنصف على الولي وعلى هذا لو رجع الولي والقاضي والشهود كان على كل الثلث
تنبيه كان الأولى للمصنف أن يقول وقيل هو وهم كالشريكين لأن قوله شركاء يوهم أنه كأحدهم في الضمان مطلقا
( ولو شهدا ) على شخص ( بطلاق بائن ) سواء أكان بعوض أم بثلاث أم قبل الدخول ( أو رضاع ) محرم ( أو لعان ) أو نحو ذلك مما يترتب عليه البينونة كالفسخ بعيب ( وفرق القاضي ) في كل من هذه المسائل بين الزوجين ( فرجعا ) عن شهادتهما بما ذكر ( دام الفراق ) لأن قولهما في الرجوع محتمل فلا يرد الحكم بقول محتمل
تنبيه قوله دام الفراق لا يأتي في الطلاق البائن ونحوه بخلافه في الرضاع واللعان فلو عبر بدل دام ب نفذ أو بقول الروضة لم يرتفع الفراق كان أولى
( وعليهم ) أي الشهود الراجعين للزوج ( مهر مثل ) ولو قبل وطء أو بعد إبراء الزوجة زوجها من المهر لأنه بدل ما فوتاه عليه
( وفي قول نصفه إن كان ) حكم القاضي بالفراق ( قبل وطء ) لأنه الذي فات على الزوج
والأول نظر إلى بذل البضع المفوت بالشهادة النظر في الإتلاف إلى المتلف لا إلى ما قام به على المستحق سواء أدفع إليها الزوج المهر أم لا بخلاف نظيره في الذين لا يغرمون قبل دفعه لأن الحيلولة هنا تحققت
فإن قيل لو أرضعت زوجته الكبيرة زوجته الصغيرة قبل الدخول لزمها نصف مهر المثل فقط فهلا كان هو الأصح هنا أجيب بأن فرقة الرضاع حقيقة فلا توجب إلا النصف كالمفارقة بالطلاق وهنا النكاح باق بزعم الزوج والشهود لكنهم بشهادتهم حالوا بينه وبين البضع فغرموا قيمته كالغاصب الحائل بين المالك والمغصوب وخرج بالبائن الرجعي فلا غرم فيه عليهم إذ لم يفوتوا عليه شيئا لقدرته على المراجعة فإن لم يراجعها حتى انقضت عدتها غرما كما في البائن وإن قال البلقيني الأصح المعتمد أنهما لا يغرمان شيئا إذا أمكن الزوج الرجعة فتركها باختياره لأن الامتناع من تدارك دفع ما يعرض بجناية الغير لا يسقط الضمان كما لو جرح شاة غيره فلم يذبحها مالكها مع التمكن منه حتى ماتت
تنبيه لو قال المصنف وعليهما بضمير التثنية كان أولى وقول الشارح لأن عليهم أخصر من عليهما إنما يأتي على القول بأن أقل الجمع اثنان
ولو قالوا في رجوعهم عن شهادتهم بطلاق بائن كان رجعيا قال البلقيني الأرجح عندي أنهم يغرمون لأنهم قطعوا عليه ملك الرجعة الذي هو كملك البضع قال وهو قضية إطلاقهم الغرم عليه بالطلاق البائن
وشمل إطلاق المصنف البائن ما لو كان الطلاق المشهود به تكملة الثلاث وهو أحد وجهين في الحاوي يظهر ترجيحه لأنهم منعوه بها من جميع البضع كالثلاث
والوجه الثاني أنه يجب قسط الطلقة المشهود بها لأن التحريم يحصل بالمجموع قال البلقيني ويستثنى من وجوب مهر المثل بالرجوع عن الطلاق البائن صور الأول إذا قال الزوج بعد الإنكار أنهم محقون في شهادتهم فلا رجوع له سواء أكان ذلك قبل الرجوع أم بعده
الثانية إذا لم يرجعوا إلا بعد أن أبانها بطريق من الطرق على زعمه في بقاء عصمته فإنه لا غرم لتقصيره بالبينونة باختياره
الثالثة إذا لم يرجعوا إلا بعد موت الزوج فإنهم لا يغرمون لورثته شيئا لأن الغرم للحيلولة بينه وبين بضعه ولا حيلولة هنا
الرابعة إذا كان المشهود عليه قنا فلا غرم له لأنه لا يملك شيئا ولا لمالكه لأنه لا تعلق له بزوجة عبده فلو كان مبعضا غرم له المشهود بقسط الحرية قال ولم أر من تعرض لشيء من ذلك اه
والظاهر كما استظهره بعض المتأخرين إلحاق ذلك بالأكساب فيكون لسيده كله فيما إذا كان قنا بعضه فيما إذا كان مبعضا لأن حق البضع نشأ من فعله المأذون فيه
ثم قال ولو كان الرجوع عن الشهادة على مجنون أو غائب فالأرجح أن لوليه أو وكيله تغريمهم ويحتمل خلافه لأنه لم يوجد منه إنكار
( ولو شهدا بطلاق ) بائن ( وفرق ) بين الزوجين بشهادتهما أو لم يفرق كما فهم بالأولى ( فرجعا ) عن
____________________
(4/458)
شهادتهما ( فقامت بينة أنه كان بينهما رضاع ) محرم أو نحوه كلعان أو فسخ ( فلا غرم ) لأنا تبينا أن شهادتهما لم تفوت على الزوج شيئا
ولو غرما قبل قيام البينة شيئا استردا ما غرماه
تنبيه لو رجعت هذه البينة بعد حكم الحاكم بالاسترداد ينبغي أن تغرم ما استرد لأنها فوتت عليه ما كان أخذه ولم أر من ذكره
( ولو رجع شهود مال ) عين أو دين بعد الحكم به ودفعه لمستحقه ( غرموا ) بدله للمحكوم عليه ( في الأظهر ) وإن قالوا أخطأنا لحصول الحيلولة بشهادتهم
والثاني المنع لأن الضمان باليد أو الإتلاف ولم يوجد واحد منهما
تنبيه لو صدقهم الخصم في الرجوع عادت العين إلى من انتزعت منه ولا غرم
( ومتى رجعوا كلهم ) معا أو مرتبا سواء أكانوا أقل الحجة أو زادوا عليه كخمسة في الزنا وثلاثة في القتل ( وزع عليهم الغرم ) بالسوية عند اتحاد نوعهم
( أو ) رجع ( بعضهم وبقى ) منهم ( نصاب ) كأن رجع من ثلاثة واحد فيما يثبت بشاهدين كالعتق ( فلا غرم ) على من رجع لبقاء الحجة فكأن الراجع لم يشهد
( وقيل يغرم ) الراجع ( قسطه ) من النصاب واختاره المزنى لأن الحكم وقع بشهادة الجميع وكل منهم قد فوت قسطا فيغرم ما فوت
( وإن نقص النصاب ) بعد رجوع بعضهم ( ولم يزد الشهود عليه ) أي النصاب كأن شهد في الزنا أربعة وفي مال أو قتل اثنان ( فسقط ) يلزم الراجع منهم فإذا شهد اثنان فيما يثبت بهما ثم رجع أحدهما فعليه النصف أو أربعة فيما يثبت بهم لزوم الراجع بقسطه فإن كان واحدا فعليه الربع
( وإن زاد ) عدد الشهور على النصاب كما إذا رجع من الخمسة في الزنا اثنان أو من الثلاثة في غيره اثنان ( فقسط من النصاب ) في الأصح بناء على أنه لا غرم إذا بقي نصاب فيجب النصف على الراجعين من الثلاثة لبقاء نصف الحجة
( وقيل ) قسط ( من العدد ) يغرمه الراجع منهم فيجب الثلثان على الراجعين من الثلاثة وصححه ابن الصباغ لأن البينة إذا نقص عددها زال حكمها وصار الضمان متعلقا بالإتلاف وقد استووا فيه
( وإن شهد رجل وامرأتان ) فيما يثبت بذلك ثم رجعوا ( فعليه نصف وهما نصف ) على كل واحدة ربع لأنهما كرجل
تنبيه الخنثى في جميع ذلك كالمرأة قاله ابن المسلم
( أو ) شهد رجل ( وأربع ) من نساء ( في رضاع ) أو نحوه مما يثبت بمحض الإناث ثم رجعوا ( فعليه ثلث وهن ثلثان ) وتنزل كل امرأتين منزلة رجل لأن هذه الشهادة ينفرد بها النساء فلا يتعين الرجل للشطر
( فإن رجع هو أو ثنتان ) فقط ( فلا غرم ) على من رجع ( في الأصح ) لبقاء الحجة
والثاني عليه أو عليهما الثلث كما لو رجع الجميع
وعلى الأول لو شهد مع عشرة نسوة ثم رجعوا غرم السدس وعلى كل ثنتين السدس فإن رجع منهن ثمان أو هو ولو مع ست فلا غرم على الراجح لما مر وإن رجع مع سبعة غرموا الربع لبطلان ربع الحجة وإن رجع كلهن دونه أو رجع هو مع ثمان غرموا النصف لبقاء نصف الحجة فيهما أو مع تسع غرموا ثلاثة أرباع وإن رجع كلهن دونه غرموا نصفا لما مر
( وإن شهد هو و ) نساء ( أربع بمال ) ثم رجعوا ( فقيل كرضاع ) فعليه ثلث الغرم وعليهن ثلثاه
تنبيه قد يوهم كلامه أنه لو رجع الرجل وحده على هذا القول أنه لا غرم عليه كالرضاع ولا قاتل به كما قاله البلقيني لأن المال لا يثبت بالنسوة
فإن قيل تشبيهه بالرضاع إنما هو في حال رجوع الكل فعليه ثلث وهن ثلث بدليل قوله ( والأصح هو نصف وهن نصف ) لأنه نصف البينة وهن وإن كن مع الرجل بمنزلة رجل واحد
____________________
(4/459)
أجيب بأن قوله ( سواء رجعن معه أو وحدهن ) لأن المال لم يثبت بشهادة النساء المتمحضات وإن كثرن بخلاف الرضاع ينافيه
( وإن رجع ثنتان ) منهن فقط ( فالأصح لا غرم ) عليهما لبقاء الحجة
والثاني عليهما ربع الغرم لأنهما ربع البينة
تنبيه لو شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا قال القاضي الحسين في كتاب الحدود لا شيء على المرأة وعلى الرجلين الغرم
وقال هنا يجب عليها الخمس وهذا هو الظاهر
( و ) الأصح ( أن شهود إحصان ) إذا رجعوا بعد رجم القاضي الزاني دون شهود الزنا كما صورها في الشرح والروضة أو معهما كما شمله إطلاق المصنف فإن الخلاف جار في ذلك
( أو ) شهود ( صفة مع شهود تعليق طلاق أو عتق ) على صفة عليها إذا رجعوا بعد نفوذ الطلاق والعتق دون شهود التعليق ( لا يغرمون شيئا ) أما شهود الإحصان فلأنهم لم يشهدوا بموجب عقوبة وإنما وصفوه بصفة كمال وأما شهود الصفة مع شهود التعليق فلأنهم لم يشهدوا بطلاق ولا عتق وإنما أثبتوا صفة
والثاني يغرمون لأن الرجم يتوقف على ثبوت الزنا والإحصان جميعا فالقتل لم يستوف إلا بهم وكذلك الطلاق والعتق وقع بقولهم قال في المهمات وهذا هو المعروف وقد صححه الماوردي و البندنيجي و الجرجاني اه
وقال البلقيني إنه أرجح
فإن قيل قد مر أن المزكي يغرم فهلا كان شهود الإحصان والصفة كذلك أجيب بأن المزكي معين للشاهد المتسبب في القتل ومقوله بخلاف الشاهد في الإحصان أو الصفة
وإذا حكم القاضي بشاهدين فبانا مردودي الشهادة فقد سبق أن حكمه يبين بطلانه فتعود المطلقة بشهادتهم زوجة والمعتقة بها أمة فإن استوفي بها قتل أو قطع فعلى عاقلة القاضي الضمان
ولو حدا لله تعالى وإن كان مالا تالفا ضمنه المحكوم له فإن كان معسرا أو غائبا غرم القاضي للمحكوم عليه ورجع به على المحكوم له إذا أيسر أو حضر ولا غرم على الشهود لأنهم ثابتون على شهادتهم ولا على المزكين لأن الحكم غير مبني على شهادتهم مع أنهم تابعون للشهود
خاتمة لو شهد اثنان بكتابة رقيق ثم رجعا بعد الحكم وعتق بالأداء ظاهرا هل يغرمان القيمة كلها لأن المؤدى من كسبه وهو لسيده أو نقص النجوم عنها لأنه الفائت وجهان أشبههما كما قال الزركشي الثاني
أو شهد أنه طلق زوجته أو أعتق أمته بألف ومهرها أو قيمتها ألفان ثم رجعا بعد الحكم غرما ألفا وقيل يغرمون مهر المثل أو القيمة
أو شهدا بإيلاد أو تدبير ثم رجعا بعد الحكم غرما القيمة بعد الموت لا قبله لأن الملك إنما يزول بعده
أو شهدا بتعليق عتق أو طلاق بصفة ثم رجعا بعد الحكم غرما المهر أو القيمة بعد وجود الصفة لا قبله لما مر
أو شهد أنه تزوج امرأة بألف ودخل بها ثم رجعا بعد الحكم غرما لها ما نقص عن مهر مثلها إن كان الألف دونه كما رجحه ابن المقرى وقيل لا يغرمان شيئا ورجحه الزركشي
ولو شهد اثنان بعقد نكاح في وقت واثنان بالوطء في وقت بعده واثنان بالتعليق بعد ذلك ورجع كل عما شهد به بعد الحكم غرم من شهد بالعقد والوطء ما غرمه الزوج بالسوية بينهم نصف بالعقد ونصف بالوطء ولا يغرم من شهد بالتعليق شيئا ولا من أطلق الشهادة بالوطء
ولو رجع فروع أو أصول عن شهادتهما بعد الحكم بشهادة الفروع غرموا وإن رجعوا كلهم فالغارم الفرع فقط لأنهم ينكرون إشهاد الأصول ويقولون كذبنا فيما قلنا والحكم وقع بشهادتهم
ولو شهد أربعة على شخص بأربعمائة فرجع واحد منهم عن مائة وآخر عن مائتين والثالث عن ثلاثمائة والرابع عن أربعمائة فالرجوع الذي لا يبقى معه حجة عن مائتين دون المائتين الآخرين لبقاء الحجة فيهما فمائة يغرمها الأربعة باتفاقهم قال الشيخان وثلاثة أربعمائة يغرمها غير الأول بالوسية ولاختصاصهم بالرجوع عنها والرابع الآخر لا غرم فيه لبقاء ربع الحجة
وقال البلقيني الصحيح أن الثلاثة إنما يغرمون نصف المائة
وما ذكر إنما يأتي على الضعيف القائل بأن كلا منهم يغرم حصته مما رجع عنه وما قاله ظاهر وعليه النصف الآخر لا غرم فيه
ويغرم متعمد في شهادة الزور باعترافه إذا لم يقتص منه وإلا دخل التعزير
____________________
(4/460)
فيه إن اقتص منه أو أقيم عليه حد
ولو استوفى المشهود له بشهادة اثنين مالا ثم وهبه للخصم أو شهدا بإقالة من عقد وحكم بها ثم رجعا فلا غرم عليهما لأن الغارم عاد إليه ما غرمه
ولو لم يقل الشاهد إن رجعنا ولكن قامت بينة برجوعهما لم يغرما شيئا قال الماوردي لأن الحق باق على المشهود عليه
كتاب الدعوى هي لغة الطلب والتمني ومنه قوله تعالى { ولهم ما يدعون } وألفها للتأنيث وتجمع على دعاوى بفتح الواو وكسرها قيل سميت دعوى لأن المدعي يدعو صاحبه إلى مجلس الحكم ليخرج من دعواه
و شرعا إخبار عن وجوب حق على غيره عند حاكم
( والبينات ) جمع بينة وهم الشهود سموا بذلك لأن بهم يتبين الحق
وأفرد المصنف الدعوى وجمع البينات لأن حقيقة الدعوى واحدة والبينات مختلفة والأصل في ذلك قوله تعالى { وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون } وأخبار كخبر مسلم لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه
وروى البيهقي بإسناد حسن ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر والمعنى فيه أن جانب المدعي ضعيف لدعواه خلاف الأصل فكلف الحجة القوية وجانب المنكر قوي فاكتفي منه بالحجة الضعيفة
وإنما كانت البينة قوية واليمين ضعيفة لأن الحالف متهم في يمينه بالكذب لأنه يدفع بها عن نفسه بخلاف الشاهد
ولما كانت الخصومات تدور على خمسة الدعوى والجواب واليمين والنكول والبينة ذكرها المصنف كذلك وبدأ منها بالأولى فقال ( تشترط الدعوى عند قاض في عقوبة كقصاص ) حد ( قذف ) فلا يستقل صاحبها باستيفائها لعظم خطرها والاحتياط في إثباتها واستيفائها فلو خالف واستوفى بدون ذلك وقع الموقع في القصاص دون حد القذف كما سبق للمصنف في بابه نعم قال الماوردي من وجب له تعزير أو حد قذف وكان في بادية بعيدة عن السلطان كان له استيفاؤه وقال ابن عبد السلام في قواعده لو انفرد بحيث لا يرى ينبغي أن لا يمنع من القود لا سيما إذا عجز عن إثباته
تنبيه قوله عند قاض قد يفهم أنها لا تصح عند غيره وليس مرادا بل السيد يسمع الدعوى على رقيقه وإن لم يكن قاضيا وكذلك المحكم إذا رضيا بحكمه وكذا الوزير والأمير ونحوهما بناء على صحة الشهادة عندهما كما مر في بابها
وتقييده بالعقوبة قد يفهم أنه لا يشترط الدعوى عند القاضي في غيرها وليس مرادا بل لا بد في كل مجتهد فيه كعيوب النكاح والعنة والفسخ بالإعسار بالنفقة ونحوه عند التنازع والاحتياج إلى الإثبات والحكم فيها من الرفع إلى القاضي والدعوى عنده ما خرج المال عن هذا إلا لأن المستحق قد يستقل بالوصول إلى حقه فلا يحتاج إلى دعوى
ويستثنى من اشتراط الدعوى عند القاضي صورتان إحداهما قتل من لا وارث له أو قذفه إذا الحق فيه للمسلمين فيقتل بشهادة الحسبة ولا يحتاج إلى دعوى حسبة بل في سماعها خلاف مر
ثانيهما قتل قاطع الطريق الذي لم يتب قبل القدرة عليه لا يشترط فيه دعوى لأنه لا يتوقف على طلب
وتمثيل بالقصاص والقصد يفهم التصوير بحق الآدمي وأن حدود الله تعالى لا يشترط فيها ذلك وليس مرادا بل لا بد فيها من القاضي أيضا مع أنه لا تسمع فيها الدعوى أصلا لأنها ليست حقا للمدعي ومن له الحق لم يأذن في الطلب بل هو مأمور بالإعراض والدفع ما أمكن
نعم لو قذفه بالزنا وأراد القاذف تحليفه أو تحليف وارثه الطالب أنه لم يزن فإنه يجاب إلى ذلك على الأصح وقالوا ولا تسمع دعوى بذلك ويحلف على نفيه إلا في هذه الصورة قاله الرافعي في باب اللعان
( وإن استحق ) شخص ( عينا ) تحت يد عادية ( فله ) أو وليه إن لم يكن كاملا كما نص عليه الشافعي ( أخذها ) مستقلا بالأخذ بلا رفع لقاض وبلا علم من هي تحت يده للضرورة ( إن لم يخف ) من أخذها ( فتنة ) أو ضررا
____________________
(4/461)
تنبيه قوله استحق عينا يخرج المستأجر والموصى له بالمنفعة والموقوف عليه كما هو مقتضى عباراتهم إذ الاستقلال بالأخذ لمالك العين فقط لأنه يستحق العين حقيقة
وألحق به ولي غير الكامل كما مر وصورة المسألة كما قال الزركشي أن تكون العين تحت يد عادية كما قدرته ولهذا قال في الشرح الصغير أو عينا غصبت منه وكذا قاله في البسيط
أما لو كانت بيد من ائتمنه كالوديعة أو التي اشتراها منه وبذل الثمن فليس له الأخذ بغير إذن لما فيه من الإرعاب بظن الذهاب بل سبيله الطلب
( وإلا ) بأن خاف فتنة أو ضررا ( وجب الرفع إلى قاض ) أو نحوه ممن له إلزام الحقوق كمحتسب وأمير لا سيما إن علم أن الحق لا يتخلص إلا عنده
والرفع تقريب الشيء فمعنى رفع الشيء لقاض قربه إليه
تنبيه ليس المراد بالوجوب تكليف المدعي الرفع حتى يأثم بتركه بل المراد امتناع استقلاله بالأخذ في هذه الحالة
وعبارة المحرر وإلا فلا بد من الرفع إلى القاضي وهي أحسن
( أو ) لم يستحق عينا بل ( دينا ) حالا ( على غير ممتنع من الأداء ) له ( طالبه به ) ليؤدي ما عليه ( ولا يحل أخذ شيء له ) أي المدين لأنه مخير في الدفع من أي مال شاء فليس للمستحق إسقاط حقه من ذلك إجبارا فإن أخذه لم يملكه ولزمه رده فإن تلف عنده ضمنه فإذا اتفق الحقان جاء التقاص
( أو ) دينا استحقه ( على منكر ) له ( ولا بينة له ) به ( أخذ ) جوازا ( جنس حقه من ماله ) إن ظفر به استقلالا لعجزه عن أخذه إلا كذلك
( وكذا غير جنسه إن فقده ) أي جنس حقه واستوفى حقه منه ( على المذهب ) للضرورة وفي قول من طريق المنع لا يتمكن من تملكه
تنبيه قيد المتولي الخلاف بما إذا لم يجد أحد النقدين فإن وجده لم يعدل إلى غيره
وينبغي كما قال الأذرعي تقديم أخذ غير الأمة عليها احتياطا للأبضاع
ولو كان المدين محجورا عليه بفلس أو ميتا وعليه دين فلا يأخذ إلا قدر حصته بالمضاربة إن علمها كما قاله البلقيني
( أو ) دينا استحقه ( على مقر ممتنع أو منكر وله ) عليه ( بينة فكذلك ) يأخذ حقه استقلالا من جنس ذلك الدين إن وجده ومن غيره إن فقد على الأصح في الصورتين
( وقيل يجب ) فيهما ( الرفع إلى قاض ) كما لو أمكنه تخليص الحق بالمطالبة والتقاضي
وأجاب الأول بأن في ذلك مؤنة ومشقة وتضييع زمان
هذا كله في دين الآدمي أما دين الله تعالى كالزكاة إذا امتنع المالك من أدائها وظفر المستحق بجنسها من ماله فليس له الأخذ لتوقفها على البينة بخلاف الدين
وغفل عن هذا من فصل بين أن يتعين الفقراء أو لا إلحاقا لها بالديون
وأما المنفعة فالظاهر كما بحثه بعض المتأخرين أنها كالعين إن وردت على عين فله استيفاؤها منها بنفسه إن لم يخش ضررا وكالدين إن وردت على ذمة فإن قدر على تخليصها بأخذ شيء من ماله فله ذلك بشرطه
( وإذا جاز ) للمستحق ( الأخذ ) من غير رفع لقاض ( فله ) حينئذ ( كسر باب ونقب جدار لا يصل المال ) هو منصوب بنزع الخافض والتقدير لا يصل إلى المال ( إلا به ) لأن من استحق شيئا استحق الوصول إليه ولا يضمن ما فوته كمن لا يقدر على دفع الصائل إلا بإتلاف ماله فأتلفه لا يضمن
تنبيه محل ذلك كما قال البلقيني إن كان الحرز للدين وغير مرهون لتعلق حق المرتهن به وأن لا يكون محجورا عليه بفلس لتعلق حق الغرماء به ومثل ذلك كما قال الأذرعي سائر ما يتعلق به حق الغير كإجارة ووصية بمنفعة
ولا يجوز ذلك في ملك الصبي والمجنون ولا في جدار غريم الغريم كما قاله الدميري قطعا أي لأنه أحط رتبة من الغريم ولا أن يوكل في الكسر والنقب غيره كما قاله القاضي فإن فعل ضمن
ويؤخذ من قوله المصنف لا يصل
____________________
(4/462)
المال إلا به أنه لو كان مقرا ممتنعا أو منكرا وله عليه بينة أنه ليس له ذلك وهو كذلك فقول الأذرعي كنت أود أن لو خصص ذلك بما إذا لم يجد سبيلا إلى الأخذ بالحاكم كما في صورة الجحود وعدم البينة أما إذا كان له بينة وقدر على خلاص حقه بحاكم ففيه بعد لأن الأخذ بالحاكم عند المكمنة أسهل وأخف كلفة من نقب الجدار وكسر الباب وقد تقرر أن الصائل يدفع بالأسهل فالأسهل اه
لا يحتاج إليه
فرع لو غصب منه نجاسة يختص بها كجلد ميتة وسرجين وكلب معلم وجحده فظاهر كلام الأصحاب أنه لا يكسر بابا ولا ينقب جدارا لأنهم إنما تكلموا في الأموال خاصة نبه على ذلك الدميري
( ثم المأخوذ من جنسه ) إلى الحق ( يتملكه ) بدلا عن حقه
تنبيه التعبير بالتملك وقع في الشرحين والروضة وهو يقتضي أنه لا يملك بنفس الأخذ بل لا بد من إحداث تملك
والذي صرح به القاضي و البغوي واقتضاء كلام غيرهما أنه يملكه بمجرد الأخذ واعتمده الإسنوي ووجهه بأنه إنما يجوز لمن يقصد أخذ حقه وإذا وجد القصد مقارنا كفى ولا حاجة إلى اشتراطه بعد ذلك اه
وجمع شيخنا بين الكلامين بأن كلام هؤلاء محمول على ما إذا كان المأخوذ على صفة حقه أي أو دونه كأخذ الدراهم المكسرة عن الصحيحة وكلام الشيخين على ما إذا كان بغير صفته أي كأخذ الدراهم الصحاح عن المنكسرة فإنه حينئذ كغير الجنس وهو جمع حسن
( و ) المأخوذ ( من غيره ) أي جنس حقه أي أو أعلى من صفته ( يبيعه ) بنفسه مستقلا للحاجة وله أن يوكل فيه كما ذكره في الروضة في آخر الطلاق
( وقيل يجب رفعه إلى قاض يبيعه ) لأنه لا يتصرف في مال غيره لنفسه
تنبيه محل الخلاف ما إذا لم يطلع على الحال فإن اطلع عليه لم يبعه إلا بإذنه جزما
ومحله أيضا إذا لم يقدر على بينة وإلا فلا يستقل مع وجودها كما هو قضية كلام أصل الروضة
وبحثه بعضهم قال بل هي أولى من علم القاضي لأن الحكم بعلمه مختلف فيه بخلافها
وخص صاحب الذخائر وغيره الخلاف به ببيعه للغير
أما لو أراد بيعه من نفسه فلا يجوز قطعا ولأنه لأجل امتناع تولي الطرفين
وهو لا يجوز في غير الأب والجد ولا يتملكه على الصحيح لأن امتناع من عليه الحق يسلطه على البيع كما يسلطه على الأخذ فإذا باعه فليبعه بنقد البلد ثم يشتري به جنس حقه إن لم يكن نقد البلد
( والمأخوذ مضمون عليه ) أي الآخذ ( في الأصح فيضمنه إن تلف قبل تملكه وبيعه ) بالأكثر من قيمته من حين أخذه إلى حين تلفه كالغاصب لأنه أخذه بغير إذن المالك لغرض نفسه بل أولى من المستام لعدم إذن المالك ولأن المضطر إذا أخذ ثوب غيره لدفع الحر وتلف في يده ضمنه فكذا هنا
والثاني لا يضمنه من غير تفريط لأنه أخذه للتوثق والتوصل إلى الحق كالمرتهن وإذن الشارع في الأخذ يقوم مقام إذن المالك
وعلى الأول ينبغي أن يبادر إلى بيع ما أخذه بحسب الإمكان فإن قصر فنقصت قيمته ضمن النقصان ولو انخفضت القيمة وارتفعت وتلف فهي مضمونة عليه بالأكثر
تنبيه محل الخلاف كما قاله الماوردي و الروياني إذا تلف قبل التمكن مع البيع فإن تمكن منه فلم يفعل ضمن قطعا
وقال البلقيني محله في غير الجنس أما المأخوذ من الجنس فإنه يضمنه ضمان يد قطعا لحصول ملكه بالأخذ عن حقه كما سبق اه
والمصنف أطلق ذلك تبعا للرافعي بناء على وجوب تجديد تملكه وقد تقدم ما فيه
ويؤخذ من كونه مضمونا عليه قبل بيعه أنه لو أحدث فيه زيادة قبل البيع كانت على ملك المأخوذ منه وبه صرح في زيادة الروضة فإن باع ما أخذه وتملك ثمنه ثم وفاه المديون دينه رد إليه قيمته كغاصب رد المغصوب إلى المغصوب منه
( ولا يأخذ ) المستحق ( فوق حقه إن أمكنه الاقتصار ) على قدر حقه لحصول المقصود به فإن أخذه ضمن الزائد لتعديه بأخذه وإن لم يمكنه بأن لم يظفر إلا بمتاع تزيد قيمته على حقه أخذه ولا يضمن الزيادة لأنه لم يأخذها
____________________
(4/463)
بحقه من الضرر بخلاف قدر حقه
ثم إن تعذر بيع قدر حقه فقط باع الجميع وأخذ من ثمنه قدر حقه ورد ما زاد عليه على غريمه بهبة ونحوها وإن لم يتعذر ذلك باع منه بقدر حقه ورد ما زاد كذلك
( وله أخذ مال غريم غريمه ) كأن يكون لزيد على عمرو دين ولعمرو على بكر مثله فلزيد أن يأخذ من بكر ما له مال على عمرو ولا يمنع من ذلك رد عمرو وتصرف زيد بالأخذ وعدم حسبان ذلك عن دينه على بكر ولا إقرار بكر لعمرو ولا جحود بكر استحقاق زيد على عمرو
تنبيه للمسألة شروط الأول أن لا يظفر بمال الغريم
الثاني أن يكون غريم الغريم جاحدا أو ممتنعا أيضا وعلى الامتناع بحمل الإقرار المذكور
الثالث أن يعلم الآخذ الغريم أنه أخذه من مال غريمه حتى إذا طلبه الغريم بعد كان هو الظالم
الرابع أن يعلم غريم الغريم وحيلته أن يعلمه فيما بينه وبينه فإذا طالبه أنكر فإنه بحق وله استيفاء دين على آخر جاحدا له بشهود دين آخر له عليه قد أدى ولم يعلموا أداءه ولأحد الغريمين إذا كان له على الآخر مثل ماله أو أكثر منه جحد حق الآخر إن جحد الآخر حقه ليحصل التقاص وإن اختلف الجنس ولم يكن من النقدين للضرورة فإن كان له عليه دين دون ما للآخر عليه جحد من حقه بقدره
والمدعي لغة من ادعى لنفسه شيئا سواء كان في يده أم لا
( والأظهر أن المدعي ) اصطلاحا ( من يخالف قوله الظاهر ) وهو براءة الذمة
( و ) الأظهر أيضا أن ( المدعى عليه من يوافقه ) أن يوافق قوله الظاهر
والثاني أن المدعي من لو سكت خلي ولم يطالب بشيء والمدعى عليه من لا يخلى ولا يكفيه السكوت فإذا ادعى زيد دينا في ذمة عمرو فأنكر فزيد يخالف قوله الظاهر من براءة عمرو ولو سكت ترك وعمرو يوافق قوله الظاهر ولو سكت لم يترك فهو مدعى عليه وزيد مدع على القولين ولا يختلف موجبهما غالبا وقد يختلف كالمذكور بقوله ( فإذا أسلم زوجان قبل وطء فقال الزوج أسلمنا معا فالنكاح ) بيننا ( باق وقالت ) أي الزوجة أسلمنا ( مرتبا ) فلا نكاح بيننا ( فهو ) على الأظهر ( مدع ) لأن وقوع الإسلامين معا خلاف الظاهر وهي مدعى عليها وعلى الثاني هي مدعية وهو مدعى عليه لأنها لو سكتت تركت وهو لا يترك لو سكت لزعمها انفساخ النكاح
فعلى الأول تحلف الزوجة ويرتفع النكاح وعلى الثاني يحلف الزوج ويستمر النكاح
والذي صححاه في نكاح المشرك من أن القول قول الزوج يكون مبنيا على مرجوح
وقد يقال إنما جعل اليمين في جانبه على القول الأول لأنه لما كان الأصل بقاء العصمة قوي جانبه فكان هو المصدق بيمينه كما أن المدعى عليه لما كان الأصل براءة ذمته قوى جانبه فكان هو المصدق بيمينه
ولو قال لها أسلمت قبلي فلا نكاح بيننا ولا مهر لك وقالت بل أسلمنا معا صدق في الفرقة بلا يمين وفي المهر بيمينه على الأظهر لأن الظاهر معه وصدقت بيمينها على الثاني لأنها لا تترك بالسكوت لأن الزوج يزعم سقوط المهر فإذا سكتت ولا بينة جعلت ناكلة وحلف هو وسقط المهر
والأمين في دعوى الرد مدع على الأظهر لأنه يزعم الردالذي هو خلاف الظاهر لكنه يصدق بيمينه لأنه أثبت يده لغرض المالك وقد ائتمنه فلا يحسن تكليفه بينة الرد
وأما على القول الثاني فهو مدعى عليه لأن المالك هو الذي لو سكت ترك وفي التحالف كل من الخصمين مدع ومدعى عليه لاستوائهما
تنبيه قد تقدم في كتاب دعوى الدم والقسامة أن لصحة الدعوى ستة شروط ذكر المصنف بعضها وذكرت باقيها في الشرح
( و ) ذكر منها هنا شرطان الأول أن تكون معلومة فعليه ( متى ادعى ) شخص دينا ( نقدا ) أو غيره مثليا أو متقوما ( اشترط ) فيه لصحة الدعوى ( بيان جنس ) له كذهب وفضة ( ونوع ) له كخالص أو مغشوش ( وقدر ) كمائة وصفة يختلف بها الغرض
( و ) يشترط في النقد أيضا شيئان ( صحة تكسر إن اختلفت بهما قيمة ) كمائة درهم فضة ظاهرية صحاح أو مكسرة فلا يكفي إطلاق النقد وإن غلب وبه صرح
____________________
(4/464)
الماوردي وغيره
وفارق البيع ونحوه بأن زمن العقد يقيد صفة الثمن بالغالب من النقود ولا يتقيد ذلك بزمن الدعوى لتقدمه عليها
نعم مطلق الدينار ينصرف إلى الدينار الشرعي كما صرح به في أصل الروضة ولا يحتاج إلى بيان وزنه وفي معناه مطلق الدرهم
أما إذا لم تختلف قيمة النقد بالصحة والتكسر فلا يحتاج إلى بيانهما لكن استثنى الماوردي و الروياني دين السلم فاعتبر بيانهما فيه
( أو ) لم يدع الشخص دينا بل ادعى ( عينا تنضبط ) بالصفة متقومة كانت ( كحيوان ) وثياب أو مثلية كحبوب ( وصفها ) وجوبا ( بصفة السلم ) السابقة في بابه وإن لم يذكر مع الصفة القيمة في الأصح
( وقيل يجب معها ) أي صفة السلم ( ذكر القيمة ) لتلك العين الموصوفة فإن لم تنضبط بالصفات كالجواهر واليواقيت وجب ذكر القيمة فيقول جوهر قيمته كذا وبه قال القاضي أبو الطيب و البندنيجي و ابن الصباغ وغيرهم
واستثني ما لو غصب غيره منه عينا في بلد ثم لقيه في آخر وهي باقية ولكن لنقلها مؤنة فإنه يجب ذكر قيمتها لأنها المستحقة في هذه الحالة فإذا رد العين رد القيمة
ويبين في دعوى العقار الناحية والبلد والمحلة والسكة والحدود وأنه في يمنة داخل السكة أو يسرته أو صدرها ذكره البلقيني
ولا حاجة لذكر القيمة كما علم مما مر
وهذا إن بقيت العين ( فإن تلفت وهي متقومة ) بكسر الواو ( وجب ) مع ذلك ( ذكر القيمة ) لأنها الواجبة عند التلف فلا حاجة لذكر شيء معها من الصفات كما اقتضاه كلامهم لكن يجب ذكر الجنس فيقول عبد قيمته مائة فإن كانت مثلية لم يجب ذكر قيمته ويكفي الضبط بالصفات
تنبيه لو كان التالف سيفا محلى ذكر قيمته بالذهب إن كانت حليته فضة وبالفضة إن كانت حليته ذهبا وإن كان محلى بهما قوم بأحدهما للضرورة وهذا ما جرى عليه ابن المقري في روضه هنا تبعا لأصله
واختلف كلامهما في باب الغصب فقال هناك إن تبر الحلي يضمن بمثله ويبيعه بنقد البلد وقال أصله إن المحلى يضمن بنقد البلد وإن كان من جنسه قال ولا يلزم منه الربا فإنه إنما يجرى في العقود لا في الغرامات اه
ويقوم مغشوش الذهب بالفضة كعكسه إذا قلنا إنها متقومة فيدعى مائة دينار من نقد كذا قيمتها كذا درهما أو مائة درهم من نقد كذا قيمتها كذا دينارا
فإن قلنا إنها مثلية وهو الصحيح بناء على جواز المعاملة بها وهو الأصح فلا يشترط التعرض لقيمتها
ويستثنى من اشتراط العلم بالمدعى به مسائل تصح الدعوى فيها بالمجهول منها الإقرار ولو بنكاح كالإقرار به
ومنها الوصية تحرزا عن ضياعها ولأنها تحتمل الجهل فكذا دعواه
ومنها فرض المفوضة لأنها تطلب من القاضي أن يفرض لها فلا يتصور منها البيان ومثله المتعة والحكومة والرضخ وحط الكتابة والغرة والإبراء المجهول في إبل الدية بناء على الأصح من صحة الإبراء منه فيها
ومنها حق ممر أو إجراء الماء في أرض جددت اكتفاء بتحديد الأرض كما رجحه ابن المقري
ومنها تصح الشهادة بهذه المستثنيات لترتبها عليها
فرع لو أحضر ورقة فيها دعواه ثم ادعى ما في الورقة وهو موصوف بما مر هل يكتفي بذلك أو لا وجهان أوجههما كما أشار إليه الزركشي الأول إذا قرأه القاضي أو قرىء عليه
والشرط الثاني المذكور هنا لصحة الدعوى ولم يتعرض له المصنف أن تكون الدعوى تلزمه فلو ادعى على غيره هبة أو بيعا أو دينا أو نحو ذلك مما الغرض منه تحصيل الحق فليذكر في دعواه وجوب التسليم كأن يقول ويلزمه التسليم إلي أو وهو ممتنع من الأداء الواجب عليه لأنه قد يرجع الواهب وينفسخ البيع ويكون الدين مؤجلا أو من عليه مفلسا
ولو قصد بالدعوى رفع المنازعة لا تحصيل الحق فقال هذه الدار لي وهو يمنعنيها سمعت دعواه وإن لم يقل هي في يده لأنه يمكن أن ينازعه
وإن لم تكن في يده ( أو ) لم يدع دينا ولا عينا بل ادعى ( نكاحا لم يكف الإطلاق ) فيه ( على الأصح ) المنصوص ( بل ) يقيد ذلك وحينئذ ( يقول نكحتها بولي مرشد ) قال البلقيني وهذا ليس صريحا في العدالة فينبغي أن يقول بولي عدل
لكن قال الزركشي المراد بالمرشد من دخل في الرشد أي صلح للولاية وذلك أعم
____________________
(4/465)
من العدل والمستور والفاسق إذا قلنا يلي أي أو وكانت ولايته بالشوكة
( وشاهدي عدل ) قال الزركشي وينبغي الاكتفاء بقوله وشاهدين بغير وصفهما بالعدالة فقد ذكروا في النكاح أنه لو رفع نكاح عقد بمستورين إلى حاكم لم ينقض
نعم إن ادعت المرأة شيئا من حقوق الزوجية احتاج الحاكم إلى التزكية
( ورضاها إن كان يشترط ) بأن كانت غير مجبرة لأن النكاح فيه حق لله تعالى وحق لآدمي وإذا وقع لا يمكن استدراكه فاحتيط فيه
والثاني يكفي الإطلاق فيه كالمال وكما لا يشترط انتفاء ذكر الموانع كالردة والرضاع
وأجاب الأول عن القياس الأول بما مر وعن الثاني بأن الشروط يعتبر وجودها ليصح العقد والموانع يعتبر عدمها والأصل العدم فاكتفي به ولأنها كثيرة يعسر ضبطها
تنبيه قال البلقيني يستثنى من ذلك أنكحة الكفار فيكفي في الدعوى بها أن يقول هذه زوجتي وإن ادعى استمرار نكاحها بعد الإسلام ذكر ما يقتضي تقريره حينئذ ولا بد فيما إذا كان سفيها أو عبدا من قوله نكحتها بإذن وليي أو مالكي ولا يشترط تعيين الولي والشاهدين والدعوى تكون على المرأة على وليها المجبر بناء على صحة إقرارهما به وهو الأصح
وسكت المصنف عن دعوى المرأة بالنكاح ونقل الرافعي فيها عن تصحيح الغزالي أنها لا تسمع لأن النكاح للزوج لا لها ثم قال لكن الأئمة جانحون إلى ترجيح السماع اه
وهذا هو المعتمد
وإذا ادعت ففي اشتراط التفصيل وعدمه ما في اشتراطه في دعوى الزوج
ولا يشترط تفصيل في إقرارها بنكاح لأنها لا تقر إلا عن تحقيق ويشترط تفصيل الشهود بالنكاح تبعا للدعوى ولا يشترط قولهم ولا نعلمه فارقها وهي إلى اليوم زوجته
( فإن كانت ) تلك المرأة المدعى نكاحها ( أمة ) أو مبعضة والزوج حر ( فالأصح ) يجب مع ما سبق ( وجوب ذكر العجز عن طول ) أي مهر ينكح به حرة ( و ) وجوب ذكر ( خوف عنت ) أي الزنا المشترطين في جواز نكاح من بها رق لأن الفروج يحتاط لها كالدماء
وقياس هذا وجوب التعرض لها في الشروط من كونه لا حرة تحته تصلح وكون الأمة مسلمة إن كان الزوج مسلما وهو ظاهر
والثاني لا يجب كما لا يجب التعرض لعدم الموانع وقد مر الفرق
( أو ) لم يدع نكاحا بل ادعى ( عقدا ماليا كبيع وهبة ) لم يشترط تفصيل و ( كفى الإطلاق في الأصح ) المنصوص لأنه أخف حكما من النكاح ولهذا لا يشترط فيه الإشهاد بخلافه
والثاني يشترط كالنكاح
والثالث إن تعلق العقد بجارية وجب احتياطا للبضع واختاره ابن عبد السلام
تنبيه مقتضى تعبير المصنف بالإطلاق أنه لا يشترط التقييد بالصحة ولكن الأصح في الوسيط اشتراطه وهو قضية كلام الرافعي
ومحل الخلاف في غير بيوع الكفار فإذا تبايعوا بيوعا فاسدة وتقابضوها بأنفسهم أو بإلزام حاكمهم فإنا نمضيها على الأظهر كما هو مقرر في الجزية فلا يحتاج فيها إلى ذكر الشروط
وتسمع الدعوى من المدعي على خصمه وإن لم تعلم بينهما مخالطة ولا معاملة ولا فرق فيه بين طبقات الناس فتصح دعوى دنيء على شريف وإن شهدت قرائن الحال بكذبه كأن ادعى ذمي استئجار أمير أو فقيه لعلف دوابه وكنس بيته
( ومن قامت عليه بينة ) بحق ف ( ليس له تحليف المدعي ) على استحقاقه ما ادعاه لأنه تكليف حجة بعد حجة بل هو كالطعن في الشهود
تنبيه استثني من ذلك صورتان الأولى إذا أقيمت بينة بعين لشخص وقالت البينة لا نعلمه باعها ولا وهبها فيحلف كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه أنها لم تخرج عن ملكه بوجه من الوجوه ثم تدفع إليه الثانية إذا أقيمت بينة بإعسار المديون فلصاحب الدين تحليفه في الأصح لجواز أن يكون له مال في الباطن
( فإن ادعى ) بعد إقامة البينة مسقطا له كأن ادعى ( أداء ) له ( أو إبراء ) منه في الدين ( أو شراء عين ) من مدعيها ( أو هبتها وإقباضها ) منه ( حلفه ) خصمه ( على نفيه ) أي نفي ما ادعاه وهو أنه ما تأدى منه الحق ولا أبرأه من الدين ولا باعه العين
____________________
(4/466)
ولا وهبه إياها
تنبيه محل ذلك إذا ادعى حدوث شيء من ذلك قبل إقامة البينة والحكم وكذا بينهما بعد مضي زمن إمكانه فإن لم يمض زمن إمكانه لم يلتفت إليه
وكذا إن ادعى بعد الحكم حدوثه قبل البينة على الأصح في أصل الروضة ليثبت المال عليه بالقضاء
ويستثنى من إطلاق المصنف الأداء ما لو قال الأجير على الحج قد حججت فإنه يقبل قوله ولا يلزمه بينة ولا يمين قاله الدبيلي قال كما لو طلق امرأته ثلاثا وادعت أنها تزوجت ودخل بها وطلقها وانقضت عدتها قبل منها ولا بينة عليها ولا يمين
وشمل إطلاق المصنف الإبراء ما لو ادعى أنه أبراه عن هذه الدعوى لكن الأصح في الشرح الصغير أنه لا يحلف لأن الإبراء عن نفس الدعوى لا معنى له إلا تصوير صلح على إنكار وهو باطل
وأشعر قوله على نفيه أنه لا يكلف توفية الدين أو لا بل يحلف المدعي ثم يستوفى وهو كذلك على الصحيح
( وكذا لو ادعى ) الخصم ( علمه ) أي المدعي ( بفسق شاهده ) الذي أقامه ( أو كذبه ) فله تحليفه أيضا على نفي ما ادعاه ( في الأصح ) المنصوص لأنه لو أقر له به بطلت شهادته
والثاني لا لأنه لم يدع عليه حقا وإنما ادعى عليه أمرا لو ثبت لنفعه
واحترز بالبينة أي فقط عما لو حلف المدعي قبل ذلك إما مع شاهد أو يمين الاستظهار فإنه لا يحلف بعد هذه الدعوى على نفي ذلك كما صوبه البلقيني لأن الحلف مع ذلك قد يعرض فيه الحالف لاستحقاقه الحق فلا يحلف بعد ذلك على نفي ما ادعاه الخصم
تنبيه ذكر الجيلي في الإعجاز أنه يحلف مع البينة في عشرة مواضع إذا ادعى على الميت مالا أو قتلا وأنكر الورثة فأقام بينة لم يحكم له حتى يحلف مع البينة أنه عليه وأنه يستحقه إلى الآن وكذا إن ادعى على غائب أو صبي أو مجنون
وأن يدعي على امرأة وطئا فيقيم البينة على نفي البكارة فيحلف معها لاحتمال عود البكارة
وإذا أقام على رجل بينة بمال ادعاه فقال المدعى عليه احلف أنك تستحق هذا المال ولم يكذب الشهود ولكن قال باطنه بخلاف ظاهره فإنه يحلف مع البينة أنه يستحق ذلك الآن
وإذا قال لامرأته أنت طالق أمس وقال أردت أنها كانت مطلقة من غيري وأقام بينة حلف معها أنه أراد ذلك
وإذا ادعى الوديع هلاك الوديعة بسبب ظاهر وأقام البينة على السبب حلف على الهلاك به
وفي الجراح في العضو الباطن إذا قال إنه كان صحيحا وأقام بذلك بينة حلف معها
وفي الرد بالعيب إذا أقام بينة أنه كان كذلك حلف معها
قال الزركشي وفي بعض هذه الصور نظر ومنها ما الحلف فيه مستحب لا مستحق اه
ولعله يشير بالنظر إلى الموضع السابع وبالاستحباب إلى الثامن
( وإذا استمهل ) أي طلب الإمهال من أقيمت عليه بينة ( ليأتي بدافع ) فيها استفسر إن كان جاهلا لأنه قد يتوهم ما ليس بدافع دافعا بخلاف ما إذا كان عارفا فإن عين جهة من نحو أداء أو إبراء أو كان عارفا ( أمهل ثلاثة أيام ) لأنها مدة قريبة لا يعظم الضرر فيها ومقيم البينة قد يحتاج إلى مثلها للفحص عن الشهود
ولو أحضر بعد الثلاث الشهود ولم يعدوا أمهل ثلاثا للتعديل لأنه استظهار لبينة في شهادة أخرى كما حكاه الرافعي عن الروياني وأقره
ولو لم يأت ببينة ثم ادعى جهة أخرى بعد المدة لم تمهل أو في أثنائها سمعت دعواه
ولو حضر في الثلاث بشاهد واستمهل بالثاني أمهل ثلاثة مستقبلة كما قاله الماوردي
وذكر الرافعي في الباب الثاني من أبواب الكتابة أن العبد لو ادعى الأداء وأنكر السيد وأراد العبد إقامة البينة أمهل ثلاثا قال وهل هو واجب أو مستحب وجهان اه
وقياس ما هنا الوجوب
ولو عاد المدعى عليه بعد الثلاث وسأل القاضي تحليف المدعي على نحو إبراء أجابه إليه لتيسره في الحال ولا يكلف تسليم الدين أولا ( ولو ادعى رق بالغ ) عاقل ( فقال أنا حر ) بالأصالة ( فالقول قوله ) بيمينه وإن تداولته الأيدي وسبق من مدعي رقه قرينة تدل على الرق ظاهرا كاستخدام وإجارة لموافقته الأصل وهو الحرية وعلى المدعي البينة
تنبيه محل ما ذكر إذا لم يسبق منه إقرار يرق وإن لم يقبل قوله
وإذا حلف على نفي الرق وقد اشتراه المدعي
____________________
(4/467)
من غيره المدعى على بائعه بالثمن ولو اعترف حالة الخصومة وقال برقه وقال إنه ذكره على وجه الخصومة أو اعتمد في اعترافه به ظاهر اليد
وخرج بقوله حر أي بالأصالة كما مر ما لو قال أعتقتني أو أعتقني الذي باعني منك أو غيره فإنه لا يقبل إلا ببينة وما لو قال أنا عبد فلان فالمصدق السيد لاعتراف العبد بالرق لأنه مال يثبت عليه اليد واليد عليه للسيد فلا تنتقل عنه بخلافه هنا فإنه لم يعترف بذلك والأصل الحرية
ولو أقام المدعي بينة برقه وأقام هو بينة بأنه حر فالذي جزم به الرافعي في آخر الدعاوى تبعا للبغوي أن بينة الرق أولى لأن معها زيادة علم وهو إثبات الرق ونقل الهروي وغيره عن الأصحاب أن بينة الحرية أولى
( أو ) ادعى ( رق صغير ليس في يده لم يقبل ) منه ( إلا ببينة ) لأن الأصل عدم الملك والظاهر كما قاله الأذرعي أن المجنون البالغ كالصغير
ولو كان الصغير في يد غيره وصدقه صاحب اليد كفى تصديقه مع حلف المدعي
( أو ) ادعى رق صغير ( في يده حكم له به ) بعد حلفه ( إن لم يعرف استنادها ) أي يد المدعي ( إلى التقاط ) كما لو ادعى الملك في دابة أو ثوب وإنما حلف لخطر شأن الحرية ولا أثر لإنكاره إذا بلغ بل يستمر الرق فإن استندت إلى التقاط لم يقبل إلا بحجة
وهذه المسألة قد ذكرها في اللقيط فهي مكررة والفرق أن اللقيط محكوم بحريته ظاهرا بخلاف غيره
( فلو أنكر الصغير ) الرق ( وهو مميز فإنكاره لغو ) لأن عبارته ملغاة
( وقيل ) إنكاره ( كبالغ ) في إنكاره فلا يحكم برقه لمدعيه إلا ببينة وإن أنكر بعد بلوغه في صورة عدم الاستناد لم يؤثر
( ولا تسمع دعوى ) بحال على من اعترف المدعي بإعساره ولا دعوى ( دين مؤجل ) وإن كان به بينة ( في الأصح ) إذ لا يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال فيفوت نظام الدعوى
والثاني تسمع مطلقا ليثبت في الحال ويطالب به في الاستقبال وقد يموت من عليه فتتعجل المطالبة
والثالث إن كان به بينة سمعت وإلا فلا
تنبيه يستثنى على الأول صور الأولى إذا كان بعض الدين حالا وبعضه مؤجلا فإن الدعوى تصح به كما قاله الماوردي قال ويدعي بجميعه لاستحقاقه المطالبة بالبعض ويكون المؤجل تبعا
فإن قيل الدعوى بذلك مشكل لأن الحال إذا كان قليلا كدرهم من ألف مؤجلة يبعد الاستتباع فيه وبأنه إذا أطلق الدعوى لم يفد وإن قال لزمه تسليم الألف إلي لم تصح الدعوى وكان كاذبا وإن فصل وبين كان ذلك في حكم دعوتين فأين محل الاستتباع أجيب بأن محل الاستتباع عند الإطلاق ولا يضر كون للكثير تابعا للقليل للحاجة إلى ذلك
الثانية لو كان المؤجل في عقد كمسلم وقصد بدعواه به تصحيح العقد لأن المقصود منها مستحق في الحال قاله الماوردي أيضا
