بسم الله الرحمن الرحيم قال سيدنا ومولانا قاضي القضاة شيخ مشايخ الإسلام ، ملك العلماء الأعلام ، سيبويه زمانه ، فريد عصره ووحيد دهره وأوانه ، حجة المناظرين ، لسان المتكلمين محيي السنة في العالمين ، زين الملة والدين ، أبو يحيى زكريا الأنصاري الشافعي تغمده الله برحمته ، وأسكنه فسيح جنته ، ونفعنا والمسلمين ببركته : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد على لله على إفضاله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه وآله . وبعد : فقد كنت اختصرت منهاج الطالبين في الفقه تأليف الإمام شيخ الإسلام أبي زكريا يحيى محيي الدين النووي رحمه الله في كتاب سميته ب منهج الطلاب . وقد سألني بعض الأعزة علي من الفضلاء المترددين إلى أن أشرحه شرحا يحل ألفاظه ، ويجل حفاظه ، ويبين مراده ، ويتمم مفاده فأجبته إلى ذلك بعون القادر المالك ، وسميته : بفتح الوهاب بشرح منهج الطلاب والله أسأل أن ينفع به ، وهو حسبي ونعم الوكيل . ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أي أؤلف ، والاسم مشتق من السمو وهو العلو ، و ( الله ) علم على الذات الواجب الوجود ، ( والرحمن الرحيم ) صفتان مشبهتان بنيتا للبمالغة من رحم ، والرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطع وقطع ، ولقولهم : رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة ، وقيل : رحيم الدنيا . ( الحمد لله الذي هدانا ) أي دلنا ( لهذا ) التأليف ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله )
____________________
(1/7)
( والحمد ) لغة : الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التبجيل سواء تعلق بالفضائل أم بالفواضل ؛ وعرفا : فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد أو غيره وابتدأت بالبسملة والحمدلة اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بخبر : ' كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم ' . وفي رواية : ' بالحمد لله فهو أجذم ' أي مقطوع البركة ، رواه أبو داود وغيره وحسنه ابن الصلاح وغيره ، وجمعت بين الابتداءين عملا بالروايتين وإشارة إلى أنه لا تعارض بينهما ، إذ الابتداء حقيقي وإضافي ، فالحقيقي حصل بالبسملة ، والإضافي حصل بالحمدلة ، وقدمت البسملة عملا بالكتاب والإجماع ، ، والحمد مختص بالله تعالى كما أفادته الجملة سواء أجعلت أل فيه للاستغراق أم للجنس أم للعهد . ( والصلاة ) وهي من الله رحمه ، ومن الملائكة استغفار ، ومن الآدميين تضرع ودعاء . ( والسلام ) بمعنى التسليم ( على محمد ) نبينا ( وآله ) هم مؤمنوا بني هاشم وبني المطلب . وصحبه هو عند سيبويه اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي وهو من اجتمع مؤمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعطف الصحب على آل الشامل لبعضهم لتشمل الصلاة والسلام باقيهم ، وجملتا الحمد والصلاة والسلام خبرتان لفظا إنشائيتان معنى ، واخترت اسميتهما على فعليتهما للدلالة على الثبات والدوام . ( الفائزين من الله بعلاه ) صفة لمن ذكر . وبعد : يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر وأصلها : أما بعد ، بدليل لزوم الفاء في حيزها غالبا لتضمن معنى الشرط ، والأصل مهما يكن من شيء بعد البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر . ( فهذا ) المؤلف الحاضر ذهنا ( مختصر ) من الاختصار وهو تقليل اللفظ وتكثير المعنى ( في الفقه ) وهو لغة : الفهم ، واصطلاحا : العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية ، وموضوعة : أفعال المكلفين من حيث عروض الأحكام لها ، واستمداده : من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وسائر الأدلة المعروفة ، وفائدته : امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه المحصلان للفوائد الدنيوية والأخروية . ( على مذهب الإمام المجتهد أبي عبد الله محمد بن إدريس ( الشافعي رضي الله عنه وأرضاه ) أي ما ذهب إليه من الأحكام في المسائل مجازا عن مكان الذهاب . ( اختصرت فيه مختصر الإمام أبي زكريا النووي ) رحمه الله ( المسمى [ بمنهاج الطالبين ] وضممت إليه ما يسر مع إبدال غير المعتمد به ) أي
____________________
(1/8)
بالمعتمد ( بلفظ مبين ) وسأنبه على ذلك غالبا في محالة : ( وحذفت منه خلاف روما ) أي طلبا ( لتيسيره على الراغبين ) فيه . ( وسميته : بمنهج الطلاب ) المنهج والمنهاج الطريق الواضح ( راجيا ) أي مؤملا ( من الله ) تعالى ( أن ينتفع به أولو الألباب ) جمع لب وهو العقل . ( وأسأله التوفيق ) وهو خلق قدرة الطاعة وتسهيل سبيل الخير ( للصواب ) أي لما يوافق الواقع من القول والفعل ( و ) أسأله ( الفوز ) أي الظفر بالخير يوم المآب أي الرجوع إلى الله تعالى أي يوم القيامة .
____________________
(1/9)
كتاب فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ( الأنصاري ) 1
____________________
(1/1)
كتاب الطهارة هو لغة الضم والجمع يقال كتب كتبا وكتابة وكتابا واصطلاحا اسم لجملة مختصة من العلم مشتملة على أبواب وفصول غالبا والطهارة لغة النظافة والخلوص من الأدناس وشرعا رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما وعلى صورتهما كالتيمم والأغسال المسنونة وتجديد الوضوء والغسلة الثانية والثالثة فهي شاملة لأنواع الطهارات وبدأت بالماء لأنه الأصل في آلتها فقلت ( إنما يطهر من مائع ماء مطلق وهو ما يسمى ماء بلا قيد ) وإن رشح من بخار الماء المغلي كما صححه النووي في مجموعه وغيره أو قيد لموافقة الواقع كماء البحر بخلاف الخل ونحوه وما لا يذكر إلا مقيدا كماء الورد وماء دافق أي مني فلا يطهر شيئا لقوله تعالى ممتنا بالماء { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } وقوله تعالى { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا }
وقوله صلى الله عليه وسلم حين بال الأعرابي في المسجد صبوا عليه ذنوبا من ماء رواه الشيخان والذنوب بفتح المعجمة الدلو الممتلئة ماء والأمر للوجوب والماء ينصرف إلى المطلق لتبادره إلى الفهم فلو طهر غيره من المائعات لفات الامتنان به ولما وجب التيمم لفقده ولا غسل البول به
وتعبيري بما ذكر شامل لطهر المستحاضة ونحوها
وللطهر المسنون بخلاف قول الأصل يشترط لرفع الحدث
والنجس ماء مطلق
( فمتغير بمخالط ) وهو ما لا يتميز في رأي العين بخلاف المجاور ( طاهر مستغنى عنه ) كزعفران ومني ( تغيرا يمنع ) لكثرته ( الاسم ) أي إطلاق اسم الماء عليه ولو كان التغير تقديريا بأن اختلط بالماء ما يوافقه في صفاته كماء مستعمل فيقدر مخالفا له في أحدها ( غير مطهر ) سواء أكان قلتين أم لا في غير الماء المستعمل بقرينة ما يأتي لأنه لا يسمى ماء ولهذا لو حلف لا يشرب ماء فشرب من ذلك لم يحنث
( لا تراب وملح وماء وإن طرحا فيه ) تسهيلا على
____________________
(1/10)
العباد أو لأن تغيره بالتراب لكونه كدورة وبالملح المائي لكونه منعقدا من الماء لا يمنع إطلاق اسم الماء عليه وإن أشبه التغير بهما في الصورة التغير الكثير بما مر فمن علل بالأول قال إن المتغير بهما غير مطلق ومن علل بالثاني قال إنه مطلق وهو الأشهر
والأول أقعد وخرج بما ذكر التغير بمجاور كدهن وعود ولو مطيبين وبمكث وبما في مقر الماء وممره
وإن منع الاسم والتغير بما لا يمنع الاسم لقلته في الأخيرة ولأن التغير بالمجاور لكونه تروحا لا يضر كالتغير بجيفة من الماء
وأما التغير بالبقية فلتعذر صون الماء عنها أو لأنه كما قال الرافعي تبعا للإمام لا يمنع تغير بها إطلاق الاسم عليه وإن وجد الشبه المذكور والتصريح بالملح المائي من زيادتي
وخرج بالمائي الجبلي فيضر التغير الكثير به إن لم يكن بمقر الماء أو ممره وأما التغير بالنجس المفهوم من الطهر فسيأتي ( وكره شديد حر وبرد ) من زيادتي
أي استعماله لمنعه الإسباغ نعم إن فقد غيره وضاق الوقت وجب أو خاف منه ضررا حرم وخرج بالشديد المعتدل
ولو مسخنا بنجس فلا يكره ( كره ) ( متشمس بشروطه ) المعروفة بأن يتشمس في إناء منطبع غير نقد كحديد بقطر حار كالحجاز في بدن
ولم يبرد خوف البرص لأن الشمس بحدتها تفصل من الإناء زهومة تعلو الماء فإذا لا قت البدن بسخونتها خيف أن تقبض عليه فتحبس الدم فيحصل البرص
فلا يكره المسخن بالنار كما مر لذهاب الزهومة بها ولا متشمس في غير منطبع كالخزف والحياض ولا متشمس بمنطبع نقد لصفاء جوهره ولا متشمس بقطر بارد أو معتدل ولا استعماله في غير بدن ولا إذا برد كما صححه النووي على أنه اختار من جهة الدليل عدم كراهة المتشمس مطلقا
وتعبيري بمتشمس أولى من تعبيره بمشمس وقولي بشروطه من زيادتي ( والمستعمل في فرض ) من طهارة الحدث كالغسلة الأولى ولو من طهر صاحب ضرورة ( غير مطهران قل ) لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يجمعوا المستعمل في أسفارهم القليلة الماء ليتطهروا به بل عدلوا عنه إلى التيمم ولأن أزال المانع
فإن قلت طهور في الآية السابقة بوزن فعول فيقتضي تكرر الطهارة بالماء
قلت فعول يأتي اسما للآلة كسحور لما يتسحر به فيجوز أن يكون طهور
كذلك ولو سلم اقتضاؤه التكرر فالمراد جمعا بين الأدلة ثبوت ذلك لجنس الماء أو في المحل الذي يمر عليه فإنه يطهر كل جزر منه
والمستعمل ليس بمطلق على ما صححه النووي
ولكن جزم الرافعي بأنه مطلق وهو الصحيح عند الأكثرين
لكن منع من استعماله تعبدا فهو مستثنى من المطلق
والمراد بالفرض ما لا بد منه أثم بتركه أم لا عبادة كان أم لا فيشمل ما توضأ به الصبي وما اغتسلت به الذمية لتحل لحليلها المسلم
أما إذا كثر ابتداء أو انتهاء بأن جمع حتى كثر فمطهر وإن قل بعد تفريقه لأن الطاهرية إذا عادت بالكثرة لما يعلم مما يأتي فالطهورية أولى
وخرج بالفرض المستعمل في غيره كماء الغسلة الثانية والثالثة
والوضوة المجدد فمطهر لانتفاء العلة وسيأتي المستعمل في النجاسة في بابها
____________________
(1/11)
( ولا تنجس قلتا ماء وهما خمسمائة رطل ) بكسر الراء أفصح من فتحها ( بغدادي تقريبا بملاقاة نجس ) لخبر إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا
رواه ابن حبان وغير وصححوه في رواية
فإنه ينجس وهو المراد بقوله لم يحمل خبثا أي يدفع النجس ولا يقبله
وفي رواية إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر والواحد منها قدرها الشافعي أخدا من ابن جريح الرائي لها بقربتين ونصف من قرب الحجاز وواحدتها لا تزيد غالبا على مائة رطل بغدادي وسيأتي بيانه في زكاة النابت
وهجر بفتح الهاء والجيم فرية بقرب المدينة النبوية
والقلتان بالمساحة في المربع ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا بذراع الآدمي وهو شبران تقريبا
والمعنى بالتقريب في الخمسمائة أنه لا يضر نقص رطلين على ما صححه النووي في روضته
لكنه صحح في تحقيقه ما جزم به الرافعي أنه لا يضر نقص قدر لا يظهر بنقصه تفاوت في التغير بقدر معين من الأشياء المغيرة
( فأن غيره ) ولو يسيرا أو تغيرا تقديريا ( فنجس ) بالإجماع المخصص للخبر السابق
ولخبر الترمذي وغيره الماء لا ينجسه شيء فلو تغير بجيفة على الشط لم يؤثر كما أفهمه التقييد بالملاقاة وإنما التغير اليسير بالنجس بخلافه في الطاهر لغلظ أمره أما إذا غير بعضه فالمتغير نجس وكذا الباقي إن لم يبلغ قلتين
( فأإن زال تغيره ) الحسى أو التقديري ( بنفسه ) أي لا بعين كطول مكث ( أو بماء ) انضم إليه ولو نجسا أو أخذ منه والباقي قلتان ( طهر ) لانتفاء علة التنجس ولا يضر عود تغيره إذا خلا عن نجس جامد
أما إذا زال حسا بغيرهما كمسك وتراب وحل فلا يطهر للشك في أن التغير زال أو استتر بل الظاهر أنه استتر
فإن صفا الماء ولا تغير به طهر ( و ) الماء ( دونهما ) أي القلتين ولو جاريا ( ينجس كرطب غيره ) كزيت
وإن كثر ( بملاقاته ) أي النجس أو الماء فلمفهوم خبر القلتين السابق المخصص لمنطوق خبر الماء لا ينجسه شيء السابق
نعم إن ورد على النجاسة
ففيه تفصيل يأتي في بابها
وأما غير الماء في الرطب فبالأولى وفارق كثير الماء كثير غيره بأن كثيره قوي ويشق حفظه من النجاسة غيره وإن كثر وخرج بالرطب الجاف
وتعبيري برطب أعم من تعبيره بمائع ( لا بملاقاة ميتة لا يسيل دمها ) عند شق عضو منها في حياتها كذباب وخنفساء ( ولم تطرح ) فيه ( و ) لا بملاقاة ( نجس لا يدركه طرف ) أي بصر لقلته كنقطة بول ( و ) لا بملاقاة ( نحو ذلك ) كقليل من شعر نجس ومن دخان نجاسة وكغبار سرجين وحيوان متنجس المنفذ غير آدمي وذلك لمشقة الاحتراز عنها
ولخبر البخاري إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء
زاد أبو داود وأنه يتقي بجناحيه الذي فيه الداء وقد يفضي غمسه إلى موته فلو نجس لما أمر به وقيس بالذباب ما في معناه فإن غيرته الميتة لكثرتها أو طرحت في تنجس وقولي ولم تطرح ونحو ذلك من زيادتي وتعتبر القلة بالعرف ( فإن بلغهما ) أي الماء النجس القلتين ( بماء ولا تغير ) به
____________________
(1/12)
( فطهور ) لما مر
فإن لم يبلغهما أو بلغهما بغير ماء أو به متغيرا لم يطهر لبقاء علة التنجس ( والتغير المؤثر ) بطاهر أو نجس تغير ( طعم أو لون أو ريح ) خرج بالمؤثر بطاهر التغير اليسير به وبالمؤثر بنجس التغير بجيفة قرب الماء وقد مر
ويعتبر في التغير التقديري بالطاهر المخالف الوسط المعتدل وبالنجس المخالف الأشد ( ولو اشتبه ) على أحد ( طاهر أو طهور بغيره ) من ماء أو غيره كما أفاده كلامه في شروط الصلاة ( اجتهد ) فيهما جوازا إن قدر على طاهر أو طهور بيقين كما مر
ووجوبا إن لم يقدر وخاف ضيق الوقت وذلك بأن يبحث عما يبين النجس مثلا من الأمارات كرشاش حول إنائه أو قرب كلب منه هذا ( إن بقيا ) وإلا فلا اجتهاد خلافا لما صححه الرافعي فيما إذا تلف أحدهما
وشمل ما ذكر الأعمى لأنه يدرك الأمارة باللمس وغيره ومن قدر على طاهر أو طهور بيقين كما مر لجواز العدول إلى المظنون مع وجود المتيقن كما في الأخبار فإن الصحابة كان بعضهم بسمع من بعض مع قدرته على المتيقن وهو سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ( واستعمل ما ظنه ) بالاجتهاد مع ظهور الأمارة ( طاهرا أو طهورا )
وتعبيري بطاهر أعم من تعبيره بماء طاهر
وذكر الاجتهاد في اشتباه الطهور بالمستعمل وبالتراب النجس مع التقييد ببقاء المشتبهين من زيادتي ( لا ) إن اشتبه عليه ( ماء بول ) مثلا فلا يجتهد إلا لا أصل للبول في التطهير ليرد بالاجتهاد إليه بخلاف الماء
( بل ) هنا وفيما يأتي للانتقال من غرض إلى آخر لا للإبطال ( يتيمم بعد تلف ) لهما أو لأحدهما ولو صب شيء منه في الآخر فإن يتيمم قبله أعاد ما صلاه بالتيمم لأنه تيمم بحضرة ماء متيقن الطهارة مع تقصيره بترك إعدامه
وكذا الحكم فيما لو اجتهد في الماءين فتحير وللأعمى في هذا التقليد دون البصير
قال في المجموع فإن لم يجد من يقلده أو وجده فتحير تيمم
وتعبيري بالتلف أعم من تعبيره بالخلط ( ولا ) إن اشتبه عليه ماء و ( ماء ورد ) فلا يجتهد لما مر في البول ( بل يتوضأ بكل ) من الماء وماء الورد ( مرة ) ويعذر في تردده في النية للضرورة ( وإذا ظن طهارة أحدهما ) أي الماءين بالاجتهاد ( سن ) له قبل استعماله ( إراقة الآخر ) إن لم يحتج إليه لنحو عطش لئلا
____________________
(1/13)
يغلط فيستعمله أو يتغير اجتهاده فيشتبه عليه الأمر
وذكر سن الإراقة من زيادتي ( فإن تركه ) وبقي بعض الأول ( وتغير ظنه ) باجتهاده ثانيا ( لم يعمل بالثاني ) من الاجتهادين لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد إن غسل ما أصابه به الأول ويصلى بنجاسة إن لم يغسله ( بل يتيمم ) بعد التلف ( ولا يعيد ) ما صلاه بالتيمم
فإن لم يبق من الأول شيء وقلنا بجواز الاجتهاد على ما اقتضاه كلام الرافعي فلا إعادة إذ ليس معه ماء متيقن الطهارة وهده مسألة المنهاج لذكره الخلاف فيها وهي إنما تأتي على طريقة الرافعي هذا
والأولى حمل كلام المنهاج ليأتي على طريقته أيضا على ما إذا بقي بعض الأول ثم تغير اجتهاده ثم تلف الباقي دون الآخر ثم تيمم إذ قضية كلام المجموع ترجيح عدم الإعادة في ذلك أيضا
( ولو أخبره بتنجسه ) أي الماء أو غيره ( عدل رواية ) كعبد أو امرأة فاسق وصبي ومجهول ومجنون حالة كونه ( مبينا للسبب ) في تنجسه كولوغ كلب ( أو فقيها ) بما ينجس ( موافقا ) للمخبر في مذهبه في ذلك وإن لم يبين السبب ( اعتمده ) بخلاف غير الفقيه أو الفقيه المخالف أو المجهول مذهبه فلا يعتمد من غير تبيين لذلك لاحتمال أن يخبر بتنجيس ما لم ينجس عند المخبر ( ويحل استعمال واتخاذ ) أي اقتناء ( كل إناء طاهر ) من حيث إنه طاهر في الطهارة وغيرها بالإجماع وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم من شن من جلد ومن قدح من خشب ومن مخضب من حجر فلا يرد مغصوب وجلد الآدمي ونحوهما وخرج بالطاهر النجس كالمتخذ من ميتة فيحرم استعماله في ماء قليل ومائع لا في جاف والإناء جاف أو في ماء كثير لكنه يكره
ودخل فيه النفيس كياقوت فيحل استعماله واتخاذه لأن ما فيه من الخيلاء وكسر قلوب الفقراء لا يدركه إلا الخواص لكنه يكره ( إلا إناء كله أو بعضه ) المزيد على الأصل ( ذهب أو فضة فيحرم ) استعماله واتخاذه مع الرجال والنساء لعين الذهب والفضة مع الخيلاء
ولقوله صلى الله عليه وسلم لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما رواه الشيخان
ويقاس بما فيه ما في معناه ولأن اتخاذه يجر إلى استعماله ( كمضبب بأحدهما وضبة الفضة كبيرة لغير حاجة ) بأن كانت لزينة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة فيحرم استعماله واتخاذه
____________________
(1/14)
وإنما حرمت ضبة الذهب مطلقا لأن الخيلاء فيه أشد من الفضة
وخالف الرافعي فسوى بينهما في التفصيل ولا تشكل حرمة استعمال الذهب والفضة بحل الاستنجاء بهما لأن الكلام ثم في قطعة ذهب أو فضة لا فيما طبع أو هيىء منهما لذلك كالإناء المهيأ أنهما للبول فيه
والجواب بأن كلامهم ثم إنما هو في الإجزاء ينافيه ظاهر تعبير الشيخين وغيرهما
ثم بالجواز إلا أن يحمل كلام المجيب على ما طبع أو هيء لذلك
وكلام غيره على غير ذلك ( فإن كانت صغيرة لغير حاجة ) بأن كانت لزينة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة ( أو كبيرة لها ) أي للحاجة ) كره ) ذلك وإن كانت محل الاستعمال للزينة في الأولى وللكبر في الثانية وجاز للصغر في الأولى وللحاجة في الثاني
والأصل في الجواز ما رواه البخاري أن قدحه صلى الله عليه وسلم الذي كان يشرب فيه كان مسلسلا بفضة لانصداعه أي مشعبا بخيط من فضة لانشقاقه
والتصريح بذكر الكراهة من زيادتي وخرج بغير حاجة الصغيرة لحاجة فلا تكره للخبر المذكور وأصل ضبة الإناء ما يصلح به خلله من صفيحة وغيرها
وإطلاقها على ما هو للزينة توسع ومرجع الكبيرة والصغيرة العرق وقيل الكبيرة ما تستوعب جانبا من الإناء كشفة أو أذن
والصغيرة دون ذلك
فإن شك في الكبر فالأصل الإباحة
والمراد بالحاجة غرض الإصلاح لا العجز عن غير الذهب والفضة لأن العجز عن غيرهما يبيح استعمال الإناء الذي كله ذهب أو فضة فضلا عن المضبب به
وقولي كالمحرر لغير حاجة أعم من قول المنهاج لزينة لما مر ( ويحل نحو نحاس ) بضم النون أشهر من كسرها ( موه ) أي طلي ( بنقد ) أي بذهب أو فضة ( لا عكسه ) بأن موه ذهب أو فضة بنحو نحاس أي فلا يحل ( إن لم يحصل من ذلك شيء بالنار فيهما ) لقلة المموه به فكأنه معدوم بخلاف ما إذا حصل منه شيء بها لكثرته والتصريح بالثانية مع التقييد فيهما من زيادتي والتقسد صرح الشيخان في الأولى وابن الرفعة وغيره في الثانية أخذا من كلام الإمام
باب الأحداث جمع حدث والمراد به عند الإطلاق كما هنا الأصغر غالبا
وهو لغة الشيء الحادث وشرعا يطلق على أمر اعتباري يقوم بالأعضاء يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص وعلى الأسباب التي ينتهي بها الطهر وعلى المنع المترتب على ذلك
والمراد هنا الثاني وتعبير الأصل بأسباب الحدث يقتضي تفسير الحدث بغير الثاني إلا أن تجعل الإضافة بيانية ( هي ) أربعة أحدها ( خروج غير منيه ) أي المتوضىء الحي عينا أو ريحا طاهرا أو نجسا جافا أو رطبا
____________________
(1/15)
معتادا كبول أو نادرا كدم انفصل أولا ( من فرج ) دبرا كان أو قبلا ( أو ) من ( ثقب ) بفتح المثلثة وضمهما ( تحت معدة ) بفتح الميم وكسر العين على الأفصح ( والفرج منسد ) لقوله تعالى { أو جاء أحد منكم من الغائط } الآية
ولقيام الثقب المذكور مقام المنسد والغائط المكان المطمئن من الأرض تقضي فيه الحاجة
سمي باسمه الخارج للمجاورة وخرج بالفرج والثقب المذكورين خروج شيء من بقية بدنه كدم فصد وخارج من ثقب فوق المعدة أو فيها أو محاذيها ولو مع انسداد الفرج أو تحتها مع انفتاحه فلا نقض به لأن الأصل عدم النقض ولأن الخارج في الأخيرة لا ضرورة إلى مخرجه وفيما عداها بالقيء أشبه إذ ما تحيله الطبيعة تلقيه إلى أسفل وهذا في الانسداد العارض
أما الخلقي فينقض معه الخارج من الثقب مطلقا والمنسد حينئذ كعضو زائد من الخنثى ولا وضوء بمسه ولا غسل بإيلاجه ولا بالإيلاج فيه
قاله الماوردي قال في المجموع ولم أر لغيره تصريحا بموافقته أو مخالفته وحيث أقيم الثقب مقام المنسد فليس له حكمه من أجزاء الحجر وإيجاب الوضوء بمسه والغسل بالإيلاج به أو الإيلاج فيه وإيجاب ستره وتحريم النظر إليه فوق العورة لخروجه عن مظنة الشهوة ولخروج الاستنجاء بالحجر عن القياس
فلا يتعدى الأصلي والمعدة مستقر الطعام من المكان المنخسف تحت الصدر إلى السرة
والمراد بها هنا السرة أما منيه الموجب للغسل فلا ينقض الوضوء كأن أمني بمجرد نظر لأنه أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل بخصوصه
فلا يوجب أدونهما بعمومه كزنا المحصن وإنما أوجبه الحيض والنفاس مع إيجابهما الغسل لأنهما يمنعان صحة الوضوة مطلقا فلا يجامعانه بخلاف خروج المني يصح معه الوضوء في صورة سلس المني فيجامعه
ودخل في غير منيه مني غيره فنيقض
فتعبيري بمنيه أولى من تعبيره بالمني
( و ) ثانيها ( زوال عقل ) أي تمييز بجنون أو إغمار أو نوم أو غيرها لخبر أبي داود وغيره العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ وغير النوم مما ذكر أبلغ منه في الذهول الذي هو مظنة لخروج شيء من الدبر كما أشعر بها الخبر إذ السه الدبر ووكاؤه حفاظه عن أن يخرج شيء منه لا يشعر به
والعينان كناية عن اليقظة وخرج بزوال العقل النعاس وحديث النفس وأوائل نشوة السكر فلا نقض بها
ومن عامات النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه ( لا ) زواله ( بنوم ممكن مقعده ) أي ألييه من مقره من أرض أو غيرها فلا نقض من خروج
____________________
(1/16)
شيء حينئذ من دبره ولا عبرة باحتمال خروج ريح من قبله لندرته
ودخل في ذلك ما لو نام محتبيا أي ضاما ظهره وساقيه بعمامة أو غيرها فلا نقض به ولا تمكين لمن نام قاعدا هزيلا بين بعض مقعده ومقره تجاف كما نقله في الشرح الصغير عن الروياني وأقره وأن اختار في المجموع أنه لا ينقض وصححه في الروضة ولا تمكين لمن نام على قفاه ملصقا مقعده بمقره
( و ) وثالثها ( تلاقي بشرتي ذكر وأنثى ) ولو خصيا وعنينا وممسوحا كان أحدهما ميتا لكن لا ينتقض وضوءه وذلك لقوله تعالى { أو لامستم النساء } أي لمستم كما قرىء به لا جامعتم لأنه خلاف الظاهر
واللمس الجس باليد بغيرها أو الجس باليد وألحق غيرها بها وعليه الشافعي
والمعنى في النقض به أنه مظنة التلذذ المثير للشهوة وسواء في ذلك اللامس والملموس كما أفهمه التعبير بالتلاقي لاشتراكهما في لذة اللمس كالمشتركين في لذة الجماع سواء أكان التلاقي عمدا أم سهوا بشهوة أو بدونها بعضو سليم أو أشل أصلى أو زائد من أعضاء الوضوء أو غيرها بخلاف النقض بمس الفرج والبشرة ظاهر الجلد وفي معناه اللحم كلحم الأسنان
وخرج بها الحائل ولو رقيقا والشعر والسن والظفر إذ لا يلتذ بلمسها وبذكر وأنثى الذكران والأنثيان والخنثيان والخنثى والذكر أو الأنثى والعضو البان لانتفاء مظنة الشهوة ( بكبر ) أي مع كبرهما بأن بلغا حد الشهوة عرفا
وإن انتفت لهرم ونحوه اكتفاء بمظنتها بخلاف التلاقي مع الصغر لا ينقض لانتفاء مظنتها ( لا ) تلاقي بشرتي ذكر وأنثى ( محرم ) له بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا ينقض لانتفاء مظنة الشهوة
( و ) رابعها ( مس فرج آدمي أو محل قطعه ) ولو صغيرا أو ميتا من نفسه أو غيره عمدا أو سهوا قبلا كان الفرج أو دبرا سليما أو أشل متصلا أو منفصلا ( ببطن كف ) ولو شلاء لخبر
____________________
(1/17)
من مس فرجه فليتوضأ
رواه الترمذي وصحيحه ولخبر ابن حبان في صحيحه إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ ومس فرج غيره أفحش من مس فرجه لهتكه حرمة غيره ولأنه أشهى له
ومحل القطع في معنى الفرج لأنه أصله وخرج بالآدمي البهيمة فلا نقض بمس فرجها إذ لا حرمة لها في وجوب ستره وتحريم النظر إليه ولا تعبد عليها وببطن الكف غيره كرؤوس الأصابع وما بينهما وحرفها أو حرف الراحة واختص الحكم ببطن الكف وهو الراحة مع بطون الأصابع لأن التلذذ إنما يكون به
ولخبر الإفضاء باليد السابق إلا الإفضاء بها لغة المس ببطن الكف فيتقيد به إطلاق المس في بقية الأخبار
والمراد بفرج المرأة الناقض ملتقي شفريها على المنفذ وبالدبر ملتقى منفذه ووببطن الكف ما يستتر عند وضع إحدى الراحتين على الأخرى مع تحامل يسير
( وحرم بها ) أي بالإحداث أي بكل منها حيث لا عذر ( صلاة ) إجماعا
ولخبر الصحيحين لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ
وفي معناها خطبة الجمعة وسجدتا التلاوة والشكر ( وطواف ) لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ له وقال لتأخذوا عني مناسككم رواه مسلم
ولخبر الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير رواه الحاكم
وقال صحيح على شرط مسلم ( ومس مصحف ) بتثليث ميمه ( و ) مس ( ورقه ) قال تعالى { لا يمسه إلا المطهرون } أي المتطهرون وهو خبر بمعنى النهي والحمل أبلغ من المس
نعم إن خاف عليه غرقا أو حرقا أو كافرا أو نحوه جاز حمله بل قد يجب
وخرج بالمصحف غيره كتوراة وإنجيل ومنسوخ تلاوة من القرآن فلا يحرم ذلك ( و ) مس ( جلده ) المتصل به لأنه كالجزر منه
فإن انفصل عنه فقضية كلام البيان الحل وبه صرح الأسنوي
لكن نقل الزركشي عن عصارة المختصر للغزالي أنه يحرم أيضا
وقال ابن العماد إنه الأصح
( و ) مس ( ظرفه ) كصندوق ( وهو فيه ) لشبهه بجلده وعلاقته كظرفه ( و )
____________________
(1/18)
مس ( ما كتب عليه قرآن لدرسه ) كلوح لشبهه بالمصحف بخلاف ما كتب لغير ذلك كالتمائم وما على النقد ( وحل حمله في متاع ) تبعا له بقيد زدته بقولي ( إن لم يقصد ) أي المصحف بأن قصد المتاع وحده أو لم يقصد شيء بخلاف ما إذا قصد ولو مع المتاع وإن اقتضى كلام الرافعي الحل فيما إذا قصدهما
وتعبيري بمتاع أولى من تعبيره بأمتعة ( و ) في ( تفسير ) لأن المقصود دون القرآن ومحله إذا كان ( أكثر ) من القرآن فإن كان القرآن أكثر أو تساويا حرم ذلك
وحيث لم يحرم يكره وقولي أكثر من زيادتي وبما تقرر علم أنه يحل حمله في سائر ما كتب هو عليه لا لدراسة كالدنانير الأحدية ( و ) حل ( قلب ورقة يعود ) أو نحوه لأنه ليس بحمل ولا في معناه بخلاف ما لو قلبه بيده ولو بلف خرقة عليها
( ولا يجب منع صبي مميز ) ولو جنبا مما ذكر من الحمل والمس لحاجة تعلمه ومشقة استمراره متطهرا فمحل عدم الوجوب إذا كان ذلك للدراسة والتصريح بعدم الوجوب وبالمميز من زيادتي
وخرج بالمميز غيره فلا يمكن من ذلك وتحرم كتابة مصحف بنجس ومسه بعضو نجس والسفر به إلى بلاد الكفر
( ولا يرتفع يقين طهر أو حدث بظن ضده ) ولا بالشك فيه
المفهوم بالأولى وهما مراد الأصل بتعبيره بالشك المحمول على مطلق التردد فيأخذ باليقين استصحابا له ولخبر مسلم إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا فمن ظن الضد لا يعمل بظنه لأن ظن استصحاب اليقين أقوى منه
وقال الرافعي يعمل بظن الطهر بعد تيقين الحدث قال في الكفاية ولم أره لغيره وأسقطه من الروضة
____________________
(1/19)
( فلو تيقنهما ) أي الطهر والحدث كأن وجدا منه بعد الفجر ( وجهل السابق ) منهما ( فضد ما قبلهما ) يأخذ به فإن كان قبلهما محدثا فهو الآن محدث إن اعتاد التجديد لأنه تيقن الحدث وشك في رافعه والأصل عدمه بخلاف ما إذا لم يعتده كما زدت ذلك بقولي ( لا ضد الطهر ) فلا يأخذ به ( إن لم يعتد تجديده ) بل يأخذ بالطهر لأن الظاهر تأخر طهره عن حدثه بخلاف من اعتاده فإن لم يتذكر ما قبلهما فإن اعتاد التجديد لزمه الوضوء لتعارض الاحتمالين بلا مرجح ولا سبيل إلى الصلاة مع التردد المحض في الطهر وإلا أخذ بالطهر ثم ما ذكر من التفصيل بين التذكر وعدمه هو ما صححه الرافعي والنووي في الأصل والتحقيق لكنه صحح في المجموع والنتقيح لزوم الوضوء بكل حال وقال في الروضة إنه الصحيح عند جماعات من محققي أصحابنا
فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء ( سن لقاضي الحاجة ) من الخارج من قبل أو دبر برأي لمريد قضائها ( أن يقدم يساره لمكان قضائها ويمينه لانصرافه ) عنه لمناسبة اليسار للمستقذر واليمين لغيره والتصريح بالسنية من زيادتي وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بقوله يقدم داخل الخلاء يساره والخارج يمينه
( و ) أن ( ينحى ) عنه ( ما عليه معظم ) من قرآن أو غيره كاسم نبي تعظيما له وحمله مكروه لا حرام
قاله في الروضة وتعبيري بذلك أعم وأولى من قوله ولا يحمل ذكر الله ( و ) أن ( يعتمد ) في قضاء الحاجة ولو قائما ( يساره ) ناصبا يمناه بأن يضع أصابعها على الأرض ويرفع باقيها لأن ذلك أسهل لخروج الخارج ولأنه المناسب هنا
وقول الأصل ويعتمد جالسا يساره جرى على الغالب وبعضهم أخذ بمقتضاه
فقال ويعتمدهما قائما وما قلناه أوجه ( و ) أن ( لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ) في غير المعد لذلك ( بساتر ) أي مع مرتفع ذراع بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل ذراع الآدمي ولو بآرخاء ذيله ويكرهان حنيئذ كما جزم به الرافعي في تذنيبه تبعا للمتولى واختار في المجموع أنهما خلاف الأولى لا مكروهان ( ويحرمان بدونه ) أي الساتر ( في غير معد ) لذلك
قال صلى الله عليه وسلم إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا رواه الشيخان
ورويا أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قضى حاجته في بين حفصة مستقبل الشام مستدبر الكعبة وروى ابن ماجة وغير بإسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم ذكر عنده أن ناسا يكرهون استقبال القبلة
____________________
(1/20)
بفروجهم فقال أوقد فعلوها حولوا بمقعدتي إلى القبلة فجمع أئمتنا أخذا من كلام الشافعي رضي الله عنه بين هذه الأخبار بحمل أولها المفيد للتحريم على ما يستتر فيه بما ذكر لأنه لسعته لا يشق فيه اجتناب الاستقبال والاستدبار بخلاف ما استتر فيه بذلك فقد يشق فيه اجتناب ما ذكر فيجوز فعله كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز
وإن كان الأولى لنا تركه أما إذا كان في المعد لذلك فلا حرمة فيه ولا كراهة ولا خلاف
الأولى قاله في المجموع وتقييدي بالساتر في الشق الأول وبعدمه في الثاني مع التقييد فيهما بغير المعد لذلك من زيادتي ( و ) أن ( يبعد ) عن الناس في الصحراء ونحوها إلى حيث لا يسمع للخارج منه صوت ولا يشم له ريح ( و ) أن ( يستتر ) عن أعينهم في ذلك بمرتفع ثلثي ذراع فأكثر بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل ولو بارخاء ذيله إن كان بصحراء أو بناء لا يمكن تسقيفه فإن كان ببناء مسقف أو يمكن تسقيفه حصل الستر بذلك ذكره في المجموع وفيه أن هذا الأدب متفق على استحبابه
وظاهر أن محله إذا لم يكن ثم من لا يغض بصره عن نظر عورته ممن يحرم عليه نظرها وإلا وجب عليه الاستتار وعليه يحمل قول النووي في شرح مسلم يجوز كشف العورة في محل الحاجة في الخلوة كحاجة الاغتسال والبول ومعاشرة الزوجة أما بحضرة الناس فيحرم كشفها ( و ) أن ( يسكت ) حال قضاء حاجته عن ذكر وغيره فالكلام عنده مكروه إلا لضرورة كانذار أعمى فلو عطس حمد الله تعالى بقلبه ولا يحرك لسانه وقد روي ابن حبان وغيره خبر النهي عن التحدث على الغائط ( و ) أن ( لا يقضي ) حاجته ( في ماء راكد ) للنهي عن البول فيه في خبر مسلم ومثله الغائط بل أولى والنهي في ذلك للكراهة
وإن كان الماء قليلا لإمكان طهره بالكثرة أما الجاري ففي المجموع عن جماعة الكراهة في القليل منه دون الكثير
ثم قال وينبغي أن يحرم البول في القليل مطلقا لأن فيه إتلافا عليه وعلى غيره
وأما الكثير فالأولى اجتنابه ( و ) لا في ( حجر ) للنهي عن البول فيه في خبر أبي داود وغيره وهو بضم الجيم وإسكان الحاء الثقب وألحق به السرب بفتح السين والراء وهو الشق
والمعنى في النهي ماقيل إن الجن تسكن ذلك فقد تؤذي من يبول فيه وكالبول الغائط ( ومهب الريح ) لئلا يصيبه رشاش الخارج
( ومتحدث ) للناس ( وطريق ) لخبر مسلم اتقوا اللعانين قالوا وما اللعانان قال الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم تسببا بذلك في لعن الناس لهما كثيرا عادة فنسب إليهما بصيغة المبالغة
والمعنى احذروا سببي اللعن المذكور وألحق بظل الناس في الصيف مواضع اجتماعهم في الشمس في الشتاء وشملهما لفظ متحدث بفتح الدال أي مكان التحدث قال في المجموع وغيره وظاهر كلامهم أن التغوط في الطريق المكروه وينبغي تحريمه لما فيه من إيذاء المسلمين ونقل في الروضة كأصلها في الشهادات عن صاحب العدة أنه حرام وأقره
وكالطريق فيما قاله المتحدث ( وتحت ما ) أي شجر ( يثمر ) صيانة للثمرة الواقعة عن التلويث فتعافها الأنفس ولا فرق بين وقت الثمرة وغيره
( و ) أن ( لا يستنجي بماء في مكانه )
____________________
(1/21)
بقيد زدته بقولي ( إن لم يعد ) لذلك بل ينتقل عنه لئلا يصيبه رشاش ينجسه بخلاف المعد لذلك
والمستنجي بالحجر ( و ) أن ( يستبرىء من بوله ) عند انقطاعه بتنحنح ونتر ذكر وغير ذلك
وإنما لم يجب لأن الظاهر من انقطاع البول عدم عوده
وقال القاضي بوجوبه وهو قوي دليلا ( و ) أن ( يقول عند وصوله ) مكان قضاء حاجته ( بسم الله ) أي أتحصن من الشيطان ( اللهم ) أي يا الله ( إني أعوذ ) أي أعتصم ( بك من الخبث والخبائث و ) عند ( انصرافه ) عنه ( غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ) أي منه للاتباع
رواه في الأول ابن السكن وغيره وفي الثاني النسائي
والخبث بضم الخاء والباء جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة
والمراد ذكر أن الشياطين وإناثهم وسبب سؤاله المغفرة عند انصرافه تركه ذكر الله تعالى في تلك الحالة أو خوفه من تقصيره في شكر نعم الله تعالى التي أنعمها عليه فأطعمه ثم هضمه ثم سهل خروجه وبقيت آداب مذكورات في المطولات
( ويجب استنجاء ) وهو من نجوت الشيء أي قطعته
فكأن المستنجي يقطع به الأذى عن نفسه ( من خارج ملوث لامني ) ولو نادرا كدم إزالة للنجاسة ( بماء ) على الأصل ( أو بجامد طاهر قالع غير محترم كجلد دبغ )
ولو من غير مذكي وحشيش وخزف لأنه صلى الله عليه وسلم جوزه حيث فعله كما رواه البخاري وأمر به بقوله فيما رواه الشافعي وليستنج بثلاثة أحجار
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار وقيس بالحجر غيره مما في معناه
والمدبوغ انتقل بالدبغ عن طبع اللحوم إلى طبع الثياب وخرج بالملوث غيره كدود وبعر بلا لوث فلا يجب الاستنجاء منه لفوات مقصوده من إزالة النجاسة أو تخفيفها
لكنه يسن خروجا من الخلاف وبزيادتي لامني المني فكذلك
لذلك وبالجامد المائع غير الماء فلا يجزىء الاستنجاء بواحد مما ذكر ويعصي به في المحترم
روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالعظم وقال فإنه طعام إخوانكم يعني من الجن فمطعوم الإنس كالخبز أولى ولأن القصب الأملس ونحوه لا يقلع وغير المدبوغ نجس أو محترم لأنه مطعوم وإنما يجزىء الجامد ( بشرط أن يخرج ) الملوث ( عن فرج ) هذا من زيادتي فلا يجزىء الجامد في الخارج من غيره كثقب منفتح وكذا في قبلي المشكل
( و ) أن ( لا يجف ) فإن جف تعين الماء ( و ) أن ( لا يجاوز صفحة ) في الغائط وهي ما ينضم من الأليين عند القيام
( وحشفة ) في البول وهي ما فوق الختان وإن انتشر الخارج فوق العادة لما صح أن المهاجرين أكلوا التمر لما هاجروا ولم يكن ذلك عادتهم فرقت بطونهم ولم يؤمر بالاستنجاء بالماء
ولأن ذلك يتعذر ضبطه فنيط الحكم بالصفحة والحشفة فإن جاوزهما لم يجز الجامد لخروج ذلك عما تعم به البلوى وفي معناه وصول بول الثيب مدخل الذكر ( و ) أن ( لا يتقطع ) وإن لم يجاوزهما فإن تقطع تعين الماء في المتقطع أو
____________________
(1/22)
أجزأ الجامد في غيره ذكره في المجموع وغيره وهذا من زيادتي ( و ) أن ( لا ينتقل ) الملوث عن المحل أصابه عند الخروج واستقر فيه ( و ) أن ( لا يطرأ ) عليه ( أجنبي ) من نجس أو طاهر رطب فإن انتقل الملوث أو طرأ ما ذكر تعين الماء
( و ) أن ( يمسح ثلاثا ) ولو بأطراف حجر
روى مسلم عن سلمان قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار
وفي معناها ثلاثة أطراف حجر بخلاف رمي الجمار لا يكفي حجر له ثلاثة أطراف عن ثلاثة رميات لأن المقصود ثم عدد الرمي وهنا عدد المسحات
( و ) أن ( يعم ) المحل ( كل مرة ) ليصدق بتثليث المسح
وإن كان ظاهر كلام الأصل سن ذلك ( و ) أن ( ينقي ) المحل فإن لم ينقه بالثلاث وجب إنقاء بالزيادة عليها إلى أن لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء أو صغار الخزف ( وسن إيتار ) بواحدة بعد الإنقاء إن لم يحصل بوتر
قال صلى الله عليه وسلم إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا رواه الشيخان
( و ) سن ) أن يبدأ بالأول من مقدم صفحة يمنى ) ويديره قليلا قليلا إلى أن يصل ( إليه ) أي إلى مقدمها الذي بدأ منه
( ثم بالثاني من ) مقدم صفحة ( يسرى كذلك ثم يمر الثالث على الجميع ) أي على الصفحتين والمسربة جميعا والتصريح بهذه الكيفية من زيادتي
( و ) سن ( استنجاء بيسار ) للاتباع رواه أبو داود وغيره
وروى مسلم نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي باليمين ( وجمع ماء وجامد ) بأن يقدمه على الماء فهو أولى من الاقتصار على أحدهما لأن العين تزول بالجامد والأثر بالماء من غير حاجة إلى مخامرة عين النجاسة
وقضيته أنه لا يشترط طهارة الجامد حينئذ وأنه يكتفي بدون الثلاث مع الإنقاء وهو كذلك
باب الوضوء هو بضم الواو الفعل
وهو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحا بنية وهو المراد هنا وبفتحها ما يتوضأ به
وقيل بفتحها فيهما وقيل بضمها كذلك
والأصل فيه قبل الإجماع ما يأتي وخبر مسلم لا يقبل الله صلاة بغير طهور
( فروضه ) ستة أحدها ( نية رفع حدث ) على الناوي أي رفع حكمه كحرمة الصلاة لأن القصد من الوضوء رفع مانع الصلاة ونحوها فإذانواه فقد تعرض للقصد سواء أنوى رفع جميع أحداثه أم بعضها وإن نفى بعضها الآخر
فلو نوى غير ما عليه كأن بال ولم ينم فنوى رفع حدث النوم فإن كان عامدا لم يصح أو غالطا صح هذا ( لغير دائمه ) أي الحدث أما دائمه
____________________
(1/23)
فلا تكفيه نية الرفع وما في معناها من نية الطهارة عنه لبقاء حدثه ( أو ) نية ( وضوء ) ولو بدون أداء وفرض فهي أعم من قول الأصل أو أداء فرض الوضوء ( أو ) نية ( وضوء ) ولو بدون أداء فرض فهي أعم من قول الأصل أو أداء فرض الوضوء ( أو ) نية ( استباحة مفتقر إليه ) أي الوضوء كصلاة ومس مصحف بخلاف نية غير مفتقر إليه لإباحته مع الحدث فلا يتضمن قصده قصد رفع الحدث سواء أسن له الوضوء كقراءة قرآن أو حديث
أم لا كدخول سوق وسلام على أمير
والنية شرعا قصد الشيء مقترنا بفعله فإن تراخى عنه سمي عزما ومحلها القلب
والأصل فيها خبر الصحيحين إنما الأعمال بالنيات
وتعبيري بإليه أي الوضوء أولى من تعبيره بإلى طهر لأنه يوهم صحة الوضوء بنية المكث بالمسجد
مثلا لأنه يتوقف على طهر وهو الغسل مع أنه لا يصح ( مقرونة بأول غسل الوجه ) فلا يكفي قرنها بما بعد الوجه لخلو أول المغسول وجوبا عنها ولا بما قبله لأنه سنة تابعة للواجب
نعم إن انغسل معه بعض الوجه كفى لكن إن لم يقصد به الوجه وجب إعادته ولو وجدت النية في أثناء غسل الوجه دون أوله كفت ووجب إعادة المغسول منه قبلها كما في المجموع فوجوب قرنها بالأول ليعتد به وقولي غسل من زيادتي ( وله تفريقها على أعضاءها ) أي الوضوء كأن ينوي عند غسل وجهه رفع الحدث عنه
وهكذا كماله تفريق أفعال الوضوء ( و ) له ( نية تبرد ) أو تنظف ( معها ) أي مع نية شيء مما مر لحصوله من غير نية
( و ) ثانيها ( غسل وجهه ) قال تعالى { فاغسلوا وجوهكم } وهو طولا ( ما بين منابت ) شعر ( رأسه ) أي التي من شأنها أن ينبت فيها شعره ( وتحت منتهى لحييه ) بفتح اللام على المشهور وهما العظمان اللذان ينبت عليهما الأسنان السفلى
( و ) عرضا ( ما بين أذنيه ) لأن المواجهة المأخوذ منها الوجه تقع بذلك
والمراد ظاهر ما ذكر إذ لا يجب غسل داخل العين ولا يسن وزدت تحت ليدخل في الوجه منتهى اللحيين ( فمنه محل غمم ) وهو ما ينبت عليه الشعر من الجبهة إذ لا عبرة بنباته في غير منبته كما لا عبرة بانحسار شعر الناصية ( لا ) محل ( تحذيف ) بمعجمه وهو منبت الشعر الخفيف بين ابتداء العذراء والنزعة يعتاد النساء والأشراف تنحية شعره ليتسع الوجه
( و ) لا ( نزعتان ) بفتح الزاي أفصح من إسكانها وهما بياضان يكتنفان الناصية فلا يجب غسل الثلاثة لدخولها في تدوير الرأس ( ويجب غسل شعره ) أي الوجه كهدب وحاجب وسبال وعذار وهو المحاذى للأذن بين الصدغ والعارض ظاهرا أو باطنا وإن كثف ( لا ) غسل ( باطن كثيف خارج عنه ) ولو غير لحية وعارض ( و ) لا باطن كثيف ( لحية ) بكسر اللام أفصح من فتحها
( وعارض ) وإن لم يخرجا عن الوجه ( و ) لا باطن كثيف ( بعضها ) أي الثلاث
( و ) قد ( تميز ) عن بعضها الآخر إن كانت
____________________
(1/24)
من رجل فلا يجب لعسر إيصال الماء إليه فيكفي غسل ظاهرها
أما إذا لم يتميز البعض الكثيف عن الخفيف فيجب غسل الجميع قاله الماوردي في اللحية ومثلها غيرها وإن تعقبه النووي بأنه خلاف ما قاله الأصحاب وإنما وجب غسل باطن بقية الشعور الكثيفة لندرة كثافتها
فألحقت بالغالبة وكلام الأصل يوهم عدم الاكتفاء بغسل ظاهر الخارج الكثيف من غير اللحية وليس مرادا واللحية الشعر النابت على الذقن وهي مجمع اللحيين
والعارض ما ينحط على القدر المحاذى للأذن وذكره مع ما بعده من زيادتي وخرج بالرجل المرأة والخنثى فيجب غسل ذلك كله منهما كما علم أولا لندرتها وندرة كثافتها ولأنه يسن للمرأة نتفها أو حلقها لأنها مثلة في حقها
والأصل في أحكام الخنثى العمل باليقين والخفيف ما ترى بشرته في مجلس التخاطب والكثيف ما يمنع رؤيتها فيه
ولو خلق له وجهان وجب غسلهما أو رأسان كفى مسح بعض أحدهما لأن الواجب في الوجه غسل جميعه فيجب غسل ما يسمى وجها وفي الرأس مسح بعض ما يسمى رأسا
وذلك يحصل ببعض أحدهما
( و ) ثالثها ( غسل يديه ) من كفيه وذراعيه ( بكر مرفق ) بكسر الميم وفتح الفاء أفصح من العكس
لقوله تعالى { وأيديكم إلى المرافق } وللاتباع رواه مسلم
ويجب غسل ما عليهما من شعر وغيره ( فإن قطع بعض يد وجب ) غسل ( ما بقي ) منها لأن الميسور لا يسقط بالمعسور
( أو من مرفقيه ) بأن غسل عظم الذراع وبقي العظمان المسميان برأس العضد
( فرأس ) عظم ( عضده ) يجب غسله لأنه من المرفق إذ لمرفق مجموع العظام الثلاث ( أو ) من ( فوقه سن ) غسل ( باقي عضده ) محافظة على التحجيل وسيأتي
ولئلا يخلو العضو عن طهارة
( و ) رابعها ( مسح بعض بشر رأسه أو ) بعض ( شعر ) ولو واحدة أو بعضها ( في حده ) أي الرأس بأن لا يخرج بالمد عنه من جهة نزوله
فلو خرج به عند منها لم يكف المسح على الخارج قال تعالى { وامسحوا برؤوسكم } وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى العمامة فدل ذلك على الاكتفاء بمسح البعض
لا يقال لو اكتفى بالبعض لاكتفى بمسح الأذنين لخبر الأذنان من الرأس لأنا نعارضه بأنه لو وجب الاستيعاب لوجب مسح الأذنين بعين ما قلتم
فإن قلت صيغة الأمر بمسح الرأس والوجه في التيمم واحدة فهلا أوجبتم التعميم أيضا قلت المسح
ثم بدل للضرورة
وهنا أصل واحترزنا بالضرورة عن مسح الخفين فإنه جوز للحاجة ( وله غسله ) لأنه مسح وزيادة ( و ) له ( بله ) كوضع يده عليه بلا مد لحصول المقصود من وصول البلل إليه
( و ) خامسها ( غسل رجليه بكل كعب ) من كل رجل ولكل منهما كعبان وهما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم لقوله تعالى { وأرجلكم إلى الكعبين }
____________________
(1/25)
وللاتباع رواه مسلم قرىء في السبع أرجلكم بالنصب وبالجر عطفا على الوجوه لفظا في الأول ومعنى في الثاني لجره على الجوار وفصل بين المعطوفين إشارة إلى الترتيب بتقديم مسح الرأس على غسل الرجلين
ويجب غسل ما عليهما من شعر وغيره وغسلهما هو الأصل وسيأتي جواز مسح الخفين بدله
والمراد بغسل الأعضاء المذكورة انغسالها ولا يعلم ذلك إلا بانغسال ملاقيها معها
( و ) سادسها ( ترتيبه هكذا ) أي كما ذكر من البداءة بالوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين للإتباع
رواه مسلم وغيره مع خبر النسائي بإسناد على شرط مسلم أبدءوا بما بدأ الله به
( ولو انغمس محدث ) بنية رفع الجنابة غلطا والحدث أو الطهر عنه أو الوضوء بدله ( أجزأه ) عن الوضوء
وإن لم يمكث زمنا يمكن فيه الترتيب حسا خلافا للرافعي لأن الغسل يكفي للحدث الأكبر فللأصغر أولى ولتقدير الترتيب في لحظات لطيفة ( وسن استياك ) مطلقا لخبر النسائي وغيره السواك مطهرة للفم بفتح الميم وكسره ( و ) سن كونه ( عرضا ) أي في عرض الأسنان لخبر أبي داود إذا استكتم فاستاكوا عرضا ويجزىء طولا
لكنه يكره ذكره في المجموع
نعم يسن الاستياك في اللسان طولا قاله ابن دقيق العيد واستدل له بخبر في سنن أبي داود وقولي وسن الخ أولى من قوله
وسننه السواك عرضا ( بخشن ) كعود وأشنان لأنه المحصل للمقصود بالاستياك وأولاه الأراك ( لا أصبعه ) المتصلة به لأنها لا تسمى سواكا بخلاف المنفصلة وأصبع غيره
واختار في المجموع تبعا للروياني وغيره أن أصبعه الخشنة تكفي لحصول المقصود بها ( و ) لكن ( كره ) الاستياك ( لصائم بعد زوال ) لخبر الشيخين لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك والخلوف بضم الخاء التغير
والمراد الخلوف من بعد الزوال لخبر أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا ثم قال وأما الثانية فإنهم يمسون وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك
رواه أبو بكر السمعاني في أماليه
وقال حديث حسن والمساء بعد الزوال وأطيبية الخلوف تدل على طلب أبقائه فتكره إزالته ولأن التغير قبل الزوال يكون من أثر الطعام غالبا وتزول الكراهة بالغروب ( وتأكد ) الاستياك ( في مواضع كوضوء وصلاة وتغير ) وقراءة ودخول منزل وإرادة نوم وتيقظ منه لخبر ابن خزيمة وغيره لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء وخبر الشيخين لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة أي أمر إيجاب فيهما وخبرهما أيضا
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك أي يدلكه به وخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل البيت بدأ بالسواك ويقاس بما فيها ما في معناه
وقولي وتأكد إلى آخره أولى من قوله ويسن للصلاة وتغير الفم ( وسن لوضوء تسمية أوله ) أي الوضوء للأمر بها وللإتباع في الأخبار الصحيحة
وأما
____________________
(1/26)
خبر لا وضوء لمن لم يسم الله عليه فضعيف أو محمول على الكامل وأقلها بسم الله وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم
( فإن تركت ) عمدا أو سهوا ( ففي أثنائه ) يأتي بها تداركا لها فيقول بسم الله أوله وآخره ولا يأتي بها بعد فراغه كما في المجموع لفوات محلها
والمراد بأوله أول غسل الكفين فينوي الوضوء ويسمى عنده بأن يقرن النية بالتسمية عند أول غسلهما
( فغسل كفيه ) إلى كوعيه وإن تيقن طهرهما للاتباع رواها الشيخان
فالمراد بتقديم التسمية على غسلهما والتصريح به من زيادتي تقديمها على الفراغ منه
( فإن شك في طهرهما كره غمسهما في ماء قليل ) لا كثير ( قبل غسلهما ثلاثا ) لخبر إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده رواه الشيخان
إلا قوله ثلاثا فمسلم أشار بما علل به إلى احتمال نجاسة اليد في النوم وألحق بالنوم غيره في ذلك
أما إذا تيقن طهرهما فلا يكره غمسهما ولا يسن غسلهما قبله والتقييد بالقليل وبالثلاث من زيادتي فلا تزول الكراهة إلا بغسلهما ثلاثا
وإن تيقن طهرهما بالأولى لأن الشارع إذا غيا حكما بغاية فإنما يخرج من عهدته باستيفائها وكالماء القليل غيره من المائعات وإن كثر وقولي فإن شك في طهرهما أولى من قوله فإن لم يتيقن طهرهما الصادق بتيقن نجاستهما مع أنه غير مراد ( فمضمضة فاستنشاق ) للاتباع
رواه الشيخان
وأما خبر تمضمضوا واستنشقوا فضعيف ( وجمعهما ) أفضل من الفصل بينهما بست غرفات لكل منهما ثلاث أو بغرفتين يتمضمض من واحدة منهما ثلاثا ثم يستنشق من الأخرى ثلاثا ( و ) جمعهما ( بثلاث غرف ) يتمضمض ثم يستنشق من كل واحدة منها ( أفضل ) من الجمع بينهما بغرفة يتمضمض منها ثلاثا
ثم يستنشق منها ثلاثا أو يتمضمض منها ثم يستنشق مرة ثم كذلك ثانية وثالثة وذلك للاتباع رواه الشيخان
وعلم من التعبير بالأفضل أن السنة تتأدى بالجميع وهو كذلك وقولي وبثلاث أولى من قوله بثلاث وتقديم المضمضة على الاستنشاق مستحق لا مستحب كما أفادته الفاء لاختلاف العضوين كالوجه واليدين وكذا تقديم غسل الكفين عليهما من زيادتي ( و ) سن مبالغة فيهما لمفطر ) للأمر بذلك في خبر الدولابي والمبالغة في المضمضة أن يبلغ بالماء أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثاث وفي الاستنشاق أن يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم
وخرج بالمفطر الصائم فلا تسن له المبالغة فيهما بل تكره كا ذكره في المجموع
( و ) سن ( تثليث ) لغسل ومسح وتخليل ودلك وذكر كتسمية وتشهد للاتباع في الجميع أخذا من إطلاق خبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا
ورواه أيضا في الأول مسلم وفي الثاني في مسح الرأس أبو داود وفي الثالث البيهقي وفي الخامس في التشهد أحمد وابن ماجه وصرح به الروياني
فتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بتثليث الغسل والمسح
وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين وأنه غسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين ومسح رأسه
____________________
(1/27)
فأقبل بيديه وأدبر مرة واحدة وقد يطلب ترك التثليث كأن ضاق الوقت أو قل الماء ( يقينا ) بأن يبني على الأقل عند الشك عملا بالأصل ( ومسح كل رأسه ) للاتباع رواه الشيخان
والسنة في كيفية مسح الرأس أن يضع يديه على مقدميه ويلصق مسبحته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه ثم يذهب بهماإلى قفاه ثم يردهما إلى المبدأ إن كان له شعر ينقلب وإلا فيقتصر على الذهاب ( أو يتمم ) بالمسح ( على نحو عمامته )
وإن لم يعسر عليه نزعه لخبر مسلم السابق في رابع الفروض والأفضل أن لا يقتصر على أقل من الناصية خروجا من الخلاف وتعبيري بذلك أولى من قوله فإن عسر رفع العمامة كمل بالمسح عليها ( ف ) مسح كل ( أذنيه ) بماء جديد لا يبلل الرأس للاتباع رواه البيهقي
والحاكم وصححاه
والسنة في كيفية مسحهما أن يدخل مسبحتيه في صماخيه ويديرهما على المعاطف ويمر إبهاميه على ظهرهما ثم يلصق كفيه وهما مبلولتان بالأذنين استظهار أو المراد منها أن يمسح برأس مسبحتيه صماخيه وبباطن أنملتيهما باطن الأذنين ومعاطفهما ( وتخليل شعر يكفي غسل ظاهره ) كلحية رجل كثيفة للاتباع رواه الترمذي وصححه
( و ) تحليل ( أصابعه ) لخبر لقيط بن صبرة أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع رواه الترمذي وغيره وصححوه
والتخليل في الشعر بأن يدخل أصابعه من أسفل اللحية مثلا بعد تفريقها وفي أصابع اليدين بالتشبيك وفي أصابع الرجلين من أسفلها بخنصر يده اليسرى مبتدئا بخنصر رجله اليمنى خاتما بخنصر اليسرى
وتعبيري بشعر الخ أولى من تعبيره باللحية الكثة ( وتيمن ) أي تقديم يمين على يسار ( لنحو أقطع ) كمن خلق بيد واحدة ( مطلقا ) أي في جميع أعضاء وضوئه
( ولغيره في يديه ورجليه ) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله تنعله رواه الشيخان والترجل تسريح الشعر فإن قدم اليسار كره نص عليه في الأم
أما الكفان والخدان والأذنان وجانبا الرأس لغير نحو الأقطع فيطهران دفعة واحدة
والتفصيل المذكور من زيادتي ويسن كما في المجموع البداءة بأعلى الوجه ( وإطالة غرته وتحجيله ) وهي ما فوق الواجب من الوجه الأول ومن اليدين والرجلين في الثاني لخبر الشيخين إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل وغاية الغرة أن يغسل صفحة العنق مع مقدمات الرأس وغاية التحجيل استيعاب العضدين والساقين ( وولاء ) بين الأعضاء في التطهير بحيث لا يجف الأول قبل الشروع في الثاني مع اعتدال الهواء والمزاج
ويقدر المسوح مغسولا ويسن أيضا الدلك ( وترك استعانة في صب ) عليه لأنها ترفه لاتليق بالمتعبد فهي خلاف الأولى
وخرج بزيادتي في صب الاستعانة في غسل الأعضاء والاستعانة في إحضار الماء والأولى مكروهة إلا
____________________
(1/28)
في حق الأقطع ونحوه فلا كراهة ولا خلاف الأولى بل قد تجب ولو بأجرة المثل
والثانية لا بأس بها ( و ) ترك ( نفض ) للماء لأن نفضه كالتبري من العبادة فهو خلاف الأولى وبه جزم في التحقيق
وقال في شرحي مسلم والوسيط إنه الأشهر لكنه رجح في الروضة والمجموع أنه مباح تركه وفعله سواء ( و ) ترك ( تنشيف ) بلا عذر لأنه صلى الله عليه وسلم بعد غسله من الجنابة أتته ميمونة بمنديل فرده وجعل يقول بالماء هكذا ينفضه رواه الشيخان ( والذكر المشهور عقبه ) أي الوضوء وهو كما في الأصل أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
لخبر مسلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله إلى قوله ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء
وزاد الترمذي عليه ما بعده إلى المتطهرين وروى الحاكم الباقي وصححه ولفظه من توضأ ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت الخ كتب برق أي فيه كما ورد في رواية ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة أي لم يتطرق إليه إبطال والطابع بفتح الباء وكسرها الخاتم وواو وبحمدك زائدة فسبحانك مع ذلك جملة واحدة
وقيل عاطفة أي وبحمدك سبحتك فذلك جملتان وسن أن يأتي بالذكر المذكور متوجه القبلة كما في حالة الوضوء قاله الرافعي
