المقبرة بطائفة اختصت بهم عند الأكثرين كما قاله الإمام
( ولو وقف على شخصين ) معينين ( ثم الفقراء ) ( مثلا فمات أحدهما فالأصح المنصوص ) في حرملة ( أن نصيبه يصرف إلى الآخر ) لأن شرط الانتقال إلى الفقراء انقراضهما جميعا ولم يوجد وإذا امتنع الصرف إليهم فالصرف إلى من ذكره الواقف أولى
والثاني يصرف إلى الفقراء كما يصرف إليهم إذا ماتا
تنبيه محل الخلاف ما لم يفصل فإن فصل فقال وقفت على كل منهما نصف هذا فهو وقفان كما ذكره السبكي فلا يكون نصيب الميت منهما للآخر بل يحتمل انتقاله للأقرب إلى الواقف أو الفقراء وهو الأقرب إن قال ثم على الفقراء فإن قال ثم من بعدهما على الفقراء فالأقرب الأول
ولو وقف عليهما وسكت عمن يصرف إليه بعدهما فهل نصيبه للآخر أو الأقوياء الواقف وجهان أوجههما كما قال شيخنا أنه للآخر وصححه الأذرعي
ولو رد أحدهما أو بان ميتا فالقياس على الأصح صرفه للآخر
ولو وقف على زيد ثم عمرو ثم بكر ثم الفقراء فمات عمرو قبل زيد ثم مات زيد قال الماوردي و الروياني لا شيء لبكر وينتقل الوقف من زيد إلى الفقراء لأنه رتبه بعد عمرو وعمرو بموته أو لا لم يستحق شيئا لم يجز أن يتملك بكر عنه شيئا
وقال القاضي في فتاويه الأظهر أنه يصرف إلى بكر لأن استحقاق الفقراء مشروط بانقراضه كما لو وقف على ولده ثم ولد ولده ثم الفقراء فمات ولد الوالد ثم الولد يرجع إلى الفقراء
ويوافقه فتوى البغوي في مسألة طويلة حاصلها أنه إذا مات واحد من ذرية الواقف في وقف الترتيب قبل استحقاقه للوقف لحجبه بمن فوقه يشارك ولده من بعده عند استحقاقه
قال الزركشي وهذا هو الأقرب
ولو قال وقفت على أولادي فإذا انقرض أولادهم فعلى الفقراء هل تدخل أولاد الأولاد في الوقف أو لا اختار ابن أبي عصرون الأول ويجعل ذكرهم قرينة في دخولهم
وقال الأذرعي إنه المختار
وقال الشيخ أبو حامد الصحيح أنه منقطع الوسط لأن أولاد الأولاد لم يشترط لهم شيئا وإنما شرط انقراضهم لاستحقاق غيرهم اه
وهذا أوجه
فصل في أحكام الوقف اللفظية والأصل فيها أن شروط الواقف مرعية ما لم يكن فيها ما ينافي الوقف
فإذا تلفظ الواقف في صيغة وقفه بحرف عطف يقتضي تشريكا أو ترتيبا عمل به كما أشار المصنف إلى ذلك بقوله ( قوله ) أي الشخص ( وقفت ) كذا ( على أولادي وأولاد أولادي يقتضي التسوية ) في أصل الإعطاء والمقدار ( بين الكل ) وهو جميع أفراد الأولاد وأولادهم ذكرهم وأنثاهم لأن الواو لمطلق الجمع لا للترتيب كما هو الصحيح عند الأصوليين ونقل عن إجماع النحاة ومن جعلها للترتيب كما حكاه الماوردي في باب الوضوء عن أكثر الأصحاب ينبغي كما قال ابن الرفعة تقديم الأولاد
ولو جمعهم بالواو ثم قال ومن مات منهم فنصيبه لولده فمات أحدهم اختص ولده بنصيبه وشارك الباقين فيما عداه
تنبيه إدخال أل على كل جائز عند الأخفض والفارسي ومنعه الجمهور نظرا إلى أن إضافة كل معنوية فلا تجامعها
( وكذا ) يسوي بين الكل ( لو زاد ) على أولاد أولادي قوله ( ما تناسلوا ) أي أولاد الأولاد وكأنه قال عليهم وعلى أعقابهم ما تناسلوا
فإن قيل قوله ما تناسلوا لا يقتضي تسوية ولا ترتيبا وإنما يقتضي التعميم
أجيب بأنه يقتضي التعميم بالصفة المتقدمة وهي التسوية فيكون بمنزلة قوله وإن سفلوا
( أو ) زاد على ما ذكر قوله ( بطنا بعد بطن ) أو نسلا بعد نسل فإنه أيضا يقتضي التسوية بين الجميع فيشارك البطن الأسفل البطن الأعلى كقوله ما تناسلوا
وهذا ما جرى عليه البغوي و الفوراني و العبادي ووجه بأن بعد تأتي بمعنى مع كما في قوله تعالى { والأرض بعد ذلك دحاها } أي مع ذلك على أحد الأقوال
وذهب الجمهور إلى أن قوله بطنا بعد بطن للترتيب كقوله الأعلى فالأعلى وصححه السبكي تبعا لابن يونس قال وعليه هو للترتيب بين البطنين فقط فينتقل بانقراض الثاني لمصرف آخر إن
____________________
(2/386)
ذكره الواقف وإلا فمنقطع الآخر
قال الإسنوي و الرافعي لم يمعن النظر في هذه المسألة فإنه نقل الترتيب عن بعض أصحاب الإمام وهو مقطوع به في كلام الإمام نفسه
وعد جماعة من الأصحاب القائلين بالترتيب ثم قال وما ذكره الشيخان من اقتضاء التسوية باطل من جهة البحث أيضا فإن لفظة بعد في اقتضاء الترتيب أصرح من ثم و الفاء وغيرهما وقد جزما باقتضاء الترتيب فما نحن فيه أولى
قال ابن العماد وما قاله الإسنوي من أن بعد أصرح من ثم والفاء في الترتيب خطأ مخالف لنص القرآن العظيم فقد قال تعالى { ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم } قال المفسرون أي مع ما ذكر من أوصافه زنيم واستدل بغير ذلك من القرآن ومن كلام العرب
والمقصود من ذلك إنما هو إظهار الحق لأن العلماء أئمة الهدى وبهم نقتدي فلا يظن فيهم غير ذلك فظهر بهذا أن ما جرى عليه الشيخان هو المعتمد
فإن قيل قد صرحا في باب الطلاق بأنه لو قال لزوجته غير المدخول بها أنت طالق طلقة بعدها طلقة أنها تبين بالأولى ولا تقع الثانية ولو كانت بعد بمعنى مع وقع طلقتان كما لو قال طلقة معها طلقة
أجيب بأن قوله بطنا بعد بطن تقدم عليه ما هو صريح في التعميم وهو وقفت على أولادي إلخ وتعقيبه بالبعدية ليس صريحا في الترتيب وإنما القصد به إدخال سائر البطون حتى لا يصير الوقف منقطع الآخر
تنبيه قوله بطنا منصوب على الحال بمعنى مر تبين ويجوز رفعه مبتدأ ومسوغه وصف محذوف تقديره منهم فهو كقوله تعالى { وطائفة } أي منهم وانتصاب بعد على أنه ظرف لمحذوف أي كائنا بطن
( ولو قال ) وقفت كذا ( على أولادي ثم أولاد أولادي ثم أولادهم ما تناسلوا أو ) قال وقفت كذا ( على أولادي وأولاد أولادي الأعلى فالأعلى ) منهم ( أو الأول فالأول ) منهم أو الأقرب فالأقرب منهم ( فهو للترتيب ) فيما ذكر لدلالة اللفظ عليه فلا يأخذ بطن وهناك بطن أقرب منه آخر كما صرح به البغوي وغيره
تنبيه لا وجه لتخصيص ما تناسلوا بالأولى مع أنه لا حاجة إليه فيها بل إن ذكره فيها وفي البقية لم يكن التأبيد والترتيب خاصين بالطبقتين الأولتين وإلا اختصا بهما كما صرح به القاضي وغيره ويكون بعدهما منقطع الآخر
قال السبكي وقد يتوقف في الصورة الأولى بعد البطن الثالث لعدم ذكر ثم فيه إلا أن يقال قوله ما تناسلوا يقتضي التعميم بالصفة المتقدمة وهي تقديم الأولاد ثم أولادهم على غيرهم فيتم ذلك في كل بطن ولا بأس به اه
وقد مرت الإشارة إلى ذلك
ولو جاء ب ثم للبطن الثاني وبالواو فيما بعده من البطون كأن قال وقفت على أولادي ثم أولاد أولادي وأولاد أولاد أولادي كان الترتيب للبطن الثاني دونهم عملا ب ثم وبالواو فيهم وإن عكس بأن جاء بالواو في البطن الثاني وب ثم فيما جاء بعده كان الترتيب لهم دونه
تنبيه قوله الأول فالأول بكسر اللام فيهما بخطه وهو إما على البدل وإما على إضمار فعل أي وقفته على الأول فالأول
( ولا يدخل أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد في الأصح ) المنصوص عليه في البويطي لأنه لا يقع عليه اسم الولد حقيقة إذ يصح أن يقال في ولد ولد الشخص ليس ولده
والثاني يدخلون لقوله تعالى { يا بني آدم }
وقوله صلى الله عليه وسلم ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا
فإن قيل كان ينبغي ترجيح هذا على قاعدة الشافعي في حمل اللفظ على حقيقته ومجازه
أجيب بأن شرطه على قاعدة إرادة المتكلم له والكلام هنا عند الإطلاق
والثالث يدخل أولاد البنين لانتسابهم إليه
قال صلى الله عليه وسلم أنا ابن عبد المطلب دون أولاد البنات
تنبيه محل الخلاف إذا وجد النوعان فلو قال وقفت على أولادي ولم يكن له إلا أولاد أولاد حمل اللفظ عليهم لوجود القرينة وصيانة لكلام المكلف عن الإلغاء فلو حدث له ولد فالظاهر كما قال شيخنا الصرف له لوجود الحقيقة وأنه يصرف لهم معه كالأولاد في الوقف ويحتمل أن يختص بذلك وإلا وجه الأول ومحله عند الإطلاق فلو أراد جميعهم دخل أولاد الأولاد قطعا أو قال وقفت على أولادي لصلبي لم يدخلوا قطعا
ولو قال وقفت على أولادي
____________________
(2/387)
ولم يكن له إلا ولد فقط اختص به على الأصح
( ويدخل أولاد البنات ) قريبهم وبعيدهم ( في الوقف على الذرية و ) على ( النسل و ) على ( العقب ) بكسر القاف بخطه ويجوز إسكانها وهو ولد الرجل الذي يبقى بعده قاله القاضي عياض
( و ) على ( أولاد الأولاد ) لصدق اللفظ بهم
أما في الذرية فلقوله تعالى { ومن ذريته داود وسليمان } إلى أن ذكر عيسى وليس هو إلا وله البنت والنسل والعقب في معناه
( إلا أن يقول على من ينتسب إلي منهم ) أي من أولاد الأولاد فلا يدخل أولاد البنات لأنهم لا ينتسبون إليه بل إلى آبائهم
فإن قيل قال صلى الله عليه وسلم في الحسن بن علي إن ابني هذا سيد
أجيب بأنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن أولاد بناته ينسبون إليه كما ذكروه في النكاح
فإن قيل قضية كلامهم دخول أولاد البنين سواء أكان الواقف رجلا أم امرأة وهو مشكل في المرأة لقولهم في النكاح وغيره إنه لا مشاركة بين الأم والابن في النسب
أجيب بأن ذكر الإنتساب في المرأة هنا لبيان الواقع لا للإخراج فيدخل أولاد البنات أيضا وإلا يلزم إلغاء الوقف أصلا فالعبرة فيها بالنسبة اللغوية لا الشرعية ويكون كلام الفقهاء محمولا على وقف الرجل
تنبيه يدخل الخنثى في الوقف على البنين والبنات لأنه لا يخرج عنهم والاشتباه إنما هو في الظاهر
نعم إنما يعطي المتيقن إذا فاضل بين البنين والبنات ويوقف الباقي إلى البيان ولا يدخل في الوقف على أحدهما لاحتمال أنه من الصنف الآخر
وظاهر هذا كما قال الإسنوي أن المال يصرف إلى من عينه من البنين أو البنات وليس مرادا لأنا لم نتيقن استحقاقهم لنصيب الخنثى بل يوقف نصيبه إلى البيان كما في الميراث وقد صرح به ابن المسلم
ولا يدخل في الوقف على الولد المنفي باللعان على الصحيح لانتفاء نسبه عنه فلو استلحقه بعد نفيه دخل جزما
والمستحقون في هذه الألفاظ لو كان أحدهم حملا عند الوقف لم يدخل على الأصح لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولدا فلا يستحق غلة مدة الحمل فلو كان الموقوف نخلة فخرجت ثمرتها قبل خروج الحمل لا يكون له من تلك الثمرة شيء
فإن قيل هلا استحق كالميراث أجيب بأن المعتبر هنا تسميته ولدا وهو لا يسمى كما مر بخلاف الإرث وأما بعد الانفصال فيستحق قطعا وكذا الأولاد الحادث علوقهم بعد الوقف يستحقون إذا انفصلوا على الصحيح
ولو وقف على بني تميم دخل فيهم البنات لأنه يعبر به عن القبيلة بخلاف العكس
ولا يدخل الأخوات في الوقف على الإخوة كما جزم به في الروضة وأصلها في آخر الوصية وإن قال الماوردي بدخولهن
( ولو وقف على مواليه وله معتق ) بكسر التاء ( ومعتق ) بفتح التاء ( قسم ) الموقوف ( بينهما ) نصفين على الصنفين لا على عدد الرؤوس على الراجح
( وقيل يبطل ) لما فيه من الإجمال
ولا يمكن حمل اللفظ على العموم لاختلاف معناهما وترجيح الأول من زيادته وصححه في زيادة الروضة أيضا ونص عليه الإمام الشافعي في البويطي
وخرج بقوله وله معتق ومعتق ما إذا لم يوجد إلا أحدهما فإنه يتعين قطعا فلو طرأ الآخر بعده لم يدخل وإن بحث ابن النقيب دخوله قياسا على الأولاد
أجيب عن القياس بأن إطلاق المولى على كل منهما من الاشتراك اللفظي وقد دلت القرينة وهي الانحصار في الموجود على أحد معنيين فصار المعنى الآخر غير مراد
وأما مع القرينة فيحمل عليهما احتياطا أو عموما على خلاف في ذلك مقرر في الأصول بخلاف الوقف على الإخوة فإن الحقيقة واحدة وإطلاق الاسم على كل واحد من المتواطىء فمن صدق عليه هذا الاسم استحق من الوقف إلا أن يقيد الواقف بالموجدين حال الوقف فيتبع تقييده
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن هذا الخلاف يختص بحالة الجمع وهو موافق لقول الإمام لا يتجه التشريك في الإفراد كوقفت على مولاي وينقدح مراجعة الواقف لكن ظاهر كلام ابن المقري في روضه كأصله التسوية بين المولى والموالي وهو الظاهر كما صرح به القاضي أبو الطيب و ابن الصباغ
وإذا اقتضى الحال الصرف إلى المولى الأسفل بتصريح أو غيره لم يدخل فيه من يعتق بموته في الأصح كما ذكره في الروضة في الوصايا لأنهما ليس من الموالي لا حال
____________________
(2/388)
الوصية ولا حال الموت وقضية التقييد بالموت أن من عتق في حياته ولو بعد الوقف يدخل
( والصفة المتقدمة على جمل ) أو مفردات ( معطوفة ) لم يتخللها كلام طويل ( تعتبر ) تلك الصفة ( في الكل ) من تلك الجمل أو المفردات
( كوقفت على محتاجي أولادي وأحفادي ) وهم أولاد الأولاد ( وإخوتي وكذا ) الصفة ( المتأخرة عليها ) أي عنها كما في المحرر
( والاستثناء ) يعتبران في الكل ( إذا عطف ) فيهما ( بواو كقوله ) في المتأخرة وقفت ( على أولادي وأحفادي وإخوتي المحتاجين ) والمحتاج من يجوز له أخذ الزكاة كما أفتى به القفال وإن بحث الزركشي مراجعة الواقف إن أمكن
( أو إلا أن يفسق بعضهم ) لما تقرر في الأصول من أن الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في جميع المتعلقات كالصفة وغيرها وكذا الاستثناء بجامع عدم الاستقلال
وإن عطف ما ذكر من المتعاطفات ب ثم أو فرق بينهما بكلام طويل اختصت الصفة والاستثناء بالمعطوف الأخير فالشرط في عودهما للجميع العطف بالواو وأن لا يتخلل كلام طويل كما نقله في أصل الروضة عن الإمام وأقره
قال الزركشي وما نقل عن الإمام إنما هو احتمال له والمذهب خلافه وقد صرح هو في البرهان بأن مذهب الشافعي العود إلى الجميع
وإن كان العطف ب ثم قال في المختار إنه لا يتقيد بالواو بل الضابط وجود عاطف جامع بالوضع كالواو والفاء وثم اه
وهذا المختار هو المعتمد
وتقديم الصفة على المتعاطفات كتأخيرها عنها في عودها إلى الجميع وكذا المتوسطة وإن قال السبكي الظاهر اختصاصها بما وليته اه
ومثلها فيما ذكر الاستثناء
واعلم أن عود الاستثناء إلى الجمل لا يتقيد بالعطف فقد نقل الرافعي في الأيمان أنه يعود إليها بلا عطف حيث قال القاضي أبو الطيب لو قال إن شاء الله أنت طالق عبدي حر لم تطلق ولم يعتق
تنبيه ما ذكره المصنف مثال لعطف المفردات لا الجمل إلا أن يقدر لكل من المعطوفات عامل
ولو وقف على زوجاته أو أمهات أولاده وبناته ما لم يتزوجن فتزوجت واحدة منهن خرجت ولا تعود إذا طلقت أو فارقت بفسخ أو وفاة
فإن قيل لو وقف على بناته الأرامل فتزوجت واحدة منهن ثم طلقت عاد استحقاقها فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنه في البنات أثبت استحقاق البنات الأرامل وبالطلاق صارت أرملة وهنا جعلها مستحقة إلا أن تتزوج وبالطلاق لا تخرج عن كونها تزوجت
ومقتضى هذا وكلام ابن المقري وأصله من لم تتزوج أصلا أرملة وليس مرادا بل الذي نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه أنها التي فارقها زوجها
وفي الوصية من الروضة أنه الأصح وعلى هذا فلا سؤال
فصل في أحكام الوقف المعنوية ( الأظهر أن الملك في رقبة الموقوف ) على معين أو جهة ( ينتقل إلى الله تعالى ) وفسر المصنف انتقاله إلى الله تعالى بقوله ( أي ينفك عن اختصاص الآدمي ) ذكر وأنثى وإلا فجميع الموجودات له سبحانه وتعالى في كل الأوقات
قال الإمام في الشامل لا يتصور في حق العباد ملك الرقاب وإن أطلق توسعا فالمالك في الحقيقة هو الله تعالى
وقوله ( فلا يكون للواقف ولا للموقوف عليه ) أشار به إلى القولين الآخرين
وجه بقاء الملك للواقف أنه حبس الأصل وسبل الثمرة وذلك لا يوجب زوال ملكه ووجه الثالث الإلحاق بالصدقة
فإن قيل الوقف يثبت بشاهد ويمين وهو يدل لهذين القولين وأن حقوق الله تعالى لا تثبت إلا بشاهدين
أجيب بأن المقصود بالثبوت هو الربع وهو حق آدمي ولو جعل البقعة مسجدا أو مقبرة انفك اختصاص الآدمي قطعا ومثلها بأن المقصود بالثبوت هو الريع وهو حق آدمي ولو جعل البقعة مسجدا أو مقبرة انفك اختصاص الآدمي قطعا
ومثلها الرباط والمدرسة ونحوهما
( ومنافعه ) أي الموقوف على معين عند الإطلاق ( ملك للموقوف عليه ) وفسر المصنف هذا الملك بقوله ( يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة ) كسائر الأملاك ولكن لا يؤجر إلا إذا كان ناظرا أو أذن له الناظر في ذلك
____________________
(2/389)
نعم للناظر منعه من سكنى الدار الموقوفة عليه ليؤجرها للعمارة إن اقتضاها الحال لأنه إذا لم يمنعه لربما أدى ذلك إلى الخراب
وفهم من تجويز الإعارة الإجارة بدون أجرة المثل وبه صرح الإمام فإن كان الوقف على جهة كالفقراء لم يملك الموقوف عليه المنفعة بل الانتفاع أو قيد بشيء كما لو وقف دارا على أن يسكنها معلم الصبيان بالقرية مثلا ليس له أن يسكنها غيره بأجرة ولا بغيرها
وقضية هذا منع إعارتها وهو كذلك وإن جرت عادة الناس بالمسامحة بإعارة بيت المدرس ونحوه وقد نقل أن المصنف لما ولي دار الحديث وفيها قاعة للشيخ لم يسكنها وأسكنها غيره فلو قال الواقف لتشغل ويعطى المعلم غلتها لم يسكنها كما في الروضة وأصلها عن فتاوى القفال وغيره
ولو حصل من استيفاء المنفعة نقص في عين الموقوف كرصاص الحمام واستوفى الموقوف عليه الأجرة لزمه قيمة ما أذهبته النار من الرصاص مما قبضه من الأجرة وصرفه في مثله قاله في المطلب تفقها قال الدميري وعليه عمل الناس
تنبيه أفهم قوله للموقوف عليه أن الواقف لا ينتفع بشيء من الوقف لكن يستثنى منه ما لو وقف شخص ملكه مسجدا أو مقبرة أو بئرا فله أن يصلي فيه ويدفن فيه ويستقي منه
( ويملك الأجرة ) للموقوف كما لو أجر ملكه لأنها من المنافع
تنبيه قد يفهم هذا أن الناظر لو أجر الوقف سنين بأجرة معجلة أن له صرفها إليه في الحال وقد مر الكلام على ذلك في كتاب الإجارة فمن شاء فليراجعه
( و ) يملك أيضا ( فوائده ) الحاصلة بعد الوقف عند الإطلاق أو شرط أنها للموقوف عليه ( كثمرة ) وأغصان ونحوه مما يعتاد قطعه لأنها كالثمرة بخلاف ما لا يعتاد قطعه
نعم إن شرط قطع الأغصان التي لا يعتاد قطعها مع ثمارها كانت له قاله الإمام
أما الثمرة الموجودة حال الوقف فهي للواقف إن كانت مؤبرة وإلا فقولان قاله الدارمي
وينبغي أن تكون للموقوف عليه
( وصوف ) وشعر ووبر وريش ( ولبن وكذا الولد ) الحادث بعد الوقف يملكه الموقوف عليه عند الإطلاق أو عند شرط الولد له ( في الأصح ) كالثمرة واللبن
( والثاني يكون وقفا ) تبعا لأمه ولو كانت حاملا عند الوقف فولدها وقف على الثاني وكذا على الأول بناء على أنه يعلم وهو الأصح ومثله الصوف ونحوه كما بحثه شيخنا
تنبيه محل ملكه لولد الأمة إذا كان من نكاح أو زنا فإن كان من وطء شبهة فهو حر وعلى الواطىء قيمته وتكون ملكا للموقوف عليه إن جعلنا الولد ملكا له وإلا فيشترى بها عبد ويوقف كما قالاه
وظاهره أنه لا فرق بين أن يكون الولد ذكرا أو أنثى وهو كذلك وإن قال الإسنوي إنما يشترى به عبد إذا كان الولد ذكرا وإلا فأنثى كما لو قتل الموقوف لأن الولد حين انعقاده لم يكن صالحا للوقفية بخلاف الأمة الموقوفة إذا قتلت فشراء العبد بالقيمة أولى لأنه خير من الأمة ويكسبه ما لا تكسبه فهو أصلح للوقف
وخرج بعند الإطلاق وقف دابة لركوب ففوائدها من در ونحوه للواقف لأنها لم تدخل في الوقف
والحيوان الموقوف للإنزاء لا يستعمل في غير الإنزاء نعم لو عجز عن الإنزاء جاز استعمال الواقف له في غيره كما قاله الأذرعي
( ولو ماتت البهيمة ) الموقوفة ( اختص بجلدها ) لأنه أولى بها من غيره فإن اندبغ ولو بنفسه كما بحثه شيخنا عاد وقفا
قال في الدقائق وعبرت بالاختصاص لأن النجس لا يوصف بأنه مملوك
وإن قطع بموت البهيمة الموقوفة المأكولة جاز ذبحها للضرورة وهل يفعل الحاكم بلحمها ما يراه مصلحة أو يباع ويشترى بثمنه دابة من جنسها وتوقف وجهان رجح الأول ابن المقري والثاني صاحب الأنوار وهو كما قال شيخنا أولى بالترجيح
فإن لم يقطع بموتها لم يجز ذبحها وإن خرجت عن الانتفاع كما لا يجوز إعتاق العبد الموقوف
وقضية كلام الروضة أنه لا يجوز بيعها حية وهو كذلك كما صححه المحاملي و الجرجاني وإن قال الماوردي بالجواز
( وله ) أي الموقوف عليه ( مهر ) وطء ( الجارية إذا وطئت بشبهة ) أو زنا بها مكرهة أو غير مميزة ( أو نكاح إن صححناه ) أي نكاحها ( وهو الأصح ) إذا زوجها الحاكم من غير الواقف والموقوف عليه وأذن له الموقوف عليه لأنه
____________________
(2/390)
من جملة الفوائد كالثمرة
ويحرم على الوافق والموقوف عليه وطء الأمة الموقوفة ولا يلزم الموقوف عليه الإذن في تزويجها وإن طلبته منه لأن الحق له
ولا يحل له نكاحها بل لو وقفت عليه زوجته انفسخ نكاحه إن قبل الوقف على القول باشتراط القبول
ولا يحل نكاحها للواقف أيضا وإذا وطئها الموقوف عليه لا يلزمه المهر ولا قيمة ولدها الحادث بتلفه أو بانعقاده حرا لأن المهر ولد الموقوفة الحادث له ويلزمه الحد حيث لا شبهة كالواقف ولا أثر لملكه المنفعة وهذا هو المعتمد كما جرى عليه ابن المقري في روضه
وسيأتي في باب الوصية إن شاء الله تعالى أن الموصى له بمنفعة أمة إذا وطئها لا حد عليه والفرق بينه وبين الموقوف عليه
تنبيه قول المصنف إن صححناه لا مفهوم له لأنه إذا لم يصح كان وطء شبهة وقد قال إن المهر له في ذلك
أما إذا زنى بها مطاوعة وهي مميزة فلا مهر لها
( والمذهب أنه ) أي الموقوف عليه وكذا الواقف ( لا يملك قيمة العبد ) مثلا ( الموقوف إذا ) تلف تحت يد ضامنه لرقبته أو ( أتلف ) سواء أتلفه أجنبي أم الواقف أم الموقوف عليه تعديا
أما إذا أتلفه الموقوف عليه بلا تعد فلا ضمان ومن ذلك كما في زيادة الروضة الكيزان المسبلة على أحواض الماء وكذا الكتب الموقوفة على طلب العلم مثلا فلا ضمان على من تلف في يده شيء منها بلا تعد وإن تعدى ضمن ومن التعدي استعماله في غير ما وقف له
( بل يشترى بها ) أي بالقيمة ( عبد ) مثله فلا يشترى أمة بقيمته ولا عبد بقيمة أمة ولا صغير بقيمة كبير ولا عكسه على أقوى الوجهين كما رجحه المصنف
( ليكون وقفا مكانه ) مراعاة لغرض الواقف من استمرار الثواب وتعلق حق البطن الثاني وما بعده به
تنبيه الذي يتولى الشراء والوقف هو الحاكم ولا فرق بين أن يكون للوقف ناظر خاص أو لا وهو كذلك خلافا للزركشي في الشق الأول بناء على أن الموقوف ملك لله تعالى
وأشار المصنف بقوله ليكون وقفا إلى أنه لا يصير وقفا حتى يقفه الحاكم
وفرق بينه وبين المبني في عمار الجدران الموقوفة وترميمها حيث يصير وقفا بالبناء لجهة الوقف بأن العبد الموقوف مثلا قد فات بالكلية والأرض الموقوفة باقية والطين والحجر المبني بهما كالوصف التابع
( فإن تعذر ) شراء عبد بقيمة التالف ( فبعض عبد ) لأنه أقرب إلى مقصود الواقف بخلاف الأضحية حيث لا يشترى بقيمتها شقص شاة لتعذر التضحية به وقيل يملك القيمة الموقوف عليه بناء على أن الملك له وينتهي الوقف له
والطريق الثاني القطع بشراء عبد بها إلخ
فإن تعذر الشقص ففيه ثلاثة أوجه أحدها يبقى البدل إلى أن يتمكن من شراء شقص
ثانيها يكون ملكا للموقوف عليه ثالثها يكون لأقرب الناس إلى الواقف وهذا أقربها
ولو جنى الموقوف جناية توجب قصاصا اقتص منه وفات الوقف كما لو مات وإن وجب بجنايته مال أو قصاص وعفي على مال فداه الواقف بأقل الأمرين من قيمته والأرش وإن مات العبد بعد الجناية ولا يتعلق المال برقبته لتعذر بيعه وله إن تكررت الجناية منه حكم أم الولد
وإن مات الواقف ثم جنى العبد أفدي من كسبه في أحد وجهين يظهر ترجيحه والوجه الآخر من بيت المال كالحر المعسر ولا يفتدى من تركة الواقف لأنها انتقلت إلى الوارث
( ولو ) تعطلت منفعة الموقوف بسبب غير مضمون كأن ( جفت الشجرة ) أو قلعها ريح أو سيل أو نحو ذلك ولم يمكن إعادتها إلى مغرسها قبل جفافها ( لم ينقطع الوقف على المذهب ) وإن امتنع وقفها ابتداء لقوة الدوام
تنبيه لو عبر كالمحرر والروضة وأصلها بالأصح كان أولى فإن المقابل وجه يقول إن الوقف ينقطع وينقلب ملكا للواقف أو وارثه لا طريقة
( بل ينتفع بها ) حاله كونها ( جذعا ) بإجارة وغيرها إدامة للوقف في عينها
ولا تباع ولا توهب للخبر السابق أول الباب ( وقيل تباع ) لتعذر الإنتفاع كما شرطه الواقف
( والثمن ) على هذا حكمه ( كقيمة العبد ) المتلف على ما سبق فيه
فإن لم يمكن الإنتفاع بها إلا باستهلاكها بإحراق أو نحوه ففيه خلاف قيل تصير
____________________
(2/391)
ملكا للموقوف عليه لكنها لا تباع ولا توهب بل ينتفع بعينها كأم الولد ولحم الأضحية وصحح هذا ابن الرفعة و القمولي وجرى عليه ابن المقري في روضه ونقل أصله عن اختيار المتولي
ولكن اقتصار المصنف على ما ذكره كالحاوي الصغير يقتضي أنها لا تصير ملكا بحال قال شيخنا وهو المعتمد الموافق للدليل وكلام الجمهور اه
والأول أوجه
فإن قيل يلزم عليه التنافي إذ القول بأن الوقف لا يبطل ويعود ملكا متنافيان
أجيب بأن معنى عوده ملكا أنه ينتفع به ولو باستهلاك عينه كالإحراق ومعنى عدم بطلان الوقف أنه ما دام باقيا لا يفعل ما يفعل بسائر الأملاك من بيع ونحوه كما مر وإذا كان كذلك فلا تنافي بين بقاء الوقف وعوده ملكا بل قيل إن الموقوف ملك للموقوف عليه في حال الانتفاع به
ولو كان البناء والغراس موقوفا في أرض مستأجرة وصار الريع لا يفي بالأجرة أو يفي بها فقط أفتى ابن الأستاذ بأنه يلتحق بما لا ينتفع به إلا باستهلاكه أي بإحراق ونحوه فيقلع وينتفع بعينه إن أمكن وإلا صرف إلى الموقوف عليه اه
وهذا مما يؤيد ما مر
ثم قال وإن كان الغراس مما ينتفع بعينه بعد القلع وانتهت مدة الإجارة واختار المؤجر قلعه فيظهر عدم صحة الواقف ابتداء اه
وهذا ممنوع لما مر أنه يصح وقف الرياحين المغروسة وعلل بأنها تبقى مدة
ولو اشترى بناء على أرض محتكرة ولم يستأجرها ثم وقف البناء قال الزركشي فالظاهر أنه إن كان ثم ريع وجبت منه الأجرة وإلا لم يلزم الواقف أجرة لما بعد الوقف وللمالك مطالبته بالتفريغ اه
وإذا قلع يأتي فيه التفصيل المتقدم
وإذا انقلعت أشجار الموقوف أو انهدم بناؤه أجرت أرضه لما لا يراد دوامه كزرعها ولما يراد كغرس وشرط قلعه عند انتهاء المدة وغرست الأرض أو بنيت بأجرتها الحاصلة بإيجارها بعد انقضاء مدة الإجارة
( والأصح جواز بيع حصر المسجد ) الموقوفة ( إذا بليت وجذوعه إذا انكسرت ) أو أشرفت على ذلك كما في الروضة وأصلها ولو اقتصر عليه المصنف لفهم حكم المنكسر بطريق الأولى
( ولم تصلح إلا للإحراق ) لئلا تضيع ويضيق المكان بها من غير فائدة فتحصيل نزر يسير من ثمنها يعود إلى الوقف أولى من ضياعها ولا تدخل بذلك تحت بيع الوقف لأنها صارت في حكم المعدومة
وهذا ما جرى عليه الشيخان وهو المعتمد وعلى هذا يصرف ثمنها في مصالح المسجد
قال الرافعي والقياس أن يشترى بثمن الحصير حصير لا غيرها قال ويشبه أنه مرادهم اه
وهو ظاهر إن أمكن وإلا فالأول
وكالحصر في ذلك نحاتة الخشب وأستار الكعبة إذا لم يبق فيها نفع ولا جمال
والثاني لا يباع ما ذكر إدامة للوقف في عينه ولأنه يمكن الانتفاع به في طبخ جص أو آجر
قال السبكي وقد تقوم قطعة من الجذوع مقام آجرة وقد تقوم النحاتة مقام التراب ويختلط به
قال الأذرعي ولعله أراد مقام التبن الذي يستعمل في الطين وجرى على هذا جمع من المتأخرين
وأجاب الأول بأنه لا نظر لإمكان الإنتفاع في هذه الأمور لأن ذلك نادر لندرة اصطناع هذه الأشياء لبعض المساجد فضلا عن جميعها
أما الحصر الموهوبة أو المشتراة للمسجد فإنها تباع للحاجة
واحترز بقوله إلا للإحراق عما إذا أمكن أن يتخذ منها ألواح وأبواب فلا تباع قطعا
تنبيه جدار الدار الموقوفة المنهدم إذا تعذر بناؤه كالتالف فيأتي فيه ما مر
( ولو انهدم مسجد وتعذرت إعادته ) أو تعطل بخراب البلد مثلا ( لم ) يعد ملكا ولم ( يبع بحال ) كالعبد إذا عتق ثم زمن ولم ينقض إن لم يخف عليه لإمكان الصلاة فيه ولإمكان عوده كما كان قال المتولي وتصرف غلة وقفه لأقرب المساجد إليه أي إذا لم يتوقع عوده وإلا حفظ كما قاله الإمام
وهذا أولى من قول الماوردي تصرف إلى الفقراء والمساكين ومن قول الروياني إنه كمنقطع الآخر
فإن خيف عليه نقض وبنى الحاكم بنقضه مسجدا آخر إن رأى ذلك وإلا حفظه
وبناؤه بقربه أولى ولا يبني به بئرا كما لا يبني بنقض بئر خربت مسجدا بل بئرا أخرى مراعاة لغرض الواقف ما أمكن
ولو وقف على قنطرة وانحرق الوادي وتعطلت القنطرة واحتيج إلى قنطرة أخرى جاز نقلها إلى محل الحاجة
وغلة وقف الثغر هو الطرف الملاصق من بلادنا بلاد الكفار إذا حصل فيه الأمن يحفظه الناظر لاحتمال عوده ثغرا
ويدخر من زائد غلة المسجد
____________________
(2/392)
على ما يحتاج إليه ما يعمره بتقدير هدمه ويشتري له بالباقي عقارا ويقفه لأنه أحفظ له لا بشيء من الموقوف على عمارته لأن الواقف وقف عليها
فرع تقدم عمارة الموقوف على حق الموقوف عليهم لما في ذلك من حفظ الوقف ويشرف ريع الموقوف على المسجد وقفا مطلقا أو على عمارته في البناء والتجصيص المحكم والسلم والبواري للتظليل بها والمكانس ليكنس بها والمساحي لينقل بها التراب وفي ظلة تمنع إفساد خشب الباب بمطر ونحوه إن لم يضر بالمارة وفي أجرة قيم لا مؤذن وإمام وحصر ودهن لأن القيم يحفظ العمارة بخلاف الباقي
فإن كان الوقف لمصالح المسجد صرف من ريعه لمن ذكر لا في التزويق والنقش بل لو وقف عليها لم يصح كما مرت الإشارة إليه ولا يصرف لحشيش السقف ما عين لحشيش الحصر ولا عكسه
ولأهل الوقف المهايأة لا قسمته وإن قلنا القسمة إفراز لما فيه من تغيير شرط الواقف ولا تغييره عن هيئته كجعل البستان دارا أو حماما إلا أن يشرط الواقف العمل بالمصلحة فيجوز التغيير بحسبها عملا بشرطه
قال السبكي والذي أراه تغييره في غير ذلك بثلاثة شروط أن يكون يسيرا لا يغير مسمى الوقف وأن لا يزيل شيئا من عينه بل ينقل نقضه من جانب إلى جانب وأن يكون فيه مصلحة للوقف
وعليه ففتح شباك الطبرسية في جدار الجامع الأزهر لا يجوز إذ لا مصلحة للجامع فيه وكذا فتح أبواب الحرم لأنه إنما هو لمصلحة السكان
فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته ( إن شرط الواقف النظر ) على وقفه ( لنفسه أو غيره ) واحدا كان أو أكثر ( اتبع ) شرطه سواء فوضه له في حال حياته أم أوصى به لأنه المتقرب بالصدقة فيتبع شرطه كما يتبع في مصارفها وغيرها
ولو جعل ولاية وقفه لفلان فإن مات فلفلان جاز
وقد كان عمر رضي الله تعالى عنه يلي أمر صدقته ثم جعله إلى حفصة تليه ما عاشت ثم يليه أولو الرأي من أهلها رواه أبو داود ولقبول المشروط له النظر حكم قبول الوكيل بجامع اشتراكهما في التصرف وفي جواز الامتناع منهما بعد قبولهما فلا يشترط قبوله لفظ
( وإلا ) أي وإن لم يشرطه لأحد ( فالنظر للقاضي على المذهب ) لأن له النظر العام فكان أولى بالنظر فيه ولأن الملك في الوقف لله تعالى والطريق الثاني ينبني على أقوال الملك والخلاف في الروضة كأصلها وجهان
ولو بنى مسجدا ببلد ووقف عليه وقفا ببلد آخر ولم يشرط النظر لأحد وقلنا بالمذهب إن النظر للحاكم كان النظر على المسجد لحاكم بلده وعلى الموقوف لحاكم بلده
ووقع بعد تولية القضاة الأربعة فتوى فيمن شرط النظر لزيد ثم لحاكم المسلمين بدمشق
وأفتى الفزاري بأن النظر المشروط للحاكم لا يختص بحاكم معين ونوزع في ذلك واختار السبكي اختصاص الشافعي بالنظر في الأوقاف التي شرطت للحاكم والتي سكت عن نظرها والتي آل نظرها إلى الحاكم قال لأن القاضي الشافعي وهو المفهوم عرفا عند الإطلاق فمتى قيل القاضي من غير تعيين فهو الشافعي وإن أريد غيره قيدوه وقد استقر ذلك في الديار المصرية وبسط القول في ذلك
( وشرط الناظر العدالة ) وإن كان الوقف على معينين رشداء لأن النظر ولاية كما في الوصي والقيم
قال السبكي ويعتبر في منصوب الحاكم العدالة الباطنة وينبغي أن يكتفي في منصوب الواقف بالظاهرة كما في الأب وإن افترقا في وفور شفقة الأب وخالف الأذرعي فاعتبر فيه الباطنة أيضا والأول أوجه
( و ) شرطه أيضا ( الكفاية ) وفسرها في الذخائر بقوة الشخص وقدرته وعلى التصرف فيما هو ناظر عليه فإن اختلت إحداهما نزع الحاكم الوقف منه وإن كان المشروط له النظر الواقف
وقضية كلام الشيخين أن الحاكم يتولاه استقلالا فيوليه من أراد وأن النظر لا ينتقل لمن بعده إذا شرط الواقف النظر لإنسان بعد آخر أي إلا أن ينص عليه الواقف كما قاله السبكي وغيره فإن زال الاختلال عاد نظره إن كان مشروطا في الوقف منصوصا عليه بعينه كما ذكره المصنف في فتاويه وإن اقتضى كلام الإمام خلافه وما في الفتاوى يدل على أنه لا ينفذ عزله من نفسه ولا من غيره وهو كذلك من غيره أو من نفسه إذا تعين
____________________
(2/393)
تنبيه في ذكر الكفاية كفاية عن قوله ( والإهتداء إلى التصرف ) ولذلك حذفه من الروضة كأصلها وحينئذ فعطف الاهتداء على الكفاية من عطف التفسير أو يقال أفرده بالذكر لكونه المهم من الكفاية
ولو كان له النظر على مواضع فأثبت أهليته في مكان ثبت في باقي الأماكن من حيث الأمانة ولا يثبت من حيث الكفاية إلا إن ثبتت أهليته في سائر الأوقاف قاله ابن الصلاح وهو كما قال الدميري ظاهر إذا كان الباقي فوق ما أثبت أهليته فيه أو مثله بكثرة مصارفه وأعماله فإن كان أقل فلا
ولا يتصرف الناظر إلا على وجه النظر والاحتياط لأنه ينظر في مصالح الغير فأشبه ولي اليتيم
( ووظيفته ) عند الإطلاق أو تفويض جميع امور ( العمارة والإجارة وتحصيل الغلة وقسمتها ) على مستحقيها وحفظ الأصول والغلات على الاحتياط لأنه المعهود في مثله
تنبيه أفتى ابن عبد السلام بأن المدرس هو الذي ينزل الفقهاء ويقرر جامكياتهم وأنه ليس للناظر إلا تحصيل الريع وقسمته على المنزلين
وهذا قد يخالفه قول المصنف بعد وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره والناظر قائم مقام الواقف فإنه قد أقامه مقام نفسه فكيف يقال بتقديم غيره عليه وكيف يقال الناظر يولي المدرس وهو ينزل الطلبة فالمدرس فرع الناظر فكيف يقدم الفرع على الأصل وهذا هو المعتمد كما صوبه الزركشي وغيره
( فإن فوض إليه بعض هذه الأمور لم يتعده ) اتباعا للشرط كالوكيل
ولو شرط الواقف للناظر شيئا من الريع جاز جاز وإن زاد على اجرة مثله كما صرح به الماوردي بخلاف ما لو كان النظر له وشرط لنفسه فإنه لا يزيد على أجرة المثل كما مرت الإشارة إليه فإن لم يذكر الواقف للناظر أجرة فلا أجرة له على الصحيح كالغسال ونحوه فلو رفع الناظر الأمر الى الحاكم ليقرر له أجرة فهو كما إذا تبرم الولي بحفظ مال الطفل فرفع الأمر الى القاضي ليثبت له أجره ولو ادعى متولى الوقف صرف الريع للمستحقين فإن كانوا معينين فالقول قولهم ولهم مطالبته بالحساب وإن كانوا غير معينين فهل للإمام مطالبته بالحساب أولا وجهان حكاهما شريح في أدب القضاء أوجههما الأول ويصدق في قدر ما أنفقه عند الاحتمال فإن اتهمه الحاكم حلفه والمراد كما قال الأذرعي اتفاقه فيما يرجع الى العادة وفي معناه الصرف الى الفقراء ونحوهم من الجهات العامة بخلاف اتفاقه على الموقوف عليه المعين فلا يصدق فيه لأنه لم يأتمنه ولو فوض الواقف النظر لاثنين لم يستقل أحدهما بالتصرف ما لم ينص عليه ولو جعل النظر لعدلين من أولاده وليس فيهم إلا عدل نصب الحاكم آخر وإن شرطه للأرشد من أولاده فالأرشد فأثبت كل منهم أنه الأرشد اشتركوا في النظر بلا استقلال إن وجدت الأهلية فيهم لأن الأرشدية قد سقطت بتعارض البينات فيها وبقي أصل الرشد وإن وجدت الأرشدية في بعض منهم اختص بالنظر عملا بالبينة ويدخل في الأرشد من أولاد أولاده الأرشد من أولاد البنات لصدقه به ولو قال الواقف جعلت النظر لفلان وله أن يقوض النظر الى من أراد ففوض النظر الى شخص فهو يزول نظر المفوض أو يكون المفوض إليه وكيلا عن المفوض وفائدة ذلك لنه لو مات المفوض هل يتقي النظر للفوض إليه أو مات المفوض إليه هل يعود للمفوض أولا يدل للأول ما في فتاوي المصنف إذا شرط الواقف النظر لإنسان وجعل له أن يسند الى من شاء وكذلك سند بعد سند فأسند الى انسان فهل للمسند عزل المسند إليه أولا وهل يعود للنظر الى المسند أولا ولو أسند المسند أو المسند إليه الى ثالث فهل للأول عزله اولا أجاب ليس للمسند عزل المسند إليه ولا مشاركته ولا يعود النظر إليه بعد موته وليس له ولا للثاني عزل الثالث الذي أسند إليه الثاني وللواقف الناظر عزل من أي شخص ولاه النظر ونصب غيره مكانه كما يعزل الموكل وكيله وينصب غيره وكان المتولى نائبا عنه أما غير الناظر فلا يصح منه تولية ولا عزل بل هي للحاكم تنبيه قد يقتضي كلامه أن له العزل بلا سبب وبه صرح السبكي في فتاويه فقال أنه يجوز للواقف وللناظر الذي من جهته عزل المدرس ونحوه إذا لم يكن مشروطا في الوقف لمصلحة ولغير مصلحة لأنه كالوكيل المأذون له في
____________________
(2/394)
اسكان هذا الدار لفقير فله أن يسكنها من شاء من الفقراء إذا سكنها فقير مدة فله أن يخرجه ويسكن غير لمصلحة ولغير مصلحة وليس تعينه لذلك يصيره كأنه مراد الواقف حتى يمتنع تغيره وبسط في ذلك فإن قبل في زوائد الروضة قبيل باب القسمة من الماوردي أنه إذا ارادوا لي الأمر اسقاط بعض الأجناد المثبتين في الديوان بسبب جاز أو بغير سبب فلا وإذا كان هذا في النظر العام ففي النظر الخاص المقتضي للاحتياط أولي أجيب بأن الأجناد المثبتين في الديوان قدربطوا أنفسهم علي الجهاد وهو من فروض الكفايات ومن شرع فيه أو ربط نفسه عليه لا يجوز إخراجه بغير سبب بخلاف الوقف فإنه خارج عن فروض الكفايات وقال البلقيني عزل الناظر للمدرس من غير طريق مسوغ لا ينفذ ويكون قادحا في نظره وقال الزركشي في خادمه لا يبعد أن ينفذ وإن كان عزله غير جائز وقال في شرحه على المنهاج في القضاء لا ينعزل أصحاب الوظائف الخاصة كالإمامة والإقراء والتصوف والتدريس والطلب والنظر من غير سبب كما أفتى به كثير من المتأخرين منهم ابن رزين فقال من تولي تدريسا لا يجوز عزله بمثله ولا بدونه ولا ينعزل بذلك أه وهذا هو الظاهر ثم استثني المصنف من جواز العزل قوله إلا أن يشرط الواقف لشخص نظره حال الوقف فليس له عزله ولو لمصلحة لأنه لا تغيير لما شرطه كما ليس لغير ذلك ولأنه لا نظر له حينئذ وليس له عزل من شرط تدريسه أو فوض إليه حال الوقف ولو لمصلحة كما لو وقف على أولاده الفقراء لا يجوز تبديلهم بالأغنياء بخلاف من جعل له ذلك بعد تمام الوقف فإن له عزله كما نقله الشيخان من فتاوي البغوي وأقراه لكن ينبغي كما قال شيخنا تقييده في تفويض التدريس بما إذا كانت جنحة ولو عزل الناظر بالشرط نفسه أو فسق فتولية غيره الى الحاكم إلا الى الواقف إذ لا نظر له بعد أن جعل النظر في حال الوقف لغيره فإن شرط النظر حال الوقف لزيد بعد انتقال الوقف من عمرو الى الفقراء فعزل زيد نفسه من النظر أو استناب فيه غيره قبل انتقال الوقف من عمرو الى الفقراء لم يصح العزل ولا الاستنابة لأنه غير ناظر في الحال ولا يملك الواقف عزل زيد في الحال ولا من بعده كما علم مما مر وإذا أجر الناظر العين الموقوفة على غيره مدة بأجرة مثله فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة عليها لم ينفسخ العقد في الأصح لأن العقد قد جرى بالغبطة في وقته فأشبه ما إذا باع الولى مال الطفل ثم ارتفعت القيم بالأسواق أو ظهر طالب بالزيادة والثاني ينفسخ إذا كان للزيادة وقع والطالب ثقة لتبين وقوعه على خلاف الغبطة أما إذا أجر العين الموقوفة عليه فإنه يصح قطعا ولو بدون أجرة المثل كما لو أجر المطلق به أو أجر الناظر الوقوف على غيره بدون أجرة المثل فإنه لا يصح قطعا وأفتى ابن الصلاح فيما إذا أجر الناظر الوقف مدة معلومة بأجرة معلومة وشهد شاهدان أنها اجرة المثل حالة العقد ثم تغيرت الأحوال وطرأت أسباب توجب زيادة أجرة المثل أنه يتبين بطلان العقد ويتبين خطأ الشاهدين بأجرة المثل لأن تقويم المنافع في مدة ممتدة إنما يصح إذا استمر الحال الوجودة حالة التقويم التي هي حالة العقد وليس هذا التقويم كتقويم السلعة الحاضرة قال الأذرعي وهذا مشكل جدا والذي يقع في النفس إنما ينظر الى أجرة المثل التى تنتهى إليها الرغبات حالة العقد في جميع المدة المعقود عليها مع قطع النظر عما عساه يتجدد لأن ذلك يؤدي الى سد باب إجارة الأوقاف والزهد فيها لأن الدنيا لا تبقى على حالة واحدة وأطال في رد ذلك وما قاله لاخفاء فيه خاتمة نفقة الوقوف ومؤن تجهيزه وعمارته من حيث شرطها الواقف من ماله أو من مال الوقف وإلا فمن منافع الموقوف ككسب العبد وغلة العقار فإذا تعطلت منافعه فالنفقة ومؤن التجهيز لا العمارة في بيت المال وأو الدرس شرط الواقف وجعل الترتيب بين أرباب الوقف أو المقادير بأن لم يعلم هل سوى الواقف بينهم أو فضل قسمت الغلة بينهم بالسوية لعدم الأولوية وإذا تنازعوا في شرطه ولا بينة ولأحدهم بد صدق بيمينه لاعتضاد دعواه باليد فإن كان الواقف حيا عمل بقوله بلا يمين أو ميتا فوارثه فإن لم يكن فناظره من جهة الواقف لا المنصوب من جهة
____________________
(2/395)
الحاكم ولو وجد الوارث والناظر فالناظر كما قاله الاذرعي ولو وقف على قبيله كالطالبين ثأجزاء لاثة منهم فإن قال وقفت على أولاد علي وجعفر وعقيل اشت من كل منهم
ويدخل في الوقف على الفقراء الغرباء وفقراء أهل البلد
وللناظر الإقتراض في عمارة الوقف بإذن الإمام فلو نبتت شجرة بمقبرة فثمرتها مباحة للناس تبعا للمقبرة وصرفها إلى مصالح المقبرة أولى من تبقيتها للناس لا ثمر شجرة غرست للمسجد فيه فليست مباحة بلا عوض بل يصرف الإمام عوضها لمصالح المسجد
وإنما خرجت الشجرة عن ملك غارسها هنا بلا لفظ للقرينة الظاهرة وخرج بغرسها للمسجد غرسها مسبلة فيجوز أكلها بلا عوض وكذا إن جهلت نيته حيث جرت العادة به
وتقطع الشجرة من المسجد إن رآه الإمام بل إن جعل البقعة مسجدا وفيها شجرة فللإمام قطعها
وإن أدخلها الواقف في الوقف والوقف أمانة في يد الموقوف عليه فإن استعمله في غير ما وقف له ضمنه فإن انكسر القدر بلا تعد فإن تطوع أحد بإصلاحه فذاك وإلا أعيد صغيرا ببعضه فإن تعذر فقصعة أو مغرفة أو نحوها ولا حاجة إلى إنشاء وقف ولو وقف دهنا لإسراج المسجد به أسرج كل الليل إلا أن لا يتوقع حضور أحد ينتفع به انتفاعا جائزا
قال الدميري واقعة عن السبكي قال لي ابن الرفعة أفتيت ببطلان خزانة كتب وقفها واقف لتكون في مكان معين في مدرسة الصالحية بمصر لأن ذلك المكان مستحق لغير تلك المنفعة
قال السبكي ونظيره إحداث منبر في مسجد لم يكن فيه فإنه لا يجوز وكذا إحداث كرسي مصحف مؤبد يقرأ فيه كما يفعل بالجامع الأزهر وغيره لا يصح وقفه لما تقدم من استحقاق تلك البقعة لغير هذه الجهة قال والعجب من قضاة يثبتون وقف ذلك شرعا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
وسئل السبكي عن رجل وقف أرضا بها أشجار موز والعادة أن شجر الموز لا يبقى أكثر من سنة فزالت الأشجار بعد أن نبتت من أصولها أشجار ثم أشجار على ممر الزمان فأجاب الأرض وما فيها من أصول الموز وفراخه وقف وما نبت بعد ذلك من الفراخ ينسحب عليه حكم الوقف ولا يحتاج إلى إنشاء وقف بخلاف العبد الموقوف إذا قتله واشترى بقيمته عبدا آخر فإنه يحتاج إلى إنشاء وقف كما تقدم والفرق أن العبد قد فات بالكلية والأرض الموقوفة باقية
كتاب الهبة تقال لما يعم الهدية والصدقة ولما يقابلهما واستعمل الأول في تعريفها والثاني في أركانها وسيأتي
والأصل فيها على الأول قبل الإجماع قوله تعالى { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } وقوله { وآتى المال على حبه } الآية وقوله تعالى { وإذا حييتم بتحية } الآية قيل المراد منها الهبة
وأخبار كخبر الصحيحين لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة أي ظلفها
وانعقد الإجماع على استحباب الهبة بجميع أنواعها قال الله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } والهبة بر ولأنها سبب التواد والتحاب قال صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا
وقبل صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس الكافر وتسر من جملتها بمارية القبطية وأولدها وقبل هدية النجاشي المسلم وتصرف فيها وهاداه أيضا
وقد يعرض لها أسباب تخرجها عن ذلك منها الهبة لأرباب الولايات والعمال فإنه يحرم عليهم قبول الهدية من أهل ولاياتهم ممن ليست له عادة بذلك قبل الولاية كما هو محرر في محله
ومنها ما لو كان المتهب يستعين بذلك على معصية
وصرفها في الأقارب والجيران أفضل من صرفها في غيرهم لما في الأول من صلة الرحم ولما روي في الثاني من قوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره
والصرف إلى الأول أفضل
ثم شرع المصنف في تعريفها بالمعنى الأول فقال ( التمليك ) لعين ( بلا عوض ) في حال الحياة تطوعا ( هبة ) فخرج بالتمليك العارية والضيافة والوقف وبالعين الدين والمنفعة وسيأتي حكمهما وبنفي العوض ما فيه عوض كالبيع ولو بلفظ
____________________
(2/396)
الهبة وبالحياة الوصية لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت وبالتطوع الواجب من زكاة وكفارة ونحوهما
وكان الأولى في تعريف الهبة كما في الحاوي الصغير الهبة تمليك إلخ فإن الهبة هي المحدث عنها
فإن قيل يرد على حصر الهبة في التمليك ما لو أهدى إلى غني من لحم أضحية أو هدي أو عقيقة فإنه هبة ولا تمليك فيه وما لو وقف شيئا فإنه تمليك بلا عوض وليس بهبة
أجيب عن الأول بمنع أنه لا تمليك فيه بل فيه تمليك لكن يمنع من التصرف فيه بالبيع ونحوه كما يعلم من باب الأضحية وعن الثاني بأنه تمليك منفعة وإطلاقهم التمليك إنما يريدون به الأعيان
تنبيه قضية كلامه أن الهبة بثواب لا يطلق عليها اسم الهبة لوجود العوضية وبه صرح الزبيري
ثم قسم التمليك المذكور إلى الصدقة والهدية بقوله ( فإن ملك ) بلا عوض ( محتاجا ) شيئا ( لثواب الآخرة ) أي لأجلها ( فصدقة ) أي فلا بد من اجتماع الأمرين
والتحقيق كما قال السبكي أخذا من كلام المجموع وغيره أن الحاجة غير معتبرة قال السبكي فينبغي أن يقتصر على أحد الأمرين إما الحاجة أو قصد ثواب الآخرة فإن الصدقة على الغنى جائزة ويثاب عليها إذا قصد القربة فخرج بذلك ما لو ملك غنيا من غير قصد ثوب الآخرة
( فإن نقله ) بنفسه أو بغيره مع قصد الثواب ( إلى مكان الموهوب له إكراما له فهدية ) أيضا أو بدون قصد الثواب فهدية فقط ولهذا قال في المحرر وإن نقله بالواو وهي أولى فإن الفاء توهم لولا ما قدرته أن الهدية قسم من الصدقة وليس مرادا بل هي قسيمها
وإذا انضم إلى تمليك المحتاج بقصد ثواب الآخرة النقل إلى مكانه فتكون هدية وصدقة وقد تجتمع الأنواع الثلاثة فيما لو ملك محتاجا لثواب الآخرة بلا عوض ونقله إليه إكراما بإيجاب وقبول
قال السبكي والظاهر أن الإكرام ليس شرطا فالشرط هو النقل
قال الزركشي وقد يقال احترز به عن الرشوة ولا يقع اسم الهدية على العقار
فإن قيل قد صرحوا في باب النذر أن الشخص لو قال لله علي أن أهدي هذا البيت مثلا صح وباعه ونقل ثمنه
أجيب بأنهم توسعوا فيه بتخصيصه بالإهداء إلى فقراء الحرم وتعميمه في المنقول وغيره
وأما تعريفها بالمعنى الثاني وهو المراد عند الإطلاق فأركانها ثلاثة عاقد وصيغة وموهوب
وقد أخذ المصنف في بيان بعض ذلك فقال ( وشرط الهبة ) لتتحقق عاقدان كالبيع وهذا هو الركن الأول ولهما شروط فيشترط في الواهب الملك وإطلاق التصرف في ماله فلا تصح من ولي في مال محجورة ولا من مكاتب بغير إذن سيده
ويشترط في الموهوب له أن يكون فيه أهلية الملك لما يوهب له من تكليف وغيره وسيأتي أن غير المكلف يقبل له وليه فلا تصح لحمل ولا لبهيمة ولا لرقيق نفسه فإن أطلق الهبة له فهي لسيده
و ( إيجاب وقبول لفظا ) من الناطق مع التواصل المعتاد كالبيع وهذا هو الركن الثاني
ومن صريح الإيجاب وهبتك و منحتك و ملكتك بلا ثمن ومن صريح القبول قبلت و رضيت
ويستثنى من اعتبارهما مسائل منها الهبة الضمنية كأن يقول لغيره أعتق عبدك عني ففعل فيدخل في ملكه هبة ويعتق عليه ولا يحتاج للقبول
ومنها ما لو وهبت المرأة نوبتها من ضرتها لم يحتج لقبولها على الصحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في القسم والنشوز
ومنها ما يخلعه السلطان على الأمراء والقضاءة وغيرهم لا يشترط فيه القبول كما بحثه بعض المتأخرين لجريان العادة بذلك
ومنها ما لو اشترى حليا لولده الصغير وزينه به فإنه يكون تمليكا له بخلاف ما لو اشتراه لزوجته فإنه لا يصير ملكا لها كما قاله القفال والفرق بينهما أن له ولاية على الصغير بخلاف الزوجة كذا ذكره السبكي وتبعه ابن الملقن
ويرد هذا قول الشيخين وغيرهما فإن وهب للصغير ونحوه ولي غير الأب والجد قبل له الحاكم وإن كان أبا أو جدا تولى الطرفين فلا بد من الإيجاب والقبول
ومنها ما لو قال اشتري لي بدراهمك لحما فاشتراه وصححناه للسائل فإن الدراهم تكون هبة لا فرضا
ويقبل الهبة للصغير ونحوه ممن ليس أهلا للقبول الولي فإن لم يقبل انعزل الوصي ومثله القيم وأثما لتركهما الأحظ بخلاف الأب والجد لكمال شفقتهما
ويقبلها السفيه نفسه وكذا الرقيق لا سيده وإن وقعت له أما الأخرس فيكفيه الإشارة المفهمة
وفي الذخائر أن انعقاد الهبة بالكناية مع النية وبالاستيجاب على الخلاف في البيع أي فتصح
ومن
____________________
(2/397)
الكناية الكتابة واختار في المجموع صحتها بالمعاطاة
وقوله لغيره كسوتك هذا الثوب كناية في الهبة فإن قال الواهب لم أردها صدق لأنه يصلح للعارية فلا يكون صريحا في الهبة كالبيع
ولا يصح قبول بعض الموهوب أو قبول أحد شخصين نصف ما وهب لهما وجهان أوجههما كما قال شيخ تبعا لبعض اليمانيين الصحة بخلاف البيع فإنه لا يصح لأنه معاوضة بخلاف الهبة فاغتفر فيها ما لم يغتفر فيه وإن قال بعض المتأخرين إن هذا الفرق بين بقادح
( ولا يشترطان ) أي الإيجاب والقبول ( في الهدية على الصحيح ) ولو في غير المطعوم ( بل يكفي البعث من هذا ) أي المهدي ويكون كالإيجاب ( والقبض من ذاك ) أي المهدى إليه ويكون كالقبول كما جرى عليه الناس في الأعصار وقد أهدى الملوك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكسوة والدواب والجواري كما مر
وفي الصحيحين كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبويها ولم ينقل إيجاب ولا قبول
والثاني يشترطان كالهبة وحمل ما جرى عليه الناس على الإباحة رد بتصرفهم في المبعوث تصرف الملاك والفروج لا تباح بالإباحة
تنبيه سكوت المصنف عن احتياج الصدقة إلى الصيغة يشعر بعدم افتقارها إليها قطعا وقال الإمام إنه الظاهر لكن قال في الروضة وأصلها إن الصدقة كالهدية بلا فرق
فإن قيل بل كلامه إنما يشعر باشتراط الإيجاب والقبول فيها لأنه اعتبر الإيجاب والقبول ولم يستثن إلا الهدية
أجيب بأن المراد الهبة في قوله وشرط الهبة إيجاب وقبول الهبة الخاصة المقابلة للهدية والصدقة كما مرت الإشارة إليه لا الهبة العامة المرادة أول الباب
وقوله لفظا تأكيد ونصبه بنزع الخافض الياء
فرع لو ختن شخص ولده واتخذ دعوة فأهدي إليه ولم يسم أصحاب الهدايا الابن ولا الأب حكي في المسألة وجهان أحدهما أنها للابن وصححه العبادي وصاحب الكافي وجزم به القاضي حسين
والثاني ويحكى عن الشيخ أبي إسحاق وقال المصنف إنه أقوى وأصح أنها للأب
ولو غرس شجرا وقال عند غرسه غرسته لطفلي لم يملكه فإن قال جعلته له صار ملكه أي إذا قبله له مما مر
ولا يصح تعليق الصفة ولا توفيتها إلا ما استثناه بقوله ( ولو قال أعمرتك هذه الدار ) مثلا أي جعلتها لك عمرك أو حياتك أو ما عشت أو حييت أو نحو ذلك ( فإذا مت ) بفتح التاء ( فهي لورثتك ) أو لعقبك كما في الروضة ( فهي هبة ) حكما ولكنه طول العبارة فيعتبر الإيجاب والقبول وتلزم بالقبض فإذا مات كانت لورثته فإن لم يكونوا فلبيت المال ولا تعود للواهب بحال لخبر مسلم أيما رجل أعمر عمري فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها
ولو اقتصر على ) قوله ( أعمرتك ) هذه الدار مثلا ولم يتعرض لما بعد موته ( فكذا ) هي هبة ( في الجديد ) لحديث الصحيحين العمري ميراث لأهلها وليس في جعلها له مدة حياته ما ينافي انتقالها إلى ورثته فإن الأملاك كلها مقدرة بحياته
والقديم بطلانه كما لو قال أعمرتك سنة
( و ) على الجديد ( لو قال ) مع قوله أعمرتكها ( فإذا مت عادت إلي ) أو إلى وارثي ( فكذا ) هي هبة وإعمار صحيح ( في الأصح ) وبه قطع الأكثرون كما في الروضة ويلغو ذكر الشرط لإطلاق الأحاديث الصحيحة
فإن قيل هذا شرط فاسد فهلا بطلت العمري كالبيع أجيب بأن شروط البيع تقابل ببعض الثمن فإذا بطلت يسقط ما يقابلها فيصير الثمن مجهولا فيبطل والعمري لا ثمن فيها فلذلك صحت وبأن هذا الشرط يقتضي فسخا منتظرا ولا يضر الهبة بدليل هبة الأب لإبنه ويضر البيع
قال السبكي وقضية الجواب الأول أنه لو قيد الهبة بالشرط المذكور صحت كالعمري وهو كذلك
فائدة قال البلقيني ليس لنا موضع يصح فيه العقد مع وجود الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه إلا هذا
والثاني يبطل العقد لفساد الشرط وعلى القديم يبطل من باب أولى كما ذكره في المحرر
تنبيه قد يقتضي كلام المصنف أنه لو قال جعلتها لك عمرى أو عمر زيد فإنه يبطل وهو الأصح لخروجه عن اللفظ المعتاد لما فيه من تأقيت الملك فإن الواهب أو زيدا قد يموت أولا بخلاف العكس فإن الإنسان لا يملك إلا مدة حياته
____________________
(2/398)
فكأن لا توقيت
ولا يصح تعليق العمرى ك إذا مت أو جاء فلان أو رأس الشهر فهذه الدار لك عمرك فلو قال إن مت فهي لك عمرك فوصية يعتبر خروجها من الثلث
( ولو قال أرقبتك ) هذه الدار مثلا ( أو جعلتها لك رقبي ) وفسر المصنف مدة طول ذلك بقوله أي إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك استقرت لك فالمذهب طرد القولين الجديد ) وهو الصحية ويلغو الشرط
( والقديم ) وهو عدم الصحة ومقابل المذهب القطع بالبطلان
ولا يحتاج للتفسير في عقد الرقبى بل يكفي الاقتصار على أرقبتك
نعم إن عقدها بلفظ الهبة ك وهبتها لك عمرك احتيج للتفسير المذكور
والعمرى والرقبى كالعقدين في الجاهلية في عطيتين مخصوصتين فالعمرى من العمر لأنها يجعلها عمره والرقبى من الرقوب لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه
قال السبكي وصحة العمرى والرقبى بعيد عن القياس لكن الحديث مقدم على كل أصل وكل قياس وقد ورد فيهما أمر ونهي فلو قيل بتحريمهما للنهي وصحتهما للحديث كما قلنا في طلاق الحائض لم يبعد وبسط ذلك ولا بد في الرقبى من القبول والقبض كما مر في العمرى
ولو جعل رجلان كل منهما داره للآخر رقبى على أن من مات قبل الآخر عادت للآخر فرقبى من الجانبين
ثم شرع في الركن الثالث ضابطا له بضابط فقال ( و ) كل ( ما جاز بيعه جاز هبته ) بالأولى لأن بابها أوسع
فإن قيل لم حذف المصنف التاء من جاز هبته أجيب بأن تأنيث الهبة غير حقيقي أو لمشاكلة جاز بيعه
تنبيه يستثنى من هذا الضابط مسائل منها الجارية المرهونة إذا استولدها الراهن أو أعتقها وهو معسر فإنه يجوز بيعها للضرورة ولا يجوز هبتها لا من المرتهن ولا من غيره
ومنها بيع الموصوف سلما في الذمة جائز ويمتنع هبته ك وهبتك دينارا في ذمتي ثم يعينه في المجلس
ومنها المكاتب يصح بيعه ما في يده ولا تصح هبته
ومنها القيم والوصي على مال الطفل يصح منهما بيع ما له لا هبته
ومنها هبة المنافع فإنها تباع لإجارة وفي هبتها وجهان أحدهما أنها ليست بتمليك بناء على أن ما وهب منافعه عارية وهو ما جزم به الماوردي وغيره ورجحه الزركشي والثاني أنها تمليك بناء على أن ما وهب منافعه أمانة وهو ما رجحه ابن الرفعة و السبكي وغيرهما وهو الظاهر
( و ) كل ( ما لا ) يجوز بيعه ( كمجهول ومغصوب ) لغير قادر على انتزاعه ( وضال ) وآبق ( فلا ) تجوز هبته بجامع أنها تمليك في الحياة
تنبيه يستثنى من هذا الضابط مسائل منها ما استثناه المصنف بقوله ( إلا حبتي حنطة ونحوهما ) من المحقرات كشعير فإنهما لا يجوز بيعهما كما مر في البيع وتجوز هبتهما لانتفاء المقابل فيهما وهذا الإستثناء مما زاده على المحرر ولم يذكره في الروضة وقال ابن النقيب إنه سبق قلم ففي الرافعي في تعريف اللقطة أن ما لا يتمول كحبة حنطة وزبيبة لا يباع ولا يوهب لكن قال الأذرعي وغيره إن الصحيح المختار ما في المتن وهو كذلك
ومنها ما إذا لم تعلم الورثة مقدار ما لكل منهم من الإرث كما لو خلف ولدين أحدهما خنثى وقد ذكر الرافعي في الفرائض أنه لو اصطلح الذين وقف المال بينهم على تساو أو تفاوت جاز قال الإمام ولا بد أن يجري بينهم تواهب وهذا التواهب لا يكون إلا عن جهالة ولكنها تحتمل للضرورة
ومنها ما إذا اختلط حمام برجين فوهب صاحب أحدهما نصيبه للآخر فإنه يصح على الصحيح وإن كان مجهول القدر والصفة للضرورة ومثل ذلك ما لو اختلطت حنطته بحنطة غيره أو مائعه بمائع غيره أو ثمرته بثمرة غيره
ومنها ما لو قالا أنت في حل مما تأخذ من مالي أو تعطي أو تأكل فإنه يجوز له الأكل دون الأخذ والإعطاء لأن الأكل إباحة وهي تصح مجهولة بخلافهما
ومنها صوف الشاة المجعولة أضحية ولبنها كما قاله الروياني
ومنها الطعام المغنوم من دار الحرب تجوز هبته للمسلمين بعضهم من بعض ما داموا في دار الحرب كما يجوز لهم أكله هناك ولا يصح لهم تبايعه قاله الزركشي وهذه في الحقيقة لا تستثنى لأن الآخذ لا يملك المأخوذ حتى يملكه لغيره وإنما هو مباح للغانم غير مملوك
ومنها الثمار قبل بدو الصلاح تجوز هبتها من غير شرط القطع بخلاف البيع وكذا الزرع الأخضر
____________________
(2/399)
قبل اشتداد الحب
ومنها ما لو وهب الأرض مع بذر أو زرع لا يفرد بالعقد فإن الهبة تصح في الأرض وتفرق الصفقة هنا على الأرجح والجهالة في البذر لا تضر في الأرض إذ لا ثمن ولا توزيع
ومنها ما لو باع المتحجر ما تحجره لم يصح على الأصح لأن حق التملك لا يباع وتجوز هبته قال الدارمي ولو وهب مرهونا أو كلبا ولو معلما أو خمرا ولو محترمة أو جلد ميتة قبل الدباغ أو دهنا نجسا لم يصح كالبيع وما قاله في الروضة في باب الأواني من أن جلد الميتة قبل الدباغ تصح هبته محمول على نقل اليد لا على التمليك كما صرح هنا بأن هبته لا تصح
( وهبة الدين للمدين إبراء ) له منه لا يحتاج قبولا نظرا للمعنى
تنبيه قضية كلام المصنف أن هبة الدين صريح في الإبراء وهو كذلك وإن قال في الذخائر إنه كناية وترك الدين للمدين كناية إبراء
( و ) هبته ( لغيره ) وهو من لا دين عليه ( باطلة في الأصح ) وعبر في الروضة بالمذهب لأنه غير مقدور على تسليمه وإنما يقبض من الديون عين لا دين والقبض في الهبة إنما يكون فيما ورد العقد عليه
والثاني صحيحة ونقل عن نص الأم وصححه جمع تبعا للنص كما مر في بيعه على ما صححه في الروضة قيل بل أولى
ووجه الأول وهو المعتمد أن هبة ما في الذمة غير صحيح بخلاف بيع ما في الذمة فإنه يصح ولهذا لم يختلف ترجيح الشيخين في بطلان هبة الدين لغير من هو عليه واختلف في ترجيح البيع له وعلى هذا يستثنى من طرد القاعدة لأنه يجوز بيعه ولا تجوز هبته
فرع تمليك المسكين الدين الذي عليه أو على غيره عن الزكاة لا يصح لأن ذلك فيما عليه إبدال وهو لا يجوز وفيما على غيره تمليك وهو لا يجوز أيضا
( ولا يملك موهوب ) بالهبة الصحيحة غير الضمنية وذات الثواب الشاملة للهدية والصدقة ( إلا بقبض ) فلا يملك بالعقد لما روى الحاكم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم أهدى إلى النجاشي ثلاثين أوقية مسكا ثم قال لأم سلمة إني لا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى الهدية التي قد أهديت إليه إلا تسترد فإذا ردت إلي فهي لك فكان كذلك لأنه عقد إرفاق كالقرض فلا يملك إلا بالقبض
وخرج بالصحيحة الفاسدة فلا تملك بالقبض والمقبوض بها غير مضمون كالهبة الصحيحة إذ الأصل أن فاسد كل عقد كصحيحه وبغير الضمنية الضمنية كما لو قال أعتق عبدك عني مجانا فإنه يعتق عنه ويسقط القبض في هذه الصورة كما يسقط القبول إذا كان التماس العتق بعوض كما ذكروه في باب الكفارة وبغير ذات الثواب ذاته فإنه إذا سلم الثواب استقل بالقبض لأنها بيع
تنبيه شمل كلامه هبة الأب لإبنه الصغير أنها لا تملك إلا بالقبض وهو كذلك كما هو مقتضى كلامهم في البيع ونحوه خلافا لما حكاه ابن عبد البر
ولا بد أن يكون القبض ( بإذن الواهب ) فيه إن لم يقبضه الواهب سواء أكان في يد المتهب أم لا فلو قبض بلا إذن ولا إقباض لم يملكه ودخل في ضمانه سواء أقبضه في مجلس العقد أم بعده ولا بد من إمكان السير إليه إن كان غائبا وقد سبق بيان القبض في باب البيع قبل قبضه إلا أنه لا يكفي الإتلاف ولا الوضع بين يديه بغير إذنه لأنه غير مستحق القبض فإن أذن له في الأكل أو العتق عنه فأكله أو أعتقه كان قبضا بخلاف البيع والزيادة الحادثة من الموهوب قبل قبضه للواهب لبقائه عن ملكه
وقبض المشاع بقبض الجميع منقولا كان أو غيره فإن كان منقولا ومنع من القبض شريكه ووكيله الموهوب له في قبض نصيبه صح فإن لم يوكله الموهوب له قبض له الحاكم ويكون في يده لهما ويصح بيع الواهب للموهوب قبل قبضه وإن ظن لزوم الهبة بالعقد
وليس الإقرار بالهبة ولو مع الملك إقرارا بقبض الموهوب لجواز أن يعتقد لزومها بالعقد والإقرار يحمل على اليقين إلا إن قال وهبته له وخرجت منه إليه وكان في يد المتهب وإلا فلا وقوله وهبته وأقبضته له إقرار بالهبة والقبض
ولو اختلفا في الإذن في القبض صدق الواهب فإن اتفقا عليه وقال الواهب رجعت قبل أن يقبضه وقال المتهب بل بعده صدق المتهب بيمينه لأن الأصل عدمه
ولو أقبضه وقال قصدت به الإيداع أو العارية وأنكر المتهب صدق الواهب كما في الاستقصاء
____________________
(2/400)
( فلو مات أحدهما ) أي الواهب أو الموهوب له ( بين الهبة والقبض ) لم ينفسخ العقد و ( قام وارثه مقامه ) أي وارث الواهب في الإقباض والإذن في القبض ووارث المتهب في القبض
( وقيل ينفسخ العقد ) لجوازه كالوكالة
وأجاب الأول بأنها تؤول إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع الجائز بخلاف الوكالة
ويجري الخلاف في الجنون والإغماء ويقبضان إذا أفاقا ولولي المجنون قبضها قبل الإفاقة
فرع لو رجع الواهب الشامل لمهدي والمتصدق أو وارثه في الإذن في القبض أو مات هو أو المتهب قبل القبض فيهما بطل الإذن فليس للرسول إيصال الهبة إلى المتهب أو وارثه إلا بإذن جديد وينبغي كما قال الزركشي أن يكون جنون الواهب وإغماؤه والحجر عليه كذلك
( ويسن للوالد ) وإن علا ( العدل في عطية أولاده بأن يسوي بين الذكر والأنثى ) لخبر الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال وهبني أبي هبة فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أم هذا أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لإبنها فقال صلى الله عليه وسلم يا بشير ألك ولد سوى هذا قال نعم قال كلهم وهبت له مثل هذا قال لا قال فارجعه وفي رواية للبخاري اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم وفي لفظ مسلم قال فأشهد على هذا غيري وفي لفظ لأحمد لا تشهدني على جور إن لبنيك من الحق أن تعدل بينهم ولئلا يفضي بهم الأمر إلى العقوق أو التحاسد
تنبيه قضية كلام المصنف أن ترك هذا خلاف الأولى والمجزوم به في الرافعي الكراهة وهو المعتمد قال ابن حبان في صحيحه إن تركه حرام ويؤيده رواية لا تشهدني على جور وأكثر العلماء على أنه لا يجب وحملوا الحديث على الاستحباب لرواية فأشهد على هذا غيري ولأن الصديق رضي الله تعالى عنه فضل عائشة رضي الله عنها على غيرها من أولاده وفضل عمر رضي الله تعالى عنه إبنه عاصما بشيء وفضل عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما بعض ولده على بعض
( وقيل كقسمة الإرث ) فيضعف حظ الذكر كالميراث كما أعطاهم الله تعالى وهو خير الحاكمين
وأجاب الأول بأن الوارث رضي بما فرض الله له بخلاف هذا بل قيل إن الأولى أن تفضل الأنثى حكاه ابن جماعة المقدسي في شرح المفتاح لأن الذكر والأنثى إنما يختلفان في الميراث بالعصوبة فأما إذا كان بالرحم فهما سواء كالإخوة والأخوات من الأم
ولو كان في أولاده خنثى فحكمه حكم الذكر لا الأنثى حتى يجري فيه الوجهان قاله في المجموع في نواقض الوضوء قال الزركشي وهو خلاف قياس الميراث من وقف المشكوك فيه
تنبيه محل الكراهة عند الإستواء في الحاجة أو عدمها وإلا فلا كراهة وعلى ذلك يحمل تفصيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم فيما مر ويستثنى العاق والفاسق إذا علم أنه يصرفه في المعاصي فلا يكره حرمانه
ويسن أيضا أن يسوي الولد إذا وهب لوالديه شيئا ويكره له ترك التسوية كما مر في الأولاد فإن فضل أحدهما فالأم أولى لخبر إن لها ثلثي البر والإخوة ونحوهم لا يجري فيهم هذا الحكم ولا شك أن التسوية بينهم مطلوبة لكن دون طلبها في الأصول والفروع
روى البيهقي في الشعب عن سعيد بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده وفي رواية الأكبر من الإخوة بمنزلة الأب
( وللأب الرجوع ) على التراخي ( في هبة ولده ) الشاملة للهدية والصدقة وكذا لبعضها كما فهم بالأولى من دون حكم حاكم
( وكذا لسائر الأصول ) من الجهتين ولو مع اختلاف الدين ( على المشهور ) سواء أقبضها الولد أم لا غنيا كان أو فقيرا صغيرا أو كبيرا لخبر لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده
رواه الترمذي والحاكم وصححاه
والوالد يشمل كل الأصول إن حمل اللفظ على حقيقته ومجازه وإلا ألحق به بقية
____________________
(2/401)
الأصول بجامع أن لكل ولادة كما في النفقة وحصول العتق وسقوط القود
والثاني لا رجوع لغير الأب مستدلا بالحديث المتقدم وقصر الوالد على الأب وعممه الأول
وعبد الولد غير المكاتب كالولد لأن الهبة لعبد الولد هبة للولد بخلاف عبده المكاتب لأنه كالأجنبي
نعم انفسخت الكتابة فقد بان بآخر الأمر أن الملك للولد فهو كهبة اثنين لو تنازعا فيه ثم ألحق بأحدهما فإنه يرجع لثبوت بنوته وهبته لمكاتب نفسه كالأجنبي
ولو وهب شيئا لولده ثم مات ولم يرثه الولد لمانع قام به ورثه جد الولد ولم يرجع في الهبة الجد الحائز للميراث لأن الحقوق لا تورث وحدها إنما تورث بتبعية المال وهو لا يرثه
ويكره للوالد أن يرجع في هبته لأولاده إن عدل بينهم إلا لمصلحة كأن يستعينوا بما أعطاه لهم على معصية وأصروا عليها بعد إنذاره بالرجوع من غير سبب كالهبة ولا لأن الخبر ورد في الإعطاء وجهان حكاهما في البحر أوجههما الكراهة تنبيه محل الرجوع فيما إذا كان الولد حرا أما الهبة لولده الرقيق فهبة لسيده كما علم مما مر ومحله أيضا في هبة الأعيان
أما لو وهب ولده دينا له عليه فلا رجوع له جزما سواء أقلنا إنه تمليك أم إسقاط إذ لا بقاء للدين فأشبه ما لو وهبه شيئا فتلف
( وشرط رجوعه ) أي الأب أو أحد سائر الأصول ( بقاء الموهوب في سلطنة ) أي ولاية ( المتهب ) وهو الولد ويدخل في السلطنة ما لو أبقى الموهوب أو غصب فيثبت الرجوع فيهما ويخرج بها ما لو جنى الموهوب أو أفلس المتهب وحجر عليه فيمتنع الرجوع فيهما
نعم إن قال أنا أؤدي أرش الجناية وأرجع مكن في الأصح
فإن قيل سيأتي أنه لو رهنه وقبضه المرتهن وقال أنا أبذل قيمته وارجع لم يمكن فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنه لا يؤمن من خروج دراهمه مستحقة فيفوت الرهن لأنه فسخ العقد ولا يقع موقوفا بخلاف بذل الأرش لأنه ليس بعقد فجاز أن يقع موقوفا فإن سلم ما بذله وإلا رجع إليه وأيضا لما في الرجوع بعد الرهن إبطال تصرف المتهب نعم له أن يفديه بكل الدين لأن له أن يقضي دين الأجنبي لكن بشرط رضا الغريم
وخرج بحجر الفلس حجر السفه فلا يمنع الرجوع لأنه لم يتعلق به حق غيره
ويمتنع أيضا الرجوع في صور ذكر المصنف بعضها في قوله ( فيمتنع ) الرجوع في الموهوب بزوال السلطنة سواء أزالت بزوال ملكه عنه ( ببيعه ) كله ( ووقفه ) وعتقه ونحو ذلك أم لا كأن كاتب الموهوب أو استولد الأمة أما لو خرج عن ملكة بعضه فله الرجوع في الباقي
تنبيه قضية كلامهم امتناع الرجوع لبيع وإن كان البيع من أبيه الواهب وهو كما قال شيخنا ظاهر ( لا برهنه و ) لا ( هبته قبل القبض ) فيهما لبقاء السلطنة
وقياس هذا أنه لو باعه بشرط الخيار له أولهما ثبوت الرجوع لبقاء سلطنته لأن الملك له وهو ظاهر أما بعد القبض فلا رجوع له لزوالها
( و ) لا ( تعليق عتقه ) ولا تدبيره ( و ) لا ( تزويجها ) الجارية ( و ) لا ( زراعتها ) أي الأرض فلا يمتنع الرجوع بكل منها لبقاء السلطنة
( وكذا الإجارة ) لا تمنع الرجوع ( على المذهب ) لأن العين باقية بحالها ومورد الإجارة المنفعة وعلى هذا فالإجارة بحالها يستوفي المستأجر المنفعة ومقابل المذهب قول الإمام لم يصح بيع المؤجر ففي الرجوع تردد
تنبيه يستثنى من الرجوع مع بقاء السلطنة ما إذا منع مانع من الرجوع وذلك في صور منها لما لو جن الأب فإنه لا يصح رجوعه حال جنونه ولا رجوع لوليه بل إذا أفاق كان له الرجوع ذكره القاضي أبو الطيب
ومنها ما لو أحرم والموهوب صيد فإنه لا يرجع في الحال لأنه لا يجوز إثبات يده على الصيد في حال الإحرام
ومنها ما لو ارتد الولد وفرعنا على وقف ملكه فإنه لا يرجع لأن الرجوع لا يقبل الوقف كما لا يقبل التعليق فلو حل أي من إحرامه أو عاد إلى الإسلام والموهوب باق على ملك الولد رجع ولو وهب لولده شيئا ووهبه الولد لولده لم يرجع الأول في الأصح لأن الملك غير مستفاد منه ولو باعه من إبنه أو انتقل بموته إليه لم يرجع الأب قطعا لأنه لا رجوع له فالأب
____________________
(2/402)
أولى ولو وهبه لولده فوهبه الولد لأخيه من أبيه لم يثبت للأب الرجوع لأن الواهب لا يملك الرجوع فالأب أولى ولو وهبه الولد لجده ثم الجد لولد ولده فالرجوع للجد فقط
( ولو زال ملكه ) أي الولد عن الموهوب ( وعاد ) إليه بإرث أم لا ( لم يرجع ) أي الأصل من الجهتين فيه ( في الأصح ) لأن الملك غير مستفاد من الأصل حتى يرجع فيه
والثاني يرجع نظرا إلى ملكه السابق
تنبيه شمل كلامه ما لو عاد ملك الموهوب للولد بالإقالة والرد بالعيب وهو كذلك وإن الملك قد زال عنه ثم عاد إليه
نعم يستثنى من ذلك ما لو وهب له عصيرا ثم تخمر ثم تخلل فله الرجوع على المذهب لأن الملك الكائن في الخل سببه ملك العصير وما لو كاتبه ثم عجز فله الرجوع واستثنى الدميري ما لو وهبه صيدا فأحرم الولد ولم يرسله ثم تحلل
وهذا ممنوع لأن ملك الولد قد زال عنه بالإحرام ولم يعد بالتحلل فإنه يجب عليه إرساله بعد التحلل على الأصح المنصوص
ولو زرع الولد الحب أو فرخ البيض لم يرجع الأصل فيه كما جزم به ابن المقري وإن جزم البلقيني بخلافه لأن الموهوب صار مستهلكا
( ولو زاد ) الموهوب ( رجع ) الأصل ( فيه بزيادته المتصلة ) كسمن وحرث أرض لزراعة لأنها تتبع الأصل
تنبيه يستثنى من إطلاقه صورتان الأولى ما لو وهب أمة أو بهيمة حائلا ثم رجع فيها وهي حامل لم يرجع إلا في الأم دون الحمل بناء على أن الحمل يعلم وهو الأصح ويرجع في الأم ولو قبل الوضع في أحد وجهين صححه القاضي وهو المعتمد كما أجاب به ابن الصباغ وغيره
الثانية ما وهبه نخلا فأطلعت تمرا غير مؤبر فلا يرجع فيه على المذهب لأنه لا معاوضة ولا تراض كالصداق قاله الحاوي في باب بيع الأصول والثمار
لكن في الروضة في التفليس عن الشيخ أبي حامد ما يقتضي ترجيح التبعية أي تبعية الطلع واقتصر عليه والأول أوجه قياسا على الحمل
( لا ) الزيادة ( المنفصلة ) كالولد الحادث والكسب فلا يرجع الأصل فيها بل تبقى المتهب لحدوثه على ملكه بخلاف الحمل المقارن للهبة فإنه يرجع فيه وإن انفصل لأنه من جملة الموهوب
ولو كان الحمل مقارنا للهبة ثم رجع في الأم فقط كان رجوعا في الحمل أيضا كما هو ظاهر كلامهم
ولو صبغ الولد الثوب أو قصره أو طحن الحنطة أو نسج الغزل شارك والده بعد والده الرجوع في الثوب بما زاد على قيمته فإن لم تزد فلا شركة
تنبيه قضية كلامه أن الموهوب لو تعلم عند الولد صنعة فزادت قيمته يفوز بها الوالد وبه صرحا هنا في الروضة وأصلها فذكر من الزيادة المتصلة تعلم الحرفة وحرث الأرض لكن ذكرا نفي باب التفليس أن تعلم الحرفة كالعين وقضيته أن الولد يكون شريكا فيها بما زاد كالقصارة
وأجاب عن ذلك الزركشي بأن ما هنا تعلم لا معالجة للسيد فيه وما هناك تعلم فيه معالجة منه ولو رجع الأصل في الأرض التي وهبها للولد وقد غرس الولد أو بنى تخير الأصل بعد رجوعه في الغرس أو البناء بين قلعه بأرش نقصه أو تملكه بقيمته أو تبقيته بأجرة كالعارية ولو نقص الموهوب رجع فيه من غير أرش نقص
فرع لو وهب لولده عينا وأقبضه إياها في الصحة فشهدت بينة لباقي الورثة أن أباه رجع فيما وهبه له ولم نذكر ما رجع فيه لم تسمع شهادتها ولم تنزع العين منه لاحتمال أنها ليست من المرجوع فيه
( ويحصل الرجوع برجعت فيما وهبت أو استرجعته أو رددته إلى ملكي أو نقضت الهبة ) أو نحو ذلك كأبطلتها وفسختها وكل هذه صرائح
ويحصل بالكناية مع النية كأخذته وقبضته وكل ما يحصل به رجوع البائع بعد فلس المشتري يحصل به الرجوع هنا
تنبيه الموهوب بعد الرجوع فيه من غير استرداد له أمانة في يد الولد بخلاف المبيع في يد المشتري بعد فسخ البيع لأن المشتري أخذه بحكم الضمان
ولا يصح الرجوع إلا منجزا فلو قال إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت لم يصح لأن الفسوخ لا تقبل التعليق كالعقود
و ( لا ) يحصل الرجوع ( ببيعه ) أي ما وهبه الأصل لولده ( و ) لا ( وقفه
____________________
(2/403)
و ) لا ( هبته و ) لا ( إعتاقه و ) لا ( وطئها ) لكمال ملك الولد ونفوذ تصرفه فلا يؤثر فيه ما ذكر وقوله ( في الأصح ) راجع للخمس صور
والثاني يحصل الرجوع بكل منها كما يحصل به من البائع في زمن الخيار
وفرق الأول بأن الملك هناك ضعيف بخلاف ما نحن فيه وعلى الأول يلزم الوالد بالإتلاف والإستيلاد القيمة وبالوطء المهر وتلغو البقية وتحرم به الأمة على الولد لأنها موطوءة والده وتحرم موطوءة الولد التي وطئها الوالد عليهما معا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في موانع النكاح
ولو تفاسخ المتواهبان الهبة أو تقايلا حيث لا رجوع لم تنفسخ كما جزم به صاحب الأنوار
فروع أحدها لو باع الولد العين الموهوبة من أبيه ثم ادعى الأب أنه رجع فيها قبل البيع لم يقبل إلا ببينة
ثانيها لو جهز شخص إبنته بأمتعة لم تملكها إلا بإيجاب وقبول إن كانت بالغة ويصدق بيمينه أنه لم يمكلها وكذا لو اشترى أمتعة بيتها لم تملكها بذلك بخلاف ما لو كانت صغيرة واشترى بنيتها فتملك بذلك ثم إن أنقد الثمن بنية الرجوع رجع وإلا فلا
ثالثها لو كان في يد الوالد عين وأقر بأنها في يده أمانة وهي ملك ولده ثم ادعى بعد ذلك أن المقر به كان هبة منه وأنه رجع فيه وكذبه الولد صدق عند الأكثرين ولا رجوع للأب والمعتمد ما أفتى به القضاة الثلاثة أبو الطيب و الماوردي و الهروي من أن الأب هو المصدق بيمينه وصححه المصنف
رابعها لو تصدق على غير بثوب فظن أنه أودعه أو أعار له ملكه اعتبارا بنية الدافع فلو رده عليه المدفوع له لم يحل له أخذه لزوال ملكه عنه
( ولا رجوع لغير الأصول في هبة مقيدة بنفي الثواب ) أي العوض للحديث المار ولأنه بذل ماله مجانا كالمتصدق
تنبيه أفهم كلامه صحة الهبة إذا قيدت بنفي الثواب وهو الأصح لأنه حقه فله إسقاطه
( ومتى وهب ) شيئا ( مطلقا ) عن تقييده بثواب وعدمه ( فلا ثواب ) أي لا عوض ( إن وهب لدونه ) في المرتبة كالملك لرعيته والأستاذ لغلامه إذ لا تقتضيه لفظا ولا عادة
تنبيه ألحق الماوردي بذلك سبعة أنواه هبة الأهل والأقارب لأن القصد الصلة وهبة العدو لأن القصد التآلف وهبة الغني للفقير لأن المقصود نفعه والهبة للعلماء والزهاد لأن القصد القربة والتبرك وهبة المكلف لغيره لعدم صحة الإعتياض منه والهبة للأصدقاء والإخوان لأن القصد تأكد المودة والهبة لمن أعان بجاهه أو ماله لأن المقصود مكافأته
وزاد الدارمي هدية المتعلم لمعلمه وهو داخل في عموم كلام الماوردي
( وكذا ) إن وهب مطلقا الدون ( لأعلى منه ) كهبة الغلام لأستاذه فلا ثواب ( في الأظهر ) كما لو أعاره دارا لا يلزمه شيء إلحاقا للأعيان بالمنافع
والثاني يجب الثواب لإطراد العادة بذلك
( و ) كذا إن وهب مطلقا ( لنظيره ) فلا ثواب أيضا ( على المذهب ) المقطوع به لأن القصد من مثله الصلة وتأكد الصداقة والطريق الثاني طرد القولين السابقين
والهدايا في ذلك كالهبة كما قاله المصنف تفقها ونقله في الكفاية عن تصريح البندنيجي
وأما الصدقة فثوابها عند الله تعالى فلا يجب العوض فيها مطلقا قال في زيادة الروضة ونقل عن تصريح البغوي وغيره
( فإن وجب ) في الهبة مطلقا ثواب على المرجوح وهو مقابل الأظهر ( فهو قيمة الموهوب ) أي قدرها ( في الأصح ) لأن العقد إذا اقتضى العوض ولم يسم فيه شيء تجب فيه القيمة وعلى هذا فالأصح اعتبار قيمة وقت القبض لا وقت الثواب
والثاني يلزمه ما يعد ثوابا لمثله عادة
( فإن لم يثبه ) هو ولا غيره ( فله ) أي الواهب ( الرجوع ) في الموهوب إن بقي وببدله إن تلف
ولو أهدى شخص لآخر على أن يقضي له حاجة أو يخدمه فلم يفعل وجب عليه ردها إن بقيت وبدلها إن تلفت كما قاله الإصطخري
( ولو وهب ) شخصا شيئا ( بشرط ثواب معلوم ) عليه كوهبتك هذا على أن تثيبني كذا ( فالأظهر صحة ) هذا ( العقد ) نظرا للمعنى فإنه معاوضة بمال معلوم فصح كما لو قال بعتك
والثاني بطلانه نظرا إلى اللفظ لتناقضه فإن لفظ
____________________
(2/404)
الهبة يقتضي التبرع ( ويكون بيعا على الصحيح ) نظرا إلى المعنى فعلى هذا تثبت فيه أحكام البيع من الشفعة والخيارين وغيرهما
قال في التنقيح بلا خلاف وغلط الغزالي في إشارته إلى خلاف فيه اه
وما صححاه في باب الخيار من أنه لا خيار في الهبة ذات الثواب مبني على أنها ليست ببيع كما مرت الإشارة إليه هناك
والثاني يكون هبة نظرا إلى اللفظ فلا يلزم قبل القبض
( أو ) بشرط ثواب ( مجهول ) كوهبتك هذا العبد بثوب ( فالمذهب بطلانه ) أي العقد لتعذر صحته بيعا لجهالة العوض ولتعذر صحته هبة لذكر الثواب بناء على أنها لا تقتضيه وقيل يصح هبة بناء على أنها تقتضيه
تنبيه لو قال المتهب للواهب وهبتني بلا ثواب وقال الواهب بل بثواب صدق المتهب لأنهما اتفقا على أنه ملكه والأصل عدم ذكر البدل
( ولو بعث ) شخص لآخر ( هدية في ظرف ) وهو الدعاء ( فإن لم تجر العادة برده كقوصرة تمر ) وهي بتشديد الراء على الأفصح وعاء التمر ولا تسمى بذلك إلا وفيها التمر وإلا فهي زنبيل
( فهو ) أي الظرف ( هدية أيضا ) تحكيما للعرف المطرد ومثله علب الحلواء والفاكهة ونحوهما
( وإلا ) بأن جرت العادة برد الظرف أو اضطربت كما هو قضية كلام ابن المقري ( فلا ) يكون هدية بل أمانة في يده كالوديعة
قال الأذرعي ويشبه أن تختلف العادة في رد الظروف باختلاف طبقات الناس وعادة البلاد وما يحمل منها إلى البلاد البعيدة دون مهاداة أهل البلد وكذا الإهداء إلى الملوك ولا سيما ما يحمل إليهم من النواحي البعيدة فإن العادة أن لا ترد ظروفه
والحاصل أنه يعتبر في كل ناحية عرفها وفي كل قوم عرفهم باختلاف طبقاتهم
تنبيه ألحق المتولي بذلك الكتاب الذي يكتبه الإنسان لصاحبه أي سواء كان غائبا أم حاضرا فإن المكتوب إليه يملكه فإنه هدية إلا أن يكتب فيه أن اكتب لي الجواب على ظهره فإنه لا يملكه ويلزمه رده إليه
( و ) إذا لم يكن الظرف هدية ( يحرم استعماله ) لأنه انتفاع بملك الغير بغير إذنه ( إلا في أكل الهدية منه إن اقتضته العادة ) عملا بها ويكون عارية حينئذ
قال القاضي ويستحب له رده حالا لخبر استبقوا الهدايا برد الظروف
قال الأذرعي والاستحباب المذكور حسن وفي جواز حبسه بعد تفريغه نظر إلا أن يعلم رضا المهدى به
وهل يكون إبقاؤها فيه مع إمكان تفريغه على العادة مضمنا لأنه استعمال غير مأذون فيه لا لفظا ولا عرفا أم لا في كلام القاضي ما يفهم الأول وهو محل نظر
وأما الخبر المذكور فلا أعرف له أصلا
ولو خلص شخص آخر من يد ظالم ثم أنفذ إليه شيئا هل يكون رشوة أو هدية قال القفال في فتاويه ينظر إن كان أهدى إليه مخافة أنه ربما لو لم يبره بشيء لنقض جميع ما فعله كان رشوة وإن كان يأمن خيانته بأن لا ينقض ذلك بحال كان هبة
خاتمة أفضل البر بر الوالدين بالإحسان إليهما وفعل ما يسرهما من الطاعة لله تعالى وغيرها مما ليس بمنهي عنه قال تعالى { وبالوالدين إحسانا } ومن برهما الإحسان إلى صديقهما لخبر مسلم إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه
ومن الكبائر عقوق كل منهما وهو أن يؤديه أذى ليس بالهين ما لم يكن ما أذاه به واجبا
قال الغزالي وإذا كان في مال أحد أبويه شبهة ودعاه للأكل منه فليتلطف في الإمتناع فإن عجز فليأكل ويقلل بتصغير اللقمة وتطويل المضغة قال وكذا إذا ألبسه ثوبا من شبهة وكان يتأذى برده فليقبله وليلبسه بين يديه وينزعه إذا غاب ويجتهد أن لا يصلي فيه إلا بحضرته
وصلة القرابة وهي فعلك مع قريبك ما تعد به وأصلا مأمور بها وتحصل بالمال وقضاء الحوائج والزيارة والمكاتبة والمراسلة بالسلام ونحو ذلك ويتأكد استحباب وفاء العهد كما يتأكد كراهة إخلافه
ويكره للإنسان أن يشتري ما وهبه من الموهوب له قال في الإحياء لو طلب إنسان من غيره أن يهبه مالا في ملأ من الناس فاستحيا منهم ولو كان في خلوة ما أعطاه له فوهبه منه على ذلك لم يحل كالمصادر وكذا كل من وهب له شيء لاتقاء شره أو سعايته
قال البيهقي في شعبه عن عمار بن ياسر كان النبي صلى الله عليه وسلم إليه يعني المسمومة بخيبر وهذا أصل لما يفعله الملوك في ذلك ويلحق بهم من في معناهم
فإن قيل كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وقد قال الله تعالى { والله يعصمك من الناس } لا يأكل من هدية
____________________
(2/405)
حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها للشاة التي أهديت
أجيب بأن ذلك كان قبل نزول الآية أو أن العصمة لا تنافي تعاطي الأسباب كما أن إخباره تعالى بأنه يظهره على الدين كله لا ينافي جهاده وأمره بالقتال فمن تمام التوكل كما قاله بعض السلف سلوك الأسباب والإعتماد على رب الأرباب
كتاب اللقطة بضم اللام وفتح القاف
وحكى ابن مالك فيها أربع لغات لقاطة ولقطة بضم اللام وسكون القاف ولقطة بضم اللام وفتح القاف ولقط بفتح اللام والقاف بلا هاء ونظمها في بيت فقال لقاطة ولقطة ولقطه ولقط لاقط قد لقطه ويقال اللقطة بفتح القاف اسم للملتقط بكسرها أيضا
وهي لغة ما وجد على تطلب قال تعالى { فالتقطه آل فرعون }
وشرعا ما وجد في موضع غير مملوك من مال أو مختص ضائع من مالكه سقوط أو غفلة ونحوها لغير حربي ليس بمحرز ولا ممتنع بقوته ولا يعرف الواجد مالكه
فخرج بغير المملوك ما وجد في أرض مملوكة فإنه لمالك الأرض إن ادعاه وإلا فلمن ملك منه وهكذا حتى تنتهي إلى المحي فإن لم يدعه فحينئذ يكون لقطة
وبسقوط أو غفلة ما إذا ألقت الربح ثوبا في حجره مثلا أو ألقى في حجره هارب كيسا ولم يعرفه فهو مال ضائع يحفظه ولا يتملكه
وفرقوا بينها وبين المال الضائع بأن الضائع ما يكون محرزا بحرز مثله كالموجود في مودع الحاكم وغيره من الأماكن المغلقة ولم يعرف مالكه واللقطة ما وجد ضائعا بغير حرز
واشتراط الحرز فيه دونها إنما هو للغالب وإلا فمنه ما لا يكون محرزا كما مر في إلقاء الهارب ومنها ما يكون محرزا كما لو وجد درهما في أرض مملوكة أو في بيته ولا يدري أوهو له أو لمن دخل بيته فعليه كما قال القفال أن يعرفه لمن يدخل بيته
وبغير حربي ما وجد بدار الحرب وليس بها مسلم فهو غنيمة يخمس وليس لقطة وما خرج ببقية الحد واضح
ودخل فيه صحة التقاط الهدي وفائدته جواز التصرف فيه بالنحر بعد التعريف والموقوف وفائدته تملك منافعه بعد التعريف
ويرد عليه ولد اللقطة فإنه ليس بضائع والركاز الذي هو دفين الإسلام يصح لقطة وليس مالا ضائعا والخمر غير المحترمة فيصح التقاطها ولا مال ولا اختصاص
وإنما ذكر المصنف اللقطة بعد الهبة لأن كلا منهما تمليك بلا عوض وذكرهما في التنبيه بعد إحياء الموات لأن كلا منهما تمليك من الشارع ولو ذكرت عقب القرض لكان مناسبا لأنه يسلك بها مسلكه والشرع أقرضه الملتقطة
والأصل فيها قبل الإجماع الآيات الآمرة بالبر والإحسان إذ في أخذها للحفظ والرد بر وإحسان وخبر الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني
أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن لقطة الذهب أو الورق فقال أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن لم تعرفها فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه وإلا فشأنك بها وسئل عن ضالة الإبل فقال ما لك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها وسئل عن الشاة فقال خذها فإنما هي لك أو لاخيك أو للذئب
وفي الإلتقاط معنى الأمانة والولاية من حيث أن الملتقط أمين فيما التقطه والشرع ولاه حفظه كالولي في مال الطفل وفيه معنى الإكتساب من حيث أن له التملك بعد التعريف وهو المغلب لأنه مآل الأمر
وأركانها ثلاثة التقاط وملتقط بكسر القاف وملتقط بفتحها
وقد شرع في الأول فقال ( يستحب الإلتقاط لواثق بأمانة نفسه ) وهو ظاهر نص المختصر لما فيه من البر وفي خبر مسلم والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه
____________________
(2/406)
ويكره تركه كما قاله المتولي وغيره لئلا يقع في يد خائن وإنما لم يجب لأنها أمانة أو كسب وكل منهما لا يجب ابتداء
( وقيل يجب ) عليه ونص عليه في الأم والمختصر صيانة للمال عن الضياع
وقال ابن سريج إن غلب على ظنه ضياعه وجب وإلا فلا
وحمل النصين على ذلك واختاره السبكي وقال لا يتحقق القول بعدم الوجوب في هذه الصورة عن أحد والنقل أمانة فإنا لو سئلنا عمن قال به لم نجد من ننقله عنه
( ولا يستحب ) الإلتقاط قطعا ( لغير واثق ) بأمانة نفسه في المستقبل وهو في الحال آمن خشية الضياع أو طرو الخيانة
( و ) لكن ( يجوز ) له الإلتقاط ( في الأصح ) لأن خيانته لم تتحقق والأصل عدمها وعليه الإحتراز
والثاني لا يجوز خشية استهلاكها
تنبيه أفهم كلامه كغيره حرمة الإلتقاط لمن علم من نفسه الخيانة وبه صرح ابن سراقة فقال يحرم عليه أخذها وقد صرحوا به في نظيره من الوديعة
( ويكره ) الإلتقاط تنزيها كما عزاه في الروضة وأصلها للجمهور ( لفاسق ) لئلا تدعوه نفسه إلى الخيانة وقيل تحريما كما في البسيط قال الرافعي وهو شاذ أو مؤول
واعترض بأنه ظاهر كلام كثير من العراقيين
( والمذهب أنه لا يجب الإشهاد على الإلتقاط ) كالوديعة سواء أكان لتملك أم حفظ كما يقتضيه كلام الرافعي لكن يسن وقيل يجب لحديث أبي داود من التقط فليشهد ذا أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب وحمله الأول على الندب
والطريق الثاني القطع بأنه لا يجب
ويذكر في الإشهاد بعض صفات اللقطة ليكون في الإشهاد فائدة وفائدته أنه ربما طمع فيها بعد ذلك فإذا أشهد أمن ولا يستوعبها لئلا يتوصل إليها كاذب بل يصفها للشهود بأوصاف يحصل بالإشهاد بها فائدة ويكره استيعابها كما ذكره القمولي عن الإمام وجزم به صاحب الأنوار
تنبيه محل استحباب الإشهاد إذا لم يكن السلطان ظالما يخشى أنه إذا علم بها أخذها وإلا فيمتنع الإشهاد وكذا التعريف كما جزم به المصنف في نكت التنبيه
ثم شرع في الركن الثاني والمغلب فيه الإكتساب لا الولاية لأنه مآل الأمر كما مر فقال ( و ) المذهب ( أنه يصح التقاط الفاسق ) والمرتد إن قلنا لا يزول ملكه وهو الأصح والسفيه ( والصبي ) والمجنون ( والذمي في دار الإسلام ) وفي معناه المستأمن والمعاهد كما بحثه الزركشي كاصطيادهم واحتطابهم
وشرط الإمام في صحة التقاط الصبي التمييز قال الأذرعي ومثله المجنون
والطريق الثاني تخريجه على أن المغلب في اللقطة الإكتساب فيصح أو الولاية والأمانة فلا يصح
قال الأذرعي والمراد بالفاسق الذي يوجب فسقه حجرا عليه في ماله اه
والظاهر أنه لا فرق
قال الزركشي لا يقال إن مسألة الفاسق مكررة مع قوله قبله ويكره لفاسق فإن المراد بالصحة هنا أن أحكام اللقطة هل يثبت له وأن معناه الأخذ أما التقاط الذمي بدار الكفار فلا يجري عليه حكمنا
وخرج به الحربي يجدها في دار الإسلام فإنها تنزع منه بلا خلاف أي ومن أخذها منه كان له تعريفها وتملكها كما هو ظاهر كلامهم وقيل تكون غنيمة للمسلمين قال المحاملي
وأما المرتد فترد لقطته على الإمام وتكون فيئا إن مات مرتدا فإن أسلم فحكمه كالمسلم
( ثم الأظهر أنه ) أي الملتقط ( ينزع ) أي ينزعه القاضي ( من الفاسق ويوضع عند عدل ) لأن مال ولده لا يقر في يده فكيف مال الأجانب
والثاني لا لأن له حق التملك أي إن أمنت غائلته ولكن يضم إليه عدل مشرف وأجرة العدل على القولين في بيت المال كما في الأنوار تبعا للدارمي فإن لم يكن فمن الواجد الفاسق
( و ) الأظهر ( أنه لا يعتمد تعريفه بل يضم إليه ) عدل ( رقيب ) خشية من التفريط في التعريف
والثاني يعتمد من غير رقيب لأنه الملتقط
قال في الكفاية ومؤنة التعريف عليه على القولين
وظاهر كلام الرافعي أن الفاسق يعرف والعدل يراقبه وفي الكفاية عن الماوردي أن الأمين هو الذي يعرف
وقال القاضي أبو الطيب و المحاملي وغيرهما يجتمعان على التعريف ويمكن حمل ذلك عليه وإذا تم التعريف فللملتقط التملك على كل قول
قال الماوردي ويشهد عليه الحاكم بغرمها إذا جاء صاحبها وإذا لم يتملكها تركت بيد الأمين
____________________
(2/407)
تنبيه اقتصار المصنف على الفاسق قد يوهم أنه لا ينزع من يد الذمي بل يقر في يده وليس مرادا ففي الروضة كأصلها إلحاقه بالفاسق ويلحق به أيضا المرتد والمستأمن والمعاهد
قال الماوردي ولو كان الملتقط أمينا لكنه ضعيف لا يقدر على القيام بها لم تنزع منه
وعضده الحاكم بأمين يقوي به على الحفظ والتعريف
( وينزع الولي ) وجوبا ( لقطة الصبي ) والمجنون والسفيه لحقهم وحق المالك وتكون يده نائبة عنهم كما ناب عنهم في مالهم ويعرف ) ها الولي لا من مال الصبي والمجنون والسفيه بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليبيع جزءا من اللقطة لمؤنة التعريف وهذا مستثنى من كون مؤنة التعريف على المتملك
تنبيه أفهم كلام المصنف أن تعريف الصبي لا يصح ومثله المجنون وأما السفيه فيصح تعريفه ولا بد من إذن وليه كما قال الزركشي
( ويتملكها للصبي ) ونحوه ( إن رأى ذلك ) مصلحة ( حيث يجوز الإقتراض له ) لأن التملك في معنى الإقتراض فإن لم يره مصلحة له حفظه أمانة أو دفعه إلى القاضي
( و ) على صحة التقاط الصبي والمجنون والسفيه ( يضمن الولي إن قصر في انتزاعه ) أي الملتقط ( حتى تلف في يد الصبي ) ومن ذكر معه أو أتلفه كل منهم لتقصيره كما لو قصر في حفظ ما احتطبه قال الزركشي إلا أن يكون وليه الحاكم فالأشبه عدم ضمانه اه
وفيه نظر
فإن لم يقصر في انتزاعها ضمن الصبي ومن ذكر معه بالإتلاف لا بالتلف بلا تقصير ويعرف التالف المضمون ويتملك للصبي ونحوه القيمة بعد قبض الحاكم لها
أما ما في الذمة فلا يمكن تملكه لهم ولو لم يعلم بها الولي حتى بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو رشد السفيه كان كما لو وجدها بعد زوال الحجر سواء استأذن الحاكم فأقرها في يده أم لا كما هو أحد احتمالين للصيمري يظهر ترجيحه
( والأظهر بطلان التقاط العبد ) إذا لم يأذن له فيه السيد ولم ينهه لأن اللقطة أمانة وولاية ابتداء وتمليك انتهاء وليس هو من أهلهما
والثاني صحته ويكون لسيده كاحتطابه واصطياده فإن أذن له كقوله متى وجدت لقطة فأتني بها صح جزما وإن نهاه امتنع جزما عند الإصطخري وقواه المصنف وطرد غيره فيه القولين
والإذن في الإكتساب إذن في الإلتقاط في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما يؤخذ من كلام الزركشي
ويستثنى من بطلان التقاط العبد نثر الوليمة فإنه يصح ويملكه سيده كما في الروضة آخر الوليمة وكذا الحقير كتمرة وزبيبة وهذا في الحقيقة لا يستثنى من اللقطة لأن هذا لا تعريف فيه ولا تملك فهو كالإحتطاب والإصطياد
( و ) على بطلان التقاطه ( لا يعتد بتعريفه ) لأنه غير ملتقط ويضمن الملتقط في رقبته وعلى صحة التقاطه يعتد بتعريفه ولو بغير إذن سيده في الأصح وليس له بعد التعريف أن يتملكه لنفسه بل يتملكه لسيده بإذنه ولا يصح بغير إذنه
والمدبر ومعلق العتق وأم الولد كالقن إلا أن الضمان في أم الولد يتعلق بسيدها لا برقبتها علم سيدها أم لا
( فلو أخذه ) أي الملتقط ( سيده ) أو أجنبي ( منه ) أي العبد ( كان التقاطا ) له وإن لم يأذن السيد للأجنبي ويسقط عن العبد الضمان
وفي معنى أخذ السيد إقراره اللقطة في يد العبد إن كان أمينا إذ يده كيده فإن استحفظه وهو غير أمين أو أهمله تعلق الضمان بالعبد وسائر أموال السيد حتى لو هلك العبد لا يسقط الضمان ولو أفلس السيد قدم صاحب اللقطة في العبد على سائر الغرماء
تنبيه قوله أخذه سيده قد يفهم أنه لو أعتق العبد بعد أن التقط لا يأخذه منه وهو كذلك وللعتيق تملكها وكأنه التقط بعد الحرية
( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ( المذهب صحة التقاط المكاتب كتابة صحيحة ) كالحر لأنه مستقل بالملك والتصرف فيعرف ويتملك
والقول الثاني لا يصح لما فيه من التبرع والحفظ وليس هو من أهله فهو كالقن لكن لا يأخذها السيد منه وإن أوهمته عبارة المصنف بل يأخذها القاضي ويحفظها إذ لا ولاية للسيد عليه
والطريق الثاني القطع بالصحة كالحر
وعلى الأول لو تملكها المكاتب بعد تعريفها فإن تلفت كان بدلها في كسبه
ولا يقدم مالكها به على الغرماء في أحد وجهين استظهره شيخنا وينبغي جريانهما كما قال الزركشي في الحر المفلس أو
____________________
(2/408)
الميت فلو عجز نفسه قبل تملك اللقطة لم يأخذها السيد لأن التقاط المكاتب لا يقع لسيده ولا ينصرف إليه وإن كان التقاطه اكتسابا لأن له يدا كالحر فليس للسيد ولا لغيره أخذها منه بل يحفظها الحاكم للمالك
أما المكاتب كتابة فاسدة فلا يصح التقاطه بغير إذن سيده كالقن
( و ) المذهب صحة التقاط ( من بعضه حر ) وبعضه رقيق لأنه كالحر في الملك والتصرف والذمة وقيل على القولين في القن
( و ) على الأول ( هي ) أي اللقطة ( له ولسيده ) فيعرفانها ويتملكانها
هذا إن لم تكن مهايأة ( فإن كانت مهايأة ) بالهمز أي مناوبة ( فلصاحب النوبة في الأظهر ) بناء على دخول الكسب النادر في المهايأة وهو الأصح
والثاني تكون بينهما بناء على عدم دخوله فيها
فعلى الأظهر من وقعت في توبته عرفها وتملكها والإعتبار بوقت الإلتقاط على الأصح
تنبيه هل يحتاج إلى إذن السيد فيما إذا كانت مهايأة وفيما إذا لم تكن مهايأة أو لا لم أر من تعرض لذلك وظاهر كلامهم أنه في نوبة سيده كالقن أنه لا بد من إذنه وأما في نوبة نفسه فهو كالحر
وأما إذا لم تكن مهايأة فيظهر من كلامهم أنه لا يحتاج إلى إذن تغليبا للحرية
( وكذا حكم سائر ) أي باقي ( النادر من الأكساب ) الحاصلة للمبعض كالوصية والهبة والركاز والصدقة وكذا زكاة الفطر في الأصح لأن مقصود المهايأة أن يختص كل واحد بما وقع في نوبته
( و ) حكم النادر من ( المؤن ) كأجرة طبيب وثمن دواء وأجرة حمام إلحاقا للغرم بالغنم فالأكساب لمن حصلت في نوبته والمؤن على وجد سبها في نوبته في الأظهر فيهما
ومقابله يشتركان فيهما لأن النادرة مجهولة وربما لا تخطر بالبال عند التهايؤ ولا ضرورة إلى إدخالها
( إلا أرش الجناية ) الموجودة من المبعض أو عليه كما شملته عبارة المصنف وبحثه الزركشي في نوبة أحدهما فلا يختص أرشها بصاحب النوبة بل يكون الأرش بين المبعض والسيد جزما ( والله أعلم ) لأن الأرش يتعلق بالرقبة وهي مشتركة ونقل الإمام في باب صدقة الفطر اتفاق العلماء عليه
وإذا لم تكن مهايأة فيشتركان في سائر النادر من الأكساب والمؤن
فصل في بيان حكم الملتقط وهو الركن الثالث
والملتقط نوعان أحدهما حيوان وثانيهما جماد وقد شرع في النوع الأول فقال ( الحيوان المملوك ) بأثر يدل على الملك كوسم وتعليق قرط ( الممتنع من صغار السباع ) كالنمر والفهد والذئب
ثم فصل امتناع الحيوان بقوله ( بقوة ) يمتنع بها ( كبعير ) كبير ( وفرس ) وبغل وحمار ( أو ) يمتنع ( بعدو ) أي جري ( كأرنب وظبي أو ) يمتنع بسبب ( طيران كحمام ) وهو كل ما عب وهدر كقمري ويمام ( إن وجد ) هذا الحيوان ( بمفازة ) وهي المهلكة سميت بذلك على القلب تفاؤلا بالفوز
( فللقاضي ) أو منصوبه ( التقاطه للحفظ ) على مالكه لا للتملك لأن له ولاية على أموال الغائبين وكان ل عمر رضي الله تعالى عنه حظيرة يحفظ فيها الضوال رواه مالك
( وكذا لغيره ) أي القاضي من الآحاد التقاطه للحفظ أيضا ( في الأصح ) المنصوص في الأم لئلا يأخذه خائن
والثاني لا إذ لا ولاية للآحاد على مال الغير
تنبيه محل الخلاف كما قاله الدارمي إذا لم يعرف مالكه فإن عرفه وأخذه ليرده عليه كان في يده أمانة جزءا حتى يصل إليه
قال السبكي وينبغي أن يكون محل أخذ الحاكم إذا خشي عليه الضياع أما إذا أمن عليه فلا ينبغي أن يتعرض له حتى يأتي صاحبه
قال الأذرعي وهذا أحسن في غير الحاكم اه
وهو ظاهر
( ويحرم التقاطه ) أي الحيوان الممتنع في الأمن ( لتملك ) على كل أحد لما مر في حديث زيد في ضالة الإبل ما لك ولها دعها وقيس الباقي عليها بجامع إمكان رعيها في البرية بلا راع فمن أخذه للتملك ضمنه ولا يبرأ برده إلى موضعه ويبرأ بدفعه إلى القاضي على
____________________
(2/409)
الأصح في الشرح والروضة
أما زمن النهب والفساد فيجوز أخذه للتملك في صحراء وغيرها
تنبيه تعبير المصنف أولا بالمملوك يخرج صورا منها الكلب ومنها الهدي ومنها الموقوف ومنها الموصى بمنفعته أبدا وقد مر الكلام على ذلك
( وإن وجد بقرية ) أو بلدة أو ما قرب من ذلك ( فالأصح جواز التقاطه للتملك ) لأنه في العمران يضيع بامتداد اليد الخائنة إليه بخلاف المفازة فإن طروقها لا يعم
والثاني المنع كالمفازة لإطلاق الحديث
وأجاب الأول بأن سياقه يقتضي المفازة بدليل دعها ترد الماء وترعى الشجر
تنبيه يستثنى من جواز الإلتقاط للتملك صور منها لقطة الحرم كما سيأتي
ومنها الجارية التي تحل له فإنه لا يتملكها بناء على أنه لا يجوز اقتراضها
( وما ) أي والحيوان الذي ( لا يمتنع منها ) أي صغار السباع ( كشاة ) وعجل ونصل من الحيوان المأكول وكسير خيل وإبل ( يجوز ) لقاض وغيره ( التقاطه للتملك في القرية ) ونحوها ( والمفازة ) صونا له عن الخونة والسباع لقوله في الحديث السابق في الشاة هي لك أو لاءخيك أو للذئب
( ويتخير ) فيما لا يمتنع ( آخذه ) بمد الهمزة بخطه ( من مفازة ) بين ثلاث خصال كما بينها بقوله ( فإن شاء عرفه وتملكه ) وينفق عليه مدة التعريف فإن أراد الرجوع استأذن الحاكم فإن لم يجده أشهد كما سبق في نظيره
( أو ) أي وإن شاء ( باعه ) مستقلا إن لم يجد حاكما وبإذنه إن وجده في الأصح
( وحفظ ثمنه وعرفها ) أي اللقطة التي باعها وكان تعريفهابمكان يصلح للتعريف ( ثم تملكه ) أي الثمن
تنبيه إنما لم يقل وعرفه لئلا يتوهم عود الضمير للثمن مع أنه لا يعرف
( أو ) أي وإن شاء ( أكله ) متملكا له ( وغرم قيمته إن ظهر مالكه ) وذكر المصنف التعريف في الخصلتين الأوليين دون الثالثة كالصريح في أنه لا يجب بعد أكلها تعريفه وهو الظاهر عند الإمام لأنه لا فائدة فيه وصححه في الشرح الصغير
قال الأذرعي لكن الذي يفهمه إطلاق الجمهور أنه يجب أيضا قال ولعل مراد الإمام أنها لا تعرف بالصحراء لا مطلقا اه
وهذا هو الظاهر
تنبيه التخيير بين هذه الخصال ليس تشهيا بل عليه فعل الأحظ كما بحثه الإسنوي وغيره قياسا على ما يمكن تجفيفه
وزاد الماوردي خصلة رابعة وهي تملكه في الحال وتبقيته حيا لدر ونسل قال لأنه لما استباح تملكه مع استهلاكه فأولى أن يستبيح تملكه مع استبقائه
وظاهر كلام الأصحاب منعها لأن الأولى عللت بالقياس على غيرها وأما الثانية فلأنه إذا جاز الأكل فالبيع أولى وأما الثالثة فبالإجماع كما حكاه ابن عبد البر
والقيمة المعتبرة قيمة يوم الأخذ إن أخذ للأكل وقيمة يوم التملك إن أخذ للتعريف كما حكاه عن بعض الشيوخ وأقراه
( فإن أخذ من العمران فله الخصلتان الأوليان ) بضم الهمزة وبمثناة تحتية وهما الإمساك والبيع
( لا الثالثة ) وهي الأكل ( في الأصح ) وعبر في الروضة بالأظهر
والثاني له الأكل أيضا كما في الصحراء
وأجاب الأول بأنه إنما أبيح له الأكل في الصحراء لأنه قد لا يجد فيها من يشتريه بخلاف العمران ويشق النقل إليه
أما غير المأكول كالجحش الصغير ففيه الخصلتان الأوليان ولا يجوز تملكه في الحال بل بعد تعريفه وإذا أمسك لقطة الحيوان وتبرع بالإنفاق فذاك وإن أراد الرجوع أنفق بإذن الحاكم فإن لم يجده أشهد
تنبيه المراد بالعمران الشارع والمساجد ونحوها لأنها مع الموات محال اللقطة كما علم من تعريف اللقطة
( ويجوز أن يلتقط عبدا لا يميز ) في زمن أمن أو نهب كسائر الأموال ومميزا وقت نهب بل قد يجب الإلتقاط إن تعين طريقا لحفظ روحه ولا يجوز التقاط المميز في الأمن لا في مفازة ولا في غيرها لأنه يستدل فيه على سيده فيصل إليه
فإن قيل صورة التقاط
____________________
(2/410)
العبد غير المميز مشكلة لما سيأتي في باب اللقيط أن من لا يعرف رقه ولا حريته أنه محكوم بحريته فكيف يلتقط وإن عرف رقه ببينة عرف مالكه فكيف صورة المسألة أجيب بأن الرق يعرف بعلامة كعلامة الحبشة والزنج أو أنه عرف رقه وجهل مالكه ثم وجده ضالا وكذلك يأتي هذا في معرفة كون الأمة مجوسية
تنبيه خرج بقول المصنف عبدا الأمة فإنها إن حلت للملتقط لم يجز أن يلتقطها للتملك بل للحفظ وإن لم تحل له كمجوسية ومحرم جاز له التقاطها وقد مرت الإشارة إلى ذلك
ويؤخذ من كلامهم أن في التقاط الرقيق الخصلتين الأولتين وينفق عليه مدة الحفظ من كسب فإن لم يكن له كسب فعلى ما مر آنفا في غير الرقيق
وإذا بيع ثم ظهر المالك وقال كنت أعتقته قبل قوله وحكم بفساد البيع على الأظهر في الشرح والروضة
والتقييد بالعتق قد يوهم عدم تصديقه فيما عداه كالبيع والهبة لأجل ما يتخيل من قوة العتق وليس مرادا بل سائر التصرفات المزيلة للملك كذلك كما ذكراه قبيل الصداق
ثم شرع في النوع الثاني فقال ( و ) أن ( يلتقط غير الحيوان ) وهو الجماد سواء أكان مالا كالنقود والثياب أم غير مال كجلد ميتة لم يدبغ وخمر محترمة للاختصاص أو الحفظ
( فإن كان ) مما ( يسرع فساده كهريسة ) وعنب لا يتزبب ورطب لا يتتمر تخير آخذه بين خصلتين ( فإن شاء باعه ) استقلالا إن لم يجد حاكما وبإذنه إن وجده أخذا مما مر
( وعرفه ) أي المبيع بعد بيعه ( ليتملك ثمنه ) بعد التعريف ولا يعرف الثمن
وهذه الخصلة أولى من الخصلة المذكورة في قوله ( وإن شاء تملكه في الحال وأكله ) وغرم قيمته سواء أوجده في مفازة أم عمران
( وقيل إن وجده في عمران وجب البيع ) لتيسره أو امتنع الأكل وهو قياس ما سبق في الشاة من تصحيح منع الأكل ومنهم من قطع بالأول
وفرق بينه وبين الشاة بأن الطعام قد يفسد قبل أن يظفر بالمشتري فتمس الحاجة إلى أكله وإذا جوزنا الأكل فأكل وجب التعريف في العمران بعده
وإن كان في الصحراء قال الإمام فالظاهر أنه لا يجب وقد مر الكلام فيه ولا يجب إفراز القيمة المغرومة من ماله نعم لا بد من إفرازها عند تملكها لأن ملك الدين لا يصح قاله القاضي
( وإن أمكن بقاؤه ) أي ما يسرع فساده لكن ( بعلاج ) فيه ( كرطب يتجفف ) أي يمكن تجفيفه ولبن يصير أقطا ( فإن كانت الغبطة في بيعه بيع ) جميعه بإذن الحاكم إن وجده وإلا استقلالا كما يؤخذ مما مر
( أو ) كانت الغبطة ( في تجفيفه وتبرع به الواجد ) له أو غيره ( جففه ) لأنه مال غيره فروعي فيه المصلحة كولي اليتيم
( وإلا بيع بعضه ) بقدر ما يساوي التجفيف ( لتجفيف الباقي ) طلبا للأحظ
وخالف هذا الحيوان حيث بيع جميعه لأن نفقته تتكرر فيؤدي إلى أن يأكل نفسه
تنبيه قوله الواجد ليس بقيد كما تقرر وظاهر كلامه أن مراعاة الأغبط واجبة وكلام الأصحاب مصرح به
قال الأذرعي والأقرب أنه لا يستقل بعمل الأغبط في ظنه بل يراجع القاضي فإن استوى الأمران بيع كما بحثه بعض المتأخرين لما في البيع من قلة الكلفة
( ومن أخذ لقطة للحفظ أبدا ) وهو أهل لذلك ( فهي أمانة ) في يده وكذا درها ونسلها لأنه يحفظها لمالكها فأشبه المودع
( فإن دفعها إلى القاضي لزمه القبول ) حفظا لها على صاحبها وكذا من أخذ للتملك ثم بدا له فإن أراد دفعها إلى الحاكم يلزمه القبول بخلاف الوديعة من غير ضرورة لا يلزمه القبول لقدرة المودع على الرد إلى المالك
( ولم يوجب الأكثرون ) من الأصحاب ( التعريف والحالة هذه ) وهي أخذ اللقطة للحفظ أبدا لأن الشرع إنما أوجبه لما جعل له التملك بعده
ورجح الإمام و الغزالي وغيرهما وجوبه وهذا هو المعتمد كما صححه
____________________
(2/411)
المصنف في شرح مسلم وقال في زيادة الروضة إنه الأقوى المختار وفي كلام المصنف إشارة إليه بعزوه عدم التعريف إلى الأكثرين ولم يقل على الأصح كعادته وقال الأذرعي الصحيح الوجوب لأن كتمانها يفوتها على صاحبها
فإن قيل مالكها ينشدها فيعلم به آخذها للحفظ
أجيب بأنها قد تسقط من عابر سبيل وممن لا يمكنه ذلك لعارض مرض أو جنون أو حبس أو موت أو غيرها وإن أراد التخلص من تعب التعريف دفعها إلى حاكم أمين وإذا عرفها ثم بدا له قصد التملك عرفها سنة من يومئذ ولا يعتد بما عرفه قبل على الأصح سواء قلنا بوجوب التعريف أم لا
( فلو قصد بعد ذلك ) الأخذ الذي للحفظ أبدا وكذا بعد الأخذ للتملك ( خيانة ) فيما التقطه ( لم يصر ) بمجرد قصد الخيانة ( ضامنا في الأصح ) حتى يتحقق ذلك القصد بالفعل كالمودع
والثاني يضمن
وخرج ب قصد ما لو فعل الخيانة فإنه يصير ضامنا أو جزما
تنبيه متى صار الملتقط ضامنا في الدوام بحقيقة الخيانة أو بقصدها ثم أقلع وأراد أن يعرفها ويتملك كان له ذلك على الأصح في أصل الروضة وبه جزم القاضي الحسين وهذا بخلاف ما إذا قصد الخيانة ابتداء كما قال ( وإن أخذه بقصد الخيانة فضامن ) عملا بقصده المقارن لفعله ( وليس له بعده ) أي الأخذ خيانة ( أن يعرف ويتملك ) بعد التعريف ( على المذهب ) نظرا للإبتداء كالغاصب
وفي وجه من الطريق الثاني له ذلك نظرا لوجود صورة الإلتقاط ولو سلمها للحاكم برىء من الضمان كما هو شأن الغاصب
( وإن أخذ ليعرف ويتملك ) بعد التعريف ( فأمانة مدة التعريف وكذا بعدها ما لم يختر التملك في الأصح ) كما قبل مدة التعريف
والثاني وبه قال الإمام و الغزالي تصير مضمونة عليه إذا كان غرم التملك مطردا كالمستام
وفرق الأول بأن المستام مأخوذ لحظ آخذه حين أخذه بخلاف اللقطة
تنبيه بقي من أحوال المسألة ما إذا أخذ لا بقصد خيانة ولا أمانة أو بقصد أحدهما ونسيه وحكمهما أن لا تكون مضمونة وله التملك بشرطه اتفاقا قاله الإمام وتابعاه
( ويعرف ) الملتقط بفتح الياء بخطه من المعرفة وهي العلم ( جنسها ) أي اللقطة من قد أو غيره ونوعها من كونها أشرفية أو فلورية ( وصفتها ) من صحة وتكسر ونحوهما ( وقدرها ) بكيل أو وزن أو ذرع أو عد ( وعفاصها ) بكسر العين بخطه وهو الوعاء من جلد وغيره قال الخطابي وأصله الجلد الذي يلبس رأس القارورة ثم أطلق على الوعاء توسعا
( ووكاءها ) بكسر الواو والمد بخطه وهو ما يربط به من خيط أو غيره لخبر زيد السابق وقيس بما فيه غيره وليعرف صدق واصفها وهذه المعرفة تكون عقب الأخذ كما قاله المتولي وغيره وهي سنة كما قاله الأذرعي وغيره وهو المعتمد كما هو قضية كلام الجمهور وفي الكافي أنها واجبة وجرى عليه ابن الرفعة
ويندب كتب الأوصاف قال الماوردي وأنها التقطها في وقت كذا
( ثم يعرفها ) بضم أوله وكسر ثالثه المشدد من التعريف وهذا واجب إن قصد التملك قطعا وإلا فعلى ما سبق
ويستثنى من التعريف كما قاله المصنف في نكته تبعا للجيلي ما لو كان السلطان ظالما بحيث يعلم أو يغلب على الظن أنه إذا عرفها أخذها فلا يجوز التعريف حينئذ بل تكون أمانة في يده وقضيته أنه لا يتملك بعد السنة وهو كذلك كما صرح به الغزالي في فتاويه وإن كان مقتضى كلام ابن الصباغ أنه يتملك بعدها
تنبيه أفهم قوله ثم يعرفها أمرين أحدهما أن المبادرة بالتعريف عقب الإلتقاط لا تجب وهو كذلك على الأصح في أصل الروضة وقال البلقيني محل جواز التأخير ما لم يغلب على ظن الملتقط أنه يفوت معرفة المالك بالتأخير فإن غلب على ظنه ذلك وجب البدار ولم يتعرضوا له اه
وهذا ظاهر
وإذا لم يوجب المبادرة ينبغي كما قال بعض المتأخرين أن يؤرخ وجدان اللقطة في تعريفه ويسنده إلى وقته حتى يكون ذلك في معاوضة ما جرى من التأخير المنسي
الثاني أنه يتعين تعريفها بنفسه وليس مرادا بل له ذلك بمأذونه أيضا ولكن لا يسلمها له
ويشترط كون المعرف عاقلا غير
____________________
(2/412)
مشهور بالخلاعة والمجون وهو أن لا يبالي الإنسان بما صنع قاله الجوهري
قال ابن الرفعة ولا يشترط فيه العدالة إذا حصل الوثوق بقوله
ثم أشار إلى مكان التعريف بقوله ( في الأسواق ) عند قيامها في بلد 4 الإلتقاط ( و ) في ( أبواب المساجد ) عند خروج الناس ( ونحوها ) من المجامع والمحافل ومحال الرجال ومناخ الأسفار لأن ذلك أقرب إلى وجود صاحبها
ويجب التعريف في الموضع الذي وجدها فيه وليكثر منه فيه لأن طلب الشيء في مكانه أكثر
خرج بقوله أبواب المساجد المساجد فيكره التعريف فيها كما جزم به في المجموع وإن أفهم كلام الروضة التحريم إلا المسجد الحرام فلا يكره التعريف فيه اعتبارا بالعرف ولأنه مجمع الناس ومقتضى ذلك أن مسجد المدينة والأقصى كذلك
ولو أراد سفرا استناب بإذن الحاكم من يحفظها ويعرفها فإن سافر بها أو استناب بغير إذن الحاكم مع وجوده ضمن لتقصيره
وإن التقط في الصحراء
وهناك قافلة تبعها وعرف فيها إذ لا فائدة في التعريف في الأماكن الخالية
فإن لم يرد ذلك ففي بلدة يقصدها قربت أو بعدت سواء أقصدها ابتداء أم لا حتى لو قصد بعد قصده الأول بلدة أخرى ولو بلدته التي سافر منها عرف فيها ولا يكلف العدول عنها إلى أقرب البلاد إلى ذلك المكان
وقوله ( سنة ) أي من يوم التعريف بيان لمدة التعريف لخبر زيد المار وقيس بما فيه غيره
والمعنى في ذلك أن السنة لا يتأخر فيها القوافل غالبا وتمضي فيها الفصول الأربعة قال ابن أبي هريرة ولأنه لو لم يعرف سنة لضاعت الأموال على أربابها ولو جعل التعريف أبدا لامتنع من الإلتقاط فكأن في السنة نظرا للفريقين معا
وشرط ذلك في الأموال الكثيرة وأما القليلة فستأتي
ولو التقط اثنان لقطة عرفها كل واحد نصف سنة كما قال السبكي إنه الأشبه وإن خالف في ذلك ابن الرفعة لأنها لقطة واحدة والتعريف من كل منهما لكلها لا لنصفها لأنها إنما تقسم بينهما عند التملك
قال الزركشي ويستثنى من إيجاب السنة لقطة دار الحرب وقضية نص الشافعي الإكتفاء بتعريفها هناك فإن لم يجد من يعرفها ردت إلى المغنم
تنبيه قد يتصور التعريف سنتين وذلك إذا قصد الحفظ فعرفها سنة ثم قصد التملك فإنه لا بد من تعريفه سنة من حينئذ كما مرت الإشارة إليه
ولا يجب أن يستوفي السنة بالتعريف كل يوم بل ( على العادة ) زمانا ومكانا وقررا ( يعرف أولا ) أي أول سنة التعريف ( كل يوم ) مرتين ( طرفي النهار ) لا ليلا ولا وقت القيلولة ( ثم ) يعرف ( كل يوم مرة ثم كل أسبوع ) مرة أو مرتين كما في المحرر ( ثم كل شهر ) مرة تقريبا في الجميع بحيث لا ينسى أن الأخير تكرير الأول كما في الشرحين والروضة
وإنما جعل التعريف في الأزمنة الأول أكثر لأن تطلب المالك فيها أكثر وسكتا في الروضة وأصلها عن بيان المدة في ذلك وفي المهذب ذكر الأسبوع في المدة الأولى قال الشارح ويقاس بها الثانية
قال الزركشي قيل ومرادهم أنه يعرف كل يوم من هذه المدة ثلاثة أشهر
ولو مات الملتقط في أثناء السنة بنى وارثه على ذلك كما بحثه الزركشي
( ولا تكفي ) في التعريف ( سنة متفرقة في الأصح ) في المحرر وعبارته والأحسن لأن المفهوم من السنة في الخبر التوالي كما لو حلف لا يكلم زيدا سنة وعلى هذا إذا قطع التعريف مدة استأنف ولا يبني
( قلت الأصح تكفي ) السنة المفرقة في التعريف ( والله أعلم ) لإطلاق الخبر وكما لو نذر صوم سنة فإنه يجوز تفريقها
وعلى هذا لا بد أن يبين في التعريف زمان الوجدان حتى يكون ذلك في مقابلة ما جرى من التأخير كما قاله الإمام قال وتساهل بعض أصحابنا فجعل التاريخ مستحبا
ويقول في تعريفها كما في التنبيه من ضاع له شيء
فصل ( ويذكر ) ندبا ( بعض أوصافها ) كما يذكر جنسها فيقول من ضاع له دنانير أو عفاصها أو وكاءها لأنه أقرب إلى الظفر بالمالك
ولا يستوفيها لئلا يعتمدها كاذب فإن استوفاها حرم عليه كما جزم به الأذرعي وضمن لأنه قد يرفعه إلى من يلزمه الدفع بالصفات
ويفارق هذا ما مر أول الباب من أنه يجوز استيفاؤها في الإشهاد لحصر الشهود وعدم التهمة
( ولا يلزمه مؤنة التعريف إن أخذ ) اللقطة ( لحفظ ) لها على مالكها بناء على وجوب
____________________
(2/413)
التعريف السابق إذ الحظ لمالكها فقط
( بل يرتبها القاضي من بيت المال ) قال ابن الرفعة قرضا
وقال الأذرعي الأقرب أنه إنفاق ويدل له قول المصنف ( أو يقترض على المالك ) وهذا هو الذي يدل عليه كلام الأصحاب
أما إذا قلنا لا يجب التعريف فالملتقط متبرع إن عرف وللقاضي أن يأمر الملتقط بصرف المؤنة من ماله ليرجع على المالك أو يبيع بعضها إن رآه كما لو هرب الجمال
( وإن أخذ ) اللقطة ( لتملك ) وجب عليه تعريفها جزما كما مر و ( لزمته ) مؤنة التعريف سواء أتملكها أم لا لأن الحظ له
( وقيل إن لم يتملك ) أي اللقطة كأن ظهر مالكها ( فعلى المالك ) لعود الفائدة إليه
تنبيه ظاهر كلام المصنف أنه إذا تملك ثم ظهر المالك ورجع فيها لم يجيء هذا الوجه
وتعبير الروضة والشرحين بظهور المالك يشمل ظهوره بعد التملك قال السبكي وهو أحسن فإنه متى ظهر قبل التملك أو بعده رجع على هذا الوجه قال فلو قال المنهاج وقيل إن ظهر المالك فعليه لكان أخلص اه
وكالتملك قصد الاختصاص وقصد الإلتقاط للخيانة
وما ذكره المصنف هو في مطلق التصرف أما لو التقط محجور عليه بسفه أو صبي أو جنون فليس لوليه إخراج مؤنة التعريف من ماله كما مرت الإشارة إليه بل يرفع الأمر إلى الحاكم فيبيع جزءا من اللقطة المؤنة التعريف وإن قال الأذرعي في النفس منه شيء
( والأصح أن الحقير ) أي القليل المتمول ولا يقدر بشيء في الأصح بل ما هو ما يغلب على الظن أن فاقده لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبا لأن ذلك دليل على حقارته
وقدر بالدينار وقدر بالدرهم كما في التنبيه لقول عائشة رضي الله تعالى عنها لا بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به وقدر بما لا تقطع فيه يد السارق
( لا يعرف سنة ) لأن فاقده لا يدوم على طلبه سنة بخلاف الخطير
والثاني يعرف سنة لعموم الأخبار ولأنها جهة من جهات التملك فاستوى فيها القليل والكثير
قال الأذرعي وهذا هو المذهب المنصوص وقول الجمهور قال ويشكل على ترجيح الرافعي الفرق بين الحقير وغيره قوله إن الأكثر قالوا إن ما ليس بمال كالكلب الذي فيه منفعة يقتنى لها يعرف سنة ثم يختص به اه
وهذا ليس بمشكل لأن الكلب ونحوه من الاختصاصات يكثر عليه الأسف فإن فرض قلته عليه فهو داخل في قول المصنف ( بل ) الأصح يعرفه ( زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه غالبا ) ويختلف ذلك باختلاف المال وأما غيره فسيأتي الكلام عليه قال الروياني فدانق الفضة يعرف في الحال ودانق الذهب يوما أو يومين أو ثلاثة
تنبيه عبارة الروضة والشرحين مدة يظن في مثلها طلب فاقدها فإذا غلب على الظن إعراضه سقط وهذه العبارة ظاهرة
فإن قيل كان ينبغي للمصنف أن يقول لا يعرض أو يقول إلى زمن
أجيب بأن لا تقدر في الكلام الفصيح كما قدرت في قوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه فدية } كما عليه أكثر المفسرين وبأن زمنا منصوب عطفا على سنة أي لا يعرفها إلى سنة بل إلى زمن إلخ لأن بل لا تعطف الجمل بل هي معها حرف ابتداء وقد مرت الإشارة إلى ذلك في كتاب الطهارة عند قول المصنف بل يخلطان
ومقابل الأصح يكفي مرة لأنه يخرج بها عن حد الكتمان وقيل لا يجب تعريف القليل أصلا
أما ما لا يتمول كحبة بر وزبيبة لم يجب تعريفه ويستبد به واجده فقد قيل إن عمر رضي الله تعالى عنه سمع رجلا ينشد في الطواف زبيبة فقال إن من الورع ما يمقته الله ومر صلى الله عليه وسلم مرة بتمرة في الطريق فقال لولا أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها
ولكن هل يزول ملك صاحبه عنه إذا وقع فيه وجهان في الوافي والأصح أن ملكه لا يزول بذلك بدليل ما قالوه فيما لو حمل السيل حبة أو نواة إلى أرض غيره فإنه يلزمه قلعها وإن أعرض عنها فهي لمالك الأرض فعلم أنه لا يزول ملكه إلا بالإعراض
فإن قيل إذا لم يزل ملكه إلا بالإعراض فكيف يستبد به واجده أجيب بأن هذا من المباح المستفاد بالعادة كالشرب من الأنهار وأما التقاط السنابل ونحوها في وقت الحصاد فيجوز إذا ظن إعراض المالك عنها أو ظن رضاه بأخذها وإلا فلا
ولا
____________________
(2/414)
فرق بين أن يكون الآخذ من أهل الزكاة أم لا وإن خالف في الثاني الزركشي لأن هذا القدر يغتفر كما جرى عليه السلف والخلف
ولو التقط كلبا يفتنى أو خمرا محترمة أو زبلا كثيرا عرفه سنة أو ما يليق به ثم اختص به فإن ظهر صاحبه وكان باقيا أخذه وإلا فلا شيء له
فصل فيما تملك به اللقطة ( إذا عرف ) ملتقطها للتملك ( سنة ) على العادة أو دونها على ما مر جاز له التملك
( لم يملكها ) بذلك ( حتى يختاره ) أي التملك ( بلفظ ) من ناطق يدل على التملك ( كتملكت ) ما التقطته لأنه تمليك مال ببدل فافتقر إلى ذلك كالشفيع ويملكه بذلك ولو لم يتصرف فيه كالقرض
وهذا فيما يملك وأما غيره كالكلب والخمر فلا بد فيه من اختيار نقل الاختصاص الذي كان لغيره لنفسه كما قاله ابن الرفعة
أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة كسائر عقوده كما قاله الزركشي وكذا الكناية مع النية والظاهر كما قال شيخنا أن ولد اللقطة كاللقطة إن كانت حاملا عند التقاطها وانفصل منها قبل تملكها وإلا ملكه تبعا لأمه وعليه يحمل قول من قال إنه يملك بعد التعريف لأمه أي وتملكها
( وقيل تكفي ) بعد التعريف ( النية ) أي تجديد قصد التملك من غير لفظ لفقد الإيجاب
( وقيل ) قال الأذرعي وهو ظاهر نص الأم والمختصر ( يملك ) اللقطة ( بمضي السنة ) بعد التعريف اكتفاء بقصده عند الأخذ للتملك بعد التعريف
تنبيه لا فرق عندنا في جواز تملك اللقطة بين الهاشمي وغيره ولا بين الفقير وغيره
وقال أبو حنيفة لا يجوز تملكها لمن لا تحل له الصدقة
وقال مالك لا يجوز تملكها للفقير خشية ضياعها عند طلبها
ويستثنى من التملك مسائل لا يتأتى فيها التملك منها الجارية التي تحل للملتقط فإنه لا يتملكها بناء على أنه لا يصح التقاطها للتملك كما مر لأنه لا يجوز له استقراضها على الراجح فعلى هذا تلتقط للحفظ فقط وفي تعريفها الخلاف السابق
فإن قيل ينبغي أن تعرف وبعد الحول تباع ويتملك ثمنها كما لو التقط ما يتسارع إليه الفساد فإنه يبيعه ويتملك ثمنه بعد المدة
أجيب بأنه إنما يتبع في ذلك مصلحة المالك وقد لا يكون له مصلحة في بيع الأمة
ومنها ما لو دفعها إلى الحاكم وترك التعريف والتملك ثم ندم وأراد أن يعرف ويتملك فإنه لا يمكن لأنه أسقط حقه قاله في زيادة الروضة
ومنها ما لو أخذ للخيانة كما مر
ومنها لقطة الحرم كما سيأتي
( فإن تملك ) الملتقط اللقطة ( فظهر المالك ) لها وهي باقية بحالها ولم يتعلق بها حق لازم يمنع بيعها كما في القرض ( واتفقا على رد عينها ) أو بدلها ( فذاك ) ظاهر إذ الحق لا يعدوهما ويجب على الملتقط ردها إلى مالكها إذا علمه ولم يتعلق بها حق لازم قبل طلبه في الأصح كما قاله الرافعي في باب الوديعة ومؤنة الرد على الملتقط لأنه قبض العين لغرض نفسه
أما إذا حصل الرد قبل تملكها فمؤنة الرد على مالكها كما قاله الماوردي ( وإن أرادها المالك وأراد الملتقط العدول إلى بدلها أجيب المالك في الأصح ) كالقرض بل أولى ولخبر الصحيحين فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه
والثاني يجاب الملتقط لأنه ملكها كما قيل به في القرض
تنبيه لو جاء المالك وقد بيعت اللقطة بشرط الخيار أو كان خيار المجلس باقيا كان له الفسخ وأخذها إن لم يكن الخيار للمشتري فقط كما جزم به ابن المقري لاستحقاقه الرجوع لعين ماله مع بقائه أما إذا كان الخيار للمشتري فقط فلا رجوع له كالبائع وكذا لو تعلق بها حق رهن أو كتابة
وإذا ردها الملتقط سليمة أو معيبة مع الأرش لزم المالك القبول ويتعين ردها بالزوائد المتصلة وإن حدثت بعد التملك تبعا للأصل بل لو حدثت قبله ثم انفصلت ردها كنظيره من الرد بالعيب وغيره فلو التقط حائلا فحملت قبل تملكها ثم ولدت رد الولد مع الأم
أما الزوائد المنفصلة الحادثة بعد التملك فهي للملتقط لحدوثها على ملكه ومقتضى هذا أن الأمة لو ولدت عنده رقيقا أنه يجوز التفريق
____________________
(2/415)
قال الزركشي وفيه نظر اه
والظاهر أنه لا يجوز نظير ما في التفريق بالفسخ وتقدم فيه خلاف
وتقدم في الرد بالعيب أن الحمل الحادث بعد الشراء كالمنفصل فيكون الحادث هنا بعد التملك للملتقط
( وإن ) جاء المالك وقد ( تلفت ) تلك اللقطة حسا أو شرعا بعد التملك ( غرم مثلها ) إن كانت مثلية ( أو قيمتها ) إن كانت متقومة لأنه تمليك يتعلق به العوض فأشبه البيع والقيمة تعتبر ( يوم التملك ) لها لأنه يوم دخول العين في ضمانه وقيل يوم المطالبة بها
تنبيه قال ابن الرفعة وقضية قولهم إنه يملك اللقطة كملك القرض أن يكون الواجب فيما له مثل صوري رد المثل في الأصح
قال الأذرعي ولا يبعد الفرق بين البابين اه
ولعل الفرق أن المالك في القرض دفع ماله باختياره فنفسه مطمئنة على أن المقترض يرد له مثل ما أخذ
وأما اللقطة فالقيمة فيها قد تكون في يوم التملك أكثر من قيمة المردود فيفوت ذلك على المالك فيتضرر به وحينئذ يظهر أن الفرق بين البابين أظهر
ولو قال الملتقط للمالك بعد التلف كنت أمسكتها لك وقلنا بالأصح أنه لا يملكها إلا باختيار التملك لم يضمنها وكذا لو قال لم أقصد شيئا فإن كذبه المالك في ذلك صدق الملتقط بيمينه لأن الأصل براءة ذمته
أما التلف قبل التملك من غير تفريط فلا ضمان فيه على الملتقط كالمودع ولو عين الملتقط البدل عند إباحة إتلاف اللقطة كأكل الشاة الملتقطة في المفازة فتلفت سقط حق المالك بتلف القيمة أي والمثل للصورة كما نقله الرافعي في الكلام على الطعام عن نص الأصحاب
هذا كله في المملوك أما الإختصاصات كالخمر المحترمة والكلب النافع فلا يضمن أعيانها ولا منافعها
( وإن ) جاء وقد ( نقصت بعيب ) أو نحوه حدث بعد تملكها ( فله ) أي مالكها ( أخذها مع الأرش في الأصح ) لأن الكل مضمون فكذا البعض لأن الأصل المقرر أن ما ضمن كله بالتلف ضمن بعضه عند النقص
ولم يخرج عن هذا إلا مسألة الشاة المعجلة فإنها تضمن بالتلف وإن نقصت لم يجب أرشها
والثاني لا أرش له وله على الوجهين الرجوع إلى بدلها سليمة
ولو أراد المالك بدلها وقال الملتقط أضم إليها الأرش وأردها أجيب الملتقط على الأصح
( وإذا ادعاها رجل ) مثلا ( ولم يصفها ) بصفاتها السابقة ( ولا بينة ) له بها مما يثبت بها الملك كالشاهد واليمين ولم يعلم الملتقط أنها له ( لم تدفع إليه ) لحديث لو أعطي الناس بدعواهم الحديث فإن أقام بينة بذلك عند الحاكم كما قاله في الكفاية ولا يكفي إخبارها للملتقط أو علم أنها له وجب عليه دفعها إليه وعليه العهدة لا إن ألزمه بتسليمها بالوصف حاكم ( وإذا وصفها ) مدعيها وهو واحد بما يحيط بجميع صفاتها ( وظن ملتقطها صدقه جاز ) له ( الدفع إليه ) جزما عملا بظنه بل نص الشافعي على استحبابه
( ولا يجب على المذهب ) لأنه مدع يحتاج إلى بينة كغيره
وفي وجه من الطريق الثاني يجب لأن إقامة البينة عليها قد تعسر
أما إذا وصفها جماعة فقال القاضي أبو الطيب أجمعنا على أنها لا تسلم إليهم
ولو ادعاها اثنان وأقام كل منهما بينة بأنها له تعارضتا
تنبيه احترز بقوله وظن صدقة عما إذا لم يغلب على الظن صدقة فإنه لا يجب الدفع اتفاقا ولا يجوز على المشهور
ولو تلف اللقطة فشهدت البينة على وصفها ثبتت ودفع إليه بدلها كما حكاه ابن كج عن النص ولو قال له المالك تعلم أنها لي فله أن يحلف أنه لا يعلم ذلك قاله الرافعي
( فإن دفع ) اللقطة لواصفها بمجرد الوصف من غير إجبار حاكم يراه ( فأقام آخر بينة بها ) أي بأنها ملكه وأنها لا تعلم أنها انتقلت منه كما قاله الشيخ أبو حامد وغيره ( حولت ) من الأول ( إليه ) لأن البينة حجة توجب الدفع فقدمت على الوصف المجرد
( فإن تلفت عنده ) أي الواصف للقطة ( فلصاحب البينة ) بأن اللقطة له ( تضمين الملتقط ) لأنه سلم ما لم يكن له تسليمه أما إذا ألزمه بالدفع حاكم يراه فلا ضمان عليه
____________________
(2/416)
لعدم تقصيره ( و ) له مطالبة ( المدفوع إليه ) اللقطة لأنه أخذ ما لم يكن له أخذه
نعم لو كانت اللقطة قد أتلفها الملتقط بعد التملك ثم ادعاها بعد وصفها فسلم إليه البدل ثم جاء آخر فأقام بينة بها لم يرجع على المدفوع إليه لتلفه في يده لأن الذي حصل في يده مال الملتقط لا مال المدعي
( و ) إذا كان له تغريم المدفوع إليه ف ( القرار عليه ) لتلفه في يده
نعم لو كان الملتقط قد أقر للواصف بالملك ثم غرم صاحب البينة الملتقط لم يرجع على المدفوع إليه لأنه يزعم أن المدعي ظلمه والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه
ولما كان كلام المحرر في تملك اللقطة شاملا للقطة الحرم أشار المصنف لإخراجها بقوله ( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ( لا تحل لقطة الحرم ) وفي الروضة وأصلها مكة وحرمها ( للتملك ) بل للحفظ أبدا ( على الصحيح ) المنصوص لخبر الصحيحين إن هذا البلد حرمه الله لا يلتقط لقطته إلا من عرفها وفي رواية للبخاري لا تحل لقطته إلا لمنشد قال الشافعي رضي الله تعالى عنه أي لمعرف ففرق صلى الله عليه وسلم بينها وبين غيرها وأخبر أنها لا تحل إلا للتعريف
ولم يوقت في التعريف بسنة كغيرها فدل على أنه أراد التعريف على الدوام وإلا فلا فائدة في التخصيص
والمعنى فيه أن حرم مكة شرفها الله تعالى مثابة للناس يعودون إليه المرة بعد الأخرى فربما يعود مالكها من أجلها أو يبعث في طلبها فكأنه جعل ماله به محفوظا عليه كما غلظت الدية فيه
والثاني تحل
والمراد بالخبر تأكيد التعريف لها سنة لئلا يظن الإكتفاء بتعريفها في الموسم لكثرة الناس فيه
تنبيه محل الخلاف في المتمول أما غيره فيستبد به واجدة كما هو ظاهر وإن لم أر من تعرض له
وكان ينبغي للمصنف أن يعبر كعبارة الروضة المتقدمة ليخرج حرم المدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام فإنه ليس كحرم مكة كما اقتضاه كلام الجمهور وصرح به الدارمي و الروياني وإن سوى بينهما البلقيني وليست لقطة عرفة ومصلى إبراهيم كلقطة الحرم وحكايته الخلاف وجهين موافق للروضة ومخالف للشرحين في حكايته قولين
( ويجب تعريفها ) عند التقاطها للحفظ للخبر المار
وقوله ( قطعا ) زيادة على الرافعي في الشرح ( والله أعلم ) ولا يجيء فيه الوجه المتقدم فيمن التقط للحفظ
ونقل في زيادة الروضة عن الأصحاب أنه يلزم الملتقط الإقامة للتعريف أو دفعها للحاكم قال ابن المقري وقد يجيء هذا التخيير في كل ما التقط للحفظ
خاتمة لو أخذ اللقطة اثنان فترك أحدهما حقه من الإلتقاط للآخر لم يسقط وإن أقام كل منهما بينة بأنه الملتقط ولم يسبق تاريخ لهما تعارضتا
ولو سقطت من الملتقط لها فالتقطها آخر فالأول أولى بها منه لسبقه
ولو أمر واحد آخر بالتقاط لقطة رآها فأخذها فهي للآمر إن قصده الآخر ولو مع نفسه وإلا فهي له ولا يشكل هذا بما مر في الوكالة من عدم صحتها في الإلتقاط لأن ذلك في عموم الإلتقاط وهذا في خصوص لقطة وجدت فالأمر يأخذها استعانة مجردة على تناول شيء معين
وإن رآها مطروحة فدفعها برجله وتركها ضاعت لم يضمنها لأنها لم تحصل في يده
ولو أخذ خمرا أراقها صاحبها فتخللت عنده ملكها بلا تعريف لها وقيل تخللها عليه إذا جمعها إراقتها إلا إذا علم أنها محترمة فيعرفها كالكلب المحترم
كتاب اللقيط فعيل بمعنى مفعول كجريح وقتيل ويسمى ملقوطا باعتبار أنه يلقط ومنبوذا باعتبار أنه ينبذ إذا ألقي في الطريق ونحوه ويسمى دعيا أيضا
والأصل فيه مع ما يأتي قوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } وقوله تعالى { وافعلوا الخير }
____________________
(2/417)
وأركان اللقيط الشرعي ثلاثة التقاط ولقيط وملتقط
وقد بدأ بالركن الأول فقال ( التقاط ) أي أخذ ( المنبوذ ) بالمعجمة ( فرض كفاية ) لقوله تعالى { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } إذ بإحيائها يسقط الحرج عن الناس فإحياؤهم بالنجاة من العذاب ولأنه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام غيره بل أولى لأن البالغ العاقل ربما احتال لنفسه
وفارق اللقطة حيث لا يجب التقاطها بأن المغلب عليها الإكتساب والنفس تميل إليه فاستغنى بذلك عن الوجوب كالنكاح والوطء فيه
فلو لم يعلم بالمنبوذ إلا واحد لزمه أخذه فلو لم يلتقطه حتى علم به غيره فهل يجب عليهما كما لو علما معا أو على الأول فقط أبدى ابن الرفعة فيه احتمالين قال السبكي والذي يجب القطع به أنه يجب عليهما
( ويجب الإشهاد عليه ) أي التقاطه ( في الأصح ) وإن كان ظاهر العدالة خوفا من أن يسترقه
والثاني لا يجب اعتمادا على الأمانة كاللقطة
وأجاب الأول بأن الغرض منها المال والإشهاد في التصرف المالي مستحب ومن اللقيط حريته ونسبه فوجب الإشهاد كما في النكاح وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ولا تعريف في اللقيط ويجب الإشهاد أيضا على ما معه تبعا له ولئلا يتملكه
وقيد الماوردي وجوب الإشهاد عليه وعلى ما معه بالملتقط بنفسه
أما من سلمه الحاكم له فالإشهاد مستحب له فقط قال شيخنا وهو ظاهر
وأما الركن الثاني وهو اللقيط فهو صغير منبوذ في شارع أو مسجد أو نحو ذلك لا كافل له معلوم ولو مميزا لحاجته إلى التعهد
وإن أفهم التعبير بالمنبوذ اختصاصه بغير المميز فإن المنبوذ وهو الذي ينبذ دون التمييز ونبذه في الغالب إما لكونه من فاحشة خوفا من العار أو للعجز عن مؤنته فإن فقد النبذ رد إلى القاضي لقيامه مقام كافله فيسلمه إلى من يقوم به كما يقوم بحفظ مال الغائبين أو وجد له كافل ولو ملتقطا رد إليه
وخرج بالصبي البالغ لاستغنائه عن الحفظ
نعم المجنون كالصبي وإنما ذكروا الصبي لأنه الغالب قاله السبكي وغيره
ثم شرع في الركن الثالث وهو الملتقط فقال ( وإنما تثبت ولاية الإلتقاط ) أي حضانة اللقيط ( لمكلف حر ) ذكر أو أنثى ولكن الإناث أليق بها
غني أو فقير ( مسلم ) إن كان اللقيط محكوما بإسلامه ( عدل ) لأنها ولاية على الغير فاعتبر فيها الأوصاف المذكورة كولاية القضاء فإن كان محكوما بكفره بالدار فللكافر التقاطه لأنه من أهل الولاية عليه
تنبيه مقتضى كلامهم جواز التقاط اليهودي للنصراني وعكسه وهو كذلك كالإرث وإن قال ابن الرفعة لم أره منقولا
وقوله ( رشيد ) مستغنى عنه بعدل كما يستغنى عن مكلف بعدل ومراده العدالة الباطنة والظاهرة ليدخل المستور كما يؤخذ من قوله الآتي
ويقدم عدل على مستور ولا تفتقر ولاية الإلتقاط إلى إذن الحاكم لكن يستحب دفعه إليه
نعم لو وجده فأعطاه غيره لم يجز حتى يدفعه إلى الحاكم كما قاله الدارمي
ثم شرع في ذكر محترزات ما تقدم فذكر محترز حر في قوله ( ولو التقط ) رقيق ( عبد ) أو أمة مدبر أو معلق عتقه بصفة أو أم ولد أو مكاتب ( بغير إذن سيده انتزع ) اللقيط ( منه ) لأن الحضانة تبرع وليس هو من أهلها ( فإن علمه ) أي السيد ( فأقره عنده أي التقط بإذنه فالسيد ) هو ( الملتقط ) وهو نائبه في الأخذ والتربية إذ يده كيده ولا بد أن يكون أهلا للترك في يده
قال الماوردي وهذا قبل الرفع إلى الحاكم أما بعده فيدفعه إلى من يراه إذ لا حق للسيد فيه اه
وفي الحالة الثانية نظر إذ السيد هو الملتقط
ولو قال السيد للمكاتب التقط لي فالسيد هو الملتقط وهو المبعض إذا التقط في نوبته وجهان أصحهما عدم الصحة كما قاله الروياني لأن الحضانة ولاية ولا ولاية للمبعض بخلاف اللقطة فإن لم يكن بينه وبين السيد مهايأة أو التقط في نوبة السيد فالتقاطه كالقن كما صرح به الماوردي وذكر محترز مكلف عدل رشيد في قوله ( ولو التقط صبي ) أو مجنون ( أو فاسق أو محجور عليه ) بسفه ( أو كافر مسلما انتزع منه ) لعدم أهلية الصبي والمجنون وتهمة الفاسق
____________________
(2/418)
والمحجور عليه بسفه وعدم ولاية الكافر على المسلم والمنتزع منهم هو الحاكم كما قاله شارح التعجيز
وخرج ب مسلم المحكوم بكفره فإنه يقر بيده كما مر وكذا بيد المسلم كما سيأتي
( ولو ازدحم اثنان ) كل منهما أهل لالتقاطه ( على أخذه ) متعلق ب ازدحم وذلك بأن يقول كل منهما أنا آخذه ( جعله الحاكم عند من يراه منهما أو ) عند من يراه ( من غيرهما ) لأنه لا حق لهما قبل أخذه فيفعل الأحظ له
( وإن سبق واحد ) منهما ( فالتقطه منع الآخر من مزاحمته ) لقوله صلى الله عليه وسلم من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به رواه أبو داود
وخرج بقوله فالتقطه ما لو سبق إلى الوقوف عنده ولم يأخذه فإنه لا حق له
( وإن التقطاه معا ) أي في زمن واحد وإن لم يجب ذلك في معنى مع لأنها تأتي بمعنى جميع ( وهما أهل ) لالتقاطه ( فالأصح أنه يقدم غني على فقير ) لأنه قد يواسيه بماله
ولو تفاوتا في الغنى لم يقدم أغناهما
نعم لو كان أحدهما بخيلا والآخر جوادا فقياس تقديم الغني أن يقدم الجواد لأن حفظ اللقيط عنده أكثر وظاهر أنه يقدم الغني على الفقير وإن كان الغني بخيلا
والثاني يستوي الغني والفقير لأن نفقة اللقيط لا تجب على ملتقطه
( و ) يقدم ( عدل ) باطنا بكونه مزكى عند حاكم ( على مستور ) أي عدل ظاهرا بأن لم يعلم فسقه ولم يعلم تزكيته عند حاكم أما العدل عند الله فلا يعلمه إلا الله
ويقدم الحر على المكاتب لكماله والبلدي على البدوي
ويستوي المسلم والكافر في التقاط المحكوم بكفره وقيل يقدم المسلم وقيل الكافر ولا تقدم المرأة على الرجل وإن قدمت في الحضانة
تنبيه لو ازدحم على أخذ لقيط ببلد أو قرية ظاعن إلى بادية أو قرية وآخر مقيم فالمقيم أولى لأنه أرفق به وأحوط لنسبه لا على ظاعن يظعن به إلى بلد أخرى بل يستويان بناء على أنه يجوز للمنفرد نقله إلى بلده كما سيأتي
واختار المصنف تقديم قروي مقيم بالقرية على بلدي ظاعن ونقله عن ابن كج لكن منقول الأصحاب أنهما مستويان كما نقله هو تبعا للرافعي
ويقدم حضري على بدوي إذا وجداه بمهلكة ويستويان فيه إذا وجداه بمحلة أو قبيلة أو نحو ذلك
قال الأذرعي ويقدم البصير على الأعمى والسليم على المجذوم والأبرص إن قيل بأهليتهم للإلتقاط
( فإن استويا ) في الصفات المعتبرة وتشاحا ( أقرع ) بينهما على النص لعدم الأولوية ولو كان اللقيط مميزا واختار أحدهما بخلاف تخيير الصبي المميز بين أبويه لتعويلهم ثم على الميل الناشىء عن الولادة وهو معدوم هنا
ولا يهايأ بينهما للإضرار باللقيط ولا يترك في يدهما لتعذر أو تعسر الاجتماع على الحضانة
وقد كانت القرعة في الكفالة في شرع من قبلنا في قصة مريم قال تعالى { إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } أي اقترعت الأحبار على كفالتها بإلقاء أقلامهم ولم يرد في شرعنا ما يخالفه وتقدم الكلام على ذلك هل يكون شرعا لنا أم لا
وليس للقارع ترك حقه للآخر وإن خالف في ذلك الماوردي كما أنه ليس للمنفرد نقله إلى غيره ولو ترك حقه قبل القرعة انفرد به الآخر
( وإذا وجد بلدي ) أو قروي أو بدوي ( لقيطا ببلد ) أو قرية ( فليس له نقله إلى بادية ) لخشونة عيشها وتفويت العلم والدين والصنعة وقيل لضياع النسب ولا فرق بين السفر به للنقلة وغيرها كما قال المتولي وأقراه
نعم لو قربت البادية من البلد أو القرية بحيث يسهل المراد منها جاز النقل إليها لانتفاء العلة صرح به في أصل الروضة
ويمتنع أيضا نقله من بلدة إلى قرية لما مر
تنبيه البادية خلاف الحاضرة لأن الحاضرة المدن والقرى والريف والقرية هي العمارة المجتمعة فإن كبرت سميت بلدا وإن عظمت سميت مدينة والريف هي الأرض التي فيها زرع وخصب
( والأصح أن له ) أي الملتقط ( نقله ) أي اللقيط ( إلى بلد آخر ) بناء على العلة الأولى سواء كانت وطن الملتقط أم لا سافر إليها لنقلة أم لا كما يقتضيه إطلاقه وصرح به المتولي
والثاني يمتنع بناء على العلة الثانية
____________________
(2/419)
تنبيه محل الخلاف عند أمن الطريق وتواصل الأخبار فإن كان مخوفا أو انقطعت الأخبار بينهما لم يقر اللقيط في يده قطعا
ولم يفرق الجمهور بين مسافة القصر ودونها وجعل الماوردي الخلاف في مسافة القصر وقطع فيما دونها بالجواز ومنعه في الكفاية فما عليه الجمهور هو المعتمد
( و ) الأصح ( أن للغريب ) المختبر أمانته ( إذا التقط ببلد أن ينقله إلى بلده ) بهاء الضمير بخطه للمعنى الأصح لتقارب المعيشة
والثاني لا للمعنى الثاني وهو ضياع النسب
تنبيه محل الخلاف في الغريب المختبر أمانته كما مر فإن جهل حاله لم يقر بيده قطعا مع أن هذه المسألة لا حاجة لذكرها لدخولها في المسألة قبلها والنقل من بادية إلى بادية ومن قرية إلى قرية كالنقل من بلد إلى بلد
( وإن وجده ) أي اللقيط بلدي ( ببادية ) في حلة أو قبيلة ( فله نقله إلى ) قرية وإلى ( بلد ) يقصده لأنه أرفق به وقيل وجهان بناء على العلتين فإن كانت البادية في مهلكة فله نقله لمقصده قطعا
( وإن وجده ) قروي أو ( بدوي ببلد فكالحضري ) فإن أراد المقام به أقر بيده أو نقله إلى بلد أو بادية فعلى ما تقدم
( أو ) وجده البدوي ( ببادية أقر بيده ) وإن كان أهل حلته ينتقلون لأنها في حقه كبلدة أو قرية
( وقيل إن كانوا ينتقلون للنجعة ) بضم النون وسكون الجيم وهي الإنتقال في طلب المرعى وغيره ( لم يقر ) لأن فيه تضييعا لنسبه
والبدوي ساكن البادية والحضري ساكن الحضارة وهي خلاف البادية والبلدي ساكن البلد والقروي ساكن القرية
( ونفقته ) أي اللقيط ومؤنة حضانته ليست على الملتقط بل ( في ماله ) كغيره ( العام كوقف على اللقطاء ) والوصية لهم
فإن قيل كيف يصح الوقف عليهم ووجودهم لا يتحقق بخلاف الوقف على الفقراء أجيب بأن الجهة لا يشترط فيها الوجود وإلا لم يصرف إلى من حدث
فإن قيل قد يتوقف في هذا الجواب ويقال لا بد من وجود من يمكن الصرف إليه
أجيب بأن الموقوف عليه الجهة ويكفي إمكانها
تنبيه إضافة المال إلى اللقيط فيه تجوز فإنه في الحقيقة ليس هو ماله بل مال الجهة العامة ولكن المراد أنه يصرف إليه منه وإن لم يكن ملكه لعموم كونه لقيطا أو موصى له وقد يكون المال له بخصوصه كالوقف عليه نفسه أو الهبة أو الوصية له ويقبل له القاضي من ذلك ما يحتاج إلى القبول
( أو ) نفقة اللقيط في ماله ( الخاص وهو ما اختص به كثياب ملفوفة عليه ) وملبوسة له كما صرح به في المحرر وأسقطه من الروضة لفهمه مما ذكر بطريق الأولى
( ومفروشة تحته ) ومغطى بها ودابة مشدودة في وسطه أو عنانها بيده أو راكبا عليها ( وما في جيبه من دراهم وغيرها ) كذهب وحلي ( ومهده ) وهو سريره الذي هو فيه ( ودنانير منثورة فوقه و ) منثورة ( تحته ) لأن له يدا واختصاصا كالبالغ والأصل الحرية ما لم يعرف غيرها
تنبيه قضية كلام المصنف وغيره التخيير في الإنفاق عليه من العام والخاص وهو كذلك وإن قال في التوشيح لم أجد فيه نقلا وقال بعض المتأخرين الأفقه تقديم الخاص فلا ينفق من العام إلا عند فقد الخاص
( وإن وجد في دار ) ونحوها كحانوت ولا يعرف لها مستحق ليس فيها غيره ( فهي ) أي الدار ونحوها ( له ) ليد ولا مزاحم وإن وجد فيها غيره كلقيطين أو لقيط وغيره فهي لهما كما لو كانا على دابة فلو ركبها أحدهما ومسك الآخر زمامها فهي للراكب فقط لتمام الإستيلاء
وفي الروضة عن ابن كج عن أنها بينهما قال الأذرعي وجه والمذهب الصحيح أن اليد للراكب ولو كان على الأرض وزمامها بيده أو مربوطة فيه فهي له وكل ما على الدابة التي حكم بأنها له
ولا يحكم له ببستان وجد فيه في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما رجحه بعض المتأخرين بخلاف الدار لأن سكناها تصرف والحصول في البستان
____________________
(2/420)
ليس تصرفا ولا سكنى
وقضية هذا التعليل أنه إذا كان يسكن عادة يكون كالدار
ولا يحكم له بضيعة وجد فيها كما قال في الروضة ينبغي القطع بأنه لا يحكم له بها
تنبيه المراد بكون ما ذكر له صلاحية التصرف فيه ودفع المنازع له لا أنه طريق للحكم بصحة ملكه ابتداء فلا يسوغ للحاكم بمجرد ذلك أن يقول ثبت عندي أنه ملكه نبه على ذلك الزركشي
( وليس له ) أي اللقيط ( مال مدفون ) ولو كان ( تحته ) وفيه رقعة مكتوب فيها أن الدفين له لأن الكبير العاقل لو كان جالسا على أرض تحتها دفين لم يحكم له به وحكم هذا المال إن كان من دفين الجاهلية فركاز وإلا فلقطة
نعم إن حكم بأن المكان له فهو له مع المكان كما صرح به الدارمي وغيره
قال الأذرعي ولو وجد خيط متصل بالدفين مربوط ببعض بدنه أو ثيابه وجب الجزم بأنه يقضى له به ولا شك فيه إذا انضمت الرقعة إليه
( وكذا ثياب وأمتعة ) ودابة ( موضوعة بقربه ) ليست له ( في الأصح ) لأن يده لا تثبت إلا على ما اتصل به بخلاف الموجود بقرب المكلف فإنه يحكم بملكه له لأن له رعاية
والثاني أنها له عملا بالظاهر
وعلى الأول لو حكم بأن المكان له كان ذلك له مع المكان كما يؤخذ مما مر وصرح به المصنف في نكته
وخرج بقربه البعيدة عنه فلا تكون له جزما
تنبيه لم يتعرضوا لضبط القرب قال السبكي والمحال عليه فيه العرف
( فإن لم يعرف له ) أي اللقيط ( مال ) عام ولا خاص ( فالأظهر أنه ينفق عليه من بيت المال ) من سهم المصالح بلا رجوع كما صرح به في الروضة لأن عمر رضي الله تعالى عنه استشار الصحابة رضي الله عنهم في ذلك فأجمعوا على أنها في بيت المال وقياسا على البالغ المعسر بل أولى
والثاني المنع بل يقترض عليه من بيت المال أو غيره لجواز أن يظهر له مال
( فإن لم يكن ) في بيت المال شيء أو كان وثم ما هو أهم من ذلك كسد ثغر يعظم ضرره لو ترك أو حالت الظلمة دونه اقترض له الإمام من المسلمين في ذمة اللقيط كالمضطر إلى الطعام فإن تعذر الإقتراض ( قام المسلمون بكفايته قرضا ) بالقاف بخطه حتى يثبت لهم الرجوع بما أنفقوا على اللقيط ويقسطها الإمام على الأغنياء منهم ويجعل نفسه منهم فإن تعذر استيعابهم لكثرتهم قسطها على من رآه منهم باجتهاده فإن استووا في اجتهاده تخير فإن ظهر له سيد رجعوا عليه أو ظهر له إذا كان حرا مال أو اكتسبه فالرجوع عليه أو قريب رجع عليه
فإن قيل نفقة القريب تسقط بمضي الزمان فكيف يطالب بها قريبه أجيب بأن النفقة وقعت قرضا بإذن الحاكم والحاكم إذا اقترض النفقة على من تلزمه ثبت الرجوع بها ولا تسقط بمضي الزمان كما صرح به المصنف وغيره في بابها فإن لم يظهر له مال ولا قريب ولا كسب ولا للرقيق سيد فالرجوع على بيت المال من سهم الفقراء أو الغارمين بحسب ما يراه الإمام
وإن حصل في بيت المال شيء قبل بلوغه ويساره قضي منه وإن حصل له مال مع بيت المال معا فمن ماله وسواء فيما ذكر اللقيط المحكوم بإسلامه أم بكفره على الأصح وإن صحح في الكفاية خلافه تبعا للماوردي
( وفي قول ) يقوم المسلمون بكفايته ( نفقة ) لأنه محتاج عاجز وإن قام بها بعضهم اندفع الحرج عن الباقين
تنبيه قوله قرضا و نفقة منصوبان بنزع الخافض أي بالقرض والنفقة أو على التمييز أي من جهة القرض والنفقة
( وللملتقط الاستقلال بحفظ ماله ) أي اللقيط ( في الأصح ) لأنه مستقل بحفظ المالك فماله أولى ومحله كما قال الأذرعي في العدل الذي يجوز إيداع مال اليتيم عنده
والثاني يحتاج إلى إذن القاضي
وعلى الأول ليس له مخاصمة من نازعه فيه إلا بولاية من الحاكم
( ولا ينفق عليه منه ) أي من مال اللقيط ( إلا بإذن القاضي ) لأن ولاية المال لا تثبت لقريب غير الأب والجد فالأجنبي أولى فإن أنفق بغير إذنه ضمن
وقوله ( قطعا ) تبع فيه الإمام وليس في الروضة وأصلها بل فيهما وجه حكاه ابن كج أنه إن أنفق بغير إذنه لم يضمن ومقتضاه أن إذن القاضي ليس شرطا وقد حكى
____________________
(2/421)
الرافعي الخلاف في الدعاوي وحكاه الماوردي هنا
تنبيه محل وجوب مراجعة الحاكم إذا وجده فإن لم يجده أنفق وأشهد وجوبا
وقول ابن الرفعة كل مرة فيه حرج والظاهر أنه لا يكلف ذلك فإن لم يشهد مع الإمكان ضمن
فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها ( إذا وجد لقيط بدار الإسلام ) بأن سكنها المسلمون ( و ) إن كان ( فيها أهل ذمة ) أو معاهدون كما قاله الماوردي وغيره ( أو ) وجد لقيطا ( بدار فتحوها ) أي المسلمون ( وأقروها ) قبل ملكها ( بيد كفار صلحا ) أي على جهته ( أو ) أقرها المسلمون بيد كفار ( بعد ملكها ) عنوة ( بجزية ) أو كانوا يسكنونها ثم جلاهم الكفار عنها ( وفيها مسلم ) في الصور الأربع يمكن أن يولد للمسلم ذلك اللقيط ولو كان المسلم أسيرا منتشرا أو تاجرا أو مجتازا أو نفاه ( حكم بإسلام اللقيط ) في المسائل الأربع تغليبا للإسلام وفي مسند الإمام أحمد و الدارقطني الإسلام يعلو ولا يعلى عليه
تنبيه قوله وفيها أهل ذمة ليس بقيد كما يعلم مما قدرته تبعا للروضة
وقضية كلامه أن يحكم بإسلام اللقيط في دار الإسلام مطلقا وإن لم يكن فيها مسلم وليس مرادا كما يعلم مما قدرته أيضا فقد قال الدارمي إنما يحكم بإسلامه إذا كان في القرية مسلم أما لو كان جميع من فيها كفارا فهو كافر
وقضية كلامه أيضا أن المعطوف على دار الإسلام ليس دار إسلام وليس مرادا فقد صرح في أصل الروضة أن الجميع دار إسلام
وإذا وجد اللقيط بدار الإسلام ولا مشرك فيها كالحرم فهو مسلم ظاهرا وباطنا كما قاله الماوردي وإلا ففي الظاهر ( وإن وجد ) اللقيط ( بدار كفار ) وهي دار الحرب ( فكافر ) ذلك اللقيط ( إن لم يسكنها مسلم ) إذ لا مسلم يحتمل إلحاقه به
ثم إن كان أهل البقعة مللا جعل من أقربهم إلى الإسلام
تنبيه ظاهر كلامه أن المجتاز لا أثر له لكن قال الفوراني إذا اجتاز بها مسلم فهو مسلم
ويؤخذ مما مر أنه إن أمكن كونه منه فهو مسل وإلا فلا
( وإن سكنها مسلم كأسير ) وتاجر يمكن أن يكون ولده ( فمسلم في الأصح ) تغليبا للإسلام فإن أنكره ذلك المسلم قبل في نفي نسبه دون إسلامه كما مرت الإشارة إليه
والثاني كافر تغليبا للدار
تنبيه قال الإمام الخلاف في أسير ينتشر إلا أنه ممنوع من الخروج من البلد أما المحبوس في المطمورة فيتجه أنه لا أثر له كما لا أثر للمجتاز اه
وهو ظاهر كما قاله بعض المتأخرين إذا لم يكن في المحبوسين امرأة
وحاصله حيث أمكن كونه منه حكم بإسلامه فلا بد أن يكون المسلم بها وقت العلوق
أما إذا طرقها مسلم ثم بعد شهر مثلا وجد بها منبوذ لا يحكم بإسلامه لاستحالة كونه منه
ولو وجد اللقيط ببرية فمسلم حكاه شارح التعجيز عن جده وهو ظاهر إذا كانت برية دارنا أو برية لا يد لأحد عليها أما برية دار الحرب لا يطرقها مسلم فلا
وولد الذمية من الزنا ليس بمسلم قال ابن حزم الظاهر مسلم والظاهر كما قال شيخي خلافه لأن هذا مقطوع النسب عنه وسيأتي التنبيه على ذلك
( و ) تبعية الدار ضعيفة وحينئذ ( من حكم بإسلامه بالدار فأقام ذمي ) أو معاهد أو مستأمن كما قاله الزركشي ( بينة بنسبه لحقه ) لأنه كالمسلم في النسب ( وتبعه في الكفر ) وارتفع ما ظنناه من إسلامه لأن الدار حكم باليد والبينة أقوى من اليد المجردة هذا إن شهد عدلان وإن شهد أربعة من النسوة ففي الحكم بتبعيته في الكفر وجهان حكاهما الدارمي وكذا لو ألحقه القائف
ويؤخذ من العلة التبعية ومن قوله ( وإن اقتصر على الدعوى ) بأنه إبنه ( فالمذهب أنه لا يتبعه في الكفر ) وإن لحقه في النسب لأنا حكمنا بإسلامه فلا تغير بمجرد دعوى كافر ويجوز كونه ولده من مسلمة بوطء شبهة ويحال
____________________
(2/422)
بينهما كما يحال بين الصبي المميز إذا وصف الإسلام وبين أبيه وسيأتي هل ذلك واجب أو مندوب
والطريق الثاني فيه قولان ثانيهما يتبعه في الكفر كالنسب
( ويحكم ) أيضا ( بإسلام الصبي بجهتين أخريين ) غير تبعية الدار ( لا تفرضان في اللقيط ) وإنما ذكرا في بابه استطرادا
( إحداهما ) وهي أقواهما ( الولادة فإذا كان أحد أبويه مسلما وقت العلوق فهو ) أي الصبي أي الصغير الشامل للأنثى والخنثى ( مسلم ) بإجماع وتغليبا للإسلام ولا يضر ما يطرأ بعد العلوق منهما من درجة
( فإن بلغ ) الصغير المسلم بالتبعية لأحد أبويه ( ووصف كفرا ) بأن أعرب به عن نفسه كما في المحرر ( فمرتد ) لأنه مسلم ظاهرا وباطنا
( ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما ) قبل بلوغه ( حكم بإسلامه ) حالا سواء أسلم أحدهما قبل وضعه أم بعده قبل تمييزه أم بعده وقبل بلوغه لقوله تعالى { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم }
تنبيه قول المصنف ثم أسلم أحدهما بوهم قصره على الأبوين وليس مرادا بل في معنى الأبوين الأجداد والجدات وإن لم يكونوا وارثين وكان الأقرب حيا
فإن قيل إطلاق ذلك يقتضي إسلام جميع الأطفال بإسلام أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام
أجيب بأن الكلام في جد يعرف النسب إليه بحيث يحصل بينهما التوارث وبأن التبعية في اليهودية والنصرانية حكم جديد وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه
والمجنون المحكوم عليه بكفره كالصغير في تبعية أحد أصوله في الإسلام إن بلغ مجنونا وكذا إن بلغ عاقلا ثم جن في الأصح
وتقدم عن ابن حزم الظاهري أن المسلم إذا زنى بكافرة يكون الولد مسلما يرده قولهم أسلم أحد أبويه وهذا ليس كذلك
ويدخل في قول المصنف بين كافرين الأصليان والمرتدان على ترجيحه من أن ولد المرتدين مرتد كما سيأتي في كتاب الردة أما على ترجيح الرافعي من أنه مسلم فلا يدخل ذلك
( فإن بلغ ووصف ) بعد بلوغه ( كفرا فمرتد ) في الأظهر لسبق الحكم بإسلامه فأشبه من أسلم بنفسه ثم ارتد
( وفي قول كافر أصلي ) لأنه كان محكوما بكفره وأزيل ذلك الحكم بالتبعية فإذا استقل انقطعت فيعتبر بنفسه
تنبيه محل الخلاف المذكور إذا لم يصدر منه بعد البلوغ وصف الإسلام فإن وصفه ثم وصف الكفر فمرتد قطعا
وعلى القول الأول لا تنقض الأحكام الجارية عليه قبل الحكم بردته من إرث وغيره من الأحكام حتى لا يرد ما أخذه من تركة قريبه المسلم ولا يأخذ من تركة قريبه الكافر ما حرمناه منه ولا يحكم بأن إعتاقه عن الكفارة لم يقع مجزئا لأنه كان مسلما باطنا وظاهرا بخلاف ما إذا قلنا إنه كافر أصلي فإن مات قبل البلوغ وقبل الإفصاح بشيء لم ينقض ما حكم به من أحكام إسلامه في الصبا بخلاف ما إذا قلنا إنه كافر أصلي لو أعرب بالكفر وإن حكم بإسلامه تبعا للدار فبلغ وأفصح بالكفر فأصلي لا مرتد فيقر على كفره وينقض ما أمضيناه من أحكام الإسلام مما جرى في الصغر وبعد البلوغ وقبل الإفصاح بشيء وهذا معنى قولهم تبعية الدار ضعيفة الجهة
( الثانية إذا سبى مسلم طفلا ) أو مجنونا ( تبع السابي ) له ( في الإسلام ) فيحكم بإسلامه ظاهرا وباطنا ( إن لم يكن معه أحد أبويه ) لأن له عليه ولاية وليس معه من هو أقرب إليه منه فتبعه كالأب
قال الإمام وكأن السابي لما أبطل حريته قلبه قلبا كليا فعدم عما كان وافتتح له وجود تحت يد السابي وولاية فأشبه تولده بين الأبوين المسلمين وسواء أكان السابي بالغا عاقلا أم لا أما إذا سبي مع أحد أبويه فإنه لا يتبع السابي جزما ومع كون أحد أبوي الطفل معه أن يكونا في جيش واحد وغنيمة واحدة لا أن مالكهما واحد بل يتبع أحد أبويه في دينه وإن اختلف سابيهما لأن تبعة الأصل أقوى من تبعية السابي فكان أولى بالإستتباع
____________________
(2/423)
ولا يؤثر موت الأصل بعد لأن التبعية إنما تثبت في ابتداء السبي
( ولو سباه ذمي ) وحمله كما قال البغوي إلى دار الإسلام أو مستأمن كما قاله الدارمي ( لم يحكم بإسلامه في الأصح ) لأن كونه من أهل دار الإسلام لم يؤثر فيه ولا في أولاده فكيف يؤثر في مسبيه ولأن تبعية الدار إنما تؤثر في حق من لا يعرف حاله ولا نسبه نعم هو على دين سابيه كما ذكره الماوردي وغيره
والثاني يحكم بإسلامه تبعا للدار
تنبيه استشكل حكاية المصنف الخلاف بأن الذمي إذا انفرد بأخذه بأن سرقه وقلما يختص به ولا يخمس فينبغي القطع بالأصح وإن قلنا إنه غنيمة للمسلمين وهو المذهب ويد الذمي نائبة عنهم فينبغي القطع بإسلامه وجوز ابن الرفعة جريان الخلاف في هذه الحالة لتعارض يده وحقهم
ولو سباه مسلم وذمي حكم بإسلامه تغليبا لحكم الإسلام ذكره القاضي وغيره
ولو سبى الذمي الصبي أو المجنون وباعه لمسلم أو باعه المسلم الذي سباه مع أحد أبويه في جيش واحد ولو دون أبويه من مسلم لم يتبع المشتري لفوات وقت التبعية لأنها إنما تثبت ابتداء
ولو بلغ المحكوم بإسلامه تبعا للسابي ووصف كفرا كان كالمحكوم بإسلامه تبعا لأحد أصوله
ولو جنى اللقيط بإسلامه خطأ أو شبه عمد فموجبها في بيت المال إذ ليس له عاقلة خاصة أو عمدا وهو بالغ عاقل اقتص منه وإلا فالدية مغلظة في ماله كضمان ماله أتلفه فإن لم يكن مال ففي ذمته
وإن قتل خطأ أو شبه عمد ففيه دية كاملة عملا بظاهر الحرية توضع في بيت المال وأرش طرقه له
وإن قتل عمدا فللإمام أن يعفو على مال لا مجانا لأنه خلاف مصلحة المسلمين أو يقتص لا بعد البلوغ وقبل الإفصاح بالإسلام بل تجب ديته كما صححه المصنف وصوبه في المهمات ويقتص لنفسه في الطرف إن أفصح بالإسلام بعد بلوغه فيحبس قاطعه قبل البلوغ له إلى البلوغ والإفاقة ويأخذ الولي ولو حاكما لا وصي الأرش لمجنون فقير لا لغني ولا لصبي غني أو فقير فلو أفاق المجنون وأراد رد الأرش ليقتص منه منع
ولما فرغ المصنف من إسلام التبعية شرع في إسلام المباشر فقال ( ولا يصح إسلام صبي مميز استقلالا على الصحيح ) المنصوص في القديم والجديد كما قاله الإمام لأنه غير مكلف فأشبه غير المميز والمجنون وهما لا يصح إسلامهما اتفاقا كما سيأتي ولأن نطقه بالشهادتين إما خبر وإما إنشاء فإن كان خبرا فخبره غير مقبول وإن كان إنشاء فهو كعقوده وهي باطلة
والثاني يصح إسلامه حتى يرث من قريبه المسلم لأنه صلى الله عليه وسلم دعا عليا رضي الله تعالى عنه إلى الإسلام قبل بلوغه فأجابه ولأنه لا يلزم من كونه غير مكلف به أنه لا يصح منه كالصلاة والصوم وسائر العبادات قال المرعشي وهو الذي أعرفه في مذهب الشافعي