الثالثة إذا ادعى على القاتل بقتل خطأ أو شبه عمد فإنها تسمع مع أن ذلك إنما يوجب دية مؤجلة فلو ادعى ذلك على العاقلة لم تسمع جزما لأنه لم يتحقق لزومه لمن ادعى عليه لجواز موته في أثناء الحول وإعساره آخره ذكره البلقيني وقال لم أر من تعرض له
تتمة تسمع الدعوى باستيلاد وتدبير وتعلق عتق بصفة ولو قيل العرض على البيع لأنها حقوق ناجزة وجواب من ادعى دينا مؤجلا ولم يذكر الأجل لا يلزمني تسليمه الآن ولا يجوز إنكاره استحقاقه في أحد وجهين قال الزركشي إنه المذهب كما حكاه الروياني عن جده
وإن أقر له خصمه بثوب مثلا وادعى تلفه فله تحليفه أنه لا يلزمه تسليمه إليه ثم يقنع منه بالقيمة وإن نكل حلف لنقر له على بقائه وطالبه به
فصل فيما يتعلق بجواب المدعى عليه إذا ( أصر المدعى عليه على السكوت عن جواب الدعوى ) لغير دهشة أو غباوة ( جعل ) حكمه ( كمنكر ) للمدعي به ( ناكل ) عن اليمين وحينئذ فترد اليمين على المدعي بعد أن يقول له القاضي أجب عن دعواه وإلا جعلتك ناكلا
فإن كان سكوته لنحو دهشة أو غباوة شرح له ثم حكم بعد ذلك عليه
وسكوت الأخرس عن الإشارة المفهمة للجواب كسكوت الناطق ومن لا إشارة له مفهمة كالغائب
____________________
(4/468)
والأصم الذي لا يسمع أصلا إن كان يفهم الإشارة فهو كالأخرس وإلا فكالمجنون فلا تصح الدعوى عليه
فلو كان البصير الأصم أو الأخرس الذي لا يفهم كاتبا قال الأذرعي يشبه أن يقال كتابته دعوى وجوابا كعبارة الناطق
أما إذا لم يصر المدعى عليه فينظر ( فإن ادعى ) عليه ( عشرة ) مثلا ( فقال ) في جوابه هي عندي أو ليس لك عندي شيء فذاك ظاهر
وإن قال ( لا تلزمني العشرة لم يكف ) ذلك في الجواب ( حتى يقول ) مضافا لما سبق ( ولا بعضها
وكذا يحلف ) إن حلفه القاضي لأن مدعي العشرة مدع لكل جزء منها فاشترط مطابقة الإنكار واليمين دعواه وقوله لا يلزمني العشرة إنما هو نفي لمجموعها ولا يقتضي نفي كل جزء منها فقد تكون عشرة إلا حبة
( فإن حلف على نفي العشرة واقتصر ) في حلفه ( عليه فناكل ) عما دون العشرة ( فيحلف المدعي على استحقاق دون العشرة بجزء ) وإن قل ( ويأخذه ) أي ما دون العشرة وإن لم يجدد دعوى
نعم إن نكل المدعى عليه عن العشرة وقد اقتصر القاضي في تحليف المدعى عليه على عرض اليمين عليه عن العشرة ولم يقل ولا شيء منها فليس للمدعي أن يحلف على استحقاق ما دونها إلا بعد تجديد دعوى ونكول المدعى عليه
تنبيه هذا إن لم يسند المدعي إلى عقد فإن أسنده إليه كأن ادعت امرأة نكاحا بخمسين كفاه نفي العقد بها والحلف عليه فإن نكل لم تحلف هي على البعض إلا بدعوى جديدة لا تناقض ما ادعته
وإن ادعى دارا بيد غيره فأنكرها فلا بد أن يقول في حلفه ليست لك ولا شيء منها ولو ادعى أنه باعه إياها كفاه أن يحلف أنه لم يبعها
ولو ادعى عليه مالا فأنكر وطلب منه اليمين فقال لا أحلف وأعطي المال لا يجب على المدعي قبوله من غير إقرار وله تحليفه لأنه لا يأمن من أن يدعي عليه بما دفعه بعد هذا وكذا لو نكل عن اليمين وأراد المدعي أن يحلف يمين الرد فقال المدعى عليه أنا أبذل المال له بلا يمين له أن يحلف ويقول له الحاكم إما أن تقر بالحق أو يحلف المدعى عليه بعد نكولك قاله البغوي و المروزي وغيرهما
( وإذا ادعى مالا مضافا إلى سبب كأقرضتك كذا كفاه في الجواب ) عن هذه الدعوى ( لا تستحق ) أنت ( علي شيئا ) أو لا يلزمني تسليم شيء إليك ( أو ) ادعى ( شفعة كفاه ) في الجواب ( لا تستحق ) أنت ( علي شيئا أو لا تستحق ) علي ( تسليم الشقص ) ولا يشترط التعرض لنفي تلك الجهة لأن المدعي قد يكون صادقا في الإقراض وغيره وعرض ما أسقط الحق من أداء أو إبراء فلو نفى السبب كذب أو اعترف وادعى المسقط طولب ببينة قد يعجز عنها فقبل الإطلاق للضرورة
ونازع البلقيني في جواب دعوى الشفعة وقال أكثر الناس لا يعدون الشفعة مستحقة على المشترى لأنها ليست في ذمته فلا يتعلق به ضمانها كالغصب وغيره فالجواب المعتبر لا شفعة لك عندي كما عبر به في الروضة وعبارة المحرر لا يستحق عليه شفعة اه
والمعتمد ما في المتن
ولو ادعت على زوجها أنه طلقها كفاه في الجواب أنت زوجتي
ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو ادعى عليه وديعة فلا يكفي في الجواب لا يلزمني التسليم إذ لا يلزمه تسليم وإنما يلزمه التخلية فالجواب الصحيح أن ينكر الإيداع أو يقول لا تستحق علي شيئا أو هلكت الوديعة أو رددتها
( ويحلف ) المدعى عليه ( على حسب ) بفتح السين بخطه ويجوز إسكانها أي قدر ( جوابه هذا ) أو على نفي السبب ولا يكلف التعرض لنفيه
( فإن ) تبرع و ( أجاب بنفي السبب المذكور ) كقوله في صورة القرض السابقة ما أقرضتني كذا ( حلف عليه ) أي نفي السبب كذلك ليطابق اليمين الإنكار
( وقيل الحلف بالنفي المطلق ) كما لو أجاب به والأول راعى مطابقة اليمين للجواب
____________________
(4/469)
تنبيه قضية كلامه أنه إذا أجاب بالإطلاق ليس له الحلف على نفي السبب وليس مرادا بل لو حلف على نفيه بعد الجواب المطلق جاز كما نقلاه عن البغوي وأقراه
( ولو كان بيده مرهون أو مكرى وادعاه ) أي كلا منهما ( مالكه ) أو نائبه ( كفاه ) في الجواب ( لا يلزمني تسليمه ) إليك ولا يجب التعرض للملك ( فلو اعترف بالملك ) للمدعي ( و ) لكن ( ادعى ) بعده ( الرهن والإجارة ) وكذبه المدعي ( فالصحيح أنه لا يقبل ) منه ذلك ( إلا ببينة ) لأن الأصل عدم ما ادعاه
والثاني يقبل قوله بدونها لأن اليد تصدقه في ذلك
( فإن عجز ) على الأول ( عنها وخاف أولا ) أنه ( إن اعترف بالملك ) للمدعي ( جحده ) بسكون الحاء المهملة على أنه مصدر مضاف للفاعل أي خاف أن يجحد المدعي ( الرهن والإجارة فحيلته ) أي المدعى عليه ( أن يقول ) في الجواب ( إن ادعيت ) علي ( ملكا مطلقا ) عن رهن وإجارة ( فلا يلزمني تسليم ) لما ادعيته علي ( وإن ادعيت ) علي ملكا ( مرهونا ) عندي أو مستأجرا ( فاذكره لأجيب ) عنه ولا يكون مقرا بذلك
وكذا يقول في ثمن مبيع لم يقبض
وعكس مسألة المتن لو ادعى المرتهن الدين وخاف الراهن جحود الرهن لو اعترف بالدين قال في الجواب إن ادعيت ألفا لي عندك بها رهن هو كذا فاذكره حتى أجيب وإن ادعيت ألفا مطلقا فلا يلزمني
تنبيه لو ذكر المصنف قوله أولا بعد قوله بالملك كان أولى فإن عبارته توهم تعلق أولا ب خاف ولا معنى له
( وإذا ادعى عليه عينا ) عقارا أو منقولا ( فقال ) في الجواب ( ليس هي لي ) مقتصرا على ذلك ولم يضفها ( أو ) أضافها المجهول كقوله و ( هي لرجل لا أعرفه ) أو لا أسميه ( أو ) لمعلوم لا يمكنني مخاصمته وتحليفه كقوله ( هي لابني الطفل ) أو المجنون ملك له
ولو عبر بمحجوره كان أولى
( أو ) قال هي ( وقف على الفقراء أو ) على ( مسجد كذا ) وكان المدعى عليه هو الناظر ( فالأصح أنه لا تنصرف الخصومة ) عنه ( ولا تنزع ) العين ( منه ) لأن ظاهر اليد لذلك وما صدر منه ليس بمزيل ولم يظهر لغيره استحقاق
( بل يحلفه المدعي أنه لا يلزمه التسليم ) للعين المدعاة ( إن لم يكن بينة ) بها رجاء أن يقر أو ينكل فيحلف المدعي وتثبت له العين في الأولتين وفيما لو أضافها لغير معين والبدل للحيلولة في غير ذلك
والثاني تنصرف عنه وينتزع الحاكم العين من يده فإن أقام المدعي بينة على استحقاقها أخذها وإلا حفظها إلى أن يظهر مالكها
تنبيه ظاهر كلامه أنه لا يحلفه إلا إذا لم يكن بينة قال البلقيني وهو قيد غير معتبر والذي في المحرر بل يقسم المدعي البينة أو يحلفه أنه لا يلزمه تسليمه اه
وهذا معلوم مما مر أن المدعي مخير بين أن يقيم البينة أو يحلفه
ولو ادعاه المدعى عليه بعد ما ذكر لنفسه سمعت دعواه في أحد وجهين رجحه ابن المقرى تبعا للقاضي مجلي وغيره
( وإن أقر به ) أي بالمذكور ( لمعين حاضر ) بالبلد ( يمكن مخاصمته وتحليفه سئل ) عن ذلك ( فإن صدقه ) انصرفت الخصومة عن المدعى عليه و ( صارت الخصومة معه ) أي الحاضر لصيرورة اليد له والخصومة إنما تدور بين متنازعين
____________________
(4/470)
تنبيهات الأول كان الأولى للمصنف الاقتصار على قوله يمكن مخاصمته أو يمكن تحليفه لأن الجمع بينهما لا يشترط
الثاني كلامه يفهم أنه إذا أقر به لمن لا يمكن مخاصمته وهو المحجور عليه لا تنصرف الخصومة عنه وليس مرادا بل تنصرف إلى وليه وإنما قيده المصنف بذلك لقوله بعد وصدقه فإن المحجور عليه لا يصح تصديقه
الثالث قوله صارت الخصومة معه يفهم انصرافها عن المدعى عليه وليس مرادا بل للمدعي طلب يمينه بناء على أنه يغرم له البدل لو أقر له وهو الأظهر
( وإن كذبه ترك في يد المقر ) كما مر تصحيحه في كتاب الإقرار وأعاد المصنف المسألة هنا لبعيد التصريح بمقابل الأصح وهو قوله ( وقيل تسلم إلى يد المدعي ) إذ لا طالب له سواه ( وقيل يحفظه الحاكم لظهور مالك ) له
( وإن أقر به لغائب ) عن البلد ولا بينة تشهد له بملك المدعي به ( فالأصح انصراف الخصومة عنه ) إليه لما مر
وهذا بالنسبة لرقبة المدعي به أما بالنسبة لتحليف المدعى عليه فلا ينصرف في الأصح بل له تحليفه كما مر
( ويوقف الأمر ) في الإقرار بالمدعي به لغائب حيث لا بينة ( حتى يقدم ) ذلك ( الغائب ) لأن المال بظاهر الإقرار لغيره بدليل أن الغائب لو قدم وصدق أخذه
والثاني لا تنصرف وهو ظاهر نص المختصر لأن المال في يده والظاهر أنه له
( فإن كان للمدعي بينة قضى ) له ( بها ) وسلمت له العين
تنبيه قال البلقيني كلام المصنف متهافت لأن وقف الأمر حتى يقدم الغائب ينافيه قوله فإن كان للمدعي بينة قضى بها وعبارة المحرر سالمة من هذا فإنه قال فإن لم تكن بينة يوقف الأمر إلى أن يحضر الغائب وإن كان له بينة فيقضي له اه
وبما قدرته يندفع الاعتراض
( وهو قضاء على غائب فيحلف ) المدعي ( معها ) أي البينة كما مر في باب القضاء على الغائب لأن المال صار له بحكم الإقرار
وهذا ما نقلاه في الروضة وأصلها عن اختيار الإمام و الغزالي وقالا إنه أقوى وأليق بالوجه المفرع عليه
وهذا هو المعتمد
( وقيل ) بل هو قضاء ( على حاضر ) إذ الخصومة معه فلا يحلف معها وهذا ما نقلاه عن ترجيح العراقيين وقال البلقيني إنه المعتمد
وإن لم يكن للمدعي بينة فله تحليف المدعى عليه أنه لا يلزمه تسليمه إليه فإن نكل حلف المدعي وأخذه ثم إذا حضر الغائب وصدق المقر رد إليه بلا حجة لأن اليد له بإقرار صاحب اليد ثم يستأنف المدعي الخصومة معه
وإن ادعى ذو اليد أنها للغائب وأثبت أنه وكيل للغائب قدمت بينته بذلك على بينة المدعي لزيادة قوتها إذن بإقرار ذي اليد إليه فإن لم تقم بينة بوكالته على الغائب وأقام بينة بالملك الغائب سمعت بينته لا لتثبت العين للغائب لأنه ليس نائبا عنه بل ليندفع عنه اليمين وتهمة الإضافة إلى الغائب سواء تعرضت بينته لكونها في يده بعارية أو غيره أم لا
وهذه الخصومة للمدعي مع المدعى عليه وللمدعي مع الغائب خصومة أخرى
ولو قال المدعى عليه هي معي رهن أو نحوه من الحقوق اللازمة كإجارة لم تسمع دعواه مع بينته لتضمنها إثبات الملك للغير بلا نيابة
تنبيه للمدعي تحليف المدعى عليه حيث انصرفت الخصومة عنه أنه لا يلزمه تسليمها إليه وأن ما أقر به لغيره يغرم القيمة للثاني فإن نكل عن اليمين وحلف المدعي اليمين المردودة أو أقر له بالعين ثانيا وغرم له القيمة ثم أقام المدعي بينة بالعين أو حلف بعد نكول المقر له رد القيمة وأخذ العين لأنه أخذها للحيلولة وقد زالت
فرع لو ادعى جارية على منكرها فاستحقها بحجة ووطئها وأولدها ثم أكذب نفسه لم تكن زانية بذلك لأنها تنكر ما يقول ولم يبطل الإيلاد وحرية الولد لأن إقراره لا يلزم غيره بأن وافقته الجارية على ذلك إذ لا يرفع ما حكم به برجوع محتمل فيلزمه المهر إن لم تعترف هي بالزنا ويلزمه الأرش إن نقضت ولم يولدها وقيمة الولد وأمه إن أولدها ولا يطؤها بعد ذلك إلا بشراء جديد فإن مات عتقت عملا بقوله الأول ووقف ولاؤها إن مات قبل
____________________
(4/471)
شرائها وكذا الحكم وأنكر صاحب اليد وحلف أنها له وأولدها ثم أكذب نفسه فيأتي فيها جميع ما مر
واعلم أن ما سبق هو في جواب المدعى عليه الحر فإن كان رقيقا فحكم جواب دعواه مذكور في قاعدة أشار إليها بقوله ( و ) هي ( ما قبل إقرار عبد به كعقوبة ) لآدمي من حد أو قصاص ( فالدعوى ) بذلك ( عليه و ) كذا ( عليه ) أيضا ( الجواب ) لها لأنه لا يقبل إقراره في ذلك دون السيد لعود أثر ذلك عليه
وخرج بالآدمي عقوبة الله تعالى فلا تسمع فيها الدعوى ولا يطالب الجواب كما جزما به بعد في الكلام على الحالف لأنها ليست حقا للمدعي ومن له الحق لم يأذن في الطلب والإثبات
تنبيه تصح الدعوى أيضا على الرقيق بدين معاملة تجارة أذن فيها سيده
وأورد على المصنف دعوى قتل خطأ أو شبه عمد في محل لوث فإنها تكون على الرقيق لأنه لا يقبل إقراره به لأن الولي يقسم وتتعلق الدية برقبة الرقيق صرح به الرافعي في الشرط الرابع في كتاب القسامة
( وما لا ) يقبل إقراره به ( كأرش ) لتعييب أو إتلاف ( فعلى السيد ) الدعوى به وعليه أيضا جوابها لأن الرقبة التي هي متعلقها حق السيد فإقرار الرقيق فيها لا يقبل فلو ادعى عليه ففي سماعها وجهان قال الرافعي والوجه أنها تسمع لإثبات الأرش في الذمة إلا لتعلقه بالرقبة قال تفريعا على الأصلين يعني أن الأرش المتعلق بالرقبة يتعلق بالذمة أيضا وأن الدعوى تسمع بالمؤجل قاله البلقيني
فيخرج منه أن الأصح أنها لا تسمع عليه بذلك لأن الأصح أنه لا يتعلق بالذمة ولا تسمع الدعوى بالمؤجل وبهذا جزم صاحب الأنوار
تتمة قد تكون الدعوى والجواب على كل من الرقيق وسيده كما في نكاح العبد أو المكاتبة فإنه إنما يثبت بإقرارهما لأنه لا بد من اجتماعهما على التزويج فلو أقر سيد المكاتبة بالنكاح وأنكرت حلف فإن نكلت وحلف المدعي حكم بالزوجية ولو أقرت فأنكر السيد حلف السيد فإن نكل حلف المدعي وحكم له بالنكاح ويأتي مثل ذلك في المبعضة
فصل في كيفية الحلف والتغليظ فيه وفي ضابط الحالف ( تغلظ ) ندبا ( يمين مدع ) اليمين المردودة أو مع الشاهد واليمين ( و ) تغلظ ندبا أيضا يمين ( مدعى عليه ) وإن لم يطلب الخصم تغليظها ( فيما ليس بمال ولا يقصد به مال ) كنكاح وطلاق ولعان وقود وعتق وإيلاد ووصاية ووكالة
قال الغزالي التغليظ يجري في كل حالة خطر مما لا يثبت برجل وامرأتين اه
فإن قيل يرد على هذا الولادة والرضاع وعيوب النساء فإنها تثبت برجل وامرأتين ويجري فيها التغليظ
أجيب بأنه ليس قبول شهادة الرجل والمرأتين والنساء المتمحضات لقلة خطرها بل لأن الرجال لا يطلعون عليها غالبا وقد صرح الشيخان بهذا الجواب بالنسبة إلى شهادة النساء المتمحضات لقلة خطرها بل لأن الرجال لا يطلعون عليها غالبا وقد صرح الشيخان بهذا الجواب بالنسبة إلى شهادة النساء المتمحضات
والمعنى في التغليظ أن اليمين موضوعة للزجر عن التعدي فشرع التغليظ مبالغة وتأكيدا للردع فاختص بما هو متأكد في نظر الشرع كهذه المذكورات
وتوقف الإمام في الوكالة وقال التغليظ فيها إنما يكون فيما يعظم خطره والوكالة في درهم لا تزيد على ملك الدرهم فلا يبعد منع التغليظ فيها ولكن إطلاق الأصحاب كما ذكرناه اه
( وفي مال يبلغ نصاب زكاة ) لا فيما دونه لأنه الموصوف في نظر الشرع ولذلك أوجب المواساة فيه
نعم للقاضي ذلك فيما دون النصاب إن رآه لجراءة يجدها في الحالف
تنبيه قضية كلام المصنف التغليظ في أي نصاب كان من نعم ونبات وغيرهما وهو وجه حكاه الماوردي ويلزم عليه التغليظ في خمسة أوسق من شعير وذرة وغيرهما لا يساوي خمسين درهما والذي في الروضة وأصلها اعتبار عشرين مثقالا ذهبا أو مائتي درهم فضة تحديدا والمنصوص في الأم والمختصر اعتبار عشرين دينار عينا أو قيمة وقال البلقيني إنه المعتمد حتى لو كان المدعى به من الدراهم اعتبر بالذهب اه
والأوجه كما قاله شيخنا اعتبار عشرين
____________________
(4/472)
دينارا أو مائتي درهم أو ما قيمته أحدهما وحقوق الأموال كالخيار والأجل
وحق الشفعة إن تعلقت بمال هو نصاب غلظ فيها وإلا فلا
واحتج للتغليظ بما رواه الشافعي والبيهقي عن عبد الرحمن بن عوف أنه رأى قوما يحلفون بين المقام والبيت فقال أعلى دم فقالوا لا فقال أفعلى عظيم من المال قالوا لا قال خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام
ويستوى فيه يمين المدعى عليه والمدعي ولو مع شاهد كما مر وقد يقتضي الحال التغليظ من أحدهما دون الآخر كعبد خسيس لا تبلغ قيمته نصاب الزكاة ادعى على سيده عتقا أو كتابة فأنكر ونكل فتغلظ اليمين على العبد لأن مدعاه ليس بمال لا على سيده إذا حلف لأن قصده استدامة مال قليل وتغلظ في الوقف إن بلغ نصابا على المدعي والمدعى عليه
وأما الخلع بالقليل من المال إن ادعاه الزوج وأنكرت الزوجة وحلف أو نكلت وحلف هو فلا تغليظ على واحد منهما وإن ادعته وأنكر وحلف أو نكل وحلفت هي غلظ عليهما لأن قصدها الفراق وقصده استدامة النكاح
أما الخلع بالكثير فتغلظ فيه مطلقا ولا تغلظ على حالف أنه لا يحلف يمينا مغلظة بناء على أن التغليظ مستحب ولو كان حلفه بغير الطلاق كما هو قضية النص وإن قيده في الروض كأصله بالطلاق ( وسبق بيان التغليظ ) بالزمان والمكان وحضور جمع ( في ) أثناء كتاب ( اللعان ) لكن لا يغلظ هنا بحضور جمع كما صوبه في زيادة الروضة
تنبيه قضية كلامه انحصار التغليظ فيما سبق وليس مرادا بل يندب التغليظ بزيادة الأسماء والصفات أيضا كأن يقول والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم السر والعلانية أو بالله الطالب الغالب المدرك المهلك الذي يعلم السر وأخفى كذا قالاه تبعا لجمع من الأصحاب
فإن قيل هذا لا يجوز لأن صفات الله تعالى لا بد فيها من توقيف ولم يرد توقيف في الطالب الغالب
أجيب بأن هذا من قبل أسماء المفاعلة الذي غلب فيه معنى الفعل دون الصفة فالتحق بالأفعال وإضافة الأفعال إلى الله تعالى لا تتوقف على توقيف ولذلك توسع الناس في ذلك في تحميداتهم وتمجيداتهم وغيرها
قال الأذرعي والأحوط اجتناب هذه الألفاظ ولهذا لم يذكره الشافعي وكثير من الأصحاب اه
وهو كما قال
واستحب الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم أن يقرأ على الحالف { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية ويحضر المصحف ويوضع في حجر الحالف قال الشافعي وكان ابن الزبير ومطرف قاضي صنعاء يحلفان به وهو حسن وعليه الحكام باليمين
وقال رضي الله عنه في باب كيفية اليمين من الأم وقد كان من حكام الآفاق من يستحلف على المصحف وذلك عندي حسن
وقال القاضي الحسين وهذا التغليظ مستحب
هذا إذا كان الحالف مسلما فإن كان يهوديا حلفه القاضي بالله الذي أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق أو نصرانيا حلفه بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى أو مجوسيا أو وثنيا حلفه بالله الذي خلقه وصوره
قال الدارمي ولا يحلفهم بما يجهل كقوله والله الذي أرسل كذا أو أنزل كذا لرسول وكتاب لا يعرفهما
ويستثنى من إطلاق المصنف المريض الذي به مرض شاق والزمن والحائض والنفساء فلا يغلظ عليهم بالمكان لعذرهم
ولا يجوز لقاض أن يحلف أحدا بطلاق أو عتق أو نذر كما قاله الماوردي وغيره
قال الشافعي ومتى بلغ الإمام أن قاضيا يستحلف الناس بطلاق أو عتق أو نذر عزله عن الحكم لأنه جاهل
وقال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من أهل العلم يرى الاستحلاف بذلك
ثم شرع في كيفية اليمين بقوله ( ويحلف ) الشخص ( على البت ) بمثناة فوقية وهو القطع والجزم ( في فعله ) إثباتا كان أو نفيا لأنه يعلم حال نفسه ويطلع عليها فيقول في البيع والشراء في الإثبات والله لقد بعت بكذا أو اشتريت بكذا وفي النفي والله ما بعت بكذا ولا اشتريت بكذا
تنبيه قضية التوجيه بما ذكر أنه لو صدر الفعل منه في جنونه أو إغمائه أو سكره الطافح وتوجهت اليمين عليه بعد كماله أنه لا يحلف على البت قال ابن شهبة ولم أره منقولا اه
والظاهر أنهم جروا في ذلك على الغالب
( وكذا فعل غيره ) يحلف فيه أيضا على البت ( إن كان إثباتا ) كبيع وإتلاف وغصب لأنه يسهل الوقوف عليه كما
____________________
(4/473)
أنه يشهد به
( وإن كان نفيا ) مطلقا ( فعلى ) أي يحلف على ( نفي العلم ) أي أنه لا يعلم فيقول والله ما علمت أنه فعل كذا لأن النفي المطلق يعسر الوقوف عليه ولا يتعين فيه ذلك فلو حلف على البت اعتد به كما قاله القاضي أبو الطيب وغيره لأنه قد يعلم ذلك
تنبيه محل ما ذكر في النفي المطلق أما النفي المحصور فكالإثبات في إمكان الإحاطة به كما في آخر الدعاوى من الروضة فيحلف فيه على البت
قال الزركشي وظاهر كلام المصنف حصر اليمين في فعله وفعل غيره وقد يكون اليمين على تحقيق موجود لا إلى فعل ينسب إليه ولا إلى غيره مثل أن يقول لزوجته إن كان هذا الطائر غرابا فأنت طالق فطار ولم يعرف فادعت أنه غراب وأنكر وقد قال الإمام إنه يحلف على البت اه
قال الشيخان تبعا للبندنيجي وغيره والضابط أن يقال كل يمين فهي على البت إلا على نفي فعل الغير
وأورد على الضابط المودع إذا ادعى تلف الوديعة فلم يحلف فإن المذهب كما قاله الإمام أن المودع يحلف على نفي العلم
وقال البلقيني في حواشي الروضة الاختصار المعتبر أن يقال يحلف على البت في كل يمين إلا فيما يتعلق بالوارث فيما ينفيه وكذلك العاقلة بناء على أن الوجوب يلاقي القاتل ابتداء
( ولو ادعى ) على شخص ( دينا لمورثه فقال ) المدعى عليه ( أبرأني ) مورثك منه وأنت تعلم ذلك ( حلف ) المدعي ( على نفي العلم بالبراءة ) مما ادعاه لأنه حلف على نفي فعل غيره
تنبيه لا بد أن يقول مع قوله أبرأني منه وأنت تعلم ذلك كما قدرته في كلامه
قالا وكل ما يحلف المنكر فيه على نفي العلم يشترط في الدعوى عليه التعرض للعلم
قال البلقيني ومحله إذا علم المدعي أن المدعى عليه يعلم ذلك فإن لم يعلم لم يسعه أن يقول وهو يعلم ذلك ومثل دعوى البراءة دعوى الاستيفاء أو الحوالة أو الاعتياض
ثم أشار لاستثناء مسألتين من أن الحلف على فعل الغير يكون على النفي بقوله ( ولو قال ) في الدعوى على سيد بما لا يقبل فيه إقرار العبد عليه كقوله ( جنى عبدك علي بما يوجب كذا ) وأنكر ( فالأصح حلفه ) أي السيد ( على البت ) لأن عبده ماله وفعله كفعله ولذلك سمعت الدعوى عليه
والثاني على نفي العلم لتعلقه بفعل الغير
تنبيه محل الخلاف في العبد العاقل فإن كان مجنونا حلف السيد على البت قطعا لأن المجنون كالبهيمة
قال البلقيني ولو أمر عبده الذي لا يميز أو الأعجمي الذي يعتقد وجوب طاعة السيد في كل ما أمره به فالجاني هو السيد فيحلف قطعا
( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ( ولو قال جنت بهيمتك ) على زرعي مثلا فعليك ضمانه فأنكر مالكها ( حلف على البت قطعا والله أعلم ) لأنه لا ذمة لها وضمان جنايتها بتقصيره في حفظها لا بفعلها وهذا أمر يتعلق بنفس الحالف
تنبيه ما أطلقه من حلف المالك ظاهر إذا كانت وحدها أو في يد مالكها أما إذا كانت في يد غيره ممن يتوجه عليه الضمان بإتلافها كالمستأجر والمستعير والغاصب فالظاهر كما قال الأذرعي وغيره أن الدعوى واليمين عليه دون مالك الرقبة ويحلف على البت أيضا ففي فتاوى ابن الصلاح لو كانت الدابة بيد أجير فالدعوى واليمين عليه ويحلف على القطع فإن فعلها منسوب إليه ولا يشترط في الحلف على البت اليقيم ( و ) حينئذ ( يجوز البت ) في الحلف ( بظن مؤكد يعتمد ) فيه الحالف ( خطه أو خط أبيه ) مثلا إذا وثق بخطه وأمانته كما قيده في باب القضاء وقد يفهم ذلك من لفظ الظن ويقال لا يحصل الظن إلا إذا كان بهذه الصفة
تنبيه قضية إطلاق المصنف جواز الحلف اعتمادا على خط نفسه وإن لم يتذكر ولكن الذي في الروضة وأصلها أنه لا يجوز الحلف حتى يتذكر قال في التوشيح وقد يقال لا يتصور الظن المؤكد في حق نفسه ما لم يتذكر
____________________
(4/474)
بخلاف خط الأب اه
وظاهر كلام المصنف انحصار ذلك في خطه وخط أبيه وليس مرادا ولهذا زدت مثلا في كلامه إذ نكول خصمه مما يحصل به الظن المؤكد كما جزم به في الروضة وأصلها وإن نازع فيه البلقيني فلو قال كاعتماد خطه إلخ كان أولى
( وتعتبر ) في الحلف ( نية القاضي المستحلف ) للخصم سواء أكان موافقا للقاضي في مذهبه أم لا لحديث اليمين على نية المستحلف رواه مسلم وحمل على الحاكم لأنه الذي له ولاية الاستحلاف والمعنى فيه أنه لو اعتبرت نية الحالف لبطلت فائدة الأيمان وضاعت الحقوق إذ كل أحد يحلف على ما يقصد فإذا ادعى حنفي على شافعي شفعة الجوار والقاضي يعتقد إثباتها فليس للمدعى عليه أن يحلف على عدم استحقاقها عليه عملا باعتقاده بل عليه اتباع القاضي
تنبيه كان الأولى للمصنف أن يقول من له ولاية التحليف بدل القاضي ليشمل الإمام الأعظم والمحكم أو غيرهما ممن يصح أداء الشهادة عنده
قال البلقيني محل ما ذكر إذ لم يكن الحالف محقا لما نواه وإلا فالعبرة بنيته لا بنية القاضي اه
ومراده بالمحق على ما يعتقده القاضي فلا ينافيه ما مر فيما لو كان القاضي حنفيا فحكم على شافعي بشفعة الجوار من أنه ينفذ حكمه وأنه إن استحلف فحلف لا يستحق علي شيئا أثم
أما إذا حلفه الغريم أو غيره ممن ليس له ولاية التحليف أو حلفه من له ذلك بغير طلبه فالعبرة بنية الحالف وكذا لو حلف هو بنفسه ابتداء كما قاله في زيادة الروضة
( فلو ورى ) الحالف في يمينه بأن قصد خلاف ظاهر اللفظ عند تحليف من له ولاية التحليف كقوله لا يستحق علي درهما ولا دينارا ولا أقل من ذلك ولا أكثر فدرهم قبيلة ودينار رجل معروف وماله قبلي ثوب ولا شفعة ولا قميص فالثوب الرجوع والشفعة العبد والقميص غشاء القلب ( أو تأول ) بأن اعتقد الحالف ( خلافها ) أي خلاف نية القاضي كحنفي حلف شافعيا على شفعة الجوار فحلف أنه لا يستحقها عليه ( أو استثنى ) الحالف كقوله عقب يمينه إن شاء الله أو وصل باللفظ شرطا ك إن دخلت الدار ( بحيث لا يسمع القاضي ) ذلك ( لم يدفع ) ما ذكر ( إثم اليمين الفاجرة ) لأن اليمين شرعت ليهاب الخصم الإقدام عليها خوفا من الله تعالى فلو صح تأويله لبطلت هذه الفائدة فإن كل شيء قابل للتأويل في اللغة
فإن قيل كيف تصوير الاستثناء هنا فإنه لا يصح في الماضي إذ لا يقال والله ما أتلفت أو مالك على شيء إن شاء الله أجيب بأن المراد توجيه الاستثناء إلى عقد اليمين فيكون المعنى تنعقد يميني إن شاء الله تعالى
أما إذا وجه إلى نفس الفعل فإنه لا يصح لأن الاستثناء إنما يكون في المستقبل كالشرط
تنبيه محل كون ما ذكر لا يدفع إثم اليمين مقيد بأمرين أحدهما أن يكون الحلف بالله تعالى فإن حلفه القاضي بالطلاق أو العتاق فحلف وورى نفعته التورية وإن كانت حراما حيث يبطل بها حق المستحق لأنه ليس له التحليف بهما كما قاله المصنف في شرح مسلم وقال في المهمات فإن كان القاضي يرى التحليف بالطلاق كالحنفي فحلفه به نفعته التورية كذا ذكره النووي في الأذكار في باب التورية اه
ونوزع بأنه ليس في كلام النووي تصويرها بأن يرى القاضي ذلك بل ظاهر كلامه يقتضي أن محله فيمن لا يراه لأنه قال لأنه لا يجوز للقاضي تحليفه بالطلاق فهو كغيره من الناس اه
فعلم أن من يراه لا تنفع التورية عنده
الأمر الثاني أن لا يكون ظالما في نفس الأمر فقد ذكر في الوديعة أن الظالم إذا طلب منه الوديعة فينكر فإن اكتفى باليمين فليحلف ولا إثم عليه ولو قدر على التورية كما هو مقتضى كلامهم ومثله لو ادعى على المعسر فقال لا يستحق علي ونوى بالاستحقاق التسليم الآن صح تأويله ولا يؤاخذ بيمينه لانتفاء المفسدة السابقة بل خصمه ظالم بمطالبته إن علم ومخطىء إن جهل
واحترز المصنع بقوله بحيث لا يسمع عما إذا سمع فإنه يعزره ويعيد اليمين وإن وصل بها كلاما لم يفهمه القاضي منعه وأعاد اليمين فإن قال كنت أذكر الله تعالى قيل له ليس هذا وقته
ولما انقضى الكلام على الحلف وكيفيته شرع في ضابط الحلف
____________________
(4/475)
بقوله ( و ) كل ( من توجهت ) أي وجبت ( عليه يمين ) بأن ألزم بها في دعوى صحيحة ( لو أقر بمطلوبها ) أي الدعوى ( لزمه ) ذلك المطلوب ( فأنكر حلف ) بضم أوله بخطه لخبر البينة على المدعي واليمين على المنكر رواه البيهقي وفي الصحيحين خبر اليمين على المدعى عليه
تنبيه قوله يمين وقع في نسخة المصنف ونسب لسبق القلم وصوابه دعوى كما في المحرر والشرحين والروضة
وقوله فأنكر بين ذلك لأن الإنكار يكون بعد الدعوى لا بعد طلب اليمين وقد يندفع هذا الاعتراض بما قدرته في كلامه
قال السبكي في الحلبيات وتعبير المنهاج صحيح وإنما عدل عن الدعوى إلى اليمين لأنه قد يطلب اليمين من غير دعوى فيما إذا طلب القاذف يمين المقذوف أو وارثه أي المطالب له أنه ما زنى فإنه إذا ادعى وطلب اليمين أو طلبها من غير دعوى أجيب إلى تحليفه على الصحيح إذ له غرض في أن لا يدعي الزنا حتى لا يكون قاذفا ثانيا
لكن قد يحتاج على هذا أن قوله توجهت عليه بمعنى طلبت منه قال لكن قوله بعد فأنكر غير متضح فإن الإنكار يكون بعد الدعوى لا بعد طلب اليمين إلا أن يريد أنه صمم على الإنكار اه
ثم إن حلف المقذوف أو وارثه حد القاذف وإن نكل وحلف القاذف سقط عنه الحد ولم يثبت الزنا بحلفه كما مرت الإشارة إليه في الزنا
وخرج بما لو أقر بمطلوبها لزمه نائب المالك كالوصي والوكيل فلا يحلف لأنه لا يصح إقراره
وعبر في الروضة في ضابط الحلف بأنه كل من يتوجه عليه دعوى صحيحة ثم حكى ضابط المتن بقيل قال الزركشي تبعا للسبكي والظاهر أن الثاني شرح للأول لأن الدعوى الصحيحة تقتضي ذلك فلا اضطراب حينئذ
وما ذكره المصنف ليس ضابطا لكل حالف فإن اليمين مع الشاهد الواحد لا يدخل فيه ولا يمين الرد ولا إيمان القسامة واللعان وكأنه أراد الحالف في جواب دعوى أصلية وأيضا فهو غير مطرد لاستثنائهم منه صورا كثيرة أشار في المتن لبعضها بقوله ( ولا يحلف قاض على تركه الظلم ) في حكمه ( ولا ) يحلف ( شاهد أنه لم يكذب ) في شهادته لارتفاع منصبهما عن ذلك
واحترزت بقوله في حكمه عما إذا لم يتعلق بحكمه كدعوى مال وغيره فهو كغيره ويحكم فيه خليفته أو قاض آخر وهذه المسألة قد تقدمت في كتاب القضاء
( ولو قال مدعى عليه أنا صبي ) واحتمل ذلك ( لم يحلف ووقف ) أمره في الخصومة ( حتى يبلغ ) فيدعى عليه
وإن كان لو أقر بالبلوغ في وقت احتماله قبل لأن حلفه يثبت صباه وصباه يبطل حلفه ففي تحليفه إبطال تحليفه
نعم الكافر المسبي المنبت إذا قال تعجلت العانة حلف وجوبا في الأظهر لسقوط القتل بناء على أن الإنبات علامة للبلوغ فإن نكل قتل ولو كان دعوى الصبا من غيره كما إذا ادعى له وليه مالا وقال المدعى عليه من تدعي له المال بالغ فللولي طلب يمين المدعى عليه أنه لا يعلمه صغيرا فإن نكل لا يحلف الولي على صباه
وهل يحلف الصبي وجهان في فتاوى القاضي بناء على القولين في الأسير
ويستثنى مع استثناء المصنف مسائل منها ما لو علق الطلاق على شيء من أفعال المرأة كالدخول فادعته المرأة وأنكره الزوج فالقول قوله فلو طلبت المرأة تحليفه على أنه لا يعلم وقوع ذلك لم يحلف نعم إن ادعت وقوع الفرقة حلف على نفيها كما نقله الرافعي عن القفال وأقره
ومنها ما إذا ادعت الجارية الوطء وأمية الولد وأنكر السيد أصل الوطء فالصحيح في أصل الروضة أنه لا يحلف
وصوب البلقينيي التحليف سواء أكان هناك ولد أم لم يكن وصوب السبكي حمل ما في الروضة على ما إذا كانت المنازعة لإثبات النسب فإن كانت لأمية الولد ليمتنع من بيعها وتعتق بعد الموت فيحلف
قال وقد قطعوا بتحليف السيد إذا أنكر الكتابة وكذا التدبير إذا قلنا إن إنكاره ليس برجوع
ومنها ما لو طلب الإمام الساعي بما أخذه من الزكاة فقال لم آخذ شيئا لم يحلف وإن كان لو أقر بالأخذ لزمه حكاه شريح في روضته عن الأصحاب
ومنها ما لو قسم الحاكم المال بين الغرماء فظهر غريم آخر وقال لأحد الغرماء أنت تعلم وجوب حقي وطلب يمينه لم يلزمه حكاه الشيخان عن العبادي
ومنها ما لو ادعى من عليه زكاة مسقطا لم يحلف إيجابا مع أنه لو أقر بمطلوب الدعوى لزمه
____________________
(4/476)
تنبيه قد يفهم قول المصنف لو أقر بمطلوبها فأنكر أن من لا يقبل إقراره لا يحلف وهو كذلك لكن يستثنى منه صورتان الأولى لو ادعى على من يستخدمه أنه عبد فأنكر فإنه يحلف وهو لو أقر بعد إنكاره الرق لم يقبل لكن فائدة التحليف ما يترتب على التفويت من تغريم القيمة لو نكل
الثانية لو جرى العقد بين وكيلين فالأصح في زوائد الروضة في اختلاف المتبايعين تحالفهما مع أن إقرار الوكيل لا يقبل لكن فائدته الفسخ
ثم شرع في بيان فائدة اليمين فقال ( واليمين ) غير المردودة ( تفيد قطع الخصومة ) وعدم المطالبة ( في الحال ) و ( لا ) تفيد ( براءة ) لذمة المدعى عليه لما رواه أبو دواد والنسائي والحاكم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا بعد ما حلف بالخروج من حق صاحبه كأنه صلى الله عليه وسلم علم كذبه كما رواه أحمد
على أن اليمين لا توجب براءة ( فلو حلفه ) المدعى عليه ( ثم أقام ) المدعي ( بينة ) بمدعاة شاهدين فأكثر وكذا شاهد ويمين كما قاله ابن الصباغ وغيره ( حكم بها ) وإن نفاها المدعى حين الحلف لقوله صلى الله عليه وسلم البينة العادلة حق من اليمين الفاجرة رواه البخاري
فإن قيل ينبغي أن لا يحكم بالبينة بعد اليمين لقوله صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك فنص على أنه ليس له إلا أحدهما لا كلاهما
أجيب بأنه حصر حقه في النوعين أي لا ثالث لهما وأما منع جمعهما فلا دلالة للحديث عليه
تنبيه لو ردت اليمين على المدعي فنكل ثم أقام بينة حكم بها لاحتمال أن يكون نكوله للتورع عن اليمين الصادقة
ولو قال بعد إقامة بينة بدعواه بينتي كاذبة أو مبطلة سقطت ولم تبطل دعواه
واستثنى البلقيني ما إذا أجاب المدعى عليه وديعة بنفي الاستحقاق وحلف عليه فإن حلفه يفيد البراءة حتى لو أقام المدعي بينة بأنه أودعه الوديعة المذكورة لم تؤثر فإنها لا تخالف ما حلف عليه من نفي الاستحقاق
فرع لو اشتملت دعوى على شخص واحد على أنواع وأراد المدعي أن يحلفه على بعضها دون بعض أجيب ولو أراد أن يحلفه على كل نوع منها يمينا نظر إن فرقها في الدعوى أجيب وإلا فلا قاله الماوردي
( ولو قال المدعى عليه ) الذي طلب المدعي تحليفه ( قد حلفني مرة ) على ما ادعاه فليس له تحليفي ثانيا ( فليحلف أنه لم يحلفني ) قبل ذلك ( مكن ) من تحليفه المدعي ( في الأصح ) لأن ما قاله محتمل غير مستبعد
والثاني المنع لأنه لا يؤمن أن يدعي المدعي أنه حلف على أنه ما حلفه وهكذا فيدور الأمر ولا ينفصل
وأجيب بعدم سماع ذلك من المدعي لئلا يتسلسل
وعلى الأول لو نكل المدعى حلف المدعى عليه وتخلص من الخصومة فلو قصد أن يحلف يمين الأصل لا يمين التحليف المردودة عليه فليس له ذلك إلا بعد استئناف الدعوى لأنهما الآن في دعوى أخرى
تنبيه هذا كله إذا قال حلفني عند قاض آخر أو أطلق فإن قال حلفني عندك فإن حفظ القاضي ذلك لم يحلفه ومنع المدعي من طلبه وإن لم يحفظه حلفه ولا ينفعه إقامة البينة عليه لأن القاضي متى تذكر حكمه أمضاه وإلا فلا يعتمد غيره
قال الأذرعي ويشبه أن يقال عند الإطلاق يستفسره القاضي لأنه قد يحلفه ويظن أنه كتحليف القاضي لا سيما إذا كان خصمه لا يتفطن لذلك
ثم شرع في بيان النكول وحكمه فقال ( وإذا نكل ) المدعى عليه عن يمين طلبت منه ( حلف المدعي ) اليمين المردودة لتحول الحق إليه ( وقضى له ) بمدعاه ( ولا يقضى بنكوله ) أي المدعى عليه خلافا لأبي حنيفة و أحمد لأنه صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق رواه الحاكم وصحح إسناده وقال تعالى { أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم } أي بعد الامتناع من الأيمان الواجبة فدل على نقل الأيمان من جهة إلى جهة المعنى أن النكول كما يحتمل أن يكون تحرزا عن اليمين الكاذبة يحتمل أن يكون تورعا عن اليمين الصادقة فلا يقضى مع التردد
____________________
(4/477)
تنبيه ظاهر قوله وقضى له توقف الاستحقاق على الحكم وأنه لا يثبت بمجرد الحلف لكن الأرجح في أصل الروضة عدم التوقف
( والنكول ) لغة مأخوذ من نكل عن العدو وعن اليمين جبن و شرعا ( أن يقول ) المدعى عليه بعد عرض القاضي اليمين عليه ( أنا ناكل ) عنها ( أو يقول له القاضي احلف فيقول لا أحلف ) لصراحتهما في الامتناع فيرد اليمين وإن لم يحكم القاضي بالنكول
تنبيه أورد على حصر المصنف النكول فيما ذكره ما لو قال له قل بالله فقال بالرحمن ففي أصل الروضة أنه نكول ولو قال له قل بالله فقال والله أو تالله فهل هو نكول في الصورة الأولى أو لا وجهان صحح البلقيني منهما أنه لا يكون نكول ونسبه للنص وصوبه الزركشي
قال الشيخان ويجريان فيما لو غلظ عليه باللفظ أو بالزمان أو المكان وامتنع
وصحح البلقيني أيضا أنه لا يكون نكولا وهو الظاهر لأن التغليظ بذلك ليس واجبا فلا يكون الممتنع منه ناكلا
وقال القفال في التغليظ اللفظي الأصح أنه ناكل
وقطع بعضهم به في المكاني والزماني لا اللفظي
ولو قال له قل تالله بالمثناة فوق فقال بالموحدة قال الشيخان عن القفال يكون يمينا لأنه أبلغ وأشهر
( فإن سكت ) بعد عرض اليمين عليه لا لدهشة ونحوها ( حكم القاضي بنكوله ) كما أن السكوت عن الجواب في الابتداء نازل منزلة الإنكار ولا بد من الحكم هنا ليرتب عليه رد اليمين بخلاف ما لو صرح بالنكول يرد وإن لم يحكم القاضي
وللخصم العود إلى الحلف بعد نكوله ما لم يحكم بنكوله حقيقة أو تنزيلا على المعتمد وإلا فليس له العود إلا برضا المدعي والمدعى عليه كقوله جعلتك ناكل أو نكلتك بالتشديد
ويسن القاضي أن يعرض اليمين على المدعى عليه ثلاث مرات والاستحباب فيما إذا سكت أكثر منه فيما إذا صرح بالنكول وبين النكول للجاهل به كان يقول له إن نكلت عن اليمين حلف المدعي وأخذ منك الحق وليس هذا من تلقين الدعوى فإن لم يفعل وحكم بنكوله نفذ حكمه لتقصير المدعى عليه بترك البحث عن حكم النكول
( وقوله ) أي القاضي في صورة السكوت ( للمدعي احلف حكم بنكوله ) أي المدعى عليه وفي الروضة كأصلها منزل منزلة الحكم فليس للمدعى عليه أن يحلف بعد هذا إلا برضا المدعي كما مر لأن الحق له
( واليمين المردودة ) برد المدعى عليه أو القاضي ( كبينة ) يقيمها المدعي ( وفي الأظهر كإقرار المدعى عليه ) لأنه بنكوله توصل للحق فأشبه إقراره
ويتفرع على القولين ما أشار إليه بقوله ( فلو أقام المدعى عليه بعدها بينة أو إبراء ) أو غيره من المسقطات ( لم تسمع ) على الثاني وإن خالف في ذلك البلقيني لتكذيبه لها بإقرار وتسمع على الأول
تنبيه ظاهر كلام المصنف أنه لا فرق في ذلك بين كون المدعى عينا أو دينا وهو كذلك
وتوهم بعض الشراح من قول المصنف إبراء أن ذلك في الدين فقط وأن بينته تسمع في العين على الثاني أيضا
( فإن لم يحلف المدعي ) يمين الرد ( ولم يتعلل بشيء ) أي لم يبد علة ولا عذرا ولا طلب مهلة ( سقط حقه من اليمين ) المردودة وغيرها لإعراضه وليس له ردها على المدعى عليه لأن المردودة لا ترد
( وليس له ) في هذا المجلس ولا غيره ( مطالبة خصمه ) إلا أن يقيم بينة كما لو حلف المدعى عليه
( وإن تعلل بإقامة بينة ) أو سؤال فقيه هل يجوز له الحلف أو لا ( أو مراجعة حساب ) أو بأن يتروى ( أمهل ثلاثة أيام ) ولا يزاد عليها لأنها مدة معتبرة شرعا وفي الزيادة عليها إضرار بالمدعي فإن لم يحلف بعدها سقط حقه من اليمين
( وقيل ) يمهل ( أبدا ) لأن اليمين حقه فله تأخيره إلى أن يشاء
____________________
(4/478)
كالبينة
وفرق الأول بأن البينة قد لا تساعده ولا تحضر واليمين إليه
وهل هذا الإمهال واجب أو مندوب وجهان والظاهر الأول
( وإن استمهل المدعى عليه حين استحلف لينظر حسابه لم يمهل ) إلا برضا المدعي لأنه مقهور على الإقرار واليمين بخلاف المدعي فإنه مختار في طلب حقه وتأخيره
( وقيل ) يمهل ( ثلاثة ) من الأيام كالمدعي واختاره الروياني
واحترز المصنف بقوله لينظر حسابه عما لو استمهل ليقيم بينة على دافع من أداء أو إبراء فإنه يمهل ثلاثة كما سبق أول الباب
( ولو استمهل ) المدعى عليه أي طلب الإمهال ( في ابتداء الجواب ) ليراجع حسابه ونحوه ( أمهل إلى آخر المجلس )
قال في الروضة إن شاء المدعي
وقال ابن المقرى في روضه تبعا للطاوسي في التعليقة على الحاوي والبارزي إن شاء القاضي وهو ظاهر كلام الرافعي
وهذا أولى لأن المدعي له الترك بالكلية ثم يحلف بلا تجديد دعوى كما لو حضر موكل المدعي بعد نكول الخصم له أن يحلف بلا تجديد دعوى ونكول المدعي مع شاهده كنكوله عن المردودة فإن قال للمدعى عليه احلف سقط حقه من اليمين فلا ينفعه إلا ببينة كاملة كما قاله الإمام واقتضى كلام الرافعي ترجيحه
ثم أشار المصنف لمسائل تستثنى كما قال ابن القاص من القضاء بالنكول عن اليمين فقال ( ومن طولب بزكاة ) في مال نعم أوجب أو تمر ( فادعى دفعها إلى ساع آخر أو ) لم يدع دفعها بل ( ادعى غلط خارص ) بعد التزامه القدر الواجب ( وألزمناه اليمين ) على الوجه المرجوح في المسألتين ( فنكل وتعذر رد اليمين ) بأن لم ينحصر المستحقون في البلد ولا رد على الساعي والسلطان ( فالأصح أنها تؤخذ منه ) لأن مقتضى ملك النصاب ومضى الحول الوجوب فإذا لم يأت بدافع أخذ الزكاة منه بمقتضى الأصل وليس هذا حكما بالنكول خلافا لابن القاص
والثاني لا إن لم تقم عليه حجة فإن أحضر المستحقون ومنعنا نقلها وهو الأظهر لم يتعذر رد اليمين