باب مسح الخفين هو أولى من قوله مسح الخف
( يجوز ) المسح عليهما لا على خف رجل مع غسل الأخرى ( في الوضوء ) بدلا عن غسل الرجلين وتعبيرهم بيجوز فيه تنبيه على أنه لا يجب ولا
____________________
(1/29)
يسن ولا يحرم ولا يكره
لكن الغسل أفضل نعم وإن أحدث لابسه ومعه ماء يكفي المسح فقط وجب كما قاله الروياني أو ترك المسح رغبة عن السنة أو شكا في جوازه وخاف فوت الجماعة أو عرفة أو إنقاذ أسير أو نحوها فالمسح أفضل بل يكره تركه في الثلاث الأول
وكذا فيما عطف عليها كما أفهمه كلامهم لكن ينبغي كما قال الأسنوي أخذا مما مر عن الروياني أنه يجب فيه المسح فيحرم تركه والكراهة في الترك رغبة أو شكا تأتي في سائر الرخص
وخرج بالوضوء إزالة النجاسة والغسل ولو مندوبا فلا مسح فيهما لأنهما لا يتكرر أن تكرر الوضوء ( لمسافر ) بقيد زدته بقولي ( سفر قصر ثلاثة أيام بلياليهن ولغيره ) من مقيم وعليه اقتصر الأصل
ومسافر سفرا غير قصر كعاص بسفره ومسافر سفرا قصيرا ( يوما وليلة ) لخبر ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم أرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفية أن يمسح عليهما وألحق بالمقيم المسافر سفر غير قصر والمراد بلياليهن ثلاث ليال متصلة بهن سواء أسبق اليوم الأول ليلته بأن أحدث وقت الغروب أم لا بأن أحدث وقت الفجر ولو أحدث في أثناء الليل أو النهار اعتبر قدر الماضي منه من الليلة الرابعة أو اليوم الرابع ويقاس بذلك اليوم والليلة وابتداء مدة المسح ( من آخر حدث بعد لبس ) لأن وقت المسح يدخل بذلك فاعتبرت مدته منه فيمسح فيها لما يشاء من الصلوات ( لكن دائم حدث ) كمستحاضة ( ومتيمم لا لفقد ماء ) كمرض وجلد ( إنما يمسحان لما يحل ) لهما من الصلوات ( لو بقي طهرهما ) الذي لبسا عليه الخف وذلك فرض ونوافل أو نوافل فقط
فلو كان حدثهما بعد
____________________
(1/30)
فعلهما الفرض لم يمسحا إلا للنوافل إذ مسحهما مرتب على طهرهما وهو لا يفيد أكثر من ذلك
فلا أراد كل منهما أن يفعل فرضا آخر وجب نزع الخف والطهر الكامل لأنه محدث بالنسبة إلى ما زاد على فرض ونوافل فكأنه لبس على حدث حقيقة فإن طهره لا يرفع الحدث كما مر أما المتيمم لفقد الماء فلا يمسح شيئا إذا وجد الماء لأن طهره لضرورة
وقد زال بزوالها وكذا كل من دائم الحدث والمتيمم لغير فقد الماء إذ زال عذره كما في المجموع
وقولي آخر مع لكن إلى آخره من زيادتي ( فإن مسح ) ولو أحد خفيه ( حضرا فسافر ) سفر قصر ( أو عكس ) أي مسح سفرا فأقام ( لم يكمل مدة سفر ) تغليبا للحضر لأصالته فيقتصر في الأول على مدة حضر وكذا في الثاني إن أقام قبل مدته وإلا وجب النزع وعلم من اعتبار المسح أنه لا عبرة بالحدث حضرا وإن تلبس بالمدة ولا بمضي وقت الصلاة حضرا أو عصيانه إنما هو بالتأخير لا بالسفر الذي به الرخصة
( وشرط ) جواز مسح ( الخف لبسه بعد طهر ) من الحدثين للخبر السابق فلو لبسه قبل غسل رجليه وغسلهما فيه لم يجز المسح إلا أن ينزعهما من موضع القدم ثم يدخلهما فيه
ولو أدخل إحداهما بعد غسلها ثم غسل الأخرى فأدخلها لم يجز المسح إلا أن ينزع الأولى كذلك ثم يدخلها
ولو غسلها في ساق الخف ثم أدخلهما في موضع القدم جاز المسح ولو ابتدأ اللبس بغد غسلهما ثم أحدث قبل وصولهما إلى موضع القدم لم يجز مسح ( ساتر محل فرض ) وهو القدم بكعبيه من كل الجوانب بقيد زدته بقولي ( لا من أعلى ) فيكفي واسع يرى القدم من أعلاه عكس ساتر العورة لأن اللبس هنا من أسفل وثم من أعلى غالبا
ولو كان به تخرق في محل الفرض ضر ولو تخرقت البطانة أو الظهارة والباقي صفيق لم يضر وإلا ضر ولو تخرقتا من موضعين غير متحاذيين لم يضر ( طاهرا ) فلا يكفي نجس ولا متنجس إذ لا تصلح الصلاة فيها التي هي المقصود الأصلي من المسح وما عداها من مس المصحف ونحوه كالتابع لها
نعم لو كان بالخف نجاسة معفو عنها مسح منه ما لا نجاسة عليه ذكره في المجموع ( يمنع ماء ) أي نفوذه بقيد زدته بقولي ( من غير محل خرز ) إلى الرجل لو صب عليه فما لا يمنع لا يجزىء لأنه خلاف الغالب من الخفاف المنصرف إليها نصوص المسح ( ويمكن
____________________
(1/31)
فيه تردد مسافر لحاجته ) عند الحط والترحال وغيرهما مما جرت به العادة ولو كان لابسه مقعدا بخلاف ما لم يكن كذلك لثقله أو تحديد رأسه أو ضعفه كجورب ضعيف من صوف ونحوه أو إفراط سعته أو ضيقه أو نحوها إذ لا حاجة لمثل ذلك ولا فائدة في إدامته
نعم إن كان الضيق يتسع بالمشي فيه عن قرب كفى
فإن قلت ساتر وما بعده أحوال مقيدة لصاحبها فمن أين يلزم الأمر بها إذ لا يلزم من الأمر بشيء الأمر بالمقيد له بدليل اضرب هندا جالسة
قلت محل ذلك إذا لم يكن الحال من نوع المأمور به ولا من فعل المأمور كالمثال المذكور
أما إذا كانت من ذلك نحو حج مفرد أو نحو ادخل مكة محرما فهي مأمور بها وما هنا من هذا القبيل فيشترط في الخلف جميع ما ذكر
( ولو ) كان ( محرما ) فيكفي مغصوب وذهب وفضة كالتيمم بتراب مغصوب ( أو غير جلد ) كلبد وزجاج وخرق مطبقة لأن الإباحة للحاجة وهي موجودة في الجميع بخلاف ما لا يسمى خفا كجلدة لفها على رجله وشدها بالربط اتباعا للنصوص
والتصريح بهذا من زيادتي ( أو ) مشقوقا ( شد بشرج ) أي بعرى بحيث لا يظهر شيء من محل الفرض لحصول الستر وسهولة الارتفاق به في الإزالة والإعادة
فإن لم يشد بالعرى لم يكف لظهور محل الفرض إذا مشى ولو فتحت العرى بطل المسح وإن لم يظهر من الرجل شيء لأنه إذا مشى ظهر ( ولا يجزىء جرموق ) هو خف فوق خف إن كان ( فوق قوي ) ضعيفا كان أو قويا لورود الرخصة في الخف لعموم الحاجة إليه والجرموق لا تعم الحاجة إليه وإن دعت إليه حاجة أمكنه أن يدخل يده بينهما ويمسح الأسفل
فإن كان فوق ضعيف كفى إن كان قويا لأنه الخف والأسفل كاللفافة وإلا فلا كالأسفل ( إلا أن يصله ) أي الأسفل القوي ( ماء ) فيكفي إن كان بقصد مسح الأسفل فقط أو بقصد مسحهما معا أو لا بقصد مسح شيء منهما لأنه قصد إسقاط الفرض بالمسح وقد وصل الماء إليه ( لا يقصد ) مسح ( الجرموق فقط ) فلا يكفي لقصده ما لا يكفي
____________________
(1/32)
المسح عليه فقط ويتصور وصول الماء إلى الأسفل في القويين بصبه في محل الخرز
وقولي فوق قوي إلى آخره من زيادتي فرع لو لبس خفا على جبيرة لم يجز المسح عليه على الأصح في الروضة لأنه ملبوس فوق ممسوح كالمسح على العمامة
( وسن مسح أعلاه وأسفله ) وعقبه وحرفه ( خطوطا ) بأن يضع يده اليسرى تحت العقب واليمنى على ظهر الأصابع ثم يمر اليمنى إلى آخر ساقه واليسرى إلى أطراف الأصابع من تحت مفرجا بين أصابع يديه
فاستيعابه بالمسح خلاف الأولى وعليه يحمل قول الروضة لا يندب استيعابه ويكره تكراره وغسل الخف ( ويكفي مسمى مسح ) كمسح الرأس ( في محل الفرض بظاهر أعلى الخف ) لا بأسفله وباطنه وعقبه وحرفه إذ لم يرد الاقتصار على شيء منها كما ورد الاقتصار على الأعلى فيقتصر عليه وقوفا على محل الرخصة
ولو وضع يده المبتلة عليه ولم يمرها أو قطر عليه أجزأه وقولي بظاهر من زيادتي ( ولا مسح لشاك في بقاء المدة ) كأن نسي ابتداءها أو أنه مسح حضرا أو سفرا لأن المسح رخصة بشروط منها المدة
فإذا شك فيها رجع إلى الأصل هو الغسل ( ولا لمن لزمه ) أي لابس الخف ( غسل ) هذا أعم من قوله فإن أجنب وجب تجديد لبس أي إن أراد المسح فينزع ويتطهر ثم يلبس حتى لو اغتسل لابسا يمسح بقية المدة كما اقتضاه كلام الرافعي
وذلك لخبر صفوان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة
رواه الترمذي وغيره وصححوه
وقيس بالجنابة ما في معناها ولأن ذلك لا يتكرر تكرر
____________________
(1/33)
الحدث الأصغر وفارق الجبيرة مع أن في كل منهما مسحا بأعلى ساتر لحاجة موضوع على طهر بأن الحاجة ثم أشد والنزع أشق ( ومن فسد خفه أو بدا ) أي ظهر ( شيء مما ستر به ) من رجل ولفافة وغيرهما ( أو انقضت المدة وهو بطهر المسح ) في الثلاث ( لزمه غسل قدميه ) فقط لبطلان طهرهما دون غيرهما بذلك واختار في المجموع كابن المنذر أنه لا يلزمه غسل شيء ويصلي بطهارته وخرج بطهر المسح طهر الغسل فلا حاجة فيه إلى غسل قدميه
والأولى والثانية من زيادتي وتعبيري في الثالثة بما ذكر أعم من قوله ومن نزع
باب الغسل بفتح الغين وضمها ( موجبه ) خمسة ( موت ) لمسلم غير شهيد لما سيأتي في الجنائز ( وحيض ) لآية { فاعتزلوا النساء في المحيض } أي الحيض ويعتبر فيه وفيما يأتي الانقطاع والقيام للصلاة ونحوها كما صححه في التحقيق وغيره وإن لم يصرح في التحقيق بالانقطاع ( ونفاس ) لأنه دم حيض مجتمع ( ونحو ولادة ) من إلقاء علقة أو مضغة ولو بلا بلل لأن كلا منهما مني منعقد
ونحو من زيادتي ( وجنابة ) وتحصل لآدمي حتى فاعل أو مفعول به ( بدخول حشفة أو قدرها ) من فاقدها ( فرجا ) قبلا أو دبر و لو من ميت أو بهيمة
نعم لا غسل بإيلاج حشفة مشكل ولا بإيلاج في قبله لا على الفاعل ولا المفعول به
( و ) تحصل ( بخروج منيه أولا من معتاد أو ) من ( تحت صلب ) لرجل وهو الظهر ( وترائب ) لامرأة وهي عظام الصدر ( وانسد المعتاد ) لخبر الشيخين عن أم سلمة قالت جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت
____________________
(1/34)
إن الله لا يستحيى من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء وخرج بمنيه مني غيره وبأولا خروج منيه ثانيا كأن استدخله ثم خرج فلا غسل عليه فتعبيري بمنيه أولى من تعبيره بمني وقولي أولا مع التقييد بتحت الصلب إلى آخره من زيادتي فالصلب والترائب هنا كالمعدة في الحدث فيما مر ثم ويكفي في الثيب خروج المني إلى ما يظهر من فرجها عند قعودها لأنه في الغسل كالظاهر كما سيأتي ثم الكلام في مني مستحكم فإن لم يستحكم بأن خرج لمرض لم يجب الغسل بلا خلاف كما في المجموع عن الأصحاب
( ويعرف ) المني ( بتدفق ) له ( أو لذة ) بخروجه وإن لم يتدفق لقلته ( أو ريح عجين ) وطلع نخل ( رطبا أو ) ريح ( بياض بيض جافا )
وإن لم يتدفق ويتلذذ به كأن خرج ما بقي منه بعد الغسل ورطبا وجافا حالان من المني ( فإن فقدت ) خواصه المذكورة ( فلا غسل ) يجب به
فإن احتمل كون الخارج منيا أو وديا كمن استيقظ ووجد الخارج منه أبيض ثخينا تخير بين حكميهما فيغتسل أو يتوضأ ويغسل
ما أصابه منه وقضية ما ذكر أن مني المرأة يعرف بما ذكر أيضا وهو قول الأكثر
لكن قال الإمام والغزالي لا يعرف إلا بالتلذذ وابن الصلاح لا يعرف إلا بالتلذذ والريح
وبه جزم النووي شرح مسلم وقال السبكي إنه المعتمد والأذرعي إنه الحق ( وحرم بها ) أي بالجنابة ( ما حرم بحدث ) مما مر في بابه ( ومكث مسلم ) بلا ضرورة ولو متردد ( بمسجد ) لا عبوره قال تعالى { ولا جنبا إلا عابري سبيل } بخلاف الرباط ونحوه ( وقراءته القرآن بقصده ) ولو بعض آية
لخبر الترمذي لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن وهو إن كان ضعيفا له متابعات تجبر ضعفه لكن فاقد الطهورين له بل عليه قراءة الفاتحة في الصلاة لاضطراره إليها
أما إذا لم يقصده كأن قال عند الركوب سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وعند المصيبة ( إنا لله وإنا إليه راجعون )
____________________
(1/35)
بغير قصد قرآن فلا تحرم وهذا أعم من قوله
وتحل أذكاره لا بقصد قرآن إذ غير أذكاره كمواعظه وأخباره كذلك كما دل عليه كلام الرافعي وغيره والتقييد بالمسلم من زيادتي وخرج به الكافر فلا يمنع من المكث ولا من القراءة كما صرح به فيها الماوردي والروياني لأنه لا يعتقد حرمة ذلك لكن شرط حل قراءته أن يرجى إسلامه وبالقرآن غيره كالتوراة والإنجيل ( وأقله ) أي الغسل من جنابة ونحوها ( نية رفع حدث أو نحو جنابة ) كحيض أي رفع حكم ذلك ( أو ) نية ( استباحة مفتقر إليه ) أي الغسل كصلاة ( أو أداء ) غسل ( أو فرض غسل ) وفي معناه الغسل المفروض والطهارة للصلاة بخلاف نية الغسل لأنه قد يكون عادة وذكر نية رفع الحدث ونحو الجنابة من زيادتي وتعبيري بأداء أو فرض الغسل أولى من تعبيرة بأداء فرض الغسل
وظاهر أن نية من به سلس مني كنية من به سلس بول وقد مر بيانها ( مقرونة بأوله ) أي الغسل فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادة غسله ( وتعميم ظاهر بدنه ) بالماء حتى الأظفار والشعر ومنبته وإن كثف وما يظهر من صماخي الأذنين ومن فرج المرأة عند قعودها لقضاء حاجتها وما تحت القلفة من الأقلف فعلم إنه لا تجب مضمضة واستنشاق كما في الوضوء ولا غسل شعر نبت في العين أو الأنف وكذا باطن عقده فتعبيري بما ذكر أولى من قوله وتعميم شعره وبشره ( وأكمله إزالة قذر ) بمعجمة طاهرا كان أو نجسا كمني وودي استظهارا ( فتكفي غسلة ) واحدة ( لنجس وحدث ) لأن موجبهما واحد وقد حصل ( ثم ) بعد إزالة القذر ( وضوء ) للاتباع رواه البخاري
وله أن يؤخره أو بعضه عن الغسل ( ثم تعهد معاطفه ) وهي ما فيه انعطاف والتواء كإبط وغضون بطن ( وتخليل شعر رأسه ولحيته ) بالماء
فيدخل أصابعه العشر فيه فيشرب بها أصول الشعر ( ثم إفاضة الماء على رأسه ) وذكر الترتيب بين هذين مع ذكر اللحية من زيادتي ( ثم ) إفاضته على ( شقه الأيمن ثم الأيسر ) لما مر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في طهوره وهذا الترتيب أبعد عن الإسراف وأقرب إلى الثقة بوصول الماء
( ودلك ) لما وصلت إليه يده من بدنه احتياطا وخروجا من خلاف من أوجبه ( وتثليث ) كالوضوء فيغسل رأسه ثلاثا ثم شقه الأيمن ثلاثا ثم الأيسر ثلاثا ويدلك ويخلل ثلاثا ( وولاء ) كما في الوضوء وبه صرح الرافعي في الشرح الصغير
ثم والأصل في باب التيمم ( وأن تتبع غير محدة أثر نحو حيض ) كنفاس ( مسكا ) بأن تجعله على قطنة وتدخلها فرجها بعد اغتسالها إلى المحل الذي يجب غسله للأمر به مع تفسير عائشة له بذلك في خبر الشيخين وتطييبا للمحل فإن لم تجد مسكا ( فطينا ) فإن لم تجده ( فطينا ) فإن لم تجده فالماء كاف
أما المحدة فيحرم عليها استعمال المسك والطيب
نعم تستعمل شيئا يسيرا من قسط أو أظفار ويحتمل
____________________
(1/36)
إلحاق المحرمة بها والتقييد بغير المحدة مع ذكر نحو الطين من زيادتي ( وأن لا ينقص ) في معتدل الخلقة ( ماء وضوء عن مد وغسل عن صاع ) تقريبا فيها للاتباع رواه مسلم
فعلم أنه لا حد له حتى لو نقص عن ذلك وأسبغ أجزأ ويكره الإسراف فيه والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بغدادي ( ولا يسن تجديده ) لأنه لم ينقل ولما فيه من المشقة ( بخلاف وضوء ) فيسن تجديده بقيد زدته بقولي ( صلى به ) صلاة ما
روى أبو داود وغيره خبر من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات ( ومن اغتسل لفرض ونفل ) كجنابة وجمعة ( حصلا ) أي غسلاهما أو لأحدهما حصل ) غسله ( فقط ) عملا بما نواه في كل وإنما لم يندرج النفل في الفرض لأنه مقصود فأشبه سنة الظهر مع فرضه وفارق ما لو نوى بصلاته الفرض دون التحية حيث تحصل التحية وإن لم ينوها بأن القصد ثم إشغال البقعة بصلاة وقد حصل وليس القصد هناالنظافة فقط بدليل أنه يتيمم عند عجزه عن الماء وقولي لفرض ونفل أعم من قوله لجنابة وجمعة
( ومن أحدث وأجنب ) ولو مرتبا هذا أعم من قوله ولو أحدث ثم أجنب أو عكسه ( كفاه غسل ) وإن لم ينو معه الوضوء لاندراج الوضوء فيه
باب في النجاسة وإزالتها ( النجاسة ) لغة ما يستقذر وشرعا بالحد مستقذر يمنع الصلاة حيث لا مرخص وبالعد ( مسكر مائع ) كخمر
وخرج بالمائع غيره كبنج وحشيش مسكر فليس ينجس وإن كان كثيره حراما ولا ترد الخمرة المعقودة ولا الحشيش المذاب نظرا لأصلهما ( وكلب ) ولو معلما لخبر طهور إناء أحدكم الآتي ( وخنزير ) لأنه أسوأ حالا من الكلب لأنه لا يجوز اقتناؤه بحال ولأنه مندوب إلى قتله من غير ضرر فيه ( وفرع كل ) منهما مع غيره تغليبا للنجس وهذا أولى من قوله وفرعهما ( ومنيهما ) تبعا لأصله بخلاف مني غيرهما
لذلك ولخبر الشيخين عن عائشة أنها كانت تحك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي فيه
( وميتة غير بشر وسمك وجراد ) لحرمة تناولها قال تعالى { حرمت عليكم الميتة والدم } أما ميتة البشر وتالييه فطاهرة لحل تناول الأخيرين
ولقوله تعالى { ولقد كرمنا بني آدم } في الأول
وقضية تكريمهم أنه لا يحكم بنجاستهم بالموت وسواء المسلمون والكفار
وأما قوله تعالى { إنما المشركون نجس } فالمراد نجاسة الاعتقاد أو اجتنابهم كالنجس لا نجاسة الأبدان
____________________
(1/37)
والمراد بالميتة الزائلة الحياة بغير ذكاة شرعية
وإن لم يسل دم فلا حاجة إلى أن يستثنى منها جنين المذكاة والصيد الميت بالضغطة والبعير الناد بالسهم ( ودم ) لما مر من تحريمه
ولقوله تعالى { أو دما مسفوحا } أي سائلا بخلاف غير السائل كطحال وكبد وعلقة ( وقيح ) لأنه دم مستحيل ( وقيء ) وإن لم يتغير كالغائط ( وروث ) بمثلثة كالبول
نعم ما ألقاه الحيوان من حب متصلب ليس بنجس بل متنجس يغسل ويؤكل ( وبول ) للأمر بصب الماء عليه في خبر الشيخين المتقدم أول الطهارة ( ومذي ) بمعجمة للأمر بغسل الذكر منه في خبر الشيخين في قصة علي رضي الله عنه وهو ماء أبيض رقيق يخرج غالبا عند ثوران الشهوة بغير شهوة قوية ( وودي ) بمهملة كالبول وهو ماء أبيض كدر ثخين يخرج إما عقبه حيث استمسكت الطبيعة أو عند حمل شيء ثقيل ( ولبن ما لا يؤكل غير بشر ) كلبن الأتان لأنه يستحيل في الباطن كالدم
أما لبن ما يؤكل ولبن البشر فطاهران
أما الأول فلقوله تعالى { لبنا خالصا سائغا للشاربين }
وأما الثاني فإنه لا يليق بكرامته أن يكون منشؤ نجسا ولا فرق بين الأنثى الكبيرة الحية وغيرها كما شمله تعبير الصيمري بلبن الآدميين والآدميات
وقيل لبن الذكر والصغير والميتة نجس والأوجه الأول وجرى عليه الجماعة لأن الكرامة الثابتة للبشر الأصل شمولها للكل
وتعبير جماعة بالآدميات الموافق لتعليلهم السابق جرى على الغالب وما يزد على المذكورات من نحو الجرة وماء المتنفط فهو في معناها مع أن بعضه يعلم من شروط الصلاة ( و ) جزء ( مبان من حي كميتته ) طهارة ونجاسة لخبر ما قطع من حي فهو ميت رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين
فجزء البشر والسمك والجراد طاهر دون جزء غيرها ( إلا نحو شعر ) حيوان ( مأكول ) كصوفه ووبره ومسكه وفأرته ( فطاهر )
قال تعالى { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين }
وخرج بالمأكول نحو شعر غيره فنجس ومنه نحو شعر عضو أبين من مأكول لأن العضو صار غير مأكول ( كعلقة ومضغة ورطوبة فرج من ) حيوان ( طاهر ) ولو غير مأكول فإنها طاهرة كأصلها وقولي نحو ومن طاهر من زيادتي فرع دخان النجاسة نجس يعفى عن قليله وبخارها كذلك إن تصاعد بواسطة نار لأنه جزء من النجاسة تفصله النار لقوتها وإلا فطاهر
وعلى هذا يحمل إطلاق من أطلق نجاسته أو طهارته
( والذي يطهر من نجس العين ) شيئان ( خمر ) ولو غير محترمة ( تخللت ) أي صارت خلا ( بلا ) مصاحبة ( عين ) وقعت فيها وإن نقلت من شمس إلى ظل أو عكسه لمفهوم خبر مسلم عن أنس قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتخذ الخمر خلا قال لا ( بدنها ) أي فتطهر مع دنها
____________________
(1/38)
للضرورة وإلا لم يوجد خل طاهر من خمر وهذا من زيادتي
أما إذا تخللت بمصاحبة عين وإن لم تؤثر في التخليل كحصاة فلا تطهر لنتجسها بعد تخللها بالعين التي تنجست بها ولا ضرورة ولا يشترط طرح العين فيها
وإن أفهم كلام الأصل خلافه وأفهم كلامهم أنها تطهر بالتخلل إذا نزعت العين منها قبله وهو ظاهر
نعم لو كانت العين المنزوعة قبله نجسة كعظم ميتة لم تطهر كما أفتى به النووي والخمر حقيقة المسكر المتخذ من ماء العنب وخرج به النبيذ وهو المتخذ من الزبيب ونحوه فلا يطهر بالتخلل لوجود الماء فيه
لكن اختار السبكي خلافه لأن الماء من ضرورته وفي معنى تخلل الخمر انقلاب دم الظبية مسكا ( وجلد ) ولو من غير مأكول ( نجس ) بالموت ( فيطهر ) ظاهر أو باطنا ( باندباغه بما ينزع فضوله ) من لحم ودم ونحوهما مما يعفنه
ولو كان نجسا كزرق طير عاريا عن الماء لأن الدبغ إحالة لا إزالة وأما خبر بطهرها الماء والقرط فمحمول على الندب أو على الطهارة المطلقة
والأصل في ذلك خبر مسلم إذا دبغ الإهاب أي الجلد فقط طهر وضابط النزع أن يطيب به ريح الجلد بحيث لو نقع في الماء لم يعد إليه الفساد
وخرج بالجلد الشعر ونحوه لعدم تأثرهما بالدبغ وبتنجسه بالموت جلد الكلب ونحوه وبما ينزع فضوله ما لا ينزعها كتجميد الجلد وتشميسه وتمليحه ( ويصير ) المندبغ ( كثوب تنجس ) فيجب غسله لتنجسه بالدابغ النجس أو المتنجس ولو بملاقاته
وتعبيري بالاندباغ وبتنجس أولى من تعبيره بالدبغ وبنجس ( وما نجس ) من جامد ( ولو معصا ) من صيد أو غيره ( بشيء من نحو كلب ) من خنزير وفرع كل منهما وهذا أعم مما ذكره ( غسل سبعا إحداهن في غير تراب بتراب طهور ) لخبر مسلم طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بتراب
وفي رواية له وعفروه الثامنة بالتراب والمراد أن التراب يصحب السابعة كما في رواية أبي داود السابعة بالتراب وهي معارضة لرواية أولاهن في محل التراب فيتساقطان في تعيين محله ويكتفي بوجوده في واحدة من السبع كما في رواية الدارقطني إحداهن بالبطحاء على أن الظاهر أنه لا تعارض بين الروايتين بل محمولتان على الشك من الراوي كما دل عليه رواية الترمذي أخراهن أو قال أولاهن
وبالجملة لا يقيد بهما رواية إحدهاهن لضعف دلالتهما بالتعارض أو بالشك ولجواز حمل رواية إحداهن على بيان الجواز وأولاهن على بيان الندب وأخراهن على بيان الإجزاء وقيس بالكلب الخنزير والفرع وبولوغه غيره كبوله وعرقه
وعلم مما ذكر أنه لا يكفي ذر التراب على المحل غير أن يتبعه بالماء ولا مزجه بغير ماء
نعم أن مزجه بالماء بعد مزجه بغير ولم يتغير به كثيرا كفى ولا مزج غير تراب طهور كأشنان وتراب نجس وتراب مستعمل وهو خارج بتعبيري بطهور وكلامه يقتضي خلافه والواجب من التراب ما يكدر الماء ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل
وخرج بزيادتي في غير تراب التراب فلا يحتاج
____________________
(1/39)
إلى تتريب إذ لا معنى لتتريب التراب ولو لم تزل عين النجاسة إلا بست غسلات مثلا حسبت واحدة كما صححه النووي
لكن صحح في الشرح الصغير أنها ست وقواه في المهمات ( أو ) نجس ( ببول صبي لم يطعم ) أي لم يتناول قبل مضي حولين ( غير لبن للتغذي نضح ) بأن يرش عليه ما يعمه ويغلبه بلا سيلان بخلاف الصبية والخنثى لا بد في بولهما من الغسل على الأصل ويتحقق السيلان وذلك لخبر الشيخين عن أم قيس أنها جاءت بابن لها صغير لم يأكل الطعام فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال عليه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله
ولخبر الترمذي وحسنه يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام
وفرق بينهما بأن الائتلاف بحمل الصبي أكثر فخفف في بوله وبأن بوله أرق من بولها فلا يلصق بالمحل للصوق بولها به
وألحق بها الخنثى وخرج بزيادتي للتغذي تحنيكه بتمر ونحوه وتناوله السفوف ونحوه للإصلاح فلا يمنعان النضح كما في المجموع ( أو ) نجس ( بغيرهما ) أي بغير شيء من نحو كلب وغير بول الصبي المذكور ( وكان حكميا ) كبول جف ولم تدرك له صفة ( كفى جرى ماء ) عليه مرة ( أو ) كان ( عينيا وجب إزالة صافته ) من طعم ولون وريح ( إلا ما عسر ) زواله ( من لون أو ريح ) فلا تجب إزالته بل يطهر المحل ( كمتنجس بهما ) أي بنحو الكلب وببول الصبي فإنه يجب في العيني منهما إزالة صفاته إلا ما عسر من لون أو ريح وهذا من زيادتي
أما إذا اجتمعا فتجب إزالتهما مطلقا لقوة دلالتهما على بقاء العين كما يدل على باقئها بقاء الطعم وحده
وإن عسر زواله ولا تجب الاستعانة في زوال الأثر بغير الماء إلا إن تعينت على كلام فيه ذكرته في شرح البهجة ( وشرط ورود ماء ) إن ( قل ) لا إن كثر على المحل لئلا يتنجس الماء
ولو عكس فلا يطهر المحل فعلم أنه لا يشترط العصر لما يأتي من طهارة الغسالة
وقولي قل من زيادتي ( وغسالة قليلة منفصلة بلا تغير و ) بلا ( زيادة ) وزنا بعد اعتبار ما يتشربه المحل ( وقد طهر المحل طاهرة ) لأن المنفصل بعض ما كان متصلا به وقد فرض طهره فإن كانت كثيرة فطاهرة ما لم تتغير أو لم تنفصل فطاهرة أيضا وإن انفصلت متغيرة أو غير متغيرة وزاد وزنها بعد ما ذكر أو لم يزد ولم يطهر المحل فنجسة
والتقييد بالقليلة بعدم الزيادة من زيادتي ( ولو تنجس مائع ) غير ماء ولو دهنا ( تعذر تطهيره ) لأن صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال إن كان جامد فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه
وفي رواية للخطابي فأريقوه فلو أمكن تطهيره لم يقل في ذلك لما في من إضاعة المال
والجامد هو الذي إذا أخد منه قطعة لا يتراد من الباقي ما يمللأ محلها على قرب والمائع بخلافه ذكره في المجموع
____________________
(1/40)
باب التيمم هو لغة القصد وشرعا إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشروط مخصوصة الأصل فيه قبل الإجماع آية { وإن كنتم مرضى أو على سفر }
وخبر مسلم جعلت لنا الأرض كلها مسجدا أو تربتها طهورا ( يتيمم محدث ومأمور بغسل ) ولو مسنونا ( للعجز ) عن استعمال الماء وهذا أولى من قوله يتيمم المحدث والجنب لأسباب ( وأسبابه ) أي العجز ثلاثة أحدها ( فقدماء ) للآية السابقة ( فإن تيقنه ) أي فقد الماء ( تيمم بلا طلب ) إذا لا فائدة فيه سواء كان مسافرا أم لا وقول الأصل فإن تيقن المسافر فقد جرى على الغالب ( وإلا ) بأن جوز وجوده ( طلبه ) ولو بمأذونه ( لكل تيمم في الوقت مما جوزه فيه من رحله ورفقته ) المنسوبين إليه ويستوعبهم كأن ينادي من معه ماء يجود به
وقولي في الوقت مما جوزه فيه من زيادتي ( ثم ) إن لم يجد الماء في ذلك ( نظر حواليه ) يمينا وشمالا وأماما وخلفا إلى الحد الآتي
وخص موضع الخضرة والطير بمزيد احتياط ( إن كان بمستو ) من الأرض ( وإلا ) بأن كان ثم وهدة أو جبل ( تردد إن أمن ) مع ما يأتي اختصاصا ومالا يجب بذله لماء طهارته ( إلى حد غوث ) أي إلى حد يلحقه فيه غوث رفقته لو استغاث بهم فيه مع تشاغلهم بأشغالهم
وهذا هو المراد بقول الأصل تردد قدر نظره أي في المستوى
وبقول الشرح الصغير تردد غلوة سهم أي غاية رميه
وقولي إن أمن من زيادتي ( فإن لم يجد ) ماء ( تيمم ) لظن فقده ( فلو علم ماء ) بمحل ( يصله مسافر لحاجته ) كاحتطاب واحتشاش وهذا فوق حد الغوث المتقدم
ويسمى حد القرب ( وجب طلبه ) منه ( إن أمن غير اختصاص ومال يجب بذله لماء طهارته ) ثمنا أو أجرة من نفس وعضو ومال زائد على ما يجب بذله للماء وانقطاع عن رفقة له وخروج وقت وإلا فلا يجب طلبه من معه ماء
ولو توضأ به خرج الوقت فإنه لا يتيمم لأنه واجد للماء ووصف الماء بما ذكر من
____________________
(1/41)
زيادتي ولم يعتبر هنا الأمن على الاختصاص ولا على المال الذي يجب بذله بخلافه فيما مر لتيقن وجود الماء
وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على النفس والمال
( فإن كان ) الماء بمحل ( فوق ذلك ) المحل المتقدم ويسمى حد البعد ( تيمم )
ولا يجب قصد الماء لبعده ( فلو تيقنه آخر الوقت فانتظاره أفضل ) من تعجيل التيمم لأن فضيلة الصلاة بالوضوء ولو آخر الوقت أبلغ منها بالتيمم أوله
قال الماوردي هذا إذا تيقن وجوده في غير منزله وإلا وجب التأخير جزما ( وإلا ) بأن ظنه أو ظن أو تيقن عدمه أو شك فيه آخر الوقت ( فتعجيل تيمم أفضل ) لتحقق فضيلته دون فضيلة الوضوء
( ومن وجده غير كاف ) له ( وجب استعماله ) في بعض أعضائه لخبر الشيخين إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ( ثم تيمم ) عن الباقي فلا يقدمه لئلا يتيمم ومعه ماء طاهر بيقين
ولا يجب مسح الرأس بثلج أو برد لا يذوب وقيل يجب قال في المجموع وهو أقوى في الدليل ( ويجب في الوقت شراؤه ) أي الماء لطهره ( بثمن مثله ) مكانا وزمانا فلا يجب شراؤه بزيادة على ذلك وإن قلت نعم إن بيع منه لأجل بزيادة لائقة بذلك الأجل وكان ممتدا إلى وصوله محلا يكون غنيا فيه وجب الشراء ( إلا أن يحتاجه ) أي الثمن ( لدينه أو مؤنة ) حيوان ( محترم ) من نفسه وغيره كزوجته ومملوكه ورفيقه حضرا و سفرا ذهابا وإيابا فيصرف الثمن إلى ذلك ويتيمم وخرج بالمحترم غيره كمرتد وحربي وزان محصن ولا حاجة لوصف الدين بالمستغرق كما فعل الأصل لأن ما فضل عن الدين غير محتاج إليه فيه
وتعبيري بالمؤنة أعم من تعبيره بالنفقة
( و ) يجب في الوقت ( اقتراض الماء واتهابه واستعارة آلته ) إذا لم يمكن تحصيله بغيرها ولم يحتج إلى ذلك المالك وضاق الوقت عن طلب الماء وخرج بالماء ثمنه فلا يجب فيه ذلك لثقل المنة فيه
والمراد بالاقتراض وتاليه ما يعم القبول والسؤال فتعبيري بها أولى من تعبيره بالقبول
وقولي في الوقت مع مسألة الاقتراض من زيادتي
وتعبيري بآلته أعم من تعبيره بالدلو ( ولو نسيه ) أي شيئا مما ذكر من الماء والثمن والآلة ( أو أضله في رحلة فتيمم ) وصلى ثم تذكره أو وجده ( أعاد ) الصلاة لوجود الماء حقيقة أو حكما معه ونسبته في إهماله حتى نسيه
____________________
(1/42)
أو أضله إلى تقصير
وخرج بإضلال ذلك في رحله ما لو أضل رحله في رحال وتيمم وصلى ثم وجده فيه الماء أو الثمن أو الآلة فلا يعيد إن أمعن في الطلب إذ لا ماء معه حال التيمم وفارق إضلاله في رحله بأن مخيم الرفقة أوسع من مخيمه
( و ) ثاني الأسباب ( حاجته ) إليه ( لعطش ) حيوان ( محترم ولو ) كانت حاجته إليه لذلك ( مآلا ) أي فيه أي في المستقبل صونا للروح أو غيرها عن التلف
فيتيمم مع وجوده ولا يكلف الطهر به ثم جمعه وشربه لغير دابة لأنه مستقذر عادة وخرج بالمحترم غيره كما مر
والعطش المبيح للتيمم معتبر بالخوف المعتبر في السبب الآتي وللعطشان أخذ الماء من مالكه قهرا ببدله إن لم يبذله له
( و ) ثالثها ( خوف محذور من استعماله ) أي الماء مطلقا أو المعجوز عن تسخينه ( كمرض وبطء برء ) بفتح الباء وضمها ( وزيادة ألم وشين فاحش في عضو ظاهر ) للعذر وللآية السابقة والشين الأثر المستكره من تغير لون ونحول واستحشاف وثغرة تبقى ولحمة وتزيد
والظاهر ما يبدو عند المهنة غالبا كالوجه واليدين
ذكر ذلك الرافعي وذكر في الجنايات ما حاصله أنه ما لا يعد كشفه هتكا للمروءة ويمكن رده إلى الأول وخرج بالفاحش اليسير كقليل سواد وبالظاهر الفاحش في الباطن فلا أثر لخوف ذلك ويعتمد في خوف ما ذكر قول عدل في الرواية وذكر زيادة الألم من زيادتي وبه صرح في الروضة وأصلها
وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بما ذكره وما ذكرته من أن الأسباب ثلاثة هو ما في الأصل وذكرها في الروضة كأصلها سبعة وكلها في الحقيقة ترجع إلى فقد الماء حسا أو شرعا
( وإذا امتنع استعماله ) أي الماء ( في عضو ) لعلة ( وجب تيمم ) لئلا يخلو العضو عن طهر ويمر التراب ما أمكن على العلة إن كانت بمحل التيمم ( و ) جب ( غسل صحيح ) سواء أكان على العضو ساتر كلصوق يخاف من نزعه محذورا أم لا لخبر ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )
ويتلطف في غسل الصحيح المجاور للعليل بوضع خرقة مبلولة بقربه ويتحامل عليها لينغسل بالمتقاطر منها ما حواليه من غير أن يسيل إليه ( و ) جب ( مسح كل الساتر ) إن كان ( إن لم يجب نزعه بماء ) لا بتراب استعمالا للماء ما أمكن وإنما وجب مسح الكل لأنه أبيح للضرورة كالتيمم
ولا يجب مسح محل العلة بالماء ( لا ترتيب ) بين الثلاثة ( لنحو جنب )
____________________
(1/43)
فلا يجب لأن التيمم هنا للعلة وهي باقية بخلافه فيما مر في استعمال الناقص فإنه لفقد الماء فلا بد من فقده بل الأولى هنا تقديمه ليزيل الماء أثر التراب
وتعبيري بذلك أعم من قوله ولا ترتيب بينهما للجنب وخرج بنحو الجنب المحدث فيتيمم ويمسح بالماء وقت دخول غسل عليله رعاية لترتيب الوضوء ( أو ) امتنع استعماله في ( عضوين فيتيممان ) يجبان وكل من اليدين والرجلين كعضو واحد
ويندب أن يجعل كل واحدة كعضو أو في ثلاثة أعضاء فثلاث تيممات أو أربعة إن عمت العلة الرأس وإن عمت الأعضاء كلها فتيمم واحد
( ومن تيمم لفرض آخر ولم يحدث لم يعد غسلا و ) لا ( مسحا ) بالماء لبقاء طهره لأنه يتنفل به وإنما أعاد التيمم لضعفه عن أداء الفرض
فإن أحدث أعاد غسل صحيح أعضاء وضوئه وتيمم عن عليلها وقت غسله ويمسح الساتر إن كان بالماء
وإن كانت العلة بغير أعضاء وضوئه تيمم لحدثه الأكبر وتوضأ للأصغر وتعبيري بآخر أعم من قوله ثان وقولي ومسحا من زيادتي
فصل في كيفية التيمم ( يتيمم بتراب طهور له غبار ) حتى ما يداوي به
قال تعالى { فتيمموا صعيدا طيبا } أي ترابا طاهرا كما فسره ابن عباس وغيره به
والمراد بالطاهر الطهور كما عبرت به ( ولو برمل لا يلصق ) بالعضو فإنه يتيمم به لأنه من طبقات الأرض والتراب جنس له بخلاف ما يلصق بالعضو والتقييد بعدم لصوقه من زيادتي
ودخل في التراب المذكور المحروق منه ولو أسود ما لم يصر رمادا كما في الروضة وغيرها وخرج به التراب المتنجس وما لا غبار له والمستعمل وسيأتي وغيرها كنورة وزرنيخ وسحاقة خزف ومختلط بدقيق ونحوه مما يعلق بالعضو وإن قل الخليط لأنها ليست في معنى التراب ولأن الخليط يمنع وصول يمنع وصول التراب إلى العضو ( لا بمستعمل ) كالماء ( وهو ما بقي بعضوه أو تناثر منه ) حالة التيمم كالمتقاطر من الماء
ويؤخد من حصر المستعمل في ذلك صحة تيمم الواحد أو الكثير من تراب يسير مرات كثيرة وهو كذلك ولو رفع يده في أثناء مسح العضو ثم وضعها صح على الأصح
وخرج بزيادتي منه ما تناثر من غير مس العضو فإنه غير مستعمل
____________________
(1/44)
( وأركانه ) أي التيمم خمسة أحدها ( نقل تراب ولو من وجه ويد ) بأن ينقله من أحدهما إليه أو إلى الآخر
فتعبيري بذلك أعم من قوله فلو نقل من وجه إلى يد أو عكس كفى
وكنقله من أحدهما نقله من الهواء ونقله يتضمن قصده لوجوب قرن النية به كما يأتي وإنما صرحوا بالقصد للآية فإنها آمره بالتيمم وهو القصد والنقل طريقه ( فلوسفته ريح عليه ) أي الوجه أو اليد ( فردده ) عليه ( ونوى لم يكف ) وإن قصد بوقوفه في مهب الريح التيمم لأنه لم يقصد التراب وإنما التراب أتاه لما قصد الريح
وقيل يكفي في صورة القصد واختار السبكي ( ولو يمم بأذنه ) ونيته ( صح ) ولو بلا عذر إقامة لفعل مأذونه مقام فعله
( و ) ثانيهما ( نية استباحة مفتقر إليه ) أي التيمم كصلاة ومس مصحف وتعبيري بذلك أعم من تعبيره باستباحة الصلاة وبذلك علم أنه لا يكفي نية رفع حدث لأن التيمم لا يرفعه ولا نية فرض تيمم
وفارق الوضوء بأنه طهارة ضرورة لا يصلح أن يكون مقصودا
ولهذا لا يسن تجديد بخلاف الوضوء ( مقرونة ) أي النية ( بنقل ) أول لأنه أول الأركان ( ومستدامة إلى مسح ) لشيء من الوجه
فلو عزبت أو أحدث قبله لم يكف لأن النقل وإن كان ركنا غير مقصود في نفسه ( فإن نوى ) بالتيمم ( فرضا أو ) نواه ( ونفلا ) أي استباحتهما ( فله ) مع الفرض ( نفل وصلاة جنائز ) وخطبة جمعة
وإن عين فرضا عليه فله فعل غيره ( أو ) نوى ( نفلا أو الصلاة فله غير فرض عين ) من النوافل وفروض الكفاية وغيرها كمس مصحف لأن ذلك إما مثل ما نواه في جواز تركه له أو دونه
أما الفرض العيني فلا يستبيحه فيهما
أما في الأولى فلأن الفرض أصل للنفل فلا يجعل تابعا وأما في الثانية فللأخذ بالأحوط وذكر حكم غير النوافل فيهما من زيادتي
ومثلهما ما لو نوى فرض الكفاية كأن نوى بالتيمم استباحة خطبة الجمعة فيمتنع الجمع به بينها وبين صلاة الجمعة
ولو نوى فرضين استباح أحدهما أو نوى مس مصحف أو نحوه استباحه دون النفل ذكره في المجموع
( و ) ثالثها ورابعها وخامسها ( مسح وجهه ) حتى مسترسل لحيته والمقبل من أنفه على شفته ( ثم ) مسح ( يديه بمرفقيه ) والترتيب المفاد بثم بأن يقدم الوجه على اليدين ولو في تيمم لحدث أكبر ( لا ) مسح ( منبت شعر )
وإن خف في الوجه واليدين فلا يجب لعسره ( ويجب
____________________
(1/45)
نقلتان ) للوجه واليدين وإن أمكن بنقلة بخرقة أو نحوها لوروده في خبري أبي داود والحاكم
ولفظ الحاكم التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين ( لا ترتيبهما ) فلو ضرب بيديه معا ومسح بإحداهما وجهه وبالأخرى الأخرى جاز وفارق المسح لأنه وسيلة والمسح أصل وعلم من تعبيري بالنقل أنه لا يتعين الضرب وإن عبر به الأصل والخبر فيكفي تمعك ووضع يد على تراب ناعم لحصول المقصود فالتعبير بالضربتين خرج مخرج الغالب كما أن قوله في الخبر ضربة للوجه وضربة لليدين كذلك إذ لو مسح ببعض ضربة الوجه وببعضها مع أخرى اليدين فظاهر أنه يجزىء
( وسن تسمية ) حتى لجنب ونحوه أوله وتوجه فيه للقبلة وسواك وعدم تكرر مسح وإتيان بالشهادتين بعده ( وولاء ) في بتقدير التراب ماء ( وتقديم يمينه ) على يسار ( أو على وجهه ) على أسفله كالوضوء في الجميع إلا عدم التكرر ( وتخفيف غبار ) من كفيه مثلا إن كثر بأن ينفضهما أو ينفخه عنهما لئلا يتشوه العضو بالمسح ( وتفريق أصابعه أول كل ) من النقلتين لأنه أبلغ في إثارة الغبار فلا يحتاج إلى زيادة عليهما ( ونزع خاتمه في الأولى ) ليكون مسح الوجه بجميع اليد
والتصريح بسن هذا من زيادتي ( ويجب ) نزعه ( في الثانية ) ليصل التراب إلى محله ولا يكفي تحريكه بخلافه في الطهر بالماء لأن التراب لا يدخل تحته بخلاف الماء فإيجاب نزعه إنما هو عند المسح لا عند النقل ( ومن تيمم لفقد ماء فجوزه لا في صلاة ) ولو في تحرمه ( بطل ) تيممه لأنه لم يتلبس بالمقصود فصار كما لو جوزه في أثناء التيمم ( بلا مانع ) من استعمال الماء يقارن بتجويزه
فإن كان ثم مانع منه كعطش وسبع لم يبطل تيممه لأن وجود الماء حينئذ كالعدم
وقولي فجوزه أولى من قوله فوجده ليس بقيد ( أو وجده فيها ) أي في صلاة ولا مانع ( ولم تسقط به ) أي بالتيمم كصلاة المتيمم بمحل يندر فيه فقد الماء كما سيأتي ( بطلت )
فلا يتمها إذ لا فائدة في إتمامها لوجوب إعادتها ( وإلا ) بأن جوز وجوده فيها أو وجده وكانت تسقط بالتيمم كصلاة المتيمم بمحل لا يندر فيه فقد الماء كما سيأتي ( فلا ) تبطل وإن كانت نفلا فله إتمامها لتلبسه بالمقصود ولا مانع من إتمامه كوجود المكفر الرقبة في الصوم
نعم إن نوى الإقامة أو
____________________
(1/46)
الإتمام في مقصورة بعد وجود الماء بطلت لحدوث ما لم يستبحه إذا الإتمام كافتتاح صلاة أخرى ( وقطعها ) ولو فريضة ليتوضأ ويصلى بدلها ( أفضل ) من إتمامها ليخرج من خلاف من حرم إتمامها
( وحرم ) أي قطعها ( في فرض ) إن ( ضاق وقته ) عنه لئلا يخرجه عن وقته مع قدرته على أدائه فيه وهذا من زيادتي
وبه جزم في التحقيق وإن ضعفه في الروضة وأصلها ( والمتنفل ) الواجد للماء في صلاته ( إن نوى قدرا ) ركعة فأكثر ( أتمه ) لانعقاد نيته عليه ( وإلا ) أي وإن لم ينو قدرا ( ف ) لا يجاوز ( ركعتين ) لأنه الأحب والمعهود في النفل
نعم إن وجده في ثالثة فما فوقها أتمها لأنها لا تتبعض ( ولا يؤدي به ) أي بتيممه لفريضة عينية ( من فروض عينية غير واحد ولو نذرا ) لأنه طهارة ضرورة فيتقدر بقدرها فيمتنع جمعه بين صلاتي فرض ولو صبيا وبين طوافين ( إلا تمكين حليل ) للمرأة فلها تمكينه من الوطء مرارا وأن تجمع بينه وبين فرض آخر وخرج بالفروض العينية النفل وفرض الكفاية كصلاة الجنازة فله فعل ما شاء منها
كما علم مما مر
لأن النفل لا ينحصر فخفف أمره وصلاة الجنائز تشبه النفل في جواز الترك وتعينها عند انفراد المكلف عارض
وقولي يؤدي أعم من قوله يصلي والاستثناء من زيادتي ( ومن نسي إحدى الخمس ) ولم يعلم عينها ( كفاه لهن تيمم ) لأن الفرض واحد وما سواه وسيلة له
فلو تذكر المنسية بعد لم تجب إعادتها كما رجحه في المجموع
وتعبيري بما ذكر أولى من قوله كفاه تيمم لهن لأنه قد يوهم تعلق لهن بتيمم فيقتضي اشتراط كون التيمم لهن وليس مرادا ( أو ) نسي منهن ( مختلفين ) ولم يعلم عينهما ( صلى كلا ) منهن ( بتيمم أو ) صلى ( أربعا ) كالظهر والعصر والمغرب والعشاء ( به ) أي بتيمم
( وأربعا ليس منها ما بدأ بها ) أي العصر والمغرب والعشاء والصبح ( ب ) تيمم ( آخر ) فيبرأ بيقين لأن المنسيتين إما الظهر والصبح أو إحداهما مع إحدى الثلاث أو هما من الثلاث وعلى كل تقدير صلى كلا منهما بتيمم
أما إذا كان منها التي بدأ بها كأن صلى الظهر والعصر والمغرب والصبح فلا يبرأ بيقين لجواز كون المنسيتين العشاء وواحدة غير الصبح فبالتيمم الأول تصح تلك الواحدة دون العشاء وبالثاني لم يصل العشاء واكتفى بتيممين لأنهما عدد المنسى وقضية قول الأصل أربعا ولاء اشتراط الولاء وليس كذلك فلهذا حذفته ( أو ) نسي منهن ( متفقتين أو شك ) في اتفاقهما
ولم يعلم عينهما ولا تكون المتفقتان إلا من يومين ف ) يصلى ( الخمس مرتين بتيممين ) ليبرأ بيقين
وقولي أوشك من زيادتي ( ولا يتيمم لمؤقت ) فرضا كان أو نفلا ( قبل وقته ) لأن التيمم طهارة ضرورة ولا
____________________
(1/47)
ضرورة قبل الوقت بل يتيمم له فيه ولو قبل الإتيان بشرطه كستر وخطبة جمعة وإن أوهم تعبير الأصل بوقت فعله خلاف ذلك
ولهذا اقتصرت كالروضة وأصلها على وقته وإنما لم يصح التيمم قبل زوال النجاسة عن البدن للتضمخ بها مع كون التيمم طهارة ضعيفة لا لكون زوالها شرطا للصلاة وإلا لما صح التيمم قبل زوالها عن الثوب والمكان والوقت شامل لوقت الجواز ووقت العذر
ويدخل وقت صلاة الجنازة بانقضاء الغسل أو بدله ويتيمم للنفل المطلق في كل وقت أراده إلا وقت الكراهة
ويشترط العلم بالوقت فلو تيمم شاكا فيه لم يصح وإن صادفه ( وعلى فاقد ) الماء والتراب ( الطهورين ) كمحبوس بمحل ليس فيه واحد منهما ( أن يصلي الفرض ) لحرمة الوقت ( ويعيد ) إذا وجد أحدهما وإنما يعيد بالتيمم في محل يسقط به الفرض إذ لا فائدة في الإعادة في محل لا يسقط به الفرض
وخرج بالفرض النفل فلا يفعل ( ويقضي ) وجوبا ( متيمم ) ولو في سفر ( لبرد ) لندرة فقد ما يسخن به الماء أو يدثر به أعضاءه ( و ) متيمم ( لفقد ماء ) بمحل ( يندر ) فيه فقده ولو مسافرا لندرة فقده بخلافه بمحل لا يندر فيه ذلك ولو مقيما ( و ) متيمم ( لعذر ) كفقد ماء وجرح ( في سر معصية ) كآبق لأن عدم القضاء رخصة فلا تناط بسفر المعصية وضبطي للقضاء ولعدمه بما تقرر هو التحقيق
فضبط الأصل له بالتيمم في الإقامة لعدمه بالتيمم في السفر جرى على الغالب من غلبة الماء في الإقامة وعدمها في السفر ( لا ) متيمم في غير سفر المعصية ( لمرض يمنع الماء مطلقا ) أي في جميع أعضاء الطهارة ( أو في عضو لم يكثر دم جرحه ولا ساتر ) به من لصوق أو نحوه ( أو ) به ( ساتر ) من ذلك ( ووضع على طهر في غير عضو تيمم ) فلا يقضي لعموم المرض أو الجرح مع العفو عن قليل الدم وقياسا على ماسح الخف في الأخيرة بل أولى للضرورة هنا
والقيد الأخير مع التقييد بعدم كثرة الدم في الساتر من زيادتي
( وإلا ) بأن كثر الدم أو وضع الساتر على حدث أو على طهر في عضو التيمم ( قضى )
وإن لم يجب نزعه لفوات شرط الوضع على الطهر في الثانية ونقصان البدل والمبدل منه جميعا في الثالثة وحمله نجاسة غير معفو عنها في الأولى
ولكون التيمم طهارة ضعيفة لم يغتفر فيه الدم الكثير كما لا يغتفر فيه جواز تأخير الاستنجاء عنه بخلاف الطهر بالماء
ويمكن أيضا حمل ما هنا على كثير جاوز محله أو حصل بفعله فلا يخالف ما في شروط الصلاة على أن بعضهم جعل الأصح عدم العفو أخذا مما صححه في المجموع والتحقيق ثم من عدم العفو خلافا لما صححه في المنهاج والروضة ثم ( ويجب نزعه ) سواء وضعه على حدث وعليه اقتصر الأصل أم على طهر ( إن أمن ) محذورا مما مر وإلا فلا يجب
____________________
(1/48)
باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة والنفاس
والحيض لغة السيلان
يقال حاض الوادي إذا سال وشرعا دم جبلة يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات مخصوصة والاستحاضة دم علة يخرج من عرق فمه في أدنى الرحم يسمى العاذل بالمعجمة على المشهور سواء أخرج إثر حيض أم لا
والنفاس الدم الخارج بعد فراغ الرحم من الحمل
والأصل في الحيض آية { ويسألونك عن المحيض } أي الحيض
وخبر الصحيحين هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ( أقل سنه تسع سنين ) قمرية ( تقريبا ) فلو رأت الدم قيل تمام التسع بما لا يسع حيضا وطهرا فهو حيض وإلا فلا
والتسع في ذلك ليست ظرفا بل خبر فما قيل من أن قائل ذلك جعلها كلها ظرفا للحيض ولا قائل به ليس بشيء وتقريبا من زيادتي ( وأقله ) زمنا ( يوم وليلة ) أي قدر هما متصلا وهو أربع وعشرون ساعة
( وأكثره ) زمنا ( خمسة عشر يوما بلياليها ) وإن لم تتصل وغالبه ستة أو سبعة كل ذلك بالاستقراء من الإمام الشافعي رضي الله عنه ( كأقل ) زمن ( طهر بين ) زمني ( حيضتين ) فإنه خمسة عشر بلياليها لأن الشهر لا يخلو غالبا عن حيض وطهر
وإذا كان أكثر الحيض خمسة عشر لزم أن يكون أقل الطهر كذلك
وخرج يبين الحيضتين الطهر بين حيض ونفاس فإنه يجوز أن يكون أقل من ذلك تقدم أو تأخر كما سيأتي ( ولا حد لأكثره ) أي الطهر بالإجماع وغالبه بقية الشهر بعد غالب الحيض ( وحرم به ) أي بالحيض ( وبنفاس ما حرم بجنابة ) من صلاة وغيرها ( وعبور مسجد ) إن ( خافت تلويثه ) بمثلثة قبل الهاء بالدم لغلبته أو عدم إحكامها الشد صيانة للمسجد
فإن أمنته جاز لها العبور كالجنب وغيرها ممن به نجاسة مثلها في ذلك
( وطهر عن حدث ) أو لعبادة لتلاعبها إلا أغسال الحج ونحوها فتندب وهذا من زيادتي ( وصوم ) لخبر الصحيحين أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم ( ويجب قضاؤه ) بخلاف الصلاة كما سيأتي في بابها لخبر مسلم عن عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ولأنها تكثر فيشق قضاؤها بخلافه ( ومباشرة ما بين سرتها وركبتها ) بوطء أو غيره
وقيل لا يحرم غير الوطء وقواه في المجموع واختاره في التحقيق ولفظ مباشرة من زيادتي ( وطلاق بشرطه ) أي بشرط تحريمه الآتي في بابه من كونها موطوءة تعتد بأقراء مطلقة بلا عوض منها لتضررها بطول المدة
فإن زمن الحيض والنفاس لا يحسب من العدة والتصريح بهذا من زيادتي
( وإذا انقطع ) ما ذكر من حيض ونفاس
____________________
(1/49)
( لم يحل ) مما حرم به ( قبل طهر ) غسلا كان أو تيمما فهو أعم من قوله قبل الغسل ( غير صوم وطلاق وطهر ) فتحل لانتفاء علة التحريم وتحل الصلاة أيضا لفاقدة الطهورين بل تجب
وقولي وطهر من زيادتي ( والاستحاضة كسلس ) أي كسلس بول أو مذى فيما يأتي ( فلا تمنع ما يمنعه الحيض ) من صلاة وغيرها للضرورة
وتعبيري بذلك أعم من قوله
فلا تمنع الصوم والصلاة وإن كان في المتحيرة تفصيل يأتي ( فيجب أن تغسل مستحاضة فرجها فتحشوه ) بنحو قطنة ( فتعصبه ) بأن تشده بعد حشوه بذلك بخرقة مشقوقة الطرفين تخرج أحدهما أمامها والآخر وراءها وتربطهما بخرقة تشد بها وسط كالتكة ( بشرطهما ) أي الحشو والعصب أي بشرط وجوبهما بأن احتاجتهما ولم تتأذ بهما ولم تكن في الحشو صائمة وإلا فلا يجب
بل يجب على الصائمة ترك الحشو نهارا ولو خرج الدم بعد العصب لكثرته لم يضر أو لتقصيرها فيه ضر ( فتطهر ) بأن تتوضأ أو تتيمم وتفعل جميع ما ذكر ( لكل فرض )
وإن لم تزل العصابة عن محلها ولم يظهر الدم على جوانبها كالتيمم في غير دوام الحدث في التطهر وقياسا عليه في الباقي ( وقته ) لا قبله كالتيمم وذكر الحشو والترتيب مع قولي بشرطهما من زيادتي
وأفاد تعبيري بالفاء ما شرطه في التحقيق وغيره من تعقيب الطهر لما قبله وتعبيري بالتطهر أعم من تعبيره بالوضوء
( و ) أن ( تبادر به ) أي بالفرض بعد التطهر تقليلا للحدث بخلاف المتيمم في غير دوام الحدث ( ولا يضر تأخيرها ) الفرض ( لمصلحة كستر وانتظار جماعة ) وإجابة مؤذن واجتهاد في قبلة لأنها غير مقصرة بذلك
والتصريح بالوجوب في غير الوضوء والعصب من زيادتي ( ويجب طهر ) من غسل فرج ووضوء أو تيمم ( إن انقطع دمها بعده ) أي بعد الطهر ( أو فيه ) لاحتمال الشفاء والأصل عدم عود الدم
ويجب أيضا إعادة ما صلته بالطهر الأول لتبين بطلانه ( لا إن عاد قريبا ) بأن عاد قبل إمكان فعل الطهر والصلاة التي تتطهر لها سواء اعتدات انقطاعه زمنا يسع ذلك أم لم يسعه أم لم تعتد انقطاعه أصلا
وفي تعبيري بما ذكر سلامة مما أورد على كلامه كما لا يخفى على المتأمل
فصل إذا رأت ولو حاملا لا مع طلق دما ولو أصفر أو أكدر لزمن حيض قدره
يوما وليلة
____________________
(1/50)
فأكثر ( ولم يعبر ) أي يجاوز ( أكثره فهو مع نقاء تخلله حيض ) مبتدأة كانت أو معتادة
وخرج بزمن الحيض ما لو بقي عليها بقية طهر كأن رأت ثلاثة أيام دماثم اثني عشر نقاء ثم ثلاثة دما ثم انقطع فالثلاثة الأخيرة دم فساد لا حيض
ذكره في المجموع وهو وارد على تعبير الأصل بسن الحيض وتعبيري بقدره أولى من تعبيره بأقله لأن أقله لا يمكن أن يعبر أكثره وخرج بزيادتي لا مع طلق الدم الخارج مع طلقها فليس بحيض
كما أنه ليس بنفاس ( فإن عبره وكانت ) أي من عبر دمها أكثر الحيض وتسمى بالمستحاضة ( مبتدأة ) أي أول ما ابتدأها الدم ( مميزة بأن ترى قويا وضعيفا ) كالأسود والأحمر فهو ضعيف بالنسبة للأسود قوي بالنسبة للأشقر والأشقر أقوى من الأصفر وهو أقوى من الأكدر وما له رائحة كريهة أقوى مما لا رائحة له
والثخين أقوى من الرقيق
فالأقوى ما صفاته من نتن وثخن وقوة لون أكثر فيرجح أحد الدمين بما زاد منها فإن استويا فبالسق ( فالضعيف ) وإن طال ( استحاضة والقوي حيض إن لم ينقص عن أقله ولا عبر أكثره ولا نقص الضعيف عن أقل طهر ) بقيد زدته بقولي ( ولاء ) بأن يكون خمسة عشر يوما متصلة فأكثر تقدم القوي عليه أو تأخر أو توسط بخلاف ما لو رأت يوما أسود ويومين أحمر وهكذا إلى آخر الشهر لعدم اتصال خمسة عشر من الضعيف فهي فاقدة شرطا مما ذكر وسيأتي بيان حكمها ( أو ) كانت مبتدأة ( لا مميزة ) بأن رأته بصفة ( أو ) مميزة بأن رأته بأكثر لكن ( فقدت شرطا مما ذكر ) من الشروط ( فحيضها يوم وليلة وطهرها تسع وعشرون ) بشرط زدته بقولي ( إن عرفت وقت ابتداء الدم )
وإلا فمتحيرة وسيأتي بيان حكمها
وحيث أطلقت المميزة فالمراد بها الجامعة للشروط السابقة وأفاد تعبيري بما ذكر أن فاقدة شرط مما ذكر تسمى مميزة عكس ما يوهمه كلام الأصل
( أو ) كانت ( معتادة بأن سبق لها حيض وطهر )
وهي ذاكرة لهما وغير مميزة كما يعلم مما يأتي ( فترد إليهما ) قدرا ووقتا وتثبت العادة إن لم تختلف بمره ) لأنها في مقابلة الابتداء
فمن حاضت في شهر خمسة ثم استحيضت ردت إلى الخمسة كما ترد إليها لو تكررت وخرج بزيادتي إن لم تختلف ما لو اختلفت فإن تكرر الدور وانتظمت عادتها ونسيت انتظامهاأو لم نتنظم يتكرر الدور ونسيت النوبة الأخيرة فيهما حيضت أقل النوب واحتاطت في الزائد كما يعلم مما سيأتي أو لم تنسها ردت إليها واحتاطت في الزائد إن كان أو لم تنس انتظام العادة لم تثبت إلا بمرتين فلو حاضت في الشهر ثلاثة وفي ثانية خمسة وفي ثالثة سبعة ثم عاد دورها هكذا ثم استحيضت في الشهر السابع ردت فيه إلى ثلاثة وفي الثامن إلى خمسة وفي التاسع إلى سبعة وهكذا
____________________
(1/51)
( ويحكم لمعتادة مميزة بتمييز لا عادة ) مخالفة له بقيد زدته بقولي ( ولم يتخلل ) بينهما ( أقل طهر ) لأن التمييز أقوى من العادة لظهوره ولأنه علامة في الدم وهي علامة في صاحبته
فلو كانت عادتها خمسة من أول الشهر وبقيته طهر فرأت عشرة أسود من أول الشهر وبقيته أحمر حكم بأن حيضها العشرة لا الخمسة الأولى منها أما إذا تخلل بينهما أقل طهر كأن رأت بعد خمستها عشرين ضعيفا ثم خمسة قويا ثم ضعيفا فقدر العادة حيض للعادة والقوي حيض آخر
( أو ) كانت ( متحيرة ) وهي الناسية لحيضها قدرا أو وقتا سميت بذلك لتحيرها في أمرها
وتسمى محيرة أيضا لأنها حيرت الفقيه في أمرها ( فإن ) هو أولى من قوله بأن ( نسيت عادتها قدرا ووقتا ) وهي غير مميزة ( فكحائض ) في أحكامها السابقة كتمتع وقراءة في غير صلاة احتياطا لاحتمال كل زمن يمر عليها الحيض ( لا في طلاق وعبادة تفتقر لنية ) كصلاة وطواف وصوم فرضا أو نفلا احتياطا لاحتمال الطهر
وذكر حكم الطلاق من زيادتي ( وتغتسل لكل فرض ) في وقته لاحتمال الانقطاع حينئذ بقيد زدته بقولي ( إن جهلت وقت انقطاع ) للدم فإن علمته كعند الغروب لم يلزمها الغسل في كل يوم وليلة وإلا عند الغروب وتصلى به المغرب وتتوضأ لباقي الفرائض لاحتمال الانقطاع عند الغروب دون ما عداه نقله في المجموع عن الأصحاب
وإذا اغتسلت لا يلزمها المبادرة إلى الصلاة لكن لو أخرت لزمها الوضوء حيث يلزم المستحاضة المؤخرة معلوم أنه لا غسل على ذات التقطع في النقاء إذا اغتسلت فيه ( وتصوم رمضان ) لاحتمال أن تكون طاهرا جميعه ( ثم شهرا كاملا ) بأن تأتي بعد رمضان تاما أو ناقصا بثلاثين متوالية فقولي كاملا أولى من قوله كاملين ( فيبقى ) عليها ( يومان ) بقيد زدته بقولي ( إن لم تعتد الانقطاع ليلا ) بأن اعتادته نهارا أو أوشكت لاحتمال أن تحيض أكثر الحيض ويطرأ الدم في يوم وينقطع في آخر فيفسد ستة عشر يوما ( فتصوم لهما من الشهرين بخلاف ما إذا اعتادت الانقطاع ليلا فإنه لا يبقى عليها شيء
وإذا بقي عليها يومان ( فتصوم لهما من ثمانية عشر ) يوما ( ثلاثة أولها وثلاثة آخرها ) فيحصلان لأن الحيض إن طرأ في الأول منها فغايته أن ينقطع في السادس عشر
فيصح لها اليومان الأخيران وإن طرأ في الثاني صح الطرفان أو في الثالث صح الأولان أو في السادس عشر صح الثاني والثالث أو في السابع عشر صح السادس عشر والثالث عشر أو في الثامن عشر صح اللذان قبله
ويحصل اليومان أيضا بأن تصوم لهما أربعة أيام من أول الثمانية عشر واثنين آخرها أو بالعكس أو اثنين أولها واثنين آخرها واثنين وسطها وبأن تصوم لهما خمسة الأول والثالث والخامس والسابع عشر والتاسع عشر
____________________
(1/52)
( ويمكن قضاء يوم وثالثه وسابع عشره ) لأن الحيض إن طرأ في الأول سلم الأخير أو في الثالث سلم الأول وإن كان آخر الحيض الأول سلم الثالث أو الثالث سلم الأخير ولا يتعين الثالث والسابع عشر بل الشرط أن تترك أياما بين الخامس عشر وبين الصوم الثالث بقدر الأيام التي بين الصوم الأول والثاني أو أقل منها
( وأن ذكرت أحدهما ) بأن ذكرت الوقت دون القدر أو بالعكس ( ( فلليقين ) من حيض طهر ( حكمه وهي ) أي المتحيرة الذاكرة لأحدهما ( في ) الزمن ( المحتمل ) للحيض والطهر ( كناسية لهما ) فيما مر
ومنه غسلها لكل فرض وتعبيري بذلك أولى من قوله كحائض في الوطء وطاهر في العبادة لما لا يخفى
ومعلوم أنه لا يلزمها الغسل إلا عند احتمال الانقطاع ويسمى ما يحتمل الانقطاع طهرا مشكوكا فيه وما لا يحتمله حيضا مشكوكا فيه