وأجاب الأول عن قصة علي رضي الله تعالى عنه بأنه كان بالغا عند إسلامه كما نقله القاضي أبو الطيب عن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه فعلى تقدير ثبوته فلا كلام وعلى عدم تقديره فقد ذكر البيهقي في المعرفة أن الأحكام إنما صارت معلقة بالبلوغ بعد الهجرة قال السبكي وهو صحيح لأن الأحكام إنما أنيطت بخمسة عشر عام الخندق فقد تكون منوطة قبل ذلك بسن التمييز والقياس على الصلاة ونحوها لا يصح لأن الإسلام لا ينتفل به وعلى هذا يحال بينه وبين أبويه الكافرين لئلا يفتنوه وهذه الحيلولة مستحبة على الصحيح في الشرح والروضة هنا فيتلطف بوالديه ليؤخذ منهما فإن أبيا فلا حيلولة وقيل إنها واجبة واختاره السبكي احتياطا للإسلام
ولا تمنعه من الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات كما قاله الزركشي أخذا من كلام الشافعي
ويدخل بإسلامه الجنة إذا أسره كما أظهره ويعبر عنه بصحة إسلامه باطنا لا ظاهرا أي بالنسبة إلى الآخرة دون الدنيا
فإن بلغ ثم وصف الكفر هدد وطولب بالإسلام فإن أصر رد إليهما
واحترز المصنف بالمميز عن غيره من صبي ومجنون فلا يصح إسلامهما قطعا وأنه يصح إسلام المكلف بالنطق للناطق والإشارة للعاجز عن النطق قطعا وكالمكلف المتعدي بسكر
وفي أطفال الكفار إذا ماتوا ولم يتلفظوا بالإسلام خلاف منتشر والأصح أنهم يدخلون الجنة لأن كل مولود يولد على الفطرة فحكمهم حكم الكفار في الدنيا فلا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين وحكمهم حكم المسلمين في الآخرة لما مر
____________________
(2/424)
فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه ( إذا لم يقر اللقيط برق فهو حر ) لأن الغالب في الناس الحرية وحكى ابن المنذر فيه الإجماع لكن قال الشافعي لو قذفه قاذف لم أحده حتى أسأله فإن قال أنا حر حددت قاذفه
وقال البلقيني لو وجد في دار الحرب ولا مسلم فيه ولا ذمي فهو رقيق كسائر صبيانهم ونسائهم ويحمل كلامهم على دار الإسلام قال ولم أر من تعرض له انتهى
وهو ظاهر المعنى
وعلى هذا فتستنثى هاتان الصورتان من كلام المصنف مضافتين إلى قوله ( إلا أن يقيم أحد بينة برقه ) وتتعرض لسبب الملك كما سيأتي فيعمل بها
( وإن أقر ) اللقيط المكلف ( به ) أي الرق ( لشخص فصدقه قبل إن لم يسبق ) منه ( إقرار بحرية ) كسائر الأقارير
وخرج ب صدقه ما لو كذبه فإن الرق لا يثبت ولو صدقه بعد ذلك و لم يسبق ما لو سبق إقراره بحرية بعد البلوغ فلا يقبل إقراره بعده على الأصح المنصوص لأنه بالإقرار الأول التزم أحكام الأحرار فلا يملك إسقاطها
فإن قيل لو أنكرت المرأة الرجعة ثم أقرت بها فإنها تقبل فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن دعواها الرجعة مستندة إلى أصل وهو عدم انقضاء العدة وجعل الشارع القول قولها في انقضاء العدة إثباتا وقد اعترفت بالخيانة وإقرار اللقيط مخالف للأصل وهو الحرية وقد تأكد بالإقرار بالحرية
فإن قيل يرد على المصنف ما لو أقر بالرق لزيد فكذبه فأقر به لعمرو فإنه لا يقبل إقراره ولو صدقه عمرو وهذا لم يسبق منه إقرار بحرية
أجيب بأن إقراره الأول يتضمن نفي الملك لغيره فإذا كذبه المقر له خرج عن كونه مملوكا له أيضا فصار حر الأصل والحرية مظنة حقوق الله تعالى والعبادة فلا سبيل إلى إبطالها بالإقرار الثاني
تنبيه سكتوا عن اعتبار الرشد هنا في المقر وينبغي كما قال الزركشي اعتباره كغيره من الأقارير فلا يقبل اعتراف الجواري بالرق كما حكي عن ابن عبد السلام لأن الغالب عليهن السفه وعدم المعرفة
قال الأذرعي وهذه العلة موجودة في غالب العبيد لا سيما من قرب عهده بالبلوغ
( والمذهب أنه لا يشترط ) في صحة الإقرار بالرق ( أن لا يسبق ) منه ( تصرف يقتضي نفوذه ) بمعجمة بخطه ( حرية كبيع ونكاح ) وغيرهما ( بل ) بعد التصرف بشيء من المذكورات ( يقبل إقراره في أصل الرق و ) في ( أحكامه المستقبلة ) مطلقا فيما له وعليه
أما فيما له فقياسا على إقرار المرأة بالنكاح فإنه يصح على الجديد وإن تضمن ثبوت حق لها
وأما فيما عليه فلأنه أقر بحق عليه فيؤاخذ به كسائر الأقارير
وفي قول من الطريق الثاني لا يقبل فتبقى أحكام الحرية
( لا ) الأحكام ( الماضية المضرة بغيرها ) فلا يقبل إقراره بالنسبة إليها ( في الأظهر ) كما لا يقبل إقراره على الغير بدين ونحوه
والثاني يقبل لأنه لا يتجزأ ويصير كقيام البينة
وفرع المصنف على الأظهر قوله ( فلو لزمه ) أي اللقيط ( دين فأقر برق ) أو ادعى شخص رقه ( وفي يده مال قضي ) الدين ( منه ) ولا يجعل للمقر له إلا ما فضل عن الدين فإن بقي من الدين شيء اتبع به بعد عتقه ولا يقضي منه على الثاني بل المال للمقر له ويبقى الدين في ذمة المقر أما الأحكام الماضية المضرة به فيقبل إقراره بالنسبة إليها جزما
تنبيه لو نكح ثم أقر بالرق فإن كان أنثى لم ينفسخ النكاح بل يستمر ويصير كالمستوفي المقبوض لأن انفساخه يضر الزوج فيما مضى سواء أكان الزوج ممن يحل له نكاح الأمة أم لا كالحر إذا وجد الطول بعد نكاح الأمة لكن للزوج الخيار في فسخ النكاح إن شرطت الحرية فيه لفوات الشرط فإن فسخ بعد الدخول بها لزمه للمقر له لأقل من المسمى ومهر المثل لأن الزائد منهما يضر الزوج وإن أجاز لزمه المسمى لأنه الذي لزمه بزعمه وإن كان قد سلمه إليها أجزأه فلو طلقها قبل الدخول سقط المسمى لأن المقر له يزعم فساد النكاح وتسلم إلى الزوج تسليما
____________________
(2/425)
الحرائر ويسافر بها زوجها بغير إذن سيدها وأولادها قبل إقرارها بالرق أحرار لظنه حريتها ولا يلزم قيمتهم لأن قولها غير مقبول في إلزامه وبعده أرقاء لأنه وطئها عالما برقها
ويلغز بهذه المسألة فيقال لنا حر تزوج حرة فأولدها حرا ثم رقيقا في عقد واحد
وإذا طلقت تعتد بثلاثة أقراء لأن عدة الطلاق حق الزوج وله الرجعة فيها في الطلاق الرجعي
وتعتد للوفاة كالأمة لعدم تضرر الزوج بنقصان العدة
وإن كان المقر بالرق ذكرا انفسخ نكاحه إذ لا ضرر على الزوجة ولزمه المسمى إن دخل بها ونصفه إن لم يدخل بها لأن سقوط ذلك يضرها وحينئذ يؤديه مما في يده أو من كسبه في الحال والإستقبال وإن لم يوجد بقي في ذمته إلى أن يعتق
ولو جنى على غيره عمدا ثم أقر بالرق اقتص منه حرا كان المجني عليه أو رقيقا وإن جنى خطأ أو شبه عمد قضي الأرش مما بيده
فإن قيل الأرش لا يتعلق بما في يد الجاني حرا كان أو رقيقا
أجيب بأن الرق لما أوجب الحجر عليه اقتضى التعلق بما في يده كالحر إذا حجر عليه بالفلس فإن لم يكن معه شيء تعلق الأرش برقبته وإن أقر بالرق بعدما قطعت يده مثلا عمدا اقتص من الرقيق دون الحر لأن قوله مقبول فيما يضره أو بعدما قطعت خطأ وجب الأقل من نصفي القيمة والدية لأن قبول قوله في الزائد يضر بالجاني
( ولو ادعى رقه من ليس في يده بلا بينة لم يقبل ) جزما إذ الظاهر الحرية فلا تترك إلا بحجة بخلاف النسب فإن في قبوله مصلحة للصبي وثبوت حق له
( وكذا إن ادعاه الملتقط ) بلا بينة وأسنده إلى الإلتقاط لم يقبل أيضا ( في الأظهر ) لأن الأصل الحرية فلا تزال بمجرد الدعوى
والثاني يقبل ويحكم له بالرق كما في يد غير الملتقط وسيأتي
وفرق الأول بأن اللقيط محكوم بحريته ظاهرا بخلاف غيره
ولو ادعى على اللقيط الرق فأنكر كونه له ثم أقر له بالرق قبل فإن أنكر كان للمدعي تحليفه فإن كان أنكر أصل الرق ثم أقر له لم يقبل ولم يحلف لأن التحليف لطلب الإقرار وإقراره غير مقبول
ولو قذف شخص لقيطا كبيرا أو جنى عليه ولو صغيرا جناية توجب قصاصا وادعى أنه رقيق فأنكر فالقول قول اللقيط بيمينه لأن الأصل الحرية فيجب الحد على القاذف في الأولى والقصاص على الجاني في الثانية
ومتى كان اللقيط قاذفا وادعى الرق حد حد الأحرار إذ لا يقبل إقراره فيما يضر بغيره في الماضي
( ولو رأينا صغيرا مميزا أو غيره في يد من يسترقه ) بادعائه رقه ( ولم يعرف استنادها إلى الإلتقاط ) ولا غيره ( حكم له بالرق ) بدعواه على الصحيح في الروضة عملا باليد والتصرف بلا معارض ويحلف وجوبا على الأصح المنصوص وقيل ندبا وقيل لا يحكم بالرق كاللقيط فعلى الأول لا يؤثر تكذيب المميز
تنبيه أفهم قوله ولم يعرف إلخ أن الملتقط لو أقام بينة على أنه كان يده قبل التقاطه حكم له به وهو ما في الروضة كأصلها عن البغوي ثم قالا لكن روى ابن كج عن النص أنه لا يرق حتى يقيم البينة على سبب الملك اه
وهذا أظهر
( فإن بلغ ) اللقيط بعد الحكم برقه ( وقال أنا حر ) الأصل ( لم يقبل قوله في الأصح إلا ببينة ) بالحرية لأنا قد حكمنا برقه في صغره فلا نزيله إلا بحجة وله تحليف السيد كما نقلاه عن البغوي وأقراه
والثاني يقبل قوله لأنه الآن من أهل القول إلا أن يقيم المدعي بينة برقه ولا فرق في جريان الخلاف بين أن يدعي في الصغر ملكه ويستخدمه ثم يبلغ وينكر وبين أن يتجرد الاستخدام إلى البلوغ ثم يدعي ملكه وينكر المستخدم كما صرح به الرافعي في الدعاوي ولو أقر بالرق لغير سيده لم يقبل
والمجنون البالغ كالصبي فيما ذكر وإفاقته كبلوغه
فرع لو رأينا صغيرة في يد رجل يدعي نكاحها وبلغت وأنكرت قبل قولها وعلى المدعي البينة وهل يحكم في صغرها بالنكاح قال ابن الحداد نعم كالرق والأصح المنع
وفرق الأصحاب بأن اليد في الجملة دليل على الملك ويجوز أن يولد المملوك مملوكا والنكاح طارىء بكل حال فيحتاج إلى البينة
( ومن أقام ) من ملتقط وغيره
____________________
(2/426)
( بينة برقه عمل بها ) لظهور فائدتها
سواء أقامها من هو تحت يده أم غيره
( ويشترط أن تتعرض البينة لسبب الملك ) كإرث وشراء لئلا تعتمد ظاهر اليد وتكون عن التقاط
( وفي قول يكفي مطلق الملك ) كسائر الأموال
وفرق الأول بأن أمر الرق خطير فاحتيط فيه
تنبيه قضية إطلاق المصنف جريان الخلاف في الملتقط وغيره وهي طريقة الجمهور كما قاله في الكفاية
ويكفي في البينة رجل وامرأتان إذ الغرض إثبات الملك ومن التعرض إلى سبب الملك أن تشهد البينة بأن أمته ولدته وإن لم تقل في ملكه لأن الغرض العلم بأن شهادتها لم تستند إلى ظاهر اليد وقد حصل ولأن الغالب أن ولد أمته ملكه وقيل لا يقتل حتى تشهد أن أمته ولدته في ملكه لأن من اشترى جارية وقد ولدت أولادا صدق عليه أن أمته ولدتهم وليسوا ملكا له فإذا قال انتفى هذا الاحتمال وهذا ما صححه المصنف في تصحيحه على وفق ما يأتي في الدعاوي والأصح الأول كما في أصل الروضة وجرى عليه ابن المقري
وفرق ابن الرفعة بين ما هنا وبين ما في الدعاوي بأن ما هنا في اللقيط أي أو نحوه والمقصود فيه معرفة الرق من الحرية والقصد في الدعاوي تعيين المالك لأن الرق متفق عليه وذلك لا يحصل بكون أمته ولدته
وفرق ابن العماد بأن اليد نص في الدلالة على الملك فاشترط في زوالها ذكر ذلك بخلاف الحكم بحرية الولد فإنه ظاهر والرق محتمل ولهذا اختلف في وجوب القود على قاتله لاحتمال الرق
وإذا اكتفى بالشهادة المذكورة فتكفي شهادة أربع نسوة أنه ولدته أمته لأنها شهادة بالولادة ويثبت الملك ضمنا شهدت به أيضا أم لا لثبوت النسب في ضمن الشهادة بالولادة
( ولو استلحق اللقيط ) المحكوم بإسلامه ( حر ) ذكر ( مسلم لحقه ) بالشروط السابقة في الإقرار لأنه أقر له بحق لا ضرر فيه على غيره فأشبه ما لو أقر له بمال وسواء فيه الملتقط وغيره الراشد والسفيه
ويسن للقاضي أن يقول للملتقط من أين هو ولدك من أمتك أو زوجتك أو شبهة فإنه قد يتوهم أن الإلتقاط يفيد النسب بل ينبغي كما قال الزركشي وجوبه إذا كان المستلحق ممن يجهل ذلك احتياطا للنسب
تنبيه قوله مسلم لا مفهوم له فإن الكلام في لقيط محكوم بإسلامه وقد مر أنه يصح للكافر حينئذ استلحاقه لكن لا يتبعه في الكفر
قال ابن الرفعة ولو كان للمستلحق امرأة فأنكرت أنه إبنها لم يلحقها
( و ) إذا لحقه ( صار أولى ) أي أحق ( بتربيته ) من غيره بمعنى أنه مستحق لها دون غيره كقولهم فلان أحق بماله يعني أنه لا حق لغيره فيه
وقوله حر لا مفهوم له أيضا كما يشير إليه قوله ( وإن استلحقه ) أي اللقيط ( عبد لحقه ) لأنه في النسب كالحر لإمكان حصوله منه بنكاح أو وطء شبهة
وإنما فصله المصنف عن الحر لأجل قوله ( وفي قول يشترط ) في لحوقه به ( تصديق سيده ) فيه لما فيه من قطع الإرث المتوهم على تقدير عتقه
وأجاب الأول بأنه لا عبرة بهذا لأن من استلحق إبنا وكان له أخ يقبل استلحاقه وإذا لحقه بتصديق أو بغيره لا يسلم إليه لعجزه عن نفقته إذ لا مال له وعن حضانته لأنه لا يتفرغ لها فيقر في يد الملتقط وينفق عليه من بيت المال
ولو أقر عبد بأخ أو عم لم يلحقه كما صرحوا به في الإقرار خلافا لما جرى عليه ابن المقري تبعا لظاهر كلام أصله لأنه يلحق النسب بغيره وشرطه أن يصدر من وارث حائز
قال البلقيني ولعله يتصور فيما إذا كان حال موت الحر حرا ثم استرق لكفره وحرابته فإذا أقر به لحق الميت اه
وهذا بعيد لا ينظر إليه إلا إن ثبت
ولو استلحق حر عبد غيره
وهو بالغ عاقل فصدقه لحقه ولا عبرة بما فيه من قطع الإرث المتوهم بالولاء
وإن استلحقه وهو صغير أو مجنون لم يلحقه إلا ببينة كما مر في الإقرار
( وإن استلحقته امرأة ) حرة ( لم يلحقها في الأصح ) إلا ببينة وإن كانت خلية لإمكانها إقامة البينة بالولادة من طريق المشاهدة بخلاف الرجل وحكى ابن المنذر فيه الإجماع
والثاني يلحقها لأنها أحد الأبوين فصارت كالرجل
والثالث يلحق الخلية دون المزوجة لبعد الإلحاق بها دونه فإن أقامت بينة على دعواها لحقها وكذا
____________________
(2/427)
زوجها إن شهدت البينة بوضعه على فراشه وأمكن العلوق منه وإلا فلا يلحقه
ولو تنازعت امرأتان لقيطا أو مجهولا وأقامتا بينتين تعارضتا وعرض معهما على القائف فلو ألحقه بإحداهما لحقها وألحق زوجها بالشرط المتقدم فإن لم يكن بينة لم يعرض على القائف لما مر أن استلحاق المرأة إنما يصح مع البينة
واستلحاق الأمة يصح بالبينة كالحرة لكن لا يحكم برق الولد لمولاها باستلحاقها لاحتمال انعقاده حرا بوطء شبهة
ويصح استلحاق الخنثى على الأصح عند القاضي أبي الفرج البزاز ويثبت النسب بقوله لأن النسب يحتاط له ولا يحتاج عليه فإن اتضحت ذكورته بعد استمر الحكم أو أنوثته فخلاف المرأة
( أو ) استلحق اللقيط ( اثنان ) أهلان للالتقاط بأن ادعى كل منهما نسبه منه ( لم يقدم ) منهما ( مسلم وحر على ذمي ) وأولى منه على كافر ( وعبد ) بل يستويان في ذلك لأن كلا منهما لو انفرد كان أهلا لذلك فلا بد من مرجح مما سيأتي
( فإن لم يكن ) لواحد منهما ( بينة ) أو كان لكل منهما بينة وتعارضتا كما سيأتي ( عرض ) اللقيط مع المدعيين ( على القائف فيلحق من ألحقه به ) لأن في إلحاقه أثرا في الإنتساب عند الإشتباه كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى آخر الدعاوي فإن كان لأحدهما بينة قضى بها فإنها تقدم على إلحاق القائف
( فإن لم يكن قائف ) بأن لم يوجد على دون مسافة القصر كما ذكره الماوردي وحكاه الرافعي في العدد عن الروياني ( أو ) كان ولكن ( تحير أو نفاه عنهما أو ألحقه بهما ) انتظر بلوغه و ( أمر بالإنتساب بعد بلوغه إلى من يميل طبعه ) الجبلي ( إليه منهما ) فلا يكفي فيه مجرد التشهي فمن انتسب إليه منهما لحق به لما روي البيهقي بسند صحيح أن رجلين ادعيا رجلا لا يدرى أيهما أبوه فقال عمر رضي الله تعالى عنه اتبع أيهما شئت ولأن طبع الولد يميل إلى والده ويجد به ما لا يجده بغيره فلا يكفي انتسابه وهو صبي ولو مميزا بخلافه في الحضانة فإنه يخير بين أبويه لأن اختياره فيها لا يلزم بل له الرجوع عن الأول لأنه ليس من أهل الأقوال الملتزمة بخلاف ما هنا فلا يقل رجوعه عن انتسابه إلى أحدهما وينفقان عليه مدة الإنتظار والقرار على من لحقه النسب لكن إنما يرجع الآخر إذا أنفق بإذن الحاكم كما قيده الرافعي في الباب الثاني من العدد
تنبيه قول المصنف أمر يقتضي جبره عليه وبه صرح الصيمري وزاد غيره فإن امتنع حبس
هذا فيمن امتنع عنادا أما من لم يمل طبعه إلى واحد منهما فيوقف الأمر فإن انتسب إلى غيرهما وصدقه ثبت نسبه منه وإذا انتسب إلى أحدهما وألحقه القائف بالآخر قدم القائف لأنه حجة أو حكم أو ألحقه القائف بأحدهما وأقام الآخر بينة قدمت لأنها حجة في كل خصومة
ولو كانا ولدين فانتسب كل واحد منهما لواحد دام الإشكال فإن رجع أحدهما إلى الآخر قبل قوله بعد بلوغه
وقوله أو ألحقه بهما من زيادته من غير تمييز
( ولو أقاما ) على نسبه ( بينتين متعارضتين سقطتا في الأظهر ) وعرض على القائف كما مر إذ لا يمكن العمل بالبينتين لاستحالة كون الولد منهما ولا يرجح بينة بيد لأن اليد إنما تدل على الملك لا على النسب
والثاني لا يسقطان وترجح إحداهما بقول القائف
قال الرافعي ولا يختلف المقصود على الوجهين وهما مفرعان على قول التساقط في التعارض في الأموال
خاتمة لو تداعيا مولودا فقال أحدهما هو ذكر وقال الآخر هو أنثى فبان ذكرا ففي الشامل يحتمل أن لا تسمع دعوى من قال هو أنثى لأنه قد عين غيره ويحتمل أن تسمع لأنه قد يخطىء في الصفة اه
والأول أظهر
ولو استرضع إبنه يهودية لها ابن ثم غاب ثم رجع فوجدها ميتة ولم يعرف إبنه من إبنها أفتى المصنف بأن أمرهما موقوف حتى يتبين الحال ببينة أو قائف أو يبلغا فينتسبا انتسابا مختلفا وفي الحال يوضعان في يد مسلم فإن لم توجد بينة ولا قافة وانتسبا إلى واحد دام الوقف فيما يرجع للنسب ويتلطف بهما ليسلما فإن أصرا على الإمتناع لم يكرها عليه وإذا ماتا دفنا بين مقابر
____________________
(2/428)
المسلمين والكفار وتجب الصلاة عليهم وينوى الصلاة على المسلم منهما إن صلي عليهما معا أو على واحد واحد فينوى الصلاة عليه إن كان مسلما كما علم ذلك من الصلاة على الميت
كتاب الجعالة بتثليث الجيم كما قاله ابن مالك وغيره واقتصر المصنف في تحريره كالجوهري على الكسر و ابن الرفعة في كفايته على الفتح
( وهي ) لغة اسم لما يجعل للإنسان على فعل شيء
وكذا الجعل والجعيلة
وشرعا التزام عوض معلوم على عمل معين أو مجهول عسر علمه
( كقوله ) أي مطلق التصرف ( من ) خاط ثوبي هذا قميصا فله كذا أو ( رد آبقي ) أو آبق زيد ( فله كذا ) فعرفه المصنف بالمثال وذكرها تبعا للجمهور بعد باب اللقيط لأنها طلب التقاط الضالة ومنهم من ذكرها عقب الإجارة كصاحب التنبيه و الغزالي وتبعهم في الروضة لأنها عقد على عمل
والأصل فيها قبل الإجماع خبر الذي رقاه الصحابي بالفاتحة على قطيع من الغنم كما في خبر الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وهو الرقى كما رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والقطيع ثلاثون رأسا من الغنم
ويستأنس لها بقوله تعالى { ولمن جاء به حمل بعير } وكان معلوما عندهم كالوسق ولو استدل بالآية لما قدمته في غير هذا الباب أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا وإن ورد في شرعنا ما يقرره
قال الزركشي ويستنبط من هذا الحديث جواز الجعالة على ما ينتفع به المريض من دواء أو رقية ولم يذكروه اه
وهو ظاهر إن حصل فيه تعب وإلا فلا كما يعلم مما يأتي ولأن الحاجة تدعو إليها في رد ضالة وآبق وعمل لا يقدر عليه ولا يجد من يتطوع برده ولا تصح الإجارة على رده للجهل بمكانه فجازت كالقراض واحتمل إبهام العامل فيها لأن القائل ربما لا يهتدي إلى الراغب في العمل
وأركانها أربعة صيغة وعاقد وعمل وجعل وقد بدأ بالأول منها معبرا عنه بالشرط كما مر له في غير هذا المحل فقال ( ويشترط ) فيها لتحقق ( صيغة ) من الجاعل من الصيغ السابقة ونحوها ( تدل على ) إذن في ( العمل ) بطلب كقوله رد عبدي أو عبد فلان ولك كذا أو بشرط كقوله إن رددت عبدي فلك كذا
والصيغة المذكورة في المتن لا دلالة فيها على الإذن في الرد إلا من جهة العرف لا الوضع
( بعوض ) معلوم مقصود ( ملتزم ) بما مر من الصيغ ونحوها لأنها معاوضة فافتقرت إلى صيغة تدل على المطلوب وقدر المبذول
وإشارة الأخرس المفهمة تقوم مقام الصيغة
( فلو ) رده من علم بإذنه قبل رده استحق الجعل الملتزم سواء أعلمه بواسطة أم بدونها
نعم إن قال إن رد عبدي من سمع ندائي فله كذا فرده من علم نداءه ولم يسمعه لم يستحق شيئا وإن عمل طامعا كما قاله الماوردي
وإن ( عمل بلا إذن ) كأن عمل قبل النداء فلا شيء له لأنه عمل متبرعا وإن كان معروفا برد الضوال ودخل العبد مثلا في ضمانه كما جزم به الماوردي
( أو أذن لشخص فعمل غيره فلا شيء له ) أي لواحد ممن ذكر
أما العامل بغير إذن فلما مر وأما المعين فلم يعمل
نعم إن كان الغير رقيق المأذون له ورد بعد علم سيده بالإلتزام استحق المأذون له الجعل لأن يد رقيقه كيده
ولو قال من رد آبقي فله كذا فرده من لم يبلغه نداؤه أو قال إن رده زيد فله كذا فرده زيد غير عالم بإذنه أو أذن له في الرد ولم يشرط عوضا أو شرط عوضا غير مقصود كالذم فلا شيء للراد
تنبيه أطلق المصنف أنه إذا لم يذكر عوضا عدم الاستحقاق من غير تفصيل وأجرى جماعة فيه خلاف الغسال ونحوه وقد استحسن المصنف التفصيل السابق في الإجارة
ويشترط في الصيغة عدم التأقيت كالقراض فلو قال من رد آبقي اليوم فله كذا لم يصح لأنه ربما لا يظفر به في ذلك اليوم
ويؤخذ من التشبيه بالقراض أنه لا يصح تعليقا وهو ظاهر وإن لم أر من تعرض له
( و ) لا يشترط في الجاعل كونه مالكا وحينئذ ( لو قال أجنبي ) ليس
____________________
(2/429)
من عادته الاستهزاء والخلاعة كما بحثه الزركشي ( من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد على الأجنبي ) لأنه التزمه
وليس الجعل عوض تمليك وبهذا خالف الثمن في البيع حيث لا يجوز إلا ممن يقع المالك له
فإن قيل إنه لم يلتزمه بقوله علي ويحتمل أنه يريد فله كذا على مالكه فيكون فضوليا محضا فلا يصح ولا يلزم واحدا منهما
أجيب بأنهم جعلوه التزاما عند الإطلاق لأنه سابق إلى الفهم
وصور ابن يونس المسألة بما إذا قال فله علي ثم قال وألحق الأئمة به قوله فله كذا وإن لم يقل علي لأن ظاهره التزام
فإن قيل لا يجوز لأحد بهذا القول وضع يده على الآبق بل يضمن فكيف يستحق الأجرة أجيب بأنه لا حاجة إلى الإذن في ذلك لأن المالك راض به قطعا أو بأن صورة ذلك أن يأذن المالك لمن شاء في الرد أو يكون للأجنبي ولاية على المالك ولو صدق الراد المنادي على أمر السيد لم يرجع على المنادي قاله الماوردي
تنبيه قد يفهم تعبير المصنف كغيره بالأجنبي أنه لو قال الولي ذلك عن محجوره على وجه المصلحة بحيث يكون الجعل قدر أجرة مثل ذلك العمل أن الراد يستحقه في مال المالك بمقتضى قول وليه قال بعض المتأخرين وهو واضح ولم أر من تعرض له اه
فإن ثبت هذا لم يصح الجواب الأخير عن السؤال الثاني
( وإن قال ) الأجنبي ( قال زيد من عبدي فله كذا وكان ) الأجنبي ( كاذبا لم يستحق ) العامل ( عليه ) أي الأجنبي لعدم التزامه ( ولا على زيد ) إن كذب القائل وإن صدقه استحق العامل على زيد إن كان القائل ثقة وإلا فهو كما لو رد عبد زيد غير عالم بإذنه والتزامه فلا شيء له على زيد وإن صدقة كما في أصل الروضة فإن أنكر المالك الخبر لم تقبل شهادة القائل الثقة عليه لأنه متهم في ترويج قوله
( ولا يشترط قبول العامل ) لفظا ( وإن عينه ) الجاعل أما في غير المعين فلاستحالة طلب جوابه وأما في المعين فلما فيه من التضييق في محل الحاجة وعليه قال القمولي لو قال لغيره إن رددت عبدي فلك دينار فقال أرده بنصف دينار فالوجه القطع باستحقاق الدينار
فإن قيل قياس ما في الروضة وأصلها في باب الخلع أنه لو قالت له زوجته طلقني بألف فطلق بخمسمائة فإنه يقع بها أنه يستحق هنا نصف الدينار
أجيب بأن الخلع لما كان فيه شوب معاوضة من جهة الزوج وقد رضي ببعض ما شرط له اعتبر
وأما الركن الثاني هو العاقد فيشترط في الملتزم للجعل مالكا كان أو غيره أن يكون مطلق التصرف فلا يصح من صبي ومجنون ومحجور سفه
وأما العامل فإن كان معينا اشترط فيه أهلية العمل فيدخل فيه العبد وغير المكلف بإذن وغيره كما قاله السبكي خلافا لابن الرفعة في العبد إذا لم يأذن له سيده
ويخرج عنه العاجز عن العمل كصغير لا يقدر عليه لأن منفعته معدومة فأشبه استئجار الأعمى للحفظ قاله ابن العماد
وإن كان مبهما كفى علمه بالنداء
قال الماوردي هنا لو قال من جاء بآبقي فله دينار فمن جاء به استحق من رجل أو امرأة أو صبي أو عبد عاقل أو مجنون إذا سمع النداء أو علم به لدخولهم في عموم قوله من جاء
وهذا هو المعتمد خلافا لما قاله في السير من عدم استحقاق الصبي والعبد إذا قام به بغير إذن سيده
ثم شرع في الركن الثالث وهو العمل فقال ( وتصح ) الجعالة ( على عمل مجهول ) كرد آبق للحاجة ولأن الجهالة إذا احتملت في القرض لحصول زيادة فاحتمالها في رد الحاصل أولى
فإن قيل إن هذا قد علم من تمثيله أول الباب برد الآبق
أجيب بأن ذكره هنا لضرورة التقسيم وأطلق تبعا للرافعي صحتها على المجهول وهو مخصوص كما قال ابن الرفعة تبعا للقاضي حسين بما عسر علمه كما مر فإن سهل تعين ضبطه إذ لا حاجة إلى احتمال الجهالة ففي بناء حائط يبين طوله وعرضه وارتفاعه وموضعه وما يبنى عليه وفي الخياطة يعتبر وصف الثوب والخياطة
( وكذا ) كل عمل ( معلوم ) يقابل بأجرة كالخياطة والبناء تصح الجعالة عليه ( في الأصح ) لأنه إذا جاز مع الجهالة فمع العلم أولى
والثاني المنع استغناء بالإجارة
وسواء في العمل الواجب وغيره فلو حبس ظلما فبذل مالا لمن يتكلم
____________________
(2/430)
في خلاصه بجاهه أو بغيره جاز كما نقله المصنف في فتاويه عن جماعة وإن كان هذا العمل فرض كفاية
تنبيه يشترط في العمل كونه فيه كلفة وعلى هذا لو سمع النداء من المطلوب في يده فرده وفي الرد كلفة كالآبق استحق الجعل وإلا فلا يستحق شيئا لأن ما لا كلفة فيه لا يقابل بعوض
وشمل كلامهم ما لو كان المال في يده بجهة توجب الرد كالغصب والعارية وقضيته الاستحقاق بالرد إن كان فيه كلفة ولكن تعليلهم عدم استحقاق من دل على ما في يده أنه لا يستحق شيئا لأن ذلك واجب عليه شرعا يقتضي خلافه وهذا هو الظاهر كما قاله بعض شراح الكتاب
ولو جعل لمن أخبره بكذا جعلا فأخبره به لم يستحق شيئا لأنه لا يحتاج فيه إلى عمل فإن تعب وصدق في أخباره وكان للمستخبر غرض في المخبر به كما صرح به الرافعي في آخر الباب استحق الجعل
ثم شرع في الركن الرابع وهو الجعل فقال ( ويشترط ) لصحة الجعالة ( كون الجعل ) مالا ( معلوما ) لأنه عوض كالأجرة ولأنه عقد جوز للحاجة ولا حاجة لجهالة العوض بخلاف العمل والعامل
( فلو ) كان مجهولا كأن ( قال من رده ) أي عبدي مثلا ( فله ثوب أو أرضيه ) أو نحوه أو كان الجعل خمرا أو مغصوبا ( فسد العقد ) لجهل الجعل أو نجاسة عينه أو عدم القدرة على تسليمه ( وللراد أجرة مثله ) كالإجارة الفاسدة
واستثني من هنا صورتان الأولى ما إذا قال حج عني وأعطيك نفقتك فإنه يجوز مع جهالتها كما جزم به الرافعي في الشرح الصغير والمصنف في الروضة وقيل إن هذه أزراق لا جعالة وإنما يكون جعالة إذا جعله عوضا فقال حج عني بنفقتك وقد صرح الماوردي في هذه الصورة بأنها جعالة فاسدة ونص عليه في الأم
الثانية مسألة العلج وستأتي في السير إن شاء الله تعالى
تنبيه لو وصف الجعل بما يفيد العلم استحقه العامل كما جزم به في الأنوار ونقله في أصل الروضة عن المتولي
فإن قيل قد تقرر في البيع والإجارة وغيرهما أن الشيء المعين لا يغني وصفه عن رؤيته وحينئذ فله أجرة المثل هنا
أجيب بأن تلك العقود عقود لازمة بخلاف الجعالة فاحتيط لها ما لم يحتط للجعالة
ولو قال من رد رقيقي مثلا فله ثيابه أو ربعه استحق المشروط إن علمه وإلا فأجرة المثل
وهل يكفي الوصف في الرقيق أو لا لتفاوت الأغراض فيه خلاف والذي ينبغي أنه إن وصفه مما يفيد العلم الصحة
فائدة الإعتبار بأجرة المثل بالزمان الذي حصل فيه كل العمل لا بالزمان الذي حصل فيه التسليم كما قالوه في المسابقة
( ولو قال ) شخص بناء على صحة الجعالة على عمل معلوم من رد عبدي مثلا ( من بلد كذا ) فله كذا ( فرده ) العامل ( من ) مكان ( أقرب منه فله قسطه ) أي الأقرب ( من الجعل ) لأنه جعل كل الجعل في مقابلة العمل فبعضه في مقابلة البعض فإن رده من نصف الطريق مثلا استحق نصف الجعل ويجب فرضه كما قال ابن الرفعة فيما إذا تساوت الطريق سهولة وحزونة فإن تفاوتت بأن كانت أجرة نصف المسافة ضعف أجرة النصف الآخر فيقابله ثلثا الجعل
تنبيه شمل قوله أقرب تلك البلدة وغيرها وهو كذلك وإن نظر في ذلك السبكي
فلو قال مكي من رد عبدي من عرفة فله كذا فرده من منى أو من التنعيم استحق بالقسط لأن التنصيص على المكان إنما يراد به الإشارة إلى موضع الآبق أو مظنته لا أن الرد منه شرط في أصل الاستحقاق إذ لو أريد حقيقة ذلك المكان لكان إذا رده من دونه لا يستحق شيئا لأنه لم يرده منه
وخرج ب أقرب ما لو رده من أبعد فلا يستحق للزيادة شيئا
( ولو ) عمم المالك النداء كأن قال من رد عبدي فله كذا و ( اشترك ) حينئذ ( اثنان ) مثلا غير معينين ( في رده اشتركا في الجعل ) لحصول الرد منهما والاشتراك فيه على عدد الرؤوس وإن تفاوتا في العمل لأنه لا ينضبط أي غالبا حتى يقع التوزيع عليه
وخالف هذا ما لو قال من دخل داري فأعطه درهما فدخل جمع استحق كل واحد درهما لأن كل واحد دخل وليس كل واحد يراد وما لو قال من حج عني فله دينار فحج عنه اثنان معا لم يستحق واحد منهما شيئا لأن أحدهما ليس أولى من الآخر كالوليين
____________________
(2/431)
في عقد النكاح كما ذكروه في كتاب الحج فإن سبق أحدهما استحق
ولو قال من رد العبدين من كذا فله دينار فردهما سامع من نصف المسافة أو رد أحدهما من جميعها استحق النصف عملا بالتوزيع على العمل أو قال لاثنين إن رددتما العبدين فلكما كذا فردهما واحد منهما فله النصف أو رد أحدهما واحدا من العبدين فله الربع لذلك فيهما
قال السبكي ولو قال أي رجل رد عبدي فله درهم فرده اثنان اقتسما الدرهم بينهما على الأقرب عندي
ولو كان عبد بين اثنين لأحدهما ثلثه فقالا لرجل إن رددت عبدنا فلك دينار فرده فالدينار بينهما أثلاثا على قدر الملك في أصح الوجهين كما قاله القاضي
( ولو التزم جعلا لمعين ) ك إن رددت عبدي فلك دينار ( فشاركه غيره في العمل إن قصد ) الغير ( إعانته ) بعوض أو بغيره ( فله ) أي المعني ( كل الجعل ) لأن رد غير المعين بقصد الإعانة له واقع عنه ومقصود المالك رد الآبق بأي وجه أمكن فلا يحمل لفظه على قصر العمل على المخاطب
( وإن قصد ) المشارك ( العمل ) لنفسه أو ( للمالك ) أو مطلقا كما بحثه شيخنا ( فللأول ) أي المعين ( قسطه ) وهو النصف إذ القسمة على عدد الرؤوس كما مر وإن أفهمت عبارته أنها على قدر العمل
ولو قصد العمل لنفسه والعامل أو للعامل والملتزم أو للجميع فللمعين في غير الأخيرة ثلاثة أرباع الجعل وفيها ثلثاه
ولو شاركه اثنان في الرد فإن قصدا إعانته فله تمام الجعل أو العمل للمالك فله ثلثه أو واحد إعانته والآخر العمل للمالك فله ثلثاه
( ولا شيء للمشارك بحال ) في أي حال مما قصده لأن المالك لم يلتزم له شيئا نعم إن التزم له العامل بشيء لزمه
ولو قال لزيد رد عبدي مثلا ولك دينار فأعانه آخر فالكل لزيد فقد يحتاج للمعاونة وغرض الملتزم العمل بأي وجه أمكن فلا يحمل على قصر العمل على المخاطب
ويجوز للعامل أن يستعين بغيره إذا لم يكن معينا وإن لم يعجز لأن الجعالة خفف فيها وإن كان معينا فهو كالوكيل فيجوز أن يستعين به فيما يعجز عنه أو لا يليق به كما يوكل فيه وتوكيل غير المعين بعد سماعه النداء غيره كالتوكيل في الإحتطاب ونحوه فيجوز
فائدة استنبط السبكي رحمه الله تعالى من استحقاق المجعول له تمام الجعل إذا قصد المشارك إعانته ومن استحقاق العامل في المساقاة نصيبه إذا تبرع عنه المالك أو أجنبي في العمل جواز الإستنابة في الإمامة
وكل وظيفة تقبل الإستنابة كالتدريس بشرط أن يستنيب مثله أو خيرا منه ويستحق كل المعلوم قال وإن أفتى ابن عبد السلام و النووي بعدم استحقاق واحد منهما قالا أما المستنيب فلعدم مباشرته وأما النائب فلعدم ولايته إلا أن يأذن له الناظر في المباشرة
قال الزركشي ومدركهما في ذلك أن الريع ليس من باب الإجارة ولا الجعالة لأن شرطهما أن يقع العمل فيهما للمستأجر والجاعل والعمل هنا لا يمكن وقوعه للجاعل فلم يبق إلا الإباحة بشرط الحضور ولم يوجد فلا يصح إلحاقه بهذه المسألة
وقال الأذرعي وما ذكره رحمه الله تعالى فتح باب لأرباب الجهات والجهالات في تولي المناصب الدينية واستنابة من لا يصلح أو يصلح بنزر يسير من المعلوم ويأخذ ذلك المستنيب مال الوقف على ممر الأعصار اه
وقال الغزي بعد تمثيل السبكي بالإمامة وهذا بخلاف الفقهاء
قال ابن شهبة وهو واضح لأنه لا يمكن أن يستنيب من يتفقه عنه اه
واعلم أن الجعالة إذا وردت على بذل المنافع في تحصيل الشيء فلها صورتان إحداهما أن يكون الجعل على شيء واحد كقوله من بنى لي حائطا أو خاط لي ثوبا فله كذا فخاط بعض الثوب أو بنى بعض الحائط وسيأتي الكلام على ذلك
الثانية أن يكون على تحصيل شيئين ينفك أحدهما عن الآخر كقوله من رد العبدين فله كذا فرد أحدهما استحق نصف الجعل
قال الزركشي وعلى هذا يتخرج غيبة الطالب عن الدرس بعض الأيام إذا قال الواقف من حضر شهر كذا فله كذا فإن الأيام كمسألة العبيد فإنها أشياء متفاصلة فيستحق قسط ما حضر قال فتفطن لذلك فإنه مما يغلط فيه
قال الدميري ولذلك كان الشيخ تقي الدين القشيري إذا بطل يوما غير معهود البطالة في درسه لا يأخذ لذلك اليوم معلوما
قال وسألت شيخنا عن ذلك مرتين فقال إن كان الطالب في حال انقطاعه مشتغلا بالعلم
____________________
(2/432)
استحق وإلا فلا قال يعني شيخه ولو حضر ولم يكن بصدد الإشتغال لم يستحق لأن المقصود نفعه بالعلم لا مجرد حضوره وكان يذهب إلى أن ذلك من باب الإرصاد اه
قال الزركشي ولو تولى وظيفة وأكره على عدم مباشرتها أفتى الشيخ تاج الدين الفزاري باستحقاقه المعلوم والظاهر خلافه لأنها جعالة وهو لم يباشر اه
والظاهر ما أفتى به الشيخ تاج الدين
والذي ينبغي أن يقال في ذلك أن هذه الوظائف إن كانت من بيت المال وكان من هي بيده مستحقا فهو يستحق معلومها سواء أحضر أم لا استناب أم لا
وأما النائب فإن جعل له معلوما في نيابته استحق وإلا فلا فإن لم تكن من بيت المال أو كانت ولم يكن مستحقا فيه فما قاله المصنف هو الظاهر
( ولكل منهما ) أي المالك والعامل ( الفسخ قبل تمام العمل ) لأنه عقد جائز من الطرفين
أما من جهة الملتزم فلأنها تعليق استحقاق بشرط فأشبهت الوصية
وأما من جهة العامل فلأن العمل فيها مجهول فأشبهت القراض
تنبيه إنما يتصور الفسخ ابتداء من العامل المعين وأما غيره فلا يتصور الفسخ منه إلا بعد الشروع في العمل وتقدم أنه لا يشترط قبول العامل فيؤول الفسخ في حقه بالرد
وخرج بقوله قبل تمام العمل ما بعده فإنه لا أثر للفسخ حينئذ للزوم الجعل
( فإن فسخ ) بضم أوله بخطه أي فسخ المالك أو العامل المعير ( قبل الشروع ) في العمل ( أو فسخ العامل بعد الشروع ) فيه ( فلا شيء له ) في الصورتين
أما الأولى فلأنه لم يعمل شيئا وأما في الثانية فلأنه لم يحصل غرض المالك سواءا وقع العمل مسلما أم لا كما جزم به ابن الرفعة
نعم لو زاد المالك في العمل ولم يرض العامل بالزيادة ففسخ لذلك فله أجرة المثل كما ذكره في أصل الروضة في آخر المسابقة لأن المالك هو الذي ألجأه لذلك
وقول الإسنوي وقياسه إذا نقص من الجعل ممنوع وإن كان الحكم صحيحا لأن النقص فسخ كما سيأتي فهو فسخ من المالك لا من العامل
ولو فسخ العامل والملتزم معا لم أر من ذكره وينبغي عدم الاستحقاق لاجتماع المقتضي والمانع
وإن عمل العامل شيئا بعد الفسخ قال في أصل الروضة لم يستحق شيئا إن علم بالفسخ فإن لم يعلم بنى على الخلاف في نفوذ عزل الوكيل في غيبته قبل علمه اه
وقضية البناء عدم الاستحقاق وهو المعتمد كما جزم به ابن المقري وإن قال الماوردي و الروياني إن له المسمى إذا كان جاهلا وهو معين أو لم يعين المالك بالفسخ
قال ابن شهبة ولعل ما قاله الماوردي والروياني مبني على أن الوكيل لا ينعزل إلا بالعلم وينفسخ أيضا بموت أحد المتعاقدين وبجنونه وإغمائه
وإن مات المالك بعد الشروع في العمل فرده إلى وارثه وجب قسط ما عمله في الحياة من المسمى
قال الماوردي ولو مات العامل فرده وارثه استحق القسط أيضا اه
وهذا إذا كان العامل معينا أما غير المعين فيظهر أنه يستحق الجميع بعمله وعمل مورثه كما لو رده اثنان وهذا ظاهر ولم أر من ذكره
( وإن فسخ المالك بعد الشروع ) في العمل ( فعليه أجرة المثل ) لما عمله العامل ( في الأصح ) لأن جواز العقد يقتضي التسليط على رفعه وإذ ارتفع لم يجب المسمى كسائر الفسوخ لكن عمل العامل وقع محترما فلا يفوت عليه فرجع إلى بدله وهو أجرة المثل كالإجارة إذا فسخت بعيب
وربما عبر معظم الأصحاب عن ذلك بأنه ليس له الفسخ حتى يضمن أي يلتزم للعامل أجرة مثل ما عمل وجرى عليه صاحب التنبيه
والثاني لا شيء عليه كما لو فسخ العامل بنفسه
والفرق ظاهر وعلى الأول لا فرق بين أن يكون ما صدر من العامل لا يحصل به مقصود أصلا كرد العبد إلى بعض الطريق أو يحصل به بعضه كما لو قال إن علمت إبني يالقرآن فلك كذا فعلمه بعضه ثم منعه من تعليمه كما جزم به في أصل الروضة ووقع للأذرعي في شرحه هنا خلاف ذلك فليحذر
فإن قيل قياس ما لو مات المالك في أثناء المدة حيث تنفسخ ويستحق القسط من المسمى أن يكون هنا كذلك وأي فرق بين الفسخ والإفساخ أجيب بأن العامل ثم تمم العمل بعد الإفساخ ولم يمنعه المالك منه بخلافه هنا
( وللمالك أن يزيد وينقص )
____________________
(2/433)
أي يتصرف ( في الجعل ) أي الذي شرطه للعامل بزيادة أو نقص أو يعتبر جنسه ( قبل الفراغ ) من عمل العامل سواء أكان قبل الشروع أم بعده كما يجوز في البيع في زمن الخيار بل أولى كأن يقول من رد عبدي فله عشرة ثم يقول فله خمسة أو عكسه أو يقول من رده فله دينار ثم يقول فله درهم
وإن سمع العامل ذلك قبل الشروع في العمل اعتبر النداء الأخير وللعامل ما ذكر فيه وإن لم يسمعه العامل أو كان بعد الشروع فهو ما ذكره بقوله ( وفائدته بعد الشروع ) في العمل أو قبله ولم يسمعه العامل ( وجوب أجرة المثل ) لأن النداء الأخير فسخ للأول والفسخ من المالك في أثناء العمل يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل فلو عمل من سمع النداء الأول خاصة ومن سمع الثاني استحق الأول نصف أجرة المثل والثاني نصف المسمى الثاني
والمراد بالسماع العلم وأجرة المثل فيما ذكر لجميع العمل لا للماضي خاصة ولا ينافيه ما مر من أنه لو عمل شيئا بعد الفسخ لا شيء له لأن ذلك فيما فسخ بلا بدل بخلاف هذا
( ولو ) تلف المرود قبل وصوله كأن ( مات الآبق ) بغير قتل المالك له ( في بعض الطريق ) ولو بقرب دار سيده ( أو ) غصب أو تركه العامل أو ( هرب ) ولو في دار المالك قبل تسليمه له ( فلا شيء للعامل ) وإن حضر الآبق لأنه لم يرده بخلاف ما لو اكترى من يحج عنه فأتى ببعض الأعمال ومات حيث يستحق من الأجرة بقدر ما عمل
وفرقوا بينهما بأن المقصود من الحج الثواب وقد حصل ببعض العمل وهنا لم يحصل شيء من المقصود وبأن الإجارة لازمة تجب الأجرة فيها بالعقد شيئا فشيئا والجعالة جائزة لا يثبت فيها شيء إلا بالشرط ولم يوجد
ولو خاط نصف الثوب فاحترق أو تركه أو بنى بعض الحائط فانهدم أو تركه أو لم يتعلم الصبي لبلادته فلا شيء له كما لو طلب الآبق فلم يجده
هذا إذا لم يقع العمل مسلما وإلا فله أجرة ما عمل بقسطه من المسمى كما لو مات الصبي في أثناء التعليم لوقوعه مسلما بالتعليم مع ظهور أثر العمل على المحل ومحله إذا كان حرا كما قيده به في الكفاية فإن كان رقيقا لم يستحق إلا إذا سلمه السيد أو حصل التعليم بحضرته أو في ملكه
ولا يشكل هذا بما تقدم في الفسخ من أنه لا يستحق مطلقا لأن التقصير بالفسخ جاء من جهته مع تمكنه من تمام العمل بخلاف ما هنا
ولو منع الصبي أبوه من تمام التعلم أو المالك من تمام العمل وجب له أجرة المثل لما عمله لأن المنع فسخ أو كالفسخ
أما إذا قتله المال فيستحق العامل القسط كما لو فسخ المالك
ولو أعتق المالك رقيقه قبل رده قال ابن الرفعة يظهر أن يقال لا أجرة للعامل إذا رده بعد العتق وإن لم يعلم لحصول الرجوع ضمنا أي فلا أجرة لعمله بعد العتق تنزيلا لإعتاقه منزلة فسخه
( وإذا رده ) أي الآبق العامل على سيده ( فليس له حبسه لقبض الجعل ) لأن الاستحقاق بالتسليم ولا حبس قبل الاستحقاق وكذا لا يحبسه لاستيفاء ما أنفقه عليه بإذن المالك
( ويصدق المالك ) بيمينه ( إذا أنكر شرط الجعل ) للعامل بأن اختلفا فيه فقال العامل ( شرطت لي جعلا ) وأنكر المالك ( أو ) أنكر ( سعيه ) أي العامل ( في رده ) أي الآبق بأن قال لم ترده وإنما رجع بنفسه لأن الأصل عدم الشرط والرد
ولو اختلف المالك والعامل في بلوغه النداء فالقول قول الراد بيمينه كما لو اختلفا في سماع ندائه
( فإن اختلفا ) أي الملتزم والعامل ( في قدر الجعل ) بعد فراغ العمل أو بعد الشروع وقلنا للعامل قسط عمله ( تحالفا ) وفسخ العقد ووجب للعامل أجرة المثل كما لو اختلفا في الإجارة أما قبل الشروع فلا استحقاق له فلا تخالف ومثله الإختلاف في قدر العمل كقوله شرطت له مائة على رد عبدين فقال بل على عبد
____________________
(2/434)
خاتمة يد العامل على ما يقع في يده إلى أن يرده يد أمانة فإن خلاه بتفريط ضمن لتقصيره وإن أنفق عليه مدة الرجوع فمتبرع إلا أن يأذن له الحاكم أو يشهد عند فقده ليرجع
ومن وجد مريضا عاجزا عن السير بنحو بادية لزمه المقام معه إلا إن خاف على نفسه أو نحوها وإذا أقام معه فلا أجر له
ولو مات المريض لزمه إن كان أمينا حمل ماله إلى ورثته وإلا فلا يلزمه وإن جاز له وإلا يضمنه في الحالين لو تركه
وحكم المغشي عليه حكم المريض كما أفاده كلام الروضة لا حكم الميت كما قاله ابن المقري
ولو سرق الآبق قطع كغيره ويحفظه الحاكم إذا وجده انتظارا لسيده فإن أبطأ سيده باعه الحاكم وحفظ ثمنه فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن والله سبحانه وتعالى أعلم 3
____________________
(2/435)
كتاب الفرائض أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة بمعنى مفروضة أي مقدرة لما فيها من السهام المقدرة فغلبت على غيرها وإنما اقتصر المصنف في الترجمة على الفرائض لأنه أراد بها مسائل قسمة المواريث كما قدرته الصادقة بالفرض والتعصيب إرادة للتغليب
والفرض لغة التقدير قال تعالى { فنصف ما فرضتم } أي قدرتم وأتى بمعنى القطع قال تعالى { نصيبا مفروضا } أي مقطوعا محدودا
وبمعنى الإنزال قال تعالى { إن الذي فرض عليك القرآن } أي أنزله
وبمعنى التبيين قال تعالى { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } أي بين
وبمعنى الإحلال قال تعالى { ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له } أي أحل
وبمعنى العطاء تقول العرب لا أصبت منه فرضا ولا قرضا
ولما كان علم الفرائض مشتملا على هذه المعاني الستة لما فيه من السهام المقدرة والمقادير المقتطعة والعطاء المجرد وتبيين الله تعالى لكل وارث نصيبه وإحلاله وإنزاله سمي بذلك
وشرعا هنا نصيب مقدر شرعا للوارث
والأصل في الفرائض آيات المواريث والأخبار الآتية كخبر الصحيحين ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر
فإن قيل ما فائدة ذكر ذكر بعد رجل أجيب بأنه للتأكيد لئلا يتوهم أنه مقابل للصبي بل المراد أنه مقابل الأنثى
فإن قيل لو اقتصر على ذكر رجل كفى فما فائدة ذكر رجل معه أجيب بأنه لا يتوهم أنه عام مخصوص
وكان في الجاهلية مواريث كانوا يورثون الرجال دون النساء والكبار دون الصغار وكانوا يجعلون حظ الزوجة أن ينفق عليها من مال الزوج سنة ويورثون الأخ زوجة أخيه
وكان في ابتداء الإسلام بالحلف والنصرة فيقول ذمتي ذمتك ترثني وأرثك ثم نسخ فتوارثوا بالإسلام والهجرة ثم نسخ وكانت الوصية واجبة للوالدين والأقربين ثم نسخ بآيتي المواريث آية الشتاء التي في أول النساء وآية الصيف التي في آخرها فلما نزلت قال صلى الله عليه وسلم إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث واشتهرت الأخبار بالحث على تعليمها وتعلمها منها تعلموا الفرائض وعلموه أي علم الفرائض وروي وعلموها أي الفرائض الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يقضي بينهما رواه الحاكم وصحح إسناده
ومنها تعلموا الفرائض فإنه من دينكم وإنه نصف العلم وإنه أول علم ينزع من أمتي رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي وقال تفرد به حفص بن عمر وليس بالقوي
قال الماوردي وإنما حثهم على تعلمه لقرب عهدهم بغير هذا التوارث أي وهو التوارث المتقدم واختلف العلماء في تأويل قوله عليه الصلاة والسلام فإنه نصف العلم على أقوال أحسنها أنه باعتبار الحال فإن حال الناس اثنان حياة ووفاة فالفرائض تتعلق بحال الوفاة وسائر العلوم تتعلق
____________________
(3/2)
بحال الوفاة وقيل النصف بمعنى الصنف قال الشاعر إذا مت كان الناس نصفان شامت وآخر مثن بالذي كنت أصنع وقيل إن العلم يستفاد بالنص تارة وبالقياس أخرى وعلم الفرائض مستفاد من النص وقيل غير ذلك
وقال عمر رضي الله تعالى عنه إذا تحدثتم فتحدثوا في الفرائض وإذا لهوتم فالهوا في الرمي واشتهر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعلم الفرائض أربعة علي و ابن عباس و زيد و ابن مسعود ولم يتفق هؤلاء في مسألة إلا وافقتهم الأمة وما اختلفوا إلا وقعوا فرادى ثلاثة في جانب وواحد في جانب واختار الشافعي رضي الله تعالى عنه مذهب زيد لأنه أقرب إلى القياس ولقوله صلى الله عليه وسلم أفرضكم زيد
وعن القفال أن زيدا لم يهجر له قول بل جميع أقواله معمول بها بخلاف غيره
ومعنى اختياره لمذهبه أنه نظر في أدلته فوجدها مستقيمة فعمل بها لا أنه قلده كما قاله ابن الرفعة في مطلبه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا
وذكرت في شرح التنبيه أنه اجتمع في اسم زيد أصول الفرائض وغالب قواعدها
وعرف بعضهم علم الفرائض بأنه الفقه المتعلق بالإرث ومعرفة الحساب الموصل إلى معرفة ذلك ومعرفة قدر الواجب من التركة لكل ذي حق
فخرج بالإرث العلم المتعلق بالصلاة مثلا فلا يسمى علم الفرائض
وعلم الفرائض يحتاج كما نقله القاضي عن الأصحاب إلى ثلاثة علوم علم الفتوى بأن يعلم نصيب كل وارث من التركة وعلم النسب بأن يعلم الوارث من الميت بالنسب وكيفية انتسابه للميت وعلم الحساب بأن يعلم من أي حساب تخرج المسألة وحقيقة مطلق الحساب أنه علم بكيفية التصرف في عدد لاستخراج مجهول من معلوم
( يبدأ ) وجوبا ( من تركة الميت ) وهي ما يخلفه فتصدق بما تركه من خمر صار خلا بعد موته ومن شبكة نصبها فوقع فيها بعد موته صيد فيورث ذلك عنه وكذلك الدية المأخوذة في قتله بناء على الأصح من دخولها في ملكه قبيل موته كما قاله الزركشي
ونظر بعضهم في الصورة الثانية فالتعبير بالتركة أولى من التعبير بالمال المتخلف
وعلق ب يبدأ قوله ( بمؤنة تجهيزه ) بالمعروف بحسب يساره وإعساره ولا عبرة بما كان عليه في حياته من إسرافه وتقتيره وهي ما يحتاج إليه الميت من كفن وحنوط وأجرة تغسيل وحفر وغير ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته ناقته كفنوه في ثوبيه ولم يسأل هل عليه دين أو لا لاحتياجه إلى ذلك كما تقدم حاجته من ملبس وقوت يوم القسمة على حقوق الغرماء
وإنما يدفع للوارث ما يستغني عنه المورث ولأنه إذا كان يترك للحي عند فلسه دست ثوب يليق به فالميت أولى أن يستر ويوارى لأن الحي يعالج ويسعى لنفسه والميت قد انقطع علاجه وسعيه بموته
ويبدأ أيضا بمؤنة تجهيز من على الميت مؤنته إن كان مات في حياته كما في الروضة في الفلس عن نص الشافعي واتفاق الأصحاب
ويستثنى من إطلاق المصنف المرأة المزوجة وخادمها فتجهيزهما على زوج غني عليه نفقتهما كما مر في الجنائز وكالزوجة البائن الحامل
( ثم تقضي ) منها ( ديونه ) المتعلقة بذمته من رأس المال سواء أذن الميت في ذلك أم لا لزمته لله تعالى أم لآدمي لأنها حقوق واجبة عليه
ويقدم دين الله تعالى كالزكاة والكفارة والحج على دين الآدمي في الأصح
أما المتعلقة بعين التركة فستأتي ( ثم ) تنفذ ( وصاياه ) وما ألحق بها من عتق علق بالموت وتبرع نجز في مرض الموت أو ألحق به لقوله تعالى { من بعد وصية يوصي بها أو دين }
( من ثلث الباقي ) بعد إخراج دينه كما نبه عليه المصنف ب ثم وحكى القرطبي في تفسيره الإجماع عليه
فإن قيل ما الحكمة في تقديم الوصية في الآية على الدين مع أنه مقدم أجيب بأن الوصية لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض كان في إخراجها مشقة على الوارث فقدمت حثا على إخراجها ولأن الوصية غالبا تكون لضعاف فقوى جانبها بالتقديم في الذكر لئلا يطمع فيها ويتساهل بخلاف الدين فإن فيه من القوة ما يغنيه عن التقوية بذلك
تنبيه قول المصنف من ثلث الباقي قد يوهم أنه لو استغرق الدين التركة لم تنفذ الوصية ولم يحكم بانعقادها حتى لو تبرع متبرع بقضاء الدين أو أبرأه المستحق منه لا تنفذ الوصية حينئذ وليس مرادا بل يحكم بانعقادها وتنفذ حينئذ كما ذكره الرافعي في باب الوصية
فإن قيل الوصية في الآية مطلقة فلماذا اعتبرت من الثلث أجيب بأنها قيدت بالسنة في قوله
____________________
(3/3)
صلى الله عليه وسلم الثلث والثلث كثير ( ثم يقسم الباقي ) من التركة ( بين الورثة ) على ما يأتي بيانه
تنبيه قد يوهم كلامه أن الملك لا ينتقل للوارث إلا بعد وفاء الدين والوصية وليس مرادا بل الملك في الجميع ينتقل للوارث بمجرد الموت على الأصح لأن الأصح أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث وإنما يمنع التصرف فتكون التركة بكمالها كالمرهونة بالدين وإن قل
وكما نورث الأموال تورث الحقوق وضبطه المتولي بكل حق لازم تعلق بالمال كحق الخيار والشفعة بخلاف حق الرجوع في الهبة واعترضه المصنف في المجموع بأنه غير جامع لخروج أشياء منه كحد القذف والقصاص والنجاسات المنتفع بها كالكلب والسرجين وجلد الميتة
( قلت ) كالرافعي في الشرح ( فإن تعلق بعين التركة حق كالزكاة ) أي كالمال الذي وجبت فيه لأنه كالمرهون بها ( والجاني ) لتعلق أرش الجناية برقبته ( والمرهون ) لتعلق حق المرتهن به ( والمبيع ) بثمن في الذمة ( إذا مات المشتري مفلسا ) بثمنه ولم يتعلق بالمبيع حق لازم ككتابة سواء أحجر على المشتري قبل موته أم لا لتعلق حق فسخ البائع به ( قدم ) ذلك الحق ( على مؤنة تجهيزه ) وتجهيز ممونه ( والله أعلم ) تقديما لحق صاحب التعلق على حقه كما في حال الحياة وليست صور التعلق منحصرة في المذكورات كما أشار إليه بالكاف في أولها والحاصر لها التعلق بالعين فمنها ما إذا مات رب المال قبل قسمة مال القراض فإن حق العامل يقدم على مؤنة التجهيز لتصريحهم هناك بأن حقه يتعلق بالعين فإذا أتلفه المالك إلا قدر حصة العامل ومات ولم يترك غيره تعين للعامل
ومنها المكاتب إذا أدى نجوم الكتابة ومات سيده قبل الإيتاء والمال أو بعضه باق كما سيأتي في بابه
ومنها المعتدة عن الوفاة بالحمل سكناها مقدم على التجهيز
وذكرت صورا أخرى مع نظم فيها مع إشكال للسبكي في صورتي الزكاة ومبيع المفلس والجواب عنه في شرح التنبيه
واعلم أن الإرث يتوقف على ثلاثة أمور وجود أسبابه وشروطه وانتفاء موانعه
وقد شرع المصنف في بيان الأمر الأول فقال ( وأسباب الإرث ) باستقراء أدلة الشرع ( أربعة ) فلا إرث بغيرها من مؤاخاة وغيرها مما مر
أولها ( قرابة ) وهي الرحم فيرث بها بعض الأقارب من بعض في فرض وتعصيب على ما يأتي تفصيله
( و ) ثانيها ( نكاح ) صحيح ولو بلا وطء فيرث به كل من الزوجين الآخر في فرض فقط ( و ) ثالثها ( ولاء ) وهي عصوبة سببها نعمة المعتق مباشرة أو سراية أو شرعا كعتق أصله وفرعه كما سيأتي في محله فيرث به المعتق في تعصيب فقط
أما القرابة والنكاح فللآية
وأما الولاء فلقوله صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب صححه ابن حبان والحاكم شبه الولاء بالنسب والنسب يورث به فكذا الولاء
( فيرث المعتق العتيق ) للخبر السابق ( ولا عكس ) أي لا يرث العتيق المعتق حيث تمحض كونه عتيقا وإلا فقد يتصور الإرث بالولاء من الطرفين في مسألتين إحداهما إذا أعتق ذمي ذميا ثم استلحق السيد بدار الحرب فاسترقه عتيقه ثم أعتقه ثم أسلما فكل منهما عتيق الآخر ومعتقه فيثبت لكل منهما الولاء على الآخر مباشرة فيتوارثان
الثانية أعتق شخص عبدا فاشترى العتيق أبا معتقه فأعتقه ثبت لكل منهما الولاء على الآخر السيد بالمباشرة والعتيق بالسراية وهذا مما يلغز به فيقال لنا شخصان لكل منهما الولاء على الآخر
وقد يختص التوارث بأحد الجانبين في القرابة أيضا كابن الأخ يرث عمته ولا عكس
ولما كانت الأسباب الثلاثة خاصة لم يفرد كلا منها بالذكر ولما كان الرابع عاما أفرده فقال ( والرابع الإسلام ) أي جهته فإنها الوارثة كالنسب لا المسلمون بدليل ما لو أوصى بثلث ماله للمسلمين ولا وارث له فإنها تصح ولو كان الورثة هم المسلمون لم تصح فلما صحت دلت على أن الوارث الجهة
( فتصرف التركة ) أي تركة المسلم أو باقيها كما سيأتي ( لبيت المال ) لا مصلحة كما قيل بل ( إرثا ) للمسلمين عصوبة ( إذا لم يكن وارث بالأسباب الثلاثة ) المتقدمة أو كان ولم يستغرق لقوله صلى الله عليه وسلم أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه رواه
____________________
(3/4)
أبو داود وغيره وهو صلى الله عليه وسلم لا يرث لنفسه شيئا وإنما يصرف ذلك في مصالح المسلمين لأنهم يعقلون عن الميت كالعصبة من القرابة فيضع الإمام تركته أو باقيها في بيت المال أو يخص منها من يشاء
تنبيه أفهم كلام المصنف كغيره استواء جميع المسلمين في استحقاق هذا الإرث أهل البلد وغيرهم ومن كان موجودا عند الموت أو حدث بعده أو أسلم بعده أو عتق بعده وهو كذلك وإن خصه ابن الرفعة ببلد الميت ولكن لا يعطي مكاتبا ولا قاتلا ولا من فيه رق لا كافرا لأنهم ليسوا وارثين
ولو أوصى لرجل بشيء من التركة أعطيه وجاز أن يعطى منها أيضا بالإرث فيجمع بين الإرث والوصية بخلاف الوارث المعين لا يعطى من الوصية شيئا بلا إجازة
أما الذمي إذا مات لا عن وارث أو وارث غير مستغرق فإن تركته أو باقيها تنتقل لبيت المال فيئا
فائدة قال بعضهم يمكن اجتماع الأسباب الأربعة في الإمام كأن يملك بنت عمه ثم يعتقها ثم يتزوج بها ثم تموت ولا وارث لها غيره فهو زوجها وابن عمها ومعتقها وإمام المسلمين
فإن قيل لا مدخل للولاء وبيت المال مع وجود العاصب من النسب أجيب بأنها تصورت فيه ولو لم يرث بها كلها
فإن قيل الإمام ليس بيت المال
أجيب بأنه قد تقدم أن الوارث جهة الإسلام وهي حاصلة فيه
وأما شروط الإرث فهي أربعة أيضا أولها تحقق موت المورث أو إلحاقه بالموتى تقديرا كجنين انفصل ميتا في حياة أمه أو بعد موتها بجناية على أمه موجبة للغرة فتقدر أن الجنين عرض له الموت لنورث عنه الغرة أو إلحاق المورث بالموتى حكما كما في حكم القاضي بموت المفقود اجتهادا
وثانيها تحقق حياة الوارث بعد موت مورثه ولو بلحظة
وثالثها معرفة إدلائه للميت بقرابة أو نكاح أو ولاء
ورابعها الجهة المقتضية للإرث تفصيلا وهذا يختص بالقاضي فلا تقبل شهادة الإرث مطلقة كقول الشاهد للقاضي هذا وارث هذا بل لا بد في شهادته من بيان الجهة التي اقتضت إرثه منه ولا يكفي أيضا قول الشاهد هذا ابن عمه بل لا بد من العلم بالقرب والدرجة التي اجتمعا فيها
وأما موانع الإرث فستأتي في كلامه
( والمجمع على إرثهم من الرجال ) أي الذكور ولو عبر بهم كان أولى لكن المراد الجنس وكذا في النساء فيشمل غير البالغين من الذكور والإناث ( عشرة ) بالاختصار وخمسة عشرة بالبسط وهم ( الابن وابنه ) وهذا يغني عنه قوله ( وإن سفل ) إلا أن يكون قصده التنبيه على إخراج ابن البنت
( والأب وأبوه وإن علا والأخ ) لأبوين ولأب ولأم ( وابنه ) أي الأخ
وقوله ( إلا من الأم ) استثناء من ابنه فقط أي ابن الأخ لأبوين أو لأب
أما ابنه لأم فمن ذوي الأرحام كما سيأتي
( والعم ) لأبوين أو لأب ويدخل في ذلك عم الأب وعم الجد وإن علا ويدخل في ابنه الآتي أبناؤهما
( إلا ) العم ( للأم ) فمن ذوي الأرحام
( وكذا ابنه ) أي العم لأبوين ولأب ( والزوج المعتق ) والمراد به من صدر منه الإعتاق أو ورث به فلا يرد على الحصر في العشرة عصبة المعتق ومعتق المعتق
( و ) المجمع على إرثهن ( من النساء سبع ) بالاختصار وعشرة بالبسط
وهن ( البنت وبنت الابن وإن سفل ) أي الابن ووقع في بعض نسخ المحرر وإن سفلت وليس بجيد لدخول بنت بنت الابن وليست بوارثة لكن يلزم على عبارة المصنف عود الضمير على المضاف إليه والمتعارف عوده للمضاف
( والأم والجدة ) من قبل الأم والأب وإن علت ( والأخت ) من جهاتها الثلاث ( والزوجة والمعتقة ) وهي من صدر منها العتق أو ورثت به كما مر
تنبيه الأفصح أن يقال في المرأة زوج والزوجة لغة مرجوحة
قال المصنف واستعمالها في باب الفرائض متعين ليحصل الفرق بين الزوجين اه
و الشافعي رضي الله تعالى عنه يستعمل في عبارته المرأة وهو حسن
( فلو اجتمع كل الرجال ) فقط ولا يكون إلا والميت أنثى ( ورث ) منهم ثلاثة ( الأب والابن والزوج فقط ) لأنهم لا يحجبون ومن بقي محجوب بالإجماع فإبن الإبن بالإبن والجد بالأب والباقي محجوب بكل منهما أو بالابن وتصح مسألتهم من اثني عشر لأن فيها ربعا وسدسا للزوج الربع وللأب السدس وللابن الباقي
____________________
(3/5)
فائدة شبه الفرضيون عمود النسب بالشيء المدلى من علو فأصل كل إنسان أعلى منه وفرعه أسفل منه وكان مقتضى تشبيهه بالشجرة أن يكون أصله أسفل منه وفرعه أعلى كما في الشجرة فيقال في أصله وإن سفل وفي فرعه وإن علا
( أو ) اجتمع ( كل النساء ) فقط ولا يكون إلا والميت ذكر ( ف ) الوارث منهن خمسة وهن ( البنت وبنت الابن والأم والأخت للأبوين والزوجة ) والباقي من النساء محجوب الجدة بالأم والأخت للأم بالبنت وكل من الأخت للأب والمعتقة بالشقيقة لكونها مع البنت وبنت الابن عصبة تأخذ الفاضل عن الفروض وتصح مسألتهن من أربعة وعشرين لأن فيها سدسا وثمنا للأم السدس وللزوجة الثمن وللبنت النصف ولبنت الابن السدس وللأخت الباقي وهو سهم
تنبيه يجوز في النساء الجر بتقدير كل كما قدرته والرفع إن لم يقدرها
( أو ) اجتمع ( الذين يمكن اجتماعهم من الصنفين ) الرجال والنساء بأن اجتمع كل الرجال والنساء إلا الزوجة فإنها الميتة أو كل النساء والرجال إلا الزوج فإنه الميت ورث كل منهم في المسألتين خمسة بينها المصنف بقوله ( فالأبوان والابن والبنت وأحد الزوجين ) وهو الزوج حيث الميت الزوجة وهي حيث الميت الزوج لحجبهم من عداهم فالأولى من إثني عشر للأبوين السدسان أربعة وللزوج الربع ثلاثة والباقي وهو خمسة بين الابن والبنت أثلاثا ولا ثلث له صحيح فتضرب ثلاثة في اثني عشر تبلغ ستة وثلاثين ومنها تصح
والثانية أصلها أربعة وعشرون للزوجة الثمن وللأبوين السدسان والباقي وهو ثلاثة عشر بين الابن والبنت أثلاثا ولا ثلث له صحيح فتضرب ثلاثة في أربعة وعشرين تبلغ اثنين وسبعين ومنها تصح
تنبيه أفهم قول المصنف أو الذين يمكن اجتماعهم من الصنفين استحالة اجتماع الزوج والزوجة على ميت واحد
قال الزركشي ويمكن أن يتصور وذلك فيما إذا أقام رجل بينة على ميت مكفن أنه امرأته وهؤلاء أولاده منها وأقامت امرأة بينة على أنه زوجها وهؤلاء أولادها منه فكشف عنه فإذا هو خنثى له آلة الرجال وآلة النساء
وقد ذكرت تصحيح هذه المسألة وتفاريعها في شرح التنبيه
ضابط كل من انفرد من الذكور حاز جميع التركة إلا الزوج والأخ للأم ومن قال بالرد لا يستثني إلا الزوج وكل من انفرد من الإناث لا يحوز جميع المال إلا المعتقة ومن قال بالرد لا يستثنى من حوز جميع المال إلا الزوجة
( ولو فقدوا ) أي الورثة من الرجال والنساء ( كلهم ) أو فضل عمن وجد منهم شيء ( فأصل ) المنقول في ( المذهب أنه لا يورث ذوو الأرحام ) أصلا وسيأتي بيانهم لقوله صلى الله عليه وسلم إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ووجه الدلالة منه عدم ذكرهم في القرآن
قال سليم في التقريب وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ركب إلى قبا يستخير الله تعالى في العمة والخالة فأنزل الله تعالى ( لا ميراث لهما ) رواه أبو داود في مراسيله ومقابل المذهب قول المزني و ابن سريج أنهم يرثون كمذهب أبي حنيفة و أحمد
( و ) أصل المذهب أيضا فيما إذا لم يفقدوا كلهم بأن وجد بعضهم ولم يستغرق التركة أنه ( لا يرد ) ما بقي ( على أهل الفرض ) فيما إذا فضل عنهم شيء
وهذا لولا ما قدرته لكان لا تعلق له بما قبله إذ صورة المتن فقد الكل فيكون استئنافا لفقد البعض فإذا وجد ذو فرض كالبنتين والأختين أخذتا فرضيهما ولا يرد عليهما الباقي لقوله تعالى { فلهما الثلثان مما ترك } والرد يقتضي أخذهما الكل
( بل المال ) كله في فقدهم كلهم أو الباقي في فقد بعضهم بعد الفروض ( لبيت المال ) سواء انتظم أمره بإمام عادل يصرفه في جهته أم لا لأن الإرث للمسلمين والإمام ناظر ومستوف لهم والمسلمون لم يعدموا وإنما عدم المستوفي لهم فلم يوجب ذلك سقوط حقهم هذا هو منقول المذهب في الأصل وقد يطرأ على الأصل ما يقتضي مخالفته كما قال ( وأفتى
____________________
(3/6)
فصل المتأخرون من الأصحاب يعني جمهورهم ( إذا لم ينتظم أمر بيت المال ) لكون الإمام غير عادل ( بالرد ) أي بأن يرد ( على أهل الفرض ) لأن المال مصروف إليهم أو إلى بيت المال بالاتفاق فإذا تعذرت إحدى الجهتين تعينت الأخرى
وليس في كلام المصنف تصريح باختيار هذا لكن قال في زيادة الروضة إنه الأصح أو الصحيح عند محققي أصحابنا منهم ابن سراقة من كبار أصحابنا ومتقدميهم أي لأنه كان موجودا قبل الأربعمائة وقال إنه قول عامة مشايخنا وجرى على ذلك أيضا القاضي الحسين و المتولي و الجوجري وصاحب الحاوي وآخرون فتخصيص المصنف له بفتوى المتأخرين ليس بواضح
وكلامه قد يوهم إنه إذا قلنا بعدم الرد أنه يصرف لبيت المال وإن لم ينتظم وليس مرادا قطعا بل إن كان في يد أمين نظر إن كان في البلد قاض مأذون له في التصرف في مال المصالح دفع إليه وإن لم يكن قاض بشرطه صرف الأمين بنفسه إلى المصالح
فإن قيل يجوز دفع الزكاة إلى الجائر فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن للمتصدق غرضا صحيحا في براءة ذمته بيقين بخلاف الميراث
وقوله ( غير الزوجين ) يجر غير على الصفة أو نصبها على الاستثناء من زيادته لأن علة الرد القرابة وهي مفقودة فيهما ونقل ابن سريج فيه الإجماع
هذا إن لم يكونا من ذوي الأرحام
فلو كان مع الزوجية رحم كبنت الخالة وبنت العم وجب عند القائلين بالرد الرد عليهما لكن الصرف إليهما من جهة الرحم لا من جهة الزوجية
وإنما يرد ( ما فضل عن فروضهم بالنسبة ) لسهام من يرد عليه طلبا للعدل فيهم
فإن كان صنفا واحدا كالبنت والأخت أخذ الفرض والباقي بالرد أو جماعة من صنف كالبنات فالباقي لهم بالسوية أو صنفين فأكثر رد الباقي عليهم بقدر سهامهم
ففي بنت وأم يبقى بعد إخراج فرضيهما سهمان من ستة للأم ربعهما نصف سهم وللبنت ثلاثة أرباعهما فتصح المسألة من اثني عشر إن اعتبرت مخرج النصف ومن أربعة وعشرين إن اعتبرت مخرج الربع وهو الموافق للقاعدة
وترجع بالاختصار على التقديرين إلى أربعة للنبت ثلاثة وللأم واحد
وفي بنت وأم وزوج يبقى بعد إخراج فروضهم سهم من اثني عشر ثلاثة أرباعه للبنت وربعه للأم فتصح المسألة من ثمانية وأربعين وترجع بالاختصار إلى ستة عشر للزوج أربعة وللبنت تسعة وللأم ثلاثة
وفي بنت وأم وزوجة يبقى بعد إخراج فروضهن خمسة من أربعة وعشرين للأم ربعها سهم وربع فتصح المسألة من ستة وتسعين وترجع بالاختصار إلى اثنين وثلاثين للزوجة أربعة وللبنت أحد وعشرون وللأم سبعة
قال الشارح ويقال على وفق الاختصار ابتداء في المسألة الأولى سهامها من الستة المسألة أي فيجعلها من أربعة
وفي اللتين بعدها الباقي من مخرج الربع والثمن للزوجين بعد نصيبهما لا ينقسم على أربعة سهام الأم والبنت من مسألتهما فتضرب في كل من المخرجين أي فتضرب في المسألة الثانية أربعة في أربعة بستة عشر وفي الثالثة أربعة في ثمانية باثنين وثلاثين
وهذه الطريقة لم أرها لغيره
وهي مختصرة مفيدة
والرد ضد العول الآتي لأنه زيادة في قدر السهام ونقص في عددها والعول نقص في قدرها وزيادة في عددها
( فإن لم يكونوا ) أي أصحاب الفروض بأن لم يوجد أحد منهم ( صرف ) المال ( إلى ذوي الأرحام ) لحديث الخال وارث من لا وارث له رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم
وإنما قدم الرد عليهم لأن القرابة المفيدة لاستحقاق الفرض أقوى
وإذا صرف إليهم فالأصح تعميمهم وقيل يخص به الفقراء منهم
تنبيه قوله صرف لا يعلم منه أنه على جهة الإرث أو المصلحة وفي المسألة وجهان صحح المصنف الأول و الرافعي الثاني
وفي كيفية توريثهم مذهبان مذهب أهل التنزيل وهو أن ينزل كل فرع منزلة أصله الذي يدلى به إلى الميت ومذهب أهل القرابة وهو توريث الأقرب فالأقرب كالعصبات والأول هو الأصح
والمذهبان متفقان على أن من انفرد منهم حاز جميع المال ذكرا كان أو أنثى وإنما يظهر الاختلاف عند اجتماعهم ويقدم منهم الأسبق إلى الوارث لا إلى الميت لأنه بدل عن الوارث باعتبار القرب إليه أولى فإن استووا في السبق إليه قدر كان الميت خلف من يدلون به
____________________
(3/7)
من الورثة واحدا كان أو جماعة ثم يجعل نصيب كل واحد منهم للمدلين به الذين نزلوا منزلته على حسب ميراثهم منه لو كان هو الميت فإن كانوا يرثون بالعصوبة اقتسموا نصيبه للذكر مثل حظ الأنثيين أو بالفرض اقتسموا نصيبه على حسب فروضهم ويستثنى من ذلك أولاد الأخ من الأم والأخوال والخالات منها فلا يقتسمون ذلك للذكر مثل حظ الأنثيين بل يقتسمونه بالسوية
وقضية كلامهم أن إرث ذوي الأرحام كإرث من يدلون به في أنه إما بالفرض أو بالتعصيب وهو ظاهر وقول القاضي توريثهم توريث بالعصوبة لأنه يراعى فيه القرب ويفضل الذكر ويجوز المنفرد الجميع تفريع على مذهب أهل القرابة
ولنذكر أمثلة يتضح بها الفرق بين المذهبين تتميما للفائدة بنت بنت وبنت بنت ابن فعلى الأول يجعلان بمنزلة بنت وبنت ابن فيجوزان المال بالفرض والرد أرباعا بنسبة إرثهما وعلى الثاني المال لبنت البنت لقربها إلى الميت بنت ابن بنت وبنت بنت ابن المال للثانية بالاتفاق أما على الأول فلأنها أسبق إلى الوارث وأما على الثاني فلأنه المعتبر عند استواء الدرجة بنت بنت وابن وبنت من بنت أخرى للبنت النصف والنصف الآخر بين الابن وأخته أثلاثا بأن يجعل المال بين بنتي الصلب بالفرض والرد ثم يجعل نصف البنت الأولى لبنتها ونصف الأخرى لولديها أثلاثا والتنزيل إنما هو بالنسبة للإرث لا بالنسبة للحجب كما أفاد فيه شيخي رحمه الله فاستفده فإني لم أر من ذكره فلو مات شخص عن زوجة وبنت بنت لا تحجبها إلى الثمن وكذا البقية ثلاث بنات إخوة متفرقين السدس لبنت الأخ للأم والباقي لبنت الأخ من الأبوين اعتبارا بطالآباء وبنت الأخ من الأب محجوبة لحجب أبيها بالشقيق وتصح من ستة ثلاثة بني أخوات متفرقات المال بينهم على خمسة كما هو بين أمهاتهم بالفرض والرد
( وهم ) لغة كل قريب وشرعا ( من سوى المذكورين ) بالإرث ( من الأقارب ) هو بيان ل من
( وهم عشرة أصناف ) جمع صنف بمعنى النوع وفتح صاده لغة ( أبو الأم وكل جد وجدة ساقطين ) كأبي أبي الأم وأم أبي الأم وهذان صنف واحد ومن جعلهما صنفين عد ذوي لأرحام أحد عشر
( وأولاد البنات ) للصلب كبنت بنت أو للابن كبنت بنت ابن ذكورا كانوا أو إناثا كما يشير إليه تعبيره بأولاد وإنما لم يذكروا أولاد بنات الابن لأن لفظ البنات شامل لهم كما أدخلتهم في كلام المصنف
( وبنات الإخوة ) لأبوين أو لأب أو لأم ( وأولاد الأخوات ) كذلك وبنو الإخوة للأم وكذا بناتهم كما فهم بالأولى
تنبيه لما كان فرع الأخوات لا يرث مطلقا ذكرا كان أو أنثى عبر بالأولاد الشامل للصنفين كما مر وقيد فرع الإخوة بالبنات ليخرج ذكورهم
وإنما عبر ببني الإخوة للأم لأن بناتهم دخلوا في عموم قوله أولا بنات الإخوة ولفهمهن بالأولى من ذكر البنين كما مر
( والعم ) بالرفع ( للأم ) وهو أخو الأب لأمه ( وبنات الأعمام ) الأبوين أو لأب أو لأم وكذا بنو الأعمام للأم ( والعمات ) بالرفع ( والأخوال والخالات ) كل منهم من جهاته الثلاث ( والمدلون بهم ) أي العشرة ما عدا الساقط من الجد والجدة إذ لم يبق في ذلك الساقط من يدلي به وهذا معطوف على عشرة فيكون زائدا عليهم
فروع الأول لو خلف ثلاث خالات وثلاث عمات متفرقات كان للخالات الثلث لأنه نصيب الأم لو كانت حية مع الأب وللعمات الثلثان لأنه نصيب الأب لو كان حيا مع الأم الثاني أولاد الأخوال والخالات والعمات والأعمام من الأم كآبائهم وأمهاتهم انفرادا واجتماعا يسقط الأقرب الأبعد منهم إلى الوارث كما سبق فإن كان في درجتهم بنت عم فأكثر لغير أم أخذت المال لسبقها إلى الوارث الثالث أخوال الأم وخالاتها بمنزلة أم الأم فيرثون ما ترثه ويقتسمون بينهم كما لو ماتت عنهم وأعمامها وعماتها بمنزلة أبي الأم فيرثون ما يرثه وعماته بمنزلة أبي الأب فيرثن ما يرثه وهكذا
____________________
(3/8)
كل خال وخالة بمنزلة الجدة التي هي أختها وكل عم وعمة بمنزلة الجد الذي هو أخوها
فصل في بيان الفروض وأصحابها وهم كل من له سهم مقدر شرعا لا يزيد ولا ينقص وقدر ما يستحقه كل منهم ( الفروض ) جمع فرض بمعنى نصيب أي الأنصباء ( المقدرة ) أي المحصورة للورثة بأن لا يزاد عليها ولا ينقص منها إلا لعارض كعول فينقص أو رد فيزاد
( في كتاب الله تعالى ) للورثة وخبر الفروض قوله ( ستة ) بعول وبدونه ويجمعها هباديز ويعبر عنها بعبارات أخصرها الربع والثلث وضعف كل ونصفه وإن شئت قلت النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما وإن شئت قلت النصف ونصفه وربعه والثلثان ونصفهما وربعهما ويخرج بقوله في كتاب الله تعالى السدس الذي للجدة ولبنت الابن إلا أن يقال السدس مذكور في كتاب الله تعالى لا مع كون من يستحقه أما أو جدة أو بنت ابن والسبع والتسع في مسائل العول إلا أن يقال الأول سدس عائل والثاني ثمن عائل وثلث ما يبقى في الغراوين كزوج وأبوين أو زوجة وأبوين وفي مسائل الجد حيث معه ذو فرض كأم وجد وخمسة إخوة فإنه من قبيل الاجتهاد
فأحد الفروض ( النصف ) بدأ المصنف به كغيره لكونه أكبر كسر مفرد قال السبكي وكنت أود أن لو بدؤوا بالثلثين لأن الله تعالى بدأ بهما حتى رأيت أبا النجا والحسين بن عبد الواحد الوفي بدءا بهما فأعجبني ذلك
وهو ( فرض خمسة ) فرض ( زوج لم تخلف زوجته ولدا ولا ولد ابن ) وارثا بالقرابة الخاصة وإن سفل ذكرا كان أو أنثى مفردا أو جمعا لقوله تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد } وولد الابن كالابن إجماعا ولفظ الولد يشملهما إعمالا له في حقيقته ومجازه
وإنما بدأ المصنف رضي الله عنه تبعا للشافعي والأصحاب بالزوج وإن كان الله تعالى قد بدأ بالأولاد لأن مقصود الفرضيين التعليم والتقريب من الإفهام والابتداء بما يقل فيه الكلام أسهل وأقرب إلى الفهم فيتدرب المتعلم
والكلام على الزوجين أقل منه على غيرهما والله تعالى بدأ بما هو الأولى عند الآدمي وهو الولد
وخرج بالوارث ولد قام به مانع من نحو رق ككفر وبالقرابة الخاصة الوارث بعمومها كولد البنت فلا اعتبار به وإن ورثنا ذوي الأرحام كما مرت الإشارة إليه
( و ) فرض ( بنت أو بنت ابن ) وإن سفل لقوله تعالى في البنت { وإن كانت واحدة فلها النصف }
وبنت الابن كالبنت لما مر في ولد الابن
( أو أخت لأبوين أو لأب ) لقوله تعالى { وله أخت فلها نصف ما ترك } والمراد غير الأخت للأم لما سيأتي أن لها السدس
وقوله ( منفردات ) راجع إلى الأربع وأخرج به ما لو اجتمعن مع إخوتهن أو أخواتهن أو اجتمع بعضهن مع بعض كما سيأتي بيانه
وليس المراد الانفراد مطلقا فإنه لو كان مع كل من الأربع زوج فلها النصف أيضا
( و ) ثانيها ( الربع ) وهو ( فرض ) اثنين فرض ( زوج لزوجته ولد أو ولد ابن ) منه أو من غيره وارث بالقرابة الخاصة لقوله تعالى { فإن كان لهن ولد فلكم الربع } وولد الابن كالابن كما مر وخرج به ولد البنت
( و ) فرض ( زوجة ليس لزوجها واحد ) وارث ( منهما ) لقوله تعالى { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد } وولد الابن كالولد كما مر
تنبيه قد ترث الأم الربع فرضا في حال يأتي فيكون الربع لثلاثة
( و ) ثالثها ( الثمن ) ويقال فيه ثمين أيضا وهو ( فرضها ) أي الزوجة ( مع أحدهما ) أي الولد وولد الابن الوارث وإن سفل سواء أكان منها أم لا لقوله تعالى { فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم } وولد الابن كالابن كما مر
تنبيه المراد بالزوجة الجنس الصادق بالواحدة والأكثر فالزوجتان أو الثلاث أو الأربع يشتركان أو يشتركن في كل من الربع والثمن
وإنما جعل للزوج في حالتيه ضعف ما للزوجة في حالتيها لأن فيه ذكورة وهي تقتضي التضعيف فكان معها كالابن مع البنت
( و ) رابعها ( الثلثان ) وهو ( فرض ) أربعة فرض ( بنتين فصاعدا ) بالنصب على الحال وناصبه واجب الإضمار أي ذاهبا من فرض عدد الابنتين إلى وثم لا بالواو كما في المحكم ( و ) فرض ( بنتين ابن فأكثر ) منهما سواءأكن من أب أم آباء
( و ) فرض ( أختين فأكثر ) منهما ( لأبوين أو لأب ) وضابط من يرث الثلثين من تعدد من الإناث ممن فرضه النصف عند انفرادهن عمن يعصبهن أو يحجبهن وذلك لقوله تعالى في البنات { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا } حالة الصعود عن الابنتين ولا يجوز فيه غير النصب
____________________
(3/9)
وإنما يستعمل بالفاء ما ترك وفي الأخوات { فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك } نزلت في سبع أخوات لجابر بن عبد الله لما مرض وسأل عن إرثهن منه كما في الصحيحين فدل على أن المراد منها الأختان فأكثر
وقيس بالأختين البنتان وبنتا الابن والأخوات أو البنات بنات الابن بل هن داخلات في لفظ البنات على القول بإعمال اللفظ في حقيقته ومجازه
على أنه قيل إن فوق صلة كما في قوله تعالى { فاضربوا فوق الأعناق } وعليه فالآية تدل على البنتين
ويقاس بهما بنتا الابن أو هما داخلتان كما مر وبالأخوات البنات وبنات الابن
ومما احتج به أيضا أن الله تعالى قال { للذكر مثل حظ الأنثيين } وهو لو كان مع واحدة كان حظها الثلث
فأولى وأحرى أن يجب لها ذلك مع أختها
( و ) خامسها ( الثلث ) وهو فرض اثنين ( فرض أم ليس لميتها ولد ) وارث ( ولا ولد ابن ) وارث ( ولا اثنان من الإخوة والأخوات ) للميت سواء أكانوا أشقاء أم لا ذكورا أم لا محجوبين بغيرهما كأخوين لأم مع جد أم لا لقوله تعالى { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس } وولد الابن ملحق بالولد كما مر
والمراد بالإخوة اثنان فأكثر إجماعا قبل إظهار ابن عباس الخلاف
ويشترط أيضا أن لا يكون مع الأم أب وأحد الزوجين فقط فإن كان معها ذلك ففرضها ثلث الباقي كما سيأتي
( وفرض اثنين فأكثر من ولد الأم ) يستوي فيه الذكر وغيره لقوله تعالى { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت } الآية والمراد أولاد الأم بدليل قراءة ابن مسعود وغيره وله أخ أو أخت من أم وهي وإن لم تتواتر لكنها كالخبر في العمل بها على الصحيح لأن مثل ذلك إنما يكون توقيفا
وإنما سوى بين الذكر والأنثى لأنه لا تعصيب فيمن أدلوا به بخلاف الأشقاء ولأب فإن فيهم تعصيبا فكان للذكر مثل حظ الأنثيين كالبنتين والبنات ذكره ابن أبي هريرة في تعليقه
( وقد يفرض ) الثلث ( للجد مع الإخوة ) فيما إذا نقص عنه بالمقاسمة كما لو كان معه ثلاثة إخوة فأكثر كما سيأتي وبهذا يكون فرض الثلث لثلاثة وإن لم يكن الثالث في كتاب الله كما مر
( و ) سادسها ( السدس ) وهو ( فرض سبعة ) فرض ( أب وجد ) وارث ( لميتهما ولد أو ولد ابن ) ذكرا كان أو أنثى لقوله تعالى { ولأبويه لكل واحد منهما السدس } الآية وولد الابن كالولد كما مر والجد كالأب
( و ) فرض ( أم لميتها ولد أو ولد ابن ) وارث ( أو اثنين ) فأكثر ( من الإخوة والأخوات ) لما مر في الآيتين
تنبيه قوله اثنين قد يشمل ما لو ولدت امرأة ولدين ملزقين لهما رأسان وأربع أرجل وأربع أيد وفرجان ولها ابن آخر ثم مات هذا الابن وترك أمه وهذين فيصرف لها السدس وهو كذلك لأن حكمهما حكم الاثنين في سائر الأحكام من قصاص ودية وغيرهما
وتعطى أيضا السدس مع الشك في وجود أخوين كأن وطىء اثنان امرأة بشبهة وأتت بولد واشتبه الحال ثم مات الولد قبل لحوقه بأحدهما ولأحدهما دون الآخر ولدان فللأم من مال الولد السدس في الأصح أو الصحيح كما في زيادة الروضة في العدد
وإذا اجتمع مع الأم الولد أو ولد الابن واثنان من الإخوة فالذي ردها من الثلث إلى السدس الولد لقوته كما بحثه ابن الرفعة
( و ) فرض ( جدة ) وارثة لأب أو لأم لخبر أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس والمراد بها الجنس لأن الجدتين فأكثر الوارثات يشتركان أو يشتركن في السدس كما سيأتي
وروى الحاكم بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قضى به للجدتين
____________________
(3/10)
( و ) يفرض أيضا ( لبنت ابن ) فأكثر ( مع بنت صلب ) أو مع بنت ابن أقرب منها تكملة الثلثين لقضائه صلى الله عليه وسلم بذلك في بنت الابن مع البنت رواه البخاري عن ابن مسعود وقيس عليه الباقي ولأن البنات ليس لهن أكثر من الثلثين والبنت وبنات الابن أولى بذلك
( و ) يفرض أيضا ( لأخت ) لأب ( أو أخوات لأب مع أخت لأبوين ) كما في البنت وبنات الابن ( ولو أحد من ولد الأم ) ذكرا كان أو أنثى أوخنثى لقوله تعالى { وله أخ أو أخت } الآية
تتمة أصحاب الفروض ثلاثة عشر أربعة من الذكور الزوج والأخ للأم والأب والجد وقد يرث الأب والجد بالتعصيب فقط وقد يجمعان بينهما وسيأتي بيانه
وتسعة من الإناث الأم والجدتان والزوجة والأخت للأم وذوات النصف الأربع
ولما فرغ المصنف من بيان الوارث وأصحاب الفروض شرع فيمن يحجب ومن لا يحجب فقال فصل في الحجب وهو لغة المنع وشرعا منع من قام به سبب الإرث بالكلية أو من أوفر حظيه
ويسمى الأول حجب حرمان والثاني حجب نقصان فالثاني كحجب الولد الزوج من النصف إلى الربع وقد مر ويمكن دخوله على جميع الورثة
والأول قسمان حجب بالوصف ويسمى منعا كالقتل والرق ويمكن دخوله على جميع الورثة أيضا وسيأتي وحجب بالشخص أو الاستغراق وهو المراد بهذا الفصل كما يؤخذ من قوله ( الأب والابن والزوج لا يحجبهم أحد ) من الإرث إجماعا ولأن كلا منهما يدلي إلى الميت بنفسه بنسب أو نكاح وليس فرعا لغيره والأصل مقدم على الفرع
( وابن الابن ) وإن سفل ( لا يحجبه ) من العصبة ( إلا الابن ) أباه كان أو عمه لإدلائه به أو لأنه عصبة أقرب منه وهذا مجمع عليه
( أو ابن ابن أقرب منه ) كأبن ابن وابن ابن ابن ومن هذا يعلم أن قوله أولا ابن الإبن مراده وإن سفل كما قدرته حتى ينتظم مع هذا
فإن قيل يرد على الحصر أنه يحجبه أيضا أبوان وابنتان
أجيب بأنه سيذكره آخر الفصل في قوله وكل عصبة يحجبه أصحاب فروض مستغرقة
( والجد ) أبو الأب وإن علا ( لا يحجبه إلا ) ذكر ( متوسط بينه وبين الميت ) بالإجماع لأن من أدلى بشخص لا يرث مع وجوده إلا أولاد الأم
تنبيه لم يقيد المصنف المتوسط بالذكر كما قدرته إيضاحا لأن من بينه وبين الميت أنثى لا يرث أصلا فلا يسمى حجبا وإنما عبر بمتوسط ليتناول حجب الجد لأبيه وما فوقه من الصور
( والأخ لأبوين يحجبه ) ثلاثة ( الأب والابن وابن الابن ) وإن سفل بالإجماع
( و ) الأخ ( لأب يحجبه ) أربعة ( هؤلاء ) الثلاثة لأنهم إذا حجبوا الشقيق فهو أولى ( وأخ لأبوين ) لقوته بزيادة القرب
فإن قيل يرد على الحصر أنه يحجب أيضا ببنت وأخت شقيقة ولا يصح أن يجاب عنه بما مر لأنه في هذه الصورة لم يحجبه أصحاب فروض مستغرقة لأن الأخت مع البنت عصبة
أجيب بأن كلامه فيمن يحجب بمفرده وكل من البنت والأخت لا تحجب الأخ بمفردها بل مع غيرها ( و ) الأخ ( لأم يحجبه ) أربعة ( أب وجد وولد ) ذكرا كان أو أنثى ( وولد ابن ) ولو أنثى بالإجماع ولآيتي الكلالة المفسرة بمن لا ولد له ولا والد
أما الأم فلا تحجبهم وإن أدلوا بها كما مرت الإشارة إليه لأن شرط حجب المدلي بالمدلى به إما اتحاد جهتهما كالجد مع الأب والجدة مع الأم أو استحقاق المدلى به كل التركة لو انفرد كالأخ مع الأب والأم مع ولدها ليست كذلك لأنها تأخذ بالأمومة وهو بالأخوة ولا تستحق جميع التركة إذا انفردت ( وابن الأخ لأبوين يحجبه ستة أب ) لأنه يحجب أباه فهو أولى ( وجد ) لأنه في درجة أبيه فحجبه كأبيه ( وابن ابنه ) لأنهما يحجبان أباه فهو أولى ( وأخ
____________________
(3/11)
لأبوين ) لأنه إن كان أباه فهو يدلي به وإن كان عمه فهو أقرب منه ( و ) أخ ( لأب ) لأنه أقرب منه
تنبيه إنما ضبط المصنف هذا بالعدد دون غيره دفعا للإلباس في قوله بعد ولأب لئلا يتوهم التكرار وإرادة للتنبيه على أن قوله ولأب الثاني معطوف على ابن الأخ لأبوين لا على ما يليه
( و ) ابن الأخ ( لأب يحجبه ) سبعة ( هؤلاء ) الستة لما سبق ( وابن الأخ لأبوين ) لقوته
فرع لو تعارض قرب جهة 4 كابن ابن أخ شقيق وابن أخ لأب قدم ابن الأخ لأب لأن بنوة الأخ جهة واحدة يقدم فيها الأقرب
( والعم لأبوين يحجبه ) ثمانية ( هؤلاء ) السبعة لما سبق ( وابن أخ لأب ) لقرب درجته ( و ) العم ( لأب يحجبه تسعة هؤلاء ) الثمانية لما مر ( وعم لأبوين ) لقوته
فإن قيل يرد على المصنف أن العم يطلق على عم الميت وعم أبيه وعم جده وابن عم الميت يقدم على عم أبيه وابن عم أبيه يقدم على عم جده لقوة جهته كما يقدم ابن الأب وهو الأخ على ابن الجد وهو العم
أجيب بأن مراده عم الميت لا عم أبيه ولا عم جده
( وابن عم لأبوين يحجبه ) عشرة ( هؤلاء ) التسعة لما مر ( وعم لأب ) لأنه في درجة أبيه فقدم عليه لزيادة قربه
( و ) ابن عم ( لأب يحجبه ) أحد عشر ( هؤلاء ) العشرة لما سلف ( وابن عم لأبوين ) لقوته
( والمعتق يحجبه عصبة النسب ) بالإجماع لأن النسب أقوى من الولاء
إذ تتعلق به أحكام لا تتعلق بالولاء كالمحرمية ووجوب النفقة وسقوط القصاص وعدم صحة الشهادة ونحوها
ولما فرغ من حجب الذكور شرع في حجب الإناث فقال ( والبنت والأم والزوجة لا يحجبن ) عن إرثهن بالإجماع لما مر في الأب والابن والزوج
فائدة ضابط من لا يدخل عليه الحجب بالشخص كل من أدلى إلى الميت بنفسه إلا المعتق والمعتقة
( وبنت الابن يحجبها ابن ) لأنه أبوها أو عمها وهو بمنزلة أبيها ( أو بنتان ) لأن الثلثين فرض البنات ولم يبق منه شيء ( إذا لم يكن معها ) أي بنت الابن ( من يعصبها ) سواء أكان في درجاتها كأخيها أم أسفل منها كابن ابن عمها كما سيأتي
وهذا قيد في الأخير فقط
فإن كان معها من يعصبها اشتركت معه فيما بقي بعد ثلثي البنتين للذكر مثل حظ الأنثيين
( والجدة للأم لا يحجبها إلا الأم ) إذ ليس بينها وبين الميت غيرها فلا تحجب بالأب ولا بالجد
فائدة قد ترث الجدة مع بنتها إن كانت بنتها جدة أيضا فيكون السدس بينهما نصفين وذلك في جدة الميت من جهة أبيه وأمه وصورتها لزينب مثلا بنتان حفصة وعمرة ولحفصة ابن ولعمرة بنت بنت فنكح ابن حفصة بنت بنت خالته عمرة فأتت بولد فلا تسقط عمرة التي هي أم أم أم الولد أمها زينب لأنها أم أم أبي الولد
وأخصر من ذلك أن يقال مات زيد عن فاطمة أم أبيه وعن أمها زينب وهي أم أم أمه فيشتركان في السدس ذكره القاضي وغيره وقالوا ليس لنا جدة ترث مع بنتها الوارثة إلا هذه
( و ) الجدة ( للأب يحجبها الأب ) لأنها تدلي به
نعم لو مات زيد المذكور آنفا عن أبيه وجدته زينب ورثت مع وجود الأب أي من جهة الأم
قال الخفاف وليس لنا جدة ترث وابنها حي من ابن ابنها إلا هذه
( أو الأم ) أي تحجب الجدة للأب أيضا بالإجماع فإنها تستحق بالأمومة والأم أقرب منها
( والقربى من كل جهة تحجب البعدى منها ) سواء أدلت بها كأم أب وأم أم أب وأم أم وأم أم أم أم لم تدل بها كأم أب وأم أبي أب فلا ترث البعدى مع وجود القربى نعم لو كانت البعدى جدة من جهة أخرى لم تحجب القربى البعدى كما مر قريبا في
____________________
(3/12)
مثال زينب
( والقربى من جهة الأم كأم أم تحجب البعدى من جهة الأب كأم أم أب ) فتنفرد الأولى بالسدس لأن لها قوتين قربها بدرجة وكون الأم هي الأصل والجدات كالفرع لها
( و ) الجدة ( القربى من جهة الأب ) كأم أب ( لا تحجب البعدى من جهة الأم ) كأم أم أم ( في الأظهر ) بل يكون السدس بينهما نصفين لأن الأب لا يحجبها فالجدة التي تدلي به أولى أن لا تحجبها
والثاني يحجبها للقرب كما لو كانت القربى من جهة الأم
وفرق الأول بقوة قرابة الأم ولذلك تحجب الأم جميع الجدات من الجهتين بخلاف الأب وعلى هذا القياس وسيأتي ضابط من يرث من الجدات ومن لا يرث ( والأخت من الجهات ) كلها في حجبها بغيرها ( كالأخ ) فيما يحجب به فتحجب الأخت لأبوين بالأب والابن وابن الابن وتحجب الأخت لأب بهؤلاء وأخ لأبوين والأخت لأم بأب وجد وولد وفرع ابن وارث
فإن قيل قد توهم هذه العبارة أن الأخت الشقيقة تحجب الأخت للأب كما أن الأخ الشقيق يحجب الأخ للأب أجيب بأن هذا مندفع بما قاله سابقا من أن لها مع الشقيقة السدس ويستثنى من إلحاقها بأخيها أن الشقيقة أو التي لأب لا تحجب بفروض مستغرقة حيث يفرض لها بخلاف الأخ
( والأخوات الخلص لأب يحجبهن أيضا أختان لأبوين ) كما في بنات الابن مع البنات
وخرج بالخلص ما إذا كان معهن أخ فإنه يعصبهن ولا يحجبن كما سيأتي
( والمعتقة ) في حجبها بغيرها ( كالمعتق ) في حجبه فيحجبها عصبة النسب
( وكل عصبة ) يمكن حجبه ولم ينتقل عن التعصيب للفرض ( يحجبه أصحاب فروض مستغرقة ) للتركة كزوج وأم وأخ لأم وعم فلا شيء للعم لحجبه باستغراق الفروض
وذكر الشارح بدل الأخ للأم الجد ونسب لسبق القلم لأن الجد إذا لم يكن معه ولد ولا ولد ولد إنما يرث بالتعصيب لا بالفرض حتى يكون للجد السدس في المسألة المذكورة وهذا ممنوع فقد صرح ابن الهائم بأن الجد يأخذ بالفرض إذا لم يبق إلا السدس أو دونه أو لم يبق شيء
وخرج ب يمكن الولد لأنه عصبة لا يمكن حجبه وقد علم من قول المصنف أول الفصل لا يحجبه أحد
و بلم ينتقل الخ العصبة الشقيق في الشركة والعصبة الشقيقة في الأكدرية فإن العصبة فيهما لم يحجب باستغراق الفروض لأن كلا منهما انتقل إلى الفرض ولو عبر المصنف بذلك لكان حسنا
تنبيه من لا يرث لمانع من رق أو نحوه لا يحجب غيره حرمانا ولا نقصانا وكل من حجب شخصا عادت فائدته إليه إلا في صور منها مسألة أبوين وأخوين فترد الأم إلى السدس لا بواسطة الأب بل بواسطة الآخرين ولا تعود فائدة حجبها إليهما
والتحقيق كما قاله بعض المتأخرين أن لا استثناء فإن الأم وإن حجبت بالأخوين لكنهما حجبا بالأب فعادت فائدة الحجب إليه فإنه يأخذ ما فضل عن السدس بالتعصيب
فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا ( الابن ) المنفرد ( يستغرق المال وكذا ) الابنان ( والبنون ) إجماعا في الجميع
تنبيه لو عبر بالتركة هنا وفيما سيأتي ليشمل غير المال كان أولى
وإرث الابن بالعصوبة وقيل لا يسمى عصبة لأن العصبة من قد يحجب وهو لا يحجب
قال في البسيط والخلاف لفظي
( وللبنت ) الواحدة ( النصف وللبنتين فصاعدا الثلثان ) وهذا قد سبق في فصل أصحاب الفروض وذكر هنا تتميما للأقسام وتوطئة لقوله ( ولو اجتمع بنون وبنات فالمال لهم للذكر مثل حظ ) أي نصيب ( الأنثيين ) لقوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر } الآية وإنما فضل الذكر على الأنثى لاختصاصه بلزوم ما لا يلزم الأنثى من الجهاد وتحمل العاقلة وغيرهما وله حاجتان حاجة
____________________
(3/13)
لنفسه وحاجة لزوجته وللأنثى حاجة واحدة لنفسها بل هي غالبا مستغنية بالتزويج عن الإنفاق من مالها ولكن لما علم الله سبحانه وتعالى احتياجها إلى النفقة وأن الرغبة تقل فيها إذا لم يكن لها مال جعل لها حظا من الإرث وأبطل حرمان الجاهلية لها
وإنما جعل لها نصف ما للذكر لأنها كذلك في الشهادة
وخولف هذا القياس في إخوة الأم فسوى بين ذكرهم وأنثاهم لإدلائهم بالأم وبين الأب والأم فيما إذا كان هناك ابن مثلا فجعل لكل منهما السدس لتعبها في تربية الولد غالبا
( وأولاد الابن ) وإن نزل ( إذا انفردوا كأولاد الصلب ) فيما ذكر بالإجماع لتنزيلهم منزلتهم
( فلو اجتمع الصنفان ) أي أولاد الصلب وأولاد الابن ( فإن كان من ولد الصلب ذكر ) منفردا أو مع غيره ( حجب أولاد الابن ) بالإجماع ( وإلا ) بأن لم يكن ذكر ( فإن كان للصلب بنت فلها النصف والباقي لولد الابن الذكور ) فقط بالسوية بينهم ( أو ) الباقي لولد الابن ( الذكور والإناث ) للذكر مثل حظ الأنثيين قياسا على أولاد الصلب ( فإن لم يكن ) من أولاد الابن ( إلا أنثى أو إناث فلها أو لهن السدس ) تكملة الثلثين
أما الواحدة فلأنه صلى الله عليه وسلم قضى لها به رواه مسلم عن ابن مسعود
وأما في الزائد على الواحدة فلأن البنات ليس لهن أكثر من الثلثين فالبنت وبنات الابن أولى بذلك وترجحت بنت الصلب على بنات الابن بقربها فيشتركن في السدس كالجدات الوارثات
( وإن كان للصلب بنتان فصاعدا أخذتا ) أو أخذن ( الثلثين ) كما مر ( والباقي لولد الابن الذكور ) بالسوية ( أو الذكور والإناث ) للذكر مثل حظ الأنثيين
( ولا شيء للإناث الخلص ) من ولد الابن مع بنتي الصلب بالإجماع كما قاله ابن المنذر
( إلا أن يكون أسفل منهن ذكر فيعصبهن ) في الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين إذ لا يمكن إسقاطه لأنه عصبة ذكر ولا إسقاط من فوقه وإفراده بالميراث مع بعده لأنه لو كان في درجتهن لم يفرد مع قربه وأفهم تعصيبه لهن إذا كان في درجتهن من باب أولى وهذا يسمى الأخ المبارك
أما الأعلى فيسقطن به
( وأولاد ابن الابن مع أولاد الابن كأولاد الابن مع أولاد الصلب ) في جميع ما مر ( وكذا سائر ) أي باقي ( المنازل ) من كل درجة نازلة مع درجة عالية كأولاد ابن الابن مع أولاد ابن الابن
( وإنما يعصب الذكر النازل ) من أولاد الابن عن إناثهم ( من في درجته ) كأخته وبنت عمه فيعصبها مطلقا سواء أفضل لها من الثلثين شيء أم لا كما يعصب الابن البنات
وخرج بقوله ( من في درجته ) من هي أسفل منه فإنه يسقطها كما مر
( ويعصب من فوقه ) كبنت عم أبيه ( إن لم يكن لها شيء من الثلثين ) كبنتي صلب وبنت ابن وابن ابن ابن فإن كان لها شيء منهما لم يعصبها كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن لأن لها فرضا استغنت به عن تعصيبه
ولا يقال تأخذ السدس ويعصبها في الباقي لأن الجمع بين فرض وتعصيب بجهة واحدة من خصائص الأب والجد
تنبيه قال الفرضيون ليس في الفرائض من يعصب أخته وعمته وعمة أبيه وجده وبنات أعمامه وبنات أعمام أبيه وجده إلا المستنزل من أولاد الابن
فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الأم في حالة ( الأب يرث بفرض ) فقط السدس كما مر ( إذا كان
____________________
(3/14)
معه ابن أو ابن ابن ) وارث وإن سفل والباقي لمن معه
( و ) يرث ( بتعصيب ) فقط ( إذا لم يكن ) معه ( ولد ولا ولد ابن ) سواء أكان وحده أم معه صاحب فرض كزوجة فله الباقي بعد الفرض بالعصوبة وإلا أخذ الجميع والأخ الشقيق يشارك الأب في هاتين الحالتين فيرث بالفرض كما سيأتي في المشركة وبالتعصيب في غيرها
( و ) يرث ( بهما ) أي الفرض والتعصيب من جهة واحدة ( إذا كان ) معه ( بنت ) مفردة أو كان معها بنت أخرى فأكثر ( أو بنت ابن ) وإن سفل مفردة أو معها بنت ابن أخرى وبنتا ابن فأكثر ( له السدس فرضا ) لأن لفظ الولد في الآية يشمل الذكر والأنثى
ولو عطف بالواو لصح فإنه لو كان معه بنت وبنت ابن أو بنتا ابن كان الحكم كذلك
( والباقي بعد فرضهما ) أي الأب والبنت أو الأب وبنت الابن وكذا غيرهما ممن ذكر وهو الثلث أو السدس له يأخذه ( بالعصوبة ) لقوله صلى الله عليه وسلم ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر وأولى بمعنى أقرب ولا يصح أن يكون بمعنى أحق لما يلزم عليه من الإبهام والجهالة فلا يبقى للكلام معنى
تنبيه قد يوهم كلامه أن الجد ليس كالأب في الأحوال الثلاثة وهو وجه والأصح خلافه وهو موافق لقوله بعد والجد كالأب
وقد يجمع الزوج بين الفرض والتعصيب كزوج هو معتق أو ابن عم لكن هذا خرج بقولنا فيما مر من جهة واحدة فإن هذا بجهتين بخلاف الأب والجد فإنه بجهة واحدة
( وللأم الثلث أو السدس في الحالين السابقين في ) فصل ( الفروض ) المقدرة وأعاده هنا توطئة لقوله ( ولها في مسألتي زوج أو زوجة وأبوين ثلث ما بقي بعد ) فرض ( الزوج أو ) فرض ( الزوجة ) لا ثلث جميع المال لإجماع الصحابة قبل إظهار ابن عباس الخلاف قائلا بأن لها الثلث كاملا في الحالين لظاهر الآية ولأن كل ذكر وأنثى لو انفردا اقتسما المال أثلاثا فإذا اجتمعا مع الزوج أو الزوجة اقتسما الفاضل كذلك كالأخ والأخت فللزوج في المسألة الأولى وهي من اثنين النصف والباقي ثلثه للأم وثلثاه للأب وأقل عدد له نصف صحيح وثلث ما يبقى ستة فتكون من ستة فهي تأصيل لا تصحيح كما سيأتي في الأصلين الزائدين
وللزوجة في الثانية وهي من أربعة أسهم وللأم ثلث الباقي وهو سهم وللأب الباقي
قالوا وإنما عبروا عن حصتها فيهما بثلث الباقي مع أنها أخذت في الأولى السدس وفي الثانية الربع تأدبا مع لفظ القرآن في قوله تعالى { وورثه أبواه فلأمه الثلث } ويلقبان بالغراوين لشهرتهما تشبيها لهما بالكوكب الأغر وبالعمريتين لقضاء عمر رضي الله تعالى عنه فيهما بما ذكر وبالغريبتين لغرابتهما
( والجد ) أبو الأب في الميراث ( كالأب ) عند عدمه في جميع ما مر من الجمع بين الفرض والتعصيب وغيره ( إلا أن الأب ) يفارقه في أنه ( يسقط الإخوة والأخوات ) للميت كما مر ( والجد ) لا يسقطهم بل ( يقاسمهم إن كانوا لأبوين أو لأب ) كما سيأتي ( والأب ) يفارق الجد أيضا في أنه ( يسقط أم نفسه ) لأنها تدلي به ( ولا يسقطها ) أي أم نفس الأب ( الجد ) لأنها زوجته والشخص لا يسقط زوجة نفسه فالأب والجدسيان في أن كلا منهما يسقط أم نفسه
( والأب ) يفارق الجد فيما سبق ( في ) مسألتي ( زوج أو زوجة وأبوين ) فإن الأب فيهما ( يرد الأم من الثلث إلى ثلث الباقي ولا يردها الجد ) بل تأخذ معه الثلث كاملا لأن الجد لا يساويها في الدرجة فلا يلزم تفضيله عليها بخلاف الأب
تنبيه لا ينحصر الاستثناء فيما ذكره بل يفارقه أيضا في أن الأب لا يرث معه إلا جدة واحدة والجد يرث معه جدتان ومع أبي الجد ثلاث ومع جد الجد أربع وهكذا كلما علا الجد درجة زاد فيمن يرث معه جدة
____________________
(3/15)
( وللجدة السدس ) كما مر
وذكر توطئة لقوله ( وكذا الجدات ) يعني الجدتين فأكثر لما روى الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين أنه صلى الله عليه وسلم قضى للجدتين من الميراث بالسدس
وسواء استوين في الإدلاء أم زادت إحداهما بجهة
مثاله في ذات جهتين تزوج ابن ابن هند ببنت بنتها فأتى منها بولد فهند أم أم أم الولد وأم أبي أبيه فهي جدة من جهتين فهي ذات جهتين فإذا مات هذا الولد عنها وعن أم أم أبيه وهي ذات جهة واحدة فلا تفضل هند عليها بل السدس بينهما بالسوية على الصحيح باعتبار الأبدان
وفي مراسيل أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام أعطى السدس لثلاث جدات وحكى الإمام فيه إجماع الصحابة
( وترث منهن ) جزما ( أم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص ) كأم أم الأم وإن علت ( وأم الأب وأمهاتها كذلك ) أي المدليات بإناث خلص كأم أم الأب ( وكذا أم أبي الأب وأم الأجداد فوقه وأمهاتهن على المشهور ) لأنهن جدات يدلين بوارث فيرثن كأم الأب
والثاني لا يرثن لإدلائهن بجد فأشبهن أم أبي الأم
( وضابطه ) أي إرث الجدات الوارثات هو ( كل جدة أدلت ) أي وصلت ( بمحض إناث ) كأم أم الأم ( أو ذكور ) كأم أبي الأب ( أو إناث إلى ذكور ) كأم أم الأب ( ترث ومن أدلت بذكر بين أنثيين ) كأم أبي الأم ( فلا ) ترث كما لا يرث ذلك الذكر وحكى ابن المنذر فيه الإجماع
تنبيه في معرفة بيان إرث الجدات الوارثات إذا تعددن اعلم أنه إذا اجتمع جدات فالوارث منهن من قبل الأم واحدة أبدا وإنما يقع التعدد في التي من قبل الأب ويتعدد ذلك بتعدد الدرجة
وإيضاح ذلك أن الواقع في الدرجة الأولى منك أبوك وأمك ثم لكل منهما أب وأم فالأربعة الذين هم في الدرجة الثانية هم الدرجة الأولى من درجات الجدودة ثم أصولك في الدرجة الثالثة ثمانية وفي الرابعة ستة عشر وفي الخامسة اثنان وثلاثون وهكذا فإذا وصلت إلى العاشرة كان فيها ألف وأربعة وعشرون جدة والنصف من الأصول في كل درجة ذكور والنصف إناث وهن الجدات فإذا كان في الدرجة الثانية من الأصول جدتان وفي الثالثة أربع وفي الرابعة ثمان وفي الخامسة ستة عشر وفي العاشرة خمسمائة واثنا عشر جدة ثم منهن وارثات وغير وارثات فإذا سئلت عن عدد من الجدات الوارثات على أقرب ما يمكن من المنازل فاجعل درجتهن بعدد السؤال عنه ومحض نسبة الأولى إلى الميت أمهات ثم أبدل من آخر بنسبة الثانية أما بأب وفي آخر نسبة الثالثة أمين بأبوين وهكذا تنقص من الأمهات وتزيد في الآباء حتى يتمحض نسبة الأخير فأبا مثاله إذا سئلت عن عشر جدات وارثات فاجعل درجتهن عشرة الأولى مدلية بالأمومة وهي أم أم أم أم أم أم أم أم أم أم
الثانية أم أم أم أم أم أم أم أم أم أب
الثالثة أم أم أم أم أم أم أم أم أبي أب
الرابعة أم أم أم أم أم أم أم أبي أبي أب
الخامسة أم أم أم أم أم أم أبي أبي أبي أب
السادسة أم أم أم أم أم أبي أبي أبي أبي أب
السابعة أم أم أم أم أبي أبي أبي أبي أبي أب
الثامنة أم أم أم أبي أبي أبي أبي أبي أبي أبي أب
التاسعة أم أم أبي أبي أبي أبي أبي أبي أبي أب
العاشرة أم أبي أبي أبي أبي أبي أبي أبي أبي أب
وأنا أرسم لك جدولا لنتدرب به على ذلك وهو هذا
____________________
(3/16)
ثم الوارثات في كل درجة من درجات الأصول بعدد تلك الدرجة ففي الدرجة الثانية اثنتان وفي الثالثة ثلاث وفي الرابعة أربع وفي الخامسة خمس وهكذا في كل درجة لا تزيد إلا وارثة واحدة وإن تضاعف عددهن في كل درجة وسببه أن الجدات ما بلغن نصفهن من قبل الأم ونصفهن من قبل الأب فإذا صعدت درجة تبدلت كل واحدة منهن بأمها وزادت أم الجد الذي صعدت إليه وهذا الجدول تصوير الجدات الواقعات في الدرجة الخامسة وارثات وغير وارثات ليقاس عليها ما يزاد من الجدات مع الأصول الذكور الوارثين وغيرهم من الأجداد
فصل في إرث الحواشي ( الإخوة والأخوات لأبوين إن انفردوا ) عن الإخوة والأخوات للأب ( ورثوا كأولاد الصلب ) فللذكر الواحد فأكثر كل المال وللأنثى النصف وللثنتين فصاعدا الثلثان وعند اجتماع الصنفين للذكر مثل حظ الأنثيين
( وكذا إن كانوا ) أي الإخوة والأخوات ( لأب ) وانفردوا عن الإخوة والأخوات للأبوين ورثوا كأولاد الصلب
( إلا ) أي لكن ( في المشركة ) بفتح الراء المشددة بخطه أي المشرك فيها بين الشقيق وولدي الأم وقيل بكسرها بمعنى فاعلة التشريك
( وهو زوج وأم ) أو جدة ( وولد أم ) فصاعدا ( وأخ لأبوين ) فأكثر
____________________
(3/17)
( فيشارك الأخ ) الشقيق ولو كان معه من يساويه من الإخوة والأخوات ( ولدي الأم في الثلث ) بإخوة الأم لاشتراكهم في القرابة التي ورثوا بها الفرض فأشبه ما لو كان أولاد الأم بعضهم ابن عم فإنه يشارك بقرابة الأم وإن سقطت عصوبته
وتسمى هذه أيضا بالحمارية لأنها وقعت في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه فحرم الأشقاء فقالوا هب أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة فشرك بينهم
وفي مستدرك الحاكم أن زيدا هو القائل هب أن أباهم كان حمارا ما زادهم الأب إلا قربا
وروي أن عمر رضي الله تعالى عنه هو القائل ذلك
وروي أنه قضى بها مرة فلم يشرك ثم قضى في العام الثاني فشرك فقيل إنك أسقطته في العام الماضي فقال ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي
وتسمى المنبرية لأنه سئل عنها وهو على المنبر
وروي هب أن أبانا كان حجرا ملقى في اليم فعلى هذا تسمى الحجرية واليمية
وأصل المسألة ستة وتصح من ثمانية عشر إذا لم يكن مع الأخ من يساويه فإن كان معه أخت صحت من إثني عشر ولا تفاضل بينه وبينها
( ولو كان بدل الأخ ) لأبوين ( أخ لأب سقط ) بالإجماع لأنه ليس له قرابة أم يشارك بها ولو كان بدله أخت لأب فرض لها النصف وعالت ولو كانتا اثنتين فأكثر فرض لهما أو لهن الثلثان وأعيلت ولو كان معهن أخ لأب سقط وأسقطهن
ولذلك سمي هذا الأخ الميشوم
ولو كان بدل الشقيق أخت شقيقة فرض لها النصف أو ثنتان فأكثر فرض لهما أولهن الثلثان أو خنثى شقيق فبتقدير ذكورته هي المشركة وتصح من ثمانية عشر كما مر وبتقدير أنوثته تعول إلى تسعة وبينهما تداخل فيصحان من ثمانية عشر وإلا ضر في حقه ذكورته وفي حق الزوج والأم أنوثته ويستوي في حق ولدى الأم الأمران فإذا قسمت يفضل أربعة موقوفة بينه وبين الزوج والأم فإن كان أنثى أخذها أو ذكرا أخذ الزوج ثلاثة والأم واحدا
( ولو اجتمع الصنفان ) من الإخوة لأبوين والإخوة لأب ( فكاجتماع أولاد الصلب وأولاد ابنه ) فإن كان من أولاد الأبوين ذكر ولو مع أنثى حجب أولاد الأب أو أنثى فلها النصف والباقي لأولاد الأب الذكور فقط أو الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يكن من ولد الأب إلا أنثى أو إناث فلها أولهن السدس تكملة الثلثين وإن كان ولد الأبوين اثنتين فأكثر فلهما أو لهن الثلثان والباقي لولد الأب الذكور فقط أو الذكور والإناث ولا شيء للإناث الخلص منهما مع الأختين لأبوين فأكثر
( إلا أن بنات الابن يعصبهن من في درجتهن أو أسفل ) منهن كما مر ( والأخت لا يعصبها إلا أخوها ) لا ابن الأخ ولا ابن العم فلو خلف شخص أختين لأبوين وأختا لأب وابن أخ لأب فللأختين الثلثان والباقي لابن الأخ ولا يعصب الأخت لأنه لا يعصب أخته فلا يعصب عمته وأيضا ابن الابن يسمى ابنا حقيقة أو مجازا وابن الأخ لا يسمى أخا
وسكت المصنف عما لو اجتمع أخ لأبوين ولأب ولأم وحكمهم أن للأخ للأم السدس والباقي للشقيق ولا شيء للأخ للأب فإن كان الجميع إناثا كان للشقيقة النصف وللتي للأب السدس تكملة الثلثين وللتي للأم السدس
( وللواحد من الإخوة أو الأخوات لأم السدس ولاثنين ) منهم ( فصاعدا الثلث سواء ذكورهم وإناثهم ) بالإجماع ولأنهم يشتركون بالرحم فاستووا كالأبوين مع الولد فإنهما يشتركان في الثلث وبهذا فارقوا الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب فإن للذكر مثل حظ الأنثيين لأنهم يرثون بالعصوبة
تنبيه قال الفرضيون أولاد الأم يخالفون بقية الورثة في خمسة أشياء أحدها ذكرهم يدلي بأنثى ويرث
ثانيها يحجبون من يدلون به حجب نقصان
ثالثها يرثون مع من يدلون به
رابعها تقاسمهم بالسوية
خامسها ذكرهم المنفرد كأنثاهم المنفردة
ولما سبقت الإشارة إلى العصبة بغيره في اجتماع البنات مع البنين أشار هنا إلى العصبة مع غيره وهو اجتماع الأخوات مع البنات فقال ( والأخوات لأبوين أو لأب مع البنات وبنات الابن عصبة كالإخوة ) لما روي
____________________
(3/18)
البخاري أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه سئل عن بنت وبنت ابن وأخت فقال لأقضين فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس وما بقي فللأخت
قال الإمام ولأنه إذا كان في المسألة بنتان أو بنات ابن وأخوات أخذ البنات أو بنات الابن الثلثين فلو فرضنا للأخوات وأعلنا المسألة نقص نصيب البنات أو بنات الابن فاستبعدوا أن تزاحم الأخوات الأولاد أو أولاد الابن ولم يمكن إسقاطهن فجعلن عصبات ليدخل النقص عليهن خاصة
ثم بين فائدتها كونها عصبة بقوله ( فتسقط أخت لأبوين ) اجتمعت ( مع البنت ) أو بنت الابن أو معهما الإخوة و ( الأخوات لأب ) كما يسقطهم الأخ الشقيق
تنبيه لو قال بدل الأخوات لأب أولاد الأب لكان أولى ليشمل ما قدرته
ولو كان مع الأخت الشقيقة أخ شقيق عصبها وكان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين لئلا يلزم مخالفة أصل أن للذكر ضعف ما للأنثى ولأن تعصيبها إنما هو للضرورة كما مر
( وبنو الإخوة لأبوين أو لأب كل منهم ) حكمه في الإرث ( كأبيه اجتماعا وانفرادا ) فيستغرق الواحد أو الجمع منهم المال عند الانفراد ويأخذ ما فضل عن الفروض وعند اجتماعهم يسقط ابن الشقيق ابن الأخ للأب
( لكن يخالفونهم ) أي آباءهم ( في أنهم لا يردون الأم ) من الثلث ( إلى السدس ) بخلاف آبائهم لأن الله تعالى أعطاها الثلث حيث لا إخوة وهذا الاسم لا يصدق على بنيهم كما مر ( ولا يرثون مع الجد ) بل يسقطون به وآباؤهم يرثون معه لأن الجد كالأخ بدليل تقاسمهما إذا اجتمعا وإذا كان كالأخ فلا يرث ابن الأخ معه لأنه أقرب منه ( ولا يعصبون أخواتهم ) لأنهم من ذوي الأرحام ( ويسقطون في المشركة ) بخلاف آبائهم الأشقاء لأن مأخذ التشريك قرابة الأم وهي مفقودة في ابن الأخ
وهذه المخالفة مختصة ببني الإخوة للأبوين كما قررته تبعا للمحرر لأن الإخوة لأب وبنيهم سيان في ذلك كما مر
تنبيه قد اقتصر المصنف تبعا للرافعي على استثناء هذه الصور الأربع وزاد في الروضة ثلاث صور أخر الأولى الإخوة لأبوين يحجبون الإخوة لأب وأولادهم لا يحجبونهم
الثانية الأخ للأب يحجب ابن الأخ الشقيق وابنه لا يحجبه
الثالثة بنو الإخوة لا يرثون مع الأخوات إذا كن عصبات مع البنات
فائدة الإخوة والإخوان جمع أخ سواء في ذلك أخو النسب وأخو الصداقة
وقال أهل البصرة الإخوة في النسب والإخوان في الأصدقاء
قال أبو حاتم وهذا غلط بل كل يستعمل فيهما
( والعم لأبوين ولأب ) حكمه في الإرث ( كالأخ من الجهتين اجتماعا وانفرادا ) منصوبان بنزع الخافض أي في الاجتماع والانفراد أو على التمييز أي من جهة الاجتماع والانفراد فمن انفرد منهما استغرق المال وإلا أخذ الباقي بعد الفرض
وإذا اجتمعا سقط العم لأب بالعم لأبوين كأخ من أب مع أخ لأبوين هذا عند عدم بني الإخوة لأنهم يحجبونهم لتأخر رتبتهم عنهم
( وكذا قياس بني العم ) من الأبوين أو من الأب عند عدم العم كبني الإخوة ( و ) كذا قياس ( سائر ) أي باقي ( عصبة النسب ) كبني بني العم وبني بني الإخوة وهلم جرا
فإن قيل يرد على المصنف بنو الأخوات اللواتي هن عصبة مع البنات مع أن بنيهن ليسوا مثلهن وهن من عصبة النسب
أجيب بأن الكلام في العصبة بنفسه
( والعصبة ) ويسمى به الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قاله المطرزي وتبعهم المصنف وأنكر ابن الصلاح إطلاقه على الواحد لأنه جمع عاصب ومعنى العصبة لغة قرابة الرجل لأبيه وشرعا كما قال المصنف ( من ليس له ) حال التعصيب بجهة التعصيب ( سهم مقدر من ) الورثة ( المجمع على توريثهم ) من ذوي الأرحام
وإنما قيدت المقدر بجهة التعصيب لئلا
____________________
(3/19)
يرد ابن عم هو زوج أو أخ لأم لأن ما يأخذه فرضا ليس من جهة التعصيب بل من جهة الزوجية أو إخوة الأم ويدخل في ذلك الأب والجد والأخوات مع البنات
وأدخلت في كلامه ذوي الأرحام إذ الصحيح في توريثهم مذهب أهل التنزيل كما مر فإنهم ينزلون كلا منهم منزلة من يدلي به وهم ينقسمون إلى ذوي فرض وعصبات
تنبيه كل من ذكره من الرجال عصبة إلا الزوج والأخ للأم وكل من ذكره من النساء ذات فرض إلا المعتقة
ثم ذكر المصنف بعد تعريف العصبة حكمه بقوله ( فيرث المال ) وما ألحق به إذا انفرد وذلك في بعض أحواله حيث لم يكن معه ذو فرض
ولم ينتظم في صورة ذوي الأرحام بيت المال ( أو ما فضل بعد الفروض ) أو الفرض إن كان معه ذو فرض أو ذو فروض أي سهم مقدر ولم ينتظم في تلك الصورة بيت المال وكان ذو الفرض فيها أحد الزوجين
وتقدم بيان من له فرض
ومن حكم العاصب أيضا أنه يسقط عند استغراق الفروض كما سبق إلا إذا انقلب إلى فرض كالشقيق في المشركة ومن حكمه أيضا أن قريب الجهة فيه مقدم على القريب للميت فلو مات عن ابن ابن أخ وابن عم فالأول أولى كما قاله القاضي حسين
تنبيه قوله فيرث المال صادق بالعصبة بنفسه وهو ما تقدم وبنفسه وغيره معا والعصبة بغيره هن البنات والأخوات غير ولد الأم مع أخيهن
وقوله أو ما فضل الخ صادق بذلك وبالعصبة مع غيره وهن الأخوات مع البنات وبنات الابن فليس لهن حال يستغرقن فيها المال
والفرق بين العصبة بغيره والعصبة مع غيره أن في الأول لحمة عصبة بخلاف الثاني
فصل في الإرث بالولاء ( من ) مات و ( لا عصبة له بنسب وله معتق فما له ) وما ألحق به كله لمعتقه ( أو الفاضل ) منه ( عن ) الفرض أو ( الفروض له رجلا كان ) المعتق ( أو امرأة ) لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم إنما الولاء لمن أعتق ولأن الإنعام بالإعتاق موجود من الرجل والمرأة فاستويا في الإرث وحكى ابن المنذر فيه الإجماع
وإنما قدم النسب عليه لقوته ويرشد إليه حديث الولاء لحمة كلحمة النسب شبه به والمشبه دون المشبه به
( فإن لم يكن ) أي يوجد معتق ( فلعصبته ) أي المعتق ( بنسب المتعصبين بأنفسهم ) كابنه وأخيه ( لا لبنته وأخته ) ولو مع أخويهما المعصبين لهما لأنهما من أصحاب الفروض ولا للعصبة مع غيره
والمعنى فيه كما قاله ابن سريج أن الولاء أضعف من النسب المتراخي وإذا تراخى النسب ورث الذكور دون الإناث كبني الأخ وبني العم دون أخواتهن فإذا لم ترث بنت الأخ وبنت العم فبنت المعتق أولي أن لا ترث لأنهما أبعد منهما
والمعتبر أقرب عصباته يوم موت العتيق فلو مات المعتق وخلف ابنين ثم مات أحدهما وخلف ابنا ثم مات العتيق فولاؤه لابن المعتق دون ابن ابنه
تنبيه كلام المصنف كالصريح في أن الولاء لا يثبت للعصبة في حياة المعتق بل إنما يثبت بعده
قال البلقيني وليس كذلك بل الولاء ثابت لهم في حياة المعتق على المذهب المنصوص في الأم إذ لو لم يثبت لهم الولاء إلا بعد موته لم يرثوا
وقال السبكي يتلخص للأصحاب فيه وجهان أصحهما أنه لهم معه لكن هو المقدم فيما يمكن جعله له كإرث المال ونحوه
والثاني لا يكون إلا بعد موته لا بطريق الانتقال الذي هو الإرث
( وترتيبهم ) أي عصبات المعتق ( كترتيبهم في النسب ) فيقدم ابن المعتق ثم ابنه وإن سفل ثم أبوه ثم جده وإن علا وهكذا
( لكن الأظهر أن أخا المعتق ) لأبوين أو لأب ( وابن أخيه ) لهما ( يقدمان على جده ) جريا على القياس في أن البنوة أقوى من الأبوة
وإنما خولف في النسب لإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم على أن الأخ لا يسقط الجد ولا إجماع
____________________
(3/20)
في الولاء فصرنا إلى القياس
والثاني أنهما يستويان كالنسب
ويجري فيه القولان في العم وأبي الجد في كل عم اجتمع مع جد إذا أدلى العم بأب دون ذلك الجد قال البلقيني وغيره وكذا في ابن العم مع أبي الجد
ويفارق العتق أيضا النسب فيما لو كان للمعتق ابنا عم أحدهما أخ لأم فإنه يقدم هنا بخلاف النسب فإنهما سواء بعد إخراج الفرض والفرق أن الأخ للأم في النسب يرث فأعطي فرضه واستويا في الباقي بالعصوبة وفي الولاء لا يرث بالفرض فرجح من يدلي بقرابة الأم لتمحضها للترجيح
( فإن لم يكن له ) أي المعتق ( عصبة ) من النسب ( فلمعتق المعتق ثم عصبته ) أي عصبة معتق المعتق ( كذلك ) أي على الترتيب المذكور في عصبة المعتق ثم لمعتق معتق المعتق ثم لعصبته وعلى هذا القياس ثم بيت المال
( ولا ترث امرأة بولاء إلا معتقها ) بفتح التاء بخطه وهو من أعتقته لإطلاق الحديث المار إنما الولاء لمن أعتق
تنبيه قد يشعر قوله معتقها إخراج من عتق عليها من أصولها أو فروعها بالملك وليس مرادا بل لها ولاؤه اتفاقا
( أو منتميا إليه ) أي معتقها ( بنسب ) كابنه وإن سفل ( أو ولاء ) كمعتقه بفتح المثناة ويشركها الرجل في ذلك مع زيادة وهو كونه عصبة معتق من النسب
تنبيه استثنى في التنبيه صورة ثالثة وهي جر الولاء إليها وصورتها أن يتزوج عبدها بمعتقة لرجل فيأتي بولد فولاء الولد لموالي الأم فإذا أعتقت المرأة عبدها وهو أبو الولد جر الأب ولاء الولد إلى المرأة ولو اشترت بنت أباها فعتق عليها ثم اشترى الأب عبدا وأعتقه ثم مات الأب عنها وعن ابن له ثم عتيقه عنهما فميراثه للابن دون البنت لأنه عصبة معتق من النسب والبنت معتقة المعتق والأول أقوى وتسمى هذه مسألة القضاة لما قيل إنه أخطأ فيها أربعمائة قاض غير المتفقهة حيث جعلوا الميراث للبنت وغفلوا عن كون عصبة المعتق من النسب مقدما على معتق المعتق ولا ميراث لمعتق عصبات المعتق إلا لمعتق أبيه أو جده
فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات بالتفصيل المذكور في قوله ( إذا اجتمع جد ) أو أبوه ( وإخوة ) بكسر الهمزة وضمها ( وأخوات ) فإن كانوا لأم سقطوا كما مر في فصل الحجب وإن كانوا ( لأبوين أو لأب ) لم يسقطوا به على الصحيح
ثم اعلم أن القول في ميراث الجد مع الإخوة خطير في الفرائض ومسائله كثيرة الاختلاف فيما بين الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم وكانوا يحذرون من الخوض فيها وورد في حديث أجرأكم على قسم الجد أجرأكم على النار
قال الدارقطني كما نقله عنه القاضي أبو الطيب لا يصح رفعه وإنما هو عن عمر أو علي رضي الله عنهما
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال من سره أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض في الجدة والإخوة
وعن ابن مسعود رضي الله عنه سلوني عما شئتم من عصباتكم ولا تسألوني عن الجد والإخوة لا حياه الله ولا بياه قال الماوردي وأول من ورث الجد مع الإخوة في الإسلام عمر رضي الله عنه
ثم بعد اختلافهم أجمعوا على أن الإخوة لا تسقط الجد قال ابن عبد البر لم يخالف إلا فرقة من المعتزلة واختلفوا بعد ذلك على مذهبين أحدهما أن الجد بمنزلة الأب فيحجب الإخوة والأخوات وهو قول أبي بكر وابن عباس وعائشة وجماعة من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم وهو مذهب أبي حنيفة لأنه يسمى أبا ولأنه يأخذ السدس مع الابن وابن الابن كالأب فأسقط الإخوة
والمذهب الثاني أنه يشارك الإخوة وهو قول عمر وعثمان وزيد بن ثابت وجماعة من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم أجمعين وبه قال الائمة الثلاثة ولذلك قال المصنف ( فإن لم يكن معهم ذو ) أي صاحب ( فرض فله الأكثر من ثلث ) جميع ( المال و ) من ( مقاسمتهم كأخ ) أما أخذ الثلث
____________________
(3/21)
فلأن له مع الأم مثلي ما لها والإخوة لا ينقصونها عن السدس فلا ينقصونه عن مثليه ولأن الإخوة لا ينقصون أولاد الأم عن الثلث فبالأولى الجد لأنه يحجبهم
وأما المقاسمة فلأنه كالأخ في إدلائه بالأب وإنما أخذ الأكثر لأنه قد اجتمع فيه جهتا الفرض والتعصيب فأخذ بأكثرهما فإن استوى له الأمران فالفرضيون يعبرون فيه بالثلث لأنه أسهل
ومقتضى التشبيه أن له مع الأخوات مثل حظ الأنثيين وهو كذلك
والمقاسمة خير له من ثلث المال فيما إذا كانوا دون مثليه وذلك في خمس صور أن يكون مع الجد أخ أو أخت أو أختان أو ثلاث أخوات أو أخ وأخت والثلث خير له من المقاسمة فيما إذا زادوا على مثليه
ولا تنحصر صوره في عدد فيصدق ذلك بخمس أخوات وأخوين وأخت أو ثلاث أخوات وأخ ونحو ذلك مما لا ينحصر
ويستوي له الثلث والمقاسمة في ثلاث صور أن يكون معه أخوان أو أربع أخوات أو أخ وأختان
( فإن أخذ ) الجد ( الثلث فالباقي لهم ) للذكر مثل حظ الأنثيين كما لو لم يكن معهم جد ( وإن كان ) معهم ذو فرض يتصور إرثه معهم وهو البنات وبنات الابن والأم والجدات والزوجان ( فله الأكثر من سدس التركة و ) من ( ثلث الباقي ) بعد الفرض ( و ) من ( المقاسمة ) بعد الفرض
أما السدس فلأنه لا ينقص عنه مع الأولاد فمع الإخوة أولى وأما ثلث الباقي فلأنه لو لم يكن معه صاحب فرض لأخذ جميع ثلث المال فإذا خرج قدر الفرض مستحقا أخذ ثلث الباقي وكأن الفرض تلف من المال أما المقاسمة فلما سبق من تنزيله منزلة أخ
وضابط معرفة الأكثر من الثلاثة أنه إن كان الفرض نصفا فما دونه فالقسمة أغبط إن كان لإخوة دون مثلية وإن زادوا على مثليه فثلث الباقي أغبط وإن كانوا مثليه استويا وقد تستوي الثلاثة
وإن كان الفرض ثلثين فالقسمة أغبط إن كان معه أخت وإلا فله السدس وإن كان الفرض بين النصف والثلثين كنصف وثمن فالقسمة أغبط مع أخت أو أخ أو أختين فإن زادوا فله السدس
( وقد لا يبقى ) بعد الفرض ( شيء ) للجد ( كبنتين وأم وزوج ) مع جد وإخوة فالمسألة من إثني عشر
وتعول بسهم بقية فرض من نقص فرضه وحينئذ ( فيفرض له سدس ) اثنان ( ويزاد في العول ) إلى خمسة عشر ( وقد يبقى ) للجد بعد الفرض ( دون سدس كبنتين وزوج ) مع جد وإخوة هي من اثني عشر للبنتين الثلثان ثمانية وللزوج الربع ثلاثة يبقى للجد سهم ( فيفرض له ) سدس
( وتعال ) المسألة بواحد على إثني عشر
( وقد يبقى ) للجد ( سدس كبنتين وأم ) مع جد وإخوة هي من ستة للبنتين أربعة وللأم واحد ويبقى واحد ( فيفوز به الجد وتسقط الإخوة ) والأخوات ( في هذه الأحوال ) الثلاثة لأنهم عصبة وقد استغرق المال أهل الفرض
( ولو كان مع الجد إخوة وأخوات لأبوين ) بالواو بلا ألف قبلها بخلاف ما سبق أول الفصل فإنه معطوف ب أو لأن الكلام هناك فيما إذا كان معه أحدهما والكلام هنا في اجتماعهما
وحينئذ ( فحكم الجد ما سبق ) من خير الأمرين إن لم يكن معه ذو فرض وخير الأمور الثلاثة إن كان معه ( و ) لكن في صورة اجتماعها ( يعد ) أي يحسب ( أولاد الأبوين ) بالرفع بخطه فاعل يعد ( عليه ) أي الجد ( أولاد الأب ) بالنصب بخطه مفعول يعد ( في القسمة ) أي يدخلونهم في العدد على الجد إذا كانت المقاسمة خيرا له
( فإذا أخذ ) الجد ( حصته ) وهي الأكثر مما سبق ( فإن كان في أولاد الأبوين ذكر ) واحد فأكثر ( فالباقي لهم ) للذكر مثل حظ الأنثيين
( وسقط أولاد الأب ) لأن أولاد الأبوين يقولون للجد كلانا إليك سواء فنزاحمك
____________________
(3/22)
بإخوتنا ونأخذ حصتهم
كما أن الإخوة يردون الأم من الثلث إلى السدس والأب يحجبهم ويأخذ ما نقصوا من الأم
فإن قيل قياس ذلك أن الأخ من الأم مع الجد والأخ الشقيق أن يقول الجد أنا الذي أحجبه فأزحمك به وآخذ حصته
أجيب بأن الإخوة جهة واحدة فجاز أن ينوب أخ عن أخ والإخوة والجدودة جهتان مختلفان فلا يجوز أن يستحق الجد نصيب الآخر وبأن ولد الأب المعدود على الجد ليس بمحروم أبدا بل يأخذ قسطا مما قسم له في بعض الصور كما سيأتي
ولو عد الجد الأخ من الأم على الأخ من الأبوين كان محروما أبدا فلا يلزم من تلك المعادة هذه المعادة ففي جد وشقيق وأخ لأب هي من ثلاثة للجد سهم والباقي للشقيق ويسقط الأخ للأب
وفي جد وشقيقتين وأخ لأب هي من ستة للجد اثنان والباقي وهو الثلثان للشقيقتين وترجع لثلاثة والأولى أن تجعل ابتداء من ثلاثة للجد واحد وللشقيقتين اثنان ويسقط الأخ للأب على كلا التقديرين
وفي جد وشقيق وشقيقة وأخت لأب هي من ستة عدد رؤوسهم وتصح من ثمانية عشر للجد ستة وللشقيق ثمانية وللشقيقة أربعة والأولى أن تجعل من ثلاثة للجد واحد يفضل اثنان للشقيق والشقيقة فنضرب ثلاثة في ثلاثة بتسعة للجد ثلاثة وللشقيق أربعة وللشقيقة اثنان وتسقط الأخت للأب على كلا التقديرين
وهذه المسائل وأشباهها تسمى بالعادة
( وإلا ) أي وإن لم يكن في أولاد الأبوين ذكر بل إناث ( فتأخذ الواحدة ) منهن مع ما خصها مع الجد بالقسمة ( إلى ) تكملة ( النصف إن وجدته ) ففي جد وشقيقة وأخ لأب هي من خمسة وتصح من عشرة للجد أربعة وللشقيقة خمسة يفضل واحد للأخ من الأب وتسمى هذه المسألة بعشرية زيد
فإن لم تجده كجد وأم وزوجة وشقيقة وأخ لأب فتقتصر الشقيقة على ما فضل لها ولا تزاد عليه
( و ) تأخذ ( الثلثان فصاعدا ) مع ما خصهما مع الجد بالقسمة ( إلى ) تكملة ( الثلثين ) إن وجدتا ذلك
ففي جد وشقيقتين وأخ لأب هي من ستة للجد سهمان والباقي للشقيقتين ولا شيء للأخ للأب فإن لم تجد الثلثين بل الناقص عنهما اقتصرنا على الناقص كجد وشقيقتين وأخت لأب هي من خمسة للجد سهمان والباقي للشقيقتين وهو دون الثلثين فلا يزاد عليه
وهذا يدل على أن ذلك بالتعصيب وإلا لزيدتا وأعيلت
( ولا يفضل عن الثلثين شيء ) لأن للجد الثلث كما مر فإذا مات عن شقيقتين وأخ لأب وجد فللجد الثلث والباقي وهو الثلثان للشقيقتين وهو تمام فرضهما
( وقد يفضل عن النصف ) شيء ( فيكون ) الفاضل ( لأولاد الأب ) كما مر في عشرية زيد
( والجد ) حكمه ( مع أخوات كأخ فلا يفرض لهن معه ) كما لا يفرض لهن مع الإخوة
ولا تعال المسألة بسببهن ولكن قد يفرض للجد معهن وتعال المسألة بسببه كما مر في قوله فيفرض له سدس ويزاد في العول لأنه صاحب فرض بالجدودة فيرجع إليه للضرورة
ثم استثنى من قوله فلا يفرض لهن قوله ( إلا في الأكدرية ) سميت بذلك لنسبتها إلى أكدر وهو اسم السائل عنها أو المسؤول أو الزوج أو بلد الميتة أو لأنها كدرت على زيد مذهبه لأنه لا يفرض للأخت مع الجد ولا يعيل مسائل الجد وهنا فرض وأعال وعلى هذا فينبغي تسميتها مكدرة لا أكدرية
وقيل لأن زيدا كدر على الأخت ميراثها لأنه أعطاها النصف ثم استرجعه منها وقيل غير ذلك
( وهي زوج وأم وجد وأخت لأبوين أو لأب ) هي من ستة ( فللزوج ) منها ( نصف ) وهو ثلاثة ( وللأم ) منها ( ثلث ) وهو اثنان لعدم من يحجبها عنه ( وللجد ) منها ( سدس ) وهو واحد لعدم من يحجبه ( وللأخت نصف ) وهو ثلاثة لعدم من يسقطها منه ومن يعصبها فإن الجد لو عصبها نقص حقه وهو السدس فتعين الفرض لها
( فتعول ) بنصيب الأخت وهو ثلاثة إلى تسعة
( ثم ) بعد ذلك ( يقتسم الجد والأخت نصيبهما ) وهما الأربعة من التسعة ( أثلاثا له الثلثان ) ولها
____________________
(3/23)
الثلث فانكسرت على مخرج الثلث فاضرب ثلاثة في تسعة تبلغ سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة
وإنما قسم الثلث بينهما لأنه لا سبيل إلى تفضيلها على الجد كما في سائر صور الجد والإخوة ففرض لها بالرحم وقسم بينهما بالتعصيب رعاية للجانبين
فإن قيل قياس كونها عصبة بالجد أن تسقط وإن رجع الجد إلى الفرض ألا ترى أنهم قالوا في بنتين وأم وجد وأخت للبنتين الثلثان وللأم السدس وللجد السدس وتسقط الأخت لأنها عصبة مع البنات ومعلوم أن البنات لا يأخذن إلا الفرض أجيب بأن ذلك عصوبة من وجه وفريضة من وجه فالتقدير باعتبار الفرضية والقسمة باعتبار العصوبة
وأيضا إنما يصح هذا أن لو كانت الأخت عصبة مع الجد والجد صاحب فرض كما أن الأخت عصبة مع البنت والبنت صاحبة فرض وليس كذلك بل الأخت عصبة بالجد وهو عصبة أصالة وإنما يحجب إلى الفرض بالولد وولد الإبن
ولو كان بدل الأخت أخ سقط أو أختان فللأم السدس ولهما السدس الباقي ولا عول ولم تكن أكدرية
ولو سقط من هذه المسألة الزوج كان للأم الثلث فرضا وقاسم الجد الأخت في الثلثين فتكون المسألة من ثلاثة للأم واحد والباقي لا ثلث له فاضرب ثلاثة في الثلاثة أصل المسألة تبلغ تسعة للأم ثلاثة أتساع وللجد أربعة أتساع وللأخت تسعان
ولو كان بدل الأخت مشكل فالأسوأ في حق الزوج والأم أنوثته وفي حق المشكل والجد ذكورته وتصح من أربعة وخمسين
وهذه المسألة يعايابها من وجهين أحدهما أن يقال لنا أربعة من الورثة أخذ أحدهم ثلث المال وآخر ثلث الباقي وآخر ثلث باقي الباقي وآخر الباقي
الثاني أن يقال لنا أربعة من الورثة أخذ أحدهم جزءا من المال وآخر نصف ذلك الجزء وآخر نصف الجزءين وآخر نصف الأجزاء
فإن قيل يرد على حصر المصنف الاستثناء في هذه الصورة أن الأخت يفرض لها النصف والثلثان للثنتين في المعادة
أجيب بأن الفرض هناك إنما هو اعتبار وجود الأخ لا بالجد وهذه المسألة من الملقبات
ومنها المشركة وقد تقدمت ومنها الخرقاء بالمد وهي أم وأخت لغير أم وجد للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت أثلاثا فتصح المسألة من تسعة وسميت بذلك لتخرق أقوال الصحابة فيها وتلقب أيضا بغير ذلك فإن من الملقبات ما له لقب واحد ومنها ما له أكثر وغايته عشرة
وقد أكثر الفرضيون من التلقيبات ولا نهاية لها ولا حسم لأبوابها وقد ذكرت منها جملا كثيرة في شرح التنبيه
ولهم مسائل أخر تسمى بالمعاياة قال الجوهري المعاياة هي أن تهتدي لشيء لا يهتدى له منها ما لو قالت امرأة إن ولدت ذكرا ورث وورثت أو أنثى لم ترث ولم أرث فهي بنت ابن الميت وزوجة ابن ابنه الآخر وهناك بنتا صلب فالباقي بعد الثلثين بين القائلة وابنها أثلاثا وإن ولدت أنثى فلا شيء لها لاستغراق الثلثين مع عدم المعصب
ومنها رجلان كل منهما عم الآخر هما رجلان نكح كل منهما أم الآخر فولد لكل منهما ابن فكل ابن هو عم الآخر لأمه
ومنها رجلان كل منهما خال الآخر هما رجلان نكح كل منهما بنت الآخر فولد لهما ابنان فكل ابن هو خال الآخر وقد ذكرت منها أيضا جملا كثيرة في الشرح المذكور فلا نطيل بذكرها
ثم شرع المصنف رحمه الله تعالى في ذكر الموانع وهي خمسة مترجما لها ولما يذكر معها بفصل فقال فصل لا يتوارث مسلم وكافر هذا أحدها وهو اختلاف الدين لخبر الصحيحين لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ولانقطاع الموالاة بينهما
وانعقد الإجماع على أن الكافر لا يرث المسلم
واختلفوا في توريث المسلم منه فالجمهور على المنع وقيل نرثهم كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا
وفرق الأول بأن التوارث مبني على الموالاة والمناصرة ولا موالاة بين المسلم والكافر بحال وأما النكاح فمن نوع الاستخدام
ولا فرق بين الولاء والنسب على المنصوص في الأم والمختصر وغيرهما
وأجمع عليه أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه وعنهم
تنبيه عبارة المحرر لا يرث المسلم الكافر وبالعكس
وهي أوضح من عبارة المصنف لأنه نفي التوارث بينهما من الجانبين بخلاف تعبير المصنف فإنه نفى التوارث بينهما وهو صادق بانتفاء أحدهما وهو حاصل بالإجماع في أن
____________________
(3/24)
الكافر لا يرث المسلم فليس فيه تنصيص على أن المسلم لا يرث الكافر وهي مسألة خلاف بين العلماء
فإن قيل يرد على المصنف ما لو مات كافر عن زوجة حامل ووقفنا الميراث فأسلمت ثم ولدت فإن الولد يرث منه مع حكمنا بإسلامه تبعا لأمه
أجيب بأنه كان محكوما بكفره يوم موت أبيه وقد ورث مذ كان حملا ولهذا نقل السبكي عمن هو منسوب إلى التحقيق في الفقه موثوق به من معاصريه أن لنا جمادا يملك وهو النطفة واستحسنه السبكي
قال الدميري وفيه نظر إذا الجماد ما ليس بحيوان ولا كان حيوانا
( و ) ثانيها الردة كما قال و ( لا يرث مرتد ) بحال إذ لا سبيل إلى توريثه من مثله لأن ما خلفه فيء ولا من كافر أصلي للمنافاة بينهما لأنه لا يقر على دينه وذاك يقر ولا من مسلم للخبر المار وإن عاد إلى الإسلام بعد موت مورثه
وما ادعاه ابن الرفعة من أنه إذا أسلم بعد موت مورثه أنه يرثه رده السبكي وقال إنه مصادم للحديث وخرق للإجماع قال وممن نقل الإجماع على أن المرتد لا يرث من المسلم شيئا وإن أسلم بعد ذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي
( ولا يورث ) بحال بل ماله يكون فيئا لبيت المال سواء اكتسبه في الإسلام أم في الردة لكن لو قطع شخص طرف مسلم مع المكافأة فارتد المقطوع ومات سراية وجب قود الطرف ويستوفيه من كان وارثه لولا الردة ومثله حد القذف
والزنديق كالمرتد فلا يرث ولا يورث وهو من لم يتدين بدين وكذا نصراني تهود أو نحوه
( ويرث الكافر الكافر ) على حكم الإسلام ( وإن اختلفت ملتهما ) كيهودي من نصراني ونصراني من مجوسي ومجوسي من وثني وبالعكوس لأن جميع ملل الكفر في البطلان كالملة الواحدة قال تعالى { فماذا بعد الحق إلا الضلال } فإن قيل كيف يتصور إرث اليهودي من النصراني وعكسه فإن الأصح أن من انتقل من ملة إلى ملة لا يقر أجيب بتصور ذلك في الولاء والنكاح وفي النسب أيضا فيما إذا كان أحد أبويه يهوديا والآخر نصرانيا إما بنكاح أو وطء شبهة فإنه يخير بينهما بعد البلوغ كما قاله الرافعي قبيل نكاح المشرك حتى لو كان له ولدان واختار أحدهما اليهودية والآخر النصرانية جعل التوارث بينهما بالأبوة والأمومة والأخوة مع اختلاف الدين
( لكن المشهور ) وعبر في الروضة بالمذهب وبه قطع الأكثرون ( أنه لا توارث بين حربي وذمي ) لانقطاع الموالاة بينهما
والمعاهد والمستأمن كالذمي فالتوارث بينهما وبينه وبين كل منهما لعصمته
ولو عبر بالمعاهد كان أولى لأنه إذا كان لا توارث بين الحربي وبينه فلا توارث بينه وبين الذمي بالأولى
والثاني يتوارثان لشمول الكفر لهما
( و ) ثالثها الرق وهو لغة العبودية والشيء الرقيق وشرعا عجز حكمي يقوم بالإنسان بسبب الكفر
فعليه ( لا يرث من فيه رق ) من قن ومدبر ومكاتب وأم ولد ومبعض لأنه لو ورث لكان الملك للسيد وهو أجنبي من الميت
واحتج السهيلي لذلك بقوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم } الآية فإن اللام فيه للملك والرقيق لا يملك
وفي المبعض وجه أنه يرث بقدر ما فيه من الحرية وهو مخالف لنقل الشافعي في اختلاف الحديث الإجماع على عدم توريثه لأنه ناقص بالرق في النكاح والطلاق والولاية فلم يرث كالقن
ولا يورث أيضا الرقيق كله كما صرح به في المحرر واستغنى المصنف عنه بقوله ( والجديد أن من بعضه حر ) إذا مات عن مال ملكه ببعضه الحر ( يورث ) عنه ذلك المال لأنه تام الملك عليه كالحر فيرثه عنه قريبه الحر أو معتق بعضه وزوجته ولا شيء لسيده لاستيفاء حقه مما اكتسبه بالرقية
والقديم أنه لا يورث ويكون ما ملكه لمالك الباقي
تنبيه استثني من كون الرقيق لا يورث كافر له أمان وجبت له جناية حال حريته وأمانة ثم نقض الأمان فسبي واسترق وحصلت السراية بالموت في حال رقه فإن قدر الأرش من القيمة لورثته على الأصح
قال الزركشي وليس لنا رقيق كله يورث إلا هذا
( و ) رابعها القتل فعليه ( لا ) يرث ( قاتل ) من مقتوله مطلقا لخبر الترمذي وغيره
وليس للقاتل شيء أي من الميراث ولأنه لو ورث لم يؤمن أن يستعجل الإرث بالقتل فاقتضت المصلحة حرمانه ولأن القتل قطع الموالاة وهي سبب الإرث
وسواء أكان القتل عمدا أم غيره مضمونا أم لا بمباشرة أم لا قصد مصلحته كضرب الأب
____________________
(3/25)
والزوج والمعلم أم لا مكرها أم لا
( وقيل إن لم يضمن ) بضم أوله أي القتل كأن وقع قصاصا أو حدا ( ورث ) القاتل لأنه قتل بحق ويحمل الخبر على غير ذلك المعنى
تنبيه قد يفهم كلام المصنف أن غير المضمون يمنع الإرث ولو بسبب وليس مرادا فإن المرأة لو ماتت من الولادة لم يضمنها مع أنه يرثها
وقد يفهم أن المقتول يرث من قاتله ولا خلاف فيه كما قاله الدارمي وغيره وصورته بأن يخرج مورثه ثم يموت الجارح ثم يموت المجروح من تلك الجراحة
( و ) خامسها إبهام وقت الموت فعليه ( لو مات متوارثان بغرق ) أو حرق ( أو هدم أو في ) بلاد ( غربة معا أو جهل أسبقهما ) علم سبق أو جهل ( لم يتوارثا ) أي لم يرث أحدهما من الآخر لأن من شرط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث كما مر وهو هنا منتف والجهل بالسبق صادق بأن يعلم أصل السبق ولا يعلم عين السابق وبأن لا يعلم سبق أصلا وصور المسألة خمس العلم بالمعية العلم بالسبق وعين السابق الجهل بالمعية والسبق الجهل بعين السابق مع العلم بالسبق التباس السابق بعد معرفة عينه
ففي الصورة الأخيرة يوقف الميراث إلى البيان أو الصلح وفي الصورة الثانية تقسم التركة ( و ) في الثلاثة الباقية ( مال ) أي تركة ( كل ) من الميتين بغرق ونحوه ( لباقي ورثته ) لأن الله تعالى إنما يورث الأحياء من الأموات وهنا لا تعلم حياته عند موت صاحبه فلا يرث كالجنين إذا خرج ميتا ولأنا إن ورثنا أحدهما فقط فهو تحكم وإن ورثنا كلا من صاحبه تيقنا الخطأ لأنهما إن ماتا معا ففيه توريث ميت من ميت أو متعاقبين ففيه توريث من تقدم ممن تأخر وحينئذ فيقدر في حق كل ميت أنه لم يخلف الآخر
تنبيه كان الأولى التعبير بقوله لم يرث أحدهما من الآخر كعبارة التنبيه
فإن استبهام تاريخ الموت مانع من الحكم بالإرث لا من نفس الإرث
وقوله لم يتوارثا ليس بخاص فإنه لو كان أحدهما يرث من الآخر دون عكسه كالعمة وابن أخيها كان الحكم كذلك
وحاصل ما ذكر المصنف من الموانع خمسة كما تقرر وأهمل الدور الحكمي وهو أن يلزم من توريثه عدم توريثه كما لو أقر الأخ بابن أخيه الميت فإنه يثبت نسبه ولا يرث وقد ذكره في الإقرار
وقال ابن الهائم في شرح كافيته الموانع الحقيقية أربعة القتل والرق واختلاف الدين والدور وما زاد عليها فتسميته مانعا مجاز وقال في غيره إنها ستة الأربعة المذكورة والردة واختلاف العهد وأن ما زاد عليها مجاز
وانتفاء الإرث معه لا لأنه مانع بل الانتفاء الشرط كما في جهل التاريخ أو السبب كما في انتفاء النسب وهذا أوجه
وعد بعضهم من الموانع النبوة لخبر الصحيحين نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة
والحكمة فيه أن لا يتمنى أحد من الورثة موتهم لذلك فيهلك
وأن لا يظن بهم الرغبة في الدنيا وأن يكون ما لهم صدقة بعد وفاتهم توفيرا لأجورهم
وتوهم بعضهم من كونها مانعة أن الأنبياء لا يرثون كما لا يورثون وليس كذلك فإن الناس في الإرث على أربعة أقسام منهم من يرث ويورث وعكسه فيهما ومنهم من يورث ولا يرث وعكسه
فالأول كزوجين وأخوين
والثاني كرقيق ومرتد
والثالث كمبعض وجنين في غرته فقط فإنها تورث عنه لا غيرها
والرابع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنهم يرثون ولا يورثون كما تقرر
ولما فرغ من موانع الميراث شرع في موجبات التوقف عن الصرف في الحال وهي أربعة أحدها الشك في النسب ولم يذكره المصنف كأن يدعي اثنان ولدا مجهولا نسبه صغيرا كان أو مجنونا ويموت الولد قبل إلحاقه بأحدهما فيوقف ميراث كل منهما منه ويصرف للأم نصيبها إن كانت حرة وإن مات أحد المدعيين وقف ميراث الولد ويعمل في حق قريبه بالأسوأ
الثاني والثالث والرابع الشك في الوجود والحمل والذكورة
وبدأ بالأول من هذه الثلاثة فقال ( ومن أسر ) أي أسره كفار أو غيرهم ( أو فقد وانقطع خبره ) وله مال وأريد الإرث منه ( ترك ) أي وقف ( ماله ) ولا يقسم ( حتى تقوم بينة بموته أو ) ما يقوم مقام البينة بأن ( تمضي مدة ) يعلم أو ( يغلب على الظن أنه )
____________________
(3/26)
أي المفقود ( لا يعيش فوقها ) فلا يشترط القطع بأنه لا يعيش أكثر منها وإذا مضت المدة المذكورة ( فيجتهد القاضي ) حينئذ ( ويحكم بموته ) لأن الأصل بقاء الحياة فلا يورث إلا بيقين
أما عند البينة فظاهر وأما عند مضي المدة مع الحكم فلتنزيله منزلة قيام البينة
تنبيه أفهم كلامه أن هذه المدة لا تتقدر وهو الصحيح
وقيل مقدرة بسبعين سنة وقيل بثمانين وقيل بتسعين وقيل بمائة وقيل بمائة وعشرين لأنها العمر الطبيعي عند الأطباء وأنه لا بد من اعتبار حكم الحاكم فلا يكفي مضي المدة من غير حكم بموته لكن بحث الرافعي أن القسمة حيث وقعت بالحاكم تضمنت الحكم بموته ومقتضاه أن تصرف الحاكم حكم حتى لا يجوز نقضه وفي هذه المسألة اضطراب
وقال السبكي في باب إحياء الموات الصحيح عندي وفاقا للقاضي أبي الطيب أنه ليس بحكم للشك
ثم أشار لفائدة الحكم بقوله ( ثم يعطي ماله من يرثه وقت ) إقامة البينة أو ( الحكم ) بموته فإنه فائدة الحكم فمن مات قبل ذلك ولو بلحظة لم يرث منه شيئا لجواز موته فيها
وقوله وقت كذا جزما به وفي البسيط قبيل الحكم
قال السبكي ويشبه أن لا يكون خلافا محققا فإن الحكم إظهار فيقدر موته قبيله بأدنى زمان وقولهم من مات قبل الحكم بلحظة لم يرثه لا ينافي ما قلناه فإنه وإن لم يفصل بينهما زمان فكموتهما معا
قال وهذا إذا أطلق الحكم
فإن أسنده إلى ما قبله لكون المدة زادت على ما يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقه وحكم بموته من تلك المدة السابقة فينبغي أن يعطي من كان وارثا له ذلك الوقت وإن كان سابقا على الحكم
قال ولعله مرادهم وإن لم يصرحوا به اه
ومثل الحكم في ذلك البينة بل أولى
ولا يدفع الحاكم منه إلا لوارث ذي فرض لا يسقط بيقين وهو الأبوان والزوج أو الزوجة
تنبيه أراد المصنف بغلبة الظن نفس الظن كما قاله بعض المحققين قال وإنما عبروا بهذه العبارة للتنبيه على أن الغلبة أي الرجحان مأخوذ في ماهية الظن
ولما فرغ من حكم لإرث من المفقود شرح في حكم إرثه من غيره فقال ( ولو مات من يرثه المفقود ) قيل إقامة البينة أو الحكم بموته ( وقفنا ) كل التركة إن لم يكن له وارث غير المفقود وإلا وقفنا ( حصته ) فقط حتى يتبين أنه كان عند الموت حيا أو ميتا
تنبيه كان الأولى للمصنف أن يقول من يرث منه ليناسب قوله حصته كما علم من التقدير أو يقال إن حصته الكل أو البعض ولكن ينافيه قوله ( وعملنا في الحاضرين بالأسوأ ) فمن يسقط بالمفقود لا يعطى شيئا حتى يتبين حاله ومن ينقص منهم حقه بحياته أو موته قدر فيه موته ومن لا يختلف نصيبه بهما أعطيه فهذه ثلاثة أحوال فالأول كزوج مفقود وأختين لأب وعم حاضرين إن كان الزوج حيا للأختين أربعة من سبعة وسقط العم أو ميتا فلهما سهمان من ثلاثة والباقي للعم فيقدر في حقهم حياته
والثاني كجد وأخ لأبوين وأخ لأب مفقود فيقدر في حق الجد حياته فيأخذ الثلث وفي حق الأخ للأبوين موته فيأخذ النصف ويبقى السدس إن تبين موته فللجد أو حياته فللأخ
والثالث كابن مفقود وبنت وزوج حاضرين للزوج والربع بكل حال
تنبيه لو تلف الموقوف للغائب ثم حضر أخذ ما دفع للحاضرين وقسم ما بين الكل على حسب إرثهم كما صرحوا به في نظير المسألة وهو نظير مسألتي الحمل والخنثى إذا بانت حياة الحمل وذكورة الخنثى
ثم شرع في السبب الثاني من أسباب التوقف وهو الشك في الحمل فقال ( ولو خلف حملا يرث ) بكل تقدير بعد انفصاله بأن مات عن زوجة حامل منه ( أو قد يرث ) على تقدير دون تقدير
أما على تقدير الذكورة فكمن مات عن حمل زوجة أخيه لأبيه أو عمه أو معتقه فإن الحمل إن كان ذكرا في الصور الثلاث ورث وإلا فلا
وأما على تقدير الأنوثة فكمن مات عن زوج وأخت شقيقة وحمل من الأب فإنه إن كان الحمل ذكرا لا يرث شيئا لاستغراق أهل الفرض المال وإن كان
____________________
(3/27)
أنثى فلها السدس
( عمل بالأحوط في حقه ) أي الحمل ( وحق غيره ) قبل انفصاله على ما سيأتي
والحمل بفتح المهملة اسم لما في البطن وبكسرها اسم لما يحمل على رأس أو ظهر وحكى ابن دريد في حمل الشجرة وجهين
ومر أن الحمل يرث قبل ولادته ولكن شرط استقرار ملكه للإرث ولادته حيا كما قال ( فإن انفصل ) كله ( حيا لوقت يعلم وجوده عند الموت ) أي موت مورثه بأن انفصل لدون ستة أشهر إذا كانت فراشا أو أقل من أكثر مدة الحمل إذا كانت خلية ( ورث ) لثبوت نسبه
فلو انفصل بعضه حيا ثم مات فكانفصاله ميتا في الإرث وسائر الأحكام إلا في مسألتين كما قاله الإسنوي إحداهما في الصلاة عليه إذا صاح أو استهل ثم مات قبل أن ينفصل الثانية إذا حز إنسان رقبته أي وفيه حياة مستقرة كما قاله الأذرعي قبل أن ينفصل فيجب القصاص بشرطه أو الدية كما يعلم من بابها
وتعلم الحياة مستقرة باستهلاله صارخا أو بعطاسه أو التثاؤب أو التقام الثدي أو نحو ذلك
( وإلا ) بأن انفصل ميتا بنفسه أو بجناية جان أو حيا حياة غير مستقرة أو حياة مستقرة لوقت لا يعلم وجوده عند الموت ( فلا ) يرث لأنه في الصورة الأولى معدوم وفي الثانية كالمعدوم وفي الثالثة منتف نسبه عن الميت
( بيانه ) أن يقال ( إن لم يكن ) في المسألة ( وارث سوى الحمل أو كان ) ثم ( من ) أي وارث ( قد يحجبه ) الحمل ( وقف ) في الصورتين ( المال ) وما ألحق به إلى انفصاله احتياطا
( وإن كان ) في المسألة ( من ) أي وارث ( لا يحجبه ) أي الحمل ( وله ) سهم ( مقدر أعطية ) حالة كونه ( عائلا إن أمكن ) في المسألة ( عول كزوجة حامل وأبوين
لها ثمن ولهما سدسان عائلات ) بمثناة فوقه آخره أي الثمن والسدسان لاحتمال أن الحمل بنتان
فأصل هذه المسألة من أربعة وعشرين وتعول لسبعة وعشرين فيدفع للزوجة منها ثلاثة وللأبوين ثمانية ويوقف الباقي
فإن كان بنتين كان لهما أو ذكرا فأكثر أو ذكرا وأنثى فأكثر كمل للزوجة الثمن بغير عول وللأبوين السدسان كذلك والباقي للأولاد وتسمى هذه المسألة بالمنبرية لأن عليا رضي الله تعالى عنه كان يخطب على المنبر وكان أول خطبته الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعا ويجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآب والرجعى فسئل حينئذ عن هذه المسألة فقال ارتجالا صار ثمن المرأة تسعا ومضى في خطبته يعني أن هذه المرأة كانت تستحق الثمن فصارت تستحق التسع
( وإن لم يكن له ) أي من لا يحجبه الحمل سهم ( مقدر كأولاد لم يعطوا ) في الحال شيئا بناء على أن الحمل لا يتقدر بعدد وهو الصحيح لعدم انضباطه لأنه وجد خمس في بطن كما حكاه الشافعي رضي الله تعالى عنه أن شيخا باليمن أخبره أنه ولد له خمسة بطون في كل بطن خمسة واثني عشر في بطن قاله الشيخان
وحكي الماوردي أنه وجد سبعة في بطن وأن من أخبره ذكر أنه صارع أحدهم فصرعه وكان يعير به ويقال صرعك سبع رجل
وحكي في المطلب عن القاضي الحسين عن محمد عن الهيثم أن بعض سلاطين بغداد أتت زوجته بأربعين ولدا في بطن كل واحد منهم مثل الأصبع وأنهم عاشوا وركبوا الخيل مع أبيهم في بغداد
قال الأذرعي وفي هذا بعد اه
ولا بعد فيه ولا في أكثر منه فإن قدرة الله تعالى لا يعجزها شيء
( وقيل أكثر الحمل أربعة ) بحسب الوجود عند قائله لأنه يتبع في مثله الوجود كما في الحيض
وهذا أكثر ما وجد عند هذا القائل
وحينئذ ( فيعطون ) أي الأولاد ( اليقين ) أي فيوقف ميراث أربعة ويقسم الباقي وتقدر الأربعة ذكورا مثاله خلف ابنا وزوجة حاملا فلها الثمن ولا يدفع للابن شيء على الأول ويدفع إليه خمس الباقي على الثاني وعليه يتمكن الذين صرف إليهم حصتهم من التصرف فيها على أصح الوجهين وإلا لم تدفع إليهم
ثم شرع في السبب الثالث من أسباب التوقف
وهو الشك في الذكورة
فقال ( والخنثى المشكل ) أي الملتبس أمره وهو بضم أوله وكسر ثالثه مأخوذ
____________________
(3/28)
من قولهم تخنث الطعام إذا اشتبه أمره فلم يخلص طعمه المقصود وشارك طعم غيره سمي الخنثى بذلك لاشتراك الشبهين فيه وهو على ضربين أحدهما أن لا يكون له فرج رجل ولا فرج امرأة بل يكون له ثقبة يخرج منها البول ولا يشبه فرج واحد منهما
الثاني وهو أشهرهما ما له آلة الرجال والنساء
( إن لم يختلف إرثه ) بذكورته وأنوثته ( كولد أم ومعتق فذاك ) ظاهر فيدفع إليه نصيبه
( وإلا ) بأن اختلف إرثه بهما ( فيعمل باليقين في حقه ) أي الخنثى ( و ) في ( حق غيره ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين ) حاله ولو بإخباره
ولا دلالة على اتضاحه بمعنى الضرب الأول للبول فيه بل يوقف أمره حتى يصير مكلفا فيختبر بمثله قاله البغوي ونقله عند المصنف في مجموعه
قال الإسنوي ولا ينحصر ذلك في الميل بل يعرف أيضا بالحيض والمني المتصف بصفة أحد النوعين
وأما بمعنى الضرب الثاني فيتضح بالبول من فرج فإن بال من فرج الرجال فرجل أو من فرج النساء فامرأة أو منهما فالسبق لأحدهما
فإن اتفقا ابتداء اتضح بالتأخر لا الكثرة وتزريق وترشيش فإن اتفقا ابتداء وانقطاعا وزاد أحدهما أو زرق أو رشش فلا اتضاح
ويتضح أيضا بحيض وإمناء إن لاق بواحد من الفرجين وسواء أخرج منه أم منهما بشرط التكرر
ولو بال أو أمني بذكره وحاض بفرجه أو بال بأحدهما وأمنى بالآخر فمشكل ولا أثر للحية ولا لنهود ثدي ولا لتفاوت أضلع
فإن عدم الدال السابق اختبر بعد بلوغ وعقل فإن مال بإخباره إلى النساء فرجل أو إلى الرجال فامرأة
ولا يكفي إخباره قبل بلوغه وعقله ولا بعدهما مع وجود شيء من العلامات السابقة لأنها محسوسة معلومة الوجود وقيام الميل غير معلوم فإنه ربما يكذب في إخباره
والذي يتصور أن يكون خنثى من الورثة ثمانية الولد وولده الابن والأخ وولده والعم وولده والمعتق وعصباته
قال الصيمري ومن ألقى عليك أبا خنثى أو أم خنثى فقد ألقى محالا
قال ابن المنذر وقد أجمع كل من يحفظ عنه العلم أن الخنثى يرث من حيث يبول وروي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ضعيف
فإن ورث على أحد التقديرين دون الآخر لم يدفع إليه شيء ووقف ما يرثه على ذلك التقدير ففي زوج وأب وولد خنثى للزوج الربع وللأب سدس وللخنثى النصف ويوقف الباقي بينه وبين الأب
وفي ولد خنثى وأخ يصرف إلى الولد النصف ويوقف الباقي
وفي ولد خنثى وبنت وعم يعطى الخنثى والبنت الثلثين بالسوية ويوقف الباقي الخنثى والعم فإن مات مشكلا تعين الاصطلاح
ولو اتفق الذين وجد المال بينهم على تساو أو تفاوت جاز أي إذا لم يكن فيهم محجور عليه وإلا فلا يجوز للولي أن يصالح عنه بأنقص مما يستحقه
قال الإمام ولا بد أن يجري بينهم تواهب وإلا لبقي المال على صورة التوقف وهذا التواهب لا يكون إلا عن جهالة لكنها تحتمل للضرورة
ولو أخرج بعضهم نفسه من البين ووهبه لهم على جهل بالحال جاز أيضا كما قالاه
( ومن اجتمع فيه جهتا فرض وتعصيب كزوج وهو معتق أو ) زوج هو ( ابن عم ورث بهما ) فيأخذ النصف بالزوجية والآخر بالولاء أو بنوة العم لأنه وارث بسببين مختلفين فأشبه ما لو كانت القرابتان في شخصين
واحترز بقوله جهتا فرض عن الأب حيث يرث بالفرض والتعصيب فإنه بجهة واحدة وهي الأبوة ( قلت ) أخذا من الرافعي في الشرح ( فلو وجد في نكاح المجوس أو الشبهة بنت هي أخت ) لأب بأن وطىء بنته فأولدها بنتا ثم ماتت العليا فقد خلفت أختا من أب وهي بنتها ( ورثت بالبنوة ) فقط
( وقيل بهما ) أي البنوة والأخوة ( والله أعلم ) فتستغرق المال إذا انفردت
ورد بأنهما قرابتان يورث بكل منهما منفردين فيورث بأقواهما مجتمعين لأنهما كالأخت لأبوين لا ترث النصف بأخوة الأب والسدس بإخوة الأم
وهذا استدراك على قول المحرر في جهتي الفرض والتعصيب ورث بهما ولذلك استغنى أن يقول في الأخت لأب
وهذا الاستدراك مستدرك إذ ليس مع الأخت في هذه الصورة بنت حتى تكون الأخت مع البنت عصبة وإنما الأخت نفسها هي البنت فكيف تعصب نفسها
____________________
(3/29)
تنبيه لو ذكر المصنف عبارة المحرر لم يحتج لهذه الزيادة
لأنه قال وإذا اجتمعت قرابتان لا يجتمعان في الإسلام قصدا لم يرث بهما وذلك يشمل الفرضين والفرض والتعصيب وإن كان مثاله يخص الثاني
واحترز بقوله قصدا عن وطء الشبهة فإنهما يجتمعان
( ولو اشترك اثنان في جهة عصوبة وزاد أحدهما ) على الآخر ( بقرابة أخرى كابني عم أحدهما أخ لأم فله السدس ) فرضا ( والباقي بينهما ) سواء بالعصوبة
وصورة هذه المسألة أن يتعاقب أخوان على امرأة وتلد لكل واحد منهما ابنا ولأحدهما ابن من غيرها فابناه ابنا عم الآخر وأحدهما أخوه لأمه
( فلو كان معهما ) أي ابني العم المذكورين ( بنت فلها نصف والباقي بينهما سواء ) لأن إخوة الأم تسقط بالبنت
( وقيل يختص به ) أي الباقي ( الأخ ) كما قال ابن الحداد لأن البنت منعت من الأخذ بقرابة الأم وإذا لم تأخذ بها ترجحت عصوبته كأخ لأبوين مع أخ لأب
( ومن اجتمع فيه جهتا فرض ورث بأقواهما فقط ) لا بهما لما سبق والقوة بأن تحجب إحداهما الأخرى ( حجب حرمان ) أو نقصان ( أو ) بأن ( لا تحجب ) إحداهما أصلا بالبناء للمفعول بخطه والأخرى قد تحجب
( أو ) بأن تحجب ولكن ( تكون ) إحداهما ( أقل حجبا ) فهنا ثلاثة أمور ( ف )
الأمر ( الأول ) وهو حجب الحرمان ( كبنت هي أخت لأم بأن يطأ مجوسي ) أمه أو مسلم بشبهة أمه ( فتلد بنتا ) فترث هذه البنت من أبيها بالبنتية لا بالأختية لأن أخوة الأم ساقطة بالبنتية ولا تكون هذه الصورة إلا والميت رجل
ومن صور حجب النقصان أن ينكح المجوسي بنته فتلد بنتا ويموت فقد خلف بنتين إحداهما زوجة فلهما ثلثا ما ترك ولا عبرة بالزوجية لأن البنت تحجب الزوجة من الربع إلى الثمن
( و ) الأمر ( الثاني ) وهو أن لا تحجب إحداهما أصلا ( كأم هي أخت لأب بأن يطأ ) من ذكر ( بنته فتلد بنتا ) ثم تموت فترث والدتها منها بالأمومة لا بالأختية للأب لأن الأم لا تحجب حرمانا أصلا والأخت تحجب
( و ) الأمر ( الثالث ) وهو أن تكون إحداهما أقل حجبا ( كأم أم هي أخت ) لأب ( بأن يطأ ) من ذكر ( هذه البنت الثانية فتلد ولدا فالأولى ) أي البنت الأولى نسبتها لهذا الولد ( أم أمه وأخته ) لأبيه فإذا مات الولد ورثت منه البنت الأولى بالجدودة دون الأختية لأن الجدة للأم أقل حجبا من الأخت لأن الجدة لا يحجبها إلا الأم وأما الأخت فيحجبها جماعة كما مر
ولا يورثوهن بالزوجية قطعا لبطلانها كما قاله الشيخان هنا لكنهما ما حكيا عن البغوي في كتاب النكاح أن منهم من بنى التوارث على الخلاف في صحة أنكحتهم
تنبيه سكت المصنف عن اجتماع عصوبتين في شخص كأخ هو معتق لقلة فائدته لأن إحدى الجهتين تغني عن الأخرى
فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة ( إن كانت الورثة عصبات قسم المال ) وما ألحق به من الاختصاصات بينهم ( بالسوية إن تمحضوا ذكورا ) كبنتين أو إخوة أو أعمام لغير أم أو بينهم سواء النسب والولاء ( أو ) تمحضوا ( إناثا ) كثلاث معتقات أعتقن عبدا بينهن بالسوية وهذا لا يتصور إلا في الولاء فإن
____________________
(3/30)
تفاوت الملك تفاوت الإرث بحسبه وقد يتصور أيضا في النسب في مسائل الرد
( وإن اجتمع ) من النسب ( الصنفان ) من ذكور وإناث كابنين وبنتين ( قدر كل ذكر ) منهم ( انثيين ) ولا يقال يقدر للأنثى نصف نصيب لئلا ينطق بالكسر لأنهم اتفقوا على عدم النطق به
وقوله ( وعدد رؤوس المقسوم عليهم ) خبر مقدم لمبتدأ مؤخر وهو ( أصل المسألة ) أي أصلها هو العدد الذي يخرج منه سهامها فهي من عدد رؤوس العصبة الذكور والإناث في الولاء على ما مر
وإن كانوا ذكورا وإناثا في النسب كابنين وبنتين فأضف عدد الذكور وأضف إليه عدد الإناث تكن المسألة من ستة وقس على هذا
وهذا في غير الولاء أما الولاء فإن لم يحصل فيه تفاوت في الملك فعدد رؤوس المعتقين أصل المسألة سواء أكانوا ذكورا أم إناثا أم مجتمعين وإن تفاوتوا فأصل مسألتهم من مخرج المقادير كالفروض كما قاله الزركشي
( و ) الورثة ( إن كان فيهم ) مع العصبات ( ذو ) أي صاحب ( فرض ) واحد كبنت وعم ( أو ذوا ) بالتثنية ( فرضين ) مثلا ( متماثلين ) في الفرض والمخرج كأم وأخ لأم وأخ لأب أو في المخرج فقط كشقيقتين وأختين لأم وعم ( فالمسألة ) التي فيها ذلك الكسر أي أصلها يكون ( من مخرج ذلك الكسر ) لأن الفروض الستة كسور مضافة لمعدود وهو التركة فإن لم يكن في المسألة عصبة فالمسألة أيضا من مخرج ذلك الكسر ففي زوج وأخت شقيقة أو لأب هي أيضا من اثنين وتسمى هاتان المسألتان بالنصفيتين إذ ليس في الفرائض شخصان يرثان المال مناصفة فرضا غيرهما وباليتيمتين إذ ليس في الفرائض نظيرهما ولو كان في المسألة فروض كان الحكم كذلك
ثم أعلم أن المخرج هو أقل عدد يصح منه ذلك الكسر وهو مفعل بمعنى المكان فكأنه موضع تخرج منه سهام المسألة صحيحة الذي هو أصلها
والكسر أصله مصدر وأطلق هنا على الكسر المراد به الجزء وهو ما دون الواحد
( فمخرج النصف اثنان والثلث ثلاثة والربع أربعة والسدس ستة والثمن ثمانية ) لأن أقل عدد له نصف صحيح اثنان وكذا الباقي
وكلها مشتقة من أسماء العدد لفظا ومعنى إلا النصف فلم يشتق من اسم العدد ولو اشتق منه لقيل له ثني بضم أوله كما قيل في غيره من ثلث وربع إلى عشر وإنما اشتق من التناصف فكأن المقتسمين تناصفا واقتسما بالسوية
تنبيه سكوته عن الثلثين يفهم أنه ليس جزءا برأسه وهو كذلك وإنما هو تضعيف الثلث
( وإن كان ) في المسألة ( فرضان مختلفا المخرج ) بقلة أو كثرة ( فإن تداخل مخرجاهما فأصل المسألة ) حينئذ ( أكثرهما كسدس وثلث ) كما في مسألة أم وأخ لأم وعم هي من ستة لأن أكثر الفرضين فيها عددا هو السدس والثلث داخل فيه والمتداخلان عددان مختلفان أقلهما جزء من الأكثر لا يزيد على نصفه كثلاثة من تسعة أو ستة
( وإن ) كان في المسألة فرضان و ( توافقا ) بجزء من الأجزاء ( ضرب وفق أحدهما في الآخر والحاصل ) من الضرب هو ( أصل المسألة كسدس وثمن ) كما في مسألة أم وزوجة وابن ( فالأصل ) أي أصل كل مسألة اجتمع فيها ما ذكر ( أربعة وعشرون ) حاصل ضرب وفق أحد المخرجين في الآخر وهو نصف الستة أو الثمانية في كامل الآخر
والوفق مأخوذ من الموافقة
( وإن ) كان في المسألة فرضان و ( تباينا ) مخرجا ( ضرب كل ) منهما ( في كل ) منهما ( والحاصل ) من الضرب ( الأصل ) للمسألة ( كثلث وربع ) كما في مسألة أم وزوجة وأخ لأبوين فثلث الأم وربع الزوجة
____________________
(3/31)
متباينان
( فالأصل ) أي أصل كل مسألة اجتمع فيها ما ذكر ( اثنا عشر ) حاصل ضرب أحد المخرجين وهو الثلث أو الربع في الآخر والمتباينان هما العددان اللذان ليس بينهما موافقة بجزء من الأجزاء
( فالأصول ) أي مخارج الفروض مفردة ومركبة عند المتقدمين ( سبعة إثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية وإثنا عشر وأربعة وعشرون ) لأن الفروض المذكورة في القرآن لا يخرج حسابها إلا من هذه السبعة
وإنما انحصرت المخارج في سبعة والفروض ستة لأن الفروض لها حالتان حالة انفراد وحالة تركيب ففي حالة الانفراد يحتاج إلى خمسة مخارج وهي النصف والثلث والربع والسدس والثمن ويسقط الثلثان لأن مخرجهما الثلث وهو واحد من ثلاثة وفي حال التركيب يحتاج إلى مخرجين لأن التركيب لا يخرج عن أربعة أحوال التماثل والتداخل والتوافق والتباين فإن كان مع التماثل كسدس وسدس أو التداخل كسدس وثلث لم يحتج مجموعهما إلى مخرج لأن أحد العددين أو أكثرهما أصل المسألة وإن كان مع التوافق أو التباين احتاج إلى مخرج لجميع الفروض بضرب وفق أحدهما أو جملته في كامل الآخر فاحتجنا إلى مخرجين آخرين أحدهما إثنا عشر وهو مع التوافق تركيب الربع والسدس ومع التباين تركيب الربع والثلث أو الثلثين لأنه أقل عدد له ربع وسدس أو ربع وثلث أو ربع وثلثان
والثاني أربعة وعشرون وهو مع التوافق تركيب الثمن والسدس ومع التباين تركيب الثمن والثلثين لأنه أقل عدد له ثمن وسدس وثلثان ولا يتصور اجتماع الثمن والثلث فظهر انحصار المخارج في السبعة المذكورة