أما إذا قلنا باستحباب اليمين وهو الأصح المتقدم في باب زكاة النبات فإنه لا يطالب بشيء
تنبيه كل حق يجب لله تعالى له حكم الزكاة كما نقله الزركشي عن ابن القاص قال ومنه ما لو ادعى ولد المرتزقة البلوغ بالإنزال ورام إثبات اسمه في الديوان فالأصح تحليفه فإن نكل لم يعط وقال ابن القاص وهو قضاء بالنكول وقال غيره لا وهو الراجح كما مر لأن حجته اليمين ولم توجد
ولو عدل المصنف عن مثال الزكاة إلى مثال الجزية وهو فيما إذا قال أسلمت قبل تمام السنة وقال العامل بعد تمامها لكان التفريع فيه جاريا على الأصح فإن الأصح أنه يحلف إيجابا وأنه إذا نكل يقضى عليه بالجزية
ولو مات من لا وارث له ثم ادعى القاضي أو منصوبه دينا له على إنسان وجده في تذكرته فأنكر الخصم ونكل عن اليمين فهل يقضى عليه بالنكول ويؤخذ منه أو يحبس حتى يقر أو يحلف أو يترك أوجه أصحها في الروضة الثاني وهكذا في الدعوى للمسجد أو في وقف عام إذا نكل المدعى عليه عن اليمين
ثم أشار لما يستثنى من رد اليمين على المدعي بقوله ( ولو ادعى ولي صبي ) أو مجنون ( دينا ) مثلا ( له ) على إنسان ( فأنكر ونكل ) عن الحلف ( لم يحلف الولي ) لأن إثبات الحق لغير الحالف بعيد فيكتب القاضي بما جرى محضر أو يوقف الأمر إلى البلوغ أو الإفاقة
( وقيل يحلف ) مطلقا لم يبلغ الصبي أو يفيق المجنون لأنه المستوفى
( وقيل إن ادعى مباشرة سببه ) أي ادعى ثبوته بسبب باشره كما عبر به في المحرر ( حلف ) لأن العهد يتعلق به وإلا فلا
قال في المهمات والفتوى على هذا فقد نص عليه في الإمام اه
ولعله أخذه من مسألة الصداق المتقدمة في بابه وهي ما لو اختلف في قدره زوج وولي صغيرة أو مجنونة فإنهما يتحالفان وقد قدمنا الفرق هناك فيراجع
ويجري الخلاف فيما لو أقام الولي شاهدا هل يحلف معه وفيما لو ادعى عليه دين في ذمة الصبي
____________________
(4/479)
فأنكر وفي قيم مسجد أو وقف ادعى شيئا فأنكر الخصم ونكل ولو أقر القيم بما ادعاه الخصم انعزل وأقام القاضي غيره ولو ادعى أن هذا القيم قبضه فأنكر حلف
تتمة يحلف السفيه المحجور عليه على ما ادعاه وليه له إذا نكل خصمه ويقول له ويلزمك التسليم إلى وليي ولا يقل إلي بخلاف وليه في دعواه عنه
ومن وجب عليه يمين نقل المصنف عن البويطي أنه يجوز أن يفديها بالمال قال الزركشي والمذهب المنع والتجويز من قول البويطي لا الشافعي
ونقل المنع أيضا عن القاضي أبي الطيب وهذا هو الظاهر
فصل في تعارض البينتين من شخصين إذا ( ادعيا ) أي كل منهما ( عينا ) وهي ( في يد ثالث ) وهو منكر لها ( وأقام كل منهما بينة ) بهما مطلقتي التاريخ أو متفقتيه أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة ( سقطتا ) لتناقض موجبيهما فأشبه الدليلين إذا تعارضا ولا مرجح فعلى هذا كان لا بينة ويصار إلى التحالف فيحلف لكل منهما يمينا فإن رضيا بيمين واحدة فالأصح المنع كما في الروضة خلافا لجزم الإمام بالجواز وإن رجحه السبكي
( وفي قول تستعملان ) بمثناة فوقية أوله أي البينتان صيانة لهما عن الإلغاء بقدر الإمكان فعلى هذا تنزع العين ممن هي في يده لاتفاق البينتين على أنها ليست لواحد معين
ثم ما يفعل بها على هذا القول الأقوال الآتية ( ففي قول يقسم ) بينهما أي يكون لكل نصفها
( و ) في ( قول يقرع ) بينهما ونرجح من خرجت قرعته
( و ) في ( قول توقف ) بمثناة فوقية أي العين بينهما ( حتى يبين ) الأمر فيها ( أو يصطلحا ) على شيء لأنه أشكل الحال فيما يرجى انكشافه فيوقف كما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان فإنه يوقف الميراث
ولم يرجح المصنف شيئا من هذه الأقوال لتفريعها على القول الضعيف ولكن قضية كلام الجمهور ترجيح الوقف وجزم به في الروضة وأصلها في أوائل التحالف
تنبيه قوله عينا في يد ثالث قد يخرج به تعارض البينتين في النسب فإنه على قول الاستعمال لا تجيء القسمة ولا الوقف وكذا القرعة على الأصح قيل وليس لنا موضع تسقط فيه الأقوال الثلاثة إلا هذا
( ولو كانت ) أي العين التي ادعاها اثنان ( في يدهما وأقاما بينتين بقيت ) في يدهما ( كما كانت ) أولا تفريعا على الصحيح وهو التساقط إذ ليس أحدهما أولى بها من الآخر ويجعل بينهما على قول القسمة ولا يجيء الوقف إذ لا معنى له وفي القرعة وجهان
تنبيه محل الخلاف أن تشهد كل بينة بجميع العين فأما إذا شهد بالنصف الذي هو في يد صاحبه فالبينتان لم يتواردا على محل واحد فلا تجيء أقوال التعارض فيحكم القاضي لكل منهما بما في يده كما كان لا بجهة التساقط ولا بجهة الترجيح باليد
وكلامه يقتضي أنه لا يحتاج السابق منهما إلى إعادة البينة وليس مرادا بل الذي أقام البينة أولا يحتاج إلى إعادتها للنصف الذي بيده ليقع بعد بينة الخارج وحيث لا بينة تبقى في يدهما أيضا سواء أحلف كل منهما للآخر أم نكل
ولو أثبت أو حلف أحدهما فقد قضى له بجميعها أم بالنصف الذي بيد الآخر
ومن حلف ثم نكل صاحبه ردت اليمين عليه وإن نكل الأول كفى الآخر يمين للنفي والإثبات
وسكت المصنف كالروضة وأصلها عما إذا لم تكن العين في يد ثالث وصورها بعضهم بعقار أو متاع ملقى في طريق وادعياها وحكمها أنها كما لو كانت بيدهما
( ولو كانت ) تلك العين ( بيده ) أي أحدهما ويسمى الداخل ( فأقام غيره بها بينة و ) أقام ( هو ) بها ( بينة قدم صاحب اليد ) أي بينته لأنهما استويا في إقامة البينة وترجحت بينته بيده كالخبرين اللذين مع أحدهما قياس فيقضى له بها وإن كانت شاهدا وحلف معه وبينة الآخر شاهدين
____________________
(4/480)
تنبيه اقتضى إطلاق المصنف أنه لا يشترط في سماع بينة صاحب اليد أن يبين سبب الملك من شراء أو غيره كإرث كبينة الخارج وأنه لا يشترط أن يحلف مع بينته وهو الأصح فيهما وما ذكره من تقديم صاحب اليد لا يخالفه ما ذكراه فيما إذا ادعيا لقيطا في يد أحدهما وأقاما بينتين أنه لا يرجح صاحب اليد لأن اللقيط لا يدخل تحت اليد فلهذا سوى بينهما
( ولا تسمع بينته ) أي الداخل ( إلا بعد بينة المدعي ) وهو الخارج لأنه وقت إقامتها لأن الأصل في جانبه اليمين فلا يعدل عنها ما دامت كافية
تنبيه قضية إطلاقه أن بينة الداخل تسمع مع بينة الخارج وإن لم تعدل وهو الأصح لتعرض يده للزوال
( ولو أزيلت يده ) أي الداخل عن العين التي بيده ( ببينة ) أقامها الخارج وحكم له القاضي بها ( ثم أقام ) الداخل ( بينة بملكه ) للعين التي كانت بيده ( مستندا ) في الغاية ( إلى ما قبل إزالة يده ) مع استدامته إلى وقت الدعوى ( واعتذر ) عن ذلك ( بغيبة شهوده ) مثلا ( سمعت ) بينته ( وقدمت ) على بينة الخارج لأنها أزيلت لعدم الحجة فإذا ظهرت حكم بها بخلاف ما إذا لم تستند بينته إلى ذلك أو لم يعتذر بما ذكر أو نحوه فلا تقدم بينته لأنه الآن مدع خارج
( وقيل لا ) تسمع فلا ينقض القضاء وإلى هذا ذهب القاضي الحسين ونقل عنه الهروي أنه قال أشكلت علي هذه المسألة نيفا وعشرين سنة لما فيها من نقض الاجتهاد بالاجتهاد وتردد فيها جوابي ثم استقر على أنه لا ينقض
( ولو ) أطلق الداخل دعوى الملك وأقام بينة و ( قال ) أي قيد ( الخارج ) الدعوى بقوله ( هو ملكي اشتريته منك فقال ) الداخل ( بل ) هو ( ملكي وأقاما بينتين ) بذلك ( قدم الخارج ) أي بينته لزيادة علمها بالانتقال وكذا لو أقام الخارج بينة أن المدعى به ملكه غصبه منه الداخل أو أودعه عنده أو أجره له وأقام الداخل بينة أنه ملكه فإنه تقدم بينة الخارج على الأصح
وعكس المتن وهو لو قال الداخل هو ملكي اشتريته منك وأقام كل بينة قدم الداخل وكذا لو قال الخارج هو ملكي ورثته من أبي وقال الداخلي هو ملكي اشتريته من أبيك
فروع لو قال كل منهما لصاحبه اشتريته منك وأقام بذلك بينة وخفي التاريخ قدم الداخل ولو تداعيا بعيرا لأحدهما عليه متاع فالقول قول صاحب المتاع بيمينه لانفراده بالانتفاع بخلاف ما لو تداعيا عبدا لأحدهما عليه ثوب لم يحكم له بالعبد لأن كون حمله على البعير انتفاع به قيده عليه والمنفعة في لبس الثوب للعبد لا لصاحب الثوب فلا يد له
ولو تداعيا جارية حاملا واتفقا على أن الحمل لأحدهما قال البغوي فهي لصاحب الحمل
( ومن أقر لغيره بشيء ) حقيقة أو حكما ( ثم ادعاه ) لنفسه ( لم تسمع ) دعواه به ( إلا أن يذكر انتقالا ) من المقر له لأن المكلف مؤاخذ بإقراره في المستقبل بدليل أن من أقر أمس بشيء يطالب به اليوم ولولا ذلك لم يكن في الإقرار كبير فائدة وإذا كان كذلك فيستصحب ما أقر به إلى أن يثبت الانتقال
وهل يكفي في دعوى الانتقال أن يقول انتقل إلي بسبب صحيح أو لا بد من بيان السبب قال ابن شهبة ينبغي أن يفصل في سماعها بين الفقيه الموافق للقاضي وبين غيره كما ذكروه في الأخبار بتنجس الماء
تنبيه لو قال وهبته له وملكه لم يكن إقرارا بلزوم الهبة لجواز اعتقاده لزومها بالعقد ذكره في الروضة كأصلها
ولو باع شيئا ثم ادعى أنه وقف لم تسمع بينته كما في الروضة وأصلها عن القفال وغيره
( ومن أخذ منه مال ببينة ) قامت عليه به ثم ( ادعاه لم يشترط ) في دعواه ( ذكر الانتقال ) من المدعى عليه إليه ( في الأصح ) لأنه قد يكون له
____________________
(4/481)
بينة بملكه فترجح باليد السابقة كما مر وهذه المسألة من صور قوله قبل ولو أزيلت يده الخ فلو ذكرها عقبها كان أولى
والثاني يشترط كالإقرار
وأجاب الأول بأن المقر يؤاخذ بقوله في حق نفسه في المستقبل بخلاف البينة فإنها لم تشهد إلا على التلقي في الحال فلم يتسلط أثرها على الاستقبال
تنبيه محل الأول كما قال البلقيني إذا شهدت البينة بالملك وأطلقت أما لو أضافت إلى سبب لا يتعلق بالمأخوذ منه كبيع أو هبة مقبوضة صدرت منه فهو كالإقرار
( والمذهب أن زيادة عدد شهود أحدهما ) أي المدعيين وزيادة وصفهم من ورع أو غيره ( لا ترجح ) بينته بل يتعارضان لكمال الحجة من الطرفين وفي قول من طريق ترجيح كالرواية
وفرق الأول بأن للشهادة نصابا فيتبع ولا ضبط في الرواية فيعمل بأرجح الظنين
( وكذا لو كان لأحدهما ) أي المدعيين بينة هي ( رجلان وللآخر ) بينة هي ( رجل وامرأتان ) لا يرجح الرجلان على المذهب لقيام الحجة بكل منهما وفي قول من طريق يرجحان لزيادة الوثوق بقولهما ولذلك ثبت بهما ما لا يثبت برجل وامرأتين
( فإن كان للآخر شاهد ويمين رجح الشاهدان في الأظهر ) لأنهما حجة بإجماع وفي الشاهد واليمين خلاف
والثاني يتعادلان لأن كل واحد منهما حجة في المال عند الانفراد
تنبيه محل الخلاف إذا لم يكن لصاحب الشاهد واليمين يد فإن كان قدم صاحب الشاهد واليمين على الأصح للاعتضاد باليد المحسوسة ويجري الخلاف في ترجيح الشاهد والمرأتين على الشاهد واليمين كما قاله الدارمي
( ولو شهدت ) بينة ( لأحدهما بملك ) في عين ( من سنة ) إلى الآن ( و ) بينة ( للآخر ) بملك ( من أكثر ) من سنة إلى الآن كسنتين ( فالأظهر ) وعبر في الروضة بالمذهب ( ترجيح الأكثر ) لأنها تثبت الملك في وقت لا تعارضها فيه الأخرى وفي وقت تعارضها فيه الأخرى فيتساقطان في محل التعارض ويثبت موجبها فيما قبل محل التعارض والأصل في الثابت دوامه
والثاني لا ترجيح به لأن مناط الشهادة الملك في الحال وقد استويا فيه
تنبيه صورة المسألة أن تكون العين في يدهما أو في يد ثالث فإن كانت في يد متقدمة التاريخ رجح قطعا أو في يد متأخرة التاريخ فسيأتي وصورها ابن الرفعة بما إذا شهدا مع ذلك بالملك في الحال وهو مراد المصنف وغيره ممن أطلق المسألة ولهذا قدرته في كلامه لما سيأتي أن الشهادة بالملك السابق لا تسمع فضلا عن أن ترجح
( و ) على ترجيح بينة الأكثر يكون ( لصاحبها الأجرة والزيادة الحادثة من يومئذ ) أي يوم ملكه بالشهادة لأنهما نماء ملكه
ويستثنى من الأجرة ما لو كانت العين في يد البائع قبل القبض فلا أجرة عليه للمشترى على الأصح عند المصنف في البيع والصداق خلافا للبلقيني
ولو أطلقت إحداهما الملك وبينت الأخرى سببه أو أن الثمرة من شجرة أو الحنطة من بذره قدمت على المطلقة لزيادة علمها ولإثباتها ابتداء الملك لصاحبها ومحل ذلك كما قال شيخنا إذا لم يكن أحدهما صاحب يد وإلا فتقدم بينته كما يؤخذ مما مر
( ولو أطلقت بينة ) شهادتها عن تاريخ ( وأرخت ) أي قيدت ( أخرى ) شهادتها بتاريخ ( فالمذهب أنهما سواء ) فيتعارضان لأن المطلقة كالعامة بالنسبة إلى الأزمان ولو فسرناها ربما أرخت بأكثر مما أرخت به المؤرخة
وقيل كما في أصل الروضة تقدم المؤرخة لأنها تقتضي الملك في الحال بخلاف المطلقة
قال الأول لكنها لا تنفيه وفي الشرح حكاية طريقتين طارد للقولين من المسألة السابقة وقاطع بالتسوية وكيف فرض فالظاهر التسوية اه
وعلى المذهب يستثنى ما لو شهدت إحداهما بالحق والأخرى بالإبراء وأطلقت إحداهما وأرخت الأخرى قدمت بينة الإبراء كما قاله شريح في روضه لأن البراءة إنما تكون بعد الوجوب
( و ) المذهب كما يشعر
____________________
(4/482)
كلامه كغيره وعبر في الروضة بالأصح ( أنه لو كان لصاحب متأخرة التاريخ يد قدم ) على صاحب متأخرة التاريخ لتساوي البينتين في إثبات الملك حالا فتتساقطان فيه ويبقى من أحد الطرفين اليد ومن الأخرى الملك السابق واليد أقوى من الشهادة على الملك السابق ولهذا لا تزال به اليد
والثاني يرجح السبق
والثالث يتساقطان
وحكى ابن الصباغ طريقة قاطعة بالأول وبه يتم في المسألة طريقان فلهذا عبر المصنف بالمذهب
ولو كانت اليد لصاحب متقدمة التاريخ قدم قطعا
تنبيه شمل إطلاقه ما لو كانت متقدمة التاريخ شاهدة بوقف والمتأخرة التي معها يد شاهدة بملك أو وقف وهو ما أفتى به المصنف
قال البلقيني وعليه جرى العمل ما لم يظهر أن اليد عادية باعتبار ترتبها على بيع صدر من أهل الوقف أو بعضهم بغير سبب شرعي فهناك تقدم العمل بالوقف
قال ابن شهبة وهو متعين
ويشترط في سماع بينة بملك سابق أن تستصحبه إلى الحال كما يشير إليه قوله ( و ) المذهب ( أنها ) أي البينة ( لو شهدت بملكه أمس ) بكسر السين أو شهدت بملك الشهر الماضي مثلا ( ولم تتعرض للحال لم تسمع ) تلك الشهادة ( حتى يقولوا ) مع ذلك ( ولم يزل ملكه أو ) يقولوا ( ولا نعلم مزيلا له ) أي الملك لأن دعوى الملك السابق لا تسمع فكذا البينة ولأنها شهدت له بما لم يدعه
وفي قول تسمع من غير هذا القول ويثبت بها الملك أمس
والطريق الثاني القطع بالأول
تنبيه يستثنى من إطلاق المصنف عدم السماع مسائل الأولى ما لو ادعى رق شخص بيده وادعى آخر أنه كان له أمس وأنه أعتقه وأقام بذلك بينة قبلت لأن المقصود منها إثبات العتق وذكر الملك السابق وقع تبعا
الثانية ما لو شهدت أن هذا المملوك وضعته أمته في ملكه أو هذه الثمرة أثمرتها نخلته في ملكه ولم يتعرض لملك الولد والثمرة في الحال فإنها تسمع كما نص عليه وذكره في التنبيه ثم قال وقيل هو كالبينة بالملك
الثالثة إذا شهدت أن هذا الغزل من قطنه كما نص عليه في التنبيه أيضا وذكر معه ما إذا شهدت أن هذا الطير من بيضه والآجر من طينه
الرابعة إذا شهدت أنها ملكه بالأمس ورثها قال العمراني حكم بها على الأصح وذكر أن الربيع و المزني نقلا ذلك
الخامسة إذا شهدت أنها ملكه أمس اشتراها من المدعى عليه بالأمس أو أقر له بها المدعى عليه بالأمس ولم يتعرض قبلت
السادسة لو شهدوا أن هذه الدار اشتراها المدعي من فلان وهو يملكها ولم يقولوا وهي الآن ملك المدعي قبلت على ما يفهم من كلام الجمهور ولو لم تشهد البينة بملك أصلا بل شهدت على حاكم في زمن سابق أنه ثبت عنده الملك قال ابن قاسم كعادة المكاتيب في هذا الزمان قال بعضهم لم أر فيه نقلا ويحتمل التوقف
( وتجوز الشهادة بملكه الآن استصحابا لما ) أي لحكم ( سبق من إرث وشراء وغيرهما ) اعتمادا على الاستصحاب لأن الأصل البقاء وجاز ذلك للحاجة وإن جاز زواله لأنه لو لم يعتمد الاستصحاب لعسرت الشهادة على الإملاك إذا تطاول الزمن
هذا إذا أطلق الشهادة فإن صرح في شهادته باعتماد الاستصحاب لم يقبل عند الأكثرين وقال القاضي حسين يقبل
والأوجه كما قال شيخنا حمل الأول على ما إذا ظهر بذكر الاستصحاب تردد أي وكلام القاضي على خلافه
فإن قالا لا ندري هل زال أو لا لم تقبل قطعا لأنها صيغة مرتاب بعيدة عن أداء الشهادة
( ولو شهدت ) بينة ( بإقراره ) أي المدعى عليه ( أمس بالملك له ) أي المدعي ( استديم ) الإقرار أي حكمه وإن لم يصرح بالملك في الحال لأنه أسنده إلى أمر يقيني فيثبت الملك له ثم يستصحب
ولو قال له الخصم كانت العين المدعاة ملكك أمس وأخذناه بإقراره فتنزع منه كما لو قامت بينة بأنه أقر له به أمس
وفارقت ما لو شهدت بأنها كانت ملكه أمس بأن الإقرار لا يكون إلا عن تحقيق والشاهد بالملك قد يتساهل ويعتمد التخمين فإذا لم ينضم إليه الجزم في الحال ضعف
تنبيه الأصل أن بينة المدعي المطلقة لا توجب ثبوت الملك له بل تظهره كما نص عليه فيجب أن يكون
____________________
(4/483)
ملكه سابقا على إقامتها ولكن لا يشترط السبق بزمن طويل يكفي لصدق الشهود لحظة لطيفة لأن هذا تقدم صوري لا حقيقي ولهذا لا يستحق الثمرة والنتاج الحاصلين قبل تلك الساعة كما قال ( ولو أقامها بملك دابة أو شجرة لم يستحق ثمرة موجودة ولا ) يستحق ( ولدا منفصلا ) عند الشهادة المسبوقة بالملك بل يبقيان للمدعى عليه لأن الثمرة والولد ليسا من أجزاء الدابة والشجرة ولذلك لا يتبعانهما في البيع المطلق
تنبيه قيدالبلقيني الثمرة بأن لا تدخل في البيع لكونها مؤبرة في تمر النخل أو بارزة في التين والعنب ونحو ذلك فإن دخلت في مطلق بيع الشجرة استحقها مقيم البينة بملك الشجرة قال وكلام الأصحاب شاهد لذلك
وبسط ذلك وأشار إلى ذلك في المطلب وهو مقتضى تعبير الروضة بالظاهر
( ويستحق حملا ) موجودا عند الشهادة ( في الأصح ) تبعا للأم وإن لم تتعرض له البينة
والثاني وهو احتمال للإمام لا يستحقه لاحتمال كونه لغير مالك الأم بوصية
تنبيه ما ذكره المصنف في بينة مطلقة فإن تعرضت لوقت مخصوص ادعاه المشهود له فما يحصل من النتاج والثمرة له وإن تقدم على وقت أداء الشهادة ولو أقام بينة بملك جدار أو شجرة كانت شهادة بالأس لا المغرس كما اتضاه كلام الإمام
( ولو اشترى ) شخص ( شيئا فأخذ منه بحجة مطلقة ) أي غير مؤرخة ولا بينة لسبب الملك ( رجع ) الشخص ( على بائعه بالثمن ) وإن احتمل انتقاله منه أي المدعي لمسيس الحاجة إليه في عهدة العقود ولأن الأصل عدم انتقاله منه إليه فيستند الملك المشهود به إلى ما قبل الشراء
وإنما حكم ببقاء الزوائد المنفصلة للمدعي كما تقرر لاحتمال انتقالها إليه مع كونها ليست بجزء من الأصل
( وقيل لا ) يرجع ( إلا إذا ادعي ) بضم الدال بخطه ( في ملك سابق على الشراء ) لاحتمال انتقال الملك من المشتري إلى المدعي ورجحه البلقيني وقال إنه الصواب والمذهب الذي لا يجوز غيره قال وحكى القاضي الحسين الأول عن الأصحاب وهو لا يعرف من كتب الأصحاب في الطريقتين وهي طريقة غير مستقيمة جامعة لأمر محال وهو أنه يأخذ النتاج والثمرة والزوائد المنفصلة كلها وهو قضية صحة البيع ويرجع على البائع بالثمن وهو قضية فساد البيع وهذا محال وأجيب عنه بما تقرر
تنبيه احترز المصنف بقوله مطلقة عما لو استند الاستحقاق إلى حالة العقد فيرجع قطعا
ومحل الرجوع ما لم يصدقه على أنه ملكه فإن صدقه أو شهدت البينة بإقرار المشتري حقيقة أو حكما لم يرجع بالثمن عليه لاعترافه بما يقتضي أنه مظلوم
نعم لو صدقه أو قال هو ملكي على وجه الخصومة واعتمد ظاهر اليد ثم بان خلافه رجع وكذا لو قال ابتداء يعني هذا الدار فإنها ملكك ثم قامت بينة بالاستحقاق أو اشترى عبدا في الظاهر فقال أنا حر الأصل وحلف فحكم بحريته وكان المشتري قد صرح في منازعته بأنه رقيق فيرجع بالثمن
واحترز بقوله على بائعه عما لو باعه المشتري لغيره وانتزع من المشتري الثاني فإنه ليس له مطالبة البائع الأول وإن لم يظفر ببائعه بل يرجع كل منهما على بائعه
( ولو ادعى ) شخص ( ملكا مطلقا فشهدوا له ) به ( مع ) بيان ( سببه لم يضر ) ما زادوه أي لم تبطل شهادتهم بذلك لأن سبب الملك تابع للملك وليس مقصودا في نفسه وإنما المقصود الملك وقد وافقت فيه البينة الدعوى
تنبيه لا تقدم هذه البينة بذكر السبب بناء على أن ذكر السبب مرجح لأنهم ذكروا السبب قبل الدعوى به والاستشهاد عليه فإن أفاد المدعى دعوى الملك وسببه فشهدوا له بذلك قدمت ببينته حينئذ
( وإن ذكر ) المدعي ( سببا ) للملك ( وهم ) أي الشهود ذكروا ( سببا آخر ) للملك ( ضر ) ذلك فترد شهادتهم للتناقض بين الدعوى
____________________
(4/484)
والشهادة
وقيل لا يضر بل يقبل على أصل الملك ويلغو السبب وهو نظير المرجح فيما إذا قال له علي ألف من ثمن عبد فقال المقر له لا بل من ثمن دار فإنه لا يضر وحينئذ يحتاج إلى الفرق
فصل في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها وأشار للأول بقوله إذا ( قال ) واحد ( آجرتك هذا البيت ) في هذه الدار شهر كذا ( بعشرة فقال ) الآخر ( بل ) آجرتني ( جميع الدار ) المشتملة عليه ( بالعشرة وأقاما ) بما قالاه ( بينتين ) وأطلقتا أو اتفق تاريخهما وكذا إن اختلف واتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد ( تعارضتا ) لتكاذبهما فيسقطان على الأصح لأن العقد واحد وعلى القول بالاستعمال يقرع على الأصح ولا تأتي القسمة لأن التنازع هنا في العقد وهو لا يمكن أن يقسم بخلاف الملك ولا الوقف أيضا لأن المنافع تفوت في مدة التوقف
( وفي قول ) من تخريج ابن سريج وليس بمنصوص ومحله في غير مختلفتي التاريخ ( تقدم بينة المستأجر ) لاشتمال بينته على زيادة وهي اكتراء غير البيت
وأجاب الأول بأن الزيادة المرجحة هي المشعرة بمزيد علم ووضوح حال أحد جانبي ما فيه التنافي كإسناد إلى سبب وانتقال عن استصحاب وأصل الزيادة هنا ليست كذلك وإنما هي زيادة في المشهود به
أما إذا اختلف تاريخهما ولم يتفقا على عقد واحد كأن شهدت إحداهما أنه أجرى كذا سنة من أول رمضان والأخرى من أول شوال قدم الأسبق في الأصح لأن السابق من العقدين صحيح لا محالة فإنه إن سبق العقد على الدار صح ولغا العقد الوارد على البيت بعد وإن سبق العقد على البيت صح والعقد الوارد على الدار بعده يبطل في البيت وفي باقي الدار خلاف تفريق الصفقة
( ولو ادعيا ) أي كل من اثنين ( شيئا في يد ثالث ) أنكرهما ( وأقام كل منهما بينة أنه اشتراه ) من ذلك الثالث ( ووزن ) بفتح الزاي ( له ثمنه ) وطالب بتسلم ما اشتراه ذا اليد
( فإن اختلف تاريخ ) كأن شهدت إحدى البينتين أنه اشتراه في رجب والأخرى أنه اشتراه في شعبان ( حكم للأسبق ) تاريخا لعدم المعارض حال السبق ويطالبه الآخر بالثمن
تنبيه وزن يتعدى باللام كما استعمله المصنف وبنفسه وهو الأفصح
( وإلا ) بأن اتحد تاريخهما أو أطلقا أو إحداهما ( تعارضتا ) فعلى الأصح يتساقطان ويحلف لكل منها أنه ما باعه ولا تعارض في الثمنين فيلزمانه
هذا إذا لم تتعرض البينة لقبض المبيع فإن فرض التعرض له فلا رجوع بالثمن لأن العقد قد استقر بالقبض وليس على البائع عهدة ما يحدث بعده
ومن شهد للبائع بالملك وقت البيع أو للمشتري الآن أو بنقد الثمن دون الأخرى قدمت شهادتها وإن كانت الأخرى سابقة لأن معها زيادة علم
تنبيه ما أطلقه في المتن محله حيث لم يصدق البائع أحدهما فإن صدقه فعلى الأصح وهو سقوط البينتين يسلم المدعى به للمصدق
ثم ذكر المصنف عكس هذه الصورة في قوله ( ولو قال كل منهما ) أي المتداعيين لثالث ( بعتكه ) أي الثوب مثلا ( بكذا ) وهو ملكي ( وأقاماهما ) أي أقام كل منهما بينة بما قاله وطالبه بالثمن ( فإن ) لم يمكن الجمع كأن ( اتحد تاريخهما تعارضتا ) لامتناع كونه ملكا في وقت واحد لهذا وحده ولذاك وحده وسقطتا على الأصح فيحلف لكل منهما يمينا
( وإن اختلف ) تاريخهما ومضى من الزمن ما يمكن فيه العقد الأول ثم الانتقال من المشتري للبائع الثاني ثم العقد الثاني ( لزمه الثمنان ) لجواز أن يكون اشتراه من أحدهما في التاريخ الأول ثم باعه واشتراه من الآخر في التاريخ الثاني
أما إذا لم يمض ما يمكن فيه الانتقال فلا يلزمه الثمنان للتعارض
( وكذا إن أطلقتا أو ) أطلقت ( إحداهما ) وأرخت الأخرى يلزمه أيضا الثمنان ( في الأصح ) لاحتمال أن يكونا في زمانين
____________________
(4/485)
والثاني يقول بتعارضهما كمتحدي التاريخ لأن الأصل براءة المشتري فلا يلزمه إلا بيقين
( ولو مات ) رجل ( عن ابنين مسلم ونصراني فقال كل منهما مات على ديني ) فأرثه ولا بينة ( فإن عرف أنه كان نصرانيا صدق النصراني ) بيمينه لأن الأصل بقاء كفره والمسلم يدعي انتقاله عنه والأصل عدمه
( فإن أقاما بينتين مطلقتين ) بما قالاه فلا تعارض و ( قدم المسلم ) أي بينته على بينة النصراني لأن مع بينته زيادة علم وهو انتقاله إلى الإسلام والأخرى استصحبت الأصل والناقلة أولى من المستصحبة
وهذا أصل يستعمل في ترجيح البينات كما تقدم بينة الجرح على التعديل
( وإن قيدت ) بينة المسلم ( أن آخر كلامه إسلام وعكسته الأخرى ) وهي بينة النصراني بأن قيدت بأن آخر كلامه النصرانية ( تعارضتا ) لتناقضهما إذ يستحيل موته عليهما فتسقطان وكأن لا بينة فيصدق النصراني بيمينه لأن الأصل بقاء كفر الأب وكذا لو قيدت بينة النصراني فقط
ويشترط في بينة النصراني بيان ما يحصل به التنصر كثالث ثلاثة وفي اشتراط بيان بينة المسلم كلمة الإسلام وجهان ونقل الأذرعي عن إيراد البندنيجي المنع ثم قال ويظهر أن يكون الأصح الاشتراط سيما إذا لم يكن الشاهد من أهل العلم أو كان مخالفا للقاضي فيما يسلم به الكافر
( وإن ) لم يعرف دينه أي الميت ( وأقام كل ) منهما ( بينة أنه مات على دينه تعارضتا ) فكأنه لا بينة وسواء أطلقتا أم قيدتا بمثل ما ذكر أم قيدة بينة النصراني فقط وحينئذ فينظر إن كان المال في يد غيرهما فالقول قوله وإن كان في يدهما فيحلف كل منهما لصاحبه ويجعل بينهما وكذا إن كان في يد أحدهما على الأصح إذ لا أثر لليد بعد اعتراف صاحب اليد بأنه كان للميت وأنه يأخذه إرثا
تنبيه هذا التعارض بالنسبة إلى الإرث خاصة وأما بالنسبة للدفن وغيره فإنه يدفن في مقابر المسلمين ويصلى عليه ويقول المصلي أصلي عليه إن كان مسلما كما لو اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار
( ولو مات نصراني عن ابنين مسلم ونصراني فقال المسلم ) أنا ( أسلمت بعد موته فالميراث ) مشترك ( بيننا فقال النصراني بل ) أسلمت ( قبله ) فلا ميراث لك بل هو لي ( صدق المسلم بيمينه ) لأن الأصل استمراره على دينه سواء اتفقا على وقت موت الأب أم أطلقا
( وإن أقاماهما ) أي أقام كل منهما بينة بما قالاه ( قدم النصراني ) أي النصراني بينته لأنها ناقلة وبينة المسلم مستصحبة لدينه فمع الأول زيادة علم
تنبيه محل تقديم بينة النصراني ما إذا لم تشهد بينة المسلم بأنها كانت تسمع تنصره إلى ما بعد الموت وإلا فيتعارضان وحينئذ يصدق المسلم بيمينه
قال البلقيني ومحله أيضا إذا لم تشهد بينة المسلم بأنها علمت منه دين النصرانية حين موت أبيه وبعده وأنها لم تستصحب فإن قالت ذلك قدمت بينة المسلم لأنا لو قدمنا بينة النصراني للزم أن يكون مرتدا حالة موت أبيه والأصل عدم الردة
( فلو اتفقا على إسلام الابن في رمضان وقال المسلم مات الأب في شعبان ) فالميراث بيننا ( وقال النصراني ) بل مات ( في شوال ) فالميراث لي ولا بينة ( صدق النصراني ) بيمينه لأن الأصل بقاء الحياة
( وتقدم بينة المسلم ) التي أقامها ( على بينته ) أي النصراني التي أقامها لأن بينة المسلم ناقلة من الحياة إلى الموت في شعبان والأخرى مستصحبة للحياة إلى شوال
نعم إن شهدت بينة النصراني بأنها عاينته حيا
____________________
(4/486)
بعد الإسلام تعارضتا كما في الروضة وأصلها وحينئذ فيصدق المسلم بيمينه
( ولو مات ) رجل ( عن أبوين كافرين وعن ابنين مسلمين ) ومثلهما الابن الواحد وابن الابن والبنت وبنت الابن ( فقال كل ) من الفريقين ( مات على ديننا صدق الأبوان باليمين ) لأن الولد محكوم بكفره في الابتداء تبعا للأبوين فيستصحب حتى يعلم خلافه
( وفي قول ) وليس منصوصا بل من تخريج ابن سريج ( يوقف ) الأمر حتى ( يتبين أو يصطلحوا ) على شيء لتساوي الحالين بعد البلوغ لأن التبعية تزول بالبلوغ
تنبيه لو انعكس الحال فكان الأبوان مسلمين والابنان كافرين وقال كل ما ذكر فإن عرف للأبوين كفر سابق وقالا أسلمنا قبل بلوغه أو أسلم هو أو بلغ بعد إسلامنا وقال الابنان لا ولم يتفقوا على وقت الإسلام في الثالثة فالمصدق الابنان لأن الأصل البقاء على الكفر
وإن لم يعرف لهما كفر سابق أو اتفقوا على وقت الإسلام في الثالثة فالمصدق الأبوان عملا بالظاهر في الأولى ولأن الأصل بقاء الصبا في الثالثة
فرع لو مات لرجل ابن زوجة ثم اختلف هو وأخو الزوجة فقال هو ماتت قبل الابن فورثتها أنا وابني ثم مات الابن فورثته وقال أخوها بل ماتت بعد فورثت الابن قبل موتها ثم ورثتهما أنا ولا بينة صدق الأخ في مال أخته والزوج في مال ابنه بيمينها
فإن حلفا أو نكلا لم يرث ميت من ميت
فمال الابن لأبيه ومال الزوجة بين الزوج والأخ
فإن أقاما بينتين بذلك تعارضتا
فإن اتفقا على موت واحد منهما يوم الجمعة مثلا واختلفا في موت الآخر قبله أو بعده صدق من ادعاه بعد لأن الأصل بقاء الحياة فإن أقام بينتين بذلك قدم بينة من ادعاه قبل لأنها ناقلة
ولو قال ورثة ميت لزوجته كنت أمة ثم عتقت بعد موته أو كنت كافرة ثم أسلمت بعد موته وقالت هي بل عتقت أو أسلمت قبل صدقوا بأيمانهم لأن الأصل بقاء الرق والكفر
وإن قالت لم أزل حرة أو مسلمة صدقت بيمينها دونهم لأن الظاهر معها
( ولو شهدت ) بينة على شخص ( أنه أعتق في مرضه ) الذي مات فيه ( سالما و ) بينة ( أخرى ) أنه أعتق في مرضه المذكور ( غانما وكل واحد ) منهما ( ثلث ماله ) ولم تجز الورثة ما زاد عليه
( فإن اختلف ) للبينتين ( تاريخ قدم الأسبق ) منهما تاريخا لأن التصرف المنجز في مرض الموت يقدم فيه الأسبق فالأسبق ولأن معها زيادة علم
( وإن اتحد ) تاريخهما ( أقرع ) بينهما لعدم مزية أحدهما فإن كان أحدهما سدس المال وخرجت القرعة له عتق هو ونصف الآخر وإن خرجت للآخر عتق وحده
( وإن أطلقتا ) أو إحداهما ( قيل يقرع ) بينهما لاحتمال المعية والترتيب
( وفي قول ) من طريق ( يعتق من كل نصفه ) لاستوائهما والقرعة ممتنعة لأنا لو أقرعنا لم نأمن أن يخرج الرق على السابق فيلزمه منه إرقاق حر وتحرير رقيق ولذا قال المصنف ( قلت المذهب يعتق من كل نصفه والله أعلم ) ولو قال قلت المذهب الثاني لكان أخصر
ولو شهدت بينتان بتعليق عتقهما بموته أو بالوصية بإعتاقهما وكل واحد ثلث ماله ولم تجز الورثة أقرع سواء أطلقتا أو إحداهما أم أرختا
( ولو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق سالم وهو ثلثه ) أي ثلث ماله ( و ) شهد ( وارثان ) عدلان ( حائزان ) للتركة ( أنه رجع عن ذلك ووصى بعتق غانم وهو ثلثه ثبت ) بشهادتهما الرجوع عن عتق سالم وثبوت العتق ( لغانم ) لأنهما أثبتا الرجوع عن الوصية بسالم بدلا يساويه فلا تهمة ولا نظر إلى تبديل الولاء وكون الثاني أهدى لجمع المال فيورث عنه لبعد هذا الاحتمال
وخرج بثلثه ما لو كان غانم دونه كالسدس فلا تقبل شهادة الوارثين في القدر
____________________
(4/487)
الذي لم يعينا له بدلا وهو نصف سالم وفي الباقي خلاف تبعيض الشهادة فعلى ما صححه الأصحاب من صحة التبعيض يعتق نصف سالم مع كل غانم والمجموع قدر الثلث
( فإن كان الوارثان ) الحائزان ( فاسقين لم يثبت الرجوع ) عن الوصية لسالم لعدم قبول شهادة الفاسق ( فيعتق سالم ) بشهادة الأجنبيين لأن الثلث يحتمله ولم يثبت الرجوع فيه
( و ) يعتق ( من غانم ) قدر ما يحتمله ( ثلث ماله بعد سالم ) وكأن سالما هلك أو غصب من التركة مؤاخذة للورثة بإقرارهم
تنبيه لو لم يتعرضا للرجوع أقرع بينهما نعم إن كانا فاسقين عتق غانم وثلثا سالم كما بحثه بعض المتأخرين
تتمة لو قال السيد لعبده إن قتلت أو إن مت في رمضان فأنت حر فأقام العبد بينة بأنه قتل في الأولى أو بأنه مات في رمضان في الثانية وأقام الوارث بينة بموته حتف أنفه في الأولى وبموته في شوال في الثانية قدمت بينة العبد لأن معها زيادة علم بالقتل في الأولى وبحدوث الموت في رمضان في الثانية ولا قصاص في الأولى لأن الوارث منكر للقتل فإن أقام الوارث بينة في الثانية بموته في شعبان قدمت بينته لأنها ناقلة
وإن علق عتق سالم بموته في رمضان أو في مرضه وعلق عتق غانم بموته في شوال أو بالبرء من مرضه فأقاما بينتين بموجب عتقهما فهل يتعارضان كما قاله ابن المقري أو تقدم بينة سالم كما قاله صاحب الأنوار أو بينة غانم كما استظهره شيخنا أوجه أظهرها آخرها
فصل في شروط القائف وبيان إلحاقه النسب بغيره وذكر المصنف بعض أحكامه في بابي العدة واللقيط
و القائف لغة متتبع الآثار والجمع قافة كبائع وباعة
و شرعا من يلحق النسب بغيره عند الاشتباه بما خصه الله تعالى به من علم ذلك
والأصل في الباب خبر الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا عليهما قطيفة قد غطيا بها رؤسهما وقد بدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فإقراره صلى الله عليه وسلم على ذلك يدل على أن القافة حق
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه فلو لم يعتبر قوله لمنعه من المجازفة وهو صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ ولا يسر إلا بالحق اه
وسبب سروره صلى الله عليه وسلم بما قاله مجزز أن المنافقين كانوا يطعنون في نسب أسامة لأنه كان طويلا أسود أفنى الأنف وكان زيد قصيرا بين السواد والبياض أخنس الأنف وكان طعنهم مغيظة له صلى الله عليه وسلم إذ كانا حبيه فلما قال المدلجي ذلك وهو لا يرى إلا أقدامهما سر به نقله الرافعي عن الأئمة
وقال أبو داود إن زيدا كان أبيض
وروى ابن سعد أن أسامة كان أحمر أشقر وزيد مثل الليل الأسود
وروى مالك أن عمر دعا قائفين في رجلين تداعيا مولودا وشك أنس في مولود له فدعا له قائفا رواه الشافعي رضي الله تعالى عنه
وبقولنا قال مالك و أحمد وخالف أبو حنيفة وقال لا اعتبار بقول القائف
وهو محجوج بما مر
وفي عجائب المخلوقات عن بعض التجار أنه ورث من أبيه مملوكا أسود شيخا قال فكنت في بعض أسفاري راكبا على بعير والمملوك يقوده فاجتاز بنا رجل من بني مدلج فأمعن فينا نظره ثم قال ما أشبه الراكب بالقائد قال فرجعت إلى أمي فأخبرتها بذلك فقالت إن زوجي كان شيخا كبيرا ذا مال ولم يكن له ولد فزوجني بهذا المملوك فولدتك ثم فكني واستلحقك
وكانت العرب تلحق بالقيافة وتفخر بها وتعدها من أشرف علومها وهي الفراسة غرائز في الطباع يعان عليها المجبول ويعجز عنها المصروف عنها
وللقائف شروط شرع المصنف في ذكرها بقوله ( شرط القائف ) أي شروطه ( مسلم ) فلا يقبل من كافر ( عدل ) فلا يقبل من فاسق لأنه حاكم أو قاسم
تنبيه كان الأولى أن يقول إسلام وكذا ما بعده فيأتي المصدر لأن الشرط هو الإسلام لا الشخص ومر التنبيه على ذلك في كتاب القضاء
وعبارة المحرر أن يكون مسلما وهو حسن
وأهمل المصنف كونه بصيرا ناطقا وانتفاء العداوة عن الذي ينفيه عنه وانتفاء الولاء عمن يلحقه به فلو عبر بأهلية الشهادة كما في الروضة لكان أخصر وأعم
____________________
(4/488)
لكن قال البلقيني ولا أمنع قيافة الأخرس إذا فهم إشارته كل واحد وفي المطلب اشتراط كونه سميعا
ورده البلقيني وهو ظاهر
( مجرب ) بفتح الراء بخطه في معرفة النسب لحديث لا حكم إلا ذو تجربة حسنه الترمذي وكما لا يولى القضاء إلا بعد معرفة علمه بالأحكام
وفسر المحرر التجربة بأن يعرض عليه ولو في نسوة ليس فيهن أمه ثم مرة أخرى ثم مرة أخرى كذلك في نسوة فيهن أمه
فإن أصاب في الكل فهو مجرب
فإن قيل لم حذف المصنف هذا مع أن فيه حكمين أحدهما أنه لا بد من التجربة ثلاثا والثاني أنه لا بد أن يكون العرض مع أمه وقد تعجب من حذقه لذلك أجيب بأن الحكم الأول منازع فيه فقد قال الإمام لا معنى لاعتبار الثلاث بل المعتبر غلبة الظن بأن قوله عن خبرة لا عن اتفاق وهذا قد يحصل بدون الثلاث اه
وهذا نظير ما رجحوه في تعليم جارحة الصيد
وأما الحكم الثاني فإن ذكر الأم مع النسوة ليس للتقييد بل للأولوية إذ الأب مع الرجال كذلك وكذا سائر العصبة والأقارب عند فقدهما
وقال في الروضة كأصلها كيفية التجربة أن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهن أمه ثم في نسوة ليس فيهن أمه ثم في نسوة ليس فيهن أمه ثم في نسوة هي فيهن فيصيب في الكل
واستشكله البارزي بأن المجرب قد يعلم ذلك فلا تبقى فائدة في الثلاثة الأول وقد يصيب في الرابعة اتفاقا فلا يؤثر بالتجربة والأولى أن يعرض مع صنف ولد الواحد منهم أو في بعض الأصناف ولا يخص به الرابعة فإذا أصاب في الكل قبل قوله بعد ذلك وينبغي أن يكتفي بثلاث مرات اه
وقد مر أن الإمام يعتبر غلبة الظن فمتى حصلت عمل بما في الروضة أو بما قاله البارزي
( والأصح ) في الروضة الصحيح ( اشتراط حر ذكر ) كالقاضي
والثاني لا كالمفتي ( لا ) اشتراط ( عدد ) فيكفي قول الواحد كالقاضي والقاسم
والثاني يشترط كالمزكي والمقوم
( ولو كونه مدلجيا ) أي من بني مدلج وهم رهط مجزز المدلجي بل يجوز كونه من سائر العرب والعجم لأن القيافة نوع من العلم فمن تعلمه عمل به وفي سنن البيهقي أن عمر رضي الله عنه كان قائفا يقوف
والثاني يشترط لرجوع الصحابة رضي الله عنهم إلى بني مدلج في ذلك دون غيرهم وقد خص الله تعالى جماعة بنوع من المناصب والفضائل كما خص قريشا بالإمامة
ثم أشار المصنف لمسألتين يعرض الولد فيهما على القائف بقوله ( فإذا تداعيا ) أي شخصان أو أحدهما وسكت الآخر أو أنكرا ولدا ( مجهولا ) صغيرا لقيطا كان أو غيره حيا أو ميتا لم يتغير ولم يدفن ( عرض عليه ) أي القائف ولو بعد موت أحد المتداعيين فمن ألحقه به لحقه كما مر في باب كتاب اللقيط
والمجنون كالصبي قال البلقيني وكذا لو كان مغمى عليه أو نائما أو سكران سكرا يعذر فيه فلو كان غير المعذور لم يعرض لأنه بمنزلة الصاحي ولو انتسب إلى هذه الحالة عمل به
تنبيه قضية إطلاقه أنه لا فرق بين أن يكون لأحدهما عليه يد أو لا والأشبه بالمذهب كما قال الرافعي تفصيل ذكره القفال في اللقيط وهو أنه إن كان في يده عن النقاط لم يؤثر وإلا قدم صاحب اليد إن قدم استلحاقه وإلا فوجهان قال الزركشي أصحهما يستويان فيعرض على القائف
( وكذا لو اشتركا ) أي رجلان ( في وطء ) لامرأة ( فولدت ولدا ممكنا ) أي من كل ( منهما وتنازعاه ) أي ادعاه كل منهما أو أحدهما وسكت الآخر أو أنكر ولم يتخلل بين الوطأين حيضة كما سيأتي فإنه يعرض على القائف ولو كان بالغا مكلفا كما جزم به الماوردي
ثم بين الاشتراك في الوطء في صور بقوله ( بأن وطئا امرأة بشبهة ) كأن وجدها كل منهما في فراشه فظنها زوجته أو أمته ( أو ) بأن وطىء شريكان أمة ( مشتركة لهما أو وطىء زوجته وطلق فوطئها آخر بشبهة أو نكاح فاسد أو ) وطىء ( أمته فباعها فوطئها المشتري ولم يستبرىء واحد منهما ) فإنه يعرض على القائف
وقال أبو حنيفة يلحق الولد في هذه الصور بها ولا اعتبار بقوله القائف بما تقدم وبقوله تعالى { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } ولو كان له أبوان لكان له قلب إلى كل منهما وبأن الولد لا ينعقد من ماء شخصين لأن الوطء لا بد أن يكون على التعاقب وإذا اجتمع ماء المرأة وانعقد الولد منه حصلت عليه غشاوة تمنع من اختلاط
____________________
(4/489)
ماء الثاني بماء الأول كما نقل عن إجماع الأطباء
تنبيه قول المصنف في وطء ظاهره اشتراط تغييب الحشفة قال البلقيني وليس هذا بمعتبر عندي في هذا المكان بل لو لم تدخل الحشفة كلها وأنزل داخل الفرج كان كالوطء وكذا الإنزال خارج الفرج بحيث دخل الماء في الفرج
واستدخال الماء وقوله بأن وطئا بشبهة أو مشتركة لهما هو من عطف الخاص على العام لأن وطء المشتركة شبهة ويشترط فيها أن يقع الوطئان في طهر فلو تخلل بينهما حيضة فهو للثاني ولا يغني عن ذلك ذكره له بعد لأنه لا يمكن عوده لجميع الصور لتعذر ذلك في بعضها
( وكذا لو وطىء ) بشبهة كما في المحرر ( منكوحة ) لغيره نكاحا صحيحا وولدت ممكنا منه ومن زوجها يعرض على القائف ( في الأصح ) فيلحق من ألحقه به منهما ولا يتعين الزوج للإلحاق بل الموضع موضع الاشتباه
والثاني يلحق بالزوج لقوة فراشه
وعلى الأول لا بد من إقامة بينة على الوطء ولا يكفي اتفاق الزوجين والواطىء عليه لأن للمولود حقا في النسب واتفاقهما ليس بحجة عليه فإن قامت بينة به عرض على القائف ويعرض بتصديقه إن بلغ وإن لم تقم بينة لأن الحق له وعلى هذا فيقيد كلام المتن بإقامة بينة الوطء أو تصديق الولد المكلف
تنبيه لو ألقت سقطا عرض على القائف قال الفوراني إذا ظهر فيه التخطيط دون ما لم يظهر
وفائدته فيما إذا كانت الموطوءة أمة وباعها أحدهما من الآخر بعد الوطء والاستبراء في أن البيع هل يصح وأمية الولد عمن تثبت وفي الحرة أن العدة تنقضي به عمن كان منهما
( فإذا ولدت ) تلك الموطوءة في المسائل المذكورة ( لما بين ستة أشهر وأربع سنين ) وكذا ( من وطأيهما وادعياه ) أي الولد ( عرض عليه ) أي القائف فيلحق من ألحقه به منهما
تنبيه قوله وادعياه ليس بشرط بل لو ادعاه أحدهما وسكت الآخر أو نكل كان الحكم كذلك كما مر