ولذاكرة للوقت كأن تقول كان حيضي يبتدىء أول الشهر فيوم وليلة منه حيض بيقين ونصفه الثاني طهر بيقين وما بين ذلك يحتمل الحيض والطهر والانقطاع والذاكرة للقدر كأن تقول كان حيضي خمسة في العشر الأول من الشهر لا أعلم ابتداءها وأعلم أني في اليوم الأول طاهر فالسادس حيض بيقين والأول طهر بيقين كالعشرين الأخيرين والثاني إلى آخر الخامس محتمل للحيض والطهر والسابع إلى آخر العاشر محتمل لهما وللانقطاع ( وأقل النفاس مجة ) كما عبر بها في التنبيه والتحقيق وهي المراد بتعبير الروضة كأصلها بأنه لا حد لأقله أي لا يتقدر بل ما وجد منه وإن قل يكون نفاسا ولا يوجد أقل من مجة أي دفعة وعبر الأصل عن زمانها بلحظة وهو الأنسب بقولهم ( وأكثره ستون يوما وغالبه أربعون ) يوما وذلك باستقراء الإمام الشافعي رضي الله عنه ( وعبور ستين كعبور الحيض أكثره ) فينظر أمبتدأة في النفاس أم معتادة مميزة أم غير مميزة ذاكرة أم ناسية فترد المبتدأة المميزة إلى التمييز إن لم يزد القوى على ستين ولا يأتي هنا بقية الشروط وغير المميزة إلى مجة والمعتاد المميزة إلى التمييز لا العادة وغير المميزة الحافظة إلى العادة وتثبت إن لم تختلف بمرة وإلا ففيه التفصيل السابق في الحيض والمتحيرة تحتاط
____________________
(1/53)
كتاب الصلاة هي لغة ما مر أول الكتاب وشرعا أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم ولا ترد صلاة الأخرس لأن وضع الصلاة ذلك فلا يضر عروض مانع والمفروضات منها في كل يوم وليلة خمس كما هو معلوم من الدين بالضرورة ومما يأتي
والأصل فيها قبل الإجماع آيات كقوله تعالى { وأقيموا الصلاة } وأخبار كقوله صلى الله عليه وسلم فرض الله على أمتي ليلة الإسراء خمسين صلاة فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيف حتى جعلها خمسا في كل يوم وليلة ئ
وقوله لمعاذ لما بعثه إلى اليمن أخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة رواهما الشيخان وغيرهما
ووجوبها موسع إلى أن يبقى ما يسعها فإن أراد تأخيرها إلى أثناء وقتها لزمه العزم على فعلها على الأصح في المجموع والتحقيق
باب أوقاتها الترجمة به من زيادتي
ولما كان الظهر أول صلاة ظهرت وقد بدأ الله تعالى بها في قوله { أقم الصلاة لدلوك الشمس }
وكانت أول صلاة علمها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم بدأت كغيري بوقتها فقلت ( وقت ظهر بين ) وقتي ( زوال و ) زيادة ( مصير ظل الشيء مثله غير ظل استواء ) أي غير ظل الشيء حالة الاستواء إن كان
والأصل في المواقيت قوله تعالى { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه }
أراد بالأول الصبح وبالثاني الظهر والعصر وبالثالث المغرب والعشاء وخبر أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكان الفيء قدر الشراك والعصر حين كان ظله أي الشيء مثله والمغرب حين أفطر الصائم أي دخل وقت إفطاره والعشاء حين غاب الشفق والفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله
والعصر حين كان ظله مثليه والمغرب حين أفطر الصائم والعشاء إلى ثلث الليل والفجر
فأسفر وقال هذا وقت الأنبياء من قبلك
والوقت ما بين هذين الوقتين رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم وغيره
وقوله صلى بي الظهر حين كان ظله مثله أي فرغ منها حينئذ كما شرع في العصر في اليوم الأول حينئذ قاله الشافعي رضي الله عنه نافيا به اشتراكهما
____________________
(1/54)
في وقت واحد ويدل له خبر مسلم وقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم تحضر العصر
والزوال ميل الشمس عن الوسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء إلى جهة المغرب في الظاهر لنا لا في نفس الأمر وذلك بزيادة ظل الشيء على ظله حالة الاستواء أو بحدوثه إن لم يبق عنده ظل
قال الأكثرون للظهر ثلاثة أوقات وقت فضيلة أووله ووقت اختيار إلى آخره ووقت عذر وقت العصر لمن يجمع
وقال القاضي لها أربعة أوقات وقت فضيلة أوله إلى أن يصير ظل الشيء مثل ربعه ووقت اختيار إلى أن يصير مثل نصفه ووقت جواز الخ ووقت عذر وقت العصر لمن يجمع
ولها أيضا وقت ضرورة وسيأتي ووقت حرمة وهو الوقت الذي لا يسعها وإن وقعت أداء
لكنهما يجريان في غير الظهر وعلى هذا ففي قول الأكثرين والقاضي إلى آخره تسمح
( ف ) وقت ( عصر ) من آخر وقت الظهر ( إلى غروب ) للشمس لخبر جبريل السابق مع خبر الصحيحين ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر
وروي ابن أبي شيبة بإسناد في مسلم وقت العصر ما لم تغرب الشمس ( والاختيار ) وقته من ذلك أيضا ( إلى مصير الظل مثلين ) بعد ظل الاستواء إن كان لخبر جبريل السابق
وقوله فيه بالنسبة إليها الوقت ما بين هذين محمول على وقت الاختيار وبعده وقت جواز بلا كراهة إلى الاصفرار ثم بها إلى المغرب ولها وقت فضيلة أول الوقت ووقت ضرورة ووقت عذر وقت الظهر لمن يجمع ووقت تحريم
فلها سبعة أوقات ( ف ) وقت ( مغرب ) من الغروب ( إلى مغيب شفق ) لخبر مسلم وقت المغرب ما لم يغب الشفق وقيد الأصل الشفق بالأحمر ليخرج ما بعده من الأصفر ثم الأبيض وحذفته كالمحرر لقول الشافعي وغيره من أئمة اللغة إن الشفق هو الحمرة فإطلاقه على الآخرين مجاز فإن لم يغب الشفق لقصر ليالي أهل ناحيته كبعض بلاد المشرق اعتبر بعد الغروب زمن يغيب فيه شفق أقرب البلاد إليهم ولها خمسة أوقات وقت فضيلة واختيار أول الوقت ووقت جواز ما لم يغب الشفق ووقت عذر وقت العشاء لمن يجمع ووقت ضرورة ووقت حرمة
( ف ) وقت ( عشاء ) من مغيب الشفق ( إلى ) طلوع ( فجر صادق ) لخبر جبريل مع خبر مسلم
ليس في النوم تفريط وإنما تفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى ظاهره يقتضي امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الأخرى من الخمس أي غير الصبح لما يأتي في وقتها
وخرج بالصادق وهو المنتشر ضوؤه معترضا بنواحي السماء الكاذب وهو يطلع قبل الصادق مستطيلا ثم يذهب وتعقبه ظلمة ( والاختيار ) وقته من ذلك أيضا ( إلى ثلث ليل ) لخبر جبريل السابق وقوله فيه بالنسبة إليها الوقت ما بين هذين محمول على وقت الاختيار
ولها سبعة أوقات وقت فضيلة ووقت
____________________
(1/55)
اختيار ووقت جواز بلا كراهة إلى ما بين الفجرين وبها إلى الفجر الثاني ووقت حرمة ووقت ضرورة ووقت عذر وهو وقت المغرب لمن يجمع
( ف ) وقت ( صبح ) من الفجر الصادق ( إلى ) طلوع ( شمس ) لخبر مسلم وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس وفي الصحيحين خبر من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح وطلوعها هنا بطلوع بعضها بخلاف غروبها فيما مر إلحاقا لما لم يظهر بما ظهر فيهما ولأن الصبح يدخل بطلوع بعض الفجر فناسب أن يخرج بطلوع بعض الشمس ( والاختيار ) وقته من ذلك أيضا ( إلى إسفار ) وهو الإضاءة لخبر جبريل السابق وقوله فيه بالنسبة إليها الوقت ما بين هذين محمول على وقت الاختيار وبعده وقت جواز بلا كراهة إلى احمرار ثم بها إلى الطلوع وتأخيرها إلى أن يبقى ما لا يسعها حرام فعلها أول وقتها فضيلة
ولها وقت ضرورة فلها ستة أوقات
وتعبيري فيما ذكر بالفاء أولى من تعبيره فيه بالواو لإفادتها التعقيب المقصور ( وكره تسمية مغرب عشاء وعشاء عتمة ) للنهي عن الأول في خبر البخاري لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب أو تقول الأعراب هي العشاء وكف الثاني في خبر مسلم لا تغلبكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل بفتح أوله وضمه
وفي رواية بحلاب الإبل قال في شرح مسلم معناه أنهم يسمونها العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الإبل أي يؤخرونه إلى شدة الظلام فالعتمة شدة الظلمة وما ذكر من الكراهة في الثاني هو ما جزم به النووي في كتبه لكنه خالف في المجموع فقال نص الشافعي على أنه يستحب أن لا تسمى العشاء عتمة
وذهب إليه المحققون من أصحابنا وقالت طائفة قليلة يكره ( و ) كره ( نوم قبلها ) أي العشاء ( وحديث بعدها ) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكرههما رواه الشيخان
ولأنه بالأول يؤخر العشاء عن أول وقتها وبالثاني يتأخر نومه فيخاف فوت صلاة الليل إن كان له صلاة ليل أو فوت الصبح عن وقتها أو عن أوله
والمراد الحديث المباح في غير هذا الوقت
أما المكروه ثم فهو وهنا أشد كراهة ( إلا في خير ) كقراءة القرآن وحديث ومذاكرة علم وإيناس ضيف ومحادثة الرجل أهله لحاجة كملاطفة فلا يكره لأنه خير ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة وروى الحاكم عن عمران بن حصين قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل ( وسن تعجيل صلاة ) ولو عشاء ( لأول وقتها ) لخبر ابن مسعود سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال الصلاة لأول وقتها رواه الدار قطني وغيره
وقال الحاكم إنه على شرط الشيخين ولفظ الصحيحين لوقتها وأما خبر كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء فأجاب عنه في المجموع بأن تعجيلها هو الذي واظب عليه صلى الله عليه وسلم ثم قال لكن الأقوى دليلا تأخيرها إلى ثلث الليل أو نصفه
ويحصل تعجيل ( باشتغال ) أول وقتها ( بأسبابها ) كطهر وستر
____________________
(1/56)
إلى أن يفعلها وهذا من زيادتي
ولا يضر فعل راتبة ولا شغل خفيف وأكل لقم بل لو اشتغل بالأسباب قبل الوقت وأخر بقدرها الصلاة بعده لم يضر قاله في الذخائر
ويستثنى من سن التعجيل مع صور ذكرت بعضها في شرح الروض وغيره ما ذكرته بقولي ( و ) سن ( إبراد بظهر ) أي تأخير فعلها عن أول وقتها ( لشدة حر ببلد حار ) إلى أن يصير للحيطان ظل يمشي فيه طالب الجماعة لخبر الصحيحين إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة
وفي رواية للبخاري بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم أي هيجانها ولا يجاوز به نصف الوقت وهذا ( لمصلى جماعة بمصلى ) مسجد أو غيره ( يأتونه ) كلهم أو بعضهم ( بمشقة ) في طريقهم إليه فلا يسن في وقت ولا بلد باردين أو معتدلين ولا لمن يصلي ببيته منفردا أو جماعة ولا لجماعة بمصلي يأتونه بلا مشقة أو حضروه ولا يأتيهم غيرهم أو يأتيهم وبمشقة أعم من تعبيره بمسجد وبمن بعد وخرج بالظهر غيرها ولو جمعة لشدة خطر فوتها المؤدي إليه تأخيرها بالتكاسل ولأن الناس مأمورون بالتبكير إليها فلا يتأذون بالحر وما في الصحيحين من أنه صلى الله عليه وسلم كان يبرد بها بيان للجواز فيها مع عظمها مع أن التعليل الأول منتف في حقه صلى الله عليه وسلم ( ومن وقع في صلاته في وقتها ركعة ) فأكثر والباقي بعده ( فالكل أداء وإلا فقضاء )
لخبر الصحيحين من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة أي مؤداة ومفهومه أن من لم يدرك ركعة لا يدرك الصلاة مؤداة
والفرق أن الركعة تشتمل على معظم أفعال الصلاة إذ معظم الباقي كالتكرير لها
فجعل ما بعد الوقت تابعا لها بخلاف ما دونها ( ومن جهل الوقت ) لغيم أو حبس ببيت مظلم أو غير ذلك ولا يخبره به ثقة عن علم ( اجتهد ) إن قدر ( بنحو ورد ) كخياطة وصوت ديك مجرب سواء البصير والأعمى وله كالبصير العاجز تقليد مجتهد لعجزه في الجملة
قال النووي وللأعمى والبصير تقليد المؤذن الثقة العارف في الغيم لأنه لا يؤذن إلا في الوقت
أما في الصحو فكالمخبر عن علم ( فإن علم ) أن ( صلاته ) بالاجتهاد وقعت ( قبل وقتها ) وعلم بذلك فيه أو قبله أو بعده ( أعاد ) وجوبا فإن علم وقوعها فيه أو بعده أو لم يتبين الحال لم تجب الإعادة وتعبيري بالإعادة أعم من تعبيره بالقضاء
( ويبادر بفائت ) وجوبا إن فات بلا عذر وندبا إن فات بعذر كنوم ونسيان تعجيلا لبراءة الذمة
ولخبر الصحيحين من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها
( وسن ترتيبه ) أي الفائت فيقضي الصبح قبل الظهر وهكذا ( وتقديمه على حاضرة لم يخف فوتها ) محاكاة للأداء فإن خاف فوتها بدأبها وجوبا لئلا تصير فائتة
وتعبيري كالأصل وكثير بلم يخف فوتها صادق بما إذا أمكنه أن يدرك ركعة من الحاضرة فيسن تقديم الفائت
____________________
(1/57)
عليها في ذلك أيضا وبه صرح في الكفاية وإن اقتضت عبارة الروضة كالشر حين خلافه ويحمل إطلاق تحريم إخراج بعض الصلاة عن وقتها على غير هذا ونحوه
ولو تذكر فائتة بعد شروعه في حاضرة أتمها ضاق الوقت أو اتسع ولو شرع في فائتة معتقدا سعة الوقت فبان ضيقه عن إدراكها أداء وجب قطعها ( وكره ) كراهة تحريم كما صححه في الروضة والمجموع
هنا وكراهة تنزيه كما في التحقيق وفي الطهارة من المجموع ( في غير حرم مكة صلاة عند استواء ) للشمس حتى تزول ( إلا يوم جمعة ) للنهي عنها في خبر مسلم والاستثناء في خبر أبي داود وغيره
( و ) عند ( طلوع شمس وبعد ) صلاة ( صبح ) أداء لمن صلاها ( حتى ترتفع ) فيهما ( كرمح ) في رأى العين وإلا فالمسافة طويلة للنهي عنها في خبر الصحيحين
وليس فيه ذكر الرمح وهو تقريب
( و ) بعد صلاة ( عصر ) أداء ولو مجموعة في وقت الظهر ( وعند اصفرار ) للشمس ( حتى تغرب ) فيهما للنهي عنها في خبر الصحيحين ( إلا ) صلاة ( لسبب ) بقيد زدته بقولي ( غير متأخر ) عنها بأن كان متقدما أو مقارنا ( كفائتة ) فرض أو نفل بقيد زدته بقولي ( لم يقصد تأخيرها إليها ) ليقضيها فيها ( و ) صلاة ( كسوف وتحية ) لمسجد بقيد زدته بقولي ( لم يدخل ) إليه ( بنيتها فقط وسجدة شكر ) فلا تكره في هذه الأوقات لأنه صلى الله عليه وسلم فاته ركعتا سنة الظهر التي بعده فقضاهما بعد العصر رواه الشيخان
وأجمعوا على جواز صلاة الجنازة بعد الصبح والعصر وقيس بذلك غيره وحمل النهي فيما ذكر على صلاة لا سبب لها وهن النافلة المطلقة أولها سبب متأخر وسيأتي بيانها
وخرج بغير حرم مكة الصلاة بحرمها المسجد وغيره فلا تكره لخبر يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة تشاء من ليل أو نهار رواه الترمذي وغيره
وقال حسن صحيح وبغير متأخر ما لها سبب متأخر فتحرم كصلاة الإحرام وصلاة الاستخارة فإن سببهما وهو الإحرام والاستخارة متأخر
أما إذا قصد تأخير الفائتة إلى الأوقات المكروهة ليقضيها فيها أو دخل فيها المسجد بنية التحية فقط فلا تنعقد الصلاة
وكسجدة الشكر سجدة التلاوة إلا أن يقرأ آيتها في هذه الأوقات بقصد السجود أو يقرأ في غيرها ليسجد فيها وعدي كالمحرر وغيره
لأوقات الكراهة خمسة أجود من عده لها ثلاثة عند الاستواء وبعد الصبح حتى ترتفع الشمس كرمح وبعده العصر حتى تغرب
فإن كراهة الصلاة عند طلوع الشمس حتى ترتفع وعند الاصفرار حتى تغرب عامة لمن صلى الصبح والعصر ولغيره على العبارة الأولى خاصة بمن صلاهما على الثانية
____________________
(1/58)
فصل فيمن تجب عليه الصلاة وما يذكر معه ( إنما تجب على مسلم ) ولو فيما مضى فدخل المرتد ( مكلف ) أي بالغ عاقل ذكر أو غيره ( طاهر ) فلا تجب على كافر أصلي وجوب مطالبة بها في الدنيا لعدم صحتها منه
لكن تجب عليه وجوب عقاب عليها في الآخرة كما تقرر في الأصول لتمكنه من فعلها بالإسلام ولا على صبي ومجنون ومغمى عليه وسكران لعدم تكليفهم ولا على حائض ونفساء لعدم صحتها منهما ووجوبها على المتعدي بجنونه أو إغمائه أو سكره عند من عبر بوجوبها عليه وجوب انعقاد سبب كما تقرر في الأصول لوجوب القضاء عليه كما سيأتي ( فلا قضاء على كافر أصلي ) إذا أسلم ترغيبا له في الإسلام
ولقوله تعالى { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف }
وخرج بالأصلي المرتد فعليه بعد الإسلام قضاء ما فاته من الردة حتى زمن الجنون فيها تغليظا عليه بخلاف أمن الحيض والنفاس فيها كما يأتي
والفرق أن إسقاط الصلاة عن الحائض والنفساء عزيمة وعن المجنون رخصة والمرتد ليس من أهلها وما وقع في المجموع من قضاء الحائض المرتدة زمن الجنون سبق قلم ( ولا ) قضاء على ( صبي ) ذكر أو غيره إذا بلغ
( ويؤمر بها مميز لسبع ويضرب عليها ) أي على تركها ( لعشر ) لخبر أبي داود وغيره مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها
وهو كما في المجموع حديث صحيح ( كصوم أطاقه ) فإنه يؤمر به لسبع ويضرب عليه لعشر كالصلاة وذكر الضرب عليه من زيادتي والأمر به ذكره الأصل في بابه
قال في المجموع والأمر والضرب واجبان على الولي أبا كان أو جدا أو وصيا أو قيما من جهة القاضي وفي الروضة كأصلها يحب على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الطهارة والصلاة بعد سبع سنين وضربهم على تركها بعد عشر وقولهم لسبع وعشر أي لتمامهما
وقال الصيمري يضرب في أثناء العاشرة وجزم به ابن المقري وقولي مميز من زيادتي
( ولا ) قضاء على ( ذي جنون أو نحوه ) كإغماء وسكر بلا ( تعد ) إذا أفاق ( في غير ردة و ) غير ( نحو سكر ) كإغماء ( بتعد )
أما فيهما كأن ارتد ثم جن أو أغمي عليه أو سكر بلا تعد وكأن سكر أو أغمي عليه بتعد ثم جن أو أغمي عليه أو سكر بلا تعد فيقضي مدة الجنون أو الإغماء والسكر الحاصلة في مدة الردة والسكر والإغماء بتعد لعديه
وخرج بقولي بلا تعد ما لو تعدى بذلك فعليه
____________________
(1/59)
القضاء ولو سكر مثلا بتعد ثم جن بلا تعد قضى مدة السكر لا مدة جنونه بعدها بخلاف مدة جنون المرتد كما علم ذلك لأن من جن في ردته مرتد في جنونه حكما ومن جن في سكره ليس بسكران في دوام جنونه قطعا وقولي أو نحوه أعم من قوله أو إغماء وبلا تعد إلى آخره من زيادتي
( ولا ) على ( حائض ونفساء ) ولو في ردة إذا طهرتا وتقدم الفرق بينهما وبين المجنون وذكر النفساء من زيادتي ثم بينت وقت الضرورة
والمراد به وقت زوال موانع الوجوب فقلت ( ولو زالت الموانع ) المذكورة أي الكفر الأصلي والصبا والجنون والإغماء والحيض والنفاس ( و ) قد ( بقي ) من الوقت ( قدر ) زمن ( تحرم ) فأكثر ( وخلا ) الشخص ( منها قدر الطهر والصلاة لزمت ) أي صلاة الوقت لإدراك جزء من وقتها كما يلزم المسافر إتمامها باقتدائه بمقيم في جزء منها ( مع فرض قبلها إن صلح لجمعه معها وخلا ) الشخص من الموانع ( قدره ) أيضا لأن وقتها وقت له حالة العذر
فحالة الضرورة أولى فيجب الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء لا العشاء مع الصبح ولا الصبح مع الظهر ولا العصر مع المغرب لانتفاء صلاحية الجمع هذا إن خلا مع ذلك من الموانع قدر المؤداة فإن خلا قدرها وقدر الطهر فقط تعينت أو مع ذلك قدر ما يسع التي قبلها تعينتا
أما إذا لم يبق من وقتها قدر تحرم أو لم يخل الشخص القدر المذكور فلا تلزم إن لم تجمع مع ما بعدها وإلا لزمت معها في الشق الأول بالشرط السابق والتقييد بالخلو المذكور في الموضعين من زيادتي ( ولو بلغ فيها ) بالسن ( أتمها ) وجوبا ( وإجزأته ) لأنه أداها بشرطها فلا يؤثر تغيير حاله بالكمال كالعبد إذا عتق في الجمعة ( أو ) بلغ ( بعدها ) ولو في الوقت بالسن أو بغيره ( فلا إعادة ) واجبة كالعبد إذا عتق بعد الجمعة ( ولو طرأ مانع ) من جنون أو إغماء أو حيض أو نفاس ( في الوقت ) أي في أثنائه
واستغرق المانع باقيه ( وأدرك ) منه ( قدر صلاة وطهر لا يقدم ) أي لا يصح تقديمه عليه كتيمم ( لزمت ) مع فرض قبلها إن صلح لجمعه معها وأدرك قدره كما فهم مما مر بالأولى ليمكنه من فعل ذلك ولا يجب معها ما بعدها وإن صلح لجمعه معها وفارق عكسه بأن وقت الأولى لا يصلح للثانية إلا إذا صلاهما جمعا بخلاف العكس
فإن صح تقديم طهره على الوقت كوضوء رفاهية لم يشترط إدراك قدر وقته لإمكان تقديمه عليه
أما إذا لم يدرك قدر ذلك فلا يجب لعدم تمكنه من فعله وتعبيري بما ذكر أعم من قوله ولو حاضت أو جن والتقييد بطهر لا يقدم من زيادتي
____________________
(1/60)
& باب & بالتنوين ( سن ) على الكفاية ( أذان ) بمعجمة ( وإقامة ) لمواظبة السلف والخلف عليهما
ولخبر الصحيحين إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ( لرجل ولو منفردا ) بالصلاة وإن بلغه أذان غيره ( لمكتوبة ولو فائتة ) لما مر وللخبر الآتي ولخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم نام هو وأصحابه عن الصبح حتى طلعت الشمس فساروا حتى ارتفعت ثم نزل فتوضأ ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلى صلاة الغداة بخلاف المنذورة وصلاة الجنازة والنافلة
( و ) سن له ( رفع صوته بأذان في غير مصلى أقيمت فيه جماعة وذهبوا )
روى البخاري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدري قال له إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي سمعت ما قلته لك بخطاب لي ويكفي في أذان المنفرد إسماع نفسه بخلاف أذان الإعلام كما سيأتي
( و ) سن ( عدمه فيه ) أي عدم رفع صوته بالأذان في المصلى المذكور لئلا يتوهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى
والتصريح بسن رفع الصوت وعدم رفعه لغير المنفرد مع قولي وذهبوا من زيادتي وبه صرح في الروضة وأصلها وتعبيري بمصلى أعم سن تعبيره بمسجد وتعبيره بسن عدم الرفع فيما ذكر أولى مما ذكره لأنه إنما يفيد عدم السن وسن إظهار الأذان في البلد وغيرها بحيث يسمعه كل من أصغى إليه من أهل ذلك البلد أو غيره
( و ) سن ( إقامة ) لا أذان ( لغيره ) أي للمرأة والخنثى منفردين أو مجتمعين لأنها الاستنهاض الحاضرين فلا تحتاج إلى رفع صوت والأذان لإعلام الغائبين فيحتاج فيه إلى الرفع
والمرأة يخاف من رفع صوتها الفتنة وألحق بها الخنثى احتياطا فإن أذنا للنساء بقدر ما يسمعن لم يكره وكان ذكر الله تعالى أو فوقه كره بل حرم إن كان ثم أجنبي وذكر سن الإقامة للمرأة المنفردة وللخنثى من زيادتي ( وأن يقال في نحو عيد ) من نفل تشرع فيه الجماعة وصلى جماعة ككسوف وتراويح ( الصلاة جامعة ) لورود في خبر الصحيحين في كسوف الشمس
ويقاس به نحوه والجزآن منصوبان الأول بالإغراء والثاني بالحالية ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر ورفع أحدهما ونصب الآخر كما بينته في شرح الروض وكالصلاة جامعة الصلاة كما نص عليه في الأم
( و ) أن ( يؤذن للأولى فقط من صلوات والاها ) كفوائت وصلاتي جمع وفائتة وحاضرة دخل وقتها قبل شروعه في الأذان ويقيم لكل للاتباع في الأولين رواه في أولاهما الشافعي
____________________
(1/61)
وأحمد بإسناد صحيح
وفي ثانيتها الشيخان وقياسا في الثالثة فإن لم يوال أو والى فائتة وحاضرة لم يدخل وقتها قبل شروعه في الأذان لم يكف لغير الأولى الأذان لها وتعبيري بذلك أولى من قوله
فإن كانت فوائت لم يؤذن لغير الأولى
( ومعظم الأذان مثنى ) وهو معدول عن اثنين اثنين ( و ) معظم ( الإقامة فرادى ) قيدت من زيادتي بالمعظم لأن التكبير أول الأذان أربع والتوحيد آخره واحد والتكبير الأول والأخير ولفظ الإقامة فيها مثنى مع أن الأصل استثنى لفظ الإقامة واعتذر في دقائقه عن ترك التكبير بأنه لما كان على نصف لفظه في الأذان كان كأنه فرد والأصل في ذلك خبر الصحيحين أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة
والمراد منه ما قلناه فالإقامة إحدى عشرة كلمة والأذان تسع عشرة كلمة بالترجيع وسيأتي
( وشرط فيهما ترتيب وولاء ) بين كلماتهما مطلقا ( ولجماعة جهر ) بحيث يسمعون لأن ترك كل منهما يخل بالإعلام
ويكفي إسماع واحد منهم ولا يضر في الولاء تخلل يسير سكوت أو كلام ( و ) شرط فيهما ( عدم بناء غير ) على أذانه أو إقامته لأن ذلك يوقع في لبس
وهذا وما قبله من اشتراط الجهر مطلقا واشتراط الترتيب والولاء في الإقامة من زيادتي ( ودخول وقت ) لأن ذلك للإعلام به فلا يصح قبله ( إلا أذان صبح فمن نصف ليل ) يصح
والأصل فيه خبر الصحيحين إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم
( و ) شرط ( في مؤذن ومقيم إسلام وتمييز ) مطلقا ( ولغير نساء ذكورة ) فلا يصح ذلك من كافر وغير مميز لأنه عبادة وليسا من أهلها ولا من امرأة وخنثى لرجال وخناثى كإماماتهما لهم
أما المؤذن والمقيم للنساء فلا يشترط فيهما ذكورة وعلم مما مر أن الخنثى يسن له الإقامة لنفسه دون الأذان وذكر المقيم وتقييد الذكورة بغير النساء من زيادتي
( وسن إدراجها ) أي الإقامة أي الإسراع بها ( وخفضها ) وهو من زيادتي ( وترتيله ) أي الأذان أي التأني فيه للأمر بذلك في خبر الحاكم إلا الخفض
ولأن الأذان للغائبين والإقامة للحاضرين فاللائق بكل منهما ما ذكر فيه ( وترجيع فيه ) أي في الأذان لوروده في خبر مسلم وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين بخفض الصوت قبل إعادتهما برفعه فهو اسم للأول كما في المجموع وغيره في شرح مسلم أنه للثاني
وقضية كلام الروضة كأصلها أنه لهما وسمي بذلك لأن المؤذن رجع إلى رفع الصوت بعد أن تركه أو إلى الشهادتين بعد ذكرهما ( وتثويب ) بمثلثة من ثاب إذا رجع ( في ) أذاني ( صبح ) لوروده في خبر أبي داود وغيره بإسناذ جيد كما في المجموع وهو أن يقول بعد الحيعلتين الصلاة خير من النوم مرتين وخرج بالصبح ما عداها فيكره فيه التثويب كما في الروضة ( وقيام فيهما ) أي في الأذان والإقامة على عال إن احتيج إليه لخبر الصحيحين يا بلال قم فناد
ولأنه أبلغ في الإعلام ووضع مسبحتيه
____________________
(1/62)
في صماخي أذنيه في الأذان ( و ) لوجه ( القبلة ) لأنها أشرف الجهات ولأن توجهها هو المنقول سلفا وخلفا وذكر سن القيام والتوجه في الإقامة مع جعل كل منهما سنة مستقلة من زيادتي وكذا قولي ( وأن يلتفت بعنقه فيهما يمينا مرة في حي على الصلاة ) مرتين في الأذان ومرة في الإقامة ( وشمالا مرة في حي على الفلاح )
كذلك من غير تحويل صدره عن القبلة وقدميه عن مكانهما لأن بلالا كان يفعل ذلك في الأذان كما في الصحيحين
وقيس به الإقامة واختص الالتفات بالحيعلتين لأنهما خطاب آدمي كالسلام من الصلاة بخلاف غيرهما ( و ) أن ( يكون كل ) من المؤذن والمقيم ( عدلا ) في الشهادة لأنه يخبر بأوقات الصلوات
فهو أولى من الصبي والعبد بذلك ( صيتا ) أي عالي الصوت لأنه أبلغ في الإعلام ( حسن الصوت ) لأنه أبعث على الإجابة بالحضور
( وكرها ) أي الأذان والإقامة ( من فاسق ) لأنه لا يؤمن أن يأتي بها في غير الوقت ( وصبي ) كالفاسق ( وأعمى وحده ) لأنه ربما يغلط في الوقت وذكر الثلاثة من زيادتي ( ومحدث ) لخبر الترمذي لا يؤذن إلا متوضىء
وقيس بالأذان الإقامة ( و ) الكراهة ( لجنب أشد ) منها للمحدث لغلظ الجنابة ( و ) هي ( في إقامة ) منهما ( أغلظ ) منها في أذانهما لقربها من الصلاة ( وهما ) أي الأذان والإقامة أي مجموعهما كما صرح به النووي في نكته وإن اقتصر في الأصل كغيره على الأذان ( أفضل من الإمامة )
قالوا الخبر لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ولأنه لإعلامه بالوقت أكثر نفعا منها ( وسن مؤذنان لمصلى ) مسجدا أو غيره تأسيا به صلى الله عليه وسلم ( فيؤذن واحد ) للصبح ( قبل فجر ) بعد نصف الليل ( وآخر بعده ) لخبر إن بلالا يؤذن بليل السابق فإن لم يكن إلا واحد أذن لها المرتين ندبا أيضا فإن اقتصر على مرة فالأولى أن يكون بعد الفجر وقولي لمصلى أعم من قوله لمسجد ( و ) سن ( لسامعهما ) أي لسامع المؤذن والمقيم قالوا ولو محدثا حدثا أكبر
( مثل قولهما ) لخبر مسلم إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ويقاس بالمؤذن المقيم وهو من زيادتي ( إلا في حيعلات وتثويب وكلمتي إقامة فيحولق ) في كل كلمة في الأول بأن يقول لا حول ولا قوة إلا بالله
لقوله في خبر مسلم وإذا قال حي على الصلاة قال أي سامعه لا حول ولا قوة إلا بالله وإذا قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله
أي لا حول عن معصية الله إلا به ولا قوة على طاعته إلا بمعونته
ويقاس بالأذان الإقامة قال في المهمات والقياس أن السامع يقول في قول المؤذن ألا صلوا في رحالكم لا حول ولا قوة إلا بالله
والحيعلة مركبة من حي على الصلاة وحي على الفلاح
____________________
(1/63)
والحولقة من لا حول ولا قوة إلا بالله ويقال فيها الحوقلة ( و ) يقول في الثاني ( صدقت وبررت ) مرتين لخبر ورد فيه قاله ابن الرفعة وبررت بكسر الراء أي صرت ذا بر أي خير كثير ( و ) في الثالث ( أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها ) لوروده في خبر أبي داود وهذا من زيادتي
والقياس أن يأتي به مرتين ( و ) سن ( لكل ) من مؤذن ومقيم وسامع ومستمع ( أن يصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغ ) من الأذان أو الإقامة لخبر مسلم السابق
ويقاس بالسامع فيه غيره ممن ذكر ( ثم ) يقول ( اللهم رب هذه الدعوة ) أي الأذان أو الإقامة ( إلى آخره ) تتمته كما في الأصل التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته
والتامة السالمة من تطرق نقص إليها والقائمة أي التي ستقام والوسيلة منزلة في الجنة والمقام المحمود مقام الشفاعة في فصل القضاء يوم القيامة والذي منصوب بدلا مما قبله أو بتقدير أعني أو مرفوع خبر لمبتدأ محذوف وذكر ما يقال بعد الإقامة مع ذكر السلام من زيادتي
باب بالتنوين ( التوجه ) للقبلة بالصدر لا بالوجه ( شرط لصلاة قادر ) عليه لقوله تعالى { فول وجهك شطر المسجد الحرام }
____________________
(1/64)
أي جهته والتوجه لا يجب في غير الصلاة فتعين أن يكون فيها ولخبر الشيخين أنه صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين قبل الكعبة أي وجهها
وقال هذه القبلة مع خبر صلوا كما رأيتموني أصلي
فلا تصح الصلاة بدونه إجماعا أما العاجز عنه كمريض لا يجد من يوجهه إليها ومربوط على خشبة فيصلي على حاله ويعيد وجوبا ( إلا في ) صلاة ( شدة خوف ) مما يباح من قتال أو غيره فرضا كانت أو نفلا فليس التوجه بشرط فيها كما سيأتي في بابه للضرورة ( و ) إلا في ( نفل سفر ) بقيدين زدتهما بقولي ( مباح لقاصد ) محل ( معين ) وإن قصر السفر لأن النفل يتوسع فيه كجوازه قاعدا للقادر ( فللمسافر ) سفرا مباحا ( تنفل ) ولو راتبا صوب مقصده كما يعلم مما يأتي ( راكبا وماشيا ) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت به أي في جهة مقصده رواه الشيخان وفي رواية لهما غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة وقيس بالراكب الماشي وخرج بما ذكر العاصي بسفر والهائم والمقيم
ويشترط مع ذلك ترك الفعل الكثير كركض وعدو بلا حاجة ( فإن سهل توجه راكب غير ملاح بمرقد ) كهودج وسفينة في جميع صلاته ( وإتمام الأركان ) كلها أو بعضها هو أعم من قوله وإتمام ركوعه وسجوده ( لزمه ) ذلك لتيسره عليه ( وإلا ) أي وإن لم يسهل ذلك ( فلا ) يلزمه شيء منه ( إلا توجه في تحرمه إن سهل ) بأن تكون الدابة واقفة وأمكن انحرافه عليها أو تحريفها أو سائرة وبيده زمامها وهي سهلة
فإن لم يسهل ذلك بأن تكون صعبة أو مقطورة ولم يمكنه انحرافه عليها ولا تحريفها لم يلزمه توجه للمشقة واختلال أمر السير عليه وخرج بزيادتي غير ملاح ملاح السفينة وهو مسيرها فلا يلزمه توجه لأن تكليفه ذلك يقطعه عن النفل أو عمله
وما ذكرته من الاستثناء الأخير هو ما ذكره الشيخان وقضيته أنه لا يلزمه التوجه في غير التحرم وإن سهل ويمكن الفرق بأن الانعقاد يحتاط له مالا يحتاط لغيره
لكن قال الأسنوي ما ذكراه بعيد
ثم نقل ما يقتضي خلاف ما ذكراه ( ولا ينحرف ) عن صوب طريقه لأنه بدل عن القبلة
____________________
(1/65)
( إلا لقبلة ) لأنها الأصل فإن انحرف إلى غيرها بطلت صلاته إلا أن يكون جاهلا أو ناسيا أو جمحت دابته وعاد عن قرب ( ويكفيه إيماء ) وهو أولى من قوله ويومىء ( بركوعه وسجوده ) حالة كونه ( أخفض ) من الركوع تمييزا بينهما وللاتباع رواه الترمذي وكذا البخاري
لكن بدون تقييد السجود بكونه أخفض وبذلك علم أنه لا يلزمه في سجوده وضع جبهته على عرف الدابة أو سرجها أو نحوه ( والماشي يتمهما ) أي الركوع والسجود ( ويتوجه فيهما وفي تحرمه ) وفيما زدته بقولي ( وجلوسه بين سجدتيه ) لسهولة ذلك عليه بخلاف الراكب وله المشي فيما عدا ذلك كما علم مما تقرر لطول زمنه أو سهولة المشي فيه ( ولو صلى ) شخص ( فرضا ) عينيا أو غيره ( على دابة واقفة وتوجه ) إلى القبلة ( وأتمه ) أي الفرض فهو أعم من قوله وأتم ركوعه وسجوده ( جاز )
وإن لم تكن معقولة لاستقراره في نفسه ( وإلا ) بأن تكون سائرة أو لم يتوجه أو لم يتم الفرض ( فلا ) يجوز لرواية الشيخين السابقة
ولأن سير الدابة منسوب إليه بدليل جواز الطواف عليها فلم يكن مستقرا في نفسه نعم إن خاف من نزوله عنها انقطاعا عن رفقته أو نحوه صلى عليها وأعاد كما مر وبما تقرر علم أن قولي وإلا فلا أولى من قوله أو سائرة فلا ولو صلى على سرير محمول على رجال سائرين به صح ( ومن صلى في الكعبة ) فرضا أو نفلا ولو في عرصتها لو انهدمت ( أو على سطحها وتوجه شاخصا منها ) كعتبتها أو بابها وهو مردود أو خشبة مبنية أو مسمرة فيها أو تراب جمع منها ( ثلثي ذراع ) بذراع الآدمي ( تقريبا ) من زيادتي ( جاز ) أي ما صلاة بخلاف ما إذا كان
____________________
(1/66)
الشاخص أقل من ثلثي ذراع
لأنه سترة المصلى فاعتبر فيه قدرها وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال كمؤخرة الرحل رواه مسلم
وقولي شاخصا منها أعم مما ذكره ( ومن أمكنه علمها ) أي الكعبة بقيد زدته بقولي ( ولا حائل ) بينه وبينها كأن كان في المسجد أو على جبل أبي قبيس أو سطح بحيث يعاينها ( لم يعمل بغيره ) أي بغير علمه من تقليد أو قبول خبر أو اجتهاد لسهولة علمها في ذلك وكالحاكم إذا وجد النص فتعبيري بذلك أعم من تعبيره بالتقليد والاجتهاد
( وإلا ) أي وإن لم يمكنه علمها أو أمكنه وثم حائل كجبل وبناء ( اعتمد ثقة ) ولو عبدا أو امرأة ( يخبر عن علم ) لا عن اجتهاد كقوله أنا أشاهد الكعبة ولا يكلف المعاينة بصعود حائل أو دخول المسجد للمشقة
وليس له أن يجتهد مع وجود إخبار الثقة وفي معناه رؤية محاريب المسلمين ببلد كبير أو صغير يكثر طارقوه وخرج بالثقة غيره كفاسق وصبي مميز ( فإن فقده ) أي الثقة المذكورة ( وأمكنه اجتهاد ) بأن كان عارفا بأدلة الكعبة كالشمس والقمر والنجوم من حيث دلالتها عليها ( اجتهد لكل فرض ) بقيد زدته بقولي ( إن لم يذكر الدليل ) الأول إذ لا ثقة ببقاء الظن بالأول
وتعبيري بالفرض أي العيني أولى من تعبيره بالصلاة ومحل جواز الاجتهاد فيما إذا كان ثم حائل أن لا يبنيه بلا حاجة وإلا فليس له الاجتهاد لتفريطه ( فإن ضاق وقته ) عن الاجتهاد هذا من زيادتي ( أو تحير ) المجتهد لظلمة أو تعارض أدلة أو غير ذلك ( صلى ) إلى أي جهة شاء للضرورة ( وأعاد ) وجوبا فلا يقلد لقدرته على الاجتهاد
ولجواز زوال التحير في صورته ( فإن عجز عنه ) أي عن الاجتهاد في الكعبة ولم يمكنه تعلم
____________________
(1/67)
أدلتها ( كأعمى ) البصر أو البصيرة ( قلد ثقة عارفا ) بأدلتها ولو عبدا أو امرأة ولا يعيد ما صلاه بالتقليد
( ومن أمكنه تعلم أدلتها لزمه ) تعلمها كتعلم الوضوء ونحوه ( وهو ) أي تعلمها ( فرض عين لسفر ) فلا يقلد فإن ضاق الوقت عن تعلمها صلى كيف كان وأعاد وجوبا ( و ) فرض ( كفاية لحضر ) وإطلاق الأصل أنه واجب محمول على هذا التفصيل وقيد السبكي السفر بما يقل فيه العارف بالأدلة
فإن كثر كركب الحاج فكالحضر ( ومن صلى باجتهاد ) منه أو من مقلدة ( فتيقن خطأ معينا ) في جهة أو تيامن أو تياسر ( أعاد ) وجوبا صلاته وإن لم يظهر له الصواب لأنه تيقن الخطأ فيما يأمن مثله في الإعادة كالحاكم يحكم باجتهاد ثم يجد النص بخلافه
احترزوا بقولهم فيما يأمن مثله في الإعادة عن الأكل في الصوم ناسيا والخطأ في الوقوف بعرفة حيث لا تجب الإعادة لأنه لا يأمن مثله فيها
( فلو تيقنه فيها استأنفها ) وجوبا وإن لم يظهر له الصواب وخرج بتيقن الخطأ ظنه
والمراد بتيقنه ما يمتنع معه الاجتهاد فيدخل فيه خبر الثقة عن معاينة ( وإن تغير اجتهاده ) ثانيا ( عمل بالثاني ) لأنه الصواب في ظنه ( ولا إعادة ) لما فعله بالأول لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد والخطأ فيه غير معين ( فلو صلى أربع ركعات لأربع جهات به ) أي بالاجتهاد ( فلا إعادة ) لها لذلك ولا يجتهد في محراب النبي صلى الله عليه وسلم يمنة ولا يسرة ولا في محاريب المسلمين جهة
____________________
(1/68)
باب صفة أي كيفية الصلاة وهي تشتمل على فروض تسمى أركانا وعلى سنن يسمى ما يجبر بالسجود منها بعضا وما لا يجبر هيئة
وعلى شروط تأتي في بابها ( أركانها ) ثلاثة عشر بجعل الطمأنينة في محالها الأربعة هيئة تابعة للركن وفي الروضة سبعة عشر بعد الطمأنينة في محالها أركانا وهو اختلاف لفظي
وبعد المصلى ركنا على قياس عد الصائم والعاقد في الصوم والبيع ركنين تكون الجملة ثمانية عشر أحدها ( نية ) لما مر في الوضوء وهي معتبرة هنا وفي سائر الأبواب ( بقلب ) فلا يكفي النطق مع غفلته ولا يضر النطق بخلاف ما فيه كأن نوى الظهر فسبق لسانه إلى غيرها ( لفعلها ) أي الصلاة
ولو نفلا لتتميز عن بقية الأفعال فلا يكفي إحضارها في الذهن مع الغفلة عن فعلها لأنه المطلوب وهي هنا ما عدا النية لأنها لا تنوي ( مع تعيين ذات وقت أو سبب ) كصبح وسنته لتتميز عن غيرها فلا تكفي نية صلاة الوقت ( ومع نية فرض فيه ) أي في الفرض ولو كفاية أو نذرا ليتميز عن النفل
ولبيان حقيقته في الأصل وشمل ذلك المعادة نظرا لأصلها وسيأتي بيانها في باب صلاة الجماعة وصلاة الصبي وهو ما صححه فيها في الروضة كأصلها لكنه ضعفه في المجموع وغيره وصحح خلافه بل صوبه
قال إذ كيف ينوي الفرضية وصلاته لا تقع فرضا
ويؤخذ جوابه من تعليلنا الثاني وبما ذكر علم أنه يكفي للنفل المطلق هو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب نية فعل الصلاة لحصوله بها
وألحق بعضهم به تحية المسجد وركعتي الوضوء والإحرام وركعتي الطواف والاستخارة وعليه تكون مستثناة مما مر
( وسن نية نفل فيه ) أي في النفل خروجا من الخلاف وإنما لم يجب فيه للزوم النفلية له بخلاف الفرضية للظهر ونحوها ( و ) سن ( إضافة لله تعالى ) خروجا من الخلاف وإنما لم تجب لأن العبادة لا تكون إلا له تعالى والتصريح بسن هذين من زيادتي
( ونطق ) بالمنوي ( قبل التكبير ) ليساعد اللسان القلب ( وصح أداء بنية قضاء وعكسه ) بقيد زدته بقولي ( لعذر ) من غيم
____________________
(1/69)
ونحوه لأن كلامهما يأتي بمعنى الآخر بخلاف ما لو نواه مع علمه بخلافه فلا يصح لتلاعبه
( و ) ثانيها ( تكبير تحرم ) سمى بذلك لأن المصلي يحرم عليه به ما كان حلالا له من مفسدات الصلاة ودليل وجوبه خبر المسيىء صلاته إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها رواه الشيخان وفي رواية للبخاري ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوى قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها
وفي صحيح ابن حبان بدل قوله حتى تعتدل قائما حتى تطمئن قائما ( مقرونا به النية ) بأن يقرنها بأوله ويستصحبها إلى آخره
لكن النووي اختار في مجموعه وغيره تبعا للإمام الغزالي الاكتفاء بالمقارنة العرفية بحيث يعد عرفا أنه مستحضر للصلاة
( وتعين ) فيه على القادر على النطق به ( الله أكبر ) للاتباع رواه ابن ماجه وغيره مع خبر البخاري صلوا كما رأيتموني أصلي فلا يكفي الله كبير ولا الرحمن أكبر ( ولا يضر ما لا يمنع الاسم ) أي اسم التكبير ( كالله الأكبر ) والله الجليل أكبر والله عز وجل أكبر ( لا أكبر الله ) ولا الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس أكبر
لأن ذلك لا يسمى تكبيرا ويجب إسماع التكبير نفسه إن كان صحيح السمع ولا عارض من لغط أو نحوه ( ومن عجز ) بفتح الجيم أفصح من كسرها عن نطقه بالتكبير بالعربية
( ترجم ) عنه وجوبا بأي لغة شاء ولا يعدل إلى غيره من الأذكار ( ولزمه تعلم إن قدر ) عليه ولو بسفر وبعد التعليم لا يلزمه قضاء ما صلاة بالترجمة إلا إن أخر التعلم مع التمكن منه وضاق الوقت فإنه لا بد من صلاته بالترجمة لحرمته ويلزمه القضاء لتفريطه ويلزم الأخرس تحريك لسانه وشفتيه ولهاته بالتكبير قدر إمكانه وهكذا حكم سائر أذكاره الواجبة من تشهد وغيره قال ابن الرفعة فإن عجز عن ذلك نواه بقلبه كما في المريض ( وسن لإمام جهر بتكبير ) أي تكبير التحرم وغيره من تكبيرات الانتقالات ليسمع المأمومون أو بعضهم فيعلموا صلاته بخلاف غير الإمام وهذا
____________________
(1/70)
من زيادتي
وكإمام مبلغ احتيج إليه ( و ) سن ( لمصل ) من إمام وغيره ( رفع كفيه ) للقبلة مكشوفتين منشورتي الأصابع مفرقة وسطا ( مع ) ابتداء تكبير ( تحرمه حذو ) بذال معجمة أي مقابل ( منكبيه ) بأن تحاذى أطراف أصابعه أعلى أذنيه وإبهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه وذلك لخبر الشيخين أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة أما الانتهاء ففي الروضة كأصلها
وشرح مسلم أنه لا يسن فيه شيء بل إن فرغ منهما معا فذاك أو من أحدهما قبل تمام الآخر أتم الآخر
لكنه صحح في شرحي المذهب والوسيط والتحقيق استحباب انتهائهما معا
( و ) ثالثها ( قيام في فرض للقادر عليه بنفسه أو بغيره فيجب حال التحرم به
وخرج بالفرض النفل وسيأتي حكمه وحكم العاجز وإنما أخروا القيام عن النية والتكبير مع أنه مقدم عليهما لأنهما ركنان في الصلاة مطلقا وهو ركن في الفريضة فقط
ولأنه قبلهما فيها شرط وركنيته إنما هي معهما وبعدهما ( بنصب ظهر ) ولو باستناد إلى شيء كجدار فلو وقف منحنيا أو مائلا بحيث لا يسمى قائما لم يصح ( فإن عجز ) عن ذلك ( وصار كراكع ) لكبر أو غيره ( وقف كذلك ) وجوبا لقربه من الانتصاب ( وزاد ) وجوبا ( انحناء لركوعه إن قدر ) على الزيادة ( ولو عجز عن ركوع وسجود ) دون قيام ( قام ) وجوبا ( وفعل ما أمكنه ) في انحنائه لهما بصلبه
فإن عجز فبرقبته ورأسه فإن عجز أومأ إليهما ( أو ) عجز ( عن قيام ) بلحوق مشقة شديدة كزيادة مرض أو خوف غرق أو دوران رأس في سفينة ( قعد ) كيف شاء ( وافتراشه )
وسيأتي بيانه في التشهد ( أفضل ) من تربعه وغيره لأنه قعود عبادة ولأنه قعود لا يعقبه سلام كالقعود للتشهد الأول وتعبيري بما ذكر أعم من قوله أفضل من تربعه
( وكره إقعاء ) في قعدات الصلاة ( بأن يجلس على وركيه ) أي أصل فخذيه وهو الأليان ( ناصبا ركبتيه ) للنهي عن الإقعاء في الصلاة رواه الحاكم وصححه
ومن الإقعاء نوع مسنون عند جمع منهم النووي بين السجدتين
وإن كان الافتراش أفضل منه وهو أن يفرش رجليه أي أصابعهما ويضع ألييه على عقبيه ( ثم ينحي ) المصلي قاعدا ( لركوعه ) إن قدر ( وأقله أن ) ينحني إلى أن ( يحاذي جبهته ما أمام ركبتيه وأكمله أن ) ينحني إلى أن ( يحاذي ) جبهته ( محل سجوده ) وركوع القاعد في النفل كذلك
( فإن عجز ) المصلى المتقدم عن القعود ( اضطجع ) على جنبه متوجه القبلة بوجهه ومقدم بدنه وجوبا ( وسن على ) جنبه ( الأيمن ) ويجوز على الأيسر لكنه مكروه بلا عذر جزم
____________________
(1/71)
به في المجموع
وتعبيري بذلك أولى من قول الأصل صلى لجنبه الأيمن ( ثم ) إن عجز عن الجنب ( استلقى ) على ظهره وأخمصاه للقبلة ( رافعا رأسه ) من زيادتي بأن يرفعه قليلا بشيء ليتوجه إلى القبلة بوجهه ومقدم بدنه إن لم يكن في الكعبة وهي مسقفة والأصل في ذلك خبر البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمران بن حصين وكانت به بواسير صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب زاد النسائي فإن لم تستطع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ثم إذا صلى فيومىء برأسه في ركوعه وسجوده إن عجز عنهما فإن عجز عن الإيماء برأسه أوما بأجفانه فإن عجز أجرى أفعال الصلاة على قلبه فلا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا ( ولقادر ) على القيام ( نفل قاعدا ومضطجعا )
لخبر البخاري من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما أي مضطجعا فله نصف أجر القاعدة ويقعد للركوع والسجود وخرج بما ذكر المستلقى على قفاه وإن أتم ركوعه وسجوده لعدم وروده
( و ) رابعها ( قراءة الفاتحة كل ركعة ) في قيامها أو بدله لخبر الشيخين لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أي في كل ركعة لما مر في خبر المسيء صلاته ( إلا ركعة مسبوق )
فلا تجب فيها بمعنى أنه لا يستقر وجوبها عليه لتحمل الإمام لها عنه ( والبسملة ) آية ( منها ) عملا لأنه صلى الله عليه وسلم عدها آية منها رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه
ويكفي في ثبوتها عملا الظن ( ويجب رعاية حروفها ) فلو أتى قادر أو من أمكنه التعلم بدل حرف منها بآخر لم تصح قراءته لتلك الكلمة لتغييره النظم ولو نطق بقاف العرب المترددة بين القاف والكاف صحت كما جزم به الروياني وغيره وتعبيري بما ذكر أعم من قوله وله أبدل ضاد بظاء لم تصح ( و ) رعاية ( تشديداتها ) الأربع عشرة لأنها هيئات لحروفها المشددة فوجوبها شامل لهيئاتها
( و ) رعاية ( ترتيبها ) بأن يأتي على نظمها المعروف لأنه مناط البلاغة والإعجاز فلو بدأ بنصفها الثاني لم يعتد به ويبني على الأول أن سها بتأخيره ولم يطل الفصل ويستأنف إن تعمد أو طال الفصل ( و ) رعاية ( موالاتها ) بأن يأتي بكلماتها على الولاء للاتباع مع خبر صلوا كما رأيتموني أصلي ( فيقطعها تخلل ذكر ) وإن قل ( وسكوت طال ) عرفا ( بلا عذر ) فيهما ( أو ) سكوت ( قصد به قطع القراءة ) لإشعار ذلك بالإعراض عن القراءة بخلاف سكوت قصير لم يقصد به القطع أو طويل أو تخلل ذكر بعذر من جهل وسهو وإعياء وتعلق ذكر بالصلاة كتأمينة
____________________
(1/72)
لقراءة إمامه وفتحه عليه إذا توقف فيها
ووجهه في الذكر المذكور أنه مسنون لكن الاحتياط استئنافها للخروج من الخلاف ولا يفتح عليه ما دام يردد الآية قاله المتولى وقولي بلا عذر من زيادتي في الثاني
وأولى مما ذكره في الأول ( فإن عجز عن جميعها ) لعدم معلم أو مصحف أو غير ذلك وهذا مراد الأصل بقوله فإن جهل الفاتحة ( فسبع آيات ) عدد آياتها يأتي بها ( ولو متفرقة )
وإن لم تفد المتفرقة معنى منظوما إذا قرئت كما اختاره النووي في مجموعه وغيره تبعا لإطلاق الجمهور ( لا تنقص حروفها ) أي السبع ( عنها ) أي عن حروف الفاتحة وهي بالبسملة مائة وستة وخمسون حرفا بإثبات ألف مالك
والمراد إن المجموع لا ينقص عن المجموع لا أن كل آية من البدل قدر آية من الفاتحة ( ف ) ان عجز عن القراءة لزمه ( سبعة أنواع من ذكر أو دعاء كذلك ) أي لا تنقص حروفها عن حروف الفاتحة واعتبار الأنواع والاكتفاء بالدعاء من زيادتي
ويجب تعلقه بالآخرة كما قاله الإمام ورجحه النووي في مجموعه وغيره ولا يشترط في الذكر والدعاء أن يقصد بهما البدلية بل الشرط أن لا يقصد بهما غيرها وإذا قدر على بعض الفاتحة كرره ليبلغ قدرها إن لم يقدر على بدل وإلا قرأه وضم إليه من البدل ما تتم به الفاتحة مع رعاية الترتيب
( ف ) ان ) عجز عن ذلك كله حتى عن ترجمة الذكر والدعاء لزمه ( وقفة قدر الفاتحة ) في ظنه لأنه واجب في نفسه ولا يترجم عنها بخلاف التكبير لفوات الإعجاز فيها دونه ( وسن عقب محرم ) بفرض أو نفل ( دعاء افتتاح ) نحو وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين
للاتباع رواه مسلم إلا كلمة مسلما فابن حبان وفي رواية للبيهقي وأنا أول المسلمين
وكان صلى الله عليه وسلم يقول بما فيها تارة لأنه أول مسلمي هذه الأمة وبما في الأولى أخرى وسيأتي في الجنائز أنه لا يسن في صلاتها دعاء الافتتاح ( فتعوذ ) للقراءة لقوله تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } أي إذا أردت قراءته فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( كل ركعة ) لأنه يبتدىء فيها قراءة ( والأولى آكد ) للاتفاق عليها ( وإسرار بهما ) أي بدعاء الافتتاح والتعوذ في السرية والجهرية كسائر الأذكار المسنونة ( و ) سن ( عقب الفاتحة ) بعد سكتة لطيفة لقارئها في الصلاة وخارجها ( آمين ) للاتباع رواه الترمذي وغيره في الصلاة وقيس بها خارجها
____________________
(1/73)
( مخففا ) ميمها ( بمد وقصر ) والمد أفصح وأشهر وهو اسم فعل بمعنى استجب مبني على الفتح فلو شدد الميم لم تبطل صلاته لقصده الدعاء
( و ) سن ( في جهرية جهر بها ) للمصلى حتى للمأموم لقراءة إمامه تبعا له ( وأن يؤمن ) المأموم ( مع تأمين إمامه ) لخبر الشيخين إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
ولأن المأموم لا يؤمن لتأمين إمامه بل لقراءته الفاتحة وقد فرغت
فالمراد بقوله إذا أمن الإمام إذا أراد التأمين ويوضحه خبر الشيخين إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين
فإن لم يتفق له موافقته أمن عقب تأمينه وإن تأخر إمامه عن الزمن المسنون فيه التأمين أمن المأموم وخرج بزيادتي في جهرية السرية فلا جهر بالتأمين فيها ولا معية بل يؤمن الإمام وغيره سرا مطلقا ( ثم ) بعد التأمين سن أن ( يقرأ غيره ) أي غير المأموم من إمام ومنفرد ( سورة ) غير الفاتحة ( في ) ركعتين ( أوليين ) جهرية كانت الصلاة أو سرية للاتباع رواه الشيخان في الظهر والعصر وقيس بهما غيرهما ( لا هو ) أي المأموم فلا تسن له سورة إن سمع للنهي عن قراءة لها رواه أبو داود وغيره
( بل يستمع ) قراءة إمامه لقوله تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له } فإن لم يسمعها لصمم أو بعد أو سماع صوت لم يفهمه أو إسرار إمامه ولو في جهرية ( قرأ ) سورة إذ لا معنى لسكوته وتعبيري بذلك أولى من قوله فإن بعد أو كانت سرية قرأ ( فإن سبق بهما ) أي بالأوليين من صلاة إمامه بأن لم يدركهما معه ( قرأها ) في باقي صلاته إذا تداركه ولم يكن قرأها فيما أدركه ولا سقطت عنه لكونه مسبوقا لئلا تخلو صلاته عن السورة بلا عذر ( و ) أن ( يطول ) من تسن له سورة ( قراءة أولى على ثانية ) للاتباع رواه الشيخان
نعم إن ورد نص بتطويل الثانية اتبع كما في مسألة الزحام أنه يسن للإمام تطويل الثانية ليلحقه منتظر السجود ( و ) سن لمنفرد وإمام ( في صبح طوال المفصل ) بكسر الطاء وضمها ( و ) في ( ظهر قريب منها ) أي من طواله كما في الروضة كأصلها وغيره وهو من زيادتي
والأصل أدخله فيما قبله ( و ) في ( عصر وعشاء أوساطه ) والثلاثة في الإمام مقيدة بقيد زدته تبعا للمجموع وغيره بقولي ( برضا ) مأمومين ( محصورين ) أي لا يصلي وراءه غيرهم
( و ) في ( مغرب قصاره ) لخبر النسائي في ذلك وأول المفصل الحجرات كما صححه النووي في دقائقه وغيرها ( و ) في
____________________
(1/74)
( صبح جمعة ) في أولى ( ألم تنزيل وفي الثانية هل أتى ) للاتباع رواه الشيخان
فإن ترك ألم في الأولى سن أن يأتي بهما في الثانية
واعلم أن أصل السنة في ذلك كله يتأدى بقراءة شيىء من القرآن لكن السورة أولى حتى إن السورة القصيرة أولى من بعض سورة طويلة وإن كان أطول كما يؤخذ من كلام الرافعي في شرحيه وقول النووي في أصل الروضة أولى من قدرها من طويلة غير واف بكلام الرافعي كما نبه عليه في المهمات
( تنبيه ) يسن لغير المأموم أن يجهر بالقراءة في الصبح وأولتي العشاء والجمعة والعيدين وخسوف القمر والاستسقاء والتراويح ووتر رمضان وركعتي الطواف ليلا أو وقت صبح كما يأتي بعض ذلك
وأن يسر في غير ذلك إلا في نافلة الليل المطلقة فيتوسط فيها بين الإسرار والجهر إن لم يشوش على نائم أو مصل أو نحوه ومحل الجهر والتوسط في المرأة والخنثى حيث لا يسمع أجنبي
ووقع في المجموع ما يخالفه في الخنثى والعبرة في الجهر والإسرار في الفريضة المقضية بوقت القضاء لا بوقت الأداء قال الأذرعي ويشبه أن يلحق بها العيد والأشبه خلافه كما اقتضاه كلام المجموع في باب صلاة العيدين قبيل باب التكبير عملا بأصل أن القضاء يحكي الأداء ولأن الشرع ورد بالجهر بصلاته في محل الإسرار فيستصحب
( و ) خامسها ( ركوع ) تقدم ركوع القاعد ( وأقله ) للقائم ( انحناء ) خالص ( بحيث تنال راحتا معتدل خلقه ركبتيه ) إذا أراد وضعهما عليهما فلو حصل ذلك بانخناس أو به مع انحناء لم يكف
والراحتان ما عدا الأصابع من الكفين وقولي انحناء مع معتدل خلقة من زيادتي ( بطمأنينة تفصل رفعه عن هويه ) بفتح الهاء أشهر من ضمها بأن تستقر أعضاؤه قبل رفعه لخبر المسيء صلاته ( ولا يقصد به غيره ) أي بهويه غير الركوع ( كنظيره ) من الاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين أو للتشهد
فلو هوى لتلاوة أو سقط من اعتدال أو رفع من ركوعه أو سجوده فزعا من شيء لم يكف ذلك عن ركوعه وسجوده واعتداله وجلوسه لوجود الصارف فيجب العود إلى القيام ليهوي منه وإلى الركوع أو السجود ليرتفع منه ( وأكمله ) مع ما مر ( تسوية ظهر وعنق ) كالصفحة للاتباع رواه مسلم
( وأن ينصب ركبتيه ) المستلزم لنصب ساقيه وفخذيه لأنه أعون له ( مفرقتين ) كما في السجود
( و ) أن ( يأخذهما ) أي ركبتيه ( بكفيه و ) أن ( يفرق أصابعه ) كما في التحرم للاتباع رواه في الأول البخاري وفي الثاني ابن حبان وغيره
____________________
(1/75)
( للقبلة ) أي لجهتها لأنها أشرف الجهات ( و ) أن ( يكبر ويرفع كفيه كتحرمه ) بأن يرفعهما مكشوفتين منشورتي الأصابع مفرقة وسطا حذو منكبيه مع ابتداء تكبيرة قائما كما مر في تكبير التحرم للاتباع فيهما رواه الشيخان
( و ) أن ( يقول سبحان ربي العظيم ) للاتباع رواه مسلم وأضاف إلى ذلك في التحقيق وغيره وبحمده ( ثلاثا ) للاتباع رواه أبو داود فإن اقتصر على مرة أدى أصل السنة وعليه يحمل قول الروضة أقل ما يحصل به ذكر الركوع تسبيحة واحدة ( و ) أن ( يزيد منفرد وإمام قوم محصورين راضين ) بالتطويل وذكر الثاني من زيادتي ( اللهم لك ركعت وبك آمنت إلى آخره ) تتمته كما في الأصل ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي للاتباع رواه مسلم إلى عصبي وابن حبان إلى آخره وزاد في الروضة كأصلها وشعري وبشري
وأما إمام غير من ذكر فلا يزيد على التسبيحات الثلاث تخفيفا على المأمومين والأصل أطلق أن الإمام لا يزيد على ذلك
ومراده ما فصلته كما فصله في الروضة وغيرها وتكره القراءة في الركوع وغيره من بقية الأركان غير القيام كما في المجموع
( و ) سادسها ( اعتدال ) ولو في نفل ويحصل ( بعود لبدء ) بأن يعود لما كان عليه قبل ركوعه قائما كان أو قاعدا فتعبيري بذلك أولى من قوله الاعتدال قائما ( بطمأنينة ) وذلك لخبر المسيء صلاته ( وسن رفع كفيه ) حذو منكبيه كما في التحرم ( مع ابتداء رفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده ) أي تقبل الله حمده منه ولو قال من حمد الله سمع له كفى
( و ) قائلا ( بعد عوده ربنا لك الحمد ) أو اللهم ربنا لك الحمد وبواو فيها قبل لك ( ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ) أي بعدهما كالكرسي { وسع كرسيه السماوات والأرض }
( و ) أن ( يزيد من مر ) أي المنفرد وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل وذكر الثاني من زيادتي ( أهل ) أي يا أهل ( الثناء ) أي المدح ( والمجد ) أي العظمة ( إلى آخره ) تتمته كما في الأصل أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا
____________________
(1/76)
الجد أي الغنى منك أي عندك الجد للاتباع رواه البخاري إلى لك الحمد ومسلم إلى آخره
وملء بالرفع صفة وبالنصب حال أي مالئا بتقدير كونه جسما وأحق مبتدأ ولا مانع إلى آخره خبره وما بينهما اعتراض ويستوي في سن التسميع الإمام وغيره
وأما خبر إذ قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد معناه فقولوا ذلك مع ما علمتموه من سمع الله لمن حمده لعلمهم بقوله صلوا كما رأيتموني أصلي