وزاد بعض المتأخرين عليها أصلين آخرين في مسائل الجد والإخوة ثمانية عشر وستة وثلاثين فأولهما كأم وجد وخمسة إخوة لغير أم وإنما كانت من ثمانية عشر لأن أقل عدد له سدس صحيح وثلث ما يبقى هو هذا العدد
والثاني كزوجة وأم وجد وسبعة إخوة لغير أم وإنما كانت من ستة وثلاثين لأن أقل عدد له ربع وسدس صحيحان وثلث ما يبقى هو هذا العدد
والمتقدمون يجعلون ذلك تصحيحا واستصوب الإمام وغيره طريق المتأخرين وقال في الروضة هو المختار الأصح الجاري على القواعد لأنه أخصر
واحتج له المتولي بأنهم اتفقوا في زوج وأبوين أن تكون المسألة من ستة ولولا إقامة الفريضة من النصف وثلث ما يبقى لقالوا هي من اثنين للزوج واحد يبقى واحد وليس له ثلث صحيح فيضرب مخرج الثلث في اثنين فتصير ستة وأقره المصنف على هذا الاحتجاج لكن قال في المطلب إنه غير سالم من النزاع فإن جماعة من الفرضيين ذكروا أن أصلها من اثنين اه
وعلى تسليم ذلك يفرق بأن ثلث ما يبقى في هذه المسألة فرض أصلي ولا كذلك في حق الجد
واعتذر الإمام عن القدماء بأنهم إنما لم يعدوهما مع ما سبق لأن الأصول موضوعة على المقدرات المنصوصة وهي المجمع عليها وثلث ما يبقى من المسألتين ليس منصوصا ولا متفقا عليه قال والأمر فيه قريب
وقال بعضهم طريقة القدماء أصل وطريقة المتأخرين استحسان
تنبيه لما كان الإثنا عشر والأربعة والعشرون زائدين على الأصول الخمسة السابقة حسن الإتيان بالفاء في قوله فالأصول
ثم شرع في بيان ما يعول من هذه الأصول فقال ( والذي يعول منها ) ثلاثة ( الستة ) وضعفها وضعف ضعفها فالستة تعول أربع مرات أوتارا وأشفاعا ( إلى سبعة كزوج وأختين ) لغير أم للزوج ثلاثة ولكل أخت اثنان فعالت بسدسها ونقص لكل واحد سبع ما نطق له به
قيل وهي أول فريضة عالت في الإسلام في زمن عمر رضي الله تعالى عنه فجمع الصحابة وقال لهم فرض الله تعالى للزوج النصف وللأختين الثلث فإن بدأت بالزوج لم يبق للأختين حقهما وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج حقه فأشيروا علي فأشار عليه العباس رضي الله تعالى عنه بالعول وقال أرأيت لو مات رجل وترك ستة دراهم ولرجل عليه ثلاثة ولآخر أربعة أليس تجعل المال سبعة أجزاء فقال نعم فقال العباس هو ذاك فأجمع الصحابة عليه
( و ) تعول الستة أيضا ( إلى ثمانية كهم ) أي كزوج وأختين ( وأم ) فيزاد عليها سهم واحد للأم فتعول بمثل ثلثها
وإدخال الكاف على الضمير
____________________
(3/32)
المنفصل لغة قليلة وعبارة المحرر كهؤلاء وهو صحيح
ومن صور العول للثمانية زوج وأم وأخت لأبوين أو لأب وتسمى هذه المسألة بالمباهلة من البهل وهو اللعن وقيل إنها أول فريضة أعيلت في زمن عمر وكان ابن عباس صغيرا فلما كبر أظهر الخلاف بعد موت عمر وجعل للزوج النصف وللأم الثلث وللأخت ما بقي ولا عول حينئذ فقيل له لم لم تقل هذا لعمر فقال كان رجلا مهابا فهبته ثم قال إن الذي أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في المال نصفا ونصفا وثلثا ذهب النصفان بالمال فأين موضع الثلث ثم قال له علي هذا لا يغني عنك شيئا لو مت أو مت لقسم ميراثنا على ما عليه الناس من خلاف رأيك قال فإن شاءوا فلندع أبناءنا وأبنائهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين فسميت المباهلة بذلك
( و ) تعول الستة أيضا ( إلى تسعة كهم ) أي زوج وأختين وأم ( وأخ لأم ) فعالت بمثل نصفها
( وإلى عشرة كهم ) أي المذكورين في التسعة ( وآخر لأم ) فتعول بمثل ثلثيها وتسمى هذه بأم الفروخ بالخاء لكثرة سهامها العائلة والشريحية لأن شريحا قضى فيها بذلك
ومتى عالت إلى أكثر من سبعة لا يكون الميت إلا امرأة لأنها لا تعول إلى ذلك إلا بزوج
ولما فرغ من عول الستة إلى أربع مرات شرع في عول ضعفها فقال ( والإثنا عشر ) تعول ثلاث مرات أوتارا
المرة الأولى بنصف سدسها ( إلى ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين ) لغير أم
( و ) المرة الثانية بربعها ( إلى خمسة عشر كهم ) أي المذكورين ( وأخ لأم و ) المرة الثالثة بربعها وسدسها إلى ( سبعة عشر كهم ) أي المذكورين في خمسة عشر ( و ) أخ ( آخر لأم )
ومن صورها أم الأرامل وهي ثلاث زوجات وجدتان وأربع أخوات لأم وثمان إخوات لأب فهؤلاء سبعة عشر أنثى متساويات سميت بذلك لكثرة ما فيها من الأرامل وتسمى أيضا الدينارية الصغرى لأن الميت خلف فيها سبعة عشر دينارا حصل لكل واحدة منهن دينار
وإنما أعلت هذه بالأوتار فقط لأنه لا بد فيها من ربع وهو ثلاثة والذي ينضم إليه الثلثان وهما ثمانية أو ثلث وهو أربعة أو نصف وهو ستة فإذا انضم الفرد للزوج كان وترا لا شفعا بخلاف الستة فإنها تعول شفعا ووترا كما مر لأن الوتر يشفع فيها بوتر آخر فتصير شفعا
ولما فرغ من عول الضعف إلى ثلاث مرات ولا يتصور إلا والميت رجل كما أفهمه تمثيل المصنف قال السهيلي وليس في العدد الأصم ما يكون أصلا للمسألة إلى الثلاثة عشر والسبعة عشر لأنهما أصل من مسائل العول شرع في عول ضعف ضعفها فقال ( والأربعة والعشرون ) تعول عولة واحدة وترا فقط بثمنها ( إلى سبعة وعشرين كبنتين وأبوين وزوجة ) ومر في مسألة الحمل تسمية هذه بالمنبرية وغير هذه الثلاثة لا عول فيه لأن الأصول قسمان تام وناقص فالتام هو الذي يعول وهو الذي إذا اجتمعت أجزاؤه الصحيحة كانت مثله أو أزيد فالستة تامة لأن لها سدسا وثلثا ونصفا تساوت لأن المجموع ستة والإثنا عشر والأربعة والعشرون زائدان لأن الأول له سدس وربع وثلث ونصف فالمجموع خمسة عشر
والثاني له ثمن وسدس وربع وثلث ونصف فالمجموع ثلاثة وثلاثون والناقص هو الذي إذا اجتمعت أجزاؤها كانت أقل منه وهو ما عدا هذه الثلاثة
والعول زيادة في مسألة أصحاب فروض لا يمكن إسقاط بعضهم وتضييق الفرض عليهم فتعال ليدخل النقص جملة واحدة على الجميع ولا يتصور في مسائل العول وجود عاصب
ثم شرع في بيان النسبة بين العددين فقال ( وإذا تماثل العددان ) كثلاثة وثلاثة مخرجي الثلث والثلثين كما في مسألة ولدي أم وأختين لغير أم ( فذاك ) ظاهر أن يقال فيهما متماثلان ويكتفي بأحدهما ويجعل أصل المسألة وحقيقة المتماثلين أنهما إذا سلط أحدهما على الآخر أفناه مرة واحدة
( وإن اختلفا وفني الأكثر بالأقل ) عند إسقاطه من الأكثر ( مرتين فأكثر
____________________
(3/33)
فمتداخلان كثلاثة مع ستة أو تسعة ) أو خمسة عشر فإن الستة تفنى بإسقاط الثلاثة مرتين والتسعة بإسقاطها ثلاث مرات والخمسة عشر بإسقاطها خمس مرات لأنها خمسها
وسميا بذلك لدخول الأقل في الأكثر فيكون الأكثر مدخولا فيه وإن اقتضى اللفظ دخول كل منهما في الآخر إذ ليس ذلك بمراد وحكم المتداخل أنه يكتفي بالأكبر ويجعل أصل المسألة
( وإن ) أي وإن اختلفا و ( لم يفنهما إلا عدد ثالث فمتوافقان بجزئه ) أي الثالث ( كأربعة وستة ) بينهما موافقة ( بالنصف ) لأنك إذا سلطت الأربعة على الستة يبقى منها إثنان سلطهما على الأربعة مرتين تفنى بينهما فقد حصل الإفناء باثنين وهو عدد غير الأربعة والستة فهما متوافقان بجزء الإثنين وهو النصف
وإن فني بثلاثة فالموافقة بالثلث وهكذا إلى العشرة فالبعشر لأن العبرة بنسبة الواحد إلى العدد الذي وقع به الإفناء فما كانت نسبته إليه كانت الموافقة بتلك النسبة ونسبة الواحد إلى الإثنين النصف وإلى الثلاثة الثلث وإن كان للعدد المفني أكثر من عشرة فالتوافق حينئذ بالأجزاء كجزء من أحد عشر جزءا أو نحو ذلك إلى ما لا نهاية له
فإن أفنى عددين أكثر من عدد واحد فهما متوافقان بأجزاء ما في ذلك العدد من الآحاد كالإثني عشر والثمانية عشر تفنيهما الستة والثلاثة والإثنان فهما متوافقان بالأسداس والأثلاث والأنصاف
والعمل والاعتبار في ذلك بالجزء الأقل فيعتبر في هذا المثال السدس وفي المتوافقان بالأخماس والأعشار العشر وعلى هذا القياس
وحكم المتوافقين أن تضرب وفق أحدهما في كامل الآخر والحاصل أصل المسألة
( وإن ) أي وإن اختلفا ولم يفن أكثرهما بأقلهما ولا بعدد ثالث بأن ( لم يفنهما إلا واحد ) وليس بعدد بل هو مبدؤه ( تباينا كثلاثة وأربعة ) لأنك إذا أسقطت الثلاثة من الأربعة يبقى واحد فإذا سلطته على الثلاثة فنيت به وسميا متباينين لأن فنائهما بمباينهما وهو الواحد لأنهما عددان والواحد ليس بعدد كما مر
وحكم المتباينين أنك تضرب أحد العددين في الآخر فانحصر حينئذ نسبة كل عددين أحدهما إلى الآخر في هذه الأربعة التماثل والتداخل والتوافق والتباين
( و ) العددان ( المتداخلان متوافقان ) كثلاثة مع ستة أو تسعة فالثلاثة داخلة في كل من الستة والتسعة موافقة لهما بالثلث
( ولا ) عكس أي ليس كل متوافقين متداخلين فقد يكونان متوافقين ولا يدخل أحدهما في الآخر كستة مع ثمانية لأن شرط التداخل أن لا يزيد على نصف ما دخل فيه
وإنما عرف المصنف في هذه الأحوال الأربعة توطئة لبيان التصحيح المترجم له بقوله فرع أي في تصحيح المسائل فإن تصحيحها موقوف على معرفة النسب الأربع
وإنما ترجم بالفرع لأنه مرتب على ما قبله والمراد بتصحيحها بيان كيفية العمل في القسمة بين المستحقين من أقل عدد بحيث يسلم الحاصل لكل منهم من الكسر ولذلك سمي بالتصحيح
( إذا عرفت ) أيها الطالب لتصحيح المسألة ( أصلها وانقسمت السهام ) في تلك المسألة ( عليهم ) أي الورثة ( فذاك ) ظاهر لا يحتاج لضرب كزوج وثلاثة بنين هي من أربعة لكل منهم واحد وكزوجة وثلاثة بنين وبنت هي من ثمانية للزوجة واحد وللبنت واحد ولكل ابن اثنان ( وإن انكسرت ) تلك السهام ( على صنف ) منهم سهامه ( قوبلت ) سهامه ( بعدده ) أي رؤوس ذلك الصنف الذي انكسر عليه
( فإن تباينا ) أي السهام والرؤوس ( ضرب عدده في المسألة ) إن لم تعل وفيها ( بعولها إن عالت ) فما اجتمع صحت منه المسألة مثاله بلا عول زوجة وأخوان هي من أربعة للزوجة أربعة أسهم وللأخوين ثلاثة أسهم منكسرة عليهما فاضرب عددهما في المسألة وهو أربعة تبلغ ثمانية ومنها تصح ومثالها بالعول زوج وخمس أخوات لغير أم أصلها من ستة وتعول إلى سبعة للزوج ثلاثة وللأخوات أربعة وهي لا تصح عليهن ولا توافق فاضرب عددهن وهو خمسة في المسألة بعولها وهو سبعة تبلغ
____________________
(3/34)
خمسة وثلاثين ومنها تصح
واعلم أن الضرب عند أهل الحساب تضعيف أحد العددين بقدر ما في الآخر من الآحاد
( وإن توافقا ) أي سهام الصنف مع عدد رؤوسه ( ضرب وفق عدده ) أي الصنف ( فيها ) أي في أصل المسألة إن تعل وفيها بعولها إن عالت ( فما بلغ صحت منه ) مثالها بلا عول أم وأربعة أعمام وهي من ثلاثة للأم سهم وسهمان للأعمام لا تصح عليهم ولكن توافق بالنصف فاضرب اثنين في ثلاثة بستة ومنها تصح
ومثالها بالعول زوج وأبوان وست بنات هي من إثني عشر وتعول إلى خمسة عشر ونصيب البنات لا يصح عليهن ولكن يوافق بالنصف فاضرب وفقهن وهو ثلاثة في خمسة عشر تبلغ خمسة وأربعين ومنها تصح
( وإن انكسرت ) تلك السهام ( على صنفين قوبلت سهام كل صنف بعدده ) أي الصنف المنكسر عليهم
( فإن توافقا ) أي السهام والعدد في الصنفين أو أحدهما ( رد الصنف ) الموافق ( إلى وفقه وإلا ) بأن تباين السهام والعدد في الصنفين أو أحدهما ( ترك ) الصنف المباين بحاله ( ثم ) بعد ذلك ( إن تماثل عدد الرؤوس ) في الصنفين برد كل منهما إلى وفقه أو ببقائه على حاله أو برد أحدهما وبقاء الآخر ( ضرب أحدهما ) أي العددين المتماثلين ( في أصل المسألة ) إن لم تعل و ( بعولها إن عالت
وإن تداخلا ) أي العددان ( ضرب أكثرهما ) فيما ذكر ( وإن توافقا ضرب وفق أحدهما في الآخر ثم الحاصل في المسألة ) إن لم تعل وبعولها إن عالت
( وإن تباينا ضرب أحدهما في الآخر ثم الحاصل ) من الضرب ( في ) أصل ( المسألة ) إن لم تعل وبعولها إن عالت
( فما بلغ ) الضرب في كل مما ذكر ( صحت منه ) المسألة
وحاصل ذلك أن بين سهام الصنفين وعددهما توافقا وتباينا وتوافقا في أحدهما وتباينا في الآخر فهذه ثلاثة أحوال وإن بين عددهما تماثلا وتداخلا وتوافقا وتباينا فهذه أربعة أحوال
والحاصل من ضرب ثلاثة في أربعة إثنا عشر فكل حالة من الثلاثة لها أربع مسائل وأنا أسرد لك أمثلتها لتتدرب على هذا الفن كما فعله الشارح أمثلة الحالة الأولى وهي فيما إذا كان بين الصنفين وعددهما توافق أم وستة إخوة لأم وثنتا عشرة أختا لأب هي من ستة وتعول إلى سبعة للإخوة سهمان يوافقان عددهم بالنصف فيرد إلى ثلاثة وللأخوات أربعة أسهم توافق عددهن بالربع فيرد إلى ثلاثة وتضرب إحدى الثلاثتين في سبعة تبلغ إحدى وعشرين ومنه تصح
أم وثمانية إخوة لأم وثمان أخوات لأب ترد عدد الإخوة إلى أربعة والأخوات إلى اثنتين وهما متداخلان فتضرب الأربعة في سبعة تبلغ ثمانية وعشرين ومنه تصح
أم وإثنا عشر أخا لأم وست عشرة أختا لغير أم ترد عدد الإخوة إلى ستة والأخوات إلى أربعة وتضرب نصف أحدهما في الآخر يبلغ إثني عشر تضرب في سبعة تبلغ أربعة وثمانين ومنه تصح
أم وستة إخوة لأم وثمان أخوات لأب ترد عدد الإخوة إلى ثلاثة والأخوات إلى اثنتين وهما متباينان فتضرب أحدهما في الآخر تبلغ ستة تضرب في سبعة تبلغ اثنين وأربعين ومنه تصح
أمثلة الحالة الثانية وهي فيما إذا كان بين سهام الصنفين وعددهما تباين ثلاث بنات وثلاثة إخوة لأب هي من ثلاثة والعددان متماثلان يضرب أحدهما في ثلاثة تبلغ تسعة ومنه تصح
ثلاث بنات وستة إخوة لغير أم العددان متداخلان تضرب أكثرهما وهو ستة في ثلاثة تبلغ ثمانية عشر ومنه تصح
تسع بنات وستة إخوة لغير أم العددان متوافقان بالثلث يضرب ثلث أحدهما في الآخر تبلغ ثمانية عشر تضرب في ثلاثة تبلغ أربعة وخمسين ومنه تصح
ثلاث بنات وأخوان لغير أم العددان متباينان تضرب أحدهما في الآخر تبلغ ستة تضرب في ثلاثة تبلغ ثمانية عشر ومنه تصح
أمثلة الحالة الثالثة وهي فيما إذا كان بين سهام الصنفين وعددهما توافق في أحدهما وتباين في الآخر ست بنات وثلاثة إخوة لغير أم ترد عدد البنات إلى ثلاثة وتضرب إحدى الثلاثتين في ثلاثة تبلغ تسعة ومنه تصح
____________________
(3/35)
أربع بنات وأربعة إخوة لغير أم ترد عدد البنات إلى اثنين وهما داخلان في الأربعة فتضربهما في ثلاثة تبلغ إثني عشر ومنه تصح
ثمان بنات وستة أخوة لغير أم ترد عدد البنات إلى أربعة وهي توافق الستة بالنصف فتضرب نصف أحدهما في الآخر تبلغ إثني عشر تضرب في ثلاثة تبلغ ستة وثلاثين ومنه تصح
أربع بنات وثلاثة إخوة لأب ترد عدد البنات إلى إثنين وهما مع الثلاثة متباينان تضرب أحدهما في الآخر تبلغ ستة تضرب في ثلاثة تبلغ ثمانية عشر ومنه تصح
( ويقاس على ) جميع ( هذا ) المذكور في انكسار السهام على صنفين ( الانكسار ) فيها ( على ثلاثة أصناف ) كجدتين وثلاثة إخوة لأم وعمين أصلها من ستة وتصح من ستة وثلاثين ( و ) الانكسار فيها على أصناف ( أربعة ) كزوجتين وأربع جدات وثلاثة إخوة لأم وعمين أصلها من إثني عشر وتصح من اثنين وسبعين
( ولا يزيد الانكسار ) في غير الولاء والوصية ( على ذلك ) أي أربعة أصناف بدليل الاستقراء لأن الورثة في الفريضة الواحدة لا يزيدون على خمسة أصناف عند اجتماع كل الورثة كما علم مما مر في اجتماع من يرث من الرجال والنساء ومن الخمسة الزوج والأب والأم ولا تعدد في كل منهم وحينئذ فنصيبه صحيح عليه جزما
أما الولاء والوصية فيزيد الكسر فيهما على أربعة أصناف
( فإذا أردت ) بعد تصحيح المسألة ( معرفة نصيب كل صنف ) من الورثة ( من مبلغ ) سهام ( المسألة فاضرب نصيبه ) أي الصنف ( من أصل المسألة ) بعولها إن عالت ( فيما ضربته فيها فما بلغ ) الضرب ( فهو نصيبه ) أي الصنف ( ثم تقسمه ) أي ما بلغ بالضرب ( على عدد الصنف ) ومثل لذلك في المحرر بجدتين وثلاث أخوات لغير أم وعم لغير أم هي من ستة وتصح بضرب ستة فيها تبلغ ستة وثلاثين للجدتين واحد في ستة بستة لكل واحدة ثلاثة وللأخوات أربعة في ستة بأربعة وعشرين لكل أخت ثمانية وللعم واحد في ستة بستة
وإذا أردت معرفة نصيب كل صنف من الورثة قبل عمل المسألة فاضرب نصيب ذلك الوارث في أعداد غيره من بقية الورثة فما بلغ فهو نصيب كل وارث ففي المثال المذكور تضرب نصيب الجدتين وهو واحد في أعداد الأخوات وهو ثلاثة بثلاثة ثم في العم وهو واحد بثلاثة وهو ما لكل جدة وهكذا وهذا الطريق خاص بمباينة السهام للرؤوس وكل من الرؤوس للآخر
ولما فرغ من تصحيح المسائل بالنسبة لميت واحد شرع في تصحيحها بالنسبة لأكثر منه وترجم لذلك بقوله فرع في المناسخات فهي نوع من تصحيح المسائل
والنسخ لغة إبطال الشيء وإزالته يقال نسخت الشمس الظل إذا أذهبته وحلت محله
واصطلاحا أن يموت أحد الورثة قبل قسمة التركة
وسمي هذا مناسخة لانتقال المال فيه من واحد إلى آخر وهو من عويص الفرائض
فإذا ( مات ) شخص ( عن ورثة فمات أحدهم قبل القسمة ) لتركته نظرت ( فإن لم يرث ) الميت ( الثاني غير ) كل ( الباقين ) من ورثة الميت الأول ( وكان إرثهم ) أي الباقين ( منه ) أي الميت الثاني ( كإرثهم من ) الميت ( الأول جعل ) حالهم بالنظر إلى الحساب والاختصار فيه لا لكونه واجبا شرعا ( كأن ) الميت ( الثاني لم يكن ) من ورثة الأول ( وقسم ) المتروك ( بين الباقين ) من الورثة ( كإخوة وأخوات ) لغير أم ( أو بنين وبنات مات بعضهم عن الباقين ) لأن المال صار إليهم بطريق واحد فكأن الذين ماتوا بعد الأول
____________________
(3/36)
لم يكونوا فلو مات عن أربعة بنين وأربع بنات ثم مات منهم ابن فالمسألة الأولى من إثني عشر لكل ابن سهمان ولكل بنت سهم فإن مات ابن منهم صارت المسألة على عشرة
فإن ماتت بنت عمن بقي صارت على تسعة فإن مات ابن عمن بقي صارت على سبعة فإن ماتت بنت عمن بقي صارت على ستة فإن مات ابن عمن بقي صارت على أربعة فإن ماتت بنت عمن بقي صارت على ثلاثة وكأن الميت لم يخلف غير ابن وبنت فله سهمان ولها سهم واحد
تنبيه إنما قدم المصنف الإخوة على البنين لأن العمل فيهم باق ابتداء ودواما فإذا خلف إخوة وأخوات ثم مات أحدهم فالورثة في المسألتين بالأخوة بخلاف البنين فإنه إذا مات عن ابنين وبنات ثم مات بعضهم فالإرث في الأولى بالبنوة وفي الثانية بالأخوة
وأفهم تصويره المسألة بالعصبة أنه لا يأتي في غيرهم وليس مرادا بل يأتي في غير العصبة أيضا كما سيأتي تمثيله بجدتين وثلاث أخوات متفرقات وفي الفرض والتعصيب كأم وإخوة لأم ومعتق ثم مات أحد الإخوة عن الباقين
وإن لم ينحصر إرثه أي الميت الثاني ( في الباقين ) إما لأن الوارث غيرهم أو لأن غيرهم يشركهم فيه ( أو انحصر ) فيهم ( واختلف قدر الاستحقاق ) لهم من الميت الأول والثاني ( فصحح مسألة الأول ثم ) صحح ( مسألة الثاني ثم ) بعد تصحيحهما ينظر ( إن انقسم نصيب الثاني من مسألة الأول على مسألته فذاك ) ظاهر كزوج وأختين لغير أم ماتت إحداهما عن الأخرى وعن بنت المسألة الأولى من ستة وتعول إلى سبعة والثانية من اثنين ونصيب ميتهما من الأولى إثنان ينقسم عليهما
( وإلا ) أي وإن لم ينقسم نصيب الثاني من الأولى على مسألته نظرت ( فإن كان بينهما ) أي مسألة الثاني ونصيبه ( موافقة ضرب وفق مسألته ) أي الثاني ( في مسألة الأول ) كجدتين وثلاث أخوات متفرقات ثم ماتت الأخت للأم عن أخت لأم هي الشقيقة في الأولى وعن أختين لأبوين وعن أم أم هي إحدى الجدتين في الأولى أصل المسألة الأولى من ستة وتصح من إثني عشر والثانية من ستة ونصيب ميتها من الأولى سهم في ثلاثة بثلاثة وللوارثة في الثانية سهم منها في واحد بواحد وللأخت للأبوين في الأبوين في الأولى ستة منها في ثلاثة بثمانية عشر ولها من الثانية سهم في واحد بواحد وللأخت للأب في الأولى سهمان في ثلاثة بستة وللأختين للأبوين في الثانية أربعة منها في واحد بأربعة
فإن قيل لم لا ورثت الأختان في الأولى أيضا أجيب بأن ذاك كان لمانع وجد لهما عند الأولى كرق وكان زائلا عند الثانية ( وإلا ) أي وإن لم يكن بينهما موافقة بل مباينة فقط وإن أوهم دخول التماثل والتداخل أيضا تحت قوله وإلا ضربت ( كلها ) أي الثانية ( فيها ) أي الأولى ( فما بلغ ) الضرب ( صحتا ) أي المسألتان ( منه ثم ) تقول ( من له شيء من ) المسألة ( الأولى أخذه مضروبا فيما ضرب فيها ) من وفق المسألة الثانية أو كلها ( ومن له شيء من ) المسألة ( الثانية أخذه مضروبا في نصيب الثاني من الأولى أو ) أخذه مضروبا ( في وفقه إن كان بين مسألته ونصيبه وفق ) كزوجة وثلاثة بنين وبنت ماتت البنت عن أم وثلاثة إخوة وهم الباقون من الأولى المسألة الأولى من ثمانية والثانية تصح من ثمانية عشر ونصيب ميتها من الأولى سهم لا يوافق مسألته فتضرب في الأولى تبلغ مائة وأربعة وأربعين للزوجة من الأولى سهم في ثمانية عشر بثمانية عشر ومن الثانية ثلاثة في واحد بثلاثة ولكل ابن من الأولى سهمان في ثمانية عشر بستة وثلاثين ومن الثانية خمسة في واحد بخمسة وما صحت منه المسألتان صار كمسألة أولى فإذا مات ثالث عمل في مسألته ما عمل في الثاني وهكذا فإذا صحت الأولى ثم الثانية وجعلتهما كمسألة
____________________
(3/37)
واحدة كما تقدم بيانه فصحح الثالثة وانظر بينها وبين سهام الميت الثالث وهو ما خصه من التصحيح فإن صحت عليها فذاك وإن لم تصح فإن كان بينهما موافقة رددت الثالثة إلى وفقها والسهام إلى وفقها وضربت وفق الثالثة التي صارت ثانية في كل التصحيح فما بلغ صحت منه
وإن كان بينهما مباينة فاضرب كل الثالثة في كل التصحيح فما بلغ صحت منه
ثم من له شيء من التصحيح يأخذه مضروبا في وفق الثالثة في صورة الموافقة أو في كلها في صورة المباينة وقد صارت الثلاث واحدة فإن فرض هناك ميت رابع صحح مسألته وأعملها على هذا القياس
فلو ماتت امرأة عن زوج وأم وثلاث بنات ثم مات الزوج عن ابنين ثم ماتت الأم عن أخ وأخت لأب فتعول الأولى من إثني عشر وتعول إلى ثلاثة عشر وتصح من تسعة وثلاثين للزوج تسعة وللأم ستة وللبنات أربعة وعشرون لكل واحدة ثمانية والثانية من اثنين ونصيب الميت الثاني من الأولى تسعة لا يصح على مسألته ولا يوافق فاضرب الثانية وهي إثنان في الأولى يحصل ثمانية وسبعون ومنها تصح المسألتان
ثم من له شيء من الأولى أخذه مضروبا فيما ضرب فيها وهو اثنان ومن له شيء في الثانية أخذه مضروبا في نصيب مورثه من المسألة الأولى فتقول كان للأم من الأولى ستة في إثنين بإثني عشر وكان لكل ميت من الثلاثة من الأولى ثمانية في إثنين بستة عشر وكان لكل ابن من الثانية سهم في تسعة بتسعة والمسألة الثالثة من ثلاثة ونصيب الميت مما صحت منه الأولتان إثنا عشر تنقسم على مسألتها للأخ ثمانية وللأخت أربعة فقد صحت المسائل الثلاث مما صحت منه الأولتان
ولك أن تصحح كل مسألة برأسها وتقابل نصيب كل ميت بمسألته فمن انقسم نصيبه على مسألته فلا اعتداد بمسألته ومن لم ينقسم حفظت مسألته بتمامها إن لم توافق نصيبه أو وفقها إن توافقا وفعلت بها كما يفعل بأعداد الأصناف المنكسرة عليهم سهامهم من المسألة الواحدة فما حصل ضربته في المسألة الأولى فما حصل قسمته فتضرب ما لكل واحد من الأولى في العدد المضروب فيها فما خرج فهو له إن كان حيا ولورثته إن كان ميتا
خاتمة قد يذكر في المناسخات ما يستحيل وجوده فليتفطن له كما لو قيل زوج وأربع بنات وعم ثم لم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنات وخلفت أما ومن في المسألة وهذا مستحيل لأن أم البنت هي الميتة الأولى فيستحيل كونها موجودة بعد ذلك
وكذا إذا قيل أبوان وابنتان لم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين وخلفت من في المسألة فيقال الميت الأول ذكر أم أنثى ويقال إن المأمون لما أراد أن يولي يحيى بن أكثم القضاء سأله عن هذه المسألة فقال له يا أمير المؤمنين الأول كان ذكرا أم أنثى فولاه القضاء وقال إذا عرفت الفرق عرفت الجواب
وذلك لأنه إن كان رجلا فالأب وارث في المسألة الثانية لأنه أبو الأب وإلا فغير وارث لأنه أبو الأم فإذا كان الميت الأول رجلا صحت من أربعة وخمسين
بيان ذلك أن مسألة الميت الأول من ستة للأبوين السدسان وللبنتين الثلثان لكل واحدة سهمان ومسألة الميت الثاني وهي إحدى البنتين من ستة أيضا للجدة سهم يفضل خمسة بين الجد للأب وبين الأخت أثلاثا وهي لا ثلث لها صحيح فتضرب ثلاثة في ستة بثمانية عشر ومنها تصح وبينها وبين سهام الميتة وهما اثنان موافقة بالنصف فتردها إلى نصفها تسعة وتضربها في ستة تبلغ أربعة وخمسين فتعمل فيها مما عرفت
وإن كان أنثى صحت من ثمانية عشر بيانه أن مسألة الميت الأول من ستة كما مر ومسألة الميت الثاني من ستة أيضا والجد أبو الأم لا يرث فتأخذ الجدة سهما والأخت ثلاثة والباقي لبيت المال بشرطه وإلا فيرد عليهما بالنسبة وبين مسألة الميت الثاني وسهامه موافقة بالنصف فتردها إلى ثلاثة وتضربها في ستة تبلغ ثمانية عشر فتعمل فيها بما مر
ولما شاركت الوصايا الفرائض في التعليق بما بعد الموت ذكرها عقبها فقال كتاب الوصايا ولكن تقديمها أنسب لأن الإنسان يوصي ثم يموت فتقسم تركته
وهي جمع وصية كهدايا وهدية قال الشارح
____________________
(3/38)
بمعنى الإيصاء أي لا تشمل الوصاية فإن الباب معقود لهما والإيصاء يعم الوصية والوصايا لغة والتفرقة بينهما من إصطلاح الفقهاء وهي تخصيص الوصية بالتبرع المضاف لما بعد الموت والوصاية بالعهد إلى من يقوم على من بعده
والوصية لغة الإيصال من وصى الشيء بكذا وصله به لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه
وشرعا تبرع بحق مضاف ولو تقديرا لما بعد الموت وليس التبرع بتدبير ولا تعليق عتق وإن التحقا بها حكما كالتبرع المنجز في مرض الموت أو الملحق به
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى في أربعة مواضع من المواريث { من بعد وصية يوصي بها } وأخبار كخبر الصحيحين ما حق امرىء مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده أي ما الحزم أو ما المعروف من الأخلاق إلا هذا فقد يفجؤه الموت
ولخبر ابن ماجه المحروم من حرم الوصية من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة ومات مغفورا له وكانت أول الإسلام واجبة بكل المال للوالدين والأقربين بقوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا } أي مالا { الوصية } الآية ثم نسخ وجوبها بآيات المواريث وبقي استحبابها في الثلث فأقل لغير الوارث وإن قل المال وكثر العيال
والأفضل تقديم القريب غير الوارث وتقديم المحرم منهم ثم ذي رضاع ثم صهر ثم ذي ولاء ثم جوار كما في صدقة التطوع المنجزة وأهل الخير والمحتاجون ممن ذكر أولى من غيرهم
أما الوارث فلا يستحب الوصية له وهي واجبة على من عليه حق الله تعالى كزكاة وحج أو حق لآدميين كوديعة ومغصوب إذا لم يعلم بذلك من يثبت بقوله بخلاف ما إذا كان به من يثبت بقوله فلا تجب الوصية به
قال الأذرعي إذا لم يخش منهم كتمانه كالورثة الموصى له اه
وهو حسن وينبغي كما قال الإسنوي أنه يكتفي بالشاهد الواحد
وصدقة الشخص صحيحا ثم حيا أفضل من صدقته مريضا وبعد الموت لخبر الصحيحين أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى ونخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا
وأركان الوصية أربعة موص وموص له وموصى به وصيغة وذكرها المصنف على هذا الترتيب وبدأ بالأول فقال ( تصح وصية كل مكلف حر ) مختار بالإجماع لأنها تبرع ( وإن كان كافرا ) ولو حربيا كما قاله الماوردي وإن استرق بعدها وماله عندنا بأمان كما بحثه الزركشي
تنبيه شمل إطلاقه المرتد فتصح وصيته
نعم إن مات أو قتل كافرا بطلت وصيته لأن ملكه موقوف على الأصح ومن عليه دين مستغرق فتصح وصيته كما يؤخذ من كلام القاضي
( وكذا محجور عليه بسفه ) تصح وصيته ( على المذهب ) لصحة عبارته ونقل فيه ابن عبد البر والأستاذ أبو منصور وغيرهما الإجماع
وإنما أفرده المصنف مع دخوله في المكلف الحر بالذكر للخلاف فيه
والطريق الثاني قولان أحدهما لا تصح للحجر عليه فالسفيه بلا حجر تصح وصيته جزما وخرج بالسفيه حجر الفلس فتصح الوصية معه جزما كما قاله القاضي حسين
ثم شرع في محترز قوله مكلف فقال ( لا مجنون ) ومعتوه ومبرسم ( ومغمى عليه وصي ) فلا تصح وصية كل منهم إذ لا عبارة لهم
وأما السكران المتعدى بسكره فإنه في رأي المصنف غير مكلف وتصح وصيته
واستثنى الزركشي من المغمى عليه ما لو كان سببه سكرا عصى به وكلامه منتظم فتصح وصيته
( وفي قول تصح ) الوصية ( من صبي مميز ) كما نص عليه في الإملاء ورجحه جمع من الأصحاب ولأنها لا تزيل ملكه في الحال وتفيد الثواب بعد الموت
وأفهم كلامه أن غير المميز لا تصح وصيته جزما
وبه صرح المتولى والدارمي
ثم شرع في محترز قوله حر فقال ( ولا رقيق ) فلا تصح وصيته
سواء أكان قنا أم مدبرا أم مكاتبا لم يأذن له سيده أم أم ولد لأن الله تعالى جعل الوصية حيث التوارث والرقيق لا يورث فلا يدخل في الأمر بالوصية
( وقيل إن ) أوصى في حال رقه ثم ( عتق ثم مات صحت ) لأن عبارته صحيحة وقد أمكن العمل بها والصحيح المنع لعدم أهليته حينئذ
أما إذا أذن للمكاتب سيده فتصح وصيته لصحة تبرعه بالإذن وبه صرح الصيمري
____________________
(3/39)
تنبيه قضية إطلاقهم بطلان وصية المبعض قال الأذرعي ولم أر فيه نصا وقياس التوريث عنه الصحة اه
فتصح فيما يستحقه ببعضه الحر لأنه يورث عنه
قال شيخنا وظاهر أن محله في غير العتق لأن العتق يستعقب الولاء والمبعض ليس من أهله اه
والذي يظهر كما قال شيخي الصحة لأن الرق ينقطع بالموت والعتق لا يكون إلا بعده
ثم شرع في الركن الثاني وهو الموصى له فقال ( وإذا أوصى لجهة عامة فالشرط ) في الصحة ( أن لا تكون ) الجهة ( معصية كعمارة كنيسة ) للتعبد فيها ولو ترميما وكتابة التوراة والإنجيل وقراءتهما وكتابة كتب الفلسفة والنجوم وسائر العلوم المحرمة ومن ذلك الوصية لدهن سراج الكنيسة تعظيما لها أما إذا قصد انتفاع المقيمين والمجاورين بضوئها فالوصية جائزة وإن خالف في ذلك الأذرعي
سواء أوصى بما ذكر مسلم أم كافر بل قيل إن الوصية ببناء الكنيسة من المسلم ردة
ولا تصح أيضا الوصية ببناء موضع لبعض المعاصي كالخمارة
وإذا انتفت المعصية فلا فرق بين أن يكون قربة كالفقراء أو بناء المساجد وعمارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وألحق الشيخ أبو محمد بها قبور العلماء والصالحين لما فيه من إحياء الزيارة والتبرك بها
أو مباحة لا تظهر فيها القربة كالوصية للأغنياء وفك أسارى الكفار من المسلمين لأن القصد من الوصية تدارك ما فات في حال الحياة من الإحسان فلا يجوز أن تكون معصية
تنبيه أطلق المصنف منع الوصية بعمارة الكنيسة ومحله في كنيسة للتعبد كما قيدت به كلامه أما كنيسة تنزلها المارة أو موقوفة على قوم ليسكنوا بها أو تحمل أجرتها للنصارى فيجوز نص عليه في كتاب الجزية
وحكى الماوردي وجها أنه إن خص نزولها بأهل الذمة حرم واختاره السبكي
ولو أوصى ببنائها لنزول المارة والتعبد لم يصح في أحد وجهين يظهر ترجيحه تغليبا للحرمة
( أو ) أوصى ( لشخص ) أي معين ولو عبر به بدلا عن الشخص كما فعل في الوقف لكان أولى ليدخل ما إذا تعدد إفراده كزيد وعمرو وبكر
( فالشرط ) عدم المعصية كما يؤخذ من التعليل السابق
وخرج بالمعين الوصية لأحد الرجلين فلا تصح نعم إن كان بلفظ العطية ك أعطوا العبد لأحد الرجلين صح كما حكاه الرافعي عن المهذب والتهذيب وغيرهما تشبيها بما إذا قال لوكيله بعه لأحد الرجلين و ( أن يتصور له الملك ) عند موت الموصي ولو بمعاقدة وليه
وقضية هذا إنها لا تصح لميت لكن ذكر الرافعي في باب التيمم أنه لو أوصى بماء لأولى الناس به وهناك ميت قدم على المتنجس أو المحدث الحي على الأصح وهذه في الحقيقة ليست وصية لميت بل لوارثه لأنه هو الذي يتولى أمره
تنبيه مقتضى هذا التقسيم أنه لا بد من ذكر الموصى له معينا أو عاما لكن كلام الرافعي في باب الوقف يقتضي الاتفاق على أنه لا يشترط
وقال في زوائد الروضة هنا لو قال أوصيت بثلث مالي لله تعالى صرف في وجوه البر ذكره صاحب العدة وقال هو قياس قول الشافعي
ويؤخذ من اعتبار تصور الملك اشتراط كون الموصى به مملوكا للموصى فتمتنع الوصية بمال الغير وهو قضية كلام الرافعي في الكتابة لكنه هنا حكي وجهين
قال المصنف وقياس الباب الصحة أي يصير موصى به إذا ملكه قبل موته وهو المعتمد وإن نوزع في ذلك
ولو أرسل الوصية ولا شيء له صح كما قاله الرافعي في الركن الخامس من الطلاق كالنذر وكذا لو علق بملكه له كأن قال أوصيت به لفلان إن ملكته فصير موصى به إذا ملكه فإن كان يملك بعضه صحت قطعا
قال القاضي أبو الطيب ويؤخذ منه أيضا أن الوصية لا تصح لجني وبه صرح ابن قدامة الحنبلي لأنه لا يملك بالتمليك وهو موافق لمن منع نكاح الجنية وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح
ثم فرع المصنف على تصور الملك قوله ( فتصح ) الوصية ( لحمل ) موجود ولو نطفة كما يرث بل أولى لصحة الوصية لمن يرث كالمكاتب
أما لو قال لحملها الذي سيحدث فالأصح البطلان
( وتنفذ ) بمعجمة ( إن انفصل ) الحمل ( حيا ) حياة مستقرة فلو انفصل ميتا ولو بجناية فلا شيء له كما لا يرث ( وعلم
____________________
(3/40)
وجوده عندها ) أي الوصية ( بأن انفصل لدون ستة أشهر ) منها لأنها أقل مدة الحمل فإذا خرج قبلها علم أنه كان موجودا عند الوصية وسواء أكان لها زوج أم سيد أم لا
( فإن انفصل لستة أشهر فأكثر ) منها ( والمرأة فراش زوج أو سيد لم يستحق ) الموصى به لاحتمال حدوثه بعد الوصية والأصل عدمه عندها فلا يستحق بالشك
( فإن لم تكن ) أي المرأة الآن ( فراشا ) لزوج أوسيد ( وانفصل ) الحمل ( لأكثر من أربع سنين فكذلك ) أي لم يستحق الحمل الموصى له لعدم وجوده عند الوصية
( أو لدونه ) أي دون الأكثر وهو الأربع فأقل استحق في الأظهر كما يثبت النسب ولأن الظاهر وجوده عند الوصية
والثاني لا يستحق لاحتمال العلوق بعد الوصية من وطء شبهة أو زنا
ورد بأن الأصل عدم ذلك ووطء الشبهة نادر وفي تقدير الزنا إساءة ظن
نعم لو لم تكن فراشا قط لم تستحق شيئا قاله السبكي تفقها ونقله غيره عن الأستاذ أبي منصور وهو كما قال الزركشي ظاهر في الفاسقة ونحوها دون غيرها
تنبيه ما ذكره المصنف من إلحاق الستة أشهر بما فوقها والأربع سنين بما دونها هو ما ذكره في أصل الروضة وغيره وهو المعتمد وإن صوب الإسنوي وغيره إلحاق الستة بما دونها معللا ذلك بأنه لا بد من تقدير زمن يسع لحظتي الوطء والوضع كما ذكروه في العدد
وقد رد ما صوبه بأن لحظة الوطء إنما اعتبرت جريا على الغالب من أن العلوق لا يقارن أول المدة وإلا فالعبرة بالمقارنة فالسنة على هذا ملحقة بما فوقها كما جرى عليه المصنف هنا وعلى الأول بما دونها كما قالوه في المحل الآخر
وبذلك علم أن كلا صحيح وأن التصويب سهو وإن جرى ابن المقري على أن الأربعة ملحقة بما فوقها فقدر عليه أيضا بأنا أثبتنا النسب فيها كما مر فلا تبعض الأحكام
ولو انفصل توأم لدون ستة أشهر من الوصية ثم آخر لدونها من الولادة استحقا وإن زاد ما بين الوصية وبين الثاني على ستة أشهر والمرأة فراش لأنهما حمل واحد ولو قال أوصيت لحمل هند من زيد اعتبر مع ما مر ثبوت نسبه بالشرع من زيد حتى لو ثبت منه ثم نفاه باللعان لم يستحق لعدم ثبوت النسب بخلاف ما لو اقتصر على الوصية لحمل فلانة
ويقبل الوصية للحمل وليه ولو وصيا بعد الانفصال حيا فلو قبل قبله لم يكف كما جرى عليه ابن المقري وقيل يكفي كمن باع مال أبيه يظن حياته فبان ميتا وصححه الخوارزمي
( وإن أوصى ) لحر فرق لم تكن الوصية لسيده مطلقا بل متى عتق فهي له وإن مات رقيقا كانت الوصية فيئا في الأظهر على قياس ما ذكروه في مال من استرق بعد نقض أمانة قاله الزركشي
والثاني لورثة الموصي
وأن أوصى ( لعبد ) لغيره وليس بمكاتب ولا مبعض ( فاستمر رقه ) إلى موت الموصي ( فالوصية لسيده ) عند موت الموصي والقبول أي تحمل على ذلك لتصح لكن بشرط قبول العبد لها وإن نهاه سيده عن القبول ولا يكفي قبول سيده لأن الخطاب لم يكن معه بل مع العبد هذا إذا كان العبد أهلا للقبول وإلا قبل السيد كولي الحر بل أولى لأن الملك له على كل حال وقيل يوقف الحال إلى تأهله للقبول
تنبيه محل صحة الوصية للعبد إذا لم يقصد الموصي تمليكه فإن قصده قال في المطلب لم تصح كنظيره في الوقف وفرق السبكي بأن الاستحقاق هنا منتظر فقد يعتق العبد قبل موت الموصي فتكون له أولا فلمالكه بخلافه ثم فإنه ناجز وليس العبد أهلا لملك
وقضية هذا الفرق أنه لو قال وقفت هذا على زيد ثم على عبد فلان وقصد تمليكه صح له لأن استحقاقه منتظر
ويقيد كلامهم بالوقف على الطبقة الأولى وهو كما قال شيخنا متجه لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع
( وإن عتق ) كله ( قبل موت الموصي ) أو باعه كله كذلك ( فله ) في الأولى لأن الوصية تمليك بعد الموت وهو حر حينئذ وللمشتري في الثانية لأنه سيده وقت الموت والقبول
فإن عتق بعده أو باع بعضه فقياس ما قالوا فيما إذا أوصى لمبعض ولا مهايأة بينه وبين سيده أن الموصى به بينهما أنه هنا بينهما أيضا في الأولى وبين السيدين في الثانية وإن كان بين المبعض وسيده مهايأة أو بين السيدين وأوصى أو وهب له فلصاحب النوبة
____________________
(3/41)
يوم الموت في الوصية ويوم القبض في الهبة ولو خصص بها نصفه الحر أو الرقيق أو أحد السيدين تخصص
( وإن عتق ) أو بيع بعد موت الموصي والقبول فالملك للمعتق أو البائع
وإن عتق أو بيع ( بعد موته ) أي الموصي ( ثم قبل ) الوصية ( بني ) الكلام في هذه المسألة ( على أن الوصية بم تملك ) إن قلنا بالموت بشرط القبول وهو الأظهر أو بالموت فقط فهي للمعتق أو البائع وإن قلنا بالقبول فقط فللعتيق في الأولى والمشتري في الثانية
ولو عتق مع الموت فالملك للعتيق لأنه حر وقت الملك
أما إذا أوصى لعبد نفسه فإن أوصى له برقبته صح وإن أوصى له بثلث ماله نفذت الوصية في ثلث رقبته لأنه من ماله وعتق ذلك الثلث وباقي الثلث من سائر أمواله وصية لمن بعضه ملك للوارث وبعضه حر
وإن أوصى له بمال ثم أعتقه فهو له أو باعه للمشتري وإلا بأن مات وهو في ملكه فوصية لوارث وسيأتي حكمها
ولو أوصى له بثلث ماله وشرط تقديم عتقه فأزمع عتقه بباقي الثلث
وتصح الوصية لأم ولده لأنها تعتق بموته ومكاتبه لأنه مستقل بالملك ومدبره كالقن فإن عتق المكاتب فهي له وإلا فوصية لوارث لأنه المالك له وقت الملك أو عتق المدبر
وخرج عتقه مع وصيته من الثلث استحقها وإن لم يخرج منه إلا أحدهما قدم العتق فعتق كله ولا شيء له بالوصية
وإن لم يف الثلث بالمدبر عتق منه بقدر الثلث وصارت الوصية لمن بعضه للوارث
( وإن أوصى لدابة ) لغيره ( وقصد تمليكها أو أطلق فباطلة ) هذه الوصية جزما لأن مطلق اللفظ للتمليك والدابة لا تملك بخلاف الإطلاق للعبد فإنه ينتظم معه الخطاب ويأتي معه القبول وربما عتق قبل موت الموصى فيثبت له الملك بخلاف الدابة
تنبيه قد جزموا هنا بالبطلان وذكروا في إطلاق الوقف عليها وجهين قال الرافعي فيشبه مجيئهما هنا
وقد يفرق بأن الوصية تمليك محض فينبغي إضافته إلى من يملك بخلاف الوقف
قال المصنف والفرق أصح
قال الزركشي وقياس ما مر في صحة الوقف على الخيل المسبلة صحة الوصية لها أي عند الإطلاق بل أولى
( وإن قال ليصرف في علفها ) بسكون اللام وفتحها بخطه الأول مصدر والثانية للمأكول
( فالمنقول ) وعبر في الروضة بالظاهر المنقول ( صحتها ) لأن علفها على مالكها فهو المقصود بها كالوصية لعمارة داره فإنها له لأن عمارتها عليه فهو المقصود بها هذا ما نقله الرافعي عن البغوي والغزالي وغيرهما
ومقابل المنقول احتمال للرافعي فإنه قال وقد تقدم في نظيره من الوقف وجهان فيشبه أن هذا مثله وعبارة المحرر فالظاهر الصحة
قال في الدقائق ومراده بالظاهر ما ذكرناه من أنه المنقول لا أنه ناقل الخلاف في صحتها اه
وعلى المنقول يشترط قبول مالك الدابة والدار أيضا كسائر الوصايا
ثم يتعين صرفه في الأولى لعلفها وفي الثانية لعمارتها كما بحثه شيخنا دعاية لغرض الموصي ويتولى الإنفاق عليها الوصي أو نائبه من مالك أو غيره ثم القاضي أو نائبه كذلك فلو باعها مالكها انتقلت الوصية للمشتري قال المصنف كما في العبد وقال الرافعي هي للبائع قال السبكي وهو الحق إن انتقلت بعد الموت وإلا فالحق أنه للمشتري وهو قياس العبد في التقديرين
وقضيته أنه فهم أن المصنف قائل بأنها للمشتري مطلقا وليس مرادا بل قوله كما في العبد يقتضي أنه قائل بالتفصيل وعليه لو قبل البائع ثم باع الدابة فظاهر أنه يلزمه صرف ذلك لفعلها وإن صارت ملك غيره
( وتصح ) الوصية من كل مسلم أو كافر ( لعمارة ) أو مصالح ( مسجد ) إنشاء وترميما لأنه قربة وفي معنى المسجد المدرسة والرباط المسبل والخانقاه وقيد في الكافي وغيره المسجد بالموجود فإن أوصى لمسجد سيبنى لم تصح جزما وهو نظير ما جزم به الرافعي فيما إذا وقف على مسجد سيبنى
( وكذا إن أطلق ) الوصية للمسجد ونحوه ك أوصيت له بكذا يصح ( في الأصح وتحمل على عمارته ومصالحه ) لأن العرف يحمله على ذلك ويصرفه قيمه في أهمها باجتهاد
والثاني يبطل لأنه لا يملك كالدابة
ورده الإمام بأن الوصية للدابة نادر مستنكر في العرف فتعين اعتبار اللفظ
____________________
(3/42)
تنبيه سكت المصنف عما إذا قال أردت تمليك المسجد
ونقل الرافعي عن بعضهم أن الوصية باطلة
ثم قال ولك أن تقول سبق أن للمسجد ملكا وعليه وقفا وذلك يقتضي صحة الوصية
قال المصنف وهو الأفقه والأرجح
وقال ابن الرفعة في كلام الرافعي في اللقطة ما يفهم جواز الهبة للمسجد
قال ابن الملقن وبه صرح القاضي في تعليقه والكعبة في ذلك كالمسجد كما صرح به في البيان نقلا عن الشيخ أبي علي قال ويصرف في عمارتها وقيل إلى ساكن مكة
وينبغي كما قال ابن شهبة إلحاق الكسوة بالعمارة فإنها من جملة المصالح وكذا ما أوصى به للضريح النبوي على ساكنه أفضل الصلاة والسلام يحمل على ما يختص به دون الأشياء الخارجة عنه كما ذكره السبكي في حرمه فإنها قد تدخل في الوصية للحرم
( و ) تصح الوصية ( لذمي ) بما يصح تملكه له كما يجوز التصدق عليه ففي الحديث الصحيح
في كل كبد حراء أجر وعن البيهقي أن صفية رضي الله تعالى عنها أوصت لأخيها بألف دينار وكان يهوديا أما ما لا يصح تملكه له كالمصحف والعبد المسلم فلا تصح الوصية له به
وفي معنى الذمي المعاهد والمستأمن كما قاله في التتمة
( وكذا حربي ) معين سواء أكان بدارنا أم لا بما له تملكه لا كسيف ورمح
( و ) كذا ( مرتد ) معين لم يمت مرتدا تصح الوصية لكل منهما ( في الأصح ) كالهبة والصدقة
والثاني المنع للأمر بقتلهما فلا معنى للوصية لهما كالوقف عليهما
وفرق الأول بأن الوقف يراد للدوام وهما مقتولان بكفرهما بخلاف الوصية فإن مات مرتدا تبين بطلان الوصية
تنبيه مسألة المرتد مزيدة على المحرر من غير تمييز وقضية كلام الإمام أنه لو لحق بدار الحرب وامتنع منا لا تصح الوصية له قطعا وهو كما قال الزركشي متجه وعلم مما تقرر أنه لا يشترط في الوصية للذمي التعيين بخلاف الحربي والمرتد فتصح لأهل الذمة دون أهل الحرب والردة فلا تصح لهما كما صرح به ابن سراقة ولو أوصى لمن يرتد بطلت أو لمسلم فارتد لم تبطل قاله الماوردي
وقياسه البطلان فيمن لو أوصى لمن يحارب
( و ) كذا ( قاتل ) ولو تعديا تصح الوصية له ( في الأظهر ) لأنها تمليك بعقد فأشبهت الهبة وخالفت الإرث
والثاني المنع لأنه مال يستحق بالموت فأشبه الإرث
وصورته أن يوصى لجارحه ثم يموت أو لإنسان فيقتله ومن ذلك قتل سيد الموصى له الموصي لأن الوصية لعبد وصية لسيده كما مر فلو أوصى لمن يقتله أو يقتل غيره تعديا فباطلة كما في الكفاية في الأولى ومثلها الثانية أو بحق فيظهر فيها الصحة كما بحثه الزركشي في الثانية ومثلها الأولى
( و ) تصح الوصية وإن لم تخرج من الثلث ( لوارث ) خاص غير حائز بغير قدر إرثه ( في الأظهر إن أجاز باقي الورثة ) المطلقين التصرف وقلنا بالأصح إن أجازتهم تنفيذ لقوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث إلا أن تجيز الورثة رواه البيهقي بإسناد قال الذهبي صالح وقياسا على الوصية لأجنبي بالزائد على الثلث
والقول الثاني باطلة وإن أجازوها لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي
وخرج ب خاص الوارث العام كما لو أوصى لإنسان بشيء ثم انتقل إرثه لبيت المال فإن ذلك يصرف إليه والوصية صحيحة ولا تحتاج إلى إجازة الإمام قطعا
و ب غير حائز ما لو أوصى لحائز بماله كله فإنها باطلة على الأصح في التتمة و ب غير قدر إرثه ما لو أوصى لوارث بقدر إرثه فإن فيه تفصيلا يأتي بين المشاع
والمعين و ب المطلقين التصرف ما لو كان فيهم صغير أو مجنون أو محجور عليه بسفه فلا تصح منه الإجازة ولا من وليه كما قاله الماوردي قال ولا ضمان عليه إن أجاز ما لم تقبض الوصية فإن قبضت صار ضامنا لقدر ما أجازه من الزيادة
تنبيه في معنى الوصية للوارث الوقف عليه وإبراؤه من دين عليه أو هبته شيئا فإنه يتوقف على إجازة بقية الورثة
نعم يستثنى من الوقف صورة واحدة وهي ما لو وقف ما يخرج من الثلث على قدر نصيبهم كمن له ابن وبنت وله دار تخرج من ثلثه فوقف ثلثيهما على الابن وثلثها على البنت فإنه ينفذ ولا يحتاج إلى إجازة في الأصح فليس للوارث إبطاله ولا إبطال شيء منه لأن تصرفه في ثلث ماله نافذ فإذا تمكن من قطع حق الوارث عن الثلث بالكلية فتمكنه من وقفه عليه أولى
فائدة من الحيل في الوصية للوارث أن يقول أوصيت لزيد بألف إن تبرع لولدي بخمسمائة مثلا
فإن قيل
____________________
(3/43)
لزمه دفعها إليه
( و ) بقية الورثة ( لا عبرة بردهم وإجازتهم ) الوصية ( في حياة الموصي ) فلمن رد الوصية في حياته الإجازة بعد موته وعكسه إذ لا استحقاق لهم ولا للموصى له قبل موته وقد يبرأ وقد يموت الموصى له قبله ولا أثر للإجازة أيضا بعد الموت مع جهل قدر المال الموصى به كالإبراء عن مجهول
نعم إن كانت الوصية بمعين كعبد وقالوا بعد إجازتهم ظننا كثرة المال وأن العبد خارج من ثلثه فبان قليلا أو تلف بعضه أو دين على الميت صحت إجازتهم فيه ولا يقبل قولهم لأن العبد معلوم والجهالة في غيره فإن كانت الوصية بغير معين وادعى المجيز الجهل بقدر التركة كأن قال كنت اعتقدت قلة المال وقد بان خلافه صدق بيمينه في دعوى الجهل إن لم تقم بينة بعلمه بقدر المال عند الإجازة وتنفذ الوصية فيما ظنه فإن أقيمت لم يصدق ونفذت الوصية في الجميع
( والعبرة في كونه ) أي الموصى له ( وارثا ) أو غير وارث ( بيوم ) أي وقت ( الموت ) فلو أوصى لأخيه فحدث له ابن قبل موته صحت
أو أوصى لأخيه وله ابن فمات قبل موت الموصي فهي وصية لوارث
( والوصية لكل وارث بقدر حصته ) شائعا من نصف أو غيره كأن أوصى لكل من بنيه الثلاثة بثلث ماله ( لغو ) لأنه يستحقه بغير وصية
وخرج بقوله لكل وارث ما لو أوصى لبعضهم بقدر حصته كأن أوصى لأحد بنيه الثلاثة بثلث ماله فإنه يصح ويتوقف على الإجازة فإن أجيز أخذه وقسم الباقي بينهم بالسوية
( و ) الوصية لكل وارث ( بعين هي قدر حصته ) كأن أوصى لأحد ابنيه بعبد قيمته ألف وللآخر بدار قيمتها ألف وهما ما يملكه ( صحيحة ) كما لو أوصى ببيع عين من ماله لزيد ( و ) لكن ( تفتقر إلى الإجازة في الأصح ) لاختلاف الأغراض بالأعيان ومنافعها
والثاني لا يفتقر إليها لأن حقوقهم في قيمة التركة لا في عينها إذ لو باعها المريض بثمن مثلها صح وإن لم يرضوا بذلك
والدين كالعين فيما ذكر كما بحثه بعض المتأخرين
ثم شرع في الركن الثالث وهو الموصى به ويشترط كونه مقصودا يحل الانتفاع به ويقبل النقل فلا تصح بما لا يقصد كدم ولا بما لا يحل الانتفاع به كمزمار ولا بما لا يقبل النقل كقصاص وحق شفعة إذا لم يبطل بالتأخير لعذر كتأجيل الثمن وحد قذف وإن قبلت الانتقال بالإرث لأنها لا تقبل النقل
نعم تصح الوصية بالقصاص لمن هو عليه والعفو عنه في المرض كما حكاه البلقيني عن تعليق الشيخ أبي حامد ومثله حد القذف وحق الشفعة فقال ( وتصح ) الوصية ( ب ) بالمجهول ك ( الحمل ) الموجود في البطن منفردا عن أمه أو معها وعبد من عبيده وبما لا يقدر على تسليمه كالطير الطائر والعبد الآبق لأن الموصى له يخلف الميت في ثلثه كما يخلفه الوارث في ثلثيه فلما جاز أن يخلف الوارث الميت في هذه الأشياء جاز أن يخلفه الموصى له
قال في المجموع اتفق أصحابنا على جواز الوصية باللبن في الضرع والصوف على ظهر الغنم صرح به البغوي وقال يجز الصوف على العادة وما كان موجودا حال الوصية للموصى له وما حدث للوارث فلو اختلفا في قدره فالقول قول الوارث بيمينه
( ويشترط ) في صحة الوصية بالحمل ( انفصاله حيا لوقت يعلم وجوده عندها ) أي الوصية كما سبق في الوصية له ويرجع في حمل البهيمة إلى أهل الخبرة
أما إذا انفصل ميتا فإن كان حمل أمة وانفصل بجناية مضمونة ولم تبطل الوصية وتنفذ من الضمان لأنه انفصل متقوما فتنفذ في بدله بخلاف ما لو أوصى بحمل فانفصل ميتا بجناية فإنها تبطل لأنه ليس أهلا لذلك
وإن كان حمل بهيمة فانفصل بجناية أو بغيرها أو حمل أمة وانفصل بلا جناية مضمونة لم يستحق الموصى له شيئا وإنما استحق في حمل الأمة دون حمل البهيمة فيما إذا انفصلا بجناية لأن ما وجب في جنين الأمة بدله فيكون للموصى له وما وجب في جنين البهيمة بدل ما نقص منها فيكون للوارث وإذا كان في المفهوم تفصيل لم يرد
ويصح القبول هنا وفيما مر قبل الوضع بناء على أن الحمل يعلم وهو الراجح
قال الماوردي ولو قال إن ولدت أمتي ذكرا فهو وصية لزيد أو أنثى فوصية لعمرو جاز وكان على ما قال سواء ولدتهما معا أو مرتبا وإن ولدت
____________________
(3/44)
خنثى فقيل لا حق فيه لواحد منهما وقيل إنه موقوف بينهما حتى يصطلحا أي وهذا أوجه كما قاله الأذرعي
( و ) تصح الوصية ( بالمنافع ) المباحة وحدها مؤقتة ومؤبدة ومطلقة والإطلاق يقتضي التأبيد لأنها أموال مقابلة بالأعواض كالأعيان
وتصح بالعين دون المنفعة وبالعين لواحد والمنفعة لآخر
وإنما صحت في العين وحدها لشخص مع عدم المنفعة فيها لإمكان صيرورة المنفعة له بإجازة أو إباحة أو نحو ذلك قال الزركشي ولا يصح استثناء منفعة العين إلا في الوصية ولو قبل الموصى له بالعين ورد الموصى له بالمنفعة عادت إلى الورثة لا إلى الموصى له بالعين كما قاله ابن الرفعة ولم يتعرض الشيخان لهذه المسألة ( وكذا ) تصح ( بثمرة أو حمل سيحدثان في الأصح ) لأن الوصية احتمل فيها وجوه من الغرر رفقا بالناس وتوسعة فتصح بالمعدوم كما تصح بالمجهول ولأن المعدوم يصح تملكه بعقد السلم والمساقاة والإجارة فكذا بالوصية
والثاني لا يصح لأن التصرف يستدعي متصرفا فيه ولم يوجد
وعلى الأول إذا أوصى مما يحدث هذا العام أو كل عام عمل به
وإن أطلق فقال أوصيت بما يحدث فهل يعم كل سنة أو يختص بالسنة الأولى قال ابن الرفعة الظاهر العموم وسكت عليه السبكي وهو ظاهر
وإذا قلنا بالصحة في الحمل فولدته لدون ستة أشهر لم يكن موصى به لأنه كان موجودا وإنما أوصى بما سيحدث أو لأكثر من أربع سنين كان موصى به أو بينهما وهي ذات زوج صحت وإلا فلا قاله الماوردي
تنبيه تثنية الضمير بعد العطف ب أو مذهب كوفي أما البصري فيفرده فكان الأحسن للمصنف أن يقول سيحدث
( و ) تصح ( ب ) المبهم ك ( أحد عبديه ) لأن الوصية تحتمل الجهالة فلا يؤثر الإبهام وتعين الوارث
فإن قيل لم صحت هنا ولم تصح في أوصيت لأحد الرجلين كما مر أجيب بأنه يحتمل في الموصى به ما لا يحتمل في الموصى له ولهذا صحت بحمل سيحدث لا لحمل سيحدث ولو قال أوصيت لفلان وهناك من يشاركه في الاسم التحق بأحد الرجلين
قال القاضي ولو أوصى بأحد شيئين يملك أحدهما انصرف إليه
( و ) تصح بنجوم الكتابة وإن لم تكن مستقرة وبالمكاتب وإن لم يقل عجز نفسه وبعبد غيره وإن لم يقل أن ملكته كما مرت الإشارة إليه وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين
و ( بنجاسة يحل الانتفاع بها ككلب معلم ) لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها بالإرث ونحوه ومثل الكلب المعلم الكلب القابل للتعليم ولو جروا والفهد ونحوه والكلب المتخذ لحراسة الدور ونحوها لجواز اقتناء ذلك
وخرج ما لا يحل الانتفاع به كخنزير وكلب عقور
تنبيه إن كان الموصى له بالكلب المنتفع به في صيد أو حراسة زرع أو نعم صاحب صيد أو زرع أو نعم فظاهر وإلا فقضية ما صححه المصنف في مجموعه من أنه يمتنع عليه اقتناؤه عدم الصحة قال الأذرعي وهو الأقرب وقضية إطلاق المصنف هنا الصحة وهو كما قال شيخي الأقرب وينقله إلى من ينتفع به
( و ) تصح بنحو ( زبل ) مما ينتفع به كسماد وجلد ميتة قابل للدباغ وزيت نجس وميتة لطعم الجوارح كما نقله القاضي أبو الطيب عن الأصحاب
وظاهر كلامه أنه لا فرق بين زيل الكلب والخنزير وغيرهما وهو كذلك وإن قال الزركشي ينبغي استثناء زبل الأولين
قال في المجموع ويكره اقتناء السرجين لتربية الزرع ( و ) تصح بنحو ( خمر محترمة ) كنبيذ وهي ما عصرت بقصد الخلية أو لا بقصد الخمرية على الخلاف في تفسيرها
وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق بين المستحكمة وغيرها وهو كذلك وإن قال ابن الرفعة في المستحكمة بالبطلان
أما غير المحترمة فلا تصح الوصية بها لوجوب إراقتها
( ولو أوصى بكلب من كلابه ) التي يحل أن ينتفع بها أو من ماله وله عند موته كلاب يحل أن ينتفع بها ( أعطي ) الموصى له ( أحدها ) والخيرة للوارث وإن لم يكن الكلب مالا في الثانية لأن المنتفع به من الكلاب مقتنى وتعتوره الأيدي كالأموال فقد يستعار له اسم المال ولا يلزم الوارث أن يعطى الموصى له من الكلاب ما يناسبه وإن جزم الدارمي بأنه يعطيه ما يليق به ( فإن لم يكن له كلب ) يحل الانتفاع به عند موته ( لغت ) وصيته لتعذر شراء كلب لأنه ليس بمال ولا يلزم الوارث اتهابه
قال الرافعي
____________________
(3/45)
ويمكن أن يقال لو تبرع به متبرع وأراد تنفيذ الوصية جاز كما لو تبرع بقضاء دينه انتهى
ولبعد هذا لم ينظروا إليه
فإن كان له كلب عند الوصية وفقد ثم تجدد له كلب فعلى الخلاف في أن العبرة بوقت الوصية أو الموت والأقرب كما قال الأذرعي الصحة نظرا إلى حالة الموت
( ولو كان له مال وكلاب ووصى بها ) كلها ( أو ببعضها فالأصح نفوذها ) أي الوصية ( وإن كثرت ) تلك الكلاب ( وقل المال ) ولو دانقا إذ المعتبر أن يبقى للورثة ضعف الموصى به وقليل من المال خير من الكلاب إذ لا قيمة لها
والثاني بقدر أن لا مال له وتنفذ في ثلث الكلاب
وعلى الأول لو لم يكن له مال وله كلاب وأوصى بها كلها نفذ في ثلثها فقط عددا لا قيمة إذ لا قيمة لها أو كلب فقط وأوصى به نفذ في ثلثه ولو أوصى بكلبين من أربعة نفذ في واحد وثلث
ولو أوصى بثلث ماله لزيد وبالكلاب لعمرو لم يعطى عمرو إلا ثلثها لأن ما يأخذ الورثة من الثلثين هو حظهم بسبب الثلث الذي نفذت فيه الوصية فلا يجوز أن يحسب عليهم من أخرى في وصية غير المتمول
تنبيه غير الكلاب من النجاسة التي يحل الانتفاع بها كالكلاب في نفوذ الوصية وإن كثر وقل المال كما صرح به ابن المقري
ولو كان له أجناس من كلاب وخمر محترمة وشحم ميتة ووصى بواحد منها اعتبر الثلث بفرض القيمة لا بالعدد ولا بالمنفعة لأنه لا تناسب بين الرؤوس ولا المنفعة
( ولو أوصى بطبل وله طبل لهو ) كالكوبة ضيق الوسط واسع الطرفين ( وطبل يحل الانتفاع به كطبل حرب ) وهو ما يضرب به للتهويل ( و ) طبل حجيج وهو ما يضرب للإعلام بنزول وارتحال وطبل باز ( حملت ) أي الوصية ( على ) الطبل ( الثاني ) ليصح إذ الظاهر أنه يقصد الثواب وهو فيما تصح الوصية به
فإن قيل لو أوصى بعود وله عود لهو لا يصح لمباح وعود مباح فإن الوصية تبطل ولم تحمل على المباح فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن مطلق العود ينصرف في الاستعمال لعود اللهو والطبل يقع على الجميع فإن لم يكن له إلا طبول لا تصح الوصية بها لغت ( ولو أوصى بطبل اللهو لغت ) لأنه معصية ( إلا أن صلح لحرب أو حجيج ) ونحوهما كطبل البازي أو منفعة أخرى مباحة لإمكان تصحيح الوصية فيما يتناوله لفظها وسواء أصلح على هيئته أم بعد تغير يبقى معه اسم الطبل فإن لم يصلح إلا بزوال اسم الطبل لغت
تنبيه ما ذكره من الإستثناء محله عند الإطلاق فإن قال الموصي أردت به الانتفاع على الوجه الذي عمل له لم يصح كما جزم به في الوافي واستظهره الزركشي
ولو أوصى بقوس حمل على القوس الذي لرمي الأسهم من نبل وهي السهام الصغار ونشاب وهي السهام الفارسية وحسبان وهي سهام صغار ترمى بمجرى في القوس دون قوس البندق والندف
ولو قال من قسي ولم يكن له قوس سهام بل قوس بندق أو ندف حمل عليه فإن كانا له حمل على قوس البندق لأنه أقرب إلى الفهم فإن عين قوسا تعين ولو قال أعطوه ما يسمى قوسا تخير الوارث بين الجميع كما صوبه المصنف ولا يتناول القوس الوتر لأنها تسمى قوسا بدونه بخلاف السهم فإنه يتناول الريش والنصل لثبوتهما فيه
فصل في الوصية بزائد على الثلث وفي حكم إجماع تبرعات مخصوصة ( ينبغي ) أي يطلب منه على سبيل الندب ( أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله ) لخبر الصحيحين أن سعد بن أبي وقاص قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من المرض ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا
قلت فالشطر قال لا قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير أو كبير
____________________
(3/46)
فالوصية بالزائد مكروهة كما قاله المتولي وغيره وإن قال القاضي وغيره بحرمتها
تنبيه عبارة المصنف أولى من قول المحرر لا ينبغي أن يوصي بأكثر من ثلث ماله لأن معناها لا يطلب وهو إما على سبيل الوجوب أو الندب فيصدق بالمباح والحرام والمكروه بخلاف عبارة الكتاب فإنها لا تصدق بالمباح لأنه ينبغي إما أن تكون بمعنى يندب كما حليته عليه أو يجب ولم يقل أحد بالإباحة فيما علمت ولا فرق بين أن يقصد بذلك حرمان الورثة أم لا وإن قال بعض المتأخرين أنه يجزم بحرمتها حينئذ لأن تنفيذه متوقف على إجازتهم
وسن أن ينقص عن الثلث شيئا خروجا من خلاف من أوجب ذلك ولاستكثار الثلث في الخبر وسواء أكانت الورثة أغنياء أم لا وإن قال المصنف في شرح مسلم إنهم إذا كانوا أغنياء لا يستحب النقص وإلا استحب
( فإن زاد ) في الوصية على الثلث ( ورد )
( الوارث ) الخاص المطلق التصرف ( بطلت في الزائد ) على الثلث بالإجماع لأنه حقه أما إذا لم يكن له وارث خاص فالوصية بالزائد لغو لأنه حق المسلمين فلا مجيز أو كان هو محجور عليه بسفه أو صغر أو جنون فلا عبرة بقوله
ومقتضى إطلاقهم أن الأمر يوقف إلى تأهل الوارث وهو كذلك إن توقعت أهليته وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين قال شيخي رحمه الله لأن يد الوارث عليه فلا ضرر عليه في ذلك
( وإن أجاز ) المطلق التصرف ( فإجازته تنفيذ ) أي إمضاء لتصرف الموصي بالزائد وتصرفه موقوف على الإجازة لأنه تصرف مضاف لملك
وحق الوارث إنما يثبت في ثاني الحال فأشبه بيع الشقص المشفوع
( وفي قول عطية ) أي هبة ( مبتدأة ) من الوارث فيعتبر فيها شروطها
قال الزركشي وهذا الخلاف لا يختص بالوارث كما يقتضيه إطلاقهم بل أصحاب الديون المستغرقة كذلك حتى لو أجازوا ورد الوارث لم يلتفت إليه لأن الحق إنما هو للغرماء ولا ينتقل للوارث إلا بسقوط الدين أصلا والإجازة لا تسقط الدين بدليل أنه لو ظهر له دفين ونحوه وفوا منه وإذا قلنا تنفيذ فالظاهر أنه لا يحسب من ثلث من يجيز في مرضه للموصى له ولا يتوقف على إجازة ورثة من يجيز في مرضه لوارثه اه
وقوله ( والوصية بالزيادة لغو ) لا فائدة له بعد الحكم بكون الزيادة عطية من الوارث ولو كان الوارث محجورا عليه بفلس
فإن قلنا الإجازة ابتداء عطية فليس له ذلك وإن قلنا تنفيذ قال الأذرعي فالقياس صحته وفيه وقفة والأشبه المنع لأنه ملكه الآن ولم يحضرني فيه نقل اه
ويؤيد القياس كلام الزركشي السابق
( ويعتبر المال ) الموصى بثلثه ( يوم الموت ) لأن الوصية تمليك بعد الموت فلو أوصى بعبد ولا عبد له ثم ملك عند الموت عبدا تعلقت الوصية به ولو زاد ماله تعلقت الوصية به
( وقيل ) يعتبر ( يوم الوصية ) وعليه تنعكس الأحكام السابقة كما لو نذر التصدق بثلث ماله فإنه يعتبر يوم النذر
وأجاب الأول بأن ذلك وقت اللزوم فهو نظير الموت في الوصية
تنبيه لا يخفى أن الثلث الذي تنفذ فيه الوصية هو الثلث الفاضل بعد الدين فلو كان عليه دين مستغرق لم تنفذ الوصية في شيء لكنها تنعقد حتى ننفذها لو أبرأ الغريم أو قضى عنه كما جزم به الرافعي وغيره
( ويعتبر من الثلث ) الذي يوصي به ( أيضا عتق علق بالموت ) سواء أعلق في الصحة أم في المرض
تنبيه هذه المسألة معطوفة على قوله ينبغي الخ كما يدل عليه قوله أيضا فإنه مصدر آض أي رجع
( و ) يعتبر أيضا ( تبرع نجز في مرضه ) الذي مات فيه ( كوقف وهبة وعتق وإبراء ) لخبر إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم رواه ابن ماجه وفي إسناده مقال
ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض اعتبر من الثلث أيضا إذ لا أثر لتقدم الهبة
وخرج ب تبرع ما لو استولد في مرض موته فإنه ليس تبرعا بل إتلاف واستمتاع فهو من رأس المال وبمرضه تبرع نجز في صحته فيحسب من رأس المال
لكن يستثنى من العتق في مرض الموت عتق أم الولد إذا أعتقها في مرض موته فإنه ينفذ من رأس المال كما سيأتي في محله مع أنه تبرع
____________________
(3/47)
نجز في المرض
واعلم أن قيمة ما يفوت على الورثة يعتبر بوقت التفويت في المنجز وبوقت الموت في المضاف إليه فقد صرحوا في باب العتق أنه يعتبر لمعرفة الثلث فيمن أعتقه منجزا في المرض قيمة يوم الإعتاق وفيمن أوصى بعتقه قيمة يوم الموت لأنه وقت الاستحقاق وفيما بقي للورثة بأقل قيمة من يوم الموت إلى يوم القبض لأنه إن كان يوم الموت أقل فالزيادة حصلت في ملك الوارث أو يوم القبض أقل فما نقص قبله لم يدخل في يده فلا يحسب عليه ومثل ذلك جار في غير العتق
ولو أوصى بتأجيل الحال اعتبر من الثلث وللروياني احتمال أنه لا يعتبر إلا التفاوت قال الزركشي وهو قوي
( وإذا اجتمع ) في وصية ( تبرعات متعلقة بالموت ) وإن كانت مرتبة ( وعجز الثلث ) عنها أي لم يوف بها ( فإن تمحض العتق ) كأن قال إذا مت فأنتم أحرار أو غانم وسالم وبكر أحرار ( أقرع ) بينهم فمن قرع عتق منه ما يكفي الثلث وسيأتي كيفية القرعة في بابي القسمة والعتق إن شاء الله تعالى
ولا يعتق من كل بعضه لأن المقصود من العتق تخليص الشخص من الرق ولا يحصل مع التشقيص وإنما لم يعتبر ترتبها مع إضافتها للموت لاشتراكها في وقت نفاذها وهو وقت الموت بل لا يقدم العتق المعلق بالموت على الموصى باعتاقه وإن كان الثاني يحتاج إلى إنشاء عتقه بعد الموت بخلاف الأول لأن وقت استحقاقهما واحد
لو قال إذا مت فسالم حر ثم غانم ثم نافع لم يقدم الأول بل هم سواء كما أفهمه كلام المصنف
أجيب بأن التبرعات فيما مثلوا به اعتبر الموصي وقوعها مرتبة من غيره فلا بد أن يقع على وفق اعتباره بخلاف هذا ولو دبر عبدا عند موته وأوصى بإعتاق آخر لم يقدم أحدهما
( أو ) تمحض تبرعات ( غيره قسط الثلث ) على الجميع باعتبار القيمة أو المقدار كما تقسم التركة بين أرباب الديون فلو أوصى لزيد بمائة ولبكر بخمسين ولعمر بخمسين وثلث ماله مائة أعطي الأول خمسين وكل من الآخرين خمسة وعشرين ولا يقدم بعضها على بعض بالسبق لأن الوصايا إنما تملك بالموت فاستوى فيها حكم المتقدم والمتأخر وقاسه الشافعي رضي الله تعالى عنه على العول في الفرائض
هذا عند الإطلاق فلو رتب كأن قال أعطوا زيدا مائة ثم عمرا مائة جرى عليه حكم ترتيبه
( أو هو ) أي اجتمع عتق ( وغيره ) كأن أوصى بعتق سالم ولزيد بمائة ( قسط ) الثلث عليهما ( بالقيمة ) للعتيق لاتحاد وقت الاستحقاق فإذا كانت قيمته مائة والثلث مائة عتق نصفه ولزيد خمسون
( وفي قول يقدم العتق ) لقوته لتعلق حق الله تعالى وحق الآدمي
تنبيه يستثنى من كلامه مسألة وهي ما لو دبر عبده وقيمته مائة وأوصى له بمائة وثلث ماله مائة فإنه يعتق كله ولا شيء للوصية على الأصح
وقيل يقسط وصححه البغوي فإن اعتبر الموصى وقوع التبرعات مرتبة بعد الموت كأن قال أعتقوا بكرا ثم أعطوا زيدا مائة قدم الأول فالأول كما مرت الإشارة إليه ولو قال لعبده أنت حر قبل موتي بشهر مثلا ثم مرض شهرا فأكثر ومات فحكمه كما لو علقه في الصحة فوجدت الصفة في المرض كما قالاه هنا
( أو ) اجتمع تبرعات ( منجزة ) كأن أعتق ووقف وتصدق ( قدم الأول ) منها ( فالأول حتى يتم الثلث ) لقوته ونفوذه لأنه لا يفتقر إلى إجازة وسواء كان فيها عتق أم لا اتحد جنسها أم لا يتوقف ما بقي منها على إجازة الوارث
( فإن وجدت ) هذه التبرعات ( دفعة ) بضم الدال إما منه أو بوكالة ( واتحد الجنس ) فيها ( كعتق عبيد أو إبراء جمع ) كقوله أعتقكتم أو أبرأتكم ( أقرع في العتق ) خاصة حذرا من التشقيص في الجميع لخبر مسلم إن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
قال الإمام ولولا الحديث لكان القياس أن يعتق من كل عبد مقدار ما يخصه من الثلث
ولكن الشافعي تركه للحديث لأن القصد من الإعتاق تخليص الرقبة ولا يحصل هذا الغرض مع بقاء رق بعضه
____________________
(3/48)
( وقسط ) بالقيمة ( في غيره ) كما مر
تنبيه ذكر المصنف حكم عتق العبيد مرتبا ودفعة وسكت عما إذا أشكل الأمر بأن علم الترتيب ولم يعلم الأول أو علم ثم نسي
وحكمه على الأصح في باب الدعاوى من الروضة أنه لا يقرع بل يعتق من كل بعضه
( وإن اختلف ) جنس التبرعات ( وتصرف ) فيما دفعه ( وكلاء ) الموصي ( فإن لم يكن فيها عتق ) بأن تمحض غيره كأن وكل وكيلا في هبة وآخر في بيع بمحاباة وآخر في صدقة وتصرفوا دفعة واحدة ( قسط ) الثلث على الكل باعتبار القيمة كما يفعل في الديون
( وإن كان ) في تصرف الوكلاء عتق ( قسط ) الثلث عليها أيضا ( وفي قول يقدم العتق ) هما القولان السابقان بتوجيههما
تنبيه قد يوهم تصوير المصنف حصر وقوع التصرفات دفعة بتصرف وكلاء أنه لا يمكن بغيره مع أنه يمكن تصويرها بغيره كأن يقال له أعتقت وأبرأت ووقفت فيقول نعم
وبقي قسم من أقسام المسألة أهمله المصنف وهي تبرعات منجرة وتبرعات متعلقة بالموت فيقدم المنجز منها لأنها لازمة لا يتمكن المريض من الرجوع عنها وقوله في البيوع المنجزة سالم حر وغانم حران
( ولو كان له عبدان فقط سالم وغانم فقال إن أعتقت غانما فسالم حر ثم أعتق غانما في ) مرض ( موته عتق ) غانم فقط لسبقه ( ولا إقراع ) لاحتمال أن تخرج القرعة بالحرية لسالم فيلزم إرقاق غانم فيفوت شرط عتق سالم
وهذه الصورة مستثناة من الإقراع ولهذا ذكرها المصنف تلوها
ونظير ذلك ما لو قال إن أعتقت غانما فسالم حر في حال إعتاق غانم ثم أعتق غانما في مرضه وقيل يقرع كما لو قال أعتقتكما
واستثنى صورة أخرى ذكرها في باب العتق وهي إذا قال ثلث كل واحد حر بعد موتي فيعتق من كل واحد ثلثه عند الإمكان ولا قرعة في الأصح
تنبيه قوله فقط من زيادته على المحرر وفيه نظر لأنه إما أن يريد لا مال له سواهما أو لا عبيد إن أراد الأول لم يستقم قوله آخر أعتق فإنه لا يعتق حينئذ وإنما يعتق من غانم ثلثاه إن تساوت قيمتهما وإن تفاوتتا فبقدره
وإن أراد الثاني وهو ظاهر الشرح والروضة وحمله عليه الشارح فينبغي حمله على ما إذا كان الثلث لا يخرج منه إلا أحدهما أما إذا لم يخرج منه أحدهما بكماله فإنه يعتق منه بقسطه أو يخرج معه سالم أو بعضه فإنهما يعتقان في الأولى وغانم وبعض سالم في الثانية
( ولو أوصى ) لشخص ( بعين حاضرة هي ثلث ماله وباقيه غائب لم تدفع ) أي العين ( كلها إليه في الحال ) لاحتمال تلف الغائب فلا يحصل للورثة مثلا ما حصل للموصى له
( والأصح أنه لا يتسلط على التصرف في الثلث ) من تلك العين ( أيضا ) لأن تسلطه متوقف على تسلط الوارث على مثلي ما يتسلط هو عليه والوارث لا يتسلط على ثلثي الحاضر لاحتمال سلامة الغائب فيحصل للموصى له الجميع
وعلى هذا لو أذنوا له في التصرف في الثلث صح كما قاله في الانتصار وإن نظر فيه الزركشي
والثاني يتسلط لأن استحقاقه لهذا القدر متعين
تنبيه ينبغي كما قال الزركشي تخصيص منع الوارث من التصرف في ثلثي الحاضر بالتصرف الناقل للملك كالبيع فإن كان التصرف باستخدام وإيجار ونحو ذلك فلا منع منه كما يؤخذ من كلام الماوردي وإذا تصرف الوارث فيهما وبان تلف الغائب ففي زوائد الروضة ينبغي تخريجه على القولين فيمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا أي فيصح فإن عاد إليهم تبين بطلان التصرف قاله السرخسي
ولو أوصى بثلث ماله لزيد وله عين ودين أعطى ثلث العين وكلما نض من الدين شيء أعطي ثلثه أو قال أعطوه كل يوم مدا من طعام أعطي اليوم ويوقف باقي
____________________
(3/49)
الثلث فيعطى متفرقا لاحتمال أن يستحقه الوارث
فصل في بيان المرض المخوف والملحق به المقتضيين للحجز في التبرعات الزائدة على الثلث
وقد شرع في القسم الأول فقال ( إذا ظننا المرض مخوفا ) أي يخاف منه الموت لا نادرا وإن لم يكن غالبا كما نقلاه عن الإمام وأقراه وإن نازع فيه ابن الرفعة ( لم ينفذ ) بفتح الياء وسكون النون وضم الفاء ويجوز ضم الياء وفتح النون وتشديد الفاء ( تبرع زاد على الثلث ) بل هو موقوف لأنه محجور عليه في الزيادة
تنبيه استشكل إطلاق المصنف عدم النفوذ بأنه إن كان بالنظر لباطن الأمر فلا فرق بأن يظنه مخوفا أو لا إذ المناط حينئذ لمرض المخوف لا ظنا
وإن كان بالنظر لظاهر الأمر فهو مخالف لقول الأكثرين حيث قالوا لو أعتق أمة في مرض موته جاز لوليها أن يزوجها لأنها حرة في الظاهر ولا اعتبار باحتمال ظهور دين فإن تحققنا نفوذ العتق استمرت الصحة وإلا فإن أجاز الوارث وقلنا هي تنفيذ فكما لو خرجت من الثلث أو رد وأجاز وقلنا هي عطية الزركشي وينبغي حمل الوقف في كلامهم على وقف الاستمرار واللزوم لينتظم الكلامان اه
وهو حمل صحيح
( فإن برأ ) بفتح الراء وكسرها أي خلص من المرض
( نفذ ) بفتح النون التبرع المذكور أي استمر نفوذه لتبين عدم الحجر
فإن مات به قال المصنف تبعا للبغوي أو بهدم أو غرق أو قتل أو ترد لم ينفذ الزائد على الثلث هذا كله إذا لم ينته إلى حالة يقطع فيها بموته فإن انتهى إلى ذلك بأن شخص بصره بفتح الشين والخاء أي فتح عينيه بغير تحريك جفن وبلغت روحه الحلقوم في النزع
أو ذبح أو شق بطنه وخرجت أمعاؤه أو غرق فغمره الماء وهو لا يحسن السباحة فلا عبرة بكلامه في وصية ولا في غيرها فهو كالميت على تفصيل يأتي في الجنايات
( وإن ظنناه ) أي المرض ( غير مخوف فمات ) منه ( فإن حمل ) الموت من هذا المرض ( على ) موت ( الفجأة ) بضم الفاء وفتح الجيم ممدودا وبفتح الفاء وسكون الجيم مقصورا كأن مات وبه وجع ضرس وعين ( نفذ ) التبرع ( وإلا ) أي وإن لم يحمل على الفجأة كإسهال يوم أو يومين ( فمخوف ) أي تبينا باتصاله بالموت كان مخوفا لا أن إسهال يوم أو يومين مخوف فلا يتنافى ما يأتي
فإن قيل المرض إن اتصل بالموت كان مخوفا وإلا فلا فائدة لنا في معرفته
أجيب بأنه لو قتل أو غرق مثلا في هذا المرض إن حكمنا بأنه مخوف لم ينفذ كما مر وإلا نفذ
( ولو شككنا في كونه ) أي المرض ( مخوفا لم يثبت إلا ب ) قول ( طبيبين ) عالمين بالطب ( حرين عدلين ) أي مقبولي الشهادة لأنه تعلق به حق آدمي من الموصى له والوارث فاشترط فيه شروط الشهادة كغيرها
وقد علم من قوله طبيبين كونهما عالمين بالطب ومن قوله عدلين كونهما مسلمين مكلفين فإنهما من شروط العدالة فلا يثبت بنسوة ولا برجل وامرأتين لأنها شهادة على غير المال وإن كان المقصود المال
نعم إن كان المرض علة باطنة بامرأة لا يطلع عليها الرجال غالبا ثبت بمن ذكر
تنبيه أشعر كلام المصنف بقبول شهادتهما في كون المرض غير مخوف وهو كذلك كما صرح به الرافعي خلافا للمتولي وإن علل ذلك بأنها شهادة نفي لأنه نفي محصور
ولو قال الطبيبان هذا المرض سبب ظاهر يتولد منه مخوف فمخوف أو يفضى إلى مخوف نادرا فلا ولو اختلف الوارث والمتبرع عليه في كون المرض مخوفا بعد موت المتبرع فالقول قول المتبرع عليه لأن الأصل عدم الخوف وعلى الوارث البينة
ولم يعرف المصنف المرض المخوف استغناء بذكر أمثلة منه ذكرها بقوله ( ومن المخوف قولنج ) بضم القاف وفتح اللام وكسرها قال الرافعي وهو أن ينعقد الطعام في بعض الأمعاء فلا ينزل ويصعد بسببه البخار إلى الدماغ فيؤدي إلى الهلاك ويقال فيه قولون وينفعه أمور
____________________
(3/50)
منها التين والزبيب والمبادرة إلى التنقية بالإسهال والقيء ويضره أمور منها حبس الريح واستعمال الماء البارد
قال الأذرعي ينبغي أن يقال هذا إن أصاب من لم يعتده
فإن كان ممن يصيبه كثيرا ويعافى منه كما هو مشاهد فلا انتهى
وقد يقال إن هذا غير القسم الأول لأنه عند الأطباء أقسام
( و ) منه ( ذات جنب ) وسماها الشافعي رضي الله تعالى عنه ذات خاصرة وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد ثم تتفتح في الجنب ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك
وإنما كانت مخوفة لقربها من القلب والكبد ومن علاماتها ضيق النفس والسعال والحمى الملازمة والوجع الفاحش تحت الأضلاع أجارنا الله تعالى من ذلك
( و ) منه ( رعاف ) بتثليث الراء ( دائم ) أو كثير لأنه ينزف الدم ويسقط القوة بخلاف غير الدائم القليل فإنه من مصالح البدن ( و ) منه ( إسهال متواتر ) أي متتابع لأنه ينشف رطوبة البدن ويسقط القوة بخلاف غير المتتابع كإسهال يوم أو يومين فليس مخرفا إلا أن يخرج معه دم من عضو شريف كما يقتضيه كلامهم أو انضم إليه انخراق بطن بحيث لا يمسك الطعام ويخرج غير مستحيل ( و ) منه ( دق ) بكسر الدال وهو داء يصيب القلب ولا تمتد معه الحياة غالبا
( و ) منه ( ابتداء فالج ) وهو استرخاء أحد شقي البدن طولا ويطلق أيضا على استرخاء أي عضو كان وسببه غلبة الرطوبة والبلغم
وإنما كان ابتداؤه مخوفا لأنه إذا هاج ربما أطفأ الحرارة الغريزية
وإذا استمر لم يخف منه الموت عاجلا فلا يكون مخوفا
( و ) منه ( خروج الطعام ) مع الإسهال كما في الشرحين والروضة فلو ذكره عقب متواتر كان أولى فإنه من تتمته وكذا صنع في المحرر حيث قال والإسهال إن كان متواترا وكذا إذا خرج الطعام ( غير مستحيل ) و غير منصوب على الحال ويمتنع الجر على الصفة لكونه نكرة وما قبله معرفة إلا أن يجعل التعريف فيه للجنس
( أو كان يخرج ) مع الإسهال أيضا ( بشدة ووجع ) ويسمى الزحير أو بعجلة ويمنعه من النوم ( أو ) لا بشدة ووجع ( و ) لكن ( معه دم ) من عضو شريف ككبد بخلاف نحو دم البواسير
قال الشارح وذكر كان مع المضارع لإفادة التكرار
( و ) منه ( حمى مطبقة ) بكسر الباء وفتحها بخطه أي لازمة واقتصر الجوهري على الفتح وتبعه المصنف في تحريره وهو أشهر
( أو ) حمى ( غيرها ) أي غير المطبقة وهي خمسة أنواع حمى الورد وهي التي تأتي كل يوم
وحمى الغب وهي التي تأتي يوما وتقلع يوما
وحمى الثلث وهي التي تأتي يومين وتقلع يوما
وحمى الأخوين وهي التي تأتي يومين وتقلع يومين ( إلا الربع ) فليست مخوفة وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين لأنه يقوى في يومي الإقلاع وتسميها العامة المثلثة
وقد يتخيل أنه أصوب من تسمية الفقهاء لها بالربع لما مر من المدة لكن فسرها الثعالبي في فقه اللغة بما قاله الفقهاء وإلحاقها بربع الإبل في ورود الماء وهو في اليوم الثالث
ويستثنى أيضا حمى يوم أو يومين إلا إن اتصل بها قبل العرق موت فقد بانت مخوفة بخلاف ما إذا اتصل بها بعد العرق لأن أثرها زال بالعرق والموت بسبب آخر
والحمى اليسيرة ليست مخوفة بحال
والربع والورد والغب والثلث بكسر أولها
تنبيه قد علم من قول المصنف ومن المخوف عدم انحصاره فيما ذكره وهو كذلك فإنها كثيرة فمنه هيجان المرة الصفراء والبلغم والدم بأن يتورم وينصب إلى عضو كيد ورجل فيحمر وينتفخ
ومنه الطاعون وهو هيجان الدم في جميع البدن وانتفاخه وإن لم يصب المتبرع إذا كان مما يحصل لأمثاله كما قاله الأذرعي
ومنه القيء الدائم أو المصحوب بخلط من الأخلاط كالبلغم أو دم
ومنه الجراحة إذا كانت نافذة إلى الجوف أو كانت على مقتل أو في موضع كثير اللحم أو حصل معها ضربان شديد أو تأكل أو تورم
ومنه البرسام بكسر الموحدة وهو ورم في حجاب القلب أو الكبد يصعد أثره إلى الدماغ
( والمذهب أنه يلحق بالمخوف ) من الأمراض السابقة ( أسر كفار اعتادوا قتل الأسرى ) ولو اعتاد البغاة أو القطاع قتل من أسروه كان الحكم كذلك كما بحثه الزركشي
أما من لم يعتد قتل
____________________
(3/51)
الأسرى كالروم فلا خوف في أسرهم
( والتحام ) أي اختلاط ( قتال بين ) فريقين ( متكافئين ) أو قريبين من التكافؤ سواء أكانا مسلمين أم كافرين أم كافر ومسلم ولفظة متكافئين مزيدة على المحرر ولا خوف إذا لم يلتحم القتال ولو كانا يتراميان بالنشاب ولا في الفريق الغالب
( وتقديم لقصاص ) بخلاف الحبس له كما هو ظاهر كلامهم ذكره البلقيني ثم حكى عن بعض المالكية أنه حكاه عن الشافعي
فإن قيل مقتضى ما يأتي في الوديعة من أنه إذا مرض مرضا مخوفا أو حبس ليقتل لزمه الوصية بها لأن الحبس للقتل كالتقديم له
أجيب بأن التقديم للقصاص وقت دهشة
فلو قيل إنه لا يوصي إلا ذلك الوقت فإما أن تضمنه لو ترك أولا إن ضمناه أضررناه وإن لم نضمنه أضررنا بالمالك فاقتضت المصلحة بأن يلحق الحبس للقتل بالمخوف هناك بخلافه هنا ( أو رجم ) في الزنا أو قتل في قطع طريق ( واضطراب ريح ) هو مغن عن قوله ( وهيجان موج ) لتلازمهما ( في ) حق ( راكب سفينة ) في بحر أو نهر عظيم كالنيل والفرات وإن كان يحسن السباحة
نعم إن كان ممن يحسنها وهو قريب من الساحل لا يكون مخوفا كما قاله الزركشي ولا خوف إذا كان البحر ساكنا ( وطلق حامل ) بسبب ولادة بخلاف إسقاط علقة أو مضغة كما في زيادة الروضة لخطر الولادة دونها
وخرج بطلق حامل الحمل نفسه فليس بمخوف
فائدة روى الثعلبي في تفسير آخر سورة الأحقاف عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال إذا عسر على المرأة ولادتها فيكتب في صحفة ثم يغسل ويسقي بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب السموات ورب العرش العظيم كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون
( وبعد الوضع ما لم تنفصل المشيمة ) وهي التي تسميها النساء الخلاص فإن انفصلت المشيمة فلا خوف إن لم يحصل بالولادة جرح أو ضربان شديد أو ورم
تنبيه لا يلحق بالأمراض السابقة وجع العين ولا الضرس ولا الصداع ولا الهرم ولا الجرب ونحو ذلك
ثم شرع في الركن الرابع وهو الصيغة فقال ( وصيغتها ) أي الوصية ( أوصيت له بكذا أو ادفعوا إليه ) بعد موتي كذا
( أو أعطوه ) بهمزة قطع قاله المصنف
قال ووصلها غلط
( بعد موتي ) كذا ( أو جعلته ) له بعد موتي ( أو هو له بعد موتي ) وهذه كلها صرائح كما هو ظاهر إطلاق الروضة ويرشد له قول المصنف بعد وينعقد بالكناية
ومن صرائحها أيضا ملكته له أو وهبته له أو حبوته به بعد موتي
تنبيه قوله بعد موتي في الموضعين قيد في المذكورين قبله فلو ذكر هذا القيد عقب كل صيغة أو اقتصر على ذكره بعد الكل ليعود إليها على قاعدة الشافعي لكان أحسن على أن عوده لغير الأخيرة نظرا لأن ذاك إنما هو في حروف العطف الجامعة بخلاف ما هو لأحد الشيئين مثل أو كما ذكره الفراقي وغيره
قال الولي العراقي فيتعين حينئذ ذكره عقب كل صيغة انتهى
قال ابن شهبة ويؤيد تعين ذكره عقب كل صيغة أنه لو ذكره بعد الكل وقلنا يعود للجميع لزم كونه قيدا في أوصيت له وليس كذلك
( فلو اقتصر على ) قوله ( هو له فإقرار ) لأنه من صرائحه ووجد نفاذا في موضوعه فلا يكون كناية في الوصية ( إلا أن يقول هو له من مالي فيكون وصية ) لأن الإقرار لا يصح بذلك فيحتمل حينئذ الوصية فتقبل إرادتها
تنبيه ظاهر كلامه صراحته حينئذ لذكره له مع الصرائح
والذي في المحرر والشرحين والروضة أنه كناية وهو المعتمد وإن رجح السبكي أنه صريح فلو قال هو له بعد موتي من مالي كان وصية قطعا ولو اقتصر على وهبته له ونوى
____________________
(3/52)
الوصية لم يصح لأنه من صرائح الهبة ووجد نفاذا في موضوعه فلا يكون كناية في الوصية
( وتنعقد ) الوصية ( بكناية ) بنون مع النية ك عبدي هذا لزيد لأنه يحتمل التعيين لها والتعيين للإعارة أو عينت هذا له كالبيع وأولى لأنها لا تفتقر إلى القبول في الحال فأشبهت ما يستقل به الإنسان من التصرفات وإنما كان ذلك كناية للتملك بالوصية ( والكتابة ) بالتاء ( كناية ) بنون فينعقد بها مع النية كما في البيع وأولى فإذا كتب لزيد كذا ونوى به الوصية له وأعرب بالنية نطقا أو ورثته بعد موته صحت ولو كتب أوصيت لفلان بكذا وهو ناطق وأشهد جماعة أن الكتاب خطه وما فيه وصيته ولم يطلعهم على ما فيه لم تنعقد وصيته كما لو قيل له أوصيت لفلان بكذا فأشار أن نعم فإن اعتقل لسانه فوصيته صحيحة بكتابة أو إشارة كالبيع
فرع لو قال كل من ادعى بعد موتي شيئا أدوه له ولا تطالبوه بحجة فادعى اثنان بعد موته بحقين مختلفي القدر ولا حجة كان كالوصية يعتبر من الثلث فإن ضاق عن الوفاء قسم بينهما على قدر حقهما قاله الروياني
ولو قال المريض ما يدعيه فلان فصدقوه فمات فهو إقرار بمجهول وتعيينه للورثة
( وإن أوصى لغير معين ) بأن أوصى لجهة عامة ( كالفقراء ) أو لمعين غير محصور كالهاشمية والمطلبية ( لزمت بالموت بلا ) اشتراط ( قبول ) لتعذره ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم ولا تجب التسوية بينهم
تنبيه أشعر كلامه أنه لو أوصى لفقراء بلدة وكانوا محصورين أنه يشترط قبولهم كالمعين وهو كذلك
( أو ) أوصى ( لمعين ) محصور كزيد ( اشترط القبول ) كالهبة فلو قبل بعض الموصى به ففيه احتمالان للغزالي ونظيره الهبة وقدمت في بابها أنه يصح كما رجحه بعض اليمانيين فكذا هنا خلافا لبعض المتأخرين والفرق بينهما وبين البيع فيما إذا قبل بعضه حيث لم يصح أن البيع فيه المعاوضة فلم يغتفر فيه ما اغتفر فيهما
تنبيه دخل في المعين المتعدد المحصور كبني زيد فيتعين قبولهم ويجب استيعابهم والتسوية بينهم
ولو كانت الوصية لمحجور عليه قبل له وليه والظاهر أنه أراد بالمعين الآدمي أما لو كانت لمعين غير آدمي كمسجد فهل نقول ناظر الوقف كالولي أن يكون كالوصية لجهة عامة قال الأذرعي لم يحضرني فيه نص والثاني أقرب
وكذا لو أوصى للخيل المسبلة بالثغور ونحو ذلك
وقال ابن الرفعة لا بد من قبول قيم المسجد فيما نظنه اه
وهذا كما قال شيخي أوجه
وظاهر كلامهم أن المراد القبول اللفظي وهو كذلك وإن بحث الزركشي الاكتفاء بالفعل وهو الأخذ كالهدية قال وفحل اشتراط القبول من المعين في غير العتق فلو قال اعتقوا عبدي بعد موتي لم يفتقر إلى قبول العبد لأن فيه حقا لله تعالى فكان كالجهة العامة ومثله التدبير
وإذا قلنا إنه وصية أي على رأي فإنه يتنجز بالموت من غير توقف على قبول كما قاله الرافعي في الكلام على رهن المدبر
نعم لو قال أوصيت له برقبته ففي افتقار القبول وجهان أصحهما نعم لاقتضاء الصيغة القبول ذكره الرافعي قبيل المسائل الحسابية
( ولا يصح قبول ولا رد في حياة الموصي ) إذ لا حق له قبل الموت فأشبه إسقاط الشفعة قبل البيع فلمن قبل في الحياة الرد بعد الموت وبالعكس
ويصح الرد بين الموت والقبول لا بعدهما وبعد القبض وأما بعد القبول وقبل القبض فالأوجه عدم الصحة كما صححه في الروضة كأصلها وقال الإسنوي إنه المفتى به وجرى عليه ابن المقري في روضه وإن صحح المصنف في تصحيحه الصحة وقال الأذرعي إنه الصحيح المنصوص عليه في الأم وجرى عليه العراقيون وعلله بأن ملكه قبل القبض لم يتم قال ولعل الرافعي تبع البغوي في الترجيح
( ولا يشترط بعد موته ) أي الموصي ( الفور ) في القبول لأن الفور إنما يشترط في العقود الناجزة التي يعتبر فيها ارتباط الإيجاب بالقبول إذ لو اعتبر لاعتبر عقب الإيجاب وللوارث مطالبة الموصى له بالقبول أو الرد فإن امتنع حكم عليه بالرد
هذا إذا كان الموصى له مطلق التصرف فإن كان محجورا عليه وامتنع الولي من القبول وكان الحظ له فيه فالمتجه أن الحاكم
____________________
(3/53)
يقبل ولا يحكم بالرد كما قاله الزركشي في السفيه ومثله بقية المحاجير
( فإن مات الموصى له قبله ) أي الموصي ( بطلت ) أي الوصية لأنها قبل الموت غير لازمة فبطلت بالموت كما لو مات أحد المتبايعين قبل القبول
( أو ) مات ( بعده ) قبل قبوله ورده ( فيقبل وارثه ) الوصية أو يرد لأنه فرعه فقام مقامه في ذلك ولو قال قام وارثه مقامه لدخلت صورة الرد
فائدة ليس لنا عقد لا يفوت بموت القابل إلا الوصية ومن ذلك ما لو أوصى لرقيق شخص ثم مات الرقيق بعد موت الموصي وقبل القبول فإن سيده يقوم مقامه في القبول كما هو ظاهر وإن لم أر من ذكره
تنبيه شمل إطلاقه الوارث الخاص والوارث العام حتى لو مات من غير وارث خاص قام الإمام مقامه فإذا قبل كان الموصى به للمسلمين وبه صرح الديبلي
وإذا قبل وارثه هل يقضى منه دين فيه وجهان أصحهما نعم كديته فإنه يقضي منها ديونه وإن قلنا إنها تثبت للورثة ابتداء ولا يخالف قبول الموصى له قبول وارثه إلا في شيء واحد كما في الشامل عن الأصحاب وهو ما إذا أوصى لرجل بولده فإنه إذا قبل عتق عليه وورثه وإذا قبل وارثه عتق ولم يرث إذ لو ورث لاعتبر قبوله وهو ممتنع لأنا لم نحكم بحريته قبل القبول بل هو على الرق وإذا لم يصح قبوله فلا يرث
أما إذا مات الموصى له بعد قبوله فقد ملكها وانتقلت إلى وارثه سواء أقبضها أم لا أو بعد الرد بطلت برده
( وهل يملك الموصى له ) الوصية ( بموت الموصي ) كالإرث والتدبير ولكن إنما تستقر بالقبول كما قاله الشيخ أبو حامد والعراقيون ( أم بقبوله ) أي الموصى له لأنه تمليك بعقد فيتوقف على القبول كالبيع ( أم ) ملك للوصية ( موقوف ) وبينه المصنف بقوله ( فإن قبل ) الموصى له ( بان أنه ملك ) الوصية ( بالموت
وإلا ) بأن لم يقبلها ( بان ) أنها ( للوارث أقوال أظهرها الثالث ) منها لأنه لا يمكن جعله للميت فإنه لا يملك ولا للوارث فإنه لا يملك أن يتصرف فيه إلا بعد الوصية والدين ولا للموصى له وإلا لما صح رده كالإرث فتعين وقفه فلو أوصى له بمن يعتق عليه لم يجب عليه القبول بل له الرد ولا يعتق عليه حتى يقبل الوصية
فإن قيليعترض على المصنف بأنه كان ينبغي له أن يقول أو بقبوله لأن صناعة العربية تقتضي أنه إذا سئل ب هل أن يؤتى ب أو لا ب أم أجيب أن المصنف تسمح كالفقهاء بوضع هل موضع الهمزة في محل يكون فيه السؤال عن التعيين كما هنا بخلاف هل فإن السؤال بها في الأصل عن وجود أحد الأشياء
( وعليها ) أي الأقوال الثلاثة ( تبنى الثمرة وكسب عبد ) مثلا ( حصلا بين الموت والقبول ونفقته ) وكسوته ونحوهما ( وفطرته ) بينهما
فعلى الأول والثالث للموصى له الفوائد وعليه المؤنة وعلى الثاني لا ولا ولو رد فعلى الأول له وعليه ما ذكر وعلى الثاني والثالث لا ولا وعلى النفي في الموضعين يتعلق ما ذكر بالوارث
وهذا كله في وصية التمليك أما لو أوصى بإعتاق عبد معين بعد موته فالملك فيه للوارث إلى عتقه قطعا كذلك قالاه فتكون الأكساب له والنفقة عليه لكن قال الروياني قيل إنها على الخلاف في الموصى له والأصح القطع بأنها للعبد لتقرر استحقاقه العتق بخلاف الموصى له فإنه مخير
وبما قاله جزم الجرجاني وجرى عليه في الروضة في كتاب العتق فهو المعتمد
ولو أوصى بوقف شيء فتأخر وقفه بعد موته فلمن يكون ريعه قيل للموقوف عليه وقيل للوارث لأنه إنما جعل للموقوف عليه على تقدير حصول حصول الوقف قال الأذرعي وهو الأشبه
وقال ابن شهبة وهذا قريب من كسب العبد الموصى بعتقه قبل العتق اه
وهذا ظاهر إذا كان الوقف على جهة عامة أو معين غير محصور كبني هاشم فإنه لا يحتاج فيها لقبول أما إذا كان على معين محصور فكلام الأذرعي أظهر لأنه مخير بين القبول والرد ولو أوصى بأمته لزوجها فقبل الوصية تبين انفساخ النكاح من وقت الموت وإن رد استمر النكاح وإن أوصى بها لأجنبي والزوج وارث الموصي وقبل الأجنبي الوصية لم ينفسخ النكاح وإن رد انفسخ
هذا إن خرجت من الثلث فإن لم تخرج منه أو أوصى بها لوارث وأجاز الزوج الوصية فيهما لم ينفسخ وإلا انفسخ
فإن قيل
____________________
(3/54)
يعترض على المصنف بتعريف الثمرة وتنكير كسب وجمعهما في ضمير حصلا مع أن الأول يطلبه حالا والثاني يطلبه صفة
أجيب بأن التعريف في الثمرة للجنس والمعرف بأل الجنسية في المعنى كالنكرة فليس طلب الثمرة وكسب حينئذ من جهتين بل من جهة واحدة
( ونطالب ) بالنون أوله بخطه على كل قول من الثلاثة ( الموصى له ) بالعبد أي يطالبه الوارث كما في الروضة كأصلها أي أو القائم مقامه من ولي ووصي ( بالنفقة ) وسائر المؤن ( إن توقف في قبوله ورده ) كما لو امتنع مطلق إحدى زوجتيه من التعيين فإن لم يقبل أو يرد خيره الحاكم بين القبول والرد فإن لم يفعل حكم بالبطلان كالمتحجر إذا امتنع من الإحياء
تنبيه استشكل مطالبة الموصى له على القول الثاني فإنه قد مر أن الملك قبل القبول للوارث وقيل للميت فكيف يكلف بالنفقة على ملك غيره وقال ابن الرفعة إن المطالبة مفرعة على أنه ملكه بموت الموصي صرح به الإمام
وبحث ابن الرفعة على قول الوقف إن النفقة عليهما في زمن الوقف أي بالنسبة للمطالبة حالا أما بالنسبة لما يستقر عليه الأمر فهي على الموصى له إن قبل وعلى الوارث إن رد
فصل في أحكام الوصية الصحيحة
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام لفظية ومعنوية وحسابيه
والمصنف أسقط القسم الأخير من هذا الكتاب اختصارا
وقد شرع في القسم الأول فقال ( إذا أوصى بشاة ) وأطلق ( تناول ) اسم الشاة ( صغير الجثة ) أي الجسم ( وكبيرتها سليمة ومعيبة ضأنا ) بالهمزة وقد يخفف ( ومعزا ) بفتح العين وتسكن جمع ماعزة لصدق الاسم
فإن قيل تجويز المعيبة مخالف لقولهم في البيع والزكاة والكفارة إن الإطلاق يقتضي السلامة
أجيب بأن ذلك لأمر زائد على مقتضى اللفظ وهنا لا يزاد عليه لعدم الدليل عليه
نعم لو قال اشتروا له شاة لا تشترى له معيبة كما نقله في الروضة وأصلها عن البغوي وأنه أبدى فيه احتمالا هو قضية إطلاق المصنف
وأفهم قوله ضأنا ومعزا أنه لا يتناول غيرهما فلو أراد الوارث إعطاءه أرنبا أو ظبيا لم يكن له ذلك ولا للموصى له قبوله وإن وقع عليه اسم شاة كما ذكره ابن عصفور فإنه قال إن الشاة تقع على الذكر والأنثى من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعم وحمر الوحش وسببه تخصيص العرف بالضأن والمعز
نعم لو قال شاة من شياهي وليس له إلا الظباء أعطي منها كما بحثه في الروضة وجزم به صاحب البيان ونقله في محل آخر عن الأصحاب وإن خالف في ذلك ابن الرفعة تبعا لغيره
( وكذا ذكر ) بتناوله أيضا اسم الشاة إن لم تقع قرينة على المراد ( في الأصح ) لأنه اسم جنس كالإنسان وليست التاء فيه للتأنيث بل للوحدة كحمام وحمامة ويدل له قولهم لفظ الشاة يذكر ويؤنث ولهذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم في أربعين شاة شاة على الذكور والإناث
والثاني لا يتناوله للعرف والخنثى كالذكر
أما إذا قامت قرينة كأعطوه شاة ينزها على غنمه أو تيسا أو كبشا تعين الذكر أو شاة يحلبها أو ينتفع بدرها ونسلها أو نعجة تعينت الأنثى أو شاة ينتفع بصوفها تعين الضأن أو بشعرها تعين المعز
وخرج بصغيرة الجثة صغيرة السن التي ذكرها بقوله ( لا سخلة ) وهي ولد الضأن والمعز ذكرا كان أو أنثى ما لم يبلغ سنة
( و ) لا ( عناق ) وهي الأنثى من ولد المعز كذلك
وكالعناق الجدي كما شملته السخلة ولو اقتصر على ذكرها كفى عن ذكر العناق ودخل الجدي فلا يتناولها اسم الشاة ( في الأصح ) لأن كلاهما لا يسمى شاة لصغر سنها كما نقله الرافعي عن الصيدلاني وصححه البغوي
والثاني يتناولهما لصدق الاسم ونقله الروياني عن سائر الأصحاب والغزالي عنهم خلا الصيدلاني ومع هذا فالمعتمد ما في المتن
( ولو قال أعطوه شاة ) أو رأسا ( من غنمي ) أو من شياهي بعد موتي وله غنم عند موته أعطي شاة منها
وإن قال ذلك ( ولا غنم له ) عند الموت ( لغت ) وصيته هذه لعدم ما يتعلق به الوصية
أما إذا لم يكن له غنم عند الوصية وله غنم
____________________
(3/55)
عند الموت فإن وصيته تصح ففي الروضة وأصلها لو قال أعطوه رأسا من رقيقي ولم يكن له أرقاء عند الوصية ثم ملكه بعد أن فيه الخلاف في أن الاعتبار بيوم الوصية أو الموت وعلى هذا فيجب أن يعطى شاة من غنمه كما لو كانت موجودة عند الوصية والموت ولا يجوز أن يعطى واحدة من غير غنمه في الصورتين وإن تراضيا لأنه صلح على مجهول
تنبيه قد يفهم كلام المصنف أنه لو كان له واحدة من الغنم فقط أن الوصية تلغى
قال ابن شهبة والأصح أنها تدفع إليه أي إذا خرجت من الثلث
وقد يفهم أيضا أنه إذا كان له ظباء لا يحمل عليها وهو يخالف ما مر عن تصحيحه
قال ابن شهبة وقد يفرق بأن الظباء قد يقال لها شياه البر ولم يقل لها غنم البر كما قاله في الروضة فلهذا لغت هنا
( وإن قال ) أعطوه شاة ( من مالي ) ولا غنم له كما في المحرر عند موته ( اشتريت له ) شاة بأي صفة كانت مما مر
فالضمير في اشتريت للشاة وهي للوحدة فلا فرق بين أن يقول اشتري أو اشتريت وإن قال بعض الشارحين إن اشتري أولى فإن كان له غنم فللوارث أن يعطيه منها وأن يعطيه من غيرها شاة على غير صفة غنمه لشمول الوصية لذلك
وإن قال اشتروا له شاة تعينت سليمة كما مر لأن إطلاق الأمر بالشراء يقتضيها كما في التوكيل بالشراء
ويقاس بما ذكر أعطوه رأسا من رقيقي أو رأسا من مالي أو اشتروا له ذلك فلو قال أعطوه رقيقا واقتصر على ذلك فكما لو قال من مالي ويقاس عليه ما لو قال أعطوه شاة ولم يقل من مالي ولا من غنمي
( والجمل والناقة يتناولان البخاتي ) بتشديد الياء وتخفيفها واحدها بختي وبختية وهي جمال طوال الأعناق
( و ) يتناولان ( العراب ) والسليم والمعيب وصغير الجثة وكبيرها لصدق الاسم على ذلك كالشاة
و ( لا ) يتناول ( أحدهما الآخر ) فلا يتناول الجمل الناقة ولا عكسه لأن الجمل للذكر والناقة للأنثى
( والأصح ) المنصوص ( تناول بعير ) مع تناوله ما يتناوله الجمل ( ناقة ) لأنه لغة اسم جنس كالإنسان وقد سمع من العرب حلب فلان بعيره و صرعتني بعيري
والثاني المنع ورجحه كثيرون وقال الماوردي و الغزالي إنه المذهب
تنبيه سكت المصنف عن عكسه
قال الزركشي والظاهر الجزم بعدم التناول وفي المحكم الناقة الأنثى من الإبل
( لا بقرة ) سميت بذلك لأنها تبقر الأرض أي تشقها
أم لا تتناول ( ثورا ) بالمثلثة على الأصح لأن اللفظ موضوع للأنثى سمي بذلك لأنه يثير الأرض
والثاني يتناول والهاء للوحدة
ولا يخالف الأول قول المصنف في تحريره إن البقرة تقع على الذكر والأنثى باتفاق أهل اللغة لأن وقوعها عليه لم يشتهر عرفا
والبغل والكلب والحمار للذكر فلا يتناول الأنثى كما قاله الغزالي في الأخيرين وصوبه المصنف في زيادة الروضة
ومثلهما الأول واختار الرافعي بحثا شمولهما للذكر والأنثى لأن المراد الجنس فإن أتى بالهاء كحمارة وكلبة وبغلة لم يحز الذكر
وفي الروضة آخر النذر عن الإمام وأقره أن البعير لا يتناول الفصيل والبقرة لا تتناول العجل وهو قياس ما مر من أن الشاة لا تتناول السخلة
وتدخل الجواميس في اسم البقر خلافا لما في الكفاية من عدم الدخول كما يكمل بها نصابها
قال الصيمري ولا يدخل فيه الوحشي قال الزركشي إلا أن لا يكون له غيرها فالأشبة الصحة كما مر في الشاة
فإن قيل ما قاله الصيمري قد يشكل بحنث من حلف لا يأكل لحم بقر فأكل لحم بقر وحش
أجيب بأن ما هنا مبني على العرف وما هناك إنما يبنى عليه إذا لم يضطرب وهو في ذلك مضطرب
( والثور ) يصرف إذا أوصى به ( للذكر ) فقط فلا يتناول البقرة
واسم عشر بقرات وعشر أينق للإناث وعشر من الإبل والبقر والغنم شامل للذكر والأنثى
( والمذهب ) المنصوص ( حمل الدابة ) عرفا إذا أوصى بها ( على ) ما يمكن ركوبه كما في التتمة من ( فرس وبغل وحمار ) ولو ذكر أو معيبا وصغيرا في جميع البلاد لشهرة استعمالها في هذه الثلاثة وإن كانت لغة لكل ما يدب على الأرض ولأن الثلاثة أغلب ما يركب قال تعالى { والخيل والبغال والحمير لتركبوها }
وقيل هذا على عرف أهل مصر وإذا كان عرف أهل غيرها كالعراق الفرس حمل عليه وللاختلاف في فهم المراد بالنص صح التعبير بالمذهب
والمراد بالحمار الحمار
____________________
(3/56)
الأهلي فلو لم يكن له إلا حمر وحشية قال ابن الرفعة فالأشبه الصحة حذرا من إلغائها اه
وهو نظير ما مر في الشاة إذا لم يكن له إلا ظباء
هذا إن أطلق فإن قال أعطوه دابة ليقاتل أو يكر أو يفر عليها ففرس أو لينتفع بظهرها ونسلها ففرس أنثى أو ناقة أو حمارة أو ليحمل عليها خرج منها الفرس فإن اعتادوا الحمل على البراذين دخلت بل قال المتولي وقواه المصنف إذا قال أعطوه دابة للحمل عليها دخل فيها الجمال والبقر إن اعتادوا الحمل عليها فلو قال أعطوه دابة من دوابي ومعه دابة من جنس من الأجناس الثلاثة تعينت أو دابتان من جنسين منهما تخير الوارث بينهما فإن لم يكن له شيء منها عند موته بطلت وصيته لأن العبرة بيوم الموت لا بيوم الوصية كما مر
نعم إن كان له شيء من النعم أو نحوها فالقياس كما قاله صاحب البيان الصحة ويعطى منها لصدق اسم الدابة عليها حينئذ وهو نظير ما مر في الشاة
( ويتناول الرقيق ) إذا أوصى به أو بإعتاقه ( صغيرا وأنثى ومعيبا وكافرا وعكوسها ) وهي كبير وذكر وسليم ومسلم وخنثى كما في الروضة وأصلها لصدق الاسم على الجميع ( وقيل إن أوصى بإعتاق عبد وجب المجزىء كفارة ) لأنه المعروف في الإعتاق بخلاف أعطوه عبدا فإنه لا عرف فيه
والخلاف في عتق التطوع فلو قال عن كفارة تعين المجزىء فيها أو نذر فسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى
هذا عند الإطلاق فلو قال أعطوه رقيقا ليقاتل أو ليخدمه في السفر أعطي ذكرا
قال الأذرعي في الأولى وحينئذ يجب أن يكون مكلفا سليما من الزمانة والعمى ونحوهما وقال في الثانية والظاهر أنه يعتبر أن يكون سليما مما يمتنع معه الخدمة
ولو قال أعطوه رقيقا للخدمة فهو كما لو أطلق أي بالنسبة للذكورة والأنوثة كما قاله الأذرعي لا مطلقا إذ الظاهر أنه لا يكفي من لا يصلح للخدمة وإن قال ليحضن ولده أو ليتمتع به فأنثى لأنها التي تصلح لذلك
تنبيه قوله كفارة بالنصب بخطه وهو كما قاله السبكي إما حال لأنه نفسه كفارة أو تمييز
وإن استعمل كفارة بمعنى تكفير صح أن يكون مفعولا من أجله ولا يجوز أن يكون مفعولا به لأنه ليس المعنى عليه ولا على نزع الخافض لقلته
( ولو أوصى بأحد رقيقه ) مبهما أي بأحد أرقائه ( فماتوا أو قتلوا ) كلهم ولو كان القتل مضمونا أو خرجوا عن ملكه بإعتاق أو نحو بيع ( قبل موته ) أي الموصي ( بطلت ) هذه الوصية لأنه لا رقيق له عند موته ( وإن بقي واحد تعين ) للوصية لأنه الموجود فليس للوارث إمساكه وإعطاؤه قيمة مقتول ومثله لو خرجوا عن ملكه بما مر إلا واحدا
هذا إذا أوصى بأحد الموجودين فإن أوصى بأحد أرقائه فمات الذين في ملكه أو خرجوا عن ملكه وتجدد له غيرهم لم تبطل الوصية على الأصح كما مرت الإشارة إليه وإذا بقي واحد من الموجودين لا يتعين بل للوارث أن يعطيه من الحادث كما ذكره البلقيني وخرج بقوله قبل موته ما بعده فإن كان القتل أو الموت بعد القبول أو قبله وقبل انتقل حقه إلى قيمة أحدهم في صورة القتل بخيرة الوارث ولا شيء له في صورة الموت ولزمه تجهيزه في الحالين
( أو ) أوصى ( بإعتاق رقاب فثلاث ) لأنه أقل الجمع على الراجح ومن قال أقله إثنان جوز الاقتصار عليهما ولو قال اشتروا بثلث مالي رقابا وأعتقوهم اشتروا ثلاثا لما مر فأكثر
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه والاستكثار من الاسترخاص أولى من الاستقلال مع الاستغلاء
ومعناه أن إعتاق خمس رقاب قليلة القيمة أفضل من إعتاق أربع كثيرة القيمة
ولا يجوز صرف ما وصى به إلى رقبتين مع إمكان ثلاث فلو صرفه ضمن الوصي الثالثة وهل يضمن ثلث ما نفذت الوصية أو أقل ما يجد به رقبة فيه خلاف والراجح الثاني
( فإن عجز ثلثه عنهن ) أي عن ثلاث رقاب ( فالمذهب ) وفي الروضة وأصلها الأصح ( أنه لا يشترى ) مع رقبتين ( شقص ) من رقبة ولو كان باقيها حرا خلافا للزركشي لما سيأتي من التعليل
( بل ) يشترى ( نفيستان به ) أي بما أوصى به ( فإن فضل ) من الموصى
____________________
(3/57)
به ( عن أنفس رقبتين شيء فللورثة ) لأن الشقص ليس رقبة ألا ترى أنه لو أوصى بأن يشترى بثلثه رقبة فلم يوجد إلا شقص لم يشتر قطعا والثاني يشترى شقص لأنه أقرب لغرض الموصي من صرف الفاضل للورثة واختاره السبكي
تنبيه لو فضل مما أوصى به في الثانية عن ثلاث نفيسات شيء لم يتعرض له المصنف
قال الولي العراقي ويظهر أنها أولى بأن لا يشترى به الشقص من مسألة الكتاب لحصول اسم الجمع هنا
ولو أوصى بشراء شقص اشتري فإن لم يوجد إما لعدمه أو لقلة الباقي بطلت الوصية وردت للورثة
( ولو قال ثلثي للعتق اشترى شقص ) لأن المأمور به صرف الثلث إلى العتق
وقضية كلامه كأصله أنه يشترى الشقص وإن قدر على التكميل ولهذا قال السبكي يشترى شقص لكن التكميل أولى إذا أمكن
والذي صرح به الطاوسي والبارزي أنه إنما يشترى ذلك عند العجز عن التكميل وهذا كما قال البلقيني أقرب وإن قال بعض المتأخرين إن الأقرب الأول
( ولو وصى لحملها ) بشيء ( فأتت بولدين ) حيين ذكرين أو أنثيين أو مختلفين ولدتهما معا أو مرتبا وبينهما أقل من ستة أشهر كما قاله الزركشي ( فلهما ) بالسوية لأنه مفرد مضاف فيعم ولا يفضل ذكر عن أنثى كما لو وهب لرجل وامرأة شيئا
( أو ) أتت ( بحي وميت فكله ) أي الموصى به ( للحي في الأصح ) لأن الميت كالمعدوم بدليل البطلان بانفصالهما ميتين
والثاني له النصف والباقي لورثة الموصي كما لو أوصى لحي وميت
( ولو قال إن كان حملك ذكرا أو قال ) إن كان حملك ( أنثى فله كذا فولدتهما ) أي ذكرا وأنثى ( لغت ) وصيته لأن حملها جميعه ليس ذكرا ولا أنثى
ولو ولدت في الأولى ذكرين قسم الموصى بينهما كما اختاره في الروضة وجرى عليه ابن المقري في روضه وقياسه أنها لو ولدت في الثانية أنثيين أن الحكم كذلك وهذا بخلاف ما لو قال إن كان حملك ابنا فله كذا أو بنتا فلها كذا فولدت ابنين أنثيين فإنه لا شيء لهما
والفرق أن الذكر والأنثى للجنس فيقع على الواحد والعدد بخلاف الابن والبنت
قال الرافعي وليس هذا الفرق بواضح والقياس التسوية وتبعه السبكي وقال المصنف بل الفرق واضح وهو المختار
ويمكن حمل كلام الرافعي أنه ليس بواضح من جهة اللغة وكلام المصنف أنه واضح من جهة العرف وإلا ففي وضوح الفرق كما قال شيخنا نظر
( ولو قال إن كان ببطنها ذكر ) فله كذا ( فولدتهما ) أي ذكرا وأنثى ( استحق الذكر ) فقط لأنه وحد ببطنها وزيادة الأنثى لا تضر
( أو ) ولدت ( ذكرين فالأصح ) وفي الوجيز الأظهر ( صحتها ) أي الوصية لأنه لم يحصر الحمل في واحد بل حصر الوصية فيه
والثاني المنع لاقتضاء التنكير التوحيد ( و ) على الأول ( يعطيه ) أي الموصى به ( الوارث من شاء منهما ) كما لو وقع الإبهام في الموصى به لأنه يرجع إلى بيان الوارث لأنه خليفته في حقوقه
وقيل يوزع عليهما وقيل يوقف إلى أن يتأهلا للقبول فيصطلحا
ولو قال إن ولدت غلاما أو إن كان في بطنك غلام أو إن كنت حاملا بغلام فله كذا أو أنثى فكذا فولدتهما أعطي كل منهما ما أوصى له به ولو ولدت ذكرين ولو مع أنثيين أعطي الوارث من شاء منهما كما مر وإن ولدت خنثى أعطي الأقل كما في الروضة وأصلها لأنه المتيقن وإن جزم صاحب الذخائر بأنه يوقف له تمام ما جعل للآخر حتى يظهر الحال وصححه ابن المسلم وقال الزركشي إنه القياس
( ولو وصى ) بشيء ( لجيرانه ) بكسر الجيم وفتحها لحن وفي المحكم أن جمع الجار جيرة وجيران ولا نظير له إلا قاع وقيعة وقيعان
( فلأربعين دارا من كل جانب ) من جوانب داره الأربعة كما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم وهو إمام عارف باللغة وكلامه فيها حجة ويدل له خبر حق الجوار أربعون دارا هكذا
____________________
(3/58)
وهكذا وهكذا وهكذا وأشار قداما وخلفا ويمينا وشمالا رواه أبو داود وغيره مرسلا وله طرق تقويه
وقيل الجار من لاصق داره وقيل أهل المحلة التي هو فيها وقيل الملاصق والمقابل وقيل أهل الزقاق غير النافذ وقيل من ليس بينه وبينه درب يغلق وقيل من يصلي معه في المسجد وقيل قبيلته وقيل جميع أهل البلد لقوله تعالى { ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا }
وعلى الأول يصرف ذلك الشيء للمسلم والغني وضدهما على عدد الدور لا على عدد السكان والعبرة بالساكن لا بالملك وتقسم حصة كل دار على عدد سكانها كما بحثه السبكي ولو رد بعض الجيران فالظاهر كما قال الدميري أنه يرد على الباقين
تنبيه قضية كلام الأصحاب وجوب استيعاب الدور من الجوانب الأربعة وهو كذلك وإن قال الأذرعي المتجه حمل كلامهم على أن غاية الجوار ذلك لا أنه يجب فجملة الدور حينئذ مائة وستون كما صرح به القاضي أبو الطيب وغيره ولم يصرح أحد بأن المجموع أربعون فيكون معنى قوله في الحديث هكذا وهكذا أن الأربعين تعد هكذا وهكذا حتى تتم واعترض هذا العدد بأن دار الموصي قد تكون كبيرة في التربيع فيسامتها من كل جهة أكثر من أربعين دارا فيزيد العدد وهذا مثاله وقد تسامت دار الموصي داران يخرج من كل منهما شيء عنها فيزيد العدد أيضا وهذا مثاله وربما يقال التعبير بذلك جرى على الغالب من أن كل جانب لا يزيد على ذلك فإن وجدت زيادة على ذلك اختار الوارث من كل جانب القدر المعتبر
فإن وجد في أحد الجانبين زيادة وفي آخر نقص ينبغي أن يكمل الناقص من الزائد ويقسم عليهما وينبغي أن يكون الربع كالدار المشتملة على بيوت ولو كان للموصي داران صرف إلى جيران أكثرهما سكنى فإن استويا فإلى جيرانهما نقله الأذرعي عن القاضي أبي الطيب والزركشي عن بعضهم
ثم قال الأول وينبغي أن يصرف إلى جيران من كان فيها حالتي الموت والوصية واقتصر الثاني على حالة الموت
ويظهر قول الأول إن كان في واحدة حالتي الموت والوصية وإن كان في واحدة حالة الوصية وفي أخرى حالة الموت فالعبرة بحالة الموت وإن لم يكن في واحدة منهما فإلى جيرانهما والوجه كما قال شيخنا أن جيران المسجد كجيران الدار فيما أوصى لجيرانه
وقيل جاره من يسمع النداء لخبر لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ( 1 ) وجاره من يسمع النداء
وأجيب بأن ما في الخبر خاص بحكم الصلاة بقرينة السياق
فائدة روى الحافظ أبو عمر في ترجمة أبي سعيد الأنصاري أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال البر والصلة وحسن الجوار عمارة للديار وزيادة في الإعمار ( 2 )
( والعلماء ) في الوصية لهم ( أصحاب علوم الشرع ) قال الدميري وما سواها في الدين حطام فان وبينها المصنف بقوله ( من ) علم ( تفسير ) وهو لغة بيان معنى اللفظ الغريب شرعا معرفة معاني الكتاب العزيز وما أريد به
وهذا بحر لا ساحل له وكل عالم يأخذ منه على قدره وهو قسمان ما لا يعرف إلا بتوقيف وما يدرك من دلالة الألفاظ بواسطة علوم أخر كاللغة والمعاني والبيان
وهو شرعي أيضا لتوقفه على اللفظ
____________________
(3/59)
المستفاد من الشرع وراء هذين القسمين فهم يؤتيه الله للعبد وهو شرعي أيضا
قال العراقي ومن عرف التفسير دون أحكامه لا يصرف له شيء لأنه كناقل الحديث ( و ) من علم ( حديث ) والمراد به هنا معرفة معانيه ورجاله وطرقه وصحيحه وسقيمه وعليله وما يحتاج إليه
وهو من أجل العلوم بعد القرآن فالعالم به من أجل العلماء وليس من علمائه من اقتصر على السماع المجرد
( و ) من علم ( فقه ) المراد به هنا معرفة الأحكام الشرعية نصا واستنباطا أي عرف من كل نوع منها شيئا قاله ابن الرفعة
والمراد من كل باب من أبواب الفقه دون من عرف طرفا منه كمن عرف أحكام الحيض أو الفرائض وإن سماها الشارع نصف العلم
وخرج بالاستنباط الظاهرية كما قاله ابن سريج وأفتى به القاضي الحسين وغيره
قال الماوردي لو أوصى لأعلم الناس صرف للفقهاء لتعلق الفقه بأكثر العلوم
وقال شارح التعجيز أولى الناس بالفقه في الدين نور يقذف هيبته في القلب أي من قذف في قلبه ذلك
وهذا القدر قد يحصل لبعض أهل العنايات موهبة من الله تعالى وهو المقصود الأعظم بخلاف ما يفهمه أكثر أهل الزمان
فذلك صناعة
ووصف الفقهاء والمتفقهة والصوفية سبق بيانه في الوقف
سئل الحسن البصري عن مسألة فأجاب فقيل إن فقهاءنا لا يقولون ذلك فقال وهل رأيتم فقيها قط الفقيه هو القائم ليله الصائم نهاره الزاهد في الدنيا الذي لا يداري ولا يماري ينشر حكمة الله فإن قبلت منه حمد الله تعالى وفقه عن الله أمره ونهيه وعلم ما يحبه وما يكرهه فذاك هو العالم الذي قيل فيه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فإذا لم يكن بهذه الصفة فهو من المغرورين
ولو أوصى لمفسر ومحدث وفقيه فاجتمعت في شخص أعطي بأحدها كنظيره الآتي في قسم الصدقات
واحترز المصنف بعلوم الشرع عن علوم العقل كالطب والحساب والمنطق وممن صرح بعدم دخول المنطق الطاوسي في التعليقة لكن نقل عن الغزالي أنه جعله من علم الكلام فليكن على الخلاف الآتي
تنبيه قضية كلامه الحصر في هذه الثلاثة وليس مرادا بل العلم بأصول الفقه مثلها كما قاله الصيمري وصاحب البيان لابتناء الفقه عليه وعد الغزالي في مقدمة المستصفى من العلم الديني علم الباطن يعني علم القلب وتطهيره عن الأخلاق الذميمة
واختلف في الراسخ في العلم فقيل هو من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه
وقيل هو من جمع أربع خصال التقوى فيما بينه وبين الله والتواضع فيما بينه وبين الناس والزهد فيما بينه وبين الدنيا والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه
والأصح أنه العالم بتصاريف الكلام وموارد الأحكام ومواقع المواعظ لأن الرسوخ الثبوت في الشيء
وعطف على أصحاب المرفوع قوله ( لا مقرىء وأديب ومعبر وطبيب ) ومنجم وحاسب ومهندس فليسوا من علماء الشرع لأن أهل العرف لا يعدونهم منهم وكذا العالم باللغة والصرف والمعاني والبيان والبديع والعروض والقوافي والموسيقى ونحوها قاله في المطالب تبعا لابن يونس
والمراد بالمقرىء التالي أما العالم بالروايات ورجالها فكالعالم بطرق الحديث واختاره السبكي بعد أن رده من حيث المذهب بأن علم القراءات يتعلق بالألفاظ دون المعاني فالعارف به لا يدخل في اسم العلماء وبأن التالي قارىء لا مقرىء
قال الماوردي والمراد بالأدباء النحاة واللغويون
وقد عد الزمخشري الأدب إثني عشر علما
والمراد بالمعبر مفسر المنام والأفصح عابر لأنه يقال عبرت بالتخفيف كما قال تعالى { للرؤيا تعبرون } ومنهم من أنكر التشديد وفي الحديث الرؤيا لأول عابر
والطبيب من يحسن علم الطب
( وكذا متكلم ) ليس منهم ( عند الأكثرين ) لما ذكر ونقله العبادي في زيادته عن النص
وقيل يدخل وبه قال المتولي ومال إليه الرافعي
واقتضى كلامه أن الدليل يقتضي التسوية بينه وبين المحدث والمقرىء فإما أن يتساووا في الدخول كلهم أو في الخروج
ولأجل هذا التوقف عدل المصنف عن الأصح إلى قوله عند الأكثرين وقال السبكي إن أريد بعلم الكلام العلم بالله تعالى وصفاته وما يستحيل عليه ليرد على المبتدعة وليميز بين الاعتقاد الصحيح والفاسد فذاك من أجل العلوم الشرعية والعالم به من أفضلهم وقد جعلوه في كتاب السير من فروض الكفايات وإن أريد به التوغل في شبهة والخوض فيه على طريق الفلسفة وتضييع الزمان فيه والزيادة على ذلك
____________________
(3/60)
أن يكون مبتدعا وداعيا إلى ضلالة فذاك باسم الجهل أحق وأما الكلام في الإلهيات على طريقة الحكماء فذاك ليس من أصول الدين بل أكثره ضلال وفلسفة والله يعصمنا بمنه وكرمه آمين اه
وهذا هو القسم الذي أنكره الشافعي رضي الله تعالى عنه وقال لأن يلقى العبد ربه بكل ذنب ما عدا الشرك خير له من أن يلقاه بعلم الكلام قال السبكي وكذا الصوفية ينقسمون إلى هذين القسمين وأطال في ذلك ثم قال في آخر كلامه ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وابن سبعين والقطب القونوي والعفيف التلمساني فهؤلاء ضلال جهال خارجون عن طريق الإسلام فضلا عن العلماء
وقال ابن المقري في روضه إن الشك في كفر طائفة ابن عربي كفر
قال شيخنا وهم الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الاتحاد قال والحق أنهم مسلمون أخيار وكلامهم جار على اصطلاحهم كسائر الصوفية وهو حقيقة عندهم في مرادهم وإن افتقر عند غيرهم ممن لو اعتقد ظاهره عنده كفر إلى تأويل إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره فالمعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح
وقد نص على ولاية ابن عربي جماعة علماء عارفون بالله تعالى منهم الشيخ تاج الدين بن عطاء الله والشيخ عبد الله اليافي ولا يقدح فيه وفي طائفته ظاهر كلامهم المذكور عند غير الصوفية لما قلناه ولأنه قد يصدر عن عارف بالله تعالى إذا استغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تضمحل ذاته في ذاته وصفاته في صفاته ويغيب عن كل ما سواه عبارات تشعر بالحلول والاتحاد لقصور العبارات عن بيان حاله الذي ترقى إليه وليست في شيء منهما كما قاله العلامة السعد التفتازاني وغيره
ولو أوصى للقراء صرف لحفاظ كل القرآن في الأصح لا لمن لا يحفظ ويقرأ من المصحف أو للرقاب صرف إلى المكاتبين كتابة صحيحة لأنه المفهوم من عرف الشرع فحمل عليه وأقل ما يجزىء أن يدفع إلى ثلاثة
ولو لم يكن في الدنيا مكاتب وقف الثلث لجواز أن يكاتب رقيق فإن رق المكاتب بعد أخذه من الوصية استرد منه المال إن كان باقيا في يده أو يد سيده أو لسبيل الله صرف إلى الغزاة من أهل الصدقات لأنه المفهوم شرعا
وأقل من يصرف إليه ثلاثة وقد تقدم آل النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الزكاة فلو أوصى لآل غير النبي صلى الله عليه وسلم صحت وصيته
وهل تحمل على القرابة أو على اجتهاد الحاكم وجهان أوجههما كما قال شيخي الأول وأخل البيت كالآل لكن تدخل الزوجة فيهم أيضا
ولو أوصى لأهله من غير ذكر البيت دخل كل من تلزمه نفقته أو لآبائه دخل أجداده من الطرفين أو لأمهاته دخلت جداته من الطرفين أيضا ولا تدخل الأخوات في الإخوة كعكسه والأحماء آباء الزوجة وكذا أبو زوجة كل محرم حم والمحارم يدخل فيهم كل محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة
والوصية للموالي كما في الوقف عليهم ولا يدخل فيهم المدبر ولا أم الولد
ولو أوصى لليتامي أو الأرامل أو الآيامى والعميان أو الحجاج أو الزمنى أو أهل السجون أو الغارمين أو لتكفين الموتى أو لحفر قبورهم اشترط فقرهم وإن استبعده الأذرعي في الحجاج لأن الفقراء منهم هم المقصودون بالوصية ثم إن انحصروا وجب تعميمهم وإلا جاز الاقتصار على ثلاثة
واليتيم من مات أبوه قبل بلوغه قال ابن السكيت اليتيم في الناس من قبل الأب وفي البهائم من قبل الأم قال ابن خالويه ومن الطير من قبلهما لأنهما يحضنانه ويزقانه
والأيم والأرملة من لا زوج لها إلا أن الأرملة من بانت من زوجها بموت أو بينونة والأيم لا يشترط فيها تقدم زوج ويشتركان في اشتراط الخلو عن الزوج حالا
ولو أوصى للأرامل أو الأبكار أو الثيب لم يدخل فيهن الرجال وإن لم يكن لهم زوجات لأن هذا الاسم في العرف للنساء
أو للعراب صرف للرجل الذي لا زوجة له
ولا تدخل المرأة التي لا زوج لها على أحد رأيين يظهر ترجيحه
والقانع السائل
والمعتر من يتعرض للسؤال ولا يسأل وسيأتي زيادة على ذلك في كتاب الأضحية
فائدة الناس غلمان وصبيان وأطفال وذراري إلى البلوغ
ثم هم بعد البلوغ شبان وفتيان إلى الثلاثين
ثم هم بعدها كهول إلى الأربعين
ثم هم بعدها شيوخ
( ويدخل في وصية الفقراء المساكين وعكسه ) فما وصى به لأحدهما يجوز دفعه للآخر لوقوع اسم كل منهما على الآخر عند الانفراد في العرف
ولا يدخل الفقير المكفي بنفقة
____________________
(3/61)
قريب أو زوج ولا فقير غير المسلمين كالزكاة ولكن يجوز نقلها
والفرق بينها وبين الزكاة أن الأطماع لا تمتد إليها امتدادها في الزكاة إذ الزكاة مطمع نظر الفقراء من حيث إنها مواظبة دائرة بخلاف الوصية ولهذا يجوز تقييدها بفقراء سائر البلاد
( ولو جمعهما ) أي الفقراء والمساكين في الوصية ( شرك ) بضم أوله الموصى به بينهما ( نصفين ) فيجعل نصفه للفقراء ونصفه للمساكين فلا يقسم ذلك على عدد رؤوسهم ولا يجب استيعابهم بل يستحب عند الإمكان ( أقل ) ما يكفي من ( كل صنف ) من العلماء والفقراء والمساكين ( ثلاثة ) لأنها أقل الجمع بخلاف بني زيد وبني عمرو فإنه يشترط استيعابهم بأن يقسم على عدد رؤوسهم كما أفاده كلام الروضة فلو دفع لاثنين من العلماء أو الفقراء أو المساكين غرم للثالث أقل متمول وقيل الثلث ولا يصرفه له بل يسلمه للقاضي ويصرفه له بنفسه أو يرده إليه ليدفعه هو
قال الزركشي وقد ذكروا فرعا وهو أنه إذا أوصى لأقاربه وله قريب واحد هل يكون له الكل أو النصف أو الثلث خلاف فليكن هنا نظيره اه
وهو ظاهر والأصح ترجيح الأول كما سيأتي
ويشترط في الفقراء والمساكين الموصى لهم أن يكونوا أحرارا فلا مدخل للمماليك في ذلك كما نص عليه
( وله ) أي الموصي والحاكم عند فقده ( التفضيل ) بين آحاد كل صنف بحسب الحاجة
ولا تجب التسوية بل يتأكد تفضيل الأشد حاجة وعيالا والأولى تقديم أقارب الموصي الذين لا يرثون ثم جيرانهم ثم معارفه هذا إذا لم يكونوا محصورين فإن أوصى لفقراء بلد وهم محصورون وجب استيعابهم والتسوية بينهم كتعيينهم ويشترط قبولهم بخلاف الوصية المطلقة للفقراء
ولو عين فقراء بلد ولا فقير بها لم تصح الوصية
( أو ) وصى ( لزيد والفقراء فالمذهب أنه ) أي زيد ( كأحدهم في جواز إعطائه أقل متمول ) لأنه ألحقه بهم في إضافته وذلك يقتضي التسوية
فإن قيل قد يكون زيد فقيرا فيتناوله لفظ الفقراء فلا فائدة لذكره
أجيب بأن له فائدتين منع الإخلال به وعدم اعتبار فقره كما يشير إليه قوله ( لكن ) زيد ( لا يحرم ) بضم أوله وإن كان غنيا كما يحرم أحدهم لعدم وجوب استيعابهم كما مر لنصه عليه
تنبيه اعترض تعبيره بالمذهب فإن المسألة فيها سبعة أوجه أصحها ما جرى عليه المصنف وبقية الأوجه مذكورة في المبسوطات وقد ذكرت أكثرها في شرح التنبيه فلا نطيل بذكرها
هذا إذا أطلق زيد فإن وصفه بوصفهم كأن قال لزيد الفقير والفقراء وكان غنيا أخذ نصيبه الفقراء لا وارث الموصي وإن كان فقيرا وإن وصفه بغير وصفهم كأن قال لزيد الكاتب والفقراء استحق زيد النصف أو وصى لزيد وجماعة محصورين أعطي زيد النصف واستوعب بالنصف الآخر جماعته أو وصى لزيد بدينار وللفقراء بثلث ماله لم يعط أكثر من الدينار وإن كان فقيرا لأنه قطع اجتهاد الموصي بالتقدير
أو وصى لزيد وجبريل أو له والحائط أو الريح أو نحوها مما لا يوصف بالملك كالشيطان أعطي زيد النصف وبطلت الوصية في الباقي كما لو أوصى لابن زيد وابن عمرو وليس لعمرو ابن ولو أضاف الحائط كأن قال وعمارة حائط المسجد أو حائط دار زيد صحت الوصية وصرف النصف في عمارته
أو وصى لزيد والملائكة أو الرياح أو الحيطان أو نحوها أعطي أقل متمول كما لو أوصى لزيد والفقراء وبطلت الوصية فيما زاد عليه
أو أوصى لزيد ولله فلزيد النصف والباقي يصرف في وجوه القرب لأنها مصرف لحقوق الله تعالى
ولو أوصى بثلث ماله لله تعالى صرف في وجوه البر على ما ذكر
وإن لم يقل لله تعالى صرف للمساكين
ولو أوصى لأمهات أولاده وهن ثلاث وللفقراء والمساكين جعل الموصى به بينهم أثلاثا
( أو ) وصى ( لجمع معين غير منحصر كالعلوية ) والهاشمية وبني تميم ( صحت ) هذه الوصية ( في الأظهر ) كالوصية للفقراء
والثاني البطلان لأن التعميم يقتضي الاستيعاب وهو ممتنع بخلاف الفقراء فإن عرف الشرع خصصه بثلاثة فاتبع
( و ) على الأول ( له الاقتصار على ثلاثة ) كما في الفقراء
فائدة من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن أولاد بناته ينسبون إليه وهم الأشراف الموجودون ومنهم
____________________
(3/62)
الهاشميون
ونقل شيخنا الشهاب ابن حجر العسقلاني في كتابه أنباء العمران في سنة ثلاث وسبعين وستمائة أمر السلطان شعبان الأشراف أن يمتازوا عن الناس بعصائب خضر على العمائم ففعل ذلك بمصر والشام وغيرهما وفي ذلك يقول أبو عبد الله بن جابر الأندلسي رحمه الله تعالى جعلوا لأبناء الرسول علامة إن العلامة شأن من لم يشهر نور النبوة في كريم وجوههم يغني الشريف عن الطراز الأخضر ( أو ) وصى بشيء ( لأقارب زيد ) مثلا أو رحمة ( دخل كل قرابة ) له ( وإن بعد ) مسلما كان أو كافرا غنيا أو فقيرا حرا أو رقيقا ويكون نصيبه لسيده وإن لم أر من صرح به كما يؤخذ من إطلاقهم وربما أخذ من النص المتقدم في الفقراء عدم دخولهم ثم رأيت الناشري بحث في ذلك فقال هل يدخل العبيد في الأقارب ويصرف إلى ساداتهم ينبغي أن يدخلوا إذا لم تكن السادة داخلين لا إن دخلوا لئلا يتكرر الصرف للسادة بأسمائهم وأسماء عبيدهم
ثم تعقبه الكمال بن أبي شريف فقال وقد يتوقف في دخولهم فيقال ينبغي دخولهم إن لم يكن له أقارب أحرار فإن كان له أقارب أحرار لم تدخل العبيد معهم إذ لا يقصدون بالوصية عادة اه
والأوجه ما جرى عليه الناشري لقولهم إنه لا فرق بين الوارث وغيره لأن هذا اللفظ يذكر لإرادة جهة القرابة والاسم شامل للكل
تنبيه أفهم قوله كل قرابة أنه يجب استيعابهم وهذا إذا انحصروا فإن لم ينحصروا فكالوصية للعلوية ولا يختص هذا بالجمع حتى لو لم يكن له سوى قريبين أو قريب واحد أخذ الكل لا القسط على الأصح
فإن قيل كيف يدخل البعيد مع أن أقارب جمع أقرب وهو أفعل تفضيل أجيب بأن التسوية ثابتة بالعرف وقد قال تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين } فدخل كل قريب وبعضهم أقرب من بعض والظاهر قوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين } كانت فاطمة رضي الله تعالى عنها من جملة من دعي للإنذار
( إلا أصلا ) أي الأب والأم فقط ( و ) إلا ( فرعا ) أي أولاد الصلب فقط فلا يدخلان في الأقارب ( في الأصح ) إذ لا يسمون أقارب عرفا أما الأجداد والأحفاد فيدخلون لشمول الاسم لهم
والثاني يدخلان لأنهما يدخلان في الوصية لأقرب الأقارب فكيف لا يكونون من الأقارب قال السبكي وهذا أظهر بحثا ونقلا
وقيل لا يدخل أحد من الأصول والفروع
( ولا تدخل قرابة أم ) في الوصية للأقارب ( في وصية العرب في الأصح ) إذا كان الموصي عربيا فإنهم لا يفتخرون بها ولا يعدونها قرابة
والثاني لا يدخل في وصية العرب كالعجم وقواه في الشرحين وصححه في الروضة وجرى عليه ابن المقري فهو المعتمد كما قاله الزركشي وغيره وما وجه به الأول ضعيف فإنه لا خلاف أن قرابة الأم تدخل في لفظ الرحم عند العرب والعجم جميعا كما صرح به الرافعي قال السبكي ولا شك أن الرحم هي قرابة فقد قال صلى الله عليه وسلم في القبط إن لهم ذمة ورحما لأن أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم منهم
وقد افتخر صلى الله عليه وسلم بخالة سعد فقال سعد خالي فليرني امرؤ خاله حسنه الترمذي وصححه الحاكم
( والعبرة ) فيما ذكر ( بأقرب جد ينسب إليه زيد وتعد أولاده ) أي ذلك الجد ( قبيلة ) فيرتقي في بني الأعمام إليه ولا يعتبر من في درجته أو من فوقه فالوصية لأقارب حسني لأولاد الحسن دون أولاد من فوقه وأولاد الحسين والوصية لأقارب الشافعي في زمانه لأولاد شافع فتقييد الروضة بزمنه ليس بقيد بل يوهم خلاف المراد لأنه أقرب جد يعرف به الشافعي ولا يصرف لمن ينسب إلى جد بعد شافع كأولاد علي والعباس أخوي شافع لأنهم إنما ينسبون إلى المطلب ولو أوصى لأقارب بعض أولاد الشافعي في هذا الوقت دخل فيه أولاد الشافعي دون غيرهم من أولاد شافع ولولا ذلك لأدى ذلك إلى دخول جميع الناس فإن آدم يجمعهم
وخرج بقوله ينسب إليه جد الأم فإنه لا ينسب إليه
( ويدخل في أقرب أقاربه ) أي
____________________
(3/63)
الموصي ( الأصل ) من أب وأم ( والفرع ) من ابن وبنت كما يدخل غيرهم عند عدمهم لأن أقربهم هو المنفرد بزيادة القرابة وهم كذلك وإن لم يطلق عليهم أقارب عرفا
والمراد دخولهم في الجملة وأما الاستواء والتقديم فقد نبه عليه بقوله ( والأصح تقديم ابن ) وإن سفل ( على أب ) لأنه أقوى إرثا وتعصيبا ولو عبر كالحاوي الصغير بالفرع لتدخل البنت لكان أولى والمعنى فيه أن الفرع جزء الموصي وجزء الشيء أقرب إليه من أصله فتقدم الأولاد ثم أولادهم وإن نزلوا
ويستوي أولاد البنين وأولاد البنات ثم الأبوان من فوقهما ( وأخ ) من الجهات الثلاث ( على جد ) من الجهتين لقوة البنوة على جهة الأبوة
وليس لنا موضع يقدم فيه الأخ مطلقا على الجد للأب إلا هنا وفي الولاء لغير الأخ للأم لكن قضية التعليل إخراج الأخ للأم وليس مرادا والثاني يسوى بينهما فيهما لاستواء الأولين في الرتبة والأخيرين في الدرجة لإدلائهما بالأب
والخلاف في الثانية قولان كما ذكر الرافعي فلو عبر بالأظهر كما في الروضة لكان أولى بل المرجح في الشرح الصغير أن الخلاف في الأولى أيضا قولان
والأعمام والعمات والأخوال والخالات بعد الجدودة سواء ثم أولادهم قال ابن الرفعة ويقدم العم والعمة على أبي الجد والخال والخالة على جد الأم وجدتها
( ولا يرجع بذكورة ووراثة بل يستوي الأب والأم والابن والبنت ) والأخ والأخت كما يستوي المسلم والكافر والأخ من الأب والأخ من الأم سواء
نعم يقدم ولد الأبوين من الإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم على ولد أحدهما
ويقدم أخ لأب على ابن أخ لأبوين ثم هكذا يقدم الأقرب فالأقرب درجة في الجهة كيف كان عند اتحاد الجهة وإلا فالبعيد من الجهة القريبة يقدم على القريب من الجهة البعيدة كابن ابن الأخ وإن سفل يقدم على العم
( ويقدم ابن البنت على ابن ابن الابن ) لأنه أقرب منه في الدرجة
وتقدم الجدة من الجهتين على الجدة من جهة كما جزم به البغوي والخوارزمي في الوقف وإن استويا في الإرث لأن المأخذ ثم اسم الجدة وهنا معنى الأقربية ومقتضى كلام أصل الروضة التسوية بين البابين
( ولو أوصى لأقارب نفسه لم تدخل ورثته في الأصح ) اعتبارا بعرف الشرع لا بعموم اللفظ ولأن الوارث لا يوصى له غالبا فيختص بالباقين
والثاني وهو الأقوى في الشرح الصغير يدخلون لأن اللفظ يتناولهم ثم يبطل نصيبهم ويصح الباقي لغير الورثة
وإذا أوصى لأقرب أقاربه فالترتيب كما مر لكن لو كان الأقرب وارثا صرف الموصى به للأقرب من غير الوارثين إذا لم يجز الوارثون الوصية بناء على أنه إذا أوصى لأقارب نفسه لم تدخل ورثته
فصل في الأحكام المعنوية
وهو القسم الثاني وذكر معه بيان ما يفعل عن الميت وما ينفعه مبتدئا ذلك بالقسم الثاني فقال ( تصح ) الوصية ( بمنافع عبد ) ونحوه من الدواب ( ودار ) ونحوها من العقارات ( و ) نحو ( غلة حانوت ) كثمرة بستان مؤقتة ومؤبدة والإطلاق يقتضي التأبيد لأنها أموال مقابلة بالأعواض فكانت كالأعيان
وضبط الإمام المنافع بما يملك بالإجارة وغلة عطف على منافع وهو مشعر بمغايرتها لها
قال السبكي والمنافع والغلة متقاربان وكل عين فيها منفعة فقد يحصل منها شيء غير تلك المنفعة إما بفعله كالاستغلال أو بعوض عن فعل غيره أو من عند الله تعالى وذلك الشيء يسمى غلة فالموصى له به يملكه غير ملك العين ولأن المنفعة كأجرة العبد والدار والحانوت وكسب العبد وما ينبت في الأرض كله غلة تصح الوصية به كما تصح بالمنفعة
تنبيه قد ذكر المصنف في أول الباب الوصية بالمنافع وإنما أعادها ليرتب عليها قوله ( ويملك الموصى له منفعة العبد ) الموصى بها وليست مجرد إباحة خلافا الأبي حنيفة
لنا أن الوصية بذلك تلزم بالقبول بخلاف العارية فله أن
____________________
(3/64)
يؤجر ويعير ويورث عنه ويوصي بها ولهذا عبر المصنف بالمنفعة دون أن ينتفع فإنه لو قال أوصيت لك بأن تنتفع به حياتك أو بأن تسكن هذه الدار أو بأن يخدمك هذا العبد إباحة لا تمليك فليس له الإجارة ولا الإعارة في أصح الوجهين ويفارق ما مر بأنه هنا عبر بالفعل وأسنده إلى المخاطب فاقتضى قصوره على مباشرته بخلافه ثم
تنبيه إطلاقه المنفعة يقتضي عدم الفرق بين المؤبدة والمقيدة وهو كذلك كما قطعا به في باب الإجارة خلافا لما مشينا عليه هنا من أن الوصية المؤقتة إباحة فلا يؤجر
( و ) يملك أيضا ( أكسابه المعتادة ) كاحتطاب واصطياد وأجرة حرفة ونحوها لأنها أبدال المنافع الموصى بها بخلاف النادرة كالهبة واللقطة لأنها لا تقصد بالوصية
وعن ابن عبد السلام أنه قال ما زلت أستشكل ملك الرقبة دون المنفعة وأقول هذا إنما ينتفع ويملك المنافع فما الذي بقي لمالك الرقبة حتى رأيت في المنام قائلا يقول لو ظهر في الأرض معدن ملكه مالك الرقبة دون المنفعة اه
وله أيضا عتقه وبيعه من الموصى له
( وكذا مهرها ) أي الأمة الموصى بمنفعتها لشخص إن زوجت أو وطئت بشبهة مثلا يملكه الموصى له ( في الأصح ) لأنه من فوائد الرقبة كالكسب وهذا ما في الروضة وأصلها عن العراقيين والبغوي وجزم به الأكثرون
والثاني وهو الأشبه في الروضة وأصلها أن مهرها لوارث الموصي
أما أرش البكارة إذا لم نقل بالاندراج فهو للوارث لأنه بدل جزء من البدن
ويحرم على الوارث وطء الأمة الموصى بمنفعتها إن كانت ممن يحبل لما فيه من خوف الهلاك بالطلق والنقصان والضعف بالولادة والحمل بخلاف ما إذا كانت ممن لا يحبل وقيل يحرم مطلقا كما في المرهونة
وفرق الأول بأن الراهن هو الذي حجر على نفسه وبأنه متمكن من رفع العلقة بأداء الدين بخلاف الوارث فيهما ولا بد على الأول أن لا يعطل زمن الوطء ما يستحقه الموصى له من المنفعة كما قاله الأذرعي فإن وطىء فأولدها فالولد حر نسيب ولا حد عليه للشبهة
وعليه قيمته ويشترى بها مثله لتكون رقبته للوارث ومنفعته للموصى له كما لو ولدته رقيقا وتصير أمه أم ولد للوارث تعتق بموته مسلوبة المنفعة ويلزمه المهر للموصى له
وكذا يحرم وطؤها على الموصى له بمنفعتها فلو وطئها فالولد حر نسيب ولا حد كما جزم به في أصل الروضة هنا وقال ابن الرفعة إنه الصحيح و الإسنوي إنه أوجه مما جزم به في الوقف أنه يحد كما يحد الموقوف عليه
والفرق أن ملك الموصى له بالمنفعة أتم من ملك الموقوف عليه بدليل أنها يورث عنه كما مر ولا كذلك الموقوف عليه
قال الأذرعي وهذا كله فيما لو أوصى له بمنفعتها أبدا أما لو أوصى له بهامدة فالوجه وجوب الحد عليه كالمستأجر اه
والمعتمد كما قال شيخي أنه لا حد مطلقا
ولو أحبلها الموصى له لم يثبت استيلادها لأنه لا يملكها وعليه قيمة الولد بناء على الأصح الآتي من أن الولد المملوك ليس كالكسب ويشترى بها رقيق ويكون مثل الأمة رقبته للوارث ومنفعته للموصى له وقيل القيمة للوارث
ويجوز تزويج الموصى بمنفعته ومن يزوجه
قال في الوسيط أما العبد فيظهر استقلال الموصى له به لأن منع العقد للتضرر بتعلق الحقوق بالأكساب وهو المتضرر
وأما الأمة فيزوجها الوارث على الأصح لملكه الرقبة لكن لا بد من رضا الموصى له لما فيه من تضرره اه
وهذا الذي قاله في الأمة يأتي في العبد أيضا فالوجه أنه لا بد من رضا الموصى له والوارث في الحالين كما قاله شيخي
( ولا ولدها ) من نكاح أو زنا فلا يملكه الموصى له بمنفعة أمه ( في الأصح بل هو كالأم منفعته له ورقبته للوارث ) لأنه جزء من الأم فيجري مجراها
والثاني يملكه الموصى له كالموقوفة
وفرق الأول بأن الملك في الموقوفة أقوى بدليل أنه يملك الرقبة على قول فقوي الاستتباع بخلافه هنا كذا قيل
وهو كما قال شيخنا مردود بأن الموصى له بالمنفعة أبدا قيل فيه إنه يملك الرقبة أيضا حكاه الماوردي وغيره
فالأولى أن يفرق بأن الواقف أخرج العين عن ملكه بالوقف على الأصح والموصي لم يخرجها وإنما أخرج المنفعة لكن المنفعة استتبعت العين في القول المذكور
( وله ) أي الوارث ( إعتاقه ) أي العبد الموصى بمنفعته ولو مؤبدا لأنه مالك لرقبته وتبقى الوصية بحالها ولا يرجع العتيق عليه بقيمة المنفعة لأنه ملك الرقبة مسلوبة المنفعة ولا يصح أن يكاتبه ولا أن يعتقه عن كفارته لعجزه عن
____________________
(3/65)
الكسب
قال الزركشي وينبغي أن يكون إجراؤه عن النذر على الخلاف في أنه يسلك به مسلك الواجب أو الجائز اه
ويؤخذ من ترجيح المصنف في باب النذر أن المعيب يجزىء أن هذا يجزىء أيضا
ولو ملك هذا العتيق رقيقا بالإرث أو الهبة أو بغير ذلك فاز بكسبه
وله أن يستعير نفسه من سيده قياسا على ما لو أجر الحر نفسه وسلمها ثم استعارها
( وعليه ) أي الوارث ( نفقته ) وكسوته وفطرته ( إن أوصى بمنفعته مدة ) لأنه ملكه كما إذا أجره ( وكذا ) إن أوصى بها ( أبدا في الأصح ) بأن يقول أبدا أو مدة حياة العبد أو يطلق لما مر وهو متمكن من دفع الضرر عنه بإعتاقه
والثاني أنها على الموصى له لأنه مستوفي المنفعة فهو كالزوج وعلف الدابة كنفقة الرقيق
وأما سقي البستان الموصى بثمره فإن تراضيا عليه أو تبرع به أحدهما فظاهر وليس للآخر منعه وإن تنازعا لم يجبر واحد منهما بخلاف النفقة لحرمة الروح
( و ) للوارث ( بيعه ) أي الموصى بمنفعته للموصى له قطعا ولغيره على الراجح ( إن لم يؤبد ) الموصى بمنفعته ( كالمستأجر ) والجامع استحقاق المنفعة مدة مؤقتة
ويؤخذ من ذلك أن المدة لا بد أن تكون معينة أما إذا كانت مجهولة كحياة زيد فيتعين القطع بالبطلان كما في المطلب
( وإن أبد ) الموصي المنفعة أو كانت مجهولة ( فالأصح أنه يصح بيعه للموصى له ) لاجتماع الرقبة والمنفعة له ( دون غيره ) إذ لا فائدة لغيره فيه أي فائدة ظاهرة تقصد بالبيع ولا عبرة باحتمال أنه قد يجد كنزا أو نحوه
والثاني يصح مطلقا لكمال الرقبة فيه
والثالث لا يصح مطلقا لاستغراق المنفعة بحق الغير أي في الأولى ولجهل المدة في الثانية
وعلى الأول لو اجتمعا على بيعه فالقياس كما قال الزركشي الصحة ولو أراد صاحب المنفعة بيعها قال الزركشي فقياس ما سبق الصحة من الوارث دون غيره وجزم به الدارمي والظاهر كما قال شيخي الصحة مطلقا لأن علة المنع المتقدمة لا تأتي هنا وسيأتي تصوير بيع المنفعة
ولو قتل الموصى بمنفعته قتلا يوجب القصاص فاقتص الوارث من قاتله انتهت الوصية كما لو مات أو انهدمت الدار وبطلت منفعتها
فإن وجب مال يعفو على القصاص أو بجناية توجبه اشتري به مثل الموصى بمنفعته ولو كانت الجناية من الوارث أو الموصى له
ولو قطع طرفه فالأرش للوارث لأن الموصى به باق منتفع به ومقادير المنفعة لا تنضبط ولأن الأرش بدل بعض العين
وإن جنى عمدا اقتص منه أو خطأ أو شبه عمد أو عفا على مال تعلق برقبته وبيع في الجناية إن لم يفدياه
فإن زاد الثمن على الأرش اشتري بالزائد مثله
وإن فدياه أو أحدهما أو غيرهما عاد كما كان
وإن فدى أحدهما نصيبه فقط بيع في الجناية نصيب الآخر
فإن قيل إذا فديت الرقبة كيف تباع المنافع وحدها أجيب بأن بيعها وحدها معقول فقد قالوا به في بيع حق البناء على السطح ونحوه بأنها تباع وحدها بالإجارة
( و ) الأصح أيضا ( أنه تعتبر قيمة العبد كلها ) رقبته ومنفعته ( من الثلث إن وصى بمنفعته أبدا ) ولو بحياة الموصى له لتفويت اليد كما لو باع بثمن مؤجل ولأن المنفعة المؤبدة لا يمكن تقويمها ولأن مدة عمره غير معلومة فتعين تقويم الرقبة بمنافعها ويؤخذ من ذلك أن المدة المجهولة كذلك
والثاني وخرجه ابن سريج أنه يعتبر ما نقص من قيمته إذ لا بد أن يبقى له قيمة طمعا في إعتاقه مثاله أوصى بمنفعة عبد قيمته بمنافعه مائة وبدونها عشرة فالمعتبر من الثلث على الأول المائة لا التسعون فيعتبر في نفوذ الوصية أن يكون له مائتان والمعتبر على الثاني تسعون فقط فيشترط أن يبقى للورثة ضعف التسعين
وعلى الأول لو أوصى برقبته دون منفعته لم يحسب العبد من الثلث لجعلنا الرقبة الخالية عن المنفعة كالتالفة
( وإن أوصى بها ) أي منفعة العبد ( مدة ) معلومة ( قوم بمنفعته ثم ) قوم ( مسلوبها تلك المدة ويحسب الناقص من الثلث ) لأن الحيلولة معرضة للزوال فلو قوم بمنفعته بمائة وبدونها تلك المدة بثمانين فالوصية بعشرين
ولو أوصى ببعض المنفعة قال ابن الصلاح ينبغي أن يقوم الموصى به دون العين لأنه لم يوص له بجميع منافعها
ولو أوصى لزيد بمنفعة عبد ولآخر
____________________
(3/66)
برقبته فرد الموصى له بالمنفعة الوصية عادت إلى الوارث كما اختاره السبكي
تنبيه ذكر المصنف العبد مثال فإن منفعة الدار وثمرة البستان كذلك
ولو انهدمت الدار الموصى بمنافعها فأعادها الوارث بآلتها عاد حق الموصى له كما صححه المصنف
ولو غصب الموصى بمنافعه فأجرته عن مدة الغصب للموصى له لا للوارث بخلاف نظيره في المؤجر لأنها هنا بدل حقه بخلافها ثم فإن الإجارة تنفسخ في تلك المدة فتعوذ المنافع إلى مالك الرقبة
( وتصح ) الوصية ( بحج ) وعمرة ( تطوع في الأظهر ) بناء على الأظهر من جواز النيابة فيه لأنها عبادة تدخل النيابة في فرضها فتدخل في نفلها كأداء الزكاة
فإن قيل قد نقض هذا في المجموع بالصوم فإنه لا نيابة في نقله قطعا
أجيب بأن النيابة تصح في فرض الزكاة وفرض الحج في الحياة بشرطه وبعد الممات وهو المراد فصحت النيابة في نفلهما
وأما فرض الصوم فلم تصح النيابة فيه في الحياة بحال فلم تقع المشابهة بينه وبينهما فلا ينقض به ذلك
فإن قيل ذكروا هنا في الصوم عن المريض المأيوس وجهين من غير ترجيح قال الرافعي تشبيها بالحج وقضيته الجواز فلا يصح الجواب المذكور
أجيب بأنهم صرحوا في باب الصوم بأنه لا يصح الصوم عن حي بلا خلاف معذورا كان أو غيره ولا يلزم من التشبيه الاتحاد في الترجيح
قال الزركشي ويجيء الخلاف في حج الوارث أو الأجنبي عمن مات ولم يجب عليه الحج لفقد الاستطاعة ومنهم من قطع بالصحة لأنه يقع عن الواجب فيها ولهذا لو تكلف في الحياة وقع عن فرضه اه
والقطع أظهر والثاني المنع لأن الضرورة في الفرض منتفية في التطوع
وعلى الأول تحسب من الثلث فتبطل إن عجز الثلث أو ما يخص الحج منه عن أجرة الحج ويرجع للوارث كما قاله القاضي حسين في باب الحج وفرق بينه وبين ما لو أوصى بالعتق ولم يف ثلثه بجميع ثمن الرقبة حيث يعتق بقدره على وجه بأن عتق البعض قربة كالكل والحج لا يتبعض
ثم شرع فيما يفعل عن الميت فقال ( ويحج ) بضم أوله ( من بلده أو الميقات كما قيد ) عملا بوصيته هذا إن وسعه الثلث وإلا فمن حيث أمكن نص عليه في عيون المسائل
( وإن ) لم يقيد بل ( أطلق ) الحج ( فمن الميقات ) يحج عنه ( في الأصح ) حملا على أقل الدرجات
والثاني من بلده لأن الغالب التجهيز للحج منه
وأجاب الأول بأن هذا ليس بغالب
تنبيه هذا إذا قال حجوا عني من ثلثي فإن قال حجوا عني بثلثي فعل ما يمكن به ذلك من حجتين فأكثر فإن فضل ما لا يمكن أن يحج به كان للوارث كما مر
( وحجة الإسلام ) وإن لم يوص بها تحسب على المشهور ( من رأس المال ) كسائر الديون وأولى وكذا كل واجب بأصل الشرع كالعمرة والزكاة والكفارة سواء أوصى به في الصحة أم في المرض
وحجة النذر كحجة الإسلام على الأصح كذا قالاه قال ابن الرفعة ومحله إذا التزمه في الصحة فإن التزمه في المرض فمن الثلث قطعا قاله الفوراني ونقله البلقيني عن الإمام وقال ينبغي الفتوى به
( فإن أوصى بها من رأس المال أو ) من ( الثلث عمل به ) وهو في الأولى تأكيد لأنه المعتبر بدونها وفي الثانية قصد الرفق بالورثة لتوفير الثلثين فتزاحم الوصايا بخلاف ما لو أوصى بعتق أم الولد من الثلث فإنها تعتق من رأس المال لأن الاستيلاد إتلاف فلم تؤثر فيه الوصية فإن لم يف الثلث بما ذكر لم يقدم الحج بل يوزع عليها وعلى الحج بالحصة ويكمل الواجب من رأس المال كما لو قال اقضوا ديني من ثلثي فلم يف الثلث به وحينئذ تدور المسألة لتوقف معرفة ما تتم به على معرفة ثلث الباقي
وطريق استخراجه فيما لو أوصى بحجة الإسلام من الثلث والأجرة لها مائة وأوصى لزيد بمائة والتركة ثلاثمائة أن يفرض ما يتم به الحج شيئا يبقى ثلاثمائة إلا شيئا انزع منها ثلثها وهو مائة إلا ثلث شيء اقسمه بين الحج وزيد نصفين فنصيب الحج خمسون إلا سدس شيء فيضم إلى ذلك الشيء مبلغ خمسين وخمسة أسداس تعدل مائة وذلك تمام الأجرة فأسقط خمسين بخمسين يبقى خمسة أسداس شيء في مقابلة خمسين وإذا كان خمسة أسداس الشيء خمسين كان الشيء ستين فانزع الستين من رأس المال ثم خذ ثلث الباقي وهو ثمانون اقسمه بين الوصيين يحصل لصاحب الوصية أربعون وللحج
____________________
(3/67)
أربعون فهي مع الستين اللاتي نزعتها من رأس المال تمام أجرة الحج
( وإن أطلق الوصية بها ) أي بحجة الإسلام بأن لم يقيدها برأس مال ولا ثلث ( فمن رأس المال ) كما لو لم يوص وتحمل الوصية على التأكيد والتذكار بها
( وقيل من الثلث ) لأنه مصرف الوصايا فيحمل ذكر الوصية عليه
وقوله ( ويحج ) عنه ( من الميقات ) لبلده مفرع على القولين لكن على الأول جزما وعلى الثاني على الأصح لأنه لو كان حيا لم يلزمه سواه
ولا يخرج من ماله إلا ما كان مستحقا عليه فإن أوصى أن يحج عنه من دويرة أهله امتثل نعم إن أوصى بذلك من الثلث وعجز عنه فمن حيث أمكن ولو قال أحجوا عني زيدا بخمسين دينارا مثلا لم يجز أن ينقص منها شيء مع خروجها من الثلث وإن وجد من يحج بدونها فإن لم تخرج من الثلث فمقدار أجرة حجه من الميقات من رأس المال والزائد معتبر من الثلث كسائر التبرعات قال ابن شهبة وينبغي أن يتفطن لذلك فإنه يقع كثيرا
وإن لم يعين أحدا فوجد من يحج بأقل من ذلك صرف إليه ذلك القدر إذا خرج من الثلث وكان الباقي للورثة كما أفتى به ابن عبد السلام وقيل يجب صرف الجميع ورجحه الأذرعي
ولو قال أحجوا عني زيدا بكذا ولم يعين سنة فامتنع زيد من حج عام الوصية هل يؤخر الحج لأجله أو يستأجر غيره في عام الوصية والحج حجة الإسلام لا نقل في ذلك قال الأذرعي ويظهر أنه إن كان قد تمكن من الحج في حياته وأخر تهاونا حتى مات لا تؤخر عن عامها لأنه مات عاصيا بالتأخير على الأصح فيجب أن يكون الإحجاج عنه على الفور قطعا وإن لم يكن استقر عليه في حياته ولا تمكن أخره المعين إلى اليأس من حجه عنه لأنها كالتطوع قال وفيه احتمال لما في التأخير من التغرير اه
وهذا أظهر
ولو امتنع المعين من الحج عنه أحج غيره بأجرة المثل أو أقل إن كان الموصى به حجة الإسلام وإن كان تطوعا فهل تبطل الوصية فيه وجهان أصحهما لا تبطل
( وللأجنبي أن يحج ) حجة الإسلام وكذا عمرته وحجة النذر وعمرته ( عن الميت ) من مال نفسه وإن لم تجب عليه حجة الإسلام وعمرته قبل موته لعدم استطاعته ( بغير إذنه في الأصح ) كقضاء الدين
والثاني لا بد من إذنه للافتقار إلى النية وصححه المصنف في نظيره من الصوم في كتاب الصيام
وفرق الأول بأن للصوم بدلا وهو الإمداد
تنبيه قوله بغير إذنه ظاهره إذن الميت قبل وفاته وهو ظاهر إذا كان إذنه في حال جواز الاستنابة
وقال ابن الملقن بعد قول المصنف بغير إذنه أو بغير إذن الوارث كذا صوراها في الروضة وأصلها
وهو صحيح أيضا فإنه إذا أذن الوارث صح قطعا
قال الأذرعي وحينئذ فينبغي أن يقال بغير إذن ليشمل إذنه وإذن الوارث والحاكم حيث لا وارث أو كان الوارث الخاص طفلا ونحوه اه
وإذا عين الميت شخصا تعين وارثا كان أو غيره
وقوله للأجنبي قد يفهم أن للقريب أن يحج عنه جزما وإن لم يكن وارثا ويؤيده ما سبق في الصوم عنه لكن قيده في الشرح والروضة بالوارث وهو المعتمد وفي معنى الوارث الوصي كما قاله الدارمي والسيد
فلو كان على العبد حجة نذر ومات ولم يوص بها فوجهان فإن جوزنا فحج السيد عنه أو غيره بإذن السيد صح أو بغير إذنه فوجهان حكاهما الروياني عن والده وقال إنهما مبنيان على الوجهين هنا
أما حج التطوع فقال العراقيون إن لم يوص به لم يصح عنه ونقل المصنف في المجموع في كتاب الحج الاتفاق عليه مع حكايته هنا تبعا للرافعي عن السرخسي أن للوارث الاستنابة وأن الأجنبي لا يستقل به على الأصح
وما ذكر في كتاب الحج هو المعتمد وجرى عليه ابن المقري في روضه هنا وعبارته مع الشرح ولو حج عنه الوارث أو الأجنبي تطوعا بلا وصية لم يصح لعدم وجوبه على الميت وفي كلام الشارح ما يوهم اعتماد الثاني
ويجوز أن يكون أجير المتطوع عبدا أو صبيا بخلاف حجة الإسلام وفي النذر خلاف مبني على ما إذا يسلك به وقد مر الكلام على ذلك في كتاب الحج
ويجوز للأجنبي أن يؤدي عن الميت زكاة الفطر وزكاة المال على الأصح المنصوص كما قالاه في الروضة وأصلها
وهل يثاب الميت عليه قال القاضي أبو الطيب إن كان قد امتنع بلا عذر له في التأخير لم يثب وإلا أثيب
( ويؤدي الوارث عنه ) أي الميت من التركة ( الواجب المالي ) كعتق وإطعام وكسوة ( في
____________________
(3/68)
كفارة مرتبة ) وهي كفارة وقاع رمضان والظهار والقتل ويكون الولاء للميت في العتق
وخرج بالمال البدني كالصوم وقد مر الكلام عليه في بابه ( ويطعم ويكسو ) الوارث أيضا من التركة ( في ) الكفارة ( المخيرة ) وهي كفارة اليمين ونذر اللجاج وتحريم عين الأمة أو الزوجة والواو في ويكسو بمعنى أو
( والأصح أنه ) أي الوارث ( يعتق أيضا ) في المخيرة كالمرتبة لأنه نائبه شرعا فإعتاقه كإعتاقه
والثاني قال لا ضرورة هنا إلى العتق
تنبيه أطلق المصنف التخيير هنا بين الثلاث والواجب عليه كما قال الرافعي في كتاب الأيمان أقلها قيمة
( و ) الأصح ( أن له ) أي الوارث ( الأداء من ماله إذا لم تكن تركة ) سواء العتق وغيره كقضاء الدين
والثاني لا لبعد العبادة عن النيابة
والثالث يمنع الإعتاق فقط لتعذر إثبات الولاء للميت
تنبيه قوله إذا لم تكن تركة قد يفهم منه منعه عند وجود التركة وفي كلام الرافعي ما يوافقه بحثا فإنه قال يشبه أنه قال كالأجنبي ونازعه السبكي فيه وقال الذي يظهر جواز الأداء من ماله مع وجود تركته قال ثم رأيت في البيان ما يوافقه
وقال البلقيني ما اقتضاه مفهوم كلام الكتاب وغيره من المنع عند وجود تركة بعيد من النظر لأن للوارث إمساك التركة وقضاء حق الآدمي المبني على المضايقة من غيرها فحق الله تعالى أولى اه
وهو ظاهر
ولعل تقييد المصنف لإثبات الخلاف لا للمنع
( و ) الأصح ( أنه ) أي كلا من الإطعام والكسوة ( يقع عنه ) أي الميت ( ولو تبرع أجنبي ) هو غير الوارث عنه ( بطعام أو كسوة ) كقضاء دينه
والثاني لا لبعد العبادة عن النيابة
( لا إعتاق ) تبرع به أجنبي عن الميت فلا يقع عنه ( في الأصح ) لاجتماع بعد العبادة على النيابة وبعد الولاء للميت
والثاني يقع عنه كغيره
وهذا التصحيح في المخيرة والمرتبة أخذا من الإطلاق ولا ينافي ذلك كما قال الشارح ما في الروضة كأصلها في كتاب الأيمان من تصحيح الوقوع في المرتبة بناء على تعليل المنع في المخيرة بسهولة التكفير بغير إعتاق لأنه مبني على مرجوح فالمعتمد ما هنا وإن خالف في ذلك الإسنوي وغيره
ولو مات وعليه دين ولا تركة فأداه الوارث من ماله وجب على المستحق القبول بخلاف ما إذا تبرع به أجنبي لأن الوارث قائم مقام مورثه
ثم شرع فيما ينفع الميت فقال ( وتنفع الميت صدقة ) عنه ووقف وبناء مسجد وحفر بئر ونحو ذلك ( ودعاء ) له ( من وارث وأجنبي ) كما ينفعه ما فعله من ذلك في حياته وللإجماع والأخبار الصحيحة في بعضها كخبر إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له وخبر سعد بن عبادة قال يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها قال نعم قال أي الصدقة أفضل قال سقي الماء رواهما مسلم وغيره
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يرفع الدرجة للعبد في الجنة فيقول يا رب أنى لي هذا فيقال بإسقاء ولدك لك
وقال تعالى { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } أثنى عليهم بالدعاء للسابقين
وأما قوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } فعام مخصوص بذلك
وقيل منسوخ به
وكما ينتفع الميت بذلك ينتفع به المتصدق ولا ينقص من أجر المتصدق شيء ولهذا يستحب له أن ينوي بصدقته عن أبويه
تنبيه كلام المصنف قد يفهم أنه لا ينفعه ثواب غير ذلك كالصلاة عنه قضاء أو غيرها وقراءة القرآن وهو المشهور عندنا ونقله المصنف في شرح مسلم والفتاوى عن الشافعي رضي الله عنه والأكثرين
واستثنى صاحب التلخيص من الصلاة ركعتي الطواف وقال يأتي بهما الأجير عن المحجوج عنه تبعا للطواف وصححاه
وقال ابن عبد السلام في بعض فتاويه لا يجوز أن يجعل ثواب القراءة للميت لأنه تصرف في الثواب من غير إذن الشارع
وحكى القرطبي في التذكرة أنه رؤي في المنام بعد وفاته فسئل عن ذلك فقال كنت أقول ذلك في الدنيا والآن بان لي أن ثواب القراءة يصل إلى
____________________
(3/69)
الميت
وحكى المصنف في شرح مسلم والأذكار وجها أن ثواب القراءة يصل إلى الميت كمذهب الأئمة الثلاثة واختاره جماعة من الأصحاب منهم ابن الصلاح والمحب الطبري وابن أبي الدم وصاحب الذخائر وابن أبي عصرون وعليه عمل الناس وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن
وقال السبكي والذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه نفعه إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارىء نفع الملدوغ نفعته وأقره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وما يدريك أنها رقية وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى اه
وقد جوز القاضي حسين الاستئجار على قراءة القرآن عند الميت وقال ابن الصلاح وينبغي أن يقول اللهم أوصل ثواب ما قرأنا لفلان فيجعله دعاءه ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد
وينبغي الجزم بنفع هذا لأنه إذا نفع الدعاء وجاز بما ليس للداعي فلأن يجوز بماله أولى وهذا لا يختص بالقراءة بل يجري في سائر الأعمال
وكان الشيخ برهان الدين الفزاري ينكر قولهم اللهم أوصل ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة
لأن ما اختص بشخص لا يتصور التعميم فيه كما لو قال خصصتك بهذه الدراهم لا يصح أن يقول وهي عامة للمسلمين قال الزركشي والظاهر خلاف ما قاله فإن الثواب قد يتفاوت فأعلاه ما خص زيدا وأدناه ما كان عاما والله تعالى يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما يشاء
وقد أشار الروياني في أول الحلية إلى هذا فقال صلاة الله تعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة وعلى النبيين عامة اه
وأما ثواب القراءة إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنع الشيخ تاج الدين الفزاري منه وعلله بأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه ولم يؤذن إلا في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة قال الزركشي ولهذا اختلفوا في جواز الدعاء له بالرحمة وإن كانت بمعنى الصلاة لما في الصلاة من معنى التعظيم بخلاف الرحمة المجردة
وجوزه بعضهم واختاره السبكي واحتج بأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يعتمر عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرا بعد موته من غير وصية
وحكى الغزالي في الإحياء عن علي بن الموفق وكان من طبقة الجنيد أنه حج عن النبي صلى الله عليه وسلم حججا وعدها الفقاعي ستين حجة
وعن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري أنه ختم عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف ختمة وضحى عنه مثل ذلك اه
ولكن هؤلاء أئمة مجتهدون فإن مذهب الشافعي أن التضحية عن الغير بغير إذنه لا تجوز كما صرح به المصنف في باب الأضحية وعبارته هناك ولا تضحية عن الغير بغير إذنه ولا عن الميت إذا لم يوص بها
واعلم أنه قد تقدم أن المصنف أسقط القسم الثالث من أقسام الوصية وهو ما يتعلق بالحساب ولا بأس بذكر طرق منه فنقول لو أوصى لزيد بمثل نصيب ابنه الحائز وأجاز الوصية أعطي النصف لاقتضائها أن يكون لكل منهما نصيب وأن يكون النصيبان مثلين وإن ردت الوصية ردت إلى الثلث
وإن أوصى له بنصيب كنصيب أحد أبنائه وله ابنان فهو كابن آخر معهم فلو كانوا ثلاثة كانت الوصية بالربع وهكذا
وضابطه أن تصحح الفريضة بدون الوصية
وتزيد فيها مثل نصيب الموصي بمثل نصيبه فإن كان له بنت وأوصى بمثل نصيبها فالوصية بالثلث فإن الفريضة من اثنين لو لم تكن وصية فيزاد عليهما سهم للموصى له
أو كان له بنتان فأوصى بمثل نصيب إحداهما فالوصية بالربع لأن الفريضة كانت من ثلاثة لولا الوصية لكل واحدة منهما سهم فتزيد للموصى له سهما تبلغ أربعة
وإن أوصى بمثل نصيب بنت وله ثلاث بنات فالوصية بسهمين من أحد عشر لأنها من تسعة لولا الوصية فتزيدهما على التسعة تبلغ أحد عشر
ولو أوصى بمثل نصيب ابنه ولا ابن له وارث بطلت وصيته إذ لا نصيب للابن بخلاف ما لو أوصى بمثل نصيب ابن ولا ابن له تصح الوصية كما في الكافي وكأنه قال بمثل نصيب ابن لي لو كان
ولو أوصى وله ثلاثة بنين بمثل نصيب بنت لو كانت فالوصية بالثمن لأنها من سبعة لولا الوصية ونصيب البنت منها سهم فتزيد على السبعة واحدا تبلغ ثمانية
وإن أوصى لزيد بمثل نصيب أحد أولاده أو ورثته أعطي كأقلهم نصيبا لأنه المتيقن فزد على مسألتهم لولا الوصية مثل سهم أقلهم فلو كان له ابن وبنت فالوصية بالربع فيقسم المال كما يقسم بين ابن وبنتين
ولو أوصى بنصيب من ماله أو بجزء أو حظ أو قسط أو بشيء قليل أو كثير أو عظيم أو سهم أو نحو ذلك رجع إلى الوارث في تفسيره ويقبل تفسيره بأقل متمول كما في الإقرار فإن ادعى الموصى له زيادة حلف الوارث أنه لا يعلم إرادتها
ولو أوصى بالثلث إلا شيئا قبل تفسيره بأقل متمول وحمل الشيء المستثنى على الأكثر ليقع التفسير بالأقل
وإن قال
____________________
(3/70)
أعطوه من واحد إلى عشرة أو واحدا في عشرة فكما في الإقرار أو أعطوه أكثر مالي أو معظمه أو عاملته فالوصية بما فوق النصف لأن اللفظ ظاهر فيه
وإن قال أعطوه زهاء ألف بضم الزاي والمد فيما فوق نصفه فإن قيل معنى زهاء ألف لغة قدره فينبغي أن يلزمه ألف أجيب بأن معناه قدره تقريبا لا تحديدا من زهوته بكذا أي حرزته حكاه الصغاني قلبت الواو همزة لتطرفها إثر ألف زائدة كما في كساء
أو أعطوه دراهم أو دنانير حمل على ثلاثة لأنها أقل الجمع من غالب البلد فإن لم يكن غالب نقد فسره الوارث
وفي هذا الدر كفاية لأولي الألباب فإن الحساب فن طويل ولذا جعلوه علما برأسه وأفردوه بالتصنيف فالحوالة على مصنفاته
فصل في الرجوع عن الوصية ( له ) أي الموصي ( الرجوع عن الوصية ) أي عن التبرع المتعلق بالموت بالإجماع كما حكاه الأستاذ أبو منصور ولأنه عطية لم يزل عنها ملك معطيها فأشبعت الهبة قبل القبض