( فإن تخلل بين وطأيهما حيضة فللثاني ) من الواطئين للولد لأن الحيض أمارة ظاهرة في حصول البراءة عن الأول فينقطع تعلقه عنه وإذا انقطع عن الأول تعين للثاني لأن فراشه لم ينقطع بعد وجوده
ولا فرق بين أن يدعيه الأول أم لا اللهم ( إلا أن يكون الأول ) منهما ( زوجا في نكاح صحيح ) والثاني منهما واطئا بشبهة أو في نكاح فاسد فلا ينقطع تعلق الأول لأن إمكان الوطء مع فراش النكاح قائم مقام نفس الوطء والإمكان حاصل بعد الحيضة فإن كان الأول زوجا في نكاح فاسد انقطع تعلقه لأن المرأة لا تصير فراشا في النكاح الفاسد إلا بحقيقة الوطء
( وسواء فيهما ) أي المتنازعين فيما ذكر ( اتفقا إسلاما وحرية ) بكونهما مسلمين حرين ( أم لا ) كمسلم وذمي وحر وعبد لأن النسب لا يختلف
وهذا تفريع على صحة استلحاق العبد وهو الأظهر فلو ادعاه مسلم وذمي وأقام الذمي بينة تبعه نسبا ودينا كما لو أقامها المسلم أو لحقه بإلحاق القائف أو بنفسه كما بحثه شيخنا تبعا نسبا لا دينا لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه فلا يحضنه لعدم أهليته لحضانته
أو ادعاه حر وعبد وألحقه القائف بالعبد أو لحقه به بنفسه كما بحثه شيخنا لحقه في النسب وكان حرا لاحتمال أنه ولد من حرة
تنبيه لو عدم القائف بدون مسافة القصر أو أشكل عليه الحال بأن تحير أو ألحقه بهما أو نفاه عنهما وقف الأمر حتى يبلغ عاقلا ويختار الانتساب إلى أحدهما بحسب الميل الذي يجده ويحبس ليختار إن امتنع من الانتساب إلا إن لم يجد ميلا إلى أحدهما فيوقف الأمر ولا يقبل رجوع قائف إلا قبل الحكم بقوله ثم لا يقبل قوله في حقه لسقوط الثقة بقوله ومعرفته وكذا لا يصدق لغير الآخر إلا بعد مضي إمكان تعلمه مع امتحان له بذلك
خاتمة لو استلحق مجهولا نسبه وله زوجة فأنكرته زوجته لحقه عملا بإقراره دونها لجواز كونه من وطء شبهة أو زوجة أخرى وإن ادعته والحالة هذه امرأة أخرى وأنكره زوجها وأقام زوج المنكرة بينتين تعارضتا فيسقطان
____________________
(4/490)
ويعرض على القائف فإن ألحقه بها لحقها وكذا زوجها على المذهب المنصوص كما قاله الإسنوي خلافا لما جرى عليه ابن المقري أو بالرجل لحقه وزوجته
فإن لم يقم واحد منهما بينة فالأصح كما قال الإسنوي أنه ليس ولد الواحدة منها ولا يسقط حكم قائف بقول قائف آخر
ولو ألحقه قائف بالأشباه الظاهرة وآخر بالأشباه الخفية كالخلق وتشاكل الأعضاء فالثاني أولى من الأول لأن فيها زيادة حذق وبصيرة
ولو ألحق القائف التوأمين باثنين بأن ألحق أحدهما بأحدهما والآخر بالآخر بطل قوله حتى يمتحن ويغلب على الظن صدقه فيعمل بقوله كما لو ألحق الواحد باثنين
ويبطل أيضا قول قائفين اختلفا في الإلحاق حتى يمتحنا ويغلب على الظن صدقهما
ويلغو انتساب بالغ أو توأمين إلى اثنين فإن رجع أحد التوأمين إلى الآخر قبل ويؤمر البالغ بالانتساب إلى أحدهما ومتى أمكن كونه منهما عرض على القائف وإن أنكره الآخر أو أنكراه لأن للولد حقا في النسب فلا يثبت بالإنكار من غيره وينفقان عليه إلى أن يعرض على القائف أو ينتسب ويرجع بالنفقة من لم يلحقه الولد على من لحقه إن أنفق بإذن الحاكم ولم يدع الولد ويقبلان له الوصية التي أوصى له بها في مدة التوقف لأن أحدهما أبوه ونفقة الحامل على المطلق فيعطيها لها ويرجع بها على الآخر إن ألحق الولد بالآخر
فإن مات الولد قبل العرض على القائف عرض عليه ميتا لا إن تغير أو دفن
وإن مات مدعيه عرض على القائف مع أبيه أو أخيه ونحوه من سائر العصبة
كتاب العتق بمعنى الإعتاق وهو لغة مأخوذ من قولهم عتق الفرس إذا سبق وعتق الفرخ إذا طار واستقل فكأن العبد إذا فك من الرق خلص واستقل
وشرعا إزالة الرق عن الآدمي
والأصل في الباب قوله تعالى { فك رقبة } وقوله تعالى { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه } أي بالإسلام { وأنعمت عليه } أي بالعتق كما قاله المفسرون في غير موضع { فتحرير رقبة }
وفي الصحيحين من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى الفرج بالفرج وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار
وخصت الرقبة بالذكر في هذين الخبرين لأن ملك السيد الرقيق كالغل في رقبته فهو محتبس به كما تحبس الدابة بالحبل في عنقها فإذا أعتقه أطلقه من ذلك الغل الذي كان في رقبته
فائدة أعتق النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين نسمة وعاش ثلاثا وستين سنة ونحر بيده في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة وأعتقت عائشة تسعا وستين وعاشت كذلك وأعتق أبو بكر كثيرا وأعتق العباس سبعين وأعتق عثمان وهو محاصر عشرين وأعتق حكيم بن حزام مائة مطوقين بالفضة وأعتق عبد الله بن عمر ألفا واعتمر ألف عمرة وحج ستين حجة وحبس ألف فرس في سبيل الله وأعتق ذو الكراع الحميري في يوم ثمانية آلاف وأعتق عبد الرحمن بن عوف ثلاثين ألفا
وروى الحاكم عن سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسل الجنة رضي الله عنهم وحشرنا معهم آمين
والعتق المنجز من المسلم قربة بالإجماع أما المعلق ففي الصداق من الرافعي أن التعليق ليس عقد قربة وإنما يقصد به حث أو منع أي أو تحقيق خبر بخلاف التدبير وكلامه يقتضي أن تعليقه العاري عن قصد ما ذكر كالتدبير وهو كما قال شيخنا ظاهر
وأركانه ثلاثة معتق وعتيق وصيغة وقد شرع في الركن الأول فقال ( إنما يصح من ) مالك ( مطلق التصرف ) أهل للتبرع والولاء مختارا من وكيل أولى في كفارة لزمت موليه فلا يصح من غير مالك بلا إذن ولا من غير مطلق التصرف من صبي ومجنون ومحجور عليه بسفه أو فلس ولا من مبعض ومكاتب ومكره بغير حق
وتصور
____________________
(4/491)
الإكراه بحق في البيع بشرط العتق
ويصح من سكران ومن كافر ولو حربيا ويثبت ولاؤه على عتيقه المسلم سواء أعتقه مسلما أم كافرا ثم أسلم
ولا يصح عتق موقوف لأنه غير مملوك ولأن ذلك يبطل به حق بقية البطون
وبما تقرر علم ما في كلام المصنف من الإجحاف
( ويصح تعليقه ) بصفة محققة الوقوع وغيرها كالتدبير لما فيه من التوسعة لتحصل القربة ويصح تعليقه بعوض أيضا
وقد يفهم من صحة تعليقه أنه لا يفسد بالشروط الفاسدة بخلاف الوقف وبه صرح القفال في فتاويه
قال الزركشي ومقتضى كلام الرافعي في كتاب الوقف أنه يفسد به وليس كذلك قال في البسيط وكذا وقته نفذ ولغا التوقيت اه
وإذا علق الإعتاق على صفة لم يملك الرجوع فيه بالقول ويملكه بالتصرف كالبيع ونحوه وإذا باعه ثم اشتراه لم تعد الصفة وإن علقه على صفة بعد الموت فمات السيد لم تبطل الصفة
تنبيه كلام المصنف قد يقتضي اعتبار إطلاق التصرف في تعليق الإعتاق وليس مرادا فإنه يصح تعليقه من الراهن المعسر والموسر على صفة توجد بعد الفك أو يحتمل وجودها قبله وبعده وكذا من مالك العبد الجاني التي تعلقت الجناية برقبته ومن المحجور عليه بفلس أو ردة
( و ) تصح ( إضافته إلى جزء ) معين من الرقيق كيده أو شائع منه كربعه ( فيعتق كله ) سراية كنظيره في الطلاق وسواء الموسر وغيره لما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي أن رجلا أعتق شقصا من غلام فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأجاز عتقه وقال ليس لله شريك
هذا إذا كان باقيه له فإن كان باقيه لغيره فسيذكره المصنف بعد
وظاهر كلامه أن العتق يقع على الجميع دفعة وهو أحد وجهين في الشرح والروضة بلا ترجيح
والثاني أنه يقع على ما أعتقه ثم علي الباقي بالسراية وهو الصحيح كما قاله الزركشي كما سبق في الطلاق ولذا حملا كلام المصنف عليه وإن قال الدميري أصحهما يقع على الجميع دفعة واحدة وكأنه عبر عن الكل بالبعض
ومن فوائد الخلاف أنه لو قال لرقيقه إن دخلت الدار فإبهامك حر فقطع إبهامه ثم دخل فإن قلنا بالتعبير عن الكل بالبعض عتق وإلا فلا
ومنها ما لو حلف لا يعتق رقيقا أعتق بعض رقيق فإن قلنا بالتعبير عن الكل بالبعض حنث وإلا فلا
تنبيه أورد على المصنف ما إذا وكل وكيلا في إعتاق عبده فأعتق الوكيل نصفه فقط مثلا فالأصح عتق ذلك النصف فقط كما صححه في أصل الروضة لكن رجح البلقيني القطع بعتق الكل
واستشكل في المهمات عدم السراية بأن في أصل الروضة أنه لو وكل شريكه في عتق نصيبه فأعتق الشريك النصف الموكل فيه سرى إلى نصيب الموكل قال فإذا حكم بالسراية إلى ملك الغير في العتق الصادر من الوكيل فلأن يسري إلى ملك نفسه أولى فكيف يستقيم الجمع بينهما انتهى
وقد يجاب بأن الوكيل قد خالف موكله فيما مر وكان القياس عدم النفوذ بالكلية لكن لما كان الشارع متشوفا إلى العتق نفذناه فيما أعتقه الوكيل ولم تترتب السراية على ما يثبت عتقه على خلاف القياس لأن عتق السراية قد لا يقوم مقام المباشرة فيفوت غرض الموكل لأنه قد يوكله في عتقه عن الكفارة فلو نفذنا عتق بعضه بالسراية لما أجزأ عن الكفارة وكان المالك يحتاج إلى نصف رقبة أخرى بخلاف ما إذا قلنا يعتق النصف فقط فإن النصف الآخر يمكن عتقه بالمباشرة عن الكفارة
وأما المستشكل به فقد وافق الوكيل موكله فيما أذن له فيه فكأنه أعتق ذلك البعض وهو إذا أعتق ذلك البعض بنفسه سرى العتق إلى نصيب شريكه
والركن الثاني العتق ويشترط فيه أن لا يتعلق به حق لازم غير عتق يمنع بيعه كمستولدة ومؤجر بخلاف ما تعلق به ذلك كوقف كما مر وكرهن على تفصيل مر بيانه
والركن الثالث الصيغة وهي إما لفظ صريح وإما كناية
وقد شرع في القسم الأول فقال ( وصريحه تحرير وإعتاق ) وما تصرف منها ك أنت محرر أو حررتك أو عتيق أو معتق لورودهما في القرآن والسنة منكرين
ويستوي في ألفاظهما الهازل واللاعب لأن هزلهما جد كما رواه الترمذي وغيره
( وكذا فك رقبة ) وما تصرف منه كمفكوك الرقبة صريح ( في الأصح ) لوروده في القرآن والثاني هو كناية لاستعماله في العتق وغيره فقد قيل في قوله تعالى { فك رقبة } أي من الأسر وقيل باجتناب المعاصي وورد في
____________________
(4/492)
الحديث فك الرقبة أن تعين في ثمنها
تنبيه كان الأولى أن يقول وما اشتق من التحرير والإعتاق والفك فإنه لو قال أنت تحرير أو إعتاق أو فك كان كناية كقوله لزوجته أنت طالق
فروع لو كان اسم أمته قبل إرقاقها حرة فسميت بغيره فقال لها يا حرة عتقت إن لم يقصد النداء لها باسمها القديم فإن كان اسمها في الحال حرة لم تعتق إلا إن قصد العتق
وإن أقر بحريته خوفا من أخذ المكس عنه إذا طالبه المكاس به وقصد الإخبار لم يعتق باطنا وقول الإسنوي ولا ظاهرا كما لو قال لها أنت طالق وهو يحلها من وثاق ثم ادعى أنه أراد طلاقها من الوثاق مردود فإن ذلك إنما هو قرينة على أنه إخبار ليس بإنشاء ولا يستقيم كلامه معه إلا إذا كان على ظاهره
ونظير مسألة الوثاق كما قال شيخنا أن يقال له أمتك قحبة فيقول بل هي حرة فهو قرينة على إرادة الصفة لا العتق
ولو قال لامرأة زاحمته تأخري يا حرة فبانت أمته لم تعتق وإنما أعتق الشافعي رضي الله تعالى عنه أمته بذلك تورعا
ولو قال لعبده افرغ من عملك وأنت حر وقال أردت حرا من العمل لم يقبل ظاهرا ويدين
ولو قال الله أعتق عتق أو أعتقك الله فكذلك كما هو مقتضى كلامهما ورأى البوشنجي أنه كناية لاحتمال الإنشاء والدعاء
ولو قال أنت حر مثل هذا العبد وأشار إلى عبد آخر له لم يعتق ذلك العبد كما بحثه المصنف لأن وصفه بالعبد يمنع عتقه ويعتق المخاطب فإن قال مثل هذا ولم يقل العبد عتقا كما صوبه المصنف وإن قال الإسنوي إنما يعتق الأول فقط
ولو قال لرجل أنت تعلم أن عبدي حر عتق بإقراره وإن لم يكن المخاطب عالما بحريته لا إن قال له أنت تظن أو ترى
ولو قال السيد لضارب عبده عبد غيرك حر مثلك لم يحكم بعتقه لأنه لم يعينه
( ولا يحتاج ) الصريح ( إلى نية ) لإيقاعه كسائر الصرانح لأنه لا يفهم منه غيره عند الإطلاق فلم يحتج لتقويته بالنية ولأن هزله جد كما مر فيقع العتق وإن لم يقصد إيقاعه
أما قصد لفظ الصريح لمعناه فلا بد منه ليخرج أعجمي تلفظ بالعتق ولم يعرف معناه
وما ذكره المصنف من عدم احتياج الصريح لنية معلوم من حكم الصريح وإنما صرح به تميهدا لقوله ( ويحتاج إليهما ) أي النية ( كنايته ) بهاء الضمير أي العتق وإن احتفت بها قرينة لاحتمالها غير العتق فلا بد من نية التمييز كالإمساك في الصوم
( وهي ) أي الكناية ( لا ملك لي عليك لا سلطان ) لي عليك وكذا في بقية الأمثلة وهي ( لا سبيل لا خدمة ) لا يد لا أسر ونحوها ( أنت ) بفتح التاء بخطه ( سائبة أنت مولاي ) ونحو ذلك كأزلت ملكي أو حكمي عنك لإشعار ما ذكر بإزالة الملك مع احتمال غيره
تنبيه وقال لعبده يا سيدي هل هو كناية أو لا وجهان رجح الإمام أنه كناية وجرى عليه ابن المقري وهو الظاهر ورجح القاضي و الغزالي أنه لغو لأنه من السؤدد وتدبير المنزل وليس فيه ما يقتضي العتق
وجرى عليه الزركشي وعلله بأنه إخبار بغير الواقع أو خطاب بلفظ ولا إشعار له بالعتق
ولو قال المصنف هي كقوله كما فعل في الروضة كان أولى لئلا يوهم الحصر
قال القاضي الحسين وضابط الكناية هنا كل لفظ يتضمن زوال الملك أو ينبىء عن الفرقة كالأمثلة المتقدمة
( وكذا كل صريح أو كناية للطلاق ) لإشعارها بإزالة قيد الملك
ويستثنى من ذلك ما لو قال لرقيقه أنا منك طالق أو بائن ونحو ذلك ونوى إعتاقه عبدا كان أو أمة لم يعتق بخلاف نظيره من الطلاق والفرق أن الزوجية تشمل الزوجين والرق خاص بالعبد
ويستثنى أيضا ما لو قال لعبده اعتد أو استبرىء رحمك ونوى العتق فإنه لا يعتق كما في أصل الروضة في الطلاق ولو قال لأمته فوجهان أصحهما العتق
تنبيه قوله للطلاق يخرج صرائح وكنايات غيره لكن الظاهر صرائحه وكناياته كناية في العتق وليس صريحا ولا كناية في الطلاق
ولو قال لعبده يا خواجا لم يعتق قاله المروزي
وفي الإحياء أن الزهري قال من قال لعبده جزاء الله عتق عليه اه
ولعل هذا مذهب الزهري
وفي الكشاف في سورة يس إذا قال الرجل كل مملوك لي
____________________
(4/493)
قديم حر أو كتب ذلك في وصية عتق منهم من مضى له حول وأكثر لأن القديم هو المحمول اه
( وقوله لعبد ) له ( أنت ) بكسر التاء بخطه ( حرة ولأمة ) له ( أنت ) بفتح التاء بخطه أيضا ( حر صريح ) في المسألتين ولا يضر الخطأ في التذكير والتأنيث تغليبا للإشارة على العبارة
ثم شرع في مشابهة العتق للطلاق في التعويض والتعليق بقوله ( ولو قال ) شخص لرقيقه ( عتقك إليك ) أي جعلته ( أو خيرتك ) في إعتاقك بخاء معجمة من التخيير وعبر في الروضة بقوله حررتك بحاء مهملة من التحرير قال الإسنوي وهو غير مستقيم فإن هذه اللفظة صريحة وصوابه حريتك مصدرا مضافا كاللفظ المذكور قبله وهو العتق
( ونوى تفويض العتق إليه فأعتق نفسه في المجلس عتق ) كما في الطلاق لأن العتق والطلاق يتقاربان فكل ما تقدم هناك يأتي مثله هنا
تنبيه عبارة المحرر وجعلت عتقك إليك وحذف المصنف العامل يوهم عدم الاحتياج إليه قال البلقيني وهو محتمل
قال الزركشي وليس كذلك هو لهذا قيدت العامل في عبارة المصنف
وتعبيره يقتضي اشتراط النية مع التفويض بالصريح لكن صرحا في الطلاق بعدم الاحتياج وإنما يشترط ذلك في التفويض بالكناية فعلى هذا يكون قوله ونوى قيدا في الأخيرة خاصة
وقوله في المجلس يقتضي أنه لا يشترط الفور لكن ظاهر عبارة الشرح والروضة اشتراطه حيث قالا فأعتق نفسه في الحال عتق واعتذر عن المصنف بأن مراده مجلس التخاطب لا الحضور
( أو ) قال لعبده في الإيجاب ( أعتقك على ألف ) مثلا في ذمتك ( أو أنت حر على ألف فقبل ) في الحال
( أو قال له العبد ) في الاستحباب ( أعتقني على ألف ) مثلا ( فأجابه ) في الحال ( عتق في الحال ولزمه الألف ) في الصور الثلاث كالخلع بل أولى لتشوف الشارع إلى تخليص الرقبة دون الفراق فهو من جانب المالك معاوضة فيها شوب تعليق ومن جانب المستدعي معاوضة نازعة إلى الجعالة ولا يقدح كونه تمليكا إذ يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في المقصود
تنبيه قوله في الحال تبع فيه المحرر ولا فائدة له ولهذا لم يذكراه في الشرح والروضة وإنما ذكراه بعد هذه الصورة فيما لو قال أعتقتك على كذا إلى شهر فقيل عتق في الحال والعوض مؤجل
وصورة مسألة الكتاب أن يكون الألف في الذمة كما قدرته في كلامه فإن كانت معينة ففي فتاوى القفال إذا كان في يد عبده ألف درهم اكتسبها فقال السيد أعتقتك على هذا الألف ففيه ثلاثة أوجه أحدها يعتق ولا شيء على العبد والألف ملك السيد لأنها كسب عبده وثانيها يعتق ويتراجعان بالقيمة كالكتابة الفاسدة وثالثها يعتق والألف ملك السيد ويرجع على العبد بتمام قيمته وهذا هو الظاهر
ولو أعتقه على خمر أو خنزير عتق وعليه قيمته
( ولو قال ) لرقيقه ( بعتك نفسك بألف ) في ذمتك حالة أو مؤجلة ترددها بعد حريتك ( فقال اشتريت فالمذهب صحة البيع ) كالكتابة وأولى لأن البيع أثبت والعتق فيه أسرع
( ويعتق في الحال وعليه الألف ) عملا بمقتضى العقد وهو عقد عتاقة على الأصح لا بيع ولهذا لا يثبت فيه خيار المجلس ولو كان بيعا لثبت فيه
( والولاء لسيده ) لعموم خبر الصحيحين الولاء لمن أعتق وهذا عتق غلب شائبة العتق
وقيل لا ولاء عليه لأنه عتق على ملك نفسه هذا باعه نفسه جميعا فلو باعه بعض نفسه سرى على البائع إن قلنا الولاء له كما لو أعتقه فإن قلنا لا ولاء له لم يسر كما لو باعه من غيره قاله البغوي في فتاويه
تنبيه أفهم سكوت المصنف في هذه وما قبلها عن حط شيء أن السيد لا يلزمه شيء وهو المشهور ولا
____________________
(4/494)
خلاف أنه لا يجب شيء في الإعتاق بغير عوض
ولو قال لرقيقه وهبتك نفسك ونوى العتق عتق أو التمليك فكذلك إن قبل فورا كما اقتضاه كلامهما في باب الكتابة
( ولو قال لحامل ) أي لأمته الحامل بمملوك له ( أعتقتك ) وأطلق ( أو أعتقتك دون حملك عتقا ) أي عتقت وتبعها في العتق حملها ولو انفصل بعضه حتى يأتي يومان لأنه كالجزء منها وعتقه بالتبعية لا بالسراية لأن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص ولقوة العتق لم يبطل في الأخيرة بخلاف البيع فيها كما مر
وظاهر عبارته أنهما يعتقان معا لا مرتبا والتعليل يقتضيه لكن قول الزركشي فيما لو أعتقها في مرضه والثلث يفي بها دون الحمل فيحتمل أنها تعتق دونه كما لو قال أعتقت سالما ثم غانما وكان الأول ثلث ماله إذ لا فرق بين أن يرتب هو العتق أن يرتبه الشرع على السبيل التبعية يقتضي الترتيب وهو الظاهر
تنبيه شمل إطلاقه ما لو قال لها أنت حرة بعد موتي وفيها في الرافعي في باب الوصية وجهان أحدهما لا يعتق الحمل لأن إعتاق الميت لا يسري وأصحهما يعتق لأنه كعضو منها
( ولو أعتقه ) أي الحمل المملوك له ( عتق دونها ) حكى ابن المنذر فيه الإجماع
وقيل تعتق بعتقه كعكسه ورد بأن العتق إنما وقع بعتق الأم تبعا لها ولا يقع العتق عليها بعتقه لأن الأصل لا يتبع الفرع وإن أعتقهما عتقا بخلاف البيع في المسألتين كما مر في محله
تنبيه محل صحة إعتاقه وحده إذا نفخ فيه الروح فإن لم ينفخ فيه الروح كمضغة كأن قال أعتقت مضغتك فهو لغو كما حكاه قبيل التدبير عن فتاوى القاضي وأقراه ولا ينافي ذلك ما قالاه في باب الوصية تجوز الوصية بالحمل كما يجوز إعتاقه ثم الشرطان أن ينفصل لوقت يعلم وجوده عند الوصية وأن ينفصل حيا لأن حكم المشبه لا يعطي حكم المشبه به من غير وجه وأن الوصية لما كانت تصح بالمجهول وبالمعدوم وبالنجس توسعوا فيها فلم يشرطوا في الحمل نفخ الروح بخلاف العتق
ولو قال مضغة هذه الأمة حرة ففي فتاوى القاضي أنه إقرار بانعقاد الولد حرا وتصير الأم به أم ولد وقال المصنف ينبغي أن لا تصير حتى يقر بوطئها لاحتمال أنه حر من وطء أجنبية بشبهة
قال البلقيني وهذا غير كاف وصوابه حتى يقر بوطئها وبأن هذه المضغة منه
قال وقوله مضغة أمتي لا يتعين للإقرار فقد تكون للإنشاء كقوله أعتقت مضغتها أي فلم يصح كما مر
وما صوبه غير كاف أيضا بل لا بد أن يقول علقت به في ملكي أو نحوه أخذا مما ذكر في الإقرار
( ولو كانت ) تلك الأمة الحامل ( لرجل والحمل لآخر ) كأن أوصى له به ( لم يعتق أحدهما بعتق الآخر ) وإن كان المعتق موسرا لأنه لا استتباع مع اختلاف المالكين
فروع لو قال لأمته الحامل إن ولدت ولدا فهو حر فولدت حيا عتق وإن ولدت ميتا ثم حملت وولدت حيا لم يعتق
ولو قال ذلك لحائل فحملت ووضعت حيا عتق
ولو قال لها إن ولدت أولا ذكرا فهو حر وإن ولدت أولا أنثى فأنت حرة فولدت ذكرا ثم أنثى عتق الذكر فقط أو بالعكس عتقت الأم والذكر لأنه حال عتق الأم كان جنينا فتبعها وإن ولدتهما معا أو ذكرين أو أنثيين معا فلا عتق
ولو قال من دخل الدار أولا من عبيدي فهو حر فدخلها واحد منهم عتق ولو لم يدخلها أحد بعده ولو دخل اثنان ثم ثالث لم يعتق واحد منهم إذ لا يوصف واحد منهم بأنه أول
وأجيب عما ذكر في المسابقة أن الأول يطلق على المتعدد بأنه لا محذور من الإطلاق ثم إذ لا يلزم المخرج زيادة على المشروط بخلافه هنا إذ لا يلزم عليه زيادة عتق لم يلتزمها فإن كان قال في هذه أول من يدخل وحده حر عتق الثالث ولو قال آخر من يدخلها من عبيدي حر فدخل بعضهم بعد بعض لم يعتق أحد منهم إلى أن يموت السيد فيتبين الآخر
( وإذا كان بينهما ) أي الشريكين سواء كانا مسلمين أم كافرين أم مختلفين ( عبد فأعتق أحدهما كله أو نصيبه ) أو بعضه بنفسه أو وكيله ( عتق نصيبه ) ولو كان معسرا ( فإن كان معسرا ) عند الإعتاق ( بقي الباقي ) من العبد ( لشريكه ) ولا يسري لمفهوم الحديث الآتي ( وإلا ) بأن لم يكن معسرا ( سرى ) العتق عليه ( إليه ) أي نصيب شريكه
____________________
(4/495)
والمراد بغير المعسر أن يكون موسرا بقيمة حصة شريكه فاضلا ذلك عن قوته وقوت من تلزمه نفقته في يومه وليلته ودست ثوب يلبسه وسكنى يوم على ما سبق في الفلس ويصرف إلى ذلك كل ما يباع ويصرف في الديون
( أو ) سرى ( إلى ما أيسر به ) من نصيب شريكه والأصل في ذلك خبر الصحيحين من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبل ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة العدل وأعطى شركاءه حصصهم وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه منه ما عتق
وفي رواية إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه وكان له مال فقد عتق كله وأما رواية فإن لم يكن له مال قوم العبد عليه قيمة عدل ثم يستسعى لصاحبه في قيمته غير مشقوق عليه فمدرجة في الخبر كما قاله الحفاظ أو محمولة على أنه يستسعى لشريك المعتق أي يخدمه بقدر نصيبه لئلا يظن أنه يحرم عليه استخدامه
تنبيه يستثنى من ذلك ما لو كان نصيب الشريك مستولدا بأن استولدها وهو معسر فلا سراية في الأصح لأن السراية تتضمن من النقل
ويجرى الخلاف فيما لو استولدها أحدهما وهو معسر ثم استولدها الآخر ثم أعتقها أحدهما
ولو كانت حصة الذي لم يعتق موقوفة لم يسر العتق قولا واحدا قاله في الكفاية وبه شمل إطلاقه ما لو كان العيد بين ثلاثة فأعتق اثنان منهم نصيبهما معا وأحدهما معسر والآخر موسر فإنه يقوم جميع نصيب الذي لم يعتق على هذا الموسر كما جزما به والمريض معسر إلا في ثلث ماله كما سيأتي فإذا أعتق نصيبه من عبد مشترك في مرض موته فإن خرج جميع العبد من ثلث ماله قوم عليه نصيب شريكه وعتق جميعه وإن لم يخرج إلا نصيبه عتق بلا سراية
( وعليه ) أي الموسر على كل الأقوال الآتية ( قيمة ذلك ) القدر الذي أيسر به ( يوم ) أي وقت ( الإعتاق ) لأنه وقت الإتلاف أو وقت سببه كالجناية على العبد إذا سرت لنفسه تعتبر وقت الجناية
تنبيه للشريك مطالبة المعتق بدفع القيمة وإجباره عليها فلو مات أخذت من تركته فإن لم يطالبه الشريك فللعبد المطالبة فإن لم يطالب طالبه القاضي وإن اختلفا في قدر قيمته فإن كان العبد حاضرا قريب العهد بالعتق ورجع أهل التقويم أو مات أو غاب أو طال العهد صدق المعتق لأنه غارم
( وتقع السراية ) المذكورة ( بنفس الإعتاق ) فتنتقل الحصة إلى ملك المعتق ثم تقع السراية به ولو حذف المصنف لفظ نفس كما حذفها بعد في قوله إن قلنا السراية بالإعتاق كان أولى
تنبيه يستثنى من ذلك ما لو كاتبه الشريكان ثم أعتق أحدهما نصيبه فإنا نحكم بالسراية بعد العجز عن أداء نصيب الشريك فإن في التعجيل ضررا على السيد بفوات الولاء
( وفي قول ) قديم تقع السراية ( بأداء القيمة ) أو الاعتياض عنها لأن في إزالة ملك الشريك قبل أن يحصل العوض إضرارا به فإنه قد يفوت لهرب أو غيره والضرر لا يزال بالضرر فلا يكفي الإبراء كما قاله الماوردي
( و ) في ( قول ) السراية موقوفة ( إن دفعها ) أي القيمة ( بان أنها ) أي السراية ( بالإعتاق ) لأن حكم بالعتق يضر السيد والتأخير إلى أداء القيمة يضر بالعبد والتوقف أقرب إلى العدل ورعاية الجانبين ولا تخص السراية بالإعتاق
( و ) حينئذ ( استيلاد أحد الشريكين الموسر ) الأمة المشتركة بينهما ( يسري ) إلى نصيب شريكه كالعتق بل أولى منه بالنفوذ لأنه فعل وهو أقوى من القول ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والمحجور عليه دون عتقهما وإيلاد المرض من رأس المال وإعتاقه من الثلث
وخرج بالموسر المعسر فلا يسر استيلاده كالعتق
نعم إن كان الشريك المستولد أصلا لشريكه سرى كما لو استولد الجارية التي كلها له
( وعليه قيمة نصيب شريكه ) للإتلاف بإزالة ملكه
( و ) عليه أيضا ( حصته من مهر مثل ) للاستمتاع بملك غيره ويجب مع ذلك أرش البكارة لو كانت بكرا وهل يفرد أو يدخل في المهر خلاف اضطراب الترجيح في نظائره والظاهر كما رجحه بعض المتأخرين عدم الدخول
وهذا إن تأخر الإنزال عن تغييب الحشفة كما هو الغالب وإلا فلا
____________________
(4/496)
يلزمه حصة مهر على الأظهر الآتي لأن الموجب له تغييب الحشفة في ملك غيره وهو منتف
نعم إن أنزل مع الحشفة وقلنا بما صححه الإمام مع أن الملك ينتقل مع العلوق فقضية كلام الأصحاب كما في المطلب الوجوب
واحترز المصنف بالموسر عما لو كان معسرا فإن الاستيلاد لا يسري كالعتق فلو استولدها الثاني وهو معسر ففي مستولدتهما لمصادفة ملكه المستقر ويجب على كل منهما نصف مهرها للآخر ويأتي فيه أقوال النقاص
( وتجري الأقوال ) السابقة ( في وقت حصول السراية ) والعلوق هنا كالإعتاق ( فعلى الأول ) الأظهر وهو أنها تحصل بنفس العلوق
( و ) على ( الثاني ) وهو التبين ( لا تجب قيمة حصته من الولد ) لأنا جعلنا أمه أم ولد في الحال فيكون العلوق في ملكه فلا تجب قيمة الولد
أما على الثاني القائل بحصول السراية بأداء القيمة فتجب وصححه الإسنوي ونقله عن جزم الرافعي في آخر التدبير
( ولا يسري تدبير ) فلو دبر أحد الشريكين نصيبه لم يسر لأنه ليس بإتلاف بدليل جواز بيعه فلا يقتضي السراية
ولا يسري أيضا إذا مات لأن الميت معسر
ولا يسري أيضا من بعضه إلى باقيه فيمن ملكه كله
( ولا يمنع السراية دين مستغرق في الأظهر ) لأنه مالك لما في يده نافذ التصرف فيه ولهذا لو اشترى عبدا وأعتقه نفذ
والثاني تمنع لأنه في الحقيقة غير موسر
تنبيه هذا إذا كان من يسري عليه غير محجور عليه فإن حجر عليه بفلس بعد أن علق عتق حصته على صفة ثم وجدت حال الحجر فلا سراية وفي نظيره في حجر السفه يعتق عليه والفرق أن المفلس لو نفذنا عتقه أضررنا بالغرماء بخلاف السفيه
( ولو قال ) أحد الشريكين ( لشريكه الموسر إن أعتقت نصيبك فعليك قيمة نصيبي فأنكر ) الشريك ولا بينة للمدعي ( صدق ) المنكر ( بيمينه ) عملا بالأصل ( فلا يعتق نصيبه ) إن حلف ( ويعتق نصيب المدعي بإقراره إن قلنا ) بالراجح من أنه ( يسري بالإعتاق ) في الحال مؤاخذة له بإقراره ( ولا يسري إلى نصيب المنكر ) وإن كان المدعي موسرا لأنه لم ينشىء عتقا فهو كما لو قال أحد الشريكين لرجل إنك اشتريت نصيبي فأعتقته فأنكر فإنه يعتق نصيب المدعي ولا يسري ولا يعتق على القولين الآخرين فإن نكل عن اليمين حلف المدعي واستحق القيمة ولم يعتق نصيب المنكر أيضا بهذا اليمين لأن اليمين إنما توجهت عليه لأجل القيمة واليمين المردودة لا تثبت إلا ما توجهت الدعوى نحوه وإلا فلا معنى للدعوى على إنسان أنك أعتقت عبدك وإنما ذلك من وظيفة العبد
قال الرافعي واحترز بقوله الموسر عن المعسر فإنه إذا أنكر وحلف لم يعتق من العبد شيء فلو اشترى المدعي نصيب المدعى عليه عتق عليه ولا سراية في الباقي
( ولو ) قال ( لشريكه ) ولو معسرا ( إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر بعد نصيبك فأعتق الشريك ) المنقول له نصيبه ( وهو موسر سرى إلى نصيب ) الشريك ( الأول إن قلنا السراية ) تحصل ( بالإعتاق ) وهو الأظهر ( وعليه قيمته ) أي قيمة نصيب المعلق ولا يعتق التعليق لأنه اجتمع على النصف تعليق وسراية والسراية أقوى لأنها قهرية لا مدفع لها وموجب التعليق قابل للدفع بالبيع ونحوه
تنبيه قوله بعد نصيبك لا حاجة إليه فإنه لو أطلق قوله فنصيبي حر كان حكمه كذلك وإنما يخالفه أن لو قال قبله
وقوله إن قلنا السراية بالإعتاق وكذا إن قلنا بالتبين وأديت القيمة
واحترز بالموسر عن المعسر فلا سراية عليه ويعتق على المعلق نصيبه
( ولو قال ) لشريكه إن أعتقت نصيبك ( فنصيبي حر قبله ) أي قبل عتق
____________________
(4/497)
نصيبك ( فأعتق الشريك ) المقول له نصيبه ( فإن كان المعلق معسرا عتق نصيب كل ) منهما ( عنه ) المنجز في الحال والمعلق قبله بموجب التعليق ولا سراية
وعلم من تقييده المعلق بالمعسر أنه لا فرق في الآخر بين المعسر والموسر
( والولاء لهما ) لاشتراكهما في العتق ( وكذا إن كان ) المعلق ( موسرا وأبطلنا الدور ) وهو الأصح فيعتق نصيب كل منهما ولا شيء لأحدهما على الآخر
( وإلا ) بأن صححنا الدور كما قاله ابن الحداد ( فلا يعتق شيء ) على أحد من الشريكين لأنه لو نفذ إعتاق المقول له في نصيبه لعتق نصيب القائل قبله ولو عتق لسرى عليه بناء على ترتيب السراية على العتق ولو سرى لبطل عتقه فيلزم من نفوذه عدم نفوذه
وفيما ذكر دور وهو توقف الشيء على ما يتوقف عليه أي وجودا وعدما وهو دور لفظي
تنبيه ولو قال في المسألة نصيبي حر مع عتق نصيبك أو في حال عتق نصيبك فأعتقه وقلنا السراية بالإعتاق ففي الأصح يعتق على كل نصيبه نظرا لاعتبار المعية المانع للسراية
حادثة سئل السبكي عن رجل مات وترك عبدا فادعت زوجته أنه عوضها إياه من صداقها وأنها أعتقته فهل يعتق ويسري إلى باقيه أو لا فقال يعتق ولا يسري لأن الإقرار بإعتاقه يحتمل أن يكون قبل الموت وبعده
والأول يقتضي المؤاخذة في نصيبها وعدم السراية والثاني يقتضي السراية فيحمل على المتيقن وهو عدمها وتؤاخذ بإقرارها في إسقاط صداقها
ولو تعدد المعتق ( ولو ) مع التفات كأن ( كان عبد ) مشتركا بين ثلاثة ( لرجل ) منهم ( نصفه ولآخر ثلثه ولآخر سدسه فأعتق الآخران ) بكسر الخاء بخطه ( نصيبهما ) بالتثنية كأن تلفظا بالعتق ( معا ) بحيث لم يسبق أحدهما بالفراغ منه أو وكلا وكيلا فأعتقه بلفظ واحد أو علقاه على صفة واحدة كدخول الدار وهما موسران ( عتقا ) بقدر الواجب ( فالقيمة ) للنصف الذي سرى العتق ( عليهما نصفان ) على عدد رؤوسهما لا على قدر الحصص ( عى المذهب ) لأن ضمان التلف يستوي فيه القليل والكثير كما لو مات من جراحاتهما المختلفة وكما لو وضع رجلان في ماء لغيرهما نجاسة فإنه يستويان في ضمانه وإن كان أحدهما قد وضع فيه جروا والآخر جروين
وفي قول من الطريق الثاني القيمة عليهما على قدر الملكين كما في نظيره في الشفعة
وفرق الأول بأن الأخذ بالشفعة من فوائد الملك ومرافقه كالثمرة وهذا سبيله سبيل ضمان المتلف
تنبيه محل الخلاف إذا كانا موسرين بقدر الواجب كما قدرته في كلامه فإن كان أحدهما موسرا فقط قوم إليه نصيب الثالث قطعا فإن كانا موسرين بدون الواجب سرى إلى ذلك القدر بحسب يسارهما فإن تفاوتا في اليسار سرى على كل منهما بقدر ما يجب
وإنما ضبط المصنف الآخران بكسر الخاء ليوافق قول المحرر فأعتق الثاني والثالث وإلا فلو قال فأعتق اثنان منهما كما في الروضة وغيرها كان الحكم كذلك
( وشرط السراية ) أي شروطها أربعة ولو عبر به كان أولى لئلا يوهم الحصر فيما ذكره فإنه لم يستوفها كما ستراه
أحدها ( إعتاقه ) أي المالك ولو بنائبه ( باختياره ) كشراء حر أصله أو فرعه وقبول هبته أو الوصية به
تنبيه ليس المراد بالاختيار مقابل الإكراه بل المراد السبب في الإعتاق ولا يصح الاحتراز بالاختيار عن الإكراه لأن الكلام فيما يعتق فيه الشقص والإكراه لا عتق فيه أصلا
وخرج باختياره ما ذكره بقوله ( فلو ورث بعض ولده ) وإن سفل أو بعض أصله وإن علا ( لم يسر ) عليه عتقه إلى باقيه لأن التقويم سبيله سبيل ضمان المتلفات وعند انتفاء الاختيار لا صنع منه يعد إتلافا وما لو عجز مكاتب اشترى جزء بعض سيده فإنه يعتق عليه ولم يسر
____________________
(4/498)
سواء أعجز بتعجيز نفسه أم بتعجيز سيده لعدم اختيار السيد
فإن قيل هو مختار في الثانية
أجيب بأنه إنما قصد التعجيز والملك حصل ضمنا
وما لو اشترى أو انهب المكاتب بعض ابنه أو أبيه وعتق بعتقه لم يسر لأنه لم يعتق باختياره بل ضمنا
وما لو ملك شخص بعض ابن أخيه وباعه بثوب مثلا ومات فورثه أخوه ورد الأخ الثوب بعيب وجده فيه واسترد البعض عتق عليه ولم يسر كما هو مقتضى كلام الروضة ك الرافعي قبيل الخاصة الثالثة لأن المقصود فيه رد الثوب لا استرداد البعض
وصوبه الزركشي ولكن المصحح في الروضة هنا السراية وجرى عليه ابن المقري وهو الذي يظهر ترجيحه لأن تسبب في ملكه بالفسخ
والفرق بينه وبين ما مر في تعجيز السيد مكاتبه بأن الرد يستدعي حدوث ملك فأشبه الشراء بخلاف التعجيز
وما لو رد عليه ذلك البعض بعيب فإنه لم يسر لأنه قهري كالإرث
وما لو أوصى لزيد مثلا ببعض ابن أخيه فمات زيد قبل القبول وقتله الأخ عتق عليه ذلك البعض ولم يسر لأنه بقبوله يدخل البعض في ملك مورثه ثم ينتقل بالإرث
ثاني شروط السراية أن يكون له يوم الإعتاق مال يفي بقيمة الباقي أو بعضه كما مر ويباع فيها ما يباع في الدين من مسكن وخادم وغيرهما على ما مر في الفلس
وإن كان المعتق مديونا واستغرقت الديون ماله كما مر في كلام المصنف حتى يضارب الشريك بقيمة نصيبه مع الغرماء فإن أصابه بالمضاربة ما يفي بقيمة نصيبه فذاك وإلا أخذ حصته ويعتق جميع العبد بناء على حصول السراية بنفس الإعتاق فلا يسري على معسر
( والمريض ) أيضا ( معسر إلا في ثلث ماله ) فإنه إذا عتق في مرض موته نصيبه ولم يخرج من الثلث غيره فلا سراية فإن خرج نصيبه وبعض نصيب شريكه فلا سراية في الباقي
( والميت ) أيضا ( معسر ) مطلقا ( فلو أوصى ) أحد شريكين في رقيق ( بعتق نصيبه ) منه فأعتق بعد موته ( لم يسر ) إلى باقيه وإن خرج كله من الثلث لانتقال المال غير الموصى به إلى الوارث
ثالث شروط السراية أن يكون محلها قابلا للنقل فلا سراية في نصيب حكم بالاستيلاد فيه ولا إلى الحصة الموقوفة ولا إلى المنذور إعتاقه ونحوه مما لزم إعتاقه بموت المريض أو المعلق على صفة بعد الموت إذا كان أعتق بعد الموت
ولو استولد أحد شريكين نصيبه معسرا ثم أعتقه وهو موسر سرى إلى نصيب شريكه وقول الزركشي نقلا عن القاضي أبي الطيب لا يسري إليه بعكسه ممنوع
ويسري العتق إلى بعض مرهون وإلى بعض مدبر وإلى بعض مكاتب عجز عن أداء نصيب الشريك
رابع شروط السراية أن يعتق نصيبه أولا ليعتق ثم يسري العتق إلى نصيب شريكه فلو أعتق نصيب شريكه لغا إذ لا ملك ولا تبعية فلو أعتق نصيبه بعد ذلك سرى إلى حصة شريكه
وإن أعتق نصف المشترك وأطلق فهل يقع العتق على النصف شائعا لأنه لم يخصه يملك نفسه أو على ملكه فقط لأن الإنسان إنما يعتق ما يملكه وجهان أرجحهما الثاني كما جزم به صاحب الأنوار كما في البيع والإقرار
وعلى كلا التقديرين لا يعتق جميعه إلا إن كان المعتق موسرا
قال الإمام ولا يكاد يظهر لهذا الخلاف فائدة إلا في تعليق طلاق أو عتق
تتمة أمة حامل من زوج اشتراها ابنها الحر وزوجها معا وهما موسران فالحكم كما لو أوصى سيدها بها لهما وقبلا الوصية معا فتعتق الأمة على الابن والحمل يعتق عليهما ولا يقوم
فصل في العتق بالبعضية ( إذا ملك أهل تبرع أصله أو فرعه ) الثابت النسب ( عتق ) عليه
أما الأصول فلقوله تعالى { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } ولا يتأتى خفض الجناح مع الاسترقاق ولما في صحيح مسلم لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه أي فيعتقه الشراء لا أن الولد هو المعتق بإنشائه العتق كما فهمه داود الظاهري بدليل رواية فيعتق عليه
وأما الفروع فلقوله تعالى { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } وقال تعالى { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } دل على نفي اجتماع الولدية والعبدية
____________________
(4/499)
تنبيه شمل قوله أصله وفرعه الذكور منهما والإناث علوا أو سفلوا ملكوا اختيارا أو لا اتحد دينهما أو لا لأنه حكم متعلق بالقرابة فاستوى فيه من ذكرناه
وخرج من عداهما من الأقارب كالإخوة والأعمام فإنهم لا يعتقدون بالملك لأنه لم يرد فيه نص ولا هو في معنى ما ورد فيه النص لانتفاء البعضية عنه
وأما خبر من ملك ذا رحم محرم فقد عتق عليه فضعيف بل قال النسائي إنه منكر و الترمذي إنه خطأ
وقال أبو حنيفة و أحمد يعتق كل ذي رحم محرم
وقال مالك يعتق السبعة المذكورون في آية الميراث
وقال الأوزاعي يعتق كل قريب محرما كان أو غيره
وخرج بقولنا الثابت النسب ما لو ولدت المزنى بها ولدا ثم ملكه الزاني لم يعتق عليه وخرج أصله وفرعه من الرضاع فإنه لا يعتق عليه
والتقييد بأهل التبرع تبع فيه المحرر ولا يصح الاحتراز به عن الصبي والمجنون فإنهما إذا ملكا ذلك عتق عليهما كما سيأتي
ووقع هنا التقييد في الوجيز فقال الرافعي احترز عن الصبي ونحوه
قيل كأنه كتبه من غير تأمل
وقول الشارح لم يقصد لذلك مفهوم ممنوع بل يحترز به عن صور منها المكاتب إذا ملك أصله وفرعه بهبة أو وصية وكان القريب كسوبا بما يقوم بكفاية نفسه فإنه يجوز له قبوله وإذا قبله ملكه ولا يعتق عليه بل يكاتب عليه إذ لو عتق لكان ولاؤه له ولا يتصور الولاء لرقيق
ومنها ما لو ملك المبعض ببعضه الحر أصله أو فرعه فإنه لا يعتق عليه لتضمنه الإرث والولاء وليس من أهلها وإنما عتقت أم الولد المبعض بموته لأنه حينئذ أهل للولاء لانقطاع الرق
ومنها ما لو ملك شخص ابن أخيه ثم مات وعليه دين مستغرق وورثه أخوه فقط وقلنا الدين لا يمنع الإرث كما هو الأصح فإن الأخ يملك ابنه ولا يعتق عليه لأنه ليس أهلا للتبرع فيه وإذا كان في المفهوم تفصيلا يرد
ولو اشترى الحر زوجته الحامل منه عتق عليه الحمل كما قاله الزركشي ولو اشتراها في مرض موته ثم انفصل قبل موته أو بعده لم يرث أي لأن عتقه حينئذ وصية وسيأتي الكلام على ذلك
وأورد على المصنف صور منها مسائل المريض الآتية
ومنها ما لو وكله في شراء عبد فاشترى من يعتق على موكله وكان معيبا فإنه لا يعتق عليه قبل رضاه بعيبه
( ولا يشتري ) الولي ( لطفل ) أو مجنون أو سفيه ( قريبه ) الذي يعتق عليه أي لا يصح شراؤه له
ولو قال لمحجوره كان أولى لأنه إنما يتصرف عليه بالغبطة ولا غبطة لأنه يعتق عليه وقد يطالب بنفقته وفي ذلك ضرر عليه
( ولو وهب له ) أي لمن ذكر ( أو ) و ( وصى له ) به ( فإن كان ) الموهوب أو الموصى به ( كاسبا ) بما يفي بمؤنته ( فعلى الولي ) ولو وصيا أو قيما ( قبوله ) إذ لا ضرر عليه مع تحصيل الكمال لأصله ولا نظر إلى احتمال توقع وجوب النفقة بعجز يطرأ لأنه مشكوك فيه والأصل عدمه والمنفعة محققة
( ويعتق ) على الطفل ونحوه لعموم الأدلة السابقة ( وينفق ) عليه ( من كسبه ) لاستغنائه عن التقريب
تنبيه ظاهر كلامه وجوب القبول ولو كان الصبي ونحوه موسرا وهو مشكل فإن الأظهر في النفقات أن من لا يكتسب من الأصول مع القدرة على الكسب تجب نفقته فلو عبر بموجب النفقة وعدمه كما في الروضة وغيرها لا بالكسب وعدمه لكان أولى
ولو أوصى لطفل مثلا بجده وعمه الذي هو ابن هذا الجد حي موسر لزم الولي قبوله ولو كان الجد غير كاسب إذ لا ضرر عليه حينئذ
ومن صور الوصية بالأب أن يتزوج عبد بحرة ويولدها ولدا فهو حر ثم يوصي سيد العبد به لابنه
ومن صور الوصية بالابن أن يتزوج حر أمة فيولدها فالولد رقيق لمالك الأمة ثم يوصي سيد الولد به لأبيه
( وإلا ) بأن يكون القريب كاسبا نظر ( فإن كان الصبي ) أو نحوه ( معسرا وجب ) على وليه ( القبول ) إذ لا ضرر على الصبي أو نحوه حينئذ ولا نظر إلى أنه قد يوسر فتجب عليه نفقته فإن أبى الولي قبل له الحاكم فإن أبى قبل هو الوصية إذا كمل إلا الهبة لفواتها بالتأخير
قال الأذرعي يشبه أن الحاكم لو أبى عن نظر واجتهاد وكان رأى أن القريب يعجز عن قرب أو أن حرفته كثيرة الكساد فليس له القبول بعد كماله اه
وهو ظاهر إن أباه بالقول دون ما إذا سكت ( ونفقته ) إن لم يكن له من تجب نفقته عليه بزوجية أو قرابة غير الصبي
____________________
(4/500)
أو نحوه ( في بيت المال ) إن كان مسلما ولأنه من محاويج المسلمين
أما الكافر فلا حق له فيه ولهذا يقطع لسرقته لكن الإمام ينفق عليه منه عند الحاجة بشرط الضمان ورجح الرافعي نفي الضمان على اللقيط المحكوم بكفره
( أو ) كان الصبي ونحوه ( موسرا حرم ) على وليه القبول لما فيه من الضرر على الصبي أو نحوه بالإنفاق عليه من ماله