وإنما خص ربنا لك الحمد بالذكر كانوا لا يسمعونه غالبا ويسمعون سمع الله لمن حمده ويسن الجهر بالتسميع للإمام والمبلغ ( ثم ) بعد ذلك س ( قنوت في اعتدال آخره صبح مطلقا و ) آخرة ( سائر المكتوبات لنازلة ) كوباء وقحط وعدو ( و ) آخرة ( وتر نصف ثان من رمضان كاللهم ) هذا لرفعه إيهام تعين القنوت الآتي أولى من قوله وهو اللهم ( اهدني فيمن هديت الخ ) تتمته كما في العزيزي وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت للاتباع رواه الحاكم إلا ربنا في قنوت الصبح وصححه
ورواه البيهقي فيه وفي قنوت الوتر وروى الشيخان في القنوت للنازلة أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحابه القراء ببئر معونة ويقاس بالعدو غيره
قال الرافعي وزاد العلماء فيه قبل تباركت ولا يعز من عاديت قال في الروضة وقد جاءت في رواية للبيهقي والتصريح بكون قنوت النازلة في اعتدال آخرة صلاتها من زيادتي وفي قولي آخرة تغليب بالنسبة لأخرة الوتر لأنه قد يوتر بواحدة فلا تكون آخرته ( و ) أن يأتي به ( إمام بلفظ جمع ) فيقول اهدنا وهكذا لأن البيهقي رواه كذلك فحمل على الإمام وعلله النووي في أذكاره بأنه يكره للأمام تخصيص نفسه بالدعاء لخبر لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم
فإن فعل فقد خانهم رواه الترمذي وحسنه ويستثنى من هذا ما ورد به النص كخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر في الصلاة يقول اللهم نقني اللهم اغسلني الدعاء المعروف
( و ) أن ( يزيد ) فيه ( من مر ) أي المنفرد وإمام قوم محصورين رضوا بالتطويل والتقييد بمن مر من زيادتي وتركي للتقييد بقنوت الوتر أولى من تقييده له به ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك الخ ) تتمته كما في المحرر ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع وتترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد أي نسرع نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق
رواه البيهقي بنحوه عن فعل عمر رضي الله عنه ولما كان قنوت الصبح ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم قدم على هذا على الأصح
____________________
(1/77)
( ثم ) بعد القنوت سن ( صلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لخبر النسائي في قنوت الوتر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم ) الحسن بن علي وهو ما مر مع زيادة فاء في إنك وواو في إنه بلفظ وصلى الله على النبي وألحق بها الصلاة في قنوت الصبح والنازلة وقولي وسلام من زيادتي وجزم النووي في أذكاره بسن الصلاة والسلام على الآل
( و ) سن ( رفع يديه فيه ) أي فيما ذكر من القنوت وما بعده كسائر الأدعية وللاتباع رواه الحاكم وسن لكل داع رفع بطن يديه إلى السماء إن دعا بتحصيل شيء وظهرهما إليها إن دعا برفعه ( لا مسح ) لوجهه وغيره لعدم ثبوته في الوجه وعدم وروده في غيره ( و ) أن ( يجهر ) به ( إمام ) في السرية والجهرية للاتباع رواه البخاري وغيره
قال الماوردي ولكن جهره به دون الجهر بالقراءة والمنفرد يسر به ( و ) أن ( يؤمن مأموم ) جهرا ( للدعاء ويقول الثناء ) سرا أو يستمع لإمامه كما في الروضة كأصلها أو يقول أشهد كما قاله المتولي والأول أولى ودليله الاتباع رواه الحاكم وأول الثناء إنك تقضي هذا إن سمع الإمام ( فإن لم يسمعه قنت ) سرا كبقية الأذكار والدعوات التي لا يسمعها
( و ) سابعها ( سجود مرتين ) كل ركعة ( بطمأنينة ) لخبر المسيء صلاته
( ولو على محمول له ) كطرف من عمامته ( لم يتحرك بحركته ) في قيامه وقعوده لأنه في معنى المنفصل عنه بخلاف ما يتحرك بحركته لأنه كالجزء منه فإن سجد عليه عامدا عالما بتحريمه بطلت صلاته وإلا فلا
لكن تجب إعادة السجود وخرج بمحمول له ما لو سجد على سرير يتحرك بحركته فلا يضر وله أن يسجد على عود بيده ( وأقله مباشرة بعض جبهته ) ولو شعرا نابتا بها ( مصلاه ) أي ما يصلي عليه بأن لا يكون عليها حائل كعصابة فإن كان لم يصح إلا أن يكون لجراحة وشق عليه إزالته مشقة شديدة فيصح ( ويجب وضع جزء من ركبته و ) من ( باطن كفيه و ) باطن ( أصابع قدميه ) في السجود لخبر الشيخين أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا يجب كشفها بل يكره كشف الركبتين كما نص عليه في الأم والاكتفاء بالجزء مع التقييد بالباطن من زيادتي
( و ) يجب ( أن ينال ) أي يصيب ( مسجده ) بفتح الجيم وكسرها محل سجوده ( ثقل رأسه ) فإن سجد على قطن أو نحوه وجب أن يتحامل عليه حتى ينكبس ويظهر أثره في يد لو قرضت تحت ذلك
كما يجب التحامل في بقية الأعضاء وتخصيصهم له بالجبهة لدفع
____________________
(1/78)
توهم الاكتفاء بالغالب من تمكن وضعها بلا تحامل لا لإخراح بقية الأعضاء كما توهمه الزركشي فقال لا يجب فيها التحامل
( و ) أن ( يرفع أسافله ) أي عجيزته وما حولها ( على أعاليه ) فلو انعكس أو تساويا لم يجزه لعدم اسم السجود كما لو أكب على وجهه ومد رجليه
نعم إن كان به علة لا يمكنه معها السجود إلا كذلك أجزأه ( وأكمله أن يكبر لهويه بلا رفع ) ليديه ( ويضع ركبتيه مفرقتين ) قدر شبر ( ثم كفيه ) مكشوفتين ( حذو منكبيه ) للاتباع رواه في التكبير الشيخان
وفي عدم الرفع البخاري وفي البقية أبو داود وغيره ( ناشرا أصابعه ) مكشوفة ( مضمومة ) لا مفرجة ( للقبلة ) للاتباع رواه في النشر والضم البخاري وفي الأخير البيهقي ( ثم ) يضع ( جبهته وأنفه ) مكشوفا للاتباع رواه أبو داود وغيره يضعهما معا كما جزم به في الروضة وأصلها
وقال الشيخ أبو حامد هما كعضو واحد يقدم أيهما شاء ( و ) أن ( يفرق قدميه ) بقدر شبر موجها أصابعهما للقبلة ( ويبرزهما من ذيله ) مكشوفتين حيث لا حق وقولي ويفرق الخ من زيادتي
( و ) أن ( يجافي الرجل فيه ) أي سجوده ( وفي ركوعه ) بأن يرفع بطنه عن فخذيه ومرفقيه عن جنبيه للاتباع في رفع البطن عن الفخذين في السجود والمرفقين عن الجنبين فيه وفي الركوع رواه في الأول أبو داود وفي الثاني الشيخان وفي الثالث الترمذي
وقيس بالأول رفع البطن عن الفخذين في الركوع ( ويضم غيره ) من امرأة وخنثى بعضهما إلى بعض في الركوع والسجود لأنه أستر لها وأحوط له وفي المجموع عن نص الأم أن المرأة تضم في جميع الصلاة أي المرفقين إلى الجنبين ( و ) أن ( يقول ) المصلى في سجوده ( سبحان ربي الأعلى ثلاثا ) للاتباع رواه بغير تثليث مسلم وبه أبو داود ( و ) أن ( يريد من مر ) وهو المنفرد وإمام محصورين راضين بالتطويل وذكر الثاني من زيادتي ( اللهم لك سجدت الخ ) تتمته كما في الأصل وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره أي منفذهما تبارك الله أحسن الخالقين للاتباع رواه مسلم زاد في الروضة بحوله وقوته قبل تارك الله ( و ) أن يزيد من مر ( الدعاء فيه ) لخبر مسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء أي في سجودكم والتقييد بمن مر من زيادتي في هذا
( و ) ثامنها ( جلوس بين سجدتيه ) ولو في نفل ( بطمأنينة ) لخبر المسيء صلاته ( ولا يطوله
____________________
(1/79)
ولا الاعتدال ) لأنهما غير مقصودين لذاتهما بل للفصل وسيأتي حكم تطويلهما في باب سجود السهو ( وسن ) له ( أن يكبر ) مع رفع رأسه من سجوده بلا رفع ليديه ( و ) أن ( يجلس مفترشا ) كما سيأتي للاتباع رواه في الأول الشيخان وفي الثاني الترمذي وقال حسن صحيح ( واضعا كفيه ) على فخذيه ( قريبا من ركبتيه ) بحيث تسامتهما رؤوس الأصابع ( ناشرا أصابعه ) مضمومة للقبلة كما في السجود ( قائلا رب اغفر لي الخ ) تتمته كما في الأصل وارحمني وأجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني للاتباع روى بعضه أبو داود وباقية ابن ماجه ( و ) سن ( بعد ) سجدة ( ثانية ) لا بعد سجود تلاوة ( يقوم عنها ) بأن لا يعقبها تشهد ( جلسة خفيفة ) تسمى جلسة الاستراحة للاتباع رواه البخاري وما ورد مما يخالفه غريب ولو صح حمل ليوافق غيره على بيان الجواز
( و ) سن له ( أن يعتمد في قيامه من سجود وقعود على كفيه ) أي بطنهما على الأرض لأنه أعون له وللاتباع في الثاني
رواه البخاري
( و ) تاسعها وعاشرها وحادي عشرها ( تشهد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده وقعود لهما وللسلام إن عقبها سلام )
لما روى الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل السلام على ميكائيل السلام على فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا التحيات لله الخ
والمراد فرضه في الجلوس آخر الصلاة لما يأتي وهو محله فيتبعه في الوجوب ومثله الجلوس للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وللسلام ووجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ثابت بقوله تعالى { صلوا عليه } وبالأمر بها في خبر الصحيحين وأولى أحوال وجوبها الصلاة قالوا وقد أجمعوا على أنها لا تجب خارجها والمناسب لها منها التشهد آخرها فتجب بعده كما صرح به في المجموع وغيره وهو الموافق لما يأتي في الترتيب وأما عدم ذكر الثلاثة في خبر المسيء صلاته فمحمول على أنها كانت معلومة له ولهذا لم يذكر له النية والسلام ( وإلا ) أي وإن لم يعقبها سلام ( فسنة ) فلا تجب لأنه صلى الله عليه وسلم قام من ركعتين من الظهر ولم يجلس فلما قضى صلاته كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل السلام ثم سلم رواه الشيخان دل عدم تداركه على عدم وجوب شيء منها وقولي بعده أولى ما ذكره وذكر القعود للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وللسلام من زيادتي
____________________
(1/80)
( كصلاة على الآل ) فإنها سنة ( في ) تشهد ( آخر ) للأمر به في خبر الشيخين دون أول لبنائه على التخفيف ( وكيف قعد ) في قعدات الصلاة ( جازو ) لكن ( سن في ) قعود ( غير ) تشهد ( آخر لا يعقبه سجود ) كقعود بين السجدتين أو للاستراحة أو للتشهد الأول أو للآخر لكن يعقبه سجود سهو ( افتراش بأن يجلس على كعب يسراه ) بحيث يلي ظهرها الأرض ( وينصب يمناه ويضع أطراف أصابعه ) منها ( للقبلة وفي الآخر ) وهو الذي لا يعقبه سجود ( تورك وهو كالافتراش لكن يخرج يسراه من جهة يمناه ويلصق وركه بالأرض ) للاتباع في بعض ذلك رواه البخاري وغيره وقياسا في البقية
والحكمة في ذلك أن المصلى مستوفز في الأول للحركة ببدنه بخلافه في الثاني والحركة عن الافتراش أهون وتعبيري بسن الخ أعم من قوله ويسن في الأول الخ ( و ) سن ( أن يضع في قعود تشهديه يديه على طرف ركبتيه ) بأن يضع يسراه على طرف اليسرى بحيث تسامته رؤوسها ويضع يمناه على طرف اليمنى وهذه من زيادتي ( ناشرا أصابع يسراه ) بضم بأن لا يفرج بينها لتتوجه كلها إلى القبلة ( قابضها من يمناه إلا المسبحة ) بكسر الباء وهي التي تلي الأبهام فيرسلها ( ويرفعها ) مع إمالتها قليلا ( عند قوله إلا الله ) للاتباع في ذلك في غير الضم
رواه مسلم وغيره ويديم رفعها ويقصد من ابتدائه بهمزة إلا الله أن المعبود واحد فيجمع في توحيده بين اعتقاده وقوله وفعله ( ولا يحركها ) للاتباع رواه أبو داود فلو حركها كره ولم تبطل صلاته ( والأفضل قبض الأبهام بجنبها ) بأن يضعها تحتها على طرف راحته للاتباع رواه مسلم
فلو أرسلها معها أو قبضها فوق الوسطى أو حلق بينهما برأسيهما أو بوضع أنملة الوسطى بين عقدتي الأبهام أتى بالسنة
لكن ما ذكر أفضل ( وأكمل التشهد مشهور ) ورد فيه أخبار صحيحة اختار الإمام الشافعي رضي الله عنه منها خبر ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله رواه مسلم ( وأقله ) ما رواه الإمام الشافعي والترمذي
وقال فيه حسن صحيح ( التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله
____________________
(1/81)
وبركاته ) أي عليك ( سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) وهم القائمون بما عليهم من حقوق لله تعالى وحقوق العباد ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أو ) أن محمدا ( عبده ورسوله ) وهو من زيادتي
إذ ما بعد التحيات من الكلمات الثلاث توابع لها وقد سقط أولاها في خبر غير ابن عباس وجاء في خبره سلام في الموضعين بالتنوين وتعريفه أولى من تنكيره لكثرته في الأخبار
وكلام الإمام الشافعي ولزيادته وموافقته سلام التحلل
والتحية ما يحيا به من سلام وغيره والقصد الثناء على الله تعالى بأنه مالك لجميع التحيات من الخلق والمباركات الناميات والصلوات المكتوبات الخمس وقيل الدعاء بخير والطيبات الصالحات للثناء على الله تعالى وفي باب الأذان من الرافعي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في تشهده وأشهد أني رسول الله ولو أخل بترتيب التشهد
قال في الروضة كأصلها نظر إن غير تغييرا مبطلا للمعنى لم يحسب ما جاء به وإن تعمده بطلت صلاته
وإن لم يبطل المعنى أجزأه على المذهب ( وأقل الصلاة على النبي ) صلى الله عليه وسلم ( وآله اللهم صل وعلى محمد وآله ) ونحوه كصلى الله على محمد دون أحمد أو عليه على الصحيح ( وأكملها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الخ ) أي كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
وفي بعض طرق الحديث زيادة على ذلك ونقص عنه وآل إبراهيم إسماعيل وإسحاق وأولادهما وخص إبراهيم بالذكر لأن الرحمة والبركة لم تجتمعا لنبي غيره قال تعالى { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } وحميد بمعنى محمود ومجيد بمعنى ما جدوهو من كمل شرفا وكرما ( وهو ) أي الأكمل ( سنة في ) تشهد ( آخر ) لا في أول لبنائه على التخفيف كما مر ( كدعاء ) من المصلي بديني أو دنيوي فإنه سنة ( بعده ) أي بعد التشهد الآخر بما اتصل به من الصلاة المذكورة لخبر إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله إلى آخرها ثم ليتخير من المسألة ما شاء أو ما أحبه رواه مسلم وروى البخاري ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به أما التشهد الأول فلا يسن بعده الدعاء لما مر ( ومأثوره ) أي منقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أفضل ) من غيره ( ومنه اللهم اغفر لي ما قدمت
____________________
(1/82)
الخ ) أي وماأخرت وما أسررت وما أعلنت وماأسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت
للاتباع رواه مسلم وروى أيضا كالبخاري اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال وروى البخاري اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ( و ) سن ( أن لا يزيد إمام على قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكن الأفضل كما في الروضة كأصلها أن يكون أقل منهما لأنه تبع لهما فإن زاد عليهما لم يضر لكن يكره له التطويل بغير رضا المأمومين وخرج بالتقييد بالإمام غيره فيطيل ما أراد ما لم يخف وقوعه به في سهو كما جزم به جمع ونص عليه في الأم وقال إن لم يزد على ذلك كرهته وممن جزم به النووي في مجموعه فإنه ذكر النص ولم يخالفه ( ومن عجز عنهما أو عن دعاء وذكر مأثورين ) كالتشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده والقنوت وتكبيرات الانتقالات والتسبيحات ( ترجم ) عنها وجوبا في الواجب وندبا في المأثور بأي لغة شاء لعذره بخلاف القادر ويجب في الواجب التعلم إن قدر عليه ولو بالسفر كما مر نظيره في تكبير التحرم فلو ترجم القادر بطلت صلاته أما غير المأثورين بأن اخترع دعاء وذكر بالعجمية في الصلاة فلا يجوز كما نقله الرافعي عن الإمام تصريحا في الأولى واقتصر عليها في الروضة وإشعارا في الثانية بل تبطل به صلاته فتعبيري بالمأثور أولى من تعبيره بالمندوب
( و ) ثاني عشرها ( سلام ) لخبر مسلم تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ( وأقلها السلام عليكم أو عكسه ) وهو عليكم السلام لتأديته معنى ما قبله لكنه مكروه وهذا من زيادتي فلا يجزىء نحو سلام عليكم لعدم وروده بل هو مبطل إن تعمد ( وأكمله السلام عليكم ورحمة الله مرتين ) مرة ( شمالا ملتفتا فيها حتى يرى خده الأيمن ) في الأولى ( فالأيسر ) في الثانية للاتباع في ذلك راوه ابن حبان وغيره
ويبتدىء السلام فيهما متوجه القبلة وينهيه مع تمام الالتفات ( ناويا السلام على من التفت ) هو ( إليه من ملائكة ومؤمني إنس وجن ) أي ينويه بمرة اليمين على من عن يمينه وبمرة اليسار على من عن يساره ( وينويه على من خلفه وأمامه بأيهما شاء )
والأولى أولى ( و ) ينوي ( مأموم الرد على من سلم عليه ) من إمام ومأموم فينويه على من على يمين
____________________
(1/83)
المسلم بالتسليمة الثانية ومن على يساره بالأولى ومن خلفه وأمامه بأيهما شاء والأصل في ذلك خبر علي كرم الله وجهه كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها أربعا وقبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن معهم من المسلمين والمؤمنين رواه الترمذي
وحسنه وخبر سمرة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام وأن نتحاب وأن يسلم بعضنا على بعض رواه أبو داود وغيره ويسن للمأموم كما في التحقيق أن لا يسلم إلا بعد فراغ الإمام من تسليمتيه والتقييد بالمؤمنين مع ذكر سلام الإمام على غير المقتدين من إمامه وخلفه ومع ذكر رد المأموم على غير الإمام من زيادتي
( وسن نية خروج ) من الصلاة بالتسليمة الأولى خروجا من الخلاف في وجوبها والتصريح بالسنية من زيادتي
( و ) ثالث عشرها ( ترتيب ) بين الأركان المتقدمة ( كما ذكر ) في عدها المشتمل على قرن النية بالتكبير وجعلها مع القراءة في القيام وجعل التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسلام في القعود
فالترتيب مراد فيما عدا ذلك ومنه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنها بعد التشهد كما مر وعده من الأركان بمعنى الفروض صحيح وبمعنى الأجزاء فيه تغليب ودليل وجوبه الاتباع مع خبر صلوا كما رأيتموني أصلي
( فإن تعمد تركه ب ) تقديم ركن ( فعلى ) هو أعم من قوله بأن سجد قبل ركوعه ( أو سلام من زيادتي بكأن ركع قبل قراءته أو سجد أو سلم قبل ركوعه ( بطلت ) صلاته لتلاعبه بخلاف تقديم قولي غير سلام كأن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم قبل التشهد أو تشهد قبل السجود فيعيد ما قدمه ( أو سها فما ) فعله ( بعد متروكه لغو ) لوقوعه في غير محله
( فإن تذكر ) متروكه ( قبل فعل مثله فعله وإلا ) أي وإن لم يتذكره حتى فعل مثله في ركعة أخرى ( أجزأه ) عن متروكه ( وتدارك الباقي ) من صلاته
نعم إن لم يكن المثل من الصلاة كسجود تلاوة لم يجزه ( فلو علم في آخر صلاته ) أو بعد سلامه لم يطل الفصل ( ترك سجدة من ) ركعة ( آخرة سجد ثم تشهد ) لوقوع تشهده قبل محله ( أو من غيرها أو شك ) في أنها من آخرة أو من غيرها ( لزمه ركعة ) فيهما لأن الناقصة كملت بسجدة من التي بعدها ولغا باقيها في الأولى وأخذ بالأحوط في الثانية ( أو علم في قيام ثانية ) مثلا ( ترك سجدة ) من الأولى ( فإن كان جلس بعد
____________________
(1/84)
سجدته ) التي فعلها ولو بنية جلوس بعد استراحة ( سجد ) من قيامه اكتفاء بجلوسه
( وإلا ) أي وإن لم يكن جلس بعد سجدته ( فليجلس مطمئنا ) ليأتي بالركن بهيئته ( ثم يسجدوا ) أو علم ( في آخر رباعية ترك سجدتين أو ثلاث جهل محلها ) أي الخمس فيهما ( وجب ركعتان ) أخذا بالأسوأ وفي المسألة الأولى ترك سجدة من الركعة الأولى وسجدة من الثالثة فينجبران بالثانية والرابعة ويلغو باقيها وفي المسألة الثانية ترك ذلك وسجدة من ركعة أخرى ( أو أربع ) جهل محلها ( فسجدة ) تجب ( ثم ركعتان ) لاحتمال أنه ترك سجدتين من الأولى وسجدة من الرابعة
فالحاصل له ركعتان إلا سجدة إذ الأولى تتم بسجدتين من الثانية والثالثة والرابعة ناقصة سجدة فيتمها ويأتي بركعتين ( أو خمس أو ست ) جهل محلها ( فثلاث ) أي ثلاث ركعات لاحتمال أنه في الخمس ترك سجدتين من الأولى وسجدتين من الثانية وسجدة من الثالثة فتتم الأولى بسجدتين من الثالثة والرابعة وأنه في الست ترك سجدتين من كل ثلاث ركعات ( أو سبع جهل محلها فسجدة ثم ثلاث ) أي ثلاث ركعات
لأن الحاصل له ركعة إلا سجدة وفي ثمان سجدات تجب سجدتان وثلاث ركعات ويتصور بترك طمأنينة أو بسجود على عمامة وكالعلم بترك ما ذكر الشك فيه ( ولا يكره ) على المختار عنده ( تغميض عينيه إن لم يخف ) منه ( ضررا )
إذ لم يرد فيه نهي فإن خافه كره ( وسن إدامة نظر محل سجوده ) لأنها أقرب إلى الخشوع نعم يسن كما في المجموع في التشهد أن لا يجاوز بصره إشارته لحديث فيه ( وخشوع ) وهو حضور القلب وسكون الجوارح لآية { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } وتدبر قراءة أي تأملها قال الله تعالى { كتاب أنزلناه إليك مبارك } ليدبروا آياته ( و ) تدبر ( ذكر ) قياسا على القراءة ( ودخول صلاته بنشاط ) للذم على ضد ذلك قال تعالى { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } وفراغ قلب من الشواغل لأنه أقرب إلى الخشوع ( وقبض ) في قيام أو بذله ( بيمين كوع يسار ) وبعض ساعدها ورسغها ( تحت صدره ) فوق سرته للاتباع روى بعضه مسلم وبعضه ابن خزيمة والباقي أبو داود
وقيل يتخير بين بسط أصابع اليمين في عرض المفصل وبين نشرها صوب الساعد والقصد من القبض المذكور
____________________
(1/85)
تسكين اليدين فإن أرسلهما ولم يعبث فلا بأس نص عليه في الأم والكوع وهو من زيادتي العظم الذي يلي إبهاما ليد والرسغ والمفصل بين الكف والساعد ( وذكر ودعاء ) وهو من زيادتي ( بعدها ) أي الصلاة
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أسلم منها قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد رواه الشيخان
وقال صلى الله عليه وسلم من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى قوله قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر وكان صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام رواهما مسلم
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الدعاء أسمع أي أقرب إلى الإجابة قال جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبات
رواه الترمذي
ويكون كل منهما سرا لكن يجهر بهما إمام يريد تعليم مأمومين فإذا تعلموا أسر ( وانتقال لصلاة من محل أخرى ) تكثيرا لمواضع السجود فإنها تشهد له
وتعبيري بذلك أعم من قوله وأن ينتقل للنفل من موضع فرضه قال في المجموع وغيره فإن لم ينتقل فليفصل بكلام إنسان ( و ) انتقاله ( لنفل في بيته أفضل ) لخبر الصحيحين صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة
ويستثنى نفل يوم الجمعة قبلها وركعتا الطواف وركعتا الإحرام حيث كان في الميقات مسجد وزيد عليها صور ذكرتها في شرح الروض ( ومكث رجال لينصرف غيرهم ) من نساء وخناثى للاتباع في النساء رواه البخاري وقيس بهن الخناثى وذكرهم من زيادتي والقياس مكثهم لينصرفن وانصرافهم بعدهن فزادى وهذا أولى من قول المهمات والقياس استحباب انصرافهم فرادى إما قبل النساء أو بعدهن
____________________
(1/86)
( وانصراف لجهة حاجة ) له أي جهة كانت ( وإلا فيمين ) بالجر
أي وإن لم يكن للمصلى حاجة فينصرف لجهة يمينه لأنها أفضل ( وتنقضي قدوة بسلام إمام ) التسليمة الأولى لخروجه من الصلاة بها فلو سلم المأموم قبلها عامدا بطلت صلاته إن لم ينو المفارقة ( فلمأموم ) موافق ( أن يشتغل بدعاء ونحوه ) كسجود سهو لانقطاع القدوة ( ثم يسلم ) وله أن يسلم في الحال أما المسبوق فإن كان جلوسه مع الإمام في محل تشهده الأول فكذلك مع كراهة تطويله وإلا فيقوم فورا بعد التسليمة الثانية فإن قعد عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته ( ولو اقتصر إمامه على تسليمة سلم ) هو ( اثنتين ) إحرازا لفضيلة الثانية ولخروجه عن متابعته بالأولى بخلاف التشهد الأول لو تركه إمامه لا يأتي به لوجوب متابعته قبل السلام
( ولو مكث ) بعدها لذكر ودعاء ( فالأفضل جعل يمينه إليهم ) ويساره إلى المحراب للاتباع رواه مسلم وهذا من زيادتي وصرح به في المجموع
باب بالتنوين ( شروط الصلاة ) جمع شرط بالإسكان
وهو لغة تعليق أمر بأمر كل منهما في المستقبل ويعبر عنه بإلزام الشيء والتزامه واصطلاحا ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده ولا عدم لذاته فشروط الصلاة ما يتوقف عليها صحة الصلاة وليست منها وهي تسعة بالاكتفاء عن الإسلام بطهر الحدث وبجعل انتفاء المانع شرطا تجوزا على ما في المجموع وحقيقة على ما مال إليه الرافعي أحدها ( معرفة دخول ( وقت ) يقينا أو ظنا
فمن صلى بدونها لم تصح صلاته وإن وقعت في الوقت
( و ) ثانيها ( توجه ) للقبلة وقد تقدم بيانه مع ما قبله في كتاب الصلاة
( و ) ثالثها ( ستر عورة ) ولو خاليا في ظلمة ( بما ) أي بجرم ( يمنع إدراك لونها من أعلى وجوانب ) لها لا من أسفلها فلو ريئت من ذيله كأن كان بعلو والرائي أسفل لم يضر ذلك
( ولو ) سترها ( بطين ونحو ماء كدر ) كماء صاف متراكم بخضرة فعلم أنه يجب التطيين أو نحوه على فاقد الثوب ونحوه
وأنه لو كان بحيث ترى عورته من طوقه في ركوع أو غيره بطلت عندهما فليزره أو يشد وسطه ونحوه من زيادتي
( وعورة رجل ) حرا كان أو عيره ( ومن بهارق ) ولو مبعضة ( ما بين سرة وركبة ) لخبر البيهقي وإذا زوج أحدكم أمته عبدة أو أجيره فلا تنظر الأمة إلى عورته والعورة ما بين السرة والركبة وقيس بالرجل من بهارق بجامع أن رأس كل منهما ليس بعورة وتعبيري بذلك أعم
____________________
(1/87)
من تعبيره بالأمة
( و ) عورة ( حرة غير وجه وكفين ) ظهرا وبطنا إلى الكوعين لقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } وهو مفسر بالوجه والكفين وإنما لم يكونا عورة لأن الحاجة تدعو إلى إبرازهما ( وخنثى كأنثى ) رقا وحرية هذا من زيادتي
فلو اقتصر الخنثى الحر على ستر ما بين سرته وركبته لم تصح صلاته ( وله ) أي المصلى ( ستر بعضها بيد ) لحصول مقصود الستر ( فإن وجد كافيه ) أي بعضها ( قدم ) وجوبا ( سوأتيه ) أي قبله ودبره لأنهما أفحش من غيرهما
وسميا سوأتين لأن انكشافهما يسوء صاحبهما ( ثم ) إن لم يكفهما قدم ( قبله ) لأنه متوجه به إلى القبلة فكان ستره أهم تعظيما لها ولأن الدبر مستور غالبا بالأليين
( و ) رابعها وهو من زيادتي ( علم بكيفيتها ) أي الصلاة بأن يعلم فرضيتها ويميز فروضها من سننها نعم إن اعتقدها كلها فرضا أو بعضها ولم يميز وكان عاميا ولم يقصد نفلا بفرض صحت
( و ) خامسها ( طهر حدث ) عند القدرة فلا تنعقد صلاة محدث ( فإن سبقه ) الحدث بعد إحرامه متطهرا ( بطلت ) صلاته لبطلان طهارته كما لو تعمده
( وتبطل ) أيضا ( بمناف ) لها ( عرض ) كانتهاء مدة خف وتنجس ثوب أو بدن بما لا يعفى عن
( لا ) إن عرض ( بلا تقصير ) من المصلى كأن كشف الريح عورته أو وقع على ثوبه نجس رطب أو يابس ( ودفعه حالا ) بأن ستر العورة وألقى الثوب في الرطب ونفضه في اليابس فلا تبطل صلاته
ويغتفر هذا العارض اليسير
( و ) سادسها ( طهر نجس ) لا يعفى عنه ( في محمول وبدن وملاقيهما ) فلا تصح الصلاة معه في واحد منها وتعبيري بالمحمول والملاقي أعم من تعبيره بالثوب والمكان
وإن فهم المراد مما يأتي ( ولو نجس ) بفتح الجيم وكسرها ( بعض شيء منها ) أي من الثلاثة ( وجهل ) ذلك البعض في جميع الشيء ( وجب غسل كله ) لتصح صلاته معه إذ الأصل بقاء النجاسة ما بقي جزء منه بلا غسل
وعلم بذلك أنه لو ظن باجتهاد طرفا من ذلك نجسا لم يكف غسله لأن الواحد ليس محلا للاجتهاد بل يجب غسل الجميع حتى لو تنجس أحد كمين وجهله وجب غسلهما فلو فصلهماأو أحدهما كفى غسل ما ظن نجاسته بالاجتهاد كالثوبين
ولو كان النجس في مقدم الثوب مثلا وجهل محله وجب غسل مقدمه فقط ( ولو غسل بعض نجس ) كثوب ( ثم ) غسل ( باقيه فإن غسل مع مجاوره ) مما غسل أولا ( طهر ) كله ( وإلا ) بأن غسل دون مجاوره ( فغير المجاور يطهر والمجاور نجس بملاقاته وهو رطب لنجس وإنما لم ينجس
____________________
(1/88)
بالمجاور ومجاوره الرطب وهكذا لأن نجاسة المجاور لا تتعدى إلى ما بعده كالسمن الجامد ينجس منه ما حول النجاسة فقط وتعبيري ببعض أعم من تعبيره بنصف
( ولا تصح صلاة نحو قابض ) كشادبيد أو نحوها ( طرف ) شيء كحبل ( متصل بنجس ) وإن لم يتحرك بحركته لأنه حامل لمتصل بنجس فكأنه حامل له فلا يضر جعل طرفه تحت رجله وإن تحرك بحركته لعدم حمله له ولو كان طرفه متصلا بساجور كلب وهو ما يجعل في عنقه أو بحمار به نجس في محل آخر بطلت صلاته على الأصح
قال في المجموع ولو حبس بمكان نجس صلى وتجافى عن النجس قدر ما يمكنه ولا يجوز وضع جبهته بالأرض بل ينحني للسجود إلى قدر لو زاد عليه لاقى النجس ثم يعيد ونحو من زيادتي ( ولا يضر نجس يحاذيه ) لعدم ملاقاته له وقولي يحاذيه أعم من قوله يحاذي صدره في الركوع والسجود ( ولو وصل عظمه ) بقيد زدته بقولي ( لحاجة ) إلى وصله ( بنجس ) من عظم ( لا يصلح ) للوصل ( غيره ) هو أولى من قوله لفقد الطاهر ( عذر ) في ذلك فتصح صلاته معه قال في الروضة كأصلها ولا يلزمه نزعه إذا وجد الطاهر
قال السبكي تبعا للإمام وغيره إلا إذا لم يخف من النزع ضررا ( وإلا ) بأن لم يحتج أو وجد صالحا غيره من غير آدمي ( وجب ) عليه ( نزعه ) أي النجس وإن اكتسى لحما ( إن أمن ) من نزعه ( ضرارا يبيح التيم ولم يمت ) لحمله نجسا تعدى بحمله مع تمكنه من إزالته كوصل المرأة شعرها بشعر نجس
فإن امتنع لزم الحاكم نزعه لأنه مما تدخله النيابة كرد المغصوب فإن لم يأمن الضرر أو مات قبل النزع لم يجب نزعه رعاية لخوف الضرر في الأول ولعدم الحاجة إليه في الثاني لزوال التكليف
( وعفى عن محل استجماره ) في الصلاة ولو عرق لجواز الاقتصار فيه على الحجر ( وفي حقه ) لا في حق غيره
فلو حمل مستجمرا في صلاته بطلت إذ لا حاجة إلى حمله فيهل ( و ) عفى ( عما عسر ) هو أولى من قوله يتعذر ( الاحتراز منه غالبا من طين شارع نجس يقينا ) لعسر تجنبه بخلاف ما لا يعسر الاحتراز منه غالبا
( ويختلف ) المعفو عنه ( وقتا ومحلا من ثوب وبدن ) فيعفى في زمن الشتاء عما لا يعفى عنه في زمن الصيف وفي الذيل والرجل عما لا يعفى عنه في الكم واليد أما الشوارع التي لم تتيقن نجاستها فمحكوم بطهارته وإن ظن نجاستها عملا بالأصل
( و ) عفى عن ( دم نحو
____________________
(1/89)
براغيث ودماميل ) كقمل وجروح ( ودم فصد وحجم بمحلهم وونيم ذباب ) أي روثه وإن كثر ذلك ولو بانتشار عرق لعموم البلوى بذلك ( لا إن كثر بفعله ) من زيادتي
فإن كثر بفعله كأن قتل براغيث أو عصر الدم لم يعف عن الكثير عرفا كما هو حاصل كلام الرافعي والمجموع والعفو عن الكثير في المذكورات مقيد باللبس لما قال في التحقيق لو حمل ثوب براغيث أو صلى عليه إن كثر دمه ضر وإلا فلا ومثله ما لو كان زائدا على تمام لباسه
قاله القاضي ويقاس بذلك البقية واعلم أن دم البراغيث رشحات تمصها من بدن الإنسان ثم تمجها وليس لها دم في نفسها ذكره الإمام وغيره وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به
( و ) عفى عن ( قليل دم أجنبي ) لعسر تجنبه بخلاف كثيرة ويعرفان بالعرف ( لا ) عن قليل دم ( نحو كلب ) لغلظه وهذا من زيادتي
وصرح به صاحب البيان ونقله عنه في المجموع وأقره ( وكالدم ) فيما ذكر ( قيح ) وهو مدة لا يخالطها دم ( وصديد ) وهو ماء رقيق يخالطه دم لأنه أصلهما ( وماء جروح ومتنفط له ريح ) قياسا على القيح والصديد
أما ماء لا ريح له فطاهر كالعرق خلافا للرافعي ( ولو صلى بنجس ) غير معفو عنه ( لم يعلمه أو ) علمه ثم ( نسي ) فصلى ثم تذكر ( وجبت الإعادة ) في الوقت أو بعده لتفريطه بترك التطهير وتجب إعادة كل صلة تيقن فعلها مع النجس بخلاف ما احتمل حدوثه بعدها فلا تجب إعادتها لكن تسن كما قاله في المجموع
( و ) سابعها ( ترك نطق ) عمدا بغير قرآن وذكر ودعاء على ما سيأتي ( فتبطل بحرفين ) أفهما أو لا كقم وعن ( ولو في نحو تنحنح ) كضحك وبكاء وأنين ونفخ وسعال وعطاس فهو أعم مما عبر به
( وبحرف مفهم ) كق من الوقاية وإن أخطأ يحذف هاء السكت ( أو ) حرف ( ممدود ) لأن المدة ألف أو واو أو ياء سواء كان ذلك لمصلحة الصلاة كأن قام إمامه لزائد فقال له اقعد أم لا والأصل في ذلك خبر مسلم إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس والكلام يقع على المفهم وغيره الذي هو حرفان وتخصيصه بالمفهم اصطلاح للنحاة
ويستثنى من ذلك إجابة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ممن ناداه والتلفظ بقربة كنذر وعتق بلا تعليق وخطاب
( ولو ) كان الناطق بذلك ( مكرها ) لندرة الإكراه فيها ( لا بقليل كلام ) حالة كونه ( ناسيا لها ) أي الصلاة ( أو سبق ) إليه ( لسانه أو جهل تحريمه ) فيها وإن علم تحريم جنس الكلام فيها ( وقرب إسلامه أو بعد عن العلماء ) بخلاف من بعد إسلامه وقرب من العلماء لتقصيره بترك التعلم
____________________
(1/90)
( ولا بتنحنح لتعذر ركن قولي ) لا لتعذر غيره كجهر لأنه ليس بواجب فلا ضرورة إلى التنحنح له ( ولا بقليل نحوه ) أي نحو التنحنح من ضحك وغيره ( لغلبة ) وخرج بقليله وقليل ما مر كثيره لأنه يقطع نظم الصلاة وقولي أو بعد عن العلماء من زيادتي
وكذا التقييد في الغلبة بالقليل وتعرف القلة والكثرة بالعرف وقولي ركن قولي أعم وأولى من تعبيره بالقراءة ( ولا ) تبطل ( بذكر ودعاء ) غير محرم ( إلا أن يخاطب ) بهما كقوله لغيره سبحان ربي وربك أو لعاطس رحمك الله فتبطل به بخلاف رحمه الله وخطاب الله ورسوله كما علم من أذكار الركوع وغيره وذكرت في شرح الروض وغيره زيادتي على ذلك ( ولا بنظم قرآن بقصد تفهيم وقراءة ) { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } مفهما به من يستأذن في أخذ شيء أن يأخذه كما لو قصد القراءة فقط
فإن قصده فقط أو لم يقصد شيئا بطلت لأنه يشبه كلام الآدميين ولا يكون قرآنا إلا بالقصد وخرج بنظم القرآن ما لو أتى بكلمات منه متوالية مفرداتها فيه دون نظمه كقوله يا إبراهيم سلام كن فتبطل صلاته فإن فرقها وقصد بها القراءة لم تبطل به نقله في المجموع عن المتولى وأقره ( ولا بسكوت طويل ) ولو عمدا بلا غرض لأنه لا يخرم هيئتها وسيأتي في الباب الآتي أن تطويل الركن القصير يبطل عمده ( وسن لرجل تسبيح ) أي قوله سبحان الله ( ولغيره ) من امرأة وخنثى ( تصفيق ) بضرب بطن كف أو ظهرها على ظهر أخرى أو ضرب ظهر كف على بطن أخرى ( لا ) بضرب ( بطن ) منها ( على بطن ) من أخرى بل إن فعله لاعبا عالما بتحريمه بطلت صلاته
وإن قلنا لمنفاته الصلاة وإنما يسن ذلك لهما ( إن نابهما شيء ) في صلاتهما كتنبيه إمامهما على سهو وإذنهما لداخل وإنذارهما أعمى خشيا وقوعه في محذور
والأصل في ذلك خبر الصحيحين من نابه شيء في صلاته فليسبح وإنما التصفيق للنساء ويعتبر في التسبيح أن يقصد به الذكر ولو مع التفهم كنظيره السابق في القراءة وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به
ولو صفق الرجل وسبح غيره جاز مع مخالفتهما السنة والمراد بيان التفرقة بينهما فيما ذكر لا بيان حكم التنبيه وإلا فإنذار الأعمى ونحوه واجب فإن لم يحصل الإنذار إلا بالكلام أو بالفعل المبطل وجب
وتبطل الصلاة به على الأصح
( و ) ثامنها ترك ( زيادة ركن فعلى عمدا ) فتبطل به صلاته لتلاعبه بخلافها سهوا لأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا وسجد للسهو ولم يعدها رواه الشيخان
ويغتفر القعود اليسير قبل السجود
____________________
(1/91)
وبعد سجدة التلاوة وسيأتي في صلاة الجماعة أنه لو اقتدى بمن اعتدل من الركوع أنه يلزمه متابعته في الزائد وأنه لو ركع أو سجد قبل إمامه وعاد إليه لم يضر
وخرج بالفعلي القولي كتكرير الفاتحة وسيأتي في الباب الآتي ( وترك فعل فحش ) كوثبة فتبطل به ولو سهوا صلاته لمنافاته لها وهذا أولى من قوله
وتبطل بالوثبة الفاحشة ( أو ) فعل ( كثر من غير جنسها ) في غير شدة خوف ( عرفا ) كثلاث خطوات ( ولاء ) فتبطل به ولو سهوا صلاته لذلك بخلاف القليل كخطوتين والكثير المتفرق لأنه صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها رواه الشيخان
وكالكثير ما لو نوى ثلاثة أفعال ولاء وفعل واحدا منها صرح به العمراني ويستثنى من القليل الفعل بقصد اللعب فتبطل به كما مر ( لا إن خف ) الكثير كتحريك أصابعه مرارا بلا حركة كفه في سبحة إلحاقا له بالقليل
فإن حرك كفه فيه ثلاثا ولاء بطلت صلاته ( أو اشتد جرب ) بأن لا يقدر معه على عدم الحك فلا تبطل بتحريك كفه للحك ثلاثا ولا للضرورة وهذا من زيادتي وبها صرح القاضي وغيره
( و ) تاسعها ( ترك مفطر أكل كثير أو بإكراه ) فتبطل بكل منها وإن كان الأول والثالث قليلين كبلع ذوب سكرة والثاني مفرقا سهوا أو جهلا بحرمته لإشعار الأولين بالإعراض عنها وندور الثالث والمضغ من الأفعال فتبطل بكثيره وإن لم يصل إلى الجوف شيء من الممضوغ وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به
وسن أن يصلي لنحو جدار ( كعمود ( ثم ) إن عجز عنه فلنحو ( عصا مغروزة ) كمتاع للاتباع رواه الشيخان
ولخبر استتروا في صلاتكم ولو بسهم رواه الحاكم وقال على شرط مسلم ( ثم ) إن عجز عن ذلك ( يبسط مصلي ) كسجادة بفتح السين
( ثم ) إن عجز عنه ( يخط أمامه ) خطا طولا كما في الروضة روى أبو داود خبر إذا صلى أحدكم فليجعل أمام وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر أمامه وقيس بالخط المصلى وقدم على الخط لأنه أظهر في المراد ( وطولها ) أي المذكورات ( ثلثا ذراع ) فأكثر ( وبينهما ) أي بينها وبين المصلى ( ثلاثة أذرع فأقل ) وذكر سن الصلاة إلى المذكورات مع اعتبار الترتيب فيها وضبطها بما ذكر من زيادتي وبذلك صرح في التحقيق وغيره إلا الترتيب في الأولين فهو مقتضى كلام الروضة وأصلها وصرح به في المجموع والأضبط الأخيرين فهو القياس كما قاله الأسنوي
وإذا صلى إلى شيء منها ( فيسن ) له ولغيره ( دفع ما مر ) بينه وبينها
والمراد بالمصلي والخط منها أعلاهما وذلك لخبر الشيخين إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه
____________________
(1/92)
فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان أي معه شيطان أو هو شيطان الإنس
وذكر سن الدفع لغير مصلى من زيادتي وبه صرح الأسنوي وغيره تفقها ( وحرم مرور ) وإن لم يجد المار سبيلا آخر لخبر لو يعلم المار بين يدي المصلي أي إلى السترة ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خريفا خيرا له من أن يمر بين يديه رواه الشيخان إلا من الإثم فالبخاري وإلا خريفا فالبزار
والتحريم مقيد بما إذا لم يقصر المصلي بصلاته في المكان وإلا كأن وقف بقارعة الطريق فلا حرمة بل ولا كراهة كما قاله في الكفاية أخذا من كلامهم وبما إذا لم يجد المار فرجة أمامه وإلا فلا حرمة بل له خرق الصفوف والمرور بينها ليسد الفرجة
كما قاله في الروضة كأصلها وفيها لو صلى بلا سترة أو تباعد عنها أي أو لم يكن بالصفة المذكورة فليس له الدفع لتقصيرة ولا يحرم المرور بين يديه لكن الأولى تركه فقوله في غيرها لكن يكره محمول على الكراهة غير الشديدة
قال وإذا صلى إلى سترة فالسنة أن يجعلها مقابلة ليمينه أو شماله ولا يصمد لها بضم الميم أي يجعلها تلقاء وجهه ( وكره التفات ) فيها لوجهه لخبر عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال هو الاختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد رواه البخاري
( وتغطيه ) للنهي عنه رواه ابن حبان وغيره وصححوه ( وقيام على رجل ) واحدة لأنه تكلف ينافي الخشوع ( لا لحاجة ) في الثلاثة فإن كان لها لم يكره
وقد روى مسلم خبر أنه صلى الله عليه وسلم اشتكى فصلينا وراءه وهو جالس فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا الحديث ولخبر إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخل فتأخيري لا لحاجة عن الثلاثة أولى من تقديم الأصل له على الأخير منها بل يجعل قيدا أيضا فيما يأتي أو في بعضه ( ونظر نحو سماء ) مما يلهى كثوب له أعلام
وذلك لخبر البخاري ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم
وخبر الشيخين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وعليه خميصة ذات أعلام فلما فرغ قال ألهتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بانبجانيته ونحو من زيادتي ( وكف شعر أو ثوب ) لخبر أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعرا ولا ثوبا رواه الشيخان واللفظ لمسلم
والمعنى في النهي عنه أنه يسجد معه ( وبصق أماما ويمينا ) لا يسارا لخبر الشيخين إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه عز وجل فلا يبزق بين يديه ولا عن يمينه
ولكن عن يساره أي ولو تحت قدميه وهذا كما في المجموع في غير المسجد أما في المسجد فيحرم لخبر الشيخين البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها بل يبصق
____________________
(1/93)
في طرف ثوبه من جانبه الأيسر ويحك بعضه ببعض ويبصق بالصاد والزاي والسين ( واختصار ) بأن يضع يديه على خاصرته لخبر أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل مختصرا رواه الشيخان والمرأة كالرجل كما في المجموع ومثلهما الخنثى ( وخفض رأس ) عن ظهر ( في ركوع ) لمجاوزته لفعله صلى الله عليه وسلم وحذفت تقييد الأصل الخفض بالمبالغة تبعا لنص الشافعي وغيره ( وصلاة بمدافعة حدث ) كبول وغائط وريح ( وبحضرة ) بتثليث الحاء ( طعام ) مأكول أو مشروب ( يتوق ) بالمثناة أي يشتاق ( إليه ) لخبر مسلم لا صلاة أي كاملة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان أي البول والغائط وتعبيري بمدافعة حدث أعم من قوله حاقنا أو حاقبا أي بالبول والغائط
( وبحمام ) ومنه مسلخة ( وطريق ) في بنيان لا برية ( ونحو مزبلة ) وهي موضع الزبل كمجزرة وهي موضع ذبح الحيوان ( و ) نحو ( كنيسة ) وهي معبد اليهود كبيعة وهي معبد النصارى ( و ) نحو ( عطن إبل ) ولو طاهرا كمراحها الآتي والعطن الموضع الذي تنحى إليه الإبل الشاربة ليشرب غيرها
فإذا اجتمعت سيقت منه إلى المرعى ونحو من زيادتي ( وبمقبرة ) بتثليث الموحدة نبشت أم لا للنهي في خبر الترمذي عن الصلاة في الجميع خلا المراح وسيأتي وخلا نحو الكنيسة فألحقت بالحمام
والمعنى في الكراهة فيهما أنهما مأوى الشياطين وفي الطريق اشتغال القلب بمرور الناس فيه وقطع الخشوع وفي نحو المزبلة والمقبرة المنبوشة نجاستهما تحت ما يفرش عليهما
فإن لم يفرش شيء لم تصح الصلاة وفي غير المنبوشة نجاسة ما تحتها بالصديد وفي عطن الإبل نفارها المشوش للخشوع وألحق به مراحها بضم الميم وهو مأواها ليلا للمعنى المذكور فيه ولهذا لا تكره في مراح الغنم ولا فيما يتصور منها من مثل عطن الإبل والبقر كالغنم قاله ابن المنذر وغيره قال الزركشي وفيه نظر
باب في مقتضى سجود السهو وما يتعلق به ( سجود السهو ) في الصلاة فرضا أو نفلا ( سنة ) لأحد أربعة أمور ( لترك بعض ) من الصلاة ولو عمدا ( وهو ) ثمانية ( تشهد أول ) أو بعضه ( وقعوده ) وإن استلزم تركه ترك التشهد
____________________
(1/94)
والمراد بالتشهد الأول اللفظ الواجب في التشهد الأخير دون ما هو سنة فيه فلا يسجد لتركه
قاله المحب الطبري ( وقنوت راتب ) أو بعضه ( وقيامه ) وإن استلزم تركه ترك القنوت ( وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها ) أي بعد التشهد والقنوت المذكورين وذكرها بعد القنوت وتقييده بالراتب من زيادتي وسيأتي بيان ما يخرج به
( و ) صلاة ( على الآل بعد ) التشهد ( الأخير و ) بعد ( القنوت ) والتصريح به من زيادتي لأنه صلى الله عليه وسلم قام من ركعتين من الظهر ولم يجلس ثم سجد في آخر الصلاة قبل السلام سجدتين رواه الشيخين
وقيس بما فيه البقية ويتصور ترك السابع منها بأن يتيقن ترك إمامه له بعد سلامه وقبل أن يسلم هو
وظاهر أن القعود للصلاة على النبي بعد التشهد الأول وللصلاة على الآل بعد الأخير كالقعود للأول وأن القيام لهما بعد القنوت كالقيام له وسميت هذه السنن أبعاضا لقربها بالجبر بالسجود من الأبعاض الحقيقية أي الأركان
وخرج بها بقية السنن كأذكار الركوع والسجود فلا يجبر تركها بالسجود لعدم وروده فيها وبراتب وهو قنوت الصبح والوتر قنوت النازلة لأنه سنة في الصلاة لا منها أي لا بعض منها ( ولسهو ما يبطل عمده فقط ) أي دون سهوه سواء أحصل معه زيادة بتدارك ركن كما مر في ركن الترتيب أم لا
وذلك ( كتطويل ركن قصير وهو اعتدال ) لم يطلب تطويله ( وجلوس بين سجدتين ) كذلك وكقليل كلام وأكل وزيادة ركعة فيسجد لسهوه لأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا وسجد للسهو بعد السلام رواه الشيخان
وقيس بما فيه نحوه ويستثنى من ذلك المتنفل في السفر إذا انحرف عن طريقه إلى غير القبلة ناسيا وعاد عن قرب فإن صلاته لا تبطل بخلاف العامد كما مر ولا يسجد للسهو على المنصوص الذي ذكره في الروضة كأصلها وصححه في المجموع وغيره
لكن صحح الرافعي في الشرح الصغير أنه يسجد
قال الأسنوي وهو القياس وإنما كان الاعتدال والجلوس المذكور قصيرين لأنهما لم يقصدا في نفسهما بل للفصل وإلا لشرع فيهما ذكر واجب ليتميز به عن العادة كالقيام وفيه كلام كثير ذكرته مع جوابه في شرح الروض وخرج بما يبطل عمده ما لا يبطل عمده كالتفات وخطوتين فلا يسجد لسهوه ولا لعمده لعدم ورود السجود له ويستثنى منه مع ما يأتي من نقل القولي ما لو فرقهم في الخوف أربع فرق وصلى بكل ركعة أو فرقتين وصلى بفرقة ركعة وبأخرى ثلاثا فإنه يسجد للسهو للمخالفة وبالانتظار في غير محله
وخرج بفقط ما يبطل عمده وسهوه ككثير كلام وأكل وفعل فلا سجود لأنه ليس في صلاة
____________________
(1/95)
( ولنقل ) مطلوب ( قولي غير مبطل ) نقله إلى غير محله ركنا كان كفاتحة أو بعضا أو غير ركن كسورة وقنوت بنيته وتسبيح فيسجد له سواء أنقله عمدا أو سهوا لتركه التحفظ المأمور به في الصلاة مؤكدا كتأكيد التشهد الأول
ولا يرد نقل السورة قبل الفاتحة حيث لا يسجد له لأن القيام محلها في الجملة ويقاس بذلك نظائره وتعبيري بما ذكر أعم وأولى من تعبيره بنقل ركن قولي ومن تقييده السجود بالسهو
وخرج بما ذكر نقل الفعلي والسلام وتكبيرة الإحرام عمدا فبطل وفارق ونقل الفعلي نقل القولي غير ما ذكر بأنه لا يغير هيئة الصلاة نقل الفعلي ( وللشك في ترك بعض ) بقيد زدته بقولي ( معين ) كقنوت لأن الأصل عدم الفعل بخلاف الشك في ترك مندوب في الجملة لأن المتروك قد لا يقتضي السجود وبخلاف الشك في ترك بعض مبهم لضعفه بالإبهام
وبهذا علم أن للتقييد بالمعين معنى خلافا لمن زعم خلافه فجعل المبهم كالمعين ( لا ) للشك ( في ) فعل ( منهي ) عنه
وإن أبطل عمده ككلام قليل ناسيا فلا يسجد لأن الأصل عدمه ولو سها وشك هل سها بالأول أو بالثاني واقتضى السجود أو هل متروكه القنوت أو التشهد لتيقن مقتضيه ( إلا ) للشك ( فيما ) صلاه و ( احتمل زيادة
فلو شك ) وهو في رباعية ( أصلي ثلاثا أم أربعا أتى بركعة ) لأن الأصل عدم فعلها ( وسجد ) وإن زال شكه قبل سلامه بأن تذكر قبله أنها رابعة للتردد في زيادتها
ولا يرجع في فعلها إلى ظنه ولا إلى قول غيره وإن كان جمعا كثيرا
والأصل في ذلك خبر مسلم إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أصلي ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته أي ردتها السجدتان وما تضمنتاه من الجلوس بينهما إلى الأربع
أما ما لا يحتمل زيادة كأن شك في ركعة من رباعية أهي ثالثة أم رابعة فتذكر فيها أنها ثالثة فلا يسجد لأن ما فعله منها مع التردد لا بد منه ( ولو سها ) بما يجبر بالسجود ( وشك أسجد ) أم لا ( سجد ) لأن الأصل عدم السجود
ولو شك أسجد واحدة أم ثنتين سجد أخرى ( ولو نسي تشهدا أول ) وحده أو مع قعوده ( أو قنوتا وتلبس بفرض ) من قيام أو سجود
( فإن عاد ) له ( بطلت ) صلاته لقطعه فرضا لنفل ( لا ) إن عاد ( ناسيا ) أنه فيها ( أو جاهلا ) تحريمه فلا تبطل لعذره وهو مما يخفى على العوام ويلزمه العود عند تذكره أو تعلمه ( لكنه يسجد ) للسهو لزيادة قعود أو اعتدال في غير محله
( ولا ) إن عاد ( مأموما ) فلا تبطل صلاته ( بل عليه عود ) فإن لم يعد بطلت صلاته إلا أن ينوي مفارقته
____________________
(1/96)
بخلافه إذا تعمد الترك فلا يلزمه العود بل يسن كما رجحه في التحقيق وغيره في التشهد ومثله القنوت وفارق ما قبله بأن الفاعل ثم معذور ففعله غير معتد به
فكأنه لم يفعل شيئا بخلافه هنا ففعله معتد به وقد انتقل من واجب إلى اخر فخير بينهما ولو عاد الإمام للتشهد مثلا قبل قيان المأموم حرم قعوده معه لوجوب القيام عليه بانتصاب الإمام ولو انتصب معه ثم عاد هو لم يجز له متابعته في العود لأنه إما مخطىء به فلا يوافقه في الخطأ أو عامد فصلاته باطلة
بل يفارقه أو ينتظره حملا على أنه عاد ناسيا ( وإن لم يتلبس به ) أي بفرض ( عاد ) مطلقا ( وسجد ) للسهو ( إن قارب القيام ) في مسألة التشهد ( أو بلغ حد الراكع ) في مسألة القنوت لتغيير ذلك نظم الصلاة بخلاف ما إذا لم يصل إلى ذلك لقلة ما فعله
وفي السجود المذكور اضطراب ذكرته في شرح الروض وغيره ( إن قارب أو بلغ ما مر ) من القيام في الأولى وحد الركوع في الثانية بخلاف المأموم لما مر عن التحقيق وغيره
أما إذا لم يقارب أو لم يبلغ ما مر فلا تبطل صلاته وذكري في مسألة القنوت حكم العامد العالم والناسي والجاهل والمأموم وتعمد الترك مع تقييده في مسألة التشهد بغير المأموم من زيادتي ( ولو شك بعد سلامه ) وإن قصر الفصل ( في ترك فرض ) بقيد زدته بقولي ( غير نية وتكبير ) لتحرم ( لم يؤثر )
لأن الظاهر وقوع السلام عن تمام فإن كان الفرض نية أو تكبيرا استأنف لأنه شك في أصل الانعقاد وكذا لو شك هل نوى الفرض أو التطوع كما قاله البغوي
ويمكن إدراجها فيما زادته ( وسهوه حال قدوته ) الحسية كأن سها عن التشهد الأول أو الحكمية كأن سهت الفرقة الثانية في ثانيتها في صلاة ذات الرقاع ( يحمله إمامه ) كما يحمل الجهر والسورة وغيرهما
( فلو ظن سلامه فسلم فبان خلافه ) أي خلاف ما ظنه ( تابعه ) في السلام ( ولا سجود ) لأن سهوه في حال قدوته ( ولو ذكر في تشهده ترك ركن غير ما مر ) آنفا من تكبير أو نية وفي ركن الترتيب من سجدة من ركعة أخيرة
( أتى بعد سلام إمامه بركعة ) كأن ترك سجدة من غير الأخيرة
( ولا يسجد ) لأن سهوه في حال قدوته وخرج بحال قدوته ما لو سها قبلها أو بعد انقطاعها فلا يحمله إمامه فلو سلم مسبوق بسلام إمامه وذكر بني إن قصر الفصل وسجد ( ويلحقه ) أي
____________________
(1/97)
المأموم ( سهو إمامه ) كما يحمل الإمام سهوه سواء أسها قبل اقتدائه به أم حال اقتدائه
( فإن سجد ) إمامه ( تابعه ) فإن ترك متابعته عمدا بطلت صلاته واستثنى في الروضة كأصلها ما إذا تبين له حدث الإمام فلا يلحقه سهوه ولا يحمل الإمام سهوه وما إذا تيقن غلط الإمام في ظنه وجوده مقتض للسجود فلا يتابعه فيه ( ثم يعيده مسبوق آخر صلاته ) لأنه محل سجود السهو ( وإلا ) أي وإن لم يسجد الإمام سلم ( سجد المأموم آخر صلاته جبرا لخلل صلاته بسهو إمامه ( وسجود السهو وإن كثر ) السهو ( سجدتان ) بنية سجود السهو ( قبل سلامه ) لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به إذ ذاك ولأنه لمصلحة الصلاة فكان قبل السلام كما لو نسي سجدة منها
وأجابوا عن سجوده بعده في خبر ذي اليدين وغيره بحمله على أنه لم يكن عن قصد مع أنه يرد لببيان حكم سجود السهو سواء كان السهو بزيادة أو نقص أم بهما ( كسجود الصلاة ) في واجباته ومندوباته ( فإن سلم عمدا ) مطلقا ( أو ) سهوا أو ( طال فصل ) عرفا ( فات ) السجود ( وإلا سجد )
نعم إن سلم مصلي الجمعة فخرج وقتها أو القاصر فنوى الإقامة أو انتهى سفره بوصول سفينته أو رأى المتيمم الماء أو انتهت مدة مسح الخف أو نحو ذلك لم يسجد ( و ) إذا سجد فيما إذا سلم ساهيا ولم يطل فصل ( صار عائدا إلى الصلاة ) فيجب أن يعيد السلام
وإذا أحدث بطلت صلاته وإذا خرج وقت الظهر فيه فاتته الجمعة
قال البغوي والسجود في هذه حرام عند العلم بالحال لأنه يفوت الجمعة مع إمكانها ثم بينت ما يتعدد فيه السجود صورة لا حكما
فقلت ( ولو سها أمام جمعة وسجدوا فبان فوتها أتموها ظهرا ) لما سيأتي في بابها ( وسجدوا ) ثانيا آخر الصلاة لتبين أن السجود الأول ليس في آخر الصلاة ( ولو ظن ) المصلي ( سهوا فسجد فبان عدمه ) أي عدم ما ظنه ( سجد ) ثانيا لزيادة السجود الأول وكذا السجود في آخر صلاته مقصورة فلزمه الإتمام ولو سجد للسهو ثم سها قبل سلامه بكلام أو غيره لا يسجد ثانيا على الأصح لأنه لا يأمن من وقوع مثله فيتسلسل
____________________
(1/98)
باب في سجودي التلاوة والشكر ( تسن سجدات تلاوة ) بفتح الجيم ( لقارىء ) ولو صبيا أو امرأة أو خطيبا وأمكنه عن قرب بمكانه أو أسفل المنبر ( وسامع ) قصد السماع أم لا ولو كان القارىء كافرا ( قراءة ) لجميع آية السجدة ( مشروعة ) كالقراءة في القيام ولو قبل الفاتحة بخلاف غيرها كقراءة مصل في غير محلها وقراءة جنب وسكران والأصل فيما ذكر ما رواه الشيخان عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن فيقرأ السورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعا لمكان جبهته
وفي رواية لمسلم في غير صلاة ( وتتأكد ) السجدة ( له ) أي للسامع ( بسجود القارىء ) لكن تأكدها لغير القاصد ليس كتأكدها للقاصد وذكر تأكدها لغير القاصد مع التقييد بمشروعية القراءة من زيادتي
وإذا سجد السامع مع القارىء فلا يرتبط به ولا ينوي الاقتداء به ( وهي ) أي سجدات التلاوة ( أربع عشرة ) سجدتا الحج وثلاث في المفصل في النجم والانشقاق واقرأ والبقية في الأعراف والرعد والنحل والإسراء ومريم والفرقان والنمل وألم تنزيل وحم السجدة ومحالها معروفة واحتج لذلك لخبر أبي داود بإسناد حسن عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان والسجدة الباقية منه سجدة ص المذكورة بقولي ( ليس منها سجدة ص بل هي سجدة شكر ) لخبر النسائي سجدها داود توبة ونسجدها شكرا أي على قبول توبة كما قاله الرافعي ( تسن ) عند تلاوتها ( في غير صلاة ) ولا تدخل فيها كما يعلم مما يأتي ( ويسجد مصل لقراءته ) لا لقراءة غيره ( إلا مأموما فلسجدة إمامه ) لا لقراءته بغير سجود ولا لقراءة نفسه
( فإن ) سجد إمامه و ( تخلف ) هو عنه ( أو سجد ) هو ( دونه بطلت ) صلاته لمخالفة الفاحشة ولو لم يعلم سجوده حتى رفع رأسه لم تبطل صلاته ولا يسجد ولو علم والإمام في السجود فهوي ليسجد فرفع الإمام رأسه رجع معه ولا يسجد ( ويكبر ) المصلي ( كغيره ) ندبا ( لهوى ولرفع ) من السجدة ( بلا رفع يد ولا يجلس ) المصلي ( لاستراحة ) بعدها لعدم وروده وذكر عدم رفع اليد في الرفع من السجدة لغير المصلي من زيادتي ( وأركانها ) أي السجدة ( لغير مصل يحرم ) بأن يكبر ناويا ( وسجود وسلام ) بعد جلوسه بلا تشهد ( وسن )
____________________
(1/99)
له مع ما مر ( رفع يديه في ) تكبير ( تحرم ) وما ذكرته هو مراد الأصل بما ذكره قال ابن رفعة
ولا تجب على المصلي نيتها اتفاقا لأن نية الصلاة تنسحب عليها