( وعن بعضها ) كمن أوصى بشيء ثم رجع عن بعضه لما روى البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه
يغير الرجل من وصيته ما شاء أما المنجز في المرض فلا يجوز الرجوع عنه وإن كان يعتبر من الثلث إلا فيما لفرعه كالهبة
ويحصل الرجوع بالقول بأمور منها ما أشار إليه المصنف ( بقوله ) أي الموصي ( نقصت الوصية أو أبطلتها ) أو رفعتها أو رددتها ( أو رجعت فيها أو فسختها ) أو أزلتها ونحو ذلك من الصرائح وكذا لو قال هو حرام على الموصى له على المذهب
( أو هذا لوارثي ) بعد موتي مشيرا إلى الموصى به أو هو ميراث عني لأنه لا يكون لوارثه إلا إذا انقطع تعلق الموصى له عنه
فإن قيل يجوز أن يقال ببطلان نصف الوصية حملا على التشريك بين الوارث والموصى له كما سيأتي فيما لو أوصى بشيء لزيد ثم أوصى به لعمرو أن الوصية الثانية تشريك
أجيب بأنها إنما كانت تشريكا ثم لمشاركتها الأولى في التبرع بخلاف ما هنا المعتضد بقوة الإرث الثابت قهرا وبان قوله هذا لوارثي مفهوم صفة أي لا لغيره وأما قوله هو لعمرو بعد قوله هو لزيد فمفهوم لقب والصحيح أنه ليس بحجة فلذلك قيل فيه بالتشريك دون تلك
ولو قال هو تركتي لم يكن رجوعا لأن الوصية من التركة
ولو سئل عن الوصية فأنكرها قال الرافعي فهو على ما مر في جحد الوكالة أي فيفرق فيه بين أن يكون لغرض فلا يكون رجوعا أو لا لغرض فيكون رجوعا وهذا هو المعتمد ووقع في أصل الروضة هنا أنه رجوع وفي التدبير أنه ليس برجوع ويمكن حمل ذلك على ما مر
( و ) يحصل الرجوع أيضا عن الوصية لا بصيغة رجوع بل يتصرف الموصي فيها ( ببيع ) وإن حصل بعده فسخ ولو بخيارالمجلس ( و ) نحو ( إعتاق إصداق ) من التصرفات الناجزة اللازمة في الحياة بالإجماع كما نقله ابن المنذر لأنه يدل على الإعراض عن الوصية وتنفذ هذه التصرفات ولا تعود الوصية لو عاد الملك
قال الزركشي ولا يجيء فيه الخلاف في نظيره من الفلس والهبة للولد لأن للبائع والوالد حقا ليس للمشتري والوالد إبطاله وأما الموصي فله إبطال الوصية
( وكذا هبة أو رهن مع قبض ) في كل منهما رجوع جزما لزوال الملك في الأولى وتعريضه للبيع في الثانية ولكن في الرهن وجه أنه ليس برجوع لأنه لا يزيل الملك
( وكذا دونه ) أي يكون ذلك رجوعا من غير قبض فيهما ( في الأصح ) لأنه عرضة لزوال الملك وذلك يدل على الإعراض عن الوصية
والثاني لا لبقاء ملكه
تنبيه ما ذكر في الهبة محله في الصحيحة وأما الفاسدة فحكى الماوردي فيها ثلاثة أوجه ثالثها إن اتصل بها القبض كانت رجوعا وإلا فلا
قال في الكفاية وكلامه يفهم طردهما في الرهن الفاسد
والأوجه كما قال شيخنا أنه رجوع فيهما مطلقا كالعرض على ما يأتي بل أولى
( و ) يحصل الرجوع أيضا ( بوصية بهذه التصرفات ) فيما أوصى به كبيع وهبة وما عطف عليهما لإشعاره بالرجوع
( وكذا توكيله في بيعه ) أي الموصى به ( وعرضه عليه ) أو على الرهن أو الهبة يكون رجوعا ( في الأصح ) لأنه توسل إلى أمر يحصل به الرجوع
والثاني يكون رجوعا في النصف فقط كما
____________________
(3/71)
صرح به في الروضة بالنسبة للوصية والتوكيل لا مطلقا كما يوهمه
إطلاق المتن في الجميع والروضة في العرض
ولو أجر الموصى به أو أعاره أو استخدمه أو ركب المركوب أو لبس الثوب أو أذن للرقيق في التجارة أو كانت جارية فزوجها أو وطئها وإن أنزل أو علمها صنعة أو عبدا فزوجه أو علمه صنعة أو سئل عن الوصية فقال لا أدري لم يمكن رجوعا لأن هذا لا ينافي الوصية بل هي إما انتفاع وله المنفعة والرقبة قبل موته وإما استصلاح قصد به إفادة الموصى له
تنبيه هذا كله في وصية بمعين فإن أوصى بثلث ماله ثم هلك أو تصرف في جميعه ببيع أو غيره لم يمكن رجوعا لأن الثلث مطلق لا يختص بما ملكه وقت الوصية بل العبرة بما ملكه عند الموت زاد أو نقص أو تبدل كما جزم به في الروضة وأصلها وغيرهما
( وخلط حنطة معينة ) وصى بها بحنطة أخرى ( رجوع ) سواء أخلطها بمثلها أم بغيره لتعذر التسليم بما أحدثه في العين
تنبيه المراد بالخلط ما لا يمكن تمييزه فإن أمكن فلا رجوع كما صرح به في الكفاية وتعليلهم
مصرح به وكان الأولى أن يقول كالروضة وخلطه أي الموصي لأنها لو اختطلت بنفسها أو خلطها غيره بغير إذنه لم يؤثر ولو كان الموصى به صاعا مثلا من الحنطة بغير تعيين فحكمه مذكور في قوله ( ولو وصى بصاع من صبرة ) معينة ( فخلطها ) الموصي ( بأجود منها فرجوع ) لأنه أحدث بالخلط زيادة لم يرض بتسليمها ولا يمكن بدونها
واحترز ب خلطها عما لو اختلطت بنفسها أو خلطها لأنه كالتعييب
والثاني رجوع لأنه غيره فأشبه الخلط بالأجود
فإن أوصى بصاع من حنطة ولم يصفها ولم يعين الصاع فلا أثر للخلط ويعطيه الوارث ما شاء من حنطة التركة
فإن قال من مالي حصله الوارث فإن وصفها وقال من حنطتي الفلانية فالوصف مرعي فإن بطل بخلطه بطلت الوصية
( وطحن حنطة وصى بها وبذرها ) بمعجمة بخطه أي حنطة وصى بها وكذا يقدر في بقية المعطوفات
( وعجن دقيق ) وخبز عجين وذبح شاة وإحضان بيض لنحو دجاج لينفرخ ودبغ جلد وطبخ لحم ( وغزل قطن ونسج غزل وقطع ثوب قميصا ) وصبغه أو قصارته وجعل الخشب بابا ( وبناء وغراس في عرصة رجوع ) عن الوصية لمعنيين أحدهما زوال الاسم قبل استحقاق الموصى له فكان كالتلف
والثاني الإشعار بالإعراض عن الوصية
ويعزى الأول منهما إلى النص والثاني إلى أبي إسحاق وعليهما ينبني ما لو حصل ذلك بغير إذنه فقياس الأول أنه رجوع وقياس الثاني المنع
هذا والأوجه كما قال شيخنا أن كلا منهما تعليل مستقل فإن الأصحاب يعللون بكل منهما فلو طبخ الوصي اللحم أو شواه أو جعله وهو لا يفسد قديدا أو جعل الخبز فتيتا أو حشا القطن فراشا أو جبة كان رجوعا لإشعار ذلك بالصرف عن الوصية ولأن القديد لا يسمى لحما على الإطلاق وإنما يسمى لحم قديد بخلاف ما لو جفف رطبا أو قدد لحما قد يفسد فإنه ليس برجوع لأن ذلك صون للرطب واللحم عن الفساد فلا يشعر بتغير القصد
فإن قيل خبز العجين للصون عن الفساد أيضا مع أنه رجوع أجيب بأن فيه مع صونه تهيئته للأكل بخلاف ما هنا
وقيل إن ذلك رجوع لزوال الاسم
وبخلاف ما لو خاط الثوب وهو مقطوع حين الوصية أو غسله أو نقل الموصى به إلى مكان آخر ولو بعيدا عن محل الوصية فلا يكون ذلك رجوعا إذ لا إشعار لكل منها بالرجوع
وخرج ببناء و غراس الزرع في العرصة فلا يكون رجوعا كلبس الثوب
نعم إن كان المزروع مما تبقى أصوله فالأقرب كما قال الأذرعي إلى كلامهم في بيع الأصول والثمار أنه كالغراس لأنه يراد للدوام
ولو عمر بستانا أو أوصى به لم يكن رجوعا إلا إن غير اسمه كأن جعله خانا أو لم يغيره لكن أحدث فيه بابا من عنده فيكون رجوعا
وهدم الدار المبطل لاسمها رجوع في النقض من طوب وخشب وفي العرصة أيضا لظهور ذلك في الصرف عن جهة الوصية
وانهدامها ولو بهدم غير يبطلها في النقض لبطلان الاسم لا في العرصة والأس إن بقي لبقائهما بحالهما هذا إن بطل الاسم وإلا بطل
____________________
(3/72)
في نقض المنهدم منها فقط كما نقله ابن الرفعة عن النص وقطع به الجمهور ولا أثر لانهدامها بعد الموت وقبل القبول وإن زال اسمها بذلك لاستقرار الوصية بموت وبقاء اسم الدار يومئذ
فروع لو أوصى بمنفعة رقيق مثلا سنة ثم أجره سنة ومات عقب الإجارة بطلت وصيته لأن المستحق للموصى له السنة الأولى فإذا انصرفت إلى جهة أخرى بطلت الوصية أو مات بعد ستة أشهر بطلت في النص الأول
ولو حبس الرقيق الوارث السنة بلا عذر غرم للموصى له الأجرة ولا أثر لانقضاء مدة الإجارة قبل موته
ولو أوصى بخدمة عبد لشخص سنة غير معينة صح ذلك ويعين الوارث ذلك
قال الأذرعي ويشبه أن يقال يحمل الإطلاق على سنة متصلة بموته لاسيما إذا كان الموصى له مضطرا إلى من يخدمه لمرض أو زمانة وعلم الموصي حاله وقصد إعانته وأما إحالة الأمر على تعيين الوارث فليس بالواضح قال لكن يشهد له قول القاضي لو أوصى بثمرة هذا البستان سنة ولم يعينها فتعيينها إلى الوارث اه
وقد يدل للبحث المسألة الأولى فإن الوصية حملت فيها على السنة الأولى وقد يفرق بأن الوصية بالمنافع تقتضي تمليكه بجميع منافعه فكان المناسب لذلك الحمل على السنة الأولى وهناك خصه بنوع منها وهو الخدمة فجعلت الخيرة في زمنه للوارث ولو أوصى لزيد بمائة معينة ثم بمائة أخرى معينة استحقهما وإن أطلقهما أو إحداهما فمائة لأنها المتيقنة المنفعة
ولو أوصى له بمائة ثم بخمسين فخمسون فقط لأنه ربما قصد تقليل حقه فيؤخذ باليقين
وإن أوصى له بخمسين ثم بمائة فمائة لأنها المتيقنة فلو وجدنا الوصيتين ولم نعلم المتأخرة منهما أعطي المتيقن وهو خمسون لاحتمال تأخر الوصية بها
ولو أوصى لزيد بمائة ولعمرو بمائة ثم قال لآخر أشركتك معهما أعطي نصف ما بيدهما ولو أوصى بعين لزيد ثم أوصى بها لعمرو لم يكن رجوعا عن وصيته لاحتمال إرادة التشريك فيشرك بينهما كما لو قال دفعة واحدة أوصيت بها لكما
لكن لو رد أحدهما الوصية في الأولى كان الكل للآخذ بخلافه في الثانية فإنه يكون له النصف فقط لأنه الذي أوجبه الموصي صريحا بخلافه في الأولى
ولو أوصى بعين لزيد ثم بنصفها لعمرو وقبلا اقتسماها أثلاثا ثلثاها للأول وثلثها للثاني فإن رد الأول فنصفها للثاني أو الثاني فكلها للأول كذا قالاه
قال في المهمات وهو غلط بل الصواب أن يقال للأول ثلاثة أرباعه وللثاني الربع إذ النصف للأول وقد شركه مع الثاني في النصف الآخر
واعترضه البلقيني بأن الطريقة التي أشار إليها طريقة ضعيفة والصواب المعتمد المنقول في المذهب ما ذكراه عملا بطريقة العول التي نص عليها الشافعي في الأم واختارها ابن الحداد وتقريرها أن يقال معنا مال ونصف مال فنضيف النصف على الكل فتكون الجملة ثلاثة تقسم على النسبة فيكون لصاحب المال ثلثاه ولصاحب النصف الثلث
وإن أوصى بعبد لزيد ثم أوصى بعتقه أو أوصى بعتقه ثم أوصى به لزيد كان رجوعا عن الوصية الأولى في أحد وجهين مقتضى كلام أصل الروضة ترجيحه لأن الثانية ليست من جنس الأولى وبهذا فارق ما لو أوصى بعين لزيد ثم أوصى بها لعمرو
ولو قال أوصيت لزيد بثلث مالي مثلا إلا ثلث مالي كان استثناء مستغرقا وهل يلغو الاستثناء كما في الطلاق والإقرار ونحوهما أو يكون رجوعا عن الوصية كما يؤخذ من قول ابن الرفعة في الاستثناء المستغرق في الإقرار أن قوله له علي عشرة إلا عشرة بمنزلة قوله له علي عشرة ماله علي شيء اه
فكأنه قال في الوصية أوصيت له بكذا ما أوصيت له بشيء وهذا رجوع وظاهر كلام الشيخين كأكثر الأصحاب الأول وصرح المارديني بتصحيح الثاني وبرهن عليه بأشياء كثيرة في كشف الغوامض وشرحه وهذا هو الذي يظهر
فصل في الوصاية كما عبر بها في المحرر والروضة وعدل المصنف عنها إلى التعبير بالإيصاء لأن المبتدىء قد لا يفهم الفرق بين الوصية والوصاية الذي اصطلح عليه الفقهاء من تخصيصهم الوصية بكذا والوصاية بكذا كما قدمته أول الباب فقال ( يسن الإيصاء بقضاء ) الحقوق من ( الدين ) ورد الودائع والعواري وغيرها ( و ) في ( تنفيذ الوصايا ) إن كانت ( و ) في ( النظر في أمر الأطفال ) ونحوهم كالمجانين ومن بلغ سفيها بالإجماع واتباعا للسلف وإن كان القياس منعه لانقطاع سلطنة الموصي وولايته بالموت لكن قام الدليل على جوازه فروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة
____________________
(3/73)
قال أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة منهم عثمان والمقداد وعبد الرحمن بن عوف فكان يحفظ أموالهم وينفق عليهم من ماله ولم يعرف لهم مخالف
وروى البيهقي بإسناد حسن أن ابن مسعود قد أوصى فكتب وصيتي إلى الله تعالى وإلى الزبير وابنه عبد الله بل قال الأذرعي يظهر أنه يجب على الآباء الوصية في أمر الأطفال إذا لم يكن لهم جد أهل للولاية إلى ثقة كاف وجيه إذا وجده وغلب على ظنه أنه إن ترك الوصية استولى على ماله خائن من قاض أو غيره من الظلمة إذ قد يجب عليه حفظ مال ولده عن الضياع
قال ويصح الإيصاء على الحمل كما اقتضاه كلام الروياني وغيره
والمراد كما قال شيخنا الحمل الموجود حالة الإيصاء
ويجب الإيصاء في رد مظالم وقضاء حقوق عجز عنها في الحال ولم يكن بها شهود كما مر مع زيادة أول هذا الكتاب مسارعة لبراءة ذمته فإن لم يوص أحدا بها فأمرها إلى القاضي ينصب من يقوم بها
وقد تقدم الكلام في الجنائز على ما إذا أوصى لشخص أن يصلي عليه أو أن يقرأ على قبره كذا هل يصح أو لا وأركان الوصاية أربعة وصي وموصى وموصى فيه وصيغة
وقد شرع في بيان شرط الأول فقال ( وشرط الوصي ) أي الموصى إليه ( تكليف ) أي بلوغ وعقل لأن غيره مولى عليه فكيف يلي أمر غيره والوصي كما في الصحاح من أسماء الأضداد يطلق على الذي يوصي وعلى من يوصى إليه وهو المراد هنا كما مر
( وحرية ) لأن الرقيق لا يتصرف في مال أبيه فلا يصلح وصيا لغيره وإن أذن له سيده كالمجنون ولأن ذلك يستدعي فراغا وهو مشغول بخدمة سيده وشمل ذلك القن والمبعض والمكاتب والمدبر
قال ابن الرفعة ومن هذه المسألة يفهم منع الإيصاء لمن أجر نفسه في عمل مدة لا يمكنه فيها التصرف بالوصاية وفي مدبره وأم ولده خلاف مبني على أن صفات الوصي متى تعتبر والأصح عند الموت كما سيأتي فتصح إليهما
( وعدالة ) فلا تجوز إلى فاسق بالإجماع لأنها ولاية وائتمان وتكفي العدالة الظاهرة كما قال الهروي في أدب القضاء
( وهداية إلى التصرف في الموصى به ) فلا يصح إلى من لا يهتدي إليه لسفه أو مرض أو هرم أو تغفل إذ لا مصلحة في تولية من هذا حاله
( وإسلام ) فلا يصح الإيصاء من مسلم إلى ذمي إذ لا ولاية لكافر على مسلم ولتهمته قال تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم } الآية
( لكن الأصح جواز وصية ذمي إلى ذمي ) فيما يتعلق بأولاد الكفار بشرط كونه عدلا في دينه كما يجوز أن يكون وليا لهم
والثاني المنع كشهادته
تنبيه تصح وصاية الذمي إلى المسلم اتفاقا كما تصح شهادته عليه وقد ثبتت له الولاية عليه فإن الإمام يلي تزويج الذميات
ويشترط في الوصي الاختيار وعدم الجهالة والعداوة البينة للمولى عليه واستنبط الإسنوي من ذلك كون الوصي الذمي من ملة الموصى عليه حتى لا تصح وصية النصراني إلى اليهودي أو المجوسي وبالعكس للعداوة ورده الأذرعي بأنه لو صح ذلك لما جازت وصية ذمي إلى مسلم وقد يرد كما قال شيخنا كل منهما بأن المعتبر العداوة الدنيوية لا الدينية قال الإسنوي ولو أوصى ذمي إلى مسلم وجعل له أن يوصي فالمتجه جواز إيصائه إلى ذمي واستعبده الأذرعي واعترضه ابن العماد بأن الوصي يلزمه النظر بالمصلحة الراجحة والتفويض إلى المسلم أرجح في نظر الشرع من الذمي اه
وهذا هو الظاهر
قال بعض المتأخرين وظاهر أنه لو كان لمسلم ولد بالغ سفيه ذمي فله أن يوصي عليه ذميا وهذا بحث مردود كما يعلم مما مر وكالذمي فيما ذكر المعاهد والمستأمن
مسألة سئل عنها ابن الصلاح وهي أموال أيتام أهل الذمة إذا كانت بأيديهم هل على الحاكم الكشف عليهم فأجاب بالمنع ما لم يترافعوا إلينا ولم يتعلق بها حق مسلم وبه جزم الماوردي و الروياني
وتعتبر هذه الشروط عند الموت لا عند الإيصاء ولا بينهما لأنه وقت التسلط على القبول حتى لو أوصى إلى من خلا عن الشروط أو بعضها كصبي ورقيق ثم استكملها عند الموت صح
( ولا يضر ) في الوصي ( العمى في الأصح ) لأنه متمكن من التوكيل فيما لا يتمكن من مباشرته
والثاني يضر لأنه ممتنع من المباشرة بنفسه وهما كالوجهين في ولاية النكاح
قال الأذرعي
____________________
(3/74)
والأقرب أنه لا تجوز الوصية لأخرس وإن فهمت إشارته
قال ابن شهبة وفيه نظر
وهذا النظر هو الظاهر
( ولا تشترط الذكورة ) بالإجماع كما حكاه ابن المنذر
وقد أوصى سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه إلى ابنته حفصة رضي الله تعالى عنها رواه أبو داود
( وأم الأطفال أولى من غيرها ) من النساء عند اجتماع الشروط السابقة لوفور شفقتها وخروجا من خلاف الإصطخري فإنه يرى أنها تلي بعد الأب والجد
وكذا أولى من الرجال أيضا لما ذكر إذا كان فيها ما فيهم من الكفاية والاسترباح ونحوهما وإلا فلا
قال الأذرعي وكم من محب مشفق لا يقدر على تحصيل الأرباح والمصالح التامة لمن يلي أمره
وللقاضي أن يفوض أمر الأطفال إذا لم يكن وصي إلى امرأة فتكون قيمة فإن كانت أم الأطفال فذاك أولى قاله الغزالي في البسيط
( وينعزل الوصي ) وقيم القاضي والأب والجد بعد الولاية ( بالفسق ) بتعد في المال أو بسبب آخر لزوال الشرط فلا يحتاج لعزل حاكم
تنبيه أفهم كلامه أن الوصي لا ينعزل باختلال كفايته وهو كذلك لكن يضم القاضي إليه معينا بل أفتى السبكي بأنه يجوز للقاضي أن يضم إلى الوصي غيره بمجرد الريبة من غير ثبوت خلل قال ولم أره منقولا
وكلام الأصحاب يقتضي المنع وفساد الزمان يقتضي الجواز { والله يعلم المفسد من المصلح } اه
والأوجه ما بحثه الأذرعي من أنه إن قويت الريبة بقرائن ظاهرة ضم وإلا فلا
وإن ضعف منصوب القاضي عزله ( وكذا ) ينعزل ( القاضي ) بالفسق ( في الأصح ) لزوال الأهلية
والثاني كالإمام
وهذه المسألة ذكرها المصنف في القضاء وفرضها في عدم نفوذ حكمه لا في انعزاله وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى مستوفى في كتاب القضاء ( لا الإمام الأعظم ) فلا ينعزل بالفسق لتعلق المصالح الكلية بولايته
وحكى القاضي عياض فيه الإجماع
ولحديث صلوا خلف كل بر وفاجر
وقيل ينعزل وصوبه في المطلب واقتضى كلامه تفرد الرافعي بترجيح عدم الانعزال
تنبيه بالتوبة من الفسق تعود ولاية الأب والجد لا ولاية غيرهما لأن ولايتهما شرعية وولاية غيرهما مستفادة من التفويض فإذا ارتفعت لم تعد إلا بولاية جديدة
والجنون والإغماء كالفسق في الانعزال به فلو أفاق غير الأصيل والإمام الأعظم لم تعد ولايته لأنه يلي بالتفويض كالوكيل بخلاف الأصيل تعود ولايته وإن انعزل لأنه بلا تفويض وبخلاف الإمام الأعظم كذلك للمصلحة الكلية
فإن أفاق الإمام وقد ولي آخر بدله نفذت توليته إن لم يخف فتنة وإلا فلا فيولى الأول قال الإمام ولا شك أنه ينعزل بالردة ولا تعود إمامته
ثم شرع في بيان الركن الثاني وهو الموصى فقال ( ويصح الإيصاء في قضاء الدين
وتنفذ الوصية من كل حر مكلف ) مختار
قال ابن الرفعة كذا في أكثر النسخ تنفيذ بتحتانية بين الفاء والذال كما في المحرر والروضة وأصلها وفي خط المصنف تنفذ بلا تحتانية مضموم الفاء والذال بعد دائرة أي وهو معطوف على يصح ويتعلق بهما قوله من إلخ فصار كلامه حينئذ مشتملا على مسألتين إحداهما صحة الوصية بقضاء الدين والأخرى نفوذ الوصية من الحر المكلف
ويلزم على هذا كما قاله ابن شهبة محذورات إحداها التكرار فإن الوصية بقضاء الدين تقدم أول الفصل أنها سنة فلا فائدة للحكم ثانيا بصحتها
ثانيها صيرورة الكلام في الثانية غير مرتبط فإنه لم يذكر في أي شيء تنفذ
ثالثها مخالفة أصله أي من غير فائدة
تنبيه كان ينبغي للمصنف استثناء السكران من التكليف على رأيه فإنه غير مكلف عنده ويصح إيصاؤه
وكلامه تبعا للرافعي يفهم أن السفيه إذا صححنا وصيته بالمال وهو الأصح أن له تعيين شخص لتنفيذها
قال السبكي ولم أر فيه إلا ما اقتضاه هذا الكلام وهو محتمل ومنعه أيضا محتمل فيليه الحاكم أو وليه اه
ويقوي الاحتمال الثاني قول ابن الرفعة ينبغي إضافة الرشد إلى الشرطين المذكورين وقول الأذرعي الظاهر أنه لا يصح أيضا
____________________
(3/75)
الفاسق فيما تركه لولده من المال فإنه مسلوب الولاية على المذهب
( ويشترط ) في الموصى ( في أمر الأطفال ) والمجانين وكذا السفهاء الذين بلغوا كذلك ( مع هذا ) السابق من حرية وتكليف ( أن يكون له ) أي الموصى ( ولاية ) مبتدأة من الشرع ( عليهم ) أي من ذكر لا بتقويض فتثبت الوصاية للأب والجد وإن علا ويخرج الأخ والعم والوصي والقيم وكذا الأب والجد إذا نصبهما الحاكم في مال من طرأ سفهه لأن وليه الحاكم دونهما في الأصح وتخرج الأم أيضا على المذهب
( وليس لوصي ) في وصية مطلقة بأن لم يؤذن فيها للوصي أن يوصي ( إيصاء ) إلى غيره إذ الولي لم يرض بتصرف الثاني وقياسا على الوكيل
( فإن أذن له ) بالبناء للمفعول بخطه ( فيه ) أي الإيصاء عن نفسه أو عن الموصى أو مطلقا ( جاز في الأظهر ) لكنه في الثالثة إنما يوصي عن الموصي كما اقتضاه كلام القاضي أبي الطيب وابن الصباغ وغيرهما فإذا قال له أوص بتركتي فلانا أو من شئت فأوصى بها صح لأن للأب أن يوصي له فله أن يستنيب في الوصايا كما في الوكالة
ولو لم يضف التركة إلى نفسه بأن قال أوص من شئت فأوصى شخصا لم يصح الإيصاء ومقابل الأظهر لا يجوز له أن يوصي ببطلان إذنه بالموت
تنبيه لو قال لوصيه أوصيت إلى من أوصيت إليه إن مت أنت أو إذا مت أنت فوصيك وصي لم يصح لأن الموصى إليه مجهول وإذا عين له الوصي ومات من غير إيصاء كان للحاكم أن ينصب غيره في أحد وجهين رجحه بعض المتأخرين
( ولو قال أوصيت إليك إلى بلوغ ابني ) فلان ( أو ) إلى ( قدوم زيد ) مثلا ( فإذا بلغ ) ابني ( أو قدم ) زيد ( فهو الوصي جاز ) هذا الإيصاء واغتفر فيه التأتيت في قوله إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد والتعليق في قوله فإذا بلغ أو قدم فهو الوصي
ولو أخرج هذه المسألة وذكرها بعد قوله ويجوز فيه التوقيت والتعليق كان أنسب فإنها مثال لهما
قال الأذرعي فلو قدم زيد وهو غير أهل فهل تبقى ولاية الوصي ويكون المراد إن قدم أهلا لذلك أو لا وتكون ولايته مغياة بذلك فتنتقل إلى الحاكم لم أر فيه شيئا ويحتمل أن يفرق بين الجاهل بالوصية إلى غير المتأهل لها وغيره اه
والظاهر كما قال شيخنا أنها مغياة بذلك
وللأب الوصية إلى غير الجد في حياته وهو بصفة الولاية ويكون أولى من الجد إلا في أمر الأطفال ونحوهم كما قال ( ولا يجوز ) للأب على الصحيح ( نصب وصي ) على الأطفال ونحوهم ( والجدحي ) حاضر ( بصفة الولاية ) عليهم لأن ولايته ثابتة شرعا فليس له نقل الولاية عنه كولاية التزويج
أما إذا كان الجد غائبا فقال الزركشي ولو أراد الأب الإيصاء بالتصرف عليهم إلى حضوره فقياس ما قالوه في تعليق الوصية على البلوغ الجواز ويحتمل المنع لأن الغيبة لا تمنع حق الولاية اه
وهذا كما قال شيخي هو الظاهر
قال البلقيني ولو أوصى إلى أجنبي مع وجود الجد بصفة الولاية ثم مات الجد أو فسق أو جن عند الموت صح
قال الزركشي ولو أوصى إلى غير الجد لكونه ليس بصفة الولاية ثم تأهل عند موت ولده فالظاهر انعزال الوصي اه
وما قالاه ظاهر لأن الاعتبار بوجود ذلك عند الموت كما مر
قال القاضي أبو الفرج لو استلحق الخنثى غيره ولم يصرح ببنوة الظهر ولا البطن لحقه
فإذا حدث للولد أولاد فأوصى عليهم أجنبيا مع وجود والده المستلحق صحت وصيته وجها واحدا اه
أي لأنه لم يتحقق أنه أبوه
تنبيه إذا لم يوص الأب أحد فالجد أولى من الحاكم بقضاء الديون وأمر الأولاد ونحوهما إلا في تنفيذ الوصايا فالحاكم أولى كما قاله البغوي وجرى عليه ابن المقري
ثم شرع في الركن الثالث وهو الموصى فيه فقال ( ولا ) يجوز ( الإيصاء بتزويج طفل وبنت ) مع وجود الجد وعدمه وعدم الأولياء واحتج البيهقي له بحديث السلطان ولي من لا ولي له ولأن الوصي لا يتغير بدخول الدني في نسبهم ولأن البالغين لا وصاية في حقهم
والصغير والصغيرة
____________________
(3/76)
لا يزوجهما غير الأب والجد
نعم إن بلغ الصبي واستمر نظر الوصي لسفه اعتبر إذنه في نكاحه كما سيأتي قال الزركشي ولا يبعد صحة الإيصاء به في هذه الحالة
ولا يجوز في معصية كبناء كنيسة التعبد لعدم الإباحة فعلم بذلك أنه يشترط في الموصى فيه أن يكون تصرفا ماليا مباحا
ثم شرع في الركن الرابع وهو الصيغة فقال ( ولفظه ) أي الإيجاب في الإيصاء من ناطق ( أوصيت إليك أو فوضت ) إليك ( ونحوهما ) كأقمتك مقامي في أمر أولادي بعد موتي أو جعلتك وصيا وهل تنعقد الوصاية بلفظ الولاية كوليتك بعد موتي كما تنعقد بأوصيت إليك وجهان في الشرح والروضة بلا ترجيح رجح الأذرعي منهما الانعقاد والظاهر كما قال شيخنا أنه كناية لأنه صريح في بابه ولم يجد نفاذا في موضوعه
أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة وكتابته والناطق إذا اعتقل لسانه وأشار بالوصية برأسه أو بقوله نعم لقراءة كتاب الوصية عليه لأنه عاجز كالأخرس
( ويجوز فيه ) أي الإيصاء ( التوقيت ) كأوصيت إليك سنة أو إلى بلوغ ابني كما مر ( والتعليق ) كإذا مت فقد أوصيت إليك لأن الوصاية تحتمل الجهالات والأخطار فكذا التوقيت والتعليق ولأن الإيصاء كالإمارة
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيدا على سرية وقال إن أصيب زيد فجعفر وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة رواه البخاري
( ويشترط بيان ما يوصي فيه ) كقوله فلان وصي في قضاء ديني وتنفيذ وصيتي والتصرف في مال أطفالي
ومتى خصص وصايته بحفظ ونحوه أو عمم اتبع ولو اقتصر على قوله أوصيت إليك أو أقمتك مقامي في أمر أطفالي ولم يذكر التصرف كان له التصرف في المال وحفظه اعتمادا على العرف
( فإن اقتصر على أوصيت إليك لغا ) هذا الإيصاء كما لو قال وكلتك ولم يبين ما وكل فيه ولأنه لا عرف يحمل عليه ( و ) يشترط في الإيصاء ( القبول ) لأنه عقد تصرف فأشبه الوكالة والقبول على التراخي على الأصح قال الماوردي ما لم يتعين تنفيذ الوصايا وكذا إذا عرضها الحاكم عليه عند ثبوتها عنده كما مر في نظيره من الوكالة
تنبيه قضية كلامه اشتراط القبول لفظا لكن مقتضى ما في الروضة وأصلها أنه يكفي فيه التصرف
وهو المعتمد كما يؤخذ من التشبيه بالوكالة وتبطل بالرد كأن يقول لا أقبل
ويسن لمن علم من نفسه الأمانة القبول فإن لم يعلم من نفسه ذلك فالأولى له أن لا يقبل
ونقل الربيع عن الشافعي أنه قال لا يدخل في الوصية إلا أحمق أو لص فإن علم من نفسه الضعف فالظاهر أنه يحرم القبول لما روى مسلم عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تتأمرن على اثنتين ولا تلين على مال يتيم
( ولا يصح ) قبول الإيصاء ولا رده ( في حياته ) أي الموصي ( في الأصح ) لأنه لم يدخل وقت التصرف كالوصية له بالمال فلو قبل في حياته ثم رد بعد وفاته لغا أو رد في حياته ثم قبل بعد وفاته صح
والثاني يصح القبول والرد كالوكالة
( ولو وصى اثنين ) ولم يجعل لكل منهما الانفراد بالتصرف بل شرط اجتماعهما فيه أو أطلق كأن قال أوصيت إلى زيد وعمرو أو إليكما ( لم ينفرد أحدهما ) بالتصرف عملا بالشرط في الأول واحتياطا في الثاني بل لا بد من اجتماعهما فيه
( إلا إن صرح به ) أي الانفراد كأن يقول أوصيت إلى كل منكما أو كل واحد منكما وصيي أو أنتما وصياي فلكل منهما الانفراد بالتصرف
قال الأذرعي وفي الأخيرة نظر
ورد بأن التثنية في حكم تكرير المفرد فكأنه قال كل منكما وصيي فإذا ضعف أحدهما عن التصرف انفرد الآخر كما لو مات أو جن وللإمام نصب من يعين الآخر
وليس المراد بعدم الانفراد بالتصرف تلفظهما بالعقد معا بل المعتبر أن يصدر عن رأيهما وإن باشره أحدهما أو غيرهما بأمرهما
تنبيه محل وجوب الاجتماع عند عدم التصريح بالانفراد في أمر الأطفال وأموالهم وتفرقة الوصايا غير المعينة وقضاء دين ليس في التركة جنسه وأما رد الأعيان المستحقة كالمغصوب والودائع والأعيان الموصى بها وقضاء دين في
____________________
(3/77)
التركة جنسه فلأحدهما الاستقلال به لأن لصاحب الحق أن يستقل بأخذ ذلك فلا يضر استقلال أحدهما به
وقضيته أنه يباح له ذلك وأن المدفوع يقع موقعه وهو كذلك وإن توقف الشيخان في جواز الإقدام
ويرد على إطلاق المصنف ما لو اختلفا في حفظ المال المنقسم فإنه يقسم بينهما نصفين فإن تنازعا في تعيين النصف المحفوظ أقرع بينهما على الأصح في الروضة
وإذا تعين اجتماعهما على التصرف واستقل أحدهما به لم يصح تصرفه وضمن ما أنفق على الأولاد أو غيرهم وعلى الحاكم نصب آخر إن مات أحدهما أو جن أو فسق أو غاب أو لم يقبل الوصاية ليتصرف مع الموجود وليس له جعل الآخر مستقلا في التصرف لأن الموصي لم يرض برأيه وحده
ولو ماتا مثلا جميعا لزم الحاكم نصب اثنين مكانهما
ولو جعل الموصي على الوصيين مشرفا لم يتصرفا إلا بمراجعته قال الأذرعي ومحله فيما يحتاج إلى نظر لا كشراء الخبز والبقل
قال في الكفاية وليس للمشرف التصرف ذكره في البحر
( و ) عقد الإيصاء جائز من الطرفين وحينئذ ( للموصي والوصي العزل متى شاء ) كالوكالة هذا إن لم تتعين عليه الوصية ولم يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من قاض وغيره وإلا فليس له ذلك ولا ينفذ عزله كما بحثه ابن عبد السلام
قال الإسنوي وعلى هذا لو لم يقبل هل يلزمه القبول فيه نظر يحتمل اللزوم لقدرته على دفع الظالم بذلك ويحتمل خلافه اه
والأوجه كما قال شيخنا الأول إن تعين طريقا في الدفع
قال الأذرعي ولو غلب على ظن الموصي أن عزله لوصيه مضيع لما عليه من الحقوق أو لأموال أولاده باستيلاء ظالم أو لخلو الناحية عن قاض أمين فيظهر أنه لا يجوز له عزله اه
وهو حسن
تنبيه تسمح المصنف في إطلاق العزل بالنسبة للموصي فإن العزل فرع الولاية ولا ولاية قبل موت الموصي فالأولى التعبير بالرجوع كما في الروضة وأصلها
( وإذا بلغ الطفل ) رشيدا وكمل غيره ( ونازعه ) أي الموصي أو نحوه كالأب ( في الإنفاق عليه ) أو على ممونه ( صدق الوصي ) ونحوه بيمينه في اللائق بالحال لأنه أمين وقد تشق عليه إقامة البينة فإن ادعى زيادة على النفقة اللائقة صدق الولد قطعا
( أو ) نازعه ( في دفع ) المال ( إليه بعد البلوغ ) والرشد للطفل والكمال لغيره أو في تاريخ موت الأب ( صدق الولد ) بيمينه على الصحيح المنصوص لمفهوم قوله تعالى { فأشهدوا عليهم } ولأنه لا يعسر إقامة البينة عليه
فإن قيل هذه المسألة تقدمت في الوكالة فهي مكررة
أجيب بأن تلك في القيم المنصوب من جهة القاضي فإن عبارته هناك وقيم اليتيم الخ وهذه في الوصي لا في قيم اليتيم لكن تخصيصه الوصي بالذكر يوهم أن الأب والجد ليسا كذلك وليس مرادا بل هما كالوصي كما تقرر
خاتمة للوصي أن يوكل فيما لم تجر العادة بمباشرته لمثله كالوكيل وقيل يجوز مطلقا وجرى عليه بعض المتأخرين كالأذرعي ولا يخالط الطفل بالمال إلا في المأكول كالدقيق واللحم للطبخ ونحوه مما لا بد منه للإرفاق وعليه حمل قوله تعالى { وإن تخالطوهم } الآية ولا يستقل بقسمة مشترك بينه وبينه لأن القسمة إن كانت بيعا فليس له تولي الطرفين أو إقرارا فليس له أن يقبض من نفسه لنفسه
ولو باع له شيئا حالا لم يلزمه الإشهاد فيه بخلاف المؤجل
ولو فسق الولي قبل انقضاء الخيار لم يبطل البيع في أحد وجهين رجحه الأذرعي
ولو قال أوصيت إلى الله وإلى زيد حمل ذكر اسم الله تعالى على التبرك
وإن خاف الوصي على المال من استيلاء ظالم فله تخليصه بشيء منه { والله يعلم المفسد من المصلح } قال الأذرعي ومن هذا ما لو علم أنه لو لم يبذل شيئا لقاضي سوء لا تنزع منه المال وسلمه لبعض خونته وأدى ذلك إلى استئصاله ويجب أن يتحرى في أقل ما يمكن أن يرضى به الظالم والظاهر تصديقه إذا نازعه المحجور عليه بعد رشده في بذل ذلك وإن لم تدل القرائن عليه
قال ويقرب من هذا قول ابن عبد السلام يجوز تعييب مال اليتيم أو السفيه أو المجنون لحفظه إذا خيف عليه الغصب كما في قصة الخضر عليه السلام
وإذا كان الناظر في أمر الطفل أجنبيا فله أن يأخذ من مال الطفل قدر أجرة عمله فإن كانت لا تكفيه أخذ
____________________
(3/78)
قدر كفايته بشرط الضمان وإن كان أبا أو جدا أو أما بحكم الوصية لها وكان فقيرا فنفقته على الطفل وله أن ينفق على نفسه بالمعروف ولا يحتاج إلى إذن حاكم كما قاله ابن الصلاح
كتاب الوديعة هي فعيلة من ودع إذا ترك ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات والجماعات رواه مسلم وفي النسائي دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم وجمعها ودائع قال الشاعر إذا أنت لا تبرح تؤدي أمانة وتحمل أخرى أثقلتك الودائع وهي لغة الشيء الموضوع عند غير صاحبه للحفظ وشرعا تقال على الإيداع وعلى العين المودعة من ودع الشيء يدع إذا سكن لأنها ساكنة عند المودع وقيل من قولهم فلان في دعة أي راحة لأنها في راحة المودع ومراعاته وحفظه قال الشاعر استودع العلم قرطاسا فضيعه وبئس مستودع العلم القراطيس والأصح أنها عقد فحقيقتها شرعا توكيل في حفظ مملوك أو محترم مختص على وجه مخصوص فدخل في ذلك صحة إيداع الخمر المحترمة وجلد ميتة يطهر بالدباغ وزبل وكلب معلم
وخرج ب مختص ما لا اختصاص فيه كالكلب الذي لا يقتنى وب توكيل العين في يد ملتقط وثوب طيرته ريح ونحوه لأنه مال ضائع مغاير لحكم الوديعة
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } فهي وإن نزلت في رد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة فهي عامة في جميع الأمانات
قال الواحدي أجمعوا على أن الآية نزلت بسبب مفتاح الكعبة ولم ينزل في جوف الكعبة آية سواها وقوله تعالى { فليؤد الذي اؤتمن أمانته } وخبر أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك رواه الحاكم وقال على شرط مسلم
وروى البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو يخطب للناس لا يعجبنكم من الرجل طنطنته ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل
ولأن بالناس حاجة بل ضرورة إليها ولكن ( من عجز عن حفظها حرم عليه قبولها ) لأنه يعرضها للتلف قال ابن الرفعة ومحله إذا لم يعلم المالك بحاله وإلا فلا تحريم
وقال الزركشي في ذلك نظر والوجه تحريمه عليهما
أما على المالك فلإضاعته ماله وأما على المودع فلإعانته على ذلك ممنوع لأن الشخص إذا علم أن غيره يأخذ ماله لينفقه أو يعطيه لغيره لا يحرم عليه ولا على الآخذ إذا علم رضاه بذلك
والإيداع صحيح مع الحرمة وأثر التحريم مقصور على الآثم لكن لو كان المودع وكيلا أو ولي يتيم حيث يجوز له الإيداع فهي مضمونة بمجرد الأخذ قطعا
( ومن قدر ) على حفظها وهو في الحال أمين ( و ) لكن ( لم يثق بأمانته ) بل خاف الخيانة من نفسه في المستقبل ( كره ) له قبولها وهو المعتمد خشية الخيانة فيها
قال ابن الرفعة
ويظهر أن هذا إذا لم يعلم المالك الحال وإلا فلا تحريم ولا كراهة وفيه ما مر
تنبيه جزمه بالكراهة لا يطابق كلام المحرر فإنه قال لا ينبغي أن يقبل ومخالف لما في الروضة وأصلها من حكاية وجهين بالحرمة والكراهة بلا ترجيح
قال الأذرعي وبالتحريم أجاب الماوردي وصاحب المهذب والروياني وغيرهم وهو المختار
قال ولكن محل الوجهين فيما إذا أودع مطلق التصرف مال نفسه وإلا فيحرم قبولها منه جزما
( فإن ) قدر على حفظها و ( وثق ) بأمانة نفسه فيها ( استحب ) له قبولها لأنه من التعاون المأمور به
هذا إذا لم يتعين عليه فإن لم يكن ثم غيره وجب عليه كأداء الشهادة لكن بالأجرة قال الرافعي وهو محمول على أصل القبول كما بينه السرخسي دون إتلاف منفعته ومنفعة حرزه في الحفظ بلا عوض وقضيته أن له أن يأخذ أجرة الحفظ كما يأخذ
____________________
(3/79)
أجرة الحرز
ومنعه الفاروقي وابن أبي عصرون لأنه صار واجبا عليه فأشبه سائر الواجبات والمعتمد الأول كما هو ظاهر كلام الأصحاب
وقد تؤخذ الأجرة على الواجب كما في سقي اللبأ
وأركان الوديعة بمعنى الإيداع أربعة وديعة بمعنى العين المودعة ومودع ووديع وصيغة وقد تقدم الكلام على شرط الركن الأول وهو الوديعة
ثم شرع في شرط الركن الثاني والثالث وهما العاقدان فقال ( وشرطهما شرط موكل ووكيل ) لأنها استنابة في الحفظ فمن صحت وكالته صح إيداعه ومن صح توكيله صح دفع الوديعة إليه فخرج استيداع محرم صيدا أو كافر مصفحا ونحوه
ثم شرع في بيان الركن الرابع وهو الصيغة فقال ( ويشترط صيغة المودع ) الناطق باللفظ وهي إما صريح ( كاستودعتك هذا ) أو أودعتك أو هو وديعة عندك ( أو استحفظتك أو أنبتك في حفظه ) أو احفظه
وإما كناية تنعقد بها مع النية كخذه أو مع القرينة كخذه
أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة
ولو علقها كأن قال إذا جاء رأس الشهر فقد أودعتك هذا لم يصح كالوكالة كما بحثه في أصل الروضة وجرى عليه ابن المقري وقطع الروياني بالصحة
وعلى الأول يصح الحفظ بعد وجود الشرط كما يصح التصرف في الوكالة حينئذ ففائدة البطلان سقوط المسمى إن كان والرجوع إلى أجرة المثل
تنبيه ظاهر كلام المصنف وغيره أنه لو دخل شخص الحمام ولم يستحفظ الحمامي لم يجب عليه الحفظ وهو كذلك فلو ضاعت لم يضمنها وإن نام أو قام من مكانه ولا نائب له فإن استحفظه وقيل منه لزمه حفظها
وعن القاضي حسين أنه يجب عليه حفظها مطلقا للعادة
( والأصح أنه لا يشترط ) في الوديع ( القبول ) للوديعة ( لفظا ويكفي القبض ) لها كما في الوكالة بل أولى عقارا كانت أو منقولا فإذا قبضها تمت الوديعة
وظاهر كلام المصنف أنه لا بد في المنقول من النقل ولكن الذي قاله البغوي أنه لو قال هذا وديعتي عندك أو احفظه فقال قبلت أو ضعه موضعه كان إيداعا كما لو قبضه بيده وصححه الرافعي في الشرح الصغير ونقل الأذرعي عن فتاوى القفال ما يوافقه وهذا هو الظاهر وإن قال المتولي لا حتى يقبضه
والثاني يشترط القبول لفظا
والثالث يفرق بين صيغة الأمر كما في الوكالة وعلى عدم اشتراط القبول يشترط عدم الرد كما قاله البغوي
قال الماوردي وغيره ولا تفتقر الوديعة إلى علم الوديع بما فيها بخلاف اللقطة لما يلزمه من تعريفها
فإن لم يوجب المالك له بل وضع ماله بين يديه سواء أقال له قبل ذلك أريد أن أودعك أم لا أو أوجب له ووضعه بين يديه ورد لم يصح فإن ذهب وتركها لم يضمن وإن أثم به بأن كان ذهابه بعد غيبة المالك وإن قبضها صار ضامنا إلا إن كانت معرضة للضياع فقبضها حسبة صونا لها عن الضياع فلا يضمن
وذهاب الوديع مع ترك الوديعة والمالك حاضر كردها
تنبيه قضية كلام الشيخين أنه لا بد من لفظ ائتمان من المودع الناطق
قال الأذرعي ولم يبعد أن يقال الشرط وجود اللفظ من أحد الجانبين والفعل من الآخر للعلم بحصول المقصود بذلك فلو قال الوديع أودعنيه مثلا فدفعه له ساكتا كفى كالعارية وعليه فالشرط اللفظ من أحدهما وهو حسن ولو قال له خذ هذا يوما وديعة ويوما غير وديعة فوديعة أبدا أو خذه يوما وديعة ويوما عارية فوديعة في اليوم الأول وعارية في اليوم الثاني ولم يعد بعد يوم العارية وديعة ولا عارية بل تصير يده يد ضمان
قال الزركشي فلو عكس الأولى فقال خذه يوما غير وديعة ويوما وديعة فالقياس أنها أمانة لأنه أخذها بإذن المالك وليست عقد وديعة وإن عكس الثانية فالقياس أنها في اليوم الأول عارية وفي الثاني أمانة
( ولو أودعه صبي أو مجنون مالا لم يقبله ) لأن إيداعه كالعدم لعدم أهليته
( فإن قبل ) المال وقبضه ( ضمن ) لعدم الإذن المعتبر كالغاصب ولهذا التعليل لا يقال الوديعة لا ضمان فيه فكذا فاسدها
قال السبكي ولا يحتاج أن يقال هو باطل ويفرق بين الفاسد والباطل ولا يبرأ إلا بالرد إلى وليه
____________________
(3/80)
تنبيه استثنى من تضمنه ما لو خيف هلاكه فأخذه حسبة صونا له فإنه لا يضمنه وما لو أتلف الصبي وديعة نفسه بلا تسليط من الوديع فإنه يبرأ كما صرح به الرافعي في الجراح قبيل الفصل الثاني في المماثلة ولو أودعه عبد بغير إذن سيده لم يبرأ إلا بالرد إلى سيده
( ولو أودع صبيا ) أو مجنونا ( مالا فتلف عنده ) ولو بتفريط ( لم يضمن ) كل منهما ما تلف عنده إذ ليس عليه حفظه فهو كما لو تركه عند بالغ من غير استحفاظ
( وإن أتلفه ضمن ) ما أتلفه ( في الأصح ) لعدم تسليطه عليه
والثاني لا كما لو باعه شيئا وسلمه إليه
وأجاب الأول بأن البائع أذن في الاستهلاك بخلاف الإيداع
تنبيه المرجح في الروضة كأصلها أن الخلاف قولان
( والمحجور عليه بسفه ) في إيداعه والإيداع عنده والأخذ منه وعدم تضمينه بالتلف عنده وتضمينه بإتلافه ( كصبي ) فيما ذكر
تنبيه قضية تقييده بالحجر أن السفيه إذا لم يحجر عليه بخلافه قال الزركشي ويشبه أن يكون على الخلاف في سائر تصرفاته ولو أودع عند رقيق بغير إذن سيده فتلف عنده ما أودعه لم يضمنه كذا أطلقاه وقيده الجرجاني بعدم التفريط
قال ولا يفارق الرقيق الصبي إلا في هذه الحالة فإن الصبي لا يضمن ولو فرط
وأورد على حصره أن الصبي لا يودع عنده أصلا ويودع عند الرقيق بإذن سيده وكلاهما محمول على ما قيد به
وولد الوديعة وديعة كأمه بناء على أنها عقد وقيل إنها أمانة شرعية
فإن قيل لا فائدة لهذا الخلاف
أجيب بأن له فائدة وهي أن العين على الأول إنما يجب ردها بعد الطلب ويجب ردها على الثاني حالا
تنبيه أحكام الوديعة ثلاثة الأول الجواز والثاني الأمانة والثالث الرد
وقد شرع في الحكم الأول
فقال ( وترتفع ) الوديعة أي ينتهي حكمها ( بموت المودع ) بكسر الدال ( أو المودع ) بفتحها وحجر سفه عليه ( وجنونه وإغمائه ) وبعزل الوديع نفسه وبالجحود المضمن وبالإقرار بها لآخر وبنقل المالك الملك فيها ببيع ونحوه ونحو ذلك كالوكالة
ويجب على الوديع الرد إلى الولي في مسألة الجنون وإلى الوارث في مسألة الموت وإلا فيضمن لزوال الائتمان
ولو وكل المالك الوديع في إجارتها فأجرها وانقضت مدة الإجارة عادت وديعة عند عامة الأصحاب ( ولهما الاسترداد والرد ) أي للمودع بكسر الدال الاسترداد وللمودع بفتحها الرد ( كل وقت ) لأن لكل منهما الأمرين كما توهمه عبارة المصنف والمحرر
وللمودع أن يسترد متى شاء وللمودع الرد كذلك فهي أوضح من عبارة المصنف
أما المودع فلأنه المالك وأما المودع فلأنه متبرع بالحفظ
قال ابن النقيب وينبغي أن يقيد جواز الرد للمودع بحالة لا يلزمه فيها القبول وإلا حرم الرد فإن كان بحالة يندب فيها القبول فالرد خلاف الأولى إن لم يرض به المالك
تنبيه أفرد المصنف الضمير أولا لأن العطف ب أو ثم ثناء ثانيا
قال الزركشي ولا وجه لذلك
ثم شرع في الحكم الثاني وهو الأمانة فقال ( وأصلها الأمانة ) أي موضوعها على ذلك يعني أن الأمانة ليست فيها تبعا كالرهن بل هي مقصودة فيها سواء أكانت تجعل أم لا كالوكالة ولأن المودع يحفظها لمالك فيده كيده ولو ضمن لرغب الناس عن قبول الودائع فلو أودعه بشرط أن تكون مضمونة عليه أو أنه إذا تعدى فيها لا ضمان عليه لم يصح فيهما
تنبيه قضية إطلاقهم أنه لا فرق في عدم الضمان بين الصحيحة والفاسدة وهو كذلك كما هو مقتضى القاعدة قال في الكالي ولو أودعه بهيمة وأذن له في ركوبها أو ثوبا وأذن له في لبسه فهو إيداع فاسد لأنه شرط فيه ما ينافي مقتضاه فلو ركب أو لبس صارت عارية فاسدة فإذا تلف قبل الركوب والاستعمال لم يضمن كما في صحيح الإيداع أو بعده ضمن كما في صحيح العارية
( وقد تصير ) الوديعة ( مضمونة ) على الوديع بالتقصير فيها وله أسباب عبر عنها المصنف ( بعوارض منها أن يودع غيره ) ولو ولده أو زوجته أو عبده أو قاضيا ( بلا إذن ) من المودع ( ولا عذر )
____________________
(3/81)
له ( فيضمن ) لأن المودع لم يرض بأمانة غيره ولا يده
نعم استثنى السبكي ما لو طالت غيبة المالك أي وتضجر من الحفظ كما في التتمة فأودعها الوديع القاضي
تنبيه قول المصنف فيضمن أي صار طريقا في الضمان لأن للمالك أن يضمن من شاء من الأول أو الثاني فإن ضمن الثاني وهو جاهل بالحال رجع على الأول بخلاف العالم لأنه غاصب لا مودع أما إذا أودعها لعذر كمرض أو سفر فإنه لا يضمن ولا فرق بين سفر الضرورة وغيره على الصحيح
نعم قال الأذرعي ينبغي أن يكون مباحا
( وقيل إن أودع القاضي ) الأمين ( لم يضمن ) لأن أمانة القاضي أظهر من أمانته ( وإذا لم يزل ) بضم أوله وكسر ثانيه ( يده ) ولا نظره ( عنها جازت الاستعانة بمن يحملها ) معه ولو أجنبيا ( إلى الحرز أو يضعها في خزانة ) بكسر الخاء بخطه موضع يخزن فيه ( مشتركة ) بينه وبين الغير كالعارية لجريان العادة بذلك كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها فإن كانت بمخزنه فخرج لحاجته واستحفظ عليها ثقة يختص به وهو يلاحظها في عوداته لم يضمن وإذا قطع نظره عنها ولم يلاحظها فكذلك كما صرح به الفوراني وقال إنه الذي أشعر به فحوى كلام الأئمة
قال السبكي والمتبع في ذلك العرف فالملوك والأمراء أموالهم في خزائنهم بأيدي خزان لهم والعرف قاض بأنها في أيديهم
وإن كانت في غير مسكنه ولم يلاحظها ضمن لتقصيره أما إذا استحفظ غير ثقة أو من لا يختص به فعليه الضمان
( وإذا أراد ) الوديع ( سفرا ) ولو قصيرا وقد أخذ الوديعة حضرا ( فليرد ) ما ( إلى المالك أو وكيله ) مطلقا أو وكيله في استرداد هذه خاصة ليخرج من العهدة فإن دفع لغيره ضمن في الأجنبي قطعا وفي القاضي على الأصح لأنه لا ولاية للحاكم عليه
تنبيه لا يخفى أن له دفعها إلى ولي المحجور عليه لجنون أو سفه طرأ لأنه قائم مقامه
( فإن فقدهما ) أي المالك ووكيله لغيبة أي لمسافة قصر كما بحثه ابن الرفعة أخذا من كلامهم في عدل الراهن ( فالقاضي ) أي يردها إليه أي إذا كان أمينا كما نقله الأذرعي عن تصريح الأصحاب
ويلزمه القبول في الأصح وإن كان سفره لا لحاجة لأنه نائب الغائبين وكذا الإشهاد على نفسه بقبضها كما قاله الماوردي
قال الشيخ أبو حامد وإنما يحملها إلى الحاكم بعد أن يعرفه الحال ويأذن له فلو حملها ابتداء قبل أن يعرفه ضمن
ولا شك أنه لو أمره القاضي بدفعها إلى أمين كفى كما قاله الزركشي ولا يتعين عليه أن يتسلمها بنفسه
ولو كان المالك محبوسا بالبلد وتعذر الوصول إليه فكالغائب كما قاله القاضي أبو الطيب ويقاس بالحبس التواري ونحوه وبالمالك عند فقده وكيله ولا يلزم القاضي قبول الدين ممن هو عليه ولا المغصوب من غاصبه للغائب فيهما لأن بقاء كل منهما أحفظ لمالكه لأنه يبقى مضمونا له ولأن الدين في الذمة لا يتعرض للتلف وإذا تعين تعرض له ولأن من في يده العين يثقل عليه حفظها
( فإن فقده ) أي القاضي أو كان غير أمين ( فأمين ) يردها إليه يأتمنه المودع وغيره لئلا يتضرر بتأخير السفر
ويجب عليه الإشهاد في أحد وجهين رجحه ابن الملقن فإن الأمين قد ينكر فإن ترك هذا الترتيب ضمن لعدوله عن الواجب عليه
تنبيه قضية كلام المصنف أنه لا رتبة في الأشخاص بعد الأمين وهو كذلك
وأغرب في الكافي فقال فإن لم يجده وسلمها إلى فاسق لا يصير ضامنا في الأصح
( فإن دفنها بموضع ) ولو حرزا ( وسافر ضمنها ) لأنه عرضها للأخذ
هذا إذا لم يعلم بها من ذكره في قوله ( فإن أعلم بها أمينا ) يجوز الإيداع عنده كما في الروضة ( يسكن الموضع ) الذي دفنت فيه وهو حرز مثلها ( لم يضمن في الأصح ) لأن ما في الموضع في يد ساكنة فكأنه أودعه إياها فشرطه فقد القاضي الأمين
وقد علم من ذلك أن المراد الدفع إلى القاضي أو إعلامه به أو الدفع إلى الأمين أو إعلامه به
والثاني يضمن لأن هذا إعلام لا إيداع لعدم التسليم
فإن أعلم أمينا لا يجوز الإيداع عنده ضمن كما في الروضة وهذا
____________________
(3/82)
الإعلام ليس بإشهاد على الأصح بل ائتمان حتى تكفي فيه امرأة
تنبيه قوله
أعلم بها يشعر أنه لا يشترط رؤية الأمين لها وبه صرح الماوردي
وقوله يسكن ليس بقيد فإن مراقبة الحارس لها كالسكنى
وخرج بقولي وهو حرز مثلها ما لم يكن كذلك فإنه يضمنها جزما وإن أعلم بها غيره كما قاله الماوردي
ومن عوارض الضمان السفر كما قال ( ولو سافر بها ) من حضر ( ضمن ) وإن كان الطريق آمنا وتلفت بسبب آخر كتقصيره بالسفر الذي حرزه دون حرز الحضر
أما لو أودعها المالك مسافرا فسافر بها أو منتجعا فانتجع بها فلا ضمان لرضا المالك به
وله إذا قدم من سفره أن يسافر بها ثانيا لرضا المالك به ابتداء إلا إذا دلت قرينة على أن المراد إحرازها بالبلد فيمتنع ذلك كما ذكره القاضي وغيره
ثم استثنى من الضمان بالسفر قوله ( إلا إذا ) أراد سفرا و ( وقع حريق ) أو نهب ( أو غارة وعجز ) عند ذلك ( عمن يدفعها إليه كما ) أي بالترتيب الذي ( سبق ) فلا يضمن لقيام العذر بل يلزم السفر بها في حالة الخوف عليها فإن لم يسافر بها كان مضيعا لها
قال الشيخان ويجوز أن يقال إن كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر فله السفر بها ونقل الأذرعي عن الدارمي ما يؤيده وهو حسن
تنبيه مقتضى كلام المصنف أنه لا بد في نفي الضمان من اجتماع الأمرين العذر المذكور والعجز عمن يدفعها إليه وليس مرادا بل العجز كاف فلو سافر بها عند العجز من غير عذر من حريق ونحوه لم يضمن على الأصح لئلا ينقطع عن مصالحه وتنفر الناس عن قبول الودائع فإن حدث له في الطريق خوف أقام بها فإن هجم عليه قطاع الطريق فطرحها بمضيعة ليحفظها فضاعت ضمن وكذا لو دفنها خوفا منهم عند إقبالهم ثم أضل موضعها كما قاله القاضي وغيره إذ كان من حقه أن يصبر حتى تؤخذ منه فتصير مضمونة على آخذها
( والحريق والغارة في البقعة وإشراف الحرز على الخراب ) ولم يجد حرزا هناك ينقلها إليه ونحو ذلك من سائر الأعذار ( أعذار كالسفر ) في جواز الإبداع عند غيره من غير ضمان عليه
تنبيه الغارة لغة قليلة والأفصح الإغارة
ومن عوارض الضمان ترك الإيصاء كما يعلم من قوله ( وإذا مرض مرضا مخوفا فليردها إلى المالك أو وكيله ) المطلق أو في قبضها
قال الأذرعي والظاهر أن كل حالة تعتبر فيها الوصية من الثلث كما سبق كالمرض المخوف فيما ههنا اه
وفي الشرح والروضة وفي معنى المرض هنا الحبس ليقتل
وقد مر في الوصية أن الحبس للقتل ليس بمخوف وتقدم الفرق هناك بين البابين فليراجع
( وإلا ) بأن يمكنه ردها إلى أحدهما ( فالحاكم ) الأمين يردها إليه إن وجده أو يوصي بها إليه ( أو ) يردها إن لم يجد الحاكم إلى ( أمين أو يوصي بها ) إليه كما لو أراد سفرا
تنبيه قضية كلامه لولا ما قدرته التخيير بين الأمور الثلاثة وليس مرادا وحاصل ذلك أنه مخير عند القدرة على الحاكم بين الدفع إليه والوصية له وعند العجز بين الدفع لأمين والوصية له ولعله إنما أطلق استغناء بما قدمه في أنه لا يودعها عند أمين إلا عند فقد القاضي
والمراد بالوصية الإعلام بها ووصفها بما يميزها أو يشير لعينها من غير أن يخرجها من يده ويأمر بالرد إن مات ولا بد مع ذلك من الإشهاد كما في الرافعي عن الغزالي وأسقطه من الروضة وجزم به في الكفاية فإن اقتصر على عندي وديعة فكما لو لم يوص فإن ذكر الجنس فقال عندي ثوب لفلان ضمن إن وجد في تركته أثواب لتقصيره في البيان وإن وجد ثوب واحد ضمن أيضا في الأصح ولا يدفع إليه الثوب الموجود وقيل يتعين الثوب الموجود
( فإن لم يفعل ) شيئا مما ذكر في محله ( ضمن ) لتقصيره فإنه عرضها للفوات لأن الوارث يعتمد يده ويدعيها لنفسه
وكذا لو أوصى إلى فاسق أو أودعه
تنبيه محل الضمان بغير إيصاء وإيداع إذا تلفت الوديعة بعد الموت لا قبله على ما صرح به الإمام ومال إليه
____________________
(3/83)
السبكي لأن الموت كالسفر فلا يتحقق الضمان إلا به وهذا هو المعتمد
وقال الإسنوي إنه بمجرد المرض يصير ضامنا لها حتى لو تلفت بآفة في مرضه أو بعد صحته ضمنها كسائر أسباب التقصيرات
ومحله أيضا في غير القاضي أما القاضي إذا مات ولم يوجد مال اليتيم في تركته فلا يضمنه وإن لم يوص به لأنه أمين الشرع بخلاف سائر الأمناء ولعموم ولايته قاله ابن الصلاح قال وإنما يضمن إذا فرط
قال السبكي وهذا تصريح منه بأن عدم إيصائه ليس تفريطا وإن مات عن مرض وهو الوجه
وظاهر أن الكلام في القاضي الأمين ونقل التصريح به عن الماوردي أما غيره فيضمن قطعا
والضمان فيما ذكر ضمان التعدي بترك المأمور لا ضمان العقد كما اقتضاه كلام الرافعي
( إلا إذا لم يتمكن بأن ) أي كأن ( مات فجأة ) أو قتل غيلة فلا يضمن لعدم تقصيره
تنبيه هذا الاستثناء منقطع فإنه لم يدخل في قوله وإذا مرض مرضا مخوفا ولو لم يوص فادعى صاحبها أنه قصر وقال الوارث لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى تقصير فالظاهر كما قال الإمام وأقراه براءة ذمته
قال الإسنوي وهذا إنما قاله الإمام عند جزم الوارث بالتلف فأما عند ذكره له احتمالا فإنه صحح الضمان اه
لكن شيخنا جعل هذا من الجزم وصور عدم الجزم بقوله بأن قال عرفت الإيداع لكن لم أدر كيف كان الأمر وأنا أجوز أنها تلفت على حكم الأمانة فلم يوص بها لذلك فيضمنها لأنه لم يدع مسقطا
وصحح السبكي أنه لا يقبل قولهم في دعوى التلف والرد إلا ببينة وسائر الأمناء كالمودع في هذا الحكم وقد أفتى ابن الصلاح بأن العامل إذا مات ولم يوجد مال الفراض بعينه في يده ضمن وهو أولى بالتضمين من المودع لأن الوديعة ليس له التصرف فيها بخلاف القراض
( ومنها ) أي عوارض الضمان ( إذا نقلها من محلة ) إلى محلة أخرى ( أو ) من ( دار ) إلى دار أخرى ( دونها في الحرز ) ولو كان حرز مثلها ( ضمن ) لأنه عرضها للتلف سواء أنهاه عن النقل أم عين له تلك المحلة أم أطلق بعيدتين كانتا أم قريبتين لا سفر بينهما ولا خوف كما يؤخذ ذلك من إطلاق المصنف لكن يستثنى من إطلاقه ما لو نقلها بظن الملك فلا يضمن كما قاله في الكفاية بخلاف ما لو انتفع بها ظانا أنها ملكه فتلفت فإنه يضمن كما نقلاه في أول باب الغصب عن الإمام وأقراه
( وإلا ) بأن تساويا في الحرز أو كان المنقول إليه أحرز ( فلا ) يضمن لعدم تفريطه
وخرج ب دار ما لو نقلها من بيت إلى آخر في دار واحدة أو خان واحد فلا ضمان وإن كان الأول أحرز كما قاله البغوي ونقلها من كيس أو صندوق إلى آخر إن كان ذلك للمودع فحكمه كالبيت في النقل وإن كان للمالك فتصرفه فيها بالنقل المجرد ليس بمضمن إلا إن فض الختم أو فتح القفل فيضمن في الأصح
تنبيه يستثنى من عدم الضمان مسائل منها ما لو نقلها والطريق مخوف
ومنها ما لو نهاه المالك عن النقل ونقل بلا ضرورة
ومنها ما لو تلفت بسبب النقل كانهدام الدار المنقول إليها قال الرافعي والسرقة من المنقول إليه كالانهدام قاله البغوي و المتولي ومنها ما لو كان الحرز المنقول منه لمالك الوديعة ملكا أو إجارة أو إعارة وإن كان المنقول إليه أحرز إذا لم يخفف الهلاك فإنه يضمن في هذه المسائل كلها
( ومنها ) أي عوارض الضمان ( أن لا يدفع متلفاتها ) لوجوب الدفع عليه مع القدرة لأنه من حفظها
تنبيه يستثنى من ذلك ما لو وقع في خزانة الوديع حريق فبادر لنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمن كما لو لم يكن فيها إلا ودائع فبادر لنقل بعضها فاحترق ما تأخر نقله كما نقله في الروضة كأصلها آخر الباب عن فتاوي القفال
( فلو أودعه دابة فترك علفها ) بإسكان اللام على المصدر أو سقيها مدة يموت مثلها فيها بترك ذلك ( ضمنها ) وإن لم تمت كما صرح به في الروضة كأصلها ونقله المصنف في نكتة عن البغوي سواء أمره المالك بعلفها وسقيها أم سكت لتعديه فإنه يلزمه ذلك لحق الله تعالى وبه يحصل الحفظ الذي التزمه بقبولها
وتختلف المدة باختلاف الحيوانات والمرجع إلى أهل الخبرة بها فإن ماتت دون المدة لم يضمنها إلا إذا كان بها جوع أو عطش سابق وعلمه فيضمنها كما هو قضية
____________________
(3/84)
كلام الروضة وأصلها وقيل يضمن القسط
ورجحه ابن المقري لأنها تلفت بالأمرين
ويؤيد الأول ما لو جوع إنسانا وبه جوع سابق ومنعه الطعام أو الشراب مع علمه بالحال فإنه يضمن الجميع
( فإن نهاه عنه ) أي عن الطعام أو الشراب فمات بسبب ترك ذلك ( فلا ) يضمن ( على الصحيح ) للإذن في إتلافه فهو كما لو قال اقتل دابتي فقتلها
والثاني يضمن إذ لا حكم لنهيه عما أوجبه الشرع
تنبيه لو كانت الدابة ملكا لغيره كأن أودع الولي حيوان محجور قال الزركشي فيشبه أن نهيه كالعدم وسبقه إليه الأذرعي وقيده بعلم الوديع بالحال أي لقرار الضمان وإلا فيضمن مطلقا وهذا ظاهر
والخلاف المذكور في المتن في التضمين وعدمه كما ذكر أما التأثيم فلا خلاف فيه لحرمة الروح فعليه أن يأتي الحاكم ليجبر المالك على علفها وسقيها إن كان حاضرا أو يأذن له في النفقة ليرجع عليه إن كان غائبا
هذا إذا نهاه لا لعلة فإن كان كقولنج أو تخمة لزمه امتثال نهيه فلو خالف وفعل قبل زوال العلة ضمن كذا أطلقاه
قال ابن شهبة وينبغي أن يقيد الضمان بما إذا علم بعلتها
( وإن أعطاه المالك علفا ) بفتح اللام اسم للمأكول ولم ينهه ( علفها ) في الأصح ويجوز علفها ( منه وإلا فيراجعه أو وكيله ) ليستردها أو يعطي علفها أو يعلفها
( فإن فقدا ) بالتثنية بخطه أي المالك أو وكيله ( فالحاكم ) يراجعه ليقترض على المالك أو يؤجرها ويصرف الأجرة في مؤنتها أو يبيع جزءا منها أو جميعها إن رآه
قال الإمام والقدر الذي يعلفها على المالك هو الذي يصونها عن التلف والتعييب لا ما يحصل به السمن فإن فقد الحاكم تعاطى ذلك بنفسه وأشهد ليرجع فإن لم يشهد لم يرجع في أحد وجهين هو المعتمد كما في هرب الجمال
نعم لو كانت راعية قال الزركشي فالظاهر وجوب تسريحها مع ثقة فلو اتفق عليها لم يرجع أي إذا لم يتعذر عليه من يسرحها معه وإلا فيرجع
( ولو بعثها ) أي الدابة ( مع من ) أي أمين ( يسقيها ) أو يعلفها حيث يجوز إخراجها لذلك ( لم يضمن في الأصح ) لجريان العادة بذلك
والثاني يضمن لإخراجها من حرزها على يد من لم يأتمنه المالك
تنبيه محل الخلاف إذا كان المبعوث معه أمينا كما مر ولا خوف والوديع لا يخرج دوابه للسقي أو كونه لا يسقي وعادته سقي دوابه فمع غير الأمين والخوف يضمن قطعا ومع إخراج دوابه للسقي أو كونه لا يسقي دوابه بنفسه لا يضمن قطعا
وقول المصنف دابة قد يفهم أنه لو أودعه نخلا ولم يأمره بسقيه فتركه لا يضمن وهو أحد الوجهين في الروضة وأصلها بلا ترجيح صححه الأذرعي وفرق بحرمة الروح قال والظاهر أن محل الوجهين فيما لا يشرب بعروقه وفيما لم ينهه عن سقيه
وإن أودعه حنطة أو أرزا أو نحو ذلك فوقع فيه السوس لزمه الدفع فإن تعذر باعه الحاكم فإن لم يجد تولاه بنفسه وأشهد كما قاله في الأنوار
ولو ترك شخص عند صاحب الخان مثلا حمارا وقال له احفظه كيلا يخرج فلاحظه فخرج في بعض غفلاته لم يضمنه لأنه لم يقصر في الحفظ المعتاد
( وعلى المودع ) بفتح الدال ( تعريض ثياب الصوف ) ونحوه كشعر ووبر وخز مركب من حرير وصوف ولبد وكذا بسط وأكسية وإن لم تسم ثيابا عرفا ( للريح كيلا يفسدها الدود وكذا ) عليه أيضا ( لبسها ) بنفسه إن لاق به ( عند حاجتها ) لتعبق بها رائحة الآدمي فتدفع الدود فإن لم يفعل ففسدت ضمن سواء أمره المالك أم سكت فإن نهاه المالك عن ذلك أو لم يعلم بها الوديع كأن كانت في صندوق مقفل فلا ضمان
أما ما لا يليق به لبسه لضيقه أو صغره أو نحو ذلك فالظاهر كما قاله الأذرعي أنه يلبسه من يليق به لبسه بهذا القصد قدر الحاجة ويلاحظه
ولو كان لا يجوز له لبسه كأن كان خزا مركبا من صوف وحرير والأكثر حرير ولم يجد من يلبسه ممن يجوز له لبسه أو وجد ولم يرض إلا أجرة هل يجوز له لبسه لم أر من ذكره والظاهر الجواز
ولو كانت ثياب الصوف كثيرة يحتاج لبسها إلى طول زمن يقابل بأجرة هل
____________________
(3/85)
له أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليجعل له أجرة في مقابل لبسها لم أر من ذكره أيضا والظاهر أن له ذلك إذ لا يلزمه أن يبذل منفعته مجانا كالحرز
قال الأذرعي وكنشر الصوف تمشية الدابة وتسييرها المعتاد عند الخوف عليها من الزمانة لطول وقوفها
وجعل الزركشي هذا مثلا وجعل الضابط خوف الفساد
( ومنها ) أي عوارض الضمان ( أن يعدل ) في الوديعة ( عن الحفظ المأمور ) به فيها ( وتلفت بسبب العدول ) عنه إلى الوجه المعدول إليه ( فيضمن ) لأن التلف حصل من جهة المخالفة
( فلو ) عدل كأن ( قال ) له ( لا ترقد ) أي لا تنم ( على الصندوق ) الذي فيه الوديعة ( فرقد وانكسر بثقله وتلف ما فيه ) بانكساره ( ضمن ) لمخالفته المؤدية إلى التلف
( وإن تلف بغيره ) أي بسبب غير الانكسار كسرقة ( فلا ) يضمن ( على الصحيح ) لأنه زاد خيرا ولم يأت التلف مما جاء به والثاني يضمن لأن رقوده عليه يوهم السارق نفاسة ما فيه فيقصده
تنبيه صورة المسألة إذا كان في بيت محرز وأخذه السارق أما لو سرق ما فيه من الصحراء من جانب كأن يرقد فيه إن لم يرقد عليه فإنه يضمن لأنه رقد عليه فقد أخلى جانب الصندوق وربما لا يتمكن السارق من الأخذ إذا كان بجانبه بخلاف ما لو سرق من غير الجانب المذكور
( وكذا ) لا يضمن ( لو قال ) له ( لا تفعل ) بمثناة مضمومة وفاء مكسورة ( عليه ) أي الصندوق أصلا فأقفل عليه أو أقفل عليه قفلا فقط فأقفل عليه ( قفلين ) أو لا تفعل عليه قفلين أو لا تغلق باب البيت ( فأقفلهما ) أو أغلق الباب لم يضمن في هذه الصور على الأصح لأنه زاد احتياطا والثاني يضمن لأنه أغرى السارق به
تنبيه محل الخلاف في بلد لم تجر عادتهم بذلك كما قاله صاحب المعين وإلا فلا ضمان جزما
( ولو قال له اربط الدراهم ) بكسر الموحدة في المشهور وحكي ضمها ( في كمك ) أي شدها فيه وجمعه أكمام ( فأمسكها في يده فتلفت فالمذهب أنها إن ضاعت بنوم ونسيان ) أي أو نسيان كما في المحرر ( ضمن ) لحصول التلف من جهة المخالفة لأنها لو كانت مربوطة لم تضع بهذا السبب
( أو ) تلف ( بأخذ غاصب ) لها من يده ( فلا ) يضمن لأن اليد أمنع للغصب حينئذ
والطريق الثاني إطلاق قولين
والطريق الثالث إن اقتصر على الإمساك ضمن وإن أمسك بعد الربط لم يضمن
وعلى الأول إذا امتثل أمره وربطها في الكم لم يكلف معه إمساكها باليد بل إن كان الربط من خارج الكم فأخذها القاطع ضمن لأن فيه إظهارها وتنبيه القاطع وإغراءه عليها لسهولة قطعه أو حله عليه حينئذ لا إن استرسلت بانحلال العقد وضاعت وقد احتاط في الربط فلا ضمان لأنها إذا انحلت بقيت الوديعة في الكم
أو كان الربط من داخله فبالعكس فيضمنها إن استرسلت لتناثرها بانحلال لا إن أخذها القاطع لعدم تنبيهه
فإن قيل المأمور به مطلق الربط وقد أتى به فلا ينظر إلى جهة التلف بخلاف ما إذا عدل عن المأمور به إلى غيره فحصل به التلف
أجيب بأن الربط ليس كافيا على أي وجه فرض بل لا بد من تضمنه الحفظ ولهذا لو ربط غير محكم ضمن وإن كان لفظ الربط يشمل المحكم وغيره
فإن قيل لو قال احفظ الوديعة في هذا البيت فوضعها في زاوية منه فانهدمت عليه لا يضمن ولا يقال لو كانت في زاوية أخرى لسلمت
أجيب بأن لفظ البيت متناول لكل من زواياه والعرف لا يخصص موضعا منه
ولو كان عليه قميصان فربط في التحتاني منهما لم يضمن سواء أربطها داخل الكم أم خارجه كما بحثه الزركشي لانتفاء المعنى المذكور
( ولو جعلها في جيبه ) الذي في جنب قميصه أو لبته أو غير ذلك ( بدلا عن الربط في الكم لم يضمن ) على الأصح لأنه أحرز إلا إذا كان واسعا غير مزرور فيضمن لسهولة تناولها باليد منه
____________________
(3/86)
وقيل يضمن لمطلق المخالفة
( وبالعكس ) أي أمره بوضعها في الجيب فربطها في الكم ( يضمن ) قطعا لأن الجيب أحرز منه لأنه قد يرسل الكم فتسقط
( ولو أعطاه دراهم بالسوق ولم يبين كيفية الحفظ ) فيها ( فربطها في كمه ) نحو كعلى تكته كما قاله القاضي حسين أو على طرف ثوبه ( وأمسكها بيده أو ) لم يربطها بل ( جعلها في جيبه ) الضيق أو الواسع المزرور ( لم يضمن ) لأنه احتاط في الحفظ
أما إذا كان الجيب واسعا غير مزرور فإنه يضمن كما مر لسهولة أخذها منه باليد
قال الماوردي وكذا لو كان الجيب مثقوبا ولم يعلم به فسقطت أو حصلت بين ثوبيه ولم يشعر بها فسقطت ضمنها وفي الكافي في باب الغصب إذا كان الثقب موجودا عند جعلها فيه ضمن وإن حدث بعده فلا
تنبيه أفهم كلامه أنه لو اقتصر على الربط من غير إمساك أنه يضمن قال في الروضة كأصلها وقياس ما سبق النظر لكيفية الربط وجهة التلف
ولو وضعها في كمه ولم يربطها فسقطت فإن كانت خفيفة لا يشعر بها ضمن لتفريطه في الإحراز وإن كانت ثقيلة يشعر بها لم يضمن قاله الماوردي
هذا إذا لم يكن بفعله فلو نفض كمه فسقطت ضمن وإن كان سهوا قاله القاضي
ولو وضعها في كور عمامته ولم يشدها ضمن
وخرج بالسوق ما لو أعطاه دراهم في البيت وقال احفظها فيه فإنه يلزمه الحفظ فيه فورا فإن أخر بلا مانع ضمن وإن لم يحفظها فيه وربطها في كمه أو شدها في عضده لا مما يلي أضلاعه وخرج بها أو لم يخرج وأمكن إحرازها في البيت ضمن لأن البيت أحرز من ذلك بخلاف ما إذا شدها في عضده مما يلي أضلاعه لأنه أحرز من البيت
قال الأذرعي ويجب تقييده بما إذا حصل التلف في زمن الخروج لا من جهة المخالفة وإلا فيضمن
قال الرافعي وفي تقييدهم الصورة بما إذا قال احفظها في البيت إشعار بأنه لو لم يقل ذلك جاز له أن يخرج بها مربوطة ويشبه أن يكون المرجع فيه إلى العادة اه
وهذا هو الظاهر
( وإن أمسكها بيده لم يضمن إن أخذها غاصب ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم ) لتقصيره
( وإن ) دفع إليه دراهم بالسوق و ( قال احفظها في البيت فليمض إليه ) فورا ( ويحرزها فيه ) عقب وصوله ( فإن أخر بلا عذر ضمن ) لتفريطه
قال السبكي وينبغي أن يرجع فيه إلى العرف وهو يختلف باختلاف نفاسة الوديعة وطول التأخير وضدهما
وقال الفارقي إن كان ممن عادته القعود بالسوق إلى وقت معلوم لاشتغاله بتجارة وغيرها فأخرها إلى ذلك الوقت لم يضمن فإن لم تجر عادته بالقعود ولا له وقت معلوم في المضي إلى البيت فأخرها ضمن هذا عند الإطلاق فأما إذا قال أحرزها الآن في البيت فقبل وأخرها ضمن مطلقا اه
قال الأذرعي وهذا متجه من جهة العرف لكن المنقول في الشامل وحلية الروياني وغيرهما عن النص من غير مخالفة يرده فإنهم قالوا لو قال له وهو في حانوته احملها إلى بيتك لزمه أن يقوم في الحال ويحملها إليه فلو تركها في حانوته ولم يحملها إلى البيت مع الإمكان ضمن اه
وهذا هو المعتمد ولا نظر إلى عادته لأنه هو الذي ألزم نفسه ذلك ولذلك قال بعضهم ثلاثة أحرف شنيعة ضاد الضمان وطاء الطلاق وواو الوديعة ولو قال احفظ هذا في يمينك فجعله في يساره ضمن وبالعكس لا يضمن لأن اليمين أحرز لأنها تستعمل أكثر غالبا
قال الأذرعي لكن لو هلك للمخالفة ضمن
وقضية التعليل أنه لو كان أعسر انعكس الحكم وأنه لو كان يعمل بهما على السواء كانا سواء
( ومنها ) أي عوارض الضمان ( أن يضيعها بأن يضعها ) بغير إذن مالكها ( في غير حرز مثلها ) ولو قصد بذلك إخفاءها لأن الودائع مأمور بحفظها في حرز مثلها
( أو يدل ) بضم الدال ( عليها سارقا ) بأن يعين له مكانها وتضيع بالسرقة كما في الروضة وأصلها
( أو ) يدل عليها ( من يصادر المالك ) فيها بأن عين له
____________________
(3/87)
موضعها فضاعت بذلك لمنافاة ذلك للحفظ بخلاف ما إذا أعلمه بها غيره لأنه لم يلتزم حفظها وبخلاف ما إذا ضاعت بغير ذلك أو به ولم يعين موضعها
ولو أعلمه بها هو وغيره لا شيء على غيره وعليه هو الضمان لما مر
تنبيه قضية كلام المصنف أنه يضمن ولو أعلم المصادر بها مكرها وهو كذلك
قال السبكي وهذا يجب القطع به
وفرق بينه وبين المحرم إذا دل على صيد حيث لم يضمنه بأن الوديع التزم الحفظ بخلاف المحرم
وحمل الزركشي نقل الماوردي عن مذهب الشافعي أنه لا يضمن على قرار الضمان لا أنه لا يكون ضامنا
وقضية كلامه أيضا حصر التضييع فيما ذكره وليس مرادا بل منه الضياع بالنسيان
ومنه دفنها في حرز ثم ينساه
ومنه ما لو قعد في الطريق ثم قام ونسي الوديعة
ولو عين المالك للوديعة ظرفا من ظروفه فنقلها الوديع منه إلى غيره منها وهو مساو له أو أعلى منه فلا يضمن لأن الظرف والمظروف وديعتان وليس فيه إلا حفظ أحدهما في حرز والآخر في آخر وإن كان الثاني دون المعين ضمن وإن كانت الظروف للوديع فكالبيوت فيما مر فيها
ولو نهاه عن دخول أحد عليها أو عن الاستعانة على حفظها بحارث أو عن الإخبار بها فخالفه فيه ضمن إن كان أخذها الداخل عليها أو الحارس لها أو تلفت بسبب الإخبار وإن لم يعين موضعها
وإن أخذها غير من ذكر أو تلفت لا بسبب الإخبار فلا ضمان فقول العبادي ولو سأله رجل هل عندك لفلان وديعة وأخبره ضمن لأن كتمانها من حفظها محمول على الضمان بالأخذ لا بسبب آخر
( فلو أكرهه ) أي الوديع ( ظالم ) على تسليم الوديعة ( حتى سلمها إليه فللمالك تضمينه ) أي الوديع ( في الأصح ) لتسليمه والضمان يستوي فيه الاختيار والاضطرار
( ثم يرجع ) الوديع ( على الظالم ) لاستيلائه عليها
والثاني ليس له تضمينه للإكراه ويطالب الظالم وعلى الأول مطالبة الظالم أيضا
وخرج بقوله سلمها إليه ما لو أخذها الظالم بنفسه قهرا من غير دلالة فالضمان عليه فقط جزما
فإن قيل رجح المصنف فيما لو أكره الصائم حتى أكل عدم الفطر مع موافقته على ترجيح التضمين هنا فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن هنا استيلاء على ملك الغير فضمناه وفي الصوم فعله كلا فعل لأن الحق فيه لله تعالى
ويجب على الوديع إنكار الوديعة عن الظالم والامتناع من إعلامه بها جهده فإن ترك ذلك مع القدرة عليه ضمن وله أن يحلف على ذلك لمصلحة حفظها قال الأذرعي ويتجه وجوب الحلف إذا كانت الوديعة رقيقا والظالم يريد قتله أو الفجور به
ويجب أن يوري في يمينه إذا حلف وأمكنته التورية وكأن يعرفها لئلا يحلف كاذبا فإن لم يور كفر عن يمينه لأنه كاذب فيها فإن حلف بالطلاق أو العتق مكرها عليه أو على اعترافه فحلف حنث لأنه فدى الوديعة بزوجته أو رقيقه وإن اعترف بها وسلمها ضمنها لأنه فدى زوجته أو رقيقه بها ولو أعلم اللصوص بمكانها فضاعت بذلك ضمن لمنافاة ذلك للحفظ لا إن أعلمهم بأنها عنده من غير تعيين مكانها فلا يضمن بذلك
( ومنها ) أي عوارض الضمان ( أن ينتفع بها بأن يلبس ) الثوب مثلا ( أو يركب ) الدابة ( خيانة ) بخاء معجمة أي لا لعذر فيضمن لتعديه
قال المتولي ومنه القراءة في الكتاب
وخرج بقوله خيانة ركوب الجموح للسقي أو خوف الزمانة عليها ولبس الصوف ونحوه لدفع الدود ونحوه وما لو أودعه خاتمه وأمره بلبسه في خنصره فجعله في بنصره فإنه لا يضمن لأنه أحرز لكونه أغلظ إلا إن جعله في أعلاه أو في وسطه أو انكسر وإن قال له اجعله في البنصر فجعله في الخنصر فإن كان لا ينتهي إلى أصل البنصر فالذي فعله أحرز فلا ضمان وإلا ضمن
ولو لم يأمره بشيء فوضعه في الخنصر لا غيرها ضمن لأنه استعمله بلا ضرورة بخلاف ما لو وضعه في غيرها لأن ذلك لا يعد استعمالا نعم إن قصد بلبسه فيها الحفظ لم يضمن
وغير الخنصر للمرأة في حفظها للخاتم كالخنصر لأنها قد تتختم في غيره
قال الإسنوي والخنثى يحتمل إلحاقه بالرجل إذا لبس الخاتم في غير خنصره لأن الأصل عدم الضمان ويحتمل مراعاة الأغلظ هنا وهو التحاقه بالمرأة كما غلظنا في إيجاب الزكاة فألحقناه بالرجل اه
وهذا الثاني هو المتجه
____________________
(3/88)
تنبيه يستثنى من مفهوم قول المصنف خيانة ما لو استعمل الوديعة ظانا أنها ملكه فيضمن مع أنه لا خيانة كما في الروضة وأصلها في باب الغصب عن جزم الإمام
( أو يأخذ الثوب ) من محله ( ليلبسه أو الدراهم ) من محلها ( لينفقها ) غير ظان أنها ملكه ( فيضمن ) بما ذكروا إن لم يلبس ولم ينفق لاقتران الفعل بنية التعدي فإن تلف المأخوذ في يده ضمنه فإن مضت في يده مدة بعد التعدي وجب عليه أجرة مثل تلك المدة
فيحمل قول المصنف فيضمن على أن ذلك صار مضمونا عليه كالمغصوب حتى يتناول ضمان العين في صورة التلف والأجرة عند مضي المدة وعلى ذلك حمل المصنف في نكته كلام التنبيه
أما إذا أخذها ظانا أنها ملكه فإنه لا يضمنها إلا إن انتفع بها كما مر
تنبيه احترز بقوله الدراهم عما لو أخذ بعضها كأن أخذ منها درهما لينتفع به فإن رد بدله إليها لم يملكه المالك إلا بالدفع إليه ولم يبرأ عن ضمانه ثم إن لم يتميز عنها ضمن الجميع لخلط الوديعة بمال نفسه وإن تميز عنها فالباقي غير مضمون عليه وإن تميز عن بعضها لمخالفته له بصفة كسواد وبياض وسكة ضمن ما لا يتميز خاصة وإن رده بعينه إليها لم يضمن غيره من بقية الدراهم وإن تلفت كلها أو لم يتميز هو عنها لاختلاطه بها لأن هذا الخلط كان حاصلا قبل الأخذ وإن تلف نصفها ضمن نصف الدراهم فقط هذا كله إذا لم يفتح قفلا عن صندوق أو ختما عن كيس فيه الدراهم فإن فتحه أو أودعه دراهم مثلا مدفونة فنبشها ضمن الجميع وإن لم يأخذ شيئا لأنه هتك الحرز
وفي ضمان الصندوق والكيس وجهان أوجههما كما قاله شيخنا الضمان لأنهما من الوديعة
ولو فتح الربط الذي يشد به رأس الكيس لم يضمن لأن القصد منه منع الانتشار إلا أن يكون مكتوما عنه فيضمن
ولو خرق الكيس من فوق الختم لم يضمن إلا نقصان الخرق نعم إن خرقه معتمدا ضمن جميع الكيس
ولو عد الدراهم المودوعة أو وزنها أو ذرع الثوب كذلك ليعرف قدر ذلك لم يضمنه كما جزم به صاحب الأنوار لأن الشرع ورد بذلك في اللقطة وهي أمانة شرعية فهذه أولى
ولو نوى الأخذ للوديعة جنانة أو نوى تعييبها ( ولم يأخذ ) ولم يعيب لم ( يضمن على الصحيح ) المنصوص لأنه لم يحدث فعلا
والثاني يضمن كما لو نواه ابتداء
وأجاب الأول بأن النية في الابتداء اقترنت بالفعل فأثرت ولا كذلك هنا
تنبيه محل الخلاف في التضمين أما التأثيم فلا خلاف أنه يأثم بنية الأخذ
وأفهم كلامه أنه إذا أخذها يضمن من وقت نية الأخذ حتى لو نوى يوم الخميس وأخذ يوم الجمعة يضمن من يوم الخميس
والمراد بالنية كما قال الإمام تجريد القصد لأخذها فأما ما يخطر بالبال وداعية الدين تمنعه فلا حكم له
وإن تردد الرأي ولم يجز قصدا فالظاهر عندنا أنه لا حكم له حتى يجرد قصد العدوان
( ولو خلطها ) أي الوديعة ( بماله ) وإن قل كما قاله الإمام ( ولم تتميز ضمن ) لأن المودع لم يرض بذلك
فإن تميزت بسكة أو عتق أو حداثة أو كانت دراهم فخلطها بدنانير لم يضمن
نعم إن حدث بالخلط نقص ضمنه
قال الزركشي وليس الضابط التمييز بل سهولته حتى لو خلط حنطة بشعير مثلا كان مضمنا فيما يظهر اه
وهذا ظاهر إذا عسر التمييز
تنبيه قوله ضمن أي الوديعة بالمثل إن كانت مثلية وبأقصى القيم إن كانت متقومة كالمغصوب
ويملك الوديعة كما صرحا به في باب الغصب فيما إذا خلط الحنطة والزيت ونحوهما بمثلهما له إذ الذي لا يتميز هالك حتى ينتقل ذلك إليه ويترتب في ذمته الغرم
( ولو خلط دراهم كيسين ) مثلا غير مختومين ( للمودع ) ولم تتميز بسهولة ( ضمن في الأصح ) لتعديه
والثاني لا لأن كلا لمالك واحد
أما إذا كانا مختومين أو أحدهما فإنه يضمن بالفض وإن لم يخلط كما مر وإن كانت لمودعين فأولى بالضمان
ولو قطع الوديع يد الدابة المودعة أو أحرق بعض الثوب المودع عنده خطأ ضمن المتلف فقط دون الباقي لعدم تعديه فيه أو شبه عمد أو عمدا ضمنهما جميعا لتعديه
فإن قيل هذا يخالف تسويتهم الخطأ بالعمد في الضمان
أجيب بأن التسوية في ضمان الإتلاف كما في بعض المتلف في مسألتنا لا في
____________________
(3/89)
ضمان التعدي كما في الباقي فيها إذ لا تعدي فيه
( ومتى صارت ) أي الوديعة ( مضمونة بانتفاع وغيره ) مما مر ( ثم ترك الخيانة لم يبرأ ) من الضمان ولا يجوز له بعد التعدي حفظها كما في فتاوي البغوي بل عليه ردها بخلاف المرهون في يد المرتهن والمال في يد الوكيل بعد تعديهما
( فإن أحدث له المالك استئمانا ) كقوله استأمنتك عليها أو أبرأتك من ضمانها أو أمره بردها إلى الحرز ( برىء في الأصح ) لأنه أسقط حقه
والثاني لا يبرأ حتى يردها إليه أو إلى وكيله لخبر على اليد ما أخذت حتى تؤديه
تنبيه احترز بقوله أحدث عما لو قال له في الابتداء أودعتك فإن خنت ثم تركت الخيانة عدت أمينا فخان ثم ترك الخيانة فلا يعود أمينا قطعا كما نقلاه عن المتولي وأقراه لأنه إسقاط ما لم يجب وتعليق للوديعة
قال الأذرعي ولا خفاه أن هذا الاستئمان إنما هو للمالك خاصة لا للولي والوكيل ونحوهما بل لا يجوز لهم ذلك ولو فعلوه لم يعد أمينا قطعا
ولو أتلف الوديع الوديعة ثم أحدث له المالك استئمانا في البدل لم يبرأ بلا خلاف لأن الواجب عليه أن يرد البدل إلى المالك
ثم شرع في الحكم الثالث وهو ردها عند بقائها على مالكها إذا طلبها فقال ( ومتى طلبها ) أي الوديعة ( المالك ) أو وارثه بعد موته وهو أهل للقبض ( لزمه ) أي الوديع ( الرد ) لقوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها }
أما إذا لم يكن أهلا للقبض كمحجور عليه فلا يلزمه الرد إليه بل يحرم فإن رد عليه ضمن
ولو رد على المالك في حال سكره قال القفال في فتاويه يحتمل أن يقال لا ضمان لأن السكران مخاطب بخلاف الصبي اه
وهذا ظاهر
وليس المراد برد الوديعة حملها إلى مالكها بل يحصل ( بأن يخلي بينه وبينها ) فقط وليس له أن يلزم المالك الإشهاد وإن كان أشهد عليه عند الدفع فإنه يصدق في الدفع بخلاف ما لو طلبها وكيل المودع لأنه لا يقبل قوله في دفعها إليه
ولو كان الذي أودعه حاكما ثم طلبه فعليه أن يشهد له بالبراءة لأنه لو عزل لم يقبل قوله قاله الاصطخري في أدب القضاء
قال الزركشي ويجيء مثله إذا كان المودع ينوب عن غيره بولاية أو وصية
ولو أودع شخص يعرف باللصوصية وديعة عند آخر وغلب على ظن الوديع أنها لغيره ثم طالبه بالرد هل يلزمه أو يتوقف فيه ويطلب صاحبها فإذا لم يظهر مع امتداد الزمان رده احتمالان في البحر والذي يظهر أنه ليس له امتناع لظاهر اليد
ولو بعث شخص رسولا لقضاء حاجة وأعطاه خاتمه أمارة لمن يقضي له الحاجة وقال رده علي بعد قضائها فوضعه بعد قضائها في حرز مثله لم يضمن إذ لا يجب عليه إلا التخلية لا النقل
ولو قال من عنده وديعة لمالكها خذ وديعتك لزمه أخذها كما في البيان وعلى المالك مؤنة الرد
تنبيه ما ذكره المصنف حيث لا شريك للمودع فلو أودعه اثنان وجاء أحدهما يسترد نصيبه لم يدفعه إليه كما جزم به الرافعي لأنهما أنفقا في الإيداع فكذا في الاسترداد بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليقسمه ويدفع إليه نصيبه
واحترز بتفسير الرد بالتخلية عن رد الأمانات الشرعية كثوب طيرته الريح في داره فإن ردها بالإعلام بحصولها في يده
( فإن أخر ) رد الوديعة بالمعنى المذكور ( بلا عذر ضمن ) لتعديه فإن تأخر لعذر كصلاة وطهارة وملازمة غريم وأكل لم يضمن
هذا إن كان العذر لا يطول زمنه فإن كان يطول كنذر اعتكاف شهر مثلا أو إحرام يطول زمنه قال الأذرعي فينبغي أن يقال إن تمكن من توكيل أمين متبرع يخلي بينها وبين ربها لزمه ذلك فإن أخر ضمن فإن لم يمكن ذلك فليرفع المالك الأمر إلى الحاكم ليبعث إليه بعد ثبوت الإيداع عنده أن يبعث معه من يخلي بينه وبينها فإن أبى بعث معه الحاكم أمينا يسلمها إليه كما لو كان الوديع غائبا اه
ولو قال له المالك أعط وكيلي فلانا وتمكن ضمن بالتأخير ولو لم يطالبه الوكيل وكذا من يعرف مالك الضالة وما طيرته الريح
وإن أخر عن وكيل حتى يشهد عليه لم يضمن لما مر أنه لا يقبل قوله في الرد إليه أو ليعطي آخر وقد قال له أعطها أحد وكلائي ضمن فإن قال مع ذلك ولا تؤخر فأخر عصى أيضا فإن قال أعط من شئت منهم لم يعص بالتأخير ولم يضمن في أحد وجهين
____________________
(3/90)
رجحه الأذرعي
( إن ادعى تلفها ولم يذكر ) له ( سببا أو ذكر ) له سببا ( خفيا كسرقة صدق ) في ذلك ( بيمينه ) بالإجماع كما قاله ابن المنذر لأنه ائتمنه فليصدقه ولا يلزمه بيان السبب في الأولى نعم يلزمه أن يحلف له أنها تلفت بغير تفريط
وإذا نكل عن اليمين عند ذكر السبب الخفي حلف أي المالك على نفي العلم وقيل على البت والغصب كالسرقة كما قاله البغوي وقال الرافعي إنه الأقرب وقيل كالموت ورجحه المتولي
وقال الأذرعي إن ادعى وقوعه في مجمع طولب ببينة وإلا فلا اه
وينبغي حمل الكلامين على ذلك
تنبيه شمل إطلاق دعوى السرقة ما لو طلبها المالك فقال أردها ولم يخبره بالسرقة ثم طالبه فأخبره
وقال العبادي إن كان يرجو وجودها فلا ضمان وإن أيس منها ضمن نقله عنه الزركشي وأقره والإطلاق أظهر
( وإن ذكر ) سببا ( ظاهرا كحريق فإن عرف الحريق وعمومه ) ولم يحتمل سلامة الوديعة كما قاله ابن المقري ( صدق بلا يمين ) لأن ظاهر الحال يغنيه عن اليمين
أما إذا احتمل سلامتها بأن عم ظاهرا لا يقينا فيحلف لاحتمال سلامتها كما قاله البلقيني
( وإن عرف ) الحريق ( دون عمومه صدق بيمينه ) لاحتمال ما ادعاه من السبب الظاهر ( طولب ببينة ) عليه ( ثم يحلف على التلف به ) لاحتمال أنها لم تتلف به ولا يكلف البينة على التلف به لأنه مما يخفى فإن لم تقم بينة أو نكل عن اليمين حلف المالك على نفي العلم بالتلف واستحق
( وإن ادعى ) وهو مستمر على أمانته ( ردها على من ائتمنه ) من مالك وحاكم وولي ووصي وقيم ( صدق بيمينه ) وإن أشهد عليه بها عند دفعها لأنه ائتمنه أما لو ضمنها بتفريط أو عدوان فإنه لا يقبل دعواه ردها
تنبيه ما ذكره المصنف يجري في كل أمين كوكيل وشريك وعامل قراض وجاب في رد ما جباه على الذي استأجره للجباية كما قاله ابن الصلاح وأمين ادعى الرد على الوديع إذا أودعه عند سفره لأنه ائتمنه بناء على أن للوديع الاسترداد إذا عاد من سفره وهو المعتمد بخلاف ما إذا ادعى الرد على المالك فإنه لا يصدق كما سيأتي لأنه لم يأتمنه ولا يصدق ملتقط الشيء ولا من ألقت عليه الريح ثوبا في الرد إلى المالك لأنه لم يأتمنهما
وضابط الذي يصدق بيمينه في الرد هو كل أمين ادعى الرد على من ائتمنه إلا المرتهن والمستأجر فإنهما يصدقان في التلف لا في الرد لأنهما أخذا العين لغرض أنفسهما
وقال ابن القاص وغيره كل مال تلف في يد أمين من غير تعد لا ضمان عليه إلا فيما إذا استسلف السلطان لحاجة المساكين زكاة قبل حلولها فتلفت في يد فيضمنها لهم أي في بعض صورها المقررة في محلها وقول الزركشي ويلحق بها ما لو اشترى عينا وحبسها البائع على الثمن ثم أودعها عند المشتري فتلفت فإنها من ضمانه ويتقرر عليه الثمن ممنوع بل الراجح أنه لا يتقرر عليه فهو كما لو تلف في يد البائع كما هو مذكور في باب المبيع قبل قبضه
( أو ) ادعى الرد ( على غيره ) أي غير من ائتمنه ( كوارثه ) أي المالك ( أو ادعى وارث المودع ) بفتح الدال ( الرد ) للوديعة منه لا من مورثه ( على المالك أو أودع عند سفره أمينا فادعى الأمين الرد على المالك طولب ) كل ممن ذكر ( ببينة ) بالرد على من ذكر إذ الأصل عدم الرد ولم يأتمنه
أما إذا ادعى الوارث الرد من مورثه فإنه يصدق بيمينه لدخول ذلك في الضابط المتقدم وصرح به اللغوي وقال الرافعي وهو الوجه لأن الأصل عدم حصولها في يده وقال ابن أبي الدم إنه الأصح وخالف في ذلك المتولي وقال يطالب بالبينة
( وجحودها ) بلا عذر ( بعد طلب المالك ) لها ( مضمن ) كخيانته
أما لو جحدها بعذر كأن طالب المالك بها ظالم فطلب المالك
____________________
(3/91)
الوديع بها فجحدها دفعا للظالم أو جحدها بلا طلب من مالكها وإن كان الجحد بحضرته كقوله ابتداء لا وديعة عندي لأحد فإنه لا يضمن لأن إخفاءها أبلغ في حفظها ولو لم يطلبها المالك ولكن قال لي عندك وديعة فأنكر لم يضمن أيضا على الأصح لأنه قد يكون في الإخفاء غرض صحيح ولو جحدها بعد الطلب ثم قال كنت غلطت أو نسيت لم يبرأ إلا أن يصدقه المالك
فائدة سئل الشيخ عز الدين عن رجل تحت يده وديعة مضت عليها مدة طويلة ولم يعرف صاحبها وأيس من معرفته بعد البحث التام فقال يصرفها في أهم مصالح المسلمين ويقدم أهل الضرورة ومسيس الحاجة ولا يبني بها مسجدا ولا يصرفها إلا فيما يجب على الإمام العادل صرفها فيه وإن جهله فليسأل أورع العلماء بالمصالح الواجبة التقديم
خاتمة لو تنازعا الوديعة إثنان بأن ادعى كل منهما أنها ملكه فصدق الوديع أحدهما بعينه فللآخر تحليفه فإن حلف سقطت دعوى الآخر وإن نكل حلف الآخر وغرم له الوديع القيمة وإن صدقهما فاليد لهما والخصومة بينهما وإن قال هي لأحدكما ونسيته وكذباه في النسيان ضمن كالغاصب والغاصب إذا قال المغصوب لأحدكما وأنسيته فحلف لأحدهما على البت أنه لم يغصبه تعين المغصوب للآخر بلا يمين
ولو ادعى الوارث علم الوديع بموت المالك وطلب منه الوديعة فله تحليفه على نفي العلم بذلك فإن نكل حلف الوارث وأخذها وإن قال الوديع حبستها عندي لأنظر هل أوصى بها مالكها أم لا فهو متعد ضامن ولو أودعه ورقة مكتوبا فيها الحق المقر به وتلفت بتقصير ضمن قيمتها مكتوبة وأجرة الكتابة كذا قالاه
فإن قيل هذا الأوجه له فإن الورقة المكتوبة متقومة فإذا تلفت لزمه قيمتها ولا نظر لأجرة الكتابة ولو صح هذا للزم أنه لو أتلف على غيره ثوبا مطرزا غرم قيمته وأجرة التطريز وهذا لا يقوله أحد والغاصب إنما يغرم القيمة فقط كما أجاب به الماوردي وغيره فالصواب لزومها فقط
أجيب بأن التطريز يزيد قيمة الثوب غالبا ولا كذلك الكتابة فإنها قد تنقصها وعلى هذا لا فرق بين الكتاب الكامل وغيره
كتاب قسم الفيء والغنيمة هذا شطر بيت موزون والقسم بفتح القاف مصدر قسمت الشيء والفيء مصدر فاء يفيء إذا رجع ثم استعمل في المال الراجع من الكفار إلينا من استعمال المصدر في اسم الفاعل لأنه راجع والمفعول لأنه مردود
وقال القفال في المحاسن سمي الفيء بذلك لأن الله تعالى خلق الدنيا وما فيها للاستعانة على طاعته فمن خالفه فقد عصاه وسبيله الرد إلى من يطيعه وهذا المعنى يشمل الغنيمة أيضا لذلك قيل اسم الفيء يشملها دون العكس ومن ذلك قولهم يسن وسم نعم الفيء
وقيل يقع اسم كان منهما على الآخر فإن جمع بينهما افترقا كالفقير والمسكين والمشهور تغايرهما كما ذكره المصنف
والغنيمة فعيلة بمعنى مفعولة من الغنم وهو الربح استعملت شرعا في ربح من الكفار خاص وسميت بذلك لأنها فضل وفائدة محضة
والأصل في الباب قوله تعالى { ما أفاء الله على رسوله } وقوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء } الآيتين وفي حديث
وفد عبد القيس وقد فسر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان وأن تعطوا من المغنم الخمس متفق عليه
ولم تحل الغنائم لأحد قبل الإسلام بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالا جمعوه فتأتي نار من السماء تأخذه ثم أحلت للنبي صلى الله عليه وسلم فكانت في صدر الإسلام له خاصة لأنه كالمقاتلين كلهم نصرة وشجاعة بل أعظم يصنع فيها ما يشاء وعليه يحمل إعطاؤه صلى الله عليه وسلم من لم يشهد بدرا ثم نسخ ذلك واستقر الأمر على ما يأتي
وذكر صاحب التنبيه وغيره هذا الكتاب بعد كتاب الجهاد وهو أنسب وذكره المصنف هنا اقتداء بالمزني وغيره فقال ( الفيء مال ) أو نحوه ككلب ينتفع به ( حصل ) لنا ( من كفار ) مما هو لهم ( بلا قتال
____________________
(3/92)
و ) لا ( إيجاف ) أي إسراع ( خيل و ) لا سير ( ركاب ) أي إبل ونحوها كبغال وحمير وسفن ورجاله
وخرج بزيادة لنا ما حصله أهل الذمة من أهل الحرب فإنه لا ينزع منهم وبزيادة مما هو لهم ما أخذوه من مسلم أو ذمي أو نحوه بغير حق فإنا لم نملكه بل يرد على مالكه إن عرف وإلا فيحفظ
تنبيه اعتبر المصنف في حصول الفيء انتفاء القتال وإيجاف الخيل والركاب وهذا يصدق بانتفاء المجموع وبانتفاء كل واحد على انفراده والمراد هو الثاني فإن واحدا من الثلاثة كاف في حصول اسم الغنيمة فلا يكون فيئا حتى تنتفي الثلاثة فكان ينبغي أن يقول ولا إيجاف خيل ولا ركاب كما قدرته في كلامه
وأجاب بعض المتأخرين عنه بأن الواو في كلامه بمعنى أو أي الفيء ما حصل عند انتفاء أحد هذه الثلاثة وهو أعم من كل واحد منها والأعم إذا انتفى ينتفي الأخص لانتفاء الإنسان بانتفاء الحيوان
وقال بعضهم إنما يظهر كون الواو بمعنى أو في جانب الإثبات في حد الغنيمة وأما في جانب النفي في حد الفيء فالواو على بابها والمراد انتفاء كل واحد على انفراده كما مر وهذا أظهر
ثم ذكر أنواعا ستة من الفيء أشار لها بقوله ( كجزية وعشر تجارة ) من كفار شرطت عليهم إذا دخلوا دارنا وخراج ضرب عليهم على اسم جزية
( وما جلوا ) أي تفرقوا ( عنه خوفا ) من المسلمين أو غيرهم ( ومال مرتد قتل أو مات ) على الردة ( وذمي ) أو نحوه ( مات بلا وارث ) أو ترك وارثا غير حائز
تنبيه هذا التعريف ليس بجامع فإن المال يخرج الاختصاصات مع أنها فيء كما مر فلو قال ما حصل كان أولى وليس بمانع لدخول ما حصل من سرقة أو هبة ونحو ذلك كلقطة فإنه غنيمة لا فيء
وما أهدوه لنا في غير الحرب فإنه ليس بفيء كما أنه ليس بغنيمة بل هو لمن أهدي له وأما ما أهدوه لنا والحرب قائمة فهو غنيمة كما سيأتي
ولو حذف المصنف لفظ الخوف لكان أولى ليدخل المال الذي جلوا عنه لضر أصابهم أو صولحوا عليه بلا قتال فإنه فيء وإن لم يكن خوف
ثم أشار لحكم الفيء بقوله ( فيخمس ) جميعه خمسة أخماس متساوية كالغنيمة خلافا للأئمة الثلاثة حيث قالوا لا يخمس بل جميعه لمصالح المسلمين
لنا قوله تعالى { ما أفاء الله على رسوله } الآية فأطلق ههنا وقيد في الغنيمة فحمل المطلق على المقيد جمعا بينهما لاتحاد الحكم فإن الحكم واحد وهو رجوع المال من المشركين للمسلمين وإن اختلف السبب بالقتال وعدمه كما حملنا الرقبة في الظهار على المؤمنة في كفارة القتل
وكان صلى الله عليه وسلم يقسم له أربعة أخماسه وخمس خمسه ولكل من الأربعة المذكورين معه في الآية خمس خمس
وأما بعده صلى الله عليه وسلم فيصرف ما كان له من خمس الخمس لمصالحنا ومن الأخماس الأربعة للمرتزقة كما تضمن ذلك قول المصنف ( وخمسه ) أي الفيء ( لخمسة ) فالقسمة من خمسة وعشرين ( أحدهما مصالح المسلمين ) فلا يصرف منه شيء لكافر
ثم مثل المصنف للمصالح بقوله ( كالثغور ) جمع ثغر أي سدها وشحنها بالعدد والمقاتلة وهي مواضع الخوف من أطراف بلاد الإسلام التي تليها بلاد المشركين فيخاف أهلها منهم
وكعمارة المساجد والقناطر والحصون ( و ) أرزاق ( القضاة ) والأئمة ( والعلماء بعلوم تتعلق بمصالح المسلمين كتفسير وحديث وفقه وطلبة هذه العلوم
تنبيه نبه المصنف رحمه الله تعالى بالعلماء على كل ما فيه مصلحة عامة للمسلمين كالأئمة ومعلمي القرآن والمؤذنين لأن الثغور حفظ المسلمين ولئلا يتعطل من ذكر بالاكتساب عن الاشتغال بهذه العلوم وعن تنفيذ الأحكام وعن التعليم والتعلم فيرزقون ما يكفيهم ليتفرغوا لذلك
قال الزركشي نقلا عن الغزالي تعطى العلماء والقضاة مع الغنى وقدر المعطى إلى رأي السلطان بالمصلحة ويختلف بضيق المال وسعته
قال الغزالي تعطى العلماء والقضاة مع الغنى وقدر المعطى إلى رأي السلطان بالمصلحة ويختلف بضيق المال وسعته
قال الغزالي ويعطى أيضا من ذلك العاجز عن الكسب لا مع الغنى
والمراد بالقضاة غير قضاة العسكر أما قضاتهم الذين يحكمون لأهل الفيء في مغزاهم فيرزقون من الأخماس الأربعة لا من خمس الخمس كما قاله الماوردي قال وكذا أئمتهم ومؤذنوهم وعمالهم
( يقدم الأهم ) فالأهم منها وجوبا وأهمها كما في التنبيه سد الثغور لأن فيه حفظ المسلمين
____________________
(3/93)
تنبيه قال في الإحياء لو لم يدفع السلطان إلى المستحقين حقوقهم من بيت المال فهل يجوز لأحدهم أخذ شيء من بيت المال فيه أربعة مذاهب أحدها لا يجوز أخذ شيء أصلا لأنه مشترك ولا يدرى قدر حصته منه قال وهذا غلو
والثاني يأخذ كل يوم قوت يوم
والثالث يأخذ كفاية سنة
والرابع يأخذ ما يعطى وهو حصته قال وهذا هو القياس لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين كالغنيمة بين الغانمين والميراث بين الورثة لأن ذلك لهم حتى لو ماتوا قسم بين ورثتهم وهنا لو مات لم يستحق وارثه شيئا اه
وأقره في المجموع على هذا الرابع وهو ظاهر
وفي فتاوى المصنف لو غصب من جماعة من كل واحد شيئا معينا وخلط الجميع ثم فرق عليهم جميع المختلط على قدر حقوقهم فإنه يحل لكل واحد وجد قدر حصته فإن فرق على بعضهم فللمدفوع إليه أن يقسم القدر الذي أخذه عليه وعلى الباقين بالنسبة إلى قدر أموالهم اه
وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب الغصب
( والثاني بنو هاشم و ) بنو ( المطلب ) ومنهم إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه وهم آل النبي صلى الله عليه وسلم وهم المراد بذي القربى في الآية دون بني عبد شمس وبني نوفل وإن كان الأربعة أولاد عبد مناف لاقتصاره صلى الله عليه وسلم في القسم على بني الأولين مع سؤال بني الآخرين له رواه البخاري
ولأنهم لم يفارقوه في جاهلية ولا إسلام حتى إنه لما بعث صلى الله عليه وسلم بالرسالة نصروه وذبوا عنه وبخلاف بني الآخرين بل كانوا يؤذونه
والثلاثة الأول أشقاء ونوفل أخوهم لأبيهم وعبد شمس هو جد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه
والعبرة بالانتساب إلى الآباء أما من انتسب منهم إلى الأمهات فلا كذا قالاه
واستثنى السبكي أولاد بناته صلى الله عليه وسلم كأمامة بنت أبي العاص من بنته زينب وعبد الله بن عثمان من بنته رقية فإنهم من ذوي القربى بلا شك قال ولم أرهم تعرضوا لذلك فينبغي الضبط بقرابة هاشم والمطلب لا بينهما اه
وحينئذ فيستثنى أولاد بناته صلى الله عليه وسلم من قولهم إنه لا عبرة بالانتساب إلى الأمهات ويؤيده ما صححوه أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم انتساب أولاد بناته إليه بخلاف غيره قاله ابن شهبة
وأجاب شيخنا بأن المذكورين توفيا صغيرين ولم يكن لهما نسل فلا فائدة لذكرهما اه
فلا يحتاج إلى استثناء السبكي مع أنه دخل في عبارته غير المراد فإن قرابة هاشم والمطلب أعم من فروعهما على الوجه المذكور
( يشترك ) في خمس الخمس ( الغني والفقير ) لإطلاق الآية وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم العباس منه وكان من أغنياء قريش
( والنساء ) لأن الزبير رضي الله تعالى عنه كان يأخذ سهم أمه صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان الصديق رضي الله تعالى عنه يدفع للسيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها منه ولولا هذه الأدلة لم يدفع للنساء شيء لأن الآية إنما تدل على الصرف للذكور فإن ذو اسم مذكر وجعله للشخص الذي يشمل الذكر والأنثى يحتاج إلى دليل قاله السبكي
( و ) لكن ( يفضل الذكر ) ولو صغيرا على الأنثى فله سهمان ولها سهم فإنه عطية من الله تعالى يستحق بقرابة الأب
قال الأذرعي والظاهر أن الخنثى كالأنثى ولا يوقف له شيء اه
بل الظاهر أنه يوقف له تمام نصيب الذكر كما يؤخذ من قول المصنف ( كالإرث ) وحكي الإمام في أن الذكر يفضل على الأنثى إجماع الصحابة ونقل عن المزني وأبي ثور وابن جرير التسوية
تنبيه علم من قوله كالإرث أنهم لو أعرضوا عن سهمهم لم يسقط وهو الأصح
وقد ذكره المصنف في السير
ومن إطلاق الآية أنه يجب تعميمهم وأنه يسوي بين مدل بجهتين ومدل بجهة وإن خالف في ذلك القاضي حسين وأنه لا يفضل كبير على صغير ولا قريب على بعيد ولا حاضر بموضع الفيء على غائب عنه
( والثالث اليتامى ) للآية جمع يتيم ( وهو صغير ) ذكر أو خنثى أو أنثى لم يبلغ الحلم ( لا أب له ) أما كونه صغيرا فلخبر لا يتم بعد احتلام رواه أبو داود وحسنه المصنف وإن ضعفه المنذري وغيره
وأما كونه لا أب له فللوضع والعرف سواء أكان من أولاد المرتزقة أم لا قتل أبوه في الجهاد أم لا له جد أم لا
ووقع في الروضة في باب النكاح أن اليتيمة هي التي لا جد لها والمذكور هنا هو الصواب
ويمكن أن يقال إن المراد باليتيمة في باب النكاح هي التي لا تزوج إلا في
____________________
(3/94)
صغرها فإن الجد يزوجها فلا ينافي ما هنا ولعل هذا مراده بلا شك
تنبيه كان الأولى للمصنف أن يقيد اليتيم بالمسلم لأن أيتام الكفار لا يعطون من سهم اليتامى شيئا قاله الإمام والماوردي والصيمري وغيرهم لأنه مال أخذ من الكفار فلا يرجع إليهم وكذلك يشترط الإسلام في ذوي القربى والمساكين وابن السبيل لذلك
ويندرج في تفسيرهم اليتيم ولد الزنا واللقيط والمنفي باللعان ولا يسمون أيتاما لأن ولد الزنا لا أب له شرعا فلا يوصف باليتيم واللقيط قد يظهر أبوه والمنفي بلعان قد يستخلفه نافيه ولكن القياس أنهم يعطون من سهم اليتامى
فائدة يقال لمن فقد أمه دون أبيه منقطع واليتيم في البهائم من فقد أمه وفي الطير من فقد أمه وأباه
( ويشترط ) في إعطاء اليتيم لا في تسميته يتيما ( فقره ) الآتي تعريفه في الكتاب الآتي الشامل لمسكنته ( على المشهور ) لإشعار لفظ اليتم به ولأن اغتناءه بمال أبيه إذا منع استحقاقه فاغتناؤه بماله أولى بمنعه
والثاني لا يشترط وقال القاضي إنه مذهب أصحابنا وإلا لما كان في ذكره فائدة لدخوله في الفقراء ورد بأن الفائدة عدم حرمانه
( والرابع والخامس المساكين ) الشاملون للفقراء ( وابن السبيل ) وسيأتي بيانهما في الكتاب الذي بعد هذا
ويشترط في ابن السبيل الفقر كما صرح به الفوراني وغيره وإن كان ظاهر إطلاق المصنف عدم الاشتراط
قال الماوردي ويجوز للإمام أن يجمع للمساكين بين سهمهم من الزكاة وسهمهم من الخمس وحقهم من الكفارات فيصير لهم ثلاثة أموال قال وإذا اجتمع في واحد يتم ومسكنة أعطى باليتم دون المسكنة لأن اليتم وصف لازم والمسكنة زائلة واعترض بأن اليتم لا بد فيه من فقر ومسكنة
وقضية كلام الماوردي أنه إذا كان الغازي من ذوي القربى لا يأخذ بالغزو بل بالقرابة فقط لكن ذكر الرافعي في قسم الصدقات أنه يأخذ بهما واقتضى كلامه أنه لا خلاف فيه وهو ظاهر والفرق بين الغزو والمسكنة أن الأخذ بالغزو لحاجتنا وبالمسكنة لحاجة صاحبها
( ويعم ) الإمام ولو بنائبه ( الأصناف الأربعة المتأخرة ) بالعطاء وجوبا غائبهم عن موضع الفيء وحاضرهم
نعم يجعل ما في كل إقليم لساكنيه فإن عدمه بعض الأقاليم بأن لم يكن في بعضها شيء أو لم يستوعبهم السهم بأن لم يف بمن فيه إذا وزع عليهم نقل إليهم بقدر ما يحتاج إليه الإمام في التسوية بين المنقول إليهم وغيرهم ولا يجوز الاقتصار على ثلاثة من كل صنف كما في الزكاة كما جزما به
ويجوز أن يفاضل بين اليتامى وبين المساكين وبين أبناء السبيل لأنهم يستحقون بالحاجة فتراعى حاجتهم بخلاف ذوي القربى فإنهم يستحقون بالقرابة كما مر فإن كان الحاصل يسيرا لا يسد مسدا بالتوزيع قدم الأحوج فالأحوج ولا يستوعب للضرورة وتصير الحاجة مرجحة وإن لم تكن معتبرة في الاستحقاق
ومن فقد من الأصناف أعطي الباقون نصيبه كما في الزكاة إلا سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه للمصالح كما مر
ويصدق مدعي المسكنة والفقر بلا بينة وإن اتهم ولا يصدق مدعي اليتم ولا مدعي القرابة إلا ببينة
( وقيل يخص بالحاصل ) من مال الفيء ( في كل ناحية من فيها منهم ) كالزكاة ولمشقة النقل
ورد بأنه يؤدي إلى حرمان بعضهم وهو مخالف للآية ( وأما الأخماس الأربعة ) التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مضمونة إلى خمس الخمس ( فالأظهر أنها للمرتزقة ) لعمل الأولين به لأنها كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحصول النصرة به كما مر والمقاتلون بعده هم المرصدون لها كما قال ( وهم الأجناد المرصدون للجهاد ) بتعيين الإمام لهم سموا مرتزقة لأنهم أرصدوا أنفسهم للذب عن الدين وطلبوا الرزق من مال الله
وخرج بهم المتطوعة وهم الذين يغزون إذا نشطوا فإنما يعطون من الزكاة لا من الفيء عكس المرتزقة والثاني أنها للمصالح كخمس الخمس وأهمها المرتزقة وعلى الأول لو لم يف المال بحاجة المرتزقة وهم فقراء صرف الإمام لهم من سهم سبيل الله وإذا علم أن الأخماس الأربعة للمرتزقة ( فيضع الإمام ) لهم ( ديوانا ) ندبا كما صرح به الإمام وهو ظاهر كلام أبي الطيب وإن أفهم كلام الروضة الوجوب
وأول من وضعه في الإسلام سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه
____________________
(3/95)
وهو بكسر الدال أشهر من فتحها الدفتر الذي يكتب فيه أسماؤهم وقدر أرزاقهم ويطلق الديوان على الموضع الذي يجلس فيه للكتابة
وهو فارسي معرب وقيل أول من سماه بذلك كسرى لأنه أطلع يوما على ديوانه وهم يحسبون مع أنفسهم فقال ديوانه أي مجانين ثم حذفت الهاء لكثرة استعمالهم تخفيفا
فإن قيل هذا لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر رضي الله عنه فهو بدعة وضلالة
أجيب بأن هذا أمر دعت الحاجة إليه واستحسن بين المسلمين وقال صلى الله عليه وسلم ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن
( وينصب ) ندبا كما في الروضة ( لكل قبيلة ) من المرتزقة ( أو جماعة ) منهم ( عريفا ) ليجمعهم عند الحاجة إليهم
ويسهل عليه ما يريده منهم ويعرفه بأحوالهم
ويرجع إليه الإمام في ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال في غزوة هوازن ارجعوا حتى أسأل عرفاءكم وكان قد عرف على كل عشرة عريفا
وزاد الإمام على ذلك فقال وينصب الإمام صاحب جيش وهو ينصب النقباء وكل نقيب ينصب العرفاء وكل عريف يحيط بأسماء المخصوصين به فيدعو الإمام صاحب الجيش وهو يدعو النقباء وكل نقيب يدعو العرفاء الذين تحت رايته وكل عريف يدعو من تحت رايته
والعريف فعيل بمعنى فاعل وهو الذي يعرف مناقب القوم
فائدة قال عطاء بن يسار حملة القرآن عرفاء الجنة
قال الدميري ومعناه أنهم رؤوس أهلها
( ويبحث ) الإمام وجوبا ( عن حال كل واحد ) من المرتزقة ( و ) عن ( عياله ) وهم من تلزمه نفقتهم من أولاد وزوجات ورقيق لحاجة غزو أو لخدمة إن اعتادها لا رقيق زينة وتجارة ( وما يكفيهم فيعطيه ) كفايته و ( كفايتهم ) من نفقة وكسوة وسائر المؤن بقدر الحاجة ليتفرغ للجهاد ويراعى في الحاجة حاله في مروءته وضدها والمكان والزمان والرخص والغلاء وعادة البلد في المطاعم والملابس ويزاد إن زادت حاجته بزيادة ولد وحدوث زوجة فأكثر
وما لا رقيق له يعطى من الرقيق ما يحتاجه للقتال معه أو لخدمته إذا كان ممن يخدم ويعطى مؤنته ومن يقاتل فارسا ولا فرس له يعطى من الخيل ما يحتاجه للقتال ويعطى مؤنته بخلاف الزوجات يعطى لهن مطلقا لانحصارهن في أربع
ثم ما يدفعه إليه لزوجته وولده الملك فيه لهما حاصل من الفيء وقيل يملكه هو ويصير إليهما من جهته
ولا يزاد أحد منهم لنسب عريق وسبق في الإسلام والهجرة وسائر الخصال المرضية وإن اتسع المال بل يستوون كالإرث والغنيمة لأنهم يعطون بسبب ترصدهم للجهاد وكلهم مترصدون له
( ويقدم ) ندبا ( في إثبات الاسم ) في الديوان ( و ) في ( الإعطاء ) أيضا ( قريشا ) على غيرهم لخبر قدموا قريشا ولشرفهم بالنبي صلى الله عليه وسلم
( وهم ولد النضر بن كنانة ) أحد أجداده صلى الله عليه وسلم سموا بذلك لتقرشهم وهو تجمعهم وقيل لشدتهم
( ويقدم منهم ) أي قريش ( بني هاشم ) وهو جده صلى الله عليه وسلم الثاني سمي بذلك لأنه كان يهشم الثريد لقومه
( و ) يقدم منهم أيضا بني ( المطلب ) شقيق هاشم
تنبيه عبر المصنف رحمه الله تعالى في بني المطلب بالواو إشارة إلى أنه لا ترتيب بينهم وبين بني هاشم لأنه صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وقد سوى بينهم وبين بني المطلب بقوله أما بنو هاشم وبني المطلب فشيء واحد وشبك بين أصابعه رواه البخاري
( ثم ) بني ( عبد شمس ) لأنه أخو هاشم لأبويه ( ثم ) بني ( نوفل ) لأنه أخو هاشم لأبيه عبد مناف ( ثم ) بني ( عبد العزي ) لمكان خديجة رضي الله تعالى عنها من النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم أصهاره صلى الله عليه وسلم وهي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي
( ثم سائر البطون ) أي باقيها من قريش ( الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فيقدم منهم بعد بني عبد العزي بني عبد الدار بن قصي ثم بني زهرة بن كلاب لأنهم أخواله
____________________
(3/96)
صلى الله عليه وسلم ثم بني تيم لمكان عائشة وأبيها أبي بكر رضي الله تعالى عنهما منه صلى الله عليه وسلم
ثم يقدم بني مخزوم
ثم بني عدي لمكان عمر رضي الله تعالى عنه ثم بني جمح وبني سهم فهما في مرتبة كما جرى عليه ابن المقري
ثم بني عامر ثم بني الحارث ( ثم ) بعد قريش يقدم ( الأنصار ) لآثارهم الحميدة في الإسلام وينبغي كما قال شيخنا تقديم الأوس منهم لأنهم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم والأنصار كلهم من الأوس والخزرج وهم أبناء حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر قاله الزركشي ( ثم ) بعد الأنصار يقدم ( سائر ) أي باقي ( العرب ) ومنهم المهاجرون الذين لا قرابة لهم
تنبيه قضية كلامه كغيره التسوية بين سائر العرب وصرح الماوردي بخلافه فقال بعد الأنصار مضر ثم ربيعة ثم ولد عدنان ثم ولد قحطان فيرتبهم على السابقة كقريش فإن استوى اثنان في القرب إليه صلى الله عليه وسلم قدم بالسبق إلى الإسلام ثم بالدين ثم بالسن ثم بالهجرة ثم بالشجاعة ثم برأي ولي الأمر فيتخير بين أن يقرع وأن يقدم برأيه واجتهاده
( ثم ) يقدم بعد العرب ( العجم ) وقدمت العرب عليهم لأنهم أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم وأشرف
والتقديم فيهم إن لم يجتمعوا على نسب بالأجناس كالترك والهند وبالبلدان ثم إن كان لهم سابقة في الإسلام ترتبوا عليها وإلا فبالقرب إلى ولي الأمر ثم بالسبق إلى طاعته فإن اجتمعوا على نسب اعتبر فيهم قربه وبعده كالعرب
وينبغي كما قال شيخنا اعتبار السن ثم الهجرة ثم الشجاعة ثم رأى ولي الأمر كما في العرب
والترتيب المذكور مستحب لا مستحق كما نقلاه عن الأئمة وإن نظر فيه في المطلب
والذي يثبت في الديوان من المرتزقة هو الرجل المسلم المكلف الحر البصير القادر على القتال العارف به
( و ) حينئذ ( لا يثبت في الديوان ) شخصا ( أعمى ولا زمنا ) ولا امرأة ولا صبيا ولا مجنونا ولا كافرا
وقوله ( ولا من لا يصلح للغزو ) كأقطع من عفو العام على الخاص ولو اقتصر عليه كفى
ويجوز إثبات الأخرس والأصم وكذا الأعرج إن كان فارسا وإلا فلا
ويميز المجهول بصفة فيذكر نسبه وسنه ولونه ويحكى وجهه بحيث يتميز عن غيره
( ولو مرض بعضهم أو جن ورجي زواله ) أي كل من المرض والجنون وإن طال زمنه كما قاله ابن الرفعة ( أعطي ) جزما كصحيح ويبقى اسمه في الديوان لأن الإنسان لا يخلو من عارض فربما يرغب الناس عن الجهاد ويقبلوا على الكسب لهذه العوارض
( فإن لم يرج ) زواله ( فالأظهر أنه يعطى ) أيضا لما ذكر ولأنه إذا بقي على الذرية فعلى نفسه أولى ولكن يمحى اسمه من الديوان كما جزم به في الروضة وأصلها إذ لا فائدة في إبقائه
تنبيه قضية كلامه أنه يعطى ذلك القدر الذي كان يأخذه لأجل فرسه وقتاله وما أشبه ذلك وليس مرادا بل يعطى كفايته وكفاية عياله اللائقة به في الساعة الراهنة كما قاله السبكي
والثاني لا يعطى لعدم رجاء نفعه أي لا يعطى من أربعة أخماس الفيء المعدة للمقاتلة ولكن يعطى من غيرها إن كان محتاجا
ومحل الخلاف في إعطائه في المستقبل أما الماضي فيعطاه جزما ( وكذا ) تعطى ( زوجته وأولاده ) الذين تلزمه مؤنتهم في حياته ( إذا مات ) بعد أخذ نصيبه في الأظهر لئلا يشغل الناس بالكسب عن الجهاد إذا علموا ضياع عيالهم بعدهم
تنبيه إفراده الزوجة وجمعه الأولاد يوهم اعتبار الوحدة في الزوجة وليس مرادا بل تعطى الزوجات وإن كن أربعا
واقتصاره على الأولاد يوهم عدم الدفع إلى غيرهم ممن تجب نفقتهم كالوالدين وليس مرادا فقد نقل الأذرعي عن قضية كلام البغوي الإعطاء وهو المعتمد
قال الأذرعي ولو كان المنفق عليهم من الأصول والفروع أي والزوجة كفارا هل يعطون لم أر فيه نقلا والظاهر أنهم لا يعطون اه
لكن قضية إطلاقهم إعطاؤهم وهو الظاهر إذ لم يشترطوا فيهم الإسلام ولم يبين المصنف قدر ما يعطون والمراد ما يليق بهم لا ما كان للمرتزق أخذه
____________________
(3/97)
والثاني لا يعطون لزوال تبعيتهم له وإذا قلنا بالأظهر ( فتعطى الزوجة حتى تنكح ) وكذا الزوجات كما مر لاستغنائها بالزوج فإن كان زوجها الثاني من المرتزقة قرر لها كفايتها تبعا له ولو استغنت الزوجة بكسب أو إرث أو نحوه كوصية لم تعط وبه صرح في البيان بالنسبة إلى الكسب وصرح الزركشي بالباقي
والظاهر كما قال الزركشي أن أم الولد كالزوجة
تنبيه قوله حتى تنكح يقتضي أن الزوجة لو كانت ممن لا يرغب في نكاحها أي ولم تستغن بما ذكر أنها تعطى إلى الموت وهو ظاهر
ويقتضي أيضا أنها لو امتنعت من التزويج مع رغبة الأكفاء فيها أنه تعطى وهو ظاهر أيضا وإن نظر فيه
( و ) يعطى ( الأولاد حتى يستقلوا ) بكسب أو نحوه كوصية أو يقدر الذكور على الغزو فمن أحب إثبات اسمه في الديوان أثبت وإلا قطع فإذا بلغ عاجزا لعمى أو زمانة أو نحو ذلك فكمن لم يبلغ أو تزوج الإناث
تنبيه استنبط السبكي رحمه الله تعالى من هذه المسألة أن الفقيه أو المعيد أو المدرس إذا مات تعطى زوجته وأولاده مما كان يأخذ ما يقوم بهم ترغيبا في العلم كالترغيب هنا وفي الجهاد فإن فضل المال عن كفايتهم صرف إلى من يقوم بالوظيفة
قال فإن قيل هذا تعطيل لشرط الواقف إذا اشترطه مدرسا بصفة فإنها غير موجودة في زوجته وأولاده
قلنا قد حصلت الصفة مدة من أبيهم والصرف لهم بطريق التبعية ومدتهم مغتفرة في جنب ما مضى كزمن البطالة
ولا يقدح تقرير من لا يصلح للتدريس ونحوه لأنه تبع لولاية صحيحة وإنما الممتنع تقرير من لا يصلح ابتداء كما يمتنع إثبات اسم من ليس أهلا للجهاد في الديوان ابتداء
قال ابن النقيب ويفرق بينهما بأن العلم محبوب للنفوس لا يصد الناس عنه شيء فيوكل الناس فيه إلى ميلهم إليه والجهاد مكروه للنفوس فيحتاج الناس في إرصاد أنفسهم إليه إلى التآلف وإلا فمحبة الزوجة والولد قد تصد عنه
قال الولي العراقي وفرق آخر وهو أن الإعطاء من الأموال العامة وهي أموال المصالح أقوى من الخاصة كالأوقاف فلا يلزم من التوسع في تلك التوسع في هذه لأنه مال معين أخرجه شخص لتحصيل مصلحة نشر العلم في هذا المحل المخصوص فكيف يصرف مع انتفاء الشرط ومقتضى هذا الفرق الصرف لأولاد العالم
من المصالح كفايتهم كما كان يصرف لأبيهم ومقتضى الفرق الأول عدمه اه
والفرق الثاني أظهر
وليكن وقت العطاء معلوما لا يختلف مسانهة أو مشاهرة أو نحو ذلك من أول السنة أو غيره أول كل شهر أو غيره بحسب ما يراه الإمام والغالب أن الإعطاء يكون في كل سنة مرة لئلا يشغلهم الإعطاء كل أسبوع أو كل شهر عن الجهاد ولأن الجزية وهي معظم الفيء لا تؤخذ في السنة إلا مرة
ومن مات منهم بعد جمع المال وبعد تمام الحول فنصيبه لوارثه كالأجرة في الإجارة أو بعد تمام الحول وقبل جمع المال فلا شيء لوارثه إذ الحق إنما يثبت بجمع المال وذكر الحول مثال فمثله الشهر ونحوه
وعلى الأظهر السابق من اختصاص الأخماس الأربعة بالمرتزقة
( فإن فضلت ) بتشديد الضاد أي زادت ( الأخماس الأربعة عن حاجة المرتزقة وزع ) الفاضل ( عليهم على قدر مؤنتهم ) لأنه حقهم
مثال ذلك كفاية واحد ألف وكفاية الثاني ألفان وكفاية الثالث ثلاثة آلاف وكفاية الرابع أربعة آلاف فمجموع كفايتهم عشرة آلاف فيفرض الحاصل على ذلك عشرة أجزاء فيعطى الأول عشرها والثاني خمسها والثالث ثلاثة أعشارها والرابع خمساها وكذا يفعل إن زاد
تنبيه كلامه كغيره أن صرف الزائد لا يختص بالرجال المقاتلة وهو مخالف لكلام الإمام فإنه قال الذي فهمته عن كلام الأصحاب أنه يختص برجالهم حتى لا يصرف منه للذراري أي الذين لا رجل لهم
قال الرافعي ولا خلاف في جواز صرفه إلى المرتزقة عن كفاية السنة القابلة
( والأصح ) على الأظهر السابق أيضا ( أنه يجوز أن يصرف بعضه ) أي الفاضل عن حاجات المرتزقة ( في إصلاح الثغور والسلاح والكراع ) وهو الخيل لأن ذلك معونة لهم
والثاني المنع
____________________
(3/98)
بل يوزع عليهم لاستحقاقهم له كالغنيمة وصححه ابن الرفعة
تنبيه ظاهر كلام المصنف بل صريحه أن الإمام لا يبقي في بيت المال شيئا من الفيء ما وجد له مصرفا فيصرف مال كل سنة إلى مصارفه ولا يدخر شيئا خوفا لنازلة تأسيا ب أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما فإنهما ما كانا يدخران شيئا ثم إن نزل بالمسلمين نازلة فعلى المسلمين القيام بأمرها وإن غشيهم العدو على جميعهم أن ينفروا
فإن لم يجد مصرفا ابتدأ رباطات ومساجد على حسب رأيه
وهذا ما جزم به في الروضة كأصلها
قال الإمام والذي ذهب إليه المحققون أن له أن يدخر في بيت المال لأجل الحوادث اه
فإن ضاق الفيء عن كفايتهم قسم بينهم على قدر أرزاقهم قاله الماوردي
( هذا ) السابق كله ( حكم منقول ) مال ( الفيء
فأما عقاره ) من أرض أو بناء ( فالمذهب أنه ) أي جميعه ( يجعل وقفا ) أي ينشىء الإمام وقفه ( وتقسم غلته ) كل سنة ( كذلك ) أي مثل قسمة المنقول لأنه أنفع لهم فتصرف أربعة أخماس الغلة للمرتزقة وخمسها للمصالح وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل
تنبيه يفهم من كلام المصنف أشياء أحدها أنه لا يصير وقفا بنفس الحصول بل لا بد من إنشاء وقف كما مر وقيل يصير وقفا بنفس الحصول كرق النساء بنفس الأسر وهو مقابل المذهب ثانيها تحتم الوقف وليس مرادا بل الذي في الشرح والروضة أن الإمام لو رأى قسمته أو بيعه وقسمة ثمنه جاز له ذلك لكن لا يقسم سهم المصالح بل يوقف وتصرف غلته في المصالح أو تباع ويصرف ثمنه إليها ولكن الوقف أولى
ثالثها أن المراد بالوقف الوقف الشرعي وهو الأصح وقيل المراد الوقف عن التصرف بالقسمة لا الوقف الشرعي
فصل في الغنيمة وما يتبعها ( الغنيمة ) لغة الربح كما سبق أول الباب
وشرعا ( مال ) وما التحق به كخمرة محترمة ( حصل ) لنا ( من كفار ) أصليين حربيين مما هو لهم ( بقتال ) منا ( وإيجاف ) بخيل أو ركاب أو نحوهما مما مر ولو بعد انهزامهم في القتال أو قبل شهر السلاح حين التقى الصفان
ومن الغنيمة ما أخذ من دراهم سرقة أو اختلاسا أو لقطة أو ما أهدوه لنا أو صالحونا عليه والحرب قائمة
وأما المرهون الذي للحربي عند مسلم أو ذمي والمؤجر الذي له عند أحدهما إذا انفك الرهن وانقضت مدة الإجارة فهل هو فيء أو غنيمة وجهان أشبههما ما قال الزركشي
الثاني ويرد على طرد هذا الحد المتروك بسبب حصولنا في دراهم وضرب معسكرنا فيهم فإنه ليس غنيمة في أصح الوجهين عند الإمام مع وجود الإيجاف وعلى عكسه ما أخذ على وجه السرقة أو نحوها فإنه غنيمة كما مر
وخرج بما ذكر ما حصله أهل الذمة من أهل الحرب بقتال فالنص أنه ليس بغنيمة فلا ينزع منهم وما أخذ من تركة المرتد فإنه فيء لا غنيمة كما مر وما أخذ من ذمي كجزية فإنه فيء كما مر أيضا
ولو أخذنا منهم ما أخذوه من مسلم أو ذمي أو نحوه بغير حق لم نملكه
ولو غنم ذمي ومسلم فهل يخمس الجميع أو يصيب المسلم وجهان أظهرهما الثاني كما رجحه بعض المتأخرين وصرح الماوردي في قسم الصدقات بأنه لا يغنم مال من لم تبلغه الدعوة وهو محمول على من تمسك بدين حق ولم تبلغه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أو لم تبلغه دعوة أصلا أما لو كان متمسكا بدين باطل فلا بل هو كغيره من الكفار
تنبيه قوله وإيجاف بالواو هنا بمعنى أو لئلا يرد المأخوذ بقتال الرجالة وبالسفن فإنه غنيمة كما تقرر ولا إيجاف فيه
وإذا تقرر ذلك ( فيقدم منه ) أي أصل مال الغنيمة ( السلب ) بالتحريك ( للقاتل ) المسلم سواء أكان حرا أم لا ذكرا أم لا بالغا أم لا شرطه له الإمام أم لا فارسا أم لا وذلك لخبر الشيخين من قتل قتيلا فله سلبه
وروى أبو داود أن أبا طلحة رضي الله تعالى عنه قتل يوم خيبر عشرين قتيلا وأخذ أسلابهم
تنبيه يستثنى من إطلاقه الذمي فإنه لا يستحق لسلب سواء أحضر بإذن الإمام أم لا والمخذل والمرجف والخائن ونحوهم ممن لا سهم له ولا رضخ
قال الأذرعي وأطلقوا استحقاق العبد المسلم السلب ويجب تقييده بكونه لمسلم على
____________________
(3/99)
0 المذهب
ويشترط في القتيل أن لا يكون منهيا عن قتله فلو قتل صبيا أو امرأة لم يقاتلا فلا سلب له فإن قاتلا استحقه في الأصح ولو أعرض مستحق السلب عنه لم يسقط حقه منه على الأصح لأنه متعين له
( وهو ) أي السلب ( ثياب القتيل ) التي عليه ( والخف والران ) وهو بمهملة وألف ونون خف لا قدم له أطول من الخف يلبس للساق قاله في المجموع في الحج
( وآلات الحرب كدرع ) وهو بدال مهملة الزردية ( وسلاح ) لثبوت يده على ذلك
تنبيه قضية عطفه السلاح على الدرع أن الدرع ليس بسلاح وهو المشهور وإن كان في شرح مسلم للمصنف ما يقتضي أنه منه وعطفه أيضا ما بعد الثياب عليها يشعر بمغايرته لها
وهو عكس ما قالوه فيمن أوصى بثيابه أنه يدخل كل ما على بدنه ومنه الخف والران والطيلسان
ولو كان غلامه حاملا لسلاحه يعطيه متى شاء قال الإمام فيجوز أن يكون السلاح كالفرس المجنوب مع الغلام ويحتمل خلافه اه
والأول أظهر
ولو زاد سلاحه على العادة فهو محمول لا سلاح والأول أظهر
( ومركوب ) للقتيل قاتل عليه أو أمسكه بعنانه وهو يقاتل راجلا
( و ) آلته نحو ( سرج ولجام ) ومهماز معقود لثبوت يده على ذلك حسا ( وكذا ) لباس زينته وهو ( سوار ) وطوق ( ومنطقة ) وهو ما يشد بها الوسط ( وخاتم و ) كذا ( نفقة معه ) مع هميانها لا المخلفة في رحله
( وجنيبة تقاد معه في الأظهر ) سواء أكانت أمامه أم خلفه أم بجنبه لأنها إنما تقاد معه ليركبها عند الحاجة سواء أكان يقودها بنفسه أم لا لأن هذه الأشياء متصلة به وتحت يده والجنيبة قد يحتاج إليها فهي كمركوبه الذي أمسك بعنانه وهو يقاتل راجلا بخلاف الذي يحمل عليها أثقاله وبخلاف المهر التابع له فإنه ينفصل عنه كما ذكره ابن القطان في فروعه
والثاني لا يستحقها لأنه ليس مقاتلا بها فأشبهت ما في خيمته
ولو تعددت الجنائب اختار القاتل منها واحدة كما صوبه المصنف وقال الرافعي إنه يرجع إلى تعيين الإمام واحدة منها أو يقرع
تنبيه قضية كلام المصنف أنه لا يشترط كونه قائدها بنفسه وإلا لقال يقودها
وهو كذلك كما مر
وقول الزركشي إنه لا بد من التقييد بكونه يقودها بنفسه وإلا فليست سلبا كسائر ماله الذي معه مردود بقولهم لو كان معه جنائب استحق واحدة إذ المعلوم أن الجنائب لا بد لها من عدد يقودونها
( لا حقيبة ) بفتح المهملة وكسر القاف وعاء يجمع فيه المتاع ويجعل على حقو البعير
( مشدودة على الفرس ) فلا يأخذها ولا ما فيها من الدراهم والأمتعة ( على المذهب ) لأنها ليست من لباسه ولا من حليته ولا من حلية فرسه
والطريق الثاني طرد القولين كالجنيبة
واختار السبكي أنه يأخذها بما فيها لأنه حملها على فرسه لتوقع الاحتياج إليها
( وإنما يستحق ) القاتل السلب ( بركوب غرر يكفي به ) أي بركوب الغرر ( شر كافر ) أصلي مشتغل بالقتال ( في حال الحرب ) هذه قيود ثلاثة فرع عليها قوله ( فلو رمى من حصن أو ) رمى ( من الصف ) الذي للمسلمين ( أو قتل ) كافرا ( نائما ) أو مشتغلا بأكل ونحوه ( أو أسيرا أو قلته ) أي الكافر الحربي ( وقد انهزم الكفار ) المحاربون غير متحيزين لقتال أو إلى فئة ( فلا سلب ) له لأنه في مقابلة الخطر والتغرير بالنفس وهو منتف ههنا ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يعط ابن مسعود سلب أبي جهل لأنه قد كان أثخنه فتيان من الأنصار رواه الشيخان قال القاضي ولو أغرى به كلبا عقورا فقتله استحق سلبه لأنه خاطر بروحه حيث صبر في مقاتلته حتى عقره الكلب اه
وقول الزركشي وقياسه أن الحكم كذلك لو أغرى به مجنونا أو عبدا أعجميا ممنوع لأن المقيس عليه لا يملك والمقيس يملك السلب فهو للمجنون ولمالك الرقيق لا لآمرهما فإن أغرى الكلب بلا مقاتلة كرامي السهم فلا
____________________
(3/100)
يستحق السلب أما إذا تحيزوا لقتال أو فئة فحكم القتال باق في حقهم كما قاله الإمام
تنبيه قوله من الصف عبارة المحرر من وراء الصف وكذا كتبها المصنف بخطه في المنهاج ثم ضرب على لفظة وراء والصورتان في الشرحين والروضة فأتى المنهاج بما ليس في أصله لكونه يفهم منه ما في أصله بطريق الأولى
قال السبكي وهو حسن لمن لا يلتزم في الاختصار الإتيان بمعنى الأصل من غير تغيير وإلا لم يجز
وقوله انهزم الكفار يفهم أن انهزام الكافر الواحد لا يعتبر حتى لو هرب فقتله في إدباره والحرب قائمة استحق سلبه وهو كذلك
( وكفاية شره أن يزيل امتناعه بأن يفقأ عينيه أو يقطع يديه ورجليه ) فإنه صلى الله عليه وسلم أعطى سلب أبي جهل لمثخنه كما مر دون قاتله فدل على أن المناط كفاية شره
تنبيه عبارة المحرر أن يقتله أو يزيل امتناعه فاقتصر المصنف على الثاني لفهم الأول من باب أولى
وعبارة الروضة بأن يعميه وهي صادقة بأن يضرب رأسه فيذهب ضوء عينيه وبمن له عين واحدة فيقلعها فهي أحسن لشمولها ما ذكر
( وكذا لو أسره أو قطع يديه أو رجليه في الأظهر ) وإن من عليه الإمام أو فداه أو أرقه
أما في الأسر فلأنه أبلغ من القطع وأما في القطع فكما لو فقأ عينيه
والثاني لا واختاره السبكي وقال إنه لا يستحق السلب إلا بالقتل لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام من قتل قتيلا فله سلبه ولأن ذلك لا يزيل الامتناع فربما أعمى شر من البصير ومقطوع اليدين والرجلين يحتال على الأخذ بثأر نفسه
ويجري الخلاف فيما لو قطع يدا ورجلا لضعف حركته بخلاف ما لو قطع طرفا وفقأ عينا فإنه لا يستحق
ولو مسكه شخص بحيث منعه الهرب ولم يضبطه فقتله آخر أو اشترك اثنان في قتله أو إثخانه اشتركا في سلبه لاندفاع شره بهما وهذا بخلاف القصاص فإنه منوط بالقتل
نعم إن كان أحدهما لا يستحق السلب كمخذل رد نصيبه إلى الغنيمة قاله الدارمي
أما إذا ضبطه فهو أسير وقتل الأسير لا يستحق به السلب كما مر
والجارح إن أثخن جريحه فالسلب له فإن لم يثخنه فدفعه آخر فالسلب له لأنه الذي ركب الغرر في دفع شره ولا حق للآسر في رقبة أسيره ولا فدائه فلو أرقه الإمام أو فداه فالرقبة والفداء للمسلمين لا حق فيهما لآسره لأن اسم السلب لا يقع عليهما
( ولا يخمس السلب على المشهور ) لخبر أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قضى به للقاتل ولم يخمسه
والثاني يخمس لإطلاق الآية فيدفع خمسه لأهل الفيء والباقي للقاتل
( وبعد السلب تخرج ) بمثناة فوقية أوله بخطه ( مؤنة الحفظ والنقل وغيرهما ) من المؤن اللازمة كأجرة حمال وراع إن لم يوجد متطوع بذلك للحاجة إليها
قال الماوردي ولا يزيد على أجرة المثل لأنه في المسلمين كالولي في مال اليتيم
( ثم يخمس الباقي ) بعد السلب والمؤن خمسة أخماس متساوية ويؤخذ خمس رقاع ويكتب على واحدة لله تعالى أو للمصالح وعلى أربع للغانمين ثم تدرج في بنادق متساوية ويخرج لكل خمس رقعة
فما خرج لله تعالى أو للمصالح جعل بين أهل الخمس على خمسة كما قال ( فخمسه ) أي المال الباقي ( لأهل خمس الفيء يقسم ) بينهم ( كما سبق ) في قسم الفيء
تنبيه يقسم ما للغانمين قبل قسمة هذا الخمس لأنهم حاضرون ومحصورون لكن بعد إفرازه بقرعة خلافا لما يوهمه كلام المصنف من أن أهل الخمس يفوزون بسهامهم قبل قسمة الأخماس الأربعة ولا فرق في ذلك بين العقار والمنقول لعموم الآية
ويستحب أن تكون هذه القسمة في دار الحرب كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتأخيرها بلا عذر إلى العود إلى دار الإسلام مكروه وذكر الماوردي والبغوي أنه يجب التعجيل ولا يجوز التأخير من غير عذر لما فيه من الإضرار بالغانمين وقال الأذرعي إنه ظاهر لا شك فيه إذا طلبها الغانمون بلسان القال أو الحال
ولو شرط الإمام للجيش أن لا يخمس عليهم لم يصح شروطه ووجب تخميس ما غنموه سواه أشرط ذلك للضرورة أم لا وقيل إن شرطه لضرورة
____________________
(3/101)
لم يخمس
قال في زيادة الروضة آخر الباب وهو شاذ باطل
( والأصح أن النفل ) بنون مفتوحة ففاء خفيفة مفتوحة وتسكن أيضا ( يكون من خمس الخمس المرصد للمصالح ) لرواية الشافعي عن مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان الناس يعطون النفل من الخمس قال الشافعي رضي الله تعالى عنه يريد من خمس النبي صلى الله عليه وسلم والثاني من أصل الغنيمة كالسلب
والثالث من أربعة أخماسها كالمصحح في الرضخ وهذا الخلاف محله ( إن نفل مما سيغنم في هذا القتال ) وفاء بالشرط أو الوعد ويغتفر الجهل به للحاجة فيشترط الربع أو الثلث أو غيرهما
تنبيه قوله نفل قال السبكي يجوز فيه التشديد إذا عديته إلى اثنين والتخفيف إذا عديته إلى واحد وقد كتب المصنف عليه بخطه خف لأن معناه جعل النفل
( ويجوز ) جزما ( أن ينفل من مال المصالح الحاصل عنده ) في بيت المال لأن ذلك من جملة المصالح ولا تغتفر الجهالة حينئذ بل لا بد أن يكون معلوما لأنه جعالة ولا ضرورة إلى احتمال الجهل في الجعل
تنبيه لا يختص ذلك بالحاصل عنده كما يفهمه كلامه بل يجوز أن يعطى مما يتجدد فيه وقضية كلامه التخيير بين خمس الخمس والمصالح قال الرافعي والأشبه أن يجتهد ويراعي المصلحة
( والنفل ) لغة الزيادة وشرعا ( زيادة ) على سهم الغنيمة ( يشترطها الإمام أو الأمير لمن يفعل ما فيه نكاية للكفار ) زائدة على ما يفعله بقية الجيش كالتقدم على طليعة والتهجم على قلعة والدلالة عليها وحفظ مكمن
ويجوز إفراد المشروط له وتعدده وتعيينه وعدم تعينه كمن فعل كذا فله كذا
هذا أحد قسمي النفل وشرطه أن تدعو الحاجة إليه لكثرة العدو وقلة المسلمين واقتضى الحال بعث السرايا وحفظ المكامن وكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته دون بعض
والقسم الثاني أن ينفل من صدر منه أثر محمود كمبارزة وحسن إقدام وهذا يسمى إنعاما وجزاء على فعل ماض شكرا والأول جعالة ولكن يتعين كون هذا بما عنده من سهم المصالح أو من تلك الغنيمة
تنبيه قد يفهم كلامه أن التنفيل إنما يكون قبل إصابة المغنم وهو ما قال الإمام إنه ظاهر كلام الأصحاب أما بعد إصابته فيمتنع أن يخص بعضهم ببعض ما أصابوه
( ويجتهد ) الشارط ( في قدره ) بحسب قلة العمل وكثرته
وقد صح في الترمذي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث والبدأة بفتح الباء الموحدة وإسكان الدال المهملة وبعدها همزة السرية التي يبعثها الإمام قبل دخول دار الحرب مقدمة له والرجعة وهي بفتح الراء السرية التى يأمرها بالرجوع بعد توجه الجيش لدارنا
وإنما نقص في البدأة لأنهم مستريحون إذ لم يطل بهم السفر ولأن الكفار في غفلة ولأن الإمام من ورائهم يستظهرون به والرجعة بخلافها في كل ذلك
وقيل البدأة السرية الأولى والرجعة الثانية ويقال للرجعة القفول بضم القاف
وتجوز الزيادة على الثلث والنقص عن الربع بحسب الاجتهاد
( والأخماس الأربعة عقارها ومنقولها ) أي الباقي منها بعد تقديم ما يجب تقديمه من المؤن كما سبق ( للغانمين ) لإطلاق الآية الكريمة وعملا بفعله صلى الله عليه وسلم في أرض خيبر
( وهم ) أي الغانمون ( من حضر الوقعة ) ولو في أثنائها قبل الانقضاء ولو عند الإشراف على الفتح
وعلق ب حضر قوله ( بنية القتال وإن لم يقاتل ) مع الجيش لقول أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة رواه الشافعي رحمه الله تعالى قال الماوردي ولا مخالف لهما من الصحابة
ولأن المقصود تهيؤه للجهاد وحصوله هناك فإن تلك الحالة باعثة على القتال ولا يتأخر عنه في الغالب إلا لعدم الحاجة إليه مع تكثيره سواد المسلمين وكذا من حضر لا بنية القتال وقاتل في الأظهر
____________________
(3/102)
تنبيه هذا الضابط يشمل من يرضخ له كالصبي والكافر
فلو قال ممن يسهم له كما فعل في الروضة لخرج
قال السبكي ويحتمل إبقاء الكلام على عمومه ومن يرضخ لهم من جملة الغانمين فلا حاجة إلى إخراجهم وهو كما قال ابن النقيب صحيح بناء على أن الرضخ من الأخماس الأربعة
وورد على منطوق المتن صورتان الأولى المخذل والمرجف والخائن إذا حضروا الواقعة لا يستحقون سهما ولا رضخا وإن حضروا بنية القتال وقاتلوا بل يمنعون من حضور الصف ولا يمنع الفاسق من الصف وإن لم يؤمن تخذيله
والمخذل من يثبط القوم كأن يقول العدو كثير ولا نقدر عليهم والمرجف من يخوف القوم كأن يقول جاء العدو مدد والخائن من يطلع الكفار على عورات المسلمين
الثانية المنهزم غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة ولم يعد فإنه لا يستحق شيئا مع حضوره فإن عاد قبل انقضاء الوقعة استحق من المحوز بعده فقط وكذا من حضر في الأثناء لا يستحق من المحوز قبله
قال المصنف رحمه الله تعالى وكلام من أطلق محمول عليه بخلاف المتحيز إلى فئة قريبة فإنه يعطى لبقائه في الحرب معنى بخلاف المتحيز إلى بعيدة
وإن ادعى التحيز إلى فئة قريبة أو التحرف لقتال صدقناه بيمينه إن أدرك الحرب وإن حلف استحق من الجميع وإن نكل لم يستحق إلا من المحوز بعد عوده بخلاف ما إذا لم يدرك الحرب لا يصدق في ذلك لأن الظاهر خلافه
وعلى مفهومه ثلاث صور الأولى ما لو بعث الإمام جاسوسا فغنم الجيش قبل رجوعه فإنه يشاركهم في الأصح
الثانية لو طلب الإمام بعض العسكر ليحرس من هجوم عدو أو أفرد من الجيش كمينا فإنه يسهم لهم وإن لم يحضروا الوقعة لأنهم في حكمهم ذكره الماوردي وغيره
الثالثة لو دخل الإمام أو نائبه دار الحرب بجيش فبعث سرية في ناحية فغنمت شاركها جيش الإمام وبالعكس لاستظهار كل منهما بالآخر ولو بعث سريتين إلى جهة اشترك الجميع فيما تغنم كل واحدة منهما
وكذا لو بعثهما إلى جهتين وإن تباعدتا على الأصح ولا يشارك السرايا الإمام ولا جيشه إن كانوا في دار الإسلام وإن قصد لحوقهم
( ولا شيء لمن حضر بعد انقضاء القتال ) ولو قبل حيازة المال أو خيف رجوع الكفار لعدم شهود الوقعة ( وفيما ) بعد الانقضاء ( قبل حيازة المال وجه ) أنه يعطى لأنه الحق قبل تمام الاستيلاء
تنبيه تردد الرافعي في حكاية هذا وجها أو قولا ورجح المصنف في الروضة أنه قول
وصور هذه المسألة أربع حاضر قبل انقضاء الحرب والحيازة فيستحق جزما أو بعدهما فلا جزما أو بعد الانقضاء وقبل الحيازة فلا على الصحيح أو عكسه فيستحق كما يفهمه كلام المصنف خلافا للرافعي
( ولو مات بعضهم ) أي الغانمين أو خرج عن أن يكون من أهل القتال بمرض أو نحوه ( بعد انقضائه ) أي القتال ( و ) بعد ( الحيازة فحقه ) من المال إن قلنا أن الغنيمة تملك بالانقضاء والحيازة أو حق تملكه إن قلنا إنها إنما تملك باختيار التملك أو القسمة وهو الصحيح ( لوارثه ) كسائر الحقوق وعبارة المصنف تصدق بما قلناه
( وكذا ) لو مات ( بعد الانقضاء وقبل الحيازة في الأصح ) بناء على أن الغنيمة تملك بالانقضاء
والثاني لا بناء على أنها تملك بالانقضاء مع الحيازة
وهل المملوك عليهما نفس الأعيان أو حق تملكها وجهان وكلاهما يورث كما مر وتقدم أنها إنما تملك باختيار التملك أو القسمة على الصحيح
( ولو مات في ) أثناء ( القتال فالمذهب أنه لا شيء له ) وهذا هو المنصوص فلا يخلفه وارثه فيه
ونص في موت الفرس حينئذ أنه يستحق سهمها والأصح تقرير النصين لأن الفارس متبوع فإذا مات فات الأصل والفرس تابع فإذا مات جاز أن يبقى سهمه للمتبوع
وقيل قولان فيهما وجه الاستحقاق شهود بعض الوقعة
ووجه المنع اعتبار آخر القتال فإنه وقت الظفر
تنبيه قوله مات في القتال
ظاهره أنه لا فرق بين أن يكون بعد حيازة المال أو لا وهو كذلك وقول الأذرعي إن القياس يستحق نصيبه إذا مات بعد حيازة المال ممنوع لأنا لم نأمن شرهم ما دامت الحرب باقية وهو مقتضى إطلاق كلام الأصحاب
ولو مرض في أثناء الحرب مرضا يمنع القتال وهو يرجى زواله استحق وكذا إن لم يرج كالفالج والزمانة على الأظهر في الروضة لأنه ينتفع برأيه ودعائه بخلاف الميت
والجنون كالموت وأولى بالاستحقاق
____________________
(3/103)
والجراحة في الحرب كالمرض وأولى بالاستحقاق من المغمى عليه وجهان أوجههما أنه يسهم له لأنه نوع من المرض
( والأظهر أن الأجير ) الذي وردت الإجارة على عينه مدة معينة لا لجهاد بل ( لسياسة الدواب وحفظ الأمتعة ) ونحوها
( والتاجر المحترف ) كالخياط والبقال ( يسهم لهم إذا قاتلوا ) لشهودهم الوقعة وقتالهم
والثاني لا لأنهم لم يقصدوا الجهاد
أما من وردت الإجارة على ذمته أو بغير مدة كخياطة ثوب فيعطى وإن لم يقاتل
وأما الأجير للجهاد فإن كان مسلما فلا أجرة له لبطلان إجازته لأنه بحضور الصف تعين عليه ولم يستحق السهم في أحد وجهين قطع به البغوي واقتضى كلام الرافعي ترجيحه لا إعراضه عنه بالإجارة ولم يحضر مجاهدا ويأتي الكلام على إجارة الذمي
ولو أفلت أسير من يد الكفار أو أسلم كافر أسهم له إن حضر الصف وإن لم يقاتل لشهوده الوقعة ولقصد من أسلم إعلاء كلمة الله تعالى بالإسلام فيقبح حرمانه
وإنما يسهم لكل منهما مما خير بعد حضوره فإن كان هذا الأسير من جيش آخر أسهم له إن قاتل لأنه قد بان بقتاله قصده للجهاد وإن لم يقاتل فكذا في أحد وجهين صححه في الشرح الصغير لشهوده الوقعة
( وللراجل سهم والفارس ثلاثة ) له سهم وللفرس سهمان للاتباع فيهما رواه الشيخان
ومن حضر بفرس يركبه يسهم له وإن لم يقاتل عليه إذا كان يمكنه ركوبه لا إن حضر معه ولم يعلم به فلا يسهم له
ولو استعار فرسا أو استأجره أو غصبه ولم يحضر المالك الوقعة أو حضر وله فرس غيره أسهم له لا للمالك لأنه الذي أحضره وشهد به الوقعة
أما إذا كان المالك حاضرا ولا فرس له وعلم بفرسه أو ضاع فرسه الذي يريد القتال عليه فإنه يستحق سهمه كما علم مما مر
وإن كان معه فرس فلا يستحق سهم المغصوب ولا الضائع لما سيأتي أنه لا يعطى إلا لفرس واحد
ولو ركب شخصان فرسا وشهدا الوقعة وقويت على الكر والفر بهما أعطيا أربعة أسهم سهمان لهما وسهمان للفرس وإن لم تقو على ذلك فلهما سهمان
ولو قاتلوا في ماء أو حصن وقد أحضر الفارس فرسه أعطي الأسهم الثلاثة لأنه قد يحتاج إلى الركوب نص عليه
وحمله ابن كج على من بقرب الساحل واحتمل أن يخرج ويركب وإلا فلا معنى لإعطائه سهم الفرس وأقراه
تنبيه هذا كله في غنيمة الكاملين فلو انفرد أهل الرضخ بغنيمة خمست وقسم الباقي بينهم بقدر نفقتهم ويتبعهم صغار السبي في الإسلام فإن حضر معهم كامل فالغنيمة له ويرضخ لهم
( ولا يعطى ) الفارس ( إلا لفرس واحد ) وإن كان معه أكثر لما روى الشافعي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لم يعط الزبير إلا لفرس وكان معه يوم حنين أفراس
( عربيا كان ) الفرس ( أو غيره ) كالبرذون وهو ما أبواه أعجميان والهجين وهو ما أبوه عربي دون أمه والمقرف بضم الميم وسكون القاف وكسر الراء عكسه لأن الكر والفر يحصل من كل منهما ولا يضر تفاوتهما كالرجال
( لا لبعير وغيره ) كالبغل والحمار والفيل لأنها لا تصلح للحرب صلاحية الخيل له بالكر والفر
واستأنسوا له بقوله تعالى { ومن رباط الخيل } فخصها بالذكر
وصوب الشامل عن الحسن البصري أنه يسهم للإبل لقوله تعالى { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } لكن السنة بينت أنه إنما يسهم للخيل وأما غيرها ما فيرضخ له
ويفضل الفيل على البغل والبغل على الحمار
واختلف في تفضيل البعير على البغل وعكسه فقيل يفضل البعير لما نقل عن الحسن البصري وقيل يفضل البغل وجرى عليه في الأنوار والأول استظهره شيخنا
وحمل بعضهم كلام من فضل البعير على البغل على الهجين وكلام من عكس على غيره وهذا أظهر
والحيوان المتولد بين ما يرضخ له وما يسهم له حكم ما يرضخ له
ولا يدخل الإمام دار الحرب إلا فرسا شديدا ( و ) حينئذ ( لا يعطى ) السهم ( لفرس أعجف ) أي مهزول بين الهزال ( وما لا غناء ) بفتح المعجمة وبالمد أي لا نفع ( فيه ) كالهرم والكبير لعدم فائدته بل هو على صاحبه
____________________
(3/104)
( وفي قول يعطى إن لم يعلم نهي الأمير عن إحضاره ) بأن لم ينهه الأمي أو لم يبلغه النهي كما يعطى الشيخ الكبير إذا حضر وأجاب الأول بأن الشيخ ينتفع برأيه ودعائه نعم يرضخ له
تنبيه محل الخلاف إذا تأتى ركوبه وإلا لم يعط قطعا قاله الإمام
وأفهم إنه إذا علم بنهي الأمير عن إحضاره لا يسهم له قطعا وهو كذلك
ولو أحضره صحيحا ثم طرأ عجفه فكطرو موته ولو أحضره أعجف فصح نظر إن كان حال حضور الوقعة صحيحا أسهم له وإلا فلا كما بحثه بعض المتأخرين
قال الأذرعي وينبغي أن يلحق بالأعجف الحرون الجموح وإن كان شديدا قويا لأنه لا يكر ولا يفر عند الحاجة بل قد يهلك راكبه اه
وهو حسن
ولم يتعرض المصنف لسن الفرس وذكره الرافعي في المسابقة فقال والذي تجوز المسابقة عليه من الخيل ما يسهم له وهو الجذع والثني وقيل وإن كان صغيرا
( والعبد والصبي ) والمجنون ( والمرأة ) والخنثى ( والذمي ) والذمية ( إذا حضروا ) الوقعة مع غيرهم كما يعلم مما مر وأذن الإمام للذمي والذميمة ولم يستأجرا كما سيأتي وفيهم نفع ( فلهم الرضخ ) للاتباع رواه في العبد الترمذي وصححه وفي النساء والصبيان البيهقي مرسلا وفي قوم من اليهود أبو داود بلفظ أسهم وحمل على الرضخ
والرضخ مستحق وقيل مستحب
وسواء أذن السيد والولي والزوج في الحضور أم لا والرضخ لسيد العبد وإن لم يأذن
تنبيه محل ما ذكره المصنف إذا كان فيهم نفع كما قدرته في كلامه تبعا لنص البويطي
وتعبيره بالذمي يقتضي أن غيره من الكفار لا يرضخ له قال الأذرعي والظاهر إلحاق المستأمن والمعاهد والحربي بالذمي إذا حضروا بإذن الإمام بحيث يجوز له الاستعانة بهم ويدل تعبير التنبيه وغيره بالكافر قال وأما المبعض فالظاهر أنه كالعبد ويحتمل أن يقال إن كان هناك مهايأة وحضر في نوبته أسهم له وإلا رضخ اه
والأوجه كما قال شيخي الأول وإن قال بعض المتأخرين الأوجه الثاني لأن الرقيق ليس من أهل فرض الجهاد والمبعض كذلك
ويرضخ أيضا للأعمى إن حضر والزمن وفاقد أطراف وكذا تاجر ومحترف حضرا ولم يقاتلا
( وهو ) أي الرضخ لغة العطاء القليل وشرعا شيء ( دون سهم ) لراجل ( يجتهد الإمام في قدره ) لأنه لم يرد فيه تحديد فرجع إلى رأيه
ويفاوت على قدر نفع المرضخ له فيرجح المقاتل ومن قتاله أكثر على غيره والفارس على الراجل والمرأة التي تداوي الجرحى وتسقي العطشى على التي تحفظ الرجال بخلاف سهم الغنيمة فإنه يستوي فيه المقاتل وغيره لأنه منصوص عليه والرضخ بالاجتهاد لكن لا يبلغ به سهم راجل ولو كان الرضخ لفارس كما جرى عليه ابن المقري لأنه تبع للسهام فنقص به عن قدرها كالحكومة مع الأروش المقدرة
تنبيه ظاهر كلامهم أن المسلم يستحق الرضخ وإن استحق السلب وهو كذلك خلافا لابن الرفعة لاختلاف السبب
( ومحله ) أي الرضخ ( الأخماس الأربعة في الأظهر ) لأنه سهم من الغنيمة يستحق بحضور الوقعة إلا أنه ناقص
والثاني أنه من أصل الغنيمة كالمؤن
والثالث أنه من خمس الخمس سهم المصالح
( قلت إنما يرضخ لذمي ) وما ألحق به من الكفار ( حضر بلا أجرة و ) كان حضوره ( بإذن الإمام ) أو الأمير بلا إكراه منه ( على الصحيح والله أعلم ) ولا أثر لإذن الآحاد
والثاني فيما إذا أذن الإمام لا يرضخ له
والثالث إن قاتل استحق وإلا فلا فإن حضر بأجرة فله الأجرة ولا شيء له سواها جزما لأنه أخذ عن حضوره بدلا فلا يقابل ببدل آخر ويجوز أن يبلغ بالأجرة سهم راجل
تنبيه إنما قال بأجرة ولم يقل بإجارة ليشمل الإجارة والجعالة فإنهما سواء فإن حضر بلا إذن الإمام أو الأمير فلا رضخ له بل يوزره الإمام إن رآه وإن أكرهه الإمام على الخروج استحق أجرة مثله من غير سهم ورضخ لاستهلاك
____________________
(3/105)
عمله عليه كما قاله الماوردي
خاتمة لو زال نقص أهل الرضخ قبل أن ينقضي الحرب بإسلام أو بلوغ أو إفاقة أو عتق أو وضوح ذكورة مشكل أسهم لهم أو بعد انقضائها فليس لهم إلا الرضخ كما قاله الماوردي
ولو غزت طائفة وليس فيهم أمير من جهة الإمام فحكموا واحدا في القسمة صحت إن كان أهلا وإلا فلا حكاه المصنف عن الشيخ أبي محمد
كتاب قسم الصدقات أي الزكوات على مستحقيها
وأما صدقة التطوع فقد أفردها المصنف بفضل آخر في هذا الكتاب وجمعها لاختلاف أنواعها من نقد وحب وغيرهما وسميت بذلك لإشعارها بصدق باذلها
وذكر هذا الكتاب المزني رحمه الله تعالى والأكثرون في هذا الموضع وتبعهم المصنف في كتابه هذا لأن كلا من الفيء والغنيمة والزكاة يتولى الإمام جمعه
وذكره الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم في آخر الزكاة وتابعه عليه جماعة منهم المصنف في الروضة وهو أنسب
وافتتحه المحرر بقوله تعالى { إنما الصدقات } الآية فعلم من الحصر بإنما أنها لا تصرف لغيرهم وهو مجمع عليه وإنما وقع الخلاف في استيعابهم
وأضاف في الآية الكريمة الصدقات إلى الأصناف الأربعة الأولى بلام الملك والأربعة الأخيرة ب فيالظرفية للإشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى وتقييده في الأربعة الأخيرة حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها استرجع بخلافه في الأولى على ما يأتي
وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى الأصناف الثمانية على ترتيب الآية الكريمة فقال مبتدئا بأولها ( الفقير ) مشتق من كسر الفقار التي في الظهر وهو هنا ( من لا مال له ولا كسب ) يقع جميعهما أو مجموعهما ( موقعا من حاجته ) لقوله صلى الله عليه وسلم لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب
ولو ذكر المصنف الآية ثم ذكر ما اقتضت الآية استحقاقهم لارتبط كلامه بعضه ببعض كما فعل في المحرر
والمراد بحاجته ما يكفيه مطعما وملبسا ومسكنا وغيرها مما لا بد له منه على ما يليق بحاله وحال من في نفقته من غير إسراف ولا تقتير
والذي لا يقع موقعا من حاجته أن يحتاج إلى عشرة ويجد منهما درهمين قال المحاملي أو ثلاثة وقال القاضي أو أربعة واعترض بأن ذلك يقع موقعا والظاهر ما قاله القاضي
ولا فرق بين أن يملك نصابا من المال أو لا فقد لا يقع النصاب موقعا من كفايته
ولو كان له كسب يمنعه منه مرض أو لم يجد من يشغله أو وجد من يشغله في كسب لا يليق به أو لم يجد كسبا حلالا كما سيأتي بعض ذلك ففقير
تنبيه قد يفهم كلام المصنف أنه لو كان له مال وعليه دين بقدره أو أكثر منه أو أقل بقدر لا يخرجه عن الفقر أنه لا يعطى وبه صرح البغوي في فتاويه فقال لا يعطى من سهم الفقراء حتى يصرف ما عنده للدين اه
وما ذكره المصنف تفسير لفقير الزكاة كما علم من التقدير في كلامه
أما فقير العرايا فسبق فيها أنه من لا نقد بيده
وأما فقير العاقلة فسيأتي في بابها أنه من لا يملك ما يفضل عن كفايته على الدوام
( ولا يمنع الفقر مسكنه ) المملوك له ( و ) لا ( ثيابه ) اللائقان به ولا يضر مع الحاجة إلى الثياب تعددها ولا كونها للتجمل
تنبيه اقتصار المصنف على المسكن والثياب يوهم عدم اعتبار غيرهما وليس مرادا فإن رقيقه المحتاج إليه وكتبه المحتاج إليها إذا كانت تتعلق بعلم شرعي أو آلة له كذلك بخلاف كتب يتفرج فيها ولو اعتاد السكنى بالأجرة أو في المدرسة ومعه ثمن مسكن أو له مسكن خرج عن اسم الفقر بما معه كما بحثه السبكي
( و ) لا يمنع الفقر أيضا ( ماله الغائب في ) مسافة ( مرحلتين ) بل له الأخذ حتى يصل إليه لأنه الآن معسر قياسا على فسخ المرأة النكاح بغيبة
____________________
(3/106)
مال الزوج على مرحلتين
قال السبكي ويحتاج القول بالأخذ مع ماله الغائب إلى دليل اه
دليله القياس المتقدم قاله الرافعي وقد يتردد الناظر في اشتراط مسافة القصر بل ينبغي الجواز فيما دونها لأجل الحاجة الناجزة اه
ويرد بأن ما دونها في الحاضر فلم ينظروا إليه ( و ) لا يمنع الأخذ أيضا من الزكاة دينه ( المؤجل ) الذي لا يملك غيره فيأخذ منها حتى يحل الأجل كما لو كان ماله غائبا
تنبيه قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق بين أن يحل قبل مضي زمن مسافة القصر أم لا
قال الرافعي وقد يتردد الناظر فيه اه
وهذا إنما يأتي على المنقول وأما على بحثه المتقدم فلا
ويجاب من جهة المنقول بأن الدين لما كان معدوما لم يعتبروا له زمنا بل يعطى حتى يحل ويقدر على خلاصه بخلاف المال الغائب ففرق فيه بين قرب المسافة وبعدها
( و ) لا يمنع الأخذ منها أيضا ( كسب ) حرام أو ( لا يليق به ) أي بحاله ومروءته لأنه يخل بمروءته فكان كالعدم
وإطلاق الكسب في الحديث المار محمول على الكسب الحلال اللائق
وأفتى الغزالي بأن أرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب لهم أخذ الزكاة اه
وجرى عليه في الأنوار فقال فلو كان من أهل بيت لم تجر عادتهم بالتكسب بالبدن وهو قوي قادر حلت له الزكاة
قال الدميري وينبغي حمله على ما إذا لم يعتادوا ذلك للاستغناء عنه بالغنى فأما عند الحاجة إليه والقدرة عليه فتركه ضرب من الحماقة ورعونات النفس فلا وجه للترفع عنه وأخذ أوساخ الناس بل أخذها أذهب للمروءة من التكسب بالنسخ والخياطة ونحوهما في منزله وقد أجر سيدنا علي رضي الله تعالى عنه نفسه أي ليهودي يستقي له كل دلو بتمرة كما مر في الإجارة اه
والأول أظهر
( ولو اشتغل بعلم ) شرعي كما في الروضة يتأتى منه تحصيله كما قاله الدارمي وأقراه ( والكسب يمنعه ) من اشتغاله بذلك ( ففقير ) فيشتغل به ويأخذ من الزكاة لأن تحصيله فرض كفاية
أما من لا يتأتى منه التحصيل فلا يعطى إن قدر على الكسب
وخرج بقوله والكسب يمنعه ما لو كان لا يمنعه فلا يعطى إذا كان يليق به مثله
ومثله في البسيط بالتكسب بالوراقة يعني النسخ
تنبيه يؤخذ من التعليل المذكور أن من اشتغل بتعلم القرآن أو بما كان آلة للعلم الشرعي والكسب يمنعه ويتأتى منه تحصيله أن له الأخذ وهو كذلك وقد صرح به في الأنوار فقال ولو قدر على الكسب بالوراقة أو غيرها وهو مشتغل بتعلم القرآن أو العلم الذي هو فرض كفاية أو تعليمه والاشتغال بالكسب يقطعه عن التعلم والتعليم حلت له الزكاة
( ولو اشتغل بالنوافل ) للعبادات وملازمة الخلوات في المدارس ونحوهما ( فلا ) يكون فقيرا وادعى في المجموع الاتفاق عليه لأن الكسب وقطع الطمع عما في أيدي الناس أولى من الإقبال على النوافل مع الطمع
والفرق بين المشتغل بهذا وبين المشتغل بعلم أو قرآن بأن ذلك مشتغل بما هو فرض كفاية بخلاف هذا ولأن نفع هذا قاصر عليه بخلاف ذاك
وفي فتاوي أن البرزي أنه لو نذر صوم الدهر وكان لا يمكنه أن يكتسب مع الصوم كفايته أن له أخذ الزكاة وأنه لو كان يكتسب كفايته من مطعم وملبس ولكنه محتاج إلى النكاح فله أخذها لينكح لأنه من تمام كفايته اه
وهو ظاهر
وفي فتاوي القفال أن مستغرق الوقت بالعبادة والصلاة آناء الليل والنهار يحل له أخذ الزكاة كالمشتغل بالفقه وإن كان قويا أما غيره فلا وإن كان صوفيا اه
وفي قياسه على الفقه نظر لما تقدم من الفرق
( ولا يشترط فيه ) أي فقير الزكاة الآخذ منها ( الزمانة ) وهي بفتح الزاي العاهة ( ولا التعفف عن المسألة على الجديد ) فيهما لقوله تعالى { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } أي غير السائل ولأنه صلى الله عليه وسلم أعطى من لم يسأل ومن سأل ومن لم يكن زمنا
والقديم يشترطان
ورجح في الروضة القطع بالأول ونسبه في المجموع للجمهور
( والمكفي بنفقة قريب أو ) نفقة ( زوج ليس فقيرا ) ولا مسكينا أيضا فلا يعطى من أسهمهما ( في الأصح ) لأنه غير محتاج كالمكتسب كل يوم قدر كفايته
والثاني نعم لاحتياجهما إلى غيرهما
____________________
(3/107)
تنبيه محل الخلاف إذا كان يمكن الأخذ من القريب والزوج ولو في عدة الطلاق الرجعي أو البائن وهي حامل كما قاله الماوردي وإلا فيجوز الأخذ بلا خلاف
وخرج بذلك المكفي بنفقة متبرع فيجوز له الأخذ قال ابن قاضي عجلون في تصحيحه قول المنهاج في المكفي بنفقة قريب بأنه ليس فقيرا يخالف تعبير المحرر والشرحين والروضة بأنه لا يعطى من سهم الفقراء ورجح السبكي هذا الثاني اه
وجه ذلك كما قال شيخي أن الفقير هو الذي لا مال له ولا كسب الخ وهو شامل لهذا فلا يصح نفيه لكنا أنزلناه منزلة لغي لكونه مكفيا فلا يعطى من سهم الفقراء فالتعبير ب لا يعطى أولى
ويعطي الزوج زوجته من سهم المكاتب والغارم والمؤلفة ومن سهم ابن السبيل لا إن سافرت معه بإذن أو دونه أو وحدها بلا إذن فلا يعطيها منه لأنها في الأولى وإن انتفى الإذن مكفية بالنفقة لأنها في قبضته وفي الثانية عاصية وله أن يعطيها في الرجوع إليه لرجوعها عن المعصية
وإن سافرت وحدها بإذنه فإن وجبت نفقتها كأن سافرت لحاجته أعطيت من سهم ابن السبيل باقي كفايتها لحاجة السفر وإن لم تجب نفقتها كأن سافرت لحاجتها أعطيت كفايتها منه
وإن سافرت وحدها بلا إذن أعطيت هي والعاصي بالسفر من سهم الفقراء بخلاف الناشزة المقيمة فإنها قادرة على الغنى بالطاعة فأشبهت القادر على الكسب والمسافرة لا تقدر على العود في الحال
وللزوجة إعطاء زوجها الحر من سهم الفقراء والمساكين إذا كان كذلك بل يسن كما قاله الماوردي
وأما المكاتب فاقتضى كلام الروضة وأصلها هنا أنه مكفي بنفقة قريبه لكن صحح في زيادة الروضة أن نفقته لا تجب على قريبه لأنه رقيق
ثم شرع في الصنف الثاني
فقال ( والمسكين من قدر على مال أو كسب ) لائق به حلال ( يقع موقعا من كفايته ) لمطعمه ومشربه وملبسه وغيرها مما يحتاج إليه لنفسه ولمن تلزمه نفقته كما مر في الفقير
( ولا يكفيه ) ذلك المال أو الكسب كمن يحتاج إلى عشرة ولا يجد إلا سبعة أو ثمانية وسواء أكان ما يملكه نصابا أم لا كما مر في الفقير
قال الغزالي في الإحياء المسكين هو الذي لا يفي دخله بخرجه فقد يملك ألف دينار وهو مسكين وقد لا يملك إلا فأسا وحبلا وهو غني والمعتبر في ذلك ما يليق بالحال بلا إسراف ولا تقتير
تنبيه قد علم من ذلك أن المسكين أحسن حالا من الفقير خلافا لمن عكس واحتجوا له بقوله تعالى { أما السفينة فكانت لمساكين } حيث سمي مالكيها مساكين فدل على أن المسكين من يملك شيئا يقع موقعا من كفايته وبما روي من قوله صلى الله عليه وسلم اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا مع أنه كان يتعوذ من الفقر
والعبرة عند الجمهور كفاية العمر الغالب بناء على أنه يعطى كفاية ذلك وهو المعتمد وقيل كفاية سنة بناء على أنه إنما يعطى كفاية سنة
وخرج ب لائق به و حلال غير اللائق به والحرام فهو كمن لا كسب له
ولا يخرجه عن المسكنة أثاث يحتاجه في سنته ولا ملكه ثياب شتاء يحتاجها في صيف ولا عكسه ولا ملك كتب وهو فقيه يحتاجها للتكسب كالمؤدب والمدرس بأجرة أو للقيام بفرض لأن كلا منهما حاجة مهمة وإن كان احتياجه لها في السنة مرة فتبقى له النسخة الصحيحة من النسخ المتكررة عنده فلا يبقيان معا لاغتنائه بالصحيحة وإن كانت إحداهما أصح والأخرى أحسن يبقى الأصح وإن كان له كتابان من علم واحد وكان أحدهما مبسوطا والآخر وجيزا بقي المبسوط إن كان غير مدرس بأن كان قصده الاستفادة وإن كان مدرسا بقيا لأنه يحتاج لكل منهما في التدريس ويبقى له كتب طب يكتب بها أو يعالج بها نفسه أو غيره والمعالج معدوم في البلد وكتب وعظ وإن كان ثم واعظ إذ ليس كل أحد ينتفع بالوعظ كانتفاعه في خلوته وعلى حسب إرادته ولا يبقى له كتاب يتفرج فيه
والحاصل أن الكتاب يطلب للتعليم وللاستفادة فلا يمنع المسكنة كما تقرر
ويطلب للتفرج فيه بالمطالعة ككتب التواريخ والشعر فيمنع
ومن له عقار مثلا ينقص دخله عن كفايته فهو إما فقير أو مسكين
ثم شرع في الصنف الثالث فقال ( والعامل ) على الزكاة ( ساع ) وهو الذي يجبي الزكاة
( وكاتب ) يكتب ما أعطاه أرباب الصدقة من المال ويكتب لهم براءة بالأداء وما يدفع للمستحقين
( وقاسم ) وحاسب وعريف وهو كنقيب القبيلة
وجندي وهو المشد على الزكاة إن احتيج إليه
( وحاشر ) وهو إثنان أحدهما من
____________________
(3/108)
( يجمع ذوي الأموال ) والثاني من يجمع ذوي السهمان لصدق اسم العامل على الجميع لكن أشهرهم هو الذي يرسل إلى البلاد والباقون أعوان
تنبيه يؤخذ من اسم العامل أنه لا بد من العمل فلو فرق المالك أو حملها إلى الإمام سقط
( لا ) الإمام و ( القاضي والوالي ) للإقليم إذا قاموا بذلك فلا حق لهم في الزكاة بل رزقهم إذا لم تطوعوا بالعمل في خمس الخمس المرصد للمصالح العامة فإن عملهم عام ولأن عمر رضي الله تعالى عنه شرب لبنا فأعجبه فأخبر أنه من نعم الصدقة فأدخل أصبعه واستقاءه رواه البيهقي بإسناد صحيح
تنبيه قضية كلام المصنف أن للقاضي قبض الزكوات وصرفها وهذا في أموال أيتام تحت نظره فإن لم يقم الإمام لها ناظرا ففي دخولها في عموم ولايته وجهان أصحهما الدخول كما جزم به المصنف وأطلق الرافعي في كتاب الأقضية الدخول وهو محمول على هذا ويزاد في العمال بقدر الحاجة والوزان والكيال والعداد عمال إن ميزوا بين أنصباء الأصناف وأجرتهم من سهم العامل إذ لو ألزمناها للمالك لزدنا في قدر الواجب
وأما مميزو الزكاة من المال وجامعوه فإن أجرتهم على المالك لأنها لتوفية الواجب كأجر كيل المبيع فإنها على البائع وأجرة الراعي والحافظ بعد قبضها والمخزن والناقل في جملة السهمين لا في سهم العامل
ثم شرع في الصنف الرابع فقال ( والمؤلفة ) جمع مؤلف من التألف وهو جمع القلوب وهو ( من أسلم ونيته ضعيفة ) فيتألف ليقوى إيمانه ويألف المسلمين ويقبل قوله في ضعف النية بلا يمين
( أو ) من أسلم ونيته في الإسلام قوية ولكن ( له شرف ) في قومه ( يتوقع بإعطائه إسلام غيره ) من نظائره ولا يصدق في شرفه إلا ببينة
( والمذهب أنهم يعطون من الزكاة ) لقوله تعالى { والمؤلفة قلوبهم } إذ لو لم نعط هذين الصنفين من الزكاة لم نجد للآية محملا
والقول الثاني لا يعطون لأن الله تعالى قد أعز الإسلام وأغنى عن التأليف بالمال
والثالث يعطون من خمس الخمس لأنه مرصد للمصالح وهذا منها
وكان ينبغي للمصنف أن يعبر بالأظهر لأن الخلاف أقوال
وخرج بقوله من أسلم مؤلفة الكفار
وهم من يرجى إسلامهم ومن يخشى شرهم فلا يعطون من الزكاة قطعا للإجماع ولا من غيرها على الأظهر لأن الله تعالى أعز الإسلام وأهله وأغنى عن التأليف ولخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم
تنبيه حصر المصنف المؤلفة في هذين الصنفين وليس مرادا بل هم أربعة أصناف المذكوران والثالث من يقاتل من يليه من الكفار والرابع من يقاتل من يليه من مانعي الزكاة فيعطون إذا كان إعطاؤهما أهون علينا من جيش يبعث لبعد المشقة أو كثرة المؤنة أو غير ذلك
قال الماوردي وغيره ويعتبر في إعطاء المؤلفة احتياجنا إليهم ونقله في الكفاية عن المختصر وهو ظاهر في غير الصنفين الأولين أما هما فلا يشترط فيهما ذلك كما هو ظاهر كلامهم
وهل تكون المرأة من المؤلفة وجهان الصحيح نعم
ثم شرع في الصنف الخامس فقال ( والرقاب ) وهم ( المكاتبون ) كتابة صحيحة فيدفع إليهم لا من زكاة سيدهم ولو بغير إذنه ما يؤدون من النجوم في الكتابة بأن عجزوا عن الوفاء ولو لم يحل النجم لأن التعجيل متيسر في الحال وربما يتعذر عليه الإعطاء عند المحل بخلاف غير العاجزين لعدم حاجتهم وإنما لم يشترط الحلول كما اشترط في الغارم لأن الحاجة إلى الخلاص من الرق أهم والغارم ينتظر له اليسار فإن لم يوسر فلا حبس ولا ملازمة
وإنما لم يشترط بما يخصهم رقاب للعتق كما قيل به لأن قوله تعالى { وفي الرقاب } كقوله تعالى { وفي سبيل الله } وهناك يعطى المال للمجاهدين فيعطى للرقاب هنا
أما المكاتب كتابة فاسدة فلا يعطى لأنها غير لازمة من جهة السيد وكذا لا يعطى من كوتب بعضه كما ذكره في الروضة في باب الكتابة لئلا يأخذ ببعضه الرقيق من سهم المكاتبين
واستحسن الرافعي وجها ثالثا وهو أنه إذا كان بينهما مهايأة صرف
____________________
(3/109)
إليه في نوبته وإلا فلا وإنما لم يعط المكاتب من زكاة سيده لعود الفائدة إليه
فإن قيل لرب الدين أن يعطى غريمه من زكاته فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن المكاتب ملك لسيده فكأنه أعطى مملوكه بخلاف الغارم