تنبيه هذا كله إذا وهب له جميع القريب كما هو ظاهر إطلاقه فلو وهب له بعضه وهو كسوب والمحجور عليه موسر لم يقبله الولي لأنه لو قبله ملكه وعتق عليه حينئذ فيسري على المحجور فتجب قيمة نصيب الشريك وهذا ما في الروضة وأصلها وهو المعتمد وإن رجح في تصحيح التنبيه أنه يقبل ويعتق ولا يسري لأن التبعيض للسراية بالاختيار وهو منتف وعلله الماوردي بأنه بالحجر عليه كالمعسر
( ولو ملك ) شخص ( في مرض موته قريبه ) الذي يعتق عليه ( بلا عوض ) كأن ورثه أو وهب له ( عتق ) عليه ( من ثلثه ) حتى لو لم يكن له غيره لم يعتق إلا ثلثه لأنه دخل في ملكه وخرج بلا مقابل فأشبه المتبرع به وهذا ما رجحه البغوي وتبعه في المحرر
( وقيل ) يعتق عليه جميعه ( من رأس المال ) وإن لم يملك غيره لأن الشرع أخرجه عن ملكه فكأنه لم يدخل
وهذا هو الأصح كما صححاه في الشرحين والروضة هنا وفي كتاب الوصايا في مسألة الإرث وقال البلقيني إنه الأصح الذي يقتضيه نص الشافعي على أن المحجور عليها بفلس لو أصدقها أباها عتق عليها ولم يكن للغرماء منه شيء لأنه يعتق ساعة يتم ملكها عليه قال هو المعتمد في الفتوى
( أو ) ملكه في مرض موته ( يعوض بلا محاباة ) بل بثمن مثله ( فمن ثلثه ) فلا يعتق منه إلا ما يخرج من الثلث لأنه فوت على الورثة ما بذله من الثمن ولم يحصل لهم في مقابلته شيء وليس للبائع الفسخ بالتفريق لو لم يخرج من الثلث إلا بعضه
وقوله ( ولا يرث ) راجع للمسألتين على اعتبار العتق من الثلث لأن عتقه حينئذ وصية ولا يجمع بينها وبين الإرث فالأبعد نقلهما هذا عن الأصحاب وكأنه تفريع على بطلان الوصية للوارث فإن قلنا بصحتها موقوفة على إجازة الورثة أي وهو الصحيح لم يمتنع الجمع بينهما فيحتمل توقف الأمر إليها ويحتمل خلافه أي وهو الظاهر لتعذر إجازته لتوقفها على إرثه المتوقف على عتقه المتوقف عليها يتوقف كل من إجازته وإرثه على الآخر فيمتنع إرثه وهذا خلاف الذي عتق من رأس المال فيرث
أما إذا اعتبرناه من رأس المال وهو الأصح في المسألة الأولى كما مر ورث على الأصح
هذا إذا لم يكن على المريض دين ( فإن كان عليه دين ) مستغرق لما عند الموت ( فقيل لا يصح الشراء ) لأن تصحيحه يؤدي إلى ملكه ولا يعتق عليه فلم يصح كما لا يصح شراء الكافر العبد المسلم ( والأصح صحته ) إذ لا خلل فيه ( ولا يعتق ) منه شيء لأن عتقه يعتبر من الثلث والدين يمنع منه ( بل يباع في الدين ) ويلغز بهذا فيقال حر موسر اشترى من يعتق عليه ولا يعتق
وفي معنى هذه الصورة ما لو اشترى المأذون من يعتق على سيده بإذنه وقد ركبه دين التجارة فإنه يصح الشراء ولا يعتق على الأصح في تصحيح التنبيه للمصنف وقد ذكره الرافعي في القراض وعلله بأنه كالمرهون بالديون
وخرج بالمستغرق ما إذا لم يكن مستغرقا أو سقط عنه بإبراء أو غيره فإنه يعتق إن خرج منه ما بقي بعد وفاء الدين في الأولى أو ثلث الباقي في الثانية أو أجازه الوارث فيهما وإلا عتق منه بقدر ما خرج من ثلث ذلك
( أو ) ملك فيه بعوض ( بمحاباة ) من البائع كأن اشترى بخمسين وهو يساوي مائة ( فقدرها كهبة ) فيكون قدر المحاباة وهو خمسون في هذا المثال كالموهوب له فيجيء الخلاف السابق فيما ملكه بلا عوض هل يحسب من الثلث أو من رأس المال
( والباقي ) بعد قدرها يعتبر ( من الثلث ) جزما
وخرج بالمحاباة من البائع المحاباة من المريض كأن اشتراه بمائة وهو يساوي خمسين فقدرها تبرع منه فإن استوعب الثلث لم يعتق منه شيء
____________________
(4/501)
وإلا قدمت المحاباة على العتق في أحد أوجه استظهره بعض المتأخرين
( ولو وهب لعبد بعض قريب سيده ) الذي يعتق عليه ( فقبل وقلنا يستقل ) العبد ( به ) أي القبول وهو الأصح ( عتق ) القريب على السيد ( وسرى ) عليه ( وعلى سيده قيمة باقيه ) لأن الهبة له هبة لسيده وقبوله كقبول سيده
هذا ما جزم به الرافعي هنا وصوبه في المهمات ولهذا صححوا أن السيد يحلف على البت في نفي فعل عبده
وقال في الروضة ينبغي أنه لا يسري لأنه دخل في ملكه قهرا كالإرث
وفيها كأصلها في كتاب الكتابة تصحيحه واعتمده البلقيني وقال ما في المنهاج وجه ضعيف غريب لا يلتفت إليه اه
وهذا هو الظاهر
تنبيه هذا إذا لم يكن العبد مبعضا ولا مكاتبا فإن كان مبعضا وكان بينه وبين سيده مهايأة فإن كان في نوبة الحرية فلا عتق أو في نوبة الرق فكالقن أو لم يكن بينهما مهايأة فما يتعلق بالحرية لا يملكه السيد وما يتعلق بالرق فيه ما مر
وإن كان مكاتبا لم يعتق من موهوبه شيء ما دامت الكتابة قائمة فإن عجز نفسه بغير اختيار السيد ذلك الجزء ولم يسر وإن عجزه السيد فالأصح لا سراية أيضا لأنه إنما قصد التعجيز والملك حصل ضمنا وقد مرت الإشارة إليه وخالف في ذلك البلقيني
فصل في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة إذا ( أعتق في مرض موته عبدا لا يملك غيره ) عند موته ولا دين عليه ( عتق ثلثه ) ورق ثلثاه لأن العتق تبرع معتبر من الثلث كما مر في الوصايا
تتمة هذا إن بقي بعد موت السيد فإن مات في حياته فهل يموت كله رقيقا أو كله حرا أو ثلثه حرا وباقيه رقيق قال في أصل الروضة هنا فيه أوجه أصحها عند الصيدلاني الأول وجرى عليه ابن المقري في روضه لأن ما يعتق ينبغي أن يبقى للورثة مثلاه ولم يحصل لهم هنا شيء
ونقلا في الوصايا عن الأستاذ أبي منصور تصحيح الثاني واقتصرا عليه وصوبه الزركشي تنزيلا له منزلة عتقه في الصحة
وإطلاق المصنف يقتضي ترجيح الثالث وهو الظاهر وصححه البغوي وقال في البحر إنه ظاهر المذهب وقال الماوردي إنه الظاهر من مذهب الشافعي كما لو مات بعده
قال البغوي ولا وجه للقول بأنه مات رقيقا لأن تصرف المريض غير ممتنع على الإطلاق وتبعه الأذرعي
وخص ذلك الماوردي بما إذا مات من غير كسب فإن كان مات عن كسب وهو مثلا قيمته عتق جميعه لأنه صار للتزكية مثلا قيمته وإن كان نصف قيمته كان نصفه حرا
وتظهر فائدة الخلاف فيما لو وهب في المرض عبدا لا يملك غيره وأقبضه ومات العبد قبل السيد فإن قلنا في مسألة العتق بموته رقيقا مات هنا على ملك الواهب ويلزمه مؤنة تجهيزه وإن قلنا بموته حرا مات هنا على ملك الموهوب له فعليه تجهيزه وإن قلنا بالثالث وزعت المؤنة عليهما
( فإن كان عليه ) أي من أعتق في مرض موته عبدا لا يملك غيره ( دين مستغرق لم يعتق شيء منه ) لأن العتق حينئذ كالوصية والدين مقدم عليها
تنبيه أراد بقوله لم يعتق عدم النفوذ لكن يحكم بإعتاقه في الظاهر حتى لو تبرع متبرع بأداء الدين أو إبراء المستحق نفذ كما صرح به الرافعي فيما لو أوصى بشيء وعليه دين مستغرق
واستثنى البلقيني من ذلك صورا منها ما إذا أعتقه عن واجب كفارة
قيل فالأرجح نفوذه ولو أمكن إعتاق رقبة ببعض قيمته وصرف الباقي إلى الدين
ومنها المنذور إعتاقه في حال الصحة إذا أعتقه في حالة مرض الموت نفذ مع الدين المستغرق
ومنها ما إذا أبرأ أصحاب الدين من دينهم نفذ العتق لزوال المانع
وخرج بالمستغرق غيره فإنه يعتق منه ثلث باقيه
( ولو أعتق ) شخص ( ثلاثة ) من الأرقاء معا ك أعتقتكم ( لا يملك غيرهم ) عند موته ( وقيمتهم سواء ) ولم تجز الورثة عتقهم ( عتق أحدهم بقرعة ) لأنها شرعت لقطع المنازعة فتعينت طريقا والأصل فيها ما رواه مسلم عن عمران بن الحصين أن رجلا من
____________________
(4/502)
الأنصار أعتق ستة أعبد مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزاهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين ورق أربعة والظاهر تساوي الأثلاث في القيمة لأن عبيد الحجاز غالبا لا تختلف قيمتهم
تنبيه شمل إطلاقه ما لو مات أحدهم قبل موت السيد حتى يدخل الميت في القرعة وهو المذهب فإن خرجت القرعة له رق الآخران وبان أنه مات حرا فيورث
وظاهر كلامه تعين القرعة وهو كذلك فلو اتفقوا على أنه إن طار غراب ففلان حر أو من وضع صبي يده عليه فهو حر لم يكف
( وكذا لو قال أعتقت ثلثكم أو ) قال ( ثلثكم حر ) فيعتق واحد منهم بقرعة
وإنما لم يعتق ثلث كل منهم في هاتين لأن عتق بعض الرقبة كإعتاق كله
( ولو قال أعتقت ثلث كل عبد ) منكم ( أقرع ) بينهم أيضا في الأصح وبعتق واحد بقرعة كما مر
( وقيل يعتق من كل ثلثه ) ولا إقراع لتصريحه بالتبعيض وهذا هو القياس لكن تشوف الشارع إلى تكميل العتق يوجب اتباع الخبر في إيقاع القرعة
تنبيه هذا كله إذا لم يضفه إلى الموت فإن قال ثلث كل واحد منكم حر بعد موتي عتق من كل واحد ثلثه ولا يقرع على الصحيح لأن العتق بعد الموت لا يسري
وفهم من أمثلة التصوير بما إذا أعتق الأبعاض معا فخرج ما إذا رتبها فيقدم الأسبق حتى لو كان له عبدان فقط فقال نصف غانم حر وثلث سالم حر عتق ثلثا غانم ولا قرعة ذكراه في باب الوصية
ثم شرع في بيان كيفية القرعة والتجزئة المترتبة عليها فقال ( والقرعة أن يؤخذ ثلاث رقاع متساوية ) إذا كان العبيد ثلاثة كما هو فرض في المسألة ( يكتب في ثنتين ) منها ( رق وفي واحدة عتق ) لأن الرق ضعف الحرية فتكون الرقاع على نسبة المطلوب في الكثرة والقلة ( وتدرج في بنادق ) من نحو شمع ( كما سبق ) في باب القسمة ( وتخرج واحدة باسم أحدهم فإن خرج ) له ( العتق عتق ورق الآخران ) بفتح الخاء المعجمة ( أو الرق ) لواحد ( رق وأخرجت ) رقعة ( أخرى باسم آخر ) فإن خرج له العتق ورق الثالث وإن خرج له الرق رق وعتق الثالث لأن فائدة القرعة ذلك
ثم ذكر المصنف طريقا آخر للقرعة وعبر فيها بالجواز فقال ( ويجوز أن يكتب أسماءهم ) في الرقاع ( ثم تخرج رقعة على الحرية فمن خرج اسمه عتق ورقا ) أي الباقيان
تنبيه ظاهر كلامه أن الطريق الأولى أولى لتعبيره في الثانية بالجواز لكن صوب القاضي والإمام وغيرهما هذه الكيفية لأن الإخراج فيها يمكن مرة واحدة بخلاف الأولى فإنه قد يحوج إلى إعادته كما مر
ومقتضى كلامه أنه لا يجوز الاقتصار في الصورة الأولى على رقعتين في إحداهما عتق وفي الأخرى رق وفيه وجهان بلا ترجيح في الروضة
قال الإمام والأوجه أنه احتياط
وقال البلقيني إنه الأصح إذ ليس فيه إلا أنا إذا أخرجنا رقعة على عبد فخرج فيها رق يحتاج إلى إدراجها في بندقها مرة أخرى فيكون ثلاث أرجح من رقعتين إلا أنه ممنوع اه
وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب القسمة
( وإن ) اختلفت قيمتهم كأن ( كانوا ثلاثة قيمة واحد ) منهم ( مائة وآخر مائتان وآخر ثلاثمائة أقرع ) بينهم ( بسهمي رق وسهم عتق ) بأن يكتب في رقعتين رق وفي أخرى عتق وتدرج في بنادق إلى آخر ما مر
( فإن خرج العتق لذي المائتين عتق ورقا ) أي الباقيان لأنه به يتم الثلث ( أو للثالث عتق
____________________
(4/503)
ثلثاه ) ورق باقيه والآخران ( أو للأول عتق ثم يقرع بين الآخرين بسهم رق وسهم عتق ) في رقعتين ( فمن خرج ) العتق على اسمه منهما ( تمم منه الثلث ) وإن كان ذا المائتين عتق نصفه أو ذا الثلاثمائة عتق ثلثه ورق الباقي والآخر
تنبيه تعبيره يوهم تعيين هذا الطريق عند اختلاف القيمة وليس مرادا بل يجوز الطريق الآخر وإن كتب في الرقاع أسماءهم فإن خرج على الحرية اسم ذي المائة عتق وتمم الثلث ممن خرج اسمه بعده إلى آخر ما مر
( وإن كانوا ) أي الأرقاء ( فوق ثلاثة وأمكن توزيعهم بالعدد والقيمة ) معا في الأجزاء الثلاث ( كستة ) أو تسعة ( قيمتهم سواء جعلوا ) في المثال الأول ( اثنين اثنين ) وفي المثال الثاني ثلاثة ثلاثة وفعل كما سبق في الثلاثة المتساوية القيمة
وكذا الحكم في ستة ثلاثة منهم قيمة كل واحد منهم مائة وثلاثة قيمة كل واحد خمسون فيضم إلى كف نفيس خسيس فتستوي الأجزاء عددا وقيمة
( أو ) أمكن توزيعهم ( بالقيمة دون العدد كستة قيمة أحدهم مائة وقيمة اثنين ) منهم ( مائة و ) قيمة ( ثلاثة ) منهم ( مائة جعل الأول جزءا والاثنان جزءا والثلاثة جزءا ) وأقرع بينهم كما مر
تنبيه تابع المصنف المحرر في هذا المثال وهو غير مطابق فإن الستة لها ثلث صحيح وإنما مثاله كما ذكراه في الروضة وأصلها خمسة قيمة أحدهم مائة وقيمة اثنين مائة وقيمة اثنين مائة
قال ابن شهبة وحينئذ فالعبارة معكوسة وإنما هو وإن أمكن توزيعهم بالعدد دون القيمة كستة قيمة أحدهم مائة وقيمة اثنين مائة وقيمة ثلاثة مائة وبه صرحا في الشرحين والروضة اه
واعتذر الشراح عن المصنف بقوله وفي عتق الاثنين إن خرج وافق ثلث العدد ثلث القيمة فقوله دون العدد صادق ببعض الأجزاء في مقابلته للمثبت قبله في جمع الأجزاء قال ولا يتأتى التوزيع بالعدد دون القيمة
( وإن تعذر ) توزيعهم ( بالقيمة ) مع العدد بأن لم يكن لهم ولا لقيمتهم ثلث صحيح ( كأربعة قيمتهم سواء ففي قول يحزمون ثلاثة أجزاء واحد ) جزء ( وواحد ) جزء ( واثنان ) جزء لأنه أقرب إلى فعله صلى الله عليه وسلم
( فإن خرج العتق لواحد عتق ) كله ( ثم أقرع لتتميم الثلث ) بين الثلاثة أثلاثا فمن خرج له سهم الحرية عتق ثلثه قال الدميري كذا قال الرافعي ويحتاج إلى تأمل فإنه إن خرج للواحد فعتق ثلثه فواضح وإن خرج لاثنين فكيف يفعل هل يعتق من كل واحد منهم سدسه أو يقرع بينهما ثانيا
فمن خرجت له عتق ثلثه وقل من تعرض لذلك اه
وهذا لا يحتاج للتعرض له فإن كلام الشيخين ظاهر أو صريح في أن القرعة تعاد بين الثلاثة الباقين وأنهم يجزؤون أثلاثا كما مر فمن خرج له سهم الحرية عتق ثلثه وقد صرح به البغوي في التهذيب كما نقله عنه البلقيني وحينئذ فلا وجه لما قاله
( أو ) خرج العتق ( للاثنين ) المجموعين جزءا ( رق الآخران ثم أقرع بينهما ) أي الذين خرج لهما رقعة العتق ( فيعتق من خرج له العتق وثلث الآخر ) لأنه بذلك يتم الثلث ( وفي قول يكتب اسم كل عبد في رقة فيعتق من خرج أولا وثلث الثاني ) وهو القارع ثانيا لأن ذلك أقرب إلى فصل الأمر
قال البلقيني وقع في بعض النسخ وثلث الباقي بالباء الموحدة والقاف وفي بعضها الثاني وهو الصواب
____________________
(4/504)
تنبيه كلام المصنف يوهم أن يعتق ثلث الباقي من غير إعادة القرعة وليس مرادا بل المراد أن يكتب أسماءهم في أربع رقاع ويخرج واحدة بعد واحدة إلى أن يتم الثلث فمن خرجت له أولا رقعة بالحرية عتق وتعاد القرعة بين الباقين فمن خرجت له ثانيا عتق ثلثه
( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ( أظهرهما الأول ) وهو أنهم يجزؤون ثلاثة أجزاء بحيث يقرب من الثلث ( والله أعلم ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء
( والقولان في استحباب ) لأن المقصود يحصل بكل طريق من ذلك
( وقيل ) في ( إيجاب ) لأنه أقرب إلى فعله صلى الله عليه وسلم وهذا كما في الروضة وأصلها مقتضى كلام الأكثرين والأول هو ما رجحه في المحرر وفاقا للقاضي والإمام وهو الظاهر
هذا كله إذا لم يظهر للميت مال ( و ) حينئذ ( إذا أعتقنا بعضهم بقرعة فظهر ) بعدها ( مال ) آخر للميت جهلناه وقت القرعة ( وخرج ) الأرقاء ( كلهم من الثلث عتقوا ) أي تبين عتقهم من حين الإعتاق ولهذا قال ( ولهم كسبهم من يوم الإعتاق ) وكذا ما هو في معنى الكسب كولد وأرش جناية وغيرهما وتجري عليهم أحكام الأحرار من حين الإعتاق حتى لو زنى أحدهم وجلد خمسين كمل حده إن كان بكرا ورجم إن كان ثيبا أو لو كانت أمة زوجها الوارث بالملك بطل نكاحها ولو وطئها الوارث بالملك لزمه مهرها ولو كان الوارث باع أحدهم أو أجره أو وهبه بطل تصرفه ورجع المؤجر على المستأجر بأجرة مثله
( ولا يرجع الوارث بما أنفق عليهم ) لأنه أنفق على أن لا يرجع فهو كمن نكح امرأة نكاحا فاسدا عن ظن الصحة وأنفق عليها ثم فرق القاضي بينهما لا يرجع بما أنفق
( وإن خرج ) من الثلث ( بما ظهر عبد آخر ) فيما إذا عتق من ثلاثة واحد ( أقرع ) بينه وبين من بقي من العبيد فمن خرجت له القرعة فهو مع الأول
تنبيه لو خرج بعض عبد كان الحكم كذلك
ثم أشار إلى قاعدة ( و ) هي كل ( من عتق ) من الأرقاء ( بقرعة حكم بعتقه من يوم الإعتاق ) لا من يوم القرعة لأنها مبنية للعتق لا مثبتة له
( وتعتبر قيمته حينئذ ) أي حين الإعتاق لأنه تبين بالقرعة أنه كان حرا قبلها بخلاف من أوصى بعتقه فإنه يقوم حين الموت لأنه وقت الاستحقاق
( وله كسبه من يومئذ غير محسوب من الثلث ) سواء كسبه في حياة المعتق أم بعد موته لأنه حدث على ملكه بعد الحكم بحريته
( و ) كل ( من بقي ) أي استمر ( رقيقا ) من الأرقاء ( قوم يوم الموت ) لأنه وقت استحقاق الوارث
تنبيه محل ذلك ما إذا كانت قيمة يوم الموت أقل أو لم يختلف وإلا فالعبرة كما في الروضة وأصلها بأقل القيم من وقت الموت إلى وقت قبض الوارث التركة لأنه إن كانت قيمة وقت الموت أقل فالزيادة حدثت في ملكهم أو وقت القبض أقل فما نقص قبل ذلك لم يدخل في يدهم فلا يحسب عليهم كالذي يغصب أو يضيع من التركة قبل أن يقبضوه
( وحسب ) على الوارث ( من الثلثين وهو وكسبه الباقي قبل الموت ) للمعتق لأنه وقت استحقاق الوارث ( لا الحادث بعده ) أي موت المعتق لأنه حدث على ملك الوارث حتى لو كان على سيده دين بيع في الدين والكسب للوارث لا يقضى الدين منه خلافا للإصطخري
ثم فرع على ما سبق قوله ( فلو أعتق ) في مرض موته ( ثلاثة ) معا ( لا يملك غيرهم قيمة كل ) منهم ( مائة وكسب أحدهم ) قبل موت المعتق ( مائة أقرع ) بينهم ( فإن خرج
____________________
(4/505)
العتق للكاسب عتق وله المائة ) التي اكتسبها لما مر أن من عتق فله كسبه من يوم الإعتاق غير محسوب من الثلث ورق الآخران
( وإن خرج ) العتق ( لغيره ) أي الكاسب ( عتق ثم أقرع ) ثانيا بين الكاسب والآخر لتتميم الثلث
( فإن خرجت ) أي القرعة ( لغيره عتق ثلثه ) وبقي ثلثاه مع الكاسب وكسبه للورثة وهو مثلا قيمة الأول وما عتق من الثاني
( وإن خرجت ) أي القرعة ( له ) أي الكاسب ( عتق ربعه وتبعه ربع كسبه ) لأنه يجب أن يبقى للورثة ضعف ما عتق ولا يبقى ذلك إلا بما ذكر فإنه يعتق ربعه وقيمته خمسة وعشرون وتبعه من كسبه قدرها وهو غير محسوب عليه فيبقى من كسبه خمسة وسبعون وبقي منه ما قيمته خمسة وسبعون وبقي عبد قيمته مائة فجعله التركة المحسوبة ثلاثمائة وخمسة وسبعون منها قيمة العبيد ثلاثمائة ومنها كسب أحدهم خمسة وسبعون فجملة ما عتق قيمته مائة وخمسة وعشرون وجملة ما بقي للورثة مائتان وخمسون وأما ربع كسبه فغير محسوب لأنه تابع لما عتق منه لأن الكسب ينقسط على ما في العبد من الحرية والرق فما قابل مائة من الحرية كان للعبد بغير وصية وما قابل مائة من الرق فهو للسيد فتزداد تركته بذلك وبازديادها يزداد استحقاق العبد في الكسب فتنقص حصة التركة فدارت المسألة لأن معرفة ما يعتق منه متوقفة على معرفة ما يعتق منه وطريق استخراجه بالجبر والمقابلة وقد ذكرها المحرر فقال ويستخرج ذلك بطريق الجبر بأن يقال عتق من العبد الثاني شيء وتبعه من كسبه مثله غير محسوب من الثلث فيبقى للوارث ثلاثمائة سوى شيئين يعدل مثلي ما أعتقا وهو مائة وشيء فمثلاه مائتان وشيئان وذلك مقابل ثلاثمائة سوى شيئين فتجبر وتقابل فمائتان وأربعة أشياء مقابل ثلاثمائة يسقط المائتين بالمائتين فتبقى أربعة أشياء في مقابلة مائة فالشيء خمسة وعشرون فعلمنا أن الذي عتق من العبد ربعه وتبعه من الكسب ربعه غير محسوب من الثلث اه كلامه وهو ظاهر
تتمة لو قال لأمته أول ولد تلدينه حر فولدت ميتا ثم حيا لم يعتق الحي لأن الصفة انحلت بولادة الميت
ولو قال لعبده المجهول نسبه لا على وجه الملاطفة أنت ابني وأمكن أن يكون ابنه بأن كان أصغر منه بما يتأتى معه أن يكون ابنه عتق عليه وثبت نسبه إن كان صغيرا أو كبيرا وصدقه ويعتق فقط إن كذبه وإن كان لا يمكن أن يكون منه لغا قوله فإن أمكن أن يكون منه وكان معروف النسب من غيره عتق عليه ولم يثبت نسبه
فصل في الولاء وهو بفتح الواو والمد لغة القرابة مأخوذ من الموالاة وهو المعاونة والمقاربة و شرعا عصوبة سببها زوال الملك عن الرقيق بالحرية وهي متراخية عن عصوبة النسب فيرث بها المعتق ويلي أمر النكاح والصلاة عليه ويعقل
والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى { ادعوهم لآبائهم } إلى قوله { ومواليكم } وقوله صلى الله عليه وسلم إنما الولاء لمن أعتق متفق عليه وقوله الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب رواه الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان
واللحمة بضم اللام لقرابة ويجوز فتحها
ولا يورث بل يورث به لأنه لو ورث لاشترك فيه الرجال والنساء كسائر الحقوق ولاختص الابن المسلم بالإرث به فيما لو مات المعتق المسلم عن ابنين مسلم ونصراني فأسلم النصراني ثم مات العتيق عنهما
( ومن عتق عليه رقيق ) أو مبعض ( بإعتاق ) منجز إما استقلالا أو بعوض كبيع العبد من نفسه أو ضمنا كقوله أعتق عبدك عني فأجابه أو معلقا على صفة وجدت ( أو كتابة ) بأداء نجوم ( وتدبير واستيلاد وقرابة ) كأن ورث قريبه الذي يعتق عليه أو ملكه ببيع أو هبة أو وصية ( وسراية ) كما مر في عتق أحد الشريكين الموسر نصيبه أو بإعتاق غيره رقيقه عنه بإذنه ( فولاؤه له ) أما بالإعتاق فللخبر السابق وأما بغيره
____________________
(4/506)
فبالقياس عليه
أما إذا أعتق غيره عبده عنه بغير إذنه فإنه يصح أيضا لكن لا يثبت له الولاء وإنما يثبت للمالك خلافا لما وقع في أصل الروضة من أنه يثبت له لا للمالك
ولو أعتق عبده على أن لا ولاء عليه أو على أن يكون سائبة أو على أنه لغير علم يبطل ولاؤه ولم ينتقل كنسبه لخبر الصحيحين كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل قضاء الله أحق وشرطه أوثق إنما الولاء لمن أعتق
واستثنى من ذلك ما لو أقر بحرية عبد ثم اشتراه فإنه يعتق عليه ولا يكون ولاؤه له بل هو موقوف لأن الملك بزعمه لم يثبت له وإنما عتق مؤاخذة له بقوله وما لو أعتق الكافر كافرا فلحق العتيق بدار الحرب واسترق ثم أعتقه السيد الثاني فولاؤه للثاني وما لو أعتق الإمام عبدا من عبيد بيت المال فإنه يثبت الولاء عليه للمسلمين لا للمعتق
تنبيه يثبت الولاء للكافر على المسلم كعكسه وإن لم يتوارثا كما تثبت علقة النكاح والنسب بينهما وإن لم يتوارثا ولا يثبت الولاء بسبب آخر غير الإعتاق كإسلام شخص على يد غيره وحديث من أسلم على يد رجل فهو أحق الناس بمحياه ومماته قال البخاري اختلفوا في صحته وكالتقاط
وحديث تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لا عنت عليه ضعفه الشافعي وغيره
وكالحلف والموالاة
( ثم لعصبته ) المتعصبين بأنفسهم كما مر في الفرائض دون سائر الورثة ومن يعصبهم العاصب لأنه لا يورث كما مر فلو انتقل إلى غيرهم لكان موروثا
تنبيه ظاهر كلامه أن الولاء لا يثبت للعاصب مع وجود المعتق وليس مرادا بل هو ثابت لهم في حياته وهو قضية قول الشيخين فيما إذا مات العتيق وهو مسلم والمعتق حر كافر وله ابن مسلم فميراثه للابن المسلم ولو قلنا لا يثبت لكان لبيت المال بل المتأخر لهم عنه إنما هو فوائده
وكان ينبغي للمصنف أن يقيد العصمة بما زدته في كلامه وكأنه استغنى عن ذلك بقوله ( ولا ترث امرأة بولاء ) فلو كان للمعتق ابن وبنت ورث الذكر دونها
ثم استثنى من ذلك قوله ( إلا من عتيقها ) للخبر السابق ( وأولاده ) وإن نزلوا ( وعتقائه ) وإن بعدوا
تنبيه كان ينبغي أن يقول إلا من معتقها أو متتم إليه بنسب أو ولاء لئلا يرد عليه ولد العتيقة الذي علقت به بعد العتق من حر أصلي فإن الأصح أنه لا ولاء لأحد عليه مع دخوله في عبارته
هذه المسألة قد تقدمت للمصنف في الفراض وذكرها هنا توطئة لقوله ( فإن عتق عليها أبوها ) كأن اشترته ( ثم أعتق عبدا فمات بعد موت الأب بلا وارث ) من النسب للأب والعبد ( فماله ) أي العتيق ( للبنت ) لا لكونها بنت معتقة لما مر أنها لا ترث بل لأنها معتقة للعتق
تنبيه محل ميراثها إذا لم يكن للأب عصبة فإن كان كأخ وابن عم فميراث العتيق له ولا شيء لها لأن معتق المعتق متأخر عن عصوبة النسب قال الشيخ أبو علي سمعت بعض الناس يقول أخطأ في هذه المسألة أربعمائة قاض فقالوا إن الميراث للبنت لأنهم رأوها أقرب وهي عصبة له بولائها عليه ووجه الغفلة أن المقدم في الولاء المعتق ثم عصبته ثم معتقه ثم عصباته وهكذا ووارث العبد ههنا عصبة فكان مقدما على معتق معتقه ولا شيء لها مع وجوده وقد مرت الإشارة إلى بعض ذلك في كتاب الفرائض ونسبة غلط القضاة في هذه الصورة حكاه الشيخان
قال الزركشي والذي حكاه الإمام عن غلطهم فيما إذا اشترى أخ وأخت أباهما فأعتق الأب عبدا ومات ثم مات العتيق فقالوا ميراثه بين الأخ والأخت لأنهما معتقا معتقه وهو غلط وإنما الميراث للأخ وحده
وقول المصنف بلا وارث يرجع للأب والعبد كما مر وإن ذكره في المحرر بالنسبة إلى الأب
( والولاء لأعلى العصبات ) لما رواه أبو داود وغيره عن عمر و عثمان و علي رضي الله عنهم الولاء للكبر وهو بضم الكاف وسكون الباء أكبر الجماعة في الدرجة والقرب دون السن مثاله ابن المعتق مع ابن ابنه فلو مات المعتق عن ابنين أو أخوين فمات أحدهما وخلف ابنا فالولاء لعمه دونه وإن كان هو الوارث لأبيه فلو مات الآخر وخلف تسعة بنين فالولاء بين
____________________
(4/507)
العشرة بالسوية
( ومن مسه رق ) فعتق ( فلا ولاء عليه ) لأحد ( إلا لمعتقه وعصبته ) فلا ولاء عليه لمعتق أحد من أصوله لأن نعمة من أعتقه عليه أعظم من نعمة من أعتق بعض أصوله فاختص بالولاء
وصورته إن ولد رقيق رقيقا من رقيق أو حر فأعتق الولد وأعتق أبوه أو أمه وهذا مستثنى من استرسال الولاء على أولاد المعتق وأحفاده
واستثنى الرافعي صورة أخرى وهي من أبوه حر أصلي فلا يثبت الولاء عليه لموالي الأم على الصحيح لأن الانتساب للأب ولا ولاء عليه فكذا الفرع فإن ابتداء حرية الأب تبطل دوام الولاء لموالي الأم كما سيأتي فدوامها أولى بأن يمنع ثبوتها لهم
أما عكسه وهو معتق تزوج بحرة أصلية ففي ثبوت الولاء على الولد وجهان أصحهما أنه يثبت تبعا للنسب والثاني لا لأنها أحد الوالدين فحريتها تمنع الولاء على الولد كالأب
ولا ولاء على ابن حرة أصلية مات أبوه رقيقا فإن عتق أبوه بعد ولادته فهل عليه ولاء تبعا لأبيه أم لا لأنه لم يثبت ابتداء فكذا بعده كما لو كان أبواه حرين وجهان رجح منهما البلقيني وصاحب الأنوار الأول
ومن ولد بين حرين ثم رق أبواه ثم زال رقهما لا ولاء عليه لأن نعمة الإعتاق لم تشمله لحصول الحرية له قبل ذلك نبه عليه الزركشي أخذا مما يأتي ثم أشار لولاء الانجرار بقوله ( ولو نكح عبد معتقة فأتت بولد فولاؤه لمولى الأم ) لأنه المنعم عليه فإنه عتق بإعتاق أمه ( فإن عتق الأب انجر ) الولاء من موالي الأم ( إلى مواليه ) أي الأب لأن الولاء فرع النسب والنسب إلى الآباء دون الأمهات وإنما ثبت لموالي الأم لعدمه من جهة الأب فإذا أمكن عاد إلى موضعه
تنبيه معنى الانجرار أن ينقطع من وقت عتق الأب عن موالي الأم فإذا انجر إلى موالي الأب فلم يبق منهم أحد لم يرجع إلى موالي الأم بل يكون الميراث لبيت المال
ولو لحق موالي الأب بدار الحرب فسبوا هل يعود الولاء لموالي الأم حكى ابن كج في التجريد فيه وجهين وينبغي أن يكون كالمسألة قبلها
ومحل الانجرار إلى موالى الأب إذا لم يكن معتق الأب هو الابن نفسه فإن اشترى أباه فعتق عليه فالأصح أن ولاء الابن باق لموالي أمه كما سيأتي
( ولو مات الأب رقيقا وعتق الجد انجر ) الولاء من موالي الأم ( إلى مواليه ) أي الجد لأنه كالأب في النسب والتعصيب فإنه يستقر بذلك ولا يتوقع فيه انجرار
( فإن أعتق الجد والأب رقيق انجر ) الولاء من موالي الأم إلى موالي الجد أيضا لما مر
( فإن أعتق الأب بعده ) أي الجد ( انجر ) من موالي الجد ( إلى مواليه ) أي الأب لأن الجد إنما جره لكون الأب كان رقيقا فإذا عتق كان أولى بالحر لأنه أقوى من الجد في النسب وإذا انقرض موالي الأب لا يعود إلى موالي الجد ولا إلى موالي الأم بل يبقى لبيت المال
( وقيل ) لا ينجر إلى موالي الجد بل ( يبقى لموالي الأم حتى يموت الأب فينجر إلى موالي الجد ) لأنه إنما لم ينجر لبقاء الأب رقيقا فإذا مات زال المانع
تنبيه المراد بالجد أبو الأب فإن الولاء لا ينجر من معتقي الأم إلى معتق أبي الأم بلا خلاف
( ولو ملك هذا الولد ) الذي ثبت عليه الولاء لموالي أبيه بسبب رق أمه ( أباه ) وعتق عليه ( جر ولاء إخوته ) لأبيه من موالي أمهم ( إليه ) أي الولد قطعا لأن الأب يعتق عليه فيثبت له الولاء عليه وعلى أولاده سواء أكانوا من أمه أم من معتقة أخرى
( وكذا ولاء نفسه ) جر من موالي أمه ( في الأصح ) في المحرر كإخوته كما لو أعتق الأب غيره ثم سقط ويصير كحر لا ولاء عليه
( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ( الأصح المنصوص لا يجره ) أي ولاء نفسه من موالي الأم إليه بل يستمر الولاء لهم ( والله أعلم ) لأنه لو جره لثبت له على نفسه ولا يمكن أن يكون له على نفسه ولاء
____________________
(4/508)
ولهذا لو اشترى العبد نفسه أو كاتبه سيده وأخذ النجوم يعتق ويكون الولاء لسيده
قال في المهمات والظاهر أن ما وقع في المحرر سهو
خاتمة لو أعتق عتيق أبا معتقه فلكل منهما الولاء على الآخر
وإن أعتق أجنبي أختين لأبوين أو لأب فاشتريا أباهما فلا ولاء لواحدة منهما على الأخرى
ولو خلق حر من حرين أصليين وأجداده أرقاء ويتصور ذلك في نكاح المغرور وفي وطء الشبهة ونحوهما فإذا عتقت أم أمه فالولاء عليه لمعتقها فإن عتق أبو أمه انجر الولاء إلى مولاه لأن جهة الأبوة أقوى واستقر عليه حتى لا يعوذ إلى من انجر إليه كما مر
ولو عتق كافر مسلما وله ابن مسلم وابن كافر ثم مات العتيق بعد موت معتقه فولاؤه للمسلم فقط ولو أسلم الآخر قبل موته فولاؤه لهما ولو مات في حياة معتقه فميراثه لبيت المال
كتاب التدبير هو لغة النظر في عواقب الأمور
و شرعا تعليق عتق بالموت الذي هو دبر الحياة فهو تعليق عتق بصفة لا وصية ولهذا لا يفتقر إلى إعتاق بعد الموت
ولفظه مأخوذ من الدبر لأن الموت دبر الحياة وقيل لأنه لم يجعل تدبيره إلى غيره وقيل لأنه دبر أمر حياته باستخدامه وأمر آخرته بعتقه
وكان معروفا في الجاهلية فأقره الشرع وقيل إنه مبتدأ في الإسلام
ولا يستعمل التدبير في غير العتق من الوصايا
والأصل في الباب قبل الإجماع خبر الصحيحين أن رجلا دبر غلاما ليس له مال غيره فباعه النبي صلى الله عليه وسلم فتقريره صلى الله عليه وسلم له وعدم إنكاره يدل على جوازه واسم الغلام يعقوب ومدبره مذكور الأنصاري
وفي سنن الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم باعه بعد الموت ونسبه إلى الخطأ
وأركانه ثلاثة صيغة ومالك ومحل
ويشترط في الركن الأول لفظ يشعر به وهو إما صريح وإما كناية
وقد بدأ بالقسم الأول منهما فقال ( صريحة ) الذي ينعقد به وهو ما لا يحتمل غير التدبير ألفاظ كثيرة منها قوله ( أنت حر ) أو حررتك ( بعد موتي أو إذا مت أو متى مت فأنت حر ) أو عتيق ( أو أعتقتك بعد موتي ) ونحو ذلك كأنت مفكوك الرقبة بعد موتي لأن هذه الألفاظ لا تحتمل غيره وهو شأن الصريح
( وكذا دبرتك أو أنت مدبر على المذهب ) المنصوص لاشتهاره في معناه
وفي قول مخرج من طريق ثان مخرج من الكتابة هو كناية لخلوه عن لفظ العتق والحرية
تنبيه كلامه يوهم الحصر فيما ذكره وليس مرادا كما علم مما ذكرته
ولو قال مثل كذا كان أولى
ثم شرع في القسم الثاني فقال ( ويصح بكناية عتق مع نية كخليت سبيلك بعد موتي ) ناويا العتق لأنه نوع من العتق فدخلته كنايته ومثل ذلك إذا مت فأنت حرام أو مسيب أو مالك نفسك ونحو ذلك من الألفاظ المحتملة
ويصح أيضا بلفظ التحبيس الذي هو من صرائح الوقف كما نقلاه في أثناء الباب عن كلام الشافعي في الأم
تنبيه لو دبر بعضه نظر إن كان مبهما كربعه صح فإذا مات عتق ذلك الجزء ولا يسري كما تقدم وإن كان الجزء معينا كيده لغا في أحد وجهين اقتضى كلام الرافعي ترجيحه واستظهره الزركشي
وقوله أنت حر بعد موتي أو لست بحر لا يصح كمثله في الطلاق والعتق وهذا كما قال الأذرعي فيما إذا أطلق أو جهلت إرادته فإن قاله في معرض الإنشاء عتق أو على سبيل الإقرار فلا قياسا على ما قالوه في الإقرار
( ويجوز ) التدبير مطلقا كما سبق و ( مقيدا )
____________________
(4/509)
بشرط في الموت بمدة يمكن بقاء السيد إليها ( كإن ) أو متى ( مت في ذا الشهر أو ) في ذا ( المرض فأنت حر ) قياسا على المطلق فإن مات على الصفة المذكورة عتق وإلا فلا
أما إذا لم يمكن بقاؤه إلى تلك المدة كأن مت بعد ألف سنة فأنت حر لا يكون تدبيرا على أصح الوجهين في البحر للقطع بأنه لا يبقى إلى هذه المدة
( و ) يجوز التدبير أيضا ( معلقا ) على شرط في الحياة ( كإن ) أو إذا أو متى ( دخلت ) الدار ( فأنت حر بعد موتي ) لأنه دائر بين أن يكون وصية أو تعليق عتق بصفة وكل منهما يقبل التعليق
( فإن وجدت الصفة ومات عتق وإلا فلا ) لعدم وجود الصفة ولا يصير مدبرا حتى يدخل
تنبيه أشعر كلامه بأن التدبير المعلق قسيم المقيد وليس مرادا بل قسيمه ما قبله وهو المطلق
( ويشترط ) في حصول العتق ( الدخول قبل موت السيد ) كسائر الصفات المعلق عليها فإن مات السيد قبل الدخول فلا تدبير ويلغو التعليق
( فإن قال ) إذا دخلت الدار بعد موتي أو ( إن مت ثم دخلت ) الدار ( فأنت حر اشترط ) في حصول العتق ( دخول بعد الموت ) عملا بمقتضى اللفظ من الترتيب في ذلك
تنبيه هذا تعليق عتق بصفة لا تدبير كسائر التعليقات فلا يرجع فيه بالقول قطعا لأن التدبير تعليق العتق بموته وحده وههنا علقه بموته ودخول الدار بعده وقضية تعبيره ثم إنه لو أتى بالواو ولم يشترط فيه ترتيب الدخول لكن نقلا عن البغوي الاشتراط أيضا
قال الإسنوي ونقل عنه أيضا قبيل الخلع ما يوافقه وخالف في الطلاق فجزم فيما لو قال إن دخلت الدار وكلمت زيدا فأنت طالق بأنه لا فرق بين تقديم الأول وتأخره
ثم قال وأشار في التتمة إلى وجه في اشتراط تقدم الأول بناء على أن الواو تقتضي الترتيب وقال الزركشي الصواب عدم الاشتراط هنا كما هناك وإلا فما الفرق اه
وهذا ظاهر
( وهو ) أي الدخول بعد الموت ( على التراخي ) لاقتضاء ثم ذلك
تنبيه مقتضى ذلك ترك العبد على اختياره حتى يدخل وفيه ضرر على الوارث والأوجه كما قاله بعض المتأخرين أن محله قبل عرض الدخول عليه فإن عرضه عليه فأبى الوارث بيعه كنظيره في المشيئة الآتية
( وليس للوارث بيعه ) وكذا كل تصرف يزيل الملك بعد الموت و ( قبل الدخول ) إذ ليس له إبطال تعليق الميت وإن كان للميت أن يبطله كما لو أوصى لرجل بشيء ثم مات ليس للوارث أن يبطله وإن كان للموصي إبطاله وليس للوارث منعه من الدخول وله كسبه قبله
( وقول قال ) أنت حر بعد موتي بشهر مثلا أو ( إذا مت ومضى شهر ) بعد موتي ( فأنت حر فللوارث ) كسبه و ( استخدامه ) وإجارته وإعارته ( في الشهر ) لبقائه على ملكه ( لا بيعه ) لما مر من أنه ليس له إبطال تعليق المورث
وهذا أيضا تعليق عتق بصفة لا تدبير على الأصح كما مر وهكذا كل تعليق بصفة بعد الموت كقوله إذا شئت الحرية بعد موتي أو شاء فلان ثم دخلت الدار فأنت حر
( ولو قال ) لعبده ( إن شئت فأنت مدبر أو أنت حر بعد موتي إن شئت اشترطت المشيئة ) لصحة التدبير والتعليق في الصورتين حال كونها ( متصلة ) اتصالا لفظيا بأن يوجد في الصورة الأولى عقب اللفظ وفي الثانية عقب الموت لأن الخطاب يقتضي جوابا في الحال كالبيع ولأنه كالتمليك والتمليك يفتقر إلى القبول في الحال
( وإن قال متى ) أو متى ما أو مهما ( شئت ) بدل إن شئت ( فللتراخي ) لأن متى موضوعة للزمان فاستوى فيها جميع الأزمان
ويشترط في الحال المشيئة قبل موت السيد كسائر الصفات المعلق بها إلا إذا صرح بالمشيئة بعد الموت أو نواها فيشترط بعده
وفي اشتراط الفور حينئذ تفصيل وهو إذا
____________________
(4/510)
قال فإذا مت فشئت فأنت حر اشترط فور المشيئة بعد الموت في الأصح وكذا سائر التعليقات المشتملة على الفاء فإن قال فإذا مت فمتى شئت فأنت حر فلا يشترط قطعا
وقوله إذا مت فأنت حر إن شئت أو إذا شئت أو أنت حر إذا مت إن شئت أو إذا شئت أو أنت حر إذا مت إن شئت أو إذا شئت يحتمل أن يريد به المشيئة في الحياة وبعد الموت فيعمل بنيته فإن لم ينو حمل على المشيئة بعد الموت وكذا سائر التعليقات التي توسط فيها الجزاء بين الشرطين كقوله لزوجته إن أو إذا دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا فإنه يعمل بنيته فإن لم ينو شيئا حمل تأخير الشرط الثاني على الأول
وتشترط المشيئة هنا فورا بعد الموت عند الأكثرين ومتى لم يعتبر الفور في المشيئة بعد الموت عرضت عليه فإن امتنع فللوارث بيعه كما مر
وشرط التدبير أن يكون التعليق بموت السيد ( و ) حينئذ ( لو قالا ) أي الشريكان ( لعبدهما إذا متنا فأنت حر لم يعتق حتى يموتا ) معا أو مرتبا ( فإن مات أحدهما فليس لوارثه بيع نصيبه ) ولا يتصرف فيه بما يزيل الملك لأنه صار مستحق العتق بموت الشريك وله التصرف فيه بما لا يزيل الملك كاستخدام أو إجارة وفي كسبه بين موت الشريكين وجهان أصحهما أنه للوارث خاصة
وهذا بخلاف ما لو أوصى بعتق عبد فاكتسب مالا بين الموت والإعتاق فإن الصحيح أن للعبد والفرق أن العتق مستحق حالة الاكتساب فإنه واجب على الفور بخلافه هنا ثم عتقه بموتهما معا تعليق عتق بصفة لا عتق بتدبير لأن كلا منهما لم يعلقه بموته بل بموته وموت غيره وفي موتهما مرتبا يصير نصيب المتأخر موتا مدبرا دون نصيب المتقدم
ويشترط لصحة التدبير بلوغ وعقل ( و ) حينئذ ( لا يصح تدبير مجنون ) أطلق جنون ( و ) لا تدبير ( صبي لا يميز ) لعدم أهليتهما للتبرع أما إذا تقطع جنونه ودبر في حال إفاقته يصح كما في البحر
ولو قال أنت حر إن جننت فجن هل يعتق قال صاحب الإفصاح يحتمل وجهين أحدهما نعم لأن الإيقاع حصل في الصحة والثاني المنع لأن المضاف للجنون كالمبتدأ فيه اه
والأول أوجه
( وكذا مميز ) لا يصح تدبيره ( في الأظهر ) كإعتاقه
والثاني المنع إذ لا تضيع فيه ولا يشترط في صحة التدبير إطلاق التصرف
( و ) حينئذ ( يصح من سفيه ) ولو محجورا عليه لصحة عبارته ولوليه الرجوع في تدبيره بالبيع للمصلحة ومن مفلس ولو بعد الحجر عليه ومن مبعض
ولا يشترط فيه أيضا إسلام
( و ) حينئذ يصح من ( كافر أصلي ) ولو حربيا كما يصح استيلاده وتعليقه العتق على صفة ومن سكران لأنه كالمكلف حكما
( وتدبير المرتد يبنى على أقوال ملكه ) فعلى الأظهر موقوف فإن أسلم بأن صحته وإلا فلا
وهذه المسألة مكررة فقد سبقت في باب الردة
( ولو دبر ثم ارتد لم يبطل ) تدبيره ( على المذهب ) صيانة لحق العبد عن الضياع ولأن الردة إنما تؤثر في العقود المستقبلة دون الماضية بدليل أنها لا تفسد البيع والهبة السابقين عليها
والطريق الثاني القطع بالبطلان
والثالث البناء على أقوال الملك
( ولو ارتد ) العبد ( المدبر ) أو استولى عليه أهل الحرب ( لم يبطل ) تدبيره وإن صار دمه يهدر لبقاء الملك فيه كما لا يبطل الاستيلاد والكتابة بها ثم إن مات السيد قبل عتقه عتق
ولو التحق بدار الحرب فسبي فهو على تدبيره ولا يجوز استرقاقه لأنه إن كان سيده حيا فهو له وإن مات فولاؤه له ولا يجوز إبطاله وإن كان سيده ميتا ففي جواز استرقاق عتيقه خلاف سبق في محله
ولو استولى الكفار على مدبر مسلم ثم عاد إلى يد المسلمين فهو مدبر كما كان
( والحربي ) دخل دارنا بأمان ( حمل مدبره ) الكافر الأصلي من دارنا ( إلى دارهم ) ولو جرى التدبير في دار الإسلام ولو لم يرض المدبر بالرجوع لأن أحكام الرق باقية فيه ويجوز له ما أثبته له
____________________
(4/511)
تنبيه حكم مستولدة الحربي كمدبره فيما مر بخلاف مكاتبه الكافر الأصلي فإنه في حكم الخارج عنه وبخلاف مدبره المرتد لبقاء عليه الإسلام كما يمنع الكافر من شرائه
( ولو كان لكافر عبد مسلم ) ملكه بإرث أو غيره من صور ملك الكافر للمسلم المذكورة في كتاب البيع ( فدبره نقض ) أي بطل تدبيره ( وبيع عليه ) لما في بقاء ملكه عليه من الإذلال
تنبيه قوله نقض وبيع عليه فيه تقديم وتأخير ومعناه بيع عليه ونقض تدبيره بالبيع قال في المهمات وقوله نقض هل معناه إبطاله بعد الحكم بصحته حتى لو مات السيد قبل إبطاله عتق العبد أو معناه الحكم بإبطاله من أصله وعلى الأول فهل يتوقف على لفظ أم لا فيه نظر اه
ولا وجه لتوقفه في ذلك كما قاله ابن شهبة فإنه لا خلاف في صحة تدبير الكافر المسلم وإنما الخلاف في الاكتفاء في إزالة الملك به
( ولو دبر كافر ) عبدا ( كافرا فأسلم ) العبد ( ولم يرجع السيد في التدبير ) بالقول بناء على صحة الرجوع به على القول المرجوح الآتي ( نزع ) العبد ( من يد سيده ) وجعل عند عدل دفعا للذل عنه ولا يباع بل يبقى مدبرا لتوقع الحرية
( وصرف كسبه ) أي العبد ( إليه ) أي سيده كما لو أسلمت مستولدته وينفق عليه منه فإن لم يكن كسب فنفقته على سيده
( وفي قول يباع ) عليه وينقض التدبير لأن العبد المسلم لا يبقى في يد الكافر
وعلى الأول لو لحق سيده بدار الحرب أنفق عليه من كسبه وبعث بالفاضل له
تنبيه لو أسلم مكاتب الكافر لم يبع فإن عجز بيع
( وله ) أي السيد ( بيع المدبر ) للخبر السابق أول الباب وفي معنى البيع كل تصرف يزيل الملك ويستثنى السفيه فإنه يصح تدبيره ولا يصح منه بيعه
قال ابن الرفعة ولو أراد الولي بيعه لأجل إبطال التدبير لم يجز لأنه لا حجر عليه كما ليس للولي أن يرجع فيه بالقول جزما
( والتدبير ) مقيدا كان أو مطلقا ( تعليق عتق بصفة ) لأن الصيغة صيغة تعليق هذا ما نقله الرافعي عن ترجيح الأكثرين