وبهذا يفرق بينها وبين سجود السهو ( وشرطها أي السجدة ( كصلاة ) أي كشرطها من نحو الطهر والستر والتوجه ودخول وقتها وهو بالفراغ من قراءة آيتها ( وأن لا يطول فصل ) عرفا بينها وبين قراءة الآية كمحدث تطهر بعد قراءتها عن قرب فيسجد ( وهي كسجدتها ) أي الصلاة في الفروض والسنن ومنها سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقته فتبارك الله أحسن الخالقين رواه الترمذي وصححه إلا وصوره فالبيهقي وإلا فتبارك إلخ
فهو والحاكم ويسن أن يقول أيضا اللهم اكتب لي بها عندك أجرا واجعلها عندك ذخرا وضع عني بها وزرا واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود
رواه الترمذي وغيره بإسناد حسن ( وتكرر ) أي السجدة ممن ذكر ( بتكرير الآية ) ولو بمجلس واحد أو ركعة لوجود مقتضيها
نعم إن لم يسجد حتى كرر الآية كفاه سجدة ( وسجدة الشكر لا تدخل الصلاة ) فلو فعلها فيها عامدا عالما بالتحريم بطلت ( وتسن لهجوم ) ( نعمة ) كحدوث ولد أو مال للاتباع رواه أبو داود
وغيره بخلاف النعم المستمرة كالعافية والإسلام لأن ذلك يؤدي إلى استغراق العمر ( أو اندفاع نقمة ) كنجاة من هدم أو غرق للاتباع رواه ابن حبان
وقيد في المجموع نقلا عن الإمام الشافعي والأصحاب النعمة والنقمة بكونهما ظاهرتين ليخرج الباطنتين كالمعرفة وستر المساوي ( أو رؤية مبتلي ) كزمن للاتباع رواه الحاكم ( أو فاسق ) بقيد زدته بقولي ( معلن ) بفسقه لأن مصيبة الدين أشد من مصيبة الدنيا ولهذا قال رسول صلى الله عليه وسلم اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا والسجود للمصيبتين على السلامة منهما ( ويظهرها ) أي السجدة لهجوم نعمة ولاندفاع نقمة وللفاسق المذكور إن لم يخف ضرره لعله يتوب ( لا له ) أي للفاسق المذكور ( إن خاف ضرره ولا لمبتلي ) لئلا يتأذى مع عذره وتعبيري بالفاسق أولى من تعبيره بالعاصي لشمول المعصية الصغيرة بغير إصرار مع أنه لا سجود لرؤية مرتكبها وقولي ويظهرها الخ أعم وأولى ما ذكره ( وهي كسجدة التلاوة ) خارج الصلاة فيما مر في ( ولمسافر فعلهما ) أي السجدتين ( كنافلة ) فيأتي فيهما مر فيها وسواء في سجدة التلاوة داخل الصلاة وخارجها وهذا أعم مما ذكره
____________________
(1/100)
باب في صلاة النفل وهو ما رجح الشرع فعله وجوز تركه ويراد فيه السنة والتطوع والمندوب والمستحب والمرغب فيه والحسن ( صلاة النفل قسمان قسم لا تسن له جماعة كالرواتب ) التابعة للفرائض ( والمؤكد منها ركعتان قبل صبح و ) ركعتان قبل ( ظهر و ) ركعتان ( بعده و ) ركعتان ( بعد مغرب و ) ركعتان ( بعد عشاء ووتر ) بكسر الواو وفتحها ( بعدها ) أي العشاء للاتباع رواه الشيخان ( وغيره ) أي المؤكد منها ( زيادة ركعتين قبل ظهر و ) ركعتين ( بعده ) لخبر من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار رواه الترمذي وصححه
( وأربع قبل عصر ) للاتباع رواه الترمذي وحسنه ( وركعتان خفيفتان قبل مغرب ) للأمر بهما في خبر أبي داود وغيره ولخبر الشيخين بين كل أذانين صلاة
والمراد الأذان والإقامة قال في المجموع وركعتان قبل العشاء لخبر بين كل أذانين صلاة ( وجمعة كظهر ) فيما مر كما في التحقيق وغيره
لكن قول الأصل وبعد الجمعة أربع وقبلها ما قبل الظهر مشعر بمخالفتها الظهر في سنتها المتأخرة ( ويدخل وقت الرواتب قبل الفرض بدخول وقته وبعده ) ولو وترا ( بفعله ويخرجان ) أي وقت الرواتب التي قبل الفرض وبعده ( بخروج وقته ) ففعل القبلية فيه بعد الفرض أداء ( وأفضلها ) أي الرواتب ( الوتر ) لخبر إن الله أمدكم بصلاة خير لكم من حمر النعم وهي الوتر رواه الترمذي والحاكم وصححه
وذكر أفضليته وجعله قسما منها وهو ما في الروضة كأصلها من زيادتي
( وأقله ركعة ) وإن لم يتقدمها نفل من سنة العشاء وغيرها
قال في المجموع وأدنى الكمال ثلاث وأكمل منه خمس ثم سبع ثم تسع ( وأكثره إحدى عشرة ) روى أبو داود بإسناد صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال من أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أو يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل
وروى الدراقطني أوتروا بخمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة فلو زاد عليها لم يصح وتره وأما خبر الترمذي عن أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/101)
كان يوتر بثلاثة عشرة فحمل على أنها حسبت فيه سنة العشاء
وقال السبكي أنا أقطع بجواز الوتر بها وبصحته لكن أحب الاقتصار على أحدى عشرة فأقل لأن ذلك غالب أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ويكره الايتار بركعة
كذا في الكفاية عن القاضي أبي الطيب ( ولمن زاد على ركعة ) في الوتر ( الوصل بتشهد ) في الأخيرة ( أو تشهدين في الأخيرتين ) للاتباع في ذلك راه مسلم
والأول أفضل ولا يجوز في الوصل أكثر من تشهدين ولا فعل أولهما قبل الأخيرتين لأنه خلاف المنقول من فعله صلى الله عليه وسلم
( والفصل ) بين الركعات بالسلام كأن ينوي ركعتين من الوتر ( أفضل ) منه لزيادته عليه بالسلام وغيره
( وسن تأخيره عن صلاة ليل ) من راتبة أو تراويح أو تهجد لخبر الشيخين اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا ( ولا يعاد ) ندبا وإن أخر عنه تهجدا فهو أعم من قوله
فإن أوتر ثم تهجد لم يعده وذلك لخبر أبي داود وغيره
وحسنه الترمذي لا وتران في ليلة ( و ) سن تأخيره ( عن أوله ) أي الليل ( لمن وثق بيقظته ) بفتح القاف ( ليلا ) سواء أكان له تهجد أم لا فإن لم يثق بها لم يؤخره لخبر مسلم من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل وهذه من زيادتي وهو ما في المجموع واقتصر في الأصل كالروضة في سن التأخير على من له تهجد
( و ) سن ( جماعة في وتر رمضان ) وإن لم تفعل التراويح أو فعلت فرادي بناء على سن الجماعة فيها كما سيأتي
فتعبيري بذلك أولى من قوله وإن الجماعة تندب في الوتر تقب التراويح جماعة وتقدم في صفة الصلاة أنه يسن فيه القنوت في النصف الثاني من رمضان ( وكالضحى وأقلها ركعتان ) وأدنى الكمال أربع وأفضل منه ست ( وأكثرها ) عددا ( اثنتا عشرة وأفضلها ) نقلا ودليلا ( ثمان ) ويسلم من كل ركعتين ندبا كما قاله القمولي
روى الشيخان عن أبي هريرة قال أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام
وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء وروى أبو داود بإسناد على شرط البخاري أنه صلى الله عليه وسلم صلى سبحة الضحى أي صلاته ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين وفي الصحيحين قريب منه
وروى البيهقي بإسناد ضعيف عن أبي ذر أنه صلى الله عليه وسلم قال إن صليت الضحى عشرا لم يكتب عليك ذلك اليوم ذنب وإن صليتها اثنتي عشرة ركعة بنى الله لك بيتا في الجنة
ووقتها فيما جزم به الرافعي من ارتفاع الشمس إلى الاستواء
وفي المجموع والتحقيق إلى الزوال وهو المراد بالاستواء فيما
____________________
(1/102)
يظهر ونقل في الروضة عن الأصحاب أن وقتها من الطلوع ويسن تأخيرها إلى الارتفاع
قال الأذرعي فيه نظر والمعروف في كلامهم الأول ووقتها المختار إذا مضى ربع النهار كما جزم به في التحقيق وقولي وأفضلها ثمان من زيادتي وهو ما في الروضة وغيرها ( وكتحية مسجد ) غير المسجد الحرام ( لداخله ) متطهرا مريدا الجلوس فيه ولم يشتغل بها عن الجماعة ولم يخف فوت راتبة وإن تكرر دخوله عن قرب لوجود المقتضى ( وتحصل بركعتين فأكثر ) بتسليمة
ولو كان ذلك فرضا أو نفلا آخر سواء نويت معه أم لا لخبر الشيخين إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين
ولأن المقصود وجود صلاة قبل الجلوس وقد وجدت بذلك وإنما لم يضر نية التحية ما ذكر لأنها سنة غير مقصودة بخلاف نية سنة مقصودة مع مثلها أو فرض فلا يصح
وبذلك علم أنها لا تحصل بركعة وصلاة جنازة وسجدة تلاوة وسجدة شكر للخبر السابق مع كون ذلك ليس بمعنى ما فيه
وتفوت بالجلوس إلا أن يكون سهوا أو جهلا وقصر الفصل
( وقسم تسن ) أي الجماعة ( له كعيد وكسوف واستسقاء ) لما سيأتي في أبوابها ( وتراويح وقت وتر ) وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات في كل ليلة من رمضان
روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل ليالي من رمضان وصلى في المسجد وصلى الناس بصلاته فيها وتكاثروا فلم يخرج لهم في الرابعة
وقال لهم صبيحتها خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها
وروى البيهقي بإسناد صحيح أنهم كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة
وروى مالك في الموطأ بثلاث وعشرين وجمع البيهقي بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاثة وسميت كل أربع منها ترويحة لأنهم كانوا يتروحون عقبها أي يستريحون ولو صلى أربعا بتسليمة لم يصح لأنها بمشروعية الجماعة فيها أشبهت الفريضة
فلا تغير عما ورد
وذكر وقتها من زيادتي ( وهو ) أي هذا القسم ( أفضل ) من الأول لتأكده بسن الجماعة فيه ( لكن الراتبة ) للفرائض ( أفضل من التراويح ) لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها دون التراويح وأفضل النفل صلاة عيد ثم الكسوف ثم خسوف ثم استسقاء ثم وتر ثم ركعتا فجر ثم باقي الرواتب ثم التراويح ثم الضحى
____________________
(1/103)
ثم ما يتعلق كركعتي الطواف والإحرام والتحية ثم سنة الوضوء على ما يأتي ثم النفل المطلق
وأما خبر مسلم أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل فمحمول على النفل المطلق وتأخيري سنة الوضوء عما تعلق بفعل تبعت فيه المجموع والأوفق بظاهر كلام الروضة كأصلها أنها في رتبته
وفي معناه ما تعلق بسبب غير فعل كصلاة الزوال ( وسن قضاء نفل مؤقت ) إذا فات كصلاتي العيد والضحى ورواتب الفرائض كما تقضي الفرائض يجامع التأقيت
ولخبر الشيخين من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ولأنه صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي سنة الظهر المتأخرة بعد العصر رواه الشيخين وركعتي الفجر بعد طلوع الشمس لما نام في الوادي عن الصبح رواه أبو داود بإسناد صحيح وفي مسلم نحوه
وخرج بالمؤقت المتعلق بسبب ككسوف وتحية فلا يقضي ( ولا حصر لمطلق ) من النفل وهو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب
قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الصلاة خير موضوع استكثر أو أقل رواه ابن حبان وصححه
فله أن يصلي ما شاء من ركعة أو أكثر وإن لم يتعين ذلك في نيبته ( فإن نوى فوق ركعة تشهد آخرا ) وعليه يقرأ السورة في جميع الركعات وهذه من زيادتي
( أو ) تشهد آخرا ( وكل ركعتين فأكثر ) لأن ذلك معهود في الفرائض في الجملة فعلم أنه لا يتشهد في كل ركعة لأنه اختراع صورة في الصلاة لم تعهد وقولي فأكثر من زيادتي وبه صرح في المجموع وغيره ( أو ) نوى ( قدرا ) ركعة فأكثر ( فله زيادة ) عليه ( ونقص ) عنه في غير الركعة كما هو معلوم ( إن نويا وإلا ) بأن زاد نقص بلا نية عمدا ( بطلت ) صلاته لمخالفته ما نواه ( فإن قام لزائد سهوا ) فتذكر ( قعد ثم قام له ) أي للزائد ( إن شاء ) ثم يسجد للسهو في آخر الصلاة وإن لم يشأ قعد وتشهد وسجد للسهو وسلم ( وهو ) أي النفل المطلق ( بليل ) أفضل منه بالنهار لخبر مسلم السابق
( وبأوسطه أفضل ) من طرفيه إن قسمه ثلاثة أقسام ( ثم آخره ) أفضل من أوله إن قسمه قسمين وأفضل من ذلك السدس الرابع والخامس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة فقال جوف الليل وقال أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه
وقال ينزل ربنا تبارك وتعالى أي أمره كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له روى الأول مسلم والثانيين الشيخان
( وسن سلام من كل ركعتين ) نواهما أو أطلق النية لخبر الشيخين صلاة الليل مثنى
____________________
(1/104)
مثنى
وفي خبر ابن حبان صلاة الليل والنهار ( وتهجد ) أي تنفل بليل بعد يوم قال تعالى { ومن الليل فتهجد به } وكره تركه لمعتاده بلا ضرورة قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه رواه الشيخان
وفي المجموع ينبغي أن لا يخل بصلاة الليل وإن قلت والسنة في نوافل الليل التوسط بين الجهر والإسرار إلا التراويح فيجهر فيها كذا استثناها في الروضة وهو استثناء منقطع لأن المراد بنوافل الليل النوافل المطلقة كما مر في صفة الصلاة ويسن لمن قام بتهجد أن يوقظ من يطمع في تهجده إذا لم يخف ضررا ويتأكد إكثار الدعاء والاستغفار في جميع ساعات الليل وفي النصف الأخير آكد وعند السحر أفضل ( و ) كره ( قيام بليل يضر ) كقيام كل الليل دائما
قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل قلت بلى فقال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا إلى آخره رواه الشيخان
أما قيام لا يضر ولو في ليال كاملة فلا يكره فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل
وتعبيري بما ذكر أولى من قوله قيام كل الليل دائما
( و ) كره ( تخصيص ليلة جمعة بقيام ) لخبر مسلم لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي
باب في صلاة الجماعة وأقلها إمام ومأموم كما يعلم مما يأتي ( صلاة الجماعة فرض كفاية ) لخبر ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الجماعة
وفي رواية الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان أي غلب رواه ابن حبان وغيره وصححوها
وما قيل إنها فرض عين لخبر الشيخين ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار
أجيب عنه بأنه بدليل السياق ورد في قوم منافقين عن الجماعة ولا يصلون فثبت أنها فرض كفاية ( لرجال أحرار مقيمين لا عراة في أداء مكتوبة لا جمعة ) فلا تجب على النساء والخناثى ومن فيهم رق والمسافرين والعراة ولا في المقضية والنافلة والمنذورة بل ولا تسن في المنذورة ولا في مقضية خلف مؤداة أو بالعكس أو خلف مقضية ليست من نوعها
وأما الجمعة فالجماعة فيها فرض عين كما يعلم من
____________________
(1/105)
بابها
ووصف الرجال بما ذكر مع التقييد بالأداء من زيادتي وتعبيري بالمكتوبة أولى من تعبيره بالفرائض وفرضها كفاية يكون ( بحيث يظهر شعارها بمحل إقامتها )
ففي القرية الصغيرة يكفي إقامتها في محل وفي الكبيرة والبلد تقام في محال يظهر بها الشعار فلو أطبقوا على إقامتها في البيوت ولم يظهر بها الشعار لم يسقط الفرض وقولي بمحل إقامتها أعم من قوله في القرية
( فإن امتنعوا ) كلهم من إقامتها على ما ذكر ( قوتلوا ) أي قاتلهم الإمام أو نائبه عليها كسائر فروض الكفايات ( وهي ) أي الجماعة ( لغيرهم ) أي لغير المذكورين ( سنة ) لكنها إنما تسن عند النووي للعراة بشرط كونهم عميا أو في ظلمة وإلا فهي والانفراد في حقهم سواء
( و ) الجماعة وإن قلت ( بمجسد لذكر ) ولو صبيا ( أفضل ) منها في غيره كالبيت ولغير الذكر من أنثى أو خنثى في البيت أفضل منها في المسجد
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة أي فهي في المسجد أفضل وقال لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن رواه أبو داود وصححه الحاكم على شرط الشيخين
وقيس بالنساء الخناثى بأن يؤمهم ذكر فتعبيري بذلك أولى من تعبيره بغير المرأة
وإمامة الرجل ثم الخنثى للنساء أفضل من إمامة المرأة لهن ويكره حضورهن المسجد في جماعة الرجال إن كن مشتهيات خوف الفتنة ( وكذا ما كثر جمعه ) من مساجد أو غيرها أفضل للمصلي وإن بعد مما قل جمعه
قال صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله رواه ابن حبان وغيره وصححوه
نعم الجماعة في المساجد الثلاثة أفضل منها في غيرها وإن قلت بل قال المتولي إن الانفراد فيها أفضل من الجماعة في غيرها ( إلا لنحو بدعة إمامه ) كفسقه واعتقاده عدم وجوب بعض الواجبات كحنفي ( أو تعطل مسجد ) قريب أو بعيد عن الجماعة فيه ( لغيبته ) عنه لكونه إمامه أو يحضر الناس بحضوره فقليل الجمع أفضل من كثيره في ذلك ليؤمن النقص في الأولى
وتكثر الجماعة في المساجد في الثانية بل الانفراد في الأولى أفضل كما قاله الروياني ونحو من زيادتي
وإطلاقي للمسجد أولى من تقييد الأصل كغيره له بالقريب إذ البعيد مثله فيما يظهر كما يدل له تعليلهم السابق
لا يقال ليس مثله لأن للقريب حق الجوار ولكونه مدعوا منه لأنا نقول معارض بأن البعيد مدعو منه أيضا وبكثرة الأجر فيه بكثرة الخطا الدال عليها الأخبار كخبر مسلم أعظم الناس في الصلاة أجرا أبعدهم إليها ممشي
____________________
(1/106)
( وتدرك فضيلة تحرم ) مع الإمام ( بحضوره له ) أي بحضور المأموم التحرم وهو من زيادتي ( واشتغاله به عقب تحرم إمامه ) بخلاف الغائب عنه وكذا المتراخي عنه إن لم تعرض له وسوسة خفيفة
( و ) تدرك فضيلة ( جماعة ما لم يسلم ) أي الإمام التسليمة الأولى وإن لم يقعد معه بأن سلم عقب تحرمه لإدراكه ركنا معه
لكن دون فضيلة من أدركها من أولها ومقتضى ذلك إدراك فضيلتها وإن فارقه وهو كذلك إن فارقه بعذر ( وسن تخفيف إمام ) الصلاة بأن لا يقتصر على الأقل ولا يستوفى الأكمل المستحب للمنفرد
والتصريح بسن ذلك من زيادتي ( مع فعل أبعاض وهيئات ) أي السنن غير الأبعاض وذلك لخبر الشيخين إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة ( وكره ) له ( تطويل ) وإن قصد لحوق غيره لتضرر المقتدين به ولمخالفته الخبر السابق ( لا إن رضوا ) بتطويله حالة كونهم ( محصورين ) فلا يكره التطويل بل يسن كما في المجموع عن جماعة
نعم لو كانوا أرقاء أو أجراء أي إجارة عين على عمل ناجز وأذن لهم السادة المستأجرون في حضور الجماعة لم يعتبر رضاهم بالتطويل بغير إذن فيه من أرباب الحقوق كما نبه عليه الأذرعي
( ولو أحس ) الإمام ( في ركوع ) غير ثان من صلاة الكسوف ( أو ) في ( تشهد آخر بداخل ) محل الصلاة يقتدى به ( سن انتظاره لله ) تعالى إعانة على إدراك الركعة في المسألة الأولى والجماعة في الثانية ( إن لم يبالغ ) في الانتظار ( ولم يميز ) بين الداخلين بانتظار بعضهم لملازمة أو دين
أو صداقة أو نحوها دون بعض
بل يسوي بينهم في الانتظار لله تعالى واستثنى من سن الانتظار ما إذا كان الداخل يعتاد البطء وتأخير التحرم إلى الركوع وما إذا خشي خروج الوقت بالانتظار وما إذا كان الداخل لا يعتقد إدراك الركعة أو فضيلة الجماعة بإدراك ما ذكر ( وإلا ) أي وإن كان الانتظار في غير الركوع والتشهد الآخر أو فيهما وأحس بخارج عن محل الصلاة أو لم يكن انتظاره لله كالتودد إليهم واستمالة قلوبهم أو بالغ في الانتظار أو ميز بين الداخلين ( كره )
بل قال الفوراني إنه يحرم إن كان للتودد لعدم فائدة الانتظار في الأولى وتقصير المتأخر وضرر الحاضرين في الباقي
وقولي لله مع التصريح بالكراهة من زيادتي
وبها صرح صاحب الروض أخذا من قول الروضة قلت المذهب إنه يستحب انتظاره في الركوع والتشهد الأخير بالشروط المذكورة ويكره في غيرهما المأخوذ من طريقة ذكرها فيها قبل وبدأ
____________________
(1/107)
بها في المجموع وهي في الانتظار قولين أصحهما عند الأكثر أنه يستحب
وقيل يكره لا من الطريقة النافية للكراهة المثبتة للخلاف في الاستحباب وعدمه
فلا يقال إذا فقدت الشروط كان الانتظار مباحا كما فهمه بعضهم
وضابط المبالغة في ذلك كما نقله الرافعي عن الإمام وأقره أن يطول تطويلا لو وزع على جميع الصلاة لظهر أثره فيه ( وسن إعادتها ) أي المكتوبة مرة ولو صليت جماعة قال الأسنوي وكذا غيرها من نفل تسن فيه الجماعة كما يدل تعليل الرافعي بحصول الفضيلة ( مع غير ) ولو واحدا بقيد زدته بقولي ( في الوقت )
قال صلى الله عليه وسلم بعد صلاته الصبح لرجلين لم يصليا معه وقالا صلينا في رحالنا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلياها معهم فإنها لكما نافلة
رواه الترمذي وغيره وصححوه
وسواء فيما إذا صليت الأولى جماعة استوت الجماعتان أم زادت إحداهما بفضيلة ككون الإمام أعلم أو أورع أو الجمع أكثر أو المكان أشرف وقولي مع غير أعم من قوله مع جماعة وتكون إعادتها ( بنية فرض ) وإن وقعت نفلا لأن المراد أنه ينوي إعادة الصلاة المفروضة حتى لا تكون نفلا مبتدأ لا إعادتها فرضا أو أنه ينوي ما هو فرض على المكلف لا الفرض عليه كما في صلاة الصبي هذا
وقد اختار الإمام أنه ينوي الظهر أو العصر مثلا ولا يتعرض للفرض ورجحه في الروضة ( والفرض الأولى ) للخبر السابق ولسقوط الخطاب بها فإن لم يسقط بها ففرضه الثانية إذا نوى بها الفرض ( ورخص تركها ) أي الجماعة ( بعذر ) عام أو خاص فلا رخصة بدونه لخبر ابن حبان والحاكم في صحيحيهما
من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له أي كاملة إلا من عذر والعدو ( كمشقة مطر ) بليل أو نهار للاتباع رواه الشيخان
ولبله الثوب ( وشدة ريح بليل ) لعظم مشقتها فيه دون النهار
قال في المهمات والمتجه إلحاق الصبح بالليل في ذلك ( و ) شدة ( وحل ) بفتح الحاء على المشهور بليل أو نهار للتلويث بالمشي فيه
( و ) شدة ( حر و ) شدة ( برد ) بليل أو نهار لمشقة الحركة فيهما ( و ) شدة ( جوع و ) شدة ( عطش ) بقيد زدته بقولي ( بحضرة طعام ) مأكول أو مشروب لأنهما حينئذ يذهبان الخشوع
ولخبر الصحيحين إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء
ولخبر مسلم لا صلاة بحضرة طعام وشدة الجوع أو العطش تغني عن التوقان كعكسه المذكور في المهذب وشرحه وغيرهما لتلازمهما إذ معنى التوقان الاشتياق المساوي لشدة ما ذكر لا الشوق
وقول ابن الرفعة تبعا لابن يونس
____________________
(1/108)
لا يشترط حضور الطعام للمعنى المذكور غريب مخالف للأخبار الصحيحة
ولنصوص الشافعي وأصحابه نعم ما قرب حضوره في معنى الحاضر
ولعله مراد من ذكر فيبدأ بالأكل والشرب فيأكل لقما يكسر بها حدة الجوع إلا أن يكون الطعام مما يؤتي عليه مرة واحدة كالسويق واللبن ( ومشقة مرض ) للاتباع رواه البخاري
بأن يشق الخروج معه كمشقة المطر وتقييد المطر والمرض بالمشقة من زيادتي ( ومدافعة حدث ) من بول أو غائط أو ريح فيبدأ بتفريغ نفسه من ذلك لكراهة الصلاة حينئذ كما مر آخر شروط الصلاة
فإذا لم تطلب معه الصلاة فالجماعة أولى ( وخوف على معصوم ) من نفس أو عرض أو حق له أو لمن يلزمه الذب عنه بخلاف خوفه ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه
بل عليه الحضور وتوفية الحق وتعبيري بذلك أعم من قوله وخوف ظالم على نفس أو مال ( و ) خوف ( من ) ملازمة أو حبس ( غريم له وبه ) أي بالخائف ( إعسار يعسر ) عليه ( إثباته ) بخلاف الموسر بما يفي بما عليه
والمعسر القادر على الإثبات ببينة أو حلف والغريم يطلق لغة على المدين والدائن وهو المراد هنا
وقولي يعسر إثباته من زيادتي وصرح به البسيط ( و ) خوف من ( عقوبة ) كقود وحد قذف وتعزير لله تعالى أو لآدمي ( يرجو ) الخائف ( العفو ) عنها ( بغيبته ) مدة رجائه العفو بخلاف ما لا يقبل العفو كدحد سرقة وشرب وزنا إذا بلغت الإمام
أو كان لا يرجو العفو واستشكل الإمام جواز الغيبة لمن عليه قود فإن موجبه كبيرة والتخفيف ينافيه وأجاب بأن العفو مندوب إليه والغيبة طريقه
قال الأذرعي والإشكال أقوى ( و ) خوف من ( تخلف عن رفقة ) ترحل لمشقة التخلف عنهم ( وفقد لباس لائق ) به وإن وجد ساتر العورة لأنه عليه مشقة في خروجه
كذلك
أما إذا وجد لائقا به ولو ساتر العورة فقط ليس بعذر
وتعبيري بذلك أولى من قوله وعري لإيهامه أنه لا يعذر من وجد ساتر العورة مطلقا مع أنه يعذر إذا لم يعتد ذلك ( وأكل ذي ريح كريه ) بقيد زدته بقولي ( تعسر إزالته ) كبصل وثوم لخبر الصحيحين من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا فلا يقربن مسجدنا
وفي رواية المساجد فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو دم زاد البخاري قال جابر ما أراه يعني إلا نيئه بخلاف ما إذا لم تعسر وبخلاف المطبوخ لزوال ريحه ( وحضور مريض ) ولو غير نحو قريب ( بلا متعهد ) له لتضرره بغيبته عنه ( أو ) بمتعهد و ( كان ) المريض ( نحو قريب ) كزوج ورقيق وصهر وصديق ( محتضرا )
____________________
(1/109)
أي حضره الموت لتألم نحو قريبه لغيبته عنه ( أو ) لم يكن محتضرا لكن ( يأنس به ) أي بالحاضر لما مر في الأولى بخلاف مريض له متعهد
ولم يكن نحو قريب أو كان ولم يكن محتضرا أو لا يأنس بالحاضر
ولو كان المتعهد مشغولا بشراء الأدوية مثلا عن الخدمة فكما لو لم يكن له متعهد وقد ذكرت في شرح الروض زيادة على الأعذار المذكورة مع فوائد ونحو من زيادتي وكذا التقييد بقريب في الإيناس
فصل في صفات الأئمة ( لا يصح اقتداؤه بمن يعتقد بطلان صلاته كشافعي ) اقتدى ( بحنفي مس فرجه ) فإنه لا يصح ( لا إن افتصد ) فإنه يصح اعتبارا باعتقاد المقتدي أن المس ينقض دون القصد فمدار عدم صحة الاقتداء بالمخالف على تركه واجبا في اعتقاد المقتدي ( وكمجتهدين اختلفا في إناءين ) من الماء طاهر ونجس وتوضأ كل من إنائه فليس لواحد منهما أن يقتدي بالآخر لاعتقاده بطلان صلاته ( فإن تعدد الطاهر ) من آنية مع تعدد المجتهد وظن كل منهم طهارة إنائه فقط كما في المثال الآتي ( صح ) اقتداء بعضهم ببعض ( ما لم يتعين إناء أمام لنجاسة ) فلا يصح الاقتداء بصاحبه ( فلو اشتبه خمسة ) من آنية ( فيها نجس على خمسة ) من أناس واجتهدوا ( فظن كل طهارة إناء ) منها ( فتوضأ به وأم ) بالباقين ( في صلاة ) من الخمس ( أعاد ما ائتم فيه آخرا )
فلو ابتدؤوا بالصبح أعادوا العشاء إلا أمامها فيعيد المغرب لتعين إناءي أماميهما للنجاسة في حق المؤتمين فيهما
( ولا ) يصح اقتداؤه ( بمقتد ) لو شكا لأنه تابع لغيره يلحقه سهوه ومن شأن الإمام الاستقلال وحمل سهو غيره فلا يجتمعان ( ولا بمن تلزمه إعادة ) كمتيمم لبرد لعدم الاعتداد بصلاته
( وصح ) الاقتدا ( بغيره كمستحاضة غير متحيرة ) ومتيمم لا تلزمه إعادة ماسح خف ومضطجع ومستلق ولو موميا وصبي ولو عبدا وسلس ومستجمر أما المتحيرة فلا يصح اقتداء غيرها ولو متحيرة بها بناء على وجوب الإعادة عليها وتعبيري بما ذكر أعم مما ذكره
____________________
(1/110)
( ولا ) يصح ( اقتداء غير أنثى ) من ذكر وخنثى ( بغير ذكر ) من أنثى وخنثى وأن جهل حالهما لخبر ابن ماجة لا تؤمن امرأة رجلا
وقيس بها الخنثى احتياطا والخنثى المقتدى بأنثى يجوز كونه ذكرا وبخنثى يجوز كونه ذكرا والإمام أنثى فعلم مما صرح به
الأصل أنه لو اقتدى بخنثى فبان ذكرا لم تسقط الإعادة لعدم اقتدائه به ظاهرا للتردد في حاله
وأنه لو بان إمامه أنثى وجبت الإعادة ومثلها ما لو بأن خنثى ويصح اقتداء الأنثى بأنثى وخنثى كما يصح اقتداء الذكر وغيره بذكر ( ولا ) اقتداء ( قارىء بأمي ) أمكنه التعلم أو لا علم القارىء حاله أو لا لأن الإمام بصدد تحمل القراءة عن المسبوق
وإذا لم يحسنها لم يصلح للتحمل فعلم مما صرح به الأصل بأنه لو بان إمامه أميا وجبت الإعادة والأمي من ( يخل بحرف كتخفيف مشدد ) ( من الفاتحة ) بأنه لا يحسنه ( كأرت ) بمثناة وهو من ( يدغم ) بإبدال ( في غير محله ) أي الإدغام بخلافه بلا إبدال كتشديد اللام أو الكاف من مالك ( وألثغ ) بمثلثة وهو من ( يبدل حرفا ) بأن يأتي بغيره بدله كأن يأتي بالمثلثة بدل السين فيقول المثتقيم ( فإن أمكنه ) أي الأمي ( تعلم ) ولم يتعلم ( لم تصح صلاته ) كما ذكره الأصل في اللاحن الصادق بالأمي
( وإلا صحت كاقتدائه بمثله ) فيما يخل به كأرت بأرت وألثغ بألثغ في حرف لا في حرفين ولا في أرت بألثغ وعكسه لأن كلا منهما في ذلك يحسن ما لا يحسنه الآخر
وكذا من يحسن سبع آيات من غير الفاتحة بمن لا يحسن إلا الذكر ولو كانت لثغته يسيرة بأن يأتي بالحرف غير صاف لم يؤثر ( وكره ) الاقتداء ( بنحو تأتاء ) كفأفاء ووأواء وهم من يكرر التاء والفاء والواو وجاز الاقتداء بهم مع زيادتهم لعذرهم فيها وتعبيري بنحو تأتاء أولى من تعبيره بالتمتام والفأفاء
( ولاحن ) بما لا يغير المعنى كضم هاء لله ( فإن غير معنى في الفاتحة ) كأنعمت بضم أو كسر ( ولم يحسنها ) أي اللاحن الفاتحة ( فكأمي ) فلا يصح اقتداء القارىء به أمكنه التعلم أولا ولا صلاته إن أمكنه التعلم وإلا صحت كاقتدائه بمثله فإن أحسن اللاحن الفاتحة وتعمد اللحن أو سبق لسانه إليه
ولم يعد القراءة على الصواب في الثانية لم تصح صلاته مطلقا ولا الاقتداء به عند العلم بحاله ذكره الماوردي ( أو ) في ( غيرها ) أي الفاتحة كجر اللام في قوله أن الله برىء من المشركين ورسوله ( صحت صلاته وقدوة به ) حال كونه ( عاجزا ) عن التعلم ( أو جاهلا ) بالتحريم ( أو ناسيا ) كونه في الصلاة أو أن ذلك لحن لأن ترك السورة جائز لكن القدوة
____________________
(1/111)
به مكروهة قال الإمام ولو قيل ليس لهذا اللاحن قراءة غير الفاتحة مما يلحن فيه لم يكن بعيدا
لأنه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة وقواه السبكي
أما القادر العالم العامد فلا تصح صلاته ولا القدوة به للعالم بحاله وقولي أو جاهلا أو ناسيا من زيادتي وكالفاتحة فيما ذكر بدلها ( ولو بان إمامه ) بعد الاقتداء به ( كافرا ولو مخفيا ) كفره كزنديق ( وجبت الإعادة ) لتقصيره بترك البحث في ذلك ولنقص الإمام
نعم لو لم يبن كفره إلا بقوله وقد أسلم قبل الاقتداء به فقال بعد الفراغ لم أكن أسلمت حقيقة أو أسلمت ثم ارتددت لم تجب الإعادة لأنه كافر بذلك فلا يقبل خبره ( لا ) إن بان ( ذا حدث ) ولو حدثا أكبر ( و ) ذا ( نجاسة خفية ) في ثوبة أو بدنه فلا تجب الإعادة على المقتدى لانتفاء التقصير منه في ذلك بخلاف النجاسة الظاهرة
وهي ما يكون بحيث لو تأملها المقتدي رآها والخفية بخلافها وحمل في المجموع إطلاق من أطلق وجوب الإعادة في النجاسة على الظاهرة لكنه صحح في التحقيق عدم وجوب الإعادة مطلقا ومحل عدم وجوبها فيما ذكر في غير الجمعة وكذا فيها إن زاد الإمام على أربعين
نعم إن علم المأموم الحدث أو النجس ثم نسي ولم يحتمل التطهر وجبت الإعادة وتعبيري بالمحدث أعم من تعبيره بالجنب ( وعدل أولى من فاسق ) بل يكره الائتمام به وإن اختص بصفات مرجحة لأنه يخاف منه أن لا يحافظ على الواجبات ويكره أيضا الائتمام بمبتدع لا نكفره وإمامة من يكرهه أكثرهم شرعا الائتمام به
( وقدم وال بمحل ولايته ) الأعلى فالأعلى للخبر الآتي ولأن تقديم غيره بحضرته لا يليق ببذل الطاعة ( فإمام راتب ) من زيادتي
وصرح به في الروضة وأصلها نعم إن ولاه الإمام الأعظم فهو مقدم على الوالي كما قاله الأذرعي وغيره ( و ) قدم ( ساكن ) في مكان ( بحق ) ولو بإعارة أو إذن من سيد العبد له على غيره للخبر الآتي فيقدم مكثر على مكر لملكه المنفعة وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به ( لا على معير ) للساكن بل يقدم المعير عليه لملكه الرقبة والمنفعة ( و ) لا على ( سيد ) أذن له في السكني بل يقدم سيده عليه ( غير ) سيد ( مكاتب له ) فمكاتبه مقدم عليه فيما لم يستعره من سيده لأنه معه كالأجنبي ( فأفقه ) لأن افتقار الصلاة للفقه لا ينحصر بخلاف القرآن ( فأقرأ ) أي أكثر قرآنا لأنها أشد افتقارا إلى القرآن من الورع ( فأورع ) أي أكثر ورعا وهو زيادة على العدالة بالعفة وحسن السيرة ( فأقدم هجرة ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى دار الإسلام للخبر الآتي
وبه علم أن من هاجر مقدم على من لم
____________________
(1/112)
يهاجر وهذا مع تقديم الأقرإ على الأورع والأورع على من بعده من زيادتي وهو ما في التحقيق وغيره
( فأسن ) في الإسلام لا بكبر السن ( فأنسب ) وهو من ينتسب إلى قريش أو ذي هجرة أو أقدمها أو غيرهم ممن يعتبر في الكفاءة كالعلماء والصلحاء لأن فضيلة الأول في ذاته والثاني في آبائه وفضيلة الذات أولى
وروى الشيخان ليؤمكم أكبركم وروى مسلم خبر يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا وفي رواية سلما ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه
وفي رواية في بيته ولا سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه فظاهره تقديم الأقرإ على الأفقه كما هو وجه وأجاب عنه الشافعي بأن الصدر الأول كانوا يتفقهون مع القراءة فلا يوجد قارىء إلا وهو فقيه وللنووي فيه إشكال ذكرته مع جوابه في شرح الروض
واعلم أنه لو كان الأفقه أو الأقرأ صبيا أو مسافرا أو فاسقا أو ولد زنا فضده أولى كما أشرت إلى بعضه فيما مر
وبما تقرر علم أن المنتسب إلى من هاجر مقدم على المنتسب إلى قريش مثلا ( فأنظف ثوبا وبدنا وصنعة ) على الأوسخ لإفضاء النظافة إلى استمالة القلوب وكثرة الجمع ( فأحسن صوتا ) لميل القلوب إلى الاقتداء به واستماع كلامه ( ف ) أحسن ( صورة ) لميل القلوب إلى الاقتداء به كذا رتب في الروضة كأصلها عن المتولي وجزم به في الشرح الصغير والأصل عطف بالواو فقال فإن استويا فنظافة الثوب والبدن وحسن الصوت وطيب الصنعة ونحوها أي كحسن وجه وسمت والذي في التحقيق فإن استويا قدم بحسن الذكر ثم بنظافة الثوب والبدن وطيب الصنعة وحسن الصوت ثم الوجه وفي المجموع المختار تقديم أحسنهم ذكرا ثم صوتا ثم هيئة فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما ( وأعمى كبصير ) لتعارض فضيلتيهما لأن الأعمى أخشع والبصير أحفظ عن النجاسة ( وعبد فقيه كحر غير فقيه ) هو من زيادتي وهو ما صححه في المجموع
وقال السبكي عندي أن الأول أولى انتهى فإن استويا فالحر ولو ضريرا أولى من العبد ولو بصيرا والبالغ ولو عبدا أولى من الصبي ولو حرا أو أفقه ( ولمقدم بمكان ) لا بصفات ( تقديم ) لمن يكون أهلا للإمامة وهذا أعم من قوله فإن لم يكن أهلا فله التقديم
____________________
(1/113)
فصل في شروط الاقتداء وآدابه ( للاقتداء شروط ) سبعة أحدها ( عدم تقدمه في المكان ) بأن لا يتقدم قائم بعقبيه وهما مؤخر قدميه وإن تقدمت أصابعه ولا قاعد بأليتيه ولا مضطجع بجنبه فتعبيري بذلك أعم من قوله في الموقف ( على إمامه ) تبعا للسلف والخلف فيضر تقدمه عليه كتقدمه بالتحرم قياسا للمكان على الزمان ولأن ذلك أفحش من المخالفة في الأفعال المبطلة ولا تضر مساواته لكنها تكره كما في المجموع وغيره ولو شك في تقدمه صحت صلاته لأن الأصل عدم المفسد ( وسن أن يقف إمام خلف المقام عند الكعبة ) تبعا له صلى الله عليه وسلم وللصحابة من بعده وهذا من زيادتي ( و ) أن ( يستديروا ) أي المأمون ( حولها ) إن صلوا في المسجد الحرام ليحصل توجه الجميع إليها ( ولا يضر كونهم أقرب إليها في غير جهة الإمام ) منه إليها في جهته لانتفاء تقدمهم عليه ولأن رعاية القرب والبعد في غير جهته مما يشق بخلاف الأقرب في جهته فيضر
فلو توجه الركن فجهته مجموع جهتي جانبيه فلا يتقدم عليه المأموم المتوجه له أو لإحدى جهتيه ( كما ) لا يضر كون المأموم أقرب إلى الجدار الذي توجه إليه من الإمام إلى ما توجه إليه ( لو وقفا فيها ) أي الكعبة ( واختلفا جهة ) كأن كان وجه المأموم إلى وجه الإمام أو ظهره إلى ظهره فإن اتحدا جهة ضر ذلك ولو وقف الإمام فيها والمأموم خارجها جاوز له التوجه إلى أي جهة شاء ولو وقفا بالعكس جاز أيضا لكن لا يتوجه المأموم إلى الجهة التي توجه إليها الإمام لتقدمه حينئذ عليه
( و ) سن ( أن يقف ذكر ) ولو صبيا لم يحضر غيره ( عن يمينه ) أي الإمام لخبر الشيخين عن ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فقمت عن يساره فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه
( و ) أن ( يتأخر ) عنه إن كان الإمام مستورا ( قليلا ) استعمالا للأدب وإظهارا لرتبة الإمام على رتبة المأموم ( فإن جاء ) ذكر ( آخر أحرم عن يساره ثم ) بعد إحرامه ( يتقدم الإمام أو يتأخران في قيام ) لا في غيره كقعود وسجود إذ لا يتأتى التقدم والتأخر
____________________
(1/114)
فيه إلا بعمل كثير
والظاهر أن الركوع كالقيام وقولي في قيام من زيادتي ( وهو ) أيتأخرهما ( أفضل ) لخبر مسلم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقمت عن يساره فأخذ بيدي حتى أدارني عن يمينه ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يساره فأخذ بأيدينا جميعا حتى أقامنا خلفه ولأن الإمام متبوع فلا ينتقل من مكانه هذا ( إن أمكن ) أي كل من التقدم والتأخر
فإن لم يمكن إلا أحدهما لضيق المكان من أحد الجانبين فعل الممكن لتعينه طريقا في تحصيل السنة والتقيد بذلك من زيادتي
( و ) أن يصطف ( ذكران ) ولو صبيين أو رجلا وصبيا جاءا معا أو مرتبين ( خلفه كامرأة فأكثر ) ولو جاء ذكر وامرأة قام الذكر عن يمينه والمرأة خلف الخنثى
( وأن يقف خلفه رجال ) لفضلهم فصبيان لأنهم من جنس الرجال وظاهر أن محله إذا استوعب الرجال الصف وإلا كمل بهم أو ببعضهم ( فخناثى ) لاحتمال ذكورتهم وذكرهم من زيادتي
وصرح به في التحقيق وغيره ( فنساء ) والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثلاثا رواه مسلم
وقوله ليليني بتشديد النون بعد الياء ويحذفها وتخفيف النون روايتان والنهي جمع فيه بضم النون وهو العقل فلو حضر الصبيان أولا واستوعبوا الصف ثم حضر الرجال لم يؤخروا من مكانهم بخلاف من عداهم
( و ) أن تقف ( إمامتهن وسطهن ) بسكون السين أكثر من فتحها
كما كانت عائشة وأم سلمة تفعلان ذلك رواه البيهقي باسنادين صحيحين فلو أمهن غير امرأة قدم عليهن وكامرأة عار أم عراة بصراء في ضوء وذكر سن المذكورات من زيادتي
( وكره لمأموم انفراد ) عن صف من جنسه لخبر البخاري عن أبي بكرة أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك له صلى الله عليه وسلم فقال زادك الله حرصا ولا تعد ( بل يدخل الصف إن وجد سعه ) بفتح السين ولو بلا خلاء عن صف بأن يكون بحيث لو دخل بينهم لوسعهم بل له أن يخرق الصف الذي يليه فما فوقه إليها لتقصيرهم بتركها
ولا يتقيد خرق الصفوف بصفين كما زعمه بعضهم وإنما يتقيد به تخطي الرقاب الآتي بيانه في الجمعة ( وإلا ) أي وإن لم يجد سعة ( أحرم ثم ) بعد إحرامه ( جر ) إليه ( شخصا ) من الصف ليصطف معه خروجا من الخلاف ( وسن ) لمجرور ( مساعدته ) بموافقته فيقف معه صفا لينال فضل المعاونة على البر والتقوى
وظاهر أنه لا يجر أحدا من الصف إذا كان اثنين لأنه يصير
____________________
(1/115)
أحدهما منفردا
نعم إن أمكنه الخرق ليصطف مع الإمام أو كان مكانه يسع أكثر من اثنين فينبغي أن يخرق في الأولى ويجرهما معا في الثانية والتصريح بالسنية من زيادتي
( و ) ثاني الشروط ( علمه ) أي المأموم ( بانتقال الإمام ) ليتمكن من متابعته ( برؤية ) له أو لبعض الصف ( أو نحوها ) كسماع لصوته أو صوت مبلغ وتعبيري بنحوها أعم من تعبيره بالسماع
( و ) ثالثها ( اجتماعهما ) أي الإمام والمأموم ( بمكان ) كما عهد عليه الجماعات في العصر الخالية ولاجتماعهما أربعة أحوال أحوال لأنهما إما أن يكونا بمسجد أو بغيره من فضاء أو بناء أو يكون أحدهما بمسجد والآخر خارجة ( فإن كانا بمسجد صح الاقتداء وإن ) بعدت مسافة و ( حالت أبنية ) كبئر وسطح بقيد زدته بقولي ( نافذة ) إليه أغلقت أبوابها أولا لأنه كله مبنى للصلاة فالمجتمعون فيه مجتمعون لإقامة الجماعة مؤدون لشعائرها
فإن لم تكن نافذة إليه لم يعد الجامع لهما مسجدا واحدا فيضر الشباك والمساجد المتلاصقة التي تفتح أبواب بعضها إلى بعض كمسجد واحد وإن انفرد كل واحد منها بإمام وجماعة ( أو ) كان ( بغيره ) أي بغير مسجد من فضاء أو بناء ( شرط في فضاء ) ولو محوطا أو مسقفا ( أن لا يزيد ما بينهما ولا ما بين كل صفين أو شخصين ) ممن ائتم بالإمام خلفه أو بجانبه ( على ثلاثمائة ذراع ) بذراع الآدمي ( تقريبا ) أخذا من عرف الناس فإنهم يعدونهما في ذلك مجتمعين فلا يضر زيادته ثلاثة أذرع كما في التهذيب وغيره
( و ) شرط ( في بناء ) بأن كانا ببناءين كصحن وصفة من دار أو كان أحدهما ببناء والآخر بفضاء ( مع ما مر ) آنفا إما ( عدم حائل ) بينهما يمنع مرورا أو رؤية ( أو وقوف واحد حذاء منفذ ) بفتح الفاء ( فيه ) أي في الحائل إن كان فإن حال ما يمنع مرورا كشباك أو رؤية كباب مردود أو لم يقف أحد فيما مر لم يصح الاقتداء إذ الحيلولة بذلك تمنع الاجتماع والتصريح بالترجيح فيما يمنع المرور لا الرؤية من زيادتي وهو ما في أصل الروضة وغيره وقول الأصل ولو وقف في علو وإمامه في سفل أو عكسه شرط محاذاة بعض بدنه إنما يأتي على طريقة المراوزة التي رجحها الرافعي
أما على طريقة العراقيين التي رجحها النووي فلا يشترط ذلك وإنما يشترط أن لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع كما تقرر وعليه يدل كلام الروضة كأصلها
والمجموع وإذا صح اقتداء الواقف فيما مر ( فيصح اقتداء من خلفه أو بجانبه ) وإن حيل بينه وبين الإمام ويكون ذلك كالإمام لمن خلفه أو بجانبه لا يجوز تقدمه عليه كما لا يجوز تقدمه على الإمام
____________________
(1/116)
( كما لو كان أحدهما بمسجد والآخر خارجه ) فيشترط مع قرب المسافة عدم حائل أو وقوف واحد حذاء منفذ
( وهو ) أي الآخر ( والمسجد كصفين ) فتعتبر المسافة بينهما من طرف المسجد الذي يلي من بخارجه لأنه محل الصلاة فلا يدخل في الحد الفاصل لا من آخر صف ولا من موقف الإمام وتعبيري بخارجه أعم من تعبيره
بموات وذكر حكم كون الإمام خارج المسجد والمأموم داخله من زيادتي وهو مقتضى كلام الشيخين وبه صلاح ابن يونس وغيره ( ولا يضر ) في جميع ما ذكر ( شارع ) ولو كثر طروقه ( و ) لا ( نهر ) وإن أحوج إلى سباحة لأنهما لم يعدا للحيلولة
( وكره ارتفاعه على إمامة وعكسه ) حيث أمكن وقوفهما على مستو ( إلا لحاجة ) كتعليم الإمام المأمومين صفة الصلاة وكتبليغ المأموم تكبير الإمام ( فيسن ) ارتفاعهما لذلك ( كقيام غير مقيم ) من مريد الصلاة ( بعد فراغ إقامته ) لأنه وقت الدخول في الصلاة سواء أقام المؤذن أم غيره وتعبير الأصل بفراغ المؤذن من الإقامة جرى على الغالب وخرج بزيادتي غير مقيم المقيم فيقوم قبل الإقامة ليقيم قائما ( وكره ابتداء نفل بعد شروعه ) أي لمقيم ( فيها ) في الإقامة لخبر مسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ( فإن كان فيه ) أي في النفل ( أتمه إن لم يخش ) بإتمامه ( فوت جماعة ) بسلام الإمام وإلا قطعه ندبا ودخل فيها لأنها أولى منه
وذكر الكراهة في هذه والسنة في التي قبلها من زيادتي
( و ) رابعها ( نية اقتداء ) أو ائتمام بالإمام ( أو جماعة ) معه في غير جمعة مطلقا ( وفي جمعة مع تحرم ) لأن التبعية عمل فافتقرت إلى نية إذ ليس للمرء إلا ما نوى فإن لم ينو مع التحريم انعقدت صلاته فرادى إلا الجمعة فلا تنعقد أصلا لاشتراط الجماعة فيها وتخصيص المعية بالجمعة من زيادتي
( لا تعيين إمام ) فلا يشترط لأن مقصود الجماعة لا يختلف بذلك بل يكفي نية الاقتداء بالإمام الحاضر ( فلو تركها ) أي هذه النية ( أوشك ) فيها ( وتابع في فعل أو سلام بعد انتظار كثير ) للمتابعة بطلت صلاته لأنه وقفها على صلاة غير بلا رابطة بينهما فلو تابعه اتفاقا أو بعد انتظار يسير أو انتظره كثيرا بلا متابعة لم يضر وتعبيري بفعل أولى من تعبيره بالأفعال
ومسألة الشك مع قولي أو سلام إلى آخره من زيادتي
وما ذكرته في مسألة الشك هو ما اقتضاه قول الشيخين إنه في حال شكه كالمنفرد وهو المعتمد وإن اقتضى قول العزيز وغيره
إن الشك فيها كالشك في أصل النية أنها تبطل بالانتظار الطويل وإن لم يتابع وباليسير مع المتابعة ( أو عين إماما ) بقيد زدته بقولي ( ولم يشر ) إليه ( وأخطأ ) كأن
____________________
(1/117)
نوى الاقتداء بزيد فبان عمرا ( بطلت صلاته ) لمتابعته من لم ينو الاقتداء به فأن عينه بإشارة إليه كهذا معتقدا أنه زيدا أو زيد هذا أو الحاضر صحت لأن الخطأ لم يقع في الشخص لعدم تأتيه فيه بل في الظن ولا عبره بالظن البين خطؤه ( ونية إمامة ) أو جماعة من إمام مع تحرم ( شرط في جمعة ) ولو كان زئدا على الأربعين لعدم استقلاله فيها ( سنة في غيرها ) ليجوز فضيلة الجماعة وإنما لم تشترط هنا لاستقلاله وتصح نية لها مع تحرمه وإن لم يكن إماما في الحال لأنه سيصير إماما
وإذا نوى في أثناء الصلاة حاز الفضيلة من حينئذ والتفصيل بين الجمعة وغيرها من زيادتي
والأصل أطلق السنية ( فلا يضر فيه ) أي في غير الجمعة ( خطؤه في تعيين تابعه ) لأن خطأه في النية لا يزيد على تركها
أما في الجمعة فيضر ما لم يشر إليه لأن ما يجب التعرض له يضر الخطأ فيه وقولي فيه من زيادتي ( و ) خامسها ( توافق نظم صلاتيهما ) في الأفعال الظاهرة ( فلا يصح ) الاقتداء ( مع اختلافه كمكتوبة وكسوف أو جنازة ) لتعذر المتابعة ( ويصح ) الاقتداء ( لمؤد بقاض ومفترض بمنتفل وفي طويلة بقصيرة ) كظهر بصبح ( وبالعكوس ) أي لقاض بمؤد ومتنفل بمفترض وفي قصيرة بطويلة ولا يضره اختلاف نية الإمام والمأموم وتعبيري بطويلة إلى آخره أعم مما عبر به
( والمقتدى في نحو ظهر بصبح أو مغرب كمسبوق ) فيتم صلاته بعد سلام إمامه ونحو من زيادتي ( والأفضل متابعته في قنوت ) في الصبح ( وتشهد آخر ) في المغرب فله فراقه بالنية إذا اشتغل بهما وذكر الأفضلية من زيادتي وبه صرح في المجموع ( و ) المقتدى ( في عكس ذلك ) أي في صبح أو مغرب بنحو ظهر ( إذا أتم ) صلاته ( فارقه ) بالنية ( والأفضل انتظاره في صبح ) ليسلم معه بخلافه في المغرب
ليس له انتظاره لأنه يحدث جلوسا لم يفعله الإمام وقولي وفي عكس ذلك إلى آخره أعم مما عبر به ( ويقنت ) فيه ( إن أمكنه ) القنوت بأن وقف الإمام يسيرا ( وإلا تركه ) ولا شيء عليه ( ولا فراقه ليقنت ) تحصيلا للسنة
( و ) سادسها موافقته في سنن تفحش مخالفته فيها ) فعلا وتركا كسجدة تلاوة وتشهد أول
____________________
(1/118)
على تفصيل فيه بخلاف ما لا تفحش فيه المخالفة كجلسة الاستراحة وتقدم حكم الأولين في بابي سجود السهو والتلاوة والتصريح بهذا الشرط من زيادتي وبه صرح في الروضة كأصلها
( و ) سابعها ( تبعية ) لإمامه ( بأن يتأخر تحرمه ) عن تحرم إمامه فإن خالفه لم تنعقد صلاته لخبر الشيخين إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ولأنه ربطها بمن ليس في صلاة فمقارنته له في التحرم ولو بشك مع طول فصل مانعة من الصحة
( و ) أن ( لا يسبقه بركنين فعليين ) ولو غير طويلين بقيدين زدتهما بقولي ( عامدا عالما ) بالتحريم والسبق بهما يقاس بما يأتي في التخلف بهما
لكن مثله العراقيون بما إذا ركع قبل الإمام فلما أراد أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد
قال الشيخان فيجوز أن يقدر مثله في التخلف ويجوز أن يخص ذلك بالتقدم لأن المخالفة فيه أفحش ( و ) أن ( لا يتخلف ) عنه ( بهما بلا عذر فإن خالف ) في السبق أو التخلف بهما ولو غير طويلين ( بطلت صلاته ) لفحش المخالفة بلا عذر بخلاف سبقه بهما ناسيا أو جاهلا لكن لا يعتد بتلك الركعة فيأتي بعد سلام إمامه بركعة بخلاف سبقه بركن كأن ركع قبله وإن عاد إليه أو ابتدأ رفع الاعتدال قبل ركوع إمامه
لأن ذلك يسير لكنه في الفعلى بلا عذر حرام لخبر مسلم لا تبادروا الإمام إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وبخلاف سبقه بركنين غير فعليين كقراءة وركوع أو تشهد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا تجب إعادة ذلك وبخلاف تخلفه بفعلي مطلقا أو بفعليين بعذر كأن ابتدأ إمامه هوى السجود وهو في قيام القراءة وبخلاف المقارنة في غير التحرم لكنها في الأفعال مكروهة مفوتة لفضيلة الجماعة كما جزم به في الروضة ونقله في أصلها عن البغوي وغيره
قال الزركشي ويجري ذلك في سائر المكروهات المفعولة مع الجماعة من مخالفة مأمور به في الموافقة أو المتابعة كالانفراد عنهم إذ المكروه لا ثواب فيه مع أن صلاته جماعة إذ لا يلزم من انتفاء فضلها انتفاؤها
( والعذر كأن أسرع إمام قراءة وركع قبل إتمام موافق ) له ( الفاتحة ) وهو بطيء القراءة ( فيتمها ويسعى خلفه ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة ) فلا يعدمها الاعتدال والجلوس بين السجدتين لما مر في سجود السهو أنهما قصيران ( وإلا ) بأن سبقه بأكثر من الثلاثة بأن لم يفرغ من الفاتحة إلا والإمام قائم عن السجود أو جالس للتشهد ( تبعه ) فيما هو فيه ( ثم تدارك بعد سلام ) من ( إمامه ) ما فاته كمسبوق ( فإن لم يتمها ) الموافق ( لشغله بسنة ) كدعاء الافتتاح
____________________
(1/119)
( فمعذور ) كبطي القراءة فيأتي فيه ما مر
وتعبيري بسنة أولى من تعبيره بدعاء الافتتاح ( كمأموم على أوشك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة ) فإنه معذور ( فيقرؤها ويسعى ) خلفه ( كما مر ) في بطيء القراءة
( وإن كان ) أي علمه بذلك أوشكه فيه ( بعدهما ) أي بعد ركوعهما ( لم يعد إليها ) أي إلى محل قراءتها ليقرأها فيه لفوته ( بل ) يتبع إمامه و ( يصلي ركعة بعد سلام ) كمسبوق ( وسن لمسبوق أن لا يشتعل ) بعد تحرمه ( بسنة ) كتعوذ ( بل بالفاتحة إلا أن يظن إدراكها ) مع اشتغاله بالسنة فيأتي بها ثم بالفاتحة والتصريح بالسنية من زيادتي وتعبيري بيظن أولى من تعبيره بيعلم ( وإذا ركع إمامه ولم يقرأها ) أي المسبوق الفاتحة ( فإن لم يشتغل بسنة تبعه ) وجوبا في الركوع ( وأجزأه ) وسقطت عنه الفاتحة كما لو أدركه في الركوع سواء أقرأ شيئا من الفاتحة أم لا فلو تخلف لقراءتها حتى رفع الإمام من الركوع فاتته الركعة ( وإلا ) بأن اشتغل بسنة ( قرأ ) وجوبا ( بقدرها ) من الفاتحة لتقصيره بعدوله عن فرض إلى سنة سواء أقرأ شيئا من الفاتحة أم لا والشق الثاني في هذا وما قبله من زيادتي قال الشيخان كالبغوي وهو بتخلفه في هذا معذور لإلزامه بالقراءة
وقال القاضي والمتولي غير معذور لتقصيره بما مر فإن لم يدرك الإمام في الركوع فاتته الركعة ولا يركع لأنه لا يحسب له بل يتابعه في هويه للسجود كما جزم به في التحقيق فليس المراد بكونه معذورا أنه كبطيء القراءة مطلقا بل لأنه لا كراهة ولا بطلان بتخلفه فإن ركع مع الإمام بدون قراءة بقدرها بطلت صلاته
____________________
(1/120)
فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما ( تنقطع قدوة بخروج إمامه من صلاته ) بحدث أو غيره لزوال الرابطة ( وله ) أي المأموم ( قطعها ) بنية المفارقة إن كانت الجماعة فرض كفاية لأنه لا يلزم بالشروع إلا في الجهاد وصلاة الجنازة والحج والعمرة
ولأن الفرقة الأولى فارقت النبي صلى الله عليه وسلم في ذات الرقاع كما سيأتي ( وكره ) من زيادتي أي قطعها لمفارقة الجماعة المطلوبة وجوبا أو ندبا مؤكدا ( إلا لعذر ) سواء أرخص في ترك الجماعة أولا ( كمرض وتطويل إمام ) القراءة لمن لا يصبر لضعف أو شغل ( وتركه سنة مقصودة ) كتشهد أول أو قنوت فيفارقه ليأتي بها ( ولو نواها ) أي القدوة ( منفردا في أثناء صلاة جاز ) كما يجوز أن يقتدي جمع بمنفرد فيصير إماما
( وتبعه ) فيما هو فيه وإن كان على خلاف نظم صلاته رعاية لحق الاقتداء ( فأن فرغ إمامه أولا فهو كمسبوق ) فيتم صلاته ( أو ) فرغ ( هو ) أولا ( فانتظاره أفضل ) من مفارقته ليسلم
وإن جازت بلا كراهة على قياس ما مر في الاقتداء في الصبح بنحو الظهر وذكر الأفضلية من زيادتي ( وما أدركه مسبوق ) مع الإمام مما يعتد له به ( فأول صلاته ) وما يفعل بعد سلام الإمام آخرها ( فيعيد في ثانية صبح ) أدرك الآخرة منها وقنت فيها مع الإمام ( القنوت و ) في ثانية ( مغرب ) أدرك الآخرة منها معه ( التشهد ) لأنها محلهما وما فعله مع الإمام إنما كان للمتابعة
وروى الشيخان خبر ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا
وإتمام الشيء إنما يكون بعد أوله ويقضي فيما لو أدرك ركعتين من رباعية قراءة السورة في الأخيرتين لئلا تخلو صلاته منها كما مر في صفة الصلاة
أما ما لا يعتد له به كأن أدركه في الاعتدال فليس بأول صلاته وإنما يفعله للمتابعة ( وإن أدركه في ركوع محسوب ) للإمام ( واطمأن يقينا قبل ارتفاع إمامه عن أقله أدرك الركعة ) لخبر أبي بكرة السابق في الفصل المتقدم
وخرج بالركوع غيره كالاعتدال وبالمحسوب وهو أعم مما عبر به في باب الجمعة غيره كركوع محدث وركوع زائد ومثله الركوع الثاني من
____________________
(1/121)
الكسوف كما سيأتي في بابه وإن كان محسوبا وباليقين
ما لو شك أو ظن في إدراك الحد المعتبر قبل ارتفاع إمامه فلا يدرك الركعة لأن الأصل عدم إدراكه وإن كان الأصل أيضا بقاء الإمام فيه ورجح الأول بأن الحكم بإدراك ما قبل الركوع به رخصة فلا يصار إليه إلا بيقين ( ويكبر ) أي مسبوق أدرك الإمام في ركوع
( لتحرم ثم لركوع ) كغيره
( فلو كبر واحدة فإن نوى بها التحرم فقط ) وأتمها قبل هويه ( انعقدت ) صلاته ولا يضر ترك تكبيرة الركوع لأنها سنة ( وإلا ) بأن نواهما بها أو الركوع فقط أو أحدهما مبهما أو لم ينو شيئا ( فلا ) تنعقد للتشريك في الأولى بين فرض وسنة مقصودة ولخلوها عن التحرم في الثانية ولتعارض قرينتي الافتتاح والهوى في الأخيرتين وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به ( ولو أدركه في اعتداله فما بعده وافقه فيه وفي ذكره ) أي ذكر ما أدركه فيه من تحميد وتسبيح وتشهد ودعاء ( و ) في ( ذكر انتقاله عنه ) من تكبير ( لا ) في ذكر انتقاله ( إليه ) فلو أدركه فيما لا يحسب له كسجود لم يكبر للانتقال إليه لأنه لم يتابعه فيه ولا هو محسوب له بخلاف انتقاله عنه وانتقاله إلى الركوع وتعبيري بما ذكر أولى من عبارته لإيهامها القصور على بعض ما ذكرته ( وإذا سلم إمامه كبر لقيامه أو بدله ) ندبا ( إن كان ) جلوسه مع الإمام ( محل جلوسه ) لو كان منفردا بأن أدركه في ثانية المغرب أو ثالثة الرباعية كما لو كان منفردا ( وإلا ) كى ن أدركه في ثالثة المغرب أو ثانية الرباعية ( فلا يكبر ) لذلك لأنه ليس محل تكبير ولا متابعة وليس له أن يقوم وإلا بعد تسلميتي الإمام وقولي كبر لقيامه أو بدله أولى وأكثر فائدة من قوله قام مكبرا
( باب كيفية صلاة المسافر ) من حيث القصر والجمع مع كيفية الصلاة بنحو المطر ( إنما تقتصر رباعية مكتوبة ) هي من زيادتي ( مؤادة أو فائتة في سفر قصر في سفر ) بشروطه الآتية فلا تقصر صبح ومغرب ومنذورة ونافلة ولا فائتة حضر لأنه قد تعين فعلها أربعا فلم يجز نقصها كما في الحضر ولا مشكوك في
____________________
(1/122)