ويعطى المكاتب مع قدرته على كسب ما يؤدي به النجوم
فإن قيل قد مر أن الفقير والمسكين لا يعطيان حينئذ كما مر فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن حاجتهما تتحقق يوما بيوم والكسوب يحصل كل يوم كفايته ولا يمكن تحصيل كفاية الدين إلا بالتدريج ولا يزادون على ما يؤدون لعدم الحاجة إليه
ولو استدان المكاتب شيئا فك به رقبته أعطي من سهم الغارمين لا المكاتبين كما نقلاه عن فتاوى البغوي
ولو عجز المكاتب استرد منه ما أخذه إن كان باقيا
وتعلق بدله بذمته إن كان تالفا لحصول المال عنده برضا مستحقه
فلو قبضه السيد رده إن كان باقيا وغرم بدله إن كان تالفا
ولو ملكه السيد شخصا لم يسترده منه بل يغرمه السيد
ثم شرع في الصنف السادس وهو من لزمه دين وهو على ثلاث أضرب دين لزمه لمصلحة نفسه ودين لزمه لتسكين فتنة وهو إصلاح ذات البين ودين لزمه لا لتسكينها والمصنف أسقط هذا الضرب
ولكنه يؤخذ من مفهوم قوله استدان لنفسه
وقد بدأ بالضرب الأول من ذلك فقال ( والغارم إن استدان لنفسه ) شيئا يصرفه في غرضها ( في غير معصية ) من طاعة أو مباح كحج وجهاد وتزوج وأكل ولبس ( أعطي ) ومثله من لزمه الدين بغير اختياره كما لو وقع على شيء فأتلفه بخلاف المستدين في معصية ومثل الرافعي الاستدانة للمعصية بثمن الخمر والإسراف في النفقة
فإن قيل قد سبق في الحجر عدم تحريم الإسراف في المطاعم ونحوها على الأصح
أجيب بأن المراد هنا إسراف في نفقة بقرض لا يرجو له وفاء بخلافه هناك ومثله من لزمه الدين بإتلاف مال الغير عدوانا فلا يعطى ( قلت الأصح يعطى ) مع الفقر ( إذا تاب ) عنها ( والله أعلم ) لأن التوبة قطعت حكم ما قبلها فصار النظر إلى حال وجودها كالمسافر لمعصية إذا تاب فإنه يعطى من سهم ابن السبيل
قال الرافعي ولم يتعرضوا هنا لمدة الاستبراء ليظهر حاله إلا أن الروياني قال يعطى إذا غلب على الظن صدقه في توبته فيمكن حملا على إطلاقهم عليه قال في المجموع والظاهر ما قاله الروياني وإن قصرت المدة
والثاني لا يعطى لأنه ربما اتخذ ذلك ذريعة ثم يعود قال الإمام ولو استدان لمعصية ثم صرفه في مباح أعطي وفي عكسه يعطى أيضا إن عرف قصد الإباحة أو لا ولكنه لا يصدق فيه والأولى واردة على المصنف واستدراكه لما يفهمه عموم مفهوم الشرط من قوله إن استدان في غير معصية فإنه يفهم أن المستدين لمعصية لا يعطى مطلقا ولهذا نقل في الروضة عن المحرر الجزم بأنه لا يعطى ومراده ما اقتضاه عموم المفهوم
( والأظهر اشتراط حاجته ) أي المستدين بأن لا يقدر على وفاء ما استدانه لأنه إنما يأخذ لحاجته كالمكاتب فلو وجد ما يقضي به دينه لم يعط
قال الرافعي ومن المهم البحث عن معنى الحاجة وعبارة أكثرهم تقتضي كونه فقيرا لا يملك شيئا وربما صرحوا به
ثم قال والأقرب قول بعض المتأخرين لا يعتبر الفقر والمسكنة بل لو ملك قدر كفايته ولو قضى دينه مما معه تمسكن فيترك له مما معه ما يكفيه ويعطى ما يقضي به باقي دينه ووافقه في الروضة والمجموع
تنبيه قد يفهم كلام المصنف أمرين أحدهما أنه لو قدر على قضاء دينه بالاكتساب أنه لا يعطى والأصح كما في الروضة أنه يعطى لأنه لا يقدر على قضائه إلا بعد زمن وحاجته حاصلة في الحال لثبوت الدين في ذمته وقد يقال هو حينئذ محتاج
ثانيهما عود الخلاف إلى التائب تفريعا على إعطائه وليس مرادا بل اشتراط الحاجة مجزوم به في هذه الصورة والخلاف عائد للاستدانة في غير معصية ( دون حلول الدين ) فلا يشترط في الأظهر كما يشعر به كلامه لكن قوله ( قلت الأصح اشتراط حلوله والله أعلم ) يقتضي أن الخلاف وجهان وهو ما في الشرحين والروضة وإنما لم يعط قبل الحلول لعدم حاجته إليه الآن وقد تقدم الفرق بينه وبين المكاتب
ثم شرع في الضرب الثاني فقال ( أو ) أي أو استدان ( لإصلاح ذات البين ) أي الحال بين القوم كأن يخاف فتنه بين شخصين أو قبيلتين
____________________
(3/110)
وقع النزاع بينهما في قتيل لم يظهر قاتله فيستدين ما يسكن به الفتنة وما دون النفس من الأطراف وغيرها
وإتلاف المال في ذلك كالنفس كما شمل ذلك عبارة المصنف ( أعطي ) إن كان الدين باقيا ( مع الغنى ) بالعقار قطعا وبالعرض على المذهب وبالنقد على الأصح ( وقيل إن كان غنيا بنقد فلا ) يعطى حينئذ لأن إخراجه في الغرم ليس فيه مشقة غيره
وأجاب الأول بعموم الآية ولأنه لو شرط الفقر فيه لقلت الرغبة في هذه المكرمة
أما إذا لم يكن الدين باقيا كأن أداه من ماله فإنه لا يعطى
الضرب الثالث الذي أسقطه المصنف من لزمه دين بطريق الضمان عن معين لا في تسكين فتنة فيعطى إن أعسر مع الأصل وإن لم يكن متبرعا بالضمان أو أعسر وحده وكان متبرعا بالضمان لأنه إذا غرم لا يرجع عليه بخلاف ما إذا ضمن بالإذن وصرفه إلى الأصيل المعسر أولى لأن الضامن فرعه وإن أعسر الأصيل وحده أعطي دون الضامن بخلاف الأصيل أو الضامن الموسر إذ لا حق له في الزكاة
وإذا أعطي الضامن وقضى به الدين لم يرجع على الأصيل وإن ضمن بإذنه وإنما يرجع إذا غرم من عنده بشرطه وإن كانا موسرين لم يعط واحد منهما
ولو استدان لمصلحة عامة كقرى ضيف وعمارة مسجد وبناء قنطرة وفك أسير فهو كمن استدان لمصلحة نفسه كما قاله السرخسي وجرى عليه أبو عبد الله الحجازي في مختصر الروضة وجزم به في الأنوار وقال الأذرعي هو الذي يقتضيه كلام الأكثرين واعتمده شيخي وقيل يعطى عند العجز عن النقد لا عن غيره كالعقار وجرى عليه الروياني والماوردي وجزم به ابن المقري في روضه وحكى في الروضة المقالتين من غير الترجيح
تنبيه اشتراط المصنف حلول الدين في الضرب الأول يقتضي أنه لا يشترط في الضرب الثاني ووجه بأنه كما يجوز الإعطاء فيه مع الغني يجوز مع التأجيل وظاهر كلامهم أنه لا فرق إذ لا طلب للمدين الآن والتسليم لما يستحقه المكاتب أو الغارم إلى السيد أو الغريم بإذن المكاتب أو الغارم أحوط وأفضل إلا أن يكون ما يستحقه أقل مما عليه وأراد أن يتجر فيه فلا يستحب تسليمه إلى من ذكر
وتسليمه إليه بغير إذن المكاتب أو الغارم لا يقع زكاة لأنهما المستحقان ولكن يسقط عنهما بقدر المصروف لأن من أدي عنه دينه بغير إذنه تبرأ ذمته ولو أعتق المكاتب أو أبرىء الغارم أو استغنيا وبقي مال الزكاة في أيديهما استرد منهما بزيادته المتصلة ولو أتلفاه قبل الإعتاق والبراءة لم يغرما لتلفه على ملكهما مع حصول المقصود أو بعده غرماه لعدم حصول المقصود به
وللمكاتب والغارم أن يتجرا في المأخوذ ليربحا فيه
ولو أراد أحدهما أن ينفق ما أخذه ويؤدي من كسبه منع المكاتب لا الغارم
ولو أدى الغارم الدين من قرض فلم يسترد منه ما أخذه حتى لزمه دين صار به غارما استرد منه لأنه صار كالمستسلف له قبل غرمه في أحد وجهين رجحه بعض المتأخرين وقيل لا لأنه يجوز دفعه إليه الآن
ولو بان القابض للزكاة من المالك غير مستحق لها كغني لم يحزه وإن أعطاها له ببينة شهدت له بالوصف الذي أعطاه به لانتفاء شرطه
ثم شرع في الصنف السابع فقال ( وسبيل الله تعالى غزاة ) ذكور لا فيء لهم أي لا اسم لهم في ديوان المرتزقة بل يتطوعون بالغزو حيث نشطوا له وهم مشتغلون بالحرف والصنائع
( فيعطون ) من الزكاة ( مع الغنى ) لعموم الآية وإعانة لهم على الغزو بخلاف من لهم الفيء وهم المرتزقة الثابت أسماؤهم في الديوان فلا يعطون من الزكاة ولو عدم الفيء في الأظهر بل يجب على أغنياء المسلمين إعانتهم
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان أهل الفيء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعزل عن أهل الصدقات وأهل الصدقات بمعزل عن أهل الفيء ولأنهم أخذوا بدل جهادهم من الفيء فلو أخذوا من الزكاة أخذوا بدلين عن بدل واحد وذلك ممتنع ولكل ضرب منهما أن ينتفل إلى الضرب الآخر
وإنما فسر سبيل الله بالغزاة لأن استعماله في الجهاد أغلب عرفا وشرعا بدليل قوله تعالى في غير موضع { يقاتلون في سبيل الله } فحمل الإطلاق عليه وإن كان سبيل الله بالوضع هو الطريق الموصلة إليه وهو أعم
ولعل اختصاصه بالجهاد لأنه طريق إلى الشهادة الموصلة إلى الله تعالى فهو أحق بإطلاق سبيل الله عليه
ثم شرع في الصنف الثامن فقال ( وابن
____________________
(3/111)
السبيل ) أي الطريق ( منشىء سفر ) مباح من محل الزكاة سواء أكان بلده أو مقيما فيه ( أو مجتاز ) به في سفره واحدا كان أو أكثر ذكرا أو غيره سمي بذلك لملازمته السبيل وهي الطريق
وإنما أفرده المصنف مع أنه يصدق على ما ذكر تأسيا بالكتاب العزيز فإنه لم يرد فيه إلا منفردا وهو حقيقة في المجتاز مجاز في المنشىء
وإعطاء الثاني بالإجماع والأول بالقياس عليه ولأن مريد السفر محتاج إلى أسبابه
وخالف في ذلك أبو حنفية ومالك رضي الله تعالى عنهما
( وشرطه ) في الإعطاء لا في التسمية ( الحاجة ) بأن لا يجد ما يكفيه غير الصدقة وإن كان له مال في مكان آخر أو كان كسوبا أو كان سفره لنزهة ( وعدم المعصية ) بسفره سواء أكان طاعة كسفر حج وزيارة أو مباحا كسفر تجارة أو مكروها كسفر منفرد لعموم الآية بخلاف سفر المعصية لا يعطى فيه قبل التوبة
وألحق به الإمام السفر لا لقصد صحيح كسفر البهائم
ولو كان له مال غائب ووجد من يقرضه نقل في المجموع عن ابن كج أنه يعطى وأقره وهو المعتمد وقيل لم يعطى كما نص عليه في البويطي ورد بأن النص ليس في الزكاة وإنما هو في الفيء
( وشرط آخذ الزكاة ) أي من يدفع إليه منها ( من هذه الأصناف الثمانية الإسلام ) فلا تدفع لكافر بالإجماع فيما عدا زكاة الفطر وباتفاق أكثر الأئمة فيها ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم تؤخذ الصدقة من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم رواه الشيخان
نعم الكيال والوزان والحافظ والحمال ويجوز كونهم كفارا مستأجرين من سهم العامل لأن ذلك أجرة لا زكاة
ولا يجوز أن يكون الكافر عاملا في الزكاة لأنا إن قلنا صدقة فلا حق له في الصدقة المفروضة وإن قلنا أجرة فلا ينصب فيها لعدم أمانته كما يجوز أن يستعمل على مال يتيم أو وقف
( و ) شرط آخذ الزكاة أيضا ( أن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا ) ولو انقطع عنهم خمس الخمس لخلو بيت المال من الفيء والغنيمة أو لاستيلاء الظلمة عليهما
وكذا يحرم عليهما الأخذ من المال المنذور صدقة كما اعتمده شيخي لعموم قوله صلى الله عليه وسلم إن هذه الصدقات لا تحل لمحمد ولا لآل محمد رواه مسلم وقال لا أحل لكم أهل البيت من الصدقات شيئا ولا غسالة الأيدي إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم أي بل يغنيكم رواه الطبراني
نعم لو استعملهم الإمام في الحفظ أو النقل فله أجرته كما في المجموع عن صاحب البيان وجزم به ابن الصباغ وغيره
فإن قيل هذا إما ضعيف أو مبني على أن يعطاه العامل أجرة لا زكاة والصحيح كما قال ابن الرفعة أنه زكاة
أجيب بأن محل ذلك إذا استؤجروا للنقل ونحوه كما في العبد والكافر يعملان فيهما بالأجرة
( وكذا مولاهم ) أي عتقاء بني هاشم وبني المطلب لا يحل لهم أخذ الزكاة ( في الأصح ) لخبر مولى القوم منهم رواه الترمذي وغيره وصححوه
والثاني يحل لهم أخذها لأن المنع للشرف في ذوي القربى وهو مفقود في مولاهم
وجرى على هذا في التنبيه وقال إن الأول ليس بشيء وهو قوي بدليل عدم كفاءتهم لمولاهم في النكاح وعدم استحقاقهم خمس الخمس
وادعى القاضي حسين أن المذهب أن مولاهم لا يلحق بهم ومع هذا فالمشهور في المذهب هو الأول
تنبيه كلام المصنف يوهم حصر الشروط فيما ذكره وليس مرادا فمنها الحرية فيما عدا المكاتب فلا يجوز دفع الزكاة إلى مبعض ولو في نوبة نفسه خلافا لابن القطان
ومنها أن يكون من بلد الزكاة على ما سيأتي على نقل الزكاة ومنها أن لا يكون ممن تلزمه نفقته نعم تستثنى الزوجة إن كانت غارمة كما ذكره صاحب الخصال
ولو كان لشخص أب قوي صحيح فقير لا يجب عليه نفقته هل يجوز أن يدفع إليه من زكاته من سهم الفقراء أو لا أفتى ابن يونس عماد الدين بالثاني وأخوه كمال الدين بالأول
قال ابن شهبة وهو ظاهر إذ لا وجه للمنع
وأفتى المصنف فيمن بلغ تارك الصلاة كسلا واستمر على ذلك أنه لا يجوز دفع الزكاة له بل يقبضها له وليه لسفهه وإن بلغ مصليا رشيدا ثم طرأ ترك الصلاة ولم يحجر عليه جاز دفعها له وصح قبضه بنفسه
وأفتى ابن البرزي بجواز دفعها إلى فاسق إلا أن يكون المدفوع إليه يعنيه على المعصية فيحرم إعطاؤه
وقال المروزي لا يجوز قبض الزكاة من أعمى ولا دفعها له بل يوكل فيها لأن التمليك شرط فيه
قال ابن الصلاح
وفساد هذا ظاهر وعمل الناس على خلافه وهو كما قال
ويؤيد الجواز ما
____________________
(3/112)
صححه في الروضة من السقوط فيما إذا دفع زكاته لمسكين وهو غير المدفوع جنسا وقدرا بأن كانت في كاغد ونحوه
فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها كل ( من طلب زكاة وعلم الإمام ) أو منصوبه لتفرقتها ( استحقاقه ) لها ( أو عدمه عمل بعلمه ) في ذلك فيعطي من علم استحقاقه لها ويمنع من علم عدم استحقاقه بل يحرم عليه حينئذ الصرف له ويجب عليه منعه
قال الرافعي ولم يخرجوه على القضاء بالعلم أي لم يجروا فيه الخلاف المذكور فيه بل جزموا به وفرق في المجموع بأن الزكاة مبنية على الرفق والمساهلة وليس فيها إضرار بالغير بخلاف القضاء بالعلم
تنبيه قوله من طلب ليس بقيد بل لو أراد الإمام تفرقتها بلا طلب كان الحكم كذلك وكذا قوله وعلم الإمام فلو فرقها المالك بنفسه أو بوكيله كان الحكم كذلك
( وإلا ) أي وإن لم يعلم الدافع استحقاق المريد الدفع إليه ولا عدمه ( فإن ادعى ) مريد الأخذ ( فقرا أو مسكنة لم يكلف بينة ) يقيمها على ذلك لعسرها ولم يحلف في الأصح إن اتهم فإن لم يتهم لم يحلف جزما لأنه صلى الله عليه وسلم أعطى اللذين سألاه الصدقة بعد أن أعلمهما أنه لاحظ فيها لغني ولم يطالبهما بيمين
وإن ادعى عدم الكسب وحاله يشهد بصدقه كأن كان زمنا أو شيخا كبيرا فإنه يصدق بلا بينة ولا يمين وكذا يصدق إن كان قويا جلدا في الأصح
( فإن عرف له ) أي من طلب زكاة ( مال ) يمنع من صرف الزكاة إليه ( وادعى تلفه كلف ) بينة على تلفه وهي رجلان أو رجل وامرأتان لسهولتها ولأن الأصل بقاؤه
قال الرافعي ولم يفرقوا بين أن يدعي تلفه بسبب ظاهر أو خفي كالوديع
قال المحب الطبري والظاهر التفرقة كالوديعة اه
وهذا هو المعتمد وإن فرق ابن الرفعة بينهما بأن الأصل هناك عدم الضمان وهنا عدم الاستحقاق فإن هذا يؤدي إلى عدم أخذ من ادعى ذلك بالكلية فإنه لا يصدق ولا يمكنه إقامة البينة وفي هذا حرج عظيم وقد قال تعالى { وما جعل عليكم في الدين من حرج }
تنبيه أطلق في زيادة الروضة في قسم الفيء أن من ادعى أنه مسكين أو ابن سبيل قبل بلا بينة وهو محمول على هذا التفصيل المذكور
( وكذا إن ادعى ) من طلب زكاة ( عيالا ) له لا يفي كسبه بكفايتهم كلف البينة على العيال ( في الأصح ) لأن الأصل عدمهم ولسهولة إقامة البينة على ذلك والمراد بهم من تلزمه نفقتهم
قال شيخنا وقول السبكي نفقتها وكذا من لم تلزمه ممن تقضي المروءة بقيامه بنفقتهم ممن يمكن صرف الزكاة إليه من قريب وغيره بعيد
( ويعطى غاز ) جاء وقت خروجه كما في الروضة وأصلها ( وابن السبيل ) كذلك قياسا عليه ( بقولهما ) بلا بينة ولا يمين على الأصح لأنه لأمر مستقبل
( فإن لم يخرجا ) مع الرفقة وإن تأهبا للغزو والسفر ( استرد ) منهما ما أخذاه لأن صفة الاستحقاق لم تحصل
ولم يتعرض الجمهور للقدر الذي يحتمل تأخيره وقدره السرخسي بثلاثة أيام
قال الرافعي ويشبه أنها تقريب أي فيحتمل تأخير الخروج لانتظار الرفقة وتحصيل الأهبة ونحوهما
قال الرافعي ولو مات الغازي في الطريق أو امتنع من الغزو استرد منه ما بقي وهو يدل على أنه لا يسترد جميع ما أخذه وهذا كما قال ابن الرفعة ظاهر في حالة موته دون امتناعه
تنبيه مقتضى عبارة المصنف أن الغازي وابن السبيل إذا خرجا ورجعا وفضل شيء لم يسترد منهما وليس على إطلاقه بل يسترد من ابن السبيل مطلقا
وأما الغازي فإن غزا ورجع وبقي معه شيء صالح ولم يقتر والباقي على نفسه استرد منه ذلك فقط لأنا تبينا أن المعطي فرق حاجته فإن قتر على نفسه أو لم يقتر والباقي لم يسترد منه شيء
ولا يختص الاسترداد بهما بل إذا أعطي المكاتب ثم استغنى عما أعطيناه بتبرع السيد بإعتاقه أو إبرائه عن النجوم استرد ما قبضه على
____________________
(3/113)
الأصح لأن المقصود حصول العتق بالمال المدفوع إليه ولم يحصل
قال في البيان ولو سلم بعض المال لسيده فأعتقه فمقتضى المذهب أنه لا يسترد منه لاحتمال أنه إنما أعتقه بالمقبوض
قال في المجموع وما قاله متعين
قال الرافعي ويجري الخلاف في الغارم إذا استغنى عما أخذه بإبراء أو نحوه
( ويطالب عامل ومكاتب وغارم ببينة ) بالعمل والكتابة والغرم لسهولتها ولا بد أيضا أن يقيم المكاتب بينة بما بقي عليه من النجوم كما قاله الماوردي
قال السبكي العامل ومطالبة بالبينة محلها إذا أتى لرب المال وطالب وجهل حاله أما الإمام فإنه يعلم حاله فإنه الذي يبعثه فلا نتأتى البينة فيه
قال الأذرعي وقد يتصور فيما إذا فوض إليه الإمام التفرقة ثم جاء وادعى القبض والتفرقة وطلب أجرته من المصالح
واستثنى ابن الرفعة تبعا لجماعة من الغرم ما إذا غرمه لإصلاح ذات البين لشهرة أمره
وقال صاحب البيان إنه لا بد من البينة وهو قضية كلام الإحياء
قال الأذرعي ولعل هذا فيمن لم يستفض غرمه لذلك ويرجع الكلام إلى أنه إن اشتهر لم يحتج إلى البينة وإلا احتاج كالغارم لمصلحته وهذا جمع بين الكلامين وهو حسن
( وهي ) أي البينة هنا وفيما مر ( إخبار عدلين ) بصفة الشهود ولا يعتبر لفظ الشهادة كما استحسنه الرافعي في الشرح الصغير
تنبيه أشعر تعبير المصنف ب إخبار أنه لا يحتاج لدعوى عند قاض وإنكار واستشهاد وهو كذلك بناء على قبول الاستفاضة المذكورة في قوله ( ويغني عنها ) البينة في كل مطالبة بها من الأصناف كما قاله الرافعي ( الاستفاضة ) بين الناس لحصول غلبة الظن بها وسيأتي في الشهادات إن شاء الله تعالى إن شرطها التسامح من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب
( وكذا تصديق رب الدين ) في الغارم ( و ) تصديق ( السيد ) في المكاتب يعنى عن البينة في كل منهما ( في الأصح ) لظهور الحق بالإقرار والتصديق
والثاني لا لاحتمال التواطؤ
ورد بأنه يراعى المكاتب فإن عتق وإلا استرجع منه والغارم فإن وفى وإلا استرجع منه
تنبيه سكت المصنف رحمه الله تعالى عن المؤلفة وحكمهم أن من قال نيتي في الإسلام ضعيفة أنه يصدق بلا يمين لأن كلامه يصدقه وأن من ادعى الشرف بأن قال أنا شريف مطاع في قومي أو الكفاية بأن قال أنا أكفيكم شر من يليني من الكفار أو مانعي الزكاة أنه لا بد من إقامة البينة على ذلك
واعلم أن الكلام من أول الفصل إلى هنا في الصفات المقتضية للاستحقاق من الأصناف الثمانية ومن هنا إلى آخره في كيفية الصرف وقدره وقد شرع في ذلك فقال ( ويعطى الفقير والمسكين ) أي كل منهما إن لم يحسن كسبا بحرفة ولا تجارة ( كفاية سنة ) لأن الزكاة تتكرر كل سنة فتحصل بها الكفاية سنة وأيد بما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخر لأهله كفاية سنة ( قلت الأصح المنصوص ) في الأم ( و ) هو ( قول الجمهور ) أيضا يعطى كل منهما ( كفاية العمر الغالب ) لأن به تحصل الكفاية على الدوام
وفسر الكفاية بقوله ( فيشتري به عقارا يستغله ) ويستغني به عن الزكاة فليس المراد أن يدفع له كفاية عمره دفعة ( والله أعلم ) فإن وصل إلى العمر الغالب ماذا يدفع له لم أر من ذكره وقد سألت شيخي عن ذلك فقال يعطى كفاية سنة وهو ظاهر
تنبيه لم يعلم من كلام المصنف من يشتري العقار قال الزركشي وينبغي أن يكون الإمام ثم قال ويشبه أن يكون كالغازي إن شاء اشتري له وإن شاء دفع له وأذن له في الشراء اه
وهذا هو الظاهر
أما من يحسن الكسب بحرفة فيعطى ما يشتري به آلتها قلت قيمتها أو كثرت
قال الزركشي تفقها ولو اجتمع في واحد حرف أعطي بأقلها فإن لم تف بحاله تمم له ما يكفيه اه
والأوجه كما قال شيخنا أنه يعطى بالحرفة التي تكفيه أو بتجارة فيعطى ما يشترى به ما يحسن التجارة فيه ما يفي ربحه بكفايته غالبا
قال الرافعي وأوضحوه بالمثال فقالوا البقلي يكفيه خمسة دراهم
والباقلاني عشرة والفاكهاني عشرون والخباز خمسون والبقال مائة والعطار ألف والبزاز ألفان والصيرفي
____________________
(3/114)
خمسة آلاف والجوهري عشرة آلاف
وظاهر كما قال شيخنا أن ذلك على التقريب فلو زاد على كفايتهم أو نقص عنها نقص أو زيد ما يليق بالحال
تنبيه البقلي بموحدة هو من يبيع البقول والباقلاني من يبيع الباقلاء والبقال بموحدة الفامي وهو من يبيع الحبوب قيل والزيت
قال الزركشي ومن جعله بالنون فقد صحفه فإن ذلك يسمى النقلي لا النقال اه
وسكت المصنف وغيره عن أقل ما يدفع من الزكاة وفي الودائع ولابن سريج أقله أي من جهة الأولوية للمالك إذا لم ينحصر المستحقون أو انحصروا ولم يف بهم المال نصف درهم وأكثره ما يخرجه من حال الفقر إلى الغنى
( و ) يعطى ( المكاتب ) كتابة صحيحة ( والغارم ) أي كل منهما ( قدر دينه ) فقط وإن كان معهما البعض أعطيا التتمة فقط لأن كان الدفع لهما للحاجة
نعم الغارم لذات البين يعطى قدر دينه مطلقا كما علم مما مر
تنبيه كان الأولى للمصنف تثنية الضمير كما في المحرر أو يعطف الغارم ب أو
( و ) يعطى ( ابن السبيل ما ) أي شيئا إذا حان وقت خروجه يكفيه لنفقته وكسوته بحسب الحال صيفا وشتاء بحيث ( يوصله ) ذلك ( مقصده ) بكسر الصاد إن لم يكن له في طريقه إليه
مال
( أو ) يعطى ما يوصله ( موضع ماله ) إن كان له مال في طريقه فإن كان معه بعض ما يكفيه كمل له كفايته ذهابا وكذا رجوعا إن كان عازما على الرجوع وليس له في مقصده ولا طريقه ما يكفيه ولا يعطى لمدة الإقامة إلا إقامة مدة المسافرين كما في الروضة وهذا شامل لما إذا قام لحاجة يتوقعها كل وقت فيعطى لثمانية عشر يوما وهو المعتمد وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين
( و ) يعطى ( الغازي ) إذا حان وقت خروجه ( قدر حاجته ) في غزوه ( نفقة وكسوة ) لنفسه وكذا لعياله كما صرح به الفارقي وابن أبي عصرون في النفقة وقال الرافعي ليس ببعيد وقياسا في الكسوة ( ذاهبا وراجعا ومقيما هناك ) في موضع الغزو إلى الفتح وإن طالت الإقامة لأن اسمه لا يزول بذلك بخلاف ابن السبيل
تنبيه سكتوا عن قدر المعطى لإقامته مع أنه لا يعرف في الابتداء مدة مقامه
قال الأذرعي ويحتمل إعطاؤه لأقل مدة يظن إقامته هناك وإن زادت المدة زيد بحسبها لكن قد يجره ذلك إلى نقل الزكاة إلى دار الحرب وصرفها هناك وقد يغتفر هذا للحاجة اه
وهذا هو الظاهر
( و ) يعطى ( فرسا ) أي قيمتها إن كان يقاتل فارسا ( وسلاحا ) أي قيمته للحاجة إليه ( ويصير ذلك ) أي الفرس والسلاح ( ملكا له ) فلا يسترد منه إذا رجع كما صرح به الفارقي
تنبيه قد علم مما تقرر أنه ليس للمالك أن يعطيه الفرس والسلاح لامتناع الإبدال في الزكاة وأما الإمام فله أن يشتري له ذلك ويعطيه له وله أن يشتري من هذا السهم خيلا وسلاحا ويوقفها في سبيل الله تعالى وله أن يستأجر له وأن يعيره مما اشتراه ووقفه
ويتعين أحدهما إن قل المال وإذا انقضت المدة استرد منه الموقوف والمستأجر والمعار
( ويهيأ له ) أي للغازي ( ولابن السبيل ) أي لكل منهما ( مركوب ) غير الذي يقاتل عليه الغازي بإجارة أو إعارة لا تمليك بقرينة ما يأتي
هذا ( إن كان السفر طويلا أو كان ) السفر قصيرا أو كان كل منهما ( ضعيفا لا يطيق المشي ) دفعا لضرورته فإن كان قصيرا وهو قوي فلا
تنبيه قضية كلامه كالمحرر أن المركوب غير الفرس الذي يقاتل عليه كما قررته
قال الأذرعي ولم يذكروا في الشرح والروضة في الغازي غير الفرس وذكرا تهيئة المركوب لابن السبيل فقط ولم يحضرني في ذلك تصريح للأصحاب بل قضية كلام كثير منهم أن مركوبه هو الفرس الذي يعطاه قال وقد يوجه ما في الكتاب بتوفير الخيل إلى وقت الحرب إذ لو ركبوها من دارنا إلى دار الحرب ربما كلت وعجزت عن الكر والفر حال المطاردة والقتال لاسيما إذا بعد
____________________
(3/115)
المغزى اه
وما وجه به هو المراد وهو ظاهر
( و ) يهيأ لهما ( ما ) أي مركوب ( ينقل عليه ) كل منهما ( الزاد ومتاعه ) لحاجته إليه ( إلا أن يكون ) متاعه ( قدرا يعتاد مثله حمله بنفسه ) فلا لانتفاء الحاجة
تنبيه أفهم سياق كلام المصنف استرداد المركوب وما ينقل عليه الزاد والمتاع إذا رجعا وهو كذلك
وقضية إطلاقه التهيئة لابن السبيل ولو كان سفره للنزهة قال الزركشي وهو بعيد والمتجه منع صرف الزكاة فيما لا ضرورة إليه اه
وينبغي حمل هذا على ما إذا كانت النزهة هي الحاملة له على السفر
وسكت المصنف عن إعطاء المؤلفة والعامل أما المؤلفة فيعطيهم الإمام بحسب ما يراه أو المالك إن فرق على قولنا إنه يعطي المؤلفة وهو الراجح وأما العامل فيستحق من الزكاة أجرة مثل ما عمله فإن شاء بعثه الإمام بلا شرط ثم أعطاه إياه وإن شاء سماها له إجارة أو جعالة ثم أداه من الزكاة فإن أداها المالك قبل قدوم العامل أو حملها إلى الإمام أو نائبه فلا شيء له
وليس للإمام أن يستأجره بأكثر من أجرة مثله فإن زاد عليها بطلت الإجارة لتصرفه بغير المصلحة والزائد من سهم العامل على أجرته يرجع للأصناف وإن نقص سهمه عنها كمل قدرها من الزكاة ثم قسم الباقي وإن رأى الإمام أن يجعل أجرة العامل من بيت المال إجارة أو جعالة جاز وبطل سهمه فتقسم الزكاة على بقية الأصناف كما لو لم يكن عامل
فرع قال الدارمي إنما يجوز أن يعطى العامل إذا لم يوجد متطوع نقله الأذرعي عنه وأقره وهو يقتضي أن من عمل متبرعا لا يستحق شيئا على القاعدة وهو ما جزم به ابن الرفعة ورده السبكي بأن هذا فرضه الله تعالى لمن عمل كالغنيمة يستحقها المجاهد وإن لم يقصد إلا إعلاء كلمة الله تعالى فإذا عمل على أن لا يأخذ شيئا استحق وإسقاطه بعد العمل لما ملكه به لا يصح إلا بما ينقل الملك من هبة أو نحوها وليس كمن عمل لغيره عملا بقصد التبرع حتى يقال إن القاعدة أنه لا يستحق لأن ذلك فيما يحتاج إلى شرط من المخلوق وهذا من الله تعالى كالميراث والغنيمة والفيء
( ومن فيه صفتا استحقاق ) للزكاة كالفقر والغرم ولو كان عاملا فقيرا ( يعطى بإحداهما فقط في الأظهر ) لأن العطف في الآية يقتضي التغاير
والثاني يعطى بها لاتصافه بهما
تنبيه محل الخلاف إذا كان من زكاة واحدة أما إذا كان أخذ من زكاة بصفة ومن أخرى بصفة أخرى فهو جائز
ولو أخذ فقير غارم مع الغارمين نصيبه من سهمهم فأعطاه غريمه أعطي مع الفقراء نصيبه من سهمهم لأنه الآن محتاج كما نقله في الروضة عن الشيخ نصر وأقره
قال الزركشي فالمراد امتناع أخذه بهما دفعه أي أو مرتبا ولم يتصرف فيما أخذه أولا كما قاله شيخنا
أما من فيه صفتا استحقاق للفيء أي وإحداهما الغزو كغاز هاشمي فيعطى بهما
4 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها ( يجب استيعاب ) أي تعميم ( الأصناف ) الثمانية بالزكاة حتى زكاة الفطر ( إن ) أمكن بأن ( قسم الإمام ) أو نائبه ( وهناك عامل ) مع بقية الأصناف ولم يجعل له الإمام شيئا من بيت المال ولو قسم العامل كان الحكم كذلك فيعزل حقه ثم يفرق الباقي على سبعة
وإنما وجب التعميم لظاهر الآية
ولقوله صلى الله عليه وسلم لسائلة الزكاة إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك رواه أبو داود
فإن شقت القسمة في زكاة الفطر جمع جماعة فطرتهم ثم قسموها على سبعة
واختار جماعة من أصحابنا منهم الإصطخري جواز صرفها إلى ثلاثة من المستحقين واختاره السبكي
وحكى الرافعي عن اختيار صاحب التنبيه جواز صرفها إلى واحد قال في البحر وأنا أفتي به
قال الأذرعي وعليه العمل في الأعصار والأمصار وهو المختار والأحوط دفعها إلى ثلاثة
____________________
(3/116)
قال والقول بوجوب استيعاب الأصناف وإن كان ظاهر المذهب بعيد لأن الجماعة لا يلزمهم خلط فطرتهم والصاع لا يمكن تفرقته على ثلاثة من كل صنف في العادة
( وإلا ) بأن قسم المالك أو الإمام ولا عامل بأن حمل كل من أصحاب الأموال زكاته إلى الإمام أو استأجر الإمام عاملا من بيت المال ( فالقسمة ) حينئذ ( على سبعة ) لسقوط سهم العامل فيدفع لكل صنف منهم سبع الزكاة قل عده أو كثر
( فإن فقد بعضهم ) من البلد وغيره ( فعلى الموجودين ) منهم إذ المعدوم لا سهم له
قال ابن الصلاح والموجود الآن أربعة فقير ومسكين وغارم وابن سبيل
وقال ابن كج سمعت القاضي أبا حامد يقول أنا أفرق زكاة مالي على الفقراء والمساكين لأني لا أجد غيرهم
ولعل هذا كان في زمنهم وأما في زماننا فلم نفقد إلا المكاتبين لكن جاء في الخبر أن في آخر الزمان يطوف الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها
تنبيه شمل إطلاق المصنف فقد البعض صورتين إحداهما فقد صنف بكماله كالمكاتبين والثانية فقد بعض صنف بأن لا يجد منه إلا واحدا أو اثنين وفي زيادة الروضة أنه يصرف باقي السهم إليه إن كان مستحقا ولا ينقل لبلد آخر فإن لم يوجد أحد منهم في بلد الزكاة ولا غيرها حفظت الزكاة حتى يوجدوا أو بعضهم فإن وجدوا وامتنعوا من أخذها قاتلهم الإمام على ذلك كما قاله سليم في المجرد لأن أخذها فرض كفاية ولا يصح إبراء المستحقين المحصورين المالك من الزكاة وإن وجدوا في غير بلد الزكاة فسيأتي حكمه في نقل الزكاة
( وإذا قسم الإمام ) أو نائبه المفروض إليه الصرف ( استوعب ) وجوبا ( من الزكوات الحاصلة عنده آحاد كل صنف ) لأنه لا يتعذر عليه الاستيعاب ولا يجب عليه أن يستوعب في زكاة كل شخص جميع الأصناف بل له أن يعطى زكاة شخص بكمالها لواحد وأن يخص واحدا بنوع وآخر بغيره لأن الزكوات كلها في يده كالزكاة الواحدة
تنبيه محل وجوب الاستيعاب كما قال الزركشي إذا لم يقل المال فإن قل بأن كان قدرا لو وزعه عليهم لم يسد لم يلزمه الاستيعاب للضرورة بل يقدم الأحوج فالأحوج أخذا من نظيره في الفيء
( وكذا يستوعب ) وجوبا المالك آحاد كل صنف ( إن انحصر المستحقون في البلد ) بأن سهل عادة ضبطهم ومعرفة عددهم وسيأتي بيان ضابط العدد المحصور في باب ما يحرم من النكاح إن شاء الله تعالى
( ووفى بهم ) أي بحاجتهم ( المال ) ويجب التسوية بينهم حينئذ فإن أخل أحدهما بصنف ضمن ما كان يعطيه له ابتداء لكن الإمام إنما يضمن من مال الصدقات لا من ماله بخلاف المالك قاله الماوردي
( وإلا ) أي وإن لم ينحصروا أو انحصروا ولم يف المال بحاجتهم ( فيجب ) في غير العامل ( إعطاء ثلاثة ) فأكثر من كل صنف لأن الله تعالى أضاف إليهم الزكوات بلفظ الجمع وأقله ثلاثة فلو دفع لاثنين غرم للثالث أقل متمول على الأصح في المجموع لأنه لو أعطاه ابتداء خرج عن العهدة فهو القدر الذي فرط فيه وقيل يغرم له الثلث
أما العامل فيجوز أن يكون واحدا إن حصلت به الكفاية
( وتجب التسوية بين الأصناف ) سواء أقسم الإمام أو المالك وإن كانت حاجة بعضهم أشد لانحصارهم ولأن الله تعالى جمع بينهم بواو التشريك فاقتضى أن يكونوا سواء
تنبيه يستثنى من ذلك صورتان الأولى العامل فإنه لا يزاد على أجرته كما مر
الثانية الفاضل نصيبه عن كفايته فإنه يعطى قدر كفايته فقط
و ( لا ) يجب على المالك التسوية ( بين آحاد الصنف ) لأن الحاجات متفاوتة غير منضبطة فاكتفي بصدق الاسم بل يستحب عند تساوي حاجاتهم
فإن تفاوتت استحب التفاوت بقدرها بخلاف الوصية لفقراء بلد فإنه يجب التسوية بينهم لأن الحق فيها لهم على التعيين حتى لو لم يكن ثم فقير بطلت الوصية
وهذا لم يثبت الحق لهم على التعيين وإنما تعينوا لفقد غيرهم ولهذا لو لم يكن في البلد مستحق لا تسقط الزكاة بل ينقل
____________________
(3/117)
إلى بلد آخر
( إلا أن يقسم الإمام فيحرم عليه التفضيل مع تساوي الحاجات ) لأن عليه التعميم فكذا التسوية ولأنه نائبهم فلا يفاوت بينهم عند تساوي حاجاتهم بخلاف المالك فيهما وهذا ما جرى عليه الرافعي في شرحية عن التتمة لكنه قال في الروضة قلت ما في التتمة وإن كان قويا في الدليل فهو خلاف مقتضى إطلاق الجمهور استحباب التسوية
وعليه جرى ابن المقري في روضه والمعتمد ما في الكتاب
وخرج بقوله مع تساوي الحاجات ما لو اختلفت فيراعيها
وإذا لم يجب الاستيعاب يجوز الدفع للمستوطنين والغرباء ولكن المستوطنون أولى لأنهم جيرانه
( والأظهر منع نقل الزكاة ) من بلد الوجوب الذي فيه المستحقون إلى بلد آخر فيه مستحقوها فتصرف إليهم قالوا لخبر الصحيحين صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ولامتداد أطماع أصناف كل بلدة إلى زكاة ما فيها من المال والنقل يوحشهم
والثاني الجواز لإطلاق الآية وليس في الحديث دلالة على عدم النقل وإنما يدل على أنها لا تعطى لكافر كما مر وقياسا على نقل الوصية والكفارات والنذر
وأجاب الأول عن القياس بأن الأطماع لا تمتد إلى ذلك امتدادها إلى الزكاة
تنبيه كلامه يفهم أن القولين في التحريم لكن الأصح أنهما في الأجزاء وأما التحريم فلا خلاف فيه
وإطلاقه يقتضي أمورا أحدها جريان الخلاف في مسافة القصر وما دونها وهو كذلك ولو كان النقل إلى قرية بقرب البلد
الثاني جريانه سواء أكان أهل السهام محصورين أم لا وهو قضية كلام الماوردي والإمام وغيرهما وخصه في الشافعي بعدم انحصارهم فلو انحصروا حولا تملكوها وتعين صرفها إليهم وتنتقل إلى ورثتهم ولو كانوا أغنياء ومن دخل قبل القسمة لا شيء له وهذا ظاهر كما سيأتي
الثالث أنه لا فرق بين الإمام وغيره وليس مرادا بل إنما هو في المالك كما قاله الرافعي أما الإمام والساعي فقال في المجموع الأصح الذي تقتضيه الأحاديث جواز النقل للإمام والساعي وقال الأذرعي إنه الصواب الذي دلت عليه الأخبار وسيرة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم اه
والعبرة في نقل الزكاة المالية ببلد المال حال الوجوب وفي زكاة الفطر ببلد المؤدى عنه اعتبارا بسبب الوجوب فيهما ولأن نظر المستحقين يمتد إلى ذلك فيصرف العشر إلى مستحقي بلد الأرض التي حصل فيها العشر وزكاة النقدين والمواشي والتجارة إلى مستحقي البلد الذي تم فيه حولها
ويستثنى من ذلك مسائل منها ما لو كان للمالك بكل بلد عشرون شاة فله إخراج شاة في أحد البلدين حذرا من التشقيص بخلاف ما لو وجب عليه في غنم كل بلد شاة فإنه لا يجوز النقل لانتفاء التشقيص
ومنها ما لو وجبت عليه زكاة ماله والمال ببادية ولا مستحق فيها فله نقله إلى مستحق أقرب بلد إليه
ومنها أهل الخيام غير المستقرين بموضع بأن كانوا ينتقلون من موضع إلى آخر دائما فلهم إن لم يكن فيهم مستحق نقل واجبهم إلى أقرب بلد إليهم وإن استقروا بموضع لكن قد يظعنون عنه ويعودون إليه ولم يتميز بعضهم عن بعض في الحلل وفي المرعى وفي الماء صرف إلى من هو فيما دون مسافة القصر من موضع الوجوب لكونه في حكم الحاضر ولهذا عد مثله في المسجد الحرام من حاضريه والصرف إلى الظاعنين معهم أولى لشدة جوارحهم فإن تميز بعضهم عن بعض بما ذكر فالحلة كالقرية في حكم النقل مع وجود المستحق فيها فيحرم النقل عنها
( ولو عدم الأصناف في البلد ) الذي وجبت الزكاة فيها وفضل عنهم شيء ( وجب النقل ) لها إلى أقرب البلاد لبلد الوجوب فإن نقل لأبعد منها فعلى الخلاف السابق في نقل الزكاة
( أو ) عدم ( بعضهم ) أي الأصناف غير العامل أو فضل شيء عن بعض وجد منهم ( وجوزنا النقل ) مع وجودهم ( وجب ) نقل نصيب الصنف المعدوم إلى ذلك الصنف بأقرب بلد
أما العامل فنصيبه يرد على الباقين كما علم مما مر ( وإلا ) بأن لم نجوز النقل ( فيرد ) نصيب البعض أو ما فصل عنه ( على الباقين ) حتما إن نقص نصيبهم عن كفايتهم فلا ينقل إلى غيرهم لانحصار الاستحقاق فيهم
( وقيل ينقل ) حتما إلى أقرب بلد لأن استحقاق الأصناف منصوص عليه فيقدم على رعاية المكان الثابت بالاجتهاد
وأجاب الأول بأن عدم الشيء في موضعه
____________________
(3/118)
كالعدم المطلق فإن نقل ضمن
تنبيه حيث جاز النقل أو وجب فمؤنته على المالك
نعم إن قبضه الساعي من المالك فمؤنة النقل من مال الزكاة قاله الأذرعي
( وشرط الساعي ) وهو العامل ( كونه حرا ) ذكرا مكلفا ( عدلا ) في الشهادات كلها فلا بد أن يكون سميعا بصيرا لأنه نوع ولاية فكان ذلك من شرطها كغيرها من الولايات
تنبيه استغنى بذكر العدالة عن اشتراط الإسلام
( ففيها بأبواب الزكاة ) فيما تضمنته ولايته كما قيده الماوردي ليعلم من يأخذ وما يؤخذ
هذا إذا كان التفويض عاما
( فإن عين له أخذ ودفع ) فقط ( لم يشترط الفقه ) المذكور لأنه قطع اجتهاده بالتعيين
وأما بقية الشروط فيعتبر منها التكليف والعدالة وكذا الإسلام كما اختاره في المجموع دون الحرية والذكورة
ومثل الساعي أعوان العامل من كتابه وحسابه وجباته ومستوفيه نبه عليه الماوردي في حاويه
ويقسم الزكاة ساع قلد القسمة أو أطلق تقييده بخلاف ما لو قلد الأخذ وحده ليس له أن يقسم
فإن كان الساعي جائرا في أخذ الزكاة عادلا في قسمها جاز كتمها عنه ودفعها إليه
أو كان جائرا في القسمة عادلا في الأخذ وجب كتمها عنه فلو أعطيها طوعا أو كرها أجزأت وإن لم يوصلها إلى المستحقين لأنه نائبهم كالإمام
( وليعلم ) الإمام ولو بنائبه ( شهرا لأخذها ) ليتهيأ أرباب الأموال لدفعها والمستحقون لأخذها
ويسن كما نص عليه الشافعي والأصحاب كون ذلك الشهر المحرم لأنه أول العام وهذا فيما يعتبر فيه العام فإن لم يكن كالزرع والثمار فيبعث وقت وجوبها وهو في الزرع عند الاشتداد وفي الثمار عند بدو الصلاح قاله الجرجاني وغيره
والأشبه كما قال الأذرعي أن لا يبعث في زكاة الحبوب إلا عند تصفيتها بخلاف الثمار فإنها تخرص حينئذ فإن بعث خارصا لم يبعث الساعي إلا عند جفافها
تنبيه كلام المصنف قد يفهم أن هذا الإعلام واجب والصحيح ندبه
ويجب على الإمام بعث السعاة لأخذ الزكاة كما في الروضة وأصلها
تتمة يسن للإمام أو نائبه تفريق الزكاة أن يكون عارفا عدد المستحقين وقدر حاجاتهم وأن يبدأ بإعطاء العاملين فإن تلف المال تحت أيديهم بلا تقصير فأجرتهم من بيت المال
ويحرم على الإمام أو نائبه بيع شيء من الزكاة ولا يصح بيعها إلا عند وقوعها في خطر كأن أشرفت على هلاك أو حاجة مؤنة أو رد حيران فإن باع بلا عذر ضمن فإن كان المستحقون جماعة والزكاة شاة مثلا أخذوها ولا تباع عليهم ليقسم ثمنها
ويستحق العامل الزكاة بالعمل والأصناف بالقسمة
نعم إن انحصر المستحقون في ثلاثة فأقل وكذا لو كانوا أكثر ووفى بهم المال استحقوها من وقت الوجوب فلا يضرهم حدوث غنى أو غيبة
ولو مات أحد منهم دفع نصيبه لوارثه حتى لو كان المزكي وارثه أخذ من وقت الوجوب فلا يضرهم حدوث غني أو غيبة
ولو مات أحد منهم دفع نصيبه لوارثه حتى لو كان المزكي وارثه أخذ من نصيبه وسقطت عنه النية لسقوط الدفع لأنه لا يدفع عن نفسه بنفسه ولا يشاركهم قادم ولا غائب عنهم وقت الوجوب
ويضمن الإمام إن أخر التفريق بلا عذر بخلاف الوكيل بتفريقها إذ لا يجب عليه التفريق بخلاف الإمام
ولا يشترط معرفة المستحق قدر ما أخذه فلو دفع إليه صرة ولم يعلم قدرها أجزأه زكاة وإن تلفت في يده
وإن اتهم رب المال فيما يمنع وجوب الزكاة كأن قال لم يحل علي الحول لم يجز تحليفه وإن خالف الظاهر بما يدعيه كأن قال أخرجت زكاته أو نعته
ويسن للمالك إظهار إخراج الزكاة لئلا يساء الظن به ولو ظن آخر الزكاة أنه أعطى ما يستحقه غيره من الأصناف حرم عليه الأخذ وإذا أراد الأخذ منها لزمه البحث عن قدرها فيأخذ بعض الثمن بحيث يبقى ما يدفعه إلى اثنين من صنفه ولا أثر لما دون غلبة الظن
ولو أخر تفريق الزكاة إلى العام الثاني فمن كان فقيرا أو مسكينا أو غارما أو مكاتبا من عامه إلى العام الثاني خصوا بزكاة الماضي وشاركوا غيرهم في العام الثاني فيعطون من زكاة العامين ومن كان غارما أو ابن سبيل أو مؤلفا لم يخصوا بشيء
ووجهه أن هؤلاء لما يستقبل بخلاف هؤلاء
( ويسن وسم نعم الصدقة والفيء ) والجزية لتتميز عن غيرها ويردها واجدها لو شردت أو ضلت وليعرفها المتصدق فلا يتملكها بعد لأنه
____________________
(3/119)
يكره له كما سيأتي والأصل في ذلك الاتباع في نعم الصدقة والقياس في غيرها
أما نعم غير الزكاة والفيء فوسمه مباح لا مندوب ولا مكروه قاله في المجموع
وكالنعم الخيل والبغال والحمير والفيلة
والوسم بالمهملة التأثير بالكي وغيره وجوز بعضهم الإعجام حكاه المصنف في شرح مسلم وبعضهم فرق فجعل المهملة للوجه والمعجمة لسائر الجسد
ويكتب على نعم الزكاة ما يميزها عن غيرها فيكتب عليها زكاة أو صدقة أو طهرة أولله وهو أبرك وأولى اقتداء بالسلف ولأنه أقل حروفا فهو أقل ضررا قاله الماوردي والروياني وحكى ذلك في المجموع عن ابن الصباغ وأقره
وعلى نعم الجزية جزية أو صغار بفتح الصاد أي ذل وهذا أولى لقوله تعالى { وهم صاغرون }
فإن قيل لم جاز الوسم بالله مع أنها قد تتمرغ على النجاسات أجيب بأن الغرض التمييز لا الذكر
قال الأذرعي والحرف الكبير ككاف الزكاة أو صاد الصدقة أو جيم الجزية أو فاء الفيء كاف ويكتب ذلك ( في موضع ) ظاهر صلب ( لا يكثر شعره ) والأولى في الغنم آذانها وفي غيرها أفخاذها
ويكون وسم الغنم ألطف من البقر والبقر ألطف من الابل والإبل ألطف من الفيلة
( ويكره ) الوسم ( في الوجه ) للنهي عنه ( قلت الأصح يحرم وبه جزم ) الإمام محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود ( البغوي ) في تهذيبه ( وفي صحيح مسلم ) بن الحجاج بن مسلم القشيري نسبا النيسابوري وطنا مات سنة إحدى وستين ومائتين عن خمس وخمسين سنة
( لعن فاعله والله أعلم ) أشار إلى حديث جابر رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم مر بحمار وسم في وجهه فقال لعن الله الذي وسمه
قال الإسنوي وقد نص عليه أيضا في الأم قال والخبر عندنا يقتضي التحريم فينبغي رفع الخلاف وحمل الكراهة على التحريم أو أن قائله لم يبلغه الحديث
قال في المجموع وهذا في غير الآدمي أما الآدمي فوسمه حرام إجماعا
وقال فيه أيضا يجوز الكي إذا دعت الحاجة إليه بقول أهل الخبرة وإلا فلا سواء نفسه أو غيره من آدمي أو غيره ويجوز خصاء ما يؤكل في صغره لأنه يطيب اللحم ويحرم في الكبير وكذا خصاء ما لا يؤكل ويحرم التهريش بين البهائم ويكره إنزاء الحمر على الخيل قاله الدميري وعكسه قال الأذرعي والظاهر تحريم إنزاء الخيل على البقر لضعفها وتضررها بكبر آلة الخيل
فصل في صدقة التطوع وهي المرادة عن الإطلاق غالبا ( صدقة التطوع سنة ) للكتاب والسنة فمن الكتاب قوله تعالى { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم من أطعم جائعا أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنا على ظمإ سقاه الله عز وجل يوم القيامة من الرحيق المختوم ومن كسا مؤمنا عاريا كساه الله من خضر الجنة رواه أبو داود والترمذي بإسناد جيد وخضر الجنة بإسكان الضاد المعجمة ثيابها الخضر
وقوله صلى الله عليه وسلم ما تصدق أحد من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون أعظم من الجبل العظيم
وقد يعرض لها ما يحرمها كأن يعلم من آخذها أنه يصرفها في معصية
وقد تجب في الجملة كأن وجد مضطرا ومعه ما يطعمه فاضلا عن حاجته وذلك معلوم في محله
( وتحل لغني ) ولو من ذوي القربى على المشهور لقول جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له أتشرب من الصدقة فقال إنما حرم الله علينا الصدقة المفروضة
رواه الشافعي والبيهقي
ومثلهم مولاهم بل أولى لا للنبي صلى الله عليه وسلم على الأظهر تشريفا له ففي الصحيحين تصدق الليلة على غني وفيه لعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله
قال في الروضة ويستحب للغني التنزه عنها ويكره له التعرض لأخذها
قال الإسنوي ويكره له أخذها وإن لم يتعرض لها
ويحرم عليه أخذها إن أظهر الفاقة وعليه حملوا خبر الذي مات من أهل الصفة وترك دينارين فقال صلى الله عليه وسلم كيتان من نار
والمراد بالغني هو الذي يحرم عليه أخذ الزكاة
فإن قيل قد تقدم في الحديث أن الميت خلف دينارين وهذا ليس غني الزكاة
____________________
(3/120)
أجيب باحتمال أنه كان وصل العمر الغالب أو كان غناه بنفقة قريب أو كسب أو نحو ذلك فقد تطرق إليه الاحتمال فسقط به الاستدلال كما هو من قواعد إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه
ويعتبر في حلها له أن لا يظن الدافع فقره فإن أعطاه ظانا حاجته ففي الإحياء إن علم الآخذ ذلك لم يحل له ذلك وكذا إذا دفع إليه لعلمه أو صلاحه أو نسبه لم يحل له إلا أن يكون بالوصف المظنون ( و ) تحل لشخص ( كافر ) ففي الصحيحين في كل كبد رطبة أجر وأما حديث ولا يأكل طعامك إلا تقي أريد به بالأولى
تنبيه قضية إطلاقه الكافر أنه لا فرق بين الحربي وغيره وهو ما في البيان عن الصيمري والأوجه ما قاله الأذرعي من أن هذا فيمن له عهد أو ذمة أو قرابة أو يرجى إسلامه أو كان بأيدينا بأسر ونحوه فإن كان حربيا ليس فيه شيء مما ذكر فلا
وشمل إطلاقه للصدقة عليه من أضحية تطوع والأوجه المنع كما نص عليه في البويطي
( ودفعها سرا ) أفضل من دفعها جهرا الآية { إن تبدوا الصدقات فنعما هي } ولما في الصحيحين في خبر السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه من قوله صلى الله عليه وسلم ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تدري شماله ما أنفقت يمينه
نعم إن كان ممن يقتدى به وأظهرها ليقتدي به من غير رياء ولا سمعة فهو أفضل
( و ) دفعها ( في رمضان ) أفضل من دفعها في غيره لما رواه الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل قال صدقة في رمضان ولأن الفقراء فيه يضعفون ويعجزون عن الكسب بسبب الصوم
وتتأكد في الأيام الفاضلة كعشر ذي الحجة وأيام العيد وكذا في الأماكن الشريفة كمكة والمدينة وفي الغزو والحج وعند الأمور المهمة كالكسوف والمرض والسفر
قال الأذرعي ولا يفهم من هذا أن من أراد التطوع بصدقة أو بر في رجب أو شعبان مثلا أن الأفضل له أن يؤخره إلى رمضان أو غيره من الأوقات الفاضلة بل المسارعة إلى الصدقة أفضل بلا شك وإنما المراد أن التصدق في رمضان وغيره من الأوقات الشريفة أعظم أجرا مما يقع في غيرها
( و ) دفعها ( لقريب ) أقرب فأقرب رحما ولو كان ممن تجب نفقته أفضل من دفعها لغير القريب وللقريب غير الأقرب لقوله صلى الله عليه وسلم الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وحكى في المجموع فيه الإجماع
وفي الأشد من الأقارب عداوة أفضل منها في غيره ليتألف قلبه ولما فيه من مجانبة الرياء وكسر النفس
فائدة سئل الحناطي هل الأفضل وضع الرجل صدقته في رحمه من قبل أبيه أو من قبل أمه فأجاب أنهما سواء وألحق بالأقارب الزوج من الذكور والإناث لخبر الصحيحين أن امرأتين أتيتا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالتا لبلال سل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يجزىء أن نتصدق على أزواجنا ويتامى في حجورنا فقال نعم لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة
ويقال بالزوج الزوجة ثم هي بعد للأقرب فالأقرب من ذي الرحم المحرم من ألحق به في الأقرب فالأقرب من ذي الرحم غير المحرم كأولاد العم والخال ثم في الأقرب فالأقرب من المحرم رضاعا ثم مصاهرة ثم في الأقرب فالأقرب ولاء من الأعلى والأسفل
( و ) دفعها ل ( جار ) أقرب فأقرب ( أفضل ) من دفعها لغير الجار غير من تقدم لخبر البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها إن لي جارين فإلى أيهما أهدي فقال إلى أقربهما منك بابا وقدم الجار الأجنبي على قريب بعيد من دار المتصدق بل أو قريب منها بحيث لا تنقل إليه الزكاة فيهما ولو كان القريب ببادية فإن كانت تنقل إليه بأن كان في محلها قدم على الجار الأجنبي وإن بعدت داره وأهل الخير والمحتاجون أولى من غيرهم
ويسن أن تكون الصدقة مما يحب لقوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وأن يدفعها ببشاشة وطيب نفس لما فيه من تكثير الأجر وجبر القلب
وتكره الصدقة بالرديء لقوله تعالى { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } فإن لم يجد غيره فلا كراهة وبما فيه شبهة لخبر مسلم السابق أول الباب
ولا يأنف من التصدق بالقليل فإن قليل الخير كثير عند الله قال تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } وقال صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة
____________________
(3/121)
ولو بعث بشيء مع غيره إلى فقير فلم يجده استحب للباعث أن لا يعود فيه بل يتصدق به على غيره
وتسن الصدقة بالماء لخبر أي الصدقة أفضل قال الماء أي في الأماكن المحتاج إليه فيها أكثر من غيره
ويكره للإنسان أن يتملك صدقته أو زكاته أو كفارته أو نحوها من الذي أخذها لخبر العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئة ولأنه قد يستحي منه فيحابيه ولا يكره أن يتملكها من غير من ملكها له ولا بالإرث ممن ملكها له
( ومن عليه دين أو ) لم يكن عليه ( و ) لكن ( له من تلزمه نفقته يستحب ) له ( أن لا يتصدق حتى يؤدي ما عليه ) فالتصدق بدونه خلاف المستحب
تنبيه عبارة المصنف لا تطابق ما في المحرر وغيره من كتب الشيخين فإنهما قالا لا يستحب له أن يتصدق
قال الولي العراقي وبين العبارتين تفاوت ظاهر وبيانه أن عبارة المصنف أفادت أن عدم التصدق مستحب فيكون التصدق خلاف الأولى وعبارة المحرر وغيره أن التصدق غير مستحب فتصدق بأن يكون واجبا أو حراما أو مكروها فإن ذلك كله غير مستحب
( قلت الأصح تحريم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته ) أو يحتاج إليه لنفقة نفسه ولم يصبر على الإضاقة ( أو لدين لا يرجو له وفاء ) لو تصدق به ( والله أعلم ) أما تقديم ما يحتاجه للنفقة فلخبر كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت وابدأ بمن تعول رواه أبو داود بإسناد صحيح ورواه مسلم بمعناه
ولأن كفايتهم فرض وهو مقدم على النفل والضيافة كالصدقة
كما قاله المصنف في شرح مسلم قال وأما خبر الأنصاري الذي نزل به الضيف فأطعمه قوته وقوت صبيانه فمحمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين حينئذ إلى الأكل وأما الرجل والمرأة فتبرعا بحقهما وكانا صابرين وإنما قال فيه لأمهم نوميهم خوفا من أن يطلبوا الأكل على عادة الصبيان في الطلب من غير حاجة
وما ذكر من أنه يحرم عليه التصدق بما يحتاج إليه لنفسه صححه في المجموع ونقله في الروضة عن كثيرين لكنه صحح فيها عدم التحريم
قال شيخنا وهو محمول على من صبر كما أفاده كلامه في المجموع
وعلى الأول يحمل ما قالوه في التيمم من حرمة إيثار عطشان عطشان آخر بالماء وعلى الثاني يحمل ما في الأطعمة من أن للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرا آخر مسلما
وأما تقديم الدين فلأن أداءه واجب فيتقدم على المسنون فإن رجاله وفاء من جهة أخرى ظاهرة فلا بأس بالتصدق به إلا إن حصل بذلك تأخير وقد وجب وفاء الدين على الفور بمطالبة أو غيرها فالوجه وجوب المبادرة إلى إيفائه وتحريم الصدقة بما يتوجه إليه دفعه في دينه كما قاله الأذرعي
( وفي استحباب الصدقة بما ) أي بكل ما ( فضل عن حاجته ) أي كفايته وكفاية من تلزمه كفايته يومه وليلته كسوة فصله لا ما يكفيه في الحال فقط لا ما يكفيه في سنته كما هو قضية كلام الإحياء ولوفاء دينه
( أوجه أصحها إن لم يشق عليه الصبر ) على الإضافة ( استحب ) له ( وإلا فلا ) يستحب بل يكره كما في التنبيه
وعلى هذا التفصيل تحمل الأحاديث المختلفة الظاهر كخبر إن أبا بكر تصدق بجميع ماله رواه الترمذي وصححه وخبر خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى أي غنى النفس وصبرها على الفقر
رواه أبو داود وصححه الحاكم
والوجه الثاني يستحب مطلقا والثالث لا يستحب مطلقا
أما الصدقة ببعض ما فضل عما ذكر فمستحب مطلقا إلا أن يكون قدرا يقارب الجميع فينبغي جريان التفصيل السابق فيه
والمن بالصدقة حرام مبطل محبط للأجر لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } ولخبر مسلم ثلاثة لا يكلمهم الله تعالى يوم القيامة لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال أبو ذر خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب
خاتمة يكره للإنسان أن يسأل بوجه الله غير الجنة وأن يمنع من يسأل بالله وتشفع به لخبر لا يسأل بوجه الله إلا الجنة وخبر من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع لكم معروفا فكافئوه
____________________
(3/122)
فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه رواه أبو داود
وتسن التسمية عند الدفع إلى المتصدق عليه لأنها عبادة
قال العلماء ولا يطمع المتصدق في الدعاء من المتصدق عليه لئلا ينقص أجر الصدقة فإن دعا له استحب أن يرد عليه مثلها لتسلم له صدقته
ويسن التصدق عقب كل معصية قاله الجرجاني ومنه التصدق بدينار أو نصفه في وطء الحائض
ويسن لمن لبس ثوبا جديدا أن يتصدق بالقديم ففي الحديث من لبس ثوبا جديدا ثم عمد إلى ثوبه الذي كان عليه فتصدق به لم يزل في حفظ الله حيا وميتا وليس هذا من التصدق بالرديء بل مما يحب وهذا كما جرت به العادة من التصدق بالفلوس دون الذهب والفضة وهل قبول الزكاة للمحتاج أفضل من قبول صدقة التطوع أو لا وجهان رجح الأول جماعة منهم ابن المقري لأنه أعانه على واجب ولأن الزكاة لا منة فيها ورجح الثاني آخرون منهم الجنيد والخواص لئلا يضيق على الأصناف ولئلا يخل بشرط من شروط الأخذ ولم يرجح في الروضة واحدا منهما
ثم قال عقب ذلك قال الغزالي والصواب أنه يختلف بالأشخاص فإن عرض له شبهة في استحقاقه لم يأخذ الزكاة وإن قطع به فإن كان المتصدق إن لم يأخذ هذا منه لا يتصدق فليأخذها فإن أخراج الزكاة لا بد منه وإن كان لا بد من إخراجها ولم يضيق بالزكاة تخير وأخذها أشد في كسر النفس اه
أي فهو حينئذ أفضل وهذا هو الظاهر
وأخذ الصدقة في الملأ وتركه في الخلوة أفضل لما في ذلك من كسر النفس
ويسن للراغب في الخير أن لا يخلو يوما من الأيام من الصدقة بشيء وإن قل لخبر البخاري ما من يوم يصبح العباد إلا وملكان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا ولخبر الحاكم في صحيحه كل امرىء في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس أو قال حتى يحكم بين الناس
كتاب النكاح هو لغة الضم والجمع ومنه تناكحت الأشجار إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض
وشرعا عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترجمة
والعرب تستعمله بمعنى العقد والوطء جميعا لكنهم إذا قالوا نكح فلان فلانة أو بنت فلان أو أخته أرادوا تزوجها وعقد عليها وإذا قالوا نكح زوجته أو امرأته لم يريدوا إلا المجامعة
قال الثعلبي وقال ابن القطان له ألف اسم وقال علي بن جعفر اللغوي له ألف وأربعون اسما
وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى وسيأتي ما يدل لذلك
ولأصحابنا في موضوعه الشرعي ثلاثة أوجه أصحها أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء كما جاء به في القرآن والأخبار ولا يرد على ذلك قوله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } لأن المراد العقد والوطء مستفاد من خبر الصحيحين حتى تذوقي عسيلته
والثاني أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد وبه قال أبو حنيفة وهو أقرب إلى اللغة والأول أقرب إلى الشرع
قال الزمخشري وهو من علماء الحنفية لم يرد النكاح في القرآن إلا بمعنى العقد لأن كونه بمعنى الوطء من باب التصريح ومن أراد به الكناية عنه أتى بلفظ الملامسة أو المماسة
وأورد عليه قوله تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية } فالمراد به الوطء كما قاله في الكفاية في باب الرجعة
وقال الراغب يستحيل أن يكون النكاح حقيقة في الجماع ويكنى به عن العقد لأن الجماع يستقبح من ذكره كما يستقبح من فعله والعقد لا يستقبح أي فلا يكنى بالأقبح عن غيرة ولأنه يصح نفيه عن الوطء إذ يقال في الزنا سفاح لا نكاح
ويقال في السرية ليست مزوجة ولا منكوحة
وصحة النفي دليل المجاز والثالث حقيقة فيهما بالاشتراك كالعين وحمل على هذا النهي في قوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } عن العقد وعن الوطء بملك اليمين معا على استعمال المشترك في معنييه
وفائدة الخلاف بيننا وبين الحنفية تظهر فيمن زنى بامرأة فإنها تحرم على والده وولده عندهم لا عندنا قاله الماوردي والروياني
وفيما لو علق الطلاق على النكاح فإنه يحمل على العقد عندنا لا الوطء إلا إن نوى حكاه الرافعي في آخر الطلاق عن
____________________
(3/123)
البوشنجي
وعقد النكاح لازم من جهة الزوجة وكذا من جهة الزوج على الأصح
وهل هو ملك أو إباحة وجهان ويظهر أثر الخلاف فيمن حلف لا يملك شيئا وهو متزوج وفيما لو وطئت الزوجة بشبهة إن قلنا ملك فالمهر له وإلا فلها
واختار المصنف عدم الحنث في الأولى إذا لم يكن له نية إذ لا يفهم منه الزوجية وأما في الثانية فالمهر لها فظهر أن الراجح هو الثاني
وهل كل من الزوجين معقود عليه أو المرأة فقط وجهان أوجههما الثاني
والأصل في حله الكتاب والسنة وإجماع الأمة فمن الكتاب قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } وقوله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم }
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم من أحب فطرتي فليستسن بسنتي ومن سنتي النكاح وقوله صلى الله عليه وسلم تناكحوا تكثروا رواهما الشافعي بلاغا وقوله صلى الله عليه وسلم الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة رواه مسلم وقوله صلى الله عليه وسلم من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه أي لأن الفرج واللسان لما استوى في إفساد الدين جعل كل واحد شطرا
قال الأطباء ومقاصد النكاح ثلاثة حفظ النسل وإخراج الماء الذي يضر احتباسه ونيل اللذة وهذه الثالثة هي التي في الجنة إذ لا تناسل هناك ولا احتباس
قال البلقيني والنكاح شرع من عهد آدم صلى الله عليه وسلم واستمرت مشروعيته بل هو مستمر في الجنة ولا نظير له فيما يتعبد به من العقود بعد الإيمان قال قلت ذلك بفتح الكريم المنان اه
وقد جرت عادة أصحابنا بتخصيص هذا الكتاب بذكر الخصائص الشريفة أوله لأنها في النكاح أكثر منها في غيره وقد ذكرت منها أشياء كثيرة ينشرح الصدر بها في شرح التنبيه فلا أطيل بذكره هاههنا ولكن أذكر منها طرفا يسيرا تبركا ببركة صاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام فإن ذكرها مستحب
قال في الروضة ولا يبعد القول بوجوبها لئلا يرى الجاهل بعض الخصائص في الخبر الصحيح فيعمل به أخذا بأصل التأسي فوجب بيانها لتعرف وهي أربعة أنواع أحدها الواجبات وهي أشياء كثيرة منها الضحى والوتر والأضحية والسواك والمشاورة
والنوع الثاني المحرمات وهي أيضا كثيرة منها الزكاة والصدقة ومعرفة الخط والشعر وخائنة الأعين وهي الإيماء بما يظهر خلافه دون الخديعة في الحرب ونكاح الأمة ولو مسلمة النوع الثالث التخفيفات والمباحات وهي كثيرة أيضا منها تزويج من شاء من النساء لمن شاء ولو لنفسه بغير إذن من المرأة ووليها متوليا الطرفين وزوجه الله تعالى وأبيح له الوصال وصفي المغنم ويحكم ويشهد لولده ولنفسه وأبيح له نكاح تسع وقد تزوج صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ومات عن تسع
قال الأئمة وكثرة الزوجات في حقه صلى الله عليه وسلم للتوسعة في تبليغ الأحكام عنه الواقعة سرا مما لا يطلع عليه الرجال ونقل محاسنه الباطنة فإنه صلى الله عليه وسلم تكمل له الظاهر والباطن
النوع الرابع الفضائل والإكرام وهي كثيرة جدا منها تحريم منكوحاته على غيره سواء أكن موطوءات أم لا مطلقات أم لا باختيارهن أم لا وتحريم سراريه وهن إماؤه الموطوءات بخلاف غير الموطوءات وتفضيل زوجاته على سائر النساء على ما يأتي وثوابهن وعقابهن مضاعف وهن أمهات المؤمنين فلا يقال لهن أمهات المؤمنات بخلافه صلى الله عليه وسلم فإنه أب للرجال والنساء وأما قوله تعالى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } فمعناه ليس أحد من رجالكم ولد صلبه ويحرم سؤالهن إلا من وراء حجاب وأفضلهن خديجة ثم عائشة وأفضل نساء العالمين مريم بنت عمران إذ قيل بنبوتها ثم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خديجة ثم عائشة ثم آسية امرأة فرعون وأما خبر الطبراني خير نساء العالمين مريم بنت عمران ثم خديجة بنت خويلد ثم فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ثم آسية امرأة فرعون فأجاب عنه ابن العماد بأن خديجة إنما فضلت فاطمة باعتبار الأمومة لا باعتبار السيادة وهو صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأفضل الخلق على الإطلاق وخص بأنه أول النبيين خلقا وبتقديم نبوته فكان نبيا وآدم منجدل في طينته وبتقدم أخذ الميثاق عليه وبأنه أول من قال بلى وقت { ألست بربكم } وبخلق آدم وجميع المخلوقات لأجله وبكتابة اسمه الشريف على العرش والسموات والجنان وسائر ما في الملكوت وبشق صدره الشريف في أحد القولين وبجعل خاتم النبوة بظهره بإزاء قلبه وبحراسة السماء من استراق السمع والرمي بالشهب وبإحياء أبويه حتى آمنا به وأكرم صلى الله عليه وسلم بالشفاعات الخمس يوم القيامة أولها العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين يفزعون إليه بعد الأنبياء الثانية في إدخال خلق الجنة بغير حساب الثالثة في ناس استحقوا دخول النار فلا يدخلونها الرابعة في ناس دخلوا
____________________
(3/124)
النار فيخرجون الخامسة في رفع درجات ناس في الجنة وكلها ثبتت في الأخبار وخص منها بالعظمى ودخول خلق من أمته الجنة بغير حساب وهي الثانية قال في الروضة ويجوز أن يكون خص بالثالثة والخامسة أيضا
وهو أول من يقرع باب الجنة وأول شافع وأول مشفع أي من يجاب شفاعته فنسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يشفعه فينا ويدخلنا معه الجنة ويفعل ذلك بأهلينا ومشايخنا وإخواننا ومحبينا وسائر المسلمين
ولما كان النكاح من سننه صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى ( هو مستحب لمحتاج إليه ) بأن تتوق نفسه إلى الوطء ولو خصيا كما اقتضاه كلام الإحياء
( يجد أهبته ) وهي مؤنة من مهر وكسوة فصل التمكين ونفقة يومه وإن كان متعبدا تحصينا لدينه ولما فيه من بقاء النسل وحفظ النسب وللاستعانة على المصالح ولخبر الصحيحين يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء بالمد أي قاطع والباءة بالمد لغة الجماع والمراد به هنا ذلك وقيل مؤن النكاح والقائل بالأول رده إلى معنى الثاني إذ التقدير عنده من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع لعجزه عنها فعليه بالصوم وإنما قدره بذلك لأن من لم يستطع الجماع لعدم شهوته لا يحتاج إلى الصوم لدفعها
وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن عبد البر عن عكاف بن وداعة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ألك زوجة يا عكاف قال لا قال ولا جارية قال لا قال وأنت صحيح موسر قال نعم والحمد لله فقال فأنت إذا من إخوان الشياطين إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم وإن كنت منا فاصنع كما نصنع فإن من سنتنا النكاح شراركم عزابكم وإن أرذل موتاكم عزابكم وإنما لم يجب لقوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } إذ الواجب لا يتعلق بالاستطابة ولقوله تعالى { مثنى وثلاث ورباع } ولا يجب العدد بالإجماع ولقوله { أو ما ملكت أيمانكم }
ورد السبكي الأول بأنه ليس المراد بالآية المستطاب وإنما المراد الحلال لأن في النساء محرمات وهن في قوله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم } الآية
وقيل هو فرض كفاية على الأمة لا يسوغ لجماعتهم الإعراض عنه لبقاء النسل وقيل يجب إذا خاف الزنا
قال المصنف وهذا الوجه لا يتجه بل يخير بينه وبين التسري
ورد بأن قائله لحظ الكمال بالإحصان الذي يمتنع به من الوقوع في الزنا خوف الرجم وهو مفقود في التسري
وقيل يجب إذا نذره حيث كان مستحبا ورد بأن النذر إنما يصح فيما يستقل به المكلف والنكاح لا يستقل به لتوقفه على رضا الولي إذا كانت مجبرة وعلى رضا الولي والمرأة إذا كانت غير مجبرة وهو في حال النذر غير قادر على إنشاء النكاح وبأن النكاح عقد والعقود لا تثبت في الذمة وما لا يثبت في الذمة لا يتصور التزامه بالنذر وقد ذكروا في كتاب النكاح أنه لا يتصور ثبوته في الذمة وذلك فيما إذا قال أعتقتك على أن تنكحيني فقبلت فإنه لا يلزمها أن تتزوج به لأن النكاح لا يثبت في الذمة
وقيل يجب فيما إذا كان تحته امرأتان فظلم واحدة بترك القسم ثم طلقها قبل أن يوفيها حقها من نوبة الضرة ليوفيها حقها من نوبة المظلومة بسببها ورد بأن هذه دعوى تحتاج إلى دليل فإن هذا الطلاق أحد أنواع البدعي وقالوا في الطلاق البدعي إنه يستحب فيه الرجعة
ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو كان في دار الحرب فإنه لا يستحب له النكاح وإن اجتمعت فيه الشروط كما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه وعلله بالخوف على ولده من الكفر والاسترقاق
تنبيه إطلاق المصنف لا يشمل المرأة بدليل قوله يجد أهبته وصرح في التنبيه بإلحاقها بالرجل في حال الحاجة وعدمها فقال فإن كانت لا تحتاج إلى النكاح أي وهي تتعبد كره لها أن تتزوج أي لأنها تتقيد بالزوج وتشتغل عن العبادة وإن كانت محتاجة إليه أي لتوقانها إلى النكاح أو إلى النفقة أو خائفة من اقتحام الفجرة أو لم تكن متعبدة استحب لها أن تتزوج أي لما في ذلك من تحصين الدين وصيانة الفرج والترفه بالنفقة وغيرها
وبذلك علم أن ما قيل إنه يستحب لها النكاح مطلقا مردود
والضمائر في قول المصنف هو و إليه و أهبته إن أراد بها العقد أو الوطء أو ب إليه العقد لم يصح وإن أراد ب هو و أهبته العقد و ب القبول لأن التفاصيل المذكورة من كراهة وغيرها إنما هي فيه لا في العقد المركب الذي هو النكاح
( فإن فقدها ) بفتح القاف أي عدم الأهبة ( استحب ) له ( تركه ) لقوله تعالى { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } إليه الوطء صح لكن فيه تعسف والشارح فسر النكاح
____________________
(3/125)
بالتزوج الذي هو ولمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم الباءة فليتزوج والذي في الروضة وأصلها الأولى أن لا ينكح وهي دون عبارة الكتاب في الطلب كما قال ابن النقيب ونظر فيه وأشد منها في الطلب قوله في شرح مسلم بكراهة النكاح
ولو قال المصنف لم يستحب كان أخصر وأظهر في المراد ( ويكسر ) إرشادا ( شهوته بالصوم ) للخبر السابق
قالوا والصوم يثير الحركة أولا فإذا دام سكنت وإن لم تنكسر شهوته تزوج قال عمر رضي الله عنه ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد قوله تعالى { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله }
وروى الترمذي ثلاث حق على الله أن يعينهم منهم الناكح يريد أن يستعفف
وفي مراسيل أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال من ترك التزوج مخافة العيلة فليس منا
وأجيب عن قوله تعالى { وليستعفف } بحملها على من لم يجد من يتزوجه ولا يكسرها بكافور ونحوه لأنه نوع من الخصاء وقال البغوي يكره أن يحتال لقطع شهوته ونقله في المطلب عن الأصحاب وقيل يحرم وجزم به في الأنوار
والأولى حمل الأول على ما إذا لم يغلب على ظنه قطع الشهوة بالكلية بل تغيرها في الحال ولو أراد إعادتها باستعمال ضد تلك الأدوية لأمكنه ذلك
والثاني على القطع لها مطلقا
( فإن لم يحتج ) للنكاح بأن لم تتق نفسه له من أصل الخلقة أو لعارض كمرض أو عجز ( كره ) له ( إن فقد الأهبة ) لما فيه من التزام ما لا يقدر على القيام به من غير حاجة
وحكم الاحتياج للتزويج لغرض صحيح غير النكاح كخدمة وتأنس كالاحتياج للنكاح كما بحثه الأذرعي وفي الإحياء ما يدل عليه
تنبيه محل الكراهة فيمن يصح نكاحه مع عدم الحاجة أما من لا يصح مع عدم الحاجة كالسفيه فإنه يحرم عليه النكاح حينئذ قاله البلقيني
( وإلا ) بأن وجد الأهبة مع عدم حاجته للنكاح ولا علة به ( فلا ) يكره له لقدرته عليه ومقاصد النكاح لا تنحصر في الجماع ( لكن العبادة ) أي التخلي لها في هذه الحالة ( أفضل ) له من النكاح إذا كان يقطعه عنها اهتماما بها
وفي معنى التخلي للعبادة التخلي للاشتغال بالعلم كما قاله الماوردي بل هو داخل فيها
تنبيه قضية كلامه أن النكاح ليس بعبادة بل هو مباح بدليل صحته من الكافر ولو كان عبادة لما صح منه
ورد بأنه إنما صح من الكافر وإن كان عبادة لما فيه من عمارة الدنيا كعمارة المساجد والجوامع والعتق فإن هذه تصح من المسلم وهي منه عبادة ومن الكافر وليست منه عبادة ويدل لكونه عبادة أمر النبي صلى الله عليه وسلم
والعبادة تتلقى من الشرع وفي فتاوى المصنف إن قصد به طاعة من ولد صالح أو إعفاف فهو من عمل الآخرة ويثاب عليه وإلا فهو مباح اه
وينزل الكلامان على هذا
واستثني من ذلك نكاح النبي صلى الله عليه وسلم فإنه عبادة مطلقا وفائدته نقل الشريعة التي لا يطلع عليها إلا النساء
( قلت ) كما قاله الرافعي في الشرح ( فإن لم يتعبد ) فاقد الحاجة للنكاح واجد الأهبة الذي لا علة به ( فالنكاح ) له ( أفضل ) من تركه ( في الأصح ) كيلا تفضي به البطالة والفراغ إلى الفواحش
والثاني تركه أفضل منه للخطر في القيام بواجبه
وفي الصحيح اتقوا الله واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء
( فإن وجد الأهبة و ) لكن ( به علة كهرم ) وهو كبر السن ( أو مرض دائم أو تعنين ) دائم أو كان ممسوحا ( كره ) له ( والله أعلم ) لعدم الحاجة إليه مع منع المرأة من التحصين أما من يعن في وقت دون وقت فلا يكره له وإن أفهم عدم تقييد المصنف له خلافة والتعنين مصدر عن أي تعرض فكأنه يتعرض للنكاح ولا يقدر عليه
ثم شرع في الصفات المطلوبة في المنكوحة فقال ( ويستحب دينة ) لخبر الصحيحين تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها
أي وهو زيادة النسب ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك
____________________
(3/126)
أي استغنت إن فعلت أو افتقرت إن خالفت والمراد بالدين الطاعات والأعمال الصالحات والعفة عن المحرمات ( بكر ) لحديث جابر هلا أخذت بكرا تلاعبها وتلاعبك متفق عليه
وروى ابن ماجة عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها أي ألين كلمة و أنتق أرحاما أي أكثر أولادا وأرضى باليسير
وروى أبو نعيم عن شجاع بن الوليد قال كان فيمن كان قبلكم رجل حلف لا يتزوج حتى يستشير مائة نفس وإنه استشار تسعة وتسعين رجلا واختلفوا عليه فقال بقي واحد وهو أول من يطلع من هذا الفج فآخذ بقوله ولا أعدوه فبينما هو كذلك إذ طلع عليه رجل راكب قصبة فأخبره بقصته فقال له النساء ثلاثة واحدة لك وواحدة عليك وواحدة لا لك ولا عليك فالبكر لك وذات الولد من غيرك عليك والثيب لا لك ولا عليك
ثم قال أطلق الجواد فقال له أخبرني بقصتك فقال أنا رجل من علماء بني إسرائيل مات قاضينا فركبت هذه القصبة وتبالهت لأخلص من القضاء
قال في الإحياء وكما يستحب نكاح البنت يسن أن لا يزوج ابنته إلا من بكر لم يتزوج قط لأن النفوس جبلت على الإيناس بأول مألوف ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في خديجة إنها أول نسائي
نسيبة أي طيبة الأصل لما في خبر الصحيحين ولحسبها
وأما خبر تخيروا لنطفكم ولا تضعوها إلا في الأكفاء فقال أبو حاتم الرازي ليس له أصل وقال ابن الصلاح له أسانيد فيها مقال ولكن صححه الحاكم
( ليست قرابة قريبة ) هذا من نفي الموصوف المقيد بصفة فيصدق بالأجنبية والقرابة البعيدة
وهي أولى منها واستدل الرافعي لذلك تبعا للوسيط بقوله صلى الله عليه وسلم لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا أي نحيفا وذلك لضعف الشهوة غير أنه يجيء كريما على طبع قومه
قال ابن الصلاح ولم أجد لهذا الحديث أصلا معتمدا قال السبكي فينبغي أن لا يثبت هذا الحكم لعدم الدليل
وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم عليا بفاطمة رضي الله تعالى عنهما وهي قرابة قريبة اه
وما ذكر من أن غير القريبة أولى وهو ما صرح به في زيادة الروضة لكن ذكر صاحب البحر والبيان أن الشافعي نص على أنه يستحب له أنه لا يتزوج من عشيرته وعلله الزنجاني بأن من مقاصد النكاح اتصال القبائل لأجل التعاضد والمعاونة واجتماع الكلمة اه
والأولى حمل كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه على عشيرته الأقربين ولا يشكل ذلك بتزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب مع أنها بنت عمته لأنه تزوجها بيانا للجواز ولا بتزوج علي فاطمة رضي الله تعالى عنها لأنها بعيدة في الجملة إذ هي بنت ابن عمه وأيضا بيانا للجواز
تنبيه لو أبدل المصنف ليست بقولهغير كان مناسبا للصفات المتقدمة
وبقي عليه من صفات المنكوحة أمور ذكرت منها كثيرا في شرح التنبيه منها أن تكون ولودا لخبر تزوجوا الولود الودود فاني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده ويعرف البكر ولودا بأقاربها
وأن تكون جميلة لخبر الحاكم خير النساء من تسر إذا نظرت وتطيع إذا أمرت ولا تخالف في نفسها ومالها
قال الماوردي لكنهم كرهوا ذات الجمال البارع فإنها تزهو بجمالها وإن الإمام أحمد قال لبعض أصحابه ولا تغال في المليحة فإنها قل أن تسلم لك وأن تكون عاقلة
قال الإسنوي ويتجه أن يراد بالعقل هنا العقل العرفي وهو زيادة على مناط التكليف اه
والمتجه كما قال شيخنا أن يراد أعم من ذلك وأن لا يكون لها مطلق يرغب في نكاحها وأن لا تكون شقراء فقد أمر الشافعي الربيع أن يرد الغلام الأشقر الذي اشتراه له وقال ما لقيت من أشقر خير قط وقصته مع الأشقر الذي أضافه في عوده من اليمن مشهورة
وأن تكون ذات خلق حسن وأن تكون خفيفة المهر لما روى الحاكم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعظم الناس بركة أيسرهن صداقا وقال عروة أول شؤم المرأة أن يكثر صداقها
وهذه الصفات كلها قل أن يجدها الشخص في نساء الدنيا وإنما توجد في نساء الجنان فنسأل الله تعالى أن لا يحرمنا منهن
ويسن أن لا يزيد على امرأة واحدة من غير حاجة ظاهرة
قال ابن العماد ويقاس بالزوجة في هذا السرية لكن منع القفال والجويني التسري في زماننا لعدم التخميس
نعم مسبي الكفار بعضهم من بعض يجوز
____________________
(3/127)
للمسلم شراؤها ووطؤها إذ لا خمس على الكافر
قال الغزي ولو اشترى جارية ثم اشترى من وكيل بيت المال ما يخصه من الخمس اتجه الحل
قال الأذرعي ولو أعفته واحدة لكنها عقيم استحب له نكاح ولود ويسن أن يتزوج في شوال وأن يدخل فيه وأن يعقد في المسجد وأن يكون مع جمع وأن يكون أول النهار لخبر اللهم بارك لأمتي في بكورها
( وإذا قصد نكاحها ) ورجا رجاء ظاهرا أنه يجاب إلى خطبته كما قاله ابن عبد السلام ( سن نظره إليها ) لقوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة وقد خطب امرأة انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما المودة والألفة رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه
ومعنى يؤدم أي يدوم فقدم الواو على الدال وقيل من الأدم مأخوذ من إدام الطعام لأنه يطيب به حكي الماوردي الأول عن المحدثين والثاني عن أهل اللغة ووقته
( قبل الخطبة ) وبعد العزم على النكاح لأنه قبل العزم لا حاجة إليه وبعد الخطبة قد يفضي الحال إلى الترك فيشق عليها
ومراده بخطب في الخبر عزم على خطبتها لخبر أبي داود وغيره إذا ألقى الله في قلب امرىء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها
( وإن لم تأذن ) هي ولا وليها اكتفاء بإذن الشارع ولئلا تتزين فيفوت غرضه ولكن الأولى أن يكون بإذنها خروجا من خلاف الإمام مالك فإنه يقول بحرمته بغير إذنها فإن لم تعجبه سكت ولا يقول لا أريدها لأنه إيذاء
( وله تكرير نظره ) إن احتاج إليه ليتبين هيئتها فلا يندم بعد النكاح إذ لا يحصل الغرض غالبا بأول نظرة
قال الزركشي ولم يتعرضوا لضبط التكرار ويحتمل تقديره بثلاث لحصول المعرفة بها غالبا وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أريتك في ثلاث ليال اه
والأولى أن يضبط بالحاجة وسواء أكان بشهوة أم غيرها كما قاله الإمام والروياني وإن قال الأذرعي في نظره بالشهوة نظر
( ولا ينظر ) من الحرة ( غير الوجه والكفين ) ظهرا وبطنا لأنها مواضع ما يظهر من الزينة المشار إليها في قوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }
والحكمة في الاقتصار على ذلك أن في الوجه ما يستدل به على الجمال وفي اليدين ما يستدل به على خصب البدن
أما الأمة ولو مبعضة فينظر منها ما عدا ما بين السرة والركبة كما صرح به ابن الرفعة وقال إنه مفهوم كلامهم قال الزركشي وبه صرح في البحر
وإن لم يتيسر نظره إليها بعث امرأة أو نحوها تتأملها وتصفها له لأنه صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم إلى امرأة وقال انظري عرقوبها وشمي عوارضها رواه الحاكم وصححه
ويؤخذ من الخبر أن للمبعوث أن يصف للباعث زائدا على ما ينظره فيستفيد بالبعث ما يستفيده بنظره
وتقييد البعث بعدم التيسر ذكره القاضي وأطلقه غيره وهو أوجه
ويسن للمرأة أيضا أن تنظر من الرجل غير عورته إذا أرادت تزويجه فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها وتستوصف كما مر في الرجل
تنبيه قد علم مما تقرر أن كلا من الزوجين ينظر من الآخر ما عدا عورة الصلاة وخرج بالنظر المس فلا يجوز إذ لا حاجة إليه
فائدة أفتى بعض المتأخرين بأنه إذا تعذر نظر المخطوبة ولها أخ أو ابن أمرد يحرم نظره وكان يشبهها أنه يجوز نظر الخاطب إليه اه
ويتعين أن يكون محل ذلك عند أمن الفتنة
وأن لا يكون بشهوة ولا يقال إن ذلك منزل منزلة النظر إليها لأن المخطوبة محل التمتع في الجملة
( ويحرم نظر فحل بالغ ) عاقل مختار ولو شيخا وعاجزا عن الوطء ومخنثا وهو المتشبه بالنساء ( إلى عورة حرة كبيرة ) وهي من بلغت حدا تشتهى فيه لا البالغة ( أجنبية ) للناظر بلا خلاف لقوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } والمراد بالعورة ما سبق في الصلاة وهي ما عدا الوجه والكفين
وخرج بالفحل الممسوح وسيأتي لكن يرد عليه المجبوب وهو مقطوع الذكر فقط والخصي وهو من بقي ذكره دون أنثييه والخنثى المشكل فإن حكمهم كالفحل
وبالبالغ الصبي
وسيأتي حكم المراهق
وبالحرة الأمة وستأتي
وبالأجنبية المحرم وسيأتي
وكان ينبغي أن يزيد عاقلا مختارا كما قدرته ليخرج المجنون والمكره
( وكذا وجهها وكفيها ) من كل يد فيحرم نظر رؤوس أصابع كفيها إلى المعصم ظهرا وبطنا ( عند خوف فتنة ) تدعو إلى
____________________
(3/128)
الاختلاف بها لجماع أو مقدماته بالإجماع كما قال الإمام
ولو نظر إليهما بشهوة وهي قصد التلذذ بالنظر المجرد وأمن الفتنة حرم قطعا
( وكذا ) يحرم النظر إليهما ( عند الأمن ) من الفتنة فيما يظهر له من نفسه من غير شهوة ( على الصحيح ) ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه
وبأن النظر مظنة الفتنة ومحرك للشهوة وقد قال تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } واللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة بالأجنبية
والثاني لا يحرم ونسبه الإمام للجمهور والشيخان للأكثرين وقال في المهمات إنه الصواب لكون الأكثرين عليه
وقال البلقيني الترجيح بقوة المدرك والفتوى على ما في المنهاج اه
ولو عبر بالفاء كان أنسب
وما نقله الإمام من الاتفاق على منع النساء أي منع الولاة لهن معارض بما حكاه القاضي عياض عن العلماء أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة
وعلى الرجال غض البصر عنهن للآية وحكاه المصنف عنه في شرح مسلم وأقره عليه
وقال بعض المتأخرين إنه لا تعارض في ذلك بل منعهن من ذلك لا لأن الستر واجب عليهن في ذاته بل لأن فيه مصلحة عامة وفي تركه إخلال بالمروءة اه
وظاهر كلام الشيخين أن الستر واجب لذاته فلا يتأتى هذا الجمع وكلام القاضي ضعيف
وحيث قيل بالجواز كره وقيل خلاف الأولى وحيث قيل بالتحريم وهو الراجح هل يحرم النظر إلى المتنقبة التي لا يتبين منها غير عينيها ومحاجرها أو لا قال الأذرعي لم أر فيه نصا والظاهر أنه لا فرق لاسيما إذا كانت جميلة فكم في المحاجر من خناجر اه
وهو ظاهر
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن وجهها وكفيها غير عورة وإنما ألحقا بها في تحريم النظر وبه صرح الماوردي في كتاب الصلاة فقال عورتها مع غير الزوج كبرى وصغرى فالكبرى ما عدا الوجه والكفين والصغرى ما بين السرة والركبة فيجب ستر الكبرى في الصلاة وكذا عن الرجال الأجانب والخناثى والصغرى عن النساء وإن قربن وكذا عن رجال المحارم والصبيان
وقال السبكي إن الأقرب إلى صنع الأصحاب أن وجهها وكفيها عورة في النظر لا في الصلاة
وإطلاقه الكبيرة يشمل العجوز التي لا تشتهى وهو الأرجح في الشرح الصغير وهو المعتمد لأن لكل ساقطة لاقطة
وقال الروياني يجوز النظر إلى وجهها وكفيها لقوله تعالى { والقواعد من النساء } واختاره الأذرعي
قال ابن شهبة وقد استدل بذهاب أنس مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم أيمن وبعده انطلق إليها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وكان سفيان يدخل على رابعة اه
وهذا لا دليل فيه إذ لا يلزم من ذلك النظر
وصوت المرأة ليس بعورة ويجوز الإصغاء إليه عند أمن الفتنة وندب تشويهه إذا قرع بابها فلا تجيب بصوت رخيم بل تغلظ صوتها بظهر كفها على الفم
( ولا ينظر ) الفحل ( من محرمه ) الأنثى من نسب أو رضاع أو مصاهرة ما ( بين سرة وركبة ) منها أي يحرم نظر ذلك إجماعا
( ويحل ) بغير شهوة نظر ( ما سواه ) أي المذكور وهو ما عدا ما بين السرة والركبة لأن المحرمية معنى يوجب حرمة المناكحة فكانا كالرجلين والمرأتين فيجوز النظر إلى السرة والركبة لأنهما ليسا بعورة بالنسبة لنظر المحرم
فهذه العبارة أولى من عبارة ابن المقري تبعا لغيره بما فوق السرة وتحت الركبة
( وقيل ) إنما يحل نظر ( ما يبدو ) منها ( في المهنة فقط ) لأن غيره لا ضرورة إلى النظر إليه والمراد بما يبدو في المهنة الوجه والرأس والعنق واليد إلى المرفق والرجل إلى الركبة
والمهنة بفتح الميم وكسرها الخدمة وأنكر بعضهم كسرها
تنبيه قد علم من كلامه أن نظره إلى ما يبدو في حال المهنة جائز قطعا وإلى ما بين السرة والركبة حرام قطعا والخلاف فيما بين ذلك
ولا فرق في المحرم بين الكافر وغيره نعم إن كان الكافر من قوم يعتقدون حل المحارم كالمجوس امتنع نظرها له ونظره إليها نبه عليه الزركشي
( والأصح حل النظر بلا شهوة ) وإن كان مكرها ( إلى الأمة ) وإن كانت أم ولد ( إلا ما بين سرة وركبة ) فلا يحل لأن ذلك عورتها في الصلاة فأشبهت الرجل
والثاني يحرم إلا ما يبدو في المهنة إذ لا حاجة إليه
والثالث يحرم نظرها كلها كالحرة وسيأتي ترجيحه
وشمل إطلاقه بلا شهوة الحل وإن خاف الفتنة وليس مرادا بل
____________________
(3/129)
الوجه ما قاله الأذرعي أنه يحرم النظر قطعا حينئذ أما النظر بشهوة فحرام قطعا لكل منظور إليه من محرم وغيره غير زوجته وأمته قال الشارح والتعرض له هنا في بعض المسائل ليس للاختصاص بل لحكمة تظهر بالتأمل اه
ونقل عنه أنه قال ما هو مظنة الشهوة غالبا قيد بالعدم وما لا فلا وقيل إنما قيد بذلك في الأمة لأنها لنقصها عن الحرة قد يتساهل في النظر إليها فدفع ذلك بالتقييد المذكور
( و ) الأصح حل النظر ( إلى صغيرة ) لا تشتهى لأنها ليست في مظنة الشهوة
والثاني يحرم لأنها من جنس الإناث
قال ابن الصلاح حكاية الخلاف في وجه الصغيرة التي لا تشتهى يكاد أن يكون خرقا للإجماع
( إلا الفرج ) فلا يحل نظره
قال الرافعي كصاحب العدة اتفاقا
ورده في الروضة بأن القاضي جوزه جزما فليس ذلك اتفاقا بل فيه خلاف لا أنه رد الحكم كما فهمه ابن المقري فصرح بالجواز
وأما فرج الصغير فكفرج الصغيرة على المعتمد وإن قال المتولي بجواز النظر إليه إلى التمييز وتبعه السبكي على ذلك
واستثنى ابن القطان الأم زمن الرضاع والتربية لمكان الضرورة وهو ظاهر وينبغي أن تكون المرضعة غير الأم كالأم
( و ) الأصح ( أن نظر العبد ) الفحل العفيف كما قاله البغوي وغيره غير المبعض والمشترك والمكاتب ( إلى سيدته ) العفيفة كما قاله الواحدي وغيره ( و ) أن ( نظر ممسوح ) إلى أجنبية سواء أكان حرا أم لا وهو ذاهب الذكر والأنثيين ( كالنظر إلى محرم ) فيحل نظرهما بلا شهوة نظر المحرم أما الأولى فلقوله تعالى { أو ما ملكت أيمانهن } ولقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله تعالى عنها وقد أتاها ومعه عبد قد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم وما تلقى قال إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك رواه أبو داود وأما في الثانية فلقوله تعالى { أو التابعين غير أولي الإربة } أي الحاجة إلى النكاح
والثاني يحرم نظرهما كغيرهما والمراد بالإربة الإماء والمغفلون الذين لا يشتهون النساء فخرج بذلك الفاسق وإن كان فسقه بغير الزنا خلافا لابن العماد والمبعض
قال الماوردي لا يختلف أصحابنا أنه مع سيدته كالأجنبي والمكاتب كما نقله في الروضة عن القاضي وأقره
ولا فرق بين أن يكون معه وفاء النجوم أو لا خلافا للقاضي في الشق الثاني وقيل إنه كالقن ونقل عن نص الشافعي وقال الزركشي فتجب الفتوى به
فإن قيل يشكل على الأول جواز نظر السيد إلى مكاتبته
أجيب بأن المالكية أقوى من المملوكية
وينبغي كما قال الزركشي تقييد الجواز في الممسوح بأن يكون مسلما في حق المسلمة فإن كان كافرا منع على الأصح لأن أقل أحواله أن يكون كالمرأة الكافرة
( و ) الأصح ( أن المراهق ) وهو بكسر الهاء من قارب الحلم حكمه في نظره للأجنبية ( كالبالغ ) فيلزم الولي منعه منه ويلزمها الاحتجاب منه كالمجنون في ذلك لظهوره على العورات وقد قال تعالى { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء }
والثاني له النظر كالمحرم
أما الدخول على النساء الأجانب بغير استئذان فإنه جائز إلا في دخوله عليهن في الأوقات الثلاثة التي يضعن فيها ثيابهن فلا بد من استئذانه في دخوله فيها عليهن الآية { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم } وأما غير المراهق فقال الإمام إن لم يبلغ حدا يحكي ما يراه فكالعدم أو بلغه من غير شهوة فكالمحرم أو بشهوة فكالبائع
تنبيه نقل الماوردي الاتفاق على أنه لا يلزم العبد الاستئذان أي على سيدته إلا في الأوقات الثلاثة وسببه كثرة الحاجة إلى الدخول والخروج والمخالطة
( ويحل ) بلا شهوة عند أمن الفتنة ( نظر رجل إلى رجل ) اتفاقا ( إلا ما بين سرة وركبة ) فيحرم ولو من ابن وسيد لأنه عورة ولا فرق بين أن يكون في حمام أو غيره
ونقل القاضي حسين عن علي رضي الله تعالى عنه أن الفخذ في الحمام ليس بعورة
( ويحرم نظر أمرد ) وهو الشاب الذي لم تنبت لحيته ولا يقال لمن أسن ولا شعر بوجهه أمرد بل يقال له ثط بالثاء المثلثة ( بشهوة ) بالإجماع
ولا يختص هذا بالأمرد كما مر بل النظر إلى الملتحي وإلى النساء المحارم بالشهوة حرام قطعا وإنما ذكره توطئة لما بعده وضابط الشهوة فيه كما قاله في الإحياء أن كل من تأثر بجمال صورة الأمرد بحيث يظهر من نفسه الفرق بينه وبين الملتحي فهذا لا يحل له النظر
____________________
(3/130)
وقال السبكي المراد بالشهوة أن يكون النظر لقصد قضاء وطر بمعنى أن الشخص يحب النظر إلى الوجه الجميل ويلتذ به
قال فإذا نظر ليلتذ بذلك الجمال فهو النظر بشهوة وهو حرام
قال وليس المراد أن يشتهي زيادة على ذلك من الوقاع ومقدماته فإن ذلك ليس بشرط بل زيادة في الفسق
قال وكثير من الناس لا يقدمون على فاحشة ويقتصرون على مجرد النظر والمحبة ويعتقدون أنهم سالمون من الإثم وليسوا بسالمين
ولو انتفت الشهوة وخيف الفتنة حرم النظر أيضا كما حكياه عن الأكثرين قال ابن الصلاح وليس المعنى بخوف الفتنة غلبة الظن بوقوعها
بل يكفي أن لا يكون ذلك نادرا
( قلت وكذا بغيرها ) وإن أمن الفتنة ( في الأصح المنصوص ) لأنه مظنة الفتنة فهو كالمرأة إذ الكلام في الجميل الوجه النقي البدن كما قيد به في المصنف في التبيان ورياض الصالحين وغيرهما بل هو أعظم إثما من الأجنبية لأنه لا يحل بحال
وقد ذكر عن أبي عبد الله الجلاء قال كنت أمشي مع أستاذي يوما فرأيت حدثا جميلا فقلت يا أستاذي ترى أيعذب الله هذه الصورة فقال ونظرت سترى غبه قال فنسيت القرآن بعد ذلك بعشرين سنة
وسمى السلف الصالح المرد الأنتان لأنهم مستقذرون شرعا
والثاني لا يحرم وإلا لأمر المرد بالاحتجاب كالنساء
وأجيب بأنهم لم يؤمروا بالاحتجاب للمشقة عليهم فيه وفي ترك الأسباب اللازمة له وعلى غيرهم غض البصر عند توقع الفتنة قال السبكي وهو ظاهر وإنما الصعب إيجاب الغض مطلقا كما يقوله المصنف ويرده أحوال الناس ومخالطتهم الصبيان من عصر الصحابة إلى الآن مع العلم بأنهم لم يؤمروا بغض البصر عنهم في كل حال كالنساء بل عند توقع الفتنة
ونازع في المهمات في العزو للنص وقال الصادر من الشافعي على ما بينه في الروضة إنما هو إطلاق يصح حمله على حالة الشهوة اه
وقال الشيخ أبو حامد لا أعرف هذا النص للشافعي كما نبه عليه ابن الرفعة ولم يذكره البيهقي في معرفته ولا سننه ولا مبسوطه وتبعه المحاملي على عدم معرفة النص
وقال البلقيني ما صححه المصنف لم يصرح به أحد وليس وجها ثانيا فإن الموجود في كتب الأصحاب أنه إن لم يخف فتنة لا يحرم قطعا فإن خاف فوجهان وما ذكره عن النص مطعون فيه ولعله وقع للشافعي ذلك عند شهوة أو خوف فتنة وأما عند عدم الشهوة وعدم خوف الفتنة فإنه لا يحرم النظر بلا خلاف وهذا إجماع من المسلمين ولا يجوز أن ينسب إلى الشافعي ما يخرق الإجماع اه
وقال الشارح لم يصرح هو أعني المصنف ولا غيره بحكايتها في المذهب اه
فعلم من هذا كله أن ما قاله المصنف من اختياراته لا أنه المذهب
ومحل الخلاف إذا لم يكن محرما للناظر ولا مملوكا له فإنه لا يحرم نظره إليهما عند الأمن وعدم الشهوة بلا خلاف
وحيث قيل بحرمة النظر إليه حرمت الخلوة به قال في المجموع في صلاة الجماعة هذا قياس المذهب فإنها أفحش وأقرب إلى المفسدة
( والأصح عند المحققين ) الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب والمحاملي والجرجاني والعمراني قال في الروضة وهو مقتضى إطلاق الأكثرين وهو أرجح دليلا ( أن الأمة ) في حرمة النظر إليها ( كالحرة ) في حرمة نظرها مطلقا ( والله أعلم ) لاشتراكهما في الأنوثة وخوف الفتنة
ففي الإماء التركيات ونحوهن من خوف الفتنة أشد من كثير من الحرائر
قال البلقيني في تصحيحه وما ادعاه المصنف أنه الأصح عند المحققين لا يعرف
وهو شاذ مخالف لإطلاق نص الشافعي في عورة الأمة ومخالف لما عليه جمهور أصحابه اه
وهذا ما عليه عمل الناس ولكن الأول أحوط لما مر
وما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه من أنه رأى أمة متنقبة فقال أتتشبهين بالحرائر يالكاع فمحمول على الإماء المبتذلات البعيدات عن الشهوة أو أنه رضي الله تعالى عنه قصد نفي الأذى عن الحرائر
لأن الإماء كن يقصدن للزنا قال تعالى { ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } وكانت الحرائر تعرف بالستر فخشي أنه إذا استترت الإماء حصل الأذى للحرائر فأمر الإماء بالتكشف ويحترزن في الصيانة من أهل الفجور
( والمرأة ) البالغة حكمها ( مع المرأة ) مثلها في النظر ( كرجل ) أي كنظر رجل ( ورجل ) فيما سبق فيجوز مع الأمن ما عدا ما بين السرة والركبة ويحرم مع الشهوة وخوف الفتنة
عنها لقوله تعالى { أو نسائهن } فلو جاز لها النظر لم يبق للتخصيص ( والأصح تحريم نظر ) كافرة ( ذمية ) أو غيرها ( إلى مسلمة )
____________________
(3/131)
فتحتجب المس فائدة وصح عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه منع الكتابيات دخول الحمام مع المسلمات ربما تحكيها للكافر
والثاني لا يحرم نظرا إلى اتحاد الجنس كالرجال فإنهم لم يفرقوا فيهم بين نظر الكافر إلى المسلم والمسلم إلى المسلم
نعم على الأول يجوز أن ترى منها ما يبدو عند المهنة على الأشبه في الروضة كأصلها وهو المعتمد وقيل الوجه والكفين فقط ورجح البلقيني أنها معها كالأجنبي وصرح به القاضي وغيره
تنبيه محل ذلك في كافرة غير محرم للمسلمة وغير مملوكة لها أما هما فيجوز لهما النظر إليها كما أفتى به المصنف في المملوكة وبحثه الزركشي في المحرم وهو ظاهر
وظاهر إيراد المصنف يقتضي أن التحريم على الذمية وهو صحيح إن قلنا إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهو الأصح وإذا كان حراما على الكافرة حرم على المسلمة التمكين منه
وأما نظر المسلمة إليها فمقتضى كلامهم جوازه وهو المعتمد لفقد العلة المذكورة في الكافرة وإن توقف في ذلك الزركشي وقول ابن عبد السلام والفاسقة مع العفيفة كالكافرة مع المسلمة رده البلقيني والرد ظاهر وإن جزم به الزركشي
( و ) الأصح ( جواز نظر المرأة ) البالغة الأجنبية ( إلى بدن ) رجل ( أجنبي سوى ما بين سرته وركبته إن لم تخف فتنة ) ولا نظرت بشهوة لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها نظرت إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد ولأن ما سوى ما بينهما ليس بعورة منه في الصلاة
( قلت الأصح التحريم ) أي تحريم نظرها تبعا لجماعة من الأصحاب وقطع به في المذهب وغيره ( كهو ) أي كنظر الأجنبي ( إليها والله أعلم ) لقوله تعالى { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن }
وقد روي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت كنت عند ميمونة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم احتجبا منه فقلت يا سول الله أليس هو أعمى لا يبصر فقال أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه
رواه الترمذي وقال حديث صحيح
تنبيه قضية كلامه أنه يحرم على المرأة أن تنظر إلى وجه الرجل وكفيه عند الأمن على الأصح
قال الجلال البلقيني وهذا لم يقل به أحد من الأصحاب واتفقت الأوجه على جواز نظرها إلى وجه الرجل وكفيه عند الأمن من الفتنة اه
ويدل له حديث عائشة المار لكن المصنف أجاب عنه في شرح مسلم بأنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت للعبهم وحرابتهم ولا يلزمه منه تعمد النظر إلى البدن وإن وقع بلا قصد صرفته في الحال
وأجاب عنه غيره بأن ذلك لعله كان قبل نزول الحجاب أو كانت عائشة رضي الله تعالى عنها لم تبلغ مبلغ النساء إذ ذاك وفي وجه ثالث أنها تنظر منه ما يبدو في المهنة فقط إذ لا حاجة إلى غيره وقواه بعضهم لعموم البلوى في نظرهن في الطرقات إلى الرجال ويستثنى على ما صححه المصنف ما إذا قصدت نكاحه فلها النظر إليه قطعا بل يندب كما مر وقول المصنف كهو إليها قد يقتضيه
( ونظرها إلى محرمها ) حكمه ( كعكسه ) وهو نظر الرجل إلى محرمه فتنظر منه بلا شهوة ما عدا ما بين السرة والركبة وقيل ما يبدو منه في المهنة فقط
تنبيه عبارة الروضة لا يحرم إلا ما بين السرة والركبة على المذهب وبه قطع المحققون وقيل كنظره إليها وهذا الذي ضعفه هو الذي جزم به هنا
وأما الخنثى المشكل فيعامل بالأشد فيجعل مع النساء رجلا ومع الرجال امرأة إذا كان في سن يحرم فيه نظر الواضح كما جزم به المصنف في باب الأحداث من المجموع ولا يجوز أن يخلو به أجنبي ولا أجنبية
ولو كان مملوكا لامرأة فهو معها كعبدها وقيل يستصحب فيه حكم الصغر ويؤيده تصحيح المجموع أنه يغسله بعد موته الرجال والنساء وأجاب الأول بضعف الشهوة بعد الموت بخلافها قبله
ثم شرع المصنف رحمه الله تعالى في ضابط ما يحرم منه فقال ( ومتى حرم النظر حرم المس ) لأنه أبلغ منه في اللذة وإثارة الشهوة بدليل أنه لو مس فأنزل أفطر ولو نظر فأنزل لم يفطر فيحرم مس الأمرد كما يحرم نظره وأولى ودلك الرجل فخذ الرجل بلا حائل
____________________
(3/132)
ويجوز من فوق إزار إن لم يخف فتنة ولم تكن شهوة
وأورد على هذا الضابط صورا طردا وعكسا فمن الأول ما أبين من أجنبية فإنه يحرم نظره لا مسه
ومنه حلقة دبر زوجته وأمته فيحرم نظره عند الدارمي لا مسه وهذا ضعيف
ومنه ما لو أمكن الطبيب معرفة العلة بالمس دون النظر فإنه يباح المس لا النظر
ومن الثاني المحرم فإنه يحرم مس بطن أمه وظهرها وغمز ساقها ورجلها كما في الروضة لكنه مخالف لما في شرح مسلم للمصنف من الإجماع على جواز مس المحارم وجمع بينهما بحمل الأول على مس الشهوة والثاني على مس الحاجة والشفقة وهو جمع حسن لكن يبقى ما إذا لم تكن شهوة ولا حاجة ولا شفقة قال السبكي وبينهما مراتب متفاوتة فما قرب إلى الأول ظهر تحريمه وما قرب إلى الثاني ظهر جوازه اه
والذي ينبغي عدم الحرمة عند عدم القصد فقد قبل صلى الله عليه وسلم فاطمة وقبل الصديق الصديقة
فإن قيل إن ذلك كان للشفقة
أجيب بأن الثابت إنما هو انتفاء الشهوة وما عدا ذلك يصدق بما ذكرناه
تنبيه عبارة الشرح والروضة والمحرر وحيث حرم النظر حرم المس قال السبكي وهي أحسن من عبارة الكتاب لأن حيث اسم مكان والمقصود هنا أن المكان الذي يحرم نظره يحرم مسه و متى اسم زمان فهو ليس مقصودا هنا
قال ابن النقيب وقد يقال إن الزمان أيضا مقصود فإن الأجنبية يحرم نظرها فإذا عقد عليها جاز فإذا طلقها حرم وكذلك الطفلة على العكس وكذلك يستثنى زمان المداواة والمعاملة ونحوهما
( و ) اعلم أن ما تقدم من حرمة النظر والمس هو حيث لا حاجة إليهما وأما عند الحاجة فالنظر والمس ( مباحان لفصد وحجامة وعلاج ) ولو في فرج للحاجة الملجئة إلى ذلك لأن في التحريم حينئذ حرجا فللرجل مداواة المرأة وعكسه وليكن ذلك بحضرة محرم أو زوج أو امرأة ثقة إن جوزنا خلوة أجنبي بامرأتين وهو الراجح كما سيأتي في العدد إن شاء الله تعالى
ويشترط عدم امرأة يمكنها تعاطي ذلك من امرأة وعكسه كما صححه في زيادة الروضة وأن لا يكون ذميا مع وجود مسلم وقياسه كما قال الأذرعي أن لا تكون كافرة أجنبية مع وجود مسلمة على الأصح صرح به في الكفاية
ولو لم نجد لعلاج المرأة إلا كافرة ومسلما فالظاهر كما قال الأذرعي أن الكافرة تقدم لأن نظرها ومسها أخف من الرجل بل الأشبه عند الشيخين كما مر أنها تنظر منها ما يبدو عند المهنة بخلاف الرجل
تنبيه رتب البلقيني ذلك فقال فإن كانت امرأة فيعتبر وجود امرأة مسلمة فإن تعذرت فصبي مسلم غير مراهق فإن تعذر فصبي غير مراهق كافر فإن تعذر فامرأة كافرة فإن تعذرت فمحرمها المسلم فإن تعذر فمحرمها الكافر فإن تعذر فأجنبي مسلم فإن تعذر فأجنبي كافر اه
والمتجه تأخير المرأة الكافرة عن المحرم بقسميه وقيد في الكافي الطبيب بالأمين فلا يعدل إلى غيره مع وجوده كما قاله الزركشي وشرط الماوردي أن يأمن الافتتان ولا يكشف إلا قدر الحاجة كما قاله القفال في فتاويه
وفي معنى الفصد والحجامة نظر الخائن إلى فرج من يختنه ونظر القابلة إلى فرج التي تولدها
ويعتبر في النظر إلى الوجه والكفين مطلق الحاجة وفي غيرهما ما عدا السوءتين تأكدها بأن يكون مما يبيح التيمم كشدة الضنى كما نقلاه عن الإمام وقضية هذا كما قال الزركشي أنه لو خاف شيئا فاحشا في عضو باطن امتنع النظر وفيه نظر
وفي السوءتين مزيد تأكدها بأن لا يعد التكشف بسببها هتكا للمروءة كما نقلاه عن الغزالي وأقراه
( قلت ويباح النظر ) من الأجنبي للأمرد وغيره ( لمعاملة ) من بيع وغيره ( وشهادة ) تحملا وأداء حتى يجوز النظر إلى الفرج للشهادة على الزنا والولادة وإلى الثدي للشهادة على الرضاع
هذا إن قصد به الشهادة فإن قال تعمدت النظر لغير الشهادة فسق وردت شهادته إن قال حانت مني التفاتة بلا تعمد فرأيته قبل
وإذا نظر إليها وتحمل الشهادة عليها كلفت الكشف عن وجهها عند الأداء إن لم يعرفها في نقابها فإن عرفها لم يفتقر إلى الكشف قاله الماوردي
قال الزركشي وقضيته تحريم النظر حينئذ اه
وهو ظاهر
ويجوز النظر إلى عانة ولد الكافر لينظر هل أنبت أم لا ويجوز للنسوة أن ينظرن إلى ذكر الرجل إذا ادعت المرأة عبالته وامتنعت
____________________
(3/133)
من التمكين
تنبيه هذا كله إذا لم يخف فتنة فإن خافها لم ينظر إلا إن تعين عليه فينظر ويضبط نفسه وسيأتي إن شاء الله تعالى ذلك في كتاب الشهادات
وقوله ( وتعليم ) مزيد على الروضة وأصلها بل على غالب كتب المذهب
قال السبكي كشفت عن هذه المسألة كتب المذهب وعد منها إثني عشر مصنفا فلم أجدها
وإنما يظهر فيما يجب تعلمه وتعليمه كالفاتحة وما يتعين تعليمه من الصنائع المحتاج إليها بشرط التعذر من وراء حجاب وأما غير ذلك فكلامهم يقتضي المنع ومنهم المصنف حيث قال في الصداق ولو أصدقها تعليم قرآن وطلق قبله فالأصح تعذر تعليمه اه
وقال الشارح وهو أي التعليم للأمرد خاصة لما سيأتي اه
ويشير بذلك إلى مسألة الصداق
والمعتمد أنه يجوز النظر للتعليم للامرد وغيره واجبا كان أو مندوبا وإنما منع من تعليم الزوجة لأن كلا من الزوجين تعلقت آماله بالآخر فصار لكل منهما طمعة في الآخر فمنع عن ذلك
( ونحوها ) أي المذكورات كجارية يريد الرجل شراءها أو عبد تريد المرأة شراءه وكالحاكم يحلف المرأة ويحكم عليها كما قاله الجرجاني
قال الأذرعي وقياسه جوازه عند الحكم لها اه
وهو ظاهر وإنما ينظر في جميع ما تقدم ( بقدر الحاجة والله أعلم ) لأن ما جاز للضرورة يقدر بقدرها فينظر في المعاملة إلى الوجه فقط كما جزم به الماوردي وغيره وفيما إذا اشترى جارية أو اشترت عبدا ما عدا ما بين السرة والركبة
قال الماوردي ولا يزاد على النظرة الواحدة إلا إن يحتاج إلى ثانية للتحقق فيجوز
وقضية هذا أنه إذا عرفها بالنظر إلى بعض وجهها لم يكن له أن يستوعب جميع وجهها وهو ما قاله الماوردي وغيره وإن قال في البحر أنه يستوعبه
تنبيه كل ما حرم نظره متصلا حرم نظره منفصلا
كشعر عانة ولو من رجل وقلامة ظفر حرة ولو من يديها
وتجب مواراته على ما اقتضاه كلام القاضي لئلا ينظر إليه أحد واستبعد الأذرعي الوجوب قال والإجماع الفعلي في الحمامات على طرح ما تناثر من امتشاط شعور النساء وحلق عانات الرجال اه وليس في كلام الشيخين ما يدل على الوجوب فالأوجه ما قاله الأذرعي
وأما إذا أبين شعر من رأس أمة أو شيء من ظفرها فهو مبني على حل نظره قبل انفصاله وقد تقدم الخلاف في ذلك
( وللزوج النظر إلى كل بدنها ) أي زوجته في حال حياتها كعكسه ولو إلى الفرج ظاهرا وباطنا لأنه محل تمتعه ولكن يكره لكل منهما نظر الفرج من الآخر ومن نفسه بلا حاجة وإلى باطنه أشد كراهة
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها ما رأيت منه ولا أرى مني أي الفرج
وأما خبر النظر إلى الفرج يورث الطمس أي العمى كما ورد كذلك فرواه ابن حبان وغيره في الضعفاء بل ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وخالفه ابن الصلاح وحسن إسناده وقال أخطأ من ذكره في الموضوعات
ومع ذلك هو محمول على الكراهة كما قاله الرافعي
وخص الفارقي الخلاف بغير حالة الجماع وجرى عليه الزركشي والدميري وهو ممنوع فإن الحديث المذكور مصرح بحالة الجماع واختلفوا في قوله يورث العمى فقيل في الناظر وقيل في الولد وقيل في القلب
وشمل كلامهم الدبر وقول الإمام والتلذذ بالدبر بلا إيلاج جائز صريح فيه وهو المعتمد كما مرت الإشارة إليه وإن خالف في ذلك الدارمي وقال بحرمة النظر إليه
ويستثنى زوجته المعتدة عن وطء الغير بشهية فإنه يحرم عليه نظر ما بين السرة والركبة ويحل ما سواه على الصحيح
قال السبكي والخلاف الذي في النظر إلى الفرج لا يجري في مسه لانتفاء العلة هذا هو الظاهر وإن لم يصرحوا به
وقال سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن مس الرجل فرج زوجته وعكسه فقال لا بأس به وأرجو أن يعظم أجرهما
قال الزركشي ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة زوجها إذا منعها منه بخلاف العكس لأنه يملك التمتع بها بخلاف العكس اه
وهذا ظاهر وإن توقف فيه بعض المتأخرين
أما نظر كل منهما إلى الآخر بعد الموت فهو كالمحرم كما في المجموع وقد مرت الإشارة إليه في كتاب الجنائز
والأمة كالزوجة في النظر فلكل منهما ومن سيدها أن ينظر إلى الآخر ولو إلى الفرج مع الكراهة لا المحرمة عليه بكتابة وتزويج
____________________
(3/134)
وشركة وكفر كتوثن وردة وعدة من غيره ونسب ورضاع ومصاهرة ونحو ذلك فيحرم عليه نظره منها إلى ما بين سرة وركبة دون ما زاد
قال البلقيني وما ذكره الشيخان في المشتركة ممنوع والصواب فيها وفي المبعضة والمبعض بالنسبة إلى سيدته أنهم كالأجانب ومع ذلك فالمعتمد ما ذكره الشيخان
أما المحرمة بعارض قريب الزوال كحيض ورهن فلا يحرم نظره إليها
تتمة يحرم اضطجاع رجلين أو امرأتين في ثوب واحد إذا كانا عاريين وإن كان كل منهما في جانب من الفراش لخبر مسلم لا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد ويجب التفريق بين ابن عشر سنين وإخوته وأخواته في المضجع واحتج له الرافعي بخبر مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ولا دلالة فيه كما قاله السبكي وغيره على التفريق بينهم وبين آبائهم
ومحل الوجوب عند العري كما قاله شيخي وهو واضح لأن ذلك معتبر في الأجانب
فما بالك بالمحارم خصوصا الآباء والأمهات
فائدة أفاد السبكي عن أبي عبد الله بن الحاج وكان رجلا صالحا عالما أنه كان يذكر أنه يكره النوم في الثياب وأن السنة العري عند النوم أي ويتغطى بثيابه أو بغيرها
وتسن مصافحة الرجلين والمرأتين لخبر ما من مسلمين يلتقيان يتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا رواه أبو داود وغيره
نعم على ما تقدم من حرمة نظر الأمرد الجميل تحرم مصافحته لما مر أن المس أبلغ من النظر
قال العبادي وتكره مصافحة من به عاهة كجذام أو برص وتكره المعانقة والتقبيل في الرأس ولو كان المقبل أو المقبل صالحا للنهي عن ذلك رواه الترمذي إلا لقادم من سفر أو تباعد لقاء عرفا فسنة للاتباع رواه الترمذي أيضا
ويأتي في تقبيل الأمرد ما مر
ويسن تقبيل الطفل ولو ولد غيره شفقة للاتباع رواه البخاري وغيره
ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح لما مر في الجنائز ويسن تقبيل يد الحي الصالح ونحوه من الأمور الدينية كعلم وشرف وزهد ويكره ذلك لغناه أو نحوه من الأمور الدنيوية كشوكته ووجاهته
ويكره حني الظهر مطلقا لكل أحد من الناس أما السجود له فحرام وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب تارك الصلاة ويسن القيام لأهل الفضل من علم أو صلاح أو شرف أو نحو ذلك إكراما لا رياء وتفخيما قال في الروضة وقد ثبت فيه أحاديث صحيحة
فصل في الخطبة وهي بكسر الخاء التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة ( تحل خطبة خلية عن نكاح و ) عن ( عدة ) وكل مانع من موانع النكاح وأن لا يسبقه غيره بالخطبة ويجاب تعريضا وتصريحا كما تحرم خطبة منكوحة كذلك إجماعا فيهما
ويستثنى من مفهوم كلامه المعتدة عن وطء الشبهة فإن الأصح القطع بجواز خطبتها ممن له العدة مع عدم خلوها عن العدة
ومن منطوقه المطلقة ثلاثا فلا يجوز لمطلقها أن يخطبها بعد انقضاء عدتها حتى تنكح زوجا غيره وتعتد منه ولا بد أن يحل له نكاح المخطوبة فلو كان تحته أربع حرم أن يخطب خامسة وأن يخطب قاله الماوردي قال ابن النقيب وقياسه تحريم خطبة من يحرم الجمع بينها وبين زوجته وكذا ثانية السفيه وثالثة العبد
وأما المحرم ففي زوائد الروضة من الحج يستحب له ترك الخطبة
تنبيه تعبيره بالحل يفهم أنها غير مستحبة وهو ما نقلاه عن الأصحاب
وقال الغزالي هي مستحبة وقيل هي كالنكاح إذ الوسائل كالمقاصد
وقد توهم عبارة المصنف جواز خطبة السرية وأم الولد المستفرشة وإن لم يعرض السيد عنهما والأوجه ما قاله الزركشي أنهما في حكم المنكوحة ولما فيه من إيذاء السيد
نعم إن وجب الاستبراء ولم يقصد السيد التسري جاز التعرض كالبائن إلا إن خيف فسادها على مالكها
( ولا ) يحل ( تصريح لمعتدة ) بائنا كانت أو رجعية بطلاق أو فسخ أو انفساخ أو موت أو معتدة عن شبهة لمفهوم قوله تعالى { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } الآية
وحكى ابن عطية الإجماع على ذلك
والتصريح ما يقطع بالرغبة في
____________________
(3/135)
النكاح كأريد أن أنكحك و إذا انقضت عدتك نكحتك
وذلك لأنه إذا صرح تحققت رغبته فيها فربما تكذب في انقضاء العدة
( ولا ) يحل ( تعريض لرجعية ) لأنها زوجة أو في معنى الزوجة ولأنها مجفوة بالطلاق فقد تكذب انتقاما
والتعريض ما يحتمل الرغبة في النكاح وعدمها كقوله أنت جميلة و رب راغب فيك و من يجد مثلك و لست بمرغوب عنك
والتعريض مأخوذ من عرض الشيء وهو جانبه لأنه يظهر بعض ما يريده وفهم منه منع التصريح بطريق الأولى
( ويحل تعريض في عدة وفاة ) ولو حاملا للآية السابقة والمواعدة فيها سرا كالخطبة على الصحيح
وقال الشافعي ولم يرد بالسر ضد الجهر وإنما أراد الجماع وكذا قال ابن عباس
وأنشدوا ألا زعمت بساسة اليوم أنني كبرت وأن لا يشهد السر أمثالي ( وكذا ) يحل تعريض ( لبائن ) بفسخ أو ردة أو طلاق ( في الأظهر ) لعموم الآية ولانقطاع سلطنة الزوج عنها
والثاني المنع لأن لصاحب العدة أن ينكحها فأشبهت الرجعية
تنبيه هذا كله في غير صاحب العدة الذي يحل له نكاحها فيها أما هو فيحل له التعريض والتصريح
وأما من لا يحل له نكاحه فيها كما لو طلقها بائنا أو رجعيا فوطئها أجنبي بشبهة في العدة فحملت منه فإن عدة الحمل تقدم فلا يحل لصاحب عدة الشبهة أن يخطبها لأنه لا يجوز له العقد عليها حينئذ كما سيأتي إيضاح ذلك في العدد إن شاء الله تعالى
وحكم جواب المرأة في الصور المذكورة تصريحا وتعريضا حكم للخطبة فيما تقدم
وهل خطبة من يمتنع نكاحها في الحال كالثيب الصغيرة العاقلة والبكر فاقدة المجبر جائزة أو لا بحث الزركشي الأول وبحث غيره المنع من التصريح والأوجه أن يقال إن هذه الخطبة غير معتد بها لعدم المجيب
ويكره التعريض بالجماع لمخطوبته لقبحه وقد يحرم بأن يتضمن التصريح بذكر الجماع كقوله أنا قادر على جماعك أو لعل الله يرزقك من يجامعك
ولا يكره التصريح به لزوجته وأمته لأنهما محل تمتعه
( وتحرم خطبة على خطبة من صرح بإجابته ) ولو بنائبه ( إلا بإذنه ) مع ظهور الرضا بالترك لا لرغبة حياة ونحوه لخبر لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب رواه الشيخان واللفظ للبخاري
والمعنى فيه ما فيه من الإيذاء والتقاطع سواء أكان الأول مسلما أم لا محرما أو لا
وذكر الأخ في الخبر جرى على الغالب ولأنه أسرع امتثالا نعم يشترط في الكافر أن يكون محترما
وإعراض المجيب كإعراض الخاطب وكذا لو طال الزمان بعد إجابته بحيث يعد معرضا كما نقله الإمام عن الأصحاب أو نكح من يحرم الجمع بينها وبين المخطوبة وسكوت البكر غير المجبرة ملحق بالصريح كما نص عليه في الأم والمعتبر في التحريم أن تكون الإجابة من المرأة إن كانت معتبرة الإذن ومن وليها إن كانت غير معتبرته ومنها مع الولي إن كان الخاطب غير كفء ومن السلطان إن كانت مجنونة بالغة فاقدة الأب والجد ومن السيد إن كانت أمة غير مكاتبة كتابة صحيحة ومن السيد مع المكاتبة المذكورة ومن المبعضة مع سيدها إن كانت غير مجبرة ومن السيد مع وليها إن كانت مجبرة وشرط التحريم عليه أن يكون عالما بالخطبة والإجابة وحرمة الخطبة على خطبة من ذكر وأن تكون الخطبة الأولى جائزة فلو رد الخاطب الأول أو أجيب بالتعريض كلا رغبة عنك أو بالتصريح ولو لم يعلم الثاني بها أو بالحرمة أو علم بها ولم يعلم كونها بالصريح أو علم كونها به وحصل إعراض ممن ذكر أو كانت الخطبة الأولى محرمة كأن خطب في عدة غيره لم تحرم خطبته
ولو خطب رجل خمسا ولو بالترتيب وصرح له بالإجابة حرمت خطبة كل منهن حتى يعقد على أربع منهن أو يتركهن أو بعضهن لأنه قد يرغب في الخامسة
قال الإسنوي ولو أذنت لوليها أن يزوجها بمن شاء صح وحل لكل أحد خطبتها على خطبة غيره نص عليه كما حكاه في البحر
قال شيخي وهو الذي قاله الإسنوي بحسب ما فهمه والذي في البحر أنه يحل لكل أحد أن يخطبها قبل أن يخطبها أحد اه
وعلى هذا لا خصوصية لهذه
( فإن لم يجب ولم يرد ) بأن سكت عن التصريح للخاطب بإجابة أورد والساكت غير بكر يكفي
____________________
(3/136)
سكوتها أو ذكر ما يشعر بالرضا نحو
لا رغبة عنك ( لم تحرم في الأظهر ) لأن فاطمة بنت قيس قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إن معاوية وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد وجه الدلالة أن أبا جهم ومعاوية خطباها وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بعد خطبتهما لأنها لم تكن أجابت واحدا منهما
والثاني تحرم لإطلاق الخبر
وقطع بالأول في السكوت لأنها لا تبطل شيئا
تنبيه قد نصوا على استحباب خطبة أهل الفضل من الرجال فإذا وقع ذلك وأجاب الأول الرجل وكانت المجابة يكمل بها العدد الشرعي أو كان لا يريد أن يتزوج إلا واحدة امتنع أن تخطبه امرأة بعد ذلك ولا يخفى ما يصح إثباته هنا من تلك الأحكام
فإن انتفى ما مر جاز إذ جمعه بين أربع لا مانع منه
( ومن استشير في خاطب ) أو مخطوبة أو غيرهما ممن أراد الاجتماع عليه لنحو معاملة أو مجاورة كالرواية عنه أو القراءة عليه ( ذكر ) المستشار جوازا كما في الروضة وأصلها ووجوبا كما صرح به المصنف في شرح مسلم والأذكار والرياض بالنسبة للمستشار بل أوجبوا في البيع إذا علم بالمبيع عيبا أن يخبر به المشتري وغيره ومثله البقية وهذا هو المعتمد
ولا ينافي ذلك التعبير بالجواز لأنه لا ينافي الوجوب
ومفعول ذكر قوله ( مساويه ) وهي بفتح الميم عيوبه ( بصدق ) ليحذر بدلا للنصيحة لا للإيذاء لحديث فاطمة بنت قيس المار
تنبيه قضية كلامه أنه لا يذكرها إلا بعد الاستشارة وقضية كلام ابن الصلاح أنه يجب ذكرها ابتداء من غير استشارة وهو قياس المذكور في البيع
قال الأذرعي وما يتوهم من الفرق بين البابين خيال بل النصيحة هنا آكد وأحب اه
وفيه تلميح بالرد على من فرق بأن الأعراض أشد حرمة من الأموال ومحل ذكر المساوي عند الاحتياج إليه فإن اندفع بدونه بأن لم يحتج إلى ذكرها كقوله لا تصلح لك مصاهرته ونحوه ك لا تصلح لك معاملته وجب الاقتصار عليه ولم يجز ذكر عيوبه قاله في الأذكار تبعا للإحياء وهو المعتمد وإن نظر فيه الأذرعي
وقياسه أنه إذا اندفع بذكر بعضها حرم عليه ذكر شيء من البعض الآخر كما قاله ابن النقيب وإن اقتضى كلام المصنف خلافه
قال في زيادة الروضة والغيبة تباح لستة أسباب ذكرها وجمعها غيره في هذا البيت حيث قال لقب ومستفت وفسق ظاهر والظلم تحذير مزيل المنكر أي فيجوز أن يذكره بذلك فقط إلا أن يوجد لجواز ذكر غيره سبب آخر
قال الغزالي في الإحياء إلا أن يكون المظاهر بالمعصية عالما يقتدى به فتمتنع غيبته لأن الناس إذا طلعوا على زلته تساهلوا في ارتكاب الذنب
وغيبة الكافر محرمة إن كان ذميا لأن فيها تنفيرا لهم عن قبول الجزية
وتركا لوفاء الذمة ولقوله صلى الله عليه وسلم من سمع ذميا وجبت له النار رواه ابن حبان في صحيحه
ومباحة إن كان حربيا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر حسان أن يهجو المشركين
والحاصل أن الغيبة وهي ذكر الإنسان بما فيه مما يكره ولو في ماله أو ولده أو زوجته أو نحو ذلك محرمة سواء أذكره بلفظ أم كتابة أم إشارة بيد أو رأس أو جفن أو نحو ذلك محرمة لكنها تباح للأسباب المذكورة بل قد تجب بذلا للنصيحة كما مر
قال البارزي ولو استشير في أمر نفسه في النكاح فإن كان فيه ما يثبت الخيار وجب ذكره للزوجة وإن كان فيه ما يقلل الرغبة عنه ولا يثبت الخيار كسوء الخلق والشح استحب وإن كان شيء من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه اه
ووجوب هذا التفعيل بعيد والأوجه كما قيل شيخنا أنه يكفيه قوله أنا لا أصلح لكم
وسميت عيوب الإنسان مساوي لأنه يسوؤه ذكرها
والمصنف سهل همزة مساوي بابدالها ياء وفيه تلميح بالرد على من قال إن ترك الهمزة لحن
ومساوي بوزن مفاعل جمع مفعل كمساكن جمع مسكن
( ويستحب ) للخاطب أو نائبه ( تقديم خطبة ) بضم الخاء وهي الكلام المفتتح بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المختتم بالوصية والدعاء لخبر كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر فيحمد الله الخاطب أو نائبه
____________________
(3/137)
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويوصي بتقوى الله ( قبل الخطبة ) بكسر الخاء وهي التماس التزويج كما مر فيقول عقب الخطبة جئت خاطبا كريمتكم فلأنه يخطب الولي كذلك ثم يقول لست بمرغوب عنك أو نحو ذلك
تنبيه قال الجلال البلقيني ومحل استحباب تقديم الخطبة في الخطبة الجائز فيها التصريح أما الخطبة التي لا يجوز فيها إلا التعريض فلا يستحب فيها الخطبة قبل الخطبة اه
وهو كما قال ابن شهبة ظاهر
( و ) يستحب تقديم خطبة أخرى ( قبل العقد ) وهي آكد من الأولى وتبرك الأئمة رضي الله تعالى عنهم بما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفا ومرفوعا قال إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من نكاح أو غيره فليقل إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم } إلى قوله { رقيبا } { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا } إلى قوله { عظيما } وتسمى هذه الخطبة خطبة الحاجة وكان القفال يقول بعدها أما بعد فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر وكتاب سبق فإن مما قضى الله وقدر أن يخطب فلان ابن فلان فلانة بنت فلان على صداق كذا أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم أجمعين
( ولو خطب الولي ) وأوجب كأن قال الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجتك الخ ( فقال الزوج ) قبل القبول ( الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت ) نكاحها الخ ( صح النكاح ) مع تخلل الخطبة بين لفظيهما ( على الصحيح ) لأن المتخلل من مصالح العقد فلا يقطع الموالاة كالإقامة بين صلاتي الجمع قال في الروضة وبه قطع الجمهور
والثاني لا يصح لأن الفاصل ليس من العقد وصححه الماوردي وقال السبكي إنه أقوى
تنبيه ما ذكره من حذف الوصية بالتقوى من هذه الخطبة موافق لتصوير الروضة كأصلها المسألة بذلك لكنهما بعد هذا ذكر استحبابها عن الجمهور واستبعده الزركشي
وإنما حذف المصنف مدخول قبلت اعتمادا على ما يذكره بعد ذلك من أنه شرط في القبول ولو ذكره كما قدرته كان أولى
( بل يستحب ذلك ) الذكر بينهما للخبر المار
( قلت الصحيح ) وصححه في الأذكار أيضا ( لا يستحب ) ذلك ( والله أعلم ) لأنه لم يرد فيه توقيف بل يستحب تركه كما صرح به ابن يونس خروجا من خلاف من أبطل به
وتابع في الروضة الرافعي في أنه يستحب وجعلا في النكاح أربع خطب خطبة من الخاطب وأخرى من المجيب للخطبة وخطبتين للعقد واحدة قبل الإيجاب وأخرى قبل القبول فما صححه هنا مخالف للشرحين والروضة فإن حاصل ما فيهما وجهان أحدهما البطلان لأنه غير مشروع فأشبه الكلام الأجنبي والثاني ونقلاه عن الجمهور استحبابه فالقول بأنه لا يستحب ولا يبطل خارج عنهما
قال الأذرعي ولم أر من قال لا يستحب ولا يبطل فضلا عن ضعف الخلاف ومتى قيل لا يستحب اتجه البطلان لأنه غير مشروع فأشبه الكلام الأجنبي
وذكر البلقيني نحوه وفي كلام السبكي إشارة إليه
والأولى أن يحمل البطلان على ما إذا طال كما قال ( فإن طال ) عرفا ( الذكر الفاصل ) بين الإيجاب والقبول بحيث يشعر بالإعراض عن القبول ( لم يصح ) النكاح جزما لأنه يشعر بالإعراض لكن لو عبر بالمعتمد بدل الصحيح كان أولى
قال الرافعي وكان يجوز أن يقال إن كان الذكر مقدمة القبول وجب أن لا تضر إطالته فإنه لا يشعر بالإعراض
وأجاب عنه السبكي بأن مقدمة
____________________
(3/138)
القبول التي قام الدليل هي الحمد لله والصلاة لا ما زاد وضبط القفال الطول المانع من صحة العقد بقدر لو كانا ساكتين فيه لخرج الجواب عن أن يكون جوابا اه
والأولى أن يضبط بالعرف كما مر
تنبيه أفهم قوله الذكر أن غيره من كلام أجنبي يبطل ولو يسيرا وهو الأصح هنا بخلافه في الخلع فإنهم اغتفروا فيه اليسير كما في الروضة كأصلها في باب الخلع لأنه يفضي إلى حل العصمة ويغتفر فيه ما لا يغتفر في عقدها
قيل ومحل المنع إذا صدر الكلام من القائل الذي يطلب منه الجواب فإن كان من المتكلم ففيه وجهان حكاهما الرافعي في الجامع واقتضى إيراده أن المشهور أنه لا يضر وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب البيع والمراد بالكلام هنا ما يشمل الكلم والكلمة لا المصطلح عليه عند النحاة
تتمة يسن للولي عرض موليته على ذوي الصلاح كما فعل شعيب بموسى عليهما الصلاة والسلام وعمر بعثمان ثم بأبي بكر رضي الله تعالى عنهم
ويسن أن ينوي بالنكاح السنة والصيانة لدينه كما مرت الإشارة إليه
وأن يدعى للزوجين بالبركة بعد العقد وبالجمع بخير فيقال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير ويكره أن يقول بالرفاه والبنين وهو بكسر الراء والمد الالتئام والاتفاق من قولهم رفأت الثوب لورود المنهي عنه وأن يقدم الولي على العقد أزوجك هذه أو زوجتكما على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولو شرطه في نفس العقد لم يبطل لأن المقصود به الموعظة ولأنه شرط يوافق مقتضى العقد والشرع
ويسن للزوج أول ما يلقى زوجته أن يأخذ بناصيتها ويقول بارك الله لكل منا في صاحبه وأن يقول عند الجماع بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا
وفي الإحياء يكره الجماع في الليلة الأولى من الشهر والأخيرة منه وليلة النصف منه فيقال إن الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي ويقال إنه يجامع
قال وإذا قضي وطره فليمهل عليها حتى تقضي وطرها
قال وفي الوطء ليلة الجمعة أجران
ويسن أن لا يترك الجماع عند قدومه من سفره ولا يحرم وطء الحامل والمرضع
فصل في أركان النكاح وغيرها وأركانه خمسة صيغة وزوجة وشاهدان وزوج وولي وهما العاقدان
وقد بدأ بالأول فقال ( إنما يصح النكاح بإيجاب وهو ) قول الولي ( زوجتك أو أنكحتك ) ابنتي مثلا الخ ( وقبول ) وهو ( بأن يقول الزوج تزوجتها ) ( أو نكحتها ) الخ
وحذف المصنف مفعول هذين الفعلين مع أنه لا بد منه في صحة النكاح لما يشير إليه قوله ( أو قبلت نكاحها ) وهو مصدر بمعنى الإنكاح أي قبلت إنكاحها كما صرح به جمع من اللغويين وصح حينئذ كونه قبولا لقول الولي أنكحتك
( أو ) قبلت ( تزويجها ) أو هذا النكاح أو التزويج
أما اعتبار أصل الإيجاب والقبول فبالاتفاق كسائر العقود وأما هذا اللفظ فلما سيأتي
و رضيت نكاحها ك قبلت نكاحها كما حكاه ابن هبيرة الوزير عن إجماع الأئمة الأربعة وإن توقف فيه السبكي ومثله أردت أو أحببت كما قاله بعض المتأخرين
وقد يدل لقول ابن هبيرة وبعض المتأخرين قول البويطي ومتى تزوج بغير اسم التزويج أو الإنكاح لا يجوز فإذا قال الولي زوجتك فقال قد قبلت أو رضيت أو ما شبه هذا لم يكن شيئا حتى يقول قبلت النكاح أو التزويج قال الغزالي في فتاويه وك زوجتك زوجت لك أو إليك فيصح لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى ينبغي أن يكون كالخطأ في الإعراب اه
ومثل ذلك جوزتك ونحوه
أو إبدال الكاف همزة كما أفتى به بعض المتأخرين
ولو قال قبلت النكاح أو التزويج أو قبلتها فعن نص الأم الصحة في قبلت النكاح أو التزويج والبطلان في قبلتها وجرى عليه الشيخ أبو حامد وغيره
تنبيه لا يشترط توافق الولي والزوج في اللفظ فلو قال الولي زوجتك فقال الزوج قبلت نكاحها صح وبهذا يتم صحه كون أو في كلام المصنف للتخيير مطلقا
وقول الزوج تزوجت أو نكحت ليس قبولا حقيقة وإنما هو قائم مقامه إذا ضم إلى ذلك الضمير كما قدرته في كلامه
أما إذا اقتصر على تزوجت أو نكحت فإنه لا يكفي وإن أفهم كلامه
____________________
(3/139)
خلافه وتقدم الاعتذار عنه فكان الأولى تقديم القبول الحقيقي وهو قبلت نكاحها أو تزويجها
وكلامه يفهم اشتراط التخاطب لكن قالا لو قال المتوسط للولي زوجت ابنتك فلانا فقال زوجتها لفلان ثم قال للزوج قبلت نكاحها فقال قبلت نكاحها انعقد النكاح لوجود الإيجاب والقبول مرتبطين بخلاف ما لو قالا أو أحدهما نعم ولا بد أن يقول الولي زوجتها لفلان فلو اقتصر على زوجتها لم يصح كما يؤخذ من مسألة الوكيل نبه على ذلك شيخي
وهذا اللفظ بالنسبة إلى صحة النكاح فقط وأما المسمى فلا يلزم إلا إذا صرح الزوج به في لفظه فيقول قبلت نكاحها على هذا الصداق ونحوه فإن لم يقل ذلك وجب مهر المثل صرح به الماوردي والروياني وهذا حيلة فيمن لم يزوجها وليها إلا بأكثر من مهر مثلها
وهذا بخلاف البيع فإن القبول فيه منزل على الإيجاب فإن الثمن ركن فيه بخلاف النكاح فإنه يصح قبوله بلا صداق بل مع نفيه
ولا يصح النكاح بلفظ الجزء من المنكوحة ك زوجتك نصف ابنتي قاله الإمام في كتاب الطلاق
ولو قالت زوجك الله بنتي لم يصح كما نقله المصنف عن الغزالي وأقره وهو بناء على أن هذه الصيغة كناية وهو كذلك وإن نقل الرافعي عن العبادي ما يقتضي صراحتها
ويشترط في الصيغة أيضا إصرار العاقد وبقاؤه بصفة الكمال حتى يوجد القبول فإن أوجب الولي ثم رجع أو جن أو أغمي أو رجعت الآذنة عن إذنها أو أغمي عليها أو جنت أو ارتدت امتنع القبول وكون القبول بعد الفراغ من لفظ الإيجاب أي وما يذكر معه مما يتعلق بالمهر كما في فتاوي القفال
قال المتولي ويشترط علم الزوج بحل المنكوحة لكن في البحر لو تزوج امرأة وهما يعتقدان أن بينهما أخوة من رضاع ثم تبين خطؤه صح النكاح على الصحيح من المذهب اه
والأول أوجه
( ويصح تقدم لفظ الزوج على لفظ الولي ) لحصول المقصود تقدم أو تأخر فيقول الزوج زوجني ابنتك أو تزوجت ابنتك أو أنكحتها فيقول الولي زوجتك أو نحو ذلك
تنبيه شمل إطلاق المصنف تقدم قبلت نكاحها وهو كذلك كما صرح به الخوارزمي
وفي الشرحين والروضة في التوكيل في النكاح لو قال وكيل الزوج أولا قبلت نكاح فلانة لفلان فقال وكيل الولي زوجتها فلانا جاز وخالف في ذلك السبكي وجماعة من المتأخرين وتقدم التنبيه على ذلك في كتاب البيع
( ولا يصح ) عقد النكاح ( إلا بلفظ ) ما اشتق من لفظ ( التزويج أو الإنكاح ) دون لفظ الهبة والتمليك ونحوهما كالإحلال والإباحة لخبر مسلم اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله
قالوا وكلمة الله هي التزويج أو الإنكاح فإنه لم يذكر في القرآن سواهما فوجب الوقوف معهما تعبدا واحتياطا لأن النكاح ينزع إلى العبادات لورود الندب فيه والأذكار في العبادات تتلقى من الشرع والشرع إنما ورد بلفظي التزويج والإنكاح
وما في البخاري من أنه صلى الله عليه وسلم زوج امرأة فقال ملكتكها بما معك من القرآن فقيل وهم من الراوي أو أن الراوي رواه بالمعنى ظنا منه ترادفهما وبتقدير صحته معارض برواية الجمهور زوجتكها
قال البيهقي والجماعة أولى بالحفظ من الواحد ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين اللفظين
ومما احتج به الأصحاب قوله تعالى { خالصة لك } جعل النكاح بلفظ الهبة من خصائصه صلى الله عليه وسلم
تنبيه قوله ولا يصح إلا بلفظ الخ ليس تكرارا مع قوله إنما يصح عقد النكاح بإيجاب الخ لأن الكلام هناك في اشتراط الصيغة وهنا في تعيينها
( ويصح ) عقد النكاح ( بالعجمية في الأصح ) وهي ما عدا العربية من سائر اللغات كما عبر به في المحرر وإن أحسن قائلها العربية اعتبارا بالمعنى لأنه لفظ لا يتعلق به إعجاز فاكتفي بترجمته
والثاني لا يصح اعتبارا باللفظ الوارد
والثالث إن عجز عن العربية صح وإلا فلا
تنبيه محل الخلاف إذا فهم كل من العاقدين كلام نفسه وكلام الآخر سواء اتفقت اللغات أم اختلفت وإلا فلا يصح قطعا فإن فهمها ثقة دونهما فأخبرهما بمعناها فوجهان رجح البلقيني مبهما المنع كما في العجمي الذي ذكر
____________________
(3/140)
لفظ الطلاق وأراد معناه وهو لا يعرفه
قال وصورته أن لا يعرفها إلا بعد إتيانه بها فلو أخبره بمعناه قبل صح إن لم يطل الفصل
( لا بكناية ) ك أحللتك ابنتي لا يصح بها النكاح إذ لا اطلاع للشهود على النية
وقوله ( قطعا ) من زيادته على المحرر قال السبكي وهي زيادة صحيحة
فاعترضه الزركشي بأن في المطلب حكاية خلاف فيه والمراد الكناية بالصيغة أما في المعقود عليه فيصح فإنه لو قال زوجتك ابنتي فقبل و نويا معينة صح النكاح كما مر مع أن الشهود لا اطلاع لهم على النية فالكناية معتبرة في ذلك
ولا ينعقد بكتابة في غيبة أو حضور لأنها كناية فلو قال لغائب زوجتك ابنتي أو قال زوجتها من فلان ثم كتب فبلغه الكتاب أي الخبر فقال قبلت لم يصح وينعقد بإشارة الأخرس التي لا يختص بها فطنون أما ما يختص بها الفطنون فإنه لا ينعقد بها لأنها كناية وفي المجموع في كتاب البيع أنه ينعقد نكاح الأخرس بالكتابة بلا خلاف
فإن قيل الكتابة كناية هنا كما مر وفي الطلاق على الصحيح عند المصنف فكيف ينعقد نكاحه عنده بلا خلاف أجيب بأنه إنما اعتبر الكتابة في صحة ولايته لا في تزويجه ولا ريب أنه إذا كان كاتبا تكون الولاية له فيوكل من يزوجه أو يزوج موليته والسائل نظر إلى من يزوجه لا إلى ولايته ولا ريب أنه لا يزوج بها
( ولو قال ) الولي ( زوجتك ) الخ ( فقال ) الزوج ( قبلت ) واقتصر عليه ( لم ينعقد ) هذا النكاح ( على المذهب ) لأنه لم يوجد منه التصريح بواحد من لفظي النكاح والتزويج ونيته لا تفيد
وفي قول ينعقد بذلك لأنه ينصرف إلى ما أوجبه الولي فإنه كالمعاد لفظا كما هو الأصح في نظيره من البيع وفرق الأول بأن القبول وإن انصرف إلى ما أوجل البائع إلا أنه من قبيل الكنايات والنكاح لا ينعقد بها بخلاف البيع
وقيل بالمنع قطعا وقيل بالصحة قطعا
( ولو قال ) الخاطب للولي ( زوجني ) بنتك الخ ( فقال ) الولي له ( زوجتك ) الخ ( أو قال الولي ) للخاطب ( تزوجها ) أي بنتي الخ ( فقال ) الخاطب ( تزوجت الخ ( صح ) النكاح في المسألتين وإن لم يقبل الزوج بعد ذلك لوجود الاستدعاء الجازم ولما في الصحيحين أن الأعرابي الذي خطب الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم قال له زوجنيها فقال زوجتكها بما معك من القرآن
ولم ينقل أنه قال بعد ذلك قبلت نكاحها
وخرج بذلك ما لو قال الخاطب زوجني ابنتك أو تزوجنيها أو قال الولي أتتزوج ابنتي فإنه لا يصح لأنه استفهام وتقدم نظيره في البيع
فرع لو قال الخاطب للولي زوجت نفسي ابنتك وقبل الولي ففي انعقاده بهذا خلاف مبني على أن كل واحد من الزوجين معقود عليه لأن بقاءهما شرط لبقاء العقد كالعوضين في البيع أو المعقود عليه المرأة فقط لأن العوض من جهة الزوج المهر لا نفسه
ولأنه لا حجر عليه في نكاح غيرها معها
والصحيح أن الزوج ليس معقودا عليه كما نقله الرافعي عن الأكثرين في باب الطلاق في الكلام على قوله أنا منك طالق وقد مرت الإشارة إلى ذلك في أول كتاب النكاح فعليه لا ينعقد النكاح بذلك لأنه جعل نفسه معقودا عليه ولأن زوجت إنما يليق بالولي لا بالزوج
( و ) يشترط كون النكاح منجزا وحينئذ ( لا يصح تعليقه ) ك إذا طلعت الشمس فقد زوجتك بنتي كما في البيع ونحوه من باقي المعاوضات بل أولى لمزيد اختصاصه بالاحتياط
ولو قال زوجتك إن شاء الله وقصد التعليق أو أطلق لم يصح وإن قصد التبرك أو أن كل شيء بمشيئة الله تعالى صح كما مر نظير ذلك في الوضوء
( ولو بشر ) شخص ( بولد فقال ) لآخر ( إن كانت أنثى فقد زوجتكها ) الخ فقبل ( أو قال ) له ( إن كانت بنتي طلقت ) أو مات زوجها وزاد على المحرر قوله ( واعتدت فقد زوجتكها ) وكانت أذنت لأبيها في تزويجها أو قال إن ورثت هذه الجارية فقد زوجتكها ( فالمذهب بطلانه ) أي النكاح في الصور المذكورة ولو كان الواقع في نفس الأمر كذلك لوجود صورة التعليق
____________________
(3/141)
وفساد الصيغة
فإن قيل يتصور الإذن من الزوجة المدخول بها ولا يمكن تصوره في البكر لأجل قوله واعتدت
أجيب بتصوره فيما إذا وطئت في الدبر أو استدخلت ماءه وفي المجنونة أو في العاقلة إذا أذنت له إن طلقت واعتدت أن يزوجها كما أشار إلى صحة هذا الإذن البغوي في فتاويه كما نقله الشيخان عنه وأقراه وكلام الروضة هنا يفهمه فيما لو قال الولي للوكيل أذنت لك في تزويجها إذا انقضت عدتها
لكن الراجح في كتاب الوكالة خلافة وهو الأوجه
تنبيه لو حذف المصنف لفظة واعتدت كما في المحرر لصح تصوير المسألة في بكر
واحترز بقوله بشر بولد فقال إن كان أنثى الخ عما لو أخبر بحدوث بنت له أو بموت إحدى نساء زيد مثلا فصدق المخبر ثم قال لزيد في الثانية ولغيره في الأولى إن صدق المخبر فقد زوجتكها فإنه يصح وليس بتعليق بل هو تحقيق كقوله إن كنت زوجتي فأنت طالق وتكون إن بمعنى إذا كقوله تعالى { وخافون إن كنتم مؤمنين } كذا نقله الشيخان ثم قالا ويجب فرضه فيما إذا تيقن صدق المخبر وإلا فلفظ إن للتعليق وتوقف في ذلك السبكي
قال البلقيني ومحل كون التعليق مانعا إذا كان ليس مقتضى الإطلاق وإلا فينعقد فلو قال الولي زوجتك بنتي إن كانت حية والصورة أنها كانت غائبة وتحدث بمرضها أو ذكر موتها أو قتلها ولم يثبت ذلك فإن هذا التعليق يصح معه العقد وبسط ذلك
والظاهر أن هذا داخل في كلام الأصحاب فإنه لم يخرج عن كونه تعليقا
( و ) يشترط كون النكاح مطلقا وحينئذ ( لا ) يصح ( توقيته ) بمدة معلومة كشهر أو مجهولة كقدوم زيد وهو نكاح المتعة المنهي عنه وكان جائزا في أول الإسلام رخصة للمضطر كأكل الميتة ثم حرم عام خبير ثم رخص فيه عام الفتح وقيل عام حجة الوداع ثم حرم أبدا
وإليه يشير قول الشافعي رضي الله تعالى عنه لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة
وأما قول الحافظ المنذري إن القبلة نسخت مرتين أيضا ولحوم الحمر الأهلية أيضا حرمت مرتين فلعله لم يثبت عند الشافعي
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يذهب إلى جوازها وروى البيهقي أنه رجع عنها
ويرد تجويزها ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت قد أذنت في الاستمتاع بهذه النسوة ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا
تنبيه استثنى البلقيني من بطلان النكاح ما إذا نكحها مدة عمره أو مدة عمرها قال فإن النكاح المطلق لا يزيد على ذلك والتصريح بمقتضى الإطلاق لا يضر فينبغي أن يصح النكاح في هاتين الصورتين قال وفي نص الأم ما يشهد له
وتبعه على ذلك بعض المتأخرين وهذا ممنوع فقد صرح الأصحاب في البيع بأنه لو قال بعتك هذا حياتك لم يصح البيع فالنكاح أولى وكذا لا يصح إذا أقته بمدة لا تبقى إليها الدنيا غالبا كما قاله شيخي
وهذا مبني على أن الاعتبار بصيغ العقود لا بمعانيها
( ولا ) يصح ( نكاح الشغار ) للنهي عنه في خبر الصحيحين من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم ( وهو ) بكسر الشين وبالمعجمتين نحو قول الولي للخاطب ( زوجتكها ) أي بنتي مثلا ( على أن تزوجني بنتك ويضع كل واحدة ) منهما ( صداق الأخرى فيقبل ) ذلك كقوله تزوجت بنتك وزوجتك بنتي على ما ذكرت
وتفسيره بذلك مأخوذ من آخر الخبر المحتمل لأن يكون من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون من تفسير ابن عمر الراوي أو من تفسير الراوي عنه فيرجع إليه وقد صرح البخاري بأنه من قول نافع
والمعنى في البطلان التشريك في البضع حيث جعل مورد النكاح امرأة وصداقا لأخرى فأشبه تزويج واحدة من اثنين
وقيل التعليق وقيل الخلو من المهر
وعول الإمام على الخبر وضعف المعاني كلها وهو أسلم
وسمي شغارا إما من قولهم شغر البلد عن السلطان إذا خلا عنه لخلوه عن المهر وقيل لخلوه عن بعض الشرائط
وإما من قولهم شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول إذ أصل الشغار في اللغة الرفع لأن كلا منهما يقول للآخر لا ترفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك
تنبيه كلامهم يقتضي أن قوله على أن تزوجني ابنتك استيجاب قائم مقام قوله وزوجني ابنتك وإلا لوجب
____________________
(3/142)
القبول بعد
( فإن لم يجعل البضع صداقا ) بأن سكت عنه كقوله زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك فقبل ( فالأصح ) في العقدين ( الصحة ) لعدم التشريك في البضع وليس فيه إلا شرط عقد في عقد وذلك لا يفسد النكاح ولكن يفسد المسمى ويجب لكل واحدة مهر المثل فعلى هذا لو قال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك وبضع ابنتك صداق لابنتي صح الأول وبطل الثاني لجعل بضع بنت الثاني صداقا فالبنت الأول بخلاف الأول
ولو قال بضع ابنتي صداقا لابنتك بطل الأول وصح الثاني لما عرف والثاني لا يصح لوجود التعليق قال الأذرعي وهو المذهب وقال البلقيني ما صححه المصنف مخالف للأحاديث الصحيحة ونصوص الشافعي
( ولو سميا مالا مع جعل البضع صداقا ) كقوله وبضع كل منهما وألف صداق الأخرى ( بطل ) عقد كل منهما ( في الأصح ) لوجود التشريك الموجود
والثاني يصح لأنه ليس على تفسير صورة الشغار ولأنه لم يخل عن المهر
تنبيه قوله سميا ليس بقيد بل لو سمى أحدهما كان الحكم كذلك
ومن صور الشغار كما في شرح المختصر لابن داود أن يقول زوجتك ابنتي على أن تزوج ابني ابنتك وبضع كل واحدة صداق الأخرى ومن صوره أيضا ما لو قال زوجني ابنتك على أن أزوجك أمتي وبضع كل واحدة صداق الأخرى
ولو قال زوجتك بنتي على أن بضعك صداق لها صح النكاح في أحد وجهين يظهر ترجيحه تبعا لشيخنا لعدم التشريك لكن يفسد الصداق فيجب مهر المثل كما لو سمى خمرا ويفسد المسمى دون النكاح أيضا فيما لو قال زوجتك بنتي بمنفعة أمتك بالجهل بالمسمى
فروع لو قال لمن يحل له نكاح الأمة زوجتك جاريتي على أن تزوجني ابنتك بصداق لها هو رقبة الجارية فزوجه على ذلك صح النكاحان لأنه لا تشريك فيما ورد عليه عقد النكاح بمهر المثل لكل منهما لعدم التسمية والتعويض في الأولى وفساد المسمى في الثانية إذ لو صح المسمى فيها لزم صحة نكاح الأمة جارية بنته وهو ممتنع
ولو طلق امرأته على أن يزوجه زيد مثلا ابنته وصداق البنت بضع المطلقة فزوجه على ذلك صح التزويج بمهر المثل لفساد المسمى ووقع الطلاق على المطلقة
ولو طلق امرأته على أن يعتق زيد عبده ويكون طلاقها عوضا من عتقه فأعتقه على ذلك طلقت ونفذ العتق في أحد وجهين نقله في أصل الروضة عن ابن كج وهو الظاهر ورجع الزوج على السيد بمهر المثل والسيد على الزوج بقيمة العبد
والركن الثاني الزوجة ويشترط فيها خلوها من الموانع الآتي بيانها في باب محرمات النكاح إن شاء الله تعالى
ويشترط تعيين كل من الزوجين ف زوجتك إحدى بناتي أو زوجت بنتي مثلا أحدكما باطل ولو مع الإشارة كالبيع ولا يشترط الرؤية
وإن قال زوجتك بنتي أو بعتك داري وكان رأى داره قبل ذلك وليس له غيرها أو أشار إليها صح كل من التزويج والبيع ولو سمى البنت المذكورة بغير اسمها أو غلطا في حدود الدار المذكورة أو قال زوجتك هذا الغلام وأشار إلى البنت التي يريد تزويجها صح كل من التزويج والبيع أما فيما لا إشارة فيه فلأن كل من البنتية والدارية صفة لازمة مميزة فاعتبرت ولغا الاسم كما لو أشار إليها وسماها بغير اسمها وأما فيما فيه إشارة فتعويلا عليها
ولو كان اسم بنته الواحدة فاطمة فقال زوجتك فاطمة ولم يقل بنتي لم يصح النكاح لكثرة الفواطم لكن لو نواها صح عملا بما نواه كما قاله البغوي
فإن قيل يشترط في صحة العقد الإشهاد والشهود لا اطلاع لهم على النية أجيب بأن الكناية مغتفرة في ذلك كما مر على أن الخوارزمي اعتبر في مثل ذلك أيضا علم الشهود بالمنوية وعليه لا سؤال ولو قال وله ابنتان كبرى وصغرى زوجتك بنتي الكبرى وسماها باسم الصغرى صح في الكبرى اعتمادا على الوصف ولو ذكر الولي للزوج اسم واحدة من بنتيه أو قصدهما الأخرى صح فيما قصداها ولغت التسمية وفيه السؤال والجواب المتقدمان فإن اختلف قصدهما لم يصح لأن الزوج قبل غير ما أوجبه الولي
ولو قال زوجتك بنتي الصغيرة الطويلة وكانت الطويلة الكبيرة فالتزويج باطل لأن كلا الوصفين لازم وليس اعتبار أحدهما في تمييز المنكوحة أولى من اعتبار الآخر فصارت مبهمة قاله في البحر
ولو خطب كل من رجلين امرأة وعقد منهما على مخطوبة الآخر ولو غلطا صح النكاحان لقبول كل منهما ما أوجبه الولي
____________________
(3/143)
ثم شرع في الركن الثالث فقال ( ولا يصح ) النكاح ( إلا بحضرة شاهدين ) لخبر ابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل فإن تشاحوا فالسلطان ولي من لا ولي له
قال ولا يصح في ذكر الشاهدين غيره
والمعنى في اعتبارهما الاحتياط للأبضاع وصيانة الأنكحة عن الجحود
تنبيه إنما عبر بالحضور ليفهم عدم الفرق بين حضورهما قصدا أو اتفاقا أو حضرا وسمعا العقد صح وإن لم يسمعا الصداق
ويسن إحضار جمع زيادة على الشاهدين من أهل الخير والدين
قال الرافعي ذكر في الوسيط أن حضور الشهود شرط لكن تساهل في تسميته ركنا
وبالجملة حضورهم معتبر في الأنكحة ولذا عبر المصنف بحضور
( وشرطهما حرية ) فلا ينعقد بمن فيه رق لأن من فيه رق ليس أهلا للشهادة
ولو عقد بحضرة من أعتقه شخص في مرض موته وعليه دين مستغرق هل يصح أو لا قال الزركشي في صحة العقد وإن قلنا بصحة العتق نظر لأن العتق غير مستقر اه
والأوجه ما قاله غيره وهو الصحة إن لم يبطل وعدمها إن بطل
ويؤيد ذلك ما سيأتي إن كان الشاهد خنثى ثم تبين كونه ذكرا أنه يكفي ( وذكورة ) فلا ينعقد بالنساء ولا برجل وامرأتين لأنه لا يثبت بقولهن
تنبيه أفهم كلامه أنه لا ينعقد بخنثيين ولو بانا رجلين لكنه صحح في زيادة الروضة الصحة
فإن قيل لو عقد على مشكل أوله ثم تبين كونه أنثى في الأول أو ذكرا في الثاني أن النكاح لا يصح أجيب بأن الشهادة في النكاح من الشروط كما مر عن البسيط والشرط يعتبر وجوده عند العقد لا تحققه بخلاف المعقود عليه فإنه ركن والركن يعتبر تحققه عند العقد ويؤيد ذلك ما سيأتي من أن الإشهاد على رضا المرأة حيث يعتبر رضاها لا يشترط
وعللوه بأن رضاها ليس من نفس العقد وإنما شرط فيه وإذا وجد من غير إشهاد كفى
وأيضا الخنثى أهل للشهادة في الجملة
فإذا بان رجلا اكتفينا بذلك في النكاح بخلاف العقد على الخنثى فإنه ليس أهلا لعقد النكاح عليه في حالة من الأحوال
واستغنى المصنف عن ذكر الإسلام والتكليف في الشاهد بقوله ( وعدالة ) ولو ظاهرة وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى في كتاب الشهادات فلا ينعقد بفاسقين لأنه لا يثبت بهما
( وسمع ) ولو برفع الصوت إذ المشهود عليه قول فلا بد من سماعه فلا ينعقد بأصم وفيه وجه
( وبصر ) لأن الأقوال لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع
( وفي الأعمى وجه ) بانعقاد النكاح بحضرته وحكاه في البحر عن النص لأنه أهل للشهادة في الجملة
تنبيه كان ينبغي للمصنف حيث كان ذلك منسوبا إلى النص أن يعبر بقوله بقي عليه شروط أخر وهي كونه ناطقا رشيدا ضابطا ولو مع النسيان عن قرب غير متعين للولاية كأب وأخ منفرد وكل وحضر مع آخر
وتقدم أنه لا بد من معرفة لغة المتعاقدين وإنما تركها المصنف لأنه سيذكرها في كتاب الشهادات
ولو عبر بشاهدين مقبولي شهادة نكاح كان أخصر وأعم
( والأصح انعقاده ) أي النكاح ( بابني الزوجين ) أي ابني كل منهما أو ابن أحدهما وابن الآخر ( وعدويهما ) أي وعدوي كل منهما أو عدو أحدهما وعدو الآخر لأنهما من أهل الشهادة وينعقد بهما النكاح في الجملة
والثاني لا لتعذر ثبوت هذا النكاح بهما في المسألتين
وقطع بعضهم بالانعقاد في العداوة لإمكان زوالها
قال في زيادة الروضة وينعقد بحضور ابنيه مع ابنيها وعدويه مع عدويها بلا خلاف
والجد إن لم يكن وليا كالإبن
تنبيه قد يكون الأب شاهدا لاختلاف دين أو رق كأن تكون بنته رقيقة فيزوجها سيدها وحضر وهو بصفة الشهود أو كافرة فزوجها أخوها مثلا الكافر وحضره الأب
وينعقد بالحواشي كالإخوة والأعمام إذا كان الولي غيرهم فلو شهد اثنان من ثلاثة إخوة مثلا والعاقد غيرهما من بقية الأولياء لا إن عقد بوكالة منهما أو من أحدهما
____________________
(3/144)
له جاز بخلاف ما إذا عقد غيرهما بوكالة ممن ذكر لما مر
والواو في قوله وعدويهما بمعنى أو ولهذا حكي الرافعي الخلاف في العدوين ثم قال ويجري في الابنين ولو كان الكل انعقد قطعا على قياس ما مر في زيادة الروضة
( وينعقد بمستوري العدالة ) وهما المعروفان بها ظاهرا لا باطنا بأن عرفت بالمخالطة دون التزكية عند الحاكم ( على الصحيح ) لأن الظاهر من المسلمين العدالة ولأن النكاح يجري بين أوساط الناس والعوام فلو اعتبر فيه العدالة الباطنة لاحتاجوا إلى معرفتها ليحضروا من هو متصف بها فيطول الأمر عليهم ويشق
تنبيه ظاهر إطلاق المصنف في انعقاد النكاح بالمستورين أنه لا فرق بين أن يعقد بهما الحاكم أو غيره وهو ما صححه المتولي فإنه صحح أن الحاكم كغيره فيما طريقه المعاملة ألا ترى أن الحاكم إذا رأى مالا في يد إنسان يتصرف فيه بلا منازع له أن يشتريه منه اعتمادا على ظاهر اليد كما يجوز لغيره أن يعتمد ظاهر اليد ولا يقال الحاكم لا يشق عليه طلب الحجة وسماع البينة وهذا هو الظاهر وإن جزم ابن الصلاح في فتاويه والمصنف في نكته بعدم الصحة واختاره السبكي وغيره
والوجه الثاني لا ينعقد بالمستورين بل لا بد من معرفة العدالة الباطنة
ويعلم من حكم المصنف فيما بعد بالبطلان فيما إذا بان فسقهما عند العقد أن الصحة في المستور إنما هي في الظاهر دون الباطن فلا ينعقد في الباطن على الصحيح إلا بعدلين باطنا
ويبطل الستر بتفسيق عدل في الرواية فلو أخبر بفسق المستور عدل لم يصح به النكاح كما رجحه ابن المقري تبعا للإمام
وقول صاحب الذخائر الأشبه الصحة فإن الجرح لا يثبت إلا بشاهدين ولم يوجدا مردود بأنه ليس الغرض إثبات الجرح بل زوال ظن العدالة وهو حاصل بخبر العدل
ولو تحاكم الزوجان وقد أقر بنكاح عقد بمستورين في نفقة ونحوها في حقوق الزوجية وعلم الحاكم بفسق شهود العقد لم يحكم بينهما كذا قالاه
وقضيته أنه لا يفرق بينهما والظاهر كما قاله الزركشي وغيره أنه يفرق بينهما بناء على أن القاضي يقضي بعلمه سواء أترافعا إليه أم لا وإن علم بكونهما مستورين حكم بينهما سواء أقلنا يعقد بهما أم لا لأن الحكم بهما هنا تابع لصحة النكاح كما يثبت هلال شوال بعد ثلاثين يوما تبعا لثبوت رمضان برؤية عدل ولا يقبل المستورين في إثبات النكاح ولا فساده بل يتوقف حتى يعلم باطنهما
ويمكن حمل كلام ابن الصلاح والمصنف في نكته على هذا وكلام المتولي وإطلاق المتن على مجرد العقد من غير حكم فلم يتواردا على محل واحد وهذا أولى
( لا مستور الإسلام والحرية ) بأن لم يعرف إسلامه ولا حريته بأن يكون في موضع يختلط فيه المسلمون بالكفار والأحرار بالأرقاء ولا غالب أو يكون ظاهره الإسلام والحرية بالدار فلا ينعقد النكاح به بل لا بد من معرفة حاله بهما باطنا لسهولة الوقوف على ذلك بخلاف العدالة والفسق
تنبيه قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في عدم الانعقاد بين أن يتبين وجود الأهلية حالة العقد أم لا وليس مرادا فإنه صحح في الخنثى أنه إذا ثبتت ذكورته الصحة كما مر وهذا أولى لأن الخنوثة لا تخفى غالبا وكمستور الإسلام والحرية مستور البلوغ كما قاله الجويني إذ الأصل الصبا فإن تبين أنه كان بالغا عند العقد صح على قياس ما مر
( ولو بان فسق الشاهد عند العقد فباطل ) أي تبين بطلانه ( على المذهب ) لفوات العدالة كما لو بانا كافرين ولا فرق بين كون العاقد إذ ذاك حاكما أو لا
وسيعيد المصنف هذه المسألة في كتاب الشهادات حيث يقول فيه ومتى حكم بشاهدين فبانا كافرين إلى أن قال وكذا فاسقان في الأظهر
والطريق الثاني فيه قولان أحدهما هذا والثاني الاكتفاء بالستر يومئذ
تنبيه احترز بقوله عند العقد عما لو تبين الفسق في الحال ولم يعلم قدمه ولا حدوثه فإنه لا يحكم ببطلانه لجواز حدوثه وبه صرح الماوردي قال لكن لا يحكم بثبوت هذا النكاح إلا بشهادة غيرهما قال وكذا فيما لو تبين فسقهما بعد العقد وعما إذا تبين قبله فإنه لا يضر
وينبغي كما قال الزركشي تقييد بزمن يتأتى فيه الاستبراء
____________________
(3/145)
المعتبر
( وإنما يبين ) فسق الشاهد ( ببينة ) تقوم به حسبة أو غيرها على أنه كان فاسقا عند العقد وعلم القاضي بفسقه كالبينة كما في البيان والتجريد لكنهما صوراه بالترافع قال الأذرعي وتبعه الزركشي ويشبه أنه لا فرق ثم قال فإن قيل هذا نكاح مختلف في صحته فلا يتعرض له ما لم يترافعا إليه فيه كسائر الخلافيات قلت يحتمل هذا ويحتمل أن يقال يفرق بينهما وأن لم يترافعا اه
والاحتمال الأول أظهر الموافق لما قيد به الأولان
( أو اتفاق الزوجين ) على فسقه سواء أقالا لم نعلمه إلا بعد العقد أو علمناه ثم نسيناه عند العقد أو علمناه عند العقد
ولو أقر الزوجان عند الحاكم أن النكاح
عقد بعدلين وحكم عليهما بالصحة بإقرارهما ثم ادعيا أنه عقد بفاسقين قال الماوردي لم يلتفت إلى قولهما ثانيا وهو كما قال ابن شهبة ظاهر بالنسبة إلى حقوق الزوجية لا بالنسبة إلى تقرير النكاح
تنبيه محل تبين البطلان باعتراف الزوجين في حقهما أما حق الله تعالى بأن طلقها ثلاثا ثم توافقا على فساد العقد بهذا السبب أو بغيره فلا يجوز أن يوقعاه بلا محلل كما في الكافي للخوارزمي للتهمة ولأنه حق الله تعالى فلا يسقط بقولهما
قال ولو أقاما بينة على ذلك لم يسمع قولهما ولا بينتهما وبذلك أفتى القاضي
وذكر البغوي في تعليقه أن بينة الحسبة تقبل لكنهم ذكروا في باب الشهادات أن محل قبول بينة الحسبة عند الحاجة إليها كأن طلق شخص زوجته وهو يعاشرها أو أعتق رقيقه وهو ينكر ذلك أما إذا لم تدع إليها حاجة فلا تسمع وهنا كذلك نبه على ذلك شيخي وهو حسن
قال السبكي ومحل عدم قبول البينة إذا أراد نكاحا جديدا فلو أراد الزوج التخلص من المهر كأن كان الطلاق قبل الدخول أو أرادت الزوجة بعد الدخول مهر المثل أي وكان أكثر من المسمى فينبغي قبولها
قال شيخنا وهذا داخل في قولهم يقبل اعترافهما في حقهما اه
وإذا سمعت البينة حينئذ تبين بها بطلان النكاح ويكون ذلك حيلة في دفع المحلل
( ولا أثر ) بالنسبة للتفريق بين الزوجين ( لقول الشاهدين كنا ) عند العقد ( فاسقين ) لأن الحق ليس لهما فلا يقبل قولهما على الزوجين
أما بالنسبة لغير تفريق الزوجين فقد يظهر أثره فيما لو حضرا عقد أختها ونحوها ثم قالا ذلك وماتت وهما وارثاها فإن قولهما يؤثر في سقوط المهر قبل الدخول وفي فساد المسمى بعده نبه على ذلك الأذرعي وغيره
( ولو اعترف به ) أي بفسق الشاهدين ( الزوج وأنكرت ) ذلك الزوجة ( فرق بينهما ) مؤاخذة له بقوله وهي فرقة فسخ على الصحيح فلا تنقص عدد الطلاق كإقراره بالرضاع لأنه لم ينشىء طلاقا ولم يقر به
وقيل هي طلقة بائنة تنقصه كما لو نكح أمة وقال نكحتها وأنا واجد طول حرة فإنها تبين منه بطلقة نص عليه
واستشكل السبكي كلا من الوجهين بأن كلا من الفسخ والطلاق يقتضي وقوع عقد صحيح وهو ينكره قال فالوجه تأويل قولهم الفسخ على الحكم بالبطلان وتأويل الحكم بالطلاق على أنه في الظاهر دون الباطن ( وعليه ) إذا اعترف بالفسق ( نصف ) ما سماه من ( المهر إن لم يدخل بها وإلا ) بأن دخل بها ( فكله ) لأن حكم اعترافه مقصور عليه جريا على القاعدة
ولا يرثها وترثه بعد حلفها أنه عقد بعدلين
تنبيه احترز بالزوج عما لو اعترفت الزوجة بالفسق وأنكر الزوج فإنه لا يفرق بينهما بل يقبل قوله عليها بيمينه لأن العصمة بيده وهي تريد رفعها والأصل بقاءها
وتؤاخذ بإقرارها بالنسبة لما يضرها فلو مات لم ترثه وإن ماتت أو طلقها قبل وطء سقط المهر أو بعده فلها أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل قال ابن الرفعة إلا إذا كانت محجورة بسفه فإن ذلك لم يسقط لفساد إقرارها في المال والأمة كذلك
قال في المهمات وسقوط المهر قبل الدخول ينبغي تقييده بما إذا لم تقبضه فإن قبضته فليس له استرداده اه
أي لأنها تقر له به وهو ينكره فيبقى في يدها
ولو قالت نكحتني بغير ولي وشهود فقال بل بهما نقل ابن الرفعة عن الذخائر أن القول قولها لأن ذلك إنكار لأصل العقد
قال الزركشي وهو ما نص عليه في الأم اه
وهذا أحد قولين للإمام الشافعي رضي الله عنه والقول الثاني القول قوله بيمينه وهو
____________________
(3/146)
المعتمد نبه على ذلك شيخي تغمده الله برحمته
( ويستحب الإشهاد على رضا المرأة ) بالنكاح بقولها كأن قالت رضيت أو أذنت فيه ( حيث يعتبر رضاها ) بأن كانت غير مجبرة احتياطا ليؤمن إنكارها
( ولا يشترط ) الإشهاد في صحة النكاح لأنه ليس من نفس العقد وإنما هو شرط فيه ورضاها الكافي في العقد يحصل بإذنها وببينة وكذا بإخبار وليها مع تصديق الزوج
ليه قضية التعبير بمن يعتبر رضاها أنه لا يستحب الإشهاد المذكو حيث لا يعتبر رضاها كتزويج الأب البكر البالغة لكن قال الأذرعي ينبغي استحبابه صيانة للعقد من أن ترفعه إلى من يعتبر إذنها من الحكام فيبطله إذا جحدته اه
وهو بحث حسن
وشمل إطلاق المصنف وغيره ما لو كان المزوج هو الحاكم وهو كذلك وبه أفتى القاضي والبغوي وإن أفتى ابن عبد السلام والبلقيني بخلافه وهو أن الحاكم لا يزوجها حتى يثبت عنده إذنها
ثم شرع في الركن الرابع والخامس وهما الزوج والولي أو النائب عن كل منهما مترجما لذلك بفصل فقال فصل لا تزوج امرأة نفسها أي لا تملك مباشرة ذلك بحال لا ( بإذن ) ولا بغيره سواء الإيجاب والقبول إذ لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء وعدم ذكره أصلا وقد قال تعالى { الرجال قوامون على النساء }
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه وقوله تعالى { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى ولخبر لا نكاح إلا بولي
وروى ابن ماجة خبر لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها وأخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الشيخين