( وفي قول وصية ) للعبد بعتقه نظرا إلى اعتبار إعتاقه من الثلث وهذا ما نص عليه في البويطي واختاره المزني والربيع وكذا البلقيني وقال في الأم نصوص تدل على ما قررته فوق الثلاثين نصا ثم بسط ذلك
( فلو باعه ) أي السيد مدبره ( ثم ملكه لم يعد التدبير على المذهب ) أما على القول بأنه وصية فهو كما لو أوصى بشيء ثم باعه ثم عاد إلى ملكه وأما على القول بأنه تعليق عتق بصفة فعلى الخلاف في عود الحنث والأظهر أنه لا يعود وقيل يعود على القول بعود الحنث
( ولو رجع ) عنه ( بقول كأبطلته ) أو ( فسخته ) أو ( نقضته ) أو ( رجعت فيه صح إن قلنا ) بالرجوع وهو أن التدبير ( وصية ) كما يصح الرجوع عن الوصية بذلك ( وإلا ) بأن قلنا هو تعليق عتق بصفة ( فلا ) يصح القول كسائر التعليقات
تنبيه مراده بالقول اللفظ أو المنزل منزلته كما قاله الزركشي ليدخل الأخرس المفهوم الإشارة
وحذف المصنف حرف العطف من المعطوفات لغة بعض العرب كقولهم أكلت سمكا تمرا لحما شحما
( ولو علق مدبر ) أي علق عتقه ( بصفة ) كأن قال سيده بعد تدبيره المطلق إن دخلت الدار فأنت حر ( صح ) وبقي التدبير بحاله كما لو دبر المعلق عتقه بصفة ( وعتق بالأسبق من الموت والصفة ) تعجيلا للعتق فإن وجدت الصفة قبل الموت عتق بها وإن مات قبلها عتق بالتدبير
( وله ) أي السيد ( وطء ) أمة ( مدبرة ) له بقاء ملكه فيها كالمستولدة ولما روى الشافعي عن نافع عن ابن عمر أنه دبر أمته وكان يطؤها
( ولا يكون ) وطؤها لها ( رجوعا ) عن التدبير سواء عزل عنها أم لا
____________________
(4/512)
هذا إن لم يولدها ( فإن أولدها بطل تدبيره ) لأن الاستيلاد أقوى منه بدليل أنه لا يعتبر من الثلث ولا يمنع منه الدين بخلاف التدبير فرفعه بالأقوى كما رفع ملك اليمين النكاح
( ولا يصح تدبير أم ولد ) إذ لا فائدة فيه لأنها تستحق العتق بالموت بجهة هي أقوى منه كما مر
تنبيه ليس لنا ما يمتنع التدبير فيه مع وجود أهلية الملك إلا هذه الصورة
( ويصح تدبير مكاتب ) كما يصح تعليق عتقه بصفة فيكون مدبرا مكاتبا فيعتق بالأسبق من موت السيد وأداء النجوم فإن أدى المال قبل موت السيد عتق بالكتابة وبطل التدبير ولو عجز نفسه أو عجزه سيده بطلت الكتابة ويبقى التدبير وإن لم يؤد المال حتى مات السيد عتق بالتدبير قال الشيخ أبو حامد وبطلت الكفاية وقال ابن الصباغ عندي لا تبطل ويتبعه كسبه وولده كمن أعتق مكاتبا له قبل الأداء فكما لا يملك إبطال الكتابة بالإعتاق فكذا بالتدبير
قال أعني ابن الصباغ ويحتمل أن يريد الشيخ أبو حامد بالبطلان زوال العقد دون سقوط أحكامه اه
والصحيح كما قال الإسنوي ما قاله ابن الصباغ وبه جزم صاحب البحر وأول التأويل المذكور
ويؤخذ ذلك من مسألة الإحبال بطريق الأولى حيث لم تبطل الكتابة بالإحبال حتى يتبعها ولدها وكسبها مع كونها أقوى من التدبير
وإن لم يحتمل الثلث جميعه عتق منه بقدر الثلث بالتدبير ويبقى ما زاد مكاتبا وسقط عنه من النجوم بقدر ما عتق إن عتق نصفه فنصف النجوم أو ربعه فربعها
( و ) تصح ( كتابة مدبر ) كعكسه لاشتراكهما في العتق المقصود بهما فيكون مدبرا مكاتبا كما مر ويعتق بالسابق من الموت وأداء النجوم فإن أداها عتق بالكتابة وإن مات السيد قبل الأداء عتق بالتدبير
قال ابن المقري وبطلت الكتابة أخذا من كلام الشيخ أبي حامد في المسألة قبلها والأوجه كما قال شيخنا أخذا من مقابله فيها الذي جرى عليه هو عليه أنها لا تبطل فيتبعه كسبه وولده كما قال شيخنا ويحتمل الفرق بأن الكتابة هنا لاحقة وفيما مر سابقة اه
والأوجه عدم الفرق كما مر
ولو علق عتق المكاتب بصفة صح وعتق بالأسبق من وجود الصفة والأداء
تتمة تسمع الدعوى من العبد بالتدبير والتعليق على السيد في حياته وعلى ورثته بعد موته ويحلف السيد على البت والوارث على نفي العلم كما علم مما مر في الدعاوى ويقبل على الرجوع شاهد ويمين
وأما التدبير فلا بد في إثباته من رجلين لأنه ليس بمال وهو ما يطلع عليه الرجال غالبا
فصل في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها بصفة ما يذكر معه إذا ( ولدت مدبرة ) ولدا ( من نكاح أو ) من ( زنا ) أو من شبهة بأمة حدث بعد التدبير وانفصل قبل موت السيد ( لا يثبت للمولد حكم التدبير في الأظهر ) لأنه عقد يقبل الرفع فلا يسري إلى الولد كالرهن
والثاني يثبت كولد المستولدة بجامع العتق بموت السيد وبهذا قال الأئمة الثلاثة
أما إذا لم ينفصل بأن كانت حاملا عند موت السيد فإن الحمل يتبعها قطعا ولا يتبعها ولدها الذي ولدته قبل التدبير قطعا
( ولو دبر حاملا ) وأطلق ( ثبت له ) أي الحمل ( حكم التدبير على المذهب ) تبعا لها لأن الحمل بمنزلة عضو من أعضائها كما يتبعها في العتق والبيع
وفي قول من الطريق الثاني المبني على أن الحمل لا يعلم لا يثبت
ويعرف وجود الحمل بوضعه لدون ستة أشهر من حين التدبير وإن وضعته لأكثر من أربع سنين من حينئذ لم يتبعها أو لما بينهما فرق بين من لها زوجها يفترشها فلا يتبعها وبين غيرها فيتبعها وإن انفصل فيها قبل موت سيدها كما سبق في نظائرها
( فإن ماتت ) أي الأم في حياة السيد بعد انفصال الحمل ( أو رجع في تدبيرها ) بالقول بناء على المرجوح ( دام تدبيره ) أي الحمل أما في الأولى فكما لو دبر عبدين فمات أحدهما قبل موت السيد وأما في الثانية فكالرجوع
____________________
(4/513)
بعد الانفصال
( وقيل إن رجع ) وأطلق ( وهو ) أي الحمل ( متصل ) بها ( فلا ) يدوم تدبيره بل يتبعها في الرجوع كما يتبعها في التدبير
وفرق الأول بأن التدبير فيه معنى العتق والعتق له قوة
أما لو قال رجعت عن تدبيرها دون تدبيره فإنه يدوم فيه قطعا
( ولو دبر ) الأم دون حملها بأن استثناه صح كما صرح به الماوردي و الروياني وشرطا أن تلده قبل موت السيد فلو ولدته بعد موته بطل لأن الحرة لا تلد إلا حرا
وإن دبر ( حملا ) بمفرده ( صح ) أيضا كما يصح إعتاقه دونها ولا تتبعه الأم بخلاف عكسه لأن الحمل تابع فلا يكون متبوعا
( فإن مات ) السيد ( عتق ) الحمل ( دون الأم ) لما مر ( وإن باعها ) مثلا حاملا ( صح ) البيع ( وكان رجوعا منه ) أي عن تدبير الحمل قصد الرجوع أم لا لدخول الحمل في البيع
ولو قالت بعد موت السيد دبرني حاملا فالولد حر أو ولدته بعد موت السيد فهو حر وأنكر الوارث ذلك وقال في الأولى بل دبرك حائلا فهو قن وقال في الثانية بل ولدته قبل الموت أو قبل التدبير فهو قن صدق بيمينه في الصورتين وكذا إن اختلفا في ولد المستولدة هل ولدته قبل موت السيد أو بعده أو ولدته قبل الاستيلاد أو بعده
وتسمع دعوى المدبرة التدبير لولدها حسبة لتعلق حق الآدمي بهما حتى لو كانت قنة وادعت على السيد ذلك سمعت دعواها
( ولو ولدت المعلق عتقها ) بصفة ولدا من نكاح أو زنا وانفصل قبل وجود الصفة ( لم يعتق الولد ) بعتقها لأنه عقد يلحقه الفسخ فلم يتعد إلى الولد كالوصية والرهن
( وفي قول إن أعتقت بالصفة عتق ) الولد وهما كالقولين في ولد المدبرة
ولو كانت حاملا عند وجود الصفة عتق الحمل قطعا والحامل عند التعليق كالحامل عند التدبير فيتبعها الحمل
( ولا يتبع مدبرة ولد ) المملوك لسيده لأن الولد يتبع الأم في الرق والحرية لا أباه فكذا في سبب الحرية
( وجنايته ) أي المدبر منه وعليه ( كجناية قن ) كذلك لثبوت الملك عليه فإن قتل بجناية فات التدبير أو بيع فيها بطل التدبير فإن فداه السيد بقي ولا يلزمه إن قتل بجناية عليه أن يشتري بقيمته عبدا يدبره
ولو بيع بعضه في الجناية بقي الباقي مدبرا فإن مات السيد وقد جنى المدبر ولم يبعه ولم يختر فداه فموته كإعتاق القن الجاني
فإن كان السيد موسر أعتق وفدى من التركة لأنه أعتقه بالتدبير السابق ويفديه بالأقل من قيمته والأرش لتعذر تسليم المبيع وإن كان معسرا لم يعتق منه شيء إن استغرقته الجناية وإلا فيعتق منه ثلث الباقي ولو ضاق الثلث عن مال الجناية ففداه الوارث من ماله فولاؤه كله للميت لأن تنفيذ الوارث أجازة لا ابتداء عطية لأنه يتم به قصد المورث
( ويعتق ) المدبر كله أو بعضه ( بالموت ) لسيده لكنه محسوب ( من الثلث كله ) أي عتق المدبر كله إن خرج من الثلث ( أو ) يعتق ( بعضه ) إن لم يخرج كله من الثلث وذلك إنما يكون ( بعد الدين ) وبعد التبرعات المنجزة في المرض
وإن وقع التدبير في الصحة فإن استغرق الدين التركة لم يعتق منه شيء أو نصفها والتركة نفس المدبر فقط بيع نصفه في الدين وعتق ثلث الباقي منه
وإن لم يكن عليه دين ولا مال سواء عتق ثلثه
والحيلة في عتق جميعه بعد الموت أن يقول أنت حر قبل مرض موتي بيوم وإن مت فجأة فقبل موتي بيوم
فإذا مات بعد التعليق بأكثر من يوم عتق من رأس المال ولا سبيل عليه لأحد كما جزم به الرافعي في كتاب الوصية لتقدم عتقه في الصحة قبل موته
تنبيه مسألة المتن سبقت في الوصية في قوله ويعتبر من الثلث عتق علق بالموت وذكرت هنا توطئه لقوله ( ولو علق عتقا على صفة تختص بالمرض ) أي مرض الموت بأن لم توجد إلا فيه ( كأن دخلت ) الدار ( في مرض موتى فأنت حر ) ثم وجدت الصفة ( عتق من الثلث ) عند وجود الصفة كما لو نجز عتقه
( وإن احتملت ) الصفة
____________________
(4/514)
( الصحة ) والمرض بأن لم يقيده به ( فوجدت ) تلك الصفة ( في المرض فمن رأس المال ) يكون العتق ( في الأظهر ) اعتبارا بحالة التعليق لأنه لم يكن متهما بإبطال حق الورثة
والثاني يكون العتق من الثلث اعتبارا بوقت وجود الصفة
تنبيه محل الخلاف إذا وجدت الصفة بغير اختياره كنزول المطر فإن وجدت باختياره كدخول الدار اعتبر من الثلث جزما لأنه اختار العتق في مرضه قاله الرافعي تفقها وصرح به الماوردي
فرع لو علق عتق رقيقه بمرض مخوف فمرض وعاش عتق من رأس المال وإن مات منه فمن الثلث
ولو علق عتقه بصفة وهو مطلق التصرف فوجدت بغير اختياره وهو محجور عليه بفلس عتق اعتبارا بحال التعليق أو باختياره فلا
ولو وجدت الصفة وهو مجنون أو محجور عليه بسفه عتق بلا خلاف ذكره البغوي وفرق بأن حجر المرض والفلس لحق الغير وهو الورثة والغرماء بخلاف السفه والجنون
ولو مات سيد المدبر وماله غائب أو على معسر لم يحكم بعتق شيء منه حتى يصل للورثة من الغائب مثلا
فيتبين عتقه من الموت ويوقف كسبه فإن استغرق التركة دين وثلثها يحتمل المدبر فأبرىء من الدين تبين عتقه وقت الإبراء
( ولو ادعى عبده التدبير فأنكره ) سيده ( فليس ) إنكاره له ( برجوع ) عن التدبير ولو قلنا بجواز الرجوع بالقول كما أن جحود الردة لا يكون إسلاما وجحوده الطلاق لا يكون رجعة ( بل يحلف ) السيد أنه ما دبره لاحتمال أن يقر ولا يتعين اليمين بل له أن يسقط اليمين عن نفسه بأن يقول إن كنت دبرته فقد رجعت إن جوزنا الرجوع بالقول
فإن نكل حلف العبد وثبت تدبيره
وله أيضا أن يقيم البينة بتدبيره
( ولو وجد ) بعد موت السيد ( مع مدبر مال ) أو نحوه في يده فتنازع هو والوارث فيه ( فقال ) المدبر ( كسبته بعد موت السيد وقال الوارث ) بل كسبته ( قبله صدق المدبر بيمينه ) لأن اليد له فترجح وهذا بخلاف ولد المدبرة إذا قالت ولدته بعد موت السيد فهو حر وقال الوارث بل قبله فهو قن فإن القول قول الوارث لأنها تزعم حريته والحر لا يدخل تحت اليد
( وإن أقاما ) أي المدبر والوارث ( بينتين ) بما قالاه ( قدمت بينته ) أي المدبر على النص وقطع به لاعتضادها باليد
ولو أقام الوارث بينة أن المال كان في يده قبل عتقه فقال كان في يدي وديعة لرجل وملكته بعد العتق صدق بيمينه أيضا
ولو دبر رجلان أمتهما وأتت بولد وادعاه أحدهما لحقه وضمن لشريكه نصف قيمتها ونصف مهرها وصارت أم ولد له وبطل التدبير وإن لم يأخذ شريكه نصف قيمتها لأن السراية لا تتوقف على أخذها كما مر وما في الروض كأصله أن من أخذ القيمة رجوع في التدبير مبني على ضعيف وهو أن السراية تتوقف على أخذ القيمة ويلغو رد المدبر التدبير في حياة السيد وبعد موته كما في المعلق عتقه بصفة
خاتمة لو دبر السيد عبدا ثم ملكه أمة فوطئها فأتت بولد ملكه السيد سواء أقلنا أن العبد يملك أم لا ويثبت نسبه من العبد ولا حد عليه للشبهة
ولو قال لأمته أنت حرة بعد موتي بعشر سنين مثلا لم تعتق إلا بمضي تلك المدة من حين الموت ولا يتبعها ولدها في حكم الصفة إلا إن أتت به بعد موت السيد ولو قبل مضي المدة فيتبعها في ذلك فيعتق من رأس المال كولد المستولدة بجامع أن كلا منهما لا يجوز إرقاقها
ويؤخذ من القياس أن محل ذلك إذا علقت به بعد الموت
ولو قال لعبده إذا قرأت القرآن ومت فأنت حر فإن قرأ القرآن قبل موت سيده عتق بموته وإن قرأ بعضه لم يعتق بموت السيد
وإن قال إن قرأت قرآنا ومت فأنت حر فقرأ بعض القرآن ومات السيد عتق
والفرق التعريف والتنكير كذا نقله الرافعي عن النص
قال الدميري والصواب ما قال الإمام في المحصول أن القرآن يطلق على القليل والكثير لأنه اسم جنس كالماء والعسل لقوله تعالى { نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن } وهذا الخطاب كان بمكة بالإجماع لأن السورة مكية وبعد ذلك نزل قرآن كثير
وما نقل عن الإمام الشافعي رضي الله عنه ليس على هذا الوجه فإن القرآن بالهمز
____________________
(4/515)
عند الشافعي يقع على القليل والكثير والقرآن بغير همز عنده اسم جمع كما أفاده البغوي في تفسير سورة البقرة ولغة الشافعي بغير همزة والواقف على كلام الشافعي يظنه مهموزا وإنما ينطق في ذلك بلغته المألوفة لا بغيرها وبهذا اتضح الإشكال وأجيب عن السؤال
كتاب الكتابة وهي بكسر الكاف على الأشهر وقيل بفتحها كالعتاقة لغة الضم والجمع لأن فيها ضم نجم إلى نجم والنجم يطلق على الوقت الذي يحل فيه مال الكتابة كما سيأتي للعرف الجاري بكتابة ذلك في كتاب يوافقه
و شرعا عقد عتق بلفظها بعوض منجم بنجمين فأكثر
ولفظها إسلامي لا يعرف في الجاهلية وهي معدولة عن قواعد المعاملات من وجوه الأول أن السيد باع ماله بماله لأن الرقبة والكسب له
ال يثبت في ذمة العبد لمالكه مال ابتداء
الثالث يثبت الملك للعبد فإن هذا العقد يقتضي تسليطه على الملك مع بقائه على الرق ولكن جوزها الشارع لمسيس الحاجة فإن العتق مندوب إليه والسيد قد لا يسمح به مجانا والعبد لا مال له يفدي به نفسه فإذا علق عتقه بالكتابة استفرغ الوسع وتنامى في تحصيل الاكتساب لإزالة الرق فاحتمل الشرع فيها ما لا يحتمل في غيرها كما احتمل الجهالة في ربح القراض وعمل الجعالة للحاجة
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } وقوله صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقي عليه درهم
وكانت الكتابة من أعظم مكاسب الصحابة رضي الله تعالى عنهم قيل أول من كوتب عبد لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقال له أبو أمية
( هي مستحبة ) لا واجبة وإن طلبها الرقيق قياسا على التدبير وشراء القريب ولئلا يتعطل الملك وتتحكم المماليك على المالكين
وإنما تستحب ( إن طلبها رقيق ) كله أو بعضه كما سيأتي ( أمين قوى على كسب ) وبهما فسر الشافعي الخبر في الآية
واعتبرت الأمانة لئلا يضيع ما يحصله فلا يعتق والقدرة على الكسب ليوثق بتحصيل النجوم
ويفارق الإيتاء حيث أجري على ظاهر الأمر من الوجوب كما سيأتي لأنه مواساة وأحوال الشرع لا تمنع وجوبها كالزكاة
تنبيه قوله على كسب قد يوهم أنه أي كسب كان وليس مرادا بل لا بد أن يكون قادرا على كسب يوفي ما التزمه من النجوم
( قيل أو ) طلبها ( غير قوي ) إذا كان أمينا لأنه إذا عرفت أمانته أعين بالصدقات ليعتق والأول قال لا يوثق بذلك
( ولا تكره ) الكتابة ( بحال ) وإن انتفى الوصفان بل هي مباحة حينئذ لأنها قد تفضي إلى العتق
ويستثنى كما قال الأذرعي ما إذا كان الرقيق فاسقا بسرعة أو نحوها وعلم السيد أنه لو كاتبه مع العجز عن الكسب لاكتسب بطريق الفسق فإنها بها تكره بل ينبغي تحريمها لتضمنها التمكين من الفساد ولو امتنع الرقيق منها وقد طلبها سيده لم يجبر عليه كعكسه
وأركانها أربعة صيغة ورقيق وسيد وعوض
وقد شرع في الأول منها فقال ( وصيغتها ) أي صيغة إيجابها الصريح من جانب السيد الناطق قوله لعبده ( كاتبتك ) أو أنت مكاتب ( على كذا ) كألف ( منجما ) مع قوله ( إذا أديته فأنت حر ) لأن لفظ الكتابة يصلح لهذا وللمخارجة فلا بد من تمييزها فإذا قال فإن أديته فأنت حر تعين للكتابة
أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة بذلك
( ويبين ) وجوبا قدر العوض وصفته و ( عدد النجوم ) وقدرها ( وقسط كل نجم ) والنقد إن لم يكن ثم نقد غالب لأنها عقد معاوضة فاشترط فيه معرفة العوض كالبيع
ولا يشترط تساوي النجوم ولا يشترط تعيين ابتداء النجوم بل يكفي الإطلاق
____________________
(4/516)
ويكون ابتداؤها من العقد على الصحيح
تنبيه النجم الوقت المضروب والمراد هنا ويطلق على المال المؤدى فيه كما سيأتي
ويكفي ذكر نجمين
وهل يشترط في كتابة من بعضه حر التنجيم وجهان أصحهما الاشتراط لأنه وإن كان قد يملك ببعضه الحر ما يؤديه فلاتباع السلف
( ولو ترك ) في الكتابة الصحيحة ( لفظ التعليق ) للحرية على الأداء وهو قوله إذا أديته فأنت حر ( ونواه ) بقوله كاتبتك على كذا الخ ( جاز ) ذلك لأن المقصود منها العتق وهو يقع بالكناية مع النية جزما لاستقلال المخاطب به
أما الفاسدة فلا بد من التصريح بقوله فإذا أديته فأنت حر كما قاله القاضي حسين وغيره
( ولا يكفي لفظ كتابة بلا تعليق ولا نية ) له ( على المذهب ) المنصوص
وفي قول من طريق ثان مخرج يكفي كالتدبير
وأجاب الأول بأن التدبير كان معلوما في الجاهلية ولم يتغير والكتابة تقع على هذا العقد وعلى المخارجة كما مر فلا بد من تمييز باللفظ أو النية
ولا يتقيد بما ذكر بل مثله قوله فإذا برئت منه أو فرغت ذمتك فأنت حر ولا يكفي على الصحيح التمييز بغير ذلك إذا لم يكن معه لفظ الحرية كقوله وتعاملني أو أضمن لك أرش الجناية أو تستحق مني الإيتاء أو من الناس سهم الرقاب
وقول الأذرعي إنها تنعقد بذلك أو نواها به فتكون كناية فهو ظاهر
( ويقول المكاتب ) فورا في صيغة القبول ( قبلت ) وبه تتم الصيغة فلا تصح بدونه كسائر العقود ولا يغني عن القبول التعليق بالأداء
تنبيه قضية قوله ويقول المكاتب قبلت أنه لو قبل أجنبي الكتابة من السيد ليؤدي عن العبد النجوم فإذا أداها عتق أنه لا يصح وهو ما صححه في زيادة الروضة لمخالفة موضوع الباب فعلى هذا الوادي عتق العبد لوجود الصفة ورجع السيد على الأجنبي بالقيمة ورد له ما أخذ منه وتنعقد الكتابة بالاستيجاب والإيجاب
ولو قال أنت حر على ألف فقبل عتق في الحال ولزم الألف ذمته
وقول المحرر ويقول العبد أولى من قول المصنف ويقول المكاتب لأنه إنما يصير مكاتبا بعد القبول
ثم شرع في الركن الثاني والثالث وهما الرقيق والسيد فقال ( وشرطهما تكليف ) فيهما بكونهما بالغين عاقلين فلا يصح تكاتب الصبي والمجنون لأنهما مسلوبا العبارة ولا يكاتبان أيضا ولا أثر لإذن الولي للصبي أو المجنون في ذلك
تنبيه محل اشتراط التكليف في العبد إن صدرت الكتابة معه فإن صدرت عليه تبعا فلا لما سيأتي أن ولد المكاتبة مكاتب
وقد يفهم كلام المصنف أن السكران العاصي بسكره لا تصح كتابته لأنه يرى عدم تكليفه وقد مر الكلام على ذلك في الطلاق وغيره
( وإطلاق ) في التصرف فلا تصح الكتابة من محجور عليه بسفه أو فلس ولا من مكاتب عبد وأذن له سيده ولا من ولي المحجور عنه أبا كان أو غيره لأنها تبرع
تنبيه اشتراط الإطلاق في العبد لم يذكره أحد والذي نص عليه فيه الشافعي والأصحاب اعتبار البلوغ والعقل لا غير فلا يضر سفهه لأنه لم ينحصر الأداء من كسبه فقد يؤدي من الزكاة وغيرها
وقد ذكر المصنف ما لا يحتاج إليه وهو التكليف فإنه يستغنى عنه بإطلاق التصرف كما مر في العتق وترك ما يحتاج إليه وهو الاختيار فإن أكرها أو أحدهما فالكتابة باطلة
ولا يضركون السيد أعمى كما صححه المصنف تغليبا للعتق خلافا لصاحب الإبانة من اشتراط البصر
ويشترط كون السيد حر الكل فلا يصح من مبعض لأنه ليس أهلا للولاء
( وكتابة المريض ) مرض الموت تحسب ( من الثلث ) وإن كاتبه بأكثر من قيمته لأن كسبه له
( فإن كان له ) عند الموت ( مثلاه ) أي العبد بأن كانت قيمته ثلث تركته ( صحت كتابة كله ) لخروجه من الثلث سواء أكان ما خلفه مما أداه العبد أم لا ويبقى للورثة مثلاه
( فإن لم يملك ) ذلك المريض شيئا ( غيره وأدى ) المكاتب ( في حياته ) أي السيد ( مائتين ) وكان كاتبه عليهما ( وقيمته مائة عتق ) كله لأنه يبقى للورثة مثلاه وهما المائتان
( وإن أدى مائة ) وكان
____________________
(4/517)
كاتبه عليها ( عتق ثلثاء ) لأنه إذا أخذ مائة وقيمته مائة فالجملة مائتان فينفذ التبرع في ثلث المائتين وهو ثلثا المائة
واحترز بقوله وأدى في حياته عما لم يؤد شيئا حتى مات السيد فثلثه مكاتب فإن أدى حصته من النجوم عتق ولا يزيد العتق بالأداء لبطلانها في الثلثين فلا تعود
تنبيه هذا كله إذا لم يجز الوارث الكتابة في جميعه فإن أجاز في جميعها عتق كله أو في بعضها عتق ما أجاز والولاء للميت
ولو لم يملك إلا عبدين قيمتهما سواء فكاتب في المرض أحدهما وباع الآخر نسيئة ومات ولم يحصل بيده ثمن ولا نجوم صحت الكتابة في ثلث هذا والبيع في ثلث ذلك إذا لم يجز الوارث ولا يزاد في البيع والكتابة بأداء الثمن والنجوم
( ولو كاتب ) كافر أصلي رقيقه صح
وإن كاتب ( مرتد ) رقيقه ( بنى على أقوال ملكه فإن وقفناه ) وهو الأظهر ( بطلت على الجديد ) القائل بإبطال وقف العقود فلا يعتق بأداء النجوم وعلى القديم لا تبطل بل توقف إن أسلم تبينا صحتها وإلا بطلانها وهذه المسألة مكررة فإنه ذكرها في آخر الردة
تنبيه لا يبطل طرو ردة المكاتب ولا طرو ردة السيد بعدها وإن أسلم السيد اعتد بما أخذ حال ردته
وتصح كتابة عبد مرتد ويعتق بالأداء ولو في زمن ردته وإن قتل قبل الأداء فما في يده للسيد
ولو التحق سيد المكاتب بدار الحرب مرتدا ووقف ماله نادى الحاكم نجوم مكاتبه وعتق وإن عجز أو عجزه الحاكم رق فإن جاء السيد بعد ذلك بقي التعجيز
( ولا تصح كتابة مرهون ) لأنه معرض للبيع والكتابة تمنع منه فتنافيا
( و ) لا ( مكرى ) لأن منافعه مستحقة للمستأجر فلا يتفرغ للاكتساب لنفسه ولا الموصى بمنفعته كما فهم بالأولى ولا كتابة المغصوب إن لم يتمكن من التصرف في يد الغاصب وإطلاق العمراني المنع محمول على هذا
ثم شرع في الركن الرابع فقال ( وشرط العوض ) في الكتابة ( كونه دينا ) نقدا كان أو عوضا موصوفا بصفات السلم لأن الأعيان لا يملكها حتى يورد العقد عليها
( مؤجلا ) ليحصله ويؤديه فلا تصح بالحال لأن الكتابة عقد خالف القياس في وصفه
واتبع فيه سنة السلف والمأثور من الصحابة فمن بعدهم قولا وفعلا إنما هو التأجيل ولم يعقدها أحد منهم حالة ولو جاز لم يتفقوا على تركه مع اختلاف الأغراض خصوصا وفيه تعجيل عتقه
واختار ابن عبد السلام و الروياني في حليته جواز الحلول وهو مذهب الإمامين مالك و أبي حنيفة
فإن قيل لو اقتصر المصنف على الأجل لأغنى عن الدينية فإن الأعيان لا تقبل التأجيل وقد اعترض الرافعي بهذا على الوجيز ثم وقع فيه في المحرر
أجيب بأن دلالة الالتزام لا يكتفى بها في المخاطبات وهذان وصفان مقصودان لكن كان ينبغي أن يقول موصوفا بصفات السلم إن كان عوضا كما قدرته في كلامه
( ولو ) كان العوض ( منفعة ) كبناء دارين في ذمته وجعل لكل واحدة منهما وقتا معلوما كما يجوز أن تجعل المنافع ثمنا واحدا والمراد المنفعة التي في الذمة أما لو كان العوض منفعة عين فإنه لا يصح تأجيلها لأن الأعيان لا تقبل التأجيل
تنبيه ظاهر كلامه الاكتفاء بالمنفعة وحدها والمنقول أنه إن كان العوض منفعة عين حالة نحو كاتبتك على أن تخدمني شهرا أو تخيط لي ثوبا بنفسك فلا بد معها من ضميمة مال كقوله وتعطيني دينارا بعد انقضائه لأن الضميمة شرط فلم يجز أن يكون العوض منفعة عين فقط
فلو اقتصر على خدمة شهرين وصرح بأن كل شهر نجم لم يصح لأنهما نجم واحد ولا ضميمة
ولو كاتبه على خدمة رجب ورمضان فأولى بالفساد إذ يشترط في الخدمة والمنافع المتعلقة بالأعيان أن تتصل بالعقد
( ومنجما بنجمين فأكثر ) لأنه المأثور عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم فمن بعدهم ولو جازت على أقل من نجمين لفعلوه لأنهم كانوا يبادرون إلى القربات والطاعات ما أمكن ولأنها مشتقة من ضم النجوم بعضها إلى بعض
وأقل ما يحصل به الضم نجمان وقيل يكفي نجم واحد وقال في شرح مسلم إنه قول جمهور النجوم بعضها إلى بعض
وأقل ما يحصل به الضم نجمان وقيل يكفي نجم واحد وقال في شرح مسلم إنه قول جمهور أهل العلم اه
وبه قال أبو حنيفة و مالك ومال إليه ابن عبد السلام
____________________
(4/518)
تنبيه قضية إطلاقه أنها تصح بنجمين قصيرين ولو في مال كثير وهو كذلك لإمكان القدرة عليه كالسلم إلى معسر في مال كثير إلى أجل قصير
ويؤخذ من ذلك أنه لو أسلم إلى المكاتب عقب عقد الكتابة صح وهو أحد وجهين وجهه الرافعي بقدرته برأس المال
قال الإسنوي ومحل الخلاف في السلم الحال أما المؤجل فيصح فيه جزما كما صرح به الإمام
( وقيل إن ملك ) السيد ( بعضه وباقيه حر لم يشترط أجل وتنجيم ) في كتابته لأنه قد يملك ببعضه الحر ما يؤديه فلا يتحقق العجز في الحال فتستثنى هذه الصورة على هذا الوجه والأصح عدم الاستثناء لأنه تعبد
ولو جعلا مال الكتابة عينا من الأعيان التي ملكها ببعضه الحر قال الزركشي فيشبه القطع بالصحة ولم يذكروه اه
وظاهر كلامهم عدم الصحة
تنبيه يشترط بيان قدر العوض وصفته وأقدار الآجال وما يؤدى عند حلول كل نجم فإن كان على نقد كفى الإطلاق إن كان في البلد نقد مفرد أو غالب وإلا اشترط التبيين وإن كان على عوض وصفه بالصفات المشروطة في السلم كما مر
( ولو كاتب على ) منفعة عين مع غيرها مؤجلا نحو ( خدمة شهر ) من الآن ( ودينار عند انقضائه ) أو خياطة ثوب موصوف عند انقضائه ( صحت ) أي الكتابة لأن المنفعة مستحقة في الحال والمدة لتقريرها والتوفية فيها والدينار والخياطة إنما تستحق المطالبة بها بعد المدة التي عينها لاستحقاقه
وإذا اختلف الاستحقاق حصل تعدد النجوم ولا يضر كون المنفعة حالة لأن التأجيل يشترط لحصول القدرة وهو قادر على الاشتغال بالخدمة في الحال بخلاف ما لو كاتب على دينارين أحدهما حال والآخر مؤجل وبهذا يتبين أن الأجل وإن أطلقوا اشتراطه فليس ذلك بشرط في المنفعة التي يقدر على الشروع فيها في الحال
ويشترط للصحة أن تتصل الخدمة والمنافع المتعلقة بالأعيان بالعقد فلا تصح الكتابة على مال يؤديه آخر الشهر وخدمة الشهر الذي بعده لعدم اتصال الخدمة بالعقد كما أن الأعيان لا تقبل التأجيل بخلاف المنافع الملتزمة في الذمة
تنبيه قول المصنف عند انقضائه يفهم منه أنه لو قال بعد انقضائه بيوم أو بيومين مثلا أنه صح بطريق الأولى ولهذا لم يختلفوا فيه وفيما تقدم وجه بعدم الصحة
ولو كاتبه على خدمة شهر ودينار وفي أثنائه كقوله ودينار بعد العقد بيوم جاز في الأصح ولا يشترط بيان الخدمة بل يتبع فيها كما مرت الإشارة إليه في الإجارة
ولا يكفي إطلاق المنفعة بأن يقول كاتبتك على منفعة شهر مثلا لاختلاف المنافع
ولو كاتبه على خدمة شهر ودينار مثلا فمرض في الشهر وفاتت الخدمة انفسخت الكتابة في قدر الخدمة وفسخت في الباقي
وهل يشترط بيان موضع التسليم فيه الخلاف الذي في السلم فلو خرب المكان المعين الذي أدى في أقرب المواضع إليه على قياس ما في السلم
( أو ) كابته ( على أن يبيعه كذا ) أو يشتري منه كذا كثوب بألف ( فسدت ) أي الكتابة لأنه شرط عقد في عقد
تنبيه لو قال المصنف على ابتياع كذا لشمل صورة البيع والشراء
( ولو قال كاتبتك وبعتك هذا الثوب ) مثلا ( بألف ونجم الألف ) بنجمين مثلا كأن قال له يؤدى منها خمسمائة عند انقضاء النجم الأول والباقي عند انقضاء الثاني ( وعلق الحرية بأدائه ) وقبل العبد العقدين إما معا كقبلتهما أو مرتبا كقبلت الكتابة والبيع أو البيع والكتابة
كذا قالا وهو مخالف لما ذكره في الرهن من أن الشرط تقدم خطاب البيع على خلاف الرهن
( فالمذهب صحة الكتابة دون البيع ) فيبطل لتقدم أحد شقيه على أهلية العبد لمتابعة سيده وفي قول تبطل الكتابة أيضا ومال إليه البلقيني وهما قولا تفريق الصفقة
هذه الطريقة الراجحة والطريق الثاني فيها قول وقول بالبطلان وهما قولا الجمع بين عقدين مختلفي الحكم
وعلى صحة الكتابة فقد توزع الألف على قيمتي العبد
____________________
(4/519)
والثوب فما خص العبد يؤديه في النجمين مثلا فإذا أداه عتق
ولو قال كاتبتك على ألف في نجمين مثلا وبعتك الثوب بألف صحت الكتابة قطعا لتعدد الصفقة بتفصيل الثمن وأما البيع فقال الزركشي إن قدمه في العقد على لفظ الكتابة بطل وإن أخره فإن كان العبد قد بدأ بطلب الكتابة قبل إجابة السيد صح البيع وإلا فلا اه
وهذا ممنوع لتقدم أحد شقي البيع على أهلية العبد لمبايعة سيده
واستثنى البلقيني من عدم صحة البيع ما إذا كان المكاتب مبعضا وبينه وبين سيده مهايأة وكان ذلك في نوبة الحرية فإنه يصح البيع أيضا لفقد المقتضى للإبطال وقد تقدم أحد شقيه على أهلية العبد لمعاملة السيد قال ويجوز معاملة المبعض مع السيد في الأعيان مطلقا وفي الذمة إذا كان بينهما مهايأة
قال ولم أر من تعرض لذلك وهو دقيق الفقه
( ولو كاتب عبدا ) كثلاثة صفقة واحدة ( على عوض ) واحد كألف ( منجم ) بنجمين مثلا ( وعلق عتقهم بأدائه ) كما إذا قال كاتبتكم على ألف إلى وقت كذا وكذا فإذا أديتم فأنتم أحرار ( فالنص صحتها ) لأن مالك العوضين واحد والصادر منه لفظ واحد فصار كما لو باع عبدين من واحد
( ويوزع ) المسمى ( على قيمتهم يوم الكتابة ) فإن كانت قيمة أحدهم مائة والآخر مائتين والآخر ثلاثمائة فعلى الأول سدس المسمى وعلى الثاني ثلثه وعلى الثالث نصفه
( فمن أدى حصته عتق ) لوجود الأداء ولا يتوقف على أداء الباقي
( ومن عجز ) أو مات ( رق ) لأنه لم يوجد الأداء منه
وإنما اعتبرت القيمة يوم الكتابة لأنها وقت الحيلولة بين السيد وبينهم ومقابل النص قول مخرج ببطلان كتابتهم
( وتصح كتابة بعض من باقيه حر ) لأنها تفيد الاستقلال المقصود بالعقد ( فلو كاتب كله ) أي جميع العبد الذي بعضه حر سواء أكان عالما بحرية بعضه أم معتقدا رق كله فبان حر البعض ( صح في الرق في الأظهر ) من قولي تفريق الصفقة وبطل في الآخر منهما
وعلى الأول يعتق إذا أدى قسط الرقيق من المسمى
ثم اعلم أن من شرط الكتابة لمن كله رقيق استيعاب الكتابة له ( و ) حينئذ ( لو كاتب بعض رقيق فسدت ) هذه الكتابة ( إن كان باقيه لغيره ولم يأذن ) في كتابته لعدم الاستقلال ولأن القيمة تنقص بذلك فيتضرر الشريك
( وكذا إن أذن ) الغير له فيها ( أو كان ) ذلك البعض ( له على المذهب ) المنصوص لأن المكاتب يحتاج إلى التردد حضرا وسفرا لاكتساب النجوم ولا يستقل بذلك إذا كان بعضه رقيقا فلا يحصل مقصود الكتابة وأيضا لا يعطى من سهم المكاتبين لأنه يصير بعضه ملكا لمالك الباقي فإنه من أكسابه بخلاف ما إذا كان باقيه حرا
والطريق الثاني القطع بالأول وهو الراجح في الثانية
تنبيه استثني من الفساد في كتابة البعض صور منها ما لو كاتب في مرض موته بعض عبده وذلك البعض ثلث ماله فإنه يصح قطعا قاله الماوردي
ومنها ما لو كان بعض العبد موقوفا على خدمة مسجد ونحوه من الجهات العامة وباقيه رقيق فكاتبه مالك بعضه قال الأذرعي يشبه أن يصح على قولنا في الوقف أنه ينتقل إلى الله تعالى لأنه يستقل بنفسه في الجملة ولا يبقى عليه أحكام ملك بخلاف ما إذا وقف بعضه على معين اه
والأوجه كما قال شيخنا خلافا لمنافاته التعليلين السابقين ولو أسلم فالبناء المذكور لا يختص بالوقف على الجهات العامة
ومنها ما إذا أوصى بكتابة عبده فلم يخرج من الثلث إلا بعضه ولم تجز الورثة فالأصح أنه يكاتب ذلك البعض
ومنها ما لو مات عن ابنين وخلف عبدا فأقر بأحدهما أن أباه كاتبه وأنكر الآخر كان نصيبه مكاتباه قاله في الخصال وفي استثناء هذه كما قال ابن شهبة نظر
ومثله ما لو ادعى العبد على سيده أنهما كاتباه فصدقه أحدهما وكذبه الآخر
( ولو ) تعدد السيد كشريكين في
____________________
(4/520)
عبد ( كاتباه معا أو وكلا ) من كاتبه أو وكل أحدهما الآخر ( صح إن اتفقت النجوم ) جنسا وصفة وعددا وأجلا
وفي هذا إطلاق النجم على المؤدى لقوله ( وجعل المال ) المكاتب عليه ( على نسبة ملكيهما ) سواء صرحا باشتراط ذلك أم لا لئلا يؤدي إلى انتفاع أحدهما بمال الآخر
تنبيه قوله نسبة ملكيهما يفهم أنه لا يشترط تساوي الشريكين في ملك العبد الذي يكاتبانه وهو الصحيح وأنه متى اختلفت النجوم أو شرطا التفاوت في النجوم مع تساويها في الملك أو بالعكس لم يصح وهو كذلك
( فلو عجز ) العبد ( فعجزه أحدهما ) وفسخ الكتابة ( وأراد الآخر إبقاءه ) العقد ( فكابتداء عقد ) فلا يجوز بغير إذن الشريك الآخر على المذهب ولا بإذنه على الأظهر كما في الروضة لما مر
( وقيل يجوز ) بالإذن قطعا لأن الدوام أقوى من الابتداء
تنبيه تعبير المصنف عن هذه الطريقة ب قيل مخالف لاصطلاحه وإن كان الأصحاب كما قال الرافعي يتوسعون في جعل طرق الأصحاب أوجها
( ولو أبرأ ) واحد ممن كاتبا العبد معا ( من نصيبه ) من النجوم ( أو أعتقه ) أي نصيبه من العبد ( عتق نصيبه ) منه تنزيلا له منزلة الابتداء ( وقوم ) عليه ( الباقي ) وسرى العتق عليه وكان الولاء له ( إن كان موسرا ) أما في العتق فلما مر في بابه وأما في الإبراء فلأنه أبرأه من جميع ما يستحقه فأشبه ما لو كاتب جميعه وأبرأه عن النجوم
تنبيه كلامه يفهم أن التقويم والسراية في الحال وهو قول والأظهر أنه أدى نصيب الآخر من النجوم عتق عنه والولاء بينهما
وإن عجز وعاد إلى الرق فحينئذ يسري ويقوم ويكون كل الولاء له وإن كان معسرا فلا يقوم عليه
وخرج بالإبراء والإعتاق ما لو قبض نصيبه فلا يعتق وإن رضي الآخر بتقديمه إذ ليس له تخصيص أحدهما بالقبض وإن مات قبل التعجيز والأداء مات مبعضا
وإن ادعى أنه وفاهما وصدقه أحدهما وحلف الآخر عتق نصيب المصدق ولم يسر وللمكذب مطالبة المكاتب بكل نصيبه أو بالنصف منه ويأخذ نصف ما بيد المصدق ولا يرجع به المصدق وترد شهادة المصدق على المكذب
وإن ادعى دفع الجميع لأحدهما فقال له بل أعطيت كلا منا نصيبه عتق نصيب المقر ولم تقبل شهادته على الآخر وصدق في أنه لم يقبض نصيب الآخر بحلفه ثم للآخر أن يأخذ حصته من المكاتب إن شاء أو يأخذ من المقر نصف ما أخذ ويأخذ النصف الآخر من المكاتب ولا يرجع المقر بما غرمه على المكاتب كما مر نظيره
فصل فيما يلزم السيد بعد الكتابة وما يسن له وما يحرم عليه وبيان حكم ولد المكاتبة وغير ذلك ( يلزم السيد ) بعد صحة كتابة رقيقه ( أن يحط عنه جزءا من المال ) المكاتب عليه ( أو يدفعه إليه ) بعد أخذ النجوم ليستعين به لقوله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } فسر الإيتاء بما ذكر وظاهر الأمر الوجوب وإنما خرجنا عنه في الكتابة لدليل ولم يقم دليل على حمل الإيتاء على الاستحباب فيعمل بما اقتضاه الظاهر
تنبيه الألف واللام في المال للعهد أي مال الكتابة فأفهم أنه يحط عنه جزءا آخر من المال المعقود عليه أو يدفع إليه جزءا منه بعد قبضه
والأول ظاهر وأما الثاني فالأصح أنه لا يتعين ذلك وإنما يتعين أن يكون من جنسه فإن أعطاه من غير جنسه لم يلزمه قبوله ولكن يجوز وإن كان من جنسه وجب قبوله فإن مات السيد ولم يؤته لزم الوارث أو وليه الإيتاء فإن كان النجم باقيا تعين منه وقدم على الدين وإن تلف النجم قدم الواجب على
____________________
(4/521)
الوصايا وإن أوصى بأكثر من الواجب فالزائد من الوصايا
وأفهم كلام المصنف أن السيد لو أبرأ الرقيق عن جميع النجوم أنه لا يجب الإيتاء وهو الأصح كما اقتضاه كلامهما في الصداق لزوال مال الكتابة وكذا لو وهبها له كما قاله الزركشي
واستثنى المحاملي وغيره صورتين لا يلزم الإيتاء فيهما أن يكاتبه على منفعة نفسه أو يكاتبه في مرض موته ولا يحتمل الثلث أكثر من قيمته وكذا لو باعه نفسه أو أعتقه بعوض
وإذا لم يبق من النجوم إلا القدر الواجب في الإيتاء لا يسقط ولا يحصل التعارض لأن الأصح أن الحط أصل فللسيد أن يؤتيه من غيره وليس للسيد تعجيزه كما سيأتي في الفصل الآتي لأن له عليه مثله لكن يرفعه إلى الحاكم حتى يرى رأيه ويفصل الأمر بينهما
( والحط ) عن المكاتب ( أولى ) من الدفع إليه فإنه المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم قولا وفعلا ولأن المقصود إعانته ليعتق والإعانة في الحط محققة وفي الدفع موهومة فإنه قد ينفق المال في جهة أخرى
تنبيه قضية كلامه أن الواجب أحد الأمرين وليس أحدهما بدلا عن الآخر وهو وجه الأصح المنصوص في الأم أن الحط أصل والإيتاء بدل عنه
( و ) الحط أو الدفع ( في النجم الأخير أليق ) لأنه أقرب إلى العتق وقد روى مالك في الموطأ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كاتب عبدا على خمسة وثلاثين ألفا ووضع منها خمسة آلاف وذلك من آخر نجمه
( والأصح أنه يكفي ما يقع عليه الاسم ) من المال ( ولا يختلف بحسب المال ) قلة وكثرة لأنه لم يرد فيه تقدير وهذا ما نقلاه عن نص الأم وعبارة الروضة أقل متمول وهو المراد من عبارة الكتاب قال البلقيني إن هذا من المعضلات فإن إتيان فلس لمن كوتب على ألف درهم تبعد إرادته بالآية الكريمة
وأطال في ذلك
ونقل الزركشي عن إسحاق بن راهويه أنه قال أجمع أهل التأويل في قوله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } أنها ربع الكتابة ويمكن حمل هذا على الندب كما سيأتي
والثاني لا يكفي ما ذكر ويختلف بحسب المال فيجب ما يليق بالحال فإن لم يتفقا على شيء قدره الحاكم باجتهاده
تنبيه لو كاتب شريكان مثلا عبدا لزم كلا منهما ما يلزم المنفرد بالكتابة كما بحثه بعض المتأخرين
( و ) الأصح ( أن وقت وجوبه ) أي الحط أو الدفع ( قيل العتق ) ليستعين به عليه ولأنه معان بمالين زكاة وإيتاء فلما كانت الزكاة قبل العتق فكذلك الإيتاء
والثاني بعده لينتفع به
وعلى الأول إنما يتعين في النجم الأخير ويجوز من أول عقد الكتابة لأنها سبب الوجوب كما تقول الفطرة تجب بغروب شمس ليلة العيد ووقت الجواز من أول رمضان لأنه سبب الوجوب هذا ما صرح به ابن الصباغ
وقيل يجب بالعتق وجوبا موسعا ويتضيق عند العتق وبهذا صرح في التهذيب
وقيل إنه يتضيق إذا بقي من النجم الأخير القدر الذي يحمله أو يؤتيه إياه
وعبارة المصنف صادقة بكل من ذلك وعلى كل لو أخر عن العتق أثم وكان قضاء فقول الروضة ويجوز بعد الأداء والعتق لكن يكون قضاء فيه تسمح
( ويستحب الربع ) أي حط قدر ربع مال الكتابة إن سمح به السيد ( وإلا فالسبع ) روى حط الربع النسائي وغيره عن علي رضي الله عنه وروي عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى حط السبع مالك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
قال البلقيني بقي بينهما حط السدس رواه البيهقي عن أبي سعيد مولى أبي أسيد
( ويحرم ) على السيد ( وطء مكاتبته ) كتابة صحيحة لاختلال ملكه فيها بدليل خروج اكتسابها عنه وإن لم يقطع ملكه عنها كالطلاق الرجعي ولو شرط في الكتابة أن يطأها فسد العقد خلافا ل مالك حيث يصح العقد ويلغو الشرط
( ولا حد ) على السيد ( فيه ) أي وطء مكاتبته وإن علم التحريم لشبهة الملك لكن يعذر عند العلم بالتحريم على الصحيح وكذا هي
تنبيه اقتصار المصنف على الوطء قد يفهم جواز ما عدا الاستمتاع وليس مرادا فقد قال في زوائد الروضة
____________________
(4/522)
في كتاب الظهار إنه يحرم منها كل استمتاع قال وكذا المبعضة
وأما النظر إليهما ونظر المكاتب أي المبعض إلى سيدته فقد مر في كتاب النكاح
( ويجب ) عليها بوطئها ( مهر ) وإن طاوعته لشبهة الملك
تنبيه ظاهر إطلاقه وجوب مهر واحد وإن تكرر وهو الأصح كما في زيادة الروضة في الصداق
هذا حيث لم تقبض الصداق فإن كان وطئها ثانيا بعد قبضها المهر وجب لها مهر ثان
( والولد ) الحاصل من وطء السيد ( حر ) نسيب لأنها علقت به في ملكه
( ولا تجب ) عليه ( قيمته على المذهب ) لانعقاده حرا لأنه من أمته
وفي قول لها قيمته بناء على قول يأتي أن حق الملك في ولدها من غيره
والأول مبني على مقابله الأظهر أن حق الملك فيه للسيد مع قول آخر أنه مملوك
( وصارت ) بعد وضع الولد ( مستولدة مكاتبة ) فيكون لعتقها سببان ولا يبطل الاستيلاد حكم لكتابة لأن مقصودهما واحد وهو العتق
تنبيه المراد بكونها تصير مكاتبة أنها مستمرة على كتابتها وإلا فالكتابة ثابتة لها قبل ذلك
ولو قال كالمحرر وهي مستولدة مكاتبة كان أولى
فإن أدت النجوم عتقت عن الكتابة وتبعها كسبها وولدها
( فإن عجزت عتقت بموته ) أي السيد عن الاستيلاد وعتق معها أولادها الحادثون بعد الاستيلاد من قبله
ولو مات قبل عجزها عتقت أيضا لكن الأصح أنها تعتق عن الكتابة كما لو أعتق مكاتبه منجزا أو علقه بصفة فوجدت قبل الأداء ويتبعها كسبها وأولادها الحادثون بعد الكتابة
تنبيه وطء أمة المكاتب حرام على السيد ولا حد عليه بوطئها
ويلزمه المهر بوطئها جزما فإن أحبلها فالولد حر نسيب للشبهة ولا تجب عليه قيمته وتصير الأمة مستولدة له ويلزمه قيمتها لسيدها
ومن كاتب أمة حرم عليه وطء بنتها التي تكاتبت عليها ويلزمه المهر ولا حد للشبهة وينفق عليها منه ومن باقي كسبها ويوقف الباقي