أنها فائتة حضر أو سفرا احتياطيا ولأن الأصل الإتمام ولا فائتة سفر غير قصر ولو في سفر آخر ولا فائتة سفر قصر في حضر أو سفر غير قصر لأنه ليس محل قصر ( وأوله ) أي السفر لساكن أبنية ( مجاوزة سور ) بقيد زدته بقولي ( مختص بما سافر منه ) كبلد وقرية وإن كان داخله أماكن خربة ومزارع لأن جميع ما هو داخله معدود مما سافر منه ( فإن لم يكن ) له سور مختص به بأن لم يكن له سور مطلقا أو في صوب سفره أو كان له سور غير مختص به كقرى متفاصلة جمعها سور ( ف ) أوله ( مجاوزة عمران ) ( لا ) مجاوزة ( خراب ) بطرفه بقيد زدته بقولي ( هجر ) بالتحويط على العامر أو زرع بقرينة ما يأتي ( أو اندرس ) بأن ذهبت أصول حيطانه لأنه ليس محل إقامة بخلاف ما ليس كذلك فإنه يشترط مجاوزته كما صححه في المجموع و ( لا ) مجاوزة ( بساتين ) ومزارع كما فهمت بالأولى وإن اتصلتا بما سافر منه أو كانتا محوطتين لأنهما لا يتخذان للإقامة نعم إن كان البساتين قصور أو دور تسكن في بعض فصول السنة اشترط مجاوزتها كذا في الروضة كأصلها قال في المجموع بعد نقله ذلك عن الرافعي وفيه نظر ولم يتعرض له الجمهور والظاهر أنه لا يشترط مجاوزتها لأنها ليست من البلد قال في المهمات والفتوى عليه والقريتان المتصلتان يشترط مجاوزتهما ( و ) أوله لساكن خيام كالأعراب ( مجاوزة حلة فقط ) بكسر الحاء بيوت مجتمعة أو متفرقة بحيث يجتمع أهلها للسمر في ناد واحد ويستعير بعضهم من بعض ويدخل في مجاوزتها مرافقها كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الإبل لأنها معددوة من مواضع إقامتهم ( ومع ) مجاوزة ( عرض واد ) إن سافر في عرضه ( و ) مع مجاوزة ( مهبط ) أي محل هبوط إن كان في ربوة ( و ) مع مجاوزة ( مصعد أي محل صعود إن كان في وهدة هذا إن ( اعتدلت ) الثلاثة فإن أفرطت سعتها اكتفى بمجاوزة الحلة عرفا وظاهر أن ساكن غير الأبنية والخيام كنازل بطريق خال عنهما رحلة كالحلة فيما تقرر وقولي فقط إلى آخره من زيادتي ( وينتهي ) سفره ( ببلوغه مبدأ سفر ) من سور أو غيره ( من وطنه أو ) من ( موضع ) آخر رجع من سفره إليه أولا ( وقد نوى قبل ) أي قبل بلوغه بقيد زدته بقولي ( وهو مستقل إقامة به ) وإن لم يصلح لها ( إما مطلقا ) وهو من زيادتي ( أو أربعة أيام صحاح ) أي غير يومي الدخول والخروج ( وبإقامته و ) قد ( علم ) حينئذ ( إن إربه ) بكسر أوله وإسكان ثانيه وبفتحهما أي حاجته ( لا ينقضي فيها )
____________________
(1/123)
أما إذا لم ينو الإقامة أو نواها بعد بلوغه فلا ينتهي سفره بذلك وإنما ينتهي بالإقامة في الأولى وبنيتها وهو ماكث مستقل في الثانية والتقييد بالمكث فيها ذكره في المجموع ووقع لبعضها عزوه له في غيرها والأصل فيما ذكر خبر يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا وكان يحرم على المهاجرين الإقامة بمكة ومساكنة الكفارة رواهما الشيخان فالترخيص بالثلاثة يدل على بقاء حكم السفر بخلاف الأربعة وألحق بإقامتها نية إقامتها وتعتبر بلياليها وفي معنى الثلاثة ما فوقها ودون الأربعة وإنما لم يحسب يوما الدخول والحروج لأن فيهما الحط والرحيل وهما من أشغال السفر أما لو نوى الإقامة في الثانية وهو سائر فلا يؤثر لأن سبب القصر السفر وهو موجود حقيقة وكذا لو نواها فيها أو في مسألة الكتاب غير المستقل دون مبتوعه كعبد وجيش ولو ماكثا ( وإن توقعه ) أي رجا حصول أربه ( كل وقت قصر ثمانية عشر يوما ) صحاحا ولو غير محارب لأنه صلى الله عليه وسلم أقامها بمكة عام الفتح لحرب هوازن يقصر الصلاة رواه أبو داود والترمذي وحسنه وإن كان في سنده ضعف لأن له شواهد تجبره وقيس بالمحارب غيره لأن المرخص هو السفر لا المحاربة وفارق ما لو علم أنه لم ينقض في الأربعة كما مر بأنه ثم مطمئن بعيد عن هيئة المسافر بخلافه هنا ( و ) ينتهي سفره أيضا ( بنية رجوعه ماكثا ) ولو من طويل ( لا إلى غير وطنه لحاجة ) بأن نوى رجوعه إلى وطنه أو غيره لغير حاجة فلا يقصر في ذلك الموضع فإن سافر فسفر جديد فإن كان طويلا قصر وإلا فلا نوى الرجوع ولو من قصير إلى غير وطنه لحاجة لم ينته سفره بذلك وكنية الرجوع التردد فيه كما في المجموع عن البغوي وقولي ماكثا إلخ من زيادتي
فصل في شروط القصر وما يذكر معها ( للقصر شروط ) ثمانية أحدها ( سفر طويل ) وإن قطعه في لحظة في بر أو بحر إن سافر ( لغرض ) صحيح ( ولم يعدل ) عن قصير ( إليه ) أي الطويل ( أو عدل ) عنه إليه ( لغرض غير القصر ) كسهولة وأمن وعيادة وتنزه فإن سافر بلا غرض صحيح كأن سافر لمجرد التنقل في البلاد لم يقصر وإن عدل إلى الطويل لا لغرض أو لمجرد القصر فكذلك كما لو سلك القصير
____________________
(1/124)
فطوله بالذهاب يمينا وشمالا وقولي أولا لغرض من زيادتي ( وهو ) أي الطويل ( ثمانية وأربعون ميلا هاشمية ذهابا وهي مرحلتان ) أي سير يومين معتدلين بسير الأثقال وهي ستة عشر فرسخا وهي أربعة برد فقد كان ابن عمر وابن عباس يقصران ويفطران في أربعة برد علقه البخاري بصيغة الجزم وأسنده البيهقي بسند صحيح ومثله إنما يفعله بتوقيف وخرج زيادتي ذهاب الإياب معه فلا يحسب حتى ولو قصد مكانا على مرحلة بنية أن لا يقيم فيه بل يرجع فليس له القصر وإن ناله مشقة مرحلتين متواليين لأنه لا يسمى سفرا طويلا والغالب في الرخص الاتباع والمسافة تحديد لأن القصر على خلاف الأصل فيحتاط فيه بتحقيق تقديرها والميل أربعة آلاف خطوة والخطوة ثلاثة أقدام وخرج بالهاشمية المنسوبة لبني هاشم الأموية المنسوبة لبني أمية فالمسافة بها أربعون إذ كل خمسة منها قدر ستة هاشمية
( و ) ثانيها ( جوازه فلا قصر كغيره ) من بقية رخص السفر ( لعاص به ) ولو في أثنائه كآبق وناشزه لأن السفر سبب الرخصة فلا يناط بالمعصية نعم له بل عليه التيمم مع وجوب إعادة ما صلاه به على الأصح كما في المجموع ( فإن تاب فأوله محل توبته ) فإن كان طويلا أول لم يشترط للرخصة طوله كأكل الميتة للمضظر فيه ترخص وإلا فلا وألحق بسفر المعصية أن يتعب نفسه أو دابته بالركض بلا غرض ذكره في الروضة كأصلها
( و ) ثالثها قصد محل معلوم ) وإن لم يعينه ( أولا ) ليعلم أنه طويل فيقصر فيه وتعبيري بمعلوم أولى من تعبيره بمعين ( فلا قصر لهائم ) وإن طال تردده وهو من لا يدري أين يتوجه ( ولا مسافر لغرض ) كرد آبق ( لم يقصد المحل ) المذكور وإن طال سفره لانتفاء علمه بطوله أوله نعم إن قصد سفر مرحلتين أولا كأن علم أنه لا يجد مطلوبه قبلهما قصر كما في الروضة وأصلها قال الزركشي في مرحلتين لا فيما زاد عليهما إذ ليس مقصد معلوم انتهى وظاهر أن قصد سفرا أكثر من مرحلتين كقصد سفرهما وأن الهائم كالمسافر المذكور في ذلك ( ولا رقيق وزوجة وجندي قبل ) سير ( مرحلتين إن لم يعرفوا أن متبوعهم يقطعهما ) لما مر فإن عرفوا ذلك قصروا أما بعد سير مرحلتين فيقصرون وهذا كما لو أسر الكفار رجلا فساروا به ولم يعرف أنهم يقطعونهما لم يقصر وإن سار معهم مرحلتين قصر بعد ذلك والتقييد بقبل مرحلتين من زيادتي وتعبيري بما بعده أولى مما عبر به ( فلو نووهما ) أي المرحلتين أي سيرهما ( قصر
____________________
(1/125)
الجندي ) بقيد زدته بقولي ( إن لم يثبت ) في الديوان لأنه حينئذ ليس تحت قهر متبوعه بخلافهما فنيتهما كالعدم فإن أثبت في الديوان لم يقصر وفارق غير المثبت بأنه تحت قهر الأمير فبمخالفته يختل النظام بخلاف مخالفة غير المثبت
( و ) رابعها ( عدم اقتدائه بمن جهل سفره أو بمتم ) ولو في صبح أو بان حدث إمامه ( فلو اقتدى ) ولو لحظة ( به ) أي بأحدهما ( أو بمت ظنه مسافرا فبان مقيما فقط أو ) مقيما ( ثم محدثا ) وهذا من زيادتي ( أتم ) لزوما إن بان في الأولى مسافرا قاصرا لتقصيره فيها
وفي الثالثة بقسميها لظهور شعار المسافر والمقيم والأصل الاتمام ولأن ذلك هو السنة في الثانية كما رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن ابن عباس أما لو بان محدثا ثم مقيما أو بانا معا فلا يلزمه الاتمام إذ لا قدوة في الحقيقة وفي الظاهر ظنه مسافرا ( ولو استخلف قاصر ) لخبيث أو غيره أعم وأولى من قوله ولو عرف الإمام المسافر واستخلف ( متما ) من المقتدين أو غيرهم ( أتم المقتدون ) به وإن لم ينووا الاقتداء به لأنهم مقتد ون به حكما بدليل لحوقهم سهوه ( كالإمام إن ) عادو ( اقتدى به ) فإنه يلزمه لاقتدائه بمتم وسواء فيما ذكر من لزوم الاتمام للمقتدى أفسدت صلاة أحدهما أم لا لأنه التزم الاتمام بالاقتداء وما ذكر لا يدفعه ( ولو ظنه ) أو علمه المفهوم بالأولى ( مسافرا وشك في نيته ) القصر ( قصر ) جوازا ( إن قصر ) وإن علق نيته بنيته كأن قال إن قصر قصرت وإلا أتممت لأن الظاهر من حال المسافر القصر ولا يضر التعليق لأن الحكم معلق بصلاة إمامه وإن جزم فإن أتم إمامه أو لم يعلم هو حاله أتم تبعا له في الأولى واحتياطا في الثانية وقولي ظنه أولى من قوله علمه
( و ) خامسها ( نيته ) أي القصر بخلاف الاتمام لأنه الأصل فيلزم وإن لم ينوه ( في تحرم ) كأصل النية فلو لم ينوه فيه بأن نوى الإمام أو أطلق أتم لأنه المنوي في الأولى والأصل في الثانية
( و ) سادسها ( تحرز عن منافيها دواما ) أي في دوام الصلاة ( فلو شك هل نوى القصر ) أولا ( أو ) نواه ثم ( تردد في أنه يقصر ) أو يتم ( أتم ) لأنه الأصل ويلزمه الاتمام وإن تذكر في الأولى حالا أنه نوى للقصر لتأدى جزء الصلاة حال التردد على التمام ( ولو قام إمامه لثالثه فشك أهو متم ( أو ساه ) ( أتم ) وإن كان ساهيا لأنه الأصل ( أو قام لها قاصر ) عامدا عالما ( بلا
____________________
(1/126)
موجب لإتمام ) كنيته أو نية إقامة ( بطلت صلاته ) كما لو قام المتم إلى ركعة زائدة ( لا ) إن قام لها ( ساهيا أو جاهلا فليعد ) عند تذكره أو علمه ( ويسجد للسهو ) ويسلم ( فإن أراد ) عند تذكره أو علمه ( أن يتم عاد ثم قام متما ) بنية الاتمام لأن القيام واجب عليه وقيامه كان لغوا وقولي أو جاهلا المعلوم منه تقييد ما قبله بالعلم بالتحريم من زيادتي
( و ) سابعها ( دوام سفره في ) جميع ( صلاته فلو انتهى ) سفره ( فيها ) كأن بلغت سفينته فيها دار إقامته ( أوشك ) في انتهائه وهو من زيادتي ( أتم ) لزوال سبب الرخصة في الأولى وللشك فيه في الثانية
( و ) ثامنها وهو من زيادتي ( علم بجوازه ) أي القصر ( فلو قصر جاهل به لم تصح صلاته ) لتلاعبه كما في الروضة وأصلها ( والأفضل ) لمسافر سفر قصر ( صوم ) أي هو أفضل من الفطر إن ( لم يضره ) لما فيه من براءة الذمة والمحافظة على فضيلة الوقت فإن ضره فالفطر أفضل ( و ) الأفضل له ( قصر ) أي هو أفضل من الاتمام ( إن بلغ سفره ثلاث مراحل ولم يختلف في ) جواز ( قصره ) فإن لم يبلغها فالاتمام أفضل خروجا من خلاف أبي حنيفة فإنه يوجب القص إن بلغها والاتمام إن لم يبلغها وقدمت في باب مسح الخف أن من ترك رخصة رغبة عن السنة أو شكا في جوازها كره له تركها وخرج بزيادتي ولم يختلف في قصره ما لو اختلفت فيه كملاح يسافر في البحر ومعه عياله في سفينته ومن يديم السفر مطلقا فالاتمام أفضل له لأنه في وطنه وللخروج من خلاف من أوجبه عليه كالإمام أحمد فإنه لا يجوز له القصر
فصل في الجمع بين الصلاتين ( يجوز جمع عصرين ) أي الظهر والعصر ( ومغربين ) أي المغرب والعشاء ( تقديما ) في وقت الأولى ( وتأخيرا ) في وقت الثانية ( في سفرقصر ) هو أولى من قوله في السفر الطويل
____________________
(1/127)
والجمعة كالظهر في جمع التقديم وغلب في التثنية العصر لشرفها والمغرب للنهي عن تسميتها عشاء ( والأفضل لسائر وقت أولى ) كسائر يبيت بمزدلفة ( تأخير ولغيره تقديم ) للاتباع
رواه الشيخان في العصرين وأبو داود وغيره في المغربين فلا جمع بغير ما يأتي في غير سفر قصر كحضر وسفر قصير وسفر معصية ولا تجمع الصبح مع غيرها ولا العصر مع المغرب وترك الجمع أفضل كما أشعر به التعبير بيجوز ويستثنى منه الحاج بعرفة ومزدلفة ومن إذا صلى جماعة أو خلا من حدثه الدائم أو كشف عورته فالجمع أفضل ويستثنى من جمع التقديم المتحيرة كما في الروضة في بابها ( وشرطه له ) أي التقديم أربعة شروط ( أحدها ( ترتيب ) بأن يبدأ بالأولى لأن الوقت لها والثانية تبع فلو صلاها قبل الأولى لم تصح ويعيدها بعدها إن أراد الجمع
( و ) ثانيها ( نية جمع ) ليمتيز التقديم المشروع عن التقديم سهوا أو عبثا ( في أولى ) ولو مع تحلله منها لحصول الغرض بذلك لكن أولها أولى
( و ) ثالثها ( ولاء ) بأن لا يطول بينهما فصل ( عرفا ) لما روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع بين الصلاتين والى بينهما وترك الرواتب بينهما وأقام الصلاة بينهما فيضر فصل طويل ولو بعذر كسهو وإغماء بخلاف القصير كقدر إقامة وتيمم وطلب خفيف ( ولو ذكر بعدهما ترك ركن من أولى أعادهما ) لبطلانها بترك الركن وتعذر التدارك بطول الفصل والثانية لبطلان فرضيتها بانتفاء شرطها من ابتدائه بالأولى لبطلانها ( وله جمعهما ) تقديما أو تأخيرا لوجود المرخص ( أو ) ذكر بعدهما تركه ( من ثانية ولم يطل فصل ) بين سلامها والذكر ( تدارك ) وصحت ( وإلا ) أي وإن طال ( بطلت ) الثانية ( ولا جمع ) لطول الفصل فيعيدها في وقتها ( ولو جهل ) بأن لم يدر أن الترك من الأولى أم من الثانية ( أعادهما ) لاحتمال أنه من الأولى ( بلا جمع تقديم ) بأن تصلي كلا منهما في وقته أو يجمعهما تأخيرا لاحتمال أنه من الثانية مع طول الفصل بها وبالأولى المعادة بعدها فتعبيري بذلك أولى من قوله لوقتيهما
( و ) رابعها ( دوام سفره إلى عقد ثانية فلو أقام قبله فلا جمع ) لزوال السبب فيتعين تأخير الثانية إلى وقتها ( وشرط للتأخير ) أمران فقط أحدهما ( نية جمع في وقت أولى ما بقي من قدر ركعة ) تمييزا
____________________
(1/128)
له عن التأخير تعديا وظاهر أنه لو أخر النية إلى وقت لا يسع الأولى عصى وإن وقعت أداء ( وإلا ) أي وإن لم ينو الجمع أو نواه في وقت الأولى ولم يبق منه ما يسع ركعة ( عصى وكانت قضاء ) وقولي ما بقي قدر ركعة من زيادتي أخذا من الروضة كأصلها عن الأصحاب وإن وقع في المجموع ما يخالفه ظاهرا وقد بينت ذلك مع فوائد في شرح البهجة وغيره
( و ) ثانيهما ( دوام سفره إلى تمامها فلو أقام قبله صارت الأولى قضاء ) لأنها تابعة للثانية في الأداء للعذر وقد زال قبل تمامها وفي المجموع إذا أقام في أثناء الثانية ينبغي أن تكون الأولى أداء بلا خلاف قال السبكي وغيره وتعليلهم منطبق على تقديم الأولى فلو عكس وأقام في أثناء الظهر مثلا فقد وجد العذر في جميع المتبوعة وأول التابعة وقياس ما مر في جمع التقديم أنها أداء على الأصح كما أفهمه تعليلهم ومنهم من أجرى الكلام على ظاهره وفرق بين جمع التقديم والتأخير وقد بينته في شرح البهجة وغيره وأما بقية شروط التقديم فسنة هنا كما صرح به في المجموع
( ويجوز ) ولو لمقيم ( جمع ) لما يجمع بالسفر ( بنحو مطر ) كثلج وبرد ذائبين وشفان ( تقديما ) بقيد زدته بقولي ( بشروطه ) السابقة ( غير ) الشرط ( الأخير ) في الجمع بالسفر للاتباع رواه الشيخان وغيرهما وتعبيري بنحو مطر أعم مما ذكره
( و ) بشرط ( أن يصلي جماعة بمصلى ) هو أعم من قوله بمسجد ( بعيد ) عن باب داره عرفا بحيث ( يتأذى بذلك في طريقه ) إليه بخلاف من يصلي في بيته منفردا أو جماعة أو يمشي إلى المصلى في كن أو كان المصلى قريبا فلا يجمع لانتفاء التأذي وبخلاف من يصلي منفردا بمصلى لانتفاء الجماعة فيه
وأما جمعه صلى الله عليه وسلم بالمطر مع أن بيوت أزواجه كانت بجنب المسجد فأجابوا عنه بأن بيوتهن كانت مختلفة وأكثرها كان بعيدا فلعله حين جمع لم يكن بالقريب
ويجاب أيضا بأن للإمام أن يجمع بالمأمومين وإن لم يتأذ بالمطر صرح به ابن أبي هريرة وغيره
( و ) بشرط ( أن يوجد ذلك ) أي نحو المطر ( عند تحرمه بهما ) ليقارن الجمع ( و ) عند ( تحلله من أولى ) ليتصل بأول الثانية فيؤخذ منه اعتبار امتداده بينهما وهو ظاهر ولا يضر انقطاعه في أثناء الأولى أو الثانية أو
____________________
(1/129)
بعدهما قال المحب الطبري ولمن اتفق له وجود المطر وهو بالمسجد أن يجمع وإلا لاحتاج إلى صلاة العصر أي أو صلاة العشاء في جماعة وفيه مشقة في رجوعه إلى بيته ثم عوده أو في إقامته وكلام غيره يقتضيه أما الجمع تأخيرا بما ذكر فممتنع لأن المطر قد ينقطع قبل أن يجمع تتمة الأولى أن يصلي في جمع العصرين قبلهما سنة الظهر التي قبلها وبعدهما بقية السنن مرتبة وفي جمع المغربين بعدهما سنتيهما مرتبة إن ترك سنة المغرب قبلها وإلا فكجمع العصرين وله غير ذلك على ما حررته في شرح الروض وغيره
( باب صلاة الجمعة ) بضم الميم وسكونها وفتحها وحكي كسرها ( تتعين ) والأصل في تعيينها آية { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة } وأخبار صحيحة كخبر رواح الجمعة واجب على كل محتلم وخبر الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض
ومعلوم أنها ركعتان على مسلم مكلف كما علم ذلك من كتاب الصلاة ( حر ذكر بلا عذر ترك الجماعة مقيم بمحل جمعة ) تأسيابه صلى الله عليه وسلم وبالخلفاء بعده ( أو بمستو بلغة فيه ) حالة كونه ( معتدل سمع صوت عال عادة في هدو ) أي سكون للأصوات والرياح ( من طرف محلها الذي يليه أو مسافرا له ) أي للمستوى ( من محلها ) أو مسافر لمعصية كما علم من الباب قبله لخبر أبي داود الجمعة على من سمع النداء والمسافر لمعصية ليس من أهل الرخص
فلا جمعة على كافر أصلي بمعنى أنه لا يطالب بها في الدنيا ولا على صبي ومجنون ومغمى عليه وسكران كسائر الصلوات وإن لزم الثلاثة الأخيرة عند التعدي قضاؤها ظهرا كغيرها ولا على من به رق ولا على امرأة وخنثى للخبر السابق
وألحق بالمرأة فيه الخنثى لاحتمال أنوثته ولا على من به عذر في ترك الجماعة مما يتصور هنا لما مر في الخبر وألحق بالمريض فيه نحوه ولا على مسافر غير من مر ولو سفرا قصيرا لاشتغاله بالسفر وأسبابه ولا مقيم بغير محل الجمعة ولا يبلغه الصوت المذكور لمفهوم خبر أبي داود السابق
وعلم بقولي بمستو أنه لو كانت قرية ليست محل جمعة على رأس جبل فسمع أهلها النداء لعلوها ولو كانت بمستو لم يسمعوه أو كانت في منخفض فلم يسمعوه لانخفاضها ولو كانت بمستو لسمعوه لزمتهم الجمعة في الثانية دون الأولى
وبقولي معتدل سمع أنه لو كان أصم أو جاوز سمعه حد العادة لم يعتبر
وبقولي عادة في هدو أنه لو كان الصوت العالي على خلاف عادته في بقية الأيام أو على عادته لا في هدو لم يتعين ولا يعتبر وقوف المنادى بمحل عال كمنارة ولو وافق يوم
____________________
(1/130)
جمعة عيد فحضر صلاته أهل قرى يبلغهم النداء فلهم الانصراف وترك الجمعة
نعم لو دخل وقتها قبل انصرافهم كأن دخل عقب سلامهم من العيد فالظاهر أنه ليس لهم تركها وقولي معتدل سمع وعادة مع أو مسافر إلى آخره من زيادتي
وتعبيري بمستو أولى من تعبيره بقرية ( وتلزم ) الجمعة ( أعمى وجد قائدا ) متبرعا أو بأجرة أو ملكا له ( و ) شيخا ( هما وزمنا وجد مركبا ) ملكا أو بأجرة أو إعارة ( لا يشق ركوبه ) عليهما ( ومن صح ظهره ممن لا تلزمه جمعة صحت ) جمعته لأنها إذا صحت ممن تلزمه أولى وتغني عن ظهره ( وله أن ينصرف ) من المصلي ( قبل إحرامه ) بها ( لا نحو مريض ) كأعمى لا يجد قائما فليس له أن ينصرف قبل إحرامه ( إن دخل وقتها ولم يزد ضرره بانتظاره ) فعلها ( أو أقيمت الصلاة )
نعم لو أقيمت وكان ثم مشقة لا تحتمل كمن به إسهال ظن انقطاعه فأحس به ولو بعد تحرمه وعلم من نفسه أنه إن مكث سبقه فالمتجه كما قال الأذرعي أن له الانصراف
والفرق بين المستثنى والمستثنى منه أن المانع في نحو المريض من وجوبها مشقة الحضور
وقد حضر متحملا لها والمانع في غيره صفات قائمة به لا تزول بالحضور والتقييد بمن لا تلزمه جمعة وبقبل الإحرام وبالإقامة من زيادتي ( وبفجر حرم على من لزمته ) بأن كان من أهلها ( سفر تفوت به ) كأن ظن أنه لم يدركها في طريقه أو مقصده ولو كان السفر طاعة وقبل الزوال ( لا إن خشي ) من عدم سفره ( ضررا ) كانقطاعه عن الرفقة فلا يحرم ولو بعد الزوال وإنما حرم قبل الزوال وإن لم يدخل وقتها لأنه مضافة إلى اليوم ولذلك يجب السعي إليها قبل الزوال على بعيد الدار ( وسن لغيره ) أي لمن لا تلزمه ولو بمحلها ( جماعة في ظهره ) في وقتها لعموم أدلة الجماعة ( وإخفاؤها إن خفي عذره ) لئلا يتهم بالرغبة عن صلاة الإمام فإن ظهر لم يسن إخفاؤها لانتفاء التهمة والتصريح بسن الإخفاء من زيادتي
( و ) سن ( لمن رجا زوال عذره ) قبل فوت الجمعة كعبد يرجو العتق ومريض يرجو الخفة ( تأخير ظهره إلى فوت الجمعة ) لأنه قد يزول عذره قبل ذلك فيأتي بها كاملا ويحصل الفوت برفع الإمام رأسه من ركوع الثانية فلو صلى قبل فواتها الظهر ثم زال عذره وتمكن منها لم تلزمه لأنه أدى فرض وقته إلا إن كان خنثى فبان رجلا ( و ) سن ( لغيره ) أي لمن يرجو زوال عذره كامرأة وزمن ( تعجيلها ) أي الظهر ليجوز فضيلة أول الوقت
قال في الروضة والمجموع هذا اختيار الخراسانيين وهو الأصح وقال العراقيون يستحب له تأخير الظهر حتى تفوت الجمعة لأنه قد ينشط لها ولأنها صلاة الكاملين فاستحب كونها المقدمة
قال والاختيار التوسط
فيقال إن كان هذا الشخص جازما
____________________
(1/131)
بأنه لا يحضر الجمعة وإن تمكن منها استحب له تقديم الظهر وإن كان لو تمكن أو نشط حضرها استحب له التأخير
( ولصحتها ) أي الجمعة ( مع شرط غيرها شروط ) ستة أحدها ( أن تقع وقت ظهر ) للاتباع رواه الشيخان مع خبر صلوا كما رأيتموني أصلي ( فلو ضاق ) الوقت عنها وعن خطبتيها كما سيأتي ( أوشك ) في ذلك وهو من زيادتي ( وجب ظهر ) كما لو فات شرط القصر يرجع إلى الإتمام
فعلم أنها إذا فاتت لا تقضي جمعة بل ظهرا كما صرح به الأصل ( أو خرج ) الوقت ( وهم وفيها وجب ) أي الظهر ( بناء ) إلحاقا للدوام بالابتداء فيسر بالقراءة من حينئذ بخلاف ما لو شك في خروجه
لأن الأصل بقاؤه ( كمسبوق ) أدرك مع الإمام منها ركعة إذا خرج الوقت قبل سلامه فإنه يجب ظهر بناء وإن كانت تابعة لجمعة صحيحية
( و ) ثانيها أن تقع ( بأبنية مجتمعة ) ولو بفضاء لأنها لم تقم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين إلا في موضع الإقامة كما هو معلوم وسواء أكانت الأبنية من حجر أو طين أو خشب أو غيرها أم غيرها فلو انهدمت فأقام أهلها على العمارة لزمتهم الجمعة فيها لأنها وطنهم ( فلا تصح من أهل خيام ) بمحلهم لأنهم على هيئة المستوفزين
فإن سمعوا النداء من محلها لزمتهم فيه تبعا لأهله كما علم مما مر
( و ) ثالثها ( أن لا يسبقها بتحرم ولا يقارنها فيه جمعة بمحلها ) لامتناع تعددها بمحلها إذ لم تقم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين إلا في موضع واحد من محلها ولأن الاقتصار على واحدة أفضى إلى المقصود من إظهار شعار الاجتماع واتفاق الكلمة
وإنما اعتبر التحرم أي انتهاؤه من إمامها لأنه به يتبين الانعقاد
أما لسبق والمقارنة في غير محلها فلا يؤثران
وتعبيري بمحلها أعم من تعبيره ببلدتها ( إلا إن كثر أهله ) أي أهل محلها ( وعسر اجتماعهم بمكان ) واحد فيجوز تعددها للحاجة بحسبها لأن الشافعي رضي الله عنه دخل بغداد وأهلها يقيمون بها جمعتين وقيل ثلاثا فلم ينكر عليهم فحمله الأكثر على عسر الاجتماع
قال الروياني ولا يحتمل مذهب الشافعي غيره وقال الصيمري وبه أفتى المزني بمصر وظاهر النص منع التعدد مطلقا وعليه اقتصر الشيخ أبو حامد ومتابعوه ( فلو وقعتا ) في محل لا يجوز تعددها فيه ( معا أوشك ) في المعية ( استؤنفت ) جمعة إن اتسع الوقت لتدافعهما في المعية ليست إحداهما أولى من الأخرى ولأن الأصل في صورة الشك عدم جمعة مجزئة
قال الإمام وحكم الأئمة بأنهم إذا أعادوا الجمعة برئت ذمتهم مشكل لاحتمال تقدم إحداهما فلا تصح أخرى فاليقين أن يقيموا ثم ظهرا
قال في المجموع وما قاله مستحب وإلا فالجمعة كافية في البراءة كما قالوه لأنه الأصل عدم وقوع جمعة مجزئة في حق كل طائفة ( أو
____________________
(1/132)
التبست ) إحداهما بالأخرى أما إولا كأن سمع مريضا أو مسافران خارج المكان تكبيرتين متلاحقتين فأخبرا بذلك ولم يعرفا المتقدمة منهما
أو ثانيا بأن تعينت ثم نسيت ( صلوا ظهرا ) لالتباس الصحيحة بالفاسدة فإن لم تلتبس فالصحيحة السابقة وإن كان السلطان مع الثانية وخيفت الفتنة
( و ) رابعها ( أن تقع جماعة ) في الركعة الأولى لأنه لم تقع في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين إلا كذلك ويشترط تقدم إحرام من تنعقد بهم لتصح لغيرهم لأنه تبع ولا ينافيه صحتها له إذا كان إماما فيها مع تقدم إحرامه لأن تقدم إحرام الإمام ضروري فاغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره
( و ) خامسها أن تقع ( بأربعين ) ولو مرضى أو منهم الإمام ( مكلفاف حرا ذكرا ) اتباعا للسلف والخلف ( متوطنا ) بمحلهاأي لا يظعن عنه شتاء ولا صيفا إلا لحاجة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجمع بحجة الوداع مع عزمه على الإقامة أياما لعدم التوطن
وكان يوم عرفة فيها يوم جمعة كما في الصحيحين وصلى به الظهر والعصر تقديما كما في خبر مسلم ( ولو نقصوا فيها بطلت ) لاشتراط العدد في دوامها كالوقت وقد فات فيتمها الباقون ظهرا ( أو في خطبة لم يحسب ركن ) منها ( فعل حال نقصهم ) لعدم سماعهم له تعبيري بنقصهم أولى من تعبيره بانفضاضهم ( فإن عادوا قريبا ) عرفا ( جاز بناء ) على ما مضى منها ( وإلا ) بأن عادوا بعد طول الفصل ( وجب استئناف ) لها لانتفاء الموالاة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده فيجب إتباعهم فيها ( كنقصهم بينهما ) أي بين الخطبة والصلاة فإنهم إن عادوا قريبا جاز البناء وإلا وجب الاستئناف لذلك ولو أحرم أربعون قبل انفضاض الأولين تمت لهم الجمعة
وإن لم يكونوا سمعوا الخطبة وأن أحرموا عقب انفضاض الأولين
قال في الوسيط تستمر الجمعة بشرط أن يكونوا سمعوا الخطبة ذكر ذلك في الروضة كأصلها ( وتصح ) الجمعة ( خلف عبد وصبي ومسافر ومن بان محدثا ) ولو حدثا أكبر كغيرها هذا ( إن تم العدد بغيرهم ) بخلاف ما إذا لم يتم إلا بهم
( و ) سادسها ( أن يتقدمها خطبتان ) للاتباع في خبر صلوا كما رأيتموني أصلي بخلاف العيد فإن خطبتيه مؤخرتان للاتباع ولأن خطبة الجمعة شرط والشرط مقدم على مشروطه ( وأركانها ) خمسة أحدها ( حمد الله تعالى ) للاتباع رواه مسلم
( و ) ثانيها ( صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ) لأن ما يفتقر إلى ذكر الله تعالى يفتقر إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كالأذان والصلاة ( بلفظهما ) أي حمد الله تعالى والصلاة على نبينا كما جرى عليه السلف والخلف كالحمد لله
____________________
(1/133)
أو أحمد الله أو نحمد الله واللهم صل على محمد أو أصلي على محمد أو نصلي على محمد أو النبي أو أحمد أو العاقب أو نحوه مما روى
فخرج الحمد للرحمن والشكر لله ونحوهما ورحم الله محمدا أو صلى الله عليه وصلى الله على جبريل ونحوها
( و ) ثالثها ( وصية بتقوى ) للاتباع رواه مسلم
ولو بغير لفظها لأن غرضها الوعظ وهو حاصل بغير لفظها فيكفي أطيعوا الله والثلاثة أركان ( في كل ) من الخطبتين لاتباع السلف والخلف
( و ) رابعها ( قراءة آية مفهمة ) لا كثم نظر للاتباع رواه الشيخان ولو في إحداهما لأن الثابت القراءة في الخطبة في غير تعيين
( و ) لكنها ( في أولى أولى ) كما قاله في المجموع وقولي مفهمة إلى آخره من زيادتي
( و ) خامسها ( دعاء للمؤمنين ) بقيد زدته بقولي ( بأخرى ) ولو بقوله رحمكم الله ( في ) خطبة ( ثانية ) لاتباع السلف والخلف ولأن الدعاء يليق بالخواتم
والمراد بالمؤمنين الجنس الشامل للمؤمنات وبهما عبر في الوسيط تبعا للروياني وفي التنزيل وكانت من القانتين أما الدعاء للسلطان بخصوصه فلا يسن كما نقله في المجموع عن اتفاق أصحابنا
قال والمختار أنه لابأس به إذا لم يكن فيه مجازفة في وصفه ( وشرط كونهما عربيتين ) والمراد أركانهما لاتباع السلف والخلف
فإن لم يكن ثم من يحسن العربية ولم يمكن تعلمها خطب بغيرها أو أمكن تعلمها وجب على الجميع على سبيل فرض الكفاية فيكفي في تعلمها واحد فإن لم يفعل عصوا ولا جمعة لهم بل يصلون الظهر
وأجاب القاضي عن سؤال ما فائدة الخطبة بالعربية إذا لم يعرفها القوم بأن فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة ( و ) كونهما ( في الوقت ) أي وقت الظهر للاتباع رواه البخاري ( وولاء ) بينهما وبين أركانهما وبينهما وبين الصلاة ( وطهر ) عن حدث أصغر وأكبر وعن نجس غير معفو عنه في ثوبه وبدنه ومكانه ( وستر ) العورة في الخطبتين كما جرى عليه السلف والخلف ( وقيام قادر ) عليه فيهما
( وجلوس بينهما ) للاتبارع رواه مسلم ( بطمأنينة ) في جلوسه كما في الجلوس بين السجدتين وهذا من زيادتي
ومن خطب قاعدا لعذر فصل بينهما بسكتة وجوبا ( وإسماع الأربعين ) الذين تنعقد بهم الجمعة ومنهم الإمام ( أركانهما ) لأن مقصودهما وعظهم وهو لا يحصل إلا بذلك فعلم أنه يشترط سماعهم أيضا وإن لم يفهموا معناهما كالعامي يقرأ الفاتحة في الصلاة ولا يفهم معناها فلا يكفي الإسرار كالأذان ولا إسماع دون الأربعين ولا حضورهم بلا سماع لصمم أو بعد أو نحوه
( وسن ترتيبها ) أي أركان الخطبتين بأن يبدأ بالحمد ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الوصية ثم القراءة ثم الدعاء كما جرى عليه السلف والخلف وإنما لم يحب لحصول المقصود بدونه وتقييد الإسماع بالأركان مع ذكر سن الترتيب من زيادتي
( و ) سن لمن سمعهما ( انصات فيهما )
____________________
(1/134)
أي سكوت مع إصغاء لهما لقوله تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا }
ذكر في التفسير أنها نزلت في الخطبة وسميت قرآنا لاشتمالها عليه
ووجب رد السلام وسن تشميت العاطس ورفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند قراءة الخطيب إن الله وملائكته يصلون على النبي وإن اقتضى كلام الروضة إباحة الرفع وصرح القاضي أبو الطيب بكراهته وعلى من سن الإنصات فيهما عدم حرمة الكلام فيهما كما صرح به الأصل لما روى البيهقي بإسناد صحيح عن أنس أن رجلا دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال متى الساعة فأومأ الناس إليه بالسكوت فلم يقبل وأعاد الكلام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في الثالثة ما أعددت لها فقال حب الله ورسوله قال إنك مع من أحببت فلم ينكر عليه الكلام ولم يبين له وجوب السكوت
والأمر في الآية للندب جمعا بين الدليلين أما من لم يسمعها فيسكت أو يشتغل بالذكر أو القراءة
( و ) سن ( كونهما على منبر ) للاتباع رواه الشيخان
( ف ) إن لم يكن منبر فعلى ( مرتفع ) لقيامه مقام المنبر في بلوغ صوت الخطيب الناس وسن كون ذلك على يمين المحراب وتعبيري بالفاء أولى من تعبيره بأو ( وأن يسلم على من عنده ) إذا انتهى إليه للاتباع رواه البيهقي
ولمفارقته لهم ( و ) أن ( يقبل عليهم إذا صعد ) المنبر أو نحوه وانتهى إلى الدرجة التي يجلس عليها المسماة بالمستراح ( و ) أن ( يسلم ) عليهم ( ثم يجلس فيؤذن واحد ) للاتباع في الجميع رواه في الأخير البخاري وفي البقية البيهقي وغيره
وذكر الترتيب بين السلام والجلوس مع قولي واحد من زيادتي ( و ) أن ( تكون ) الخطبة ( بليغة ) أي فصيحة جزلة لا مبتذلة ركيكة فإنها لا تؤثر في القلوب ( مفهومة ) أي قريبة للفهم لا غريبة وحشية إذ لا ينتفع بها أكثر الناس ( متوسطة ) لأن الطويلة تمل
وفي خبر مسلم عن جابر بن سمرة قال كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا وخطبته قصدا أي متوسطة
والمراد أن تكون الخطبة قصيرة بالنسبة للصلاة لخبر مسلم أطيلو الصلاة واقصروا الخطبة بضم الصاد
وتعبيري بمتوسطة أولى من تعبيره بقصيرة فإنه الموافق للروضة كأصلها والمحرر ( و ) أن ( لا يلتفت ) في شيء منها بل يستمر مقبلا عليهم إلى فراغها ويسن لهم أن يقبلوا عليه مستمعين له ( و ) أن ( يشغل يسراه بنحو سيف ) للاتباع رواه أبو داود
والحكمة في ذلك الإشارة إلى أن هذا الدين قام بالسلاح ( ويمناه بحرف المنبر ) لاتباع السلف والخلف وهذا مع قولي يسراه من زيادتي فإن لم يجد شيئا من ذلك جعل اليمنى على اليسرى أو أرسلهما والغرض أن يخشع ولا يعبث بهما ( و ) أن ( يكون جلوسه بينهما ) أي بين الخطبتين ( قدر سورة الإخلاص ) تقريبا لذلك
____________________
(1/135)
وخروجا من خلاف من أوجبه ويقرأ فيه شيئا من كتاب الله للاتباع رواه ابن حبان
( و ) أت ( يقيم ) من الخطبة ( مؤذن ويبادر هو ليبلغ المحراب مع فراغه ) من الإقامة فيشرع في الصلاة
والمعنى في ذلك المبالغة في تحقيق الولاء الذي مر وجوبه ( و ) أن ( يقرأ في ) الركعة ( الأولى ) بعد الفاتحة ( الجمعة و ) في ( الثانية المنافقين جهرا ) للاتباع رواه مسلم
وروى أيضا أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة { سبح اسم ربك الأعلى } و { هل أتاك حديث الغاشية }
قال في الروضة كان يقرأ هاتين في وقت وهاتين في وقت فهما سنتان وفيها كأصلها لو ترك الجمعة في الأولى قرأها مع المنافقين في الثانية أو قرأ المنافقين في الأولى قرأ الجمعة في الثانية كي لا تخلو صلاته عنهما والتصريح بسن عدم الالتفات وما عطف عليه من زيادتي
فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها وينوي بها المغتسل أسبابها إلا الغسل من جنون أو إغماء فينوي به رفع الجنابة ( سن غسل ف ) إن عجز سن ( بدله ) بنية الغسل ( لمريدها ) أي الجمعة وإن لم تلزمه بل يكره تركه إحرازا للفضيلة ولخبر الشيخين إذا جاء أحدكم الجمعة أي أراد مجيئها فليغتسل
وخبر ابن حبان من أتى الجمعة مع الرجال والنساء فليغتسل وصرف الأمر عن الوجوب إلى الندب خبر من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل رواه أبو داود وغيره وحسنه الترمذي
وقوله فبها أي فبالسنة أخذ أي بما جوزته من الاقتصار على الوضوء ونعمت الخصلة والغسل معها أفضل ( بعد ) طلوع ( فجر ) لأنه معلق بلفظ اليوم كما سيأتي ( وقربه من ذهابه ) إليها ( أفضل ) لأنه أفضى إلى الغرض من انتفاء الرائحة الكريهة حالة الاجتماع
( ومن المسنون أغسال حج ) وعمرة تأتي في كتابهما ( وغسل عيد وكسوف ) بقسميهما ( واستسقاء ) لاجتماع الناس لها كالجمعة وللزينة في العيد فلا يختص بسن الغسل له مريده ( و ) غسل ( لغاسل ميت ) مسلما أو كافرا لخبر من غسل ميتا فليغتسل رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وصرفه عن الوجوب خبر ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه رواه الحاكم وصححه على شرط البخاري وقيس بميتنا ميت غيرنا ( و ) غسل ( لمجنون ومغمى عليه ) إذا ( أفاقا ) للاتباع في المغمى عليه رواه الشيخان
قيس به المجنون ( وكافر ) إذا ( أسلم ) لأمره صلى الله عليه وسلم قيس بن عاصم بالغسل لما أسلم وكذا ثمامة بن أثال
____________________
(1/136)
رواهما ابنا خزيمة وحبان وغيرهما
وليس الأمر للوجوب لأن جماعة أسلموا فلم يأمرهم بالغسل وهذا إذا لم يعرض له في الكفر ما يوجب الغسل من جنابة أو نحوها إلا وجب الغسل
وإن اغتسل فيه وأفاد التعبير بمن أنه قد بقيت أغسال أخر مسنونة كالغسل للبلوغ بالسن وللاعتكاف وللخروج من الحمام ( وآكدها غسل جمعة ثم ) غسل ( غاسل ميت ) للأحاديث الصحيحة الكثيرة في الأولى وليس للثاني حديث صحيح بل اعترض في المجموع على الترمذي في تحسينه للحديث السابق من أحاديثه
فعلى ابن حبان في تصحيحه له أولى وقدم غسل غاسل الميت على البقية للاختلاف في وجوبه ( و ) سن ( بكور ) إليها ( لغير إمام ) ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة ولخبر الشيخين من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة أي كغسلها ثم راح أي في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة
فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر
وروى النسائي والخامسة كالذي يهدي عصفورا وفي السادسة بيضة فمن جاء في أول ساعة منها ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل البدنة مثلا لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الآخر وبدنة المتوسط متوسطة أما الإمام فيسن له التأخر إلى وقت الخطبة اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه والبكور يكون ( من ) طلوع ( فجر ) لأنه أول اليوم شرعا وبه يتعلق جواز غسل الجمعة كما مر
وإنما في الخبر لفظ الرواح مع أنه اسم للخروج بعد الزوال كما قاله الجوهري وغيره لأنه خروج لما يؤتي به بعد الزوال على أن الأزهري منع ذلك وقال إنه مستعمل عند العرب في السير أي وقت من ليل أو نهار وقولي لغير إلى آخره من زيادتي
( و ) سن ( ذهاب ) إليها ( في طريق طويل ماشيا ) لا راكبا إليها ( بسكينة ورجوع في ) آخر ( قصير ) ماشيا أو راكبا كما في العيد في الذهاب والرجوع وذكرهما من زيادتي وللحث على المشي في خبر رواه الترمذي وحسنه ابن حبان وصححه
ولخبر الشيخين في السكينة إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسمعون وأتوها وعليكم السكينة وهو مبين للمراد من قوله تعالى { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } أي امضوا كما قرىء به ( لا لعذر ) في المذكورات من زيادتي بأن يشق البكور أو الذهاب أو الرجوع فيما ذكر أو المشي أو يضيق الوقت فالأولى ترك الثلاثة الأول والركوب والإسراع
وقال المحب الطبري يجب الإسراع إذا لم تدرك الجمعة إلا به
( و ) سن ( اشتغال في طريقه وحضوره ) قبل الخطبة ( بقراءة أو ذكر ) أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لينال ثوابها في هذا الوقت العظيم ( وتزين بأحسن ثيابه ) للحث على ذلك وغيره في خبر رواه ابن حبان والحاكم وصححه ويزيد الإمام في حسن
____________________
(1/137)
الهيئة ( والبيض ) منها ( أولى ) من زيادتي لخبر البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم رواه الترمذي وغيره وصححوه
ويلي البيض ما صبغ قبل نسجه ( و ) تزين ( بتطيب ) لذكره في خبر ابن حبان والحاكم السابق ( وبإزالة نحو طفر ) كشعر لاتباع رواه البزار في مسنده ( ونحو ريح ) كريه ( كصنان ووسخ ) لئلا يتأذى به أحد قال الشافعي من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله ونحو من زيادتي
( و ) سن ( إكثار دعاء ) يومها وليلتها
أما يومها فلرجاء أن يصادف ساعة الإجابة وهي ساعة خفيفة وأرجاها من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة كما في خبر مسلم قال في المجموع
وأما خبر يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة فيه ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر فيحتمل أن هذه الساعة منتقلة تكون يوما في وقت ويوما في آخر كما هو المختار في ليلة القدر وأما ليلتها فبالقياس على يومها
وقد قال الشافعي رضي الله عنه بلغني أن الدعاء يستجاب في ليلة الجمعة ( و ) إكثار ( صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ) يومها وليلتها لخبر أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة يوم الجمعة فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا رواه البيهقي بإسناد جيد
كما في المجموع ( و ) إكثار ( قراءة الكهف يومها وليلتها ) لخبر من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتينرواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وخبر من قرأ الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق رواه الدارمي
فقولي يومها وليلتها متعلق بالمسائل الثلاث كما تقرر وذكر إكثار القراءة من زيادتي
( وكره تخط ) رقاب الناس للحث على المنع من ذلك في خبر رواه ابن حبان والحاكم وصححاه ( إلا الإمام ) لم يجد طريقا إلا بتخط فلا يكره له لاضطراره إليه ( ومن وجد فرجة لا يصلها إلا بتخطي واحد أو اثنين أو ) أكثر ولم ( يرج سدها ) فلا يكره له وإن وجد غيرها لتقصير القوم بإخلائها
لكن يسن له إن وجد غيرها أن لا يتخطى فإن رجا سدها كأن رجا أن يتقدم أحد إليها إذا أقيمت الصلاة كره لكثرة الأذى وذكر الكراهة مع قولي إلا الإمام إلى آخره من زيادتي
( وحرم على من تلزمه ) الجمعة ( اشتغال بنحو بيع ) من عقود وصنائع وغيرها مما فيه تشاغل عن السعي إلى الجمعة ( بعد شروع في أذان خطبة ) قال تعالى { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } أي اتركوه والأمر للوجوب فيحرم الفعل وقيس بالبيع غيره مما ذكر وتقييد الأذان بما ذكر لأنه الذي كان في عهده صلى الله عليه وسلم فانصرف
____________________
(1/138)
النداء في الآية إليه وحرمة ما ذكر في حق من جلس له في غير المسجد أما إذا سمع النداء فقام قاصدا الجمعة فباع في طريقه أو قعد في الجامع وباع فلا يحرم كما صرح به في التتمة ونقله في الروضة
قال وهو ظاهر لكن البيع في المسجد مكروه لو تبايع اثنان أحدهما تلزمه الجمعة دون الآخر أثم الآخر أيضا لإعانته على الحرام وقيل كره له وخرج بمن تلزمه من لا تلزمه فلو تبايع اثنان ممن لم تلزمه لم يحرم ولم يكره
( فإن عقد ) من حرم عليه العقد ( صح ) العقد لأنه المنع منه لمعنى خارج وقولي عقدا عم من قوله باع ( وكره ) ذلك ( قبل الآذان ) المذكور والجلوس للخطبة ( بعد زوال ) لدخول وقت الوجوب
نعم ينبغي كما قال الأسنوي أن لا يكره في بلد يؤخرون فيها تأخيرا كثيرا كمكة لما فيه من الضرر
أما قبل الزوال فلا يكره وهذا مع نفي التحريم بعده وقبل الأذان والجلوس محمول كما قال ابن الرفعة على من لم يلزمه السعي حينئذ وإلا فيحرم ذلك
فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به مع جواز الاستخلاف وعدمه ( من أدرك ) مع إمامها ( ركعة ولو ملفقة لم تفته فيصلى بعد زوال قدوته ) بمفارقته أو سلام إمامه ( ركعة ) جهرا لإتمامها
قال صلى الله عليه وسلم من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة وقال من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى رواهما الحاكم
وقال في كل منهما إسناده صحيح على شرط الشيخين وقوله فليصل بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام ( أو ) أدرك ( دونها ) أي الركعة ( فاتته ) أي الجمعة لمفهوم الخبر الأول ( فيتم ) بعد سلام إمامه صلاته ( ظهرا ) لفوات الجمعة
وتعبيري بركعة وبزوال القدوة أولى من تعبيره بركوع الثانية وببعد السلام ( وينوي ) وجوبا ( في اقتدائه جمعة ) لا ظهرا موافقة للإمام ولأن اليأس منها لم يحصل إلا بالسلام إذ قد يتدارك إمامه ترك ركن فيأتي بركعة فيدرك الجمعة وهذا يحمل على من لا عذر له فلا يشكل بما مر فيمن له عذر وأمكن زواله من أن اليأس يحصل برفع الإمام رأسه من ركوع الثانية ويفرق بأن لمن مر ثم أن يصلي الظهر قبل فوت الجمعة فلا تفوت عليه بمجرد احتمال إدراكها فضيلة تعجيل الظهر بخلاف من هنا فإن الجمعة لازمة له فلا يبتدىء غيرها مع قيام احتمال إدراكها ( وإذا بطلت صلاة إمام ) جمعة كانت أو غيرها
( فخلفه ) أي عن قرب ( مقتد به قبل بطلانها جاز ) سواء استخلف نفسه أن استخلفه الإمام أو القوم أو بعضهم لأن الصلاة بإمامين بالتعاقب جائزة كما في قصة أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه سواء استأنفوا نية قدوة به أم لا
____________________
(1/139)
لأنه منزل منزلة الأول في دوام الجماعة والاستخلاف في الركعة الأولى من الجمعة واجب
وفي غيرها مندوب وخرج بقولي عن قرب المشعر به الفاء ما لو انفردوا بركن فأن ذلك يمتنع في غير الجمعة بغير تجديد نية اقتداء وفيها مطلقا وهذا لا يستفاد من الأصل ( وكذا ) لو خلفه ( غيره ) أي غير مقتد به قبل بطلانها جاز ( في غير جمعة ) بقيد زدته بقولي ( إن لم يخالف إمامه ) في نظم صلاته بأن استخلف في الأولى أو في ثالثة الرباعية فإن استخلف في الثانية أو الأخيرة لم يحز بلا تجديد نية
أما في الجمعة فلا يجوز ذلك فيها لأن فيه إنشاء جمعة بعد أخرى أو فعل الظهر قبل فوت الجمعة وذلك لا يجوز ولا يرد المسبوق لأنه تابع لا منشىء ودخل في المقتدى من لم يحضرا الخطبة ولا الركعة الأولى فيجوز استخلافه لأنه بالاقتداء صار في حكم حاضرهما
( ثم إن ) كان الخليفة في الجمعة ( أدرك ) الركعة ( الأولى ) وإن بطلت صلاة الإمام فيها ( تمت جمعتهم ) أي الخليفة والمقتدين
( وإلا ) أي وإن لم يدرك الأولى وإن استخلف فيها ( فتتم ) الجمعة ( لهم لا له ) لأنهم أدركوا ركعة كاملة مع الإمام وهو لم يدركها معه فيتمها ظهرا
كذا ذكره الشيخان وقضيته أنه يتمها ظهرا وإن أدرك معه ركوع الثانية وسجودها لكن قال البغوي يتمها جمعة لأنه صلى مع الإمام ركعة ( ويراعي المسبوق ) لخليفة ( نظم ) صلاة ( الإمام ) فيقنت لهم في الصبح ويتشهد جالسا
( فإذا تشهد أشار ) إليهم بما يفهمهم فراغ صلاتهم ( وانتظارهم ) له ليسلموا معه ( أفضل ) من مفارقتهم له وإن جازت بلا كراهة
وذكر الأفضلية من زيادتي
وصرح بها في المجموع واستخلاف المسبوق جائز وإن لم يعرف نظم صلاة الإمام كما صححه في التحقيق ونقله ابن المنذر كما في المجموع عن نص الشافعي قال في المهمات وهو الصحيح وعليه فيراقب القوم بعد الركعة فإن هموا بالقيام قام وإلا قعد
لكن الذي في الروضة فيما إذا لم يعرف نظمها أن أرجح القولين دليلا عدم الجواز وفي المجموع أنه أقيسهما مع نقله فيهما الجواز عن أبي علي السنجي ( ومن تخلف لعذر ) في جمعة أو غيرها كزحمة ونسيان ( عن سجود ) على أرض أو نحوها مع الإمام في ركعة أولى ( فأمكنه ) السجود بتنكيس وطمأنينة ( على شيء ) من إنسان أو غيره ( لزمه ) أي السجود لتمكنه منه وقدوري البيهقي بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه قال إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه
وتعبيري بعذر وبشيء أعم من تعبير الأصل بالزحمة والنسيان وعلى إنسان ( وإلا ) أي وإن لم يمكنه السجود المذكور على شيء مع الإمام ( فلينتظر ) تمكنه منه ندبا ولو في جمعة ووجوبا في أولاها على ما بحثه الإمام وأقره عليه الشيخان وهو قوي معنى ولا يومىء به لقدرته عليه ويسن للإمام إطالة القراءة ليدركه
____________________
(1/140)
المعذور
( فإن تمكن ) منه ( قبل ركوع إمامه ) في الثانية ( سجد فإن وجده ) بعد سجوده ( قائما أو راكعا فكمسبوق ) فليقرأ في الأولى قراءة مسبوق إلا أن يدرك قراءة الفاتحة فيتمها ويركع في الثانية لأنه لم يدرك محل القراءة ( وإلا ) بأن وجده فرغ من ركوعه ( وافقه ) فيما هو فيه ( ثم صلى ركعة بعده ) لفوتها كمسبوق ( فإن وجده ) قد ( سلم فاتته الجمعة ) فيتمها ظهرا ( أو تمكن فيه ) أي في ركوع إمامه في الثانية ( فليركع معه ويحسب ) له ( ركوعه الأول ) لأنه أتى به وقت الاعتداد بالركوع
والثاني أتى به للمتابعة ( فركعته ملفقة ) من ركوع الأولى وسجود الثانية ( فإن ) لم يركع معه بل ( سجد على ترتيب ) صلاة ( نفسه عامدا عالما ) بأن واجبه الركوع ( بطلت صلاته ) فليزمه التحرم بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع كذا في الروضة كأصلها والموافق لما مر ما لم يسلم الإمام ( وإلا ) بأن سجد على ترتيب نفسه ناسيا لذلك أو جاهلا به ( فلا ) تبطل لعذره ( و ) لكن ( لا يحسب سجوده ) المذكور لمخالفته به الإمام ( فإن سجد ثانيا ) ولو منفردا ( حسب ) هذا السجود وكملت به الركعة
( فإن كمل ) هذا السجود ( قبل سلام الإمام أدرك الجمعة ) وإلا فلا وفيه بحث للرافعي ذكرته مع جوابه في شرح البهجة وغيره
باب في صلاة الخوف وما يذكر معها والأصل فيها مع ما يأتي آية وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ( صلاة الخوف ) أي كيفيتها من حيث أنه يحتمل في الصلاة فيه ما لا يحتمل فيها في غيره ( أنواع ) أربعة ذكر الشافعي رابعها وجاء به القرآن واختار بقيتها من ستة عشر نوعا مذكورة في الأخبار وبعضها في القرآن الأول ( صلاة عسفان ) بضم العين قرية على مرحلتين من مكة بقرب خليص سميت بذلك لعسف السيول فيها ( وهي والعدو في ) جهة ( القبلة والمسلمون كثير ) بحيث يقاوم كل صف العدو ( ولا ساتر ) بينهما ( أن يصلي الإمام بهم ) جميعا إلى اعتدال الركعة الأولى بعد صفهم صفين مثلا ( فيسجد بصف أول ) سجدتيه ( ويحرس ) حينئذ صف ( ثان ) في الاعتدال ( فإذا قاموا ) أي الإمام والساجدون ( سجد من حرس ولحقه وسجد معه بعد تقدمه وتأخر الأول ) بلا كثرة أفعال ( في ) الركعة ( الثانية وحرس الآخرين فإذا جلس ) للتشهد ( سجدوا )
____________________
(1/141)
أي الآخرون
( وتشهد وسلم بالجميع ) وهذا النوع رواه مسلم ( وجاز عكسه ولو بلا تقدم تأخر ) وتفسيري صلاة عسفان بما ذكر هو الموافق لخبرها لا ما ذكره الأصل وإن أفاد ما ذكره منطوقا جواز سجود الأول معه في الأولى والثاني في الثانية بلا تقدم وتأخر المفهوم ذلك مما ذكرته بالأولى ( ولو حرس فيهما ) أي في الركعتين ( فرقة صف أو فرقتاه ) ودام الباقون على المتابعة ( جاز ) وقولي والمسلمون كثير ولا ساتر من زيادتي
( و ) النوع الثاني صلاة ( بطن نخل ) رواها الشيخان ( وهي والعدو في غيرها ) أي في غير جهة القبلة ( أو ) فيها و ( ثم ساتر أن يصلي ) الإمام الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية بعد جعله القوم فرقتين ( مرتين كل مرة بفرقة ) والأخرى تحرس فتقع الثانية له نافلة وهي وإن جازت في غير الخوف سنت فيه عند كثرة المسلمين وقلة عدوهم وخوف هجومهم عليهم في الصلاة وقولي أو ثم ساتر من زيادتي هنا وفيما بعده
( و ) النوع الثالث صلاة ( ذات الرقاع ) رواها الشيخان أيضا ( وهي والعدو كذلك ) أي في غير جهة القبلة أو فيها وثم ساتر ( أن تقف فرقة في وجهه ) تحرس ( ويصلي الثنائية بفرقة ركعة ثم عند قيامه ) للثانية منتصبا أو عقب رفعه من السجود ( تفارق بالنية ) حتما ندبا في الأول وجواز في الثاني وهو من زيادتي
( وتتم ) بقية صلاتها ( وتقف في وجهه ) أي العدو ( وتجيء تلك ) والإمام منتظر لها ( فيصلي بها ثانيته ثم تتم ) هي ثانيتها وهو منتظر لها في تشهده ( وتلحقه ويسلم ) هو ( بها ) لتحوز فضيلة التحلل معه كما حازت الأولى فضيلة التحرم معه ( ويقرأ ) في انتظاره قائما ( ويتشهد في انتظاره ) جالسا وشمل ذلك الجمعة وشرط صحتها أن يكون في كل ركعة أربعون سمعوا الخطبة لكن لا يضر النقص في الركعة الثانية وصلاتها عسفان أولى بالجواز
( و ) يصلي ( الثلاثية بفرقة ركعتين وبالثانية ركعة وهو أفضل من عكسه ) لسلامته من التطويل في عكسه بزيادة تشهد في أولى الثانية ( وينتظر ) فراغ الفرقة الأولى ومجيء الثاني ( في ) جلوس ( تشهده أو قيام الثالثة وهو ) أي انتظار في القيام ( أفضل ) من انتظاره في الجلوس لأن القيام محل التطويل ( و ) يصلي ( الرباعية بكل ) من فرقتين ( ركعتين ) ويتشهد بكل منهما وينتظر الثانية في جلوس التشهد أو قيام الثالثة وهو أفضل كما مر
( ويجوز ) أن يصلي ولو بلا حاجة ( بكل ) من أربع فرق ( ركعة ) وتفارق كل فرقة من الثلاث الأول وتتم لنفسها وهو منتظر فراغها ومجيء الأخرى وينتظر الرابعة في تشهده ليسلم بها
ويقاس بذلك الثلاثية ويمكن
____________________
(1/142)
شمول المتن لها ( وهذه ) أي صلاة ذات الرقاع بكيفياتها ( أفضل من الأوليين ) أي صلاتي عسفان وبطن نخل للإجماع على صحتها في الجملة دونهما وتسن عند كثرتنا
فالكثرة شرط لسنيتها لا لصحتها خلافا لمقتضى كلام العراقي في تحريره وفارقت صلاة عسفان وبجوازها في الأمن لغير الفرقة الثانية ولها إن نوت المفارقة بخلاف تلك وذكر أفضليتها عليها من زيادتي
وذات الرقاع وبطن نخل موضعان من نجد وسميت ذات الرقاع لتقطع جلود أقدامهم فيها فكانوا يلفون عليها الخرق وقيل لأنهم رقعوا فيها راياتهم وقيل غير ذلك
( وسهو كل فرقة ) من فرقتين في الثنائية في ذات الرقاع ( محمول ) لاقتدائها بالإمام حسا أو حكما ( لا ) سهو الفرقة ( الأولى في ثانيتها ) لمفارقتها له أولها ( وسهوه ) أي الإمام ( في ) الركعة ( الأولى يلحق الكل ) فيسجدون
وإن لم يسجد الإمام ( و ) سهوه ( في الثانية لا يلحق الأولى ) لمفارقتها له قبله ويلحق الآخرين فيسجدون معه
ويقاس بذلك السهو في الثلاثية والرباعية مع أن ذلك كله علم من باب سجود السهو
( وسن ) للمصلي صلاة الخوف ( في هذه الأنواع ) الثلاثة ( حمل سلاح ) بقيود زدتها بقولي ( لا يمنع صحة ) للصلاة ( ولا يؤذي ) غيره ( ولا يظهر بتركه ) أي ترك حمله ( خطر ) احتياطا
والمراد به ما يقتل كرمح وسيف وسكين وقوس ونشاب لا ما يدفع كترس ودرع وخرج بما زدته ما يمنع من نجس وغيره فيمتنع حمله وما يؤذي كرمح وسط الصف فيكره حمله
بل قال الأسنوي وغيره إن غلب على ظنه ذلك حرم وما يظهر بتركه خطر فيجب حمله وكحمله وضعه بين إن سهل مديده إليه كسهولة مدها إليه كسهولة مدها إليه محمولا بل يتعين إن منع حمله الصحة
( و ) النوع الرابع صلاة ( شدة خوف وهي أن يصلي كل ) منهم ( فيها ) أي في شدة الخوف سواء التحم قتال ولم يتمكنوا من تركه أم لم يلتحم بأن لم يأمنوا هجوم العدو لو لوا عنه أو انقسموا ( كيف أمكن ) راكبا وماشيا ولو موميا بركوع وسجود عجز عنهما ولا يؤخر الصلاة عن وقتها
قال تعالى { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } وعذر في ترك توجه ( قبلة ) بقيد زدته بقولي ( لعدو ) أي لأجله لا لجماح دابة طال زمنه
قال ابن عمر في تفسير الآية مستقبلي القبلة وغير مستقبلها
قال الشافعي رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولبعضهم الاقتداء ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلين حول الكعبة والجماعة في ذلك أفضل من الانفراد كحالة الأمن ( و ) عذر في ( عمل كثير ) كطعنات وضربات متوالية ( لحاجة ) إليه قياسا على ما في الآية ( لا ) في ( صياح ) لعدم الحاجة إليه ( وله إمساك سلاح تنجس ) بما لا يعفى عنه ( لحاجة ) إليه
____________________
(1/143)
( وقضى ) لندرة عذره وهذا ما في الشرحين والروضة والمجموع عن الأصحاب
وقال في المهمات وهو ما نص عليه الشافعي فالفتوى عليه ورجح الأصل عدم القضاء فإن لم يحتج إليه ألقاه أو جعله في قرابه تحت ركابه إلى أن يفرغ لئلا تبطل صلاته ويغتفر حمله في الثانية
هذه اللحظة لأن في إلقائه تعريضا لاضاعة المال
وتعبيري بتجنس ولحاجة أولى من تعبيره بدمى وعجز ( وله ) حاضرا كان أو مسافرا ( تلك ) أي صلاة شدة الخوف ( في كل مباح قتال وهرب ) كقتال عادل لباغ وذي مال لقاصد أخذه ظلما وهرب من حريق وسيل وسبع لا معدل عنه وتحريم له عند إعساره وخوف حبسه بأن لم يقصده غريمه وهو الدائن في إعساره وهو عاجز عن بينة الإعسار ( لا ) في ( خوف فوت حج ) فليس لمحرم خاف فوته بفوت وقوفه بعرفة إن صلى العشاء ماكثا أن يصليها سائرا لأنه لم يخف فوت حاصل كفوت نفس وهل له أن يصليها ماكثا ويفوت الحج لعظمه حرمة الصلاة أو يؤخرها ويحصل الوقوف لصعوبة قضاء الحج وسهولة قضاء الصلاة وجهان رجح الرافعي منهما الأول والنووي الثاني بل صوبه وعليه فتأخيرها واجب كما في الكفاية
( ولو صلوها ) أي صلاة شدة الخوف ( لما ) أي لشيء كسواد ( ظنوه عدوا ) لهم ( أو أكثر ) من ضعفهم ( فبان خلافه ) أي خلاف ظنهم كإبل أو شجر أو ضعفهم ( قضوا ) إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه وقولي لما أعم من قوله لسواد وقولي أو أكثر من زيادتي
فصل في اللباس ( حرم على رجل وخنثى استعمال حرير ) ولو قزا بفرش وغيره لنهى الرجل عنه في الصحيحين وللاحتياط في الخنثى وذكره من زيادتي
( و ) استعمال ( ما أكثره منه زنة ) تغليبا للأكثر بخلاف ما أكثره من غيره
والمستوى منهما لأن كلا منهما لا يسمى ثوب حرير والأصل الحل وتغليبا للأكثر في الأول ( لا لضرورة كحر وبرد مضرين وفجأة حرب ) بضم الفاء وفتح الجيم والمد وبفتح الفاء وسكون الجيم أي بغتتها ( ولم يجدا غيره )
وتعبيري بمضرين أولى من تعبيره بمهلكين ( أو حاجة كجرب ) إن آذاهما لبس غيره ( وقمل )
روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في لبس الحرير لحكة كانت بهما وأنه رخص لهما لما شكوا إليه القمل في قمص الحرير وسواء فيما ذكر السفر والحضر ( وكقتال ولم
____________________
(1/144)
يجدا ما يغني عنه ) أي عن الحرير في دفع السلاح قياسا على دفع القمل ( ولولى إلباسه ) أي ما ذكر من الحرير وما أكثره منه ( صبيا ) إذ ليس له شهامة في خنوثة الحرير بخلاف الرجل
ولأنه غير مكاتب وألحق به الغزالي في الإحياء المجنون ( وحل ما طرز ) أو رقع بحرير بقيد زدته بقولي ( قدر أربع أصابع ) لوروده في خبر مسلم
( أو طرف به ) أي بحرير بأن جعل طرف ثوبه مسجفا به ( قدر عادة ) لوروده في خبر مسلم وفرق بينه وبين اعتبار أربع أصابع فيما مر بأن التطريف محل حاجة وقد تمس الحاجة للزيادة على الأربع بخلاف ما مر فإنه مجرد زينة فيتقيد بالأربع أما المرأة فيحل لها ما ذكر مطلقا حتى الفراش لخبر أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها
قال الترمذي حسن صحيح ( و ) حل ( استصباح بدهن نجس ) كالمتنجس لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فاستصبحوا به أو فانتفعوا به
رواه الطحاوي وقال رجاله ثقات واستثنيت المساجد لشرفها إن لوث وكذا المؤجر والمعار كما رجحه الأذرعي في توسطه ( لا دهن نحو كلب ) كخنزير فلا يحل الاستصباح به لغلظ نجاسته وهذا من زيادتي
وصرح به الفوراني والعمراني وغيرهما
( و ) حل ( لبس ) شيء ( متنجس ) ولا رطوبة لأن نجاسته عارضة سهلة الإزالة وحذفت من الأصل قوله في غير الصلاة ونحوها لأن تحريم ذلك فيهما كما قال الأسنوي إنما هو لكونه مشتغلا بعبادة فاسدة لا لكونه مستعملا نجاسة كما لو صلى محدثا فإنه يأثم بفعله الفاسد لا بتركه الوضوء
وتعبيري بمتنجس أولى من تعبيره بالثوب النجس ( لا ) لبس ( نجس ) كجلد ميتة لما عليه من التعبد باجتناب النجس لإقامة العبادة ( إلا لضرورة ) كحر ونحوه مما مر
باب في صلاة العيدين وما يتعلق بها والأصل فيها الأخبار الآتية ( صلاة العيدين ) عيد الفطر وعيد الأضحى
والعيد مشتق من العود لتكرره كل عام ( سنة ) مؤكدة للاتباع ولأنها ذات ركوع وسجود لا أذان لها كصلاة الاستسقاء
وحملوا نقل المزني عن الشافعي أن من وجب عليه حضور العيدين على التأكيد ( ولو لمنفرد ومسافر ) وعبد وامرأة ( لا لحاج بمنى جماعة ) فلا تسن لاشتغاله بأعمال التحلل والتوجه إلى مكة لطواف الإفاضة عن إقامة الجماعة والخطبة
أما فرادي فيسن له لقصر منهما كما أشار إليه الرافعي في الأغسال المسنونة في الحج وصرح به
____________________
(1/145)
القاضي وهذا من زيادتي ووقتها ( بين طلوع الشمس وزوال ) يوم العيد وسيأتي أنهم لو شهدوا يوم الثلاثين وعدلوا بعد الغروب صليت من الغد أداء ( وسن تأخيرها لترتفع ) الشمس ( كرمح ) للاتباع وللخروج من الخلاف فلو فعلها قبل الارتفاع كره كما قاله ابن الصباغ وغيره
( وهي ركعتان والأكمل أن يكبر رافعا يديه في أولى بعد ) دعاء ( افتتاح سبعا و ) في ( ثانية قبل تعوذ خمسا ) للاتباع رواه الترمذي وحسنه ويضع يمناه على يسراه بين كل تكبيرتين ولا بأس بإرسالهما ولو نقص إمامه التكبيرات تابعه وتسن التكبيرات في المقضية أيضا كما اقتضاه كلام المجموع وغيره لأن القضاء يحكى الأداء
وإن قال العجلي إنها لا تسن فيها لأنها شعار للوقت وقد فات ( و ) أن ( يهلل ) بأن يقول لا إله إلا الله ( ويكبر ) بأن يقول الله أكبر ( ويمجد ) بأن يعظم الله بتسبيح وتحميد ( بين كل اثنتين ) روى ذلك البيهقي عن ابن مسعود قولا وفعلا بإسناد جيد ولأنه لائق بالحال ( ويحسن ) فيه ( سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ) وهي الباقيات الصالحات في قول ابن عباس وجماعة ( ولو ترك التكبير فقرأ ) ولو بعض الفاتحة ( لم يعد إليه ) لتلبسه بفرض وتعبيري بترك أعم من تعبيره بنسي
( و ) أن ( يقرأ بعد الفاتحة في الأولى ق و ) في ( الثانية اقتربت أو ) سبح اسم ربك ( الأعلى ) في الأولى ( والغاشية ) في الثانية ( جهرا ) للاتباع رواه مسلم
وذكر الأعلى والغاشية من زيادتي
( وسن خطبتان بعدهما ) بقيد زدته بقولي ( لجماعة ) لا لمنفرد
روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة وكونهما اثنتين مقيس على خطبة الجمعة ولو قدمت على الصلاة لم يعتد بها كالراتبة بعد الفريضة إذا قدمت ( كخطبتي جمعة في أركان وسنن ) لا في شروط خلافا للجرجاني وحرمة قراءة الجنب آية في إحداهما ليس لكونها ركنا فيها بل لكون الآية قرآنا
لكن لا يخفى أنه يعتبر في أداء السنة الإسماع والسماع
وكون الخطبة عربية وقولي وسنن من زيادتي
( و ) سن ( أن يعلمهم في ) عيد ( فطر الفطرة و ) في عيد ( أضحى الأضحية ) أي أحكامها للاتباع في بعضها رواه الشيخان ولأن ذلك لائق بالحال
( و ) أن ( يفتتح ) الخطبة ( الأولى بتسع تكبيرات والثانية تسع ولاء ) إفاردا في الجميع لقول عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود إن ذلك من السنة رواه الشافعي
قال في المجموع وإسناده ضعيف ومع ضعفه لا دلالة فيه على الصحيح لأن عبيد الله تابعي وقول التابعي من السنة كذا موقوف على الصحيح فهو كقول صحابي لم يثبت انتشاره فلا يحتج
____________________
(1/146)
به على الصحيح وهذه التكبيرات ليست من الخطبة بل مقدمة كما نص عليه الشافعي وافتتاح الشيء قد يكون بمقدمته التي ليست منه نبه على ذلك في الروضة والتصريح بسن التعليم والافتتاح بما ذكر من زيادتي
( و ) سن ( غسل ) للعيدين كما مر مع دليله في الجمعة وذكرته هنا توطئة لقولي ( ووقته من نصف ليل ) لا من فجر لأن أهل القرى الذين يسمعون النداء يبكرون لصلاة العيد من قراهم فلو امتنع الغسل قبل الفجر لشق عليهم
( و ) سن ( تزين ) بأن يتزين بأحسن ثيابه ويتطيب وإزالة نحو ظفر وريح كريه وسواء فيه وفي الغسل الخارج للصلاة وغيره هذا للرجال
أما النساء فيكره لذوات الهيئة الحضور ويسن لغيرهن ويتنظفن بالماء ولا يتطيبن ويخرجن في ثياب بذلتهن وكالنساء فيما ذكر الخناثى
( و ) سن ( بكور ) بعد الصبح لغير إمام ليأخذ مجلسه وينتظر الصلاة ( وأن يحضر إمام وقت صلاته ) للاتباع رواه الشيخان ( ويعجل ) الحضور ( في أضحى ) ويؤخره في فطر قليلا
كتب صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم حين ولاه البحرين أن عجل الأضحى وأخر الفطر رواه البيهقي
وقال هو مرسل وحكمته اتساع وقت التضحية ووقت صدقة الفطر قبل الصلاة والتصريح بسن البكور وما بعده من زيادتي ( وفعلها بمسجد أفضل ) لشرفه ( لا لعذر ) كضيقه فيكره فيه للتشويش بالزحام وإذا وجد مطر أو نحوه وضاق المسجد صلى الإمام فيه واستخلف من يصلي بباقي الناس بموضع آخر
( وإذا خرج ) لغير المسجد ( استخلف ) ندبا من يصلي ويخطب ( فيه ) بمن يتأخر من ضعفة وغيرهم كشيوخ ومرضى وبعض الأقوياء كما استخلف علي رضي الله عنه أبا مسعود الأنصاري في ذلك رواه الشافعي بإسناد صحيح
فإن استخلف من يصلي بهم وسكت عن الخطبة لم يخطب بهم كما صرح به الجيلي لكونه افتياتا على الإمام وبما تقرر علم أن تعبيري بما ذكر أولى من قوله ويستخلف من يصلي بالضعفة ( و ) أن ( يذهب ) للصلاة ( ويرجع ) منها ( كجمعة ) بأن يذهب في طريق طويل ماشيا بسكينة ويرجع في آخر قصير لما مر ثم في غير الذهاب والرجوع فيما ذكر
وللاتباع فيهما رواه البخاري وغيره وسببهما أنه كان يذهب في أطول الطريقين تكثيرا للأجر ويرجع في أقصرهما
وقيل إنه كان يتصدق على فقرائهما وقيل لتشهد له الطريقان
( و ) أن ( يأكل قبلها في ) عيد ( فطر ويمسك ) عن الأكل ( في ) عيد ( أضحى ) حتى يصلي رواه ابن حبان وغيره وصححوه وحكمته امتياز يوم العيد عما قبله بالمبادرة بالأكل أو تأخيره والتصريح بسن الذهاب ومابعده من زيادتي
( ولا يكره نفل قبلها ) بعد ارتفاع الشمس ( لغير إمام ) بعدها فإن لم يسمع الخطبة فكذلك وإلا كره لأنه بذلك معرض عن الخطبة بالكلية
وأما الإمام فيكره له النفل قبلها وبعدها لاشتغاله بغير الأهم ولمخالفته فعل النبي صلى الله عليه وسلم ( وسن أن يكبر غير حاج برفع صوت ) في
____________________
(1/147)
المنازل والأسواق وغيرهما ( من أولى ليلتي عيد ) أي عيد الفطر وعيد الأضحى ودليله في الأول قوله تعالى { ولتكملوا العدة } أي عدة صوم رمضان ولتكبروا الله أي عند إكمالها
وفي الثاني القياس على الأول وفي رفع الصوت إظهار شعار العيد واستثنى الرافعي منه المرأة
وظاهر أن محله إذا حضرت مع غير محارمها ونحوهم ومثلها الخنثى ( إلى تحرم إمام ) بصلاة العيد إذ الكلام مباح إليه فالتكبير أولى ما يشتغل به لأنه ذكر الله تعالى وشعار اليوم فإن صلى منفردا فالعبرة بإحرامه ( و ) أن يكبر أيضا ( عقب كل صلاة ) ولوفائتة نافلة وصلاة جنازة ( من صبح ) يوم ( عرفة إلى عقب عصر آخر ) أيام ( التشريق ) للاتباع رواه الحاكم وصحح إسناده
( و ) أن يكبر ( حاج كذلك ) أي عقب كل صلاة ( من ظهر ) يوم ( نحر ) لأنها أول صلاته بعد انتهاء وقت التلبية ( إلى عقب صبح آخره ) أي التشريق أي أيامه لأنها آخر صلاته بمنى ( وقبل ذلك ) لا يكبر بل ( يلبي ) لأن التلبية شعاره
وخرج بما ذكر الصلوات في عيد الفطر فلا يسن التكبير عقبها لعدم وروده والتكبير عقب الصلوات يسمى مقيدا وما قبله مر سلا ومطلقا ( وصيغته المحبوبة معروفة ) وهي كما في الأصل الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
واستحسن في الأم أن يزد بعد التكبيرة الثالثة الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر
( وتقبل شهادة هلال شوال يوم الثلاثين ) بأن شهدوا برؤية هلال الليلة الماضية فنفطر ( ثم إن كانت ) شهادتهم ( قبل زوال ) بزمن يسع الاجتماع والصلاة أو ركعة منها ( صلى العيد حينئذ أداء وإلا ) بأن كانت بعد الزوال أو قبله بدون الزمن المذكور
( ف ) تصلى ( قضاء ) متى أريد قضاؤها
أما شهادتهم بعد اليوم بأن شهدوا بعد الغروب فلا تقبل في صلاة العيد فتصلى من الغد أداء إذ لا فائدة في قبولها إلا ترك الصلاة فلا يصغي إليها وتقبل في غيرها كوقوع الطلاق والعتق المعلقين برؤية الهلال ( والعبرة ) فيما لو شهدوا قبل الزوال وعدلوا بعده قبل الغروب أو شهدوا قبل الغروب وعدلو بعده ( بوقت تعديل ) لا شهادة لأنه وقت جواز الحكم بها فتصلى العيد في الأول قضاء وفي الثانية من الغد أداء وهذا من زيادتي
____________________
(1/148)
باب في صلاة كسوف الشمس والقمر والأصل فيها الأخبار الآتية ( صلاة الكسوفين ) المعبر عنهما في قول بالخسوفين وفي آخر بالكسوف للشمس ولخسوف القمر وهو أشهر ( سنة ) مؤكدة لأخبار صحيحة ولأنها ذات ركوع وسجود لا أذان لها كصلاة الاستسقاء
وحملوا قول الشافعي في الأم لا يجوز تركها على كراهته لتأكدها ليوافق كلامه في مواضع أخر والمكروه قد يوصف بعدم الجواز من جهة إطلاق الجائز على مستوى الطرفين ( وأقلها ركعتان ) كسنة الظهر كما في المجموع للاتباع رواه أبو داود وغيره وهذا من زيادتي
( وأدنى كمالها زيادة قيام وقراءة وركوع كل ركعة ) للاتباع رواه الشيخان وتعبير كثير بأن هذا أقلها محمول على ما إذا شرع فيها بنية هذه الزيادة إو على أنها أقل الكمال وما في رواية لمسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين في كل ركعة ثلاثة ركوعات وفي أخرى له أربع ركوعات
وفي رواية لأبي داود وخمس ركوعات أجاب أئمتنا عنها بأن رواية الركوعين أشهر وأصح وبحملها على الجواز ( ولا ينقص ) مصليها منهما ( ركوعا لانجلاء ولا يزيده ) فيها ( لعدمه ) عملا بما نواه ولا يكرر
نعم إن صلاها وحده ثم أدركها مع الإمام صلاها كما في المكتوبة ( وأعلاه ) أي الكمال ( أن يقرأ بعد الفاتحة في قيام أول البقرة ) أو قدرها إن لم يحسنها
( و ) في قيام ( ثان كمائتي آية منها و ) في ( ثالث كمائة وخمسين ) منها ( و ) في ( رابع كمائة ) منها وفي نص آخر في الثاني آل عمران أو قدرها وفي الثالث النساء أو قدرها وفي الرابع المائدة أو قدرها وهما متقاربان
والأكثر على الأول قال في الروضة كأصلها وليسا على الاختلاف المحقق بل الأمر فيه على التقريب ( و ) أن ( يسبح في ركوع وسجود أول ) منهما ( كمائة من البقرة و ) في ( ثان كثمانين و ) في ( ثالث كسبعين و ) في ( رابع كخمسين ) لثبوت التطويل من الشارع في ذلك بلا تقدير مع قول ابن عباس الراوي في القيام الأول فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة وفي بقية القيامات فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول وفي الركوع الأول ثم ركع ركوعا طويلا وفي بقية الركوعات ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ولا يطيل في غير ذلك من جلوس واعتدال
واختار النووي أنه يطيل في الجلوس بين السجدتين أيضا لصحة الحديث فيه ومحل ما ذكر إذا لم يكن عذر وإلا سن التخفيف كما بؤخذ ذلك من قول الشافعي في الأم إذا بدأ
____________________
(1/149)
بالكسوف قبل الجمعة خففها فقرأ في كل ركوع بالفاتحة وقل هو الله أحد وما أشبهها
( وسن جهر بقراءة ) صلاة ( كسوف قمر ) لا شمس لأن الأولى ليلية أو ملحقة بها بخلاف الثانية
وما روي من أنه صلى الله عليه وسلم جهر وأنه أسر على ذلك ( و ) سن ( فعلها ) أي صلاة الكسوفين ( بمسجد بلا عذر ) كنظيره في العيدين وهاذ من زيادتي
( و ) سن ( خطبتان ك ) خطبتي ( عيد ) فيما مر
( لكن لا يكبر ) فيهما لعدم وروده وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به ( وحث ) فيهما لسامعهما ( على ) فعل ( خير ) من توبة وصدقة وعتق ونحوها
ففي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالعتاقة في كسوف الشمس ولا تخطب إمامة النساء ولو قامت واحدة وعظتهن فلا بأس ( وتدرك ركعة ب ) إدراك ( ركوع أول ) من الركعة الأولى أو الثانية كما في سائر الصلوات فلا تدرك بإدراك ثان ولا قيامه لأنهما كالتابعين للأول وقيامه ( وتفوت صلاة ) كسوف ( الشمس بغروبها ) كاسفة لعدم الوعظ وهو لا يفوت بذلك
فلو حال سحاب وشك في الانجلاء أو الكسوف لم يؤثر فيصلي في الأول لأن الأصل بقاء الكسوف ولا يصلي في الثاني لأن الأصل عدمه ( و ) تفوت صلاة كسوف ( قمر به ) أي بالإنجلاء كما مر ( وبطلوعها ) أي الشمس لعدم الانتفاع به بعد طلوعها فلا تفوت بغروبه كاسفا كما لو استتر بغمام ولا بطلوع فجر لبقاء الانتفاع بضوئه ولو شرع فيها قبل الفجر أو بعده فطلعت الشمس في أثنائها لم تبطل كما لو انجلى الكسوف في الأثناء ( ولو اجتمع عيد أو كسوف وجنازة قدمت ) أي الجنازة لخوف تغير الميت بتأخيرها ( أو كسوف وفرض كجمعة قدم ) أي الفرض ( إن ضاق وقته وإلا فالكسوف ) مقدم لتعرض صلاته للفوات بالانجلاء ( ثم يخطب للجمعة متعرضا له ) أي الكسوف
ولا يجوز أن يقصده معها في الخطبة لأنه تشريك بين فرض ونفل ( ثم يصليها ) أي الجمعة وإن اجتمع كسوف ووتر قدم الكسوف وإن خيف فوت الوتر أيضا لأنها آكد أو جنازة وفرض أو عيد وكسوف
فالكسوف مع الفرض فيمامر لكن له أن يقصد العيد والكسوف بالخطبة لأنهما سنتان والقصد منهما واحد مع أنهما تابعان للمقصود وبهذا اندفع استشكال ذلك بعدم صحة السنتين بنية صلاة واحدة إذا لم تتداخلا ومحل تقديم الجنازة فيما ذكر إذا حضرت وحضر المولى وإلا أفرد الإمام جماعة ينتظرونها واشتغل مع الباقين بغيرها
____________________
(1/150)
باب في الاستسقاء وهو لغة السقيا وشرعا طلب سقيا العباد من الله عند حاجتهم إليها
وهو ثلاثة أنواع أدناها الدعاء وأوسطها الدعاء خلف الصلوات وفي خطبة جمعة ونحوها وأفضلها ما ذكرته بقولي ( صلاة الاستسقاء سنة ) مؤكدة ولو لمسافر ومنفرد للاتباع رواه الشيخان ( لحاجة ) من انقطاع الماء أو قلته بحيث لا يكفي أو ملوحته ( ولا لاستزادة ) بها نفع وهذا من زيادتي بخلاف ما لا يحتاج إليه ولا نفع به في ذلك الوقت وشمل ما ذكر ما لو انقطع عن طائفة من المسلمين واحتاجت إليه فيسن لغيرهم أيضا أن يستسقوا لهم ويسألوا الزيادة لأنفسهم
( وتكرر ) الصلاة مع الخطبتين كما صرح به ابن الرفعة وغيره ( حين يسقوا ) وهذا أولى من قوله وتعاد ثانيا وثالثا ( فإن سقوا قبلها اجتمعوا لشكر ودعاء وصلوا ) وخطب بهم الإمام شكرا لله تعالى وطلبا للمزيد
قال تعالى { لئن شكرتم لأزيدنكم }
( وسن أن يأمرهم الإمام بصوم أربعة أيام ) متتابعة وصوم هذه الأيام واجب بأمر الإمام كما في فتاوي النووي
( ويبر ) كصدقة وتوبة لأن لكل من ذلك أثرا في إجابة الدعاء
وفي خبر حسنه الترمذي أن الصائم لا ترد دعوته ( وبخروجهم إلى صحراء ) بلا عذر ( في ) اليوم ( الرابع في ثياب بذلة ) أي مهنة ( و ) في ( تخشع ) في مشيهم وجلوسهم وغيرهما للاتباع رواه الترمذي
وقال حسن صحيح ( متنظفين ) بالماء والسواك وقطع الروائح الكريهة ( وبإخراج صبيان وشيوخ وغير ذوات هيئات وبهائم ) لأنهم مسترزقون ولخبر وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم رواه البخاري والتصريح بسن أمر الإمام بالصوم والبر وبأمره بالباقي مع ذكر متنظفين وغير ذوات هيئات من زيادتي ( ولا يمنع أهل ذمة حضورا ) لأنهم مسترزقون وفضل الله واسع وقد يجيبهم استدراجالهم وفي الروضة عن النص كراهة لأنهما ربما كانوا سببا للقحط لأنهم ملعونون ويكره أمرهم بالخروج كما نص عليه في الأم ( ولا يختلطون بنا ) في مصلانا بل يتميزون عنا في مكان لذلك إذ قد يحل بهم عذاب بكفرهم فيصيبنا
قال تعالى { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }
( وهي كعيد ) في أنها ركعتان وفي التكبير والجهر وخطبتيه وغيرها للاتباع رواه الترمذي وقال حسن صحيح
( لكنها لا تؤقت ) بوقت عيد ولا غيره فهو أولى من قوله ولا تختص بوقت مع سببها ( وتجزىء الخطبتان قبلها ) للاتباع رواه أبو داود وغيره
( ويبدل تكبيرهما باستغفار ) أولهما فيقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه بدل كل تكبير
ويكثر في أثناء الخطبتين من الاستغفار ومن قوله { استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا } ويقول في الخطبة ( الأولى اللهم اسقنا العيد فيصليها في أي وقت كان من ليل أو نهار لأنها ذات
____________________
(1/151)
سبب فدارت غيثا ) أي مطرا ( مغيثا ) أي مرويا مشبعا ( إلى آخره ) وهو كما في الأصل هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما إلى يوم الدين أي إلى انتهاء الحاجة
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا
فأرسل السماء أي المطر علينا مدرارا أي كثيرا للاتباع رواه الشافعي رضي الله عنه
والهنيء الطيب الذي لا ينغصه شيء والمرىء المحمود العاقبة والمريع ذو الريع أي النماء والغدق كثير الخير والمجلل ما يجلل الأرض أي يعمها كجل الفرس والسح شديد الوقع على الأرض والطبق ما يطبق الأرض فيصير كالطبق عليها
( ويتوجه ) للقبلة ( من نحو ثلث ) الخطبة ( الثانية ) وهو مراد الأصل بقوله بعد صدر الخطبة الثانية ( وحينئذ يبالغ في الدعاء سرا وجهرا )
قال تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية }
ويرفع الحاضرون أيديهم في الدعاء مشيرين بظهور أكفهم إلى السماء للاتباع رواه مسلم والحكمة فيه أن القصد رفع البلاء بخلاف القاصد حصول شيء كما مر بيانه في صفة الصلاة ( ويجعل يمين ردائه يساره وعكسه و ) يجعل ( أعلاه أسفله وعكسه ) والأول تحويل والثاني تنكيس وذلك للاتباع في الأول رواه أبو داود وغيره
ولهمه صلى الله عليه وسلم بالثاني فيه فإنه استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها
فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه ويحصلان معا بجعل الطرف الأسفل الذي على شقه الأيسر على عاتقه الأيمن والطرف الأسفل الذي على شقه الأيمن على عاتقه الأيسر
والحكمة فيهما التفاؤل بتغير الحال إلى الخصب والسعة
( ويفعل الناس ) وهم جلوس ( مثله ) تبعا له وروى الإمام أحمد في مسنده أن الناس حولوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكل ذلك مندوب
قيل والتحويل خاص بالرجل وإذا فرغ الخطيب من الدعاء أقبل على الناس وأتى ببقية الخطبة ( ويترك ) الرداء محولا ومنكسا ( حتى ينزع الثياب ) لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم غير رداءه بعد التحويل ثم محل التنكيس في الرداء المربع لا في المدور والمثلث ( ولو ترك ) الإمام ( الاستسقاء فعله الناس ) محافظة على السنة
لكنهم لا يخرجون إلى الصحراء إذا كان الوالي بالبلد حتى يأذن لهم كما اقتضاه كلام الشافعي لخوف الفتنة
( وسن )
____________________
(1/152)
لكل أحد ( أن يبرز لأول مطر السنة ويكشف غير عورته ) ليصيبه تبركا به وللاتباع رواه مسلم
وظاهر أن ذلك آكد وإلا فمطر غير أو السنة كذلك كما أوضحته في شرح الروض ( و ) أن ( يغتسل أو يتوضأ في سيل )
روى الشافعي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سال السيل قال اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا فنتطهر منه ونحمد الله عليه
وتعبيري كالأصل والروضة بأو يفيد سن أحدهما بالمنطوق وكليهما بمفهوم الأولى وهو أفضل كما في المجموع وفيه فإن لم يجمعهما فليتوضأ وفي المهمات المتجه الجمع ثم الاقتصار على الغسل ثم على الوضوء وأنه لا نية فيه إذا لم يصادف وقت وضوء ولا غسل انتهى واقتصر في التنبيه على الغسل ( و ) أن ( يسبح لرعد وبرق )
روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته
وقيس بالرعد البرق ( و ) أن ( لا يتبعه ) أي البرق ( بصره )
قال تعالى { يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار }
وروى الشافعي عن عروة بن الزبير أنه قال إذا رأى أحدكم البرق أو الودق أي المطر فلا يشر إليه ( و ) أن ( يقول عند مطر اللهم صيبا ) بتشديد الياء أي مطرا ( نافعا ) للاتباع رواه البخاري
( ويدعو بما شاء ) لخبر البيهقي يستجاب الدعاء في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف ونزول الغيث وإقامة الصلاة ورؤية الكعبة
( و ) يقول ( إثره ) أي في إثر المطر كما عبر به في المجموع عن الشافعي والأصحاب ( مطرنا بفضل الله ) علينا ( ورحمته ) لنا ( وكره مطرنا بنوء كذا ) بفتح نونه وهمز آخره أي بوقت النجم الفلاني على عادة العرب في إضافة الأمطار إلى الأنواء لإيهامه أن النوء فاعل المطر حقيقة
فإن اعتقد أنه الفاعل له حقيقة كفر ( و ) كره ( سب ريح ) لخبر الريح من روح الله أي رحمته تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها
رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن
( وسن إن تضرروا بكثرة مطر ) بتثليث الكاف ( أن يقولو ) كما قال صلى الله عليه وسلم لما شكى إليه ذلك ( اللهم حوالينا ولا علينا ) اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر رواه الشيخان
أي اجعل المطر في الأودية والمراعي لا في الأبنية ونحوها والآكام بالمد جمع أكم بضمتين جمع إكام بوزن كتاب جمع أكم بفتحتين جمع أكمة وهي التل المرتفع من الأرض إذا لم يبلغ أن يكون جبلا والظراب جمع ظرب بفتح أوله وكسر ثانيه جبل صغير ( بلا صلاة ) لعدم ورودها فيه
____________________
(1/153)
باب في حكم تارك الصلاة ( من أخرج ) من المكلفين ( مكتوبة كسلا ولو جمعة ) وإن قال أصليها ظهرا ( عن أوقاتها ) كلها ( قتل حدا ) لا كفرا لخبر الشيخان أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة الحديث وخبر أبي داود وغيره خمس صلوات كتبهن الله على العباد من جاء بهن فلم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة
ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عند إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة
والجنة لا يدخلها كافر فلا يقتل بالظهر حتى تغرب الشمس ولا بالمغرب حتى يطلع الفجر ويقتل في الصبح بطلوع الشمس وفي العصر بغروبها وفي العشاء بطلوع الفجر وطريقه أنه يطالب بأدائها إذا ضاق وقتها ويتوعد بالقتل إن أخرجها عن الوقت
فإن أصر وأخرج استحق القتل
نعم لا يقتل بتركها فاقد الطهورين لأنه مختلف فيه ذكره القفال وإنما يقتل غيره ( بعد استتابة ) له لأنه ليس أسوأ حالا من المرتد فإن تاب وإلا قتل وقضية كلام الروضة كأصلها والمجموع أن استتابته واجبة كالمرتد
لكن صحح في التحقيق ندبها والأول أوجه وإن فرق الأسنوي بينهما
وتكفي استتابته في الحال لأن تأخيرها يفوت صلوات
وقيل يمهل ثلاثة أيام والقولان في الندب وقيل في الوجوب
والمعنى أنها الحال أو بعد الثلاثة مندوبة وقيل واجبة فإن لم يتب قتل ( ثم ) بعد قتله ( له حكم المسلم ) الذي لم يترك الصلاة فيجهز ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين ولا يطمس قبره كسائر أصحاب الكبائر ولا يقتل إن قال صليت ولو قتله في مدة استتابة أو قبلها إنسان أثم ولا ضمان عليه كقاتل المرتد وكتارك الصلاة فيما ذكر تارك شرط لها كالوضوء لأنه ممتنع منها
____________________
(1/154)
كتاب الجنائز بالفتح جمع جنازة بالكسر والفتح اسم للميت في النعش
وقيل بالفتح اسم لذلك وبالكسر اسم للنعش وعليه الميت
وقيل عكسه غير ذلك من جنزه إذا ستره ( ليستعد للموت ) كل مكلف ( بتوبة ) بأن يبادر إليها لئلا يفجأه المفوت لها ( وسن أن يكثر ذكره ) لخبر أكثروا من ذكرها ذم اللذات يعني الموت رواه الترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححاه زاد النسائي فإنه ما يذكر في كثير إلا قلله ولا قليل إلا كثره أي كثير من الأمل والدنيا وقليل من العمل وها ذم بالمعجمة أي قاطع والتصريح بسن ذلك من زيادتي ( ومريض آكد ) بما ذكر أي أشد طلبا به من غيره ( و ) أن ( يتداوى ) المريض لخبر البخاري ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء وخبر أن الأعراب قالوا يا رسول الله أنتدواى فقال تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا الهرم رواه الترمذي وغيره وصححوه
قال في المجموع فإن ترك التداوي توكلا فهو فضيلة ( وكره إكراهه عليه ) لما فيه من التشويش عليه
____________________
(1/155)
قال في المجموع وخبر لا تكرهوا مرضاكم على الطعام فإن الله يطعمهم ويسقيهم ضعيف ضعفه البيهقي وغيره وادعى الترمذي أنه حسن ( و ) كره ( تمنى موت لضر ) في بدنه أو دنياه
( وسن ) تمنيه ( لفتنة دين ) لخبر الشيخين في الأول لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي واتباعا في الثااني لكثير من السلف وذكر السن من زيادتي
وقال الأسنوي وغيره إن النووي أفتى به ( وأن يلقن محتضر ) أي من حضره الموت ( الشهادة ) أي لا إله إلا الله لخبر مسلم لقنوا موتاكم لا إله إلا الله أي ذكروا من حضره الموت وهو من باب تسمية الشيء بما يصير إليه
وروى الحاكم بإسناد صحيح من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ( بلا إلحاح ) عليه لئلا يضجر ولا يقال له قل بل يتشهد عنده وليكن غير متهم كحاسد وعدو ووارث فإن لم يحضر غيرهم لقنه من حضر منهم كما بحثه الأذرعي فإن حضر الجميع لقن الوارث فيما يظهر أو ورثة لقنه أشفقهم عليه وإذا قالها مرة لا تعاد عليه إلا أن يتكلم بعدها ( ثم يوجه ) إلى القبلة ( باضجاع لجنب أيمن ف ) إن تعذر فلجنب ( أيسر ) كما في المجموع لأن ذلك أبلغ في التوجيه من استلقائه وذكر الأيسر من زيادتي
( ف ) إن تعذر وجه ب ( استلقاء ) بأن يلقي على قفاه ووجهه وأخمصاه للقبلة بأن يرفع رأسه قليلا والأخمصان هنا أسفل الرجلين وحقيقتهما المنخفض من أسفلهما والترتيب بين التلقين والتوجه من زيادتي وبه صرح الماوردي وقال التاج بن الفركاح إن أمكن أجمع فعلا معا وإلا بدىء بالتلقين
( و ) أن ( يقرأ عنده ) سورة ( يس ) لخبر اقرءوا على موتاكم يس رواه أبو داود وغيره وصححه ابن حبان وقال المراد به من حضره الموت لأن الميت لا يقرأ عليه
والحكمة في قراءتها أن أحوال القيامة والبعث مذكورة فيها فإذا قرئت عنده تحدد له ذكر تلك الأحوال ( و ) أن ( يحسن ظنه بربه ) لخبر مسلم عن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته
____________________
(1/156)
بثلاث لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى أي يظن أن يرحمه ويعفو عنه ولخبر الشيخين قال الله أنا عند ظن عبدي بي ويسن لمن عنده تحسين ظنه وتطميعه في رحمة الله تعالى ( فإذا مات غمض ) لئلا يقبح منظره
وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال إن الروح إذا قبض تبعه البصر وشق بصره بفتح الشين وضم الراء شخص بفتح الشين والخاء ( وشد لحياه بعصابة ) عريضة تربط فوق رأسه لئلا يبقى فمه منفتحا فيدخله الهوام ( ولينت مفاصله ) فيرد ساعده إلى عضده وساقه إلى فخذه وفخذه إلى بطنه تمد وتلين أصابعه تسهيلا لغسله وتكفينه فإن في البدن بعد مفارقة الروح بقية حرارة فإذا لينت المفاصل حينئذ لانت وإلا فلا يمكن تليينها بعد ( ونزعت ثيابه ) التي مات فيها لأنها تسرع إليه الفساد ( ثم ستر ) كله إن لم يكن محرما ( بثوب خفيف ) ويجعل طرفاه تحت رأسه ورجليه لئلا ينكشف وخرج بالخفيف الثقيل فإنه يحميه فيغيره وذكر الترتيب بين النزع والستر من زيادتي ( وثقل بطنه بغير مصحف ) كمرآة ونحوها من أنواع الحديد لئلا ينتفخ فإن لم يكن حديد فطين رطب وقدر ذلك بنحو عشرين درهما
أما المصحف وذكره من زيادتي فيصان عنه احتراما له
قال الأسنوي وينبغي أن يلحق به كتب الحديث والعلم المحترم ( ورفع عن أرض ) على سرير أو نحوه لئلا يتغير بنداوتها ( ووجه ) إلى القبلة ( كمحتضر )
وتقدم كيفية توجهه ( وسن أن يتولى ذلك ) كله ( أرفق محارمه ) به الرجل من الرجل والمرأة من المرأة بأسهل ما يمكنه فإن تولاه الرجل من المرأة المحرم أو بالعكس جاز ( و ) أن ( يبادر ) بفتح الدال ( بغسله وقضاء دينه وتنفيذ وصيته ) إن تيسر وإلا سأل وليه غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه إكراما له وتعجيلا للخير
ولخبر نفس المؤمن أي روحه معلقة أي محبوسة عن مقامها الكريم
____________________
(1/157)
بدينه حتى يقضي عنه رواه الترمذي وحسنه هذا ( إذا تيقن موته ) بظهور أماراته كاسترخاء قدم وامتداد جلدة وجه وميل أنف وانخلاع كف فإن شك في موته أخر ذلك حتى يتيقن بتغير رائحة أو غيره
( وتجهيزه ) أي الميت المسلم غير الشهيد بغسله وتكفينه وحمله والصلاة عليه ودفنه ولو قاتل نفسه ( فرض كفاية ) بالإجماع في غير القاتل وبالقياس عليه في القاتل أما الكافر فسيأتي حكمه وأما الشهيد فكغيره إلا في الغسل والصلاة وسيأتي حكمهما ( وأقل غسله ) ولو جنبا أو نحوه ( تعميم بدنه ) بالماء مرة فلا يشترط تقدم إزالة نجس عنه كما يلوح به كلام المجموع وقول الأصل بعد إزالة النجس مبني على ما صححه الرافعي في الحي أن الغسلة الواحدة لا تكفيه عن النجس والحدث
لكن صحح النووي أنها تكفيه وكأنه ترك الاستدراك هنا للعلم به من ذاك أو لأن الغالب أن الماء لا يصل إلى محل النجس من الميت إلا بعد إزالته وبما ذكر علم أنه لا تجب نية الغاسل لأن القصد بغسل الميت النظافة وهي لا تتوقف على نية ( فيكفي غسل كافر ) بناء على عدم وجوبها ( لا غرق ) لأنا مأمورون بغسله فلا يسقط الفرض عنا إلا بفعلنا حتى لو شاهدنا الملائكة تغسله لم يسقط عنا بخلاف نظيره من الكفن لأن المقصود منه الستر وقد حصل ومن الغسل التعبد بفعلنا له ولهذا ينبش للغسل لا للتكفين
( وأكلمه أن يغسل في خلوة ) لا يدخلها إلا الغاسل ومن يعينه والولي فيستر كما كان يستتر حيا عند اغتساله وقد يكون ببدنه ما يكره ظهوره
وقد تولى غسل النبي صلى الله عليه وسلم علي والفضل بن العباس وأسامة بن زيد يناول الماء والعباس واقف ثم رواه ابن ماجه وغيره والأولى أن يكون تحت سقف لأنه أستر نص عليه في الأم ( و ) في ( قميص ) بال أو سخيف لأنه أستر له
____________________
(1/158)
وأليق
وقد غسل صلى الله عليه وسلم في قميص رواه أبو داود وغيره ويدخل الغاسل يده من كمه إن كان واسعا ويغسله من تحته وإن كان ضيقا فتق رؤوس الدخاريص وأدخل يده في موضع الفتق فإن لم يوجد قميص أو لم يتأت غسله فيه ستر منه ما بين السرة والركبة ( على مرتفع ) كلوح لئلا يصيبه الرشاش وليكن محل رأسه أعلى لينحدر الماء عنه وتعبيري بمرتفع أعم من تعبيره بلوح ( بماء بارد ) لأنه يشد البدن بخلاف المسخن فإنه يرخيه ( إلا لحاجة ) إليه كوسخ وبرد وهذا من زيادتي وأن يكون الماء في إناء كبير ويبعد عن المغتسل بحيث لا يصيبه رشاشه ( و ) أن ( يجلسه الغاسل ) على المرتفع برفق ( مائلا إلى ورائه ويضع يمينه على كتفه وإبهامه بنقرة قفاه لئلا يميل رأسه ( ويسند ظهره بركبته اليمنى ويمر يساره على بطنه بمبالغة ) ليخرج ما فيه من الفضلات ويكون عنده حينئذ مجمرة متقدة فائحة بالطيب والمعين يصب عليه ماء كثيرا لئلا تظهر رائحته مما يخرج ثم يضجعه لقفاه ويغسل بخرقة ملفوفة ( على يساره سوأتيه ) أي دبره وقبله وما حولهما كما يستنجى الحي ويغسل ما على بدنه من قذر ونحوه ( ثم ) بعد إلقاء الخرقة وغسل يده بماء وأشنان ( يلف ) خرقة ( أخرى ) على اليد ( وينظف أسنانه ومنخريه ) بفتح الميم والخاء وكسرهما وضمهما وفتح الميم وكسر الخاء وهي أشهر بأن يزيل ما بهما من أذى بأصبعه مع شيء من الماء كما في مضمضة الحي واستنشاقه ولا يفتح فاه ( ثم يوضئه ) كحي ثلاثا ثلاثا بمضمضة واستنشاق ولا يغنى عنهما ما مر بل ذاك سواك وتنظيف ويميل رأسه فيهما لئلا يصل الماء باطنه وذكر الترتيب بين هذا وما قبله من زيادتي ( ثم يغسل رأسه فلحيته بنحو سدر ) كخطمي والسدر أولى منه للنص عليه في الحديث ولأنه أمسك للبدن ( ويسرحهما ) أي شعرهما إن تلبد ( بمشط ) بضم الميم وكسرها مع إسكان الشين وبضمهما ( واسع الأسنان برفق ) ليقل الانتتاف ( ويرد الساقط ) من شعرهما وكذا من شعر غيرهما ( إليه ) بوضعه معه في كفنه وتعبيري بالساقط أعم من تعبيره بالمنتتف ( ثم يغسل ) هو أولى من قوله ويغسل ( شقه الأيمن ثم الأيسر ) المقبلين من عنقه إلى قدمه ( ثم يحرفه ) بالتشديد ( إليه ) أي إلى شقه الأيسر ( فيغسل شقه الأيمن مما يلي قفاه ) وظهر إلى قدمه ( ثم ) يحرفه ( إلى ) شقه ( الأيمن فيغسل الأيسر كذلك ) أي مما يلي قفاه وظهره إلى قدمه ( مستعينا في ذلك ) كله ( بنحو سدر ثم يزيله بماء من فرقه إلى قدمه ثم يعمه )
____________________
(1/159)
كذلك ( بماء قراح ) أي خالص ( فيه قليل كافور ) بحيث لا يضر الماء لأن رائحته تطرد الهوام ويكره تركه نص عليه في الأم وخرج بقليله كثيرة فقد يغير الماء تغيرا كثيرا إلا أن يكون صلبا فلا يضر مطلقا ( فهذه ) الاغتسال المذكورة ( غسلة وسن ثانية وثالثة كذلك ) أي أولى كل منهما بسدر أو نحوه والثانية مزيلة له والثالثة بماء قراح فيه قليل كافور وهو في الأخيرة آكد فإن لم يحصل التنظيف بالغسلات المذكورة زيد عليها حتى يحصل فإن حصل بشفع سن الايتار بواحدة ولا تحسب الأولى والثانية من كل من الثلاث لتغير الماء بما معه تغيرا كثيرا وإنما تحسب منها غسلة الماء القراح فتكون الأولى من الثلاث به هي المسقطة للواجب ويلين مفاصله بعد الغسل ثم ينشف تنشيفا بليغا لئلا تبتل أكفانه فيسرع إليه الفساد
والأصل فيما ذكر خبر الشيخين أنه صلى الله عليه وسلم قال لغاسلات ابنته زينب رضي الله عنها ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها واغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور قالت أم عطية منهن فمشطناها ثلاثة قرون وفي رواية فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها
وقوله أو خمسا إلى آخره هو بحسب الحاجة في النظافة إلى زيادة على الثلاث مع رعاية الوتر لا للتخيير وقوله إن رأيتن أي احتجتن ومشطنا وضفرنا بالتخفيف وقرون أي ضفائر
وقولي كذلك من زيادتي مع أن عبارتي أوضح من عبارته في إفادة الغرض
كما لا يخفى ولو خرج بعده أي الغسل نجست وجب إزالته فقط وإن خرج من الفرج لسقوط الفرض بما وجد ( و ) أن ( لا ينظر غاسل من غيره عورته إلا قدر حاجة ) بأن يريد معرفة المغسول من غيره ولا ينظر المعين من ذلك إلا لضرورة أما عورته فيحرم النظر إليها
وسن أن يغطي وجهه بخرقة من أول وضعه على المغتسل وأن لا يمس شيئا من غير عورته إلا بخرقة ( و ) أن ( يكون أمينا ) ليوثق به في تكميل الغسل وغيره ( فإن رأى خير اسن ذكره ) ليكون أدعى لكثرة المصلين عليه والدعاء له ولخبر ابن حبان والحاكم اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم ( أو ضده حرم ) ذكره لأنه غيبة وللخبر السابق ( إلا لمصلحة ) كبدعة ظاهرة فيذكره لينزجر الناس عنه
والتصريح بسن ذكر الخير من زيادتي ( ومن تعذر غسله ) لفقد ماء أو لغيره كاحتراق ولو غسل تهرى ( يمم ) كما في غسل الجنابة ولو كان به قروح وخيف من غسله تسارع البلى إليه بعد الدفن غسل ولا مبالاة بما يكون بعده فالكل صائر إلى البلى ( ولا يكره لنحو جنب ) كحائض ( غسله ) لأنهما طاهران كغيرهما وتعبيري بنحو جنب أعم من تعبيره بالجنب والحائض ( والرجل أولى ب ) غسل ( الرجل والمرأة ) أولى ( بالمرأة وله غسل حليلته ) من زوجة غير رجعية ولو نكح غيرها وأمة ولو كتابية إلا إن كانت مزوجة أو
____________________
(1/160)
معتدة أو مستبرأة ( ولزوجة ) غير رجعية ( غسل زوجها ) ولو نكحت غيره بخلاف الأمة لا تغسل سيدها لانتقالها عنه والزوجية لاتنقطع حقوقها بالموت بدليل التوارث وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك رواه ابن ماجه وغيره
وقالت عائشة رضي الله عنها لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه
رواه أبو داود والحاكم وصححه على شرط مسلم ( بلامس ) منها له ولا من الزوج أو السيد لها كأن كان الغسل من كل وعلى يده خرقة لئلا ينتقض وضوءه ( فإن لم يحضر إلا أجنبي ) في الميت المرأة ( أو أجنبية ) في الرجل ( يمم ) أي الميت إلحاقا لفقد الغاسل بفقد الماء
فرع الصغير الذي لم يبلغ حد الشهوة يغسله الرجال والنساء ومثله الخنثى الكبير عند فقد المحرم كما صححه في المجموع ونقله عن اتفاق الأصحاب قال ويغسل فوق ثوب ويحتاط الغاسل في غض البصر والمس ( والأولى به ) أي بالرجل في غسله ( الأولى بالصلاة عليه درجة ) وهم رجال العصبة من النسب ثم الولاء ثم الإمام أو نائبه إن انتظم بيت المال ثم ذوو الأرحام وما اقتضاه كلام الجرجاني من تقديمهم على الإمام يحمل على ما إذا لم ينتظم بيت المال ثم الرجال الأجانب ثم الزوجة ثم النساء المحارم وخرج بزيادتي درجة أخذا مما ذكروه في إدخاله القبر الأولى بالصلاة صفة إذ الأفقه أولى من الأسن والأقرب والبعيد الفقيه أولى من الأقرب غير الفقيه هنا عكس ما في الصلاة والمراد بالأفقه الأعلم بذلك الباب ( و ) الأولى ( بها ) أي بالمرأة في غسلها ( قريباتها ) فيقدمن حتى على الزوج ( وأولاهن ذات محرمية ) وهي من لو قدرت ذكرا لم يحل له نكاحها فإن استوت اثنتان في المحرمية فالتي في محل العصوبة أولى كالعمة مع الخالة واللواتي لا محرمية لهن يقدم منهن القربى فالقربى ( ف ) بعد القريبات ( ذات ولاء ) كما في المجموع وهذا من زيادتي ( فأجنبية ) لأنها أليق ( فزوج ) لأن منظوره أكثر ( فرجال محارم كترتيب صلاتهم ) إلا ما مر وشرط المقدم إسلام إن كان الميت مسلما وعدم قتل ولو بحق
أما غير المحارم كابن العم فكأجنبي فلا حق له في ذلك وإن كان له حق في الصلاة ( فإن تنازع مستويان ) هنا وفي نظائره الآتية وهذا أولى من قوله ولو تنازع أخوان أو زوجتان ( أقرع ) بينهما ( والكافر أحق بقريبه الكافر ) من قريبه المسلم في غسله وتكفينه ودفنه لقوله تعالى { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض }
( وتطيب ) جوازا ( محدة ) لزوال
____________________
(1/161)
المعنى المرتب عليه تحريم الطيب وهو التفجع على زوجها والتحرز عن الرجال ( وكره أخذ شعر غير محرم وظفره ) لأن أجزاء الميت محترمة فلا تنتهك بذلك ( ووجب إبقاء أثر إحرام ) في محرم فلا يؤخذ شعره وظفره ولا يطيب ولا يلبس المحرم الذكر مخيطا ولا يستر رأسه ولا وجه محرمة ولا كفاها بقفازين قال صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي مات وهو واقف معه بعرفة لا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا
رواه الشيخان وقد استفيد من التعليل الواقع فيه حرمة الإلباس والستر المذكورين فلا تنتهك بذلك ( ولنحو أهل ميت ) كأصدقائه ( تقبيل وجهه ) لأنه صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون بعد موته رواه الترمذي وغيره وصححوه
ولأن أبا بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته رواه البخاري ( ولا بأس بإعلام بموته ) للصلاة عليه وغيرها لما روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال في إنسان كان يقم المسجد أي يكنسه فمات فدفن ليلا أفلا كنتم آذنتموني به
وفي رواية ما منعكم أن تعلموني وصحح في المجموع أنه مستحب إذا قصد الإعلام لكثرة المصلين ( بخلاف نعي الجاهلية ) وهو النداء بموت الشخص وذكر مآثره ومفاخره فإنه يكره لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي رواه الترمذي وحسنه والمراد نعي الجاهلية
فصل في تكفين الميت وحمله ( يكفن ) بعد غسله ( بماله لبسه ) حيا من حرير غيره فيحل تكفين أنثى بحرير ومزعفر ومعصفر بخلاف الرجل والخنثى إذا وجد غيرها ويعتبر فيه حال الميت فإن كان مكثرا فمن جياد الثياب أو متوسطا فمن متوسطها أو مقلا فمن خشنها وقضية كلامهم جواز تكفين الصبي بالحرير وجواز التكفين بالمتنجس والظاهر كما قال الأذرعي منع الثاني مع القدرة على طاهر وإن جوزنا لبسه للحي في عير الصلاة ونحوه ( وكره مغالاة فيه ) لخبر لا تغالوا
____________________
(1/162)
في الكفن فإنه يسلب سريعا رواه أبو داود بإسناد حسن ( و ) كره ( لأنثى نحو معصفر ) من حرير ومزغفر لما فيه من الزينة والتقييد بالأنثى مع ذكر نحو من زيادتي ( وأقله ) أي الكفن ( ثوب ) بقيد ردته بقولي ( يستر عورته ) كالحي فيختلف قدره بالذكورة وغيرها ( ولو أوصى بإسقاطه ) لأنه حق لله تعالى بخلاف الزائد عليه الآتي ذكره فإنه حق للميت بمثابة ما يجمل به الحي فله منعه فإذا أوصى بساتر العمرة كفن بساترها لا بساتر كل البدن على الأصح فإن ذاك مفرع على أن الواجب في التكفين ستر كل البدن لا ستر العورة وما في المجموع عن الماوردي وغيره من الاتفاق على وجوب ساتر كل البدن فيما لو قال الورثة يكفن به والغرماء بساتر العورة ليس لكونه واجبا في التكفين بل لكونه حقا للميت يتقدم به الغرماء ولم يسقطه على أن في هذه الاتفاق نزاعا كما قاله ابن الرفعة وبتقدير صحته فهو مع حمله على ما قلنا مستثنى لتأكد أمره وإلا فقد جزم الماوردي بأن للغرماء منع ما يصرف في المستحب ولو لم يوص بما ذكر
واختلف الورثة في تكفينه بثوب أو ثلاثة أو اتفقوا على ثوب أو كان فيهم محجور عليه كفن بثلاثة ( وأكمله لذكر ) ولو صغيرا ( ثلاثة ) يعم كل منها البدن غير رأس المحرم لخبر الشيخين قالت عائشة كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض ليس فيها قميص ولا عمامة
( وجاز أن يزاد تحتها قميص وعمامة ) كما فعله ابن عمر بابن له رواه البيهقي ( و ) أكمله ( لغيره ) أي لغير الذكر من الأنثى والخنثى المزيد على الأصل خمسة ( إزار فقميص فخمار فلفافتان ) لأنه صلى الله عليه وسلم كفن فيها ابنته أم كلثوم رواه أبو داود
والإزار والمئزر ما يستر العورة والخمار ما يغطي به الرأس وليست الخمسة في حق غير الذكر كالثلاثة في حق الذكر حتى تجبر الورثة عليها كما تجبر على الثلاثة
وتكره الزيادة على الخمسة في الذكر وغيره لأنها سرف قال في المجموع ولو قيل بتحريمها لم يبعد وبه قال ابن يونس وقال الأذرعي إنه الأصح المختار
وذكر الترتيب في المذكورات من زيادتي ( ومن كفن ) من ذكر أو غيره ( بثلاثة فهي لفائف ) بوصفها السابق ( وسن ) كفن ( أبيض ) لخبر البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم رواه الترمذي
وقال حسن صحيح ( ومغسول ) لأنه للصديد والحي أحق بالجديد
كما قاله أبو بكر رضي الله عنه رواه البخاري ( وأن يبسط أحسن اللفائف وأوسعها ) إن تفاوتت حسنا وسعة كما يظهر الحي أحسن ثيابه
____________________
(1/163)
وأوسعها ( والباقي ) من لفافتين أو لفافة ( فوقها و ) أن ( يذر ) بمعجمة في غير المحرم ( على كل ) من اللفائف قبل وضع الأخرى عليها
( و ) على ( الميت حنوط ) بفتح الحاء نوع من الطيب قال الأزهري ويدخل فيه الكافور وذريرة القصب والصندل الأحمر والأبيض وذلك لأنه يدفع الهوام ويشد البدن ويقويه ويسن تبخير الكفن بالعود أولا ( و ) أن ( يوضع ) الميت ( فوقها ) برفق ( مستلقيا ) على ظهره ( و ) أن تشد ألياه ) بخرقة بعد أن يدس بينها قطن عليه حنوط ( و ) أن ( يجعل على منافذه ) كعينيه ومنخريه وأذنيه وعلى مساجده كجبهته ( قطن ) عليه حنوط ( وتلف عليه اللفائف ) بأن يثني أولا الذي يلي شقه الأيسر على شقة الأيمن ثم يعكس ذلك ويجمع الفاضل عند رأسه ورجليه ويكون الذي عند رأسه أكثر ( وتشد ) اللفائف بشداد خوف الانتشار عند الحمل إلا أن يكون محرما كما صرح به الجرجاني
( ثم يحل الشداد في القبر ) إذ يكره أن يكون معه في القبر شيء معقود والتصريح بسن البسط وما عطف عليه ما عدا الحنوط من زيادتي ( ومحل تجهيزه ) من تكفين وغيره ( تركة ) له يبدأ به منها لكن بعد الابتداء بحق تعلق بعينها كما سيأتي في الفرائض ( إلا زوجة وخادمها ف ( تجهيزهما ( على زوج غني عليه نفقتهما ) بخلاف الفقير ومن لم تلزمه نفقتهما لنشوز أو نحوه وكالزوجة البائن الحامل والتقييد بالغنى مع ذكر الخادم من زيادتي ( ف ) إن لم يكن تركة ولا زوج غني عليه النفقة فتجهيزه ( على من عليه نفقته ) حيا في الجملة ( من قريب وسيد ) للميت سواء فيه الأصل والفرع الصغير والكبير لعجزه بالموت والقن وأم الولد والمكاتب لانفساخ كتابته بموته ( ف ) إن لم يكن للميت من تلزمه نفقته فتجهيزه ( على بيت المال ) كنفقته في الحياة ( ف ) إن تعذر بيت المال فهو على مياسير المسلمين ) ولا يلزمهم التكفين بأكثر من ثوب وكذا إذا كفن من مال من عليه نفقته أو من بيت المال أو من موقوف على التكفين أو منع الغرماء المستغرقون ذلك وذكر بيت المال وما بعده من زيادتي وتعبيري بالتجهيز أعم من تعبيره بالتكفين ( وحمل جنازة بين العمودين بأن يضعهما ) رجل ( على عاتقيه ) ورأسه بينهما ( ويحمل
____________________
(1/164)
المؤخرين رجلان ) أحدهما من الجانب الأيمن والآخر من الأيسر إذ لو توسطهما واحد كالمقدمتين لم يرما بين قدميه ( أفضل من التربيع بأن يتقدم رجلان ) يضع أحدهما العمود الأيمن على عاتقه الأيسر والآخر عكسه ( ويتأخر آخران ) يحملان كذلك روى البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم جمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين ( ولا يحملها ) ولو أنثى ( إلا رجال ) لضعف النساء عن حملها غالبا
وقد ينكشف منهن شيء لو حملن فيكره لهن حملها وفي معناهن الخناثي فيما يظهر ( وحرم حملها بهيئة مزرية ) كحملها في غرارة أوقفة ( أو ) هيئة يخاف ( منها سقوطها ) بل تحمل على سرير أو لوح أو نحوه فإن خيف تغيره قبل حصول ما تحمل عليه فلا بأس أن تحمل على الأيدي والرقاب ( والمشي وبأمامها وقربها ) بحيث لو التفت لرآها ( أفضل ) من الركوب مطلقا ومن المشيء بغير أمامها وببعدها روى ابن حبان وغيره عن ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة وروى الحاكم خبر الراكب يسير خلف الجنازة والماشي عن يمينها وشمالها قريبا منها والسقط يصلي عليه ويدعى ولوالديه بالعافية والرحمة
وقال صحيح على شرط البخاري وفي المجموع يكره الركوب في الذهاب معها لغير عذر الواو في وبأمامها وقربها من زيادتي ( وسن إسراع بها ) لخبر الشيخين أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم
( إن أمن تغيره ) أي الميت بالإسراع وإلا فيتأنى به والإسراع فوق المشيء المعتاد ودون الخبب لئلا ينقطع الضعفاء فإن خيف تغير بالتأني أيضا زيد في الإسراع والتصريح بسن الإسراع من زيادتي ( و ) سن ( لغير ذكر ما يستره كقبة ) لأنه أستر له وتعبيري بغير ذكر الشامل للأنثى والخنثى أعم من تعبيره بالأنثى ( وكره لغط فيها ) أي في الجنازة أي في السير معها والحديث في أمور الدنيا بل المستحب التفكر في أمور الموت وما بعده ( واتباعها ) بإسكان التاء ( بنار ) في مجمرة أو غيرها لأنه يتفاءل بذلك فأل السوء ( لا ركوب في رجوع منها ) فلا يكره لأنه صلى الله عليه وسلم ركب فيه رواه مسلم ( ولا اتباع مسلم جنازة الكافر ) لما روى أبو داود عن علي بإسناد حسن ووقع في المجموع بإسناد ضعيف قال لما مات أبو طالب أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن عمك الشيخ الضال قد مات قال انطلق فواره
قال الأذرعي ولا يبعد إلحاق الزوجة والمملوك بالقريب قال وهل يلحق به الجار كما في العيادة فيه نظر
____________________
(1/165)
فصل في صلاة الميت ( لصلاته أركان ) سبعة أحدها ( نية كغيرها ) أي كنية غيرها من الصلوات في حقيقتها ووقتها والاكتفاء بنية الفرض بدون تعرض لكفاية وغير ذلك
( ولا يجب ) في الحاضر ( تعيينه ) باسمه أو نحوه ولا معرفته بل يكفي تمييزه نوع تمييز كنية الصلاة على هذا الميت أو على من صلى عليه الإمام ( فإن عينه ) كزيد أو رجل ( ولم يشر ) إليه ( وأخطأ ) في تعيينه فبان عمرا أو امرأة ( لم تصح ) صلاته ( و ) لأن ما نواه لم يقع بخلاف ما إذا أشار إليه وتقدم نظيره في فصل للاقتداء شروط وقولي ولم يشر من زيادتي ( وإن حضرموتي نواهم ) أي نوى الصلاة عليهم
( و ) ثانيها ( قيام قادر ) عليه كغيرها من الفرائض
( و ) ثالثها ( أربع تكبيرات ) للاتباع رواه الشيخان ( فلو زاد ) عليها ( و ) ( لم تبطل ) صلاته للاتباع رواه مسلم ولأنه إنما زاد ذكرا ( أو زاد إمامه ) عليها ( لم يتابعه ) أي لا تسن له متابعته في الزائد لعدم سنة للإمام ( بل يسلم أو ينتظره ) ليسلم معه وهو الأفضل لتأكد المتابعة وتعبيري بزاد أعم من تعبيره بخمس
( و ) رابعها ( قراءة الفاتحة ) كغيرها من الصلوات ولأن ابن عباس قرأ بها في صلاة الجنازة وقال لتعلموا أنها سنة رواه البخاري ( عقب ) التكبيرة ( الأولى ) للاتباع رواه البيهقي وهذا ما جزم به في التبيان تبعا للجمهور لظاهر نصين للشافعي وهو المفتي به لا بما في الأصل من أنها بعد الأولى أو غيرها ولا بما في الروضة كأصلها من أنها بعدها أو بعد الثانية ( و ) خامسها ( صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ) لخبر أبي أمامة أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة من السنة رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ( عقب الثانية ) لفعل السلف والخلف وتسن الصلاة على الآل فيها والدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقبها والحمد قبل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
( و ) سادسها ( دعاء للميت ) كاللهم ارحمه ( عقب الثالثة ) قال في المجموع ولا يجزىء في غيرها بلا خلاف قال وليس لتخصيصه بها دليل واضح
( و ) سابعها ( سلام كغيرها ) أي كسلام غيرها من الصلوات في كيفيته وتعدده وغيرهما ( وسن رفع يديه في تكبيراتها ) حذو منكبيه ويضع يديه بعد كل تكبيرة تحت صدره كغيرها من الصلوات ( وتعوذ ) لأن للقراءة ( وإسرار به وبقراءة وبدعاء ) ليلا أو نهارا روى النسائي بإسناد صحيح عن أبي أمامة أنه قال من السنة في صلاة الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم
____________________
(1/166)
الكتاب مخافتة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت ويسلم ويقاس بأم القرآن الباقي
( وترك افتتاح وسورة ) لطولهما وصلاة الجنازة مبنية على التخفيف وذكر سن الإسرار بالتعوذ والدعاء مع سن ترك الافتتاح والسورة من زيادتي ( وأن يقول في الثالثة اللهم اغفر لحينا الخ ) تتمته كما في الأصل وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منه فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان
رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وزاد غير الترمذي اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ( ثم اللهم هذا عبدك الخ ) تتمته وابن عبديك خرج من روح الدنيا وسعتها أي نسيم ريحها واتساعها ومحبوبه وأحبائه فيها أي ما يحبه ومن يحبه إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه أي من الأهوال كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وافسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه آمنا إلى جنتك يا أرحم الراحمني
جمع الشافعي رضي الله عنه ذلك من الأحاديث واستحسنه الأصحاب وهذا في البالغ الذكر أما الصغير فسيأتي ما يقول فيه وأما المرأة فيقول فيها هذه أمتك وبنت عبديك ويؤنث ضمائرها أو يقول مثل ما مر على إرادة الشخص أو الميت
وأما الخنثى فقال الأسنوي المتجه التعبير فيه بالمملوك ونحوه ( و ) أن ( يقول في صغير مع ) الدعاء ( الأول اللهم اجعله ) أي الصغير ( فرطا لأبويه ) أي سابقا مهيئا مصالحهما في الآخرة ( إلى آخره ) تتمته كما في الأصل وسلفا وذخرا بذال معجمة وعظة أي موعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما زاد في الروضة كأصلها ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره وتقدم في خبر الحاكم أن السقط يدعى لوالديه بالعافية والرحمة ( و ) أن يقول ( في الرابعة اللهم لا ترحمنا ) بفتح التاء وضمهما ( أجره ) أي أجر الصلاة عليه أو أجر المصيبة ( ولا تفتنا بعده ) أي بالابتلاء بالمعاصي لفعل السلف والخلف
ولأن ذلك مناسب للحال ( ولو تخلف ) عن إمامه ( بلا عذر بتكبيرة حتى شرع إمامه في أخرى بطلت صلاته ) إذا الاقتداء هنا إنما يظهر في التكبيرات وهو تخلف فاحش يشبه التخلف بركعة فإن كان ثم عذر كنسيان لم تبطل صلاته بتخلفه بتكبيرة بل بتكبيرتين على ما اقتضاه كلامهم والظاهر أنه لو تقدم عليه بتكبيرة لم تبطل وإن نزلوها منزلة ركعة ولهذا لا تبطل بزيادة خامسة فأكثر كما مر وقولي شرع أولى من قوله كبر
____________________
(1/167)
( ويكبر مسبوق ويقرأ الفاتحة وإن كان إمامه في غيرها ) رعاية لترتيب صلاة نفسه وهذا ظاهر على القول بتعين الفاتحة عقب الأولى لا على القول بأنها تجزىء عقب غيرها كما أشار إليها لرافعي ( فلو كبر إمامه ) أخرى ( قبل قراءته لها ) سواء أشرع فيها أم لا ( تابعه ) في تكبيره وسقطت القراءة عنه ( وتدارك الباقي ) من تكبير وذكر ( بعد سلام إمامه ) كما في غيرها من الصلوات
ويسن أن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق ولا يضر رفعها قبل إتمامه ( وشرط ) لصحتها ( شروط غيرها ) من الصلوات كطهر وستر وغيرهما مما يتأتى مجيئه هنا ( وتقدم طهره ) بماء أو تراب عليها كسائر الصلوات ولأنه المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ( فلو تعذر ) كأن وقع بحفرة وتعذر إخراجه وطهره ( لم يصل عليه ) لفقد الشرط