نعم لو عدم الولي والحاكم فولت مع خاطبها أمرها رجلا مجتهدا ليزوجها منه صح لأنه محكم والمحكم كالحاكم وكذا لو ولت معه عدلا صح المختار وإن لم يكن مجتهدا لشدة الحاجة إلى ذلك
وهذا ما جرى عليه ابن المقري تبعا لأصله قال في المهمات ولا يختص ذلك بفقد الحاكم بل يجوز مع وجوده سفرا وحضرا بناء على الصحيح في جواز التحكيم كما هو مذكور في كتاب الفضاء
قال الولي العراقي ومراد المهمات ما إذا كان المحكم صالحا للقضاء
وأما الذي اختاره النووي أنه يكفي العدالة ولا يشترط أن يكون صالحا للقضاء فشرطه السفر وفقد القاضي
وقال الأذرعي جواز ذلك مع وجود القاضي بعيد من المذهب والدليل لأن الحاكم ولي حاضر ويظهر الجزم بمنع الصحة إذا أمكن التزويج من جهته وكلام الشافعي مؤذن بأن موضع الجواز عند الضرورة ولا ضرورة مع إمكان التزويج من حاكم أهل حاضر بالبلد وبسط ذلك
وهذا يؤيد ما جرى عليه الولي العراقي وهو المعتمد
ويستثنى من إطلاقه ما لو زوجت امرأة نفسها في الكفر فإنه يقر على ذلك بعد الإسلام
( ولا ) تزوج امرأة ( غيرها بوكالة ) عن الولي ولا بولاية
ولو وكل ابنته مثلا أن توكل رجلا في نكاحها لا عنها بل عنه أو أطلق صح لأنها سفيرة بين الولي والوكيل بخلاف ما لو وكلت عنها
تنبيه يستثنى من إطلاقه ما لو ابتلينا بإمامة امرأة فإن أحكامها تنفذ للضرورة كما قاله ابن عبد السلام وغيره وقياسه تصحيح تزوجها
ولا يعتبر إذن المرأة في نكاح غيرها لا في ملكها
أو في سفيه أو مجنون هي وصية عليه ( ولا تقبل نكاحا لأحد ) بولاية ولا وكالة إذ لا يصح لها فلا تتعاطاه للغير
تنبيه الخنثى في ذلك كالمرأة كما جزم به ابن مسلم في كتاب الخناثى وقاله في المجموع بحثا في نواقض الوضوء وقال لم أر فيه نقلا اه
نعم لو زوج الخنثى أخته ثم بان ذكرا فقياس ما سبق في الشاهد الصحة
قال الزركشي وبه جزم السبكي في كتاب الخناثى
( والوطء ) ولو في الدبر ( في نكاح ) بشهود ( بلا ولي ) كتزويجها نفسها أو بولي بلا شهود ولم يحكم حاكم بصحته ولا ببطلانه لا يوجب المسمى بل ( يوجب مهر المثل ) لفساد النكاح ولخبر أيما
____________________
(3/147)
امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له رواه الترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححاه
ويستثنى من إيجاب المهر ما إذا كان الناكح محجورا عليه بسفه كما سيأتي
تنبيه اقتصاره على المهر يفهم أنه لا يلزمه معه أرش بكارة لو كانت بكرا وهو ما صرح به في المجموع في الكلام على البيع الفاسد فإنه نقل ذلك عن الشافعي والأصحاب وفرق بينه وبين البيع الفاسد بأن إتلاف البكارة مأذون فيه في النكاح الفاسد كما في النكاح الصحيح بخلاف البيع الفاسد فإنه لا يلزم منه الوطء
و ( لا ) يوجب الوطء في النكاح المذكور ( الحد ) سواء أصدر ممن يعتقد تحريمه أم لا لشبهة اختلاف العلماء في صحة النكاح لكن يعذر معتقد تحريمه لارتكابه محرما لا حد فيه ولا كفارة ولو لم يطأ الزوج في هذا النكاح المذكور فزوجها وليها قبل التفريق بينهما صح
ولو طلقها ثلاثا لم يفتقر في صحة نكاحه لها إلى محلل لعدم وقوع الطلاق لأنه إنما يقع في نكاح صحيح
ولو حكم بصحته أو ببطلانه حاكم يراه لم ينقض حكمه فلو وطئها بعد الحكم ببطلانه حد كما قاله الماوردي وامتنع على الحاكم المخالف بعد ذلك الحكم بصحته
أما الوطء في نكاح بلا ولي ولا شهود فإنه يوجب الحد جزما لانتفاء شبهة العلماء
ثم أشار المصنف رحمه الله إلى قاعدة وهي أن من ملك الإنشاء
ملك الإقرار غالبا ومن لا فلا بقوله ( ويقبل إقرار الولي ) على موليته ( بالنكاح ) بعد لين وإن لم توافقه البالغة العاقلة عليه ( إن استقل بالإنشاء ) وقت الإقرار بأن كان مجبرا والزوج كفؤا لأن من ملك الإنشاء ملك الإقرار غالبا كما مر
( وإلا ) بأن لم يكن مستقلا بإنشاء النكاح وقت الإقرار لكونه غير مجبر ( فلا ) يقبل إقراره عليها لعجزه عن الإنشاء إلا بإذنها
تنبيه يدخل في عبارة المصنف لولا الذي قدرته ما إذا استقل بالإنشاء وكان عند الإقرار غير مستقل كما لو كانت ثيبا وادعى أنه زوجها حين كانت بكرا فإنه لا يقبل قوله وإن كان استقل بالإنشاء وعبارة المحرر يقبل إقرار الولي بالنكاح إذا كان مستقلا بالإنشاء
قال السبكي وهو أحسن من تعبير المنهاج لأن معناه وصفه بذلك حين الإقرار
ثم استثنى من عكس القاعدة المذكورة ما تضمنه قوله ( ويقبل إقرار البالغة العاقلة ) الحرة ولو سفيهة فاسقة بكرا كانت أو ثيبا ( بالنكاح ) من زوج صدقها على ذلك ولو غير كفء ( على الجديد ) وإن كذبها الولي والشاهدان إن عينتهما أو قال الولي ما رضيت إذا كان الزوج غير كفء لأن النكاح حق الزوجين فثبت بتصادقهما كغيره من العقود ولاحتمال نسيان الولي والشاهدين وكذبهم
ولا بد من تفصيلها الإقرار فتقول زوجني منه ولي بحضرة عدلين ورضائي إن كانت ممن يعتبر رضاها
فإن قيل سيأتي في الدعاوي أنه يكفي إقرارها المطلق فيكون هنا كذلك أجيب بأن ذاك محله في إقرارها الواقع في جواب الدعوى وما هنا في إقرارها المبتدأ
ولو كان أحد الزوجين رقيقا اشترط مع ذلك تصديق سيده كما بحثه الزركشي في الأمة ومثلها العبد فإن لم يصدقها الزوج لم يحل لها أن تنكح غيره في الحال كما قاله القفال اعتبارا بقولها في حق نفسها وطريق حلها أن يطلقها كما في نظيره من الوكيل وغيره والقديم إن كانا غريبين يثبت النكاح وإلا طولب بالبينة لسهولتها
وعن القديم عدم القبول مطلقا وهو قضية كلام المصنف ومنهم من نفاه عن القديم وحمله على الحكاية عن الغير
وإن أقرت لزوج والمجبر لآخر فهل يقبل إقراره أو إقرارها أو السابق أو يبطلان جميعا احتمالات للإمام قال الزركشي والصواب تقديم السابق فإن أقرا معا فالأرجح تقديم إقرار المرأة لتعلق ذلك ببدنها وحقها ولو جهل فهل يتوقف أو يبطلان فيه احتمالان لصاحب المطلب اه
وينبغي أن يعمل بإقرارها لأنا تحققنا وشككنا في المفسد والأصل عدمه ونقل في الأنوار عن التلخيص ترجيح السقوط مطلقا
ولو ادعى نكاح امرأة وذكر شرائط العقد وصدقته المرأة ففي فتاوي القاضي أنه لا يجب عليه صداقها لأن هذا إقرار باستدامة النكاح واستدامته تنفك عن الصداق
____________________
(3/148)
فرع لو قالت امرأة مشيرة إلى شخص
هذا زوجي فسكت فماتت ورثها ولو مات هو لم ترثه
وإن قال هو هذه زوجتي فسكتت فمات ورثته وإن ماتت لم يرثها على النص
واعلم أن أسباب الولاية أربعة
السبب الأول الأبوة وقد شرع فيه فقال ( وللأب ) ولاية الإجبار وهي ( تزويج ) ابنته ( البكر صغيرة أو كبيرة ) عاقلة أو مجنونة إن لم يكن بينه وبينها عداوة ظاهرة ( بغير إذنها ) لخبر الدارقطني الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها ورواية مسلم والبكر يستأمرها أبوها حملت على الندب ولأنها لم تمارس الرجال بالوطء فهي شديدة الحياء
أما إذا كان بينه وبينها عداوة ظاهرة فليس له تزويجها إلا بإذنها بخلاف غير الظاهرة لأن الولي يحتاط لموليته لخوف العار وغيره وعليه يحمل إطلاق الماوردي والروياني الجواز
تنبيه لتزويج الأب بغير إذنها شروط الأول أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة كما مر والثاني أن يزوجها من كفء
الثالث أن يزوجها بمهر مثلها
الرابع أن يكون من نقد البلد الخامس أن لا يكون الزوج معسرا بالمهر السادس أن لا يزوجها بمن تتضرر بمعاشرته كأعمى وشيخ هرم
السابع أن لا يكون قد وجب عليها الحج فإن الزوج قد يمنعها لكون الحج على التراخي ولها غرض في تعجيل براءة ذمتها قاله ابن العماد
وهل هذه الشروط المذكورة شروط لصحة النكاح بغير الإذن أو لجواز الإقدام فقط فيه ما هو معتبر لهذا وما هو معتبر لذاك فالمعتبر للصحة بغير الإذن أن لا يكون بينها وبين وليها عداوة ظاهرة وأن يكون الزوج كفؤا وأن يكون موسرا بحال الصداق وليس هذا مفرعا على اعتبار كون اليسار معتبرا في الكفاءة كما هو رأي مرجوح كما قاله الزركشي بل لأنه بخسها حقها وما عدا ذلك شروط لجواز الإقدام قال الولي العراقي وينبغي أن يعتبر في الإجبار أيضا انتفاء العداوة بينها وبين الزوج اه
وإنما لم يعتبر ظهور العداوة هنا كما اعتبر ثم لظهور الفرق بين الزوج والولي المجبر بل قد يقال كما قال شيخنا إنه لا حاجة إلى ما قاله لأن انتفاء العداوة بينها وبين الولي يقتضي أن لا يزوجها إلا ممن يحصل لها منه حظ ومصلحة لشفقته عليها أو مجرد كراهتها له من غير ضرر فلا تؤثر لكن يكره لوليها أن يزوجها منه كما نص عليه في الأم
( ويستحب استئذانها ) أي البكر إذا كانت مكلفة لحديث مسلم السابق وتطييبا لخاطرها أما غير المكلفة فلا إذن لها ويسن استفهام المراهقة وأن لا يزوج الصغيرة حتى تبلغ
والمستحب في الاستئذان أن يرسل إليها نسوة ثقات ينظرن ما في نفسها والأم بذلك أولى لأنها تطلع على ما لا يطلع عليه غيرها
( وليس له تزويج ثيب ) بالغة وإن عادت بكارتها كما صرح به أبو خلف الطبري في شرح المفتاح ( إلا بإذنها ) لخبر الدارقطني السابق وخبر لا تنكحوا الأيامى حتى تستأمروهن رواه الترمذي وقال حسن صحيح ولأنها عرفت مقصود النكاح فلا تجبر بخلاف البكر
( فإن كانت ) تلك الثيب ( صغيرة ) غير مجنونة وغير أمة ( لم تزوج ) سواء احتملت الوطء أم لا ( حتى تبلغ ) لأن إذن الصغيرة غير معتبر فامتنع تزويجها إلى البلوغ أما المجنونة فيزوجها الأب والجد عند عدمه قبل بلوغها للمصلحة كما أو عدم أهليته فيما ذكر لأن له ولاية وعصوبة كالأب ويزيد الجد عليه في صورة واحدة وهي تولي طرفي العقد كما سيأتي بخلاف الأب ووكيل الأب والجد كالأب والجد لكن وكيل الجد يتولى الطرفين كما سيأتي
( وسواء ) في حصول الثيوبة واعتبار إذنها ( زالت البكارة بوطء ) في قبلها ( حلال ) كالنكاح ( أو حرام ) كالزنا أو بوطء لا يوصف بهما كشبهة كما شمله عبارة المحرر بقوله بالوطء الحلال أو غيره لأن وطء الشبهة لا يوصف بحل ولا بحرمة ولا فرق في ذلك بين أن يكون في نوم أو يقظة
( ولا أثر لزوالها بلا وطء ) في القبل ( كسقطة ) وحدة طمث وطول تعنيس وهو الكبر
____________________
(3/149)
أو بأصبع ونحوه ( في الأصح ) وعبر في الروضة بالصحيح بل حكمها حكم الأبكار لأنها لم تمارس الرجال فهي على غباوتها وحيائها
والثاني أنها كالثيب فيما ذكر وصححه المصنف في شرح مسلم لزوال العذرة
وخرج بقيد الوطء في القبل الوطء في الدبر فإنه لا أثر على الصحيح لأنها لم تمارس الرجال بالوطء في محل البكارة
تنبيه قضية كلام المصنف كغيره أن البكر لو وطئت في قبلها ولم تزل بكارتها بأن كانت غوراء كسائر الأبكار وهو كذلك كنظيره الآتي في التحليل على ما يأتي فيه وإن كان قضية تعليلهم بممارسة الرجال خلافه كما أن قضيته كذلك إذا زالت بذكر حيوان غير آدمي كقرد مع أن الأوجه أنها كالثيب
ولو خلقت بلا بكارة فحكمها حكم الأبكار كما حكاه في زيادة الروضة عن الصيمري وأقره
وتصدق المكلفة في دعوى البكارة وإن كانت فاسقة قال ابن المقري بلا يمين وكذا في دعوى الثيوبة قبل العقد وإن لم تتزوج ولا تسئل عن الوطء فإن ادعت الثيوبة بعد العقد وقد زوجها الولي بغير إذنها نطفا فهو المصدق بيمينه لما في تصديقها من إبطال النكاح بل لو شهدت أربع نسوة عند العقد لم يبطل لجواز إزالتها بأصبع أو نحوه أو أنها خلقت بدونها كما ذكره الماوردي والروياني وإن أفتى القاضي بخلافه
( ومن على حاشية النسب كأخ وعم ) لأبوين أو لأب وابن كل منهما ( لا يزوج صغيرة بحال ) بكرا كانت أو ثيبا عاقلة أو مجنونة لأنها إنما تزوج بالإذن وإذنها غير معتبر ( وتزوج الثيب ) العاقلة ( البالغة بصريح الإذن ) للأب أو غيره ولا يكفي سكوتها الحديث ليس للولي مع الثيب أمر رواه أبو داود وغيره
وقال البيهقي رواته ثقات
ولو أذنت بلفظ التوكيل جاز على النص كما نقله في زيادة الروضة عن حكاية صاحب البيان لأن المعنى فيهما واحد وإن قال الرافعي الذين لقيناهم من الأئمة لا يعدونه إذنا لأن توكيل المرأة في النكاح باطل ورجوعها عن الإذن كرجوع الموكل عن الوكالة فإن زوجها الولي بعد رجوعها وقبل علمه لم يصح وإذن الخرساء بالإشارة المفهمة قال الأذرعي والظاهر الاكتفاء بكتبها قال فلو لم يكن لها إشارة مفهمة ولا كتابة هل تكون في معنى المجنونة حتى يزوجها الأب والجد ثم الحاكم دون غيرهم أو لا لأنها عاقلة لم أر فيها شيئا ولعل الأول أوجه وما قاله من الاكتفاء بكتب من لها إشارة مفهمة ظاهر إن نوت به الإذن كما قالوا كتابة الأخرس بالطلاق كناية على الأصح
( ويكفي في البكر ) البالغة العاقلة إذا استؤذنت في تزويجها من كفء أو غيره ( سكوتها في الأصح ) وإن بكت ولم تعلم أن ذلك إذن لخبر مسلم الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها فإن بكت بصياح أو ضرب خد لم يكف لأن ذلك يشعر بعدم الرضا
والثاني لا بد من النطق كما في الثيب
تنبيه محل الخلاف في غير المجبر أما هو فالسكوت كاف قطعا كما هو ظاهر إيراد المصنف وصرح به الروياني وغيره
وخرج ب استؤذنت ما لو زوجت بحضرتها مع سكوتها فإنه لا يكفي بل لا بد معه من استئذانها وبمن كفء أو غيره ما لو استؤذنت في التزويج بدون المهر أصلا أو بأقل من مهر المثل أو بغير نقد البلد فسكتت فإنه لا يكفي سكوتها لتعلقه بالمال كبيع ما لها
ولو استؤذنت في التزويج برجل غير معين فسكتت كفى فيه سكوتها بناء على أنه لا يشترط تعيين الزوج في الإذن وهو الأصح ولو قال لها أيجوز أن أزوجك أو تأذنين فقالت لا يجوز أو لم لا آذن كفى لأنه يشعر برضاها
فإن قيل لو قال الخاطب أتزوجني لم يكن استيجابا فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك
أجيب بأن العقد يعتبر فيه اللفظ فاعتبر فيه الجزم وإذن البكر يكفي فيه السكوت فكفى فيه ما ذكر مع جوابها
ولو قالت رضيت بمن رضيت به أمي أو بمن اختارته أو بما يفعله أبي وهم في ذكر النكاح كفى لا إن قالت رضيت إن رضيت أمي أو رضيت بما تفعله أمي فلا يكفي لأن الأم لا تعقد ولأن الصيغة الأولى صيغة تعليق وكذا لا يكفي رضيت إن رضي أبي إلا أن تريد رضيت بما يفعله فيكفي ولو أذنت بكر في تزويجها بألف ثم استؤذنت كذلك بخمسمائة فسكتت كان إذنا إن كان مهر مثلها كما علم مما مر وصرح به البلقيني وتبعه ابن المقري
ثم شرع في السبب الثاني وهو العتق فقال ( والمعتق ) وأريد به هنا من له الولاء فيشمل عصبته وهو السبب الثالث لا من باشر العتق فقط والسبب الرابع السلطان وأريد به هنا ما يشمل القاضي
____________________
(3/150)
والمعتق وعصبته ( والسلطان كالأخ ) فيما ذكر قبله
( وأحق الأولياء ) بالتزويج ( أب ) لأن سائر الأولياء يدلون به كما قاله الرافعي ومراده الأغلب وإلا فالسلطان والمعتق وعصبته لا يدلون به
( ثم جد ) أبو أب ( ثم أبوه ) وإن علا لاختصاص كل منهم عن سائر العصبات بالولادة مع مشاركته في العصوبة
( ثم أخ لأبوين أو لأب ) لأن الأخ يدلي بالأب فهو أقرب من ابنه
( ثم ابنه ) أي ابن كل منهما ( وإن سفل ) لأنه أقرب من العم
( ثم عم ) لأبوين أو لأب ثم ابن كل منهما وإن سفل ( ثم سائر العصبة ) من القرابة أي باقيهم ( كالإرث ) لأن المأخذ فيهما واحد
تنبيه قوله كالإرث متعلق ب سائر لأن الابن يقدم في الميراث ولا ولاية له هنا والجد في الإرث يشارك الأخ وهنا يقدم عليه والشقيق في الإرث يقدم قطعا على الأخ للأب وهنا فيه خلاف كما يشير إليه قوله ( ويقدم أخ لأبوين على أخ لأب ) وابن أخ لأبوين على ابن أخ لأب وعم لأبوين على عم لأب وابن عم لأبوين على ابن عم لأب ( في الأظهر ) الجديد لزيادة القرب والشفقة كالإرث
وعلى هذا لو غاب الشقيق لم يزوج الذي لأب بل السلطان وعلى القديم هما وليان لأن قرابة الأم لا مدخل لها في النكاح فلا يرجح بها بخلاف الإرث كما لو كان لها عمان أحدهما خال
وأجاب الأول بأنه ليس كل ما لا يفيد لا يرجح بدليل أن العم لأبوين يقدم على العم للأب في الإرث والعم للأم لا يرث
تنبيه لو قال يقدم مدل بأبوين على مدل بأب لشمل ما أدخلته في كلامه
نعم لو كانا ابنا عم أحدهما لأبوين والآخر لأب لكنه أخوها لأمها فالثاني هو الولي لأنه يدلي بالجد والأم
والأول يدلي بالجد والجدة ولو كان ابنا ابن عم أحدهما ابنها والآخر أخوها من الأم فالابن هو المقدم لأنه أقرب
ولو كان ابنا عم أحدهما معتق قدم المعتق ومنه يؤخذ أنه لو كان المعتق ابن عم لأب والآخر شقيقا قدم الشقيق وبه صرح البلقيني أو ابنا عم أحدهما خال فهما سواء بلا خلاف قاله في زيادة الروضة وظاهر كلامه تسمية كل من غير الأب والجد من الأخ والعم وليا وهو كذلك وإن توقف فيه الإمام وجعل الولاية حقيقة للأب والجد فقط
( ولا يزوج ابن ) أمه وإن علت ( ببنوة ) محضة خلافا للأئمة الثلاثة والمزني لأنه لا مشاركة بينه وبينها في النسب انتسابها إلى أبيها وانتساب الابن إلى أبيه فلا يعتنى بدفع العار عن النسب
فإن قيل يدل للصحة قوله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يتزوج أم سلمة قال لابنها عمر قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
أجيب بأجوبة أحدها أن نكاحه صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى ولي وإنما قال له صلى الله عليه وسلم ذلك استطابة لخاطره
ثانيها أن عمر بن أبي سلمة ولد في أرض الحبشة في السنة الثانية من الهجرة وزواجه صلى الله عليه وسلم بأم سلمة كان في السنة الرابعة وقيل كان سن عمر يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين قاله ابن سعد وغيره وكان حينئذ طفلا فكيف يزوج
ثالثها بتقدير صحة أنه زوج وهو بالغ فيكون ببنوة العم فإنه كان من بني أعمامها ولم يكن لها ولي أقرب منه
( فإن كان ابن ابن عم ) لها أو ذا قرابة أخرى من وطء شبهة أو نكاح مجوس كما إذا كان أخاها أو ابن أخيها أو ابن عمها ( أو معتقا ) لها أو غاصب معتق لها ( أو قاضيا ) أو محكما أو وكيلا عن وليها كما قاله الماوردي ( زوج به ) أي بما ذكر فلا تضره البنوة لأنها غير مقتضية لا مانعة فإذا وجد معها سبب آخر يقتضي الولاية لم تمنعه
تنبيه قوله ابن ابن عم يفهم أنه لا يتصور أن يكون ابن عمها ابنها وليس مرادا بل يتصور بوطء الشبهة وبنكاح المجوس ويتصور أيضا أن يكون مالكا لها بأن يكون مكاتبا ويأذن له سيده فيزوجها بالملك
( فإن لم يوجد ) من الأولياء رجل ( نسيب زوج المعتق ) الرجل ( ثم عصبته ) بحق الولاء سواء أكان المعتق رجلا أم امرأة
____________________
(3/151)
والترتيب هذا ( كالإرث ) في ترتيبه ومر بيانه في بابه فيقدم بعد عصبة المعتق معتق المعتق ثم عصبته وهكذا لحديث الولاء لحمة كلحمة النسب ولأن المعتق أخرجها من الرق إلى الحرية فأشبه الأب في إخراجه لها إلى الوجود ويستثنى من هذا التشبيه مسائل الأولى أن أخا المعتق أولى من جده وفي النسب يقدم الجد
الثانية أن ابن المعتق يزوج ويقدم على أبي المعتق لأن التعصيب له وفي النسب لا يزوجها ابنها بالبنوة
الثالثة أن ابن الأخ يقدم على الجد بناء على تقديم والده الرابعة العم يقدم على أبي الجد كما نص عليه في البويطي بخلاف النسب
تنبيه قوله المعتق قد يفهم أن هذا فيمن باشر العتق فلو تزوج عتيق بحرة الأصل وأتت بابنة لا يزوجها موالي الأب وكلام الكفاية يقتضي أنه المذهب وهو الظاهر وإن قال صاحب الإشراف التزويج لموالي الأب
ثم أشار لما ذكروه من ضابط من يزوج عتيقة المرأة بقوله ( ويزوج عتيقة المرأة ) إذا فقد ولي العتيقة من النسب كل ( من يزوج المعتقة ما دامت حية ) بالولاية عليها تبعا للولاية على المعتقة فيزوجها الأب ثم الجد ثم بقية الأولياء على ما مر في ترتيبهم برضا العتيقة ويكفي سكوت البكر كما قاله الزركشي في تكملته وإن خالف في ديباجه
تنبيه كلام المصنف قد يوهم أنه لو كانت العتيقة كافرة والمعتقة مسلمة ووليها كافر أنه لا يزوجها وليس مرادا ويقتضي أيضا أنه لو كانت المعتقة ووليها كافرين والعتيقة مسلمة أنه يزوجها وليس مرادا
قال الزركشي فلو قال يزوج عتيقة المرأة من له الولاء كما عبر به في حال موتها لاستقام ولكن هذا معلوم من اختلاف الدين الآتي في الفصل بعده
( ولا يعتبر إذن المعتقة في الأصح ) لأنه لا ولاية لها ولا إجبار فلا فائدة له
والثاني يعتبر لأن الولاء لها والعصبة إنما يزوجون بإدلائهم بها فلا أقل من مراجعتها
تنبيه حكم أمة المرأة حكم عتيقتها فيزوجها من يزوج سيدتها على ما تقرر لكن إذا كانت السيدة كاملة اشترط إذنها ولو كانت بكرا إذ لا تستحي فإن كانت صغيرة ثيبا امتنع على الأب تزويج أمتها إلا إذا كانت مجنونة وليس للأب إجبار أمة البكر البالغ
ولو أعتق شخص جارية ثم أعتقت هذه العتيقة جارية وللمعتقة ابن فولاء الثانية لمعتق الأولى لأنه ولي الولي حكاه الرافعي عن البغوي قبيل الصداق
( فإذا ماتت ) أي المعتقة ( زوج ) العتيقة ( من له الولاء ) على المعتقة من عصباتها فيزوجها ابنها ثم ابنه ثم أبوها على ترتيب عصبة الولاء إذ تبعية الولاء انقطعت بالموت
وإن أعتقها اثنان اعتبر رضاهما فيوكلان أو يوكل أحدهما الآخر أو يباشران معا ويزوجها من أحدهما الآخر مع السلطان
وإن ماتا اشترط في تزويجها اثنان من عصبتهما واحد من عصبة أحدهما وآخر من عصبة الآخر
وإن مات أحدهما كفى موافقة أحد عصبته للآخر
ولو مات أحدهما وورثة الآخر استقل بتزويجها
ولو اجتمع عدد من عصبات المعتق في درجة كبنين وإخوة كانوا كالإخوة في النسب فإذا زوجها أحدهم برضاها صح ولا يشترط رضا الآخرين
تنبيه لو كان المعتق خنثى مشكلا زوج عتيقته أبوه أو غيره من أوليائه بترتيبهم لكن بإذنه لاحتمال ذكورته فيكون قد زوجها وكيله بتقدير ذكورته ووليها بتقدير أنوثته وقضية كلام الحاوي والبهجة وغيرهما وجوب إذنه وقال البغوي في فتاويه فلو كان الأقرب خنثى مشكلا زوج الأبعد والخنثى كالمفقود وظاهره أنه لا يحتاج لإذنه
وعبارة الرافعي فينبغي أن يزوجها أبوه بإذنه
والأول أوجه وأحوط
قال الأذرعي فلو امتنع من الإذن فينبغي أن يزوج السلطان ولو عقد الخنثى فبان ذكرا صح كما مر
وأما الأمة المبعضة فيزوجها المالك مع وليها القريب ثم مع معتق البعض ثم مع عصبته ثم مع السلطان
وأما أمة السيدة المبعضة فيزوجها ولي المبعضة بتقدير كونها حرة بإذنها
( فإن فقد المعتق وعصبته زوج السلطان ) المرأة التي في محل ولايته لخبر السلطان ولي من لا ولي له فإن لم يكن فيه فليس له تزويجها وإن رضيت كما ذكره الرافعي في آخر القضاء على الغائب وقال شريح في أدب القضاء ولا يجوز أن يكتب بتزويج امرأة في غير عمله
وقال الغزي والأصح في الرافعي أنه يجوز للقاضي أن يكتب بما حكم به
____________________
(3/152)
في غير محل ولايته فقياسه ترجيح الجواز اه
وفرق غيره بينهما بأن الولاية عليها لا تتعلق بالخاطب فلم يكن حضوره مؤثرا في جواز الحكم بخلاف ما لو حكم لحاضر على غائب لأن المدعي حاضر والحكم يتعلق به
( وكذا يزوج ) السلطان ( إذا عضل ) النسيب ( القريب ) ولو مجبرا أي امتنع من تزويجها هو ( والمعتق ) وعصبته لأنه حق عليهم فإذا امتنعوا من وفائه وفاه الحاكم ولا تنتقل الولاية للأبعد جزما وهذا محله إذا كان العضل دون ثلاث مرات فإن كان ثلاث مرات زوج الأبعد بناء على منع ولاية الفاسق كما قال الشيخان وهذا فيمن لم تغلب طاعاته على معاصيه كما ذكروه في الشهادات وإلا فلا يفسق بذلك
وهل المراد ما قالاه هنا بالمرات الثلاث الأنكحة أو بالنسبة كبيرة بإجماع المسلمين واعترض بأن الذي اختاره الإمام في النهاية أنه لا يحرم إلا إذا لم يكن في الخطة حاكم
قيل وينبغي أنه لا يحرم مطلقا إذا جوزنا التحكيم
ولو قال المصنف إذا عضل الولي لكان أخصر وأحسن لشموله لعصبة المعتق كما زدته
وهل السلطان يزوج بالولاية العامة أو النيابة الشرعية وجهان حكاهما الإمام
ومن فوائد الخلاف أنه لو أراد القاضي نكاح من غاب عنها وليها إن قلنا بالولاية زوجها أحد نوابه أو قاض آخر أو بالنيابة لم يجز ذلك وأنه لو كان لها وليان والأقرب غائب إن قلنا بالولاية قدم عليه الحاضر أو بالنيابة فلا وأفتى البغوي بالأول وكلام القاضي وغيره يقتضيه وصحح الإمام في باب القضاء فيما إذا زوج للغيبة أنه يزوج بنيابة اقتضتها الولاية
وهذا أوجه
تنبيه اقتصر المصنف هنا في تزويج الحاكم على صورتين وذكر بعد أنه يزوج عند غيبة الولي مسافة القصر وإحرامه وإرادته تزويج موليته ولا مساو له في الدرجة والمجنونة والبالغة عند فقد المجبر وقد جمع بعضهم المواضع التي يزوج فيها الحاكم في أبيات فقال وتزوج الحكام في صور أتت منظومة تحكي عقود جواهر عدم الولي وفقده ونكاحه وكذاك غيبته مسافة قاصر وكذاك إغماء وحبس مانع أمة لمحجور توارى القادر إحرامه وتعزز مع عضلة إسلام أم الفرع وهي لكافر فأهمل الناظم تزويج المجنونة البالغة وذكر أنه يزوج عند إغماء الولي وسيأتي ما فيه
( وإنما يحصل العضل ) من الولي ( إذا دعت بالغة عاقلة ) رشيدة كانت أو سفيهة ( إلى كفء وامتنع ) الولي من تزويجه لأنه إنما يجب عليه تزويجها من كفء فإن دعته إلى غيره كان له الامتناع لأن له حقا في الكفاءة
ويؤخذ من التعليل أنها لو دعت إلى عنين أو مجبوب بالباء لزمه إجابتها فإن امتنع كان عاضلا إذ لا حق له في التمتع بخلاف ما إذا دعته إلى أجذم أو أبرص أو مجنون لأنه يعير بذلك
وليس له الامتناع لنقصان المهر أو لكونه من غير نقد البلد إذا رضيت بذلك لأن المهر محض حقها
ولو امتنع من نكاحها في تزويج التحليل فعن بعض المتأخرين أنه إن امتنع للخروج من الخلاف أو لقوة دليل التحريم عنده فلا إثم عليه بل يثاب على قصده
قال ابن شهبة وفي تزويج الحاكم حينئذ نظر لأنه بامتناعه لا يعد عاضلا اه
وهذا ظاهر
وفي زوائد الروضة لو طلبت التزويج برجل وادعت كفاءته وأنكر الولي رفع للقاضي فإن ثبتت كفاءته ألزمه تزويجها فإن امتنع زوجها به وإن لم تثبت فلا
ولا بد من ثبوت العضل عند الحاكم ليزوج بأن يحضر الولي والخاطب والمرأة فيأمر الحاكم الولي بالتزويج فيمتنع منه أو يسكت أو تقام البينة عليه لتوار أو تعزز أو غيبة لا يزوج فيها القاضي
تنبيه إذا ظهرت حاجة المجنونة إلى النكاح وامتنع الولي من تزويجها كان عاضلا فترد على حصر المصنف
____________________
(3/153)
العضل فيما ذكره
( فلو عينت ) مجبرة ( كفؤا وأراد الأب ) أو الجد المجبر كفؤا ( غيره فله ذلك في الأصح ) لأنه أكمل نظرا منها
والثاني يلزمه إجابتها إعفافا لها واختاره السبكي
والمعتبر في غيره المجبر من عينته جزما كما اقتضاه كلام الشيخين لأن أصل تزويجها يتوقف على إذنها
تنبيه قضية إطلاقه أنها لو عينت كفؤا بأكثر من مهر المثل فزوجها من كفء آخر بمهر المثل أنه يصح وبه صرح الإمام في كتاب الطلاق وحكاه عنه في الكفاية
فصل في موانع ولاية النكاح ( ولا ولاية لرقيق ) قن أو مدبر مكاتب أو مبعض لنقصه
فأقة المبعض قال البغوي في فتاويه لا تزوج أصلا لأن تزويجها بلا إذن مالك بعضه لا يجوز وباب التزويج مفسد عليه لرقه ولو جاز التزويج بإذنه لكونها لمن يملك بعضه لجاز له أن يزوجها وأقره الإسنوي وغيره
وقال البلقيني هذا مفرع على أن السيد يزوج بالولاية فإن قلنا بالأصح أنه يزوج بالملك زوجها به اه
وهذا هو الظاهر لأن ملكه تام ولهذا تجب عليه الزكاة
تنبيه أفهم نفيه الولاية جواز كون الرقيق وكيلا وهو صحيح في القبول دون الإيجاب كما مر في الوكالة
( و ) لا ( صبي ) لسلب ولايته ( و ) لا ( مجنون ) في حالة جنونه المطبق وكذا إن تقطع جنونه كما صححه في الروضة وإن صحح الرافعي في الشرح الصغير أنه لا يزيل الولاية لعدم تمييزه وتغليبا لزمن الجنون في المتقطع فيزوج الأبعد في زمن جنون الأقرب دون أفاقته
ولو أفاق المجنون وبقي آثار الخبل كحدة خلق لم تعد ولايته في أحد وجهين قال المصنف لعله الأصح وجزم به في الأنوار
ولو قصر زمن الإفاقة جدا فهي كالعدم كما قاله الإمام أو قصر زمن الجنون كيوم في سنة لم تنقل الولاية بل ينتظر إفاقته كالإغماء ( و ) لا بالإسكان مصدر
ولا فرق في الخبل بين الأصلي والعارض لعجزه عن اختيار الأكفاء ومعناه من شغلته الأسقام والآلام عن ذلك
فإن قيل سكون الألم ليس بأبعد من إفاقة المغمى عليه فإذا انتظرت الإفاقة في الإغماء وجب أن ينتظر السكون هنا وبتقديم عدم الانتظار يجوز أن يقال يزوجها السلطان لا الأبعد كما في صورة الغيبة لأن الأهلية باقية وشدة الألم المانعة من النظر كالغيبة
أجيب بأن الإغماء له أمد يعرفه أهل الخبرة فجعل مرادا بخلاف سكون الألم وإن احتمل زواله والقياس على صورة الغيبة ممنوع لأن الغائب يقدر على التزويج معها ولا كذلك مع دوام الألم المذكور
( وكذا محجور عليه بسفه ) بأن بلغ غير رشيد أو بذر في ماله بعد رشده ثم حجر عليه لا ولاية له ( على المذهب ) لأنه لا يلي أمر نفسه فغيره أولى
والطريق الثاني وجهان أحدهما هذا والثاني يلى لأنه كامل النظر في أمر النكاح
وإنما حجر عليه لحفظ ماله فإن لم يحجر عليه قال الرفعي فما ينبغي أن تزول ولايته وهو مقتضى كلام المصنف هنا كالروضة وهو المعتمد وإن جزم ابن أبي هريرة بالزوال واختاره السبكي
وتوكيل المحجور عليه بسفه في النكاح كتوكيل الرقيق فيصح في القبول دون الإيجاب
وخرج بالسفه المحجور عليه بفلس أو مرض فإنه يلي لكمال نظره والحجر عليه لحق الغير لا لنقص فيه
( ومتى كان الأقرب ببعض هذه الصفات ) المانعة للولاية ( فالولاية للأبعد ) لخروج الأقرب عن أن يكون وليا فأشبه المعدوم وظاهر كلامه أنه لا فرق في ذلك بين النسب والولاء حتى لو أعتق شخص أمة ومات عن ابن صغير وأخ كانت الولاية للأخ وهو كذلك خلافا لمن قال إنها في الولاء للحاكم فقد نقله القمولي عن العراقيين وصوبه البلقيني
فإن زال المانع عادت الولاية كما يشير إليه لفظة متى وكان ينبغي تأخير هذا عن ذكره الفسق واختلاف الدين ليعود إليهما أيضا فإن الولاية تنتقل فيهما إلى الأبعد
ولو زوج الأبعد فادعى الأقرب أنه زوج بعد تأهله قال الماوردي
____________________
(3/154)
فلا اعتبار بهما والرجوع فيه إلى قول الزوجين لأن العقد لهما فلا يقبل فيه قول غيرهما
وجزم فيما لو زوجها بعد تأهل الأقرب أنه لا يصح سواء أعلم بذلك أم لم يعلمه
( والإغماء إن كان لا يدوم غالبا ) كالحاصل بهيجان المرة الصفراء ( انتظر إفاقته ) قطعا كالنائم ( وإن كان يدوم ) يوما أو يومين أو ( أياما انتظر ) أيضا على الأصح لأنه قريب الزوال كالنوم ( وقيل ) لا تنتظر إفاقته بل تنتقل الولاية ( للأبعد ) كالجنون والسكر بلا تعد في معنى الإغماء فإن دعت حاجتها إلى النكاح في زمن الإغماء أو السكر فظاهر كلام الشيخين أن الحاكم لا يزوجها وهو كذلك وإن قال المتولي يزوجها
( ولا يقدح العمى ) في ولاية التزويج ( في الأصح ) لحصول المقصود بالبحث والسماع
والثاني يقدح لأنه نقص يؤثر في الشهادة فأشبه الصغر
وفرق الأول بأن شهادته إنما ردت لتعذر التحمل ألا ترى أنها تقبل فيما تحمله قبل العمى إذا لم يحتج إلى إشارة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابها ويجيء خلاف الأعمى في الأخرس المفهم لغيره مراده بالإشارة التي لا يختص بفهمها الفطنون
ولا ريب أنه إن كان كاتبا تكون الولاية له فيوكل بها من يزوج موليته أو يزوجه وهذا مراد الروضة بأنه سوى بين الإشارة المفهمة والكتابة وأسقطها ابن المقري نظرا إلى تزويجه لا إلى ولايته ولا ريب أنه لا يزوج بها لأنها كناية كما مرت الإشارة إلى ذلك
( ولا ولاية لفاسق ) غير الإمام الأعظم مجبرا كان أو لا فسق بشرب الخمر أو لا أعلن بفسقه أو لا ( على المذهب ) بل تنتقل الولاية للأبعد لحديث لا نكاح إلا بولي مرشد رواه الشافعي في مسنده بسند صحيح وفال الإمام أحمد إنه أصح شيء في الباب
ونقل ابن داود عن الشافعي في البويطي أنه قال المراد بالمرشد في الحديث العدل ولأنه نقص يقدح في الشهادة فيمنع الولاية كالرق ولا يرد سيد الأمة لأنه يزوج بالملك لا بالولاية كما مر وفي المسألة طرق جمعها بعضهم ثلاث عشرة طريقة أشهرها على ما قاله الشيخان طريقة القولين أصحهما عند الأكثرين ما قاله المصنف فكان ينبغي أن يعبر بالأظهر
والقول الثاني أنه يلي وبه قال مالك وأبو حنيفة وجماعات لأن الفسقة لم يمنعوا من التزويج في عصر الأولين
وصححه الشيخ عز الدين وعلله بأن الوازع الطبعي أقوى من الوازع الشرعي
وأفتى الغزالي بأنه إن كان لو سلب الولاية لانتقلت إلى حاكم فاسق ولي وإلا فلا قال ولا سبيل إلى الفتوى بغيره إذ الفسق قد عم البلاد والعباد
قال المصنف وهذا الذي قاله حسن وينبغي العمل به واختاره ابن الصلاح في فتاويه
وقال الأذرعي ليس هذا مخالفا للمشهور عن العراقيين والنص والحديث بل ذلك عند وجود الحاكم المرضي العالم الأهل وأما غيره من الجهلة والفساق فكالعدم كما صرح به الأئمة في الوديعة وفي غيرها اه
والأوجه إطلاق المتن لأن الحاكم يزوج للضرورة وقضاؤه نافذ
أما الإمام الأعظم فلا يقدح فسقه لأنه لا ينعزل به فيزوج بناته وبنات غيره بالولاية العامة تفخيما لشأنه فعليه إنما يزوج بناته إذا لم يكن لهن ولي غيره كبنات غيره ويزوج الفاسق نفسه لأن غايته أن يضر بها ويحتمل في حق نفسه ما لا يحتمل في حق غيره ولهذا يقبل إقراره على نفسه ولا تقبل شهادته على غيره والفسق يتحقق بارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة ولم تغلب طاعاته على معاصيه
ولا يلزم من أن الفاسق لا يلي اشتراط أن يكون الولي عدلا لأن بينهما واسطة فإن العدالة ملكة تحمل على ملازمة التقوى والصبي إذا بلغ ولم يصدر منه كبيرة ولم تحصل له تلك الملكة لا عدل ولا فاسق وقد نقل الإمام والغزالي الاتفاق على أن المستور يلي وأثبت غيرهما فيه خلافا
وأصحاب الحرف الدنيئة يلون كما رجح في الروضة انقطع به بعد حكاية وجهين
وحيث منعنا ولاية الفاسق فقال البغوي إذا تاب زوج في الحال وكذا ذكره الخوارزمي وذكر المتولي وغيره نحوه في العضل
ووجه بأن الشرط في ولي النكاح عدم الفسق لا قبول الشهادة المعتبر فيها العدالة المتقدم تعريفها والاستبراء إنما يعتبر لقبول الشهادة وهذا هو المعتمد لأنه بالتزويج في العضل زال ما لأجله عصى وفسق قطعا وبتوبته عن فسق آخر صار مستور العدالة وتقدم أنه يزوج
وقال ابن المقري لا يزوج في الحال بل لا بد من الاستبراء
____________________
(3/155)
قياسا على الشهادة
( ويلي ) على الأصح المنصوص ( الكافر ) الأصلي ( الكافرة ) الأصلية ولو كانت عتيقة مسلم واختلف اعتقادهما فيزوج اليهودي نصرانية والنصراني يهودية كالإرث لقوله تعالى { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض }
وقضية التشبيه بالإرث أنه لا ولاية لحربي على ذمية وبالعكس وأن المستأمن كالذمي وهو كما قال شيخنا ظاهر وصححه البلقيني
ومرتكب المحرم المفسق في دينه من أولياء الكافرة كالفاسق عندنا فلا يزوج موليته بخلاف ما إذا لم يرتكب ذلك وإن كان مستورا فيزوجها كما تقرر
وفرق بين ولايته وشهادته حيث لا تقبل وإن لم يرتكب ذلك بأن الشهادة محض ولاية على الغير فلا يؤهل لها الكافر
والولي في التزويج كما يراعي حظ موليته يراعي حظ نفسه أيضا في تحصينها ودفع العار عن النسب
وصورة ولاية النصراني على اليهودية أن يتزوج نصراني يهودية فيجيء له منها بنت فإذا بلغت خيرت بين دين أبيها وبين دين أمها فتختار دين أمها
تنبيه ظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يكون زوج الكافرة كافرا أو مسلما وهو كذلك لكن لا يزوج المسلم قاضيهم بخلاف الزوج الكافر لأن نكاح الكفار صحيح وإن صدر من قاضيهم
أما المرتد فلا يلي مطلقا لا على مسلمة ولا مرتدة ولا غيرهما لانقطاع الموالاة بينه وبين غيره ولا يزوج أمته بملك كما لا يتزوج
وأفهم كلام المصنف أن الكافر لا يلي مسلمة ولو كانت عتيقة كافر ولا مسلم كافرة وهو كذلك لعدم الموالاة بينهما
نعم لولي السيد تزويج أمته الكافرة كالسيد الآتي بيان حكمه وللقاضي تزويج الكافرة عند تعذر الولي الخاص وللمسلم توكيل نصراني ومجوسي في قبول نصرانية لأنهما يقبلان نكاحها لأنفسهما لا في نكاح مسلمة إذ لا يجوز لهما نكاحها بحال بخلاف توكيلهما في طلاقها لأنه يجوز لهما طلاقها ويتصور بأن أسلمت كافرة بعد الدخول فطلقها زوجها ثم أسلم في العدة أما إذا لم يسلم في العدة فإنه يتبين أنها بانت منه بإسلامها ولا طلاق
وللنصراني ونحوه توكيل مسلم في نكاح كتابية لا في نكاح مجوسية ونحوها لأن المسلم لا يجوز له نكاحها بحال
وللمعسر توكيل الموسر في نكاح الأمة لأن الموسر من أهل نكاحها في الجملة وإن لم يمكنه في الحال لمعنى فيه فهو كمن له أربع زوجات وكله رجل ليقبل له نكاح امرأة
وهذه المسائل قد مر أكثرها في كتاب الوكالة
( وإحرام أحد العاقدين ) من ولي ولو حاكما أو زوج أو وكيل عن أحدهما ( أو الزوجة ) بنسك ولو فاسدا ( يمنع صحة النكاح ) لحديث المحرم لا ينكح ولا ينكح رواه مسلم والكاف مكسورة فيهما والياء مفتوحة في الأول مضمومة في الثاني
( ولا ينقل ) الإحرام ( الولاية للأبعد ) لأنه لا يسلب الولاية لبقاء الرشد والنظر وإنما يمنع النكاح كما يمنعه إحرام الزوج أو الزوجة
وقوله ( في الأصح ) يرجع لنقل الولاية فقط وإذا لم ينقلها ( فيزوج السلطان عند إحرام الولي لا الأبعد ) لأن تأثير الإحرام يمنع الانعقاد مع بقاء الولاية لبقاء الرشد والنظر
والثاني ينقل للأبعد كالجنون ورجحه في المطلب
تنبيه ظاهر كلامه أنه لا فرق في مدة الإحرام بين طولها وقصرها وهو كذلك وإن قال الإمام والمتولي وغيرهما إن ذلك محله في طويلها كما في الغيبة
وكما لا يصح نكاح المحرم لا يصح إذنه لعبده الحلال في النكاح ولا إذن المحرمة لعبدها فيه على الأصح في المجموع
وشمل إطلاق المصنف كل محرم حتى الإمام والقاضي كما قدرته في كلامه وفيهما وجه أنه يصح لقوة ولايتهما
ويجوز أن تزف إلى المحرم زوجته التي عقد عليها قبل إحرامه وأن تزف المحرمة إلى زوجها الحلال والمحرم
وينعقد النكاح بشهادة المحرم لأنه ليس بعاقد ولا معقود عليه لكن الأولى أن لا يحضر وتصح رجعته لأنها استدامة كالإمساك في دوام النكاح
وقول المصنف أو الزوجة قال الأذرعي كان ينبغي أن يقول أو أحد الزوجين
فإن الظاهر أنه لو أحرم الصبي بإذن وليه الحلال أو العبد بإذن سيده الحلال فعقد على ابنه أو عبده جبرا حيث نواه أو بإذن سابق لم يصح كما ذكره في الروضة
( قلت ) أخذا من الرافعي في الشرح ( ولو أحرم الولي أو
____________________
(3/156)
الزوج ) بعد توكيله التزويج ( فعقد وكيله الحلال لم يصح ) لعقد ( والله أعلم ) لأن الموكل لا يملكه ففرعه أولى
وأيضا الوكيل في النكاح سفير محض فكأن العاقد هو الموكل ولا ينعزل الوكيل بإحرام موكله فيعقد بعد التحلل
ولو عقد الوكيل واختلف الزوجان هل وقع قبل الإحرام أو بعده صدق مدعي الصحة بيمينه لأن الظاهر في العقود الصحة
ولو وكل محرم حلالا في تزويجه أو أذنت محرمة لوليها أن يزوجها صح سواء أقال كل لتزويج بعد التحلل أم طلق أم طلق لأن الإحرام إنما يمنع الانعقاد دون الإذن وإن شرط صدور العقد في الإحرام لم يصح التوكيل ولا الإذن
ولو وكل حلال محرما ليوكل حلالا في التزويج صح لأنه سفير محض
قال الزركشي هذا إذا لم يقل له وكل عن نفسك فإن قال له ذلك ينبغي أنه لا يصح كما ذكروا مثله فيما إذا وكل المولى المرأة لتوكل عن نفسها من يزوجها
قال شيخنا والأوجه الصحة
ويفرق بأن المرأة ليست أهلا للتزويج أصلا بخلاف المحرم فإنه في ذاته أهل لذلك وإنما عرض له مانع يزول عن قرب اه
لكن كلام الزركشي مطلق فإن حمل على أنه لم يقيد التزويج بحال الإحرام فما قاله شيخنا في الرد عليه صحيح وإن حمل على التقيد بحال الإحرام فما قاله الزركشي صحيح كما لو قال المحرم للحلال زوجني حال إحرامي فلم يتحرر بينهما محل النزاع
فائدة لو تزوج ناسيا للصلاة صحت صلاته ونكاحه بخلاف المحرم لو تزوج ناسيا للإحرام لم يصح نكاحه لأن عبارة المحرم غير صحيحة وعبارة المصلي صحيحة
( ولو غاب ) الولي ( الأقرب ) نسبا أو ولاء ( إلى مرحلتين ) ولا وكيل له حاضر بالبلد أو دون مسافة القصر ( زوج السلطان ) أي سلطان بلدها أو نائبه لا سلطان غير بلدها ولا الأبعد على الأصح لأن الغائب ولي والتزويج حق له فإذا تعذر استيفاؤه منه ناب عنه الحاكم وقيل يزوج الأبعد كالجنون
قال الشيخان والأولى للقاضي أن يأذن للأبعد أن يزوج أو يستأذنه فيزوج القاضي للخروج من الخلاف
( ودونهما ) أي المرحلتين ( لا يزوج إلا بإذنه في الأصح ) لقصر المسافة فيراجع فيحضر أو يوكل كما لو كان مقيما
والثاني يزوج لئلا تتضرر بفوات الكفء
الراغب كالمسافة الطويلة
وعلى الأول لو تعذر الوصول إليه لفتنة أو خوف جاز للسلطان أن يزوج بغير إذنه قاله الروياني
قال الأذرعي والظاهر أنه لو كان في البلد في سجن السلطان وتعذر الوصول إليه أن القاضي يزوج ويزوج القاضي أيضا عن المفقود الذي لا يعرف مكانه ولا موته ولا حياته لتعذر نكاحها من جهته فأشبه ما إذا عضل هذا إذا لم يحكم بموته وإلا زوجها الأبعد وللقاضي التعويل على دعواها غيبة وليها وأنها خلية عن النكاح والعدة لأن العقود يرجع فيها إلى قول أربابها لكن يستحب إقامة البينة بذلك ولا يقبل فيها إلا شهادة مطلع على باطن أحوالها
قال الرافعي بعد ذكره استحباب إقامة البينة فعلى هذا لو ألحت في المطالبة ورأى القاضي التأخير فهل له ذلك وجهان أظهرهما له ذلك احتياطا للأنكحة وله تحليفها أنها لم تأذن للغائب إن كان ممن لا يزوج إلا بإذن وعلى أنه لم يزوجها في الغيبة ومثل هذه اليمين التي لا تتعلق بدعوى هل هي واجبة أو مندوبة وجهان ويظهر الأول احتياطا للأبضاع
ولو زوجها الحاكم لغيبة وليها ثم قدم وقال كنت زوجتها في الغيبة قدم نكاح الحاكم ويفارق ما لو باع عبد الغائب لدين عليه فقدم وادعى بينة حيث يقدم بيع المالك بإذن الحاكم في النكاح كولي آخر
ولو كان لها وليان فزوج أحدهما في غيبة الآخر ثم قدم وادعى سبقه كلف البينة
ولو باع الوكيل ثم ادعى الموكل سبقه فكذلك على الأظهر في النهاية فإن أقام الولي بينة بسبقه قدم نكاحه
وسيأتي بقية التفصيل في الوليين فيأتي مثله هنا
( وللمجبر ) لموليته ( التوكيل في التزويج ) منها ( بغير إذنها ) كما يزوجها بغير إذنها لكن يسن له استئذانها ويكفي سكوتها
( ولا يشترط ) في جواز توكيل المجبر ( تعيين الزوج ) للوكيل ( في الأظهر ) لأنه يملك التعيين في التوكيل فيملك الإطلاق به كما في البيع وسائر التصرفات
والثاني يشترط ذلك
____________________
(3/157)
لاختلاف الأغراض باختلاف الأزواج وليس للوكيل شفقة تدعوه إلى حسن الاختيار
وأجاب الأول بأن شفقة الولي تدعوه إلى أنه لا يوكل إلا من يثق بنظره واختياره
( ويحتاط ) حتما ( الوكيل ) عند الإطلاق ( فلا يزوج غير كفء ) لأن الإطلاق مقيد بالكفء ولا كفء مع طلب أكفأ منه فإن زوج به لم يصح
( وغير المجبر ) لكونه غير أب أو جد أو لكونها ثيبا ( إن قالت له وكل وكل ) يتناول كلامه ثلاث صور الأولى قالت له زوج ووكل فله الأمران جزما
الثانية قالت وكل وسكتت عن التزويج إلى التوكيل جزما وظاهره أنه لا يزوج بنفسه وليس مرادا بل له ذلك
الثالثة أذنت له في التوكيل ونهته عن التزويج بنفسه ظاهره صحة الإذن وليس مرادا بل الإذن باطل لأنها منعت الولي وردت التزويج إلى التوكيل الأجنبي فأشبه التفويض إليه ابتداء
( وإن ) أذنت له في التزويج ( ونهته ) عن التوكيل ( فلا ) يوكل ونفى الإمام و البغوي الخلاف فيه عملا بإذنها لأنها إنما تزوج بالإذن ولم تأذن في تزويج الوكيل بل نهت عنه
( وإن قالت ) له ( زوجني ) ساكتة عن التوكيل والنهي عنه ( فله التوكيل في الأصح ) لأنه بالإذن متصرف بالولاية فأشبه الوصي والقيم وهما يتمكنان من التوكيل بغير إذن بل هو أولى منهما لأنهما نائبان وهو ولايته أصلية بالشرع وإذنها في التزويج شرط في صحة تصرفه وقد حصل والثاني لا لأنه يتصرف بالإذن فلا يوكل إلا بإذن كالوكيل
وعلى الأول لا يشترط تعيين الزوج للوكيل فإن عينت في أذنها للولي شخصا وجب تعيينه للوكيل في التوكيل وإلا لم يصح النكاح وإن زوجها الوكيل من المعين اتفاقا لأن التفويض المطلق مع أن المطلوب معين فاسد وهذا كما لو قال ولي الطفل للوكيل بع ماله بدون ثمن المثل فباعه الوكيل بثمن المثل فإنه لا يصح لفساد صيغة التفويض
( ولو وكل ) غير المجبر ( قبل استئذانها في النكاح لم يصح ) التوكيل ( على الصحيح ) المنصوص لأنه لا يملك التزويج بنفسه حينئذ فكيف يوكل غيره
والثاني يصح لأنه يلي تزويجها بشرط الإذن فله تفويض ما له لغيره
تنبيه كان الأولى أن يقول قبل إذنها لأن استئذانها بغير إذنها لا عبرة به وقد يفهم كلامه أنها لو أذنت له ولم يعلم فوكل أنه لا يصح وينبغي كما قال الزركشي الصحة كما لو تصرف الفضولي وكان وكيلا في نفس الأمر ولو لم يكن لها ولي سوى الحاكم وأمر رجلا بتزويجها قبل أن تأذن له في تزويجها فزوجها بإذنها صح بناء على أن استنابة الحاكم في شغل معين كتحليف وسماع شهادة تجري مجرى الاستخلاف ولو قالت للقاضي أذنت لأخي أن يزوجني فإن عضل فزوجني هل يصح الإذن أو لا الظاهر كما قاله الزركشي البطلان ولو وكل المجبر رجلا ثم زالت البكارة بوطء قبل التزويج هل تبطل الوكالة أو لا لكن لا يزوج إلا بإذن الأوجه الأول
ولو قال لوكيله في النكاح تزوج لي فلانة من فلان وكان فلان وليها لفسق أبيها ثم انتقلت الولاية للأب أو قال له زوجنيها من أبيها فمات الأب وانتقلت الولاية للأخ مثلا هل للوكيل تزويجها ممن صار وليا الظاهر كما قال الزركشي المنع
( وليقل وكيل الولي ) للزوج ( زوجتك بنت فلان ) أي زيد مثلا فيقبل
تنبيه قضية قوله بنت فلان جواز الاقتصار على اسم الأب ومحله إن كانت مميزة بذكر الأب وإلا فلا بد أن يذكر صفتها ويرفع نسبها إلى أن ينتفي الاشتراك كما يؤخذ من كلام الجرجاني
( وليقل الولي لوكيل الزوج زوجت بنتي فلانا ) أي موكله ( فيقول وكيله قبلت نكاحها له ) فإن ترك لفظة له لم يصح العقد كما لو قال الزوج قبلت ولم يقل نكاحها أو تزويجها ومع ذلك فمحل الاكتفاء بما ذكر في الأولى إذا علم الشهود والزوج الوكالة وفي الثانية إذا
____________________
(3/158)
علمها الشهود والولي وإلا فيحتاج الوكيل إلى التصريح فيهما
تنبيه قد يفهم قول المصنف فيقول أنه لا يجوز تقديم القبول على الإيجاب كقول وكيل الزوج قبلت نكاح فلانة منك لفلان فيقول الولي زوجتها له وليس مرادا فإن الذي جزم به في الروضة الجواز وسيأتي ما يدل عليه
فروع لو قال الولي لوكيل الزوج زوجتك بنتي فقال قبلت نكاحها لموكلي لم يصح العقد لعدم التوافق فإن قال قبلت نكاحها وسكت انعقد له
ولا يقع العقد للموكل بالنية بخلاف البيع لأن الزوجين هنا بمثابة الثمن والمثمن في البيع فلا بد من ذكرهما ولأن البيع يرد على المال وهو يقبل النقل من شخص إلى آخر فيجوز أن يقع للوكيل ثم ينتقل للموكل والنكاح يرد على البضع وهو لا يقبل النقل
وإنكار الموكل في نكاحه للوكالة يبطل النكاح بالكلية بخلاف البيع لوقوعه للوكيل كما مر في كتاب الوكالة
وليقل وكيل الولي لوكيل الزوج زوجت فلانة فلانا فيقول وكيل الزوج قبلت نكاحها له ولو قال وكيل الزوج قبلت نكاح فلانة منك لفلان فقال وكيل الولي زوجتها فلانا صح لأن تقديم القبول على الإيجاب جائز كما مر فإن اقتصر وكيل الولي على قوله زوجتها لم يصح كما لو تقدم على القبول ولو أراد الأب أن يقبل النكاح لابنه بالولاية فليقل له الولي زوجت فلانة بابنك فيقول الأب قبلت نكاحها لابني
ولا يشترط في التوكيل بقبول النكاح أو إيجابه ذكر المهر فإن لم يذكره الزوج فيعقد له وكيله على من يكافئه بمهر المثل فما دونه فإن عقد بما فوقه صح بمهر المثل قياسا على نظيره في الخلع خلافا لما في الأنوار من جزمه بعدم الصحة
وإن عقل وكيل الولي بدون ما قدر له الولي صح بمهر المثل خلافا لما جرى عليه ابن المقري من عدم الصحة
وإن عقد وكيل الزوج بأكثر مما أذن له فيه الزوج صح بمهر المثل على المذهب المنصوص كما قاله الزركشي خلافا لما في الأنوار من الجزم بعدم الصحة
ولو قال الولي للوكيل زوجها بشرط رهن أو ضمين بالمهر فلم يمتثل لم ينعقد تزويجه بخلاف ما لو قال زوجها بكذا وخذ به رهنا أو كفيلا فزوجها ولم يمتثل فإن العقد يصح كما في البيع فيهما
ولو وكله أو يزوجه امرأة ولم يعين المرأة لم يصح التوكيل كما في الوكالة بشراء عبد لم يصفه بل أولى بخلاف ما لو قال زوجني من شئت فيصح لأنه عام
وما ذكر مطلق ودلالة العام على إفراده ظاهرة بخلاف المطلق لا دلالة له على فرد وبخلاف ما لو وكلت المرأة أو الولي فإنه لا يشترط تعيين الزوج كما مر في إلزام الزوج من الحقوق ولا كذلك هي
ولو قال شخص لآخر زوجني فلانة بعبدك هذا مثلا ففعل صلح وملكته المرأة في أحد وجهين رجحه الأذرعي وهو قرض في أحد وجهين رجحه الأذرعي أيضا
( ويلزم المجبر ) وهو الأب أو الجد بنصب المجبر مفعولا مقدما ( تزويج ) بالرفع على أنه فاعل مؤخر ( مجنونة ) أطبق جنونها ( بالغة ) محتاجة ولو ثيبا لاكتسابها المهر والنفقة وربما كان جنونها لشدة الشبق
( ومجنون ) بالغ أطبق جنونه و ( ظهرت حاجته ) للنكاح بظهور رغبته فيه إما بدورانه حول النساء وتعلقه بهن أو بتوقع شفائه بالوطء بقول عدلين من الأطباء لظهور المصلحة المترتبة على ذلك فإن تقطع جنونهما لم يزوجها حتى يفيقا ويأذنا ومعلوم أن ذلك في غير البكر ويشترط وقوع العقد في حال الإفاقة
تنبيه لو قال المصنف يزوجان بكبر لحاجة لكان أولى إذ لا فرق بينهما
وقول الشارح والحكمة في المخالفة بينهما أن تزويجها يفيدها المهر والنفقة وتزويجه يغرمه إياهما بحسب ما فهمه إذ وجود الحاجة كاف فيهما ولذا عبر شيخنا في منهجه بما قلته واعتذر عن المصنف بأن البلوغ مظنة الاحتياج إلى النكاح ولهذا لم يقيد المجنون بالبلوغ لدلالة الحاجة عليه
وقيل إن ذلك مشتمل على النوع المسمى في البديع بالاحتباك وهو أن يحذف من أول الكلام ما أثبت آخره وعكسه فحذف ظهور الحاجة في المجنونة وأثبت البلوغ فيها وحذف البلوغ في المجنون وذكر الحاجة فيه فهو نظير قوله تعالى { فئة تقاتل في سبيل الله } أي مؤمنة { وأخرى كافرة } أي تقاتل في سبيل الشيطان
ولا يخالف هذا قول المصنف الآتي ويزوج المجنونة أب وجد إن ظهرت مصلحة ولا تشترط الحاجة لأن ذلك في جواز التزويج له وهذا في لزومه ولو احتاج مجنون لمن يخدمه وليس في محارمه من يقوم بخدمة ومؤن النكاح أخف من شراء أمة ومؤنتها فإنه يزوج
____________________
(3/159)
نص عليه
فإن قيل الزوجة لا يلزمها خدمة زوجها وإن وعدت ربما لا تفي
أجيب بأن طبعها يدعوها إلى خدمته والوازع الطبعي أقوى من الشرعي فقدم عليه
( ولا ) يلزم المجبر تزويج ( صغيرة و ) لا ( صغير ) سواء أكانا عاقلين أم مجنونين لعدم الحاجة في الحال وسيأتي الكلام على الجواز
والمراد بالصغيرة والصغير البكر فإن الصغيرة الثيب العاقلة لا تزوج بحال كما مر
( ويلزم المجبر ) بالنصب وهو الأب والجد ( وغيره إن تعين ) كأخ واحد أو عم ( إجابة ) بالرفع ( ملتمسة التزويج ) البالغة إن دعت إلى كفء تحصينا لها فإن امتنع أثم كالقاضي أو الشاهد إذا تعين عليه القضاء أو الشهادة وامتنع
وقيل لا يلزمه الإجابة ولا يأثم لأن الغرض يحصل بتزويج الحاكم
( فإن لم يتعين ) غير المجبر ( كإخوة ) أشقاء أو لأب ( فسألت بعضهم ) التزويج ( لزمه الإجابة ) إليه ( في الأصح ) لئلا يؤدي إلى التواكل فلا يعفوها
والثاني المنع لإمكانه بغيره وهما كالوجهين في الشهود إذا طلب من بعضهم أداء الشهادة
وقضية الأول أنه يصير بالامتناع عاضلا فيزوج السلطان
قال الزركشي وهو مشكل إذ كيف يزوج مع وجود ولي آخر في درجة الممتنع والأقرب أنه يزوج هنا بإذنهم وينبغي ضبط مدة المراجعة بمسافة القصر اه
وما قاله مخالف للروضة وأصلها من أن السلطان إنما يزوج عند امتناع الجميع وتقدم كيفية العضل فلا يتقيد بمدة
( وإذا اجتمع أولياء ) من النسب ( في درجة ) ورتبة كإخوة أشقاء أو لأب أو أعمام كذلك وأذنت لكل منهم بانفراده أو قالت أذنت في فلان فمن شاء منكم فليزوجني منه ( استحب أن يزوجها أفقههم ) بباب النكاح لأنه أعلم بشرائطه وبعده أورعهم كما في الروضة لأنه أشفق وأحرص على طلب الحظ
( و ) بعده ( أسنهم ) لزيادة تجربته ( برضاهم ) أي رضا الباقين لأنه أحوج للمصلحة لتجتمع الآراء ولا يتشوش بعضهم باستيثار بعض
فإن زوجها المفضول برضاهما بكفء صح ولا اعتراض للباقين أو بغير كفء لم يصح حتى يجتمعوا ولو عينت بعد إطلاق الإذن واحدا لم ينعزل الباقون ولو أذنت لأحدهم لم يزوج غيره
ولو قالت زوجوني اشترط اجتماعهم في الأصح أما أولياء العتق فيجب اجتماعهم في العقد ولو بوكالة نعم عصبة المعتق كالأقارب
( فإن تشاحوا ) بأن قال كل منهم أنا أزوج ولم يرضوا بواحد منهم وقد أذنت لكل منهم واتحد الخاطب ( أقرع ) بينهم وجوبا قطعا للنزاع
فمن خرجت قرعته زوج ولا تنتقل الولاية للسلطان أما إذا تعدد الخاطب فإنه يعتبر رضاها وإن رضيت بالجميع أمر القاضي بتزويجهامن الأصلح لها منهم أي بعد تعيينه
ولو أذنت لجماعة من القضاة على أن يستقل كل منهم بتزويجها فتنازعوا فيمن يزوج قال الزركشي والظاهر أنه لا يقرع لأن كلا منهم مأذون له في الانفراد ولا حظ له فيه فليبادر إلى التصرف إن شاء بخلاف الولي
وأطلق ابن كج أن الذي يقرع بين الأولياء هو السلطان
وقال ابن داود يندب أن يقرع السلطان فإن أقرع غيره جاز وهذا أوجه
( فلو زوج ) ها بعد القرعة ( غير من خرجت قرعته وقد أذنت لكل منهم ) أن يزوجها ( صح ) تزويجه ( في الأصح ) للإذن فيه
والثاني لا يصح ليكون للقرعة فائدة
وأجاب الأول بأن فائدتها قطع النزاع بينهم لا سلب الولاية عمن لم تخرج له
وخرج بقيد خروج القرعة لأحدهم ما لو بادر أحدهم وزوج مع التنازع قبل القرعة فإنه يصح قطعا بلا كراهة لأنه لم يوجد ما يميز حق الولاية بغيره
وبقوله وقد أذنت لكل منهم ما لو أذنت لأحدهم فزوج الآخر فإنه لا يصلح قطعا كما مر
( ولو ) أذنت لهم في التزويج و ( زوجها أحدهم ) أي الأولياء المستورين في الدرجة ( زيدا ) وهو كفء ( وآخر عمرا ) كذلك أو أذنت لأحدهم أن يزوجها من زيد والآخر أن يزوجها من عمرو فزوجاها أو وكل المجبر رجلا فزوجها الولي بزيد والوكيل عمرا أو وكل رجلين فزوجاها من كفؤين فلهذه المسألة خمسة أحوال شرع
____________________
(3/160)
المصنف في أولها بقوله ( فإن عرف السابق ) منهما ببينة أو تصادق معتبر ( فهو الصحيح ) وإن دخل بها المسبوق والآخر باطل ثم شرع في ثانيها بقوله ( وإن وقعا ) أي التزويجات ( معا ) وتعدد الخاطب
ثم شرع في ثالثها بقوله ( أو جهل السبق والمعية ) فيهما ( فباطلان ) أما في الأولى فلأن الجمع ممتنع وليس أحدهما أولى من الآخر فتعين بطلانهما
وأما في الثانية فلأنهما إن وقعا معا تدافعا أو مرتبا فلا اطلاع على السابق منهما وإذا تعذر إمضاء العقد لغا إذ الأصل في الإيضاع الحرمة حتى يتحقق السبب المبيح
فإن اتحد الخاطب في الصورة الأولى بأن أوجب كل من الوليين له معا صح ويقبل كل من الإيجابين
ويستحب في الصورة الثانية أن يقول القاضي فسخت السابق منهما أو يأمرهما أو أحدهما بالتطليق ليكون نكاحها بعد على يقين الصحة ويثبت للقاضي هذه الولاية في هذه الحالة للضرورة قاله المتولي وغيره
ثم شرع في رابعها بقوله ( وكذا لو عرف سبق أحدهما ) أي الزوجين ( ولم يتعين ) بأن أيس من تعيينه ولم ترج معرفته فباطلان أيضا ( على المذهب ) أما الثاني منهما فظاهر وأما الأول فلتعذر إمضائه لعدم تعيينه
والطريق الثاني قولان أحدهما هذا
والثاني مخرج من نظير المسألة في الجمعتين أنه يوقف الأمر حتى يتعين فإن رجي معرفته وجب التوقف كما في الذخائر
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن النكاحين يبطلان ظاهرا وباطنا فيما إذا علم السبق دون السابق وعند جهل السبق والمعية قال الأذرعي وهو الذي اقتضاه كلام الشيخ أبي حامد وغيره
والذي في الروضة ينبغي أن يقال الأصح إن جرى فسخ من الحاكم فسخ باطنا وإلا فلا لأن المرأة لما لم يحصل لها العوض عاد إليها المعوض كالبائع إذا أفلس المشتري بثمن سلعته عادت إليه بفسخ الحاكم ملكا ظاهرا وباطنا
ثم شرع في خامسها بقوله ( ولو سبق معين ثم اشتبه ) بالآخر ( وجب التوقف حتى يتبين ) السابق لجواز التذكر لأنا تحققنا صحة العقد فلا يرتفع إلا بيقين فيمتنعان منها فلا يحل لواحد منهما الاستمتاع بها
ولا تنكح غيرهما إلا ببينونتها منهما بأن يطلقاها أو يموتا أو يطلقها أحدهما ويموت الآخر وتنقضي عدتها من موت آخرهما ولا يبالى بطول ضررها كزوجة المفقود
والذي انقطع دمها بمرض ونحوه فإنها تصير إلى سن اليأس مع الضرر ولها طلب فسخ نكاحها في هذه الحالة لتضررها بسبب التوقف للإشكال كالعيب كما قاله الشيخان في موانع النكاح
تنبيه هذا كله إذا كانا كفؤين كما تقرر فإن كانا غير كفؤين فنكاحهما باطل أو أحدهما كفء فنكاحه هو الصحيح وإن تأخر وهو محمول على إذا لم يرضوا بكل منهما
وحيث قلنا بالتوقف فمات في مدته أحدهما وقف من تركته ميراث زوجة إن لم يكن له غيرها وإلا فحصتها من الربع أو الثمن أو ماتت هي وقف ميراث زوج إلى تبين الحال أو الاصطلاح ولا يطالب أحدهما بالمهر للإشكال ولا سبيل إلى إلزام مهرين ولا إلى قسمة مهر عليهما
وفي مطالبتها بالنفقة وجهان أصحهما عند الإمام والغزالي لا لعدم التمكين والأصل البراءة وحبسها ليس من جهتهما وعند ابن كج وغيره نعم لصورة العقد وعدم النشوز مع حبسها وكلام الرافعي في الشرح الصغير يقتضي ترجيحه وهو المعتمد وليس في الروضة كأصلها تصريح بترجيح
وعلى الوجوب يوزع عليهما فإن تعين السابق منهما وقد اتفقا لم يرجع الآخر عليه بما أنفق إلا إذا أنفق بإذن الحاكم كما صوبه الإسنوي وغيره وقال أبو عاصم العبادي يحتمل أن يقال إنما يرجع إذا أنفق بغير إذن الحاكم وبهذا قطع ابن كج كذا في الروضة وأصلها
وجرى على هذا ابن المقري ووجهه شيخي بأن الإذن هنا بمعنى الإلزام واللازم للشخص لا يرجع به ومع هذا فالأوجه الأول
وما تقدم كله عند اعتراف الزوجين بالإشكال
( فإن ادعى كل زوج ) منهما عليها أو أحدهما فقط وكل كفء كما مر أو عند إسقاط الكفاءة ( علمها بسبقه ) أي سبق نكاحه معينا ولو عبر به كان أولى ( سمعت دعواهما بناء على
____________________
(3/161)
الجديد وهو قبول إقرارها بالنكاح ) لئلا يتعطل حقاهما فإن لم يقبل إقرارها لم تسمع إذ لا فائدة فيه
وخرج بقوله بسبقه أي سبق نكاحه ما إذا ادعيا عليها أنها تعلم سبق أحد النكاحين فإنها لا تسمع أيضا كما جزم به في الروضة كأصلها للجهل بالمدعى
وقال السبكي نص الأم يقتضي أنها تسمع للحاجة
تنبيه قوله فإن ادعى كل زوج أي عليها كما قدرته وصرح به في المحرر ويفهمه قول المصنف علمها
وخرج به دعوى كل من الزوجين على الآخر فلا تسمع لأن الحرة لا تدخل تحت اليد فليس في يد واحد منهما ما يدعيه الآخر
وذكر الحرة جرى على الغالب وإلا فالزوجة لا تدخل تحت اليد من حيث الزوجية مطلقا
وخرج به أيضا الدعوى على الولي وحكمه إن كان مجبرا سمعت ويحلف وإن كانت كبيرة على الأصح وإلا فلا لأن إقراره لا يقبل
ثم إن حلف فللمدعي منهما تحليف الثيب أيضا بعد الدعوى عليها فإن نكلت حلف المدعي اليمين المردودة وثبت نكاحه وكذا إن أقرت له ولا يقدح فيه حلف الولي
( فإن أنكرت ) علمها به ( حلفت ) بضم أوله بخطه على نفي العلم لأن اليمين توجهت عليها بسبب فعل غيرها
ويستثنى من تحليفها ما لو كانت خرساء أو معتوهة أو صبية أو خرست بعد التزويج فليس عليها يمين وينفسخ النكاح كما نقله الجوزي عن النص
وأما إقرار الخرساء فسيأتي
تنبيه قضية كلامه الاكتفاء بيمين واحدة وهو أحد وجهين قال به القفال
والوجه الثاني يجب لكل منهما يمين وإن رضيا بيمين واحدة وبه قال البغوي وهو الأوجه كما رجحه السبكي
ولو حلفها الحاضر فهل للغائب تحليفها لتمييز حق كل منهما عن الآخر أو لا لأن الواقعة واحدة وجهان والأوجه الأول كما يؤخذ من ترجيح ما مر
ومحل الخلاف إذا حفلت أنها لا تعلم سبقه ولا تاريخ العقدين فإن اقتصرت على أنها لا تعلم سبقه تعين الحلف للثاني وأجري هذا الخلاف في كل خصمين يدعيان شيئا واحدا
وإذا حلفت لهما بقي الإشكال
وفي بقاء التداعي والتحالف بينهما وجهان أحدهما لا وهو ما نص عليه الشافعي والعراقيون وغيرهم كما حكاه جماعة منهم ابن الرفعة وصرح كغيره تفريعا عليه ببطلان النكاحين
وثانيهما نعم وهو ما نقله الرافعي عن الإمام و الغزالي لأنها إنما حلفت على نفي العلم بالسبق وهو لا ينافي جريان أحد العقدين على الصحة والممتنع إنما هو ابتداء التداعي والتحالف بينهما من غير ربط الدعوى بها
والأول كما قال شيخي أوجه
فإن ردت عليهما اليمين فحلفا أو نكلا بقي الإشكال
وقياس ما مر عن ابن الرفعة أن يقال فإن حلفا أو نكلا بطل نكاحهما كما لو اعترفا بالإشكال وبه صرح الجرجاني واقتضاه كلام غيره وجرى عليه شيخنا في شرحه على البهجة
وإن حلف أحدهما اليمين المردودة ثبت نكاحه ويحلفان على البت لأنهما يحلفان على فعل أنفسهما بخلاف المرأة كما مر
( و ) على الجديد أيضا ( إن أقرت ) بالسبق ( لأحدهما ثبت نكاحه ) منها بإقرارها ويصح إقرار الخرساء وشبهها بالإشارة المفهمة بسبق نكاح أحدهما وإلا فلا يصح ذلك ولا يمين عليها
والحال حال الإشكال ( و ) أما ( سماع دعوى ) الزوج ( الآخر ) عليها ( وتحليفها له ) فإنه ( ينبني على القولين ) السابقين في كتاب الإقرار ( فيمن ) أي في مسألة من ( قال ) في إقراره ( هذا ) المال ( لزيد ) لا ( بل ) هو ( لعمرو
هل يغرم لعمرو ) وهو من وضع المظهر موضع المضمر
( إن قلنا نعم ) أي يغرم وهو أظهر القولين هناك ( فنعم ) أي فتسمع الدعوى وله التحليف رجاء أن تقر فيغرمها مهر المثل وإن لم تحصل له الزوجية فإن نكلت وحلف غرمت له مهر مثلها وإن لم يدخل بها فإن لم يحلف فلا غرم له عليها وإن أقرت لهما معا فهو لغو
فرعان أحدهما قولها لأحدهما لم يسبق نكاحك إقرار منها للآخر إن اعترفت قبله بسبق أحدهما وإلا فيجوز أن يقعا معا فلا تكون مقرة بسبق العقد الآخر
ثانيهما إذا لم يتعرض للسبق ولا لعلمها به وادعيا عليها
____________________
(3/162)
الزوجية وفصلا القدر المحتاج إليه لزمها الحلف الجازم لكل منهما بأن تحلف أنها ليست زوجته ولا يكفيها الحلف على نفي العلم السابق ويجوز لها ذلك إن لم تعلم سبقه وعدم العلم يجوز لها الحلف الجازم
ثم شرع في تولي طرفي عقد النكاح الذي ينفرد به الجد عن الأب فقال ( ولو تولى ) جد ( طرفي عقد في تزويج بنت ابنه بابن ابنه الآخر صح في الأصح ) لقوة ولايته كالبيع
والثاني لا يصح لأن خطاب الإنسان مع نفسه لا ينتظم ولخبر كل نكاح لا يحضره أربعة فهو سفاح رواه البيهقي والدارقطني
تنبيه للمسألة كما قال المصنف في نكت التنبيه شروط الأول أن لا يكون أبو الولد من أهل الولاية وأن يكون ابن الابن محجورا عليه وأن تكون بنت الابن بكرا أو مجنونة فاستفيد من الشرط الثالث أن يكون الجد مجبرا وبه صرح الماوردي وغيره من العراقيين فلا يجوز في بنت ابنه الثيب البالغة العاقلة وهو وارد على إطلاق المصنف
ولا بد من إيجاب وقبول كالبيع وأولى وقيل يكفي الإيجاب وشرط صاحب الاستقصاء وابن معين في التنقيب أن يقول وقبلت بالواو نكاحها
فلو تركها لم يصح
قال الزركشي وينبغي طرده في البيع ونحوه اه
وهذا كما قال شيخي رأي مرجوح
فروع من لا ولي لها إلا الحاكم إذا زوجها لمجنون ونصب من يقبل ويزوجها منه وبالعكس فإنه يصح نبه على ذلك الزركشي
وفي البحر لو أراد الحاكم تزويج مجنونة بمجنون لا نص فيه والقياس أنه لا يتولى الطرفين ولا يحتمل على المذهب غيره وللعم تزويج بنت أخيه بابنه البالغ ولابن العم تزويج بنت عمه بابنه البالغ على المذهب فيهما لأنه لم يوجد تولي الطرفين فإن زوجها أحدهما بأبيه الطفل لم يصح لأنه نكاح لم يحضره أربعة وليس له قوة الجدودة وعليه قال البلقيني الأقرب أنه لا يتعين الصبر إلى بلوغ الصبي فيقبل بل يقبل له أبوه والحاكم بزوجها منه كالولي إذا أراد أن يتزوج موليته
ولو تولى الطرفين في تزويج عبده بأمته إن قيل له إجباره صح وإلا فلا والأصح ليس له ذلك
( ولا يزوج ابن العم ) ونحوه كمعتق وعصبته ( نفسه ) وحينئذ فلا يتولى طرفي العقد ( بل يزوجه ابن عم ) له شقيق أو لأب ( في درجته ) بأن كان مساويا له فيها فإذا كان ابن العم شقيقا وله ابنا عم أحدهما شقيق والآخر لأب زوجها منه الأول
هذا إن وجد ( فإن فقد ) من في درجته حسا أو حكما كأن كان ابن عم شقيقا ومعه آخر لأب ( فالقاضي ) أي قاضي بلدها لا قاضي بلده يزوجه في الأصح بالولاية العامة ولا تنتقل الولاية للأبعد ولو قالت لابن عمها أو لمعتقها زوجني من نفسك زوجه القاضي بهذا الإذن كما صوبه في الروضة خلافا لما صوبه البلقيني لا إن قالت زوجني من شئت أو زوجني
( فلو أراد القاضي نكاح من لا ولي لها ) مختص بها لنفسه أو لموليه بقبوله له ( زوجه من فوقه ) كالسلطان أو من هو مثله ( من الولاة ) في بلده أو غيرها إن كانت الزوجة في عمل ذلك القاضي ( أو خليفته ) لأن حكمه نافذ عليه
وفيه وجه نقل عن ابن يحيى البلخي القاضي أنه يتولاه بنفسه وفعله حين كان قاضيا بدمشق قال السبكي وهو من غرائبه
ويجري الخلاف في تزويج القاضي الإمام الأعظم ومحجوره فيزوجها منه القاضي بالولاية كما يزوج خليفة القاضي من القاضي ( وكما لا يجوز لواحد ) غير الجد ( تولي الطرفين لا يجوز أن يوكل وكيلا في أحدهما ) ويتولى الطرف الآخر ( أو وكيلين فيهما ) أي واحد في الإيجاب وآخر في القبول فيتولاه لم يجز ( في الأصح ) لأن فعل وكيله كفعله بخلاف تزويج خليفة القاضي له لأن تصرفه بالولاية
والثاني يجوز لانعقاده بأربعة
____________________
(3/163)
تنبيه مقتضى تعليلهم أن الجد لو وكل وكيلا في تولي الطرفين يجوز لأن له تعاطيه وقضية كلام ابن الرفعة المنع وهو المعتمد كما قاله شيخي إذ لا يلزم من جواز فعل الشخص لشيء جواز توكيله فيه نعم لو وكل وكيلين في ذلك صح
فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح دفعا للعار وليست شرطا في صحة النكاح بل هي حق للمرأة والولي فلهما إسقاطها وحينئذ فإذا ( زوجها الولي ) المنفرد كأب أو عم ( غير كفء برضاها أو ) زوجها بعض ( الأولياء المستوين ) كإخوة وأعمام ( برضاها ورضا الباقين ) ممن في درجته غير كفء ( صح ) التزويج لأن الكفاءة حقها وحق الأولياء كما مر فإن رضوا بإسقاطها فلا اعتراض عليهم
واحتج له من الأم بأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج بناته من غيره ولا أحد يكافئه
قال السبكي إلا أن يقال إن ذلك جاز للضرورة لأجل نسلهن وما حصل من الذرية الطاهرة كما جاز لآدم صلى الله عليه وسلم تزويج بناته من بنيه اه
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس وهي قرشية بنكاح أسامة وهو مولى للنبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه
وفي الدارقطني أن أخت عبد الرحمن بن عوف وهي هالة كانت تحت بلال
وهو مولى للصديق رضي الله تعالى عنه
وفي الصحيحين أن المقداد رضي الله تعالى عنه تزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وكانت قرشية والمقداد ليس بقرشي وفيهما أيضا أن أبا حذيفة زوج سالما مولاه لابنة أخيه الوليد بن عتبة
فإن قيل موالي قريش أكفاء لهم
أجيب بأن الجمهور على المنع كما نقله في زيادة الروضة
تنبيه شمل قوله برضاها ما إذا كانت مجبرة واستؤذنت من غير كفء فسكتت وهو المذهب وسواء في ذلك الرشيدة والسفيهة كما صرح به في الوسيط فإذا رضيت السفيهة بغير كفء صح وإن كانت محجورا عليها لأن الحجر إنما هو في المال خاصة فلا يظهر لسفهها أثر هنا
واستثنى شارح التعجيز كفاءة الإسلام فلا تسقط بالرضا لقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا }
ويكره التزويج من غير كفء برضاها كما قاله المتولي وإن نظر فيه الأذرعي ومن الفاسق برضاها كما قاله الشيخ عز الدين إلا أن يكون يخاف من فاحشة أو ريبة وقوله المستوين زيادة بيان لأن كلام الأصحاب يقتضي أن الأبعد لا يكون وليا مع الأقرب ويدل لذلك قول المصنف رحمه الله تعالى ولو زوجها الأقرب غير كفء ( برضاها فليس للأبعد اعتراض ) إذ لا حق له الآن في التزويج لكن لو قال السبكي لو قيل لونه إنه قريب إلا أن الأقرب يقدم عليه في الاستحقاق لم يبعد وحينئذ لا بد من قيد المستورين ليخرج الأبعد فإن قيل الأبعد وإن لم يكن له ولاية لكنه يلحقه عار لنسبه فلم لا يشترط رضاه أجيب بأن القرابة تنتشر كثيرا فيشق اعتبار رضاهم ولا ضابط يوقف عنده فالوجه قصره على الأقربين
( ولو زوجها أحدهم ) أي المستوين ( به ) أي غير الكفء ( برضاها دون رضاهم ) أي باقي المستوين ( لم يصح ) التزويج به لأن لهم حقا في الكفاءة فاعتبر رضاهم كرضا المرأة
تنبيه يستثنى من إطلاقه ما لو زوجها بمن به جب أو عنة برضاها فإنه يصح ولا يعتبر رضا الباقين بذلك
وما لو رضوا بتزويجها بغير كفء ثم خالفها الزوج ثم زوجها أحدهم به برضاها دون رضا الباقين فإنه يصح كما هو قضية كلام الروضة وجزم به ابن المقري لرضاهم به أولا وإن خالف في ذلك صاحب الأنوار
وفي معنى المختلع الفاسخ والمطلق رجعيا إذا أعاد زوجته بعد البينونة والمطلق قبل الدخول
( وفي قول ) نص عليه في الإملاء ( يصح ولهم الفسخ ) لأن النقصان يقتضي الخيار لا البطلان كما لو اشترى معيبا
( ويجري القولان في تزويج الأب ) أو الجد ( بكرا صغيرة أو بالغة غير كفء )
وقوله ( بغير رضاها ) قيد في البالغة ( ففي الأظهر ) التزويج المذكور ( باطل )
____________________
(3/164)
لأنه على خلاف الغبطة لأن ولي المال لا يصح تصرفه بغير الغبطة فولي البضع أولى
( وفي الآخر يصح
وللبالغة الخيار ) في الحال ( وللصغيرة ) أيضا ( إذا بلغت ) لما مر
ويجري الخلاف الذي ذكره المصنف في تزويج غير المجبر إذا أذنت في التزويج مطلقا
( ولو طلبت من لا ولي لها ) خاصا ( أن يزوجها السلطان ) أو نائبه ( بغير كفء ففعل لم يصح ) تزويجه به ( في الأصح ) لأنه نائب المسلمين ولهم حظ في الكفاءة
والثاني يصح كالولي الخاص وصححه البلقيني وقال إن ما صححه المصنف ليس بمعتمد وليس للشافعي نص شاهد له ولا وجه له
فإن قيل يدل لذلك خبر فاطمة بنت قيس السابق
أجيب بأنه ليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم زوجها أسامة بل أشار عليها به ولا يدرى من زوجها فيجوز أن يكون زوجها ولي خاص برضاها ولو كان لها ولي ولكن زوجها السلطان لغيبته أو عضله أو إحرامه فلا تزوج إلا من كفء قطعا لأنه نائب عنه في التصرف فلا يصح ذلك مع عدم إذنه ولو كان الولي حاضرا وفيه مانع من فسق ونحوه وليس بعده إلا السلطان فزوج السلطان من غير كفء برضاها فظاهر إطلاقهم طرد الوجهين
لما اعتبر الكفاءة في النكاح وهي بالفتح والمد والهمزة لغة التساوي والتعادل وشرعا أمر يوجب عدمه عارا شرع في بيانها فقال ( وخصال الكفاءة ) أي الصفات المعتبرة فيها ليعتبر مثلها في الزوج خمسة أولها ( سلامة من العيوب المثبتة للخيار ) في النكاح وسيأتي في بابه فمن به بعضها كجنون أو جذام أو برص ليس كفؤا للسليمة عنها لأن النفس تعاف صحبة من به بعضها ويختل بها مقصود النكاح ولو كان بها عيب أيضا فلا كفاءة اختلف العيبان كرتقاء ومجبوب أو اتفقا كأبرص وبرصاء وإن كان ما بها أكثر وأفحش لأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعافه من نفسه
تنبيه استثنى البغوي و الخوارزمي العنة لعدم تحققها فلا نظر إليها في الكفاءة وجرى على ذلك الإسنوي وابن المقري
قال الشيخان وفي تعليق الشيخ أبي حامد وغيره التسوية بينها وبين غيرها وإطلاق الجمهور يوافقه اه
وهذا هو المعتمد
ووجه بأن الأحكام تبنى على الظاهر ولا تتوقف على التحقق
وما أطلقه المصنف من اشتراط السلامة من هذه العيوب هو على عمومه بالنسبة إلى المرأة أما بالنسبة إلى الولي فيعتبر في حقه الجنون والجذام والبرص لا الجب والعنة وألحق الروياني بالعيوب الخمسة العيوب المنفردة كالعمى والقطع وتشوه الصورة وقال هي تمنع الكفاءة عندي وبه قال بعض الأصحاب واختاره الصيمري وهذا خلاف المذهب
قال الزركشي والتنقي من العيوب إنما يعتبر في الزوجين خاصة دون آبائهما فابن الأبرص كفء لمن أبوها سليم ذكره الهروي في الإشراف
والأوجه أنه ليس كفؤا لها لأنها تعير به
( و ) ثانيها ( حرية فالرقيق ) كلا أو بعضا أو مكاتبا ( ليس كفؤا لحرة ) ولو عتيقة لأنها تعير به وتتضرر بسبب النفقة
ولهذا خيرت بريرة لما عتقت تحت زوجها وكان عبدا كما سيأتي وليس الرقيق كفؤا لمبعضة كما في الكفاية عن الذخائر
وهل المبعض كفء لها قال في البحر إن استويا أو زادت حريته كان كفؤا لها وإلا فلا
( والعتيق ) كفء لعتيقة و ( ليس كفؤا لحرة أصلية ) لنقصه عنها وليس من مس الرق أحد آبائه أو أبا أقرب كفؤا لخلافه
والرق في الأمهات لا يؤثر كما في زوائد الروضة أنه المفهوم من كلامهم وصرح به في البيان خلافا لما بحثه الرافعي في التأثير ووافقه ابن الرفعة
قال السبكي وما جزم به المصنف من كون العتيق ليس كفؤا لحرة أصلية لا يساعده عليه عرف ولا دليل فيبقى التوقف فيه وقد رأينا كثيرا من ذلك في هذا الزمان أن يكون من مسه الرق أو مس أحد آبائه أميرا كبيرا أو ملكا كبيرا والمرأة دونه بكثير بحيث تفتخر به وهي حرة الأصل وذكر نحوه البلقيني
( و ) ثالثها ( نسب ) بأن تنسب المرأة إلى من تشرف به بالنظر إلى من ينسب الزوج إليه لأن العرب تفتخر بأنسابها أتم الافتخار والاعتبار في النسب بالآباء ( فالعجمي ) أبا وإن كانت أمه عربية ( ليس كفء عربية ) أبا وإن كانت أمها أعجمية
____________________
(3/165)
لأن الله اصطفى العرب على غيرهم
( ولا ) أي وليس ( غير قرشي ) من العرب مكافئا ( قرشية ) لخبر قدموا قريشا ولا تقدموها رواه الشافعي بلاغا
( ولا ) أي وليس ( غير هاشمي ومطلبي ) كفؤا ( لهما ) كبني عبد شمس ونوفل وإن كانا أخوين لهاشم لخبر مسلم إن الله اصطفى من العرب كنانة واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم
تنبيه اقتضى كلامه أمرين أحدهما أن المطلبي كفء للهاشمية وعكسه وهو كذلك لخبر البخاري نحن وبنو المطلب شيء واحد
ومحله إذا لم تكن شريفه أما الشريفة فلا يكافئها إلا شريف
والشرف مختص بأولاد الحسن و الحسين رضي الله تعالى عنهما وعن أبويهما نبه على ذلك ابن ظهيرة
ومحله أيضا في في الحرة فلو نكح هاشمي أو مطلبي أمة فأتت منه ببنت فهي مملوكة لمالك أمها فله تزويجها من رقيق ودنيء النسب كما سيأتي
والأمر الثاني أن غير قريش من العرب بعضهم أكفاء بعض ونقله الرافعي عن جماعة وقال في زيادة الروضة إنه مقتضى كلام الأكثرين
قال الرافعي ومقتضى اعتبار النسب في العجم اعتباره في غير قريش من العرب
وقال الماوردي في الحاوي واختلف أصحابنا في غير قريش فالبصريون يقولون بأنهم أكفاء والبغداديون يقولون بالتفاضل فتفضل مضر على ربيعة وعدنان على قحطان اعتبارا بالقرب منه صلى الله عليه وسلم
وهذا كما قال شيخنا هو الأوجه إذ أقل مراتب غير قريش من العرب أو يكونوا كما قال في المهمات كالعجم
قال الفارقي والمراد بالعرب من ينسب إلى بعض القبائل وأما أهل الحضر فمن ضبط نفسه منهم فكالعرب وإلا فكالعجم
( والأصح اعتبار ) الشرف ( النسب في العجم كالعرب ) قياسا عليهم فالفرس أفضل من القبط لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجال من فارس
وبنو إسرائيل أفضل من القبط لسلفهم وكثرة الأنبياء فيهم
قال الماوردي والثاني لا يعتبر فيهم لأنهم لا يعتنون بحفظ الأنساب ولا يدونونها بخلاف العرب وقال الأذرعي إنه الصواب نقلا ومعنى وبسط ذلك
والاعتبار بالأب كما مرت الإشارة إليه في غير أولاد بنات النبي صلى الله عليه وسلم فلا أثر للأم وإن كانت رقيقة
ولا يكافىء من أسلم أو أسلم أحد أجداده الأقربين أقدم منه في الإسلام فمن أسلم بنفسه ليس كفؤا لمن لها أب أو أكثر في الإسلام ومن له أبوان في الإسلام ليس كفؤا لمن لها ثلاثة آباء فيه
فإن قيل قضية هذا أن من أسلم بنفسه من الصحابة رضي الله تعالى عنهم لا يكون كفؤا لبنات التابعين وهذا زلل وكيف لا يكون كفؤا لهن وهم أفضل الأمة أجيب بأنه لا مانع من ذلك لأن النظر في الآباء لا يمنع أن يكون ابن غير الشريف أفضل من ابن الشريف وليس كفؤا له
( و ) رابعها ( عفة ) وهي الدين والصلاح والكف عما لا يحل ( فليس فاسق كفء عفيفة ) لقيام الدليل على عدم المساواة قال تعالى { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } وقال تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية } الآية هكذا استدل بهاتين الآيتين وفيه نظر لأن الأولى في حق الكافر والمؤمن والثانية منسوخة
والمبتدع مع السنية كالفاسق مع العفيفة كما نقلاه عن الروياني وأقراه
تنبيه أفهم كلام المصنف أمورا أحدها أنه لا فرق في اعتبار هذا الوصف بين المسلمين والكفار حتى لا يكون الكافر الفاسق في دينه كفؤا للعفيفة في دينها وبه صرح ابن الرفعة
ثانيها أن الفاسق كفء للفاسقة مطلقا وهو كذلك وإن قال في المهمات الذي يتجه عند زيادة الفسق واختلاف نوعه عدم الاكتفاء كما في العيوب قال ولا شك أن الفسق بالقتل والسكر ليس في تعدي المفسدة والنفرة كالعقوق وترك الصلاة ونحوها
ثالثها أن غير الفاسق كفء لها سواء فيه العدل والمستور وبه صرح الإمام و ابن الصلاح
رابعها أن الفسق والعفاف يعتبر في الزوجين لا في آبائهما وسيأتي الكلام في ذلك
( و ) خامسها ( حرفة ) وهي كما قال الزمخشري في فائقه بكسر الحاء صناعة يرتزق منها
سميت بذلك لأنه ينحرف إليها
( فصاحب حرفة دنيئة ) بالهمزة من الدناءة وضبطها الإمام بما دلت ملابستها منه ) واستدل لذلك بقوله تعالى { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } على انحطاط المروءة وسقوط
____________________
(3/166)
النفس كملابسة القاذورات ( ليس كفء أرفع أي في سببه فبعضهم يصل إليه بعز وراحة وبعضهم بذل ومشقة وبقوله تعالى { قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون } قال المفسرون كانوا حاكة ولم ينكر عليهم هذه التسمية
( فكناس وحجام وحارس وراع وقيم الحمام ) ونحوهم كحائك ( ليس كفؤ بنت خياط ) والظاهر أن هؤلاء أكفاء لبعضهم بعضا ولم أر من تعرض لذلك
( ولا خياط بنت تاجر أو ) بنت ( بزاز ) والظاهر أن كلا منهما كفء للآخر ولم أر أيضا من ذكره ( ولا هما ) أي التاجر والبزاز ( بنت عالم و ) بنت ( قاض ) نظرا للعرف في ذلك وصرح به ابن أبي هريرة بأن من أبوها بزاز أو عطار لا يكافئها من أبوه حجام أو بيطار أو دباغ قال الأذرعي وإذا نظرت إلى حرفة الأب فقياسه النظر إلى حرفة الأم أيضا فإن ابن المغنية أو الحمامية ونحوها ينبغي أن لا يكون كفؤا لمن ليست أمها كذلك لأنه نقص في العرف وعار اه
والأوجه عدم النظر إلى الأم
قال في الروضة وذكر في الحلية أنه تراعى العادة في الحرف والصنائع فإن الزراعة في بعض البلاد أولى من التجارة وفي بعضها بالعكس اه
وذكر في البحر نحوه أيضا وجزم به الماوردي وينبغي كما قال الأذرعي الأخذ به
قال الأذرعي وعلى اعتبار ما ذكره في الكتاب ينبغي أن تكون العبرة بالعالم الصالح أو المستور دون الفاسق وأما القاضي فإن كان أهلا فعالم وزيادة وإن كان غير أهل كما هو كثير وغالب في القضاة في زماننا نجد الواحد منهم كقريب العهد بالإسلام ففي النظر إليه نظر اه
بل ينبغي أن لا يتوقف في مثل ذلك
قال في الأنوار وإذا شك في الشرف والدناءة أو في الشريف والأشرف أو الدنيء والأدنأ فالمرجع عادة البلد والحرفة الدنيئة والفسق في الآباء قال الشيخان يشبه أن يكون حال من كان أبوه صاحب حرفة دنيئة أو مشهورا بالفسق مع من أبوها عدل كما ذكرنا فيمن أسلم بنفسه مع من أبوها مسلم
قال الرافعي والحق أن يجعل النظر في حق الآباء دينا وسيرة وحرفة من حيز النسب فإن تفاخر الآباء هي التي يدور عليها أمر النسب
ونقل الإسنوي عن الهروي في إشرافه أنه لا أثر لما ذكر كولد الأبرص وبه صرح جماعة منهم القاضي أبو الطيب والماوردي والروياني والأوجه اعتباره كما تقدم في ولد الأبرص أيضا
فإن قيل كيف يعد الرعي من الحرف الدنيئة مع أنها سنة الأنبياء في ابتداء أمرهم أجيب بأنه لا يلزم من ذلك كونه صفة مدح لغيرهم ألا ترى أن فقد الكتابة في حقه عليه الصلاة والسلام معجزة فتكون صفة مدح في حقه وفي حق غيره ليست كذلك وما تقدم في المتن معتبر في الكفاءة جزما
وأشار لما فيه الخلاف منها بقوله ( والأصح أن اليسار لا يعتبر ) في خصال الكفاءة لأن المال ظل زائل وحال حائل ومال مائل ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر
والثاني يعتبر لأنه إذا كان معسرا لم ينفق على الولد وتتضرر هي بنفقته عليها نفقة المعسرين استدل له بقوله صلى الله عليه وسلم أما معاوية فصعلوك لا مال له
وقال الأذرعي إنه المذهب المنصوص الأرجح دليلا ونقلا وبسط ذلك
نعم على الأول لو زوج الولي بالإجبار معسرا بمهر المثل لم يصح التزويج كما مرت الإشارة إليه وليس هذا مبنيا على اعتبار اليسار كما قاله الزركشي بل لأنه بخسها حقها فهو كتزويجها بغير كفء
ولا يعتبر أيضا الجمال والبلد ولا السلامة من عيب آخر منفر كالعمى والقطع وتشوه الصورة وإن اعتبرها الروياني
وصحح في زيادة الروضة كون الجاهل كفؤا للعالمة ورجح الروياني أنه غير كفء لها واختاره السبكي ورد على تصحيح الروضة بأن المصنف يرى اعتبار العلم في الأب فاعتباره في نفس المرأة أولى اه
وهذا متعين ولذلك أسقط ابن المقري ما في الروضة من روضه
قال في زيادة الروضة وليس البخل والكرم والطول والقصر معتبرا
قال الأذرعي وفيما إذا أفرط القصر في الرجل نظر
وينبغي أن لا يجوز للأب تزويج ابنته بمن هو كذلك فإنه ممر تعير به المرأة اه
فائدة قال الإمام الغزالي شرف النسب من ثلاث جهات إحداها الانتهاء إلى شجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعادله شيء
الثانية الانتماء إلى العلماء فإنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه
والثالثة الانتماء إلى أهل الصلاح المشهور والتقوى قال الله تعالى { وكان أبوهما صالحا } عليهم أجمعين وبهم ربط
____________________
(3/167)
الله تعالى حفظ الملة المحمدية
قالا ولا عبرة بالانتساب إلى عظماء الدنيا والظلمة المستولين على الرقاب وإن تفاخر الناس بهم
قال الرافعي وكلام النقلة لا يساعدهما عليه في عظماء الدنيا
قال في المهمات وكيف لا يعتبر الانتساب إليهم وأقل مراتب الإمرة أي ونحوها أن تكون كالحرفة وذو الحرفة الدنيئة لا يكافىء النفيسة
فرع المحجور عليه بسفه هل هو كفء للرشيدة أو لا لأنها تتضرر غالبا بالحجر على الزوج فيه نظر قاله الزركشي
والأوجه كما قال شيخنا الثاني
وقد جمع بعضهم خصال الكفاءة في بيت فقال نسب ودين صنعة حرية فقد العيوب وفي اليسار تردد ( و ) الأصح ( أن بعض الخصال ) المعتبرة في الكفاءة ( لا يقابل ببعض ) أي لا تجبر نقيصة بفضيلة فلا تزوج حرة عجمية برقيق عربي ولا سليمة من العيوب دنيئة بمعيب نسيب ولا حرة فاسقة بعبد عفيف ( وليس له ) أي الأب ( تزويج ابنه الصغير أمة ) لانتفاء خوف العنت المعتبر في نكاحها بخلاف المجنون يجوز تزويجه بها بشرطه ( وكذا معيبة ) بعيب يثبت الخيار كالبرصاء لا يزوجه بها ( على المذهب ) لأنه خلاف الغبطة
وفي قول يصح ويثبت له الخيار إذا بلغ
وقطع بعضهم بالبطلان في تزويجه الرتقاء والقرناء لأنه بذل مال في بضع لا ينتفع به بخلاف تزويج الصغيرة مجبوبا
وإن زوج المجنون أو الصغير عجوزا أو عمياء أو قطعاء أو الصغيرة بهرم أو أعمى أو أقطع فوجهان صحح منهما البلقيني وغيره عدم الصحة في صورة المجنون والصغير ونقلوه عن نص الأم لأنه إنما يزوجهما بالمصلحة ولا مصلحة لهما في ذلك بل فيه ضرر عليهما
وقضية كلام الجمهور في الكلام على الكفاءة تصحيح الصحة في صورة الصغيرة لأن وليها إنما يزوجها بالإجبار من الكفء وكل من هؤلاء كفء فالمأخذ في هذه وما قبلها مختلف وهذا هو الظاهر كما مرت الإشارة إلى بعضه لكن ينبغي أن يحرم عليه ذلك كما يؤخذ مما مر في شروط الإجبار
( ويجوز ) للأب أن يزوج الصغير ( من لا تكافئه بباقي الخصال ) المعتبرة في الكفاءة كنسب وحرفة لأن الرجل لا يعير بافتراش من لا تكافئه
نعم يثبت الخيار إذا بلغ كما اقتضاه كلام الشرح والروضة هنا وإن نازع في ذلك الأذرعي فقد صرحا به أول الخيار حيث قالا ولو زوج الصغير من لا تكافئه وصححناه فله الخيار إذا بلغ
والثاني لا يصح ذلك لأنه قد لا يكون فيه غبطة
فصل في تزويج المحجور عليه ( لا يزوج ) على المذهب المنصوص وقول الجمهور ( مجنون ) ولا مختل وهو من في عقله خلل
قال في البحر ولا مبرسم ( صغير ) لأنه لا يحتاج إليه في الحال وبعد البلوغ لا يدرى كيف الأمر بخلاف الصغير العاقل كما سيأتي فإن الظاهر حاجته إليه بعد البلوغ
( وكذا ) لا يزوج مجنون ومختل ومبرسم ( كبير ) أطبق جنونه ثم استثنى منه قوله ( إلا لحاجة ) للنكاح حاصلة حالا كأن تظهر رغبته في النساء بدورانه حولهن وتعلقه بهن أو مآلا كتوقع شفائه باستفراغ مائة بعد شهادة عدلين من الأطباء بذلك أو بأن يحتاج إلى من يخدمه ويتعهد ولا يجد في محارمه من يحصل به ذلك
وتكون مؤنة النكاح أخف من ثمن جارية وتقدم استشكال الرافعي والجواب عنه
( فواحدة ) بالنصب أي يزوجه الأب ثم الجد ثم السلطان دون سائر العصبات كولاية المال واحدة ويجوز الرفع أي فواحدة يتزوجها
تنبيه ظاهر كلام الروضة أن الوصي لا يزوجه
قال البلقيني ويعضده نص الأم لكن في الشامل في الوصايا ما يقتضي أن يزوجه والسفيه عند حاجتهما قال وهو الأقرب في الفقه لأنه ولي المال والأوجه الأول
وإنما وجب الاقتصار على واحدة لاندفاع الحاجة بها
فإن لم تعفه المرأة الواحدة زيد ما يحصل به الإعفاف كما قاله الإسنوي وأشار
____________________
(3/168)
إليه الرافعي في الكلام على السفيه وقد لا تكفي الواحدة أيضا للخدمة فيزاد بحسب الحاجة
هذا إن بلغ مجنونا فإن بلغ رشيدا ثم جن بني على عود الولاية إلى الأب إن قلنا تعود وهو الأصح زوجة الأب ثم الجد وإلا فالحاكم فإن كان جنونه متقطعا لم يزوج حتى يفيق ويأذن ويشترط وقوع العقد في حال إفاقته فلو جن قبله بطل إذنه
وهل يشترط مراجعة الأقرب في تزويج السلطان فيه الخلاف الآتي في المجنونة وتقدم أنه يلزم المجبر تزويج مجنون ظهرت حاجته مع مزيد بيان
( وله ) أي الولي من أب وجد لوفور شفقتهما وإن لم يتقدم لهما ذكر وقد صرح به في المحرر لا وصي وقاض ( تزويج صغير عاقل ) غير ممسوح ( أكثر من واحدة ) ولو أربعا إن رآه الولي مصلحة لأن تزويجه بالمصلحة وقد تقتضي ذلك
أما الصغير الممسوح ففي تزويجه الخلاف في الصغير المجنون قاله الجويني
( ويزوج المجنونة أب أو جد ) لأنه لا يرجى لها حالة تستأذن فيها ولهما ولاية الإجبار في الجملة ( إن ظهرت مصلحة ) في تزويجها
( ولا تشترط الحاجة ) قطعا لإفادتها المهر والنفقة بخلاف المجنون
( وسواء ) في جواز التزويج ( صغيرة وكبيرة ثيب وبكر ) جنت قبل البلوغ أو بعده لما مر ويقدم أنه يلزم المجبر تزويج مجنونة بالغة محتاجة
( فإن لم يكن ) للمجنونة ( أب أو جد لم تزوج في صغرها ) إذ لا إجبار لغيرهما ولا حاجة لهما في الحال ( فإن بلغت زوجها السلطان في الأصح ) المنصوص كما يلي ما لها لكن بمراجعة أقاربها ندبا تطييبا لقلوبهم ولأنهم أعرف بمصلحتها ومن هذا قال المتولي يراجع الجميع حتى الأخ والعم للأم والخال وقيل تجب المراجعة قال وعليه يراجع الأقرب فالأقرب من الأولياء لو لم يكن جنون
والثاني يزوجها القريب بإذن السلطان لقيامه مقام إذنها
وتزوج ( للحاجة ) للنكاح بظهور علامة شهوتها أو توقع شفائها بقول عدلين من الأطباء لأن تزويجها يقع إجبارا وغير الأب والجد لا يملك الإجبار وإنما يصار إليه للحاجة النازلة منزلة الضرورة
( لا لمصلحة ) كتوفر المؤن فلا يزوجها لذلك ( في الأصح ) لما مر
والثاني نعم كالأب والجد قال ابن الرفعة وهو الأصح
وإذا أفاقت المجنونة بعد تزويجها لا خيار لها لأن التزويج لها كالحكم لها وعليها
( ومن حجر عليه ) حسا ( بسفه ) بأن بذر في ماله أو حكما كمن بلغ سفيها ولم يحجر عليه وهو السفيه المهمل ( لا يستقل بنكاح ) لئلا يفنى ماله في مؤن النكاح فلا بد له من مراجعة الولي كما قال ( بل ينكح بإذن وليه ) لأنه مكلف صحيح العبارة وإنما حجر عليه حفظا لما له وقد زال المانع بالإذن
فإن قيل بيعه بالإذن غير صحيح فهلا كان نكاحه كذلك أجيب بأن المقصود من الحجر حفظ ماله دون نكاحه ولهذا لا يصح منه إزالة ملكه في الأموال بإذن ولا بغير إذنه بالهبة والعتق ويصح منه إزالة النكاح بالطلاق
أما من بذر بعد رشده ولم يتصل به حجر حاكم فتصرفه نافذ في الأصح ويسمى أيضا سفيها مهملا والمعتبر في المحجور عليه ظهور الأمارة لا قوله أنا محتاج
( أو يقبل له الولي ) بإذنه كما سيأتي لأنه حر مكلف صحيح العبارة والإذن
ولا يزاد على واحدة لأنه إنما يزوج لحاجة النكاح وهي تندفع بواحدة فإن لم تعفه زيد ما يحصل به الإعفاف كما مر في المجنون
والمراد بالولي هنا الأب ثم الجدان بلغ سفيها والقاضي أو منصوبه إن بلغ رشيدا ثم طرأ السفه كما صححه في زيادة الروضة
وظاهر أن الوصي لا يلي التزويج وبه أفتى ابن الصلاح لكن صرح الرافعي في باب الوصايا بأنه يلي التزويج بعد الجد قبل الحاكم وحذفه من الروضة ثم وصحح من زيادته هنا أنه لا يزوجه
قال الصيدلاني وغيره وقد نص الشافعي رضي الله تعالى عنه على كل من المقالتين وليس باختلاف نص بل نصه على أنه يزوجه محمول على وصي فوض إليه التزويج
( فإن أذن ) له الولي ( وعين امرأة ) بشخصها أو نوعها كتزويج فلانة أو من بني فلان ( لم ينكح غيرها ) لأن الإذن مقصور عليها فلا ينكح غيرها وإن ساوتها في المهر أو نقصت عنها
____________________
(3/169)
قال ابن أبي الدم وينبغي حمله على ما إذا لحقه مغارم فيها
أما لو كانت خيرا من المعينة نسبا وجمالا ودينا ودونها مهرا ونفقة فينبغي الصحة قطعا كما لو عين مهرا فنكح بدونه اه
وهذا ظاهر
( و ) ل ( ينكحها ) أي المعينة ( بمهر المثل ) أي بقدره لأنه المأذون فيه شرعا
( أو أقل ) لأنه حصل لنفسه خيرا
( فإن زاد ) على مهر المثل ( فالمشهور صحة للنكاح ) لأن خلل الصداق لا يفسد النكاح
والثاني وهو مخرج أنه باطل للمخالفة وعلى الأول يكون ( بمهر المثل ) أي بقدره ( من المسمى ) المعين مما عينه الولي بأن قال له أمهر من هذا فأمهر منه زائدا على مهر المثل ويلغو الزائد لأنه تبرع من سفيه
وقال ابن الصباغ القياس بطلان المسمى ووجوب مهر المثل أي في الذمة اه
والمشهور الأول ولا ينافيه ما سيأتي من أنه لو نكح الطفل بفوق مهر المثل أو أنكح بنتا لا رشيدة أو رشيدة بكرا بلا إذن بدونه فسد المسمى وصح النكاح بمهر المثل لأن السفيه تصرف في ماله فقصر الإلغاء على الزائد بخلاف الولي
( ولو قال ) له الولي ( أنكح بألف ) فقط ( ولم يعين امرأة ) ولا قبيلة ( نكح بالأقل من ألف ومهر مثلها ) لأن الزيادة على إذن الولي أو مهر المنكوحة ممنوعة
فإذا نكح امرأة بألف وهو أكثر من مهر مثلها صح النكاح بمهر المثل ولغا الزائد لأنه تبرع وتبرعه لا يصح
فإن كان الألف مهر مثلها أو أقل منه صح النكاح بالمسمى قال الأذرعي وهو ظاهر في رشيدة رضيت بالمسمى دون غيرها
وإن نكح بأكثر من ألف بطل إن كان الألف أقل من مهر مثلها إذ لا إذن في الزائد والرد للقدر يضر بها والأصح بمهر المثل
وإن نكح بأقل من ألف نظرت إن كان الألف مهر مثلها أو أقل صح بالمسمى أو أكثر فبمهر المثل إن نكح بأكثر منه وإلا فبالمسمى
( ولو أطلق الإذن ) بأن قال أنكح ولم يعين امرأة ولا قدرا ( فالأصح ) المنصوص في الأم ( صحته ) كما لو أذن السيد لعبده في النكاح يكفي الإطلاق
والثاني لا يصح بل لا بد من تعيين المهر والمرأة والقبيلة وإلا لم يؤمن أن ينكح شريفه فيستغرق مهر مثلها ما له
ودفع هذا بقوله ( وينكح بمهر المثل ) فأقل لأنه المأذون فيه ( من تليق به ) فلو نكح شريفة يستغرق مهر مثلها ما له لم يصح كما اختاره الإمام وجزم به الغزالي ولا ترجيح في الروضة وأصلها
وهل للولي تزويج صغير أو مجنون وامرأة شريفة يستغرق مهرها ماله لم يتعرضوا له قال في المهمات في أوائل الصداق والقياس أن يأتي فيه هذا الخلاف اه
وما ذكره من القياس متجه كما قال ابن شهبة في المجنون لاستوائه مع السفيه لأن كلا منهما يزوج للحاجة والحاجة تندفع بدون الشريفة
وأما الصغير العاقل فغير متجه فيه فإنه يزوج بالمصلحة ولهذا يزوج ثلاث وأربع ولا يجوز ذلك في السفيه والمجنون فحيث رأى الولي المصلحة في تزويجه الشريفة فينبغي جوازه لحصول المصلحة بذلك له
تنبيه قد ذكر المصنف للمسألة ثلاث حالات وهي ما إذا عين امرأة فقط أو مهرا فقط أو أطلق وأهمل رابعا وهو ما إذا عين المرأة وقدر المهر بأن قال أنكح فلانة بألف والحكم فيه أنه إن كان مهر مثلها أقل منه بطل الإذن فلا يصح النكاح وإن قال الزركشي تبعا للأذرعي القياس صحته بمهر المثل كما لو قبل له الولي بزيادة عليه وإن كان مثله أو أكثر منه صح الإذن وحينئذ فإن نكح بأكثر من ألف ومهر مثلها أكثر منه أيضا بطل النكاح أو نكح بالألف صح به أو بأكثر منه ومهر مثلها ألف صح بالألف وسقطت الزيادة
أو بما دونه صح النكاح به
وإن قال له أنكح من شئت بما شئت لم يصح الإذن لأنه رفع للحجر بالكلية
وإن أذن للسفيه في النكاح لم يفده ذلك جواز التوكيل لأنه لم يرفع الحجر إلا عن مباشرته وإقراره بالنكاح إذا لم يأذن فيه وليه باطل لأنه لا يستقل بالإنشاء ويفارق صحة إقرار المرأة بأن إقراره يفوت مالا وإقرارها يحصله
وإذا كان كثير الطلاق شرى جارية لأنه أصلح له إذ لا ينفذ إعتاقه فإن تبرم بها أبدلت وإكثار الطلاق بأن يزوجه على التدريج ثلاثا فطلقهن على ما قاله القاضي أو ثنتين فيطلقهما على ما قاله البندنيجي
وفهم الروياني أن تعدد الزوجة ليس مرادا فعبر عن ذلك بقوله
____________________
(3/170)
فيه وجهان أحدهما يطلق ثلاث مرات والثاني مرتين وما قاله ظاهر والأوجه من وجهيه الأول فيكتفي بثلاث مرات ولو من زوجة واحدة
وظاهر كلامهم أنه لا يسري ابتداء وينبغي كما في المهمات جواز الأمرين كما في الإعفاف ويتعين ما فيه المصلحة
( فإن قيل له ) أي للسفيه ( وليه ) أي النكاح ( اشترط إذنه ) أي السفيه ( في الأصح ) لأنه حر مكلف فلا بد من إذنه
والثاني لا يشترط لأن النكاح من مصلحته وعلى الولي رعايتها فإذا عرف حاجته زوجه كما يكسوه ويطعمه
( و ) إنما ( يقبل ) له الولي نكاح امرأة تليق به ( بمهر المثل فأقل فإن زاد ) عليه ( صح النكاح بمهر المثل ) وتسقط الزيادة لتبرعه بها
( وفي قول يبطل ) كما لو اشترى له بأكثر من ثمن المثل
( ولو نكح السفيه ) المحجور عليه ( بلا إذن ) من وليه أو الحاكم عند امتناع الولي لغير مصلحة ( فباطل ) كما لو عضله الولي وتعذرت مراجعة السلطان كما في البيع ونحوه ويفرق بينهما
ومحله كما قال ابن الرفعة إذا لم ينته إلى خوف العنت وإلا فيصح نكاحه وهو أولى من المرأة في المفازة لا تجد وليا ( فإن ) قلنا ببطلانه و ( وطىء ) فيه رشيدة ( لم يلزمه شيء ) أما الحد فبلا خلاف للشبهة وإن أتت بولد لحقه وأما المهر فعلى الصحيح وإن انفك عنه الحجر لأنها سلطته على بضعها فصار كما لو اشترى شيئا وأتلفه لا ضمان عليه ولا يضر جهلها بحالة لتمكينها نفسها مع تقدم إذنها لتفريطها بترك البحث عنه
وهذا في الظاهر أما في الباطن فلها عليه مهر المثل كما نص عليه في الأم
تنبيه محل عدم لزوم المهر إذا وطئها مختارة كما اقتضاه التعليق السابق فلو وطئها نائمة أو مكرهة فالأوجه كما قال شيخنا وجوبه وقد صرح به الماوردي في المكرهة
وخرج ب رشيدة التي قدرتها في كلامه المحجور عليها بسفه أو صبا أو جنون فلها عليه مهر المثل إذ لا أثر لتمكينها كما لو ابتاع شيئا من مثله وأتلفه كما قاله المصنف في فتاويه لا المحجور عليها بسفه ومثلها الصغيرة والمجنونة
فإن قيل لو قال سفيه لآخر اقطع يدي فقطعها لم يلزمه شيء فكان القياس أنه لا يجب له شيء كسائر الإتلافات البدنية ولهذا قال الأذرعي إني لم أر هذا التقييد لغير المصنف وأحسبه من تصرفه
أجيب بأن البضع محل تصرف الولي فكان إذنها في إتلافه غير معتبر بخلاف قطع اليد ونحوها
وقول الإسنوي ينبغي أن تكون المزوجة بالإجبار كالسفيهة فإنه لا تقصير من قبلها فإنها لم تأذن والتمكين واجب عليها ممنوع إذ لا يجب عليها التمكين حينئذ
( وقيل ) يلزمه ( مهر مثل ) لئلا يخلو الوطء عن عقر أو عقوبة ( وقيل أقل متمول ) لأن به يندفع الخلو المذكور
( ومن حجر عليه بفلس يصح نكاحه ) لصحة عبارته وذمته
وهذا وإن قدمه المصنف في كتاب الفلس لكنه قصد هنا بيان مؤنة فقال ( ومؤن النكاح ) المتجدد على الحجر من مهر ونفقة وغيرهما ( في كسبه ) بعد الحجر وبعد النكاح ( لا فيما معه ) لتعلق حق الغرماء بما في يده فإن لم يكن له كسب ففي ذمته إلى فك الحجر أما النكاح السابق على الحجر فمؤنة فيما معه إلا أن يستغني بالكسب
ولو اشترى أمة في ذمته بعد الحجر واستولدها فهي كالزوجة الحادثة بعد الحجر كما بحثه بعض المتأخرين ( ونكاح عبد بلا إذن سيده ) ولو امرأة أو كافرا ( باطل ) لا فرق في ذلك بين المبعض والمكاتب ومعلق العتق بصفة وغيرهم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم أي مملوك تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه
قال في الأم ولا أعلم من أحد لقيته ولا حكي لي عنه من أهل العلم اختلافا في أنه لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن مالكه اه
ولا ينافي قوله لا أعلم ما حكاه الرافعي عن أبي حنيفة من أن نكاحه موقوف على إجازة السيد وعن مالك أنه يصح وللسيد فسخه لأنه لم يبلغه ذلك
____________________
(3/171)
تنبيه قول المصنف باطل يقتضي أنه إذا وطىء لا يلزمه شيء كالسفيه وليس مرادا كما توهمه بعض الشارحين بل يلزمه مهر المثل في ذمته كما صرح به المصنف في نكاح العبد وسيأتي إيضاح ذلك
واستثنى الأذرعي من إطلاق المصنف ما لو استأذن سيده فمنعه فرفعه إلى حاكم يرى إجبار السيد فأمره به فامتنع فأذن له الحاكم أو زوجه فإنه يصح كما لو عضل الولي
( وبإذنه ) أي السيد إن كان معتبر الإذن وهو غير محرم ( صحيح ) وإن كان سيده امرأة أو كافرا كما مر لعموم الحديث المتقدم
( وله ) أي السيد ( إطلاق الإذن ) لعبده في النكاح جزما وينكح الحرة والأمة ولو من غير بلد العبد ولكن له منعه من الخروج إليها
( وله تقييده بامرأة ) معينة ( أو قبيلة أو بلد ) لأن ما يصح مطلقا يصح مقيدا ( ولا يعدل عما أذن ) له ( فيه ) مراعاة له فإن عدل لم يصح النكاح
وإن قدر له السيد مهرا فزاد عليه أو زاد على مهر المثل عند الإطلاق عن تعيين المهر فالزائد في ذمته يتبع به إذا عتق فإن صرح له بأن لا ينكح بأزيد مما عينه قال الإمام فالرأي عدم صحة النكاح كما في السفيه وإن نقص عما عينه له سيده أو عن مهر المثل عند الإطلاق جاز
ولو نكح صحيحا ثم طلق لم ينكح ثانيا إلا بإذن جديد بخلاف ما لو نكح فاسدا فإنه لا يحتاج إلى تجديد الإذن
ولو نكح بالمسمى من مهرها دونه صح به ورجوع السيد في الإذن كرجوع الموكل
( والأظهر أنه ليس للسيد إجبار عبدها ) غير المكاتب والمبعض ولو صغيرا وخالفه في الدين ( على النكاح ) لأنه لا يملك رفع النكاح بالطلاق فكيف يجبر على ما لا يملك رفعه ولأن النكاح يلزم ذمة العبد مالا فلا يجبر عليه كالكتابة
والثاني له إجباره كالأمة
وقيل يجبر الصغير قطعا وهو موافق لظاهر النص ولما عليه أكثر العراقيين ولاقتضاء كلام الرافعي في باب التحليل والرضاع أنه المذهب ولما سيأتي للمصنف في كتاب الرضاع حيث قال فيه ولو زوج أم ولده سيد عبده الصغير الخ
وأما المكاتب والمبعض فلا يجبرهما قطعا ( ولا عكسه ) بالجر والرفع أي ليس للعبد البالغ إجبار سيده على النكاح إذا طلبه ولا يلزمه إجابته ولو كان مبعضا أو مكاتبا أو معلقا عتقه بصفة لأنه يشوش عليه مقاصد الملك وفوائده كتزويج الأمة
والثاني يجبر عليه أو على البيع لأن المنع من ذلك يوقعه في الفجور
وقضية التعليل تخصيص الخلاف بمن يخشى العنث وأن غيره لا يجبر قطعا
والعبد المشترك هل لسيده إجباره وعليهما إجابته فيه الخلاف المذكور في الطرفين ولو أجابه أحدهما إلى النكاح وامتنع الآخر امتنع عليه النكاح أما الصغيرة فلا إجابة له
( وله إجبار أمته ) غير المبعضة والمكاتبة على النكاح لأن النكاح يرد على منافع البضع وهي مملوكة له وبهذا فارقت العبد فيزوجها برقيق ودنيء النسب وإن كان أبوها قرشيا كما مر لأنها لا نسب لها لا بمعيب كأجذم وأبرص ومجنون فلا يجوز بغير رضاها وإن كان يجوز بيعها منه وإن كرهت كما نص عليه في الحكمين جميعا
والفرق أنه لا يقصد من البيع الاستمتاع غالبا بخلاف النكاح ويلزمها التمكين في صورة البيع كما صححه المتولي ولو أجبرها السيد والحالة هذه على النكاح لم يصح
وقوله ( بأي صفة كانت ) تعميم في صفة الأمة من بكارة وثيوبة وصغر وكبر وعقل وجنون وتدبير واستيلاد وأما المبعضة والمكاتبة فلا يجبرهما ولا أمة كل منهما على النكاح وليس له تزويج المرهونة بعد لزوم الرهن بغير إذن المرتهن ويلحق بها المتعلق برقبتها مال بلا إذن المستحق إن كان معسرا فإن كان موسرا جاز على الأصح في زيادة الروضة وكان اختيارا للفداء وليس للسيد تزويج أمه القراض كما مر في بابه وله تزويج أمة عبده المأذون له في التجارة إن لم يكن عليه دين وإلا فيزوجها بإذن العبد والغرماء فإن زوجها بغير إذنهما أو إذن أحدهما لم يصح لتضررهما به فلو وطىء الأمة بغير إذن الغرماء لزمه المهر لأنه مما يتعلق به حقهم بخلاف وطء المرهونة
فإن قيل قالوا في معاملة العبيد إن دين الغرماء لا يتعلق بمهر وطء الشبهة
أجيب بأن ذلك في الأمة المأذونة وهذا في أمتها والولد حر إن أحبلها وتصير أم ولد إن كان موسرا ولا تصير أم ولد إن كان معسرا بل تباع في الدين وتصير أم ولد إذا ملكها وكذا حكم الأمة الجانية والموروثة عن مديون وإن لم يثبت الاستيلاد
____________________
(3/172)
في الحال وجب قيمة ولد أمة العبد المأذون دون قيمة ولد الأمة المرهونة والجانية والموروثة لأن حق المرتهن والمجني عليه ورب الدين المتعلق بالتركة لا يتعلق بالولد
ووقع في أصل الروضة أنه جعل الأمة الموروثة كأمة المأذون وإنما يأتي ذلك على القول بأن الدين يتعلق بزوائد التركة والمذهب المنع نبه على ذلك الإسنوي
وإعتاق أمة المديون والموروثة كإعتاق الجاني
( فإن طلبت ) من السيد التزويج ( لم يلزمه تزويجها ) وإن حرمت عليه لما فيه من تنقيص القيمة وتفويت الاستمتاع بها عليه
( وقيل إن حرمت عليه ) تحريما مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو كانت بالغة كما قاله ابن يونس تائقة خائفة الزنا كما قاله الأذرعي ( لزمه ) إذ لا يتوقع منه قضاء شهوة ولا بد من إعفافها
أما إذا كان التحريم لعارض كأن ملك أختين فوطىء إحداهما ثم طلبت الأخرى تزويجها أو لم يكن كما ذكر فإنه لا يلزمه إجابتها قطعا
وإذا كانت الأمة لامرأة قال صاحب البيان ينبغي أن يكون في إجبارها الخلاف فيما إذا كانت لرجل وهو لا يملك الاستمتاع بها
( وإذا زوجها ) أي السيد أمته ( فالأصح أنه بالملك لا بالولاية ) لأنه يملك التمتع بها في الجملة والتصرف فيما يملك استيفاءه ونقله إلى الغير يكون بحكم الملك كاستيفاء سائر المنافع ونقلها بالإجارة
والثاني بالولاية لأن عليه مراعاة الحظ ولهذا لا يزوجها من معيب كما مر
تنبيه قضية كلامه أن الخلاف لا يتأتى في تزويج العبد وهو كذلك
قال الرافعي إلا إذا قلنا للسيد إجباره
قال السبكي وهو صحيح وعلى الأول ( فيزوج مسلم أمته الكافرة ) بخلاف الكافر فليس له أن يزوج أمته المسلمة إذ لا يملك السبكي وهو صحيح وعلى الأول ( فيزوج مسلم أمته الكافرة ) بخلاف الكافر فليس له أن يزوج أمته المسلمة إذ لا يملك التمتع بها أصلا
بل ولا سائر التصرفات فيما سوى إزالة الملك عنها وكتابتها بخلاف المسلم في الكافرة ولأن حق المسلم في الولاية آكد ولهذا تثبت له الولاية على الكافرات بالجهة العامة
وعبر في المحرر بالكتابية فعدل المصنف إلى الكافرة فشمل المرتدة ولا تزوج بحال والوثنية والمجوسية وفيهما وجهان أحدهما لا يجوز جزم به البغوي لأنه لا يملك التمتع بها
والثاني يجوز وهو المعتمد كما هو ظاهر نص الشافعي وصححه الشيخ أبو علي وجزم به شراح الحاوي الصغير لأن له بيعها وإجارتها
وعدم جواز التمتع بها الذي علل به البغوي جزمه بالمنع في غير الكتابية لا يمنع ذلك كما في أمته المحرم كأخته
( و ) يزوج على الأول أيضا ( فاسق ) أمته ( ومكاتب ) كتابة صحيحة يزوج أمته بالملك
وقضيته أنه يستقل به ولا يحتاج إلى إذن السيد وليس مرادا لضعف ملكه فلا بد من إذن سيده
وعلى الثاني لا يزوج واحد من الثلاثة من ذكرت لأن المسلم لا يلي الكافرة والفسق يسلب الولاية والرق يمنعها كما مر
وإذا ملك المبعض ببعضه الحر أمة قال البغوي في فتاويه ألا يزوجها ولا تزوج بإذنه
وهذا فرعه على أن السيد يزوج بالولاية والأصح كما في تهذيبه أنه بالملك كما مرت الإشارة إليه وعليه فيصح تزويج المبعض كالمكاتب بل أولى لأن ملكه تام ولهذا تجب عليه الزكاة
( ولا يزوج ولي عبد ) محجور عليه من ( صبي ) وصبية وسفيه ومجنون لما فيه من انقطاع أكسابه وفوائده عنهم
تنبيه قال في الدقائق وهذه العبارة أصوب من قول المحرر ولا يجبره لأنه لا يلزم مع عدم إجباره منع تزويجه برضاه والصحيح منعه اه
ومع هذا لو عبر بالمحجور عليه كما قدرته لكان أولى
( ويزوج ) ولي الصبي من أب وجد ( أمته في الأصح ) إذا ظهرت الغبطة كما قيداه في الروضة وأصلها اكتسابا للمهر والنفقة
والثاني لا يزوجها لأنه قد تنقص قيمتها وقد تحبل فتهلك
وأمة غير الصبي ممن ذكر معه كأمته لكن لا تزوج أمة السفيه إلا بإذنه كما أنه لا يزوج إلا بإذنه
وقول الأذرعي ينبغي أن يعتبر مع ذلك حاجته إلى النكاح فلو كان غير محتاج إليه فالولي لا يملك تزويجه حينئذ فكذلك لا يزوج أمته ممنوع ويكفي في ذلك أنه يملك تزويجه في الجملة
والسلطان كالأب والجد في أمة من به سفه أو جنون لأنه يلي مال مالكه ونكاحه بخلاف أمة الصغير والصغيرة لا يزوجها وإن ولي مالهما
لأنه لا يلي نكاحهما ولو كان الصغير كافرا وأمته مسلمة لم يجز لوليه تزويجها ويزوج الأب وإن علا أمة الثيب المجنونة لأنه يلي
____________________
(3/173)
مال مالكها ونكاحها بخلاف أمة الثيب العاقلة الصغيرة لأنه لا يلي نكاح مالكها وقد علم مما تقرره أنه يشترط فيمن يلي النكاح أن يكون ولي المال والنكاح
خاتمة أمة غير المحجور عليها يزوجها ولي السيدة تبعا لولايته على سيدتها بإذن السيدة وجوبا لأنها المالكة لها نطقا وإن كانت بكرا لأنها لا تستحي في تزويج أمتها
ولو أعتق المريض أمة وهو لا يملك غيرها فزوجها وليها قبل موته وبرئه من مرضه صح للحكم بحريتها ظاهرا فلا يمنع العقد بالاحتمال ولهذا لو مات وخرجت من الثلث يحكم بعتقها ويجوز تزويجها وإن احتمل ظهور دين عليه يمنع خروجها من الثلث لكن إذا مات وعجز الثلث عنها ورق بعضها بأن لم تجز الورثة بأن فساد النكاح
وإن زوجها السيد بمن يحل له نكاح الأمة بإذن الولي أو كان هو الولي صح وإن لم يمت ولم تخرج بعد موته من الثلث لأنه بتقدير عدم خروجها في الأولى مالك ما لم يعتق ونائب ولي ما عتق وفي الثانية مالك ذاك وولي هذا
باب ما يحرم من النكاح التحريم يطلق في العقد بمعنى التأثيم وعدم الصحة وهو المراد بالتبويب ويطلق بمعنى التأثيم مع الصحة كما في نكاح المخطوبة على خطبة الغير ومراده بهذه الترجمة ذكر موانع النكاح كما عبر بها في الروضة وهي قسمان مؤبد وغير مؤبد ومن الأول وإن لم يذكره الشيخان اختلاف الجنس فلا يجوز للآدمي نكاح جنية كما قاله العماد بن يونس وأفتى به ابن عبد السلام خلافا للقمولي قال تعالى { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها } وقال تعالى { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها }
وروى ابن أبي الدنيا مرفوعا نهى عن نكاح الجن
والمؤبد غير اختلاف الجنس له أسباب ثلاثة قرابة ورضاع ومصاهرة ولضابط المحرمات بالنسب والرضاع ضابطان الأول تحرم نساء القرابة إلا من دخلت تحت ولد العمومة أو ولد الخؤولة
والثاني يحرم على الرجل أصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول فالأصول الأمهات والفصول البنات وفصول أول الأصول الأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول العمات والخالات
والضابط الثاني للأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني
والأول لتلميذه الأستاذ أبي منصور البغدادي
قال الرافعي وهو أرجح لإيجازه ونصه على الإناث بخلاف الثاني ولمجيئه على نمط قوله تعالى { إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك } فدل على أن ما عداهن من الأقارب ممنوع
وقد بدأ بالسبب الأول وهو القرابة ويحرم بها سبع
وقد شرع في الأول منها فقال ( تحرم الأمهات ) بضم الهمزة وكسرها مع فتح الميم وكسرها جمع أم وأصلها أمهة قاله الجوهري
قال شيخنا ومن نقل عنه أنه قال جمع أمهة أصل أم فقد تسمح
ويشير بذلك إلى الرد على الشارح
ويحتمل أن الجوهري وقع له عبارتان
وقال بعضهم الأمهات للناس والأمات للبهائم
وقال آخرون يقال فيهما أمهات وأمات لكن الأول أكثر في الناس والثاني أكثر في غيرهم ويمكن رد الأول إلى هذا وسيأتي إن شاء الله تعالى تحرير ذلك آخر الكتاب
والمراد تحريم العقد عليهن وكذا يقدر في الباقي
( و ) ضابط الأم هو ( كل من ولدتك ) فهي أمك حقيقة ( أو ولدت من ولدك ) ذكرا كان أو أنثى كأم الأب وإن علت وأم الأم كذلك ( فهي أمك ) مجازا
وإن شئت قلت كل أنثى ينتهي إليها نسبك بواسطة أو بغيرها وهذا تفسير الأمهات بالنسب وإلا فقد يحرم النكاح بالأمومة لا من هذه الجهة
ودليل التحريم في الأمهات وفي بقية السبع الآتية قوله تعالى { حرمت } وذلك في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين { عليكم أمهاتكم }
____________________
(3/174)
الآية
( و ) الثاني ( البنات ) جمع بنت
( و ) ضابطها هو ( كل من ولدتها ) فبنتك حقيقة ( أو ولدت من ولدها ) ذكرا كان أو أنثى كبنت ابن وإن نزل وبنت بنت وإن نزلت ( فبنتك ) مجازا
وإن شئت قلت كل أنثى ينتهي إليك نسبها بالولادة بواسطة أو بغيرها
ولما كانت المخلوقة من ماء الزنا قد يتوهم أنها بنت الزاني فتحرم عليه دفع هذا التوهم بقوله ( قلت والمخلوقة من ) ماء ( زناه ) سواء أكانت المزني بها مطاوعة أم لا سواء تحقق أنها من مائه أم لا ( تحل له ) لأنها أجنبية عنه إذ لا حرمة لماء الزنا بدليل انتفاء سائر أحكام النسب من إرث وغيره عنها
فلا تتبعض الأحكام كما يقول به الخصم فإن منع الإرث بإجماع كما قاله الرافعي
وقيل تحرم عليه مطلقا وقيل تحرم عليه إن تحقق أنها من مائه بأن أخبره بذلك نبي كأن يكون في زمن عيسى عليه السلام
وعلى الأول يكره نكاحها
واختلف في المعنى المقتضي للكراهة فقيل للخروج من الخلاف قال السبكي وهو الصحيح
وقيل لاحتمال كونها منه فإن تيقن أنها منه حرمت وهو اختيار جماعة منهم الروياني
ولو أرضعت المرأة بلبن الزاني صغيرة فكبنته قاله المتولي
( ويحرم على المرأة ) وعلى سائر محارمها ( ولدها من زنا والله أعلم ) بالإجماع كما أجمعوا على أنه يرثها والفرق أن الابن كالعضو منها وانفصل منها إنسانا ولا كذلك النطفة التي خلقت منها البنت بالنسبة للأب
تنبيه سكت المصنف رحمه الله تعالى عن المنفية باللعان وحكمها أنها تحرم على نافيها ولو لم يدخل بأمها لأنها لا تنتفي عنه قطعا بدليل لحوقها به لو أكذب نفسه ولأنها ربيبة في المدخول بها وتتعدى حرمتها إلى سائر محارمه
وفي وجوب القصاص عليه بقتله لها والحد بقذفه لها والقطع بسرقة مالها وقبول شهادته لها وجهان أوجههما كما قال شيخي لا كما يقتضي كلام الروضة تصحيحه وإن قيل إن ذلك إنما وقع في نسخ الروضة السقيمة
قال البلقيني وهل يأتي الوجهان في انتقاض الوضوء بمسها وجواز النظر إليها والخلوة بها أو لا إذ لا يلزم من ثبوت الحرمة المحرمية كما في الملاعنة وأم الموطوءة بشبهة وبنتها والأقرب عندي ثبوت المحرمية اه
والأوجه حرمة النظر والخلوة بها احتياطا وعدم نقض الوضوء بمسها للشك كما يؤخذ مما قدمته في باب أسباب الحدث
ولو تزوج ولد إنسان بلقيطة أو مجهولة نسب فادعى أبوه بنوة تلك الزوجة بالشروط المذكورة في الإقرار فإن صدقة الولد والزوجة ثبت النسب وانفسخ النكاح ثم ان كان ذلك قبل الدخول فلا شيء لها أو بعده فلها مهر المثل وإن كذباه ولا بينة للأب ثبت نسبها ولا ينفسخ
قال المازني وفيه وحشة
قال القاضي في فتاويه وليس لنا من يطأ أخته في الإسلام إلا هذا
وقيس به ما لو تزوجت بمجهول النسب فاستلحقه أبوها ثبت نسبه ولا ينفسخ النكاح إن لم تصدقه الزوجة وإن أقام الأب بينة في الصورة الأولى ثبت النسب وانفسخ النكاح وحكم المهر كما تقدم وإن لم يكن بينة وصدقته الزوجة فقط لم ينفسخ النكاح لحق الزوج لكن لو أبانها لم يجز له بعد ذلك تجديد نكاحها لأن إذنها شرط وقد اعترفت بالتحريم
وأما المهر فيلزم الزوج لأنه يدعي ثبوته عليه لكنها تنكره فإن كان قبل الدخول فنصف المسمى أو بعده فكله وحكمها في قبضه كمن أقر لشخص بشيء وهو ينكره وتقدم حكمه في باب الإقرار
فلو وقع الاستلحاق قبل التزويج لم يجز للابن نكاحها
( و ) الثالث ( الأخوات ) جمع أخت
وضابطها كل من ولدها أبواك أو أحدهما فأختك
( و ) الرابع والخامس ( بنات الإخوة و ) بنات ( الأخوات ) من جميع الجهات وبنات أولادهم وإن سفلن
تنبيه كان ينبغي تأخير بنات الإخوة والأخوات عن العمات والخالات تأسيا بالقرآن
( و ) السادس ( العمات ) من كل جهة
سواء كن لأب وأم أم لا
( و ) السابع ( الخالات ) كذلك ( و ) أشار لضابط العمة بقوله ( كل
____________________
(3/175)
من هي أخت ذكر ولدك ) بلا واسطة فعمتك حقيقة أو بواسطة كعمة أبيك ( فعمتك ) مجازا وقد تكون العمة من جهة الأم كأخت أبي الأم
وأشار لضابط الخالة بقوله ( أو ) أي وكل من هي ( أخت أنثى ولدتك ) بلا واسطة فخالتك حقيقة أو بواسطة فخالة أمك ( فخالتك ) مجازا
وقد تكون الخالة من جهة الأب كأخت أم الأب
ثم شرع في السبب الثاني وهو الرضاع فقال ( ويحرم هؤلاء السبع بالرضاع أيضا ) للآية ولخبر الصحيحين يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة وفي رواية من النسب وفي أخرى حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب
( و ) ضابط أمك من الرضاع هو ( كل من أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك ) أو صاحب اللبن ( أو ) أرضعت ( من ولدك ) بواسطة أو غيرها ( أو ولدت مرضعتك ) بواسطة أو غيرها ( أو ) ولدت ( ذا ) أي صاحب ( لبنها ) وهو الفحل بواسطة أو غيرها
( فأم رضاع ) في الصور المذكورة
( وقس ) على ذلك ( الباقي ) من السبع المحرمة بالرضاع مما ذكر
فضابط بنت الرضاع هو كل امرأة ارتضعت بلبنك أو لبن من ولدته بواسطة أو غيرها أو أرضعتها امرأة ولدتها بواسطة أو وغيرها وكذا بناتها من نسب أو رضاع وإن سفلن
وضابط أخت الرضاع هو كل من أرضعتها أمك أو أرضعت بلبن أبيك أو ولدتها مرضعتك أو ولدها الفحل
وضابط عمة الرضاع هو كل أخت للفحل أو أخت ذكر ولد الفحل بواسطة أو غيرها من نسب أو رضاع
وضابط خالة الرضاع هو كل أخت للمرضعة أو أخت أنثى ولدت المرضعة بواسطة أو غيرها من نسب أو رضاع
وضابط بنات الإخوة وبنات الأخوات من الرضاع هو كل أنثى من بنات أولاد المرضعة والفحل من الرضاع والنسب وكذا كل أنثى أرضعتها أختك أو أرضعت بلبن أخيك وبناتها وبنات أولادها من نسب أو رضاع
( ولا يحرم عليك من أرضعت أخاك ) أو أختك ولو كانت من النسب حرمت لأنها إما أم أو موطوءة أب
( و ) لا من أرضعت ( نافلتك ) وهو ولد ولدك ولو كانت أم نسب حرمت عليك لأنها بنتك أو موطوءة ابنك
( ولا أم مرضعة ولدك و ) لا ( بنتها ) أي بنت المرضعة ولو كانت المرضعة أم نسب كانت موطوءتك فتحرم أمها عليك وبنتها
فهذه الأربعة يحرمن في النسب ولا يحرمن في الرضاع فاستثناها بعضهم من قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
قال في زيادة الروضة قال المحققون لا حاجة إلى استثنائها لأنها ليست داخلة في الضابط ولهذا لم يستثنها الشافعي والجمهور ولا استثنيت في الحديث لأن أم الأخ لم تحرم لكونها أم أخ وإنما حرمت لكونها أما أو حليلة أب ولم يوجد ذلك في الصورة الأولى وكذا القول في باقيهن اه
وذكر الرافعي نحوه في كتاب الرضاع
وقال الإمام قوله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من جوامع الكلم فإنه شامل لقواعد حرمة الرضاع لا يغادر منها شيئا ولا يتطرق إليه تأويل ولا حاجة فيه إلى تتمة بتصرف قائس قال وهذا مستمر لا قصور فيه ولو استثناء منه
وقد نظم بعضهم هذه الصور التي ذكرها المصنف فقال أربع هن في الرضاع حلال وإذا ما نسبتهن حرام جدة ابن وأخته ثم أم لأخيه وحافد والسلاموزاد الجرجاني على هذه الأربعة ثلاث صور أم العم والعمة وأم الخال والخالة وأخو الابن فإنهن يحرمن في النسب لا في الرضاع
وصورة الأخيرة في امرأة لها ابن ثم ابنها ارتضع من امرأة أجنبية لها ابن فذلك الابن أخو ابن المرأة المذكورة ولا يحرم عليها أن تتزوج بهذا الذي هو أخ لابنها
( ولا ) يحرم عليك ( أخت أخيك ) وقوله
____________________
(3/176)
( من نسب ولا رضاع ) متعلق بأخت لا بأخ
( وهي ) في النسب ( أخت أخيك لأبيك لأمه ) أي الأخ وصورته أن يكون لك أخ لأب وأخت لأم فله أن ينكح أختك من الأم
وصورته في الرضاع أن ترضعك امرأة وترضع صغيرة أجنبية منك فلأخيك نكاحها
( وعكسه ) في النسب أخت أخيك لأمك لأبيه بأن كان لأبي أخيك بنت من غير أمك فيجوز لك نكاحها وفي الرضاع أن ترضع امرأة أخاك وترضع معه صغيرة أجنبية منك فيجوز لك نكاحها
تنبيه صورة العكس مزيدة على المحرر والروضة كأصلها
ثم شرع في السبب الثالث وهو المصاهرة فقال ( وتحرم ) عليك ( زوجة من ولدت ) بواسطة أو غيرها وإن لم يدخل ولدك بها لإطلاق قوله تعالى { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم }
( أو ) زوجة من ( ولدك ) بواسطة أو غيرها أبا أو جدا من قبل الأب أو الأم وإن لم يدخل والدك بها لإطلاق قوله { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } قال في الأم يعني في الجاهلية قبل علمكم بتحريمه
( من نسب أو رضاع ) هو راجع لهما معا أما النسب فللآية وأما الرضاع فللحديث المتقدم
فإن قيل إنما قال الله تعالى { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } فكيف حرمت حليلة الابن من الرضاعة أجيب بأن المفهوم إنما يكون حجة إذا لم يعارضه منطوق وقد عارضه هنا منطوق قوله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
فإن قيل ما فائدة التقييد في الآية حينئذ أجيب بأن فائدة ذلك إخراج حليلة المتبنى فلا يحرم على المرء زوجة من تبناه لأنه ليس بابن له حقيقة
( وأمهات زوجتك ) بواسطة أو بغيرها ( منهما ) أي من نسب أو رضاع سواء أدخل بها أم لا لإطلاق قوله تعالى { وأمهات نسائكم }
( وكذا بناتها ) بواسطة أو غيرها ( إن دخلت بها ) في عقد صحيح أو فاسد لإطلاق قوله تعالى { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } وذكر الحجور خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له فإن قيل لم أعيد الوصف إلى الجملة الثانية ولم يعد إلى الجملة الأولى وهي { وأمهات نسائكم } مع أن الصفات عقب الجمل تعود إلى الجميع أجيب بأن نسائكم الثاني مجرور بحرف الجر ونسائكم الأول مجرور بالمضاف وإذا اختلف العامل لم يجز الإتباع وتعين القطع
واعترض بأن المعمول الجر وهو واحد
تنبيه قضية كلام الشيخ أبي حامد وغيره أنه يعتبر في الدخول أن يقع في حياة الأم فلو ماتت قبل الدخول ووطئها بعد موتها لم تحرم بنتها لأن ذلك لا يسمى دخولا وإن تردد فيه الروياني
فإن قيل لم لم يعتبروا الدخول في تحريم أصول البنت واعتبروا في تحريمها الدخول أجيب بأن الرجل يبتلى عادة بمكالمة أمها عقب العقد لترتيب أموره فحرمت بالعقد ليسهل ذلك بخلاف بنتها
وتقييد التحريم بالدخول يفهم تحريم الثلاث الأول بمجرد العقد وهو كذلك كما مر بشرط صحة العقد فلا يتعلق بالعقد الفاسد حرمة المصاهرة كما لا يتعلق به حل المنكوحة
والحاصل أن من حرم بالوطء لا يعتبر فيه صحة العقد كالربيبة
ومن حرم بالعقد وهي الثلاث الأول فلا بد فيه من صحة العقد نعم لو وطىء في العقد الفاسد في الثلاث الأول حرم بالوطء فيه لا بالعقد
وظاهر كلام المصنف أن الربيبة لا تحرم باستدخال أمها ماء الزوج وليس مرادا إذ في الروضة وأصلها الجزم بأن استدخال الماء يثبت المصاهرة إذا كان محترما بأن كان ماء زوجها ومقتضاه تحريم الربيبة وإن خالف في ذلك البلقيني
وظاهر كلامه أيضا حل البنت المنفية باللعان إذا لم يدخل بالملاعنة لأنها بنت زوجة لم يدخل بها ولم يثبت كونها بنتا له وليس مرادا بل الأصح تحريمها لأنها لا تنتفي عنه قطعا كما مرت الإشارة إليه
وعلم من كلامه عدم تحريم بنت زوج الأم أو البنت أو أمه وعدم تحريم أم زوجة الأب أو الابن أو بنتها أو زوجة الربيب أو الراب لخروجهن عن المذكورات
( و ) كل ( من وطىء ) في الحياة وهو واضح ( امرأة بملك ) سواء أكانت محرمة عليه على التأبيد أم لا ( حرم عليه أمهاتها وبناتها وحرمت ) هي ( على آبائه وأبنائه )
____________________
(3/177)
تحريما مؤبدا بالإجماع ولأن الوطء بملك اليمين نازل منزلة عقد النكاح
( وكذا الموطوءة ) الحية ( بشبهة في حقه ) كأن ظنها زوجته أو أمته أو وطىء بفاسد شراء أو نكاح تحرم عليه أمهاتها وبناتها
وتحرم على آبائه وأبنائه كما يثبت في هذا الوطء النسب ويوجب العدة وسواء كانت كما ظن أم لا
( قيل أو حقها ) بأن ظنته كما ظن مع علمه بالحال
وحاصل هذا الوجه أنه يكتفي بقيام الشبهة من أحد الجانبين
أما الميتة فلا تثبت حرمة المصاهرة بوطئها كما جزم به الرافعي في الرضاع وأما الخنثى فلا تثبت حرمة المصاهرة بوطئه لاحتمال كون العضو زائدا قاله أبو الفتوح
تنبيه قد يشعر تشبيه وطء الشبهة بملك اليمين أن وطء الشبهة يوجب التحريم والمحرمية وليس مرادا بل التحريم فقط فلا يحل للواطىء بشبهة النظر إلى أم الموطوءة وبنتها ولا الخلوة والمسافرة بهما ولا مسهما كالموطوءة بل أولى فلو تزوجها بعد ذلك ودخل بها ثبتت المحرمية أيضا كما يقتضيه كلامهم وما صححه من عدم تأثيره في حقها هو بالنسبة للتحريم لا المهر
وتحقيق أحكام هذه المسألة أن شبهة الواطىء فقط تثبت حرمة المصاهرة والنسب والعدة لا المهر وشبهة الموطوءة فقط توجب المهر فقط لا المصاهرة والعدة والنسب
ودخل تحت قوله في حقه صورتان الشبهة في حق الزوجة والزوج معا وفي حق الزوج فقط وخرج عنه صورتان شبهتها فقط وعدم شبهته
( لا المزني بها ) فلا يثبت بزناها حرمة المصاهرة فللزاني أم من زنى بها وبنتها ولابنة وأبيه نكاحها هي لأن الله تعالى امتن على عباده بالنسب والصهر فلا يثبت بالزنا كالنسب
تنبيه استثني زنا المجنون فإنه يثبت به المصاهرة ولا حاجة إليه كما قال ابن شهبة فإن الصادر من المجنون صورة زنا لا زنا حقيقة لأنه ليس عليه إثم ولا حد
ولو لاط شخص بغلام لم يحرم على الفاعل أم الغلام وبنته
( وليست مباشرة ) كلمس وقبلة ( بشهوة ) في زوجة وأمة أو أجنبية لكن بشبهة كما لو مس امرأة على فراشه ظنها زوجته
( كوطء في الأظهر ) لأنها لا توجب العدة فكذا لا توجب الحرمة
والثاني أنها كالوطء بجامع التلذذ بالمرأة ولأنه استمتاع يوجب الفدية على المحرم فكان كالوطء وبهذا قال جمهور العلماء
تنبيه تقييد الشهوة من زيادته على المحرر قال في الدقائق ولا بد منه أما اللمس بغيرها فلا أثر له في التحريم عند المعظم
قال الزركشي ويرد على المصنف لمس الأب جارية ابنه فإنها تحرم لما له من الشبهة في ملكه أي فيجري فيها الخلاف بخلاف لمس الزوجة ذكره الإمام
وتثبت العدة والمصاهرة والنسب فقط باستدخال ماء زوج وكذا أجنبي أو سيد بشبهة دون الإحصان والتحليل وتقرير المهر ووجوبه للمفوضة والغسل والمهر في صورة الشبهة
واختلف في ثبوت الرجعة بذلك والذي جزم به ابن المقري هنا تبعا لأصله عدم ثبوتها وهو مخالف لجزمهما بثبوتها في الكلام على التحليل وعلى الفسخ بالعنة وعليه اقتصر في الشرح الصغير وهو الأصح كما في المهمات قال ونقل الماوردي عن بعض الأصحاب أنه يشترط في التحريم باستدخال ماء الزوج وجود الزوجية حال الإنزال والاستدخال
ومقتضاه أنه يشترط في ماء الأجنبي قيام الشبهة في الحالين والمراد من ذلك أن يكون الماء محترما فيهما ولا يثبت ذلك ولا غيره باستدخال ما زنا الزوج أو السيد
وعند البغوي يثبت جميع ذلك كما لو وطىء زوجته يظن أنه يزني بها
وأجيب بأن الوطء في زوجته بظنه المذكور ليس زنا في نفس الأمر بخلافه في مسألتنا
( ولو اختلطت ) امرأة ( محرم ) لشخص من نسب أو رضاع أو مصاهرة أو محرمة عليه بلعان أو نفي أو توثن أو غيرها كما صرح به الجرجاني ( بنسوة قرية كبيرة ) غير محصورات ( نكح منهن ) جوازا باجتهاد وغيره لأنا لو منعناه لتضرر بالسفر وربما انحسم عليه باب النكاح فإنه وإن سافر إلى بلدة أخرى لم يؤمن مسافرتها إليها وهذا كما لو اختلط صيد مملوك بصيود مباحة غير محصورة لا يحرم الاصطياد
تنبيه قضية قوله نكح منهن أنه لا ينكح الجميع وبه جزم الجرجاني
وهل ينكح إلى أن تبقى واحدة أو إلى أن يبقى عدد محصور حكى الروياني عن والده فيه احتمالين وقال الأقيس عندي الثاني اه
وهذا هو الأوجه
وفرق
____________________
(3/178)
بين هذا وبين ما صححه المصنف في نظيره من الأواني من ترجيح الأول بأن ذلك يكفي فيه الظن بدليل صحة الطهر والصلاة بمظنون الطهارة وحل تناوله مع القدرة على متيقنها أي في محصور وغيره بخلاف النكاح
وقوله محرم الدائر على الألسنة أنه بفتح الميم وينبغي ضبطه بالضم مع تشديد الراء فإن الحكم لا يختص بالأول كما مرت الإشارة إليه فإن من حرمت بالجمع أو بالعدة كذلك
( لا بمحصورات ) فإنه لا ينكح منهن احتياطا للأبضاع مع انتفاء المشقة باجتنابهن بخلاف الصورة الأولى فلو خالف وفعل لم يصح في الأصح لمنعنا له من ذلك إذ من الشروط كما سبق أن يعلم أنها حلال ويشكل عليه كما قال ابن شهبة أنه لو زوج أمة مورثة ظانا حياته فبان ميتا صح ولو تزوج امرأة المفقود بعد التربص فبان ميتا صح على الجديد وقد يجاب عن الصورة الأولى بأن الشك في الزوج هل هو مالك أو لا وهو لا يضر إذا تبين أنه مالك كما لو زوج أخ خنثى أخته وتبينت ذكورته فإنه لا يضر كما مر
وعن الثانية بأن بعض الأئمة يرى ذلك فإذا تبين أنه كان في نفس الأمر كذلك صح
وهذا التفصيل يأتي فيما لو أراد الوطء بملك اليمين أيضا
قال الإمام والمحصور ما سهل على الآحاد عده دون الولاة
وقال الغزالي غير المحصور كل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على الناظر عده بمجرد النظر كألف وما سهل كالعشرين فمحصور قال وما بينهما يلحق بأحدهما بالظن وما شك فيه استفتي فيه القلب
وقال الأذرعي وغيره ينبغي التحريم عند الشك عملا بالأصل
وخرج ب محرم ما لو اختلطت زوجته بأجنبيات فلا يجوز له وطء واحدة منهن مطلقا ولو باجتهاد إذ لا مدخل للاجتهاد في ذلك ولأن الوطء إنما يباح بالعقد لا بالاجتهاد
( ولو طرأ مؤبد تحريم على نكاح قطعه ) أي منع دوامه ( كوطء ) الواضح ( زوجة ابنه ) بنون أو بمثناة تحتية بخطه حيث كتب كلمة معا على ابنه أو أم زوجة نفسه أو بنتها ( بشبهة ) فينفسخ به نكاحها كما يمنع انعقاده ابتداء سواء كانت الموطوءة محرما للواطىء قبل العقد عليها كبنت أخيه أم لا
قال شيخنا ولا يعتبر بما نقل من بعضهم من تقييد ذلك بالشق الثاني
تنبيه احترز بطروه على النكاح عما إذا طرأ على ملك اليمين كوطء الأب جارية ابنه فإنها تحرم على الابن أبدا ولا ينقطع على الابن ملكه إذا لم يوجد من الأب إحبال ولا شيء عليه بمجرد تحريمها لأن مجرد الحل في ملك اليمين ليس بمتقوم وإنما القصد الأعظم منه المالية وهي باقية أما الخنثى فلا ينفسخ بوطئه النكاح
فرع لو عقد شخص على امرأة وابنه على بنتها وزفتا إليهما بأن زفت كل منهما إلى غير زوجها فوطىء كل منهما الأخرى غلطا انفسخ النكاحان لأن زوجة الأب موطوءة ابنه وأم موطوءته بالشبهة وزوجة الابن موطوءة أبيه وبنت موطوءته ولزم كلا منهما لموطوءته مهر المثل وعلى السابق منهما بالوطء لزوجته نصف المسمى لأنه الذي رفع نكاحها فهو كما طلقها قبل الدخول
وهل يلزم الثاني نصف المسمى لزوجته أو لا أوجه أحدها لا إذ لا صنع له وثانيها نعم إذ لا صنع لها
وثالثها وهو كما قال شيخنا الأوجه يجب لصغيرة لا تعقل ومكرهة ونائمة لأن الانفساخ حينئذ غير منسوب إليها فكان كما لو أرضعت زوجته الكبيرة الصغيرة ينفسخ نكاحهما وللصغيرة نصف المسمى على الزوج ويرجع على السابق بنصف مهر المثل لأنه فوت عليه نكاحها لا بمهر المثل ولا بما غرم كما في الرضاع
ولا يجب لعاقلة مطاوعة في الوطء ولو غلطا كما لو اشترت حرة زوجها قبل الدخول فإن وطئا معا فعلى كل منهما لزوجته نصف المسمى ويرجع كل منهما على الآخر في أحد وجهين يظهر كما قال شيخي ترجيحه بنصف ما كان يرجع به لو انفرد ويهدر نصفه لأنها حرمت بفعلهما كنظيره في الاصطدام
ولو أشكل الحال ولم يعلم سبق ولا معية وجب للموطوءة مهر المثل وانفسخ النكاحان ولا رجوع لأحدهما على الآخر ولزوجة كل منهما نصف المسمى ولا يسقط بالشك كما قاله ابن الصباغ ولو نكح الشخص جاهلا امرأة وبنتها مرتبا فالنكاح الثاني باطل وإن وطىء الثانية فقط عالما بالتحريم فنكاح الأولى بحاله لأن وطء الزنا لا أثر له أو جاهلا به بطل نكاح الأولى لأنها أم الموطوءة بشبهة أو بنتها ولزمه للأولى نصف المسمى وحرمت عليه أبدا لما مر وللموطوءة مهر مثل وحرمت عليه أبدا إن كانت هي الأم لأنها
____________________
(3/179)
أم زوجته وإن كانت البنت فلا تحرم أبدا لأنها ربيبة امرأة لم يدخل بها إلا إن كان قد وطىء الأم لأنها حينئذ بنت موطوءته
ثم شرع في القسم الثاني وهو ما لا يتأبد تحريمه وهي ثلاثة أنواع وقد بدأ بالأول منها
فقال ( ويحرم ) ابتداء دواما ( جمع ) امرأتين بينهما قرابة أو رضاع لو فرضت إحداهما ذكرا حرم تناكحهما كجمع ( المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها من رضاع أو نسب ) ولو بواسطة لقوله تعالى { وأن تجمعوا بين الأختين } ولخبر لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها لا الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى رواه الترمذي وغيره وصححوه ولما فيه من قطعية الرحم
وإن رضيت بذلك فإن الطبع يتغير وإليه أشار صلى الله عليه وسلم في خبر النهي عن ذلك بقوله إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامهن كما رواه ابن حبان وغيره
( فإن ) خالف ( جمع ) بين من يحرم الجمع بينهما كأختين ( بعقد بطل ) نكاحهما إذ لا أولوية لإحداهما عن الأخرى ( أو مرتبا ف ) الأول صحيح ( والثاني ) باطل لأن الجمع حصل به هذا إذا علم عين السابق فإن لم يعلم بطلا وإن علم ثم اشتبه وجب التوقف كما في نكاح الوليين من اثنين فإن وطىء الثانية جاهلا بالحكم استحب أن لا يطأ الأولى حتى تنقضي عدة الموطوءة وخرج بالرضاع والنسب الجمع بالمصاهرة فجمع المرأة وأم زوجها أو بنته من أخرى لا يحرم لأن حرمة الجمع بينهما وإن حصلت بفرض أم الزوج ذكرا في الأولى وبفرض بنته ذكرا في الثانية ليس بينهما قرابة ولا رضاع بل مصاهرة وليس فيها رحم يحذر قطعها
قال الرافعي وقد يستغنى عن قيد القرابة والرضاع بأن يقال يحرم الجمع بين كل امرأتين أيتهما قدرت ذكرا حرمت عليه الأخرى فإن أم الزوج وإن حرمت عليها زوجة الابن لو قدرت ذكرا لكن زوجة الابن لو قدرت ذكرا لم تحرم عليه الأخرى بل تكون أجنبية عنه اه
فإن قيل يرد على هذا السيدة وأمتها لصدق الضابط بهما مع جواز الجمع بينهما لعبد وكذا الحر إذا تزوج أمة بشروطه ثم نكح حرة عليها
أجيب بأن المتبادر بقرينة المقام من التحريم المؤبد المقتضي لمنع النكاح فتخرج هذه لأن التحريم فيها قد يزول
وبأن السيدة لو فرضت ذكرا حل له وطء أمته بالملك وإن لم يحل له نكاحها
ويجوز الجمع بين بنت الرجل وربيبته وبين المرأة وربيبة زوجها من امرأة أخرى وبين أخت الرجل من أمه وأخته من أبيه إذ لا تحرم المناكحة بتقدير ذكورة إحداهما ولو اشترى زوجته الأمة جاز له أن يتزوج أختها وأربعا سواها لأن ذلك الفراش قد انقطع
( ومن حرم جمعهما بنكاح حرم ) جمعهما أيضا ( في الوطء بملك ) أو ملك ونكاح وإن لم يعلم من كلامه لأنه إذا حرم العقد فلأن يحرم الوطء أولى لأنه أقوى ( لا ملكهما ) أي الجمع بينهما في الملك كشراء أختين وامرأة وخالتها فإنه جائز بالإجماع ولأنه لا يتعين للوطء ولهذا يجوز أن يشتري أخته ونحوها بخلاف النكاح
( فإن وطىء ) طائعا أو مكرها ( واحدة ) منهما ولو في الدبر أو مكرهة أو جاهلة ( حرمت الأخرى حتى يحرم الأولى ) بمحرم ( كبيع ) وعتق لكلها أو بعضها ( أو نكاح ) أي تزويجها ( أو كتابة ) صحيحة لئلا يحصل الجمع المنهي عنه فإن وطىء الثانية قبل تحريم الأولى أثم ولم تحرم الأولى إذ الحرام لا يحرم الحلال لكن يستحب أن لا يطأ الأولى حتى يستبرىء الثانية لئلا يجمع الماء في رحم أختين ( لا حيض وإحرام ) وردة فإنها لا تزيل الملك ولا الاستحقاق
( وكذا رهن ) مقبوض ( في الأصح ) لأنه يملك الوطء بإذن المرتهن
والثاني يكفي الرهن كالتزويج
فإن لم يكن قبض لم تحل الثانية جزما
فلو عاد الحل برد المبيعة وطلاق المنكوحة وعجز المكاتبة فإن لم يطأ الثانية بعد فله الآن وطء من شاء منهما
وإن كان قد وطئها لم يطأ العائد حتى تحرم الأخرى لأن الثانية في هذه الحالة كالأولى
تنبيه يشترط أن تكون كل منهما مباحة على انفرادها فلو كانت إحداهما مجوسية أو نحوها كمحرم فوطئها جاز له وطء الأخرى
نعم لو ملك أما وبنتها فوطىء إحداهما حرمت الأخرى مؤبدا كما علم مما مر
ولو باع الموطوءة بشرط
____________________
(3/180)
الخيار قال الشيخان فحيث يجوز له وطؤها لا تحل له الأخرى وحيث لا فوجهان وقال الإمام الوجه عندي القطع بالحل اه
وهو ظاهر
ولو ملك شخص أمة وخنثى أخوين فوطئه جاز له عقبه وطء الأمة ولو اشترى جاريتين فادعيا أن بينهما أخوة بالرضاع ففي فتاوى البغوي للسيد أن يعتمدهما والاختيار أن لا يجمع بينهما ولو أقرت الأمة أن سيدها أخوها من الرضاع لم يقبل بعد التمكين
وفيما قبله وجهان ذكرهما الرافعي في الرضاع وقياس الزوجة في دعواها ذلك أنها تقبل
ولو ( ملكها ) أي الأمة وطئها أم لا ( ثم نكح ) من يحرم الجمع بينها وبينها كأن نكح ( أختها ) الحرة أو عمتها أو خالتها ( أو عكس ) أي نكح امرأة ثم ملك من يحرم الجمع بينها وبينها كأن ملك أختها ( حلت المنكوحة ) في المسألتين ( دونها ) أي المملوكة ولا كانت موطوءة لأن فراش النكاح أقوى إذ يتعلق به الطلاق والظهار والإيلاء وغيرها بخلاف الملك
ولا يجامع النكاح حلها لغيره إجماعا بخلاف الملك فلا يندفع الأقوى بالأضعف بل يدفعه
( و ) يحل ( للعبد امرأتان ) فقط لأن الحكم بن عيينة نقل إجماع الصحابة فيه رواه البيهقي ولأنه على النصف من الحر ولأن النكاح من باب الفضائل فلم يلحق العبد فيه بالحر كما لم يلحق الحر بمنصب البنوة في الزيادة على أربع
والمبعض كالقن كما صرح به أبو حامد والماوردي وغيرهما ( و ) يحل ( للحر أربع فقط ) لقوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ولقوله صلى الله عليه وسلم ل غيلان وقد أسلم وتحته عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن رواه ابن حبان والحاكم وغيرهما وصححوه
وإذا امتنع في الدوام ففي الابتداء أولى
فائدة ذكر ابن عبد السلام أنه كان في شريعة موسى عليه السلام الجواز من غير حصر تغليبا لمصلحة الرجال وفي شريعة عيسى عليه السلام لا يجوز غير واحدة تغليبا لمصلحة النساء وراعت شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى سائر الأنبياء مصلحة النوعين
وقد تتعين الواحدة للحر وذلك في كل نكاح توقف على الحاجة كالسفيه والمجنون والحر الناكح الأمة
وقال بعض الخوارج الآية تدل على جواز تسع مثنى باثنين وثلاث بثلاث ورباع بأربع ومجموع ذلك تسع وبعض منهم تدل على ثمانية عشر مثنى اثنين اثنين وثلاث ثلاثة ثلاثة ورباع أربعة أربعة ومجموع ذلك ما ذكره وهذا خرق للإجماع
( فإن نكح ) الحر ( خمسا ) مثلا ( معا ) أي بعقد وهو منصوب على الحال أو العبد ثلاثا كذلك ( بطلن ) إذ ليس إبطال نكاح واحدة بأولى من الأخرى فبطل الجميع كما لو جمع بين الأختين
ويستثنى ما لو كان فيهن أو في ست للحر وأربع للرفيق أختان مثلا فإنه يبطل فيهما ويصح في الباقي عملا بتفريق الصفقة وإنما بطل فيهما معا لأنه لا يمكن الجمع بينهما
ولا أولوية لإحداهما على الأخرى فإن كانتا في أكثر من ذلك كأن كانتا في سبع للحر أو خمس للعبد بطل الجميع وفي معنى الأختين ما لو كان فيهن من لا تحل له كمحرمة وملاعنة ووثنية ومجوسية ( أو ) نكحهن ( مرتبا فالخامسة ) للحر والثالثة للعبد بطل نكاحها لأن الزيادة على العدد الشرعي حصل بها
فرع لو عقد على ست على ثلاث معا واثنتين معا وواحدة وجهل السابق من العقود فنكاح الواحدة صحيح بكل تقدير لأنها لا تقع إلا أولى أو ثالثة أو رابعة فإنها لو تأخرت عن العقدين كان ثانيهما باطلا فيصح نكاحها قال ابن الحداد ونكاح الباقيات باطل لأن كلا من عقدي الفريقين يحتمل كونه متأخرا عن الآخر فيبطل والأصل عدم الصحة وغلطه الشيخ أبو علي فقال أحد العقدين صحيح وهو السابق منهما ولا تعرف عينه فيوقف نكاح الخمس ويؤاخذ الزوج بنفقتهن مدة التوقف لأنهن محبوسات لأجله ويسئل عن البيان
وقول ابن الحداد كما قال ابن المقري هو قياس ما سبق من أنه إذا وقع على امرأة عقدان وجهل السابق منهما بطل العقدان وهنا قد أشكل السابق منهما وإلى هذا أشار الإسنوي في المهمات وهذا هو المعتمد وإن فرق بعضهم بأن المعقود عليه ثم واحدة والزوج متعدد ولم يعهد جوازه أصلا بلا ممنوع منه وهنا بالعكس وقد عهد جوازه
فاغتفر فيه ما لم يغتفر في
____________________
(3/181)
ذلك
( وتحل الأخت ) ونحوها كالعمة ( و ) الزائدة ( الخامسة ) أو غيرها ( في عدة بائن ) لأنها أجنبية منه ( لا رجعية ) لأنها في حكم الزوجة فلا تحل له حتى تنقضي عدتها وفي معناها المتخلفة عن الإسلام والمرتدة بعد الدخول بهما ما بقيت العدة
ولو ادعى أنها أخبرته بانقضاء عدتها وأنكرت وأمكن انقضاؤها فله نكاح أختها وأربع سواها لزعمه انقضاءها ولا يقبل في إسقاط نفقتها
ولو وطئها حد لما ذكر أو طلقها لم يقع لذلك
( وإذا طلق الحر ثلاثا ) سواء أوقعهن معا أم لا معلقا كان ذلك أم لا قبل الدخول أم لا ( أو العبد ) أو المبعض ( طلقتين ) كذلك ( لم تحل له حتى تنكح ) زوجا غيره ولو عبدا أو مجنونا ( وتغيب بقبلها ) لا في غيره كدبرها كما لا يحصل به التحصين ( حشفته ) ولو كان عليها حائل كأن لف عليها خرقة فإنه يكفي تغييبها كما يكفي في تحصينها
( أو قدرها ) من فاقدها
سواء أولج هو أم نزلت عليه في يقظة أو نوم أو أولج فيها وهي نائمة
ومعلوم أنه لا بد أن يطلقها وتنقضي عدتها كما صرح به في المحرر وأسقطه المصنف لوضوحه والتقييد بالقبل من زيادته
قال الإمام والمعتبر الحشفة التي كانت لهذا العضو لأنه تعالى علق الحل بالنكاح وهو إنما يتناول النكاح الصحيح بدليل ما لو حلف لا ينكح لا يحنث بما ذكر
( وكونه ) المخصوص
( بشرط الانتشار ) للآلة وإن ضعف الانتشار واستعان بأصبعه أو أصبعها ليحصل ذوق العسيلة الآتي في الخبر بخلاف ما لم ينتشر لشلل أو عنة أو غيرهما فالمعتبر الانتشار بالفعل لا بالقوة على الأصح كما أفهمه كلام الأكثرين وصرح به الشيخ أبو حامد وصاحبا المهذب والبيان وغيرهم حتى لو أدخل السليم ذكره بأصبعه بلا انتشار لم يحل كالطفل فما قيل إن الانتشار بالفعل لم يقل به أحد ممنوع كما قاله شيخنا
( و ) لا بد أيضا من ( صحة النكاح ) فلا يحلل الوطء في النكاح الفاسد ولا ملك اليمين ولا وطء الشبهة لأنه تعالى علق الحل بالنكاح وهو إنما يتناول النكاح الصحيح بدليل ما لو حلف لا ينكح لا يحنث بما ذكر ( وكونه ) أي الزوج ( ممن يمكن جماعه لا طفلا ) لا يتأتى منه ذلك أو يتأتى منه وهو رقيق لأن نكاحه إنما يتأتى بالإجبار وقد مر أنه ممتنع
( على المذهب فيهن ) وفي وجه قول قطع الجمهور بخلافه أنه يحصل التحليل بلا انتشار لشلل أو غيره لحصول صورة الوطء وأحكامه وأنكره بعضهم
ويكفي الوطء في النكاح الفاسد لأن اسم النكاح يتناوله وفي وجه نقل الإمام اتفاق الأصحاب على خلافه أن الطفل الذي لا يتأتى منه الجماع يحلل وإنما حرمت عليه إلى أن تتحلل تنفيرا من الطلاق الثلاث ولقوله تعالى { فإن طلقها } أي الثالثة { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } مع خبر الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها جاءت امرأة رفاعة الفرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإن ما معه مثل هدبة الثوب فقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك والمراد بها عند اللغويين اللذة الحاصلة بالوطء وعند الشافعي وجمهور الفقهاء الوطء نفسه سمي بذلك تشبيها له بالعسل بجامع اللذة
وقيس بالحر غيره بجامع استيفاء ما يملكه من الطلاق
تنبيه قوله لا طفلا قد يفهم أنه لا يشترط في الزوجة ذلك بل وطؤها محلل وإن كانت طفلة لا يمكن جماعها وبه صرح في أصل الروضة وجزم في الذخائر بالمنع كالطفل ونقله الأذرعي عن نص الشافعي وصوبه والمعنى يدفعه لأن القصد بذلك التنفير كما مر وهو حاصل بذلك بخلاف غيبوبة حشفة الطفل
ويكفي وطء محرم بنسك وخصي ولو كان صائما أو كانت حائضا أو صائمة أو مظاهرا منها أو معتدة من شبهة وقعت في نكاح المحلل أو محرمة بنسك لأنه وطء زوج في نكاح صحيح ولا يكفي جماع رجعية وإن راجعها ولا معتدة لردة منه أو منها وإن أسلم المرتد في العدة وتتصور العدة بلا وطء بأن استدخلت ماءه ثم طلقها أو استدخلته ثم ارتدت ثم وطئها فهذا الوطء لا يحل لوجوده في حال ضعف النكاح
ويشترط في تحليل البكر الافتضاض كما نقلاه وأقراه وحكي عن النص وإن أوله بعضهم
وتحل
____________________
(3/182)
كتابية لمسلم بوطء مجوسي ووثني في نكاح نقرهم عليه عند ترافعهم إلينا
( ولو نكح ) الزوج الثاني ( بشرط ) أنه ( إذا وطىء طلقها ) قبل الوطء أو بعده ( أو بانت ) منه ( أو فلا نكاح ) بينهما وشرط ذلك في صلب العقد ( بطل ) أي لم يصح النكاح لأنه شرط يمنع دوام النكاح فأشبه التأقيت فإن تواطأ العاقدان على شيء من ذلك قبل العقد ثم عقدا بعد ذلك القصد بلا شرط كره خروجا من خلاف من أبطله ولأن كل ما لو صرح به أبطل إذا أضمر كره ومثله لو تزوجها بلا شرط وفي عزمه أن يطلقها إذا وطئها
ولو تزوجها على أن يحللها للأول صح كما جزم به الماوردي لأنه لم يشرط الفرقة بل شرط مقتضى العقد
فإن نكحها بشرط أن يطأها أو لا يطأها إلا نهارا أو إلا مرة مثلا بطل النكاح أي لم يصح إن كان الشرط من جهتها لمنافاته مقصود العقد فإن وقع الشرط منه لم يضر لأن الوطء حق له فله تركه والتمكن حق عليها فليس لها تركة
وللرافعي هنا إشكال ذكرته مع جوابه في شرح التنبيه
( وفي التطليق قول ) أن شرطه لا يبطل ولكن يبطل الشرط والمسمى ويجب مهر المثل ولو تزوجها على أن لا تحل له لم يصح لإخلاله بمقصود العقد وللتناقض أو على أنه لا يملك البضع وأراد الاستمتاع فكشرط أن لا يطأها وإن أراد ملك العين لم يضر لأنه تصريح بمقتضى العقد
تتمة يقبل قول المطلقة ثلاثا في التحليل بيمينها عند الإمكان وإن أكذبها الثاني في وطئه لها لأنها مؤتمنة على فرجها والوطء مما يعسر إقامة البينة عليه
نعم إن حلف الثاني أنه لم يطأ لم يلزمه إلا نصف المهر فقط ويقبل قولها أيضا بيمينها عند الإمكان في انقضاء عدتها وللأول تزويجها وإن ظن كذبها لكن يكره فإن قال هي كاذبة منع من تزويجها إلا إن قال بعده تبين لي صدقها ولو حرمت عليه زوجته الأمة بإزالة ما يملكه عليها من الطلاق ثم اشتراها قبل التحليل لم يحل له وطؤها لظاهر القرآن
فصل فيما يمنع النكاح من الرق ( لا ينكح ) الرجل ( من يملكها ) كلها ( أو بعضها ) ولو مستولدة ومكاتبة لتناقض أحكام الملك والنكاح إذ الملك لا يوجب القسم ولا يقتضي الطلاق ونحوه بخلاف النكاح وعند التناقض يثبت الأقوى ويسقط الأضعف
وملك اليمين أقوى ( و ) على هذا ( لو ملك زوجته أو بعضها ) ملكا تاما ( بطل نكاحه ) أي انفسخ لما مر من أن ملك اليمين أقوى من ملك النكاح لأنه يملك به الرقبة والمنفعة والنكاح لا يملك به إلا ضرب من المنفعة
وهذا بخلاف ما لو استأجر عينا ثم ملكها فإن الإجارة لا تنفسخ على الأصح لأنه لا مناقضة بين ملك العين والمنفعة
( ولا تنكح المرأة من تملكه ) كله ( أو بعضه ) لتضاد الأحكام أيضا وعلى هذا لو ملكت زوجها أو بعضه ملكا تاما انفسخ النكاح لأنها تطالبه بالسفر إلى الشرق لأنه عبدها وهو يطالبها بالسفر معه إلى الغرب لأنها زوجته وإذا دعاها إلى الفراش بحق النكاح بعثته في أشغالها بحق الملك وإذا تعذر الجمع رفع الأقوى الأضعف كما تقدم
أما إذا لم يكن الملك تاما بأن ابتاعها بشرط الخيار ثم فسخ لم ينفسخ نكاحه كما نقله في المجموع عن قول الروياني أنه ظاهر المذهب ومثله ما لو ابتاعته كذلك
فكان ينبغي للمصنف أن يقيد بالتام كما قدرته لتخرج هذه الصورة
( ولا ) ينكح ( الحر أمة غيره إلا بشروط ) أربعة ثلاثة في الناكح وواحد في الأمة
وهو يعم الحر وغيره ويختص بالمسلم
أحد الثلاثة ( أن لا يكون تحته حرة ) ولو كانت كتابية
والتقييد بالمؤمنة في الآية خرج مخرج الغالب
ثم وصف الحرة بكونها ( تصلح للاستمتاع ) بها لأنه حينئذ لم يخش العنت ولأن وجودها أعظم من استطاعة طولها
واستطاعة الطول وعدم خشية العنت مانعان من نكاح الأمة
فهذا الشرط مع شرط خوف الزنا متحدان لأن من كان تحته حرة تصلح للاستمتاع أمن من العنت ولأنه إذا كان الأمن من العنت بلا وجود حرة مانعا فلأن يكون مع وجودها أولى فلا حاجة إلى هذا الشرط ولعله إنما ذكره لأجل قوله ( قيل
____________________
(3/183)
ولا غير صالحة ) للاستمتاع بها كأن تكون صغيرة لا تحتمل الوطء أو قرناه أو رتقاء لإطلاق النهي في خبر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح الأمة على الحرة رواه البيهقي عن الحسن مرسلا
والأول يحمله على حرة تصلح للاستمتاع
تنبيه جعل في المحرر الوجه الثاني أحوط ففهم المصنف منه أن مقابله أصح ولم يصرحا في الشرحين والروضة بترجيح لكن من نقل عنه الجواز أكثر
قال في المهمات فتصحيح الكتاب الجواز من غير تمييز عجيب
وقال الغزي الظاهر أن المحرر إنما أشار بقوله الأحوط إلى ترجيحه وكيف يقتصر في كتاب التزم فيه التنصيص على ما صححه المعظم على ضعيف من غير ذكر مقابله اه
والأوجه ما فهمه المصنف
والتعبير بالحرة أيضا جرى على الغالب فإنه لو كان تحته أمة تصلح للاستمتاع كان الحكم كذلك
فإن الحرة والرقيقة في ذلك سواء فلو عبر المصنف بالمنكوحة لشملها وقد علم من ذلك أن الحر لا ينكح أمتين
ودخل في قوله أمة غيره أمة ولده ومكاتبه وليس مرادا فليس له نكاح أمة ولده بناء على وجوب الإعفاف إلا أن يكون ولده معسرا
وأما أمة مكاتبه فيمتنع عليه نكاحها مطلقا وكذا الأمة الموقوفة عليه أو الموصى له بخدمتها
وخرج بالحر العبد ولو مبعضا فيجوز له نكاح الأمة مطلقا كما سيأتي
( و ) ثاني الشروط ( أن يعجز عن حرة ) ولو كتابية ( تصلح ) للاستمتاع لفقدها أو فقد صداقها أو لم ترض إلا بزيادة على مهر مثلها أو لم ترض بنكاحه لقصور نسبه ونحوه
تنبيه جعل العجز عن الحرة دون صداقها ليشمل ما لو وجده ولم يجد خلية من زوج فإنه لا يجوز له نكاح الأمة
ويستثنى من جواز تزويج الأمة إذا لم ترض الحرة إلا بزيادة على مهر مثلها ما لو وجد أمة وحرة وكان صداق الأمة التي لا يرضى سيدها إلا به أكثر من مهر مثل الحرة الموجودة ولم ترض الحرة أيضا إلا بما طلب سيد الأمة فمقتضى نص الشافعي رضي الله عنه أنه لا يجوز له نكاح الأمة في هذه الحالة لقدرته على أن ينكح بصداقها حرة وإن كان أكثر من مهر الحرة وجملة لا تصلح صفة حرة أي تصلح تلك الحرة للاستمتاع بها في الأصح
( قيل أو لا تصلح ) له كصغيرة وأحال في المحرر الخلاف هنا على الخلاف السابق وقد علمت ما فيه لكن صححا في الروضة والشرح الصغيرة هنا اشتراط صلاحيتها
( فلو قدر على ) حرة ( غائبة ) عن بلده ( حلت له أمة إن لحقه مشقة ظاهرة في قصدها ) وضبط الإمام المشقة بأن ينسب متحملها في طلب الزوجة إلى الإسراف ومجاوزة الحد
( أو خاف زنا مدته ) أي قصد الحرة وكذا لو كان له زوجة غائبة ووجد شيء مما ذكر كما أفاده شيخي فإن لم يخف شيئا من ذلك لم تحل له الأمة ويجب السفر للحرة ومحله كما قال الزركشي إذا أمكن انتقالها معه إلى وطنه وإلا فهي كالمعدومة لما في تكليفه المقام معها هناك من التغرب والرخص لا تحتمل هذا التضييق ولو قدر على حرة ببيع مسكنه أو خادمه حلت الأمة في الأصح في زيادة الروضة
ثم قال بعد ذلك ولو كان في ملكه أمة غير مباحة فإن وقت قيمتها بمهر حرة أو ثمن أمة يتسرى بها لم ينكح الأمة وإلا فينكحها وحمل على هذا ما إذا كان لا يحتاج إليها للخدمة كما قال القاضي حسين ولا يمنع ماله الغائب نكاحه الأمة كما لا يمنع ابن السبيل الزكاة
( ولو وجد حرة ) ترضى ( بمؤجل ) ولم يجد المهر وهو يتوقع القدرة عليه عند المحل ( أو بدون مهر المثل ) وهو واجده ( فالأصح حل أمة ) واحدة ( في ) الصورة ( الأولى ) لأن ذمته تصير مشغولة في الحال وقد لا يصدق رجاؤه عند توجه الطلب عليه
والثاني لا للقدرة على نكاح حرة
ويجريان فيما لو وجد من يبيعه شيئا بنسيئة وهو قدر مهرها أو من يستأجرها بأجرة معجلة وهو ممن يليق به ذلك أو وجد من يقرضه أو من يهب له مالا أو أمة
فإن قيل قد صحح المصنف في التيمم وجوب شراء الماء بمؤجل بأجل يمتد إلى وصوله بلد ماله ورضاها بالمؤجل أولى من رضا رب الماء بتأجيل ثمنه
____________________
(3/184)
لأن الزوجة تمهر غالبا بالمهر الحال بخلاف رب الدين
أجيب بأن في الزوجة كلفة أخرى وهي النفقة والكسوة فإنهما يجبان بمجرد عرضها عليه والفرض أنه معسر في الحال بخلاف ثمن الماء
( دون ) الصورة ( الثانية ) لقدرته على نكاح حرة
والثاني لا لما فيه من المنة
وأجاب الأول بأن المنة فيه قليلة لجريان العادة بالمسامحة في المهور
ولو رضيت حرة بلا مهر حلت له الأمة أيضا في الأصح لوجوب مهرها بالوطء ولأن لها أن تطالبه بالفرض في الحال فتشتغل ذمته ولا قدرة له ولو كان له ولد موسر لم تحل له الأمة لأنه مستغن بمال ولده لوجوب إعفافه عليه
( و ) ثالث الشروط ( أن يخاف زنا ) بأن تغلب شهوته وتضعف من تقواه وإن لم يغلب على ظنه وقوع الزنا أو قويت شهوته لا على ندور فمن ضعفت شهوته وله تقوى أو مروءة أو حياء يستقبح معه الزنا أو قويت شهوته وتقواه لم تحل له الأمة لأنه لا يخاف الزنا فلا يجوز أن يرق ولده لقضاء وطر أو كسر شهوة
وأصل العنت المشقة سمي به الزنا لأنه سببها بالحد في الدنيا والعقوبة في الأخرى والأصل فيما ذكر قوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } إلى قوله { ذلك لمن خشي العنت منكم } والطول السعة والمراد بالمحصنات الحرائر قال الروياني وبالعنت عمومه لا خصوصه حتى لو خاف العنت من أمة بعينها لقوة ميله إليها وحبه لها فليس له أن يتزوجها إذا كان واجدا للطول لأن العشق لا معنى لاعتباره هنا لأن هذا تهييج من البطالة وإطالة الفكر وكم من إنسان ابتلي به وسلاه
تنبيه لو حذف الروياني واجدا للطول كان أولى لأنه يقتضي جواز نكاحها عند فقد الطول فيفوت اعتبار عموم العنت مع أن وجود الطول كاف في المنع من نكاحها
وهذا الشرط يقتضي أن المجبوب ذكره لا يحل له نكاح الأمة مطلقا وهو كذلك إذ لا يتصور منه الزنا وإن قال الروياني له وللخصي ذلك عند خوف الوقوع في المؤثم وقال ابن عبد السلام ينبغي جوازه للممسوح مطلقا لانتفاء محذور رق الولد
ولو وجدت الأمة زوجها مجبوبا وأرادت الفسخ وادعى الزوج حدوث الجب بعد النكاح وأمكن حكم بصحة نكاحه وإن كذبته لأن مقتضى قولها بطلان النكاح من أصله وإن لم يكن حدوثه وإن كان الموضع مندملا وقد عقد النكاح أمس حكم ببطلان النكاح
( فلو أمكنه ) أي من خاف زنا ( تسر ) بأمة صالحة للاستمتاع بأن كانت في ملكه أو أمكنه شراؤها بثمن مثلها وكان ما معه من المال لا يكفي للتزوج بل للتسري ( فلا خوف ) حينئذ من الزنا قطعا فلا ينكح الأمة ( في الأصح ) لأمنه العنت مع وجودها فلا ضرورة به إلى إرقاق ولده
والثاني تحل له لأنها دون الحرة
ولو قال المصنف كالمحرر لم ينكح الأمة كما قدرته في كلامه كان أولى فإن الخلاف في ذلك لا في الخوف للقطع بانتفائه
( و ) رابع الشروط ( إسلامها ) أي الأمة التي ينكحها الحر فلا يحل لمسلم نكاح الأمة الكتابية وإن كانت لمسلم لقوله تعالى { من فتياتكم المؤمنات } ولأنه اجتمع فيها نقصان لكل منهما أثر في منع النكاح وهما الكفر والرق كما أنه لا يجوز له نكاح الحرة المجوسية لاجتماع نقصي الكفر وعدم الكتاب
تنبيه سكوته عن اعتبار إسلام سيدها يفهم أنه ليس بشرط وهو الأصح لحصول الإسلام في المنكوحة
والثاني المنع لما فيه من إرقاق الولد المسلم لكافر
( وتحل لحر وعبد كتابيين أمة كتابية على الصحيح ) لاستوائهما في الدين
والثاني المنع كما مر لا ينكحها الحر المسلم
تنبيه لم يصرح الشيخان في الحر الكتابي باشتراط خوف العنت وفقد طول الحرة والذي فهمه السبكي وغيره اشتراطهما كالمسلم لأنهم جعلوه مثله إلا في نكاح الأمة الكتابية وهذا هو الظاهر وإن قال البلقيني والذي أعتقده أن الشروط إنما تعتبر في حق المؤمنين الأحرار
قال في الروضة ونكاح الحر المجوسي أو الوثني الأمة المجوسية أو الوثنية كنكاح الكتابي الكتابية وصورة المسألة إذا طلبوا من قاضينا ذلك وإلا فنكاح الكفار صحيح قاله شارح التعجيز
( لا ) أمة كتابية ( لعبد مسلم ) فلا تحل له ( في المشهور ) لأن المانع من نكاحها كفرها فساوى الحر كالمرتدة