فإن عتقت مع الأم فهو لها وإلا فللسيد فإن أحبلها صارت أم ولد ويلزمه قيمتها للمكاتب والولد حر نسيب لا تجب قيمته لأنه قد ملك الأم ولا قيمة أمه لأنها لا تملكها وتعتق إما بعتق أمها أو موت سيدها
( وولدها ) أي المكاتبة الحادث بعد الكتابة وقبل العتق ( من نكاح أو زنا مكاتب في الأظهر يتبعها رقا وعتقا ) لأن الولد من كسبها فيوقف أمره على رقها وحريتها لأنه يتبعها في سبب الحرية كما يتبعها في الحرية كولد المستولدة
( وليس عليه شيء ) للسيد إذ لم يوجد منه التزام
والثاني هو مملوك للسيد يتصرف فيه بالبيع وغيره كولد المرهونة
تنبيه قوله مكاتب المراد أنه يثبت له حكم الكتابة كما عبر به في المحرر لا أنه يصير مكاتبا ولهذا قال في عقبه يتبعها رقا وعتقا والمراد يتبعها في العتق إذا عتقت بالكتابة أما إذا رقت ثم عتقت بجهة أخرى غير الكتابة الأولى لا يتبعها في العتق
وقد توهم عبارته إرادة ما سبق في المكاتبة المستولدة وليس مرادا بل هذا في المكاتبة المجردة
ولا يلزم من قولنا يثبت له حكم الكتابة أنه كالمكاتب من كل وجه ولهذا قال البلقيني ويستثنى من حكم المكاتب صور إحداها أن للسيد مكاتبتة كما جزم به الماوردي لأن الحاصل كتابته تبعية
الثانية أن أرش الجناية عليه ليس له
الثالثة لو كانت أنثى فوطئها السيد لم يجب عليه مهر تفريعا على الأصح أن حق الملك في الولد للسيد كما قال المصنف
( والحق فيه ) أي الولد ( للسيد ) كما أن حق الملك في الأم له
( وفي قول لها ) أي المكاتبة لأنه مكاتب عليه فيكون الحق فيه لها
تنبيه محل هذا الترجيح ما إذا لم يكن ولدها من عبدها فإن كان منه ففي أصل الروضة يشبه أن يكون كولد المكاتب من جاريته يعني فيكون الملك فيه للأم قطعا
قال البلقيني وعندي أنه وهم فإن المكاتب يملك جاريته والولد يتبعه أمه في الرق وولد المكاتبة إنما جاءه الرق من أمه لا من رق أبيه الذي هو عبدها انتهى
____________________
(4/523)
وهذا أوجه
ثم فرع على القولين مسائل أشار إليها بقوله ( فلو قتل ) الولد ( فقيمته لذي الحق ) منهما فإن قلنا للسيد فقيمته له كقيمة الأم أو للأم فلها تستعين بها في أداء النجوم
( والمذهب ) ولو عبر بالأظهر لكان أولى لأن الخلاف قولان ( أن أرش جنايته عليه ) أي ولد المكاتبة فيما دون نفسه ( و ) أن ( كسبه ومهره ينفق منها عليه وما فضل ) عن ذلك ( وقف فإن عتق فله وإلا فللسيد ) كما أن كسب الأم إذا عتقت يكون لها وإلا فللسيد وفي وجه لا يوقف بل يصرف إلى سيدها
هذا كله على قول أن حق الملك فيه لسيدها وعلى قول أنه لها فيكون لها ما ذكر من الأرش وغيره لها
فإن لم يكن له كسب أو لم يف بمؤنته فعلى السيد مؤنته في الأول وبقيتها في الثانية ويصدق السيد بيمينه أنه ولد قبل الكتابة حتى يكون رقيقا له وإن أمكن أنه ولد بعدها لأنه اختلاف في وقف الكتابة فيصدق فيه كأصلها ولأن جواز التصرف فيما يحدث من ملكه وهي تدعي حدوث مانع منه
فإن نكل عن اليمين قال الدارمي قال ابن القطان وقف الأمر حتى يبلغ الولد ويحلف
وقيل إن الأم تحلف
فإن شهد للسيد بدعواه أربع نسوة قبلن وإن أقاما بينتين تعارضتا
( ولا يعتق شيء من المكاتب حتى يؤدي ) للسيد ( الجميع ) من النجوم لحديث المكاتب قن ما بقي عليه درهم وفي معنى أدائه حط الباقي عنه الواجب والإبراء منه والحوالة به ولا تصح الحوالة عليه ولا الاعتياض عنه
تنبيه لو كاتبه مطلقا وأدى بعض المال ثم أعتقه على أن يؤدي الباقي بعد العتق صح
ولو شرط السيد أنه إذا أدى النجم الأول عتق وبقي الباقي في ذمته يؤديه بعد العتق صح أيضا كما يقتضيه كلام الروضة
( ولو أتى ) المكاتب ( بمال فقال ) له ( السيد هذا حرام ) أي لا تملكه ( ولا بينة ) له بذلك ( حلف المكاتب أنه حلال ) مملوك له عملا بظاهر اليد ( ويقال للسيد ) حينئذ ( تأخذه أو تبرئه عنه ) أي عن قدره ويجبر على أحد الأمرين
فإن قيل كيف تأمر السيد بأخذه وهو يقر بكونه حراما أجيب بأنا لم نأمره بالقبض عينا بل خيرناه فإن اختار الإبراء فذاك وإن اختار القبض ففيه تفصيل فإن أكذب نفسه وقال هو للمكاتب قيل كما قاله الإمام ونفذ تصرفه فيه وإن أقر به لغيره لزمه دفعه إليه إن صدقه مؤاخذة له بإقراره وإن لم يقبل قوله على المكاتب وإن لم يعين مالكا أو عينه ولم يصدقه أقر في يده ويمنع من التصرف فيه
( فإن أبى قبضه القاضي ) وعتق المكاتب إن أدى الكل
( فإن نكل المكاتب ) عن الحلف ( حلف السيد ) أنه ليس له ملكه لغرض امتناعه من الحرام
تنبيه هذا إذا لم يكن أصله على التحريم فإن كان كما إذا أتى إليه بلحم فقال هذا حرام لأنه غير مذكى فقال بل مذكى صدق السيد لأن الأصل عدم التذكية
واحترز المصنف بقوله ولا بينة عما لو أقام السيد بينة على ما يقوله فلا يجبر وتسمع بينته لأن له فيه غرضا ظاهرا وهو الامتناع من الحرام
ولا يثبت بها ولا بيمينه ملك لمن عينه له
ولا يسقط بحلف المكاتب حق من عينه
( ولو خرج ) أي ظهر في حياة المكاتب كون ( المؤدى ) من النجوم أو بعضها ( مستحقا ) ببينة شرعية وإلزام الحاكم لا بإقراره أو يمين مردودة ( رجع السيد ببدله ) لفساد القبض
تنبيه المراد أنه يرجع بمستحقه ولو عبر به لكان أولى
( فإن كان في النجم الأخير بان أن العتق لم يقع ) لبطلان الأداء فإن ظهر الاستحقاق بعد موت المكاتب بان أنه مات رقيقا وأن ما ترك للسيد دون الورثة
____________________
(4/524)
تنبيه لا يتقيد ذلك بالنجم الأخير فلو كان في غيره ودفع الأخير على وجه معتبر تبين بخروج غيره مستحقا كونه لم يعتق أيضا ولذلك عبر في الروضة ببعض النجوم
( وإن كان ) السيد ( قال عند أخذه ) للمكاتب ( أنت حر ) أو فقد أعتقتك فإنه لا يحكم بعتقه أيضا في الأصح المنصوص لأنه بناه على ظاهر الحال وهو صحة الأداء وقد بان خلافه فلم ينفذ العتق
تنبيه قوله عند أخذه يوهم التصوير بما إذا قاله متصلا بقبض النجوم وهو ما نقلاه عن كلام الإمام حيث قال وفي كلام الإمام إشعار بأن قوله وأنت حر إنما يقبل تنزيله على الحرية بموجب القبض إذا رتب على القبض فلو انفصل عن القرائن لم يقبل التأويل
قالا وهذا تفصيل قويم لا بأس بالأخذ به لكن في الوسيط لا فرق بين أن يكون جوابا عن سؤال حريته أو ابتداء ولا فرق بين أن يكون متصلا بقبض النجوم أو غير متصل اه
وقيده ابن الرفعة بما إذا قصد الإخبار عن حاله بعد أداء النجوم قال فإن قصد إنشاء العتق برىء المكاتب وعتق
وقال البلقيني محل عدم عتقه إذا قال ذلك على وجه الخبر بما جرى فلو قال على سبيل الإنشاء أو أطلق لم يرتفع بخروج المدفوع مستحقا بل يعتق عن جهة الكتابة ويتبعه كسبه وأولاده اه
وينبغي أن يكون الحكم كذلك فيما لو قال لزوجته إن أبرأتني طلقتك فأبرأته من مجهول فقال لها أنت طالق ثم تبين أن الإبراء من مجهول
ولو قال المكاتب أعتقتني بقولك أنت حر وقال السيد إنما أردت بما أديت صدق السيد بيمينه
قال الصيدلاني وغيره وقياسه أنه لو قيل لرجل طلقت امرأتك فقال نعم طلقتها ثم قال إنما قلته على ظن أن اللفظ الذي جرى طلاق وقد أفتى الفقهاء بخلافه ولو نازعته صدق بيمينه
( وإن خرج ) المؤدى من النجوم ( معيبا ) ولم يرض السيد به ( فله رده وأخذ بدله ) لأن العقد إنما يتناول السليم فلم يلزمه أخذ المعيب
تنبيه قد يوهم كلامه حصول العتق بالأخذ الأول وليس مرادا بل الأصح أنا نتبين أن العتق لم يحصل بالأخذ الأول فإن رضي به وكان في النجم الأخير نفذ العتق ورضاه بالعيب كالإبراء عن بعض الحق وثبت حصوله من وقت القبض على الأصح وقيل من وقت الرضا
( ولا يتزوج ) المكاتب ( إلا بإذن سيده ) لأنه عبد ما بقي عليه درهم كما مر
( ولا يتسرى بإذنه على المذهب ) لضعف ملكه وخوفا من هلاك الجارية في الطلق فمنعه من الوطء كمنع الراهن من وطء المرهونة
وما اقتضاه كلام الروضة وأصلها في نكاح العبد وزوائدها في معاملاته من ترجيح جوازه بالإذن مبني على أنه يملك بتمليك السيد فالمذكور هنا مبني على الجديد وهو منع ملكه
وقد صرح الرافعي هنا بأن تسريه بإذن السيد مبني على الخلاف في تمليك العبد بتمليك سيده فإذا لا مخالفة بين الأبواب كما يتوهم
تنبيه لو عبر المصنف بالوطء كان أولى لأن التسري أخص من الوطء لاشتراط الإنزال والحجب فيه
( وله ) أي المكاتب ( شراء الجواري للتجارة ) توسعا في طريق الاكتساب ( فإن وطئها ) أي حل جاريته على خلاف منعه منه ( فلا حد ) عليه لشبهة الملك وكذا لا مهر لأنه لو وجب عليه لكان له ( والولد ) الحاصل من وطئه ( نسيب ) لا حق به لشبهة الملك
( فإن ولدته في الكتابة ) أي قبل عتق أبيه أو معه ( أو بعد عتقه ) لكن ( لدون ستة أشهر ) من وطئه ( تبعه ) الولد ( رقا وعتقا ) ولا يعتق في الحال في الصورة الأولى لضعف ملكه بل يكون ملكا له لأنه ولد جاريته
ولا يملك خروجه عن ملكه لأنه ولده بل يتوقف عتقه على عتق أبيه فإن عتق عتق وإلا رق وصار للسيد وهذا معنى قولهم إن ولده مكاتب عليه
( ولا تصير ) أمه ( مستولدة ) للمكاتب ( في الأظهر ) لأنها
____________________
(4/525)
علقت بمملوك فأشبهت الأمة المنكوحة
والثاني تصير لأن ولدها ثبت له حق الحرية بكتابته على أبيه وامتناع بيعه فثبت لها حرمة الاستيلاء
وهذا كله إذا ولدته في الكتابة ( و ) أما ( إن ولدته بعد العتق ) فينظر إن ولدته ( لفوق ستة أشهر ) من الوطء كما في المحرر أو لستة أشهر كما في الروضة وتقدم في باب العدد أن التعبير بما فوق الستة جرى على الغالب فكل من العبارتين صحيح
( وكان يطؤها ) ووقع الوطء مع العتق أو بعده في صورة الأكثر وولدته لستة أشهر فصاعدا من الوطء ( فهو حر وهي أم ولد ) لظهور العلوق في الرق بعد الحرية
ولا نظر إلى احتمال العلوق في الرق تغليبا للحرية
فإن لم يطأها مع العتق ولا بعده أو ولدته لدون ستة من الوطء لم تصر أم ولد
( ولو عجل ) المكاتب ( النجوم ) قبل محلها ( لم يجبر السيد على القبول ) لما عجل ( إن كان له في الامتناع ) من قبضها ( غرض ) صحيح ( كمؤنة حفظه ) أي مال النجوم إلى محله كالطعام الكثير
تنبيه لو أطلق المؤنة كان أخصر وأشمل لدخول مؤنة العلف وقد ذكرها في المحرر
( أو خوف عليه ) بسبب ظاهر يتوقع زواله بأن كان زمن نهب أو إغارة لما في الإجبار من الضرر والحالة هذه
ولو أنشأ الكتابة في زمن نهب أو إغارة وعجل فيه أيضا لأن ذلك قد يزول عند المحل
قال الروياني فإن كان هذا الخوف معهودا لا يرجى زواله لزمه القبول وجها واحدا وبه جزم الماوردي
تنبيه تعبيره بالنجوم ليس بقيد
فلو أحضر النجم الأول أو غيره كان الحكم كذلك لما فيه من تمهيد بسبب العتق ومن الأغراض ما إذا كان طعاما يريد أن يأخذه عند المحل رطبا
قال البلقيني من الأغراض أن الدين في ذمة المكاتب لا زكاة فيه فإذا جاء به قبل المحل كان للملك غرض في أن لا يأخذه لئلا تتعلق به الزكاة
قال ولم يذكره الأصحاب والظاهر اعتباره اه
وهو ظاهر
( وإلا ) بأن يكون للسيد غرض صحيح في الامتناع من قبض النجوم ( فيجبر ) على قبضه لأن للمكاتب غرضا ظاهرا وهو تنجيز العتق أو تقريبه ولا ضرر على السيد في القبول
تنبيه أطلق المصنف الإجبار وظاهره أنه يجبر على القبض ولكن تقدم فيما إذا أتى المكاتب بمال فقال السيد هذا حرام ولا بينة أنه إذا حلف المكاتب أنه حلال أجبر السيد على أخذه أو الإبراء منه فإن أبى قبضه القاضي
ولم يذكروا هنا الإبراء فيحتمل أن يلحق به ويحتمل أن يفرق بحلول الحق هناك بخلافه هنا والأول أوجه وجرى عليه البلقيني
( فإن أبى ) قبوله والإبراء منه على ما مر أو كان غائبا ( قبضه القاضي ) عنه وعتق المكاتب إن أدى الكل لأنه نائب الممتنعين والغائبين
وليس للقاضي قبض دين للغائب لأنه ليس للمؤدي غرض إلا سقوط الدين عنه
والنظر للغائب أن يبقى المال في ذمة المليء فإنه خير من أن يصير أمانة عند الحاكم
( ولو عجل ) المكاتب ( بعضها ) أي النجوم ( ليبرئه ) السيد ( من الباقي ) منها ( فأبرأ ) مع الأخذ ( لم يصح الدفع ولا الإبراء ) لفساد الشرط وسواء أكان الالتماس من العبد أو من السيد لأن ذلك يشبه ربا الجاهلية المجمع على تحريمه فقد كان الرجل إذا حل دينه يقول لمدينه اقض أو زد فإن قضاه وإلا زاده في الدين وفي الأجل وعلى السيد رد المأخوذ ولا عتق لعدم صحة القبض والبراءة
تنبيه ما ذكره المصنف لا يختص بدين الكتابة بل سائر الديون كذلك لما مر
( ولا يصح بيع النجوم ) لأنها غير مستقرة ولأن المسلم فيه لا يصح بيعه مع لزومه من الطرفين لتطرق السقوط إليه فالنجوم بذلك أولى
وهذا يسقط ما قيل إن المصنف صحح في الروضة في باب المبيع قبل قبضه أن بيع الدين لغير من هو عليه صحيح ومقتضاه
____________________
(4/526)
ترجيح بيع النجوم
( ولا الاعتياض ) أي الاستبدال ( عنها ) من المكاتب كأن تكون النجوم دنانير فيعطي بدلها دراهم
وهذا ما صححاه هنا تبعا للبغوي وهذا أوجه مما نقله الرافعي في باب الشفعة عن الأصحاب من الجواز لما مر وإن صوب الإسنوي ما هناك وجرى عليه شيخنا هنا في منهجه
( فلو باع ) السيد النجوم ( وأدى ) المكاتب النجوم ( إلى المشتري لم يعتق في الأظهر ) وإن تضمن البيع الإذن في قبضها لأن الإذن في مقابلة سلامة العوض فلم تسلم فلم يبق الإذن ولو سلم بقاؤه لكون المشتري كالوكيل وبه علل الوجه الثاني القائل بأنه يعتق فالفرق بينهما أن المشتري يقبض النجوم لنفسه بخلاف الوكيل
نعم لو باعها وأذن للمشتري في قبضها مع علمها بفساد البيع عتق بقبضه
( و ) على الأول ( يطالب السيد المكاتب والمكاتب المشتري بما أخذ منه ) وعلى الثاني ما أخذه يقبضه السيد لأنه كوكيله
( ولا يصح بيع رقبته ) أي المكاتب كتابة صحيحة ( في الجديد ) لأن البيع لا يرفع الكتابة للزومها من جهة السيد فيبقى مستحق العتق فلم يصح بيعه كالمستولدة وبهذا قال أبو حنيفة ومالك
والقديم يصح بيع المكاتب كالعتق بصفة وبهذا قال أحمد
تنبيه محل الخلاف إذا لم يرض المكاتب بالبيع فإن رضي به جاز وكان رضاه فسخا كما جزم به القاضي الحسين في تعليقه لأن الحق له وقد رضي بإبطاله
وعلى هذا تستثنى هذه الصورة من عدم صحة بيع المكاتب
ويستثنى أيضا صور منها ما إذا بيع بشرط العتق فإنه يصح وإن لم يرض المكاتب وترتفع الكتابة ويلزم المشتري إعتاقه والولاء له ذكره البلقيني تخريجا لأن الشافعي أطلق جواز بيع العبد بشرط العتق محتجا بحديث بريرة والحال أنها كانت مكاتبة
ومنها البيع الضمني إذا قال أعتق مكاتبك عني على ألف ذكره البلقيني أيضا وقال إنه أولى بالجواز من التي قبلها مع اعترافه بأن المنقول في أصل الروضة البطلان
وإذا كان المنقول في هذه البطلان فالبطلان في التي قبلها بطريق الأولى وهو كذلك
ويحمل حديث بريرة على أنها رضيت بالبيع
ومعنى البطلان في هذه أن العتق لا يقع عن السائل ولكن يقع عن المعتق ولا يستحق العوض كما سيأتي
ومنها ما إذا باع المكاتب من نفسه فإنه يصح سواء أقلنا أنه عقد عتاقه أو بيع وترتفع الكتابة فلا يتبعه كسبه ولا ولده
ومنها إذا جنى
ومنها إذا عجز نفسه
وخرج بالصحيحة الفاسدة فإن المنصوص في الأم صحة البيع فيها إذا علم البائع بفسادها لبقائه على ملكه كالمعلق عتقه بصفة وكذا إن جهل على المذهب
( فلو باع ) السيد رقبة مكاتبه ( فأدى ) المكاتب النجوم إلى ( المشتري ) فقبضها ( ففي عتقه القولان ) السابقان فيما إذا باع نجومه أظهرهما المنع
( وهبته كبيعه ) فيما ذكر وأما الوصية فإن نجزها فكبيعه وإلا فتصح إن علقها على عجزه
( وليس له ) أي السيد ( بيع ما في يد مكاتبه و ) لا ( إعتاق عبده و ) لا ( تزويج أمته ) ولا التصرف في شيء مما في يده لأنه معه كالأجنبي
تنبيه مسألة النكاح مكررة سبقت في النكاح
( ولو قال له ) أي السيد ( رجل ) مثلا ( أعتق مكاتبك على كذا ) كمائة ( ففعل عتق ولزمه ما التزم ) كما لو قال أعتق مستولدتك على كذا وهو بمنزلة فداء الأسير
تنبيه محل ذلك ما إذا قال أعتقه وأطلق أما إذا قال أعتقه عني على كذا فقال أعتقته عنك فإنه لم يعتق عن السائل ويعتق عن المعتق في الأصح ولا يستحق المال
تتمة لو علق عتق المكاتب على صفة فوجدت عتق ويتضمن الإبراء عن النجوم حتى تتبعه أكسابه ولو لم يتضمن الإبراء لكان عتقه غير واقع عنها فلا تتبعه الأكساب قاله القاضي الحسين في كتاب الزكاة من تعليقه
____________________
(4/527)
قال والإبراء لا يقبل التعليق قصدا ويقبله ضمنا
فصل في لزوم الكتابة وجوازها وما يعرض لها من فسخ أو انفساخ وبيان حكم تصرفات المكاتب وغيرها ( الكتابة ) الصحيحة ( لازمة من جهة ) أي جانب ( السيد ليس له فسخها ) لأنها عقدت لحظ مكاتبه لا لحظه فكان فيها كالراهن لأنها حق عليه أما الفاسدة فهي جائزة من جهته على الأصح
تنبيه قوله ليس له فسخها لا حاجة إليه بعد ذكر اللزوم وإنما ذكره لأجل قوله ( إلا أن يعجز ) المكاتب ( عن الأداء ) عند المحل لنجم أو بعضه غير الواجب في الإيتاء فللسيد الفسخ في ذلك
قال الماوردي ويشترط أن يقول قد عجزت عن الأداء أو يقول السيد فسخت الكتابة ولا حاجة فيه إلى حاكم لأنه متفق عليه كالفسخ بالعيب
تنبيه يرد على حصره الاستثناء صورتان إحداهما ما إذا امتنع من الأداء مع القدرة عليه فللسيد الفسخ كما في الروضة كأصلها
فإن قيل إذا امتنع المشتري من أداء الثمن ليس للبائع الفسخ فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن المشتري عند القدرة يجبر على أداء الثمن بخلاف المكاتب
الثانية إذا حل النجم والمكاتب غائب ولم يبعث المال كما سيذكره المصنف أما إذا عجز عن القدر الذي يحط عنه أو يبذل له فإنه لا يفسخ لأن عليه مثله ولا يحصل التقاص لأن للسيد أن يؤتيه من غيره لكن يرفع المكاتب الأمر إلى الحاكم ليفصل بينهما بأن يلزم السيد بالإيتاء والمكاتب بالأداء
( و ) الكتابة ( جائزة للمكاتب فله ترك الأداء وإن كان معه وفاء ) أي ما يفي بنجوم الكتابة لأن الحظ فيها له فأشبه المرتهن كذا قالوه واعترض من جهة أنه يبطل حق السيد من النجوم بخلاف المرتهن وقد يجاب بأن هذا بالنسبة للمعتق كالمضمحل فلم ينظروا إليه
( فإذا عجز نفسه ) أي قال أنا عاجز عن كتابتي مع ترك الأداء ( فللسيد الصبر ) عليه ( و ) له ( الفسخ ) للكتابة على التراخي إن شاء ( بنفسه ) لأنه فسخ مجمع عليه لا لاجتهاد فيه فلم يشترط فيه الحاكم
( وإن شاء بالحاكم ) إن ثبتت الكتابة عنده وحلول النجوم والعجز بإقرار أو بينة
ومتى فسخت الكتابة فاز السيد بما أخذه ولكن يجب عليه أن يرد ما أعطى من الزكاة ولا يتملك لقطته كما مر في بابها خلافا للبغوي
( وللمكاتب ) أيضا ( الفسخ ) لها ( في الأصح ) وإن كان معه وفاء كما أن للمرتهن أن يفسخ الرهن
والثاني المنع لأنه لا ضرر عليه في بقائها
( ولو استمهل المكاتب ) سيده ( عند حلول النجم ) لعجز ( استحب ) له إمهاله إعانة له على تحصيل العتق ( فإن أمهل ) السيد مكاتبه ( ثم أراد الفسخ ) لسبب مما مر ( فله ) ذلك لأن الدين الحال لا يتأجل
قال ابن شهبة وقد غلط من فهم عن المصنف رجوع الضمير للعبد
( وإن كان معه ) أي المكاتب ( عروض ) وكانت الكتابة غيرها واستمهل لبيعها ( أمهله ) وجوبا ( ليبيعها ) لأنها مدة قريبة ولو لم يمهلها لفات مقصود الكتابة
( فإن ) لم يمكن بيعها فورا كأن ( عرض كساد فله أن لا يزيد في المهلة على ثلاثة أيام ) لتضرره بذلك وهذا ما جزم به في المحرر تبعا للبغوي وجرى عليه ابن المقري وغيره وهو المعتمد
ومقتضى كلام الإمام عدم وجوب الإمهال فقد نقل عنه في الروضة وأصلها جواز الفسخ وصححاه
( وإن كان ماله غائبا ) واستمهل لاحضاره ( أمهله ) السيد وجوبا ( إلى إحضاره إن كان ) غائبا فيما ( دون مرحلتين ) لأنه بمنزلة الحاضر ( وإلا ) بأن كان على مرحلتين فأكثر ( فلا ) يجب الإمهال لطول المدة
____________________
(4/528)
تنبيه يمهل لإحضار دين حال على مليء مقر أو عليه بينة حاضرة وإحضار مال مودع
( ولو حل النجم وهو ) أي المكاتب ( غائب ) ولو بإذن السيد أو غاب بعد حلوله بغير إذن ( فللسيد الفسخ ) للكتابة لتقصيره بالغيبة بعد المحل والإذن قبله لا يستلزم الإذن له في استمرارها إلى ما بعده
ويفسخ بنفسه ويشهد لئلا يكذبه المكاتب وله الفسخ بالحاكم نظير ما مر في الفسخ لعجز بعد إقامة البينة بالكتابة بحلول النجم والتعذر لتحصيل النجم وحلف السيد أنه ما قبض ذلك منه ولا من وكيله ولا أبرأه منه ولا أنظره فيه كما نص عليه الشافعي والعراقيون ولا يعلم له مال حاضر لأن ذلك قضاء على غائب
والتحليف المذكور نقله في أصل الروضة عن الصيدلاني وأقره وهو المعتمد وإن قال الأذرعي إنه غريب
تنبيه قال في المطلب لم أر لهم تعرضا لحد هذه الغيبة والأشبه أنه لا فرق بين القريبة والبعيدة
وقيدها في الكفاية بمسافة القصر
قال الزركشي وهو قياس تنزيل غيبته كغيبة المال
وقال شيخنا والقياس فوق مسافة العدوى اه
والأوجه ما في الكفاية
( فلو كان له مال حاضر فليس للقاضي الأداء ) للنجم ( منه ) ويمكن القاضي السيد من الفسخ
وإن علق المكاتب عن حضوره مرض أو خوف في الطريق لأنه ربما عجز نفسه لو كان حاضرا أو لم يؤد المال وربما فسخ الكتابة في غيبته
فإن قيل قال الإسنوي وهذا مع القول بتحليفه لا يجتمعان
أجيب بأن المراد من قولهم يمكن القاضي السيد أي لا يعترضه فلا ينافي ما تقدم من التحليف لأن القاضي إذا وفى أو أذن فيه يحتاط كما قالوا في الحاضنة يكفي فيها العدالة الظاهرة
فإن وقع نزاع في الأهلية فلا بد من ثبوتها عند القاضي كما أفتى به المصنف
ولو أنظره السيد بعد حلول النجم وسافر بإذنه ثم ندم على إنظاره لم يفسخ في الحال لأن المكاتب غير مقصر وربما اكتسب في السفر ما يفي بالواجب عليه فلا يفسخ سيده حتى يعلمه بالحال بل بكتاب من قاضي بلد سيده إلى قاضي بلده فإن عجز نفسه كتب به قاضي بلده إلى قاضي بلد السيد ليفسخ إن شاء فإن لم يكن ببلد السيد قاض وبعث السيد إلى المكاتب من يعلمه بالحال ويقبض منه النجوم فهل هو ككتاب القاضي فيأتي فيه ما مر فيه خلاف والأوجه كما قال شيخنا الأول وهو ما اختاره ابن الرفعة و القمولي
( ولا تنفسخ ) الكتابة ( بجنون المكاتب ) كتابة صحيحة لأن ما كان لازما من أحد الطرفين لا ينفسخ بجنون أحد المتعاقدين كالرهن وإنما ينفسخ به العقود الجائزة من الطرفين كالوكالة والقراض
تنبيه لو أراد السيد فسخها حال جنون المكاتب لم يفسخ بنفسه بل يشترط أن يأتي الحاكم ويقيم البينة بجميع ما مر فيما إذا أراد الفسخ على الغائب
( و ) حينئذ ( يؤدي القاضي إن وجد له مالا ) ليعتق لأن المجنون ليس أهلا للنظر لنفسه فناب الحاكم عنه بخلاف المكاتب الغائب كما مر
تنبيه محل تأدية القاضي عنه إذا رأى له مصلحة في الحرية كما قاله الغزالي فإن رأى أنه يضيع بها لم يؤد
قال في أصل الروضة وهذا حسن لكنه قليل النفع مع قولنا إن السيد إذا وجد ماله له أن يستقل بأخذه إلا أن يقال إن الحاكم يمنعه من الأخذ والحالة هذه أي فلا يستغل بالأخذ
فإن لم يجد له القاضي مالا فسخ السيد بإذن القاضي وعاد بالفسخ قنا له
فإن أفاق من جنونه وظهر له مال كأن حصله من قبل الفسخ دفعه إلى السيد ونقض التعجيز وعتق
قال في أصل الروضة كذا أطلقوه وأحسن الإمام إذا خص نقض نقض التعجيز بما إذا ظهر المال بيد السيد وإلا فهو ماض لأنه فسخ حين تعذر حقه فأشبه ما لو كان ماله غائبا فحضر بعد للفسخ اه
قال في الخادم وهذا مع مصادمته لإطلاقهم مصادم لنص الشافعي والفرق أنه لا تقصير من الحاكم عند غيبة المال ثم حضوره بخلاف وجوده بالبلد
وإذا قلنا يعتق يطالبه السيد بما أنفق عليه قبل نقض التعجيز لأنه لم يتبرع عليه به وإنما أنفق عليه على أنه عبده
قال الأذرعي وقيده الدارمي بما إذا أنفق عليه بأمر الحاكم وهو ظاهر بل متعين
نعم إن علم أن له مالا فلا يطالبه بذلك
____________________
(4/529)
قال الرافعي ولو أقام المكاتب بعد ما أفاق بينة أنه كان قد أدى النجوم حكم بعتقه ولا رجوع للسيد عليه لأنه لبس وأنفق على علم بحريته متبرعا
فلو قال نسيت الأداء فهل يقبل ليرجع فيه وجهان قال الإسنوي وغيره الصحيح منهما عدم الرجوع أيضا
( ولا ) تنفسخ الكتابة ( بالحجر ) على المكاتب بسفه وارتفاع الحجر عنه كإفاقته من الجنون
وكلام المصنف يوهم تعيين القاضي في صحة الأداء وليس مرادا فلو أداه المجنون له أو استقل هو بأخذه عتق لأن قبض النجوم مستحق
ولا تنفسخ ( بجنون السيد ) ولا بموته للزومها من جهته ولا بالحجر عليه بسفه كالرهن
( ويدفع ) المكاتب وجوبا النجوم ( إلى وليه ) إذا جن وإلى وارثه إذا مات لأنه نائب عنه شرعا
( ولا يعتق بالدفع إليه ) أي السيد المجنون لأن قبضه فاسد وللمكاتب استرداده لأنه باق على ملكه فإن تلف في يده لم يضمنه لتقصيره بالدفع إليه
ثم إن لم يكن بيد المكاتب شيء آخر يؤديه فللولي تعجيزه ولا ينفسخ بإغماء السيد ولا المكاتب
( ولو قتل ) المكاتب ( سيده ) عمدا ( فلوارثه قصاص ) كجناية عمد غيره
( فإن عفا ) عنه ( على دية أو قتل ) سيده ( خطأ أخذها ) أي الدية ( مما معه ) حصلت قبل الجناية أو بعدها لأن السيد مع المكاتب في المعاملات كالأجنبي مع الأجنبي فكذلك في الجناية
تنبيه ظاهر كلامه وجوب الدية بالغة ما بلغت سواء كانت مثل قيمة العبد أو أكثر والذي في الشرح والروضة هل يجب تمام الأرش أو أقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية فيه القولان في الجناية على الأجنبي وقضيته أن الراجح وجوب الأقل
ورجح البلقيني وجوب الدية مطلقا كما اقتضاه كلام الكتاب وحكاه عن نص الأم والمختصر وقال القواعد تأبى الأول وبسط ذلك وهذا هو الظاهر وجرى عليه شيخنا في شرح منهجه وسيأتي الفرق بين هذا وبين الجناية على الأجنبي
ومحل الخلاف ما لم يعتقه السيد بعد الجناية فإن أعتقه بعدها وفي يده وفاء وجب أرش الجناية على المذهب المقطوع به
( فإن لم يكن ) في يده مال أو كان ولم يف بالأرش ( فله ) أي وارث سيده ( تعجيزه في الأصح ) المنصوص دفعا للضرر عنه لأنه إذا عجز مورق سقط عنه الأرش فلا يطالب به بعد العتق
والثاني لا يعجزه لأنه إذا عجز سقط مال الجناية فلا فائدة للتعجيز
ودفع بأنه يستفيد به الرد إلى الرق المحض
( أو قطع ) المكاتب ( طرفه ) أي سيده ( فاقتصاصه والدية ) للطرف ( كما سبق ) في قتله سيده وقد مر ما فيه
تنبيه جنايته على طرف ابن سيده كجنايته على أجنبي فإن قبله فللسيد القصاص فإن عفى على مال أو كان القتل غير عمد فكجنايته على السيد
( ولو قتل ) المكاتب ( أجنبيا أو قطعه ) عمدا ( فعفي ) بضم العين بخطه أي عفا المستحق ( على مال أو كان ) قتله للأجنبي ( خطأ ) أو شبه عمد ( أخذه ) المستحق ( مما معه ) الآن ( ومما سيكسبه ) بعد ( الأقل من قيمته والأرش ) لأنه يملك تعجيز نفسه وإذا عجزها فلا يتعلق بسوى الرقبة قال ابن شهبة والفرق بين هذه وبين جنايته على سيده على ما في الكتاب أن حق السيد متعلق بذمته دون رقبته لأنها ملكه وإذا كانت في ذمته وجب جميع الأرش مما في يده كدين المعاملة بخلاف جنايته على الأجنبي
تنبيه في إطلاق الأرش على دية النفس تغليب فلا يطالب بأكثر مما ذكر ولا يفدي به نفسه إلا بإذن سيده ويفدى نفسه بالأقل بلا إذن
وقوله مما سيكسبه ليس هو في الروضة ولم يذكره المصنف في جنايته على سيده
قال ابن شهبة فيحتاج إلى الفرق بينهما على ما في الكتاب اه
والظاهر أنه لا فرق لكنه سكت عنه هناك وصرح به هنا
____________________
(4/530)
والمراد بما ما سيكسبه ما بقيت كتابته
ولم يتعرض المصنف للقصاص هنا وقد صرح في المحرر بوجوبه ولعل المصنف سكت عنه للعلم به مما مر
ويستثنى من إطلاقه ما لو أعتقه السيد بعد الجناية وفي يده وفاء فالمنصوص الذي قطع به الجمهور له الأرش بالغا ما بالغ
( فإن لم يكن معه ) أي المكاتب ( شيء ) أو كان ولم يف بالواجب ( وسأل المستحق ) للأرش القاضي ( تعجيزه أعجزه القاضي ) المسؤول ( وبيع ) منه ( بقدر الأرش ) فقط إن زادت قيمته عليه لأنه القدر المحتاج إليه في الفداء وإلا فكله
هذا كلام الجمهور وقال ابن الرفعة كلام التنبيه يفهم أنه لا حاجة إلى التعجيز بل يتعين بالبيع انفساخ الكتابة كما أن بيع المرهون في أرش الجناية لا يحتاج إلى فك الرهن اه
وينبغي اعتماده
ومقتضى كلام المصنف أنه يعجز جميعه ثم يبيع منه بقدر الأرش قال الزركشي والذي يفهمه كلامهم أنه يعجز البعض ولهذا حكموا ببقاء الباقي على كتابته ولو كان يعجز الجميع لم يأت ذلك لانفساخ الكتابة في جميعه فيحتاج إلى تجديد عقد ويحتمل خلافه ويغتفر عدم التجديد للضرورة اه
وما أفهمه كلامه هو الظاهر
وهذا إذا كان يتأتى منه بيع بعضه فإن لم يتأت لعدم راغب قال الزركشي فالقياس بيع الجميع للضرورة وما فضل يأخذه السيد وبه صرح الرافعي في الجناية على الرقيق بالنسبة للقن
( فإن بقي منه شيء بقيت فيه الكتابة ) لما في ذلك من الجمع بين الحقوق فإن أدى حصته من النجوم عتق ذلك القدر
وهل يسري باقيه على سيده المشتري إذا كان موسرا قال ابن الرفعة فيه وجهان قال وفي البحر لا يسري قولا واحدا اه
وما في البحر هو الظاهر
( وللسيد فداؤه ) بالأقل من قيمته والأرش ( وإبقاؤه ) على حاله ( مكاتبا ) لما فيه من الجمع بين حقوق الثلاثة وعلى المستحق قبول الفداء
( ولو أعتقه ) السيد ( بعد الجناية ) ونفذناه وهو المذهب ( أو أبرأه ) بعدها من النجوم ( عتق ولزمه ) أي السيد ( الفداء ) بالأقل من قيمته والأرش لأنه فوت عليه الرقبة فهو كما لو قتله بخلاف ما لو عتق بأداء النجوم بعدها فلا يلزم السيد فداؤه
ولو جنى جنايات وعتق بالأداء فدى نفسه أو أعتقه السيد تبرعا لزمه فداؤه
( ولو قتل المكاتب ) بعد اختيار سيده الفداء لزم السيد فداؤه أو قبله فلا شيء عليه و ( بطلت ) كتابته في الحالين ( ومات رقيقا ) لفوات محلها
وفائدة الحكم برقه أن للسيد ما يتركه بحكم الملك لا الإرث ووجب عليه تجهيزه وسواء خلف وفاء بالنجوم أم لا وسواء أكان الباقي قليلا أم كثيرا
( ولسيده قصاص على قاتله ) المتعمد ( المكافىء ) له لبقائه على ملكه ( وإلا ) بأن لم يكن مكافئا أو كان القتل غير عمد ( فالقيمة ) هي الواجبة له لأنها جناية على عبده
تنبيه محل ما ذكر إذا قتله أجنبي وإن قتله سيده فلا شيء عليه إلا الكفارة
قال في المحرر هذا إذا قتله فإن قطع طرفه ضمنه
قال الجرجاني وليس لنا من لا يضمن شخصا ويضمن طرفه غيره والفرق بطلان الكتابة بموته وبقاؤها مع قطع طرفه والأرش من أكسابه
فرع لو ملك المكاتب أباه بوصية ثم جنى على أبيه فقطع طرفه فإنه يقتص من المكاتب لأن حكم الأب كحكم الأجنبي فإنه لا يملك التصرف فيه وجعلت حريته موقوفة على حريته قاله ابن الصباغ ثم قال ولا يعرف للشافعي مسألة يقتص فيها من المالك للمملوك إلا هذه
وحكى الروياني هذا في البحر عن نص الأم ثم قال فأوجب القصاص على المكاتب بقتل مملوكه ولم يجعل ملكه شبهة وهو غريب اه
والمذهب أنه لا قصاص لشبهة الملك
( ويستقل ) المكاتب ( بكل تصرف لا تبرع فيه ) على غير السيد ( ولا خطر ) بفتح الطاء بخطه كبيع وشراء وإجارة
____________________
(4/531)
بعوض من المثل لأن في ذلك تحصيلا للغرض المقصود من الكتابة وهو العتق
( وإلا ) بأن كان فيه تبرع كصدقة أو إبراء أو فيه خطر كقرض وبيع نسيئة ( فلا ) يستقل به لأن أحكام الرق جارية عليه
ولا فرق في منع بيعه نسيئة بين أن يستوثق برهن أو كفيل أم لا لأن الكفيل قد يفلس والرهن قد يتلف ويحكم القاضي المرفوع إليه بسقوط الدين هذا ما ذكراه هنا وهو المعتمد وإن صححا في كتاب الرهن الجواز بالرهن والكفيل
أما إذا تبرع على سيده فإنه يصح كما لو أذن كما يأتي
تنبيه استثني من التبرع ما تصدق به عليه من نحو لحم وخبز مما العادة فيه أكله وعدم بيعه له إهداؤه لغيره على النص في الأم
ومما فيه خطر ما الغالب فيه السلامة ويفعل للمصالحة كتوديج البهائم وقطع السلع منها والفصد والحجامة وختن الرقيق وقطع سلعهم التي في قطعها خطر لكن في بقائها أكثر
وله اقتراض وأخذ قراض وهبة بثواب معلوم وبيع ما يساوي مائة بمائة نقد أو عشرة نسيئة وشراء النسيئة بثمن النقد ولا يرهن به
ولا يسلم العوض قبل المعوض في البيع والشراء ولا يقبل هبة من تلزمه نفقته إلا كسوبا كفايته فيسن قبوله ثم يكاتب عليه ونفقته في كسبه والفاضل للمكاتب فإن مرض قريبه أو عجز لزم المكاتب نفقته لأنه من صلاح ملكه وإن جنى بيع فيها ولا يفديه بخلاف عبده
( ويصح ) مما معناه منه مما تقدم وغيره ( بإذن سيده في الأظهر ) لأن المنع إنما كان لحقه وقد رضي به كالمرتهن
والثاني المنع لأنه يفوت غرض العتق
ولو تبرع بأداء دين للسيد على مكاتب آخر وما قبله منه السيد على الأصح كما لو أذن له
تنبيه استثني من إطلاقه الصحة العتق والكتابة كما سيأتي
( ولو اشترى ) المكاتب ( من يعتق على سيده ) من أصله أو فرعه ( صح ) وكان الملك فيه للمكاتب كغيره من العبيد ولا يعتق على السيد لضرورة الحاجة للاسترباح
( فإن عجز ) المكاتب ورق ( وصار ) الذي اشتراه من أصل سيده أو فرعه ( لسيده عتق ) عليه لدخوله في ملكه
تنبيه هذا إذا اشترى من يعتق على سيده كله فإذا اشترى بعضه ثم عجز نفسه أو عجز سيده عتق ذلك البعض ولا يسري كما مرت الإشارة إليه في العتق
( أو ) اشترى المكاتب من يعتق ( عليه ) لو كان حرا من أصله أو فرعه ( لم يصح بلا إذن ) من سيده لتضمنه العتق وإلزامه النفقة ( وبإذن فيه القولان ) السابقان في تبرعه بالإذن أظهرهما الصحة
( فإن صح ) شراء المكاتب من يعتق عليه ( فمكاتب عليه ) فيرق برقه ويعتق بعتقه ويمتنع عليه بيعه
( ولا يصح إعتاقه ) عن نفسه ولو عن كفارة
( و ) لا ( كتابته بإذن ) له ( على المذهب ) لتضمنهما الولاء وليس من أهله
والثاني يصح عملا بالإذن ويوقف الولاء والطريق الثاني القطع بالأول
أما إعتاقه عن سيده أو أجنبي فيصح بالإذن
تتمة لا يصح إبراؤه عن الديون ولا هبته مجانا ولا يشترط الثواب لأن في قدره اختلافا على القول به بين العلماء ولأن الثواب إنما يستقر بعد قبض الموهوب وفيه خطر
ووصيته سواء أوصى بعين أو بثلث ماله لأن ملكه غير تام
فصل في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها والفرق بين الكتابة الباطلة والفاسدة وغير ذلك ( الكتابة الفاسدة ) وهي ما الخلل في صحتها ( لشرط ) فاسد فيها كشرط أن يبيعه كذا ( أو عوض ) فاسد كأن يكاتبه على
____________________
(4/532)
خمر ( أو أجل فاسد ) كأن يكاتبه على نجم واحد حكمها ( كالصحيح في استقلاله ) أي المكاتب ( بالكسب ) فيتردد ويتصرف ليؤدي النجم لأنه يعتق فيها بالأداء كالصحيحة
والأداء إنما يكون من الكسب وليس لنا عقد فاسد يملك به كالصحيح إلا هذا
تنبيه قوله فاسد يعود إلى الثلاث كما تقرر واحترز به عن الشرط الصحيح كشرط العتق عند الأداء وبالفاسدة عن الباطلة وهي ما اختلت صحتها باختلال ركن من أركانها ككون صيغته مختلة فإن فقد الإيجاب أو القبول أو أحد العاقدين مكرها أو صبيا أو مجنونا أو عقدت بغير مقصود كدم أو بما لا يتمول فإن حكمها الإلغاء إلا في تعليق معتبر ممن يصح تعليقه فلا تلغى فيه فقد علم من ذلك الفرق بين الفاسدة والباطلة وهما في العقود عندنا سواء إلا في مسائل قليلة استثنيت منها هذه ومنها الحج ومنها العارية ومنها الخلع
( و ) الفاسدة كالصحيحة أيضا ( في أخذ أرش الجناية عليه ومهر شبهة ) في الأمة المكاتبة لأنهما في معنى الاكتساب
تنبيه الشبهة مثال فالواجب بعقد من مسمى صحيح أو مهر مثل بسبب تسمية فاسدة كذلك كما قاله البلقيني
( وفي أنه يعتق بالأداء ) لسيده عند المحل لوجود الصفة لأن مقصود الكتابة العتق وهو لا يبطل في التعليق بفاسد وبهذا خالفت البيع وغيره من العقود
( و ) في أنه ( يتبعه ) إذا عتق ( كسبه ) الحاصل بعد التعليق لأنها جعلت كالصحيحة في العتق فكذا في الكسب
تنبيه ولد المكاتب من جاريته ككسبه لكن لا يجوز بيعه لأنه يتكاتب عليه فإذا عتق تبعه وعتق عليه
ويتبع المكاتبة كتابة فاسدة ولدها على المذهب كالكسب
وقضية كلام المصنف أن الفاسدة كالصحيحة فيما ذكره فقط وليس مرادا بل هي كالصحيحة أيضا في أن نفقته تسقط عن السيد إذا استقل بالكسب بخلاف الفطرة كما سيأتي
( و ) الكتابة الفاسدة ( كالتعليق ) بصفة ( في حكمه وهو أنه ) أي المكاتب فيها ( لا يعتق بإبراء ) عن النجوم لعدم حصول الصفة
وفارق ذلك الكتابة بالصحيحة لأن المغلب على عقدها المعاوضة وحكم الاستيفاء والإبراء في المعاوضات واحد
تنبيه لا يختص ذلك بالإبراء بل لو أدى الغير عنه تبرعا أو عجل المكاتب النجوم كان الحكم كذلك لما مر
( و ) في أن الكتابة ( تبطل بموت سيده ) قبل الأداء لعدم حصول المعلق عليه فلا يعتق بالأداء إلى الوارث
وإنما بطلت الفاسدة بموت السيد لأنها جائزة من الجانبين بخلاف الصحيحة نعم إن قال إن أديت إلي أو إلى وارثي بعد موتي كذا فأنت حر فإنها حينئذ لا تبطل بموت السيد بل يعتق بالأداء إلى الوارث كما جزم به في أصل الروضة
تنبيه إنما ذكر المصنف حكم موت السيد دون العبد لأن الفاسدة توافق الصحيحة حيث تنفسخ الكتابة بموته فيهما لأن مورد العقد الرقبة وقد فاتت
( و ) في أنه ( تصح الوصية برقبته ) وإن ظن السيد صحة كتابته كما لو باع ملكه ظانا أنه لغيره بخلاف الصحيحة فإنه إذا أوصى برقبته لم تصح
نعم إن علق الوصية على عجزه صحت في الأصح
( و ) في أنه ( لا يصرف إليه من سهم المكاتبين ) لأنها غير لازمة والقبص فيها غير موثوق به
تنبيه لا تنحصر المخالفة فيما ذكره بل تخالف الفاسدة الصحيحة في أشياء غير ذلك منها صحة إعتاقه في الكفارة
ومنها عدم وجوب الأرش على سيده إذا جنى عليه
ومنها أن للسيد منع الزوج من تسليمها نهارا كالقنة
ومنها أن له منعه من صوم الكفارة إذا حلف بغير إذنه وكان يضعفه الصوم
ومنها أنه لا تنقطع زكاة التجارة فيه فيخرج عنه زكاتها لتمكنه من التصرف فيه
ومنها أن له منعه من الإحرام وتحليله إذا أحرم بغير إذنه وله أن يتحلل
ومنها جواز وطء الأمة
ومنها أن لا يوكل السيد من يقبض النجوم ولا العبد من يؤديها عنه رعاية للتعليق
____________________
(4/533)
بقوله فإذا أديت إلي
ومنها أنه لا يعامل سيده كما قاله البغوي
ومنها عدم وجوب الإبراء إذا عادت إليه
ومنها عدم وجوب الإيتاء
ومنها ما إذا كاتب عبدا وهبه له أصله كتابة فاسدة بعد قبضه بإذنه كان للأصل الرجوع ويكون فسخا
ومنها الكتابة الفاسدة الصادرة في المرض ليست من الثلث لأخذ السيد القيمة عن رقبته بل هي من رأس المال
ومنها ما إذا زوجها بعبده لم يجب المهر
ومنها أن لا يجب لها مهر بوطء سيدها لها
ومنها وجوب الفطرة
ومنها تمليكه للغير فإن الصحيحة تخالف الفاسدة في ذلك كله
وقد أوصل الولي العراقي في نكته الصور المخالفة إلى نحو ستين صورة وما ذكر منها فيه كفاية لأولي الألباب ومن أراد الزيادة على ذلك فليراجع النكت
( و ) الفاسدة ( تخالفهما ) أي الصحيحة والتعليق معا ( في أن للسيد فسخها ) بالفعل كالبيع وبالقول كأبطلت كتابته إن لم يسلم له للعوض كما سيأتي وله فعل ذلك بالقاضي وبنفسه دفعا للضرر
ولو أدى المكاتب المسمى بعد فسخها لم يعتق لأنه وإن كان تعليقا فهو في ضمن معاوضة فإذا ارتفعت المعاوضة ارتفع ما تضمنته من التعليق ولا يبطلها القاضي بغير إذن السيد
تنبيه كان الأولى للمصنف أن يعبر بالإبطال كما عبر به الشافعي رضي الله تعالى عنه كما نقله عنه البلقيني لأن الفسخ إنما يكون في العقد الصحيح ففي التعبير بالفسخ عن الإبطال تجوز
وإنما قيد الفسخ بالسيد لأنه هو الذي خالفت فيه الفاسدة كلا من الصحيحة والتعليق بخلافه من العبد فإنه يطرد في الصحيحة أيضا على اضطراب وقع للرافعي ولا يأتي في التعليق وإن كان فسخ السيد كذلك وعتق السيد له لأن الكتابة فسخ فلا تستتبع كسبا ولا ولدا
( و ) في ( أنه ) أي السيد ( لا يملك ما يأخذه ) من المكاتب لفساد العقد ( بل يرجع المكاتب به ) إن بقي وببدله من مثل أو قيمة ( إن ) تلف و ( كان متقوما ) والمراد بالمتقوم ما له قيمة كما عبر به في المحرر لا قسيم المثلي واحترز بذلك عما لا قيمة له كالخمر فإن العتيق لا يرجع على السيد بشيء إلا إن كان محترما كجلد ميتة لم يدبغ وكان باقيا فإنه يرجع به فإن كان تالفا فلا رجوع له بشيء
( وهو ) أي السيد يرجع ( عليه ) أي المكاتب ( بقيمته ) لأن فيها معنى المعاوضة وقد تلف المعقود عليه بالعتق فهو كما لو تلف المبيع بيعا فاسدا في يد المشتري فيرجع على البائع بما أدى ويرجع البائع عليه بالقيمة وتعتبر قيمته ( يوم العتق ) لأنه يوم التلف
ولو كاتب كافر أصلي كافرا كذلك على فاسد مقصود كخمر وقبض في الكفر فلا تراجع
ولو أسلما وترافعا إلينا قبل القبض أبطلناها ولا أثر للقبض بعد ذلك أو بعد قبض البعض فكذلك
فلو قبض الباقي قبل الإسلام وقبل إبطالها عتق ورجع السيد عليه بقيمته أو قبض الجميع بعد الإسلام ثم ترافعا إلينا فكذلك ولا رجوع له على السيد بشيء للخمر ونحوه
أما المرتدان فكالمسلمين
( فإن ) تلف ما أخذه السيد من الرقيق وأراد كل الرجوع على الآخر و ( تجانسا ) أي واجبا السيد والعبد بأن كان ما دفعه المكاتب للسيد من جنس الواجب له على سيده وعلى صفته ( فأقوال التقاص ) الآتية على الأثر في زيادة الكتاب
( ويرجع ) منهما ( صاحب الفضل ) أي الذي دينه زائد على دين الآخر ( به ) أي الفاضل
ولما سكت المحرر عن الأصح من هذه الأقوال بينه المصنف بقوله ( قلت ) أخذا من الرافعي في الشرح ( أصح أقوال التقاص سقوط أحد الدينين بالآخر ) من الجانبين مع التساوي فيما مر ( بلا رضى ) لأن مطالبة أحدهما بالآخر بمثل ما له عليه عناد لا فائدة فيه
( والثاني ) من أقوال التقاص سقوطه ( رضاهما ) لأنه إبدال ما في ذمة بذمة فأشبه الحوالة لا بد فيها من رضا المحيل والمحتال
( والثالث ) سقوطه ( برضا أحدهما ) لأن للمديون أن يقضي من حيث شاء فإن رضي أحدهما فقد وجد القضاء منه
( والرابع لا يسقط ) وإن
____________________
(4/534)
رضيا ( والله أعلم ) لأنه بيع دين بدين وهو منهي عنه
ورد بأن النهي إنما هو في بيع الدين لغير من هو عليه وهذا ليس كذلك مع أن بيع الدين لغير من هو عليه صحيح كما مر عن الروضة
تنبيه ظاهر كلام المصنف إجراء التقاص في النقدين وغيرهما من المثليات ولكن المذهب في أصل الروضة أن المثليات غير النقدين كالطعام والحبوب لا يقع التقاص فيها وعلله الشيخ أبو حامد بأن ما عدا الأثمان تطلب فيه المعاينة اه
والوجه كما قال شيخنا تقيده في غيرهما من سائر المثليات بما إذا لم يحصل به عتق ففي الأم لو أحرق السيد لمكاتبه مائة صاع حنطة مثل حنطته والحنطة على المكاتب حالة كان تقاصا وإن كره سيده
وظاهر كلام المصنف إجراء التقاص سواء اتفق الدينان حلولا وأجلا أم لا ولكن الذي رجحه في أصل الروضة أنهما لو تراضيا بجعل الحال تقاصا عن المؤجل لم يجزه كما في الحوالة والوجه تقييده كما قال شيخنا بما إذا لم يحصل به عتق ففي الأم لو جنى السيد على مكاتبه وجب مثل النجوم وكانت مؤجلة ولم يكن تقاصا إلا إن شاء المكاتب دون سيده اه
وإذا جاز ذلك برضا المكاتب وحده فبرضاه مع السيد أولى
ولو كانا مؤجلين بأجل واحد فوجهان أرجحهما عند الإمام التقاص وعند البغوي المنع وهو المعتمد كما اقتضاه كلام الشرح الصغير وجزم به القاضي لانتفاء المطالبة ولأن أجل أحدهما قد يحل بموته قبل الآخر فلا يجوز ذلك إلا بالتراضي
وهذا خاص بغير ما يؤدي إلى العتق أما ما يؤدي إليه فيصح كما يؤخذ مما مر
والحاصل أن التقلص إنما يكون في النقدين فقط بشرط أن يتحدا جنسا وصفة من صحة وتكسر وحلول وأجل إلا إذا كان يؤدي إلى العتق
ويشترط أيضا كما قال الإسنوي أن يكون الدينان مستقرين فإن كان سلمين فلا تقاص وإن تراضيا لامتناع الاعتياض عنهما قاله القاضي و الماوردي ونص عليه الشافعي
وإذا منعنا التقاص في الدينين وهما نقدان من جنسين كدراهم ودنانير فالطريق في وصول كل منهما إلى حقه من غير أخذ من الجانبين أن يأخذا أحدهما ما على الآخر ثم يجعل المأخوذ إن شاء عوضا عما عليه ويرده إليه لأن دفع العوض عن الدراهم والدنانير جائز ولا حاجة حينئذ إلى قبض العوض الآخر
أو هما عرضان من جنسين فليقبض كل منهما ما على الآخر فإن قبض واحد منهما لم يجز رده عوضا عن الآخر لأنه بيع عوض قبل القبض وهو ممتنع إلا إن استحق ذلك العوض بقرض أو إتلاف
وإن كان أحدهما عرضا والآخر نقدا وقبض العوض مستحقه جاز له رده عوضا عن النقد المستحق عليه إن لم يكن دين سلم لا إن قبض النقد مستحقه فلا يجوز له رده عوضا عن العوض المستحق عليه إلا إن استحق العوض في قرض ونحوه من الإتلاف أو كان ثمنا
وإذا امتنع كل من المتداينين من البداءة بالتسليم لما عليه حبسا حتى يسلما
قال الأذرعي وقضيته أن السيد والمكاتب يحبسان إذا امتنعا من التسليم وهو متأيد بقولهم إن الكتابة جائزة من جهة العبد وله ترك الأداء وإن قدر عليه
وأجيب بأنه إنما يتأيد بما ذكر لو لم يمتنعا من تعجيز المكاتب أما لو امتنعا منه مع امتناعهما مما مر فلا وعليه يحمل كلامهم
( فإن فسخها ) أي الفاسدة ( السيد فليشهد ) بالفسخ احتياطا لا وجوبا كما قاله الماوردي خوف التجاحد والنزاع
تنبيه تخصيص السيد بذلك يفهم أن ذلك لا يجزىء في فسخ المكاتب وليس مرادا بل هو كالسيد في ذلك كما قاله الزركشي
( فلو أدى ) العبد فيها ( المال فقال السيد ) بعد ذلك ( كنت فسخت ) الكتابة قبل أن يؤدي ( فأنكره ) أي أنكر العبد أصل الفسخ أو كونه قبل الأداء ( صدق العبد ) المنكر ( بيمينه ) لأن الأصل عدم الفسخ وعلى السيد البينة
( والأصح بطلان ) الكتابة ( الفاسدة بجنون السيد وإغمائه والحجر عليه ) بسفه
أما الفلس فلا تبطل به الفاسد بل تباع في الدين فإذا بيع بطلت
و ( لا ) تبطل بجنون ( العبد ) وإغمائه لأن الحظ في الكتابة له لا للسيد ولأنها تبرع فيؤثر فيه اختلاف عقل السيد دون عقل العبد
والثاني بطلانها بجنونهما
____________________
(4/535)
وغمائهما لجوازها من الطرفين كالوكالة
والثالث لا فيهما لأن المغلب فيها التعليق وهو لا يبطل بالجنون
تنبيه لفظ الإغماء من زيادته على المحرر ولو اقتصر عليه لفهم الجنون من باب أولى
( ولو ادعى ) العبد ( كتابة فأنكره سيده أو وارثه صدقا ) باليمين لأن الأصل عدمهما
( ويحلف الوارث على نفي العلم ) والسيد على البت جريا على القاعدة فيهما
تنبيه كان الأولى أن يقول صدق المنكر لأن العطف ب أو يقتضي إفراد الضمير
أما عكس مسألة المتن بأن ادعاها السيد وأنكرها العبد فإنه يصير قنا ويجعل إنكاره تعجيزا منه لنفسه فإن قال السيد كاتبتك وأديت المال وعتقت عتق بإقراره
( ولو اختلفا ) أي السيد والمكاتب ( في قدر النجوم ) أي في مقدار ما يؤدى في كل نجم أو في عدد النجوم أو جنسها ( أو صفتها ) ولا بينة أو لكل بينة ( تحالفا ) على ما مر في تحالف المتبايعين
فإن اختلفا في قدر النجوم بمضي الأوقات فالحكم كذلك إلا إن كان قول أحدهما مقتضيا للفساد كأن قال السيد كاتبتك على نجم فقال بل على نجمين فيصدق مدعي الصحة وهو المكاتب في هذا المثال كما أشار إليه المصنف وغيره فيه
( ثم ) بعد التحالف ( إن لم يكن قبض ما يدعيه ) السيد ( لم تنفسخ الكتابة في الأصح ) قياسا على البيع ( بل إن لم يتفقا ) على شيء ( فسخ القاضي ) الكتابة
والثاني ينفسخ لأن العقد انتهى إلى التنازع فكأنه لم يكن
تنبيه ظاهر كلامه تعين القاضي للفسخ وبه جزم في الروضة وأصلها هنا تبعا لجمع لكنهما حكيا في نظيره من التحالف في البيع التخيير بين القاضي أو المتبايعين أو أحدهما وهو مما مال إليه هنا الإسنوي وغيره وهو الظاهر وإن فرق الزركشي بأن الفسخ هنا غير منصوص عليه بل مجتهد فيه فأشبه العنه بخلافه ثم
( وإن كان ) السيد ( قبضه ) أي ما ادعاه بتمامه ( وقال المكاتب بعض المقبوض ) وهو الزائد على ما اعترف به في العقد ( وديعة ) لي عندك ولم أدفعه عن جهة الكتابة ( عتق ) لاتفاقهما على وقوع العتق على التقديرين ( ورجع هو ) أي المكاتب ( بما أدى ) جميعه ( و ) رجع ( السيد بقيمته ) أي العبد لأنه لا يمكن رد العتق
( وقد يتقاصان ) بأن يؤدي الحال إلى ذلك بتلف المؤدى وتوجد شروط التقاص السابقة
( ولو قال ) السيد ( كاتبتك وأنا مجنون أو محجور علي ) بسفه أو فلس ( فأنكر العبد ) وقال بل كنت كاملا ( صدق السيد ) بيمينه كما في المحرر ( إن عرف سبق ما ادعاه ) لقوة جانبه بذلك وضعف جانب العبد
فإن قيل قد ذكروا في النكاح أنه لو زوج بنته ثم قال كنت محجورا علي أو مجنونا يوم زوجتها لم يصدق وإن عهد له ذلك فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الحق ثم تعلق بثالث بخلافه هنا
تنبيه صورة المسألة إذا كان حجر السفه طارئا أما إذا كان مقارنا للبلوغ فلم يحتج لقوله إن عرف سبق ما ادعاه
( وإلا ) بأن لم يعرف سبقه ( فالعبد ) المصدق بيمينه لضعف جانب السيد حينئذ والأصل عدم ما ادعاه السيد ولا قرينة
( ولو قال السيد ) كنت ( وضعت عنك النجم الأول أو قال ) وضعت ( البعض ) من النجوم ( فقال ) المكاتب ( بل ) النجم ( الآخر ) وضعته عني ( أو الكل ) أي كل النجوم ( صدق السيد ) بيمينه لأنه أعرف بإرادته وفعله
____________________
(4/536)
تنبيه إنما تظهر فائدة اختلافهما هنا إذا كان النجمان مختلفين فإن تساويا فلا فائدة ترجع إلى التقدم والتأخر وقد نبه على ذلك أبو علي الفارقي
( ولو مات ) شخص ( عن ابنين وعبد فقال ) العبد لهما ( كاتبني أبوكما فإن أنكرا صدقا ) بيمينهما على عدم العلم بكتابة الأب لأن الأصل معهما
تنبيه هذه المسألة تقدمت في قول المصنف ولو ادعى كتابة فأنكر السيد أو وارثه ولكن أعادها مبتدئا للتقسيم في قوله ( وإن صدقاه ) وهما أهل للتصديق أو نكلا وحلف العبد اليمين المردودة أو قامت بكتابة بينة ( فمكاتب ) عملا بقولهما أو بيمينه المردودة أو بينته
وإذا أراد إقامة بينة احتاج إلى شهادة عدلين لأن مقصود الكتابة العتق دون المال
ولو حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت الرق في نصيب الحالف وتردد اليمين في نصيب الناكل
( فإن أعتق أحدهما نصيبه ) منه بعد ثبوت كتابته بطريق مما مر أو أبرأه عن نصيبه من النجوم ( فالأصح لا يعتق ) نصيبه لعدم تمام ملكه ( بل يوقف ) العتق فيه
( فإن أدى ) المكاتب ( نصيب ) الابن ( الآخر عتق كله وولاؤه للأب ) لأنه عتق بحكم كتابته ثم ينتقل إليهما بالعصوبة
ثم فرع على الوقف قوله ( وإن عجز ) المكاتب عن أداء نصيب الابن الآخر ( قوم ) الباقي ( على المعتق إن كان موسرا ) وقت التعجز وعتق كله وولاؤه له وبطلت كتابة الأب
( وإلا ) بأن كان ابن المعتق لنصيبه معسرا ( فنصيبه ) الذي أعتقه من المكاتب ( حر والباقي منه قن للآخر )
تنبيه أشار بقوله على المعتق إلى أنه إذا كان أبرأه عن شيء من النجوم ولم يعتق منه شيء بالعجز لأن الكتابة تبطل بالعجز والعتق في غير الكتابة لا يحصل بالإبراء
( قلت ) أخذا من كلام الرافعي في الشرح ( بل الأظهر ) ومقتضى مما في الروضة أن يقول بل المذهب ( العتق ) في نصيبه في الحال أبرأ أو أعتق ( والله أعلم ) ثم إن عتق نصيب الآخر بأداء أو إعتاق أو إبراء فالولاء للأب ثم ينتقل بالعصوبة إليهما بالمعنى السابق في أواخر كتاب العتق وإن عجز فعجزه الآخر عاد نصيبه قنا
تنبيه سكت المصنف عن السراية على هذا القول والأظهر في الروضة لا سراية على المعتق وإن كان موسرا لأن الكتابة السابقة تقتضي حصول العتق لهما والميت لا سراية عليه كما مر والابن كالتائب عنه
ووقع في تصحيح التنبيه ترجيح السراية واعترض
ثم ذكر قسيم قوله وإن صدقاه بقوله ( وإن صدقه أحدهما ) أي الابنين ( فنصيبه ) وحده ( مكاتب ) مؤاخذة له بإقراره واغتفر التبعيض للضرورة
( ونصيب المكذب قن ) إذا حلف على نفي العلم بكتابة أبيه استصحابا لأصل الرق ويكون نصف الكسب له ونصفه للمكاتب يصرفه إلى جهة النجوم
( فإن أعتقه المصدق ) أي أعتق نصيبه ( فالمذهب ) أنه يسري العتق عليه إلى نصيب المكذب و ( يقوم عليه إن كان موسرا ) لأن منكر الكتابة يقول إنه رقيق
فإذا أعتق أحدهما نصيبه ثبتت السراية بقوله
وخرج ب أعتقه ما لو أبرأه عن نصيبه من النجوم أو قبضه فإنه لا يسري وفي قول لا سراية فلا يقوم عليه
خاتمة لو أوصى السيد للفقراء أو المساكين أو لقضاء دينه منها تعينت له كما لو أوصى بها لإنسان ويسلمها المكاتب إلى الموصى بتفريقها أو بقضاء دينه منها فإن لم يكن سلمها للقاضي
ولو مات السيد المكاتب ممن يعتق على الوارث عتق عليه
ولو ورث رجل زوجته المكاتبة أو ورثت امرأة زوجها المكاتب انفسخ النكاح لأن كلا منهما ملك
____________________
(4/537)
زوجه أو بعضه
ولو اشترى المكاتب زوجته أو بالعكس وانقضت مدة الخيار أو كان الخيار للمشتري انفسخ النكاح لأن كلا منهما ملك زوجه
كتاب أمهات الأولاد ختم المصنف رحمه الله تعالى كتابه بأبواب العتق رجاء أن الله تعالى يعتقه وقارئه وشارحه من النار فنسأل الله تعالى من فضله وكرمه أن يجيرنا ووالدينا ومشايخنا وأصحابنا وجميع أهلينا ومحبينا منها وآخر هذا الباب لأنه عتق قهري مشوب بقضاء أو طار ولذلك توقف الشيخ عز الدين في كون الاستيلاد قربة أو لا والأولى أن يجيء فيه التفصيل السابق في النكاح وهو إن قصد به مجرد الاستمتاع فلا يكون قربة أو حصول ولد ونحوه فيكون قربة
وأمهات بضم الهمزة وكسرها مع فتح الميم وكسرها جمع أم وأصلها أمهة بدليل جمعها على ذلك
قاله الجوهري قال شيخنا ومن نقل عنه أنه قال جمع أمهة أصل أم فقد تسمح اه
وأشار بذلك إلى الشارح فإنه نقل ذلك عنه ويمكن أن نسخ الجوهري مختلفة
واختلف النحاة في أن الهاء في أمهات زائدة أو أصلية على قولين فمذهب سيبويه أنها زائدة لأن الواحد أم ولقولهم الأمومة
وقيل أصلية لقولهم تأمهت
فإذا قلنا بالزيادة فهل هذا الجمع جمع مزيد فيه بالإضافة أو جمع مزيد فيه بعدمها اختلف فيه على قولين أحدهما أن الهاء زيدت في المفرد أو لا فقيل أمهة ثم جمعت على أمهات لأن الجمع تابع للمفرد
والثاني أن المفرد جمع على أمات ثم زيدت فيه الهاء
وهذا أصح على قول الجوهري
وقال بعضهم الأمهات للناس والأمات للبهائم
وقال غيره يقال فيها أمهات وأمات لكن الأول أكثر في الناس أنشد الزمخشري في تفسير قوله تعالى { وعلى المولود له رزقهن } للمأمون ابن الرشيد وإنما أمهات الناس أوعية مستودعات وللآباء أبناء والثاني أكثر في غيره ويمكن رد الأول إلى هذا
قال ابن شهبة وهذا الجمع مخالف للقياس لأن أم من الأجناس المؤنثة بغير علامة لكن جمعوه كما جمعوا سماء على سموات
والأصل في الباب خبر أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه رواه ابن ماجه والحاكم وصحح إسناده
وخبر الصحيحين عن أبي موسى قلنا يا رسول الله إنا نأتي السبايا ونحب أثمانهن فما ترى في العزل فقال ما عليكم أن لا تفعلوا ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة
ففي قولهم ونحب أثمانهن دليل على أن بيعهن بالاستيلاد ممتنع
وخبرهما إن من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها وفي رواية ربها أي سيدها فأقام الولد مقام أبيه وأبوه حر فكذا هو
واستشهد له البيهقي بقول عائشة رضي الله عنها لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة قال فيه دلالة على أنه لم يترك أم إبراهيم رقيقة وأنها عتقت بموته
فإن قيل تتوقف دلالة ذلك على أمرين أحدهما ثبوت حياتها بعده صلى الله عليه وسلم ثانيهما كونه لم ينجز عتقها قبل موته صلى الله عليه وسلم
أجيب باستمرار الأصل
( إذا أحبل ) رجل حر مسلم أو كافر أصلي ( أمته ) أي بأن علقت منه ولو سفيها أو مجنونا أو مكرها أو أحبلها الكافر حال إسلامه قبل بيعها عليه بوطء مباح أو محرم كأن تكون حائضا أو محرما له كأخته أو زوجة باستدخالها ذكره ولو كان نائما أو ماءه المحترم في حال حياته ( فولدت ) ولدا ( حيا أو ميتا أو ما تجب فيه غرة ) كمضغة ظهر فيها صورة آدمي وإن لم تظهر إلا لأهل الخبرة ولو من غير النساء
وجواب إذا قوله ( عتقت ) من رأس المال كما سيأتي ( بموت السيد ) لما مر من الأدلة ولما روى البيهقي عن ابن عمر أنه قال أم الولد أعتقها ولدها أي ثبت لها حق الحرية ولو كان سقطا
وخرج بقولنا حر المكاتب فإنه لو أحبل أمته ثم مات رقيقا قبل العجز أو بعده أو حرا لم تعتق بموته على
____________________
(4/538)
الأصح
وأما أمة المبعض فهل تصير أم ولد باستيلاده لها أو لا حكى البلقيني في تصحيح المنهاج في مصيرها أم ولد قولين وأيد كونها تصير أم ولد بأن في أصل الروضة أنه لا يثبت الاستيلاد للأب المبعض بالولد المنعقد منه في أمة فرعها ثم فرق بينهما بأن الأصل المبعض لا تثبت له شبهة الإعفاف بالنسبة إلى ما بعضه الرقيق ولا كذلك في المبعض في الأمة التي استقل بملكها
ثم قال والأصح عندنا أنه يثبت الاستيلاد في أمة المبعض التي ملكها بكسب الحرية وبه جزم الماوردي اه
وهذا هو المعتمد وإن جرى شيخنا في شرح الروض في النكاح على التسوية بينهما في عدم النفوذ وأحال عليه هنا فإنه قال هناك لا يثبت الاستيلاد بإيلادهما أي المكاتب والمبعض أمتهما فإيلاد أمة ولدهما بالأولى
ونقل ابن شهبة نفوذ استيلاده عن النص
وبقولنا كافر أصلي المرتد فإن إيلاده موقوف إن أسلم تبين نفوذه وإلا فلا
وبقول المصنف أمته أمة غيره وستأتي
ويدخل في عبارته الأمة التي اشتراها بشرط العتق فإنه استولدها ومات قبل أن يعتقها فإنها تعتق بموته ولا ينافي ذلك قولهم إن الاستيلاد لا يجزأ لأنه ليس بإعتاقها إذ معناه أنه لا يسقط عنه طلب العتق بذلك لا أنها لا تعتق بموته كما قد يتوهم
وقد توهم عبارته أنه لو أحبل الجارية التي يملك بعضها أنها لا تعتق بموته بل يعتق نصيبه فقط وليس مرادا بل يثبت الاستيلاد في الكل إذا كان موسر كما مر في العتق حيث قال واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري وقال في التنبيه إذا وطىء جاريته أو جارية يملك بعضها فأولدها فالولد حر والجارية أم ولد وهو صريح في أن الحرية لا تتبعض في الولد لأنه وطء بشبهة بسبب الملك فانعقد حرا لوطء أخته المملوكة له
وهذا هو المحكى عن العراقيين وحكى الرافعي في آخر السير تصحيحه عن القاضي أبي الطيب و الماوردي وغيرهما وصححه في الشرح الصغير وأصل الروضة
وقيل تتبعض في الولد وصححه في أصل الروضة في أواخر الكتاب وصححه الرافعي في الكلام على دية الجنين
وخرج بقولنا ولو سفيها المحجور عليه بالفلس فإن المتأخرين اختلفوا في نفوذ إيلاده فرجع نفوذه ابن الرفعة وتبعه البلقيني ورجح السبكي خلافه وتبعه الأذرعي و الزركشي ثم قال لكن سبق عن الحاوي والغزالي النفوذ اه
وكونه كاستيلاد الراهن المعسر أشبه من كونه كالمريض فإن من يقول بالنفوذ شبهه بالمريض ومن يقول بعدمه يشبه بالراهن المعسر
وبقولنا أو ماءه المحترم ما إذا كان غير محترم فلا يثبت به ذلك
وبقولنا في حال حياته ما إذا استدخلت منيه المنفصل في حال حياته بعد موته فلا يثبت به أمية الولد لأنها بالموت انتقلت إلى ملك الوارث
وهل يثبت بذلك نسبه أو لا ينبني على تعريف المحترم فالذي عليه الأكثر أن يكون محترما حال الإخراج والاستدخال
وجرى غيرهم على أن العبرة بحال الإخراج فقط وهو الظاهر وعلى هذا يثبت نسبه إن كان كذلك
وحكى الماوردي عن الأصحاب أن شرط وجوب العدة باستدخال المني أن يوجد الإنزال والاستدخال معا في الزوجية فلو أنزل ثم تزوجها فاستدخلنه أو أنزل وهي زوجته ثم أبانها واستدخلته لم تجب العدة ولم يلحقه الولد اه
وقياسه على هذا في السيد أن يكون الإنزال والاستدخال معا في حال السيدية وإلا فما الفرق وحيث ثبت النسب ثبت الإرث
وهل ينبغي إذا كانت المدخلة أمة فرعه أن يثبت الاستيلاد كما لو أحبل الأصل أمة فرعه الأوجه عدم الثبوت إذ لا شبهة ملك حينئذ
وبقوله فولدت حيا أو ميتا ما لو انفصل بعضه كأن أخرج رأسه أو وضعت عضوا وباقيه محتسب ثم مات السيد فلا تعتق وإن خالف في ذلك الدارمي فقد قالوا إنه لا أثر لخروج بعض الولد متصلا كان أو منفصلا في انقضاء عدة ولا في غيرها من سائر أحكام الجنين لعدم تمام انفصاله لا في وجوب الغرة بظهور شيء منه ولا في وجوب القود إذا حز جان رقبته وهو حي ولا في وجوب الدية بالجناية على أمه إذا مات بعد حياته
والاستثناء معيار العموم لكن يثبت لها أمية الولد
وبقوله أو ما يجب فيه غرة ما إذا وضعت مضغة ليس فيها تخطيط جلي ولا خفي فلا يثبت أمية الولد بذلك ولو شهد أهل الخبرة أنه مبتدأ خلق آدمي ولو بقي لتخطيط إذ لا تجب فيه الغرة على المنصوص بخلاف العدة فإنها تنقضي به وهذه تسمى مسألة النصوص وقد مر الكلام عليها في كتاب العدد
ولو اختلف أهل الخبرة هل فيها خلق آدمي أو لا فقال بعضهم فيها ذلك ونفاه بعضهم فالذي يظهر أن المثبت مقدم لأن معه زيادة علم
ودخل في قوله بموته ما إذا قتلته وبه صرح الرافعي في أوائل الوصية كحلول الدين المؤجل بقتل رب الدين للمدين
وهذا مستثنى من قولهم من تعجل بشيء قبل أوانه عوقب
____________________
(4/539)
بحرمانه كقتل الوارث المورث ويثبت عليها القصاص بشرطه
وأما الدية فيظهر وجوبها أيضا لأن تمام الفعل حصل وهي حرة ويؤخذ من ذلك أنها لو قتلت سيدها المبعض عمدا أنه يجب عليها القصاص لأنها حال الجناية رقيقة والقصاص يعتبر حال الجناية والدية بالزهوق
تنبيه قد علم مما تقرر ما في كلام المصنف من الإجحاف وأنه لو عبر بحبلت كان أولى
ويستثنى من عتقها بموت السيد مسائل منها ما إذا تعلق بها حق الغير من رهن أو أرش جناية ثم استولدها وهو معسر ثم مات مفلسا فإنها لا تعتق بموته وقد ذكر المصنف حكم ذلك في محله لكن الاستثناء من إطلاقه هنا
ولو رهن جارية ثم مات عن أب فاستولدها الأب قال القفال لا تصير أم ولد أي إذا كان معسرا لأنه خليفته فنزل منزلته
ومنها جارية التركة التي تعلق بها حق دين إذا استولدها الوارث لم ينفذ استيلاده إذا كان معسرا
ومنها الجارية التي نذر مالكها التصدق بها أو بثمنها لا ينفذ استيلاده لها لسبق حق النذر ذكره البلقينيي تخريجا مما إذا نذر قبل الحول التصدق بالنصاب أو ببعضه ومضى الحول قبل التصدق به وفيه طريقان أحدهما القطع بعدم وجوب الزكاة والثاني تخريجه على الخلاف في أن الدين هل يمنع وجوب الزكاة اه
قال ابن شهبة واستثناء هذه الصورة من كلام المصنف عجيب وتخريجها مما ذكر أعجب فإن الجارية في الصورة المذكورة خرجت عن ملكه بمجرد النذر كما هو مذكور في باب الأضحية وعبارة الروضة أو نذر أن يتصدق بمال فعينه زال ملكه عنه وهذا ظاهر فيما إذا نذر أن يتصدق بها وأما إذا نذر أن يتصدق بثمنها فإنها لم تخرج عن ملكه لكن يلزمه بيعها والتصدق بثمنها ولا ينفذ استيلاده فيها
ومنها ما إذا أوصى بعتق جارية تخرج من الثلث فالملك فيها للوارث ومع ذلك لو استولدها قبل إعتاقها لم ينفذ لإفضائه إلى إبطال الوصية قاله البلقيني أيضا وقال لم أر من تعرض لذلك وقياسه كما قال بعض المتأخرين المشتراة بشرط العتق إذا مات قبله فأولدها الوارث لم ينفذ والولد حر ولا يلزمه قيمته ولا مهرها منه
ومنها الصبي الذي استكمل تسع سنين إذا وطىء أمته فولدت لأكثر من ستة أشهر لحقه ولد قالوا لكن لا يحكم ببلوغه وثبوت استيلاد أمته فعلى كلامهم تستثنى هذه الصورة وعلى ما قلناه لا استثناء اه
والمعتمد الاستثناء
( أو ) أحبل ( أمة غيره ) بزنا أو ( بنكاح ) لا غرور فيه بحرية ( فالولد ) الحاصل بذلك ( رقيق ) بالإجماع لأنه يتبع الأم في الرق والحرية
أما إذا غر بحرية أمة فنكحها وأولدها فالولد حر كما ذكراه في باب الخيار والإعفاف
( ولا تصير أم ولد ) لمن أحبلها ( إذا ملكها ) لانتفاء العلوق بحر في ملكه وكذا الحكم فيما لو ملكها وهي حامل من نكاحه لكن يعتق عليه الولد ويثبت له الولاء عليه بخلاف ولد المالك فإنه ينعقد حرا
وتظهر الفائدة في العقل فإن المولي يعقل بخلاف الأب ولو نكح حر جارية أجنبي ثم ملكها ابنه أو تزوج عبد جارية ابنه ثم عتق لم ينفسخ النكاح لأن الأصل في النكاح الثابت الدوام فلو استولدها الأب ولو بعد عتقه في الثانية وملك ابنه لها في الأولى لم ينفذ استيلادها لأنه رضي برق ولده حين نكحها ولأن النكاح حاصل محقق فيكون واطئا بالنكاح لا بشبهة الملك بخلاف ما إذا لم يكن نكاح
وهذا ما جرى عليه الشيخان في باب النكاح وهو المعتمد لأن المكاتب لو ملك زوجة سيده الأمة انفسخ نكاحه فإذا أحبلها السيد بعد ذلك صارت أم ولد كما يعلم مما سيأتي
( أو ) أحبل أمة غيره ( بشبهة ) منه كأن ظنها أمته أو زوجته الحرة كما قيده في المحرر ( فالولد حر ) لظنه وعليه قيمته لسيدها
أما إذا ظنها زوجته الأمة فالولد رقيق
ولو تزوج بحرة وأمة بشرطه فوطىء الأمة ظنها الحرة فالأشبه أن الولد حر كما في أمة الغير يظنها زوجته الحرة
تنبيه أطلق المصنف الشبهة ومقتضى تعليلهم شبهة الفاعل فتخرج شبهة الطريق وهي الجهة التي أباح الوطء بها عالم فلا يكون الولد بها حرا وكذا لو أكره على وطء أمة الغير كما قاله الزركشي
وفي فتاوى البغوي لو استدخلت الأمة ذكر حر نائم فعلقت منه فالولد حر لأنه ليس بزنا من جهته ويجب قيمة الولد عليه
____________________
(4/540)
ويحتمل أن يرجع عليها بعد العتق كالمغرور
( ولا تصير أم ولد ) لمن وطئها بشبهة ( إذا ملكها في الأظهر ) لأنها علقت به في غير ملكه فأشبه ما لو علقت به في النكاح
والثاني تصير لأنها علقت منه بحر والعلوق بالحر سبب للحرية بالموت
تنبيه محل الخلاف في الحر أما إذا وطىء العبد جارية غيره بشبهة ثم عتق ثم ملكها فإنها لا تصير أم ولد جزما لأنه لم ينفصل من حر
ويستثنى من إطلاقه مسائل منها ما لو أولد السيد أمة مكاتبه فإنه يثبت فيها الاستيلاد
ومنها ما لو أولد الأب الحر أمة ابنه التي لم يستولدها فإنه يثبت فيها الاستيلاد وإن كان الأب معسرا أو كافرا وإنما لم يختلف الحكم باليسار والإعسار كما في الأمة المشتركة لأن الإيلاد هنا إنما ثبت لحرمة الأبوة وشبهة الملك وهذا المعنى لا يختلف بذلك
ومنها ما لو أولد الشريك الأمة المشتركة إذا كان موسرا كما مر فإن كان موسرا ثبت الاستيلاد في نصيبه خاصة وكذا الأمة المشتركة بين فرع الواطىء وأجنبي إذا كان الأصل موسرا
ولو أولد الأب الحر مكاتبة ولده هل ينفذ استيلاده لأن الكتابة تقبل الفسخ أو لا لأن الكتابة لا تقبل النقل وجهان أوجههما كما جزم به القفال الأول
ولو أولد أمة ولده المزوجة نفذ إيلاده كإيلاد السيد لها وحرمت على الزوج مدة الحمل
فرع جارية بيت المال كجارية الأجنبي فيحد واطؤها وإن أولدها فلا نسب ولا استيلاد وإن ملكها بعد سواء أكان فقيرا أم لا لأن الإعفاف لا يجب من بيت المال
( وله ) أي السيد ( وطء أم الولد ) منه بالإجماع ولحديث أمهات الأولاد لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع بها سيدها ما دام حيا فإذا مات فهي حرة رواه الدارقطني والبيهقي وقال ابن القطان رواته كلهم ثقات
وليس له وطء بنتها وعلل ذلك لحرمتها بوطء أمها
وهو جرى على الغالب فإن استدخاله المني الذي يثبت به الاستيلاد كذلك فإنهم صرحوا في باب ما يحرم من النكاح بثبوت المصاهرة بذلك
ولا وطء أمة مكاتبة فإن أحبلها صارت أم ولد كما مر ولزمه قيمتها ولا يحرم عليه وطؤها بعد ذلك لأنه ملكها قاله في البحر
فإن قيل لم أفرد في الحديث ضمير الجمع في قوله يستمتع بها ولم يقل بهن أجيب بأن كلا منهما جائز إلا أن الأكثر أن يعود للإفراد على جمع الكثرة والجمع على جمع القلة نبه على ذلك الشيخ خالد في إعراب الألفيه
تنبيه محل جواز الوطء إذا لم يحصل هناك مانع منه فمن المانع ما لو أحبل الكافر أمته المسلمة أو أسلمت مستولدته فإنه لا يحل له وطؤها وقيل يجبر على إعتاقها في الحال والأصح يحال بينه وبينها
ومنه المحرمة على المحبل بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو أحبلها فإنها تصير أم ولد كما مر وليس له وطؤها
ومنه ما لو أولد مكاتبته فإنها تصير أم ولد كما مر في باب الكتابة ويمتنع عليه وطؤها
ومنه أمة المبعض إذا استولدها وقلنا بنفوذ استيلاده كما مر فإنه لا يطؤها ولو بإذن مالكها خلافا للبلقيني
ومنه لو استولد الحر موطوءة ابنه فإنه يمتنع عليه وطؤها
ومنه الجارية المشتركة بينه وبين أجنبي إذا أحبلها الشريك المعسر أو المشتركة بين فرع الواطىء وأجنبي إذا كان الأصل موسرا كما مر
ومنه الأمة التي لم ينفذ فيها الاستيلاد لرهن وضعي أو شرعي أو جناية فإنه يثبت الاستيلاد فيها بالنسبة للمستولد ولا يجوز له وطؤها
فرع لو شهد اثنان على إقرار سيد الأمة بإيلادها وحكم به ثم رجعا عن شهاتهما لم يغرما شيئا لأن الملك باق فيها ولا يفوتا إلا سلطنة البيع ولا قيمة لها بانفرادها
وليس كإباق العبد من يد غاصبه فإنه في غيره ضمان يد حتى يعود إلى مستحقه فإن مات السيد غرما للوارث لأن هذه الشهادة لا تنحط عن الشهادة بتعليق العتق لو شهدا بتعليقه فوجدت الصفة وحكم بعتقه ثم رجعا غرما
( و ) له ( استخدامها ) وولدها ( وإجارتها ) وولدها وإعارتهما بطريق الأولى ( وأرش جناية عليها ) وعلى ولدها التابع لها وقيمتهما إذا قتلا لبقاء ملكه عليهما
فإن قيل قد صرح الأصحاب بأنه لا يجوز إجارة الأضحية المعينة كما لا يجوز بيعها إلحاقا للمنافع بالأعيان فهلا كان هنا كذلك كما قال به الإمام مالك أجيب بأن الأضحية خرج ملكه عنها بالكلية بخلاف المستولدة
____________________
(4/541)
تنبيه محل صحة إجارتها إذا كان من غيرها أما إذا أجرها نفسها فإنه لا يصح بخلاف بيعها من نفسها كما سيأتي
ولو مات السيد بعد أن أجرها انفسخت الإجارة فإن قيل لو أعتق رقيقه المؤجر لم تنفسخ فيه الإجارة فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن السيد في العبد لا يملك منفعة الإجارة فإعتاقه ينزل على ما يملكه وأم الولد ملكت نفسها بموت سيدها فانفسخت الإجارة في المستقبل
ويؤخذ من هذا أنه لو أجرها ثم أحبلها ثم مات لا تنفسخ الإجارة وهو كذلك
( وكذا ) له ( تزويجها بغير إذنها في الأصح ) لبقاء ملكه عليها وعلى منافعها فملك تزويجها كالمدبرة
والثاني لا يجوز إلا بإذنها كالمكاتبة
والثالث لا يجوز وإن أذنت لأنها ناقصة في نفسها وولاية السيد ناقصة فأشبهت الصغيرة لا يزوجها الأخ بإذنها
ولو عبر المصنف بالأظهر لكان أولى فإن الخلاف أقوال كما ذكراه في الروضة وأصلها
وله تزويج بنتها جبرا لما مر في أمها ولا حاجة إلى استبرائها بخلافه لفرشها ولا يجبر ابنها على النكاح ولا له أن ينكح بلا إذن السيد وبإذنه يجوز
وعلى الأول يستثنى الكافر فلا يزوج مستولدته المسلمة على الأصح
وما استثناه البغوي من أن المبعض لا يزوج مستولدته ممنوع كما قاله البلقيني لأن السيد يزوج أمته بالملك لا بالولاية
( ويحرم ) ويبطل ( بيعها ورهنها وهبتها ) لخبر الدارقطني السابق في الأولى والثالث ولأنها لا تقبل النقل فيهما وقياسا للثاني عليهما ولأن فيه تسليطا على المبيع وقد قام الإجماع على عدم صحة بيعها
واشتهر عن علي رضي الله عنه أنه خطب يوما على المنبر فقال في أثناء خطبته اجتمع رأيي ورأي عمر على أن أمهات الأولاد لا يبعن وأنا الآن أرى بيعهن
فقال عبيدة السلماني رأيك مع رأي عمر وفي رواية مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك
فقال اقضوا فيه ما أنتم قاضون فإني أكره أن أخالف الجماعة
فلو حكم حاكم بصحة بيعها نقض حكمه لمخالفته الإجماع
وما كان في بيعها من خلاف بين القرن الأول فقد انقطع وصار مجمعا على منعه
وأما خبر أبي داود وغيره عن جابر كنا نبيع أمهات سرارينا أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم حي لا نرى بذلك بأسا الذي استدل به القديم على جواز البيع فأجيب عنه بجوابين الأول أنه منسوخ الثاني أن هذا منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم استدلالا واجتهادا فيقدم عليه ما نسب فيه قولا ونصا وهو الحديث السابق عن الدارقطني
وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك كما قال ابن عمر كنا نخابر أربعين سنة لا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة فتركناها
فائدة قد ناظر في هذه المسألة أبو بكر بن داود بن سريج فقال أبو بكر أجمعنا على أنها قبل أمية الولد كانت تباع فيستصحب هذا الإجماع إلى أن يثبت ما يخالفه فقال له ابن سريج أجمعنا على أنها حين كانت حاملا بحر لا تباع فيستصحب هذا الإجماع القريب إلى أن يثبت ما يخالفه فأفحمه
تنبيه قد يقتضي كلام المصنف منع كتابته لأن الكتابة اعتياض عن الرقبة ونقله الروياني عن النص ولكن الأصح كما في الرافعي الجواز
وأشعر قرنه البيع بالهبة أنه حيث حرم بيعها حرم هبتها وعكسه لكن استثنى منه المرهونة والجانية فإنه يجوز بيعها ولا تجوز هبتها
ويستثنى من إطلاقه منع بيعها من نفسها بناء على أنه عقد عتاقة وهو الأصح وكبيعها في ذلك هبتها كما صرح به البلقيني بخلاف الوصية به لاحتياجها إلى القبول وهو إنما يكون بعد الموت وعتقها يقع عقبه
وليس له بيعها ممن تعتق عليه ولا يشرط العتق ولا ممن أقر بحريتها فإنا ولو قلنا هو من جهة المشترى افتداء وبيع من جهة البائع يثبت له فيها الخيار ففيه نقل مالك كالصورتين الأولتين
ويؤخذ من البناء المار في بيعها من نفسها أن محله إذا كان السيد حر الكل أما إذا كان مبعضا فإنه لا يصح لأنه عقد عتاقة كما مر وهو ليس من أهل الولاء وهذا مأخوذ من كلامهم وإن لم أر من ذكره
والهبة كالبيع فيما ذكر
وهذا كله إذا لم يرتفع الإيلاد فإن ارتفع بأن كانت كافرة وليست لمسلم وسبيت وصارت قنة فإنه يصح جميع التصرفات فيها فلو عادت لملكها بعد ذلك لم يعد الاستيلاد لأنا أبطلناه بالكلية بخلاف المستولدة المرهونة إذا بيعت ثم ملكها الراهن لأنا إنما أبطلنا الاستيلاد فيها بالنسبة إلى المرتهن
____________________
(4/542)
وقد زال تعلقه وهذا هو الظاهر وإن لم أر من تعرض له
( ولو ولدت من زوج ) أو وطء شبهة بأن ظن الواطىء فيه أنها زوجته الأمة ( أو زنا ) بعد الاستيلاد ( فالولد للسيد يعتق بموته كهي ) لأن الولد يتبع الأم في الرق والحرية فكذا في سببها اللازم
ولا يتوقف عتقه على عتق الأم فلو ماتت قبل السيد بقي الاستيلاد فيه
وهذا أحد المواضع التي يزول فيها حكم المتبوع ويبقى حكم التابع كما في نتاج الماشية في الزكاة بخلاف المكاتبة إذا ماتت أو عجزت نفسها تبطل الكتابة ويكون الولد رقيقا للسيد لأنه يعتق بعتقها تبعا بلا أداء منه أو نحوه
وولد المستولدة إنما يعتق بما تعتق هي به وهو موت السيد ولهذا لو أعتق أم الولد أو المدبرة لم يعتق الولد كالعكس بخلاف المكاتبة إذا أعتقها يعتق ولدها
وولد الأضحية المنذورة والهدي له حكمها لزوال الملك عنها وولد الموصى بمنفعتها كالأم رقبته للوارث ومنفعته للموصى له لأنه جزء من الأم والمؤجرة والمعارة لا يتعدى حكمها إلى الولد لأن العقد لا يقتضيه
وولد المرهونة الحادث بعد الرهن غير مرهون وولد المضمونة غير مضمون وولد المغصوبة غير مغصوب وولد المودعة كالثوب الذي طيرته الريح إلى داره وولد الجانية لا يتبعها في الجناية وولد المرتدين مرتد وولد العدو تصح شهادته على عدو أصله وولد مال القراض يفوز به المالك وولد المستأجرة غير مستأجر وولد الموقوفة لا يتعدى حكم الوقف إليه لأن المقصود بالوقف حصول الفوائد والمنافع للموقوف عليه
قال الزركشي وضابط ما يتعدى الولد كل ما لا يقبل الرفع كما لو نذر عتق جاريته يجب عتق ولدها وكذا ولد الأضحية والهدي اه
فإن قيل يرد على المصنف صورتان إحداهما أنه إذا أحبل الراهن المرهونة وهو معسر وقلنا بالأصح أنها لا تصير أم ولد فتباع في الدين فإذا بيعت ثم ولدت عند المشتري أولادا ثم ملكها الراهن هي وأولادها فإنها تصير مستولدة على الصحيح وأولادها أرقاء لا يعطون حكمها قاله الرافعي في باب الإقرار بالنسب
قال البلقيني وجرى مثله في الجناية وجانية التركة المتعلق بها الرهن
الثانية ما حكاه الرافعي قبيل الصداق عن فتاوى البغوي وأقره أن الزوج إذا كان يظن أن أم الولد حرة فالولد حر وعليه قيمته للسيد
أجيب بأنهم في الأولى ولدوا قبل الحكم بالاستيلاد وظاهره أن الحكم كذلك ولو كانت حاملا به عند العود وهو ما في فتاوى القاضي وفي الثانية ليست أم ولده في ظنه
وقوله كهي فيه جر الكاف للضمير وهو شاذ والمصنف استعمله في مواضع من المتن هذا آخرها ولو قال كالروضة فحكم الولد حكم أمه لكان أولى ليشمل منع البيع وغيره من الأحكام
واحترز بقوله من زوج أو زنا عن ولدها من السيد فإنه حر لكن يرد عليه ما لو وطئها أجنبي يظن أنها زوجته الأمة فإن حكم ولدها كذلك كما مر
تنبيه سكت المصنف عن حكم أولاد أولاد المستولدة ولم أر من تعرض لهم والظاهر أخذا من كلامهم أنهم إن كانوا من أولادها الإناث فحكمهم حكم أولادها أو من الذكور فلا لأن الولد يتبع الأم رقا وحرية كما مر
فرع لو قال لأمته أنت حرة بعد موتي بعشر سنين مثلا فإنما تعتق إذا مضت هذه المدة من الثلث وأولادها الحادثون بعد موت السيد في هذه المدة كأولاد المستولدة ليس للوارث أن يتصرف فيهم بما يؤدي إلى إزالة الملك ويعتقون من رأس المال كما ذكره في باب التدبير
( وأولادها قبل الاستيلاد من زنا أو ) من ( زوج لا يعتقون بموت السيد وله بيعهم ) والتصرف فيهم ببقية التصرفات لحدوثهم قبل ثبوت سبب الحرية للأم
ولو ادعت المستولدة أن هذا الولد حدث من ذلك بعد الاستيلاد أو بعد موت السيد فهو حر وأنكر الوارث ذلك وقال بل حدث قبل الاستيلاد فهو قن صدق بيمينه بخلاف ما لو كان في يدها مال وادعت أنها اكتسبته بعد موت السيد وأنكر الوارث فإنها المصدقة لأن اليد لها فترجع بخلافه في الأولى فإنها تدعي حريته والحر لا يدخل تحت اليد
( وعتق المستولدة ) وأولادها الحادثين بعد الاستيلاد ( من رأس المال والله أعلم ) مقدما على الديون والوصايا لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أعتقها ولدها وسواء أحبلها أو أعتقها في المرض أم لا أوصى بها من الثلث أم لا بخلاف ما لو أوصى بحجة الإسلام فإن الوصية بها
____________________
(4/543)
تحسب من الثلث لأن هذا إتلاف حصل بالاستمتاع فأشبه إنفاق المال في الملذات والشهوات
خاتمة لو وطىء شريكان أمة لهما وأتت بولد وادعيا استبراء وحلفا فلا نسب ولا استيلاد وإن لم يدعيا فله أحوال أحدها أن لا يمكن كونه من أحدهما بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من وطء الأول ولأقل من ستة أشهر من وطء الثاني أو لأكثر من أربع سنين من آخرهما وطأ فكما لو ادعيا الاستبراء الحال الثاني أن يمكن كونه من الأول دون الثاني بأن ولدته لما بين أقل من مدة الحمل وأكثرها من وطء الأول ولما دون أقل مدة الحمل من وطء الثاني فيلحق بالأول ويثبت الاستيلاد في نصيبه ولا سراية إن كان معسرا ويسري إن كان موسرا
الحال الثالث أن يمكن أن يكون من الثاني دون الأول بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من وطء الأول ولما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطء الثاني فيلحق بالثاني ويثبت الاستيلاد في نصيبه ولا سراية إن كان معسرا وإن كان موسرا سرى
الحال الرابع أن يمكن كونه من كل واحد بأن ولدته لما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطء كل واحد منهما وادعياه أو أحدهما فيعرض على القائف فإن تعذر أمر بالانتساب إذا بلغ وإن أتت لكل واحد منهما بولد وهما موسران وادعى كل منهما أن إيلاده قبل إيلاد الآخر لها ليسري إيلاده إلى بقيتها فإن حصل اليأس من بيان القبلية عتقت بموتها لاتفاقهما على العتق ولا يعتق بعضها بموت أحدهما لجواز كونها مستولدة للآخر ونفقتها في الحياة عليهما ويوقف الولاء بين عصبتيهما لعدم المرجح
وإن كانا معسرين يثبت الاستيلاد لكل واحد في قدر نصيبه فإذا مات أحدهما عتق نصيبه وأولاده لعصبته فإذا ماتا عتقت كلها والولاء لعصبتهما بالسوية وإن كان أحدهما موسرا فقط ثبت إيلاده في نصيبه والنزاع في نصيب المعسر فنصف نفقتها على المعسر ونصفها الآخر بينهما
ثم إن مات الموسر أولا عتق نصيبه وولاؤه لعصبته فإذا مات المعسر بعده عتق نصيبه ووقف ولاؤه بين عصبتهما وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شيء فإذا مات الموسر بعده عتقت كلها وولاء نصفها لعصبته ووقف ولاء النصف الآخر
أما لو ادعى كل منهما سبق الآخر وهما موسران أو أحدهما موسر فقط ففي الروضة كأصلها عن البغوي يتحالفان ثم ينفقان عليها فإذا مات أحدهم في الصورة الأولى لم يعتق نصيبه لاحتمال صدقه وعتق نصيب الحي لإقراره ووقف ولاؤه فإذا مات عتقت كلها ووقف ولاء الكل
وإذا مات الموسر في الثانية أولا عتقت كلها نصيبه بموته وولاؤه لعصبته ونصيب المعسر بإقراره ووقف ولاؤه
وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شيء لاحتمال سبق الموسر فإذا مات الموسر عتقت كلها وولاء نصيبه لعصبته وولاء نصيب المعسر موقوف
ولو كانا معسرين فكما لو ادعى كل منهما أنه أولدها قبل استيلاد الآخر لها وقد تقدم حكمه والعبرة باليسار والإعسار بوقت الإحبال
ولو عجز السيد عن نفقة أم ولده أجبر على تخليتها لتكسب وتنفق على نفسها أو على إيجارها ولا يجبر على عتقها أو تزويجها كما لا يرتفع ملك اليمين بالعجز عن الاستمتاع فإن عجزت عن الكسب فنفقتها في بيت المال كما مر في النفقات والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب
وهذا آخر ما يسره الله تعالى من مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج فدونك مولفا كأنه سبيكة عسجد أو در منضد محررا لدلائل هذا الفن مظهرا لدقائق استعملنا الفكر فيها إذا الليل جن فإن ظفرت بفائدة فادع بالتجاوز والمغفرة أو بزلة قلم أو لسان فافتح لها باب التجاوز والمعذرة فلا بد من عيب فإن تجدنه فسامح وكن بالستر أعظم مفضل فمن ذا الذي ما ساء قط ومن له ال محاسن قد تمت سوى خير مرسل فأسأل الله الكريم الذي به الضر والنفع ومنه الإعطاء والمنع أن يجعله لوجهه خالصا وأن يتداركني بألطافه إذا الظل أضحى في القيامة قالصا وأن يخفف عني كل تعب ومؤنة وأن يمدني بحسن المعونة وأن يرحم ضعفي كما علمه وأن يحشرني في زمرة من رحمه أنا ووالدي وأولادي وأقاربي ومشايخي وأحبابي وأحباني وجميع المسلمين بمحمد وآله وصحابته أجمعين
ونختم هذا الشرح بما ختم به الرافعي كتابه المحرر بقوله اللهم كما ختمنا بالعتق كتابنا نرجو أن تعتق من النار رقابنا وأن تجعل إلى الجنة مآبنا وأن تسهل عند سؤال الملكين جوابنا وإلى رضوانك إيابنا
اللهم بفضلك حقق رجاءنا ولا تخيب دعاءنا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
كقتل الولد ولده وكصور الخطأ وشبه العمد ( و ) باب ( العاقلة ) وجناية
____________________
(4/544)