____________________
(3/185)
والمجوسية
والثاني له نكاحها لتساويهما في الرق
وتقدم أنه يشترط في نكاح الأمة أن لا تكون موقوفة على الناكح ولا موصى له بخدمتها
( ومن بعضها رقيق ) وباقيها حر حكمه ( كرقيقة ) كلها فلا ينكحها الحر إلا بالشروط السابقة لأن إرقاق بعض الولد محذور
تنبيه إطلاقه يفهم أنه لو قدر على مبعضة حلت له الأمة وفيه تردد للإمام لأن إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله
وعلى تعليل المنع اقتصر في أصل الروضة وهو الراجح كما قاله الزركشي لأن تخفيف الرق مطلوب والشارع متشوف للحرية
وهذا مبني على أن ولد المبعضة ينعقد مبعضا وهو الراجح أيضا أما إذا قلنا ينعقد حرا كما رجحه الرافعي في بعض المواضع امتنع نكاح الأمة قطعا ويؤخذ من هذا أنه لو أوصى بأولاد أمته لآخر ثم مات وأعتقها الوارث أنها كالأمة فلا بد فيها من الشروط لرق أولادها نعم الممسوح له أن يتزوج بها نبه على ذلك شيخي
وكذا من أوصى له بأولادها فإنهم يعتقون عليه ومن بعضه رقيق كالرقيق فينكح الأمة مع القدرة على الحرة كما أن المبعضة كالأمة كما نقل الإمام الاتفاق عليه
ثم أشار المصنف رحمه الله تعالى إلى فرع من قاعدة يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء فقال ( ولو نكح حر أمة بشرطه ) أي شروط نكاح الأمة ( ثم أيسر ) ولم ينكح ( أو نكح حرة ) بعد يساره ( لم تنفسخ الأمة ) أي نكاحها لقوة الدوام ولهذا الإحرام والعدة والردة تمنع ابتداء النكاح دون دوامه
( ولو جمع من ) أي شخص ( لا تحل له الأمة ) بأن لم توجد فيه شروط نكاحها السابقة ( حرة وأمة بعقد ) كأن يقول لمن قال له زوجتك بنتي وأمتي قبلت نكاحها ( بطلت الأمة ) أي نكاحها قطعا لأن شرط نكاحها فقد الحرة ( لا الحرة في الأظهر ) من قول تفريق الصفقة
وخرج بقوله بعقد ما لو قال زوجتك بنتي بألف وزوجتك أمتي بمائة فقبل البنت ثم الأمة أو قبل البنت فقط صحت البنت جزما في الصورتين
ولو قدمت الأمة في تفصيلهما إيجابا وقبولا صح نكاح البنت وكذا الأمة فيمن يحل له نكاحها إن قبل الحرة بعد صحة نكاح الأمة
ولو فصل الولي الإيجاب وجمع الزوج القبول أو عكسه فكتفصيلهما في الأصح
أما لو جمعهما من يحل له نكاح الأمة بعقد كأن رضيت الحرة بتأجيل المهر فإنه يبطل في الأمة قطعا أيضا لأنها لا تقارن الحرة كما لا تدخل عليها ولاستغنائه عنها
وأما الحرة ففيها طريقان أرجحهما في الشرح الصغير أنه على قولين والثاني القطع بالبطلان لأنه جمع امرأتين يجوز إفراد كل منهما ولا يجوز الجمع بينهما فكانتا كالأختين
وفرق الأول بأن نكاح الحرة أقوى من نكاح الأمة والأختان ليس فيهما أقوى
وقد علم بما تقرر أن الخلاف فيمن تحل له وغيره فيمن لا تحل له فقيده المصنف بمن لا تحل له لذلك
وأيضا من تحل له إن كان غير حر صح نكاحهما وإلا فكالحرة والمفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد
ويؤخذ من الفرق المذكور أنه لو جمع من لا تحل له الأمة في عقد بين أختين إحداهما حرة والأخرى أمة أنه يصح في الحرة دون الأمة وهو كما قال بعض شراح الكتاب ظاهر
ولو جمع بين مسلمة ومجوسية أو نحوها صح في المسلمة بمهر المثل وكذا لو جمع بين أجنبية ومحرم أو خلية ومعتدة أو مزوجة قال في الروضة ولو نكح أمتين في عقد بطل نكاحهما قطعا كالأختين
تتمة ولد الأمة المنكوحة رقيق لمالكها تبعا لها وإن كان زوجها الحر عربيا وكذا لو كان من شبهة لا تقتضي حرية الولد أو من زنا
ولو تزوج بأم ولد الغير فولده منها كالأم
ولو ظن أن ولد المستولدة يكون حرا فيكون حرا كما في الأنوار وتلزمه القيمة للسيد
فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه وهن ثلاث فرق الأولى من لا كتاب لها ولا شبهة كتاب كعابدة شمس أو صورة كصنم وكذا المعتقدة لمذهب الإباحة كما في الروضة وكل مذهب يكفر معتقده
الثانية من لها شبهة كتاب كمجوسية
الثالثة من لها كتاب محقق كيهودية ونصرانية
وقد شرع المصنف
____________________
(3/186)
في الفرقة الأولى فقال ( يحرم ) على المسلم ( نكاح من لا كتاب لها ) أصلا ( كوثنية ) وهي عابدة الوثن ويدخل تحته عابدة الصنم إذا قلنا بترادفهما وقيل الصنم ما كان مصورا والوثن ما كان غير مصور أو يطلق على المصور وغير المصور
فعلى هذا كل صنم وثن ولا عكس وهذا بالنسبة إلى اللغة
أما الحكم فلا يختلف
ثم شرع في الفرقة الثانية فقال ( ومجوسية ) وهي عابدة النار إذ لا كتاب بأيدي قومها الآن ولم تتيقنه من قبل فتحتاط
وقول المتن ومجوسية معطوف على قوله من لا كتاب لها لا أنه معطوف على وثنية حتى يقتضي أنه لا كتاب لها أصلا فإنه خلاف المشهور
ثم شرع في الفرقة الثالثة فقال ( وتحل كتابية ) أي نكاحها لقوله تعالى { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } أي حل لكم وقال تعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } نعم يستثنى نكاح النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يحل له نكاح الكتابية على الأصح في الروضة وأصلها وقطع به العراقيون لأنها يكره صحبته ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة ولقوله تعالى { وأزواجه أمهاتهم } ولا يجوز أن تكون المشركة أم المؤمنين
وقضية التعليل بأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة أنه يحرم عليه صلى الله عليه وسلم التسري بالأمة الكتابية مع أن الأصح في الروضة وأصلها حل التسري له بالأمة الكتابية واستدل لذلك بأنه صلى الله عليه وسلم كان يطأ صفية قبل أن تسلم وقال الماوردي تسرى بريحانة وكانت يهودية من سبي قريظة
وأجيب عن ذلك بأن القصد بالنكاح أصالة التوالد فاحتيط له وبأنه يلزم فيه أن تكون الزوجة أم المؤمنين كما مر بخلاف الملك فيهما
وفي تحريم الوثنية على الكتابي وجهان
وظاهر كلام الشيخين التحريم وهل تحرم الوثنية على الوثني قال السبكي ينبغي إن قلنا إنهم مخاطبون بالفروع حرمت وإلا فلا حل ولا حرمة
ولا فرق في حل الكتابية للمسلم بين الحربية والذمية ( لكن تكره حربية ) ليست بدار الإسلام لما في الإقامة في دار الحرب من تكثير سوادهم ولأنها ليست تحت قهرنا وقد تسترق وهي حامل منه فلا تصدق في أنها حامل من مسلم ولما في الميل إليها من خوف الفتنة
( وكذا ) تكره ( ذمية على الصحيح ) لما مر من خوف الفتنة لكن الحربية أشد كراهة منها
والثاني لا تكره لأن الاستفراش إهانة والكافرة جديرة بذلك
هذا إذا وجد مسلمة وإلا فلا كراهة كما قاله الزركشي قال وقد يقال باستحباب نكاحها إذا رجي إسلامها وقد روي أن عثمان رضي الله تعالى عنه تزوج نصرانية فأسلمت وحسن إسلامها
وقد ذكر القفال أن الحكمة في إباحة الكتابية ما يرجى من ميلها إلى دين زوجها فإن الغالب على النساء الميل إلى أزواجهن وإيثارهن على الآباء والأمهات ولهذا حرمت المسلمة على المشرك
وصرح الماوردي بأنه يكره نكاح المسلمة بدار الحرب والتسري هناك لما في ذلك من تكثير سوادهم
( والكتابية يهودية أو نصرانية ) لقوله تعالى { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا }
والأولى اشتق اسمها من يهود بن يعقوب والثانية من ناصرة قرية بالشام كان مبدأ دين النصارى منها
( لا مستمسكة بالزبور ) بفتح أوله وضمه وهو كتاب داود عليه الصلاة والسلام ( وغيره ) كصحف شيث وإدريس وإبراهيم صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين فلا تحل لمسلم وإن أقرت بالجزية
واختلف في سبب ذلك
فقيل لأنها لم تنزل بنظم يدرس ويتلى وإنما أوحي إليهم معانيها وقيل لأنها حكم ومواعظ لا أحكام وشرائع
وفرق القفال بين الكتابية وغيرها بأن فيها نقصا واحدا وهو كفرها وغيرها فيها نقصان الكفر وفساد الدين
( فإن لم تكن الكتابية إسرائيلية ) بأن لم تكن من بني إسرائيل وهو يعقوب عليه الصلاة والسلام بل كانت من الروم ونحوه فائدة إسرا بالعبرانية عبد و إيل اسم الله ( فالأظهر حلها ) للمسلم ( إن علم دخول قومها ) أي آبائها أي أولهم أي أول من تدين منهم ( في ذلك الدين ) أي دين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام ( قبل نسخه وتحريفه )
____________________
(3/187)
لتمسكهم بذلك الدين حين كان حقا ومنهم من قطع بهذا كما يقرون بالجزية قطعا
والثاني المنع لفقد النسب
( وقيل يكفي ) دخول قومها في ذلك الدين ( قبل نسخه ) ولو بعد تحريفه لأن الصحابة رضي الله عنهم تزوجوا منهم ولم يبحثوا عن ذلك والأصح المنع إن دخلوا فيه بعد التحريف فإن تمسكوا بغير المحرف فكما قبل التحريف فتحل في الأظهر
تنبيه قضية كلامه التحريم إذا شك هل دخلوا قبل التحريف أو بعده وهو كذلك وكذا تحرم ذبائحهم ولكن يقرون بالجزية تغليبا لحقن الدم
أما من دخل أول آبائها في ذلك الدين بعد نسخه كمن تهود أو تنصر بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم فلا تحل وكذا من تهود بعد بعثة عيسى عليه الصلاة والسلام
واحترز المصنف بقوله فإن لم تكن الكتابية إسرائيلية عما إذا كانت إسرائيلية نسبة إلى إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام فالشرط فيها أن لا يعلم دخول أول آبائها في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه كما سيأتي وذلك بأن علم دخول أول آبائها في ذلك الدين قبل البعثة أوشك وإن علم دخوله فيه بعد تحريفه أو بعد بعثة لا تنسخه كبعثة من بين موسى وعيسى فإنه يحل نكاحها لشرف نسبها
قال السبكي وهل يرجع إلى اليهود وإلى النصارى في دعواهم أنهم من بني إسرائيل وأن آبائهم دخلوا في ذلك الدين قبل نسخه وتبديله أو بعد التبديل وقبل النسخ أي واجتنبوا المبدل قال الأصحاب في كتاب الجزية أنهم يقرون بدعواهم ذلك لأنه لا يعلم ذلك إلا من جهتهم وقضية ذلك القبول قال وقد يفرق بين البابين بالتشوف إلى حقن الدماء بخلاف الأبضاع فإنه يحتاط لها قال وعلى هذا يتعذر أو يتعسر نكاح الكتابية اليوم اه
واعتمد الفرق الأذرعي ثم قال وحينئذ فنكاح الذميات في وقتنا ممتنع إلا أن يسلم منهم اثنان ويشهدان بصحة ما يوافق دعواهم أما بعد النسخ ببعثة نبينا صلى الله عليه وسلم فلا تفارق فيه الإسرائيلية غيرها كما قاله شيخنا لسقوط فضيلة النسب بالنسخ وأما من تهود بعد بعثة عيسى عليه السلام فكذا في الأصح وقيل لا وهما مبنيان على أن شريعة عيسى عليه السلام هل نسخت شريعة موسى أو خصصتها والناسخ شريعتنا وفيه خلاف قيل خصصتها لأن عيسى مقرر شريعة التوراة لأنه من أنبياء بني إسرائيل وعن نص الشافعي رضي الله تعالى عنه أن كل شريعة نسخت التي قبلها كشريعة عيسى نسخت شريعة موسى وشريعتنا نسخت سائر الشرائع اه
وحكم الوطء بملك اليمين فيمن ذكر حكم النكاح قال الزركشي هذا مذهبنا وفي النفس منه شيء يعرف بتأمل الآثار والأخبار الواردة في وطء السبايا والجواب عنها عسر فيما يظهر
( والكتابية المنكوحة كمسلمة في نفقة وقسم وطلاق ) وغيرها لاشتراكهما في الزوجية بخلاف التوارث كما مر وبخلاف القذف فإن في قذفها التعذير كما سيأتي وله دفعها باللعان وفي أنه يكره نكاحها
( وتجبر ) الزوجة الممتنعة مسلمة كانت أو كتابية وكذا الأمة ( على غسل حيض ونفاس ) أي للحليل إجبارها على ذلك إذا طهرت لتوقف حل الوطء عليه وقضية هذا أن الحنفي لا يجبرها على ذلك لاعتقاده الحل عند الانقطاع لكن قال القاضي أبو الطيب لا أعرف أحدا من أصحابنا فرق بين الشافعي والحنفي قال البلقيني
ووجهه أن هذا يتوقف عليه كمال الاستمتاع لا أصله على عقيدته فهو من الخلاف
ويستبيح بهذا الغسل الوطء وإن لم تتوضأ للضرورة كما في المسلمة المجنونة وقد مرت الإشارة إلى ذلك في كتاب الطهارة
( وكذا جنابة ) أي تجبر الكتابية على غسلها من الجنابة ( و ) على ( ترك أكل ) لحم ( خنزير ) ونحوهما مما يتوقف كمال التمتع على زواله ( في الأظهر ) كما تجبر على إزالة النجاسة
والثاني لا إجبار لأنه لا يمتنع الاستمتاع
تنبيه ظاهر تخصيص المصنف الخلاف بالذمية أن المسلمة تجبر على غسل الجنابة قطعا وهو ما جرى عليه الرافعي وقيده في زيادة الروضة بما إذا حضر وقت الصلاة في بالغة قال فإن لم تحضر صلاة ففي إجبارها القولان والأظهر الوجوب
وقد يقال إن حق الزوج إنما هو في الاستمتاع لا فيما يتعلق بحق الله تعالى من الصلاة وحينئذ فكلام
____________________
(3/188)
الرافعي أوجه ومحل الخلاف في إجبار الكتابية على منع أكل لحم الخنزير إذا كانت تعتقد حله كالنصرانية فإن كانت تعتقد تحريمه كاليهودية منعها منه قطعا
( و ) الكتابية ( تجبر هي ومسلمة على غسل ما نجس من أعضائها ) ليتمكن من الاستمتاع بها كما علله الرافعي وعلله الماوردي لما يلحقه من المشقة بالتنجيس
وقضية ذلك أنه لا يجوز الاستمتاع بعضو نجس والظاهر أن محله إذا كان يتولد منه تنجيس وإلا فلا كما بحثه الأذرعي وفي قدر ما يجبرها على الغسل من أكل لحم الخنزير وجهان في الحاوي أحدهما سبعا كولوغه والثاني مرة واحدة لأنه لحق نفسه اه
والأول أوجه
تنبيه تخصيص المصنف بالأعضاء قد يخرج الثوب وليس مرادا فقد قال الماوردي له منعها من لبس ما كان نجسا قطعا وفي الروضة له منعها من لبس جلد الميتة قبل دباغه وليس ما له رائحة كريهة وله إجبارها أيضا على التنظيف بالاستحداد وقلم الأظافر وإزالة شعر الإبط والأوساخ إذا تفاحش شيء في ذلك وكذا إن لم يتفاحش
وله منعها من أكل ما يتأذى من رائحته كبصل وثوم ومن أكل ما يخاف منه حدوث المرض
وله منع الكتابية من شرب ما يسكر وكذا من البيع والكنائس كما يمنع المسلمة من شرب النبيذ إذا كانت تعتقد إباحته من القدر الذي يسكر وكذا من غيره ومن المساجد والجماعات
وكالزوج فيما ذكر السيد كما فهم بالأولى
وليس له إجبار أمته المجوسية أو الوثنية على الإسلام لأن الرق أفادها الأمان من القتل
( وتحرم متولدة من وثني ) أو مجوسي ( وكتابية ) جزما لأن الانتساب إلى الأب وهو لا تحل مناكحته
( وكذا عكسه ) أي متولدة من كتابي ووثنية أو مجوسية ( في الأظهر ) تغليبا للتحريم
والثاني تحل لأنها تنسب للأب
وهذا في صغيرة أو مجنونة فإن بلغت عاقلة ثم تبعت دين الكتابي منهما لحقت به فيحل نكاحها قاله الشافعي رضي الله عنه لأن فيها شعبة من كل منهما لكنا غلبنا التحريم ما دامت تابعة لأحد الأبوين فإذا بلغت واستقلت واختارت دين الكتابي قويت تلك الشعبة
وقيل لا تلحق به فلا يحل نكاحها كالمتولدة بين مجوسيين
وتأول قائله النص على ما إذا كان أحد أبويها يهوديا والآخر نصرانيا فبلغت واختارت دين أحدهما وصححه الرافعي في أول كتاب الصيد والذبائح
قال الأذرعي وتأويل النص بما ذكر عجيب فقد صورها في الأم بأن أحد أبويها نصراني والآخر مجوسي اه
فالأولى أن يقال النص هنا غير معمول به لما عرف من ذلك في محل آخر اطلع عليه الأصحاب ورجحوه
( وإن خالفت السامرة ) وهي طائفة تعد من اليهود وسميت بذلك لنسبتها إلى أصلها السامري عابد العجل ( اليهود والصابئون ) وهي طائفة من النصارى سميت بذلك قيل لنسبتها إلى صابىء عم نوح عليه الصلاة والسلام
وقيل لخروجها من دين إلى دين وكان الكفار يسمون الصحابة صابئة لخروجهم عن دينهم إلى الإسلام
( النصارى في أصل ) أي أصول ( دينهم حرمن ) لكفرهم بكتابهم وإن وافقوهم في الفروع ( وإلا ) أي وإن لم يخالفوهم في ذلك بأن علمنا به وإن خالفوهم في الفروع ( فلا ) يحرمن لأنهم مبتدعة كما في أهل القبلة الصنفين فإطلاق الصابئة على من ذكر هو المراد ويطلق أيضا على قوم أقدم من النصارى كانوا في زمن إبراهيم عليه السلام قيل إنهم كانوا يقولون إن الفلك حي ناطق ويقولون بأن الكواكب السبعة هي المدبرة فيضيفون الآثار إليها وينفون الصانع المختار ووجدوا في زمن الاصطخري والمحاملي وأفتيا بقتلهم لما استفتى القاهر الفقهاء فيهم فبذلوا له أموالا كثيرة فتركهم فالبلاء قديم
وظاهر أن هؤلاء لا تحل مناكحتهم ولا ذبيحتهم ولا يقرون بالجزية
تنبيه ليس في كلام المصنف ما إذا شككنا أن يخالفونهم في الأصول أم الفروع والمجزوم به في الروضة أنهم لا يناكحون
( ولو تهود نصراني أو عكسه ) أي تنصر يهودي ( لم يقر ) بالجزية ( في الأظهر ) لقوله تعالى { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه }
____________________
(3/189)
وقد أحدث دينا باطلا بعد اعترافه ببطلانه فلا يقر عليه كما لو ارتد المسلم
والثاني يقر لتساويهما في التقرير بالجزية
وكل منهما خلاف الحق وليس كالمسلم يرتد لأنه ترك الدين الحق وصرح بترجيح هذا في الشرح الصغير
ثم فرع على الأول قوله ( فإن كانت امرأة ) نصرانية تهودت أو عكسه ( لم تحل لمسلم ) بناء على أنها لا تقر كالمسلمة ( فإن كانت منكوحته ) أي المسلم ( فكردة ) أي فتهودها أو تنصرها كردة ( مسلمة تحته ) وسيأتي حكم ردتها قريبا ( ولا يقبل منه إلا الإسلام ) للآية المتقدمة ولما مر ( وفي قول ) يقبل منه الإسلام ( أو دينه الأول ) لأنه كان مقرا عليه
وليس معنى هذا القول أنا نأمره بأحدهما إذ الباطل لا يؤمر ولا يخير بينه وبين الحق بل معناه أنا لا نأمره إلا بالإسلام عينا فإن لم يسلم وعاد إلى دينه الأول ترك فإن أبى الإسلام على الأول أو أحد الأمرين على الثاني ألحق بمأمنه إن كان له مأمن كمن نبذ العهد ثم بعد ذلك هو حربي إن ظفرنا به قتلناه
فإن قيل من فعل ما ينتقض به عهده من قتال ونحوه لم يبلغ المأمن بل يقتل فهلاكا وهذا كذلك أجيب بتعدي ضرر من نبذ العهد بما ذكر إلينا بخلاف المنتقل ضرره على نفسه
تنبيه محل عدم قبول غير الإسلام فيما بعد عقد الجزية كما بحثه الزركشي أما لو تهود نصراني بدار الحرب ثم جاءنا وقبل الجزية فإنه يقر لمصلحة قبولها
( ولو توثن ) يهودي أو نصراني أو مجوسي ( لم يقر ) بالجزية قطعا لما مر
( وفيما يقبل ) منه ( القولان ) السابقان أظهرهما الإسلام فقط والثاني هو أو دينه الأول
فإن كانت امرأة تحت مسلم فكردة مسلمة فيما يأتي ( ولو تهود وثني أو تنصر لم يقر ) بالجزية ( ويتعين الإسلام ) في حقه ( كمسلم ارتد ) فإنه يتعين في حقه الإسلام فإن أبى قتل في الحال كما هو قضية كلام المصنف كالشرح والروضة خلافا لما بحثه الأذرعي من أنه يكون حاله كما كان قبل الانتقال حتى لو كان له أمان لم يتغير حكمه بذلك
( ولا تحل مرتدة لأحد ) لا لمسلم لأنها كافرة لا تقر ولا لكافر أصلي لبقاء علقة الإسلام ولا لمرتد لأن القصد من النكاح الدوام والمرتد لا دوام له
( ولو ارتد زوجان ) معا ( أو أحدهما قبل دخول ) حيث لا عدة باستدخال مني الزوج المحترم ( تنجزت الفرقة ) بينهما لعدم تأكده بالدخول أو ما في معناه وحكى الماوردي فيه الإجماع
( أو بعده ) أي الدخول أو ما في معناه ( وقفت ) تلك الفرقة وحينئذ ( فإن جمعهما الإسلام في العدة دام النكاح ) بينهما لتأكده بما ذكر ( وإلا ) بأن لم يجمعهما ( فالفرقة ) بينهما تتبين ( من ) حين ( الردة ) منهما أو من أحدهما لأنه اختلاف دين بعد المسيس فلا يوجب الفسخ في الحال كإسلام أحد الزوجين الكافرين الأصليين
( ويحرم الوطء في ) مدة ( التوقف ) لاحتمال انقضاء العدة قبل اجتماعهما في الإسلام فيتبين انفساخ النكاح من وقت الردة وحصول الوطء في البينونة
( و ) لكن لو وطىء ( لا حد ) عليه للشبهة وهي بقاء أحكام النكاح وتجب العدة منه وهما عدتان من شخص واحد كما لو طلق زوجته رجعيا ووطئها في العدة ولها مهر مثل فإن جمعهما الإسلام في العدة فالنص هنا السقوط وفي الرجعية إذا وطئها ثم راجعها لم تسقط والفرق أن شعث الردة زال بالإسلام ورجع النكاح إلى ما كان عليه بخلاف الرجعة لنقصان عدد الطلاق
تتمة إذا طلقها في زمن التوقف أو ظاهر منها أو آلى فإن جمعهما الإسلام قبل انقضائها تبينا صحتها وإلا فلا وليس للزوج أن ينكح أختها ولا أربعا سواها في زمن التوقف ولا أن ينكح أمة لاحتمال إسلامها
ولو طلقها ثلاثا في
____________________
(3/190)
مدة التوقف أو خالعها جاز ذلك لأنها إن لم تعد إلى الإسلام فقد بانت بالردة وإلا فبالطلاق أو الخلع
خاتمة في الشرح والروضة قبيل الصداق عن فتاوى البغوي أنه إذا كان تحته مسلمة وذمية لم يدخل بهما فقال للمسلمة ارتددت وقال للذمية أسلمت فأنكرتا ارتفع نكاحهما بزعمه لأنه زعم أن المسلمة ارتدت وحرمت وأن الذمية أسلمت وأنكرت فصارت مرتدة بإنكارها وحرمت
أما بعد الدخول فيوقف النكاح إلى انقضاء العدة
باب نكاح المشرك وهو الكافر على أي ملة كان كتابيا كان أو غيره
وقد يطلق على ما يقابل الكتابي كما في قوله تعالى { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين } ولذا قال البلقيني إن المشرك والكتابي كما يقول أصحابنا في الفقير والمسكين أن الجمع بينهما في اللفظ اختلف مدلولهما وإن اقتصر على أحدهما تناول الآخر اه
فإن قيل كيف يطلق على الكتابي مشرك وهو يعبد الله تعالى ولكن لا يؤمن بنبينا صلى الله عليه وسلم أجيب بأنه لما كان لا يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم فكأنه يعبد من لم يبعثه فهو مشرك بهذا الاعتبار
ومن الإطلاق الأول قوله ( أسلم ) كافر ( كتابي أو غيره ) كمجوسي ووثني ( وتحته كتابية ) حرة أو اثنتان في عبد أو أربع في حر يحل له ابتداء العقد على كل من ذلك ( دام نكاحه ) بالإجماع لجواز نكاح المسلم لمن ذكر
( أو ) أسلم وتحته ( وثنية أو مجوسية ) أو كتابية لا يحل ابتداء العقد عليها أو غيرها من الكافرات التي لا يحل لمسلم نكاحها ( فتخلفت قبل دخول ) بها واستدخال مني محترم ( تنجزت الفرقة ) بينهما لأن النكاح غير متأكد بدليل أنها تبين بالطلقة الواحدة ( أو بعده ) أي دخول بها وما في معناه مما مر ( وأسلمت في العدة ) ولو تبعا ( دام نكاحه ) لما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن امرأة أسلمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجت فجاء زوجها فقال يا رسول الله إني كنت أسلمت وعلمت بإسلامي فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها وردها إلى زوجها الأول ( وإلا ) بأن أصرت إلى انقضائها ( فالفرقة ) بينهما حاصلة ( من ) حين ( إسلامه ) أما الأمة فسيأتي حكمها
( ولو أسلمت ) زوجته ( وأصر ) الزوج على كفره ( فكعكسه ) هو ما لو أسلم وأصرت هي وقد علم حكمه لما روى الشافعي رضي الله تعالى عنه أن صفوان بن أمية و عكرمة بن أبي جهل و حكيم بن حزام أسلمت زوجة كل منهم قبله ثم أسلم بعدها بنحو شهر واستقروا على النكاح قال وهذا معروف عند أهل العلم بالمغازي
تنبيه لا فرق هنا بين الكتابي وغيره ولهذا لم يقيده بخلاف الزوجة
( ولو أسلما معا ) على أي كفر كان قبل الدخول أو بعده ( دام النكاح ) بالاجتماع كما نقله ابن المنذور وابن عبد البر ولأن الفرقة تقع باختلاف الدين ولم يختلف دينهما في الكفر ولا في الإسلام
( والمعية ) في الإسلام ( بآخر اللفظ ) الذي يصير به مسلما بأن يقترن آخر كلمة من إسلامه بآخر كلمة من إسلامها سواء أوقع أول حرف من لفظيهما معا أم لا وإسلام أبوي الزوجين الصغيرين أو المجنونين أو أحدهما كإسلام الزوجين أو أحدهما
وإن أسلمت الزوجة البالغة وأبو زوجها الصغير أو المجنون معا ولم يدخل بها بطل نكاحه كما قاله البغوي لترتب إسلامه على إسلام أبيه فقد سبقته بالإسلام
وإن أسلمت عقب إسلام الأب ولم يدخل الصغير أو المجنون بها بطل النكاح كما قاله البغوي أيضا لأن إسلام الصغير أو المجنون يحصل حكما وإسلامها يحصل بالقول والحكمي يكون سابقا للقولي فلا يتحقق إسلامهما معا
قال الأذرعي وما قاله البغوي قاله المتولي والقاضي والخوارزمي
____________________
(3/191)
وقال البلقيني ما قاله البغوي في ذلك هو الفقه
( وحيث أدمنا ) أي حكمنا بدوام النكاح بينهما ( لا تضر مقارنة العقد ) أي عقد النكاح الواقع في الكفر ( لمفسد هو زائل عند الإسلام ) واعتقدوا صحته ( وكانت ) تلك الزوجة ( بحيث تحل له الآن ) لو ابتدأ نكاحها لأن الشروط لا تعتبر حال نكاح الكافر فلتعتبر حال الالتزام بالإسلام لئلا يخلو العقد عن شروطه في الحالين معا ويكفي الحل في بعض المذاهب كما ذكره الجرجاني
فإن اعتقدوا فساده وانقطاعه فلا تقرير بل يرتفع النكاح وإنما حكمنا بالاستمرار مع اقتران المفسد بالعقد تخفيفا بسبب الإسلام ( وإن بقي المفسد ) المذكور عند الإسلام بحيث تكون محرمة عليه الآن بنسب أو رضاع أو بينونة ثلاثا أو نحو ذلك أو زال عنده واعتقدوا فساده كما مر ( فلا نكاح ) يدوم بينهما
وأفهم كلامه أن المفسد الطارىء بعد العقد لا يضر وهو كذلك إلا في رضاع أو جماع رافعين للنكاح
ثم فرع المصنف على المفسد الزائل عند الإسلام بقوله ( فيقر ) تخفيفا ( في نكاح بلا ولي و ) لا ( شهود ) وبلا إذن ثيب أو بكر
والولي غير أب أو جد إذ لا مفسد عند الإسلام ونكاحها الآن جائز
( و ) يقر أيضا في نكاح وقع ( في عدة ) للغير ولو بشبهة و ( هي منقضية عند الإسلام ) لأنها حينئذ يجوز ابتداء نكاحها
وخرج بالمنقضية ما إذا كانت باقية فإنه لا يقر لبقاء المفسد وصرح به في المحرر
ولو راجعها في القرء الرابع واعتقدوه صحيحا أقر لانتفاء المفسد عند الإسلام
( و ) على نكاح ( مؤقت إن اعتقدوه مؤبدا ) ويكون ذكر الوقت لغوا وهذا كاعتقادنا مؤقت الطلاق مؤبدا
أما إذا اعتقدوه مؤقتا فلا كما صرح به في المحرر فإنه عندنا باطل وإنما يحتمل مثله حملا على اعتقادهم وهم لا يعتقدون تأبيده وسواء أسلما قبل تمام المدة أم بعدها لأن قبل المدة يعتقدونه مؤقتا ومثله لا يجوز ابتداؤه وبعدها لا نكاح في اعتقادهم ولو غصب كافر غير ذمي امرأة كافرة غير ذمية وهم يعتقدون غصبها نكاحا أقر إقامة الفعل مقام القول وإن غصب ذمي ذمية واتخذها زوجة فإنهم لا يقرون وإن اعتقدوه نكاحا لأن على الإمام دفع بعضهم عن بعض وهذا مقيد كما قاله ابن أبي هريرة بما إذا لم يتوطن الذمي دار الحرب وإلا فهو كالحربي إذ لا يجب الدفع عنه حينئذ ويؤخذ من التعليل أنه لو غصب الحربي ذمية أو الذمي حربية واعتقدوه نكاحا أنه يقر في الثانية وبه صرح في شرح الإرشاد دون الأولى وبه صرح البلقيني لأن على الإمام أن يدفع أهل الحرب عن أهل الذمة ولا عكس
وكالغصب فيما ذكر المطاوعة كما صرح به في التنبيه
( وكذا لو قارن الإسلام عدة شبهة ) بعد العقد بأن وقعت في دوام النكاح كأن أسلم رجل فوطئت زوجته بشبهة ثم أسلمت أو أسلمت فوطئت بشبهة زمن التوقف ثم أسلم في العدة فلا يؤثر ذلك في النكاح ( على المذهب ) المنصوص وإن كان لا يجوز ابتداء نكاح المعتدة لأن عدة الشبهة لا تقطع نكاح المسلم فهذا أولى لأنه يحتمل في أنكحة الكفار ما لا يحتمل في أنكحة المسلمين وفي وجه من الطريق الثاني لا يقر عليه كما لا يجوز نكاح المعتدة
أما الشبهة المقارنة للعقد كأن نكح معتدة عن شبهة ثم أسلم في أثناء عدتها فلا يقر النكاح معها لأن المفسد قائم عند الإسلام
ونقل الشيخان عن الرقم أنه يقر لأن الإسلام لا يمنع الدوام مع عدة الشبهة بخلاف عدة النكاح
قالا ولم يتعرض الجمهور لهذا الفرق وأطلقوا اعتبار التقرير بالابتداء اه
أي فلا فرق بين عدة الشبهة والنكاح وهو المعتمد
فإن قلت كيف تتصور الشبهة بين الإسلاميين فإن أحد الزوجين إذا أسلم شرعت الزوجة في عدة النكاح وهي مقدمة على عدة الشبهة إذا لم يكن في عدة الشبهة حمل كما سيأتي في العدد
فإسلام الآخر يكون في عدة النكاح لا في عدة الشبهة أجيب بأنا لا تقطع بكونها عدة نكاح لجواز أن يسلم المتخلف فيتبين أن الماضي منها ليس عدة نكاح بل عدة شبهة
____________________
(3/192)
تنبيه محل ما ذكره المصنف إذا كان وطء الشبهة لا يحرمها عليه فإن حرمها عليه كأبيه أو ابنه فالظاهر كما قال الأذرعي أنه يقطع النكاح فلا يقر عليه ( لا نكاح محرم ) بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا يقر عليه لأنه لا يجوز ابتداؤه وحكى ابن المنذر فيه الإجماع
( ولو أسلم ) الزوج ( ثم أحرم ثم أسلمت ) في العدة ( وهو محرم ) أو أسلمت ثم أحرمت ثم أسلم في العدة وهي محرمة ( أقر ) النكاح في هذا التصوير ( على المذهب ) لأن طرق الإحرام لا يؤثر في نكاح المسلم فهذا أولى وفي قول قطع به بعضهم لا يقر عليه كما لا يجوز نكاح المحرم
وخرج بهذا التصوير ما لو أسلمامعا ثم أحرم فإنه يقر جزما
ولو قارن إحرامه إسلامها هل يقر جزما أو على الخلاف قال السبكي لم أر فيه نقلا والأقرب الثاني
( ولو نكح حرة ) صالحة للاستمتاع كما أشار إليه الرافعي ( وأمة ) معا أو مرتبا ( وأسلموا ) أي الزوج والحرة والأمة معا ( تعينت الحرة ) للنكاح ( واندفعت الأمة على المذهب ) لأنه لا يجوز له نكاح أمة مع وجود حرة تحته وفي قول من الطريق الثاني لا تندفع الأمة نظرا إلى أن الإمساك كاستدامة النكاح لا كابتدائه أما إذا لم تكن الحرة صالحة للاستمتاع فكالعدم ولو أسلمت الحرة فقط مع الزوج تعينت أيضا واندفعت الأمة
( ونكاح الكفار صحيح على الصحيح ) لقوله تعالى { وقالت امرأة فرعون } { وامرأته حمالة الحطب } ولحديث غيلان وغيره ممن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأمره صلى الله عليه وسلم بالإمساك ولم يسأل عن شرائط النكاح فلا يجب البحث عن شرائط أنكحتهم فإنه صلى الله عليه وسلم أقرهم عليها وهو صلى الله عليه وسلم لا يقر أحدا على باطل ولأنهم لو ترافعوا إلينا لم نبطله قطعا ولو أسلموا أقررناه
( وقيل فاسد ) لعدم مراعاتهم الشروط لكن لا يفرق بينهم لو ترافعوا إلينا رعاية العهد والذمة ونقرهم بعهد الإسلام رخصة وخشية من التنقير
( وقيل ) موقوف ( إن أسلم وقرر نبينا صحته وإلا فلا ) أي وإن لم يقرر تبينا فساده
واعترض على المصنف في تعبيره على القول الأول بالصحة وعبارة الروضة وأصلها محكوم بصحته
قال السبكي ونعما هي والمختار عندي فيها أنها إن وقعت على حكم الشرع فصحيحة وإلا فمحكوم لها بالصحة إن اتصلت بالإسلام رخصة وعفوا من الله تعالى وما كان مستجمعا لشروط الإسلام فهو صحيح ولا أرى إن فيه خلافا بل يقطع بصحته لوجود شروطه الشرعية وحكم الله واحد اه
والصواب في زيادة الروضة تخصيص الخلاف بالعقود التي يحكم بفساد مثلها في الإسلام لا في عقودهم فلو عقدوا على وفق الشرع صح بلا خلاف
ثم فرع المصنف رحمه الله على هذا الخلاف قوله ( فعلى الصحيح ) منه وهو صحة أنكحتهم ( لو طلق ) الكافر زوجته ( ثلاثا ) في الكفر ( ثم أسلما ) من غير محلل ( لم تحل له ) الآن ( إلا بمحلل ) سواء اعتقدوا وقوع الطلاق أم لا لأنا إنما نعتبر حكم الإسلام أما إذا تحللت في الكفر فيكفي في الحل
ولو طلقها في الشرك ثلاثا ثلاثا ثم نكحها في الشرك من غير محلل ثم أسلما فرق بينهما نص عليه في الأم
تنبيه أفهم كلام المصنف أنه لا يقع على قول الفساد والوقف وهو ظاهر على القول بالفساد وأما على قول الوقف فقد أطال ابن الرفعة الكلام فيه
قال الأذرعي والظاهر أنه يقع في كل عقد يقر عليه في الإسلام وذلك موجود في كلام الأصحاب
ولو طلق الكافر أختين أو حرة وأمة ثلاثا ثلاثا ثم أسلموا لم ينكح واحدة منهن إلا بمحلل وإن أسلموا معا أو سبق إسلامه أو إسلامها بعد الدخول ثم طلق ثلاثا ثلاثا لم ينكح مختارة الأختين ولا الحرة إلا بمحلل
( ومن قررت ) على النكاح ( فلها المسمى الصحيح ) هذا كلام مستأنف لا تعلق له بالتفريع السابق
____________________
(3/193)
ووجهه أنه كما تثبت الصحة للنكاح تثبت للمسمى وهو ظاهر على قول الصحة وأما على قول الفساد فظاهر كلامهم أنه كذلك
وبحث السبكي أنه لا يجب المسمى بل مهر المثل
( وأما ) المسمى ( الفاسد كخمر ) معينة أو في الذمة ( فإن قبضته ) أو قبضه وليها وهي محجور عليها ( قبل الإسلام ) ولو بإجبار قاضيهم كما بحثه الزركشي ( فلا شيء لها ) لخبر الإسلام يجب ما قبله ولانفصال الأمر بينهما وانقطاع المطالبة قبل الإسلام
تنبيه ظاهر كلامه جريان هذا في كل فاسد وليس مرادا فإنه لو أصدقها حرا مسلما أسروه واسترقوه ثم أسلما لم يقر في يده ويجب لها مهر المثل قال صاحب الكافي لأن الفساد فيه لحق المسلم وفي نحو الخمر لحق الله تعالى وأيضا لأنا نقرهم حال الكفر على نحو الخمر دون أسر المسلم
وألحق بالمسلم في ذلك عبده ومكاتبه وأم ولده كما في نص الأم بل يلحق به سائر ما يختص بالمسلم والكافر المعصوم وهل إذا باع الكافر الخمر يملك ثمنه حتى إذا كان المسلم عليه دين ودفع له ثمن ذلك يجب عليه قبوله أم لا أجاب بالأول القفال في فتاويه وصحح الرافعي في باب الجزية الثاني وهو المعتمد بل يجوز له قبوله
( وإلا ) أي وإن لم تقبضه قبل الإسلام بأن لم تقبضه أصلا أو قبضته بعد الإسلام سواء أكان بعد إسلامهما أم إسلام أحدهما كما نص عليه في الأم ( فمهر مثل ) لها لأنها لم ترض إلا بالمهر والمطالبة بالخمر في الإسلام ممتنعة فرجع إلى مهر المثل كما لو نكح المسلم على خمر
( وإن قبضت ) قبل الإسلام ( بعضه ) أي المسمى الفاسد من خمر ونحوه ثم أسلما ( فلها قسط ما بقي من مهر مثل ) لا ما بقي من المسمى لتعذره بالإسلام إلحاقا للجزء بالكل في القبض وعدمه
تنبيه لم يبين المصنف كيفية التقسيط وقد بينه ابن المقري في روضه تبعا لأصله فقال والمعتبر في تقسيط الخمر ونحوها مما هو مثلي لو فرض مالا الكيل ولو تعدد الزق فلو أصدقها زقي خمر فقبضت أحدهما اعتبر في التقسيط الكيل لا الوزن ولا العدد ولا القيمة نعم إن زاد أحدهما على الآخر قيمة لزيادة وصف فيه اعتبرت القيمة
والمعتبر في الكلاب ونحوها القيمة بتقدير المالية عند من يجعل لها قيمة لا العدد
فإن قيل قد مر في الوصية أنه لو أوصى بكلب من كلابه ولم يكن له إلا كلب أنه يعتبر العدد لا القيمة فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الوصية محض تبرع فاغتفر فيها ما لا يغتفر في المعاوضات
ولو أصدقها جنسين فأكثر كزقي خمر وكلبين وسلم لها البعض في الكفر فالمعتبر هنا القيمة بتقدير المالية عند من ذكر في الجميع كتقدير الحر عبدا في الحكومة لكن لو تعدد الجنس وكان مثليا كزق خمر وزق بول وقبضت بعض كل منهما على السواء فالظاهر اعتبار الكيل كما بحثه شيخنا
ولو نكح الكافر على صورة التفويض واعتقدوا أن لا مهر لمفوضته بحال ثم دخل بها بعد الإسلام فلا شيء لها عليه لأنه استحق وطأها بلا مهر
فإن قيل قد قالوا في باب الصداق إنه لو نكح ذمي ذمية تفويضا وترافعا إلينا حكمنا لها بالمهر فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن ما هنا في الحربيين وفيما إذا أعتقدوا أن لا مهر بحال بخلافه ثم فيهما
( ومن اندفعت بإسلام ) منها أو من زوجها ( بعد دخول ) بها بأن أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر في العدة ( فلها المسمى الصحيح إن صح نكاحهم ) لاستقراره بالدخول
قال الجلال البلقيني ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو نكح أما وبنتها ثم دخل بالأم فقط فإن البنت تحرم أبدا وكذا الأم على المذهب
قالوا وللأم مهر المثل فهذه اندفعت بإسلام بعد دخول ولا تستحق المسمى اه
وستأتي هذه المسألة وإن ذلك محمول على ما إذا كان المسمى فاسدا فإذا لا استثناء ( وإلا ) أي وإن لم يصححه أو كان زوجها قد سمى لها فاسدا ( فمهر مثل ) لها في مقابلة الوطء على الأصل السابق ( أو ) لم تندفع بعد دخول بل اندفعت بإسلام ( قبله ) أي الدخول ( وصحح ) أي وفرعنا على صحة أنكحتهم ( فإن كان الاندفاع بإسلامها فلا شيء لها ) على المشهور لأن الفرقة قد حصلت من جهتها
وقيل قولان
____________________
(3/194)
ثانيهما لها نصف المهر لأنها أحسنت بالإسلام والتخلف منه
تنبيه تقييده بالصحة يفهم أنه إذا قيل بفساد أنكحتهم لا مهر لها بطريق الأولى إذ المهر لا يجب في النكاح الفاسد إلا بالدخول
قال الزركشي وهذا أولى من جعله قيدا في عدم الوجوب وأن الأولى طرحه ليفهم تعميم الحكم وينتفي إيهام أنه قيد في الوجوب فإنه لا شيء لها على كل قول ولكن يحتاج إلى ذكره في قوله ( أو ) أي اندفع ( بإسلامه ) أي وصحح نكاحهم ( فنصف مسمى ) يجب لها ( إن كان صحيحا ) لأن الفرقة جاءت من قبله ( وإلا ) بأن لم يكن صحيحا كخمر ( فنصف مهر مثل ) عملا بالقاعدة في التسمية الفاسدة فإن لم يسم لها مهرا وجبت متعة أما إذا لم يصح نكاحهم فلا شيء لها لما مر
قال ابن شهبة والظاهر أن المصنف أراد التقييد بالصحة هنا فسبق قلمه إلى ما قبله
تنبيه ظاهر كلامه أن المحرم في ذلك كغيرها وكلام الروضة يميل إليه ونقله عن القفال وهو المعتمد كما رجحه ابن المقري فيمن أسلم وتحته أم وبنتها ولم يدخل بواحدة منهما ورجحه البلقيني أيضا وسيأتي التنبيه على ذلك ونقل عن الإمام القطع بأنه لا شيء لها لأن العقد لم ينعقد
ويؤيد ذلك ما قالوه في المجوسي إذا مات وتحته محرم لم نورثها
وجرى على الثاني الشيخ أبو حامد وأتباعه وغيرهم كما قاله الأذرعي
قال والظاهر أنه المذهب اه
قيل وهذا موافق لنص الشافعي من أن ما زاد على أربع لا مهر لهن إذا اندفع نكاحهن باختيار أربع قبل الدخول
قال شيخي وهذا أحد النصوص والمعتمد أن ما زاد على أربع يستحق المهر
( ولو ترافع إلينا ) في نكاح أو غيره ( ذمي ) أو معاهد أو مستأمن ( ومسلم وجب الحكم ) بينهما أي المسلم ومن ذكر بشرعنا قطعا طالبا كان المسلم أو مطلوبا لأنه يجب رفع الظلم عن المسلم والمسلم لا يمكن رفعه إلى حاكم أهل الذمة ولا تركهما متنازعين فرددنا من مع المسلم إلى حاكم المسلمين لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه
تنبيه قد يفهم تعبيره بالترافع اعتبار رضا الخصمين وهو قضية كلام الغزالي ولكن عامة كلام الأصحاب على اعتبار رضا واحد إذا استعدى على خصمه
( أو ) ترافع إلينا ( ذميان ) واتفقت ملتهما كنصرانيين ولم نشترط في عقد الذمة لهما التزام أحكامنا ( وجب ) علينا الحكم بينهما ( في الأظهر ) لقوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ولأنه يجب على الإمام منع الظلم عن أهل الذمة فوجب الحكم بينهم كالمسلمين
والثاني وعليه جمع لا يجب بل يتخير لقوله تعالى { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم }
وأجاب الأول بأنه صح عن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بالأولى رواه الطبراني
ومنهم من حمل الآية الأولى على الذميين والثانية على المعاهدين فلا يجب الحكم بينهما على المذهب
وهذا أولى من النسخ ولهذا قيد المصنف بالذميين
والفرق أن المعاهدين لم يلتزموا أحكامنا ولم نلتزم دفع بعضهم عن بعض بخلاف الذميين والذمي والمعاهد كالذميين
وقد يفهم كلامه أنه إذا ثبت على أحدهما شيء استوفيناه وبه صرح البغوي فلو أقره ذمي بزنا أو سرقة مال ولو لذمي حددناه أما إذا اختلفت ملتهما كيهودي ونصراني أو شرط في عقد الذمة لهما التزام أحكامنا فإن الحكم يجب بينهما جزما أما في الأولى فلأن كلا منهما لا يرضى ملة الآخر وأما في الثانية فعملا بالشرط
وإن أوجبنا الحكم وجب الإعداء وللحضور وإلا فلا يجبان
تنبيه يستثنى من إطلاقه ما لو ترافع إلينا أهل الذمة في شرب الخمر فإنهم لا يحدون وإن رضوا بحكمنا لأنهم لا يعتقدون تحريمه قاله الرافعي في باب حد الزنا وأسقطه من الروضة
ويفهم مما تقرر أنه لا يلزمنا الحكم بين حربيين ولا بين حربي ومعاهد والظاهر كما قال الأذرعي لو عقدت الذمة لأهل بلدة في دار الحرب أنهم كالمعاهدين فإنه لا يلزمنا الدفع عنهم فكذا الحكم بينهم
ثم أشار المصنف إلى ضابط تقدم أكثر صوره بقوله ( ونقرهم ) في كل ما ترافعوا فيه إلينا ( على ما نقر ) هم عليه ( لو أسلموا ونبطل ما لا نقر ) ونوجب النفقة في نكاح من قررناه فلو نكح بلا ولي
____________________
(3/195)
ولا شهود وترافعوا إلينا قررنا النكاح وحكمنا بالنفقة وإن نكح المجوسي محرما له ولم يترافعا إلينا لم نعترض عليهما لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عرفوا من حال المجوس أنهم ينكحون المحارم ولم يعترضوهم
فإن ترافعا إلينا في النفقة أبطلنا نكاحهما ولا نفقة لأنهما بالترافع أظهر ما يخالف الإسلام فأشبه ما لو أظهر الذمي الخمر
ولو ترافع إلينا كافر تحته أختان وطلبوا فرض النفقة أعرضنا عنهم ما لم يرضوا بحكمنا ولا نفرق بينهم فإن رضوا به فرقنا بينهم بأن نأمره باختيار إحداهما
فإن قيل قد مر في نكاح المحرم أنا نفرق بينهم وإن لم يرضوا بحكمنا فهلا كان هنا في الأختين كذلك أجيب بأن المحرم أشد حرمة لأن منع نكاحها لذاتها وإنما منع في الأختين للهيئة الاجتماعية
ويزوج حاكم المسلمين بشهود منهم ذميا بكتابية لا ولي لها خاص بالتماسهم ذلك
فصل في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي لو ( أسلم ) الكافر الحر المكلف ( وتحته أكثر من أربع ) من الزوجات الحرائر ( وأسلمن معه ) على أي دين يكن قبل دخول أو بعده ( أو ) تخلفن وهن مدخول بهن وكن غير كتابيات وأسلمن بعده ( في العدة ) وهي من حين إسلامه ومثله لو أسلمن أولا ثم أسلم هو في العدة ( أو ) لم يسلمن أصلا بل ( كن كتابيات ) يحل له ابتداء نكاحهن ( لزمه ) حال كونه أهلا للاختيار ولو سكران ( اختيار أربع ) منهن ولو بعد موتهن ولا نظر إلى تهمة الإرث ويرث من الميتات المختارات غير الكتابيات
( ويندفع ) بعد اختيار الأربع نكاح ( من زاد ) لأن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أمسك أربعا وفارق سائرهن رواه الترمذي وابن حبان وصححه ابن حبان والحاكم
وسواء نكحهن معا أم مرتبا اختار الأوائل أو الأواخر ووجه ذلك كما قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه أن ترك الاستفصال في حكاية الأحوال مع قيام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن ذلك ولولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق ذلك
وحمل الخصم له على الأوائل بعيد يرده ما رواه الشافعي والبيهقي عن نوفل بن معاوية قال أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال فارق واحدة وأمسك أربعا فعمدت إلى أقدمهن عندي عاقر منذ ستين سنة ففارقتها
وحمله أيضا على تجديد العقد أبعد لمخالفته ظاهر اللفظ فإن الإمساك صريح في الاستمرار
فائدة قال ابن الجوزي أسلم ستة من ثقيف كل على عشر نسوة مسعود بن معتب ومسعود بن عامر ومسعود بن عمرو وعروة بن مسعود وسفيان بن عبد الله وغيلان بن سلمة
تنبيه تعبير المصنف بلزوم اختيار أربع يوهم إيجاب العدد وليس مرادا بل المراد أن أصل الاختيار واجب لئلا يستديم ما حظره الشرع
وأما إمساك أربع فجائز لا أنه يلزمه ذلك كما قاله جمع من شراح الكتاب منهم ابن شهبة وابن قاسم والدمياطي وقد سلم في المحرر والشرح والروضة من ذلك حيث قالا اختار أربعا لكن ظاهر الحديث اللزوم والقائل بعدم اللزوم يحمل الأمر في الحديث على الإباحة كما سيأتي عن السبكي والأذرعي
وكلام المصنف يوهم أن دفع المفارقات من حين الاختيار لكن الصحيح من حين الإسلام وكذا العدة وهو اندفاع بينونة كما صرح به ابن الرفعة
أما العبد فإنه يختار ثنتين كيف شاء حرتين أو لا
وأما غير المكلف كصبي ومجنون عقد له وليه النكاح على أكثر من أربع ثم أسلم تبعا لأبويه فلا اختيار له لعدم أهليته ولا للولي لأنه اختيار شهوة فينتظر كماله ليختار ونفقتهن من مال الصبي أو المجنون لحبسهن لأجله
ولو نكحت في الكفر زوجين وأسلموا فإن نكحتهما معا أبطلنا النكاح وإن اعتقدوا جوازه أو مرتبا فهي للأول فإن مات ثم أسلمت مع الثاني وهم يعتقدون التزويج بزوجين قررناه وإلا فلا ولو أسلما دونها أو الأول وحده فهي للأول إن كانت كتابية
( وإن أسلم ) منهن ( معه قبل دخول أو ) بعده ( في العدة أربع فقط ) أو أقل ( تعين ) للنكاح واندفع نكاح من زاد لتأخر إسلامهن عن إسلامه قبل الدخول وعن العدة بعده
ولو أسلم أربع ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن ثم أسلم الباقيات قبل انقضاء عدتهن من وقت إسلام الزوج اختار أربعا
____________________
(3/196)
من الأوليات أو الأخيرات كيف شاء فإن مات الأوليات أو بعضهن جاز له اختيار الميتات ويرث منهن
ولو أسلم أربع من ثمان بعد دخول وانقضت عدتهن أو متن في الإسلام ثم أسلم الزوج وأسلمت الباقيات في عدتهن تعينت الأخيرات
( ولو أسلم وتحته أم وبنتها ) نكحهما معا أم لا وهما ( كتابيتان أو ) غير كتابيتين و ( أسلمتا ) مع الزوج كان للمسلمة ستة أحوال الأول ما ذكره بقوله ( فإن دخل بهما حرمتا أبدا ) سواء أقلنا بصحة أنكحتهم أم لا لأن وطء كل واحدة منهما بشبهة يحرم الأخرى فبنكاح أولى ولكل واحدة مسماها إن كان صحيحا وإلا فمهر المثل
الحال الثاني ما ذكره بقوله ( أو لا ) أي ولم يدخل ( بواحدة ) منهما ( تعينت البنت ) واندفعت الأم بناء على صحة أنكحتهم لأن العقد على البنت يحرم الأم ولا ينعكس واستحقت الأم نصف المسمى إن كان صحيحا وإلا فنصف مهر المثل لاندفاع نكاحها بالإسلام قبل الدخول وهذا ما رجحه ابن المقري وبه صرح البلقيني وغيره
وقيل لا شيء لها بناء على فساد أنكحتهم
( وفي قول يتخير ) بينهما بناء على فساد أنكحتهم فإنه يصير كأنه لم يعقد على واحدة منهما كما لو أسلم وتحته أختان
الحال الثالث ما ذكره بقوله ( أو ) دخل ( بالبنت ) فقط ( تعينت ) وحرمت الأم أبد ولها نصف مهر المثل كما صرح به في أصل الروضة
ومحله كما علم مما مر إن كان المسمى فاسدا وإلا فلها نصف المسمى
الحال الرابع ما ذكره بقوله ( أو ) دخل ( بالأم ) فقط ( حرمتا أبدا ) أما البنت فللدخول بالأم وأما الأم فللعقد على البنت وهذا بناء على صحة أنكحتهم
وللأم مهر المثل بالدخول نقله الرافعي عن البغوي وجزم به في الروضة
وهذا ظاهر إذا كان المسمى فاسدا وإلا فيجب المسمى
واعتذر في المهمات عن الشيخين بأن كلا منهما محمول على ما إذا نكح الأم والبنت بمهر واحد وإلا فيجب للأم مهر المثل كما لو نكح نسوة بمهر واحد
( وفي قول تبقى الأم ) وتندفع البنت بوطء الأم بناء على فساد أنكحتهم
الحال الخامس لو شك هل دخل بواحدة منهما أو لا فهو كما لو لم يدخل بواحدة منهما لكن الورع تحريمهما
الحال السادس لو شك في غير المدخول بها بطل نكاحهما ليتيقن تحريم إحداهما قاله الماوردي لأن الإسلام كابتداء النكاح ولا بد عند ابتدائه من تيقن حل المنكوحة كما مر في كتاب النكاح
ولو أسلم على أكثر من أخت اختار واحدة
ثم شرع في حكم ما إذا أسلم وتحته أمة أو أكثر فقال ( أو ) أسلم ( وتحته أمة أسلمت معه ) قبل دخول أو بعده ( أو ) أسلمت بعد إسلامه ( في العدة ) أو أسلم بعد إسلامها في العدة ( أقر ) النكاح ( إن حلت له الأمة ) حينئذ بأن يكون غير حر أو حرا معسرا خائفا العنت لأنه إذا حل له نكاح الأمة أقر على نكاحها ( وإن تخلفت ) عن إسلامه أو هو عن إسلامها ( قبل دخول ) أو بعد دخول ولم يجمعهما إسلام في العدة أو لم تحل له عند اجتماع الإسلاميين ( تنجزت الفرقة ) كتابية كانت أو لا
( أو ) أسلم وتحته ( إماء وأسلمن ) معا ( معه ) قبل دخول أو بعده أو أسلم هو بعد إسلامهن ( أو ) هن بعد إسلامه ( في العدة اختار ) الحر منهن ( أمة ) واحدة فقط ( إن حلت له عند اجتماع إسلامه وإسلامهن ) لأنه يجوز له حينئذ ابتداء نكاح الأمة فجاز له اختيارها
( وإلا ) بأن لم يحل له نكاح الأمة عند اجتماع إسلامه وإسلامهن ( اندفعن ) جميعا لأنه لا يجوز له ابتداء نكاح واحدة منهن فلا يجوز له اختيارها كذوات المحارم
فائدة المفسد للنكاح عند الإسلام إن كان موجودا عند العقد واستمر كالعدة كفى في بطلان النكاح اقترانه بإسلام أحدهما وإن كان طارئا كاليسار وأمن العنت في الأمة فلا بد من اقترانه بإسلامهما فعلى هذا لو أسلم على ثلاث إماء فأسلمت واحدة وهو معسر خائف العنت ثم الثانية في عدتها وهو موسر ثم الثالثة كذلك وهو معسر خائف
____________________
(3/197)
العنت اندفعت الوسطى
ويخير في الأخيرتين لما هي أن الفساد إنما يؤثر في اندفاع النكاح إذا اقترن بإسلامهما جميعا بخلاف ما لو نكحها في عدة غيره ثم أسلم أحدهما ثم انقضت العدة ثم أسلم الآخر لم يدم النكاح لما مر
ولو أسلم من تحل له الأمة على أمة فطلقها طلاقا رجعيا ثم أيسر قبل انقضاء عدتها فله أن يراجعها اتفاقا لأن الرجعية زوجة قاله الماوردي
( أو ) أسلم حر وتحته ( حرة ) تصلح للاستمتاع ويقر على نكاحها ( وإماء وأسلمن ) أي الحرة والإماء ( معه ) قبل الدخول أو بعده ( أو ) كن مدخولا بهن وأسلمن بعد إسلامه ( في العدة تعينت ) أي الحرة للنكاح وإن تأخر إسلامها عن إسلامه وإسلام الإماء ( واندفعن ) لأنه لا يجوز له أن يبتدىء أمة مع وجود حرة فلا يجوز له أن يختارها
أما إذا كانت الحرة لا تصلح للاستمتاع فالظاهر كما قال الأذرعي أن له اختيار واحدة منهن
( وإن أصرت ) تلك الحرة على الكفر ولم تكن كتابية يحل ابتداء نكاحها ( فانقضت عدتها اختار أمة ) إن كان ممن يحل له نكاح الأمة كما لو لم تكن حرة لتبين أنها بانت بإسلامه
تنبيه أفهم كلامه أنه ليس له اختيار أمة في تخلف الحرة وهو كذا فإن اختار أمة وأصرت الحرة حتى انقضت عدتها أو ماتت وجب تجديد الاختيار إن حلت له الأمة
( ولو أسلمت ) أي الحرة معه أو في العدة ( وعتقن ) أي الإماء قبل اجتماع إسلامه وإسلامهن ( ثم أسلمن في العدة فكحرائر ) أصليات حكمهن وحينئذ ( فيختار أربعا ) منهن ولو دون الحرة لالتحاقهن بالحرائر الأصليات
تنبيه لا يختص الحكم بما ذكره المصنف من هذه الصورة بل الضابط الشامل لها ولغيرها إن يطرأ العتق قبل اجتماع إسلامهن وإسلام الزوج كما مر فيصدق ذلك بصورة المتن وبما إذا أسلمن ثم عتقن ثم أسلم أو عتقن ثم أسلمن ثم أسلم أو عتقن ثم أسلم ثم أسلمن
أما إذا تأخر عتقهن عن إسلامهن بأن أسلم ثم أسلمن أو عكسه ثم عتقن استمر حكم الإماء عليهن فتتعين الحرة إن كانت وإلا اختار أمة من الإماء بشرطه
فرع لو أسلم من إماء معه أو في العدة واحدة ثم عتق ثم عتقت الباقيات ثم أسلمن اختار أربعا منهن لتقدم عتقهن على إسلامهن وليس له اختيار الأولى لرقها عند اجتماع إسلامهما فتندفع بالمعتقات عند اجتماع الإسلاميين ومقارنة العتق لإسلامهن كتقدمه عليه كما بحثه بعض المتأخرين
ولو أسلم على أربع إماء وأسلم معه ثنتان فعتقت إحداهما ثم أسلمت الأخريان اندفعتا دون الرقيقة المتقدمة فيختارها أو صاحبتها كما جزم به في أصل الروضة تبعا للغزالي والذي به في الفوراني والإمام وابن الصلاح والمصنف في تنقيحه وصوبه البلقيني تخييره بين الجميع
قال ابن الصلاح وما قاله الغزالي سهو
وقال السبكي الأرجح ما قاله الغزالي من امتناع المتخلفتين لاقتران حرية إحدى المتقدمتين بإسلامهما وهي مانعة من ابتداء نكاح الأمة فيمتنع التقرير عليهما ولا نقول باندفاعهما بمجرد عتق تلك لاحتمال أن يعتقا ثم يسلما وإنما تندفعان إذا أسلمتا على الرق وأطال في بيان ذلك وهذا هو الظاهر وجرى عليه ابن المقري في روضه
أما غير الحر فله اختيار ثنتين فقط إذ الأمة في حقه كالحرة والزيادة على الثنتين في حقه كالزيادة على الأربع في حق الحر فإن عتق قبل إسلامه سواء كان قبل إسلامهن أم لا أو بعده وقبل إسلامهن فله حكم الأحرار ولو أسلم عبد فليس لزوجته الكافرة خيار لأنها رضيت برقه أولا ولم يحدث فيها عتق حرة كانت أو أمة
قال في أصل الروضة سواء أسلمت أو لم تسلم إذا كانت كتابية
قال في المهمات تسويته بين أن تسلم وأن لا تسلم غلط لاقتضاء جواز نكاح الأمة الكتابية وهو ممتنع
قال الأذرعي وقد يقال بمنع القياس إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء اه
والمعتمد أنه لا يقر على نكاح الأمة الكتابية
ولما قدم المصنف وجوب الاختيار وكان لا يحصل بفعل كوطء شرع في ألفاظه الدالة عليه فقال ( والاختيار اخترتك أو قررت نكاحك أو أمسكتك أو
____________________
(3/198)
ثبتك ) أو نحو ذلك كحبستك أو نكاحك أو عقدك أو حبستك على النكاح لمجيء لفظ الاختيار والإمساك في الحديث والباقي في معناهما
قال في أصل الروضة وكلام الأئمة يقتضي أن جميع ذلك صريح لكن الأقرب أن يجعل قوله اخترتك و أمسكتك من غير تعرض للنكاح كناية اه
قال شيخنا ومثلها ثبتك ومقتضى هذا صحة الاختيار بالكناية وهو كذلك وإن منعه الماوردي والروياني وقال إنه كابتداء النكاح
قال ابن الرفعة وينبغي إذا جعل كاستدامته أن يكون على الخلاف في حصول الرجعة بالكناية
ولو أسلم معه أو في العدة ثمان ففسخ نكاح أربع منهن كقوله فسخت نكاحهن ولم يرد بالفسخ الطلاق استقر نكاح الباقيات
وسكت المصنف عن ألفاظ الفسخ
قال الماوردي ويصح بالصريح ك فسخت نكاحها أو رفعته أو أزلته وبالكناية ك صرفتها
وإن أراد بالفسخ الطلاق فحكمه ما ذكره في قوله ( والطلاق اختيار ) للنكاح لأنه إنما يخاطب به المنكوحة وسواء المعلق والمنجز فإن طلق أربعا حرم الجميع أما المطلقات فلما مر وأما الباقيات فلاندفاعهن بالشرع
ولا فرق في الطلاق بين الصريح والكناية نعم لفظ الفراق من صريح الطلاق وهو هنا فسخ قال الروياني لأنه قد يقع على غير الزوجة بخلاف لفظ الطلاق
قال الزركشي وقضية هذا أن لفظ الفراق صريح في الفسخ أيضا فيكون حقيقة فيه وفي الطلاق ويتعين في كل منهما بالقرينة
ولو قال لأربع أريدكن حصل التعيين به وإن لم يقل معه للباقيات لا أريدكن
( لا الظهار والإيلاء ) فليس كل منهما باختيار للنكاح ( في الأصح ) لأن الظهار وصف بالتحريم والإيلاء حلف على الامتناع من الوطء وهما بالأجنبية أليق
والثاني هما تعيين للنكاح كالطلاق
وعلى الأول لو اختار من ظاهر منها أو آلى للنكاح صح الظهار والإيلاء وتكون مدة الإيلاء من الاختيار ويصير في الظهار عائدا إن لم يفارقها في الحال
تنبيه قال الأذرعي في القوت الظاهر أن قول المصنف الأصح راجع إلى الظهار والإيلاء فقط وجعله في الغنية راجعا إليهما وإلى الطلاق
والأول أوجه والوطء ليس باختيار لأن الاختيار إما كابتداء النكاح أو كاستدامته وكل منهما لا يحصل إلا بالقول كالرجعة وللموطوءة المسمى الصحيح أو مهر المثل إن لم يكن صحيحا إن اختار غيرها
( ولا يصح تعليق اختيار ) استقلالي ( ولا ) تعليق ( فسخ ) لم ينو به الطلاق كقوله إن دخلت الدار فقد اخترت نكاحك أو فسخته لأنهما تعيين ولا تعيين مع التعليق
وخرج ب استقلالي تعليق الاختيار الضمني ك من دخلت الدار فهي طالق فلو دخلت واحدة طلقت على الأصح وحصل الاختيار لها ضمنا فإن نوى بالفسخ الطلاق يصح تعليقه لأنه حينئذ طلاق والطلاق يصح تعليقه ويحصل الاختيار به ضمنا وإن كان معلقا إذ يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في المستقل
( ولو حصر الاختيار في خمس ) أو أكثر من نسوة أسلم عنهن صح و ( اندفع من زاد ) على ذلك وإن لم يكن تعيينا تاما ( وعليه التعيين ) التام بعد ذلك لما في دون الخمس لحبسه أكثر من العدد الشرعي ولدفع الضرر عنهن فإن كلا منهن لا يعلم أنها منكوحة أو مفارقة
تنبيه قوله وعليه التعيين يحتمل أن يكون كلاما مستأنفا فلا يختص بالمسألة قبله بل يعمها وغيرها ويحتمل أن يختص بها لكن يرجح الأول أن المصنف عمل بخطه فاصلة قبله
وفي قوله ( و ) عليه ( نفقتهن ) أن الخمس هذان الاحتمالان أيضا
والثاني هنا أظهر كما قاله ابن قاسم لأن النفقة لم يتقدم لها ذكر
ويستمر وجوب نفقتهن ( حتى يختار ) من الخمس أربعا
وقال ابن قاسم فأقل أي لأنهن محبوسات بحكم النكاح
( فإن ترك الاختيار حبس ) لأنه امتنع من واجب لا يقوم غيره مقامه فيه
فإن سأل الانتظار في الاختيار ليتفكر في الأحظ قال الروياني أمهله الحاكم ثلاثة أيام ولا يزيد
وقال صاحب الذخائر ينبغي القطع بإمهاله ثلاثا لأنها مدة التروي شرعا أما النفقة فلا يمهل بها لتضررهن بتركها
وإن أصر على الحبس ولم يفده عزر بما يراه الحاكم من ضرب وغيره وهكذا كل من أقر بحق وقدر على أدائه وامتنع وأصر ولم ينجح فيه الحبس ورأى الحاكم أن يضم إلى الحبس التعزير بالضرب وغيره
____________________
(3/199)
فله ذلك ويعزر ثانيا وثالثا وهكذا حتى يختار بشرط تخلل مدة يبرأ فيها عن ألم الأول حتى يفضي ذلك إلى هلاكه
ولو اختار أربعا منهن ثم قال رجعت عما اخترت لم يقبل رجوعه نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه ولا يختار الحاكم عن الممتنع
فإن قيل إذا امتنع المولى من الفيئة والطلاق طلق القاضي عليه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن هذا اختيار شهوة ولا يدري القاضي إلى أيتهن أميل ولذلك لا يجوز التوكيل فيه
تنبيه ما ذكره المصنف من لزوم الاختيار قال ابن شهبة الأصحاب كالمجمعين عليه لحديث غيلان حاملين الأمر فيه على الوجوب
قال السبكي والذي أفهمه منه أن أمسك للإباحة وفارق للوجوب لحقهن في رفع الحبس عنهن الرفع الجمع بين العشرة فإن الحرام الواجب ضده والسكوت مع الكف عن الكل لا محذور فيه إلا إذا طلبن إزالة الحبس فيجب كسائر الديون وإلا لم يجب فينبغي حمل كلامهم عليه
قال الأذرعي وقوله أمسك أربعا للإباحة لا ينازع فيه أحد وإن أوهم كلام الكتاب وغيره الوجوب
وقوله إن السكوت مع الكف لا محذور فيه موضع توقف لأن السكوت مع الكف يلزم منه إمساك أكثر من أربع في الإسلام وذلك محذور اه
وهو كلام حسن
( فإن مات قبله ) أي الاختيار ( اعتدت حامل به ) أي بوضع الحمل ولو كانت ذات أقراء لأن بوضعه تنقضي عدة الوفاة والفراق
( و ) اعتدت ( ذات أشهر وغير مدخول بها بأربعة أشهر وعشر ) احتياطا لاحتمال الزوجية في كل منهن ( وذات أقراء بالأكثر من ) الذي بقي من ( الأقراء و ) من ( أربعة ) من ( أشهر وعشر ) لأن كل واحدة تحتمل أن تكون زوجة فعليها عدة الوفاة أو مفارقة في الحياة فعليها أن تعتد بالأقراء فوجب الاحتياط لتحل للأزواج بيقين ففي ذات الأقراء الثلاثة الثلاثة قبل تمام أربعة أشهر وعشر أكملتها وابتداؤها من الموت وإن مضت الأربعة والعشر قبل تمام الأقراء أتمت الأقراء وابتداؤها من حين إسلامهما إن أسلما معا وإلا فمن حين إسلام السابق منهما
تنبيه قال البلقيني ولا بد من التنبيه على أمر وهو أنه إذا حسبت الأقراء من حين الإسلام فلا ينبغي أن يفهم لزوم الأكثر من الأقراء
والأشهر على معنى مقابلة المجموع بالمجموع إذ يلزم على ذلك أنه لو كانت ممن يتباعد حيضها حتى مضى بين الإسلام والموت قرءان في أربعة أشهر ومضى حق القرء الآخر في شهرين مثلا فلا نقول تنقضي عدتها حينئذ وإن الأكثر الأقراء بالنسبة إلى المجموع وإنما المراد الأكثر من أربعة أشهر وعشر وما بقي من الأقراء صرح بذلك البغوي وهو ظاهر اه
ولذلك قدرته في كلام المصنف
( ويوقف نصيب زوجات ) مسلمات من ربع أو ثمن عائل أو غيره ولا يوزع عليهن لأنا نعلم أن فيهن زوجات وقد جهلنا عينهن لأن الإسلام يقر نكاح أربع زوجات ويزيل نكاح البواقي فوجب التوقف
( حتى يصطلحن ) فيقسم الموقوف على ما يقع عليه الاتفاق بينهن من تفاضل أو تساو لأن الحق لهن
نعم لو كان فيهن غير مكلفة لم يكن لوليها أن يصالح عنها على أقل ما تقتضيه القسمة كالثمن إذا كن ثمانية أو السدس إذا كن ستة لأنه خلاف الحظ وقبل الاصطلاح يعطين اليقين ففي ثمان طلب أربع منهن لم يعطين فإن طلب خمس دفع لهن ربع الموقوف أو ست فنصفه أو سبع فثلاثة أرباعه ولهن قسمة ما أخذنه والتصرف فيه
ولا ينقطع بما أخذنه تمام حقهن بناء على أنه لا يشترط في الدفع إليهن أن يبرئن عن الباقي وهو ما صححه الشيخان لأنا تيقنا أن فيهن من تستحق المدفوع فكيف يكلفن بدفع الحق إليهن إسقاط حق آخر إن كان
أما الزوجات الكافرات فلا يوقف لهن شيء وكذا إذا لم يتحقق إرث المسلمات كما إذا أسلم على أكثر من أربع كتابيات وأسلم منهن أربع أو كان تحته أربع كتابيات وأربع وثنيات وأسلم معه الوثنيات ومات قبل الاختيار فلا يوقف للزوجات شيء بل تقسم كل التركة بين باقي الورثة لأن استحقاق الزوجات الإرث غير معلوم لاحتمال أنهن الكتابيات وكذا لو كان تحته مسلمة وكتابية فقال إحداكما طالق ومات ولم يبين
____________________
(3/200)
فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت أو ارتدت مع زوجها أو تخلف أحدهما عن الآخر إذا ( أسلما ) أي الزوجان ( معا ) قبل دخول أو بعده ( استمرت النفقة ) وغيرها من بقية المؤن لدوام النكاح والتمكين
( ولو أسلم ) هو ( وأصرت ) وهي غير كتابية كما في المحرر والروضة كأصلها ( حتى انقضت العدة فلا ) نفقة لها ولا شيء من بقية المؤن لإساءتها بتخلفها عن الإسلام فهي كناشزة
وقيل تجب لأن المنع من جهته فهو كما لو حج ورد بأن الإسلام فرض مضيق عليه بخلاف الحج
أما الكتابية فلها النفقة قطعا إذا كان يحل له ابتداء نكاحها وإلا فهي كغيرها من الكافرات
( وإن أسلمت فيها ) أي العدة ( لم تستحق لمدة التخلف ) شيئا ( في الجديد ) لما مر والقديم الوجوب لأنه تبين بالآخر أنها كانت زوجة وهي لم تحدث شيئا والزوج هو الذي بدل الدين
قال الزركشي ولم يفصلوا بين أن يكون التخلف لعذر أم لا وينبغي إذا تخلفت لصغر أو جنون أو إغماء ثم أسلمت عقب زوال المانع أن تستحق وتعليلهم يرشد إليه اه
ورد هذا البحث وإن كان للتعليل يرشد إليه بأنها تسقط بعدم التمكين وإن لم يكن نشوز ولا تقصير من الزوجة كما تسقط بحبسها ظلما
تنبيه لو اختلفا في سبق الإسلام فقال الزوج أسلمت أولا فلا نفقة لك وقالت بل أسلمت أولا فلي النفقة صدقت بيمينها لأن النفقة كانت واجبة فهو يدعي مسقطا فأشبه ما إذا ادعى عليها النشوز وهي تنكره
( ولو أسلمت ) هي ( أولا فأسلم ) هو ( في العدة ) فلها نفقة مدة تخلفه ( أو أصر ) إلى انقضاء العدة ( فلها نفقة العدة على الصحيح ) أما في الأولى فلأنها أدت فرضا مضيقا عليها فلا يمنع النفقة كصوم رمضان وأما في الثانية فلأنها أحسنت وهو قادر على تقرير النكاح بأن يسلم فجعلت كالرجعية
وقضية هذا عدم استمرار وجوب النفقة فيما لو تخلف إسلامه لعذر من صغر أو جنون أو إغماء ودام به المانع حتى انقضت العدة وهو البحث المتقدم وبحثه الزركشي أيضا وليس مرادا بل تعليلهم بذلك جرى على الغالب
والثاني لا تستحق فيهما
أما في الأولى فلأنه استمر على دينه وهي التي أحدثت المانع من الاستمتاع وإن أطاعت به كالحج ورد بأن الحج موسع والإسلام مضيق
وأما في الثانية فلأنها بائن حائل ولهذا لو طلقها لم يقع الطلاق
وفرق المتولي بين هذه وبين ما إذا سبقت إلى الإسلام قبل الدخول حيث يسقط مهرها مع إحسانها بأن المهر عوض العقد فسقط بتفويت العاقد معوضه وإن كان معذورا كأكل البائع المبيع مضطرا والنفقة للتمكين وإنما تسقط للتعدي ولا تعدي هنا
( وإن ارتدت ) زوجة وحدها ( فلا نفقة ) لها زمن الردة ( وإن أسلمت في العدة ) لأنها كالناشزة بالردة بل أولى وتستحق من وقت الإسلام في العدة ( وإن ارتد ) الزوج وحده ( فلها ) عليه ( نفقة العدة ) لأن المانع من جهته
ولو ارتدا معا فلا نفقة لها لما مر وبحث الرافعي أنه يجيء فيه الخلاف في تشطير المهر بردتهما قبل الدخول وأقره المصنف ولكن لا يلزم من جريان الخلاف الاتحاد في الترجيح
ولو ارتدت فغاب ثم أسلمت وهو غائب استحقت النفقة من حين إسلامها
فإن قيل الردة أولى من النشوز كما مر وهي لو نشزت فغاب ثم عادت إلى الطاعة وهو غائب لم تستحق النفقة حتى يصل الخبر إليه ويمضي زمان لو سافر إليها لأمكنه الوصول فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن سقوط النفقة بالردة زال بالإسلام وسقوطها بالنشوز للمنع من الاستمتاع والخروج من قبضته وذلك لا يزول مع الغيبة كما ذكره البغوي في تهذيبه
خاتمة لو اختلفا في السابق بالإسلام قبل الدخول فادعت سبق الزوج به ليثبت لها نصف المهر وعكس هو فالقول قولها بيمينها لأن الأصل بقاء نصف المهر فإن ادعى الزوج سبقها فقالت لا أعرف السابق منا لم تطالبه بشيء من المهر فإن ادعت بعد قولها ذلك علمها بسبق إسلامه صدقت بيمينها وأخذت النصف وإن جعل السبق والمعية باعترافهما فالنكاح باق لأن الأصل بقاؤه
وإن جهل السابق منهما فلا نكاح بينهما لاتفاقهما على تعاقب الإسلام قبل الدخول
____________________
(3/201)
ولا يطالب بنصف المهر إن لم تكن قبضت المهر لاحتمال سبقها ولا يسترده هو منها إن كانت قبضته لاحتمال سبقه فيقر النصف في يدها حتى يتبين الحال
وأقام الزوج شاهدين أنهما أسلما حين طلعت الشمس أو غربت يوم كذا قبلت شهادتهما واستمر النكاح أو أنهما أسلما مع طلوع الشمس أو غروبها يوم كذا لم تقبل لأن وقت الطلوع أو الغروب يتناول حال تمامه وهي واحدة والمعية للطلوع أو الغروب تتناول أوله وآخره فيجوز أن يكون إسلام أحدهما مقارنا لطلوع أول القرص أو غروبه وإسلام الآخر مقارنا لطلوع آخره أو غروبه
باب الخيار في النكاح ( والإعفاف ونكاح العبد ) وما يذكر معها وأسباب الخيار المتفق عليه ثلاثة وعدها في الروضة أربعة فجعل العتة سببا مستقلا والأوجه دخولها في العيوب
وأما المختلف فيها فكالإعسار بالمهر أو النفقة وكأن يجد أحدهما الآخر رقيقا أو يجد الزوج المرأة لا تحتمل الوطء إلا بالإفضاء وسيأتي الكلام على ذلك في محله
الأول من الثلاثة العيوب وتنقسم إلى ثلاثة أقسام قسم مشترك بين الزوجين وقسم مختص بالزوجة وقسم مختص بالزوج وقد بدأ المصنف بالقسم الأول من العيوب فقال إذا ( وجد أحد الزوجين بالآخر جنونا ) وإن انقطع أو كان قابلا للعلاج ثبت له الخيار كما سيأتي الجنون زوال الشعور من القلب مع بقاء الحركة والقوة في الأعضاء واستثنى المتولي من المنقطع الخفيف الذي يطرأ في بعض الزمان
أما الإغماء بالمرض فلا يثبت به خيار كسائر الأمراض ومحله كما قال الزركشي فيما تحصل منه الإفاقة كما هو الغالب
أما المأيوس من زواله فكالجنون كما ذكره المتولي وكذا إن بقي الإغماء بعد المرض فيثبت به الخيار كالجنون
وألحق الشافعي رضي الله تعالى عنه الخبل بالجنون والإصراع نوع من الجنون كما قاله بعض العلماء
( أو ) وجد أحد الزوجين بالآخر ( جذاما ) وهو علة يحمر منها العضو ثم ينقطع ثم يسود ثم ينقطع ويتناثر ويتصور ذلك في كل عضو لكنه في الوجه أغلب
( أو برصا ) وهو بياض شديد يبقع الجلد ويذهب دمويته ثبت له الخيار كما مر
هذا إذا كانا مستحكمين بخلاف غيرهما من أوائل الجذام والبرص لا يثبت به الخيار كما صرح به الجويني قال والاستحكام في الجذام يكون بالتقطع وتردد الإمام فيه وجوز الاكتفاء باسوداده
وحكم أهل المعرفة باستحكام العلة ولم يشترطوا في الجنون الاستحكام قال الزركشي ولعل الفرق أن الجنون يفضي إلى الجناية على الزوج
فإن قيل كيف يتصور فسخ المرأة بالعيب لأنها إن علمت به فلا خيار لها وإن لم تعلم به فالتنقي من العيوب شرط في الكفاءة فلا يصح النكاح إذا عدم التكافؤ أجيب بأن هذا غفلة عن قسم آخر وهو ما إذا أذنت في التزويج من معين ولو من غير كفء وزوجها الولي منه بناء على أنه سليم فإذا هو معيب فالمذهب صحة النكاح كما صرح به الإمام في باب التولية والمرابحة ويثبت الخيار بذلك
ثم شرع فيما هو مختص بالزوجة فقال ( أو وجدها ) الزوج ( رتقاء أو قرناء ) بأن انسد محل الجماع منها في الأول بلحم وبالثاني بعظم في الأصح وقيل بلحم وعليه فالرتق والقرن واحد ثبت له الخيار كما سيأتي وليس للزوج إجبار الرتقاء على شق الموضع وإن شقته وأمكن الوطء فلا خيار ولا تمكن الأمة من الشق قطعا إلا بإذن السيد
ثم شرع فيما هو مختص بالزوج فقال ( أو وجدته عنينا ) وهو العاجز عن الوطء في القبل خاصة قيل سمي عنينا للين ذكره وانعطافه مأخوذ من عنان الدابة للينه
( أو مجبوبا ) وهو مقطوع جميع الذكر أو لم يبق منه قدر الحشفة أما إذا بقي منه ما يولج قدرها فلا خيار لها
وجواب إذا المقدرة في كلام المتن قوله ( ثبت ) لواجد العيب من الزوجين ( الخيار في فسخ النكاح ) كما تقرر لكن بعد ثبوت العيب عند القاضي كما سيأتي
وثبوت الخيار بهذه العيوب قال به جمهور العلماء
____________________
(3/202)
وجاءت به الآثار وصح ذلك من عمر رضي الله عنه في الثلاثة الأول وهي المشتركة بين الزوجين رواه عنه الشافعي وعول عليه لأن مثله لا يكون إلا عن توقيف وفي الصحيح فر من المجذوم فرارك من الأسد
قال الشافعي في الأم وأما الجذام والبرص فإنه أي كلا منهما يعدي الزوج ويعدي الولد وقال في موضع آخر الجذام والبرص مما يزعم أهل العلم بالطب والتجارب أنه يعدي كثيرا وهو مانع للجماع لا تكاد نفس أحد أن تطيب أن يجامع من هو به والولد قل ما يسلم منه فإن سلم أدرك نسله
فإن قيل كيف قال الشافعي إنه يعدي وقد صح في الحديث لا عدوى أجيب بأن مراده أنه يعدي بفعل الله لا بنفسه
والحديث ورد ردا لما يعتقده أهل الجاهلية من نسبة الفعل لغير الله تعالى وأن مخالطة الصحيح لمن به شيء من هذه الأدواء سبب لحدوث ذلك الداء ولأن معظم النكاح هو الوطء والقرن والرتق مانعان منه فيتعذر مقصوده
وحكى الماوردي إجماع الصحابة على ثبوت الخيار بالجب والعنة
تنبيه شمل إطلاق المصنف ما لو زال العيب قبل الفسخ وما لو علم به بعد الموت والأصح لا خيار فيهما
وقضية قوله وجد أنه لو علم أحدهما بعيب صاحبه قبل العقد لا خيار له وليس على إطلاقه بل لو علمت بعنته قبل العقد فلها الخيار بعده على المذهب لأن العنة تحصل في حق امرأة دون أخرى وفي نكاح دون نكاح ويثبت الخيار للزوجة بالعنة وإن كان قادرا على جماع غيرها
ولا فرق في ثبوت الخيار فيما ذكر بين أن يجد أحد الزوجين بالآخر مثل ما به من العيب أو لا
( وقيل إن وجد به مثل عيبه ) من الجذام أو البرص قدرا وفحشا ( فلا ) خيار لتساويهما
وأجاب الأول بأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه
أما المجنونان جنونا مطبقا فيتعذر الخيار لهما لانتفاء الخيار
وقول المصنف مثل عيبه احترز به عما إذا كان في أحدهما أكثر أو أفحش أو اختلف الجنس فإنه يثبت الخيار قطعا نعم إن كان مجبوبا بالموحدة وهي رتقاء فطريقان قيل كالجنس وقيل لا خيار قطعا
ولو اختلفا في شيء هل هو عيب كبياض هل هو برص أو لا صدق المنكر وعلى المدعي البينة
تنبيه قد علم مما تقرر أن جملة العيوب سبعة وأنه يمكن في حق كل من الزوجين خمسة
واقتصار المصنف على ما ذكر من العيوب يقتضي أنه لا خيار فيما عداها قال في الروضة وهو الصحيح الذي قطع به الجمهور فلا خيار بالبخر والصنان والاستحاضة والقروح السيالة والعمى والزمانة والبله والخصاء والإفضاء ولا بكونه يتغوط عند الجماع لأن هذه الأمور لا تفوت مقصود النكاح بخلاف نظيره في البيع لفوات المالية
( ولو وجده خنثى واضحا ) بأن زال إشكاله قبل عقد النكاح بذكورة أو أنوثة ( فلا ) خيار له ( في الأظهر ) سواء أوضح بعلامة قطعية أم ظنية أو بإخباره لأن ما به من ثقبة أو سلعة زائدة لا يفوت مقصود النكاح
والثاني له الخيار بذلك لنقرة الطبع عنه أما الخنثى المشكل فنكاحه باطل
ولو وجدها مستأجرة العين نقل الشيخان عن المتولي أنه ليس له منعها عن العمل ولا نفقة عليه وظاهره أنه لا خيار له وهو المعتمد ونقلا عن الماوردي أن له الخيار إن جهل
ولا يسقط برضا المستأجر بالإستمتاع نهارا
ويلحق بالمرأة الرتقاء ضيقة المنفذ إن كان يحصل افتضاؤها بالوطء من كل واطىء كما أشار إليه الرافعي في الديات وعلى هذا يقاس بالعنين كبير الآلة بحيث لا تسع حشفته امرأة وبه صرح الغزالي في الديات وأغرب الخفاف فعد في عيوب الرجل كونه مشعر الإحليل قال الزركشي وينبغي على قياسه كون المرأة خشنة المدخل بحيث يتأذى المدخل
( ولو حدث به ) أي الزوج بعد العقد ( عيب ) كأن جب ذكره ( تخيرت ) قبل الدخول جزما وبعده على الأصح لحصول الضرر به كالمقارن مع أنه لا خلاص لها إلا بالفسخ بخلاف الرجل
تنبيه شمل إطلاق المصنف ما لو جبت ذكر زوجها وهو الأصح
فإن قيل إذا عيب المشتري المبيع لم يثبت له خيار فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنها بالجب لا تصير قابضة لحقها فهي كالمستأجر إذا عيب العين المستأجرة والمشتري بالتعييب قابض لحقه
( إلا عنة ) حدثت ( بعد دخول ) لحصول مقصود النكاح من المهر وثبوت الحضانة وقد عرفت
____________________
(3/203)
قدرته على الوطء ووصلت إلى حقها منه
فإن قيل الجب كذلك
أجيب بأن الجب حصل به اليأس بخلاف العنة
فإن قيل الوطء حق للزوج بدليل أنه لو امتنع منه دائما لا خيار لها ولا يأثم بتركه ولا يدخل في القسم بين الزوجات فله أن يطأ بعضهن ويترك بعضهن فقولهم إنها استوفت حقها منه يدل على أن لها حقا في ذلك
أجيب بأن محله ما دامت مترجية للوطء فإن داعية الزوج كافية في ذلك فإذا أيست منه أثبتوا لها الخيار لتضررها
( أو ) حدث ( بها ) عيب ( تخير ) الزوج قبل الدخول وبعده ( في الجديد ) كما لو حدث به والقديم لا لتمكنه من الخلاص بالطلاق بخلافها ورد بتضرره بنصف الصداق أو كله
قال ابن الرفعة ولا يبعد على الجديد أن يكون حديث الرتق والقرن بعد الوطء لحدوث الجب في الخلاف اه
وهو ظاهر
قال ابن شهبة وصرح به القاضي حسين في النفقات
فرع لو حدث به وجب فرضيت ثم حدث بها رتق أو قرن فهل يثبت له الخيار أم لا لقيام المانع به قال الزركشي فيه نظر اه
والأوجه ثبوته
( ولا خيار لولي ) بنسب أو غيره كسيد ( بحادث ) من العيب بالزوج إذ لا عار عليه في العرف بخلافه في الابتداء ولهذا لو عتقت تحت عبد ورضيت به ليس له الفسخ وإن كان له المنع ابتداء من نكاح الرقيق
( وكذا بمقارن جب وعنة ) للعقد لاختصاصها بالضرر ولا عار عليه
فإن قيل العنة لا تثبت إلا بعد العقد فكيف صورتها أجيب بتصويره بما إذا تزوجها وعرف الولي عنته ثم طلقها وأراد تجديد نكاحها
فإن قيل هذا معترض بأنه قد يعن في نكاح دون نكاح كما هو الأصح
أجيب بأن الأصل الاستمرار
( ويتخير ) الولي ( بمقارن جنون ) للزوج وإن رضيت به الزوجة لتعيره بذلك ( وكذا جذام وبرص ) مقارنان يتخير الولي بكل منهما ( في الأصح ) للعار وخوف العدوى للنسل والثاني المنع لاختصاص الضرر بالمرأة فإذا فسخ من ثبت له الخيار بعيب ظنه ثم تبين أنه ليس بعيب بطل الفسخ
( والخيار ) في الفسخ بهذه العيوب إذا ثبت يكون ( على الفور ) لأنه خيار عيب فكان على الفور كما في البيع
والمعنى بكونه على الفور أن المطالبة والرفع إلى الحاكم يكونان على الفور ولا ينافي ذلك ضرب المدة في العنة فإنها حينئذ تتحقق وإنما يؤمر بالمبادرة إلى الفسخ بعد تحقق العيب ولو ادعى جهل الفور فقياس ما تقدم في الرد بالعيب أنه يقبل لخفائه على كثير من الناس
ولو قال أحدهما علمت بعيب صاحبي وجهلت الخيار قبل قوله بيمينه إن أمكن وإلا فلا
( والفسخ ) منه أو منها بعيب فيها أو فيه مقارن للعقد أو حادث ( قبل دخول يسقط المهر ) ولا متعة لها أيضا لأنه إن كان العيب به فهي الناسخة فلا شيء لها وإن كان بها فسبب الفسخ معنى وجد فيها فكأنها هي الفاسخة
( و ) الفسخ ( بعده ) أي الدخول بأن لم يعلم به إلا بعده ( الأصح ) وفي الروضة الصحيح المنصوص ( أنه يجب مهر مثل إن فسخ ) النكاح ( بمقارن ) للعقد ( أو ) فسخ ( بحادث بين العقد والوطء جهله الواطىء ) إن كان بالموطوءة وجهلته هي إن كان بالواطىء لأنه قد استمتع بمعيبة وهو إنما بذل المسمى على ظن السلامة ولم تحصل فكان العقد جرى في الأول بلا تسمية ويجعل اقترانه بالوطء المقارن للمهر في الثاني كالإقتران بالعقد فكأنه أيضا جرى بلا تسمية ولأن قضية الفسخ رجوع كل منهما إلى عين حقه أو إلى بدله إن تلف فيرجع الزوج إلى عين حقه وهو المسمى والزوجة إلى بدل حقها وهو مهر المثل لفوات حقها بالدخول
وبما تقرر من أن ما ذكر صير التسمية كالعدم سقط ما قيل الفسخ إن رفع العقد من أصله فالواجب مهر المثل مطلقا أو من حينه فالمسمى كذلك وأجاب السبكي عما قيل بأن الذي يختاره هنا وفي الإجارة أنه يرفعه من حين حدوث سببه لا من أصل العقد ولا من حين الفسخ وعليه يستقيم هذا التفصيل والنكاح والإجارة من واد واحد
لأن المعقود عليه فيهما المنافع وهي لا تقبض حقيقة إلا بالإستيفاء بخلاف البيع فإن القبض فيه مقرر وأما الفسخ في
____________________
(3/204)
النكاح بالردة والرضاع والإعسار فمن حينه قطعا وكذا الخلع اه
والفرق دقيق والأول أولى
( و ) الأصح أنه يجب ( المسمى إن حدث ) العيب ( بعد وطء ) لأنه استقر بالوطء قبل وجود سبب الخيار فلا يغير
والثاني وهو قول مخرج يجب المسمى مطلقا لتقرره بالدخول
والثالث مهر المثل مطلقا وقيل في المقارن إن فسخ بعيبها فمهر المثل وإن فسخت بعيبه فالمسمى
والحاصل أن الوطء مضمون بلا خلاف لأن الوطء في النكاح لا يخلو عن مقابل وإنما الخلاف هل يجب المسمى أو مهر المثل فإن قيل في رد الجارية المبيعة بعيب وطؤها غير مضمون وقد اشتركا في الفسخ بالعيب
أجيب بأن الوطء مقصود في النكاح فوجب بذله بكل حال والوطء في المبيع ليس مقصودا في البيع وإنما العقد على الرقبة والوطء منفعة ملكه فلم يقابله عوض
فرع لو فسخ بمقارن للوطء كان كالفسخ بحادث قبله كما بحثه بعض المتأخرين فيجب مهر المثل لا المسمى
فرع لا نفقة للمفسوخ نكاحها بعد الدخول في العدة إن كانت حائلا أو حاملا لانقطاع أثر النكاح بالفسخ ولها السكنى لأنها معتدة عن نكاح صحيح تحصينا للماء
( ولو انفسخ ) النكاح ( بردة ) منه أو منها ( بعد وطء ) بأن لم يجمعهما الإسلام في العدة ( فالمسمى ) هو الواجب لأن الوطء قرر المسمى قبل وجودها والردة لا تستند إلى ما تقدم
( ولا يرجع الزوج ) الفاسخ ( بعد الفسخ بالمهر ) الذي غرمه ( على من غره ) من ولي أو زوجة بالعيب المقارن ( في الجديد ) لاستيفائه منفعة البضع لمتقوم عليه بالعقد والقديم يرجع به للتدليس بإخفاء العيب المقارن للعقد ورد بأنه يلزم منه أن يجمع بين العوض والمعوض وهو ممنوع
أما العيب الحادث بعد العقد إذا فسخ به فلا يرجع بالمهر جزما لانتفاء التدليس
وصور في التتمة التغرير منها بأن تسكت عن عيبها وتظهر للولي معرفة الخاطب به وصوره أبو الفرج الرزاز بأن تعقد بنفسها ويحكم حاكم بصحته وكل صحيح
ولو أجاز الزوج فعليه المسمى ولا يرجع به على الغار جزما
( ويشترط في ) الفسخ بعيب ( العنة رفع إلى حاكم ) جزما ليفعل ما سيأتي بعد ثبوتها ( وكذا سائر ) أي باقي ( العيوب ) السابقة يشترط في الفسخ بكل منها الرفع إلى الحاكم ( في الأصح ) لأنه مجتهد فيه فأشبه الفسخ بالإعسار
والثاني لا بل لكل منهما الانفراد بالفسخ كالرد بالعيب
تنبيه قضية كلامه أنهما لو تراضيا بالفسخ مما يجوز الفسخ به لم يصح وبه صرح في المحرر
( وتثبت العنة بإقراره ) أي الزوج بها عند الحاكم كغيرها من الحقوق أو ( بينة ) تقام عند الحاكم ( على إقراره ) ولا يتصور ثبوتها بالبينة لأنه لا مطلع للشهود عليها
ويؤخذ من هذا إن دعوى امرأة الصبي والمجنون العنة عليهما لا تسمع لسقوط قولهما
( وكذا ) تثبت العنة ( بيمينها ) المردودة ( بعد ) إنكاره العنة و ( نكوله ) عن اليمين ( في الأصح ) وإنما جاز لها الحلف لأنها تعرف ذلك بالقرائن والممارسة كما يجوز لها أن تحلف أنه نوى الطلاق بالكتابة إذا دلت قرينة على ذلك بخلاف الشهادة بها إذ لا يعرف الشهود من ذلك ما تعرفه هي
والثاني لا يرد اليمين عليها ويقضي بنكوله
تنبيه كان الأولى التعبير بالتعنين كما في الروضة لأن العنة في اللغة هي الحظيرة المعدة للإبل والبقر والغنم كما قاله المصنف في تحريره
قال وما يقع في كتب الأصحاب من قولهم العنة ويريدون به التعنين فليس بمعروف في اللغة اه
واعترض بأن ابن مالك قال في مثلته العنة بالضم العجز عن الجماع وقال أبو عبيدة يقال للمرأة التي لا تريد الرجال عنينة
( وإذا ثبتت ) عنة الزوج ( ضرب القاضي له سنة ) كما فعله عمر رضي الله تعالى عنه رواه
____________________
(3/205)
الشافعي رضي الله عنه والبيهقي وغيرهما وقال في النهاية اجمع المسلمون على اتباع قضاء عمر رضي الله عنه في قاعدة الباب
والمعنى فيه مضي الفصول الأربعة لأن تعذر الجماع قد يكون لعارض حرارة فتزول في الشتاء أو برودة فتزول في الصيف أو يبوسة فتزول في الربيع أو رطوبة فتزول في الخريف فإذا مضت السنة ولا إصابة علمنا أنه عجز خلقي
تنبيه ابتداء المدة من ضرب القاضي لا من وقت ثبوت العنة لأنها مجتهد فيها بخلاف مدة الإيلاء فإنها من وقت الحلف للنص
وتعتبر السنة بالأهلة فإن كان ابتداؤها في أثناء شهر كمل من الشهر الثالث عشر ثلاثين
وظاهر كلام المصنف كغيره في ضرب السنة أنه لا فرق فيه بين الحر والعبد ولا بين المسلم وغيره ولا بين أن يقول مارست نفسي وأنا عنين فلا تضربوا لي مدة أم لا وهو كذلك لأن ذلك شرع لأمر جبلي فأشبه الحيض والرضاع فلا يختلفون في كون المدة سنة
وإنما تضرب المدة ( بطلبها ) أي الزوجة لأن الحق لها
ويكفي قولها أنا طالبة حقي بموجب الشرع وإن جهلت بتفصيل الحكم فإن سكت لم تضرب
نعم إن علم القاضي أن سكوتها لجهل أو دهشة أو غفلة فلا بأس بتنبيهها
تنبيه أفهم قوله بطلبها أن الولي لا ينوب عنها في ذلك عاقلة أو كانت مجنونة وهو كذلك وليس للرتقاء والقرناء دعوى العنة كما قاله صاحب الخصال ولا للأمة لأنه يلزم منه بطلان نكاحها كما قاله الجرجاني لأن العنين لا يخاف العنت وهو ظاهر إن ادعت عنه مقارنة للعقد وإلا فتسمع لانتفاء ما ذكر
( فإذا تمت ) تلك السنة المضروبة للزوج ولم يطأ على ما يأتي ولم تعتزله فيها ( رفعته ) ثانيا ( إليه ) أي القاضي فلا تنفسخ بلا رفع إذ مدار الباب على الدعوى والإقرار والإنكار واليمين فيحتاج إلى نظر القاضي واجتهاده
تنبيه قضية كلامهم بل صريحه أن الرفع ثانيا بعد السنة يكون على الفور وهو كما قال شيخنا المعتمد وإن خالف في ذلك الماوردي والروياني
( فإن قال وطئت حلف ) بعد طلبها أنه وطىء كما ذكر وإنما صدق بيمينه في ذلك مع أن الأصل عدم الوطء لعسر إقامة بينة الجماع والأصل السلامة ودوام النكاح
هذا في الثيب أما البكر إذا شهد أربع نسوة ببكارتها فالقول قولها للظاهر وهل تحلف أو لا فيه وجهان رجح في الشرح الصغير الأول وهو الراجح كما قاله الإسنوي وغيره ونقله الأذرعي وغيره عن نص الأم وعليه قال ابن الرفعة ظاهر النص أنها لا تحلف إلا أن يطلب الزوج يمينها ورجح ابن المقري الثاني فإن ادعى الزوج عود البكارة بأن قال بعد شهادتهن أصبتها ولم أبالغ فعادت بكارتها وطلب يمينها حلفت أنه لم يصبها
تنبيه ما ذكره المصنف من كون القول قول الزوج في الوطء هو أحد ثلاثة مواضع مستثناة مما إذا اختلف الزوجان في الإصابة فإن القول قول النافي أخذا بالأصل
الموضع الثاني المولي وهو كالعنين في أكثر ما ذكر وإذا طلق عنين أو مول قبل الوطء زوجته بعد أن حلفا على الوطء فليس لهما رجعة لأنها المصدقة بيمينها في إنكارها الوطء لدفع رجعتها وإن صدق الأول لدفع العنة والثاني لدفع المطالبة عنه إذ لا يلزم من تصديق الشخص للدفع عن نفسه تصديقه لإثبات حق له على غيره إذ اليمين حجة ضعيفة
ونظروا ذلك بمسألتين الأولى إذا صدقنا الوديع في تلف الوديعة ثم ظهرت مستحقة وغرمه مستحقها بدلها لم يرجع به على المودع أنها لم تتلف فيمين الوديع دافعة عنه الغرم غير مثبتة له الرجوع الثانية دار في يد اثنين ادعى أحدهما جميعها وقال الآخر بل هي بيننا نصفين صدق الآخر بيمينه
فإذا باع مدعي الكل نصيبه من ثالث ليس للآخر الأخذ بالشفعة لأن يمينه رفعت الأخذ فلا تكون مثبتة له حقا
الموضع الثالث مطلقة ادعت الوطء قبل الطلاق لتستوفي المهر وأنكره فأتت بولد لزمان يلحقه ظاهرا فالقول قولها بيمينها إن لم ينفه لترجيح جانبها بالولد وكذا نقلاه في الشرح والروضة عن الأئمة وأقراه
وأورد على حصرهما مسائل الأولى إذا ادعت البكارة المشروطة وأنها زالت بوطئه فتصدق بيمينها لدفع الفسخ
الثانية إذا ادعت المطلقة ثلاثا أن المحلل وطئها وفارقها
____________________
(3/206)
فانقضت عدتها فأنكر المحلل الوطء فتصدق بيمينها لحلها للأول لا لغريم مهرها لأنها مؤتمنة في انقضاء المدة وبينة الوطء متعذرة
الثالثة إذ قال لها وهي طاهر أنت طالق للسنة ثم ادعى وطأها في هذا الطهر ليدفع وقوع الطلاق في الحال وأنكرته فيصدق بيمينه لأن الأصل بقاء النكاح
الرابعة إذا علق طلاقها بعدم الوطء ثم اختلفا كذلك فهو المصدق لما ذكر وبه أجاب القاضي في فتاويه فيما لو علقه بعدم الانفاق عليها ثم ادعى الإنفاق فإنه المصدق بيمينه لعدم وقوع الطلاق لا لسقوط النفقة وإن قال ابن الصلاح في فتاويه الظاهر الوقوع
( فإن نكل ) عن اليمين ( حلفت ) هي أنه لم يطأ ( فإن حلفت ) على ذلك ( أو أقر ) هو بذلك ( استقلت ) هي ( بالفسخ ) كما يستقل بالفسخ من وجد بالبيع عيبا لكن إنما تفسخ بعد قول القاضي لها ثبتت العنة أو ثبت حق الفسخ فاختاري على الأصح في أصل الروضة
نعم قوله فاختاري قال الأذرعي وغيره إنه ليس شرطا بل المراد به إعلامها بدخول وقت الفسخ حتى لو بادرت وفسخت قبله نفذ فسخها ويؤيده حذف الرافعي له من الشرح الصغير
( وقيل يحتاج إلى إذن القاضي ) لها بالفسخ ( أو ) إلى ( فسخه ) لأنه محل نظر واجتهاد فيتعاطاه بنفسه أو يأذن فيه
فإن قيل قد صححا هذا في الإعسار بالنفقة فهلا كان كذلك أجيب بأن خيار العنة خصلة واحدة وخيارها على الفور
وضرب القاضي المدة والثبوت بعدها إنما شرعا لتحقق السبب المقتضي للفسخ على الفور فإن تحقق السبب استقلت بالفسخ لئلا يخرج عن الفورية بخلاف النفقة فإن خيارها على التراخي ولهذا لو رضيت المرأة بإعساره كان لها الفسخ بعد ذلك
( ولو اعتزلته ) كأن استحيضت ( أو مرضت أو حبست في المدة ) كلها ( لم تحسب ) هذه السنة المشتملة على ما ذكر لأن عدم الوطء حينئذ يضاف إليها وتستأنف سنة أخرى
ولو وقع لها مثله في بعض السنة قال الشيخان فالقياس استئناف سنة أخرى أو تنتظر مضي مثل ذلك الفصل من السنة الأخرى
فإن قيل يلزم من ذلك الاستئناف أيضا لأن ذلك الفصل إنما يأتي في سنة أخرى
أجيب بأن المراد أنه لا يمتنع إنعزالها عنه في غير ذلك الفصل من قابل بخلاف الإستئناف ولا يمنع حسبان المدة حيضها إذ لا تخلو السنة عنه غالبا
تنبيه قضية اقتصارها على ذكر ذلك من جانبها أن حبسه ومرضه لا يمنع حسبان المدة وهو كذلك كما في الشرح الكبير عن ابن القطان وأسقطه من الروضة
وسفرها كحبسها ونفاسها كحيضها كما بحثه بعض المتأخرين وسفره كحبسه
ولو ادعى امتناعها صدق بيمينه ثم يضرب القاضي مدة أخرى ويسكنها بين قوم ثقات ويعتمد قولهم
( ولو رضيت بعدها ) أي انقضاء جميع المدة ( به ) أي بالمقام مع الزوج ( بطل حقها ) من الفسخ كما في سائر العيوب
فإن قيل الإيلاء والإعسار بالنفقة والإجارة إذا تهدمت الدار لها الفسخ في ذلك وإن رضيت فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن ضرر هذه الأمور يتجدد والعنة عيب واحد إذا تحقق لا تتوقع إزالته
تنبيه قوله بعدها من زيادته خرج بها ما إذا رضيت في أثناء المدة أو قبل ضربها فإن حقها لا يبطل ولها الفسخ بعد المدة لأنها رضيت بإسقاط حقها قبل ثبوته فلم يسقط كالعفو عن الشفعة قبل البيع
ولو طلقها رجعيا بعد أن رضيت به ويتصور بإستدخالها ماءه وبوطئها في الدبر ثم راجعها لم يعد حق الفسخ لأنه نكاح واحد بخلاف ما إذا بانت وجدد نكاحها فإن طلبها لم يسقط لأنه نكاح غير ذلك النكاح
( وكذا ) يبطل حقها ( لو أجلته ) بعد المدة المضروبة مدة أخرى كشهر ( على الصحيح ) لأنه على الفور والتأجيل مفوت له
والثاني لا يبطل لإحسانها بالتأجيل ولا يلزمها فلها الفسخ متى شاء
ثم شرع في السبب الثاني وهو قسمان خلف شرط وخلف ظن وبدأ بالأول فقال ( ولو نكح ) امرأة ( وشرط ) بالبناء للمفعول ( فيها ) في العقد ( إسلام أو ) شرط ( في أحدهما ) أي الزوج أو الزوجة ( نسب أو حرية أو غيرهما ) مما لا يمنع عدمه صحة النكاح من صفات الكمال كبكارة وشباب أو النقص كضد
____________________
(3/207)
ذلك أو لا ولا كطول وبياض وسمرة ( فأخلف ) بالبناء للمفعول المشروط ( فالأظهر صحة النكاح ) لأن الخلف في الشرط لا يوجب فساد البيع مع تأثره بالشروط الفاسدة فالنكاح أولى
والثاني يبطل لأن النكاح يعتمد الصفات فتبدلها كتبدل العين
تنبيه معلوم أن محل الخلاف فيما إذا شرطت حريته فبان عبدا أن يكون السيد أذن له في النكاح وإلا لم يصح قطعا لعدم الإذن وفيما إذا شرط حريتها فبانت أمة إذا نكحت بإذن السيد وكان الزوج ممن يحل له نكاح الأمة وإلا لم يصح جزما وفيما إذا شرط فيها إسلام فأخلف أن يظهر كونها كتابية يحل له نكاحها وإلا لم يصح جزما فلو عبر بقوله فالأظهر صحة النكاح إن وجدت شرائط الصحة لفهم ذلك
وقضية كلامه أن اشتراط الإسلام فيه لا يتصور وليس مرادا بل يتصور في الكتابية
أما إذا تقدم الشرط على العقد فإنه لا اعتبار به في الخيار
( ثم ) على الصحة ( إن بان ) الموصوف بالشرط ( خيرا مما شرط ) فيه كشرط كونها كتابية أو أمة أو ثيبا فبانت مسلمة في الأولى
أو حرة في الثانية أو بكرا في الثالثة أو في الزوج أنه عبد فبان حرا ( فلا خيار ) في ذلك لأنه أفضل مما شرط ( وإن بان دونه ) أي المشروط كأن شرط فيها أنها حرة فبانت أمة وهو بمن يحل له لنكاحها وقد أذن السيد في نكاحها أو فيه أنه حر فبان عبدا والزوجة حرة وقد أذن له السيد في النكاح ( فلها الخيار ) للخلف فإن رضيت فلأوليائها الخيار إن كان الخلف في النسب لفوات الكفاءة
تنبيه قضية إطلاقه ثبوت الخيار لها في النسب مطلقا وهو ما جرى عليه السبكي وقال البلقيني أن الشافعي رجحه في خلف شرط نسب الزوج
ومثله خلف شرط نسب الزوجة ولكن الأظهر في أصل الروضة والشرح الصغير وقضية ما في الكبير وهو المعتمد أنه إذا ساواها في النسب أو زاد عليها أنه لا خيار لها وإن كان دون المشروط وجرى عليه في الأنوار وجعل العفة كالنسب أي والحرية كذلك
( وكذا له ) الخيار ( في الأصح ) أي إذا لم يزد نسبها على نسبه ولم يساوة على الخلاف في جانبه للغرر فلكل منهما الفسخ ولو بغير قاض كما قاله البغوي وإن بحث الرافعي أنه يكون كعيب النكاح
والثاني لا خيار له لتمكنه من الفسخ بالطلاق
تنبيه قضية كلامه أنه لو كان الزوج في المسألة الأولى عبدا أن له الخيار والذي صححه البغوي وجرى عليه ابن المقري وهو المعتمد أنه لا خيار له لتكافئهما
وقضية كلامه أيضا أنه لو كانت الزوجة في الثانية أمة ثبوت الخيار وهو ما جرى عليه ابن المقري أيضا وهو المعتمد للتغرير وجزم في الأنوار بأنه لا خيار كنظيره في شرط حريتها إنه المرجح
وعلى الأول ثبوت الخيار لسيدها دونها بخلاف سائر العيوب لأن له إجبارها على نكاح عبد لا معيب
ثم شرع في القسم الثاني وهو خلف الظن الذي لا خيار فيه إلا فيما يستثنى فقال ( ولو ظنها ) بلا شرط ( مسلمة أو حرة فبانت كتابية ) في الأولى بشرطه فتزوجها على ظن ذلك ( أو أمة ) في الثانية ( وهي تحل له فلا خيار ) له فيهما ( في الأظهر ) لأن الظن لا يثبت الخيار لتقصيره بترك البحث أو الشرط كما لو ظن العبد المبيع كاتبا فلم يكن
والثاني له الخيار لأن ظاهر الدار الإسلام والحرية فإذا خالف ذلك ثبت الخيار
ولو ظن حريتها فخرجت مبعضة فهو كما لو وجدها أمة كما قاله الزركشي ( ولو أذنت ) لوليها ( في تزويجها بمن ظنته كفؤا ) لها ( فبان فسقه أو دناءة نسبه وحرفته فلا خيار لها ) ولا لوليها لأن التقصير منها ومنه حيث لم يبحثا ولم يشرطا
( قلت ولو بان ) الزوج ( معيبا أو ) بان ( عبدا ) وهي حرة وأذن له سيده في النكاح ( فلها الخيار ) في المسألتين ( والله أعلم ) لموافقة ما ظنته من الحرية والسلامة
____________________
(3/208)
من العيب للغالب في الناس
تنبيه كان الأولى للمصنف كما قال ابن شهبة ترك هذه الزيادة فإن الأولى مستغنى عنها بما مر في العيوب وما جزم به في الثانية هو ما نقله في الروضة عن فتاوى ابن الصباغ وغيره لكنه مخالف لنص الأم والبويطي فإنه قال فيهما وإذا تزوج العبد المرأة ولم يذكر لها الحرية ولا غيرها
فقالت ظننتك حرا فلا خيار لها وقيل لها الخيار ونقل البلقيني النص وقال إنه الصواب المعتمد لأنها قصرت بترك البحث اه
وهذا هو الظاهر كما جزم به في الأنوار كالغزالي
( ومتى فسخ ) النكاح ( بخلف ) الشرط ( فحكم المهر والرجوع به على الغار ما سبق في العيب ) أي الفسخ به
فإن كان قبل الدخول فلا مهر ولا متعة أو بعده فمهر المثل على الأصح وكذا لو كان الفسخ مع الدخول كما بحثه بعض المتأخرين ولا يرجع الزوج بما غرمه على الغار في الأظهر
تنبيه اقتصاره على ما ذكره يوهم أن النفقة والكسوة والسكنى في العدة لا تكون كذلك وليس مرادا بل هي كذلك
( و ) التغرير ( المؤثر ) في الفسخ بخلف الشرط ( تغرير قارن العقد ) بوقوعه في صلبه على سبيل الاشتراط كقوله زوجتك هذه البكر أو هذه المسلمة أو الحرة لأن الشرط إنما يؤثر في العقد إذا ذكر فيه بخلاف ما إذا قارنه على سبيل الشرط أو سبق العقد
أما المؤثر في الرجوع بقيمة الولد فيكفي فيه تقدمه على العقد مطلقا أخذا من كلام الغزالي في الرجوع بالمهر على قول مرجوح أو متصلا به قصد الترغيب في النكاح أخذا من كلام الإمام
قال في أصل الروضة بعد ذكره ذلك ويشبه أن لا يعتبر الاتصال بالعقد على ما أطلقه الغزالي لأن تعلق الضمان أوسع بابا
قال شيخنا وتوهم بعضهم اتحاد التغريرين فجعل المتصل بالعقد قبله كالمذكور فيه أنه يؤثر في الفسخ فاحذره وكأنه يشير بذلك إلى الجلال المحلي مع أنه شيخه لأن القصد بذلك إظهار الحق
( ولو غر ) حر أو عبد ( بحرية أمة ) نكحها وشرط له في العقد حريتها ( وصححناه ) أي نكاح المغرور وهو القول الأظهر وحصل منه ولد ( فالولد ) الحاصل ( قبل العلم ) بأنها أمة ( حر ) أي ينعقد حرا سواء فسخ العقد أم أجازه حيث ثبت الخيار له لاعتقاده أنها حرة وولد الحرة لا ينعقد إلا حرا فاعتبر ظنه كما لو وطىء أمة الغير على ظن أنها زوجته الحرة
( وعلى المغرور قيمته ) يوم الولادة لأنه أول أوقات تقويمه وهي في ذمة الحر وكذا العبد في الأصح يتبع بها إذا عتق وقيل في كسبه وقيل في رقبته ( لسيدها ) لأنه فوت عليه رقه التابع لرقها بظنه حريتها
نعم إن كان الزوج عبدا لسيدها لم يغرم شيئا لأن السيد لا يثبت له على رقيقه دين ( ويرجع ) المغرور ( بها ) أي قيمة الولد على الغار له لأنه الموقع له في غرامتها وهو لم يدخل في العقد على أن يغرمها بخلاف المهر ولكن إنما يرجع إذا غرم كالضامن
تنبيه قوله وصححناه لا مفهوم له فكان الأولى تركه فإن الحكم كما ذكر إن أبطلناه لشبهة الخلاف وكذا إذا بطل لكون الزوج لا يحل له نكاح الأمة لشبهة التغرير
وخرج بقبل العلم الحادث بعده فهو رقيق
ولو كان المغرور عربيا فهو رقيق
وسكوت المصنف عن المهر يفهم أنه لا يرجع به المغرور على من غره وهو كذلك في الأظهر لأنه استوفى ما يقابله والمهر الواجب على العبد المغرور بوطئه إن كان مهر مثل تعلق بذمته أو المسمى فبكسبه
( والتغرير بالحرية لا يتصور من سيدها ) لأنه إذا قال زوجتك هذه الحرة أو على أنها حرة أو نحو ذلك عتقت ( بل ) يتصور ( من وكيله ) في تزويجها كأن يقول وكيله زوجتك هذه الحرة أو على أنها حرة أو من ولي السيد إذا كان السيد محجورا عليه والفوات في ذلك بحلف الشرط تارة والظن أخرى
( أو منها ) والفوات فيه بخلف الظن فقط
تنبيه ما ادعاه المصنف من منع التصوير من سيدها استثنوا منه صورا منها ما لو زوجها سيدها المعسر بإذن المرتهن أو المجني عليه ومنها ما لو زوج السفيه أو المفلس أو المكاتب أمته بإذن الولي في الأولى أو الغرماء في الثانية أو
____________________
(3/209)
السيد في الثالثة
ومنها ما لو كان اسمها حرة
( فإن كان ) التغرير ( منها ) فقط ( تعلق الغرم بذمتها ) فتطالب به إذا عتقت ولا يتعلق برقبتها ولا بكسبها
نعم إن كانت مكاتبة فله مطالبتها في الحال قال الزركشي وقد استثناها الشافعي في الأم والمختصر لأنه كجنايتها
وإن كان من الوكيل فقط تعلق بذمته أيضا ويطالب به حال وإن كان منها ومن الوكيل بأن ذكراه معا كما قاله الشيخان فعلى كل منهما نصف الغرم فإن غرت الوكيل بالحرية فذكرها للزوج رجع على الوكيل ثم الوكيل عليها وإن ذكرته للوكيل ثم ذكرته للزوج رجع الزوج عليها ولا رجوع على الوكيل وإن ذكره الوكيل للزوج أيضا لأنها لما شافهت الزوج وخرج الوكيل من الوسط وإن كان من السيد فلا شيء له ولا عبرة بتغرير من ليس بعاقد ولا معقود عليه
هذا كله إذا انفصل الولد في صورة التغرير حيا ( و ) أما ( لو انفصل الولد ميتا بلا جناية فلا شيء فيه ) لأن حياته غير متيقنة بخلاف ما إذا انفصل بجناية ففيه لانعقاده حرا غرة لوارثه على عاقلة الجاني أجنبيا كان أو سيد الأمة أو المغرور فإن كان عبدا تعلقت الغرة برقبته ويضمنه المغرور لسيد الأمة لتفويته رقه بعشر قيمتها لأنه الذي يضمن به الجنين الرقيق وليس للسيد إلا ما يضمن به الرقيق
ولا يتصور أن يرث من الغرة في مسألتنا مع الأب الحر غير الجاني إلا أم الأم الحرة وسيأتي إن شاء الله تعالى تحرير الكلام في الغرة في آخر باب موجبات الدية
ثم شرع في السبب الثالث للخيار وهو العتق فقال ( ومن عتقت ) كلها ولو كافرة مكاتبة ( تحت رقيق أو ) تحت ( من فيه رق ) قبل دخول أو بعده ( تخيرت في فسخ النكاح ) وعدمه لأنها تعير بمن فيه رق والأصل في ذلك عتق بريرة تحت زوجها مغيث وكان عبدا فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المفارقة والمقام معه فاختارت نفسها متفق عليه وألحق بالعبد المبعض لبقاء علقة الرق عليه
وخرج بقوله تحت رقيق ما إذا عتقت تحت حر فإنه لا خيار لها خلافا لأبي حنيفة وما إذا عتقا معا فإنه لا خيار لها وسيأتي باقي المحترزات
تنبيه قد يوهم كلام المصنف أنه لو عتق الزوج بعدها أو مات قبل اختيارها الفسخ أن لها الخيار وليس مرادا بل سقط خيارها لزوال الضرر
ولو فسخت بناء على بقاء رقه فبان خلافه تبين بطلان الفسخ على قياس ما مر في الفسخ بالعيب
ويستثنى من كلامه ما لو عتفت قبل الدخول في مرض موت السيد وكانت لا تخرج من الثلث إلا بمهرها فلا خيار لها لأنها لو فسخت لسقط المهر فيضيق الثلث عن الوفاء بعتقها فلا تعتق كلها فلا يثبت الخيار ولا يحتاج في هذا الفسخ لحاكم لأنه ثابت بالنص
ولو ادعت أن سيدها أعتقها فأنكر فإن لم يصدقها الزوج لم يثبت لها خيار وإن صدقها ثبت كما نقل عن الشيخ أبي علي
( والأظهر أنه ) أي خيار العتق ( على الفور ) كما في خيار العيب في رد المبيع
والثاني يمتد ثلاثة أيام من حين علمها بالعتق لأنها مدة قريبة فتتروى فيها وقيل تبقى ما لم يمسها مختارة أو تصرح بإسقاطه واختار هذا ابن عبد السلام والسبكي
تنبيه محل الخلاف في المكلفة أما غيرها فإنه يؤخر إلى تكليفها جزما ولا يختار الولي شيئا وفي غير المطلقة رجعيا أما لو طلقها رجعيا ثم عتقت في العدة فإن لها الفسخ في الحال ولها التأخير ولا يبطل خيارها فقد لا يراجعها فتبين بالطلاق
( فإن قالت جهلت العتق ) بعد تأخيرها الفسخ وهي مريدة له ( صدقت بيمينها إن أمكن ) دعوى جهلها ذلك ( بأن كان المعتق غائبا ) وقت العتق أو كانت في محلة أخرى عن البلد إذ الأصل عدم علمها وظاهر الحال يصدقها فإن كذبها ظاهر الحال كأن كانت معه في بيته فالمصدق الزوج
تنبيه عبارة المحرر كالروضة صدقت بيمينها إن لم يكذبها ظاهر الحال وهي أولى من عبارة المصنف لأن الإمكان موجود في الحالين
وذكر حكم الطرفين حيث قال وإلا فالمصدق الزوج وذكر المصنف أحدهما واكتفى بمفهومه عن الآخر وذلك لا يكفي في الاختصار
( وكذا ) تصدق بيمينها ( إن قالت جهلت الخيار به ) أي العتق ( في
____________________
(3/210)
الأظهر لأنه مما يخفى على غالب الناس
والثاني يمنع ذلك ويبطل خيارها
تنبيه محل الخلاف كما قاله الماوردي فيمن يحتمل صدقها وكذبها أما من علم صدقها كالعجمية فقولها مقبول قطعا أو علم كذبها بأن كانت تخالط الفقهاء وتعرف منهم ذلك فقولها غير مقبول قطعا
ولو علمت أصل الخيار وادعت الجهل بفوريته هل يقبل قولها أو لا قال الرافعي لم أر من تعرض لهذه الصورة في كتب الأصحاب والوجه القول بعدم تصديقها سواء أكانت قديمة العهد بالإسلام أم لا لأن الغالب أن من عرف الخيار علم فوريته والذي رجحه ابن المقري وهو المعتمد قبولها في ذلك كنظيره من العيب والأخذ بالشفعة ونفي الولد وغيرها
قال الزركشي ولا وجه لكون الخيار على الفور لأنه مما أشكل على العلماء فعلى هذه المرأة أولى
( فإن فسخت ) من عتقت تحت رقيق النكاح ( قبل وطء فلا مهر ) ولا متعة وإن كان حقا للسيد لأن الفسخ من جهتها وليس لسيدها منعها من الفسخ لخروجها عن ملكه ولما يلحقها من الضرر مع البقاء
أو فسخت ( بعده بعتق بعده ) أي الوطء السابق عتقها ( وجب المسمى ) لاستقرارها بالوطء
( أو ) بعتق ( قبله ) بأن لم تعلم بعتقها إلا بعد التمكين من وطئها ( فمهر المثل ) لاستناد الفسخ إلى وقت وجوب سببه وهو العتق السابق للوطء فصار كالوطء في نكاح فاسد ( وقيل ) يجب ( المسمى ) لتقرره بالوطء قبل العلم فإن عتقت مع الوطء أو فسخت معه بعتق قبله فالظاهر وجوب مهر المثل
تنبيه مهرها لسيدها سواء أكان المسمى أم مهر المثل فسخت أو اختارت المقام معه
وجرى في العقد تسمية صحيحة أو فاسدة لأنه وجب بالعقد
فإن كانت مفوضة بأن زوجها سيدها كذلك نظرت
فإن وطئها الزوج أو فرض لها بعد العتق فيهما فالمهر لها لأن مهر المفوضة يجب بالدخول أو بالفرض لا بالعقد
وإن وطئها أو فرض لها قبل العتق فهو للسيد لأنه ملكه بالوطء أو الفرض قبل عتقها وموت أحدهما كالوطء والفرض
ثم شرع في باقي المحترزات فقال ( ولو عتق بعضها أو كوتبت ) أو علق عتقها بصفة أو دبرت فلا خيار لها أما في الأولى فلبقاء أحكام الرق وأما في الباقي فلكمال الرق وصورة عتق البعض أن يعتق حصة في أمة وهو معسر وإلا عتق جميعها
( أو عتق عبد تحته أمة فلا خيار ) له على الصحيح أو المشهور كما في الروضة لأنه لا يتغير باستفراش الناقصة ويمكنه الخلاص بالطلاق بخلاف العكس
وللزوج وطء العتيقة ما لم يفسخ وكذا زوج الصغيرة والمجنونة العتيقتين ما لم يفسخا بعد البلوغ والإقامة كما في زيادة الروضة
فصل في الإعفاف ومن يجب له وعليه ( يلزم الولد ) ذكرا كان أو أنثى أو خنثى إذا كان حرا موسرا ولو كافرا ( إعفاف الأب ) الحر المعسر ولو كافرا معصوما ( و ) إعفاف ( ( الأجداد ) من الجهتين إذا كانوا بالصفة المذكورة ( على المشهور ) لأنه من وجوه حاجاتهم المهمة كالنفقة والكسوة ولئلا يعرضهم للزنا المفضي إلى الهلاك وذلك لا يليق بحرمة الأبوة وليس من المصاحبة بالمعروف المأمور بها ولأنه إذا احتمل لإبقاء الأصل فوات نفس الفرع كما في القعود ففوات ماله أولى
والثاني لا يلزمه وهو مخرج كما لا يلزم الأصل إعفاف الفرع
وخرج بما ذكر أنه لا يلزم معسرا إعفاف الأب ولا موسرا إعفاف غير أصل ولا أصل غير ذكر والفرق بين الأصل الذكر والأنثى أن الغرم في إعفاف الذكر عليه فيحمله الفرع والحق في تزويج الأنثى لها لا عليها ولا غير حر ولا غير معصوم ولا موسرا بما يعف به نفسه
ولو اجتمع جدان لزمه إعفافهما إن اتسع مال الفرع وإلا فأب الأب أولى وإن بعد للعصوبة كأبي أبي أب مع أبي أم وإن لم يكن لأحدهما عصوبة قدم الأقرب فإن استويا كأبي أم الأب وأبي أبي أم أقرع بينها على الأصح ولو بدون رفع إلى الحاكم ولو تعدد الفرع وكان ذكورا فقط أو إناثا فقط كان الإعفاف عليهما أو عليهم أو عليهن بالسوية أو ذكورا أو إناثا كان عليه بحسب الإرث كما في النفقة على المعتمد
والإعفاف ( بأن يعطيه ) أي
____________________
(3/211)
الأصل ( مهر حرة ) تعفه ولو كتابية ( أو يقول له ( انكح و ) أنا ( أعطيك المهر ) أي مهر مثل فلا يلزمه أزيد منه فإن نكح الأب بأزيد منه كان الزائد في ذمة الأب
( أو ينكح له بإذنه ) حرة ( ويمهر ) ها ( أو يملكه أمة ) تحل له ( أو ثمنها ) لأن غرض الإعفاف يحصل بكل من هذه الطرق وللابن أن لا يسلمه المهر أو الثمن إلا بعد عقد النكاح أو الشراء
وبما تقرر علم أنه لا يزوجه ولا يملكه عجوزا شوهاء أو معيبة لأنها لا تعفه كما أنه ليس له أن يطعمه طعاما فاسدا لا ينساغ وليس له أن يزوجه بأمة لأنه مستغن بمال فرعه نعم إن لم يقدر الفرع إلا على مهر أمة ينبغي أن يزوجها له
تنبيه محل التخيير بين الخمسة المذكورة في الفرع المطلق التصرف أما غيره فعلى وليه أن لا يبذل إلا أقل ما تندفع به الحاجة إلا أن يلزمه حاكم يراه بغيره ولو أيسر الأصل بعد أن ملكه فرعه الجارية أو ثمنها أو المهر لم يسترد الفرع ذلك لأنه ملكه ذلك وقت الحاجة إليها كنفقة دفعها إليه لم يأكلها حتى أيسر ولا ينافي ذلك قولهم إن نفقة القريب امتناع لا تمليك لأن ذلك محله إذا لم يملكها له من لزمته
( ثم عليه ) أي الولد ( مؤنتهما ) بضمير التثنية بخطه أي الأب ومن أعفه بها من حرة أو أمة وفي بعض النسخ مؤنتها أي مؤنة التي أعفه بها وهو موافق لما في المحرر وهو كما قال السبكي أحسن لأن مؤنة الأب تؤخذ من بابها أي وأما مؤنتها فلأنها من تمام الإعفاف قال في التوشيح بل هو متعين إذ لا يلزم من إعفاف الأب وجوب نفقته لإمكان قدرته على النفقة دون النكاح ولأن مؤنة الأصل لازمة للفرع وإن لم يعفه أه
يجوز رجوعه للحرة والأمة وإن كان الأحسن في ذلك إفراد الضمير لكن وقع له في غير هذا الموضع تثنيته
والمراد بالمؤنة النفقة والكسوة واستثنى البغوي أدمها ونفقة الخادم قال لأن فقدهما لا يثبت الخيار
قال الرافعي وقياس قولنا إنه يتحمل بما لزم الأب وجوبهما لأنهما يلزمان الأب مع إعساره اه
وهذا أوجه
تنبيه لو كان تحت الأصل من لا تعفه كعجوز وصغيرة لزم الفرع إعفافه فلو أعفه حينئذ لم يلزمه إلا نفقة واحدة لا نفقتان قد قالوا في باب النفقة لو كان له زوجتان لم يلزم الولد إلا نفقة واحدة ويوزعها الأب عليهما
وهو متناول لهذه المسألة لكن قال ابن الرفعة هنا يظهر أنها تتعين للجديدة لئلا تنفسخ بنقص ما يخصها عن المد اه
وهذا أوجه
( وليس للأب تعيين النكاح دون التسري ) ولا عكسه لأن المطلوب دفع الحاجة
وهي تندفع بكل منهما
( ولا ) تعيين نكاح ( رفيعة ) بجمال أو نحوه كشرف للنكاح أو الشراء بل التعيين في ذلك للولد لأن ذلك قد يجحف بالولد والغرض يحصل بدون ذلك ولهذا لا يلزم الولد أن يطعمه الأطعمة الفاخرة
( ولو اتفقا ) أي الأب والولد ( على مهر ) أو ثمن أمة ( فتعيينها للأب ) لأنه أقرب إلى إعفافه ولا ضرر فيه على الولد
( ويحب التجديد ) للإعفاف ( إذا ماتت ) أي الزوجة أو الأمة ( أو انفسخ ) النكاح ( بردة ) أي منها كما صرح به الزركشي لأنه معذور كالموت أما الفسخ بردته فهو كطلاقه بغير عذر وكردته ردتهما معا كما هو ظاهر
( أو فسخه ) أي الزوج النكاح ( بعيب ) في الزوجة لما مر ويفهم من ذلك فسخها بعيبه بطريق الأولى وحينئذ فلا حاجة لقول بعض الشراح إنه كان الأولى أن يقول أو فسخ بالبناء للمفعول ليعلم فسخ كل منهما
وكالردة الفسخ برضاع كما لو كان تحته صغيرة وأرضعتها زوجته التي أعف بها لأنها صارت أم زوجته
( وكذا إن طلق ) أو أعتق ( بعذر ) كشقاق أو ريبة يجب التجديد له ( في الأصح ) كما في الموت
والثاني المنع فإن الأب قصد قطع النكاح
أما إذا طلق أو أعتق بغير عذر فلا يجب التجديد فإنه المفوت لنفسه
فإن قيل كيف يعتق للعذر فإنه يمكنه بيعها واستبدالها بغيرها
أجيب بأن ذلك متصور بأم الولد أما غيرها فلأنه لا يعذر في إعتاقها وإن كان ظاهر كلامهم الإطلاق وحيث وجب التجديد فمحله في غير الطلاق الرجعي أما هو
____________________
(3/212)
فلا يجب فيه التجديد إلا بعد البينونة
تنبيه محل الخلاف حيث لم يكن الأب مطلقا فإن كان مطلقا لم يجب له التجديد باتفاق الأصحاب كما لو تكرر منه إتلاف النفقة وتقدم في نكاح السفيه تعريفه بل يسريه جارية ويسأل القاضي الحجر عليه في الإعتاق قاله القمولي
( وإنما يجب ) على الولد ( إعفاف ) الأصل بشرطين الأول ما ذكره بقوله ( فاقد مهر ) أو ثمن أمة لأن القادر على ذلك مستغن عن الولد ولو كان قادرا على ذلك بالكسب لم يلزم الولد إعفافه كما قاله الشيخ أبو علي وجزم به في الشرح الصغير وإن قال في الكبير ينبغي أن يكون فيه الخلاف في النفقة أي فلا يكلف الكسب كما في الصحيح فيها
والفرق بين النفقة وما هنا أن النفقة تتكرر فيشق على الأصل الكسب لها بخلاف المهر أو ثمن الأمة ولأن البينة لا تقوم بدون النفقة
ولو قدر على حرة بدون مهر مثلها أو على شراء أمة بدون ثمن مثلها لم يجب إعفافه
ولو نكح في يساره بمهر في ذمته ثم أعسر قبل الدخول وامتنعت الزوجة حتى تقبضه قال البلقيني يجب على الولد دفعه لحصول الإعفاف بذلك والصرف للموجودة أولى من السعي في أخرى قال وعليه لو نكح في إعساره ولم يطالب ولده بالإعفاف ثم طالبه به ينبغي أن يلزم ولده القيام به لاسيما إذا جهلت الإعسار وأرادت الفسخ اه
وظاهر كما قال شيخنا أنه إنما يلزمه جميع ذلك إذا كان قدر مهر مثل من يليق به الشرط الثاني ما ذكره بقوله ( محتاج إلى نكاح ) بأن تتوق نفسه الوطء وإن إلى من لم يخف زنا أو كان تحته من لا تعفه كصغيرة وعجوز شوهاء
ويحرم طلب من لم تصدق شهوته بأن لم يضر به التعزب ولم يشق عليه الصبر نعم قال ابن الرفعة ولو احتاج للنكاح لا للتمتع بل للخدمة لنحو مرض وجب إعفافه وهو كما قال السبكي صحيح إذا تعينت الحاجة إليه لكن لا يسمى إعفافا
ولو كان يحتاج إلى الاستمتاع يغير إلى الوطء لنحو عنة كجب له يلزم الولد ذلك كما هو ظاهر كلامهم ورجحه الزركشي
( ويصدق ) الأصل ( إذا ظهرت ) منه ( الحاجة ) للنكاح ( بلا يمين ) لأن تحليفه في هذا المقام لا يليق بحرمته إلا إذا كان ظاهر حاله يكذبه كذي فالج شديد أو استرخاء فيحتمل حينئذ كما قاله الأذرعي أن لا يجاب أو يحلف
( ويحرم عليه ) أي الأب وإن علا ( وطء أمة ولده ) إجماعا لقوله تعالى { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } وليست بواحدة منهما
تنبيه قوله ولده أولى من قول المحرر ابنه إذ لا فرق بين الذكر وغيره
( والمذهب وجوب مهر ) أي مهر مثل للولد عليه بهذا الوطء سواء كانت الأمة موطوءة للابن أم لا مستولدة للابن أم لا ولو بطوعها للشبهتين الآتيتين لأنه وطء شبهة فيجب به المهر كوطء أمة الأجنبي بشبهة فإن كان الأب موسرا أخذ منه في الحال وإلا بقي في ذمته إلى يساره
ويجب أيضا أرش بكارتها كما قاله الماوردي ( لا ) وجوب ( حد ) لما في مال ولده من شبهة الملك ففي خبر ابن حبان في صحيحه أنت ومالك لأبيك ولهذا لا يقطع لسرقة ماله ولا يقتل به ولشبهة الإعفاف الذي هو من جنس ما فعله
تنبيه اقتصاره على نفي الحد قد يفهم وجوب التعزير وهو الأصح كما في ارتكاب سائر المحرمات التي لا حد فيها ولا كفارة وهو لحق الله تعالى لا لحق الولد كما ذكره الرافعي وفي قول من الطريق الثاني يجب عليه الحد إن لم يخف عليه التحريم وإن خفي فلا حد قطعا كما قاله الأذرعي وغيره
ثم إن لم تكن الأمة موطوءة للابن فإنها تحرم عليه أبدا لأنها صارت موطوءة أبيه وإن كانت موطوءة للابن حرمت عليهما أبدا لأنها موطوءة كل منهما ويستمر ملك الابن عليها ما لم يوجد من الأب إحبال ولا يغرم الأب له بتحريمه لها عليه بوطئه قيمتها وإن كان كافرا
فإن قيل إذا وطىء الشخص زوجة أبيه أو ابنه بشبهة يلزمه مهرها لفوات الاستمتاع بها فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن المالية التي هي المقصود الأعظم في الأمة باقية والفائت على الولد إنما هو مجرد الحل وهو غير متقوم بدليل إنه لو اشترى أمة فخرجت أخته لم يتمكن من الرد
والحل الفائت في الزوجية هو المقصود فيقوم ولذلك يجوز أن يشتري
____________________
(3/213)
أخته ولا يجوز أن ينكحها وعلى ما ذكر لو تزوج رجل أمة أخيه فوطئها أبوهما لزمه مهران مهر لمالكها ومهر لزوجها
( فإن أحبل ) الأب الحر الكل بوطئه أمة ولده ( فالولد حر نسيب ) للشبهة كما لو وطىء أمة غيره بشبهة وإن كان الأب رقيقا أو مبعضا ولو كان كل منهما مكاتبا فكذلك كما شمله إطلاق المصنف وصرح به ابن المقري لما مر وإن قال القاضي في تعليقه الصحيح من المذهب أن ولد المبعض رقيق وقال البلقيني إنه الراجح
وقيمة الولد على القول بحريته في ذمة من ذكر إذ لا اختيار له في انعقاده حرا ويطالب المبعض بقدر ما فيه من الحرية في الحال وبالبعض الآخر بعد عتقه بخلاف الرقيق لا يطالب إلا بعد عتقه لأنه لا يملك
وأما المكاتب فالمتجه أنه يطالب بالقيمة في الحال فإنه يملك وأما المهر فإن أكرهها الرقيق على الوطء ففي رقبته كسائر الجنايات وإن طاوعته فكذلك في أحد قولين يظهر ترجيحه كما جزم به في الأنوار
( فإن كانت ) أي أمة الابن ( مستولدة للابن لم تصر مستولدة للأب ) لأنها لا تقبل النقل فإن كانت مكاتبة للابن فهل ينفذ استيلاد الأب لأن الكتابة تقبل الفسخ بخلاف الاستيلاد أو لا لأن الكتابة لا تقبل النقل وجهان أوجههما الأول كما جزم به القفال في فتاويه ورجحه الخوارزمي وقطع الهروي بالثاني ( وإلا ) بأن لم تكن مستولدة للابن ( فالأظهر أنها تصير ) مستولدة للأب الحر الكل ولو معسرا لشبهة الإعفاف ولا فرق بين أن تكون موطوءة للابن أو مدبرة أو معلقا عتقها بصفة أو موصى بمنفعتها أو لا ولا بين كون الولد محجورا عليه بسفه أو صغر أو جنون أو موافقا للأب في دينه أو لا
وإذا أولد أمة ولده المزوجة نفذ إيلاده كإيلاد السيدة لها وحرمت على الزوج مدة الحمل أما إذا لم يكن الأب حر الكل فإنه لا ينفذ استيلاده لأن الرقيق لا يملك والمكاتب إذا أحبل أمته لا تصير أم ولد فأمة ولده أولى وأما المبعض إذا أحبل أمته قال شيخنا فكذلك ولكن الراجح أنها تصير أم ولد كما سيأتي إن شاء الله تعالى آخر الكتاب والفرق أنه لا شبهة له في أمة ولده إذ لا يلزمه إعفافه وأما أمته فملكه نام عليها
( و ) إذا صارت أمة الولد مستولدة للأب فالأظهر ( أن عليه ) أي الأب ( قيمتها ) للابن ( مع مهر ) لأنهما وجبا بسببين مختلفين فالمهر للإيلاج والقيمة للاستيلاد
تنبيه قيمتها لازمة له سواء أنزل قبل تغييب الحشفة أم بعده لما ذكر
وأما المهر فمحل وجوبه كما قال الإمام وأقراه إذا تأخر الإنزال عن تغييب الحشفة فإن حصل مع تغييبها فقد اقترن موجب المهر بالعلوق فينزل المهر منزلة قيمة الولد
وقيمة الولد لا تلزم الأب كما قال ( لا قيمة ولد ) فليست على الأب ( في الأصح ) إن انفصل الولد حيا لأنه التزم قيمتها والولد جزء منها وقد انتقل الملك فيها قبيل العلوق فلم تعلق به إلا وهي في ملكه والثاني تجب كوطء الشبهة وهو مبني على أن الملك ينتقل بعد العلوق
أما إذا انفصل الولد ميتا فلا تجب قيمته جزما نعم إن انفصل بجناية فينبغي كما قاله الزركشي أن يجيء فيه ما سبق في المغرور
تنبيه وطء الابن جارية الأب كالأجنبي فإن كان بشبهة كأن ظنها أمته أو زوجته الحرة فالولد حر وعليه قيمة للأب أو زوجته الرقيقة انعقد الولد رقيقا
وإن كان عالما بالتحريم حد لانتفاء شبهتي الإعفاف والملك وليس كالسرقة حيث لا يقطع بها لشبهة النفقة وعليه المهر إن أكرهت وإلا فلا لقوله صلى الله عليه وسلم لا مهر لبغي
ويؤخذ من هذا أن السيد لو أكره أمته على الزنا استحق المهر لمفهوم الحديث
وإن أتت بولد رقيق نسيب عتق على الجد لدخوله في ملكه ولا يلزم الابن قيمته لانعقاده رقيقا
( ويحرم ) على الأب الحر الكل ( نكاحها ) أي أمة ولده من النسب لأنها كأمته لماله في مال ولده من شبهة الإعفاف والنفقة
أما غير الحر الكل له نكاحها إذ ليس عليه إعفافه وكذا إذا كان الولد من الرضاع لما ذكر ويجوز للولد الحر الكل نكاح جارية أبيه وأمه جزما إذا وجد فيه شروط نكاح الأمة لعدم وجوب الإعفاف ( فلو ملك ) الولد زوجة ( والده ) الموصوف بأنه ( الذي لا تحل له
____________________
(3/214)
الأمة ) التي اشتراه الابن بعد نكاح أبيه لها بشرطه حين الملك كأن أيسر بنفسه أو بيسرة ولده ( لم ينفسخ النكاح في الأصح ) لأن الأصل في النكاح الثابت الدوام وللدوام من القوة ما ليس للابتداء كما مر أن اليسار الطارىء على نكاح الأمة لا يرفعه والثاني ينفسخ كما لو ملك زوجة نفسه
وأجاب الأول بأنه لا صنع للأب في ذلك بخلاف ملك زوجة نفسه
تنبيه لو أحبل الأب الأمة بعد ملك ولده لها هل تصير أم ولد كما مر أو لا تصير لأن مستند الوطء النكاح المعتمد الثاني
وخرج بقوله الذي لا تحل له الأمة من يحل له نكاح أمة ولده لكون الوالد رقيقا ولكون الولد معسرا لا يلزمه إعفافه فطريان ملك الولد لا ينفسخ به النكاح قطعا إذ لم يطرأ ما ينافي النكاح على هذا التقدير وبهذا يندفع ما قاله الإسنوي من أن هذا التقييد لا فائدة فيه
( وليس له ) أي يحرم على السيد قطعا ( نكاح أمة مكاتبه ) بهاء الضمير كتابة صحيحة بما له في رقبته وما له من شبهة الملك بتعجيزه نفسه ولهذا تصير أم ولد بإيلاده
( فإن ملك مكاتب زوجة سيده انفسخ النكاح في الأصح ) كما لو ملكها سيده لما مر
والثاني يلحقه بملك الولد زوجة أبيه
وأجاب الأول بأن تعلق السيد بمال المكاتب أشد من تعلق الأب بمال الولد لأن ما في يد المكاتب ملك السيد على رأي
فإن قيل لو ملك مكاتب أصل سيده أو فرعه لم يعتق عليه ولم ينزلوه منزلة ملكه
أجيب بأن الملك قد يجتمع مع القرابة والملك والنكاح لا يجتمعان
فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة ( السيد بإذنه في نكاح عبده لا يضمن ) له ( مهرا و ) لا ( نفقة في الجديد ) لأنه لم يلتزمهما وإن أذن له فيه على أن يضمن ذلك لا يلزمه لأنه ضمان ما لم يجب
ولو ضمن بعد العقد صح في المهر معلوم ولا يصح في النفقة والقديم يضمن لأن الإذن يقتضي الالتزام
فرع لو زوج عبده بأمته أنفق عليهما بحكم الملك وإن أتى العبد منها بأولاد فإن أعتقها السيد وأولادها فنفقتها في كسب العبد ونفقة أولادها عليها فإن أعسرت ففي بيت المال وإن أعتق العبد دونها فنفقتها على العبد كحر تزوج أمة ونفقة الأولاد على السيد لأنهم ملكه
تنبيه قال السبكي ولو قال المصنف لا يضمن بإذنه في نكاح عبده لكان أحسن ليتسلط النفي على الضمان بالإذن فهو نفي لكون الإذن سببا للضمان وهو المقصود وعبارة المصنف محتملة لهذا ومحتملة أيضا لكون الإذن سببا لنفي الضمان كقوله تعالى { بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين } وليس بمقصود
( وهما ) أي المهر والنفقة ( في كسبه ) لأن الأمر بشيء أمر بلوازمه وكسب العبد أقرب شيء يصرف إليهما
وإنما يلزمه ذلك ( بعد النكاح ) وبعد وجوب دفعهما وهو في مهر المفوضة بوطء أو قرض صحيح وفي مهر غيرها المؤجل بالحلول والحال بالنكاح وفي غير المهر من نفقة وكسوة وغيرهما من مؤن النكاح بالتمكين
ولا فرق بالكسب بين ( المعتاد ) كاحتطاب واصطياد وما حصل بحرفة ( والنادر ) كالحاصل بلقطة أو هبة أما الكسب قبل وجوب الدفع فيختص به السيد لعدم الموجب مع أن الإذن لم يتناوله
فإن قيل قد اعتبروا في الضمان الكسب الحاصل بعد الإذن فيه وإن لم يوجد المأذون فيه وهو الضمان فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الضمان ثم ثابت حالة الإذن بخلافه هنا
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن المهر والنفقة لا يتعلقان مع الكسب بذمة العبد وهو وجه والأصح التعلق
وظاهره أيضا التسوية بين المهر والنفقة وليس مرادا بل يصرف كسبه كل يوم للنفقة فإن فضل شيء فللمهر
____________________
(3/215)
فإن فضل شيء فللسيد ولا يدخر شيء للنفقة في المستقبل
( فإن كان ) العبد ( مأذونا له في تجارة ففيما بيده ) أيضا ( من ربح ) لأنه نماء كسبه وسوء الحاصل قبل النكاح وبعده على الأصح بخلاف الكسب والفرق بينهما أن الربح يده مستمرة عليه تبعا لرأس المال فكان كرأس المال وسيأتي على الأثر ولا كذلك الكسب الحاصل قبل النكاح
( وكذا رأس مال ) بيده يجبان فيه أيضا ( في الأصح ) لأنه دين لزمه بعقد مأذون فيه فكان كدين التجارة
والثاني المنع كسائر أموال السيد
تنبيه لو كان المأذون له مكتسبا فظاهر إطلاق المصنف كالمحرر أنهما يتعلقان بكسبه أيضا وهو كما قال السبكي ظاهر لأنه قد يحتاج إليه بأن لا يفي مال التجارة وربحه بهما فيكمل من كسبه ولم يتعرضا لذلك في الشرحين والروضة
هذا كله إذا اقتصر العبد على ما أذن له سيده فيه
فإن زاد على ذلك فالزيادة في ذمته فقط
( وإن لم يكن ) أي العبد ( مكتسبا ) إما لعدم قدرته على ذلك أو لكونه محترفا محروما ( ولا ) كان ( مأذونا له ) في التجارة ( ففي ) أي فالمهر والنفقة يجبان في ( ذمته ) فقط يطالب بهما بعد عتقه إن رضيت بالمقام معه لأنه دين لزم برضا مستحقه فتعلق بذمته كبدل القرض فلا يتعلق برقبته إذ لا جناية منه ولا بذمة سيدة لما مر أول الفصل
( وفي قول ) هما ( على السيد ) لأن الإذن لمن هذا حاله التزام للمؤن وفي قول يتعلقان برقبته إلحاقا لهما بأرش الجناية
تنبيه شمل إطلاقه ما لو كان مكتسبا حال العقد ثم طرأ ما يمنعه وصرح الإمام بطرد القولين فيه
( وله ) أي السيد ( المسافرة به ) أي عبده المأذون له في النكاح وإن لم يتكفل بالمهر والنفقة وحينئذ يلزمه الأقل من أجرة مثل مدة السفر ونفقتها مع المهر
( ويفوت ) عليه ( الاستمتاع ) ليلا ونهارا لأنه مالك الرقبة فقدم حقه كما له المسافرة بأمته
تنبيه قد يفهم تعبيره ب يفوت أن العبد لا يستصحب زوجته معه وليس مرادا بل له ذلك ولهذا كانت عبارة المحرر وهي إن فات الاستمتاع أولى من تعبير المصنف ب يفوت إذ لا يلزم من سفره مع السيد تفويت الاستمتاع لما مر أن للعبد صحبة زوجته سفرا وحينئذ يكون الكراء في كسبه
قال الماوردي وعليه تخليته حينئذ للاستمتاع كالحضر
قال الزركشي وليس الليل بمتعين
بل المراد أوقات الاستراحة ليلا ونهارا على ما يقتضيه حال السفر فإن لم تخرج معه أو كانت أمة فمنعها السيد سقطت نفقتها وإن لم يطالبها الزوج بالخروج النفقة بحالها
( وإذا لم يسافر ) السيد بعبده ( لزمه تخليته ليلا للاستمتاع ) بزوجته لأنه وقت الاستراحة إذ لا يجوز استخدامه في جميع الأوقات
وقيد الشيخ أبو حامد وأتباعه لزوم ذلك بما إذا لم تكن الزوجة بمنزل سيده فإن كانت فيه لم يلزمه تخليته بالليل لأنه متمكن من الاستمتاع بها في منزله وهذا ظاهر كما قال الأذرعي إذا كان يخدم سيدة نهارا في منزله بحيث يلج كل وقت على زوجته أما لو كان يستخدمه في زرعه أو سوقه أو رعيه أو نحو ذلك فلا فرق بين كونها في منزل السيد أو غيره
تنبيه قد يفهم من كلام المصنف أن جميع الليل محل التخلية حتى يجب من الغروب وليس مرادا بل بعد الفراغ من الخدمة أول الليل على العادة كما يأتي في الأمة
( ويستخدمه ) السيد ( نهارا إن تكفل ) وهو موسر ( المهر والنفقة ) أي التزمهما لا حقيقة ضمان الدين ( وإلا فيخليه لكسبهما ) لأنه أحال حقوق النكاح على كسبه فإذا فوته طولب بها من سائر أمواله
تنبيه خص الماوردي ذلك بما إذا كان استخدام السيد نهارا فإن كان بالليل كالحارس استخدم العبد ليلا وسلمه للاستمتاع نهارا وهو نظير ما قالوه في القسم
أما تكفل المعسر فالمتجه كما قال الأذرعي أن التزامه لا يفيد
____________________
(3/216)
لتفويته حقها
( وإن استخدمه ) السيد نهارا أو حبسه كما قال الماوردي ( بلا تكفل ) للمهر والنفقة ( لزمه الأقل من أجرة مثل ) لتلك المدة ( و ) من ( كل المهر والنفقة ) لتلك المدة كما في فداء الجاني بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية ولأن أجرته إن زادت كان له أخذ الزيادة وإن نقصت لم يلزمه إتمام النفقة
فإن قيل إذا استخدمه أجنبي أو حبسه إنما يلزمه أجرة المثل فقط فهلا كان السيد كذلك أجيب بأن الأجنبي لم يوجد منه إلا تفويت منفعة والسيد سبق منه الإذن المقتضي لالتزام ما وجب في الكسب
وخرج ب نهارا المقيد به كلام المصنف ما لو استخدمه ليلا فقط فإنه لا يلزمه شيء لأن حقه في استمتاعه ليلا لا بدل له فلو استخدمه ليلا ونهارا ضمن زمن نهاره دون ليله كما قاله الماوردي ( وفي قول يلزمه ) أي السيد ( المهر والنفقة ) وإن زادت على أجرة المثل لأنه ربما كسب في ذلك اليوم ما يفي بالجميع
تنبيه قال بعضهم جميع ما سبق في عبد كسوب أما العاجز عن الكسب جملة فالظاهر أن للسيد السفر به واستخدامه حضرا من غير التزام شيء اه
وهذا بحث مردود لأن استخدامه يقابل بأجرة فهو داخل في قول الأصحاب يلزمه الأقل من أجرة مثل الخ
( ولو نكح ) العبد ( فاسدا ) لعدم إذن سيده أو لمخالفته فيما أذن له فيه ( ووطىء ) في هذا النكاح زوجته ( فمهر مثل ) يجب عليه ( في ذمته ) فقط للزومه برضا مستحقه كالقرض الذي أتلفه
نعم إن أذن له السيد في نكاح فاسد أو فسد المهر دون النكاح تعلق بكسبه ومال تجارته لوجود إذن سيده قال ابن الرفعة نعم إن عين له المهر فينبغي أن يكون المتعلق بالكسب أقل الأمرين من مهر المثل ومن المعين وهذا بخلاف ما لو أذن له في النكاح وأطلق فنكح فاسدا فإن المهر يكون في ذمته على الأصح لأن الإذن إنما يتناول الصحيح فقط
( وفي قول قديم ) أو مخرج تجب ( في رقبته ) كغير الوطء من الإتلاف ولا حد إن وطىء قبل أن يفرق بينه وبين المرأة للشبهة
تنبيه محل الخلاف في كبيرة عاقلة حرة مكنته برضاها أما لو كانت حرة طفلة أو مجنونة أو وطئت مكرهة أو نائمة فالوجه كما قال الأذرعي التعلق برقبته لأنه جناية محضة ولهذا وجب المهر على السفيه
وإن كانت رقيقة وسلمها سيدها تعلق بذمته أو بغير إذن سيدها ووطىء فهل يتعلق المهر برقبته كما لو أكره أمة أو حرة على الزنا أو بذمته وجهان أوجههما الأول كما رجحه ابن المقري تبعا للإمام وجزم به في الأنوار ورجح البلقيني الثاني
فروع لو أنكر السيد الإذن للعبد في النكاح فادعت الزوجة على السيد أن كسب العبد مستحق لي بمهري ونفقتي سمعت دعواها وللعبد أن يدعي على سيده كما قاله ابن الرفعة أنه يلزمه تخليته ليكتسب المهر والنفقة
ولو اشترى العبد زوجته لسيده أو أجنبي ولو بإذنه لم ينفسخ نكاحه كما يجوز أن يزوج عبده بأمته ولو اشترت المبعضة أو المبعض زوجه بخالص ملكه أو المشترك بينه وبين سيده ولو بلا إذن سيده انفسخ نكاحه لأنه ملكه في الأولى وجزء منه في غيرها وامتنع عليه الوطء حينئذ ولو بإذن سيده لأنه لا يجوز وطؤه بملك اليمين
( وإذا زوج ) السيد ( أمته ) غير المكاتبة والمبعضة ( استخدمها نهارا ) أي له ذلك بنفسه أو بغيره ( وسلمها للزوج ليلا ) لأنه وقت الاستمتاع والسيد يملك من أمته منفعتين منفعة الاستمتاع ومنفعة الاستخدام وقد نقل الأولى للزوج فتبقى له الأخرى يستوفيها فيما عدا ما ذكر
ولا يشكل ذلك بتحريم خلوته بها لأنه لا يستلزمها ولا بتحريم نظره إليها لأن محله فيما بين السرة والركبة كما مر في النكاح
ولو كانت محترفة وقال الزوج تحترف للسيد عندي لم يلزمه إجابته لأنه قد يبدو له الإعراض عن الحرفة واستخدامها أما المكاتبة فليس له أن يستخدمها لأنها مالكة أمرها
وأما المبعضة فالقياس كما قال الأذرعي أنه إن كان ثم مهايأة فهي في نوبتها كالحرة وفي نوبة سيدها كالقنة وإلا فكالقنة
وما ذكره
____________________
(3/217)
المصنف عكس الأمة المستأجرة للخدمة فإنه يلزم سيدها تسليمها للمستأجر نهارا أو ليلا إلى وقت الفراغ من الخدمة عادة ليستوفي منفعتها الأخرى والمستأجرة للإرضاع يلزمه تسليمها ليلا ونهارا
تنبيه اقتضى كلام المصنف أمرين أحدهما أنه لو أراد السيد تسليمها نهارا بدلا عن الليل لم يكن له رد
وبه صرح في الروضة كأصلها وظاهره أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون حرفة الزوج نهارا أو ليلا
قال الأذرعي وقد يقال يلزمه الإجابة في الشق الثاني لأن نهاره كليل غيره فامتناعه عناد
الأمر الثاني أن يسلمها من الغروب ونقل ابن الرفعة عن نص البويطي أنه بعد الثلث الأول وقال القاضي في كتاب النفقات و ابن الصباغ هنا يسلمها إذا فرغت من الخدمة بحكم العادة وهو كما قال السبكي حسن ينبغي أن يحمل عليه كلام من أطلق
( ولا نفقة على الزوج حينئذ ) أي وقت تسليمها ليلا فقط ( في الأصح ) لعدم التمكين التام
والثاني تجب لوجوب التسليم الواجب
والثالث يجب شطرها توزيعا لها على الزمان
تنبيه أفهم كلام المصنف أمرين أحدهما أنه لو سامح وسلمها إليه ليلا ونهارا أنه يجب جميع النفقة وهو كذلك
الأمر الثاني أنه يجب على الزوج تسليم المهر بتسليمها ليلا فقط وهو الأصح في زيادة الروضة لأن التسليم الذي يتمكن معه في الوطء قد حصل
( ولو أخلى ) سيدها ( في داره بيتا ) لها ( وقال للزوج تخلو بها فيه ) ولا أخرجها من داري ( يلزمه إجابته ) ( في الأصح ) لأن الحياء والمروءة يمنعانه من دخولها ولو فعل ذلك لم تلزمه نفقة بلا خلاف
والثاني يجاب السيد جمعا بين الحقين من إدامة يد السيد وتمكين الزوج
( وللسيد السفر بها ) حيث لا يخلو بها وإن منع الزوج من التمتع بها لأنه مالك الرقبة والمنفعة فيقدم حقه
نعم إن كانت الأمة مكتراة أو مرهونة أو مكاتبة كتابة صحيحة لم يجز لسيدها أن يسافر بها إلا برضا المكتري والمرتهن والمكاتبة والجانية المتعلق برقبتها مال كالمرهونة كما قاله الأذرعي إلا أن يلتزم السيد الفداء
تنبيه أفهم كلامه أنه ليس للزوج أن يسافر بها منفردا إلا بإذن السيد وهو كذلك لما فيه من الحيلولة القوية بينها وبين سيدها
( وللزوج صحبتها ) ليستمتع بها في وقت الاستمتاع وليس للسيد منعه من السفر صحبتها ولا إلزامه به فإن لم يصحبها لم يلزمه نفقتها جزما
وأما المهر فإن كان بعد الدخول استقر وعليه تسليمه وإلا لم يلزمه وله استرداده إن كان قد سلمه ومحل ذلك كما قاله بعض المتأخرين إذا سلمه ظانا وجوب التسليم عليه فإن تبرع به لم يسترد كما في نظائره
( والمذهب أن السيد لو قتلها ) أي أمته ولو خطأ أو زوجها لولده ثم قتلها قبل الدخول كما قاله البغوي ( أو قتلت نفسها ) هو مزيد على المحرر أو ارتدت أو قتلت زوجها ( قبل دخول سقط مهرها ) الواجب لها على النص لتفويته محله قبل تسليمه وتفويتها كتفويته
( و ) المذهب المنصوص ( أن الحرة لو قتلت نفسها ) أو ماتت قبل دخول لا يسقط مهرها ( أو قتل الأمة أجنبي أو ماتت ) قبل دخول ( فلا ) يسقط مهرها
وقاس المصنف ما ذكره بقوله ( كما لو هلكتا ) أي الحرة والأمة ( بعد دخول ) فإن المهر لا يسقط جزما كما في المحرر واستغنى المصنف عن التصريح به لأن المقيس عليه لا يكون إلا مجزوما به في الغالب
وما ذكره في قتل الحرة هو المنصوص فيها عكس المنصوص السابق في قتل السيد أمته وفرق بأن الحرة كالمسلمة إلى الزوج بالعقد إذ له منعها من السفر بخلاف الأمة
وأيضا الحرة إذا قتلت نفسها غنم زوجها من ميراثها فجاز أن يغرم مهرها بخلاف الأمة
وأيضا الغرض من نكاح الحرة الألفة والمواصلة دون الوطء وقد وجدا بالعقد
والغرض من نكاح الأمة الوطء ولهذا يشترط فيه خوف العنت وذلك غير حاصل قبل الدخول
وللأصحاب في المسألة طريقان أشهرهما في كل قولان بالنقل والتخريج أرجحهما المنصوص فيهما
والطريق الثاني القطع بالمنصوص فيهما
وفي وجه أن قتل الأمة نفسها
____________________
(3/218)
لا يسقط المهر لأنها ليست المستحقة له وفي وجه أن قتل الأجنبي أو موتها يسقط المهر كفوات مبيع قبل القبض بناء على أن السيد يزوج بالملك ولو قتل الحرة الزوج أو أجنبي لم يسقط قطعا
فرع لو قتلت الحرة زوجها قبل الدخول هل يستقر مهرها أو يسقط نقل عن بعض شراح مختصر المزني السقوط وجزم به في الأنوار واعتمده شيخي
وتوجيهه ربما يؤخذ من تعليل قتل الأمة ومن فسخ الحرة بعيب زوجها قبل الدخول أو بعقد صحيح وعلى هذا يكون مستثنى من قول المصنف في الباب الآتي إن موت أحد الزوجين يقرر المهر كما استثنى منه قتل الأمة
( ولو باع ) السيد أمة له ( مزوجة ) قبل دخول أو بعده ( فالمهر ) المسمى أو بدله إن كان فاسدا بعد الوطء ( للبائع ) لوجوبه بالعقد الواقع في ملكه
أما إذا وجب في ملك المشتري فهو له بأن كان النكاح تفويضا أو فاسدا ووقع الوطء فيهما أو الفرض أو الموت في الأولى بعد البيع والمنفعة الواجبة بالفراق للمشتري لوجوبها في ملكه
( فإن طلقت ) غير المفوضة بعد بيعها ( قبل دخول ) بها ( فنصفه له ) أي البائع لما مر وهذه المسألة مستفادة مما قبلها ( ولو زوج ) سيد ( أمته بعبده ) ولم يكن مكاتبا ولا مبعضا ( لم يجب مهر ) ولا نصفه كما قاله الماوردي لأن السيد لا يثبت له على عبده دين بدليل ما لو أتلف ماله فإنه لا ضمان عليه في الحال ولا بعد العتق
وهل وجب المهر ثم سقط أو لم يجب أصلا ظاهر كلام المصنف الثاني وجرى عليه في المطلب
وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا زوجه بها وفوض بضعها ثم وطئها بعد ما اعتقه فإن قلنا بعدم الوجوب فلا شيء للسيد عليه وإن قلنا بالوجوب وجب للسيد عليه مهر المثل لأنه وجب بالوطء وهو حر ولو زوج أمته بعبد غيره ثم اشتراه قبل أن يقبض مهرها منه قال الماوردي فإن كان بيد العبد من كسبه بعد النكاح شيء فهو للمشتري يأخذه من المهر وليس للبائع فيه حق وإن لم يكن فلا يطالبه بشيء لأنه صار عبده
وهل هذا الشراء أسقط المهر أو منع من المطالبة مع بقاء المهر فيه وجهان أوجههما الثاني وتظهر فائدتهما فيما لو أعتق العبد أو باعه هل يطالب أولا أما المكاتب فكالأجنبي وأما المبعض فالظاهر كما قاله الزركشي تبعا للأذرعي أنه يجب عليه بقسط ما فيه من الحرية
تنبيه قول المصنف بعبده لغة تميم واللغة الفصحى زوج أمته عبده بغير باء نبه عليه المصنف في تحرير التنبيه
خاتمة قد يخلو النكاح عن المهر أيضا في صور منها السفيه إذا نكح فاسدا ووطىء
ومنها إذا وطئت المفوضة في الكفر واعتقدوا أن لا مهر ثم أسلموا
ومنها إذا وطىء العبد سيدته أو أمة سيده بشبهة
ومنها إذا وطىء المرتهن الأمة المرهونة بإذن الراهن مع الجهل بالتحريم وطاوعته وقياسه يأتي في عامل الفرائض والمستأجر ونحوهما
ومنها إذا وطئت حرية بشبهة فإنه لا يضمن بضعها كما لا يضمن ما لها ومنها إذا وطىء مرتدة بشبهة وماتت على الردة
ومنها إذا وطىء السيد أمته غير المكاتبة أو الزوج زوجته بعد الوطأة الأولى إذ هي المقابلة بالمهر على الأصح
ومنها إذا وطىء ميتة بشبهة
ومنها إذا استرق الكافر حرا مسلما وجعله صداقا لامرأته وأقبضها إياه ثم أسلما على ما مر فيه
ومنها ما لو أعتق المريض أمة هي ثلث ماله ثم نكحها بمسمى فينعقد النكاح بلا مهر إن لم يجر دخول لأن وجوبه يثبت على الميت دينا يرق به بعضها لعدم خروجها من الثلث فيبطل النكاح والمهر فإثباته يؤدي إلى إسقاطه فيسقط أما إذا دخل بها فينظر فإن عفت عن المهر سقط وإن لم تعف عنه بطل العتق في البعض وتبين بطلان النكاح واستحقت من المهر بقسط ما عتق منها ويستخرج ذلك بطريق الجبر والمقابلة فيقال فيما لو كانت قيمتها مائة ومهرها خمسين عتق منها شيء وبالمهر لها نصف شيء لأن نصف قيمتها يبقى للورثة ثلثمائة إلا شيئا ونصف شيء يعدلان شيئين وهما مثلا ما فات بالعتق فبعد الجبر ثلاثمائة تعدل ثلاثة أشياء ونصف شيء فإنه يعدل شيئا وسدس شيء تبسطها أسداسا وتقلب الاسم فالشيء ستة والمائة سبعة فالشيء ستة أسباع الأمة ذكره في أصل الروضة في باب الوصية
____________________
(3/219)
كتاب الصداق هو بفتح الصاد وكسرها ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهرا كرضاع ورجوع شهود سمي بذلك لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الأصل في إيجاب المهر
ويجمع جمع قلة على أصدقة وجمع كثرة على صدق وله ثمانية أسماء مجموعة في قول الشاعر صداق ومهر نحلة وفريضة حباء وأجر ثم عقر علائق وزاد بعضهم الطول في بيت فقال مهر صداق نحلة وفريضة طول حباء عقر أجر علائق لقوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا } وزاد بعضهم عاشرا وهو النكاح لقوله تعالى { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا }
وقيل الصداق ما وجب بتسمية في العقد والمهر ما وجب بغير ذلك
والأصل في الباب قبل الإجماع قوله تعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } أي عطية من الله مبتدأة والمخاطب بذلك الأزواج عند الأكثرين وقيل الأولياء لأنهم كانوا في الجاهلية يأخذونه ويسمونه نحلة لأن المرأة تستمتع بالزوج كاستمتاعه بها أو أكثر فكأنها تأخذ الصداق من غير مقابل
وقوله تعالى { وآتوهن أجورهن }
وقوله صلى الله عليه وسلم لمريد التزويج
التمس ولو خاتما من حديد رواه الشيخان
( نسن تسميته في العقد ) لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخل نكاحا عنه ولأنه أدفع للخصومة ولئلا يشبه نكاح الواهبة نفسها له صلى الله عليه وسلم
ويؤخذ من هنا أن السيد إذا زوج عبده أمته أنه يستحب ذكر المهر وهو ما في الروضة تبعا لبعض نسخ الشرح الكبير إذ لا ضرر في ذلك وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين
ويسن أن لا ينقص المهر عن عشرة دراهم خروجا من خلاف أبي حنيفة وأن لا يزيد على خمسمائة درهم كأصدقة بناته صلى الله عليه وسلم وزوجاته وأما إصداق أم حبيبة أربعمائة دينار فكان من النجاشي إكراما له صلى الله عليه وسلم
ويسن أن لا يدخل بها حتى يدفع إليها شيئا من الصداق خروجا من خلاف من أوجبه
( ويجوز إخلاؤه منه ) بالأجماع لكن مع الكراهة كما صرح به الماوردي والمتولي وغيرهما
تنبيه كان الأولى أن يقول ويجوز إخلاؤه منها
أي التسمية فإن النكاح لا يخلو من المهر إلا في مسائل مستثناة قد مر الكلام عليها وإنما تخلو منه التسمية ولهذا عبر في الروضة بقوله ويجوز إخلاؤه عن تسمية لمهر
وقد تجب التسمية لعارض في صور الأولى إذا كانت الزوجة غير جائزة التصرف أو مملوكة لغير جائز التصرف
الثانية إذا كانت جائزة التصرف وأذنت لوليها أن يزوجها ولم تفوض فزوجها هو أو وكيله
الثالثة إذا كان الزوج غير جائز التصرف وحصل الاتفاق في هذه الصورة على أقل من مهر الزوجة وفيما عداها على أكثر منه فيتعين تسميته بما يقع الاتفاق عليه
ولا يجوز إخلاؤه منه
( و ) لا تتقدر صحة الصداق بشيء لقوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم } فلم يقدره وقوله صلى الله عليه وسلم التمس ولو خاتما من حديد
بل ضابطه كل ( ما صح ) كونه ( مبيعا ) عوضا أو معوضا عينا أو دينا أو منفعة كثيرا أو قليلا ما لم ينته في القلة إلى حد لا يتمول ( صح ) كونه ( صداقا ومالا ) فلا
فإن عقد بما لا يتمول ولا يقابل بمتمول فسدت التسمية ورجع لمهر المثل ومثل له الصيمري بالنواة والحصاة وقشر البصلة وقمع الباذنجانة فإن قيل يستثنى من الضابط ما لو جعل رقبة العبد صداقا لزوجته الحرة وما لو جعل أم الولد صداقا عن الولد وما لو جعل أحد أبوي الصغيرة صداقا لها فإنه يصح ببيع هذه المذكورات ولا يصح جعلها صداقا بل يبطل النكاح في الصورة الأولى لأنه قارنه ما يضاده وفي الباقي يصح بمهر المثل
أجيب بصحة ما جعلها صداقا في الجملة والغرض بيان ما يصح
____________________
(3/220)
إصداقه وإنما امتنع فيها لعارض
واستثنى أيضا ما لو أصدقها دينا له على غيرها فإنه لا يصح على النص مع صحة بيعه ممن هو عليه
وهذا إنما يأتي على ما جرى عليه المصنف في هذا الكتاب أن بيعه لغير من هو عليه باطل أما ما جرى عليه في زيادة الروضة من صحته لغير من هو عليه فيصح كونه صداقا
واستثنى أيضا ما لو جعل ثوبا لا يملك غيره صداقا لتعلق حق الله تعالى به من وجوب ستر العورة به وهذا مردود فإنه إن تعين الستر به لم يصح بيعه ولا جعله صداقا والأصح كل منهما
واستثنى أيضا الجواهر والقسي فإن الشيخ أبا حامد قال لا يجوز السلم فيها كما لا يجوز جعلها صداقا وهذا مردود أيضا فإنه لا يصح بيعها في الذمة ولا إصداقها ويصح بيعها وإصداقها إن كانت معينة والضابط منطبق عليه
واستثنى من عكس الضابط ما لو أصدقها ما عليها أو على عبدها من قصاص فإنه يصح ولا يصح بيعه
( وإذا أصدقها عينا ) يمكن تقويمها كعبد موصوف ( فتلفت ) تلك العين ( في يده ) قبل القبض ( ضمنها ) وإن عرضها عليها وامتنعت من قبضها ( ضمان عقد ) لأنها مملوكة بعقد معاوضة فأشبهت المبيع في يد البائع
( وفي قول ضمان يد ) كالمعار والمستام لعدم انفساخ النكاح بالتلف
أما إذا لم يمكن تقويم عين الصداق فهو مضمون ضمان عقد قطعا كما في الروضة وأصلها في الكلام على الصداق الفاسد أن الفاسد فيما لو أصدقها عبدا أو ثوبا غير موصوف قالا فالتسمية فاسدة وعليه مهر المثل قطعا
تنبيه إنما فرض المصنف كالروضة وأصلها الخلاف في العين مع أنه لا يختص بها
لأنه أكثر ما يظهر أثر الخلاف المتقدم فيها
والفرق بين ضماني العقد واليد في الصداق أنه على الأول يضمن بمهر المثل وعلى الثاني بالبدل الشرعي وهو المثل إن كان مثليا والقيمة إن كان متقوما
ثم فرع المصنف على القولين مسائل فقال ( فعلى الأول ليس لها بيعه ) أي المذكور من العين ولا غير البيع من سائر التصرفات الممتنعة ثم ( قبل قبضه ) كالمبيع
وعلى الثاني يجوز
ومما يتفرع على القولين الإقالة فيصح على الأول دون الثاني وهي مسألة نفيسة ذكرها القاضي الحسين
تنبيه لو عبر المصنف بالتصرف في العين لشمل ما قدرته ومع هذا يرد عليه ما لو كان دينا فإنه لا يجوز الاعتياض عنه على الأصح
( ولو تلف في يده ) بآفة سماوية ( وجب مهر مثل ) على القولين الأول لانفساخ عقد الصداق حتى لو كان رقيقا لزمه تجهيزه بخلافه على الثاني لا ينفسخ فيتلف على ملكها فيلزمها تجهيزه وعليه بدله من مثل أو قيمة
ويعتبر أقصى القيم من الإصداق إلى التلف لاستحقاق التسليم في كل وقت من ذلك
تنبيه لو طالبته بالتسليم فامتنع لم ينتقل إلى ضمان اليد كما صححاه وقيل ينتقل ونسبه الزركشي إلى نص البويطي
( وإن أتلفته ) أي الزوجة ( فقابضه ) لحقها على القولين إذا كانت أهلا لأنها أتلفت حقها وإن كانت غير رشيدة فلا لأن قبضها غير معتد به
وتقدم في البيع أنه لو كان المبيع عبدا فقتله المشتري لصياله عليه فلم يكن قبضا فليكن هنا كذلك
( وإن أتلفه أجنبي ) يضمن الإتلاف ( تخيرت ) أي الزوجة ( على المذهب ) بين فسخ الصداق وإبقائه كما مر نظيره في البيع
( فإن فسخت الصداق أخذت من الزوج مهر مثل ) على القول الأول ويدل الصداق من مثل أو قيمة على الثاني ويأخذ الزوج الغرم من المتلف
( وإلا ) بأن لم تفسخه ( غرمت المتلف ) بكسر اللام المثل أو القيمة وليس لها مطالبة الزوج على القول الأول ولها تغريمه على الثاني وهو يرجع على المتلف
ومقابل المذهب أنها لا تتخير ويكون الحكم كما لو تلف بآفة سماوية
ونوزع المصنف في حكاية الخلاف طريقين والمنقول أنه قولان أما إذا لم يضمن الأجنبي بالإتلاف كحربي أو مستحق قصاص على الرقيق الذي جعل صداقا أو نحو ذلك كإتلاف الإمام له لحرابة فكالآفة المساوية ( وإن أتلفه الزوج فكتلفه ) بآفة سماوية ( وقيل كأجنبي ) أي كإتلافه
____________________
(3/221)
وقد مر حكمهما
( ولو أصدق ) ها ( عبدين فتلف أحدهما ) بآفة سماوية أو بإتلاف الزوج ( قبل قبضه انفسخ ) عقد الصداق ( فيه ) على القول الأول ( لا في الباقي على المذهب ) من خلاف تفريق الصفقة المتقدم قبيل باب الخيار ( ولها الخيار ) فيه لعدم سلامة المعقود عليه
( فإن فسخت ) عقد الصداق ( فمهر مثل ) لها ( وإلا ) بأن أجازت ( فحصة التالف منه ) أي من مهر المثل مع الباقي وعلى الثاني لا ينفسخ عقد الصداق ولها الخيار فإن فسخت رجعت لقيمة العبدين وإن أجازت في الباقي رجعت لقيمة التالف
أما إذا أتلفته الزوجة فقابضة لقسطه أو أجنبي فتتخير فإن فسخت طالبت الزوج بمهر المثل وإن أجازت طالبت الأجنبي بالبدل كما علم ذلك مما مر
( ولو تعيب ) الصداق المعين في يد الزوج بآفة سماوية كعمى العبد أو بجناية غير الزوجة كقطع يده ( قبل قبضه تخيرت ) أي الزوجة ( على المذهب ) بين فسخ الصداق وإبقائه
تنبيه قضية كلامه أن ذلك مفرع على ضمان العقد ولا خلاف في ثبوت الخيار حينئذ فكيف يقول على المذهب ولا يصح أن يقال إنه فرعه على القولين كما صرح به الإمام وغيره لأن قوله ( فإن فسخت فمهر المثل وإلا ) بأن أجازت ( فلا شيء لها ) غير المعيب كالمشتري يرضى بالعيب مختص بضمان العقد وعلى مقابلة لها إن فسخت بذل الصداق وإن أجازت فلها أرش العيب
نعم على الأول لها الأرش أيضا فيما إذا عيبه أجنبي وليس لها مطالبة الزوج وعلى مقابله لها مطالبته
( والمنافع الفائتة في يد الزوج لا يضمنها
وإن طلبت ) منه الزوجة ( التسليم ) للصداق ( فامتنع ) منه ( ضمن ) على قول ( ضمان العقد ) كما لو أنفق ذلك من البائع فقول الزركشي والصواب عند الامتناع من التسليم التضمين وأما على ضمان اليد فيضمنها من وقت الامتناع بأجرة المثل فحيث لا امتناع لا ضمان على القولين
( وكذا ) المنافع ( التي استوفاها ) الزوج ( بركوب ) الدابة أصدقها ( ونحوه ) كلبس ثوب أو استخدام رقيق أصدقه لا يضمنها ( على المذهب ) بناء على أن جنايته كالآفة وهو الأصح كما مر
ومقابل المذهب يضمنها بأجرة المثل بناء على أن جنايته كجناية الأجنبي أو بناء على ضمان اليد
وإن زاد الصداق زيادة متصلة أو منفصلة فهي ملك للزوجة
( ولها حبس نفسها ) ولو بلا عذر ( لنقبض المهر المعين والحال ) كله أو بعضه في العقد أو الفرض الصحيح كما سيأتي دفعا لضرر فوات البضع فيجب عليه تأديته قال صلى الله عليه وسلم أول ما يسئل عنه المؤمن من ديونه صداق زوجته وقال من ظلم زوجته في صداقها لقي الله تعالى يوم القيامة وهو زان
تنبيه قد يفهم كلامه أن المفوضة ليس لها ذلك قبل الفرض والمسيس وليس مرادا لما سيأتي وفرض المصنف ذلك المالكة لأمرها
وأما غيرها لصغر أو جنون أو سفه فحبسها لوليها فإن رأى المصلحة في الترك فعله
وأما الأمة فحبسها لسيده أو وليه هذا في غير المكاتبة كتابة صحيحة وأما هي فقال الأذرعي يشبه أن يجري في منع سيدها خلاف من الخلاف في تبرعاتها ويحتمل أن يكون لها ذلك وإن أبى السيد قطعا اه
والأوجه أنه ليس له المنع
ويستثنى صور لا حبس فيها الأولى إذا عتق السيد الأمة وأوصى لها بصداقها فليس لها حبس نفسها لأن الاستحقاق هنا بالوصية لا بالنكاح
الثانية أم الولد إذا زوجها السيد ثم مات وعتقت وصار الصداق للوارث فليس له حبسها إذ لا ملك له فيها ولا لها لأن الصداق ليس لها
الثالثة الأمة المزوجة إذا باعها السيد أو أعتقها بعد استحقاقه لصداقها فالمهر له ولا حبس لخروجها عن ملكه ( لا المؤجل ) فلا تحبس نفسها بسببه لرضاها بالتأجيل
( فلو حل )
____________________
(3/222)
الأجل ( قبل التسلم ) لنفسها للزوج ( فلا حبس في الأصح ) لوجو تسليمها نفسها قبل الحلول فلا يرتفع لحلول الحق وهذا ما حكاه في الشرح الكبير عن أكثر الائمة وهو المعتمد
والثاني لها الحبس كما لو كان حالا ابتداء ورجحه القاضي أبو الطيب وقال إن الأول غلط
وصوبه في المهمات هنا وفي البيع اعتمادا على نص نقله عن المزني
قال الأذرعي وقد راجعت كلام المزني فوجدته من تفقهه ولم ينقله عن الشافعي
( ولو ) تنازع الزوجان في البداءة بالتسليم كأن ( قال كل ) منهما للآخر ( لا أسلم حتى تسلم ) أي قال الزوج لا أسلم المهر حتى تسلمي نفسك وقالت هي لا أسلمها حتى تسلم إلي المهر ( ففي قول يجبر هو ) على تسليم الصداق أولا لأن استرداده ممكن بخلاف البضع
( تنبيه محل هذا إذا كانت مهيأة للاستمتاع كما في الروضة وأصلها لا كمريضة ومحرمة
قال الأذرعي ولا يختص هذا بهذا القول بل هو معتبر على كل قول حتى لو بذلت نفسها وبها مانع من إحرام أو غيره لم يجبر صرح به العراقي شارح المهذب
( وفي قول لا إجبار ) على كل منهما لاستوائهما في ثبوت الحق لكل منهما على الآخر وحينئذ ( فمن ) بادر و ( سلم ) منهما ( أجبر صاحبه ) على التسليم ( والأظهر يجبران فيؤمر ) الزوج ( بوضعه ) أي المهر ( عند عدل وتؤمر ) الزوجة ( بالتمكين فإذا سلمت ) نفسها ( أعطاها العدل المهر ) لما فيه من فصل الخصومة قال الإمام فلو هم بالوطء بعد أن تسلمت المهر فامتنعت فالوجه استرداده
تنبيه أشعر اقتصاره على الأقوال الثلاثة أنه لا يجيء قول بإجبار الزوجة وهو كذلك كما صرح به الإمام لفوات البضع عليها بالتسليم
واستشكل ابن الرفعة القول الأول المرجح بالوضع عند عدل بأنه إن كان نائبا عن الزوجة فالمجبر الزوج وهو القول الأول وإن لم يكن نائبها فقد أجبرت أولا ولا قائل به كما مر
وأجاب بأنه نائب عنها كما قال الأصحاب لكنه ممنوع من تسليم المهر إليها وهي ممنوعة من التصرف فيه قبل التمكين بخلافه على القول الأول فإنها تتصرف فيه بمجرد قبضه
وأجاب آخر بأنه نائبهما واستشهد له بمقتضى كلام الأصحاب المذكور
وأجاب آخر بأنه نائبهما ولا محظور في إجباره لزوال العلة المقتضية لعدم إجبارها
وأجاب آخر بأنه نائب الشرع لقطع الخصومة بينهما وهذا أولى
فرع يجب عليه نفقتها بقولها إذا سلم المهر ومكنت لأنها حينئذ ممكنة
( ولو بادرت ) أي الزوجة ( فمكنت ) أي الزوج ( طالبته ) بالمهر على كل قول لأنها بذلت ما في وسعها ولها حينئذ أن تستقل بقبض الصداق بغير إذن الزوج كنظيره في البيع
( فإن لم يطأ امتنعت ) أي جاز لها الامتناع من تمكينه ( حتى يسلم ) المهر لأن القبض في النكاح بالوطء دون التسليم ( وإن وطئ ) ها بتمكينها منه مختارة مكلفة ولو في الدبر ( فلا ) كما لو تبرع البائع بتسليم المبيع ليس له استرداد ليحبسه
أما إذا وطئت مكرهة أو غير مكلفة لصغر أو جنون فلها الامتناع لعدم الاعتداد بتسليمها
نعم لو سلم الولي المجنونة أو الصغيرة لمصلحة فينبغي كما في الكفاية أنه لا رجوع لها وإن كملت كما لو ترك الولي الشفعة لمصلحة ليس للمحجور عليه الأخذ بها بعد زوال الحجر على الأصح بخلاف ما لو سلمها لغير مصلحة بل المحجور عليها لسفه لو سلمت نفسها ورأى الولي خلافه فينبغي كما قال شيخنا أن يكون له الرجوع وإن وطئت ( ولو بادر ) الزوج ( فسلم ) المهر ( فلتمكن ) زوجها وجوبا إذا طلبه لأنه فعل ما عليه
( فإن امتنعت ) أي الزوجة من تمكين زوجها ( بلا عذر ) منها ( استرد ) المهر منها ( إن قلنا ) بالمرجوح ( أنه يجبر ) على التسليم أولا لأنه لم يتبرع
أما إذا قلنا بالراجح وهو أنه لا يجبر أولا لم يسترد لأنه تبرع بالمبادرة فكان كتعجيل الدين المؤجل
____________________
(3/223)
تنبيه أهمل المصنف محل التسليم وهو منزل الزوج وقت العقد كما ذكره في التنبيه فإن انتقل عن بلد العقد فزائد المؤنة عليه فلو تزوج رجل بغزة امرأة بالشام سلمت نفسها بغزة اعتبارا بمحل العقد فإن طلبها إلى مصر فنفقتها من الشام إلى غزة عليها ثم من غزة إلى مصر عليه
وهل تلزمه مؤنة الطريق من الشام إلى غزة أم لا قال الحناطي في فتاويه نعم
وحكى الروياني فيه وجهين أحدهما نعم لأنها خرجت بأمره والثاني لا لأن تمكينها إنما يحصل بغزة قال وهذا أقيس
وأما من غزة إلى مصر فعليه
ولو طلب الزوج تسليمها فادعى الولي موتها وأنكر الزوج صدق الزوج بيمينه حتى لا يسلمه المهر ويكلف الولي إقامة البينة بموتها ويلزم الزوج مؤنة تجهيزها لأن الأصل بقاء الحياة
( ولو استمهلت ) هي أو وليها ( لتنظف ونحوه ) كإزالة وسخ وشعر عانة وشعر إبط ( أمهلت ) وجوبا على الأظهر ولو قبضت المهر وقيل قطعا ( ما يراه قاض ) كيوم أو يومين سواء أكانت طاهرا أم حائضا أم نفساء
( ولا يجاوز ثلاثة أيام ) بلياليها لأن الغرض من ذلك يحصل فيها ولأنها أقل الكثير وأكثر القليل
( لا لينقطع حيض ) أو نفاس فلا تمهل لذلك بل تسلم للزوج حائضا ونفساء لأنها محل للاستمتاع في الجملة وإنما تعذر نوع منه كالقرناء والرتقاء قال الغزالي إلا إذا علمت من عادته أنه يغشاها في الحيض فلها الامتناع من مضاجعته ولو كانت مدة الحيض لا تزيد على مدة الإمهال للتنظيف ونحوه أمهلت كما قاله في التتمة
( ولا تسلم صغيرة ) لا تحتمل الوطء ( ولا مريضة ) ولا من بها هزال تتضرر بالوطء معه ( حتى يزول مانع وطء ) لأنه يحمله فرط الشهوة على الجماع فتتضرر به
تنبيه شمل إطلاقه ما لو قال الزوج سلموها لي ولا أطؤها حتى تحتمله وهو الأصح المنصوص كما قاله الأذرعي وغيره وجزم به الإمام والمتولي وإن كان ثقة إذ لا يؤمن من هيجان الشهوة
وقال البغوي يجاب الثقة في المريضة دون الصغيرة وجرى عليه ابن المقري
والمراد كراهة التسليم كما صرح به في الروضة كأصلها في الصغيرة ومثلها المريضة
ويحرم وطء من لا تحتمل الوطء لصغر أو جنون أو مرض أو هزال أو نحو ذلك لتضررها به وتمهل حتى تطيق فلو سلمت له صغيرة لا توطأ لم يلزمه تسلمها لأنه نكح للاستمتاع لا للحضانة وإذا تسلمها لم يلزمه تسليم المهر كالنفقة
وإن سلمه عالما بحالها أو جاهلا ففي استرداده وجهان أوجههما عدم الاسترداد كما يؤخذ من كلام الشيخين
ولو سلمت إليه المريضة أو النحيفة لم يجز له الامتناع كما ليس له أن يخرجها من داره إذا مرضت ويجب عليه نفقتها فإن خافت النحيفة الإفضاء لو وطئت لعبالة الزوج لم يلزمها التمكين من الوطء فيتمتع بغيره أو يطلق ولا فسخ له بذلك بخلاف الرتق أو القرن فإنه يمنع الوطء مطلقا والنحافة لا تمنع وطء نحيف مثلها وليست بعيب أيضا نعم إن أفضاها كل أحد فله الفسخ لأنه حينئذ كالرتق
ومن أفضى امرأة بوطء امتنع عليه العود حتى تبرأ فإن ادعى الزوج البرء وأنكرت أو قال ولي الصغيرة لا تحتمل الوطء وأنكر الزوج عرضت على أربع نسوة ثقات فيهما
أو رجلين محرمين للصغيرة أو ممسوحين
ولو ادعت النحيفة بقاء ألم بعد الاندمال وأنكر الزوج صدقت بيمينها لأنه لا يعرف إلا منها
( ويستقر المهر ) على الزوج ( بوطء ) ولو في الدبر بتغييب حشفة أو قدرها من مقطوعها سواء أوجب بنكاح أو فرض كما في المفوضة ( وإن حرم ) الوطء ( كحائض ) لاستيفاء مقابله
والقول قول الزوج في الوطء بيمينه
فإن قيل لا بد في الاستقرار مع الوطء من قبض العين لأن المشهور أن الصداق قبل القبض مضمون ضمان عقد كالمبيع فكما قالوا إن المبيع قبل القبض غير مستقر وإن كان الثمن قد قبض فكذلك الصداق
أجيب بأن المراد بالاستقرار هنا الأمن من سقوط كل المهر أو بعضه بالتشطير وفي البيع الأمن من الانفساخ والمبيع إذا تلف قبل القبض انفسخ البيع والصداق المعين إذا تلف قبل القبض لم يسقط المهر بل يجب بدل البضع وهو مهر المثل على ضمان العقد وبدل العين على ضمان اليد فافترق البابان وشمل المهر المسمى ومهر المثل لكن يشترط لتقرير المسمى بالوطء أن لا يحصل انفساخ النكاح بسبب سابق على الوطء فلو فسخ بعيب سابق على الوطء سقط ووجب مهر المثل
____________________
(3/224)
فرع قد يسقط المهر بعد استقراره كما لو اشترت الحرة زوجها بعد الدخول والصداق باق فإنه يسقط في أحد وجهين لأنه لا يجب للسيد على عبده مال والصحيح أنه يبقى في ذمته وإن لم يثبت للسيد على عبده دين ابتداء لأن الدوام أقوى منه
( و ) يستقر المهر أيضا ( بموت أحدهما ) قبل الوطء في النكاح الصحيح لإجماع الصحابة رضي الله عنهم ولأنه لا يبطل به النكاح بدليل التوارث وإنما هو نهاية له ونهاية العقد كاستيفاء المعقود عليه بدليل الإجارة
تنبيه دخل في كلامه ما لو قتل أحدهما الآخر ولكن تقدم أن الأمة لو قتلت نفسها أو قتلها سيدها أو قتلت الأمة أو الحرة زوجها قبل الدخول لم يستقر المهر فهي مستثناة
وخرج بالوطء والموت غيرهما فلا يستقر بمباشرة فيما دون الفرج ولا باستدخال مني ولا بإزالة بكارة بغير آلة الجماع و ( لا بخلوة في الجديد ) لقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } الآية والمراد بالمس الجماع وكما لا يلتحق ذلك بالوطء في سائر الأحكام من حد وغسل ونحوهما
والقديم يستقر بالخلوة في النكاح الصحيح حيث لم يكن مانع حسي كرتق ولا شرعي كحيض لأنها حينئذ مظنة الوطء
فإن قيل يدل لهذا ما رواه الإمام أحمد عن زرارة بن أبي أوفى أنه قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة
أجيب بأن هذا منقطع لأن زرارة لم يدرك الخلفاء رضي الله تعالى عنهم
أما النكاح الفاسد فلا يستقر بها قطعا
فرع لو أعتق مريض أمته التي لا يملك غيرها وتزوجها وأجازت الورثة العتق استمر النكاح ولا مهر قاله في البيان وبينت وجهه في شرح التنبيه
فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه لو ( نكحها بخمر أو حر أو مغصوب ) سواء أشار إليه ولم يصفه ك أصدقتك هذا أو لم يشر ووصفه بما ذكر أو بغيره كعصير أو رقيق أو مملوك له ( وجب مهر المثل ) في الأظهر لصحة النكاح وفساد التسمية بانتفاء كونه ما لا في الأول والثاني وملكا للزوج في الثالث ( وفي قول قيمته ) أي قيمة ما ذكر بأن يقدر الخمر عصير ولكن يجب مثله والحر رقيقا والمغصوب مملوكا لكن المغصوب المثلي يجب مثله فلو عبر بالبدل كان أولى لكنه تبع المحرر في ذلك مع أن الرافعي أنكر على الغزالي التعبير بالقيمة ثم وقع فيه في المحرر
أما إذا أشار إليه مع الوصف ك أصدقتك هذا الحر وجب مهر المثل قطعا كما قاله الأكثرون
تنبيه هذا في أنكحتنا أما أنكحة الكفار فكل ما اعتقدوا صحة إصداقه يجري عليه حكم الصحيح كما مر وتصويرهم المسألة بالخمر والحر يقتضي أن محل ذلك فيما يقصد أما إذا لم يقصد كالدم والحشرات لم يأت ذلك فيه بل تكون كالمفوضة وهو قياس ما ذكروه في الخلع أنه إذا خالعها على ذلك يقع رجعيا لأنه لا يقصد بحال فكأنه لم يطمع في شيء لكن صرحوا هنا بأنه لا فرق
وفرق بين البابين بأن مقصود النكاح الوطء وهو موجب للمهر بخلاف الخلع فإن مقصوده الفرقة وهي تحصل غالبا بدون عوض
( أو ) نكحها ( بمملوك ومغصوب ) مثلا ( بطل فيه وصح في المملوك في الأظهر ) هما قولا تفريق الصفقة في الابتداء وسبق في البيع الكلام عليهما
( وتتخير ) الزوجة إذا كانت جاهلة بين فسخ الصداق وإجازته لأن المسمى بتمامه لم يسلم لها
( فإن فسخت فمهر مثل ) يجب لها ( وفي قول قيمتهما ) هما القولان الماران وكان الأولى أن يقول بدلهما لما مر
( وإن أجازت فلها مع المملوك حصة المغصوب من مهر مثل ) لها ( يحسب قيمتهما ) عملا بالتوزيع فلو كانت مثلا مائة بالسوية بينهما أخذت
____________________
(3/225)
نصف مهر مثل عن قيمة المغصوب ( وفي قول تقنع به ) أي المملوك ولا شيء لها معه بناء على أن المشتري يجيز بكل الثمن فيما إذا خرج بعض المبيع مستحقا
( ولو قال ) شخص ( زوجتك بنتي ) فلانة ( وبعتك ثوبها ) هذا مثلا وهو ولي مالها أو أذنت له ( بهذا العبد صح النكاح ) جزما وفيه وجه شاذ بعدم الصحة
( وكذا المهر والبيع في الأظهر ) هما القولان في الجمع بين عقدين مختلفي الحكم في صفقة واحدة لأن بعض العبد ثمن وبعضه صداق
فإن قيل هذه المسألة مرت في آخر باب المناهي فهي مكررة
أجيب بأنها ذكرت هنا بزيادة على ما تقدم وهي إفادة تصوير جمع الصفقة بيعا ونكاحا ( ويوزع العبد ) المذكور أي قيمته ( على ) قيمة ( الثوب ومهر مثل ) فإن كان المهر مائة مثلا وقيمة الثوب كذلك فنصف العبد صداق ونصفه ثمن الثوب فإن طلقها قبل الدخول رجع إليه نصف الصداق وهو ربع العبد وتقدم في تفريق الصفقة أنه يشترط في التوزيع كون حصة النكاح مهر مثل فإن كانت أقل وجب مهر المثل جزما ومقابل الأظهر بطلانهما ووجوب مهر المثل
تنبيه أشار بقوله ثوبها إلى اشتراط كون ملك الصداق وما معه لشخص واحد
فإن قال زوجتك بنتي وبعتك ثوبي هذا بهذا العبد لم يصح البيع ولا الصداق كبيع عبيد جمع بثمن واحد ويصح النكاح بمهر المثل
فرع قال في الأم لو قال زوجتك بنتي وملكتك هذه المائة من مالها بهاتين المائتين اللتين لك فالبيع والصداق باطلان لأنه من قاعدة مد عجوة وإن كان أحد العوضين دنانير صحا إذ غايته أنه جمع بين صداق وصرفه وهو لا يمنع الصحة
( ولو نكح ) امرأة ( بألف على أن لأبيها ) ألفا ( أو أن يعطيه ألفا فالمذهب فساد الصداق ) في الصورتين لأنه جعل بعض ما التزمه في مقابلة البضع لغير الزوجة ( ووجوب مهر المثل ) فيهما لفساد المسمى والطريق الثاني فساده في الأولى دون الثانية لأن لفظ الإعطاء لا يقتضي أن يكون المعطى للأب
تنبيه هذا إذا قرىء يعطيه بالمثناة من تحت أي يعطي الزوج أباها ألفا فإن قرىء بالمثناة من فوق أي تعطي المرأة أباها ألفا فهو وعد هبة منها لأبيها
( ولو شرط ) أحد الزوجين ( خيارا في النكاح بطل النكاح ) لأن النكاح مبناه على اللزوم فشرط ما يخالف قضيته يمنع الصحة
فإن شرط ذلك على تقدير عيب مثبت للخيار قال الزركشي ينبغي أن يصح لأنه تصريح بمقتضى العقد اه
وهو مخالف لإطلاق كلام الأصحاب
( أو ) شرط أحد الزوجين خيارا ( في المهر فالأظهر صحة النكاح ) لأن فساد الصداق لا يؤثر في النكاح ( لا المهر ) فلا يصح في الأظهر بل يفسد ويجب مهر المثل لأن الصداق لا يتمحض عوضا بل فيه معنى النحلة فلا يليق به الخيار والمرأة لم ترض بالمسمى إلا بالخيار
والثاني يصح المهر أيضا لأن المقصود منه المال كالبيع فيثبت لها الخيار
والثالث يفسد النكاح لفساد المهر أيضا ( وسائر ) أي باقي ( الشروط ) الواقعة في النكاح ( إن وافق ) الشرط فيها ( مقتضى ) عقد ( النكاح ) كشرط النفقة والقسم ( أو ) لم يوافق مقتضى النكاح ولكنه ( لم يتعلق به غرض ) كشرط أن لا تأكل إلا كذا ( لغا ) هذا الشرط أي لا تأثير له في الصورتين لانتفاء فائدته ( وصح النكاح والمهر ) كما في نظيره من البيع
( وإن خالف ) الشرط مقتضى عقد النكاح ( ولم يخل بمقصوده الأصلي ) وهو الوطء ( كشرط أن لا يتزوج عليها أو ) أن ( لا نفقة لها صح النكاح ) لعدم الإخلال بمقصوده وهو الوطء ( وفسد الشرط ) سواء أكان لها
____________________
(3/226)
كالمثال الأول أو عليها كالمثال الثاني لقوله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ( و ) فسد ( المهر ) أيضا لأن الشرط إن كان لها فلم ترض بالمسمى وحده وإن كان عليها فلم يرض الزوج ببلد المسمى إلا عند سلامة ما شرطه وليس له قيمة ما يرجع إليها فوجب الرجوع إلى مهر المثل
( وإن أخل ) الشرط بمقصود النكاح الأصلي ( كأن ) شرط أن ( لا يطأ ) هذا الزوج أصلا وأن لا يطأها إلا مرة واحدة مثلا في السنة أو أن لا يطأها إلا ليلا فقط أو إلا نهارا فقط ( أو ) أن ( يطلق ) ها ولو بعد الوطء ( بطل النكاح ) لأنه ينافي مقصود العقد فأبطله
ومسأله ما إذا شرط أن يطلق مكررة فقد ذكرها في الكلام على التحليل ولو شرط هو أنها لا ترثه أو أنه لا يرثها أو أنهما لا يتوارثان أو أن النفقة على غير الزوج بطل أيضا كما قاله في أصل الروضة عن الحناطي وجرى عليه ابن المقري وصحح البلقيني الصحة وبطلان الشرط
تنبيه ما جرى عليه المصنف من البطلان فيما إذا شرط عدم الوطء هو ما صححه في المحرر وفي الشرح الصغير أنه الأشبه والذي صححه في الروضة وأصلها وتصحيح التنبيه فيما إذا شرطه الصحة لأنه حقه فله تركه والتمكين عليها وهذا هو الذي عليه الجمهور كما قاله الأذرعي وغيره وقال في البحر إنه مذهب الشافعي
فإن قيل إن شرط أحدهما شرطا فإن لم يساعده صاحبه لم يتم العقد وإن ساعده فالزوج بالمساعدة تارك لحقه فهلا كانت مساعدته كشرطه وهي بالمساعدة مانعة حقه فهلا كانت مساعدتها كشرطها أجيب بأنا إذا جعلناه كالابتداء من كل منهما فقد وجد ما يقتضي الصحة وما يقتضي البطلان ورجح جانب المبتدىء لقوة الابتداء وبناء الجواب عليه وأحيل عليه الحكم فقط دفعا للتعارض
ويستثنى من البطلان بترك الوطء المأنوس من احتمالها الجماع فإنه لو شرط في العقد أن لا يطأها لم يبطل العقد لأنه من قضيته وكذا لو لم تحتمله في الحال فشرط أن لا يطأها إلى الاحتمال قاله البغوي في فتاويه
والظاهر كما قاله الأذرعي أنه لو علم أنها رتقاء أو قرناء وشرطت عليه ذلك أنه لا يضر قطعا
قال الأذرعي ولينظر فيما إذا كانت متحيرة وحرمنا وطأها وشرطت تركه فيحتمل أن يقال بفساد النكاح لأن الشفاء متوقع ويحتمل خلافه لأن الظاهر أن العلة المزمنة إذا طالت دامت اه
وهذا أظهر
( ولو نكح ) شخص ( نسوة ) أو امرأتين معا ( بمهر ) كأن زوجه بهن جدهن أو معتقهن أو وكيل أوليائهن أو اختلعن على عوض واحد ( فالأظهر فساد المهر ) والعوض للجهل بما يخص كل واحدة في الحال ( ولكل مهر مثل ) لما مر
والثاني يصح ويوزع على مهور أمثالهن أما النكاح والبينونة فيصحان بلا خلاف
تنبيه يؤخذ من قوله ولكل مهر مثل أنه لو زوج أمتيه من عبد بمهر واحد أنه يصح وهو كذلك لأن المهر في نكاح أمتين للسيد وهو متحد
( ولو نكح ) الولي ( لطفل ) أو مجنون ( بفوق مهر مثل ) من مال الطفل أو المجنون ( أو أنكح بنتا ) بموحدة أوله فنون ساكنة فمثناة فوقية بخطه ( لا ) بنتا ( رشيدة ) كالمجنونة والصغيرة والسفيهة ( أو رشيدة بكرا بلا إذن ) في النقص عن مهر ( بدونه ) أي بدون مهر المثل
وليس المراد بلا إذن منها لوليها في تزويجها لأن الكلام في البكر التي لا يحتاج في إنكاحها إلى إذن وسيأتي الكلام فيمن يحتاج إلى إذنها في النكاح
( فسد ) كل ( المسمى ) لأن الولي مأمور بالحفظ وهو منتف إذ الزيادة في الأولى والنقص في الثانية خلاف المصلحة ( والأظهر صحة النكاح بمهر مثل ) كما في سائر الأسباب المفسدة للصداق
والثاني لا يصح لفساد المهر بما ذكر
ومحل تصحيح الأول إذا كان مهر مثلها يليق به فلو نكح شريفة يستغرق مهر مثلها ماله فقياس ما صححوه في السفيه أنه لا يصح هنا أيضا لأنه على خلاف المصلحة نبه عليه الزركشي
تنبيه ما جزما به هنا من فساد المسمى جميعه لا ينافي ما رجحاه في نكاح السفيه من فساد الزائد منه دون
____________________
(3/227)
جميعه لأن السفيه متصرف لنفسه فقصر الفساد على الزائد والولي متصرف على غيره ففسد جميعه
أما إذا عقد الولي لموليه بأكثر من مهر مثل من مال نفسه فإنه يصح بالمسمى عينا كان أو دينا لأن المجعول صداقا لم يكن ملكا للابن حتى يفوت عليه والتبرع به إنما حصل في ضمن تبرع الأب فلو ألغى فات على الابن ولزمه مهر مثل في ماله وهذا ما قطع به الغزالي وغيره وهو أوجه مما رجحه المتولي وغيره من فساده لأنه يتضمن دخوله في ملك الابن ثم يكون متبرعا بالزائد لما يترتب على ذلك من المحذور السابق ولا يصير الأب بالعقد لموليه ضامنا للمهر والنفقة
فإن قيل تركيب عبارة المصنف غير مستقيم فإن من قواعد العربية أن لا إذا دخلت على مفرد وهو صفة السابق وجب تكرارها كقوله تعالى { إنها بقرة لا فارض ولا بكر } وقوله تعالى { زيتونة لا شرقية ولا غربية }
أجيب بأن لا هنا اسم بمعنى غير ظهر إعرابها فيما بعدها لكونها على صورة الحرف وسبق الكلام على ذلك في كتاب الطهارة
( ولو توافقوا ) أي الولي والزوج والزوجة إذا كانت بالغة وقد لا يحتاج إلى موافقتها أو تكون غير مكلفة فيكون المراد الولي والزوج ( على مهر ) كمائة ( كان سرا ) وهو لغة ما اطلع عليه شخص واحد ( وأعلنوا زيادة ) كمائتين ( فالمذهب وجوب ما عقد به ) اعتبارا بالعقد لأن الصداق يجب به سواء كان العقد بالأقل أم بالأكثر وعلى هاتين الحالتين حملوا نص الشافعي في موضع على أن المهر مهر السر وفي آخر على أنه مهر العلانية والطريقة الثانية تحكي قولين في الحالة الثانية ومنهم من أثبتهما في الحالة الأولى أيضا قال ابن القاسم وهذه المسألة تنبني على ثلاث قواعد في كل منها خلاف الأولى الاصطلاح الخاص هل يرفع الاصطلاح العام والثانية أن الإبهام في الشروط هل يؤثر فيها والثالثة أن الشرط قبل العقد هل يلحقه ولو اتفقوا على تسمية الألف بألفين فإن عبروا بهما عنها وعقدوا بهما لزاما لجريان اللفظ الصريح بهما أو عقدوا بهما على أن لا يلزم إلا ألف صح النكاح بمهر المثل لفساد الشرط
( ولو قالت ) رشيدة ( لوليها ) غير المجبر لأنه الذي يحتاج إلى إذن ( زوجني بألف فنقص عنه بطل النكاح ) للمخالفة وفي قول من الطريق الثاني يصح بمهر المثل وأفهم البطلان بطريق الأولى فيما إذا زوجها بلا مهر أو مطلقا أو سكت عن المهر سواء أزوجها بنفسه أم بوكيله
( فلو أطلقت ) بأن سكتت عن المهر ( فنقص عن مهر مثل بطل ) النكاح لأن المطلق محمول على مهر المثل وقد نقص عنه ( وفي قول يصح بمهر مثل ) إذ ليست المخالفة صريحة ( قلت الأظهر صحة النكاح في الصورتين ) المذكورتين ( بمهر المثل والله أعلم ) كسائر الأسباب المفسدة للصداق ولو كانت سفيهة وسمى دون تسميتها ولكنه كان زائدا على مهر مثلها قال البلقيني في التدريب فينبغي أن لا يضيع الزائد عليها ولم يذكروه ولو طرد في الرشيدة لم يبعد اه
لكنهم لم ينظروا إلى ذلك مع وجود الرجوع إلى مهر المثل لأنه المراد
تنبيه جرت عادة الأولياء بتزويج الصغار بمهر مؤجل
وينبغي كما قال الزركشي الصحة عند المصلحة لتحصيل كفء ولكن لا يسلمها حتى يأخذ على الصداق رهنا كيلا تفوت منفعة البضع بلا مقابل في الحال
ولو زوجها بعرض أو بغير نقد البلد قال في البيان الذي يقتضيه القياس إن كان الولي مجبرا وهي غير مكلفة صح إن كان ذلك مهر مثلها فإن كان غير مجبر وغير حاكم أو وهي مكلفة لم يصح ذلك المهر إلا أن يكون بإذنها فإن كان الحاكم وهي مجنونة ورأى أن يزوجها بشيء من العرض وقيمته قدر مهر مثلها صح ذلك
4 فصل في التفويض مع ما يذكر معه وهو جعل الأمر إلى غيره ويقال الإهمال ومنه لا يصلح الناس فوضى
وهو قسمان تفويض مهر كقولها للولي زوجني بما شئت أو شاء فلان وتفويض بضع وهو المراد
____________________
(3/228)
هنا
وسميت المرأة مفوضة بكسر الواو لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الولي بلا مهر أو لأنها أهملت المهر ومفوضة بفتحها لأن الولي فوض أمرها إلى الزوج
قال في البحر والفتح أفصح
إذا ( قالت رشيدة ) بكر أو ثيب لوليها ( زوجني بلا مهر فزوج ) ها الولي ( ونفي المهر أو سكت ) عنه ( فهو تفويض صحيح ) لأن حقيقة التفويض شرعا إخلاء النكاح عن المهر وقد وجد وسيأتي حكمه
وظاهر كلامه أنها لو قالت زوجني وسكتت عن المهر أنه ليس بتفويض وهو كذلك كما رجحه في الشرح الصغير ونقل الإمام الاتفاق عليه لأن النكاح يعقد بالمهر غالبا فيحمل مطلق الإذن عليه
وقال في المهمات إنه تفويض وإن الشافعي نص عليه نصا قاطعا اه
وليس كما ادعى والنص الذي ذكره ليس قاطعا بل محتمل جدا كما نبه عليه الأذرعي
تنبيه قضية إطلاقه نفي المهر أنها لو قالت زوجني بلا مهر في الحال ولا عند الدخول ولا غيره يكون تفويضا صحيحا وهو أحد وجهين
قال الأذرعي إنه الذي يقتضيه إيراد جمهور العراقيين كما قاله بعض الأئمة فهو المذهب اه
ولو عبر المصنف بمطلقة التصرف لكان أولى
إذ الأصح أنها لو سفهت ولم يحجر عليها كانت كرشيدة في التصرف
فرع لو زوجها بمهر المثل من نقد البلد وقد أذنت أن يزوجها بلا مهر صح المسمى أو زوجها بدونه أو بغير نقد البلد فهو تفويض كما في الحاوي ورجحه الشيخان تبعا للبغوي وإن قال الزركشي إنه عجيب كما قاله ابن الرفعة
ولو نكحها على أن لا مهر ولا نفقة لها أو على أن لا مهر لها ويعطي زوجها ألفا وقد أذنت بذلك فمفوضة فلا يلزم شيء بالعقد وإن نازع الزركشي الشيخين في ذلك وقال ينبغي أن يجب مهر المثل بالعقد
( وكذا لو قال سيد أمة ) غير مكاتبة ( زوجتكها بلا مهر ) فهو تفويض صحيح لأنه المستحق للمهر فأشبه الرشيدة
تنبيه ظاهر كلامه أن السيد لو سكت عن ذكر المهر لا يكون تفويضا وليس مرادا فقد نص في الأم على أنه تفويض وحكاه الرافعي عن الأصحاب لأن سكوته عنه في العقد يشعر برضاه بدونه بخلاف إذن المرأة للولي فإنه محمول على ما يقتضيه العرف والشرع من التصرف لها بالمصلحة
أما المكاتبة كتابة صحيحة فحكمها مع السيد في التفويض كالحرة كما قاله بعض المتأخرين
( ولا يصح تفويض غير رشيدة ) لأن التفويض تبرع وليست من أهله نعم يستفيد به الولي من السفيهة الإذن في تزويجها
( وإذا جرى تفويض صحيح ) وتقدم تعريفه ( فالأظهر أنه لا يجب ) على الزوج للمفوضة ( شيء ) أي مهر ( بنفس العقد ) إذ لو وجب به لتشطر بالطلاق قبل الدخول كالمسمى الصحيح
وقد دل القرآن على أنه لا يجب إلا المتعة
والثاني يجب به مهر المثل إذ لو لم يجب به ما استقر بالموت
تنبيه لو عبر ب مهر كما قدرته بدل شيء كان أولى إذ العقد أوجب شيئا وهو ملكها المطالبة بأن يفرض لها كما سيأتي أما التفويض الفاسد ففيه مهر مثل بنفس العقد
وعلى الأظهر ( فإن وطىء ) المفوضة ( فمهر مثل ) يجب لها وإن أذنت له في وطئها بشرط أن لا مهر لأن الوطء لا يباح بالإباحة لما فيه من حق الله تعالى
ويستثنى من ذلك صورتان الأولى إذا زوج أمته بعبده ثم أعتقهما أو باعهما قبل الدخول ثم وطئها الزوج فلا مهر لها قاله الرافعي قبيل الصداق لأنه استحق وطأ بلا مهر
الثانية لو نكح في الكفر مفوضة ثم أسلما ولو قبل الوطء واعتقادهم أن لا مهر لمفوضة بحال فلا تستحق مهرا بوطئها لأنه قد سبق استحقاق وطء بلا مهر كما ذكراه في الروضة وأصلها في نكاح المشرك
فإن قيل يخالف هذا ما ذكره الرافعي عن التتمة أنه لو نكح ذمي ذمية على أن لا مهر لها وترافعا إلينا حكمنا بحكمنا في المسلمين وجزم به في الروضة
فإذا أوجبناه فيما إذا لم يسلما مع اعتقادهما عدمه فكيف لا نوجبه
____________________
(3/229)
إذا أسلما أجيب بأن ما في نكاح المشرك في الحربيين وما هنا في الذميين كما صرح به في التصوير المذكور لالتزام الذمي أحكام الإسلام بخلاف الحربي
( ويعتبر ) مهر المثل في المفوضة ( بحال العقد في الأصح ) لأنه المقتضي للوجوب بالوطء
والثاني بحال الوطء لأنه وقت الوجوب
والأول رجحه في المحرر والشرح الصغير ونقله الرافعي في سراية العتق عن اعتبار الأكثرين لكن الذي صححه في أصل الروضة ونقله الرافعي عن المعتبرين وجرى عليه ابن المقري وهو المعتمد أن المعتبر أكثر مهر مثل من العقد إلى الوطء لأن البضع دخل بالعقد في ضمانه واقترن به الإتلاف فوجب الأكثر كالمقبوض بشراء فاسد
فإن قيل في كلام الرافعي تناقض في النقل
أجيب بأن المعتبرين هنا غير الأكثرين هناك
( ولها ) على الأظهر السابق ( قبل الوطء مطالبة الزوج بأن يفرض ) لها ( مهرا ) لتكون على بصيرة من تسليم نفسها
واستشكل ذلك الإمام بأنا إذا قلنا يجب المثل بالعقد فما معنى التفويض وإن قلنا لا يجب بالعقد شيء فكيف تطلب ما لا يجب لها ومن طمع أن يلحق ما وضع على الإشكال بما هو بين طلب مستحيلا والمطلع على الحقائق هو الله تعالى اه
وأجيب بأن الصحيح أنها ملكت أن تطالب بمهر المثل كما مرت الإشارة إليه ( و ) لها أيضا ( حبس نفسها ) عن الزوج ( ليفرض ) لها مهرا لما مر ( وكذا ) لها حبس نفسها ( لتسليم المفروض ) الحال ( في الأصح ) كالمسمى في العقد
والثاني لا لأنها سامحت بالمهر فكيف تضايق بتقديمه أما المؤجل فليس لها حبس نفسها له كالمسمى في العقد
( ويشترط رضاها بما يفرضه الزوج ) لأن الحق لها فإن لم ترض به فكأنه لم يفرض وهذا كما قال الأذرعي إذا فرض دون مهر المثل أما إذا فرض لها مهر مثلها حالا من نقد البلد وبذله لها وصدقته على أنه مهر مثلها فلا يعتبر رضاها لأنه عبث وتعنت
ويحمل كلام الأصحاب في مواضع على غير ذلك حتى لو طلقها قبل الدخول استحقت شطره
و ( لا ) يشترط ( علمهما ) أي الزوجان حيث تراضيا على مهر ( بقدر مهر المثل في الأظهر ) لأنه ليس بدلا عنه بل الواجب أحدهما
والثاني يشترط علمهما بقدره بناء على أنه الواجب ابتداء وما يفرض بدل عنه
تنبيه محل الخلاف فيما قبل الدخول أما بعده فلا يصح تقديره إلا بعد علمهما بقدره قولا واحدا لأنه قيمة مستهلك قاله الماوردي
( ويجوز فرض مؤجل ) بالتراضي ( في الأصح ) كما يجوز تأجيل المسمى ابتداء والثاني لا بناء على وجوب مهر المثل ابتداء ولا مدخل للتأجيل فيه فكذا بدله
( و ) يجوز بالتراضي فرض مهر ( فوق مهر مثل ) سواء أكان من جنسه أم لا لأنه ليس ببدل
( وقيل لا ) يجوز ( إن كان من جنسه ) أي المهر بناء على أنه بدل عنه فإن كان من غير جنسه كعرض تزيد قيمته على مهر المثل فيجوز قطعا لأن القيمة ترتفع وتنخفض فلا تتحقق الزيادة
تنبيه قد يفهم تعبيره بفوق أنه لا يجوز النقص عن مهر المثل وليس مرادا بل يجوز بلا خلاف كما قاله الإمام
( ولو امتنع ) الزوج ( من الفرض ) لها ( أو تنازعا فيه ) أي قدر المفروض أي كم يفرض ( فرض القاضي ) لأن منصبه فصل الخصومات ( نقد البلد حالا ) كما في قيم المتلفات لا مؤجلا ولا بغير نقد البلد وإن رضيت بذلك لأن منصبه الإلزام بمال حال من نقد البلد ولها إذا فرضه حالا تأخير قبضه لأن الحق لها
ولو جرت عادة نسائها أن ينكحن بمؤجل أو بصداق بعضه مؤجل وبعضه حال لم يؤجله الحاكم بل يفرض حالا وينقص للتأجيل بقدر ما يليق بالأجل
وعن الصيمري لو جرت عادة في ناحية بفرض الثياب وغيرها فرض لها ذلك اه
وقياس ما مر أنه يفرض
____________________
(3/230)
نقدا وينقص لذلك بقدر ما يليق بالعرض
( قلت ويفرض مهر مثل ) بلا زيادة ولا نقص لأنه قيمة البضع ودفعا للضرر من الجانبين نعم تغتفر الزيادة أو النقص اليسير الواقع في محل الاجتهاد الذي يحتمل مثله في قدر مهر المثل
تنبيه قضية كلام الشيخين منع الزيادة والنقص وإن رضي الزوجان وهو كذلك لأن منصبه يقتضي ذلك ثم إن شاءا بعد ذلك فعلا ما شاءا واختار الأذرعي الجواز
( ويشترط علمه ) أي القاضي ( به ) أي مهر المثل ( والله أعلم ) حتى لا يزيد عليه ولا ينقص عنه إلا بالتفاوت اليسير ولا يتوقف ما يفرضه على رضاهما لأنه حكم منه
( ولا يصح فرض أجنبي من ماله في الأصح ) لأنه خلاف ما يقتضيه العقد
والثاني يصح كما يؤدي الصداق عن الزوج بغير إذنه
تنبيه محل الخلاف إذا لم يأذن الزوج للأجنبي وإلا فيجوز قطعا كما صرح به في الذخائر
فروع لا يصح إبراء المفوضة عن مهرها ولا إسقاط فرضها قبل الفرض والوطء فيهما
أما الأول فلأنه إبراء عما لم يجب وأما الثاني فكإسقاط زوجة المولي حقها من مطالبة زوجها
ولا يصح الإبراء عن المتعة ولو بعد الطلاق لأنه قبل الطلاق إبراء عما لم يجب وبعده إبراء عن مجهول
ولو فسد المسمى وأبرأت عن مهر المثل وهي تعرفه صح وإلا فلا
ولو علمت أنه لا يزيد على ألفين وتيقنت أنه لا ينقص عن ألف فأبرأت زوجها من ألفين نفذ وهذه حيلة في الإبراء من المجهول وهي أن يبرىء من له عليه دين لا يعلم قدره من قدر يعلم أنه أكثر مما عليه
( والفرض ) أي المفروض ( الصحيح كمسمى ) في العقد ( فيتشطر بطلاق ) بعد عقد و ( قبل وطء ) سواء أكان الفرض من الزوجين أو من الحاكم لعموم قوله تعالى { وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } أما المفروض الفاسد كخمر فلا يتشطر به مهر المثل ولا عبرة به بعد إخلاء العقد عن الفرض بالكلية بخلاف فاسد المسمى في العقد لعدم إخلاء العقد من العوض
( ولو طلق ) الزوج ( قبل فرض وطء فلا شطر ) لمفهوم الآية والمراد أنه لا يجب لها شيء من المهر ولها المتعة كما سيأتي آخر الباب ( وإن مات أحدهما ) أي الزوجين ( قبلهما ) أي الفرض والوطء ( لم يجب مهر مثل في الأظهر ) كالطلاق
( قلت الأظهر وجوبه والله أعلم ) لأنه كالوطء في تقريره المسمى فكذا في إيجاب مهر المثل في التفويض ولأن بروع بنت واشق نكحت بلا مهر فمات زوجها قبل أن يفرض لها فقضى لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهر نسائها وبالميراث رواه أبو داود وغيره وقال الترمذي حسن صحيح وعلق في الأم القول به على صحة الحديث ونقل الحاكم في المستدرك عن شيخه محمد بن يعقوب الحافظ أنه قال لو حضرت الشافعي لقمت على رؤوس أصحابه وقلت قد صح الحديث فقل به اه
وقد قال به رضي الله تعالى عنه في البويطي وإنما توقف في غيره لعدم صحة الحديث عنده إذ ذاك
تنبيه قد مر أنه يعتبر مهر المثل في المفوضة فيما إذا وطئت بأكثر مهر مثل من العقد إلى الوطء فهل هنا كذلك أو يعتبر بحال العقد أو الموت أوجه في الروضة وأصلها بلا ترجيح أوجهها أولها لأن البضع دخل في ضمانه بالعقد وتقرر عليه بالموت كالوطء وقال بعض المتأخرين ينبغي اعتبار الثاني
ولما قدم المصنف رحمه الله تعالى وجوب مهر المثل في الصداق الفاسد وفي التفويض احتاج إلى بيانه بما يضبطه فترجم له بفصل فقال فصل أي في ضابط ذلك ( مهر المثل ما يرغب به في مثلها ) عادة ( وركنه ) أي مهر المثل ( الأعظم نسب ) في النسيبة لوقوع التفاخر به كالكفاءة في النكاح
____________________
(3/231)
تنبيه ظاهر كلام الأكثرين كالمصنف اعتبار ذلك في العجم كالعرب وهو كذلك لأن الرغبات تختلف بالنسب مطلقا ومنع القفال والعبادي اعتبار النسب في العجم
( فيراعى ) في تلك المرأة المطلوب مهر مثلها ( أقرب من تنسب ) من نساء العصبة ( إلى من تنسب ) هذه المرأة المذكورة ( إليه ) كالأخت وبنت الأخ والعمة وبنت العم لا الجدة والخالة
أما غير النسيبة فيعتبر مهرها بالأوصاف الآتية كما قاله الإمام
تنبيه ضمير إليه يرجع إلى من الثانية
ويراعى في نساء العصبات قرب الدرجة وكونهن على صفتها ( وأقربهن أخت لأبوين ثم لأب ثم بنات أخ ) لأبوين ثم لأب ( ثم عمات كذلك ) أي لأبوين ثم لأب لأن المدلي بجهتين مقدم على المدلي بجهة
تنبيه لم يذكر المصنف بنات العم لأبوين ثم لأب ولا بد منه وكذا بنات أولاد العم
وقضية كلامه إن العمة تقدم على بنت الأخ وليس مرادا بل المراد ترتيب جهة العمومة على جهة الأخوة كما صرح به الماوردي
ولو كان نساء العصبة ببلدين هي في أحدهما اعتبر نساء بلدها فإن كن ببلد غير بلدها فالاعتبار بهن أولى من الأجنبيات في البلد كما جزما به في الروضة وأصلها وإن نوزعا فيه
( فإن فقد نساء العصبة ) من الأصل أما لو متن اعتبرن كالحياة ( أو لم ينكحن ) أصلا ( أو ) نكحن لكن ( جهل مهرهن فأرحام ) لها يعتبر مهرها بهن تقدم القربى فالقربى من الجهات وكذا من الجهة الواحدة ( كجدات وخالات ) لأنهن أولى من الأجانب
تنبيه ظاهر كلامه أن الأم لا تعتبر وليس مرادا فقد قال الماوردي يقدم من نساء الأرحام الأم ثم الجدات ثم الخالات ثم بنات الأخوات ثم بنات الأخوال وعلى هذا قال لو اجتمعت أم أب وأم أم فأوجه
ثالثها وهو الأوجه التسوية فإن لم يكن في عصباتها من هي في صفتها كما سيأتي كن كالعدم كما صرح به العمراني وغيره وقال الأذرعي في نصوص الشافعي إشارة إليه قال ابن قاسم فينتقل إلى من بعدهن
فإن فقد نساء الأرحام أو لم ينكحن أصلا أو جهل مهرهن اعتبرت بمثلها من الأجنبيات
لكن تقدم أجنبيات بلدها ثم أقرب بلد إليها وتعتبر العربية بعربية مثلها والبلدية ببلدية مثلها والقروية بقروية مثلها والأمة بأمة مثلها في خسة السيد وشرفه والعتيقة بعتقية مثلها
تنبيه المراد بالأرحام هنا قرابات الأم لا ذوو الأرحام المذكورون في الفرائض لأن أمهات الأم لسن من المذكورين في الفرائض قطعا
( ويعتبر ) مع ما تقدم ( سن ) وعفة ( وعقل ) وجمال ( ويسار ) وفصاحة ( وبكارة وثيوبة ) وهي مصدر ليست من كلام العرب ( وما اختلف به غرض ) كالعلم والشرف لأن المهور تختلف باختلاف هذه الصفات
وإنما لم يعتبر الجمال وكذا المال في الكفاءة لأن مدارها على دفع العار ومدار المهر على الرغبات
وهذا من عطف العام على الخاص فيعتبر مهر نسوة شاركتهن المطلوب مهرها في شيء مما ذكر
قال الفارقي بعد ذكر ما يعتبر فيها أنه يعتبر حال الزوج أيضا من يسار وعلم وعفة ونحوها قال فلو وجد في نساء العصبة بصفتها وزوجها مثل زوجها فيما ذكر من الصفات اعتبر بها وإلا فلا
( فإن اختصت ) أي انفردت واحدة منهن ( بفضل ) أي صفة كمال مما ذكر ( أو نقص ) عنه ( زيد ) في مهرها في صورة الفضل ( أو نقص ) منه في صورة النقص ( لائق بالحال ) أي حال المرأة المطلوب مهرها بحسب ما يراه الحاكم فالرأي في ذلك منوط به فيقدره باجتهاده صعودا وهبوطا وهذا كما قال بعض المتأخرين إذا لم يحصل الاتفاق عليه وحصل تنازع
( ولو سامحت واحدة ) منهن ( لم
____________________
(3/232)
تجب ) على الباقيات ( مواقيتها ) اعتبارا بالغالب
نعم إن كانت المسامحة لنقص نسب يفتر الرغبة اعتبرت المسامحة فيه كما في الروضة كأصلها قال ابن شهبة وهذا قد يعلم من الذي قبله
( ولو خفضن ) بأن جرت عادتهن بالتخفيف في المهر ( للعشيرة ) أي الأقارب ( فقط ) أو الشريف أو العالم أو الشاب كما قاله الماوردي ( اعتبر ) ذلك في المطلوب مهرها بالنسبة لمن ذكر دون غيرهم
تنبيه لو قال المصنف وعكسه لشمل مسامحة غير العشيرة كما قاله الماوردي قال ويكون ذلك في القبيلة الدنيئة
ولو كانت النساء المعتبرات ينكحن بمؤجل أو بصداق بعضه مؤجل وبعضه حال لم يؤجله الحاكم كما مرت الإشارة إليه ولكن ينقص ما يليق بالأجل
( و ) يجب ( في وطء نكاح ) أو شراء ( فاسد مهر مثل ) لاستيفائه منفعة البضع كوطء الشبهة ( يوم ) أي وقت ( الوطء ) لأنه وقت الإتلاف ولا اعتبار بالعقد إذ لا حرمة له لفساده
( فإن تكرر ) وطء فيما ذكر ( فمهر ) واحد كما في النكاح الصحيح إذ فاسد كل كصحيحه والشبهة شاملة للكل فأشبهت النكاح ولكن يعتبر ( في أعلى الأحوال ) التي للموطوءة حال وطئها كأن يطأها سمينة وهزيلة فيجب مهر تلك الحالة العليا لأنه لو لم يوجد إلا الوطأة الواقعة في تلك الحالة لوجب ذلك المهر فالوطئات الباقية إذا لم توجب زيادة لا توجب نقصا
تنبيه المراد بالتكرار كما قاله الدميري أن يحصل بكل وطأة قضاء الوطر مع تعدد الأزمنة فلو كان ينزع ويعود والأفعال متواصلة ولم يقض الوطر إلا آخرا فهو وقاع واحد بلا خلاف
أما إذا لم تتواصل الأفعال فتعدد الوطئات وإن لم يقض وطره ( قلت ) كما قاله الرافعي في الشرح ( ولو تكرر وطء بشبهة واحدة ) كأن ظن الموطوءة زوجته أو أمته ( فمهر ) واحد في أعلى الأحوال لشمول الشبهة
تنبيه لو قال وكذا لو تكرر الخ لاستغنى عن تقييد كلامه بأعلى الأحوال
وخص الماوردي الاتحاد بما إذا لم يغرم المهر
فإن غرم ثم وطىء لزمه مهر آخر
( فإن تعدد جنسها ) أي الشبهة كأن وطئها بنكاح فاسد ثم فرق بينهما ثم وطئها يظنها أمته ( تعدد المهر ) لتعدد الوطئات لأن تعدد الشبهة كالأنكحة
تنبيه لو تعددت الشبهة واتحد الجنس كأن ظنها زوجته فوطئها فبان الحال ثم ظنها كذلك فوطئها تعدد أيضا مع أن الجنس واحد فلو عبر بتعدد الشبهة دون الجنس ليشمل هذه الصورة كان أولى
( و ) لو فقدت الشبهة كما ( لو كرر وطء مغصوبة أو ) وطىء ( مكرهة على زنا تكرر المهر ) فيجب لكل وطء مهر لانتفاء الشبهة الملحقة بالنكاح والوجوب هنا بإتلاف وقد تعدد
تنبيه لا بد من تقييد المغصوبة بكونها مكرهة على الوطء لأن المطاوعة لا مهر لها لأنها بغي وحينئذ لا يظهر وجه عطف المكرهة عليها
نعم إن طاوعته ولكن اختصت الشبهة بها دونه فهنا يظهر التعدد في حقه كما قاله الزركشي لأنه إتلاف محض من جهته بلا شبهة منه
ولو تكرر وطء المغصوبة مع الجهل لم يتكرر المهر فإن وطىء مرة عالما ومرة جاهلا فمهران
( ولو تكرر وطء الأب ) جارية ولده ولم يحصل بالأول كما قال الرافعي إحبال أي ولم تكن مستولدة للابن أو تكرر ( و ) طء ( الشريك ) الأمة المشتركة أو تكرر ( و ) طء ( سيد مكاتبة ) له ولم يحبلها ( فمهر ) واحد في الصور المذكورة بالشرط السابق عن الماوردي وعليه نص الشافعي في المكاتبة لأن شبهتي الإعفاف والملك يعمان لوطئات
( وقيل ) يجب في الصور المذكورة ( مهور ) بعدد الوطئات ( وقيل ) وهو رأي القاضي الحسين
____________________
(3/233)
والبغوي ومال إليه السبكي ( إن اتحد المجلس فمهر ) فقط ( وإلا ) بأن لم يتحد ( فمهور والله أعلم ) لانقطاع كل مجلس عن الآخر
أما إذا أحبل الأب جارية ولده بالوطء الأول ولم تكن مستولدة للابن فلا يتعدد المهر بلا خلاف لأنه إذا أحبلها تصير مستولدة له فتكرر الوطء إنما وقع في ملكه بل إذا أنزل قبل دخول الحشفة في الوطء الأول لا مهر عليه أصلا لأنه إنما وطئها وهي في ملكه وإن أحبل السيد المكاتبة تخيرت بين المهر والتعجيز وتصير حينئذ أم ولد فإن اختارت المهر فوطئها مرة ثانية خيرت فإن اختارت المهر وجب مهر آخر وكذا سائر الوطئات نص عليه الشافعي حكاه في المهمات وقال هي فائدة مهمة
تنبيه حيث اتحد المهر عند تعدد الوطئات روعي أعلى أحوالها
فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معهما
( الفرقة ) في الحياة ( قبل وطء منها ) هو متعلق بالفرقة أي الفرقة الحاصلة من جهة الزوجة قبل الدخول بها كإسلامها بنفسها أو بالتبعية كإسلام أحد أبويها كما جزم به الرافعي في باب المتعة أو فسخها بعيبه أو بعتقها تحت رقيق أو ردتها أو رضاعها زوجة له صغيرة ( أو ) لا من جهتها بل ( بسببها كفسخه بعيبها تسقط المهر ) المسمى ابتداء
والمفروض الصحيح ومهر المثل في كل ما ذكر لأنها إن كانت هي الفاسخة فهي المختارة للفرقة فكأنها أتلفت المعوض قبل التسليم فسقط العوض
كما لو أتلفت المبيع قبل التسليم وإن كان هو الفاسخ بعينها فكأنها هي الفاسخة
فإن قيل ينبغي إذا كان إسلامها تبعا لإسلام أحد أبويها أن المهر يجب عليه عليه لإفساده نكاح غيره كما يجب على المرضعة إذا أفسدت برضاعها النكاح
أجيب بأنه لو وجب عليه الغرم لنفر عن الإسلام بخلاف المرضعة وأيضا المرضعة قد تأخذ أجرة رضاعها فينجبر ما تغرمه بخلاف المسلم
تنبيه قضية إطلاق الشيخين وغيرهما فسخه بعيبها أنه لا فرق بين المقارن للعقد والحادث وهو كذلك وإن قيده الماوردي بالمقارن وجعل الحادث كالطلاق
( وما لا ) أي والتي لا يكون منها ولا بسببها ( كطلاق ) وخلع ولو باختيارها كأن فوض الطلاق إليها فطلقت نفسها أو علقه بفعلها ففعلت ( وإسلامه ) ولو تبعا ( وردته ولعانه وإرضاع أمه ) لها ( أو ) إرضاع ( أمها ) له وهو صغير ( يشطره ) أي بنصف المهر أما في الطلاق فلآية { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن }
وأما الباقي فبالقياس عليه
تنبيهات الأول قوله كطلاق قال الأذرعي يدخل فيه البائن والرجعي اه
واعترض قوله الرجعي بأن الكلام فيما قبل الدخول وأجيب بتصور الرجعة باستدخالها المني
الثاني في تعبيره بالإرضاع دون الرضاع إشارة إلى اعتبار الفعل فلو دبت زوجته الصغيرة وارتضعت أمه لم تستحق الشطر لانفساخه بفعلها
الثالث ذكره الإمام مثال لا قيد فلو أرضعت ابنته زوجة له صغيرة أو أرضعت بنت زوجة زوجا صغيرا لها كان الحكم كذلك
الرابع سكت عما لو ارتدا معا هل هو كردتها فلا يشطره أو كردته فيشطره وجهان صحح الأول الروياني والنسائي والأذرعي وغيرهم وصحح الثاني المتولي والفارقي وابن أبي عصرون وغيرهم وهو أوجه وعبارة الرافعي في المتعة ولو ارتدا معا ففي وجوبها وجهان كالوجهين في التشطير والأصح المنع
وفهم الزركشي أن التصحيح راجع للمسألتين قال شيخنا والظاهر رجوعه للمتعة فقط ولهذا عبر القمولي بقوله والأصح أنها لا تجب
فإن قيل لم جعلتم عيبها كفسخها لكونه سبب الفسخ ولم تجعلوا عيبه كفسخه أجيب بأن الزوج بذل العوض في مقابلة منافعها
فإن كانت معيبة فالفسخ من مقتضى العقد إذ لم يسلم له حقه والزوجة لم تبذل شيئا في مقابلة منافع الزوج والعوض الذي ملكته سليم فكان مقتضاه أن لا فسخ لها إلا أن الشارع أثبت لها الفسخ دفعا للضرر عنها فإذا اختارته لزمها رد البدل كما لو ارتدت وشراؤها زوجها يسقط جميع المهر قال الكمال بن أبي شريف لأنه دين لم يقبضه والسيد لا يثبت له
____________________
(3/234)
على رقيقه مال
أما إذا كان عينا أو دينا وقبضته وأداه العبد من كسبه أو أداه عنه السيد من ماله فإنه يرجع إلى سيده ولو اشتراها تشطر ولو طلقها على أن لا تشطير لغا الشرط كما لو أعتق ونفى الولاء
وخرج بقيد الحياة الفرقة بالموت لما مر من أن الموت مقرر للمهر ومن صور الموت ما لو مسخ أحدهما حجرا فإن مسخ أحدهما حيوانا فإن كان الزوج وكان قبل الدخول ففي التدريب أنه يحصل الفرقة ولا يسقط شيء من المهر إذ لا يتصور عوده للزوج لانتفاء أهلية تملكه للورثة لأنه حي فيبقى للزوجة قال ويحتمل تنزيل مسخه حيوانا بمنزلة الموت اه
الأول أوجه ولكن قوله فيبقى للزوجة الأوجه أن يكون نصفه تحت يد الحاكم حتى يموت الزوج فيعطى لوارثه أو يرده الله كما كان فيعطى له
قال وإن مسخت الزوجة حيوانا حصلت الفرقة من جهتها وعاد كل المهر للزواج اه
وهذا ظاهر
ويستثنى من إطلاقه ما لو زوج أمته بعبده ثم أعتقها أو أحدهما ثم طلق قبل الدخول فلا تشطير إذ لا مهر ولا يرد قتل الزوجة الحرة نفسها أو الزوج نفسه لأن المراد هنا ارتفاع النكاح مع بقائهما
نعم يرد عليه إذا كانت الفرقة من مالكها إذا كانت أمة فإنه يسقط المهر وليس ذلك منهما ولا بسببها كما إذا كانت الأمة زوجة أصل أو فرع فوطئها مالكها أو أرضعت المالكة أمتها المزوجة الرقيق
( ثم قيل معنى التشطير أن له ) أي الزوج ( خيار الرجوع ) في النصف إن شاء رجع فيه وتملكه وإن شاء تركه كالشفيع لأنه لا يدخل في الملك بغير اختيار سوى الإرث وهذا الخيار كما يقتضيه كلام الرافعي حيث جعله كخيار الواهب
( والصحيح عوده ) أي نصف الصداق المعين إلى الزوج ( بنفس الطلاق ) لظاهر الآية السابقة
هذا إن دفعه الزوج أو وليه من أب أو جد الأذرعي إنه الذي أورده أكثر العراقيين
وغير الطلاق من الصور السابقة كالطلاق
ويستثنى من إطلاق المصنف ما إذا سلم العبد الصداق من كسبه أو أداء السيد من ماله ثم طلق قبل الدخول فإن النصف يعود إلى السيد
ولو باعه أو أعتقه ثم طلق فالعائد للمشتري في الأولى وللعتيق في الثانية
أما إذا كان الصداق دينا فعلى الصحيح يسقط نصفه بالطلاق وعلى مقابله بالاختيار
ولو أدى الدين والمؤدى باق تعين حقه في نصفه
هذا كله إذا لم يحصل في الصداق نقص ولا زيادة ( فلو زاد بعده ) أي الطلاق أو ما ذكره معه ( فله ) أي الزوج كل الزيادة إذا عاد إليه كل الصداق أو نصفها إذا عاد إليه النصف لحدوثها في ملكه
سواء أكانت متصلة أو منفصلة فإن نقص بعد الفراق ولو بلا عدوان وكان بعد قبضه فله كل الأرش أو نصفه فإن ادعت حدوث النقص قبل الطلاق صدقت بيمينها
ثم ما ذكره المصنف فيما إذا تغير الصداق بعد الطلاق وأشار إلى تغييره قبله بقوله ( وإن ) فارق لا بسببها كأن ( طلق والمهر تالف ) بعد قبضه ( فنصف بدله ) له ( من مثل ) في المثلي ( أو قيمة ) في المتقوم لأنه لو كان باقيا لأخذ نصفه فإن مات رجع بنصف بدله كما في الرد بالعيب
تنبيه التعبير بنصف القيمة قال الإمام فيه تساهل وإنما هو قيمة النصف وهي أقل من ذلك ومال إليه ابن الرفعة والسبكي وغيرهما
وقد نبه الأذرعي على أن الشافعي والجمهور قد عبروا بكل من العبارتين وهذا منهم يدل على أن مؤداهما عندهم واحد بأن يراد بنصف القيمة نصف قيمة كل من النصفين منفردا لا منضما إلى الآخر فيرجع بقيمة النصف أو بأن يراد بقيمة النصف قيمته منضما لا منفردا فيرجع بنصف القيمة وهو ما صوبه في الروضة هنا رعاية للزوج كما روعيت الزوجة في ثبوت الخيار لها فيما يأتي
وإن كان المهر باقيا بحاله فليس لها إبداله وإن أداه عما في ذمته إلا برضاه
( وإن تعيب في يدها ) قبل الفراق ( فإن قنع ) الزوج ( به ) أي النصف معيبا فلا أرش له كما لو تعيب المبيع في يد البائع ( وإلا ) بأن لم يقنع به فإن كان متقوما ( فنصف قيمته سليما )
____________________
(3/235)
وإن كان مثليا فمثل نصفه لأنه لا يلزمه الرضا بالمعيب فله العدول إلى بدله
( وإن تعيب ) بآفة سماوية ( قبل قبضها ) له وقنعت به ( فله نصفه ناقصا بلا ) أرش ولا ( خيار ) لأنه حالة نقصه كان من ضمانه
( فإن عاب ) بأن صار ذا عيب ( بجناية ) من أجنبي تضمن جنايته ( وأخذت أرشها ) أو عفت عن أخذه قياسا على ما قالوه في هبة الصداق ( فالأصح أنه له نصف الأرش ) مع نصف العين لأنه بدل الفائت
والثاني لا شيء له من الأرش كالزيادة المنفصلة
فإن كانت الجناية من الزوج أو منها أو من أجنبي لا يضمن فلا يخفى حكمه مما سبق أول كتاب الصداق في إتلاف جميعه
تنبيه لو تلف البعض في يدها كأحد الثوبين أخذت نصف الموجود ونصف بدل المفقود
( ولها زيادة منفصلة ) حدثت بعد الإصداق كثمرة وولد وأجرة لأنها حدثت في ملكها والطلاق إنما يقطع ملكها من حين وجوده لا من أصله وسواء أحدثت في يده أم يدها ويختص الرجوع بنصف الأصل
نعم إن كانت الزيادة ولد أمة لم يميز فليس له ذلك وإن رضيت الزوجة بل يرجع بقيمة نصف الأمة لحرمة التفريق فإن كان مميزا أخذ نصفها فإن نقصت قيمتها بالولادة في يدها فله الخيار أو في يده أخذ نصفها ناقصا فإن كان الولد حملا عند الإصداق رجع في نصفه إن رضيت مع نصف الأم وإلا فقيمة نصف يوم الانفصال مع قيمة نصفها
( ولها خيار في ) زيادة ( متصلة ) كسمن وتعلم حرفة وليس خيارها فورا بل إن طلبه الزوج كلفت فورا إختيار أحد الأمرين وهو ما ذكره بقوله ( فإن شحت ) فيها ( فنصف قيمة ) المهر بأن يقوم بغير زيادة ويعطى الزوج نصفه ( بلا زيادة ) عليه لأن الزيادة غير مفروضة ولا يمكن الرد دونها فجعل المفروض كالهالك
( وإن سمحت ) بها ( لزمه القبول ) للزيادة وليس له طلب بدل النصف لأن حقه مع زيادة لا تتميز ولا تفرد بالتصرف بل هي تابعة
فلا تعظم فيها المنة
تنبيه الزيادة المتصلة لا أثر لها في سائر الأبواب إلا هنا وفرقوا بفروق منها أن الزوج متهم بالطلاق بخلاف غيره
ومنها وهو الذي عول عليه الأكثرون أن هذا العود ابتداء تملك لا فسخ بخلاف العود في غير الصداق فإنه فسخ وهو يرفع العقد من أصله أو حينه فإن رفع من أصله فكأن لا عقد أو من حينه فالفسخ شبيه بالعقد والزيادة تتبع الأصل في العقد فكذا في الفسخ ولكون العود هنا ابتداء تمليك لا فسخا لو أمهر العبد من كسبه ثم عتق ثم طلق عاد الشطر إليه لا إلى السيد ولو كان على سبيل الفسخ لعاد إلى الذي خرج عن ملكه وقضية هذا الفرق أنهما لو تقابلا في الصداق أو رد بعيب أنه يرجع إلى الزوجة بزيادته وإطلاقهم ينافيه
( وإن زاد ) المهر ( ونقص ) إما بسبب واحد ( ككبر عبد ) بحيث تنقص قيمته ( وطول نخلة ) بحيث يؤدي إلى هرمها وقلة ثمرها فالنقص في العبد من حيث القيمة لأن الصغير يدخل على النساء ولا يعرف الغوائل ويقبل التأديب والرياضة والزيادة فيه بأنه أقوى على الشدائد والأسفار وأحفظ لما يستحفظ
والنقص في النخلة من حيث إن ثمرتها تقل فإن لم تقل فطولها زيادة محضة والزيادة فيها بكثرة الحطب
( و ) إما بسببين نحو ( تعلم صنعة ) مقصودة في العبد ( مع ) عيب نحو ( برص ) وعور ( فإن اتفقا ) أي الزوجان على الرجوع ( بنصف العين ) فذاك لأن الحق لا يعدوهما ( وإلا فنصف قيمة ) العين خالية عن الزيادة والنقص لأنه العدل ولا تجبر هي على دفع نصف العين للزيادة ولا هو على قبوله للنقص
( وزراعة الأرض نقص ) محض لأنها تستوفي قوة الأرض غالبا فإن
____________________
(3/236)
اتفقا على رد نصف العين وترك الزرع إلى الحصاد فذاك قاله الإمام وعليه إبقاؤه بلا أجرة لأنها زرعت ملكها الخالص
وإن لم يتفقا رجع بنصف قيمة الأرض بلا زراعة
( وحرثها ) إذا كانت معدة للزراعة كما صرح به في المحرر ( زيادة ) لأنه هيأها للزرع المعدة له أما المعدة للبناء فحرثها نقص لأنه يشعثها فإن رضي الزوج بالناقصة أجبرت على تسليمها له لأنها دون حقه
فإن قيل لم أطلق المصنف ذلك مع أن التقييد في المحرر أجيب بأنه إنما أطلق لقرينة تقدم الزرع فأشعر بأن الكلام في أرض للزراعة
( وحمل أمة وبهيمة زيادة ) لتوقع الولد ( ونقص ) للضعف حالا وخوف الموت ما لا ولرداءة لحم البهيمة المأكولة ولهذا رجح المصنف أنها لا تجزىء في أضحية
( وقيل البهيمة ) أي حملها ( زيادة ) محضة لانتفاء خطر الولادة فيها غالبا بخلاف الإماء
تنبيه لو أصدقها حائلا فحملت في يده وولدت في يدها ونقصت قيمتها بالولادة فهل النقص من ضمانة ولها الخيار لأن السبب وجد في يده أو من ضمانها وله الخيار لأن النقص حصل عندها وجهان قال الرافعي لا يخفى نظائرها أي كقتل المبيع بردة سابقة على قبضه وقضيته أنه من ضمانه
( وإطلاع نخل ) أي لم يؤبر بعد الإصداق ( زيادة متصلة ) أي كالمتصلة فتمنع الزوج من الرجوع القهري لحدوثه في ملكها فإن رضيت الزوجة بأخذ الزوج نصف النخل مع الطلع أجبر عليه كالسمن في البهيمة بخلاف الثمرة المؤبرة كما سيأتي
( وإن طلق وعليه ) أي النخل المصدق ( تمر ) حدث طلعه بعد الإصداق ( مؤبرة ) بأن تشقق طلعه ( لم يلزمها قطفه ) أي قطعه ليرجع الزوج في نصف النخل لأنه حدث في ملكها فتستحق إبقاءه إلى الجداد
ولو طلق بعد وقت جداد الثمرة لزمها قطعه ليأخذ نصف النخل الشجر وكذا لو جرت العادة بقطعه أخضر كالحصرم كما يفهمه إطلاقهم قال الأذرعي وفيه احتمال ظاهر
( فإن قطفت ) أو قالت له ارجع وأنا أقطفه عن النخل ( تعين نصف النخل ) إن لم يحصل نقص بقطعه ككسر غصن ولم يمتد زمن قطعه لزوال المانع
( ولو رضي ) الزوج ( بنصف النخل وتبقية الثمر إلى جداده أجبرت في الأصح ويصير النخل ) بعد إجبارها ( في يدهما ) كسائر الأملاك المشتركة إذ لا ضرر عليها في ذلك والثاني لا تجبر ورجحه جمع وقال الأذرعي إنه الأصح أو الصحيح لأنه قد يمنعها السقي إن أرادته لتنمية الثمرة عند إضراره بالشجر
تنبيه مراد المصنف ما إذا قبض النصف شائعا بحيث برئت من ضمانه فلو قال أنا أرضى بنصف النخل وأؤخر الرجوع إلى بعد الجداد فلها الامتناع وإن أبرأها عن الضمان بأن قال ارجع ويكون نصيبي وديعة عندك وقد أبرأتك من ضمانه لأن نصيبه يكون مضمونا عليها ولا عبرة بالإبراء المذكور لأن الإبراء من ضمان العين مع بقائها باطل
( ولو رضيت به ) أي بما ذكر من أخذ الزوج نصف النخل وتبقية الثمر إلى جداده ( فله الامتناع ) منه ولا يجبر عليه ( و ) له ( القيمة ) أي طلبها لأن حقه يثبت معجلا فلا يؤخر إلا برضاه والتأخير بالتراضي جائز لأن الحق لهما ولا يلزم فلو بدا لأحدهما الرجوع عما رضي به جاز لأن ذلك وعد لا يلزم
ولو وهبته نصف الثمار ليشتركا في الشجر والثمر هل يجبر على القبول أو لا وجهان قال في أصل الروضة أصحهما الأول
فرع لو أصدقها نخلة مع ثمرتها ثم طلقها قبل الدخول ولم يرد الصداق رجع في نصف الجميع وإن قطعت الثمرة لأن الجميع صداق ويرجع أيضا في نصف الكل من أصدق نخلة مطلعة وطلق وهي مطلعة فإن أبرت ثم طلق رجع في نصف الشجرة وكذا في نصف الثمرة إن رضيت لأنها قد زادت وإلا أحد نصف الشجرة مع نصف قيمة الطلع
____________________
(3/237)
تنبيه تناثر نور الشجر وظهور ما يبرز بلا نور كالتأبير
( ومتى ثبت خيار له ) بسبب نقص الصداق ( أو لها ) بسبب زيادته أولهما باجتماع الأمرين ( لم يملك نصفه حتى يختار ذو ) أي صاحب ( الاختيار ) إن كان لأحدهما وإن كان لهما اعتبر توافقهما
تنبيه قد سبق أن هذا الاختيار ليس على الفور لكن إذا طلبه الزوج كلفت الزوجة اختيار أحدهما
ولا يعين الزوج في طلبه عينا ولا قيمة لأن التعيين يناقض تفويض الأمر إليها بل يطالبها بحقه عندها
فإن امتنعت من الاختيار لم تحبس ونزعت منها العين فإن أصرت بيع منها بقدر الواجب فإن تعذر بيع الجميع وتعطى الزائد
وإن استوى نصف العين ونصف القيمة أعطي نصف العين ومتى استحق الرجوع في العين استقل به
( ومتى رجع بقيمة ) المهر في المتقوم لهلاك الصداق أو غيره ( اعتبر الأقل من ) قيمة المهر ( يومي الإصداق والقبض ) لأن قيمته يوم الإصداق إن كانت أقل فالزيادة بعد ذلك حدثت في ملكها لا تعلق للزوج بها فلا تضمنها وإن كانت قيمة يوم القبض أقل فما نقص قبل ذلك فهو من ضمانه فلا رجوع به عليها
تنبيه قضية كلام المتن كالروضة عدم اعتبار الحالة المتوسطة
وقياس ما مر من البيع والثمن اعتبار الأقل بين اليومين أيضا وهو المعتمد كما يؤخذ من التعليل ومن تعبير التنبيه وغيره بالأقل من يوم العقد إلى يوم القبض ونقل عن النص أن الواجب قيمة يوم القبض وزعم الإسنوي أنه المفتى به وأجاب غيره بأن النص مفروض في الزيادة والنقص الحاصلين بين القبض والتلف والكلام هنا مفروض في الحاصل من ذلك بين الإصداق والقبض
ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو تلف الصداق بعد الطلاق في يدها فإنها تضمنه بقيمة يوم التلف لأن ملكه تلف تحت يد ضامنه كالمبيع التالف تحت يد المشتري بعد الفسخ
فروع لو أصدقها حليا فكسرته أو انكسر وأعادته كما كان ثم فارق قبل الدخول لم يرجع فيه إلا برضاها لزيادته بالصنعة عندها وكذا لو أصدقها نحو جارية هزلت ثم سمنت عندها كعبد نسي صنعة ثم تعلمها عندها بخلاف ما لو أصدقها عبدا فعمي عندها ثم أبصر فإنه يرجع بغير رضاها كما لو تغيب بغير ذلك في يدها ثم زال العيب ثم فارقها
فإن لم ترض الزوجة برجوع الزوج في الحلي المعاد رجع بنصف وزنه تبرا ونصف قيمة صنعته وهي أجرة مثلها من نقد البلد وإن كان من جنسه كما في الغصب فيما لو أتلف حليا وهذا ما جرى عليه ابن المقري وهو المعتمد وإن فرق بعض المتأخرين بين هذا الباب وبين باب الغصب بأنه هناك أتلف ملك غيره فكلفناه رد مثله مع الأجرة والمرأة إنما كسرت ملك نفسها فتدفع نصف قيمة الحلي بهيئته التي كانت من نقد البلد وإن كان من جنسه
ولو أصدقها إناء ذهب أو فضة فكسرته وأعادته أو لم تعده لم يرجع مع نصفه بالأجرة إذ لا أجرة لصنعته
ولو نسيت المغصوبة الغناء عند الغاصب لم يضمنه لأنه محرم وإن صح شراؤها بزيادة للغناء على قيمتها بلا غناء وهو محمول على غناء يخاف منه الفتنة
( و ) اعلم أن كل عمل يستأجر عليه كتعليم قرآن وخياطة وخدمة وبناء يجوز جعله صداقا كما يجوز جعله ثمنا فعلى هذا ( لو أصدق ) ها ( تعليم قرآن ) لها بنفسه وفي تعليمه كلفة لا كثم نظر أو تعليم حديث أو خط أو شعر أو نحوه مما يصح الاستئجار على تعليمه ( وطلق ) أو فارق بغير طلاق كردته وحده ( قبله ) أي التعليم بعد دخول أو قبله ( فالأصح تعذر تعليمه ) لأنها صارت محرمة عليه ولا يجوز اختلاؤه بها
والثاني لا يتعذر بل يعلمها من وراء حجاب في غير خلوة إن أمكن
وأجاب الأول بأنا لا نأمن الوقوع في التهمة والخلوة المحرمة لو جوزنا ذلك قال الرافعي وليس سماع الحديث كذلك فإنا لو لم نجوزه لضاع وللتعليم بدل يرجع إليه اه
فإن قيل الأجنبية يباح النظر إليها للتعليم وهذه صارت أجنبية فهلا جاز تعليمها أجيب بأن كلا من الزوجين قد تعلقت آماله بالآخرة وحصل بينهما نوع ود فقويت التهمة فامتنع التعليم لقرب الفتنة بخلاف الأجنبي فإن قوة الوحشة بينهما اقتضت جواز التعليم
وقيل المراد بالتعليم
____________________
(3/238)
الذي يجوز النظر له هو التعليم الواجب كقراءة الفاتحة فما هنا محله في غير الواجب ورجح هذا السبكي وقيل التعليم الذي يجوز النظر له خاص بالأمرد بخلاف الأجنبية ورجحه الشارح والمعتمد الأول
تنبيه أفهم تعليلهم السابق أنها لو لم تحرم الخلوة بها كأن كانت صغيرة لا تشتهى أو صارت محرما له برضاع أو نكحها ثانيا لم يتعذر التعليم وهو كذلك كما جزم به البلقيني
وبما تقرر علم أن المراد بالتعذر ما يشمل التعسر وإلا فالتعليم من وراء حجاب بحضرة من تزول معه الخلوة ممكن وعلى هذا لو تيسر في هذه الحالة التعليم في مجلس كسورة قصيرة فالظاهر أنه لا تعذر كما في النهاية وصوبه السبكي وإن كان ظاهر كلام الجمهور بقاء التعذر أما ما لا كلفة فيه كتعليم لحظة أو كلمة ك ثم نظر فإنه لا يصح كما في نظيره في الإجارة
وخرج بتعليمها بنفسه ما لو أصدقها التعليم في ذمته وفارق قبله فلا يتعذر التعليم بل يستأجر محرما أو امرأة أو نحوهما يعلمها الكل إن فارق بعد الوطء والنصف إن فارق قبله
ولو لم يحسن الزوج التعليم لما شرط تعليمه لم يصح إصداقه إلا في الذمة فإن شرط أن يتعلم ثم يعلمها لم يصح لأن العمل متعلق بعينه والأعيان لا تؤجل
ولو أرادت تعليم غيرها لم يلزم الزوج الإجابة لاختلاف الناس في الحفظ والفهم
فروع لو أصدق زوجته الكتابية تعليم قرآن صح إن توقع إسلامها وإلا فلا كتعليم التوراة والإنجيل لها أو لمسلمة فإنه لا يصح إذ لا يجوز الاشتغال بهما لتبديلهما
ولو أصدقها التوراة والإنجيل وهما كافران فأسلما أو ترافعا إلينا بعد التعليم فلا شيء لها سواء أو قبله وجب لها مهر مثل
ولو أصدق زوجته تعليم فقه أو شعر أو نحوه مما ليس بمحرم أو أصدقها رد عبدها من موضع معلوم صح
ولو أصدقها تعليم عبدها أو ولدها أو ختانه صح إن وجب عليها لوجوب ذلك عليها وإلا فلا ولو أصدقها تعليم الفاتحة صح وإن تعين عليه التعليم
ولو أصدق الكتابية تعليم الشهادتين أو هي أو غيرها أداء شهادة لم يصح فإن كان في تعليمها كلفة أو محل القاضي المؤدى عنده الشهادة بعيدا يحتاج فيه إلى ركوب فالظاهر الصحة كما قاله الأذرعي
( ويجب ) على الأصح عند تعذر التعليم ( مهر مثل ) على الزوج إن طلق ( بغير وطء ونصفه ) إن طلق ( قبله ) أي الوطء جريا على القاعدة
ولو علمها ثم طلقها فإن كان بعد الدخول فقد استوفت حقها ولا رجوع وإن كان قبل الدخول رجع إلى نصف أجرة مثل التعليم
تنبيه لو أصدقها تعليم سورة من القرآن أو جزء منه اشترط تعيين المصدق وعلم الزوج والولي بالمشروط تعليمه فإن لم يعلما أو أحدهما وكلا أو أحدهما من يعلمه ولا يكفي التقدير بالإشارة إلى المكتوب في أوراق المصحف
ولا يشترط تعيين الحرف الذي يعلمه لها كقراءة نافع فبعلمها ما شاء كما في الإجارة ونقل عن البصريين أنه يعلمها ما غلب قراءة أهل البلد وهو كما قال الأذرعي حسن وإن لم يكن فيها أغلب علمها ما شاء فإن عين الزوج والولي حرفا تعين فإن خالف وعلمها حرفا غيره فمتطوع به فيلزمه تعليم الحرف المعين عملا بالشرط
ولو أصدقها تعليم قرآن أو غيره شهرا صح لا تعليم سورة في شهر كما في الإجارة
( ولو أطلق ) قبل وطء وبعد قبض الصداق ( وقد زال ملكها عنه ) ببيع أو غيره كهبة مقبوضة ( فنصف بدله ) من مثل أو قيمة فإن قيل هلا كان له نقض تصرفها كالشفيع أجيب بأن حق الشفيع كان موجودا حين تصرف المشتري فلذلك تسلط على نقضه والزوج لا حق له عند التصرف وإنما حدث حقه بالطلاق بل حقه ضعف من حق الولد في الرجوع لأن استحقاق الوالد الرجوع موجود عند تصرف الولد فإذا امتنع الرجوع بعد زوال ملك الولد فتعذره بزوال ملك الزوجة أولى
تنبيه أفهم كلامه أنه لم يزل ملكها عنه أن الحكم بخلافه وهو كذلك إن لم يحصل فيه زيادة ونحوها مما يمنع الرجوع قهرا ولم يتعلق به حق لازم للغير كرهن مقبوض فيمنع الرجوع فيه
والبيع بشرط الخيار إن كان للمشتري وحده رجع الزوج إلى نصف البدل لانتقال الملك بذلك وإلا فله نصف العين وأما الإجارة أو التزويج منها للصداق فعيب ينقص القيمة بذلك فيتخير الزوج بين رجوعه بنصف القيمة ورجوعه بنصف الصداق مسلوب المنفعة مدة الإجارة
____________________
(3/239)
فإن صبر الزوج في صورة الرهن والإجارة والتزويج بأن قال مع اختيار رجوعه بإذن المرتهن في صورته أنا أصير إلى انفكاك الرهن وانقضاء مدة الإجارة وزوال الزوجية فلها الامتناع لما عليها من خطر الضمان حتى يقبض هو المرهون والمستأجر والمزوج وتسلم العين المصدقة للمستحق لها لتبرأ الزوجة من الضمان فليس لها حينئذ الامتناع لانتفاء العلة
ولو وصت بعتق العبد المصدق رجع الزوج فيه لأن الوصية ليست بحق لازم
ولو دبرته أو علقت عتقه بصفة رجع إن كانت معسرة لما ذكر ويبقى النصف الآخر مدبرا أو معلقا عتقه بصفة لا إن كانت موسرة
لأنه قد ثبت له مع قدرة الزوجة على الوفاء حق الحرية والرجوع يفوته بالكلية وعدم الرجوع فيه لا يفوت حق الزوج بالكلية
فإن قيل التدبير لا يمنع فسخ البائع ولا رجوع الأصل الواهب في هبته لفرعه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الثمن عوض محض ومنع الرجوع في الواهب يفوت الحق بالكلية بخلاف الصداق فيهما
فرع لو طلقها قبل الدخول وهو محرم والصداق صيد عاد إليه نصفه لأن الطلاق لا ينشأ لاجتلاب الملك فأشبه الإرث وامتنع عليه إرساله للشركة بخلاف ما لو ارتدت قبل الدخول فإن الصيد يرجع إلى ملكه ويلزمه إرساله لأن المحرم ممنوع من إمساك الصيد
( فإن كان ) المهر ( زال ) عن ملكها ( وعاد ) إلى ملكها ثم طلقها قبل الدخول ( تعلق ) حق الزوج ( بالعين ) العائدة ( في الأصح ) لأنه لا بد له من بدل فعين ماله أولى
والثاني لا لأن الملك في العين مستفاد من جهة غير الصداق
وهذا الخلاف من فروع قاعدة الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد وله نظائر كثيرة مختلفة الترجيح منها لو زال ملك الولد عما وهبه له أصله ثم عاد لم يرجع الأصل في الأصح وفرق بأن حق الأصل انقطع بزوال ملك الولد فلم يعد وحق الزوج لم ينقطع بدليل رجوعه في البدل فعاد بالرجوع
( ولو وهبته له ) بلفظ الهبة بعد قبضها له والمهر عين ( ثم طلق ) أو فارق بغير طلاق كردة قبل الدخول ( فالأظهر أن له نصف بدله ) من مثل أو قيمة لأنه ملك المهر قبل الطلاق من غير جهة الطلاق
والثاني لا شيء له لأنها عجلت له ما يستحق بالطلاق فأشبه تعجيل الدين قبل الدخول ومنع الأول كونه تعجيلا لحقه فإنها لو صرحت بالتعجيل لم يصح
وخرج بما ذكر ما لو لم تهبه بلفظ الهبة بل باعته له محاباة فإنه يرجع بنصفه قطعا وإن كانت المحاباة في معنى الهبة وما لو وهبه له قبل قبضه فإن الهبة باطلة على المذهب وإن كان في كلام الشارح ما يوهم خلافه وسيأتي هبة الدين
تنبيه لو قال بدل نصفه كما عبر به بعد كان أولى
( وعلى هذا ) الأظهر ( لو وهبته النصف ) من المهر ( فله نصف الباقي ) وهو الربع ( وربع بدل كله ) لأن الهبة وردت على مطلق النصف فيشيع لراجع فيما أخرجته وما أبقته وهذا يسمى قول الإشاعة وكان الأولى أن يقول بدل ربع كله كما مر
( وفي قول ) له ( النصف الباقي ) لأنه بالنصف استحق النصف بالطلاق وقد وجده فيأخذه وتنحصر هبتها في نصيبها وهذا يسمى قول الحصر فرجوع الزوج بالنصف لا خلاف فيه بل الخلاف في كيفية الرجوع به
( وفي قول يتخير بين بدل نصف كله أو نصف الباقي وربع بدل كله ) لأن في الرجوع بنصف الباقي وبدل نصف الآخر تبعيضا للتشطير على الزوج فخير
تنبيه كان الأولى أن يقول كالمحرر والروضة نصف بدل كله وكان الأولى أيضا إسقاط ألف أو لأن بين إنما تكون بين شيئين ولكن إثباتها يقع كما قال بعضهم في كلام الفقهاء لا عن قصد
( ولو كان ) المهر ( دينا ) لها على زوجها ( فأبرأته ) منه ثم طلقها قبل الدخول ( لم يرجع عليها ) بشيء ( على المذهب ) لأنها لم تأخذ منه مالا ولم تتحصل منه على شيء بخلافها في هبة العين والطريق الثاني طرد قولي الهبة
ولو قبضت الدين ثم وهبته له فالمذهب أنه كهبة العين
( وليس لولي عفو عن صداق ) لموليته ( على الجديد ) كسائر ديونها والقديم له ذلك بناء على أنه
____________________
(3/240)
الذي بيده عقدة النكاح
وحمله الجديد على الزوج لتمكنه من رفعه بالفرقة فيعفو عن حقه ليسلم لها كل المهر إذ لم يبق للولي بعد العقد عقدة
تنبيه للقديم شروط وهي أن يكون الولي أبا أو جدا لمكان شفقتهما وأن يكون قبل الدخول وأن تكون بكرا صغيرة عاقلة وأن يكون بعد الطلاق وأن يكون الصداق دينا في ذمة الزوج لم يقبض
تتمة لو خالعها قبل الدخول على غير الصداق استحقه وله نصف الصداق
وإن خالعها على الصداق كله صح في نصيبها دون نصيبه ويثبت له الخيار إن جهل التشطير
فإذا فسخ عوض الخلع رجع عليها بمهر المثل وإلا فنصف الصداق
وإن خالعها على النصف الباقي لها بعد الفرقة صار كل الصداق له نصفه بعوض الخلع ونصفه بالتشطير
وإن أطلق النصف بأن لم يقيده بالباقي ولا بغيره وقع العوض مشتركا بينهما فلها عليه ربع المسمى وله عليها ثلاثة أرباعه بحكم التشطير وعوض الخلع ونصف مهر المثل بحكم ما فسد من الخلع
وإن خالعها على أن لا تبعة له عليها في المهر صح وجعلناه على ما يبقى لها منه
فصل في أحكام المتعة وهي بضم الميم وحكي كسرها مشتقة من المتاع وهو ما يستمتع به والمراد بها مال يجب على الزوج دفعه لامرأته المفارقة في الحياة بطلاق وما في معناه بشروط تأتي
ويستوي فيها الحر وغيره والمسلم والذمي والحرة وغيرها والمسلمة والذمية كما شمل ذلك قوله يجب ( لمطلقة قبل وطء متعة ) على الجديد ( إن لم يجب ) لها ( شطر مهر ) بأن كانت مفوضة ولم يفرض لها شيء وادعى الإمام فيه الإجماع لقوله تعالى { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن } الآية ولأن المفوضة لم يحصل لها شيء فتجب لها متعة للإيحاش بخلاف من وجب لها الشطر
أما إذا فرض لها في التفويض شيء فلا متعة لها لأنه لم يستوف منفعة بضعها فيكفي شطر مهرها لما لحقها من الاستيحاش والابتذال
وعن القديم أنها مستحبة لقوله تعالى { حقا على المحسنين } ولو كانت واجبة لم يختص بها المحسنون دون غيرهم
تنبيه كان الأولى أن يقول لمطلقة ونحوها ليشمل الملاعنة
ويستثنى من كلامه ما لو زوج أمته بعبده فلا شطر ولا متعة
( وكذا ) يجب ( لموطوءة ) متعة ( في الأظهر ) الجديد سواء أفوض طلاقها إليها فطلقت أو علقه بفعلها ففعلت لعموم قوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف } وخصوص قوله تعالى { فتعالين أمتعكن } وفي هذه الآية تقديم وتأخير أي فتعالين أسرحكن وأمتعكن وكلهن مدخولات بهن أو يقال إن الواو لا تقتضي الترتيب
والثاني وهو القديم لا متعة لها لاستحقاقها المهر وفيه غنية عن المتعة ولأنها إذا لم تستحقها مع الشطر فمع الكل أولى
وأجاب الأول بأن جميع المهر وجب في مقابلة استيفاء منفعة البضع فخلا الطلاق عن الجبر بخلاف من وجب لها النصف فإن بضعها سلم لها فكان الشطر جابرا للإيحاش
فائدة في فتاوى المصنف أن وجوب المتعة مما يغفل النساء عن العلم بها فينبغي تعريفهن وإشاعة حكمها ليعرفن ذلك
( وفرقة لا بسببها ) بأن كانت من الزوج كردته ولعانه وإسلامه أو من أجنبي كإرضاع أم الزوج أو بنت زوجته ووطء أبيه أو ابنه لها بشبهة حكمها ( كطلاق ) في إيجاب المتعة وعدمه أي إذا لم يسقط بها الشطر كما اقتضاه كلام المصنف وقال الزركشي إنه لا بد منه
فإن قيل كيف يتصور وجوب المتعة للزوجة الصغيرة في مسألة الإرضاع وقد تقرر أن المتعة مختصة بالتفويض أو الدخول وكلاهما مستحيل فيمن هو في سن الإرضاع أما الدخول فواضح وأما التفويض فإنها لو زوجت بالتفويض وجب لها مهر المثل أجيب بتصور ذلك في أمة صغيرة زوجها سيدها بالتفويض لعبد فإن الحر لا ينكح أمة صغيرة وفيما إذا زوج الكافر ابنته الصغيرة كافرا مفوضة وكان عندهم أن لا مهر للمفوضة وأرضعتها أمه أو ابنته ثم ترافعا إلينا فإنا نقضي بصحة النكاح ولزوم المتعة
أما إذا كانت الفرقة منها أو بسببها كردتها وإسلامها ولو تبعا أو فسخه بعيبها فلا متعة لها سواء كانت قبل الدخول أم بعده لأن المهر يسقط بذلك ووجوبه آكد من
____________________
(3/241)
وجوب المتعة بدليل أنهما لو ارتدا معا لا متعة ويجب الشطر والفرق أن ملكها للصداق سابق على الردة بخلاف المتعة ومثل ذلك ما لو سبيا معا
ولو اشتراها الزوج لم تستحق متعة وإن استدعى الزوج شراءها لأنها تجب بالفرقة فتكون للمشتري فلو أوجبناها لأوجبناها له على نفسه فلم تجب بخلاف المهر فإنه يجب بالعقد فوجب للبائع
وتجب المتعة لسيد الأمة وفي كسب العبد كالمهر
( ويستحب أن لا تنقص ) المتعة ( عن ثلاثين درهما ) أو ما قيمته ذلك قال في البويطي وهذا أدنى المستحب وأعلاه خادم وأوسطه ثوب اه
ويسن أن لا تبلغ نصف مهر المثل كما قاله ابن المقري فإن بلغته أو جاوزته جاز لإطلاق الآية
قال البلقيني وغيره ولا يزيد وجوبا على مهر المثل ولم يذكروه اه
ومحل ذلك ما إذا فرضه الحاكم ويشهد له من كلام الأصحاب نظائر منها أن الحاكم لا يبلغ بحكومة عضو مقدره ومنها أن لا يبلغ بالتعزير الحد وغير ذلك
أما إذا اتفق عليها الزوجان فلا يشترط ذلك ويحمل على هذا كلام من اعترض على البلقيني وقال الأوجه خلاف كلامه بل مقتضى النظائر أن لا يصل إلى مهر المثل إذا فرضها القاضي وهو ظاهر
ثم إن تراضيا على شيء فذاك ( فإن تنازعا ) في قدرها ( قدرها القاضي بنظره ) أي اجتهاده بحسب ما يليق بالحال ( معتبرا حالهما ) من يسار الزوج وإعساره ونسبها وصفاتها لقوله تعالى { ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } { وللمطلقات متاع بالمعروف }
( وقيل ) يعتبر ( حاله ) فقط لظاهر الآية وكالنفقة
( وقيل حالها ) فقط لأنها كالبدل عن المهر وهو معتبر
( وقيل ) لا يقدرها بشيء بل الواجب ( أقل مال ) متمول كما يجوز جعله صداقا
وفرق بأن المهر بالتراضي وعلى تقديره يجب ما يقرره
فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى إذا ( اختلفا ) أي الزوجان قبل وطء أو بعده مع بقاء الزوجية أو زوالها ( في قدر مهر ) مسمى وكان ما يدعيه الزوج أقل كقوله عقد بألف فقالت بل بألفين ( أو ) في ( صفته ) الشاملة لجنسه والحلول والتأجيل وقدر الأجل كأن قالت بألف دينار فقال بل بألف درهم أو قالت بألف صحيحة فقال بل مكسرة أو بحال فقالت بل بمؤجل أو بمؤجل إلى سنة فقال بل إلى سنتين ولا بينة لأحدهما أو تعارضت بينتاهما ( تحالفا ) قياسا على البيع لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه
وكيفية اليمين ومن يبدأ به على ما مر في البيع لكن يبدأ هنا بالزوج لقوة جانبه بعد التحالف ببقاء البضع له
تنبيه لو وجب مهر مثل لفساد التسمية ونحوه فاختلفا في مقداره فلا تحالف ويصدق الزوج بيمينه لأنه غارم والأصل براءة ذمته عما زاد
( ويتحالف ) عند الاختلاف السابق أيضا ( وارثاهما أو وارث واحد ) منهما ( والآخر ) لقيامه مقام مورثه
تنبيه قضيته أنه كتحالف الزوجين وليس مرادا فإن الزوجين يحلفان على البت في النفي والإثبات والوارث يحلف على البت في الإثبات ونفي العلم في النفي على القاعدة في الحلف على فعل الغير فيقول وارث الزوج والله لا أعلم أن مورثي نكحها بألف وإنما نكحها بخمسمائة ويقول وارث الزوجة والله لا أعلم أنه نكح مورثتي بخمسمائة وإنما نكحها بألف
( ثم ) بعد التحالف المذكور ( يفسخ المهر ) المسمى لمصيره بالتحالف مجهولا ولا ينفسخ بنفس التحالف كالبيع
وأشار إلى فائدة التحالف بقوله ( ويجب مهر مثل ) وإن زاد على ما ادعته لأنهما لما تحالفا وجب رد البضع وهو لا يمكن فيجب بدله كالمبيع التالف
والكلام فيمن يفسخه على الخلاف فيمن يفسخ البيع بعد التحالف وفي أنه هل يفسخ ظاهرا وباطنا أو ظاهرا فقط الخلاف في البيع
أما إذا كان مدعى الزوج الأكثر
____________________
(3/242)
فلا تحالف لأنه معترف لها بما يدعيه وزيادة ويبقى الزائد في يده
( ولو ادعت تسمية ) لقدر أكثر من مهر مثلها ( فأنكر ) ذكر ( ها ) لها بأن قال لم تقع تسمية ولم يدع تفويضا يفسد النكاح ( تحالفا في الأصح ) لأن حاصله الاختلاف في قدر المهر لأنه يقول الواجب مهر المثل وهي تدعي زيادة عليه والثاني يصدق الزوج بيمينه لموافقته للأصل ويجب مهر المثل
ولو ادعى تسمية لقدر أقل من مهر المثل فأنكرت ذكرها تحالفا أيضا على الأصح
فإن كان قدر مهر المثل أو أكثر منه أو كان من غير نقد البلد تحالفا أيضا كما ذكره ابن الرفعة
أما إذا ادعى التفويض فالأصل عدم التسمية من جانب وعدم التفويض من جانب فيحلف كل منهما على نفي مدعى الآخر تمسكا بالأصل
وإن ادعى أحدهما التفويض والآخر السكوت عن المهر صدق الآخر بيمينه لأن الأصل عدم التفويض فيجب مهر المثل فإن كان ترك التسمية يفسد النكاح لوقوعه من غير جائزة التصرف فلا تحالف ( ولو ادعت نكاحا ومهر مثل ) لعدم تسمية صحيحة ( فأقر بالنكاح وأنكر المهر ) بأن نفاه في العقد ( أو سكت ) عنه ولم يدع تفويضا ( فالأصح ) عدم سماع ذلك منه
و ( تكليفه البيان ) لمهر المثل لأن النكاح يقتضي المهر
( فإن ذكر قدرا وزادت ) عليه ( تحالفا ) وهو في الحقيقة تحالف في قدر مهر المثل
( وإن أصر ) الزوج ( منكرا حلفت ) أي الزوجة اليمين المردودة أنها تستحق عليه مهر مثلها ( وقضي لها ) به والثاني لا يكلف بيان مهر والقول قوله بيمينه أنها لا تستحق عليه مهرا لأن الأصل براءة ذمته
والثالث القول قولها بيمينها لأن الظاهر معها
قال الزركشي وهذه المسألة قريبة في المعنى من التي قبلها وإنما الاختلاف بينهما في التصوير
وفرق غيره بينهما بأن تلك في إنكار التسمية المقتضية لمهر المثل بأن ادعت زائدا على مهر المثل أو شيئا من غير جنسه فيتحالفان
وأما هذه فالزوج فيها منكر المهر أصلا ولا سبيل إلى إنكاره مع اعترافه بالنكاح فلذلك كلف البيان لمهر مثل فإن ذكر قدرا أنقص مما ذكرت تحالفا وإن أصر على الإنكار حلفت وقضي لها
( ولو اختلف في قدره زوج وولي صغيرة أو مجنونة تحالفا في الأصح ) لأن الولي هو العاقد وله ولاية قبض المهر فكان اختلافه مع الزوج كاختلاف البالغة معه ولأنه يقبل إقراره في النكاح والمهر فلا يبعد تحليفه
وفائدة التحالف أنه ربما ينكل الزوج فيحلف الولي فيثبت مدعاه
ولك أن تقول كما قال شيخنا إن هذه الفائدة تحصل بتحليف الزوج من غير تحالف
والثاني لا تحالف لأنا لو حلفنا الولي لأثبتنا بيمينه حق غيره وذلك محذور
ويؤيده ما في الدعاوى من أنه لو ادعى دينا لموليته فأنكر المدعى عليه ونكل لا يحلف
وإن ادعى مباشرة سببه وأجاب الأول بأن حلفه هناك مطلقا على استحقاق موليه فهو حلف للغير فلا يقبل النيابة وهنا على أن العقد وقع هكذا فهو حلف على فعل نفسه والمهر يثبت ضمنا ويغتفر في الضمن ما لا يغتفر في غيره وإنما يتحالفان إذا ادعى ولي الصغيرة أو المجنونة الزيادة على مهر المثل واعترف الزوج بمهر المثل فإن ادعى الزوج دون مهر المثل فلا تحالف لأنه يجب مهر المثل بدونه وإن نقص الولي وإنما لم يتحالفا كما لو ادعى الزوج مهر المثل ابتداء لأنه يدعي تسمية فاسدة فلا عبرة بدعواه ولو اعترف الزوج بقدر يزيد على مهر المثل وادعى الولي أكثر فلا تحالف لئلا يرجع الواجب إلى مهر المثل فيرجع فيه إلى قول الزوج ولكن لا بد من تحليفه على نفي الزيادة كما قاله البلقيني رجاء أن ينكل فيحلف الولي ويثبت مدعاه ولو ادعى الولي مهر المثل أو أكثر وذكر الزوج أكثر من ذلك لم يتحالفا بل يؤخذ بما قاله الزوج ولو نكل الولي انتظر بلوغ الصبية كما رجحه الإمام وغيره فلعلها تحلف وتحلف صغيرة بلغت عاقلة قبل التحالف لأنها من أهل اليمين فلا يحلف الولي ويجري هذا الحكم في اختلاف المرأة مع ولي الصغير وفي اختلاف ولي الزوجين الصغيرين
ولا يحلف مجبر البالغة العاقلة بل هي التي تحلف لأنها من أهل اليمين بخلاف الوكيلين في العقد المالي كالبيع فيحلفان لأنهما العاقدان بخلاف الموكلين وأما الوكيل في عقد النكاح فكالولي فيما ذكره
____________________
(3/243)
ولا يحالف ولي الصغيرة فيما لم ينشئه فلو ادعى على رجل أنه أتلف مالها وأنكر المدعي عليه ونكل لم يحلف هو يمين الرد لا يتعلق بإنشائه بل يحلف المدعى عليه
فإن نكل لم يقض بنكوله بل يتوقف حتى يبلغ الصبي أو الصبية ويحلف وكالصغير والصغيرة فيما ذكر المجنون والمجنونة
( ولو قالت ) في دعواها على زيد مثلا ( نكحني يوم كذا ) كالسبت ( بألف ويوم كذا ) كالخميس ( بألف وثبت العقدان بإقراره أو ببينة ) أو بيمينها بعد نكوله ( لزمه ألفان ) لإمكان صحة العقدين بأن يتخللهما خلع ولا حاجة إلى التعرض له ولا للوطء في الدعوى
أما عدم التعرض لتخلل الفرقة فلأن العقد الثاني لا يكون إلا بعد ارتفاع الأول وأما عدم التعرض للوطء فلأن المسمى في كل عقد يجب بالعقد والأصل بقاؤه حتى يثبت إسقاطه
( فإن قال ) الزوج ( لم أطأ فيهما ) أي العقدين ( أو في أحدهما صدق بيمينه ) لأن الأصل عدم الوطء ( وسقط الشطر ) من الألفين أو أحدهما لأنه فائدة تصديقه
تنبيه صورة المسألة إذا ادعى عدم الوطء في الثاني أن يدعي الطلاق وإلا فمجرد دعوى عدم الوطء لا يسقط الشطر في الثاني وإنما يسقطه في الأول
( وإن قال كان الثاني تجديد لفظ ) للعقد الأول ( لا عقدا ) ثانيا ( لم يقبل ) قوله لمخالفته الظاهر وله تحليفها على نفي ما ادعاه لإمكانه
فروع لو أعطاها مالا فقالت أعطيته هدية وقال بل صداقا فالقول قوله بيمينه وإن لم يكن المعطى من جنس الصداق لأنه أعرف بكيفية إزالة ملكه
ولو أعطى من لا دين له عليه شيئا وقال أعطيتك إياه بعوض وأنكر صدق المنكر بيمينه
فإن قيل لم لم يقل إنه أعرف بكيفية إزالة ملكه كما مر أجيب بأن الزوج مستقل بأداء الدين وبقصده وبأنه يريد إبراء الذمة بخلاف من لا دين عليه فيهما
وتسمع دعوى تسليم الصداق إلى ولي صغيرة ومجنونة وسفيهة لا ولي رشيدة ولو بكرا فلا تسمع دعواه عليه إلا إذا ادعى إذنها نطقا فتسمع عليه للإذن الصريح له في القبض
ولو اختلفا في عين المنكوحة صدق كل منهما فيما نفاه بيمينه لأنه اختلاف في عقدين
وإن قال لامرأتين تزوجتكما بألف فقالت إحداهما بل أنا فقط بألف تحالفا لأنه اختلاف في قدر مهر المتفق على نكاحها وأما الأخرى فالقول قولها في نفي النكاح
ولو قالت حرة لمن يملك أبويها ونكحها بأحدهما معينا أصدقتني أمي فقال بل أباك تحالفا وفسخ عقد الصداق ووجب لها عليه مهر المثل إلا إن نكلا أو نكلت وحلف فلا يجب لها مهر لأن من ادعى شيئا ونكل عن اليمين بعد الرد كان كمن لم يدع شيئا
وعتق الأب دون الأم في الصور كلها بإقراره الزوج بدخوله في ملك من يعتق عليه ووقف ولاؤه لأنه يقول هو لها وهي منكرة ولا تعتق الأم إلا إن نكل وحلفت
ولو أصدقها جارية ثم وطئها عالما بالحال قبل الدخول لم يحد لشبهة اختلاف العلماء في أنها هل تملك قبل الدخول جميع الصداق أو نصفه فقط أو بعده حد ولا تقبل دعوى جهل ملك الجارية بالدخول إلا من قريب عهد بالإسلام أو ممن نشأ ببادية عن العلماء
فصل في الوليمة واشتقاقها كما قال الأزهري من الولم وهو الاجتماع لأن الزوجين يجتمعان ومنه أو لم الرجل إذا اجتمع عقله وخلقه
وهي تقع على كل طعام يتخذ لسرور حادث من عرس وإملاك وغيرهما لكن استعمالها مطلقة في العرس أشهر وفي غيره بقيد
ويقال وليمة ختان أو غيره وهي لدعوة الإملاك وهو العقد وليمة ملاك وشندخي
وللختان إعذار بكسر الهمزة وإعجام الذال
وللولادة عقيقة
وللسلامة من الطلق خرس بضم الخاء المعجمة وسين مهملة وتقال بصاد وللقدوم من السفر نقيعة من النقع وهو الغبار وهي طعام يصنع له سواء أصنعه القادم أم صنعه غيره له كما أفاده كلام المجموع في آخر صلاة المسافر
وللبناء وكيرة من الوكر وهو المأوى
وللمصيبة وضيمة بكسر الضاد المعجمة وقيل هذه ليست من الولائم نظرا لاعتبار السرور لكن ظاهر كلامهم أنه
____________________
(3/244)
منها ويوجه كلامهم بأن اعتبار السرور إنما هو في الغالب
ولحفظ القرآن حذاق بكسر الحاء المهملة وبذال معجمة
وبلا سبب مأدبة بضم الدال وفتحها
والكل مستحب قال الأذرعي والظاهر أن استحباب وليمة الختان محله في ختان الذكور دون الإناث فإنه يخفى ويستحيا من إظهاره ويحتمل استحبابه للنساء فيما بينهن خاصة أي وهذا أوجه قال وأطلقوا استحباب الوليمة للقدوم من السفر والظاهر أن محله في السفر الطويل لقضاء العرف به
أما من غاب يوما أو أياما يسيرة إلى بعض النواحي القريبة فكالحاضر
وآكدها ( وليمة العرس ) بضم العين مع ضم الراء وإسكانها فإنها ( سنة ) مؤكدة لثبوتها عنه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بمدين من شعير وأنه أولم على صفية بتمر وسمن وأقط وأنه قال لعبد الرحمن بن عوف وقد تزوج أولم ولو بشاة
وأقلها للتمكن شاة ولغيره ما قدر عليه
قال النسائي والمراد أقل الكمال شاة لقول التنبيه وبأي شيء أولم من الطعام جاز
وهو يشمل المأكول والمشروب الذي يعمل في حال العقد من سكر وغيره
وقد جمع بعضهم أسماء الولائم في أبيات فقال وللضيافة أسماء ثمانية وليمة العرس ثم الخرس للولد كذا العقيقة للمولود سابعة ثم الوكيرة للبنيان إن تجد ثم النقيقة عند العود من سفر وفي الجنتان هو الاعدار فاجتهد وضيمة لمصاب ثم مأدبة من غير ما سبب جاءتك بالعدد والشندخي لإملاك فقد كملت تسعا وقل للذي يدريه فاعتمد وقوله قل للذي يدريه أي الشندخي
وأهمل الناظم عاشرا وهو الحذاق
ولم يتعرضوا لاستحباب الوليمة للتسري وقد صح
أنه صلى الله عليه وسلم لما أولم على صفية قالوا إن لم يحجبها فهي أم ولد وإن حجبها فهي امرأته وفيه دليل على عدم اختصاص الوليمة بالزوجة وندبها للتسري إذ لو اختصت بالزوجة لم يترددوا في كونها زوجة أو سرية
تنبيه لم يتعرضوا لوقت الوليمة واستنبط السبكي من كلام البغوي أن وقتها موسع من حين العقد فيدخل وقتها به
والأفضل فعلها بعد الدخول لأنه صلى الله عليه وسلم لم يولم على نسائه إلا بعد الدخول فتجب الإجابة إليها من حين العقد وإن خالف الأفضل خلافا لما بحثه ابن السبكي في التوشيح
( وفي قول ) كما حكاه في المهذب ( أو وجه ) كما في غيره ( واجبة ) عينا لظاهر الأمر في خبر عبد الرحمن السابق
والأول حمله على الندب قياسا على الأضحية وسائر الولائم ولأنه أمر فيه بالشاة ولو كان الأمر للوجوب لوجبت وهي لا تجب إجماعا لا عينا ولا كفاية
تنبيه لو نكح أربعا هل يستحب لكل واحدة وليمة واحدة عن الجميع أو يكفيه أو يفصل بين العقد الواحد والعقود قال الزركشي فيه نظر اه
والأوجه الأول كما قاله غيره
( والإجابة إليها ) أي وليمة العرس على القول بأنها سنة ( فرض عين ) لخبر الصحيحين إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وخبر مسلم شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء وتترك الفقراء ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله
قالوا والمراد وليمة العرس لأنها المعهودة عندهم
ويؤيده ما في الصحيحين مرفوعا إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب وحكى ابن عبد البر وغيره الإجماع على ذلك
( وقيل ) الإجابة إليها فرض ( كفاية ) لأن المقصود النكاح والتمييز عن السفاح وهو حاصل بحصول البعض
( وقيل سنة ) لأنه تمليك مال فلم يجب كغيره والخبر محمول على تأكد الاستحباب
أما على القول بأنها واجبة فإن الإجابة تجب قطعا قاله المتولي وتابعاه
تنبيه قضية قوله إليها عدم الإجابة إلى غيرها من الولائم وهو الصحيح بل هي سنة لما في مسند أحمد عن الحسن قال دعي عثمان بن أبي العاصي إلى ختان فلم يجب وقال لم يكن يدعي له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقيل يطرد الخلاف السابق واختاره السبكي وغيره ففي مسلم من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب وفي سنن أبي داود إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو غيره وقضيتهما وجوب الإجابة في سائر الولائم وبه أجاب
____________________
(3/245)
جمهور العراقيين كما قاله الزركشي
( وإنما تجب ) الإجابة ( أو تسن ) كما مر ( بشرط ) أي بشروط منها ( أن لا يخص ) بالدعوة ( الأغنياء ) لغناهم لخبر شر الطعام بل يعم عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته وإن كانوا كلهم أغنياء
وليس المراد أن يعم جميع الناس لتعذره بل لو كثرت عشيرته أو نحوها
أو خرجت الضبط أو كان فقيرا لا يمكنه استيعابها فالوجه كما قال الأذرعي عدم اشتراط عموم الدعوة بل الشرط أن لا يظهر منه قصد التخصيص قال بعض المتأخرين ولو لغير الأغنياء وليس بظاهر بل لو خص بذلك الفقراء كان أولى
ومنها أن يكون الداعي مسلما فلو كان كافرا لم تجب إجابته لانتفاء طلب المودة معه ولأنه يستقذر طعامه لاحتمال نجاسته وفساد تصرفه ولهذا لا يستحب إجابة الذمي كاستحباب إجابة المسلم فيما يستحب فيه إجابته ويؤخذ من هذا أنه يستحب إجابة الذمي وإن كرهت مخالطته
ومنها أن يكون المدعو مسلما أيضا فلو دعا مسلم كافرا لم تجب إجابته كما قاله الماوردي والروماني
( و ) منها ( أن يدعوه في اليوم الأول فإن أولم ثلاثة ) من الأيام أو أكثر ( لم تجب ) إجابته ( في ) اليوم ( الثاني ) قطعا بل تسن فيه ( وتكره في الثالث ) وفيما بعده ففي سنن أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال الوليمة في اليوم الأول حق وفي الثاني معروف وفي الثالث أي وفيما بعده رياء وسمعة
نعم لو لم يمكنه استيعاب الناس في اليوم الأول لكثرتهم أو صغر منزله أو غيرهما وجبت الإجابة لأن ذلك في الحقيقة كما قال الأذرعي كوليمة واحدة دعي الناس إليها أفواجا في يوم واحد ولو أولم في يوم واحد مرتين لغير عذر مما مر فالظاهر كما قال الزركشي أن الثانية كاليوم الثاني فلا تجب الإجابة
ومنها أن يكون الداعي مطلق التصرف فلا تطلب إجابة المحجور عليه لصبا أو جنون أو سفه وإن أذن وليه لأنه مأمور بحفظ ماله لا بإتلافه
نعم إن اتخذها الولي من ماله وهو أب أو جد فالظاهر كما قال الأذرعي وجوب الحضور
( و ) منها ( أن لا يحضره ) أي يدعوه ( لخوف ) منه لو لم يحضره ( أو طمع في جاهه ) أو إعانته على باطل بل للتودد والتقرب وكذا لا يقصد شيء كما اقتضاه كلامه ومنها أن يعين المدعو بنفسه أو نائبه لا أن نادى في الناس كأن قال لغيره ادع من شئت أو فتح الباب وقال ليحضر من أراد لأن الامتناع حينئذ لا يورث وحشة
ومنها أن لا يعتذر المدعو إلى الداعي ويرضى بتخلفه وإلا زال الوجوب
ومنها أن لا يسبق الداعي غيره فلو دعاه اثنان أجاب السابق فإن جاءا معا أجاب أقربهما رحما ثم داره
ومنها أن لا يدعوه من أكثر ماله حرام فمن كان كذللك كرهت إجابته فإن علم أن عين الطعام حرام حرمت إجابته وإلا فلا وتباح الإجابة ولا تجب إذا كان في ماله شبهة ولهذا قال الزركشي لا تجب الإجابة في زماننا اه
ولكن لا بد أن يغلب على الظن أن في مال الداعي شبهة
ومنها أن لا يكون الداعي امرأة أجنبية وليس في موضع الدعوة محرم لها ولا للمدعو وإن لم يحل بها
ومنها أن يكون المدعو حرا فلو دعا عبدا لزمه إن أذن له سيده وكذا المكاتب إن لم يضر حضوره بكسبه فإن ضر وأذن له سيده فوجهان والأوجه عدم الوجوب والمحجور في إجابة الدعوة كالرشيد
ومنها أن يدعوه في وقت الوليمة وقد تقدم
ومنها أن لا يكون المدعو قاضيا فإن كان لم تجب الإجابة كما بحثه بعض المتأخرين وكذا كل ذي ولاية عامة
ومنها أن لا يكون معذورا بمرخص في ترك الجماعة كما قاله الرويائي و الماوردي
ومنها أن لا يكون الداعي ظالما أو فاسقا أو شريرا أو متكلفا طلبا للمباهاة والفخر قاله في الإحياء
ومنها أن لا يتعين على المدعو حق كأداء شهادة وصلاة جنازة
( و ) منها ( أن لا يكون ثم ) أي في موضع الدعوة ( من يتأذى ) المدعو ( به
أو لا يليق به مجالسته ) كالأراذل فإن كان فهو معذور في التخلف لما فيه من التأذي في الأول والعضاضة في الثاني ولا أثر لعداوة بينه وبين الداعي وأن لا يكون في الوليمة عدو له لا يتأذى به كما قاله الماوردي وبحث الزركشي أن العداوة الظاهرة عذر
( و ) منها أن ( لا ) يوجد ثم ( منكر ) كخمر أو ملاه محرمة لحديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار
____________________
(3/246)
عليها الخمر رواه الترمذي وقال حسن غريب وصححه الحاكم وقال إنه على شرط مسلم
تنبيه يشمل إطلاقه ما لو كان هناك داعية إلى بدعة ولا يقدر المدعو على رده وما إذا كان هناك من يضحك بالفحش والكذب وبه صرح في الإحياء وما إذا كان هناك آنية نقد وبه صرح في شرح مسلم
( فإن كان ) المنكر ( يزول بحضوره فليحضر ) حتما إجابة للدعوة وإزالة للمنكر فإن لم يزل بحضوره حرم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر فإن لم يعلم به حتى حضر نهاهم فإن لم ينتهوا وجب الخروج إلا إن خاف منه كأن كان في ليل وخاف وقعد كارها بقلبه ولا يسمع لما يحرم استماعه وإن اشتغل بالحديث والأكل جاز له ذلك كما لو كان ذلك في جوار بيته لا يلزمه التحول وإن بلغه الصوت
ولو كان المنكر مختلفا فيه كشرب النبيذ والجلوس على الحرير حرم الحضور على معتقد تحريمه قاله الشارح ناقلا له نقل المذهب
وهذه المسألة مما يغفل عنها كثير من طلبه العلم
وقد قلتها في مجلس فيه جماعة من علمائنا فأنكرها بعضهم فقلت له هذه المسألة قالها الجلال المحلي فسكت
ويؤيد هذه المسألة قول المصنف ( ومن المنكر فراش ) أي فرش ( حرير ) للنهي عن افتراشه كما مر في بابه
فإن قيل هذا يخالف قولهم في كتاب السير لا ينكر إلا المجمع على تحريمه أجيب بأن الخلاف إنما يراعى إذا لم يخالف سنة صحيحة
والسنة قد صحت بالنهي عن الافتراش فلا عبرة بخلاف يصادم النص ولهذا حد الشافعي رضي الله تعالى عنه شارب النبيذ المختلف فيه
ومن ذلك يؤخذ ما أفنى به ابن الرفعة من أن الفرجة على الزينة حرام أي لما فيها من المنكرات
تنبيه محل ما ذكره المصنف في دعوة اتخذت للرجال فأما دعوة النساء خاصة فينبني على افتراشهن للحرير فإن منعناه لهن فلا فرق وإن جوزناه وهو الأصح كما مر في بابه فليس بمنكر
والتقييد بالافتراش يخرج ستر الجدار به مع أنه حرام على الرجال والنساء
ولو حذف الحرير وقال ك الغزالي وفرش غير حلال كان أولى ليشمل فرش المغصوب والمسروق وفرش جلود النمور فإنها حرام كما قاله الحليمي وابن المنذر وغيرهما ولينبه على أن المحرم المصدر أعني الفرش لا الفراش لأنه قد يكون مطويا ولا حرمة فيه
( و ) من المنكر أن في موضع الدعوة ( صورة حيوان ) آدميا كان أو غيره كبيرا أو صغيرا على صورة حيوان معهود كفرس أم لا كآدمي بجناحين مرفوعة كأن كانت ( على سقف أو جدار أو وسادة ) منصوبة كما في المحرر والروضة وأصلها ( أو ستر ) بكسر المهملة بخطه معلق لزينة أو منفعة ( أو ) على ( ثوب ملبوس ) لأنه صلى الله عليه وسلم امتنع من الدخول على عائشة رضي الله تعالى عنها من أجل النمرقة التي عليها التصاوير فقالت أتوب إلى الله ورسوله مما أذنبت فقال ما بال هذه النمرقة فقالت اشتريتها لك لتقعد عليها وتتوسدها فقال صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم وإن البيت الذي فيه هذه الصور لا تدخله الملائكة متفق عليه وقال أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ولأنها شبيهة بالأصنام
تنبيه قضية كلام المصنف تحريم دخول البيت المشتمل على هذه الصور وكلام أصل الروضة يقتضي ترجيح عدم تحريمه حيث قال وهل دخول البيت الذي فيه الصور المصنوعة حرام أو مكروه وجهان وبالتحريم قال الشيخ أبو محمد وبالكراهة قال صاحب التقريب والصيدلاني ورجحه الإمام والغزالي في الوسيط اه
وفي الشرح الصغير عن الأكثرين أنهم مالوا إلى الكراهة وصوبه الإسنوي وهذا هو الراجح كما جزم به صاحب الأنوار ولكن حكى في البيان عن عامة الأصحاب التحريم وبذلك علم أن مسألة الدخول غير مسألة الحضور خلافا لما فهمه الإسنوي
وكصور الحيوان في ذلك فرش الحرير كما يومىء إليه كلام الروضة
وخرج بكون الصورة في موضع الدعوة إذا كانت في الممر فلا بأس بدخول الحمام الذي على بابه صور كما في الشرح والروضة وبالوسادة المنصوبة وغير المنصوبة وسيأتي في كلامه التجويز في المخدة والوسادة والمخدة لفظان مترادفان وجمع بين كلاميه بأن مراده بالجواز في المخدة
____________________
(3/247)
الصغيرة التي يتكأ عليها وبالمنع في الوسادة الكبيرة المنصوبة كما عبر به في الروضة وتعبير الكتاب لا يدل عليه وإنما يحمل عليه عناية به
وقول المصنف وثوب ملبوس يقتضي أنه إنما يكون منكرا في حال كونه ملبوسا قال الأذرعي ويجوز أن يكون المراد ما يراد للبس سواء كان ملبوسا في تلك الساعة أم معلقا أم موضوعا على الأرض اه
والأوجه ما في الكتاب
فائدة يستثنى من صورة الحيوان لعب البنات فلا تحرم كما في شرح مسلم للمنصف تبعا للقاضي عياض في نقله ذلك عن العلماء ولأن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تلعب بها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم
وحكمته تدريبهن أمر التربية وقد علم مما تقرر أن ما تركه المصنف من الشروط أكثر مما ذكره والمرأة إن دعت نساء فكما في الرجال
( ويجوز ما ) أي صورة حيوان كائنة ( على أرض وبساط ) يوطأ ( ومخدة ) يتكأ عليها وآنية تمتهن الصور باستعمالها كطبق وخوان وقصعة والضابط في ذلك إن كانت الصورة على شيء مما يهان جاز وإلا فلا لما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم من سفر وقد سترت على صفة لها سترا فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمر بنزعها وفي رواية قطعنا منها وسادة أو وسادتين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتفق بهما وكذا استدلوا به
قال السبكي وفيه نظر إذ يحتمل كون القطع في موضع الصورة فزالت وجعلت وسادة اه
وقد يجاب بأن الأصل عدم ذلك ولأن ما يوطأ ويطرح مهان مبتذل وأما الصورة المنقوشة على دينار أو درهم فالقياس كما قال الزركشي إلحاقها بالثوب أي غير الملبوس لامتهانه بالاستعمال
تنبيه أشعر كلامه وجوب الإجابة مع وجود هذه الأشياء وتجويز استعمالها وهو كذلك في الأول دون الثاني فإن الصحيح تحريم التصوير على الأرض وغيرها كما سيأتي وتعبيره أولا بالوسادة وثانيا بالمخدة يقتضي المغايرة بينهما وقد تقدم ما فيه
( و ) يجوز مرتفع ( مقطوع الرأس وصورة شجر ) ونحوه مما لا روح فيه كشمس وقمر لما روى البخاري عن ابن عباس لما قال له المصور لا أعرف صنعة غيرها قال إن لم يكن فصور من الأشجار وما لا نفس له
( ويحرم تصوير حيوان ) للحديث المار ولما فيه من مضاهاة خلق الله تعالى
قال المتولي وسواء أعمل لها رأسا أم لا خلافا لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه
وقال الأذرعي إن المشهور عندنا جواز التصوير إذا لم يكن له رأس لما أشار إليه الحديث من قطع رؤوسها اه
وهذا هو الظاهر
تنبيه قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في تصويره على الحيطان أو الأرض أو نسج الثياب وهو الصحيح في زيادة الروضة
( ولا تسقط إجابة بصوم ) لخبر مسلم إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل والمراد بالصلاة الدعاء بدليل رواية ابن السني فإن كان صائما دعا له بالبركة ولا يلزمه الأكل إذا كان مفطرا لخبر مسلم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دعي أحدكم إلى طعام ( فليجب ) فإن شاء طعم وإن شاء ترك
وقيل يلزمه لما في رواية لمسلم وإن كان مفطرا فليطعم وجرى عليه في التنبيه وصححه المصنف في شرح مسلم واختاره في تصحيح التنبيه
وعلى الأول يسن له الأكل كما صرح به في الروضة وأقله على الوجوب والندب لقمة
( فإن شق على الداعي صوم نفل ) من المدعو ( فالفطر ) له ( أفضل ) من إتمام الصوم ولو آخر النهار لجبر خاطر الداعي لأنه صلى الله عليه وسلم لما أمسك من حضر معه وقال إني صائم قال له يتكلف لك أخوك المسلم وتقول إني صائم أفطر ثم اقض يوما مكانه رواه البيهقي وغيره فإن لم يشق عليه ذلك فالإمساك أفضل ولا يكره أن يقول إني صائم حكاه القاضي أبو الطيب عن الأصحاب
أما صوم الفرض فلا يجوز الخروج منه ولو موسعا كنذر مطلق
( ويأكل الضيف مما قدم له بلا لفظ ) من مالك الطعام اكتفاء بالقرينة العرفية كما في الشرب من السقايات في الطرق
قال المصنف وما ورد في الأحاديث الصحيحة من لفظ الإذن في ذلك محمول على الاستحباب نعم إن كان ينتظر حضور غيره فلا يأكل إلا بإذن
____________________
(3/248)
لفظا أو بحضور الغير لاقتضاء القرينة عدم الأكل بدون ذلك
تنبيه أفهم قوله مما قدم له أنه ليس للأراذل أن يأكلوا مما بين أيدي الأماثل من الأطعمة النفيسة المخصوصة بهم وبه صرح الشيخ عز الدين قال إذ لا دلالة على ذلك بلفظ ولا عرف بل العرف زاجر عنه
وأن الضيف لا يأكل جميع ما قدم له وبه صرح ابن الصباغ قال ابن شهبة وفيه نظر إذا كان قليلا يقتضي العرف أكل جميعه اه
وهذا ظاهر إذا علم رضا مالكه بذلك
وصرح الماوردي بتحريم الزيادة على الشبع أي إذا لم يعلم رضا مالكه وأنه لو زاد لم يضمن قال الأذرعي وفيه وقفة اه
وحد الشبع أن لا يعد جائعا وأما الزيادة على الشبع من مال نفسه الحلال فمكروه وكذا من مال غيره إذا علم رضا مالكه
قال ابن عبد السلام ولو كان الضيف يأكل كعشرة مثلا ومضيفه جاهلا بحاله لم يجز له أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف في المقدار
قال ولو كان الطعام قليلا فأكل لقما كبارا مسرعا حتى يأكل أكثر الطعام ويحرم أصحابه لم يجز له ذلك
ويحرم التطفل وهو حضور الوليمة من غير دعوة إلا إذا علم رضا المالك به لما بينهما من الانس والانبساط وقيد ذلك الإمام بالدعوة الخاصة أما العامة كأن فتح الباب ليدخل من شاء فلا تطفل
والتطفيل مأخوذ من التطفل وهو منسوب إلى طفيل رجل من أهل الكوفة كان يأتي الولائم بلا دعوة فكان يقال له طفيل الأعراس
( ولا يتصرف فيه ) ببيع ولا غيره ( إلا بالأكل ) لأنه المأذون فيه عرفا فلا يطعم سائلا ولا هرة إلا إن علم رضا مالكه به
وللضيف تلقيم صاحبه إلا أن يفاضل المضيف طعامهما فليس لمن خص بنوع أن يطعم غيره منه وظاهره المنع سواء أخص بالنوع العالي أم بالسافل وهو محتمل ويحتمل تخصيصه بمن خص بالعالي ونقل الأذرعي هذا عن مقتضى كلام الأصحاب قال وهو ظاهر
ويكره لصاحب الطعام أن يفاضل بين الضيفين في الطعام لما في ذلك من كسر الخاطر
تنبيه يملك المضيف ما التقمه بوضعه في فمه على ما اقتضى كلام الشرح الصغير ترجيحه وجزم به ابن المقري وصرح بترجيحه القاضي والإسنوي وإن كان قضية كلام المتولي أنه يتبين بالازدراد أنه ملكه قبله وقيل يملكه بالوضع بين يديه
وحيث قلنا يملك بالأخذ أو بالوضع في الفم فهل له أن يبيحه لغيره أو يتصرف فيه بغير الأكل وجهان الصحيح قول الجمهور لا يجوز كما لا يعير المستعير فالمراد أنه يملك أن ينتفع بنفسه كالعارية لا أنه ملك العين كما توهمه بعضهم وفرع عليه جواز تصرفه فيه بالبيع وغيره نعم النازل بأهل الذمة إذا شرط الإمام عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين فإنهم إذا قدموا للضيف شيئا يملكه بلا خلاف وكان له أن يرتحل به كما ذكره الرافعي في كتاب الجزية
( وله ) أي الضيف ( أخذ ما يعلم رضاه ) أي المضيف ( به ) والمراد بالعلم ما يشمل الظن لأن مدار الضيافة على طيب النفس فإذا تحقق ولو بالقرينة رتب عليه مقتضاه
ويختلف ذلك باختلاف الأحوال وبمقدار المأخوذ وبحال المضيف وبالدعوة فإن شك في وقوعه في محل المسامحة فالصحيح في أصل الروضة التحريم قال في الإحياء وإذا علم رضاه ينبغي له مراعاة النصفة مع الرفقة فلا ينبغي أن يأخذ إلا ما يخصه أو يرضون به عن طوع لا عن حياء
( ويحل نثر سكر ) وهو رميه مفرقا ( وغيره ) كدنانير ودراهم وجوز ولوز ( في الإملاك ) على المرأة للنكاح وفي الختان وكذا في سائر الولائم كما بحثه بعض المتأخرين عملا بالعرف
( ولا يكره ) النثر ( في الأصح ) ولكن تركه أولى لأنه سبب إلى ما يشبه النهبة وقد ورد في الصحيح النهي عنها وقيل يستحب لما فيه من البر وقيل يكره للدناءة في التقاطه بالانتهاب
( ويحل التقاطه ) لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه ( و ) لكن ( تركه أولى ) كالنثر هذا ما في الروضة ولا يخالفه نص الشافعي
والجمهور على كراهة النثر والالتقاط إن حملت الكراهة على خلاف الأولى نعم إن علم أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض ولم يقدح الالتقاط في مروءة الملتقط لم يكن الترك أولى
ويكره أخذه من الهواء بإزار أو غيره فإن أخذه منه أو التقطه أو بسط حجره له فوقع فيه ملكه وإن لم يبسط حجره له لم يملكه لأنه لم
____________________
(3/249)
يوجد منه قصد تملك ولا فعل لكن هو أولى به من غيره
فلو أخذه غيره قال في أصل الروضة ففي ملكه وجهان جاريان فيما لو عشش طائر في ملكه فأخذ فرخه غيره وفيما إذا دخل السمك مع الماء حوضه وفيما إذا وقع الثلج في ملكه فأخذه غيره وفيما إذا أحيا ما تحجره غيره لكن الأصح أن المحيي يملك وفي هذه الصور ميلهم إلى المنع أكثر لأن المتحجر غير مالك فليس الإحياء تصرفا في ملك غيره بخلاف هذه الصور اه
والمعتمد في مسألة النثار أن من أخذه لا يملكه كما رجحه الشارح بخلافه في غيرها كما هو مصرح به في أبوابها
والفرق أن الاستيلاء في هذه المسألة أقوى لأنه وقع فيما هو ملابس له بخلاف غيرها والصبي يملك ما التقطه والسيد يملك ما التقطه رقيقه
خاتمة في آداب الأكل تسن التسمية قبل الأكل والشرب ولو من جنب وحائض للأمر بها في الأكل ويقاس به الشرب
ولو سمى مع كل لقمة فهو حسن وأقلها بسم الله وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم وهي سنة كفاية للجماعة ومع ذلك تسن لكل منهم فإن تركها أوله أتى بها في أثنائه فإن تركها في أثنائه أتى بها في آخره فإن الشيطان يتقايأ ما أكله أو شربه
ويسن الحمد بعد الفراغ من ذلك ويجهر بهما ليقتدى به فيهما
ويسن غسل اليد قبله وبعده لكن المالك يبتدىء به فيما قبله ويتأخر به فيما بعده ليدعو الناس إلى كرمه
ويسن أن يأكل بثلاث أصابع للاتباع
وتسن الجماعة والحديث غير المحرم كحكاية الصالحين على الطعام وتقليل الكلام أولى
ويسن لعق الإناء والأصابع وأكل ساقط لم يتنجس أو تنجس ولم يتعذر تطهيره وطهره
ويسن مواكلة عبيده وصغاره وزوجاته وأن لا يخص نفسه بطعام إلا لعذر كدواء بل يؤثرهم على نفسه ولا يقوم المالك عن الطعام وغيره يأكل ما دام يظن به حاجة إلى الأكل ومثله من يقتدي به وأن يرحب بضيفه ويكرمه وأن يحمد الله على حصوله ضيفا عنده
ويكره الأكل متكئا وهو الجالس معتمدا على وطاء تحته كقعود من يريد الإكثار من الطعام قاله الخطابي وأشار غيره إلى أنه المائل إلى جنبه ومثله المضطجع كما فهم بالأولى
ويكره الأكل مما يلي غيره ومن الأعلى والوسط ونص الشافعي على تحريمه محمول على المشتمل على الإيذاء ويستثنى من ذلك نحو الفاكهة مما يتنقل به فيأخذ من أي جانب شاء
ويكره تقريب فمه من الطعام بحيث يقع من فمه إليه شيء وذمه لا قوله لا أشتهيه أو ما اعتدت أكله
ويكره نفض يده في القصعة والشرب من القربة والأكل بالشمال والتنفس والنفخ في الإناء والبزاق والمخاط حال أكلهم وقرن تمرتين ونحوهما كعنبتين بغير إذن الشركاء
ويسن للضيف وإن لم يأكل أن يدعو للمضيف كأن يقول أكل طعامكم الأبرار وأفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة وذكركم الله فيمن عنده ويسن قراءة سورة الإخلاص وقريش ذكره الغزالي وغيره
ويندب أن يشرب بثلاثة أنفاس بالتسمية في أوائلها وبالحمد في أواخرها ويقول في آخر الأول الحمد لله ويزيد في الثاني رب العالمين وفي الثالث الرحمن الرحيم وأن ينظر في الكوز قبل الشرب ولا يتجشأ فيه بل ينحيه عن فمه بالحمد ويرده بالتسمية والشرب قائما خلاف الأولى
ومن آداب الأكل أن يلتقط فتات الطعام وأن يقول المالك لضيفه ولغيره كزوجته وولده إذا رفع يده من الطعام كل ويكرره عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه ولا يزيد على ثلاث مرات
وأن يتخلل ولا يبتلع ما يخرج من أسنانه بالخلال بل يرميه ويتمضمض بخلاف ما يجمعه بلسانه من بينها فإنه يبلعه
وأن يأكل قبل أكله اللحم لقمة أو لقمتين أو ثلاثة من الخبز حتى يسد الخلل
وأن لا يشم الطعام ولا يأكله حارا حتى يبرد
ومن آداب الضيف أن لا يخرج إلا بإذن صاحب المنزل وأن لا يجلس في مقابلة حجرة النساء وسترتهن وأن لا يكثر النظر إلى الموضع الذي يخرج منه الطعام
ومن آداب المضيف أن يشيع الضيف عند خروجه إلى باب الدار
وينبغي للآكل أن يقدم الفاكهة ثم اللحم ثم الحلاوة وإنما قدمت الفاكهة لأنها أسرع استحالة فينبغي أن تقع أسفل المعدة
ويندب أن يكون على المائدة بقل وسيأتي إن شاء الله تعالى زيادة على ذلك في باب الأطعمة
____________________
(3/250)
كتاب القسم بفتح القاف وسكون السين مصدر قسمت الشيء وأما بالكسر فالنصيب
والقسم بفتح القاف والسين اليمين
( والنشوز ) هو الخروج عن الطاعة
وكان ينبغي للمصنف أن يزيد في الترجمة وعشرة النساء إذ هو مقصود الباب
( يختص القسم ) أي وجوبه ( بزوجات ) أي بثنتين منهن فأكثر ولو كن غير حرائر لقوله تعالى { فإن خفتم ألا تعدلوا } أي في القسم الواجب { فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } فأشعر أنه لا يجب في ملك اليمين فلا دخل للإماء غير الزوجات فيه وإن كن مستولدات أو مع زوجات لأنه لا حق لهن في الاستمتاع
والمراد بالاختصاص الوجوب كما مر فإنه مستحب في الإماء كيلا يحقد بعض الإماء على بعض ويسن أيضا عدم تعطيلهن
تنبيه إدخال الباء على المقصور عليه خلاف الكثير من دخولها على المقصور فلا حاجة حينئذ لدعوى بعضهم القلب في كلام المتن الذي هو خلاف مقتضى الظاهر ولا يرد عليه الموطوءة بشبهة ولا الرجعية وإن كانت في حكم الزوجات لتعارض المانع والمقتضي
( و ) المراد من القسم للزوجات والأصل فيه الليل كما سيأتي أن يبيت عندهن ولا يلزمه ذلك ابتداء لأنه حقه فله تركه بل ( من بات عند بعض نسوته ) بقرعة أو غيرها ( لزمه ) ولو عنينا ومجبوبا ومريضا المبيت ( عند من بقي ) منهن لقوله صلى الله عليه وسلم إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل أو ساقط رواه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم
وكان صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ويطاف به عليهن في مرضه حتى رضين بتمريضه في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها وفيه دليل على أن العذر والمرض لا يسقط القسم
وظاهر هذا أن القسم كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وهو المشهور في المذهب وقول العراقيين خلافا للإصطخري في عدم وجوبه لقوله تعالى { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم تكرما
تنبيه عبارته توهم أنه إنما يجب القسم إذا بات عند واحدة وليس مرادا بل يجب عند إرادته ذلك ويحرم الابتداء بواحدة بلا قرعة على الأصح كما سنذكره
وقوله بات يقتضي أنه لو كان يقيم عند إحداهن نهارا يجوز على الدوام من غير قضاء لعدم البيتوتة لأن بات في اللغة يكون بالليل غالبا وهو بعيد والأولى أن يجعلبات في كلامه بمعنى صار فلا يختص بوقت ومنه قوله تعالى { والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما }
ولا تجب التسوية بينهن في الجماع فإنه يتعلق بالنشاط والشهوة وهي لا تتأتى في كل وقت ولا في سائر الاستمتاعات
ولا يؤاخذ بميل القلب إلى بعضهن لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك رواه أبو داود وغيره وصحح الحاكم إسناده
ويجوز أن يؤثر بعض نسائه بالتبرع دون بعض وإن استوحش بذلك والأولى التسوية في ذلك وفي سائر الاستمتاعات
( ولو أعرض عنهن ) ابتداء أو بعد استكمال توبة أو أكثر ( أو عن الواحدة ) التي ليس تحته غيرها فلم يبت عندهن ولا عندها ( لم يأثم ) لأنه حقه كما مر فجاز له تركه كسكنى الدار المستأجرة ولأن في داعية الطبع ما يغني عن إيجابه
تنبيه عبارة المحرر لم يكن لهن الطلب وهي أولى من تعبير المصنف إذ لا يلزم من نفي الإثم عدم الطلب بدليل المديون قبل الطلب لا يأثم بترك الدفع
( ويستحب أن لا يعطلهن ) من المبيت ولا الواحدة بأن يبيت عندهن أو عندها ويحصنها ويحصنهن لأنه من المعاشرة بالمعروف ولأن تركه قد يؤدي إلى الفجور
وأولى درجات الواحدة أن
____________________
(3/251)
لا يخليها كل أربع ليال عن ليلة اعتبارا بمن له أربع زوجات
قال القمولي في الجواهر والأولى أن يناما في فراش واحد إذا لم يكن لأحدهما عذر في الانفراد سيما إذا عرف حرصها على ذلك
ثم شرع فيمن يستحق القسم ومن لا يستحقه فقال ( وتستحق القسم مريضة ) وقرناء ( ورتقاء وحائض ونفساء ) ومن آلى منها أو ظاهر ومحرمة ومجنونة لا يخاف منها
قال الغزالي وكذا كل من بها عذر شرعي أو طبيعي لأن المقصود منه الأنس لا الاستمتاع
أما المجنونة التي يخاف منها ولم يظهر منها نشوز وهي مسلمة له فلا يجب لها قسم كما بحثه الزركشي وإن استحقت النفقة فهي مستثناة من قولنا وضابط من يستحق القسم كل من وجبت نفقتها ولم تكن مطلقة لتخرج الرجعية
ويستثنى من استحقاق المريضة القسم ما لو سافر بنسائه فتخلفت واحدة لمرض فلا قسم لها وإن كانت تستحق النفقة كما نقله البلقيني عن تصريح الماوردي وأقره
وضابط من لا يستحقه كل امرأة لانفقة لها فلا تستحقه أمة لم تسلم للزوج ليلا ونهارا ولا الصغيرة التي لا تطيق الوطء ولا المحبوسة ولا المغصوبة و ( لا ناشزة ) بخروجها عن طاعة زوجها كأن خرجت من مسكنه بغير إذنه أو لم تفتح له الباب ليدخل أو لم تمكنه من نفسها بلا عذر لها كمرض وإلا فهي على حقها كما قاله الماوردي أو دعاها فاشتغلت بحاجتها أو ادعت الطلاق وفي معنى الناشز المعتدة عن شبهة لتحريم الخلوة بها ونشوز المجنونة كالعاقلة لكنها لا تأثم
وضابط من يجب عليه القسم كل زوج عاقل ولو سكران أو سفيها أو مراهقا فإن جار المراهق فالإثم على وليه أي إذا قصر وإن جار السفيه فعلى نفسه لأنه مكلف
وأما المجنون إذا أطبق جنونه أو تقطع ولم ينضبط فلا يلزم الولي الطواف به عليهن سواء أمن منه الضرر أم لا إلا إن طولب بقضاء قسم وقع منه أو كان الجماع ينفعه بقول أهل الخبرة أو مال إليه بميله إلى النساء فيلزمه أن يطوف به عليهن أو يدعوهن إلى منزله أو يطوف به على بعضهن ويدعو بعضهن إذا كان ثم عذر بحسب ما يرى
وإذا قسم لواحدة في الجنون وأفاق في نوبة الأخرى انتظرت إفاقة الأخرى وقضى فيها إقامته عند تلك في الجنون فإن ضره الجماع بقولهم وجب على وليه منعه منه فإن تقطع الجنون وانضبط كيوم ويوم قسم بنفسه أيام الإفاقة ويلغو أيام الجنون كأيام الغيبة قاله البغوي وغيره وقال المتولي يراعى القسم في أيام الإفاقة ويراعيه الولي في أيام الجنون ويكون لكل واحدة نوبة من هذه ونوبة من هذه وهذا حسن
وأطلق المحاملي عن الأم أن على المحبوس القسم وأن من امتنعت من إتيانه سقط حقها منه
وقال العمراني إن أمكن أن يأوين معه فهن على حقهن وذلك بأن يصلح للسكنى
قال الماوردي وإن لم يمكنهن لكثرة من معه من الرجال هناك أو منع من النساء سقط القسم والأول محمول على ذلك
ولو حبسته إحدى زوجتيه على حقها فليس للأخرى أن تبيت معه كما أفتى به ابن الصباغ لئلا يتخذ الحبس مسكنا
( فإن لم ينفرد ) الزوج عن نسائه ( بمسكن ) له ( دار ) وجوبا ( عليهن في بيوتهن ) توفية لحق القسم
( وإن انفرد ) بمسكن ( فالأفضل المضي إليهن ) اقتداء به صلى الله عليه وسلم وصيانة لهن عن الخروج
( وله دعاؤهن ) إلى مسكنه وعليهن الإجابة لأن ذلك حق له ومن امتنعت منهن فهي ناشزة أي حيث لا عذر فإن كان لعذر كمرض ونحوه عذرت وبقيت على حقها قاله الماوردي
وقال ابن كج إن منعها مرض عليه أن يبعث إليها من يحملها إليه
وجمع بينهما بحمل الأول على المرض المعجوز معه عن الركوب والثاني على غيره
واستثنى الماوردي ما إذا كانت ذات قدر وخفر ولم تعتد البروز فلا تلزمها إجابته وعليه أن يقسم لها في بيتها قال الأذرعي وهو حسن وإن استغربه الروياني
وأما المطر والوحل الشديدان ونحوهما فإن بعث لها مركوبا ووقاية من المطر فلا عذر وإلا فينبغي أن يكون عذرا ويختلف هذا باختلاف الناس
( والأصح تحريم ذهابه إلى بعض ) من نسائه ( ودعاء بعض ) منهن لمسكنه لما فيه من الوحشة ولما في تفضيل بعضهن على بعض من ترك العدل
والثاني لا كما له المسافرة ببعض دون بعض وهذا ما نص عليه في الإملاء وقطع به العراقيون وغيرهم
وأجاب من قال بالأول قال الأذرعي وهم
____________________
(3/252)
الأقلون عن القياس على المسافرة بأنها تكون بالقرعة وهي تدفع الوحشة
وإن أقرع هنا قال الرافعي وجب أن يجوز وعبر في الروضة بقوله ينبغي القطع بالجواز أو يحمل النص على ما إذا كان ثم عذر كما نبه على ذلك بقوله ( إلا لغرض كقرب مسكن من مضى إليها ) دون الأخرى ( أو خوف عليها ) لكونها جميلة مثلا دون غيرها لكونها ذميمة أو حصل تراض أو قرعة كما مر فلا يحرم عليه ما ذكر ويلزم من دعاها الإجابة فإن أبت بطل حقها
( ويحرم أن يقيم بمسكن واحدة ) منهن ( ويدعوهن ) أي من بقي منهن ( إليه ) لأن إتيان بيت الضرة شاق على النفس ولا يلزمهن الإجابة فإن أجبن فلصاحبة البيت المنع وإن كان البيت ملك الزوج لأن حق السكنى فيه لها كما قاله ابن داود
تنبيه التعبير بالإقامة يقتضي الدوام وبحث الزركشي أن الحكم كذلك ولو مكث أياما على نية الإقامة وهو ظاهر
ولو رضين كلهن بذلك جاز ولو قال إلا برضاهن كالتي بعدها لكان أولى
( و ) يحرم ( أن يجمع ) ولو ليلة واحدة ( بين ضرتين ) فأكثر ( في مسكن ) أي بيت واحد لما بينهما من التباغض ( إلا برضاهما ) فيجوز الجمع بينهما لأن الحق لهما ولو رجعا بعد الرضا كان لهما ذلك
تنبيه التعبير بالمسكن يقتضي أنه لا يلزمه في السفر إفراد كل واحدة بخيمة ومرافق وهو ظاهر لما في إيجاب ذلك من الضرر بالزوج وضرر الزوجات لا يتأبد فيحتمل
وإذا رضيتا بالبيت الواحد قال الشيخان كره أن يطأ إحداهما بحضرة الأخرى لأنه بعيد عن المروءة وظاهره كراهة التنزيه وبه صرح المصنف في تعليقه على التنبيه وقضية كلام جماعة تحريم ذلك وصرح به القاضي أبو الطيب وصوبه الأذرعي وقال إنه مقتضى نصه في الأم لما في ذلك من سوء العشرة وطرح الحياء اه
ويمكن الجمع بينهما بأن يكون محل التحريم إذا كانت إحداهما ترى عورة الأخرى
ولو طلب الزوج ذلك وامتنعت لم يلزمها الإجابة ولا تصير ناشزة بالامتناع قاله الشيخان مع قولهما بكراهة الوطء في هذه الحالة
وقول المصنف ضرتين يقتضي جواز الجمع بين الزوجة والسرية لأن الجوهري فسر الضرة بالزوجة لكن صرح الماوردي والروياني بأنهما كالزوجتين والمعتمد أنه يعتبر رضا الزوجة فقط لأن السرية لا يشترط رضاها لأن له جمع إمائه بمسكن وهي أمة
ولو اشتملت دار على حجرات مفردة المرافق جاز إسكان الضرات فيها من غير رضاهن والعلو والسفل إن تميزت المرافق مسكنان
ثم شرع في بيان زمان القسم وقدره فقال ( وله ) أي للزوج المقيم ( أن يرتب القسم على ليلة ويوم قبلها أو بعدها ) وهو أولى وعليه التواريخ الشرعية فإن أول الأشهر الليالي
وقضية كلامه اعتبار الليل بغروب الشمس إلى طلوع الفجر قال ابن الرفعة والوجه الرجوع في ذلك إلى العرف الغالب اه
وهذا هو الظاهر فإن بعض الناس يبقى في حانوته إلى هدوة من الليل
( والأصل ) في القسم من مقيم معيشته نهارا ( الليل ) لأنه وقت السكون ( والنهار تبع ) له لأنه وقت الانتشار في طلب المعاش قال تعالى { وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا } وقال تعالى { هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا }
( فإن عمل ليلا وسكن نهارا كحارس ) ووقاد حمام ( فعكسه ) فيكون النهار في حقه أصلا والليل تبع له لسكونه بالنهار ومعاشه بالليل فلو كان يعمل تارة بالنهار وتارة بالليل لم يجز أن يقسم لواحدة ليلة تابعة ونهارا متبوعا لأخرى عكسه على الأصح في زيادة الروضة لتفاوت الغرض
أما المسافر فعماده وقت نزوله من ليل أو نهار قل أو كثر لأن الخلوة والسكون حينئذ
ويؤخذ من العلة ما قاله الأذرعي أنه لو لم يحصل الخلوة إلا حالة السير كأن كان بمحفة وحالة النزول يكون مع الجماعة في نحو خيمة كان عماد قسمه حالة سيره دون حالة نزوله حتى يلزمه التسوية في ذلك
( وليس للأول ) أي
____________________
(3/253)
من ليله أصل ( دخول ) ولو لحاجة على الصحيح كعيادة ( في نوبة على ) زوجة ( أخرى ليلا ) لما فيه من إبطال حق ذات النوبة
واحترز بالأول عمن عماده النهار فإن له الدخول ليلا لوضع متاع كما يفعله الأول نهارا ولو قال وما جعلناه أصلا لا يجوز الدخول فيه على غير صاحبة النوبة لكان أشمل
( إلا لضرورة كمرضها المخوف ) وشدة الطلق وخوف النهب والحرق وقد يخرج ما لو احتمل ذلك وأراد الدخول ليتبين حال المرض والأصح الجواز كما نقلاه عن الغزالي
( وحينئذ ) أي حين الدخول لضرورة ( إن طال مكثه ) عرفا ( قضى ) من نوبة الدخول عليها مثل مكثه لأن حق الآدمي لا يسقط بالعذر
ومثلا في الروضة وأصلها طول المكث بساعة طويلة ونقلا عن القاضي حسين تقديره بثلث الليل ثم قالا والصحيح أنه لا تقدير أي فالمعتبر العرف كما مر
( وإلا ) أي وإن لم يطل مكثه ( فلا ) يقضي لقلته قال الزركشي ويأثم انتهى
ولا وجه لتأثيمه لأنه دخل لضرورة وإنما يأثم إذا تعدى بالدخول وإن لم يطل المكث كما ذكره في الروضة وأصلها
تنبيه قول المصنف وحينئذ يفهم منه أنه يقضي إذا دخل بلا ضرورة وطال مكثه بطريق الأولى ولو تعدى بالدخول قضى إن طال مكثه وإلا فلا لكن يعصي
ولو جامع من دخل عليها في ليلة غيرها عصى وإن قصر الزمن وكان لضرورة
قال الإمام واللائق بالتحقيق القطع بأن الجماع لا يوصف بالتحريم ويصرف التحريم إلى إيقاع المعصية لا إلى ما وقعت به المعصية
وحاصله أن تحريم الجماع لا لعينه بل لأمر خارج ويقضي المدة دون الجماع لا إن قصرت ومحل وجوب القضاء ما إذا بقيت المظلومة في نكاحه فلو ماتت المظلومة بسببها فلا قضاء لخلوص الحق للباقيات فلو فارق المظلومة تعذر القضاء ثم إن عادت بعد فراق من ظلم بها تعذر القضاء لخلوص الحق لها
ولو أخرج في الليل ظلما كرها فهل يجب عليه القضاء فيه وجهان في الحاوي قال في المطلب والمشهور في الكتب وجوبه وهو المنصوص وله قضاء الفائت في أي جزء شاء من الليل
ولكن الأولى أن يكون في مثل تلك الساعة وقيل يجب ويعصي بطلاق من لم تستوف حقها بعد حضور وقته لتفويته حقها بعد ثبوته وهذا سبب آخر لكون الطلاق بدعيا كما صرح به في أصل الروضة
قال ابن الرفعة ويتجه أن يكون العصيان فيهما إذا طلقها بغير سؤالها وإلا فلا فإن أعادها ولو بعقد جديد والمستوفية معه ولو بعقد بعد طلاق قضى المعادة حقها وإلا فلا ولا يحسب مبيته مع المظلومة عن القضاء قبل عود المستوفية لذلك
( وله الدخول نهارا لوضع ) أو أخذ ( متاع ونحوه ) كتسليم نفقة وتعريف خبر لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها رواه أبو داود وقال الحاكم صحيح الإسناد
وفهم من كلامه جواز الدخول للضرورة من باب أولى
( وينبغي ) إذا دخل نهارا لما ذكر ( أن لا يطول مكثه ) أي يجوز له تطويل المكث لكنه خلاف الأولى فإن طال وجب القضاء كما في المهذب وغيره تبعا للنص
قال الشارح ولم يذكره الشيخان مع أن المصنف قال ( والصحيح أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة ) أي وإن طال الزمن لأن النهار تابع مع وجود الحاجة فيحمل كلام المهذب وغيره كما قال شيخي على ما إذا طال الزمان فوق الحاجة وكلام المتن على ما إذا طال الزمان بالحاجة
ورأيت بعض الشراح ضعف ما في المهذب وبعضهم ضعف ما في المتن وحيث أمكن الجمع فهو أولى ومقابل الصحيح يقضي إذا طال كما في الليل
واحترز بقوله لحاجة عما إذا دخل بلا سبب وسيأتي ( و ) الصحيح وعبر في الروضة بالأصح ( أن له ما سوى وطء من استمتاع ) للحديث السابق ولأن النهار تابع
والثاني لا يجوز
أما الوطء فقضية كلامه أنه يحرم قطعا حيث أخرجه من محل الخلاف وليس مرادا بل فيه وجه وتقدم الكلام على ما يتعلق بتحريم الوطء وأن من عماد القسم في حقه النهار أن نهاره كليل غيره في جميع ما مر ( و ) الصحيح المنصوص ( أنه يقضي إن دخل ) نهارا
____________________
(3/254)
( بلا سبب ) أي يقضي زمن الإقامة لتعديه لا أنه يقضي الاستمتاع كما يقتضيه كلامه
والثاني لا يقضي لأن النهار تبع
ومحل الخلاف إذا طال الزمن أخذا مما مر وإن كان ظاهر كلامه الإطلاق
( ولا تجب تسوية في ) قدر ( الإقامة نهارا ) لتبعيته لليل ولأنه وقت الانتشار والتردد وقد يكثر في يوم ويقل في آخر والضبط فيه عسر بخلاف الليل ومن عماد قسمته النهار فبالعكس من ذلك
فرع لو كان تحته مريضتان ولا متعهد لهما يقسم الليالي عليهما والتسوية بينهما في التمريض لا بالقرعة وقضى للباقيات إن برئنا
فإن ماتت المريضة تعذر القضاء لأنه إنما يحسب من نوبتها
أما إذا كان لها متعهد فلا يبيت عندها إلى في نوبتها
( وأقل نوب القسم ) لمقيم عمله نهارا ( ليلة ) ليلة ولا يجوز تبعيضها لما فيه من تشويش العيش وعسر ضبط أجزاء الليل ولا بليلة وبعض أخرى وأما طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه في ليلة واحدة فمحمول على رضاهن أما المسافر فقد مر حكمه
وأما من عماد قسمه النهار كالحارس فظاهر كلامهم أنه لا يجوز له تبعيضه كتبعيض الليلة ممن يقسم ليلا وهو الظاهر ويحتمل أنه يجوز لسهولة الضبط
تنبيه لو قال نوبة بالإفراد استغنى عن تكرير ليلة المصرح به في المحرر ولفظة أقل مزيدة عليه
( وهو أفضل ) من الزيادة عليها اقتداء به صلى الله عليه وسلم وليقرب عهده بهن
( ويجوز ) ليلتين و ( ثلاثا ) بغير رضاهن
وقيل لا تجوز الزيادة على ليلة إلا برضاهن واختاره ابن المنذر
( لا زيادة ) على الثلاث بغير رضاهن ( على المذهب ) وقول الجمهور وإن تفرقن في البلاد لئلا يؤدي إلى المهاجرة والإيحاش الباقيات بطول المقام عند الضرة وقد يموت في المدة الطويلة فيقوت حقهن وقيل في قول أو وجه يزاد على الثلاث إلى سبع وقيل ما لم يبلغ أربعة أشهر مدة تربص المولي
تنبيه قضية كلام المصنف تحريم الزيادة وهو الذي عليه الجمهور خلافا لما جزم به الدارمي والروياني من الكراهة
أما إذا رضين فتجوز الزيادة قطعا
( والصحيح وجوب قرعة ) على الزوج بين الزوجات ( للابتداء ) بواحدة منهن عند عدم رضاهن تحرزا عن الترجيح مع استوائهن في الحق فيبدأ بمن خرجت قرعتها فإذا مضت نوبتها أقرع بين الباقيات ثم بين الأخريين فإذا تمت النوبة راعى الترتيب ولا حاجة إلى إعادة القرعة بخلاف ما لو بدأ بلا قرعة فإنه يقرع بين الباقيات فإذا تمت النوبة أقرع للابتداء
وقد شمل ذلك عبارة المصنف لأنه الآن كأنه ابتدأ القسم
أما إذا رضين بتقديم واحدة لم يمتنع ذلك ( وقيل يتخير ) بينهن في ذلك فيبدأ بمن شاء منهن بغير قرعة
( ولا يفضل ) بعض نسائه ( في قدر نوبة ) أي يحرم عليه ذلك وإن اختصت بفضيلة كشرف وإسلام لأن القسم شرع للعدل واجتناب التفضيل المفضي للوحشة
ثم استثنى المصنف من عدم التفضيل مسألتين أشار لإحداهما بقوله ( لكن لحرة مثلا أمة ) لحديث فيه مرسل رواه الحسن البصري وعضده الماوردي بأنه روي عن علي كما رواه الدارقطني ولا يعرف له مخالف فكان إجماعا ولأن القسم استمتاع والاستمتاع بها غالبا على النصف إذ لا تسلم له إلا ليلا
وخالف حق الزفاف إذ الغرض فيه زوال الحياة والحشمة وهما فيه سواء وسواء المدبرة والمكاتبة والمبعضة وأم الولد كما قاله الماوردي وغيره
ويتصور اجتماع الأمة مع الحرة في صور منها أن يسبق نكاح الأمة بشروطه على نكاح الحرة
ومنها أن يكون تحته حرة لا تصلح للاستمتاع
ومنها أن يكون الزوج رقيقا أو مبعضا وقول الشيخين ولا يتصور كون الأمة جديدة إلا في حق العبد جرى على الغالب وإنما تستحق الأمة القسم إذا استحقت النفقة بأن تكون مسلمة للزوج ليلا ونهارا كالحرة كما مرت الإشارة إليه وحق القسم لها لا لسيدها فهي التي تملك إسقاطه لأن معظم الحظ في القسم لها كما أن خيار العيب لها لا له
____________________
(3/255)
تنبيه كلام المصنف قد يوهم جواز ليلتين لها إذا كان للحرة أربعة وليس مرادا بل الشرط ليلة لها وليلتين للحرة ولا تجوز الزيادة على ذلك ولا النقص عنه لئلا يزاد القسم على ثلاث أو ينقص عن ليلة وهما ممتنعان كما مر
وهذا كله إذا لم يطرأ العتق فلو عتقت الأمة في الليلة الأولى من ليلتي الحرة وكانت البداءة بالحرة فالثانية من ليلتها للعتيقة ثم يسوي بينهما إن أراد الاقتصار لها على ليلة وإلا فله توفية الحرة ليلتين وثلاثا وإقامة مثل ذلك عند العتيقة وإن عتقت في الثانية منهما فله إتمامها ويبيت مع العتيقة ليلتين
وإن خرج حين العتق إلى مسجد أو بيت صديق أو نحو ذلك أو إلى العتيقة لم يقض ما مضى من الليلة
فإن قيل إن كان النصف الأول من الليلة حقا للحرة فيجب إذا كمل الليلة أن لا يقضي جميعها وإن لم يكن حقا لها فيجب أن يقضيه إذا خرج فورا
أجيب عن الشق الأول بأن نصفي الليلة كالثلاثة أيام والسبعة في حق الزفاف للثيب فالثلاث حق لها وإذا أقام عندها سبعا قضى الجميع كما سيأتي فكذا إذا أقام النصف الثاني قضاه مع النصف الأول ولكن مقتضى هذا أن محله إذا طلبت منه تمام الليلة كما إذا طلبت الثيب السبعة وإلا فيقضي الزائد فقط
وعن الشق الثاني بأن العتيقة قبل العتق لا يثبت لها استحقاق نظير النصف المقسوم كما لو كان عبد بين اثنين لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه فالمهايأة بينهما تكون يومين ويوما فإذا اشترى صاحب الثلث السدس من الآخر في أثناء اليوم لم يرجع عليه بأجرة ما مضى
وإن عتقت في ليلتها قبل تمامها زادها ليلة لالتحاقها بالحرة قبل الوفاء أو بعد تمامها اقتصر عليها ثم سوى بينهما ولا أثر لعتقها في يومها لأنه تابع وإن كانت البداءة بالأمة وعتقت في ليلتها فكالحرة فيتمها ثم يسوي بينهما أو عتقت بعد تمامها أو في الحرة ليلتين ثم سوى بينهما لأن الأمة قد استوفت ليلتها قبل عتقها فتستوفي الحرة بإزائها ليلتين
ولو لم تعلم الأمة بعتقها حتى مر عليها أدوار وهو يقسم لها قسم الإماء قضى الزوج لها ما مضى إن علم بذلك وإلا فلا وعلى هذا يحمل كلام من أطلق عدم القضاء وكلام من أطلق القضاء
ثم أشار إلى المسألة الثانية بقوله ( وتختص ) وجوبا زوجة ( بكر جديدة ) أي جددها على من في عصمته زوجة يبيت عندها ولو أمة أو كافرة ( عند زفاف ) وهو حمل العروس لزوجها ( بسبع ) ولاء ( بلا قضاء ) للباقيات ( و ) تختص وجوبا زوجة ( ثيب ) وهي التي إذنها النطق ( بثلاث ) ولاء بلا قضاء لخبر ابن حبان في صحيحه سبع للبكر وثلاث للثيب والمعنى في ذلك زوال الحشمة بينهما ولهذا سوى بين الحرة والأمة لأن ما يتعلق بالطبع لا يختلف بالرق والحرية كمدة العنة والإيلاء وزيد للبكر لأن حياءها أكثر
والحكمة في الثلاث والسبع أن الثلاث مغتفرة في الشرع والسبع عدد أيام الدنيا وما زاد عليها تكرار فإن فرق لم تحسب لأن الحشمة لا تزول بالمفرق واستأنس وقضى المفرق للأخريات
وخرج ب جديدة من طلقها رجعيا بعد توفية حق الزفاف فإنه إذا راجعها لا زفاف لها بخلاف البائن وبخلاف مستفرشة أعتقها سيدها ثم تزوجها فإنه يجب لها حق الزفاف ولو لم يكن عنده غيرها أو كانت ولم يبت عندها لم يثبت للجديدة حق الزفاف
ولا ينافي هذا قول أصل الروضة لو نكح جديدتين لم يكن في نكاحه غيرهما وجب لهما حق الزفاف لأنه محمول على من أراد القسم وإن قال المصنف في شرح مسلم الأقوى المختار وجوبه مطلقا لخبر أنس فقد رده البلقيني بأن في مسلم طرقا فيها الصراحة بما إذا كانت عنده زوجة أو أكثر غير التي زفت إليه فتكون هذه الرواية المطلقة مقيدة بتلك الروايات
ودخل في الثيب المذكورة من كانت ثيوبتها بوطء حلال أو حرام أو وطء شبهة وخرج بها من حصلت ثيوبتها بمرض أو وثبة أو نحو ذلك
( ويسن تخييرها ) أي الثيب ( بين ثلاث بلا قضاء ) للباقيات ( و ) بين ( سبع بقضاء ) أي مع قضاء لهن كما فعل صلى الله عليه وسلم بأم سلمة رضي الله تعالى عنها حيث قال لها إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت أي بالقسم الأول بلا قضاء وإلا لقال وثلثت عندهن كما قال وسبعت عندهن رواه مالك وكذا مسلم بمعناه
أما إذا لم تختر السبع بأن لم تختر شيئا أو اختارت دون سبع لم يقض إلا ما فوق الثلاث لأنها
____________________
(3/256)
لم تطمع في الحق المشروع لغيرها كما أن البكر إذا طلبت عشرا وبات عندها مع أنه يمتنع عليه ذلك لم يقبض إلا ما زاد لما ذكر بخلاف الثيب إذا اختارت السبع فإنها طمعت في الحق المشروع لغيرها فبطل حقها
ولو زفت له زوجتان معا وهو مكره أقرع بينهما للابتداء لحق الزفاف
فمن خرجت قرعتها قدمها بجميع السبع أو الثلاث
فإن زفتا مرتبا أدى حق الأولى أولا
ولو زفت جديدة وله زوجتان قد وفاهما حقهما وفى الجديدة حقها واستأنف بعد ذلك القسم بين الجميع بالقرعة
وإن بقيت ليلة لإحداهما بدأ بالجديدة ثم وفى القديمة ليلتها ثم يبيت عند الجديدة نصف ليلة لأنها تستحق ثلث القسم لأن الليلة التي باتها عند القديمة كأنها بين القديمتين فيخص كل واحدة من القديمتين نصف ليلة فيكون للجديدة ما ذكر ويخرج إلى المسجد أو نحوه ثم يستأنف القسم بين الثلاث بالسوية
ولو كان يقسم ليلتين فتزوج جديدة في أثناء ليلة إحداهما فهل يقطع الليلة كلها ويقسم للجديدة أو يكمل الليلة وجهان في حلية الشاشي أوجههما الأول
تنبيه لا يتخلف بسبب الزفاف عن الخروج للجماعات وسائر أعمال البر كعيادة المرضى وتشييع الجنائز مدة الزفاف إلا ليلا فيتخلف وجوبا تقديما للواجب وهذا ما جرى عليه الشيخان وإن خالف فيه بعض المتأخرين
وأما ليالي القسم فتجب التسوية بينهن في الخروج لذلك وعدمه فإما أن لا يخرج في ليلة الجميع أو يخرج أصلا فإن خص ليلة بعضهن بالخروج أثم
( ومن سافرت ) منهن ( وحدها بغير إذنه ) لحاجتها أو حاجته ( فناشزة ) فلا قسم
ويستثنى من ذلك صورتان الأولى إذا خربت البلد وارتحل أهلها والزوج غائب ولم يمكنها الإقامة فلا تكون كما قال السبكي ناشزة كخروجها من البيت إذا أشرف على السقوط
الثانية إذا سافر السيد بالأمة بعد أن بات الزوج عند الحرة ليلتين لم يسقط حقها من القسم وعلى الزوج قضاء ما فات عند التمكن لأن الفوات حصل بغير اختيارها قاله المتولي وأقراه
أما إذا سافرت معه بغير إذنه فإنها تستحق كما تستحق النفقة لكنها تعصي
نعم إن منعها من الخروج فخرجت ولم يقدر على ردها سقط حقها قال البلقيني بالنسبة للنفقة ومثلها القسم
( و ) من سافرت ( بإذنه لغرضه ) كأن أرسلها في حاجته ( يقضي لها ) ما فاتها للإذن وعرضه فهي كمن عنده وفي قبضته وهو المانع نفسه عنها بإرسالها
( و ) بإذنه ( لغرضها ) كحج وعمرة وتجارة ( لا ) يقضي لها ( في الجديد ) لأنها ليست في قبضته وفائدة الإذن رفع الاثم والقديم يقضي لوجود الإذن
ولو سافرت لحاجة ثالث قال الزركشي فيظهر أنها كحاجة نفسها اه
وهو كما قال غيره ظاهر إذا لم يكن خروجها بسؤال الزوج لها فيه وإلا فيلحق بخروجها لحاجته بإذنه
أو سافرت وحدها بإذنه لحاجتهما معا لم يسقط حقها كما قاله الزركشي وغيره بالنسبة للنفقة ومثلها القسم خلافا لما بحثه ابن العماد من السقوط
وامتناعها من السفر مع الزوج نشوز قال الماوردي إلا أن تكون معذورة بمرض أو نحوه
( ومن سافر لنقلة ) ولو سفرا قصيرا ( حرم ) عليه ( أن يستصحب بعضهن ) دون بعض ولو بقرعة بل ينقلهن أو يطلقهن
وإن سافر ببعض ولو بقرعة قضى للمتخلفات
ولو نقل بعضهن بنفسه وبعضهن بوكيله قضى لمن معهن الوكيل في الأصح في زيادة الروضة إن أقرع وإلا وجب قطعا
تنبيه قد يقتضي كلامه أنه لو ترك الكل جاز وليس مرادا وإن صرح به المتولي بل ينقلهن أو يطلقهن لما في ذلك من قطع أطماعهن من الوقاع فأشبه الإيلاء بخلاف ما لو امتنع عن الدخول إليهن وهو حاضر لأنه لا ينقطع رجاؤهن
( وفي سائر ) أي باقي ( الأسفار الطويلة ) المبيحة للقصر ( وكذا القصيرة ) المباحة ( في الأصح يستصحب بعضهن ) أي زوجاته ( بقرعة ) عند تنازعهن لما روى الشيخان
أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع
____________________
(3/257)
بين نسائه أيتهن خرج سهمها خرج بها معه سواء أكان ذلك في يومها أو يوم غيرها
نص عليه في الإملاء
قال البلقيني وإذا خرجت القرعة لصاحبة النوبة لا تدخل نوبتها في مدة السفر بل إذا رجع وفى لها نوبتها قال وفي نص الأم ما يشهد له
وإذا خرجت القرعة لواحدة فليس له الخروج بغيرها وله تركها
والثاني لا يستصحب بعضهن بقرعة في التقصير فإن فعل قضى لأنه كالإقامة وليس للمقيم تخصيص بعضهن بالقرعة
وعلى الأول لو سافر بواحدة أو أكثر من غير قرعة عصى وقضى فإن رضين بواحدة جاز بلا قرعة وسقط ولهن الرجوع قبل سفرها
قال الماوردي وكذا بعده ما لم يجاوز مسافة القصر أي يصل إليها
تنبيه شمل إطلاقه البعض الواحدة فأكثر وبه صرح ابن أبي هريرة
ويستثنى من إطلاقه ما إذا زنى وغربه الإمام فإنه يمنع من استصحاب زوجته معه كما نقله الرافعي هناك عن البغوي
( و ) إذا سافر بالقرعة ( لا يقضي ) للزوجات المتخلفات ( مدة سفره ) لأنه لم يتعد
والمعنى فيه أن المستصحبة وإن فازت بصحبته فقد لحقها من تعب السفر ومشقته ما يقابل ذلك والمتخلفة وإن فاتها حظها من الزوج فقد ترفهت بالدعة والإقامة فتقابل الأمران فاستويا
وخرج بالسفر المباح غيره فليس له أن يستصحب فيه بعضهن بقرعة ولا بغيرها فإن فعل عصى ولزمه القضاء للمتخلفات
وبالزوجات الإماء فله أن يستصحب بعضهن بغير قرعة
( فإن وصل المقصد ) بكسر الصاد ( وصار مقيما ) بأن نوى إقامة مؤثرة أول سفره أو عند وصوله مقصده أو قبل وصوله ( قضى مدة الإقامة ) لخروجه عن حكم السفر
هذا إذا ساكن المصحوبة أما إذا اعتزلها مدة الإقامة فلا يقضي كما جزم به في الحاوي ( لا ) مدة ( الرجوع ) بعد صيرورته مقيما فلا يقضيها ( في الأصح ) كما لا يقضي مدة الذهاب
والثاني يقضي لأنه سفر جديد بلا قرعة
أما إذا رجع من المقصد قبل مدة الإقامة فلا يقضي جزما لاستصحاب حكم السفر عليه
تنبيه المراد بالإقامة ما مر في باب القصر فلو أقام في مقصده أو غيره بلا نية وزاد على مدة المسافرين قضى الزائد فلو أقام لحاجة يتوقعها كل وقت فلا يقضي إلى أن تمضي ثانية عشر يوما كما جزم به في الأنوار
ولو استصحب واحدة بقرعة ثم نوى الإقامة وكتب للباقيات يستحضرهن قضى المدة من حين كتابته في أحد وجهين صوبه البلقيني فإن استصحبها بلا قرعة قضى للمتخلفات جميع المدة ولو لم يبت معها ما لم يخلفها في بلد أو نحوها فإن خلفها لم يقض لهن كما في فتاوى البغوي
( ومن وهبت ) منهن ( حقها ) من القسم لغيرها ( لم يلزم الزوج الرضا ) بذلك لأنها لا تملك إسقاط حقه من الاستمتاع فله أن يبيت عندها في ليلتها
( فإن رضي ) بالهبة ( ووهبت لمعينة ) منهن ( بات عندها ليلتيهما ) كل ليلة في وقتها متصلتين كانتا أو منفصلتين وإن كرهت كما فعل صلى الله عليه وسلم لما وهبت سودة نوبتها ل عائشة رضي الله تعالى عنهما كما في الصحيحين
وهذه الهبة ليست على قواعد الهبات
ولهذا لا يشترط رضا الموهوب لها بل يكفي رضا الزوج لأن الحق مشترك بينه وبين الواهبة إذ ليس لنا هبة يقبل فيها غير الموهوب له مع تأهله للقبول إلا هذه
تنبيه أفهم قوله ليلتيهما أن يقسم كل ليلة في وقتها متصلتين كانتا أو منفصلتين
( وقيل ) في المنفصلتين ( يواليهما ) بأن يقدم ليلة الواهبة على وقتها ويصلها بليلة الموهوبة أو يقدم ليلة الموهوبة على وقتها ويصلها بليلة الواهبة لأنه أسهل عليه والمقدار لا يختلف
وعورض ذلك بأن فيه تأخير حق من بين الليلتين وبأن الواهبة قد ترجع بينهما في الشق الأول والموالاة تفوت حق الرجوع عليها
وقيده ابن الرفعة أخذا من التعليل بما إذا تأخرت ليلة الواهبة فإن تقدمت وأراد تأخيرها جاز قال ابن النقيب وكذا لو تأخرت فأخر ليلة الموهوبة إليها برضاها تمسكا بهذا التعليل اه
وهذا ظاهر
ومحل بياته عند الموهوبة ليلتين ما دامت الواهبة تستحق القسم فإن خرجت عن ذلك لم يبت عند الموهوبة إلا ليلتها
( أو ) وهبت ( لهن ) كلهن أو أسقطت حقها من القسم مطلقا ( سوى )
____________________
(3/258)
بينهن فيه جزما فتجعل الواهبة أو المسقطة كالمعدومة ويقسم للباقيات
( أو ) وهبت ( له ) فقط ( فله التخصيص ) لواحدة فأكثر بنوبة الواهبة لأنها جعلت الحق له فيضعه حيث شاء
ويأتي في الاتصال والانفصال ما سبق
( وقيل يسوي ) بينهن ولا يخصص لأن التخصيص يورث الوحشة والحقد فتجعل الواهبة كالمعدومة
ولو وهبت له ولبعض الزوجات أو له وللجميع لم أر من تعرض لهذه المسألة وقد سألت شيخي عنها فأجاب بأن حقها يقسم على الرؤوس كما لو وهب شخص عينا لجماعة والتقدم بالقرعة
تنبيه لا يجوز للواهبة أن تأخذ على المسامحة بحقها عوضا لا من الزوج ولا من الضرائر فإن أخذت لزمها رده واستحقت القضاء لأن العوض لم يسلم لها
وإنما لم يجز أخذ العوض عن هذا الحق لأنه ليس بعين ولا منفعة لأن مقامه عندها ليس بمنفعة ملكتها عليه
وقد استنبط السبكي من هذه المسألة ومن خلع الأجنبي جواز النزول عن الوظائف والذي استقر عليه رأيه أن أخذ العوض فيه جائز وأخذه حلال لإسقاط الحق لا لتعلق حق المنزول له بل يبقى الأمر في ذلك إلى ناظر الوظيفة يفعل ما تقتضيه المصلحة شرعا وبسط ذلك
وللواهبة الرجوع متى شاءت فإذا رجعت خرج فورا ولا يرجع في الماضي قبل العلم بالرجوع فإن بات الزوج في نوبة واحدة عند غيرها ثم ادعى أنها وهبت حقها وأنكرت لم يقبل قوله إلا بشهادة رجلين
فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين وهو إما أن يكون منها أو منه أو منهما
وقد بدأ بما إذا كان التعدي منها بقوله فلو ( ظهرت أمارات نشوزها ) فعلا كأن يجد منها إعراضا وعبوسا بعد لطف وطلاقة وجه أو قولا كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين ( وعظها ) ندبا لقوله تعالى { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن } كأن يقول لها اتق الله في الحق الواجب لي عليك واحذري العقوبة
( بلا هجر ) ولا ضرب ويبين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم فلعلها تبدي عذرا أو تتوب عما وقع منها بغير عذر وحسن أن يذكر لها ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح
وفي الترمذي عن أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة باتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة ويستحب أن يبرها ويستميل قلبها بشيء وفي الصحيحين المرأة ضلع أعوج إن أقمتها كسرتها وإن تركتها استمتعت بها على عوج فيها
تنبيه ظاهر كلامه كغيره تحريم الهجر في المضجع في هذه الحالة قال ابن النقيب تبعا للسبكي وهو ظاهر إذا فوت حقا لها من قسم أو غيره وإلا فيظهر عدم التحريم لأن الاضطجاع معها حقه فله تركه
( فإن تحقق نشوز ) منها ( ولم يتكرر ) ذلك منها ( وعظ ) ها ( وهجر ) ها ( في المضجع ) بكسر الجيم أي يجوز له ذلك لظاهر الآية ولأن في الهجر أثرا ظاهرا في تأديب النساء
والمراد أن يهجر فراشها فلا يضاجعها فيه وقيل هو ترك الوطء وقيل هو أن يقول لها هجرا أي إغلاظا في القول
وقيل هو أن يربطها بالهجار وهو حبل يربط فيه البعير الشارد
واحترز المصنف بالهجر في المضجع عن الهجران في الكلام فلا يجوز الهجر به لا للزوجة ولا لغيرها فوق ثلاثة أيام ويجوز فيها للحديث الصحيح لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام
وفي سنن أبي داود فمن هجره فوق ثلاثة فمات دخل النار وحمل الأذرعي تبعا لغيره التحريم على ما إذا قصد بهجرها ردها لحظ نفسه فإن قصد به ردها عن المعصية وإصلاح دينها فلا تحريم قال ولعل هذا مرادهم إذ النشوز حينئذ عذر شرعي اه
وهذا مأخوذ من قولهم يجوز هجر المبتدع والفاسق ونحوهما ومن رجا بهجره صلاح دين الهاجر أو المهجور وعليه يحمل هجره صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه وأول أسمائهم هم حروف مكة ونهيه صلى الله عليه وسلم الصحابة عن كلامهم
____________________
(3/259)
وكذا هجران السلف بعضهم بعضا
( ولا يضرب في الأظهر ) فإن الجناية لم تتأكد بالتكرر وهذا ما رجحه جمهور العراقيين وغيرهم وحكاه الماوردي عن الجديد
( قلت الأظهر يضرب ) أي يجوز له ذلك ( والله أعلم ) كما لو أصرت عليه لظاهر الآية فتقديره واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن
والخوف هنا بمعنى العلم كما في قوله تعالى { فمن خاف من موص جنفا أو إثما } والأولى بقاؤه على ظاهره
وقال والمراد واهجروهن إن نشزن واضربوهن إن أصررن على النشوز وهذا ما ذكره بقوله ( فإن تكرر ضرب ) ولو قدمه على الزيادة وقيد الضرب فيها بعدم التكرار كان أولى
تنبيه إنما يجوز الضرب إن أفاد ضربها في ظنه وإلا فلا يضربها كما يصرح به الإمام وغيره ولا يأتي بضرب مبرح ولا على الوجه والمهالك وعبر في الأنوار بالوجوب في ذلك وهو ظاهر وعليه يحمل تعبير الشيخين ب ينبغي وهو ضرب التعزير وسيأتي فيه مزيد بيان
والأولى له العفو عن الضرب وخبر النهي عن ضرب النساء محمول على ذلك أو على الضرب بغير سبب يقتضيه لا على النسخ إذ لا يصار إليه إلا إن تعذر الجمع وعلمنا التاريخ
وهذا بخلاف الصبي فالأولى له عدم العفو لأن ضربه للتأديب مصلحة له وضرب الزوج زوجته مصلحة لنفسه
والنشوز هو الخروج من المنزل بغير إذن الزوج لا إلى القاضي لطلب الحق منه ولا إلى اكتسابها النفقة إذا أعسر بها الزوج ولا إلى استفتاء إذا لم يكن زوجها فقيها ولم يستفت لها وكمنعها الزوج من الاستمتاع ولو غير الجماع لا منعها له منه تدللا ولا الشتم له ولا الإيذاء له باللسان أو غيره بل تأثم به وتستحق التأديب عليه ويتولى تأديبها بنفسه على ذلك ولا يرفعها إلى قاض ليؤدبها لأن فيه مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد وتوحيشا للقلوب بخلاف ما لو شتمت أجنبيا وينبغي كما قال الزركشي تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلا فيتعين الرفع إلى القاضي ولو ضربها وادعى أنه بسبب نشوز وادعت عدمه ففيه احتمالان في المطلب قال والذي يقوى في ظني أن القول قوله لأن الشرع جعله وليا في ذلك والولي يرجع إليه في مثل ذلك
فائدة ليس لنا موضع يضرب المستحق من منعه حقه غير هذا
والرقيق يمتنع من حق سيده وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها والأولى خلافه
ثم شرع فيما إذا كان التعدي منه بقوله ( فلو منعها حقا ) لها ( كقسم ونفقة ألزمه القاضي توفيته ) إذا طلبته لعجزها عنه بخلاف نشوزها فإن له إجبارها على إيفاء حقه لقدرته فإن لم يكن الزوج مكلفا أو كان محجورا عليه ألزم وليه توفيته بشرط
( فإن أساء خلقه وآذاها ) بضرب أو غيره ( بلا سبب نهاه ) عن ذلك ولا يعزره ( فإن عاد ) إليه وطلبت تعزيره من القاضي ( عزره ) بما يليق به لتعديه عليها
فائدة الخلق بضم اللام وإسكانها السجية والطبع ولهما أوصاف حسنة وأوصاف قبيحة وقد روي أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وقال القائل بمكارم الأخلاق كن متخلقا ليفوح مسك ثنائك العطر الشذي وانفع صديقك إن أردت صداقة وادفع عدوك بالتي فإذا الذي أي بقية الآية وإنما لم يعززه في المرة الأولى وإن كان القياس جوازه إذا طلبته
قال السبكي ولعل ذلك لأن إساءة الخلق تكثر بين الزوجين والتعزيز عليها يورث وحشة بينهما فيقتصر أولا على النهي لعل الحال يلتئم بينهما فإن عاد عزره وأسكنه يجنب ثقة يمنع الزوج من التعدي عليها
وهل يحال بين الزوجين قال الغزالي يحال بينهما حتى يعود إلى العدل ولا يعتمد قوله في العدل وإنما يعتمد قولها وشهادة القرائن اه
وفصل الإمام فقال إن ظن الحاكم تعديه ولم يثبت عنده لم يحل بينهما وإن تحققه أو ثبت عنده وخاف أن يضربها ضربا مبرحا لكونه جسورا
____________________
(3/260)
حال بينهما حتى يظن أنه عدل إذ لو لم يحل بينهما واقتصر على التعزير لربما بلغ منها مبلغا لا يستدرك اه
وهذا ظاهر
فمن لم يذكر الحيلولة أراد الحال الأول ومن ذكرها كالغزالي والحاوي الصغير والمصنف في تنقيحه أراد الثاني والظاهر كما قال شيخنا أن الحيلولة بعد التعزيز والإسكان وإن كان لا يتعدى عليها لكنه يكره صحبتها لكبر أو مرض أو نحوه ويعرض عنها فلا شيء عليه
ويسن لها أن تستعطفه بما يجب كأن تسترضيه بترك بعض حقها كما تركت سودة نوبتها ل عائشة فكان صلى الله عليه وسلم يقسم لها يومها ويوم سودة كما أنه يسن له إذا كرهت صحبته لما ذكر أن يستعطفها بما تحب من زيادة نفقة ونحوها
ثم شرع فيما إذا كان التعدي منهما بقوله ( وإن قال كل ) من الزوجين ( إن صاحبه متعد ) عليه وأشكل الأمر بينهما ( تعرف القاضي الحال ) الواقع بينهما ( بثقة ) واحد ( يخبرهما ) بفتح المثناة التحتية أوله وضم الباء الموحدة بعد الخاء المعجمة ويكون الثقة جارا لهما فإن لم يتيسر أسكنهما في جنب ثقة يتعرف حالهما ثم ينهى إليه ما يعرفه
واكتفى هنا بثقة واحد تنزيلا لذلك منزلة الرواية لما في إقامة البينة عليه من العسر وظاهر هذا أنه لا يشترط في الثقة أن يكون عدل شهادة بل يكفي عدل الرواية ولهذا قال الزركشي والظاهر من كلامهم اعتبار من تسكن النفس بخبره لأنه من باب الخبر لا الشهادة
( و ) إذا تبين له حالهما ( منع الظالم ) من عوده لظلمه وطريقه في الزوج ما سلف وفي الزوجة بالزجر والتأديب كغيرها
( فإن اشتد الشقاق ) بكسر الشين أي الخلاف والعداوة بينهما مأخوذ من الشق وهو الناحية إذ كل واحد صار في ناحية وذلك بأن دام بينهما التساب والتضارب وفحش ذلك
( بعث ) القاضي ( حكما من أهله وحكما من أهلها ) لنظر في أمرهما بعد اختلاء حكمه به وحكمها بها ومعرفة ما عندهما في ذلك ولا يخفى حكم عن حكم شيئا إذا اجتمعا ويصلحا بينهما أو يفرقا بطلقة إن عسر الإصلاح على ما يأتي الآية { وإن خفتم شقاق بينهما } والخطاب فيها للحكام وقيل للأولياء
والبعث واجب كما صححه في زيادة الروضة وجزم به الماوردي وإن صحح في المهمات والاستحباب لنقل البحر له عن نص الشافعي وقال الأذرعي بل ظاهر نص الأم الوجوب
وأما كونهما من أهلهما فمستحب غير مستحق إجماعا كما في النهاية لأن القرابة لا تشترط في الحاكم ولا في الوكيل
تنبيه اقتضى كلام المصنف عدم الاكتفاء بحكم واحد وهو الأصح لظاهر الآية ولأن كلا من الزوجين يتهمه ولا يفشي إليه سره
( وهما وكيلان ) في الأظهر ( لهما ) أي عنهما
( وفي قول ) هما حاكمان ( موليان من الحاكم ) واختاره جمع لأن الله تعالى سماهما حكمين والوكيل مأذون ليس بحكم
ووجه الأول أن الحال قد يؤدي إلى الفراق والبضع حق الزوج والمال حق الزوجة وهما رشيدان فلا يولى عليهما ولأن الطلاق لا يدخل تحت الولاية إلا في المولى وهو خارج عن القياس
( فعلى الأول يشترط رضاهما ) يبعث الحكمين
ويشترط في الحكمين التكليف والإسلام والحرية والعدالة والاهتداء إلى المقصود بما بعثا له ولا يشترط فيهما الذكورة وإنما اشترط فيهما ذلك مع أنهما وكيلان لتعلق وكالتهما بنظر الحاكم كما في أمينه
( فيوكل ) الزوج إن شاء ( حكمه بطلاق وقبول عوض خلع وتوكل ) الزوجة إن شاءت ( حكمها ببذل عوض ) للخلع ( وقبول طلاق به ) أي العوض كسائر الوكلاء
ويفرق الحكمان بينهما إن رأياه صوابا وإن اختلف رأيهما بعث القاضي اثنين غيرهما حتى يجتمعا على شيء
فإن أغمى على أحد الزوجين أو جن ولو بعد استعلام الحكمين رأيه لم ينفذ أمرهما لأن الوكيل ينعزل بالإغماء والجنون وإن أغمى على أحدهما أو جن قبل البعث لم يجز بعث الحكمين وإن غاب أحدهما بعد بعث الحكمين نفذ أمرهما كما في سائر الوكلاء فإن لم يرض الزوجان ببعث الحكمين ولم يتفقا على شيء أدب القاضي الظالم منهما واستوفى المظلوم حقه ويعمل بشهادة الحكمين
وعلى القول الثاني يشترط في الحكمين الذكورة
____________________
(3/261)
زيادة على ما مر لا الاجتهاد ولا يشترط رضا الزوجين ببعثهما ويحكمان بما يرياه مصلحة من الجمع والتفريق
خاتمة يعتبر رشد الزوجة ليتأتى بذلها العوض لا رشد الزوج لأنه يجوز خلع السفيه فيجوز توكيله فيه
ولو قال الزوج لوكيله خذ مالي منها ثم طلقها أو طلقها على أن تأخذ مالي منها اشترط تقديم أخذ المال على الطلاق وكذا لو قال خذ مالي منها وطلقها كما نقله في الروضة عن تصحيح البغوي وأقره لأن الوكيل يلزمه الاحتياط فيلزمه ذلك وإن لم تكن الواو للترتيب فإن قال طلقها ثم خذ مالي منها جاز تقديم أخذ المال على ما ذكر لأنه زيادة خير قال الأذرعي وكالتوكيل من جانب الزوج فيما ذكر التوكيل من جانب الزوجة كأن قالت خذ مالي منه ثم اختلعني
كتاب الخلع بضم الخاء من الخلع بفتحها وهو النزع لأن كلا من الزوجين لباس الآخر قال تعالى { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } فكأنه بمفارقة الآخر نزع لباسه
و ( وهو ) في الشرع ( فرقة ) بين الزوجين ( بعوض ) مقصود راجع لجهة الزوج ( بلفظ طلاق أو خلع ) كقوله طلقتك أو خالعتك على كذا فتقبل وسيأتي صحته بكنايات الطلاق
فالمراد بقوله بلفظ طلاق لفظ من ألفاظه صريحا كان أو كناية ولفظ الخلع من ذلك كما سيأتي وصرح به لأنه الأصل في الباب
وخرج ب مقصود الخلع بدم ونحوه فإنه رجعي ولا مال
ودخل ب راجع لجهة الزوج وقوع العوض للزوج ولسيده وما لو خالعت بما ثبت لها من قود أو غيره وخرج به ما لو علق الطلاق بالبراءة من مالها على غيره فيصح رجعيا
والأصل في الباب قبل الإجماع قوله تعالى { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه } والأمر به في خبر البخاري في امرأة ثابت بن قيس بقوله له أقبل الحديقة وطلقها تطليقة وهو أول خلع وقع في الإسلام
والمعنى فيه أنه لما جاز أن يملك الزوج الانتفاع بالبضع بعوض جاز أن يزيل ذلك الملك بعوض كالشراء والبيع فالنكاح كالشراء والخلع كالبيع
وأيضا فيه دفع الضرر عن المرأة غالبا ولكنه مكروه لما فيه من قطع النكاح الذي هو مطلوب الشرع لقوله صلى الله عليه وسلم أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق قال في التنبيه إلا في حالتين إحداهما أن يخافا أو أحدهما أن لا يقيما حدود الله أي ما افترضه في النكاح لقوله تعالى { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } الآية وذكر الخوف في الآية جرى على الغالب لأن الغالب وقوع الخلع في حالة التشاجر ولأنه جاز حالة الخوف وهي مضطرة إلى بذل المال ففي حالة الرضا أولى وبالقياس على الإقالة في البيع
الحالة الثانية أن يحلف بالطلاق الثلاث على فعل شيء لا بدله منه أي كالأكل والشرب وقضاء الحاجة فيخلعها ثم يفعل الأمر المحلوف عليه ثم يتزوجها فلا يحنث لانحلال اليمين بالفعلة الأولى إذ لا يتناول إلا الفعلة الأولى وقد حصلت
فإن خالعها ولم يفعل المحلوف عليه فيه قولان أصحهما أنه يتخلص من الحنث فإذا فعل المحلوف عليه بعد النكاح لم يحنث لأنه تعليق سبق هذا النكاح فلم يؤثر فيه كما إذا علق الطلاق قبل النكاح فوجدت الصفة بعد النكاح
تنبيه ظاهر كلامهم حصول الخلاص بالخلع ولو كان المحلوف على فعله مقيدا بمدة وهو كذلك وخالف في ذلك بعض المتأخرين قال السبكي دخلت على ابن الرفعة فقال لي استفنيت عمن حلف بالطلاق الثلاث لا بد أن يفعل كذا في هذا الشهر فخالع في الشهر فأفتيت بتخلصه من الحنث ثم ظهر لي أنه خطأ ووافقني البكري على التخلص فبينت له أنه خطأ
قال السبكي ثم سألت الباجي ولم أذكر له كلام ابن الرفعة فوافقه
قال ثم رأيت في الرافعي في آخر الطلاق إنه لو قال إن لم تخرجي في هذه الليلة من هذه الدار فأنت طالق ثلاثا فخالع مع أجنبي من الليل وجدد النكاح ولم تخرج لم يقع الطلاق لأن الليل كله محل اليمين ولم يمض الليل وهي زوجة له حتى يقع الطلاق وأنه لو كان بين يديه
____________________
(3/262)
تفاحتان فقال لزوجته إن لم تأكلي هذه التفاحة اليوم فأنت طالق ثلاثا ولأمته إن لم تأكلي هذه الأخرى اليوم فأنت حرة فاشتبهت تفاحة الطلاق وتفاحة العتق فذكر طريقين عن بعض الأصحاب في الخلاص
ثم قال فلو خالع زوجته ذلك اليوم وباع الأمة ثم جدد النكاح واشترى الأمة خلص وظاهر هذين الفرعين لمخالف لما قاله ابن الرفعة والباجي اه
وهو كما قال فالمعتمد إطلاق كلام الأصحاب
وذكرت في شرح التنبيه صور أخرى ولا يكره الخلع فيها فليراجعه من أراد
وأركان الخلع خمسة ملتزم لعوض وبضع وعوض وصيغة وزوج وبدأ به فقال ( شرطه ) أي ركنه ( زوج يصح ) أي ينفذ ( طلاقه ) يعني أن يكون الزوج يصح طلاقه بأن يكون بالغا عاقلا مختارا كما سيأتي في بابه وذلك لأن الخلع طلاق فالزوج ركن لا شرط وكونه يصح طلاقه شرط في الزوج فلا يصح من صبي ومجنون ومكره كطلاقهم
( فلو خالع عبد ) ولو مدبرا ( أو محجورا عليه بسفه صح ) بإذن ودونه بمهر المثل أو أقل إذ لكل منهما أن يطلق مجانا فبعوض أولي
( ووجب دفع العوض ) عينا كان أو دينا ( إلى مولاه ) أي العبد ويملكه مولاه قهرا وإن لم يأذن كسائر أكسابه
ويستثنى من إطلاقه المكاتب فإنه يجب التسليم إليه لاستقلاله
والمبعض إن خالع وبينه وبين سيده مهايأة وقبض في نوبته صح وأما في نوبة سيده فلا يقبض شيئا وإن لم يكن مهايأة قبض ما يخص حريته والعبد المأذون على أحد وجهين في الحاوي بلا ترجيح يقبض أيضا ما خالع به
( ووليه ) أي المحجور عليه بسفه كسائر أمواله فإن سلمت العوض إلى السفيه بغير إذن الولي وهو دين لم تبرأ ويسترده منه نعم إن بادر الولي فأخذه منه برئت كما في الشامل والبحر فإن تلف في يده فلا ضمان في الحال ولا بعد رشده
وهل يبرأ فيما بينه وبين الله تعالى وجهان في الحاوي أوجههما لا أو وهو عين وعلم الولي أخذها منه
فإن تركها حتى تلفت فهل يضمن أو لا وجهان أوجههما الأول كما قاله بعض المتأخرين
وإن لم يعلم الولي فتلفت فهي مفرطة فتضمن مهر المثل لا قيمة العين والتسليم إلى العبد كالسفيه لكن المختلع له مطالبته بعد العتق بما تلف تحت يده بخلاف السفيه لا يطالب أصلا كما مر
أما قبضها بإذن فيصح ولو علق بالدفع إليه كأن قال إن دفعت إلي كذا فأنت طالق كان لها أن تدفعه إليه لا إلى وليه لأنه فيما مر ملكه قبل الدفع وفي هذه إنما يملكه إليه وعلى وليه المبادرة إلى أخذه منه فإن لم يأخذه منه حتى تلف فلا غرم فيه على الزوجة كما نقله الأذرعي عن الماوردي ولو دفعته إلى وليه لم تطلق لعدم وجود المعلق عليه
تنبيه أسقط المصنف من المحرر خلع المفلس لتقدمه في بابه
ثم شرع في الركن الثاني وهو الملتزم فقال ( وشرط قابله ) أي الخلع أو ملتمسه ليصح خلعه من زوجة أو أجنبي ( إطلاق تصرفه في المال ) بكونه مكلفا غير محجور عليه أي بالنسبة لثبوت المال أما الطلاق فلا يعتبر في قابله ذلك بل صحة عبارته فقط
وللحجر أسباب خمسة ذكر المصنف منها ثلاثة الرق والسفه والمرض وأسقط الصبا والجنون لأن الخلع معهما لغو ولو كانت المختلعة مميزة كما جرى عليه ابن المقري لانتفاه أهلية القبول فلا عبرة بعبارة الصغيرة والمجنونة بخلاف السفيهة وجعل البلقيني المميزة كالسفيهة
ثم شرع في السبب الأول فقال ( فإن اختلعت أمة بلا إذن سيد ) لها مطلق التصرف ( بدين ) في ذمتها ( أو عين ماله ) أي السيد أو عين مال أجنبي أو عين غير مملوكة كخمر ( بانت ) في الجميع لوقوعه بعوض فاسد
تنبيه محل ذلك إذا نجز الطلاق فإن قيده بتمليك تلك العين لم تطلق كما قاله الماوردي
( وللزوج في ذمتها ) إذا بانت ( مهر مثل في صورة العين ) لأنه المراد حينئذ ( وفي قول قيمتها ) إن كانت متقومة وإلا فمثلها
ولو عبر بالبدل كما عبر به الرافعي لكان أعم
( وفي صورة الدين المسمى ) كما في الروضة وأصلها كما يصح التزام الرقيق
____________________
(3/263)
بطريق الضمان ويتبع به بعد العتق
( وفي قول مهر مثل ) ورجحه في المحرر والشرح الصغير كما لو تزوج العبد بغير إذن سيده ووطىء
تنبيه أشار بقوله في ذمتها إلى أنه يتبعها بعد العتق ولا مطالبة له الآن قطعا وتأخير المطالبة إلى العتق واليسار ثبت بالشرع فلا تضر جهالة وقته
ولو خالعت الأمة بمال وشرطته بعد عتقها فسد ورجع بمهر المثل بعد العتق قال السبكي وهذا عجيب لأنه شرط يوافق مقتضى العقد ويفسده
( وإن أذن ) السيد لها في الاختلاع ولو كانت سفيهة كما هو مقتضى نص الأم ( وعين ) لها من ماله ( عينا له ) لها تختلع بها ( أو قدر ) لها ( دينا ) في ذمتها كالدينار ( فامتثلت تعلق ) الزوج ( بالعين ) في صورتها ( وبكسبها في ) صورة ( الدين ) وبما في يدها من مال التجارة إن كانت مأذونة كمهر العبد في النكاح المأذون فيه وإن لم تكن مكتسبة ولا مأذونة ففي ذمتها تتبع به بعد عتقها ويسارها ولا يكون السيد بإذنه في الخلع بالدين ضامنا له كمهر النكاح في العبد المأذون فيه
( وإن أطلق ) السيد ( الإذن ) لأمته فلم يذكر عينا ولا دينا ( اقتضى مهر المثل من كسبها ) ومما بيدها من مال التجارة إن كانت مأذونة كما لو أذن لعبده في النكاح
واحترز بقوله فامتثلت عما إذا زادت على المأذون فيه أو على مهر المثل عند الإطلاق فالزيادة تطالب بها بعد العتق
ويستثنى من التعليق بالعين ما لو أذن لها أن تخلع وهي تحت حر أو مكاتب برقبتها فإنه لا يصح إذ لو صح لقارنت الفرقة ملك الرقبة لأن العوضين يتساويان وملك المنكوحة يمنع وقوع الطلاق كما لو علق طلاق زوجته وهي أمة غير مدبرة مملوكة لأبيه بموته فمات لم تطلق لأن ملك الزوج لها حالة موت أبيه يمنع وقوع الطلاق فلو كانت مدبرة طلقت لعتقها بموت الأب
هذا كله في القنة أما المبعضة فإن خالعت على ما ملكته فهي كالحرة أو على ما يملكه السيد لم يصح وكانت كالأمة وإن خالعت على الأمرين صارت الصفقة جامعة لأمرين حكمهما على ما يوجب تفريق الصفقة
وأما المكاتبة فالأصح أنها كالقنة في جميع ما مر كما صححه المصنف كالرافعي في باب الكتابة تبعا للجمهور واقتضاه كلام الرافعي هنا
وما وقع في أصل الروضة هنا من أن المذهب والمنصوص أن خلعها بإذن كهو بلا إذن لا يطابق ما في الرافعي بل قال في المهمات إنه غلط
ثم شرع في السبب الثاني فقال ( وإن خالع ) بعد الدخول ( سفيهة ) أي محجورا عليها بسفه بلفظ الخلع كأن قال خالعتك على ألف ( أو قال طلقتك على ألف فقبلت طلقت رجعيا ) ولغا ذكر المال لأنها ليست من أهل التزامه وإن أذن لها الولي وليس لوليها صرف مالها في مثل ذلك
وخرج ب بعد الدخول ما إذا كان قبله فإنه يقع بائنا ولا مال قال المصنف في نكته وهو واضح
وب محجور عليها ما إذا سفهت بعد رشدها ولم يحجر عليها فإنه يصح تصرفها على الأصح
تنبيه محل وقوع الطلاق إذا لم يعلق الطلاق على شيء أما لو قال لها إن أبرأتني فأنت طالق فقالت في الحال أبرأتك لم يقع الطلاق صرح به الخوارزمي في الكافي كما نقله البلقيني عنه واعتمده وإن أفتى السبكي بوقوع الطلاق إذ لا وجه له لأن الصفة المعلق عليها وهي الإبراء لم توجد فلا يقع الطلاق
وللبلقيني في صورة التعليق بالإعطاء احتمالان أرجحهما عنده أنها لا تطلق بالإعطاء وهو كذلك فإنه لا يحصل به الملك
والثاني أنه لو سلخ الإعطاء عن معناه الذي هو التمليك إلى معنى الإقباض فتطلق رجعيا
( فإن لم تقبل لم تطلق ) هو تصريح بمفهوم ما قبله لأن الصفة تقتضي القبول فأشبهت الطلاق المعلق على صفة ولا بد من حصولها
ولو قال لرشيدة ومحجور عليها بسفه خالعتكما بألف فقبلت إحداهما فقط لم يقع طلاق على واحدة منهما لأن الخطاب معهما يقتضي القبول منهما فإن قبلتا بانت الرشيدة لصحة التزامها بمهر المثل للجهل بما يلزمها من المسمى وطلقت السفيهة رجعيا لما مر
ثم شرع في السبب الثالث فقال ( ويصح اختلاع المريضة ) أي التي مرضت ( مرض الموت ) لأن لها صرف مالها
____________________
(3/264)