وتعبيرب بالطهر هنا وفيما يأتي أعم من تعبيره بالغسل وإن وافقته في بعض المواضع ( وأن لا يتقدم عليه ) حالة كونه ( حاضرا ولو في قبر ) وأن يجمعهما مكان واحد وأن لا يزيد ما بينهما في غير مسجد على ثلاثمائة ذراع تقريبا تنزيلا للميت منزلة الإمام
( وتكره ) الصلاة ( قبل تكفينه ) لما فيها من الإزراء بالميت فتكفينه ليس بشرط في صحتها والقول به مع اشتراط تقدم غسله قال السبكي يحتاج إلى دليل مع أن المعنيين السابقين موجودان فيه ويفرق بأن اعتناء الشارع بالطهر أقوى منه بالستر بدليل جواز نبش القبر للطهر لا للتكفين وصحة صلاة العاري العاجز عن الستر بلا إعادة بخلاف صلاة المحدث
( ويكفي ) في إسقاط فرضها ( ذكر ) ولو صبيا مميزا لحصول المقصود به ولأن الصبي يصلح أن يكون إماما للرجل ( لا غيره ) من خنثى وأنثى ( مع وجوده ) أي الذكر لأن الذكر أكمل من غيره فدعاؤه أقرب إلى الإجابة
وفي عدم سقوطها بغير ذكر مع وجود الصبي كلام ذكرته في شرح الروض وقولي لا غيره مع وجوده أعم من قوله ولا تسقط بالنساء وهناك رجال
( ويجب تقديمها على دفن ) فإن دفن قبلها أثم الدافنون وصلى على القبر ( وتصح على قبر غير نبي ) للاتباع رواه الشيخان سواء أدفن قبل الصلاة عليه أم بعدها بخلافها على قبر نبي لخبر الشيخين لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
ولأنا لم نكن أهلا للفرض وقت موتهم وتعبيري بني أعم من تعبيره برسول الله ( و ) تصح ( على غائب عن البلد ) ولو دون مسافة لقصر وفي غير جهة القبلة والمصلى مستقبلها لأنه صلى الله عليه وسلم أخبرهم بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه ثم خرج بهم إلى المصلى فصلى عليه وكبر أربعا رواه الشيخان وذلك في رجب سنة تسع لكنها لا تسقط الفرض
أما
____________________
(1/168)
الحاضر بالبلد فلا يصلي عليه إلا من حضره وإنما تصح الصلاة على القبر والغائب عنا لبلد ممن كان ( من أهل فرضها وقت موته ) قالوا لأن غيره متنفل وهذه لا يتنفل بها
ونازع الأسنوي في اعتبار وقت الموت قال ومقتضاه أنه لو بلغ أو أفاق بعده وقبل الغسل لم يؤثر
والصواب خلافه بل لو زال بعد الغسل أو الصلاة وأدرك زمنا يمكنه فعلها فيه فكذلك ( وتحرم ) الصلاة ( على كافر ) ولو ذميا قال تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ( ولا يجب طهره ) لأنه كرامة وتطهيرا وليس هو من أهلهما لكنه يجوز فقد غسل علي رضي الله عنه أباه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البيهقي لكنه ضعفه ( ويجب ) علينا ( تكفين ذمي ودفنه ) حيث لميكن له مال ولا من تلزمه نفقته وفاء بذمته بخلاف الحربي
( ولو اختلط من يصلي عليه بغيره ) ولم يتميز كمسلم بكافر وغير شهيد بشهيد ( وجب تجهيز كل ) بطهره وتكفينه وصلاة عليه ودفنه إذ لا يتم الواجب إلا بذلك
وعورض بأن الصلاة على الفريق الآخر محرمة ولا يتم ترك المحرم إلا بترك الواجب ويجاب بأن الصلاة في الحقيقة ليست على الفريق الآخر كما يفيده قولي كالأصل ( ويصلي على الجميع وهو أفضل أو على واحد فواحد بقصد من يصلي عليه فيهما ) أي في الكيفيتين
ويغتفر التردد في النية للضرورة ( ويقول ) في المثال الأول ( اللهم اغفر للمسلم منهم ) في الكيفية الأولى ( أو ) يقول فيه اللهم ( اغفر له إن كان مسلما ) في الثانية والدعاء المذكور في الأولى من زيادتي وقولي ولو اختلط إلى آخره أعم مما ذكره
( وتسن ) أي الصلاة عليه ( بمسجد ) لأنه صلى الله عليه وسلم صلى فيه على سهيل بن بيضاء وأخيه سهل رواه مسلم بدون تسمية الأخ ( وبثلاثة صفوف فأكثر ) لخبر ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف إلا غفر له رواه الحاكم وغيره
وقال صحيح على شرط مسلم ( و ) يسن ( تكريرها ) أي الصلاة عليه لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد الدفن ومعلوم أن الدفن إنما كان بعد صلاة وتقع الصلاة الثانية فرضا كالأولى سواء أكانت قبل الدفن أم بعده فينوي بها الفرض كما في المجموع عن المتولي وذكر السن في الأولى وهذه من زيادتي ( لا إعادتها ) فلا تسن قالوا لأنه لا يتنفل بها ومع ذلك تقع نفلا قاله في المجموع ( ولا تؤخر لغير ولي ) للأمر بالإسراع بها في خبر الشيخين وهذا أولى من قوله لزيادة مصلين
أما الولي فتؤخر له ما لم يخف تغير ( ولو نوى إمام ميتا ) حاضرا كان أو غائبا ( ومأموم آخر ) كذلك ( جاز ) لأن اختلاف نيتهما
____________________
(1/169)
لا يضر كما لو اقتدى في ظهر بعصر وهذا أعم من قوله ولو نوى الإمام صلاة غائب والمأموم صلاة حاضر أو عكس جاز ( والأولى بإمامتها ) أي صلاة الميت من يأتي وأن أوصى بها لغيره لأنها حقه
فلا تنفذ وصيته بإسقاطها كالإرث وماورد مما يخالفه محمول على أن الولي أجاز الوصية فالأولى ( أب فأبوه ) وإن علا ( فابن فابنه ) وإن سفل ( فباقي العصبة ) من النسب والولاء والإمامة ( بترتيب الإرث ) في غير نحو ابني عم أحدهما أخ لأم كما سيأتي فيقدم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ للأب وهكذا ثم المعتق ثم عصبته ثم معتق المعتق ثم عصبته وهكذا ثم الإمام أو نائبه عند انتظام بيت المال ( فذور حم ) والمراد به هنا ما يشمل الأخ للأم فيقدم منهم أو الأم ثم الأخ للأم ثم الخال ثم العم للأم وقولي فأبواه أولى من قوله ثم الجد ( وقدم حر ) عدل ( على عبد أقرب ) منه ولو أفقه وأسن أو فقيها لأنه أليق بالإمامة لأنها ولاية فعلم أنه لا حق فيها للزوج ولا للمرأة وظاهر أن محله إذا وجد مع الزوج غير الأجانب ومع المرأة ذكر أو خنثى فيما يظهر وإلا فالزوج مقدم على الأجانب والمرأة تصلي وتقدم بترتيب الذكر ويقدم العبد القريب على الحر الأجنبي كما أفهمه التقييد بالأقرب والعبد البالغ على الحر الصبي وشرط المقدم أن لا يكون قاتلا كما في الغسل ( فلو استويا ) أي إثنان في درجة كابنين أو أخوين ( قدم الأسن ) في الإسلام ( العدل على الأفقه ) منه عكس سائر الصلوات لأن الغرض هنا الدعاء ودعاء الأسن أقرب إلى الإجابة وسائر الصلوات محتاجة إلى الفقه لكثرة وقوع الحوادث فيها نعم لو كان أحد المستويين ذا رحم كابني عم أحدهما أخ لأم قدم وإن كان الآخر أسن كما اقتضاه نص البويطي وكلام الروضة
والحق أن هذين لم يستويا أما غير العدل من فاسق ومبتدع فلا حق له في الإمامة قال في المجموع فإن استويا في السن قدم الأفقه والأقرأ والأورع بالترتيب السابق في سائر الصلوات
( ويقف ) ندبا ( غير مأموم ) من إمام ومنفرد ( عند رأس ذكر وعجز غيره ) من أنثى وخنثى للاتباع في غير الخنثى رواه الترمذي وحسنه في الذكر والشيخان في الأنثى وقياسا على الأنثى في الخنثى وحكمة المخالفة المبالغة في ستر غير الذكر وتعبيري بماذكر أولى من قوله ويقف عند رأس الرجل وعجزها ( وتجوز على جنائز صلاة ) واحد برضا أوليائها لأن الغرض منها الدعاء والجمع فيه ممكن والأولى إفراد كل بصلاة إن أمكن
وعلى الجمع إن حضرت دفعة أقرع بين الأولياء وقدم إلى الإمام الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة فإن كانوا ذكورا أو إناثا أو خناثى قدم إليه أفضلهم بالورع ونحوه مما يرغب في الصلاة عليه لا بالحرية لانقطاع الرق بالموت أو مرتبة قدم ولي السابقة ذكرا كان ميته أو أنثى أو خنثى وقدم إليه الأسبق من
____________________
(1/170)
الذكور والإناث أو الخناثى وإن كان المتأخر أفضل فلو سبقت أنثى ثم حضر رجل أوصى أخرت عنه ومثلها الخنثى ولو حضر خناثى معا أو مرتبين جعلوا صفا واحدا عن يمينه رأس كل منهم عند رجل الآخر لئلا تتقدم أنثى على ذكر ( ولو وجد جزء ميت مسلم ) غير شهيد ( صلى عليه ) بعد غسله وستر بخرقه ودفن كالميت الحاضر وإن كان الجزء ظفرا أو شعرا فقد صلى الصحابة على يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وقد ألقاها طائر نسر بمكة في وقعة الجمل وقد عرفوها بخاتمه رواه الشافعي بلاغا لكن قال في العدة لا يصلي على الشعرة الواحدة والأوجه خلافه
( بقصد الجملة ) من زيادتي فلا تجوز الصلاة عليه لا بقصد الجملة لأنها في الحقيقة صلاة على غائب وإن اشترط هنا حضور الجزء وبقية ما يشترط في صلاة الميت الحاضر ويشترط انفصاله من ميت ليخرج المنفصل من حي إذا وجد بعد موته فلا يصلي عليه وتسن مواراته بحرقة ودفنه نعم لو أبين منه فمات حالا كان حكم الكل واحدا يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وتعبيري بالجزء أعم من تعبيره بالعضو ( والسقط ) بثليث السين والكسر أفصح ( إن علمت حياته ) بصياح أو غيره ( أو ظهرت أمارتها ) كاختلاج أو تحرك ( ككبير ) فيغسل ويكفن ويصلي عليه ويدفن لتيقن حياته وموته بعدها في الأولى والظهور أمارتها في الثانية ولخبر الطفل يصلي عليه رواه الترمذي وحسنه وتعبيري بعلمت حياته أعم من قوله استهل أو بكى ( وإلا ) أي وإن لم تعلم حياته ولم تظهر أمارتها ( وجب تجهيزه بلا صلاة ) عليه ( إن ظهر خلقه ) وفارقت الصلاة غيرها بأنه أوسع بابا منها بدليل أن الذمي يغسل ويكفن ويدفن ولا يصلي عليه
وذكر حكم غير الصلاة في هذه وفي الثانية التي قبلها من زيادتي ( وإلا ) أي وإن لم يظهر خلقه ( سن ستره بخرقة ودفنه ) دون غيرهما
وذكر هذا من زيادتي والعبرة فيما ذكر بظهور خلق الآدمي وعدم ظهوره فتعبير الأصل ببلوغ أربعة أشهر وعدم بلوغها جرى على الغالب من ظهور خلق الآدمي عندهما وعبر عنه بعضهم بزمن إمكان نفخ الروح وعدمه وبعضهم بالتخطيط وعدمه وكلها وإن تقاربت فالعبرة بما قلنا ( وحرم غسل شهيد ) ولو جنبا أو نحوه ( وصلاة عليه ) لخبر البخاري عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلي أحد بدفنهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم وفي لفظ ولم يصل عليهم بفتح اللام
والحكمة في ذلك إبقاء أثر الشهادة عليهم وأما خبر أنه صلى الله عليه وسلم خرج فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت فالمراد جمعا بين الأدلة دعا لهم كدعائه لميت كقوله تعالى { وصل عليهم } وسمى لشهادة الله ورسوله له بالجنة
وقيل لأنه يشهد الجنة وقيل غير ذلك ( وهو ) أي الشهيد الذي لا يغسل ولا يصلي عليه ( من لم يبق فيه حياة مستقرة ) الصادق بمن مات ولو امرأة أو رقيقا أو صبيا أو مجنونا ( قبل انقضاء
____________________
(1/171)
حرب كافر بسببها ) أي الحرب كأن قتله كافر أو أصابه سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه سلاحه أو رمحته دابته أو سقط عنها أو تردى حال قتاله في بئر أو انكشف عنها لحرب ولم يعلم سبب قتله وإن لم يكن عليه أثر لأن الظاهر أن موته بسبب الحرب بخلاف من مات بعد انقضائها وفيه حيات مستقرة بجراحة فيه وإن قطع بموته منها أو قبل انقضائها لا بسبب حرب الكافر كأن مات بمرض فجأة أو في قتال بغاة فليس بشهيد ويعتبر في قتال الكافر كونه مباحا وهو ظاهر
أما الشهيد العاري عما ذكر كالغريق والمبطون والمطعون والميت عشقا والميتة طلقا والمقتول في غير القتال ظلما فيغسل ويصلي عليه وتعبيري بما ذكر أعم من قوله من مات في قتال الكفار ( ويجب غسل نجس ) أصابه ( غير دم شهادة ) وإن أدى ذلك إلى زوال دمها لأنه ليس من أثر عبادة بخلاف دمها تحرم إزالته لإطلاق النهي عن غسل شهيد ولأنه أثر عبادة ( وسن تكفينه في ثيابه التي مات فيها ) لخبر أبي داود بإسناد حسن عن جابر قال رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو
ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم سواء في ذلك ثيابها لملطخة بالدم وغيرها لكن الملطخة أولى وكره في المجموع فتقييد الأصل ككثير بالملطخة بيان للأكمل وهذا في ثياب اعتيد لبسها غالبا أما ثياب الحرب كدرع ونحوها مما لا يعتاد لبسها غالبا كخف وجلد وفروة وجبة محشوة فيندب نزعها كسائر الموتى وذكر السن في هذه والوجوب في التي قبلها من زيادتي ( فإن لم تكفه ) أي ثيابه ( تممت ) ندبا إن سترت العورة وإلا فوجوبا
فصل في دفن الميت وما يتعلق به ( أقل القبر حفرة تمنع ) بعد ردمها ( رائحة ) أي ظهورها منه فتؤذي الحي ( وسبعا ) أي نبشه لها فيأكل الميت فتنتهك حرمته
قال الرافعي والغرض من ذكرهما إن كانا متلازمين بيان فائدة الدفن وإلا فبيان وجوب رعايتهما
فلا يكفي أحدهما وخرج بالحفرة ما لو وضع الميت على وجه الأرض وجعل عليه ما يمنع ذلك حيث لم يتعذر الحفر ( وسن أن يوسع ويعمق قامة وبسطة ) بأن يقوم رجل معتدل باسطا يديه مرفوعتين لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلي أحد احفروا أو أوسعوا وأعمقوا
رواه الترمذي وقال حسن صحيح وأوصى عمر رضي الله عنه أن يعمل قبره قامة
____________________
(1/172)
وبسطة وهما أربعة أذرع ونصف خلافا للرافعي في قوله إنهما ثلاث ونصف ( ولحد ) بفتح اللام وضمها وهو أن يحفر في أسفل جانب القبر القبلي قدر ما يسع الميت ( في ) أرض ( صلبة أفضل من شق ) بفتح المعجمة وهو أن يحفر في وسط أرض القبر كالنهر وتبنى حافتاه باللبن أو غيره ويوضع الميت بينهما ويسقف عليه باللبن أو غيره وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرض موته الحدوا إلي لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم
وخرج بالصلبة الرخوة فالشق فيها أفضل خشية الانهيار ويسن أن يوسع كل منهما ويتأكد ذلك عند رأسه ورجليه وأن يرفع السقف قليلا بحيث لا يمس الميت ( و ) أن ( يوضع رأسه عند رجل القبر ) أي مؤخره الذي سيصير عند أسفله رجل الميت ( و ) أن ( يسل من قبل رأسه برفق ) لما روى أبو داود بإسناد صحيح أن عبد الله بن يزيد الخطمي الصحابي صلى على جنازة الحارث ثم أدخله القبر من قبل رجل القبر وقال هذا من السنة
ولما روى الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه ( و ) أن ( يدخله ) القبر ( الأحق بالصلاة عليه درجة ) فلا يدخله ولو أنثى إلا الرجال متى وجدوا لضعف غيرهم عن ذلك غالبا ولخبر البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة أن ينزل في قبر بنت له صلى الله عليه وسلم واسمها أم كلثوم ووقع في المجموع تبعا لراو للخبر أنها رقية ورده البخاري في تاريخه الأوسط بأنه صلى الله عليه وسلم لم يشهد موت رقية ولا دفنها أي لأنه كان ببدر ومعلوم أنه كان لها محارم من النساء كفاطمة نعم يسن لهن كما في المجموع أن يلين حمل المرأة من مغتسلها إلى النعش وتسليمها إلى من في القبر وحل ثيابها فيه وخرج بزيادتي درجة الأحق بالصلاة صفة وقد عرف في الغسل ( لكن الأحق في أنثى زوج ) وإن لم يكن له حق في الصلاة لأن منظوره أكثر ( فمحرم ) الأقرب فالأقرب ( فعبدها ) لأنه كالمحرم في النظر ونحوه ( فممسوح فمجبوب فخصي ) لضعف شهوتهم ورتبوا كذلك لتفاوتهم فيها ( فعصبة ) لا محرمية لهم كبني عم ومعتق وعصبته بترتيبهم في الصلاة ( فذو رحم ) كذلك كبني خال وبني عمة ( فأجنبي صالح ) فإن استوى إثنان في الدرجة والفضيلة وتنازعا أقرع كما مرت الإشارة إليه وقولي فمحرم إلى آخره من زيادتي ( و ) ( و ) سن ( كونه ) أي المدخل له القبر ( وترا ) واحدا فأكثر بحسب الحاجة كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن حبان أن الدافنين له كانوا ثلاثة وأبو داود أنهم كانوا خمسة ( و ) سن ( ستر القبر بثوب ) عند الدفن لأنه ربما ينكشف من الميت شيء فيظهر ما يطلب إخفاؤه ( وهو لغير ذكر ) من أنثى وخنثى ( آكد ) احتياطا والتصريح بهذا من زيادتي ( و ) أن ( يقول )
____________________
(1/173)
مدخله ( بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) للاتباع وللأمر به رواهما الترمذي وحسنهما وفي رواية على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( و ) أن ( يوضع في القبر على يمينه ) كما في الاضطجاع عند النوم وتعبيري كالمجموع بالقبر أعم من تعبيره باللحد ( ويوجه للقبلة ( وجوبا ) تنزيلا له منزلة المصلي فلو وجه لغيرها نبش كما سيأتي أولها على يساره كره ولم ينبش والتصريح بالوجوب من زيادتي ( و ) أن ( يسند وجهه ) ورجلاه ( إلى جداره ) أي القبر ( وظهره ) بنحو لبنة ) كحجر حتى لا ينكب ولا يستلقي ويرفع رأسه بنحو لبنة ويفضي بخده الأيمن إليه أو إلى التراب ( و ) أن ( يسد فتحته ) بفتح الفاء وسكون التاء ( بنحو لبن ) كطين بأن يبني بذلك ثم تسد فرجه بكسر لبن وطين أو نحوهما لأن ذلك أبلغ في صيانة الميت من النبش ومن منع التراب والهوام ونحو من زيادتي ( وكره ) أن يجعل له ( فرش ومخدة ) بكسر الميم ( وصندوق لم يحتج إليه ) لأن في ذلك إضاعة مال أما إذا احتيج إلى صندوق لنداوة أو نحوها كرخاوة في الأرض فلا يكره ولا تنفذ وصيته به إلا حينئذ ( وجاز ) بلا كراهة ( دفنه ليلا ) مطلقا ( ووقت كراهة صلاة لم يتحره ) بالإجماع بخلاف ما إذا تحراه فلا يجوز وعليه حمل خبر مسلم عن عقبة بن عامر ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيهن وأن نقبر فيهن موتانا وذكر وقت الاستواء والطلوع والغروب ( والسنة ) للدفن ( غيرهما ) أي غير الليل وغير وقت الكراهة وتعبيري بهذا الموافق لعبارة الروضة أولى من قوله وغيرهما أفضل وإن أول أفضل بمعنى فاضل ( ودفن بمقبرة أفضل ) منه بغيرها لينال الميت دعاء المارين والزائرين ( وكره مبيت بها ) لما فيه من الوحشة ( ودفن اثنتين من جنس ) ابتداء ( بقبر ) بمحل واحد ( إلا لضرورة ) ككثرة الموتى لوباء أو غيره ( فيقدم ) في دفنها إلى جدار القبر ( أفضلهما ) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذا للقرآن
فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد ( لا فرع ) فلا يقدم ( على أصل ) من جنسه فيقدم الأب على الابن وإن كان أفضل منه لحرمة الأبوة والأم على البنت وإن كان أفضل منها لحرمة الأمومة مع التساوي في الأنوثة بخلاف ما إذا كان من غير جنسه فيقدم الابن على أمه لفضيلة الذكورة ( ولا صبي على رجل ) بل يقدم الرجل عليه وإن كان أفضل منه والتصريح بكراهة الدفن مع قولي من جنس وقولي لا فرع إلى آخره من زيادتي وخرج بالجنس ما لو كان من جنسين حقيقة كذكر وأنثى أو احتمالا كخنثيين فإن كان بينهما محرمية أو زوجته أو سيدية كره دفنهما بقبر وإلا حرم بلا تأكد ضرورة وحيث جمع بين اثنتين جعل بينهما حاجز من تراب وقدم من جنسين الذكر
____________________
(1/174)
ثم الخنثى ثم المرأة وتقدم بعض ذلك ( وسن لمن دنا ) من القبر بأن كان على شفيره كما عبر به الشافعي ( ثلاث حثيات تراب ) بيديه جميعا لأنه صلى الله عليه وسلم حثا من قبل رأس الميت ثلاثا رواه البيهقي وغيره باستناد جيد ويسن أن يقول مع الأولى منها خلقناكم ومع الثانية وفيها نعيدكم ومع الثالثة ومنها نخرجكم تارة أخرى
( ف ) سن ( أن يهال ) عليه ( بمساح ) أو ما في معناها إسراعا بتكميل الدفن ويسن أن لا يزاد على تراب القبر لئلا يعظم شخصه ( فتمكث جماعة ) عنده ساعة ( يسألون له التثبيت ) للاتباع رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده ( و ) أن ( يرفع القبر شبرا ) تقريبا ليعرف فيزار ويحترم ولأن قبره صلى الله عليه وسلم رفع نحو شبر رواه ابن حبان في صحيحه فإن لم يرتفع ترابه شبرا فالأوجه أن يزاد وخرج بزيادتي ( بدارنا ) ما لو مات مسلم بدار الكفار فلا يرفع قبره بل يخفي لئلا يتعرضوا له إذا رجع المسلمون وألحق بها الأذرعي الأمكنة التي يخاف نبشها لسرقة كفنه أو لعداوة أو لنحوهما ( وتسطيحه أولى من تسليمه ) كما فعل بقبره صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه رواه أبو داود بإسناد صحيح ( وكره جلوس ووطء عليه ) للنهي عنها رواه في الأول مسلم وفي الثاني الترمذي وقال حسن صحيح وفي معناهما الاتكاء عليه والاستناد إليه وبهما صرح في الروضة ( بلا حاجة ) من زيادتي مع التصريح بالكراهة فإن كان لحاجة بأن لا يصل إلى ميته ولا يتمكن من الحفر إلا بوطئه فلا كراهة ( و ) كره ( تحصيصه ) أي تبييضه بالجص وهو الجبس وقيل الجير والمراد هنا هما أو أحدهما ( وكتابة ) عليه سواء أكتب اسم صاحبه أم غيره في لوح عند رأسه في غيره ( وبناء عليه ) كقبة أو بيت للنهي عن الثلاثة رواه فيها الترمذي وقال حسن صحيح وفي الأول والثالث مسلم وخرج بتجصيصه تطيينه خلافا للإمام والغزالي ( وحرم ) أي البناء ( ب ) مقبرة ( مسبلة ) بأن جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها كما لو كانت موقوفة ولأن البناء بتأيد بعد انمحاق الميت فلو بني فيها هدم البناء كما صرح به في الأصل بخلاف ما لو بنى في ملكه
والتصريح بالتحريم من زيادتي وصرح به في المجموع ( وسن رشه ) أي القبر ( بماء ) لأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بقبر سعد بن معاذ رواه ابن ماجه وأمر به في قبر عثمان بن مظعون رواه البزار والمعنى فيه التفاؤل بتبريد المضجع وحفظ التراب ويكره رشه بماء الورد ( ووضع حصى ) عليه لأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بقبر ابنه إبراهيم رواه الشافعي وسن أيضا وضع الجريد والريحان ونحوهما ( و ) وضع ( حجر أو خشبة عند رأسه وجمع أهله بموضع ) واحد من المقبرة لأنه صلى الله عليه وسلم وضع حجرا أي صخرة عند رأس عثمان بن مظعون وقال
____________________
(1/175)
أتعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي رواه أبو داود بإسناد جيد وتعبيري بأهله أعم من تعبيره بأقاربه ( وزيارة قبور ) أي قبور المسلمين ( لرجل ) لخبر مسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها أما زيارة قبور الكفار فمباحة
وقيل محرمة ( ولغيره ) أي غير الرجل من أنثى وخنثى ( مكروهة ) لقلة صبر الأنثى وكثرة جزعها وألحق بها الخنثى احتياطا وذكر حكمه من زيادتي
وهذا في زيارة قبر غير النبي صلى الله عليه وسلم أما زيارة قبره فتسن لهما كالرجل كما اقتضاه إطلاقهم في الحج ومثله قبور سائر الأنبياء والعلماء والأولياء ( وأن يسلم زائر ) فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون
رواه مسلم زاد أبو داود اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم
وأما قوله صلى الله عليه وسلم عليك السلام تحية الموتى
فنظرا لعرف العرب حيث كان من عادتهم إذا سلموا على قبر يقولون عليك السلام ( و ) أن ( يقرأ ) من القرآن ما تيسر ( ويدعو ) له بعد توجهه إلى القبلة لأن الدعاء ينفع الميت وهو عقب القراءة أقرب إلى الإجابة ( و ) أن ( يقرب ) من قبره ( كقربه منه ) في زيارته ( حيا ) احتراما له ( وحرم نقله ) قبل دفنه من محل موته ( إلى ) محل ( أبعد من مقبرة محل موته ) ليدفن فيه وهذا أولى من قوله ويحرم نقله إلى بلد آخر ( إلا من بقرب مكة والمدينة وإيليا ) أي بيت المقدس فلا يحرم نقله إليها بل تختار لفضل الدفن فيها ( و ) حرم ( نبشه ) قبل البلي عند أهل الخبرة بتلك الأرض ( بعد دفنه ) لنقل غيره كتكفين وصلاة عليه لأن فيه هتكا لحرمته ( إلا لضرورة كدفن بلا طهر ) من غسل أو تيمم وهو ممن يجب طهره ( أو ) بلا ( توجيه ) له إلى القبلة ( ولم يتغير ) فيهما فيجب نبشه تداركا لطهره الواجب وليوجه إلى القبلة
وقولي ولم يتغير من زيادتي ( أو ) كدفن ( في مغصوب ) من أرض أو ثوب ووجد ما يدفن أو يكفن فيه الميت فيجب نبشه وإن تغير ليرد كل لصاحبه ما لم يرض ببقائه ( أو وقع فيه مال ) خاتم أو غيره فيجب نبشه وإن تغير لأخذه سواء أطلبه مالكه أم لا كما اقتضاه كلام الروضة والمجموع وقيده صاحب المهذب ومن تبعه بالطلب كما قيد به الأصحاب مسألة الابتلاع الآتية
وقد فرقت بينهما في شرح الروض ولو بلع مالا لنفسه ومات لم ينبش أو مال غيره وطلبه مالكه نبش وشق جوفه وأخرج منه ورد لصاحبه ولو ضمنه الورثة كما نقله في المجموع عن إطلاق الأصحاب رادابه على ما في العدة من أن الورثة إذا ضمنوا لم يشق ويؤيده ما اقتضاه كلامها من أنه يشق حيث لا ضمان وله تركه
وفي نقل الروياني عن الأصحاب ما يوافق ما فيها تجوز أما بعد البلى فلا يحرم نبشه بل تحرم عمارته وتسوية التراب عليه لئلا يمتنع الناس منا لدفن فيه لظنهم عدم البلى
واستثنى قبور الصحابة والعلماء والأولياء ( وسن تعزية نحو أهله ) كصهر وصديق وهي الأمر بالصبر والحمل عليه بوعد الأجر
____________________
(1/176)
والتحذير من الوزر بالجزع والدعاء للميت بالمغفرة وللمصاب يجبر المصيبة لأنه صلى الله عليه وسلم مر على امرأة تبكي على صبي لها فقال لها اتقي الله واصبري
ثم قال إنما الصبر أي الكامل عند الصدمة الأولى
رواه الشيخان ولأن أسامة بن زيد قال أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم تدعوه وتخبره أن ابنا لها في الموت فقال للرسول ارجع إليها فأخبرها أن لله ماأخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب وتقييدي بنحو أهله من زيادتي وسن أن يعمهم بها حتى الصغار والنساء إلا الشابة فلا يعزيها إلا محارمها ونحوهم ( و ) هي ( بعد دفنه أولى ) منها قبله لاشتغال أهل الميت بتجهيزه قبله
قال في الروضة إلا أن يرى من أهله جزعا شديدا فيختار تقديمها ليصبرهم
وذكر الأولوية من زيادتي ( ثلاثة أيام تقريبا ) من الموت لحاضر ومن القدوم أو بلوغ الخبر لغائب فتكره التعزية بعدها إذ لغرض منها تسكين قلب المصاب والغالب سكونه فيها فلا يجدد حزنه ( فيعزى مسلم بمسلم ) بأن يقال له ( أعظم الله أجرك ) أي جعله عظيما ( وأحسن عزاءك ) بالمد أي جعله حسنا ( وغفر لميتك وبكافر أعظم الله أجرك ) مع قوله ( وصبرك ) أو أخلف عليك أو جبر مصيبتك أو نحوه كما في الروضة كأصلها نعم لو كان الميت ممن لا يخلف بدله كأب فليقل بدل أخلف عليك خلف عليك أي كان الله خليفة عليك نقله الشيخ أبو حامد عن الشافعي ( و ) يعزى ( كافر محترم بمسلم ) بأن يقال له ( غفر الله لميتك وأحسن عزاءك )
وخرج بزيادتي محترم الحربي والمرتد فلا يعزيان إلا أن يرجى إسلامهما وللمسلم تعزية كافر محترم بمثله فيقول أخلف الله عليك ولا نقص عددك
( وجاز بكاء عليه ) أي على الميت قبل موته وبعده لأنه صلى الله عليه وسلم بكى على ولده إبراهيم قبل موته وقال إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون
وبكى على قبر بنت له وزار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله روى الأول الشيخان والثاني البخاري والثالث مسلم
والبكاء عليه بعد الموت خلاف الأولى لأنه حينئذ يكون أسفا على ما فات نقله في المجموع عن الجمهور بل نقل في الأذكار عن الشافعي والأصحاب أنه مكروه لخبر فإذا وجبت فلا تبكين باكية قالوا وما الوجوب يا رسول الله
قال الموت رواه الشافعي وغيره بأسانيد صحيحة ( لا ندب ) وهو عد محاسنه فلا يجوز كأن يقال واكهفاه واجبلاه واسنداه وقيل عدها مع البكاء وجزم به في المجموع ( و ) لا ( نوح ) وهو رفع الصوت بالندب ( و ) لا ( جزع بنحو ضرب صدر ) كضرب خد وشق جيب قال صلى الله عليه وسلم النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوما لقيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب
رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى
____________________
(1/177)
الجاهلية
وفي رواية مسلم في كتاب الجهاد بلفظ أو بدل الواو والسربال القميص كالدرع والقطران بفتح القاف مع كسر الطاء وسكونها وبكسرها مع سكون الطاء دهن شجر يطلى به الإبل الجربي ويسرج به وهو أبلغ في اشتعال النار بالنائحة
( وسن لنحو جيران أهله ) كأقاربه البعداء ولو كانوا ببلد وهو بآخر ( تهيئة طعام يشبعهم يوما وليلة ) لشغلهم بالحزن عنه ( وأن يلح عليهم في أكل ) لئلا يضعفوا بتركه ونحو هنا وفيما بعده من زيادتي ( وحرمت ) أي تهيئته ( لنحو نائحة ) كنادبة لأنها إعانة على معصية والأصل فيا قبله قوله صلى الله عليه وسلم لما جاء خبر قتل جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم
رواه أبو داود وغيره وحسنه الترمذي ومؤتة بضم الميم وسكون الهمزة موضع معروف عند الكرك والله أعلم
____________________
(1/178)
كتاب الزكاة هي لغة التطهير والنماء وغيرها وشرعا اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص
والأصل في وجوبها قبل الإجماع آيات كقوله تعالى { وآتوا الزكاة } وقوله { خذ من أموالهم صدقة } وأخبار كخبر بني الإسلام على خمس وهي أنواع تأتي في أبواب
باب زكاة الماشية بدءوا بها وبالإبل منها للبداءة بالإبل في خبر أنس الآتي لأنها أكثر أموال الغرب ( تجب ) أي الزكاة ( فيها ) أي في الماشية ( بشروط ) أربعة أحدها ( كونها نعما )
قال الفقهاء واللغويون أي إبلا وبقرا وغنما ذكورا كانت أو إناثا فلا زكاة في غيرها من الحيوانات كخيل ورقيق ومتولد بين زكوي وغيره لخبر الشيخين ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة وغيرهما مما ذكر مثلهما مع أن الأصل عدم الوجوب
( و ) ثانيها كونها ( نصابا ) وقدره يعلم مما يأتي ( وأوله في إبل خمس ففي كل خمس ) منها ( إلى عشرين شاة ولو ذكرا ) لصدق الشاة به ( ويجزىء ) عنها وعما فوقها ( بغير الزكاة ) وإن لم يساو قيمة الشاة لأنه يجزىء عن خمس وعشرين
فعما دونها أولى وأفادت إضافته إلى الزكاة اعتبار كونه أنثى بنت مخاض فما فوقها كما في المجموع ( و ) في ( خمس وعشرين بنت مخاض لها سنة و ) في ( ست وثلاثين بنت لبون لها سنتان و ) في ( ست وأربعين حقة لها ثلاث ) من السنين ( و ) في ( إحدى وستين جذعة لها أربع ) من السنين ( و ) في ( ست وسبعين بنتا لبون و ) في ( إحدى وتسعين حقتان و ) في ( مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون وبتسع ثم كل عشر يتغير الواجب ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ) وذلك لخبر أبي بكر رضي الله عنه بذلك في كتاب لأنس بالصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين رواه البخاري عن أنس ومن لفظه فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة والمراد زادت
____________________
(1/179)
واحدة لا أقل كما صرح بها في رواية لأبي داود بلفظ فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون فهي مقيدة لخبر أنس وبها مع كون المتبادر من الزيادة فيه واحدة أخذ أئمتنا في عدم اعتبار بعضها لكنها معارضة له لدلالتها على أن الواحدة يتعلق بها الواجب ودلالته على خلافه فالمتجه لصحة ما فيه ولدفع المعارضة حمل قوله ففي كل أربعين على أن معها في صورة مائة وإحدى وعشرين ثلثا وإنما ترك ذلك تغليبا لبقية الصور عليها مع العلم بأن ما يتغير به الواجب يتعلق به كالعاشرة
ففي مائة وثلاثين بنتا لبون وحقه وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق وهكذا وللواحدة الزائدة على المائة والعشرين قسط من الواجب فيسقط بموتها بين تمام الحول والتمكن من الإخراج جزء من مائة وإحدى وعشرين جزءا من ثلاث بنات لبون وما بين النصب عفو ويسمى وقصالا يتعلق به الواجب على الأصح
فلو كان له تسع من الإبل فتلف منها أربع بعد الحول قبل التمكن وجبت شاة وسميت الأولى من المخرجات من الإبل بنت مخاض لأن أمها آن لها أن تحمل مرة ثانية فتكون في المخاض أي الحوامل والثانية بنت لبون لأن أمها آن لها أن تلد ثانيا فتكون ذات لبن والثالثة حقة لأنها استحقت أن يطرقها الفحل أو أن تركب ويحمل عليها والرابعة جذعة لأنها أجذعت مقدم أسنانها أي أسقطته واعتبر في الجميع الأنوثة لما فيها من رفق الدر والنسل
وزدت وبتسع ثم كل عشر يتغير الواجب لدفه ما اقتضته عبارة الأصل من أنه يتغير بما دونهما وليس مرادا ( و ) أوله ( في بقر ثلاثون ففي كل ثلاثين تبيع له سنة ) سمي بذلك لأنه يتبع أمه في المرعى ( و ) في ( كل أربعين مسنة لها سنتان ) سميت بذلك لتكامل أسنانها وذلك لما روى الترمذي وغيره عن معاذ قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة مسنة ومن كل ثلاثين تبيعا
وصححه الحاكم وغيره والبقرة تقال للذكر والأنثى ( و ) أوله ( في غنم أربعون ) شاة ( ففيها شاة وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان و ( في ) مائتين وواحدة ثلاث ) من الشياه ( و ) في ( أربعمائة أربع ثم ) في ( كل مائة شاة ) روى البخاري ذلك عن أنس في كتاب أبي بكر السابق ( والشاة ) المخرجة عما ذكر ( جذعة ضأن لها سنة ) وإن لم تجذع ( أو أجذعت ) من زيادتي وإن لم يتم لها سنة كما ذكره الرافعي في الأضحية ( أو ثنية معز لها سنتان ) فيخير بينهما ومن ذلك يؤخذ أن شرط إجزاء الذكر في الإبل وفيما يأتي أن يكون جذعا أو ثنياه ويعتبر في المخرج عن الإبل من الشياه كونه صحيحا كاملا وإن كانت الإبل معيبة والشاة المخرجة عما ذكر تكون ( من غنم البلد أو مثلها ) أو خير منها قيمة كما فهم بالأولى وشمول كلامي لشاة الغنم مع التقييد بالمثلية في عنم غير البلد من زيادتي ( فإن عدم
____________________
(1/180)
بنت مخاض ) ولو شرعا كأن كانت مغصوبة أو مرهونة ( أو تعيبت فابن لبون أو حق ) يخرجه عنها وإن كان أقل قيمة منها ولا يكلف تحصليها وإن لم يكن عنده ابن لبون أو حق بل يحصل ما شاء منها وكابن لبون ولد لبون خنثى أما غير بنت المخاض كبنت لبون عدمها فلا يؤخذ عنها حق كما لا يؤخذ عنها ابن لبون
ولأن زيادة السن في ابن اللبون فيما ذكر توجب اختصاصه عنها بقوة ورود الماء والشجر والامتناع من صغار السباع بخلافها في الحق لا توجب اختصاصه عن بنت اللبون بهذه القوة بل هي موجودة فيهما فلا يلزم من جبرها ثم جبرها هنا والتصريح بذكر الشرط في الحق من زيادتي ( ولا يكلف ) حيث كانت إبله مهازيل أن يخرج بنت مخاض ( كريمة ) لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه عاملا إياك وكرائم أموالهم
رواه الشيخان ( لكن تمنع ) الكريمة عنده ( ابن لبون وحقا ) وهو من زيادتي لوجود بنت مخاض عنده ( ولو اتفق ) في إبل أو بقر ( فرضان ) في نصاب واحد ( وجب ) فيها ( الأغبط ) منهما أي الأنفع للمستحقين ففي مائتي بعير أو مائة وعشرين بقرة يجب فيها الأغبط من أربع حقاق وخمس بنات لبون أو ثلاث مسنات وأربعة اتبعه ( إن وجدا مما له ) بصفة الإجزاء لأن كلا منهما فرضهما فإذا اجتمعا روعي ما فيه حظ المستحقين إذ لا مشقة في تحصيله ( وأجزأ غيره ) أي غير الأغبط ( بلا تقصير ) من المالك أو الساعي للعذر ( وجبر التفاوت ) لنقص حق المستحقين ( بنقد ) للبلد ( أو جزء من الأغبط ) لا من المأخوذ فلو كانت قيمة الحقاق أربعمائة وقيمة بنات اللبون أربعمائة وخمسين وقد أخذ الحقاق فالجبر بخمسين أو بخمسة أتساع بنت لبون لا بنصف حقة لأن التفاوت خمسون وقيمة كل بنت لبون تسعون وجاز دفع النقد مع كونه من غير جنس الواجب وتمكنه من شراء جزئه لدفع ضرر المشاركة وقولي من الأغبط من زيادتي أما مع التقصير من المالك بأن دلس أو من الساعي بأن لم يجتهد وإن ظن أنه الأغبط فلا يجزيء ( وإن وجد أحدهما ) بماله ( أخذ ) وإن وجد شيء من الآخر إذ الناقص كالمعدوم ( وإلا ) أي وإن لم يوجدا أو أحدهما بماله بصفة الإجزاء بأن لم يوجد شيء منهما أو وجد بعض كل منهما أو بعض أحدهما أو وجدا أو أحدهما لا بصفة الإجزاء ( فله تحصيل ما شاء ) منهما كلا أو بعضا متمما بشراء أو غيره ولو غير أغبط لما في تعين الأغبط من المشقة في تحصيله وله كما يعلم مما يأتي أن يصعد أو ينزل مع الجبران في الإبل فله في المائتي بغير فيما إذا لم يوجد شيء من الحقاق وبنات اللبون أن يجعل الحقاق أصلا ويصعد إلى أربع جذاع فيخرجها ويأخد أربع جبرانات وأن يجعل بنات اللبون أصلا وينزل إلى خمس بنات مخاض فيخرجها مع خمس جبرانات وفيما إذا وجد بعض كل منهما كثلاث حقاق وأربع بنات لبون أن يجعل
____________________
(1/181)
الحقاق أصلا فيدفعها مع بنت لبون وجبران أو يجعل بنات اللبون أصلا فيدعها مع حقة ويأخذ جبرانا وله دفع حقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات وله فيما إذا وجد بعض أحدهما كحقة دفعها مع ثلاث جذاع وأخذ ثلاث جبرانات وله دفع خمس بنات مخاض مع دفع خمس جبرانات ( ولمن عدم واجبا من إبل ) ولو جذعة في ماله ( أن يصعد ) درجة ( ويأخذ جبرانا وإبله سليمة أو ينزل ) درجة ( ويعطيه ) أي الجبران كما جاء ذلك في خبر أنس السابق فالخيرة في الصعود والنزول للمالك لأنهما شرعا تخفيفا عليه وخرج بمن عدم الواجب من وجده في ماله فليس له نزول مطلقا ولا صعود إلا أن لا يطلب جبرانا لأنه زاد خيرا وهو معلوم مما يأتي وبالإبل غيرها فلا يأتي فيه ذلك وبالسليمة المعيبة فلا يصعد بالجبران لأن واجبها معيب والجبران للتفاوت بين السليمين وهو فوق التفاوت بين المعيبين بخلاف نزوله مع إعطاء الجبران
فجائز لتبرعه بالزيدة ( وهو ) أي الجبران ( شاتان ) بالصفة السابقة في الشاة المخرجة عن خمس من الإبل ( أو عشرون درهما ) نقرة خالصة ( بخيرة الدافع ) ساعيا كان ى و مالكا لظاهر خبر أنس وعلى الساعي رعاية مصلحة المستحقين في الدفع والأخذ ( وله صعود ) درجتين فأكثر ( ونزول درجتين فأكثر مع تعدد الجبران ) كأن يعطي بدل بنت مخاض عدمها مع بنت اللبون حقة ويأخذ جبرانين أو يعطي بدل حقة عدمها مع بنت اللبون بنت مخاض ويدفع جبرانين هذا ( عند عدم القربى في غير جهة المخرجة ) بخلاف ما إذا وجدها للاستغناء عن زيادة الجبران بدفع الواجب من القربى فإن كانت القربى في غير جهة المخرجة كأن لزمه بنت لبون عدمها مع الحقة ووجد بنت مخاض لم يلزمه إخراجها مع جبران بل يجوز له إخراج جذعة مع أخذ جبرانين لأن بنت المخاض وإن كانت أقرب إلى بنت اللبون ليست في جهة الجذعة وقولي فأكثر مع التقييد بجهة المخرجة من زيادتي ( ولا يبعض جبران ) فلا يجزىء شاة وعشرة دراهم لجبران واحد لأن الخبر يقتضي التخيير بين شاتين وعشرين درهما فلا يجوز خصلة ثالثة كما في الكفارة فلا يجوز أن يطعم خمسة ويكسو خمسة ( إلا لمالك رضي ) بذلك فيجزي لأن الجبرانحقه فله أسقاطه وهذا من زيادتي وأما الجبرانان فيجوز تبعيضهما فيجزىء شاتان وعشرون درهما لجبرانين كالكفارتين ( ويجزىء ) في إخراج الزكاة ( نوع عن ) نوع ( آخر ) كضأن عن معز وعكسه من الغنم وأرجبية عن مهرية وعكسه من الإبل وعراب عن جواميس وعكسه من البقر ( برعاية القيمة ) كأن تساوي ثنية المعز في القيمة جذعة الضأن لاتحاد الجنس سواء اتحد نوع ماشيته أم اختلف ( ففي ثلاثين عنزا ) وهي أنثى المعز ( وعشر نعجات ) من الضأن ( عنز أو نعجة بقيمة
____________________
(1/182)
ثلاثة أرباع عنز وربع نعجة ) فلو كانت قيمة عنز مجزئة دينارا أو نعجة مجزئة دينارين لزم عنزا أو نعجة قيمتها دينار وربع ( وفي عكسه ) أي المثال المذكور ( عكسه ) أي الواجب فالواجب فيه نعجة أو عنز بقيمة ثلاثة أرباع نعجة وربع عنز والتصريح بهذا من زيادتي ( ولا يؤخذ ناقص ) من ذكر ومعيب وصغير ( في غير ما مر ) من جواز أخذ ابن اللبون أو الحق والذكر من الشياه في الإبل أو التبيع في البقر أو النوع الأردإ عن الأجود بشرطه ( إلا من مثله ) بأن تمحضت ماشيته ذكورا أو كانت ناقصة بعيب أو صغر فيؤخذ في ست وثلاثين من الإبل ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون يؤخذ في خمس وعشرين منها لئلا يسوى بين النصابين ويعرف ذلك بالتقويم والنسبة فإذا كانت قيمة المأخوذ في خمس وعشرين خمسين درهما تكون قيمة المأخوذ في ستة وثلاثين اثنين وسبعين درهما بنسبة زيادة الجملة الثانية على الجملة الأولى وهي خمسان وخمس خمس ويؤخذ في خمس عشرين معيبة من الإبل معيبة متوسطة وفي ست وثلاثين فصيلا فصيل فوق المأخود في خمس وعشرين وفي ست وأربعين فصيل فوق المأخوذ في ست وثلاثين وعلى هذا القياس ( فإن اختلف ماله نقصا ) وكمالا واتحد نوعا ( فكامل ) يخرجه ( برعاية القيمة وإن لم يوف تمم بناقص ) وقولي فإن اختلف إلى آخره من زيادتي والمراد بالنقص ما يثبت رد المبيع وخرج به ما لو اختلف ماله صفة فقط فالواجب الأغبط ( ولا ) يؤخذ ( خيار ) كحامل وأكولة وهي المسمنة للأكل وربى وهي الحديثة العهد بالنتاج بأن يمضي لها من ولادتها نصف شهر كما قاله الأزهري أو شهران كما نقله الجوهري ( إلا برضا مالكها ) بأخذها نعم إن كانت كلها خيارا أخذ الخيار منها إلا الحوامل فلا تؤخذ منها حامل كما نقهل الإمام واستحسنه ( و ) ثالثها ( مضى حول في ملكه ) لخبر لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول رواه أبو داود وغيره وهو وإن كان ضعيفا مجبور بآثار صحيحة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وغيرهم ( و ) لكن ( لنتاج نصاب ) بقيد زدته بقولي ( ملكه بملكه ) أي بسبب ملك النصاب ( حول النصاب ) وإن ماتت الأمهات وذلك بأن بلغت به نصابا كمائة وعشرين من الغنم نتج منها واحدة فتجب شاتان
فإن لم تبلغ به نصابا كمائة نتج منها عشرون فلا أثر له والأصل في ذلك ما رواه مالك في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال لساعيه اعتد عليهم بالسخلة وهي تقع على الذكر والأنثى وأيضا المعنى في اشتراط الحول أن يحصل النماء والنتاج نماء عظيم فيتبع الأصول في الحول أما ما نتج من دون نصاب وبلغ به نصابا فيبتدأ حوله من حين بلوغه وعلم بما ذكر أنه لو زال ملكه عن النصاب أو بعضه ثم عاد بشراء أو غيره ولو بمثله كإبل بإبل
____________________
(1/183)
استؤنف الحول بما فعله وإن قصد به الفرار من الزكاة وهو مكروه عن قصد الفرار وأنه لا يضم إلى ما عنده في الحول ما ملكه بشراء أو غيره كهبة وإرث ووصية لأنه ليس في معنى النتاج المذكور وإنما ضم إليه في النصاب لأنه بالكثرة فيه بلغ حدا يحتمل المواساة فلو ملك ثلاثين بقرة ستة أشهر ثم اشترى عشرا فعليه عند تمام الحول الأول للثلاثين تبيع ولكل حول بعده ثلاثة أرباع مسنة وعند تمام كل حول للعشرة ربع مسنة وأنه لو انفصل النتاج بعد الحول لم يكن حول النصاب حوله لتقرر واجب أصله ولأن الحول الثاني أولى به ( فلو ادعى ) المالك ( النتاج بعده ) أي بعد الحول ( صدق ) لأن الأصل عدم وجوده قبله ( فإن اتهم ) أي اتهمه الساعي ( سن تحليفه ) والتصريح بسن تحليفه من زيادتي
( و ) رابعها ( إسامة مالك لها كل الحول ) لقوله في خبر أنس وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة دل بمفهومه على نفي الزكاة في معلوفة الغنم وقيس بها معلوفة الإبل الله تبارك وتعالى رضي الله عنهن الرب عز وجل والبقر واختصت السائمة بالزكاة لتوفر مؤنتها بالرعي في كلأ مباح أو مملوك قيمته يسيرة لا يعد مثلها كلفة في مقابلة نمائها ( لكن لو علفها قدرا تعيش بدونه بلا ضرر بين ولم يقصد به قطع سوم لم يضر )
أما لو سامت بنفسها أو أسامها غير مالكها كغاصب أو اعتلفت سائمة أو علفت معظم الحول أو قدر ألا تعيش بدونه أو تعيش لكن بضرر بين أو بلا ضرر بين لكن قصد به قطع سوم أورثها وتم حولها ولم يعلم فلا زكاة لفقد إسامة المالك المذكورة والماشية تصبر عن العلف يوما أو يومين لا ثلاثة وتعبيري بإسامة المالك لها أولى من قوله وكونها سائمة وقوله ولم يقصد به قطع سوم من زيادتي ( ولا زكاة في عوامل ) في حرث أو نحوه لاقتنائها للاستعمال لا للنماء كثياب البدن ومتاع الدار ( وتؤخذ زكاة سائمة عند ورودها ماء ) لأنها أقرب إلى الضبط حينئذ فلا يكلفهم الساعي ودها إلى البلد كما لا يلزمه أن يتبع المراعي ( وإلا ) أي وإن لم ترد الماء بأن اكتفت بالكلأ في وقت الربيع ( ف ) عند ( بيوت أهلها ) وأفنيتهم وذلك لخبر البيهقي تؤخذ صدقات أهل البادية على مياههم وأفنيتهم وهو منزل على ما قلنا ( ويصدق مخرجها في عددها إن كان ثقة وإلا فتعدو الأسهل ) عدها ( عند مضيق ) تمر به واحدة واحدة وبيد كل من المالك والساعي أو نائبهما قضيب يشيران به إلى كل واحدة أو يصيبان به ظهرها لأن ذلك أبعد عن الغلط فإن اختلفا بعد العد وكان الواجب يختلف به أعاد العد وتعبيري بالمخرج أعم من تعبيره بالمالك وقولي والأسهل من زيادتي
( ولو اشترك اثنان ) مثلا ( من أهل زكاة في نصاب أو في أقل ) منه ( ولأحدهما نصاب ) ولو في غير ماشية من
____________________
(1/184)
نقد أو غيره ( زكيا كواحد ) لقوله في خبر أنس ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة نهى المالك عن التفريق وعن الجمع خشية وجوبها أو كثرتها ونهى الساعي عنهما خشية سقوطها أو قلتها والخبر ظاهر في خلطة الجوار الآتية ومثلها خلطة الشيوع بل أولى وعلم من اعتبار النصاب اعتبار اتحاد الجنس وإن اختلف نوعه من التشبيه اعتبار الحول من سنة ودونها كما في التمر والحب
ويعتبر ابتداء حول الخلطة منها وأفادت زيادتي أو في أقل ولأحدهما نصاب أن الشركة فيما دون نصاب تؤثر إذا ملك أحدهما نصابا كأن اشتركا في عشرين شاة مناصفة وانفرد أحدهما بثلاثين فيلزمه أربعة أخماس شاة والآخر خمس شاة بخلاف ما إذا لم يكن لأحدهما نصاب وإن بلغه مجموع المالين كأن انفرد كل منهما بتسعة عشر شاة واشتركا في ثنتين ( كما لو خلطا جوارا ) بكسر الجيم أفصح من ضمها ( واتحد مشرب ) أي موضع شرب الماشية ( ومسرح ) أي الموضع الذي تجتمع فيه ثم تساق إلى المرعى ( ومراح ) بضم الميم أي مأواها ليلا ( وراع ) لها ( وفحل نوع ) بخلاف فحل أكثر من نوع فلا يضر اختلافه للضرورة ومعنى اتحاده أن يكون مرسلا في الماشية وإن كان ملكا لأحدهما أو معارا له أو لهما وتقييد اتحاد الفحل بنوع من زيادتي ( ومحلب ) بفتح الميم أي مكان الحلب بفتح اللام يقال للبن وللمصدر وهو المراد هنا
وحكى سكونها ( وناطور ) بمهملة وحكى إعجامها أي حافظ الشجر والزرع ( وجرين ) أي موضع تجفيف التمر وتخليص الحب ( ودكان ومكان حفظ ونحوها ( كمرعى وطريقه ونهر يسفي منه وحراث وميزان ووزان ومكيال وكيال وليس المراد أن ما يعتبر اتحاده يعتبر كونه واحدا بالذات بل أن لا يختص مال واحد منهما به فلا يضر التعدد حينئذ ( لا جالب ) فلا يشترط اتحاده كجازا لغنم ( و ) لا ( إناء ) يحلب فيه كآلة الجز والتصريح بهذين من زيادتي ( و ) لا ( نية خلطة ) لأن خفة المؤنة باتحاد المرافق لا تختلف بالقصد وعدمه
وإما اشترط الاتحاد فيما مر ليجتمع المالان كالمال الواحد ولتخف المؤنة على المحسن بالزكاة فلو افترق المالان فيما شرط الاتحاد فيه زمنا طويلا مطلقا أو يسيرا يقصد من المالكين أو أحدهما أو بتقرير للتفرق ضر وخرج بأهل الزكاة غيره كذمي ومكاتب
( باب زكاة النابت ) ( بقوت اختيارا من رطب وعنب وحب كبر وأرز ) بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد
____________________
(1/185)
الزاي في أشهر اللغات ( وعدس ) ودرة وحمص وباقلاء لأمره صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل
وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا رواه الترمذي وابن حبان وغيرهما ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري ولمعاذ حين بعثهما إلى اليمن لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والتمر والزبيب
رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وقيس بما ذكر فيهما ما في معناه والحصر في الثاني إضافي لخبر الحاكم وقال صحيح الإسناد عن معاذ أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء والسيل والبعل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب فأما القثاء والبطيخ والرمان والقضب فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء أزرع ذلك قصدا أو نبت اتفاقا والقضب بسكون المعجمة الرطب بفتح الراء وسكون الطاء وخرج بالقوت غيره كخوخ ومشمش وتين وجوز ولوز وتفاح وزيتون وسمسم وزعفران وبالاختيار ما يقتات ضرورة كحب حنظل وغاسول وترمس فلا تجب الزكاة في شي منها ( ونصابه ) أي القوت الذي تجب فيه الزكاة ( خمسة أوسق ) فلا زكاة فيما دونها لخبر الشيخين ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ( وهي بالرطل البغدادي ألف وستمائة ) من الأرطال لأن الوسق صاعا والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي وقدرت به لأنه الرطل الشرعي ( وهو مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وبالدمشقي ) وهو ستمائة درهم ( ثلاثمائة واثنان وأربعون ) رطلا ( وستة أسباع ) من رطل بناء على ما صححه النووي من أن رطل بغداد ما ذكر خلافا لما صححه الرافعي من أنها بالدمشقي ثلاثمائة وستة وأربعون رطلا وثلثان بناء على ما صححه من أن رطل بغداد مائة وثلاثون درهما فعليه إذا ضربتها في ألف وستمائة رطل مقدار الخمسة الأوسق تبلغ مائتي درهم وثمانية آلاف يقسم ذلك على ستمائة يخرج ما ذكره وعلى ما صححه النووي تضرب ما سقط من كل رطل وهو درهم وثلاثة أسباع درهم في ألف وستمائة يبلغ ألفي درهم ومائتي درهم وخمسة وثمانين درهما وخمسة أسباع درهم يسقط ذلك من مبلغ الضرب الأول يبقى مائتا ألف وخمسة آلاف وسبعمائة وأربعة عشر درهما وسبعا درهم وإذا قسم ذلك على ستمائة خرج ما صححه لأن مائتي ألف وخمسة آلاف ومائتي درهم في مقابلة ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلا والباقي وهو خمسمائة وأربعة عشر درهما وسبعا درهما في مقابلة ستة أسباع رطل لأن سبع الستمائة خمسة وثمانون وخمسة أسباع والنصاب المذكور تحديد والعبرة في بالكيل وإنما قدر بالوزن استظهارا والمعتبر في الوزن من كل نوع الوسط فإنه يشتمل على الخفيف والرزين ( ويعتبر ) في قدر النصاب غير الحب في رطب وعنب حالة كونه ( جافا إن تجفف غير ردىء وإلا فرطبا ) يعتبر ( ويقطع بإذن ) من الإمام وتخرج الزكاة منه ( كما لو ضر أصله )
____________________
(1/186)
لامتصاصه ماءه لعطش فإنه يعتبر رطبا ويقطع بالإذن ويؤخذ الواجب رطبا وقولي ويقطع إلى آخره مع التقييد بغير الردىء من زيادتي ( و ) يعتبر فيما ذكر ( الحب ) حالة كونه ( مصفى ) من تبنه يخلاف ما يؤكل قشره معه كذرة فيدخل في الحساب
وإن أزيل تنعما كما يقشر البر ولا تدخل قشرة الباقلا السفلى على ما في الروضة كأصلها عن العدة لكن استغربه في المجموع قال الأذرعي وهو كما قال والوجه ترجيح الدخول أو الجزم به ( وما ادخر في قشره ) ولم يؤكل معه ( من أرز وعلس ) بفتح العين واللام نوع من البر ( فعشرة أوسق غالبا ) نصابه اعتبارا لقشره الذي ادخاره فيه أصلح له وأبقى بالنصف وقد يكون خالصها من ذلك دون خمسة أوسق فلا زكاة فيها أو خالص ما دونها خمسة أوسق فهو نصاب وذلك ما احترزت عنه بزيادتي غالبا وتعبيري بما ذكر أولى من قوله كأرز وعلس لسلامته من إيهام أنه بقي شيء من الحبوب يدخر في قشره وليس كذلك ( ويكمل ) في نصاب ( نوع بآخر كبر بعلس ) لأنه نوع منه كما مر وهو قوت صنعاء اليمن وخرج بالنوع الجنس فلا يكمل بآخر كبر أو شعير بسلت بضم السين وسكون اللام فهو جنس مستقل لا بر ولا شعير فإنه حب يشبه البر في اللون والنعومة والشعير في برودة الطبع فلما اكتسب من تركب الشبهين وصفا انفرد به وصار أصلا برأسه ( ويخرج من كل ) من النوعين ( بقسطه فإن عسر ) إخراجه لكثرة الأنواع وقلة مقدار كل نوع منها ( فوسط ) منها يخرجه لا أعلاها ولا أدناها رعاية للجانبين ولو تكلف وأخرج من كل نوع قسطه جاز بل هو الأفضل ( ولا يضم ثمر عام وزرعه إلى ) ثمر وزرع عام ( آخر ) في إكمال النصاب وإن أطلع ثمر العام الثاني قبل جذاذ ثمر الأول ( ويضم بعض كل ) منهما ( إلى بعض ) وإن اختلف إدراكه لاختلاف أنواعه أو بلاده حرارة أو برودة كنجد وتهامة فتهامة حارة يسرع إدراك الثمر بها بخلاف نجد لبردها ( إن اتحد في العام قطع ) للثمر وللزرع وإن لم يقع الإطلاعان في الثمر والزراعتان في الزرع في عام لأن القطع هو المقصود وعدنه يستقر الوجوب ويستثنى مما ذكر ما لو أثمر نخل مرتين في عام فلا ضم بل هما كثمرة عامين وذكر اتحاد القطع في الثمر من زيادتي وبه صرح في الحاوي الصغير وهو الموافق لاعتبار اتحاد حصاد الزرع في العام وإن اعتبر ابن المقري اتحاد إطلاع الثمر فيه وما تقرر من اعتبار قطع اتحاد قطع الزرع فيه هو ما صححه الشيخان ونقلاه عن الأكثرين
لكن قال الأسنوي إنه نقل باطل ولم أر من صححه فضلا عن عزوه إلى الأكثرين بل صحح كثيرون اعتبار اتحاد الزرع في العام
ويجاب بأن ذلك لا يقدح في نقل الشيخين لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ( وفيما شرب ) من ثمر وزرع ( بعروقه ) لقربه من الماء وهو البعل ( أو بنحو مطر ) كنهر
____________________
(1/187)
وقناة حفرت منه وإن احتاجت إلى مؤنة ( عشر وفيما شرب ) منهما ( بنضج ) من نحو نهر بحيوان ويسمى الذكر ناضحا والأنثى ناضحة ويسمى هذا الحيوان أيضا سانية ( أو نحوه ) كدولاب بضم أوله وقد يفتح وهو ما يديره الحيوان وكناعورة وهو ما يديره الماء وكماء ملكه ولو بهبة لعظم المنة فيها أو غضبه لوجوب ضمانه ( نصفه ) أي نصف العشر والفرق ثقل المؤنة في هذا خفتها في الأول والأصل فيهما خبر البخاري فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما
سقي بالنضح نصف العشر وخبر الحاكم السابق والعثري بفتح المثلثة وقيل بإسكانها ما سقي بالسيل الجاري إليه في حفرة وتسمى الحفرة عاثوراء لتعثر الماء بها إذا لم يعلمها وتعبيري بنحو في الوضعين أعم مما عبر به فيهما ( وفيما شرب بهما ) أي بالنوعين كمطر ونضح ( يسقط باعتبار المدة ) أي مدة عيش الثمر والزرع ونمائهما لا بأكثرهما ولا بعدد السقيات فلو كانت المدة من يوم الزرع مثلا إلى يوم الإدراك ثمانية أشهر واحتاج في أربعة منها إلى سقية فسقي بالمطر وفي الأربعة الأخرى إلى سقيتين فسقي بالنضح وجب ثلاثة أرباع العشر وكذا لو جهلنا المقدار من نفع كل منهما باعتبار المدة أخذا بالأسوأ أو احتاج في ستة منها إلى سقيتين فسقي بماء السماء وفي شهرين إلى ثلاث سقيات فسقي بالنضح وجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر
ولو اختلف المالك والساعي في أنه سقي بماذا صدق المالك لأن الأصل عدم وجوب الزيادة عليه فإن اتهمه الساعي حلفه ندبا ولو كانت له زرع أو ثمر مسقى بمطر وآخر مسقى بنضح ولم يبلغ واحد منهما نصابا ضم أحدهما إلى الآخر لتمام النصاب وإن اختلف قدر الواجب وهو العشر في الأول ونصفه في الثاني فرع لو علمنا أن أحدهما أكثر وجهلنا عينه فالواجب ينقص عن العشر ويزيد على نصف العشر فيؤخذ اليقين إلى أن يعلم الحال قاله الماوردي وتعبيري بالمدة أعم من تعبيره بعيش الزرع ونمائه ( وتجب ) الزكاة فيما ذكر ( ببدو وصلاح ثمر ) لأنه حينئذ ثمرة كاملة وهو قبل ذلك بلح وحصرم ( واشتداد حب ) لأنه حينئذ طعام وهو قبل ذلك بقل ولا يشترط تمام الصلاح والاشتداد ولا بدو صلاح الجميع واشتداده كما زدته بقولي ( أو بعضهما )
وسيأتي في باب الأصول والثمار بيان بدو صلاح الثمر وليس المراد بوجوب الزكاة بما ذكر وجوب إخراجها في الحال بل انعقاد سبب وجوبه ولو أخرج في الحال الرطب والعنب مما يتتمر ويتزبب غير ردىء لم يجزه لو أخذه الساعي لم يقع الموقع ومؤنة جذاذ الثمر وتجفيفه وحصاد الحب وتصفيته من خالص مال المالك لا يحسب شيء منها من مال الزكاة ( وسن خرص ) أي حزر
____________________
(1/188)
( كل ثمر ) فيه زكاة إذا ( بدا صلاحه على مالكه ) للأمر به في الخبر السابق أول الباب فبطوف الخارص بكل شجرة ويقدر ثمرتها أو ثمرة كل النوع رطبا ثم يابسا ( لتضمين ) أي لنقل الحق من العين إلى الذمة تمرا أو زبيبا ليخرجه بعد جفافه ( وشرط ) في الخرص المذكور ( عالم به ) واحدا كان أو أكثر لأن الجاهل بالشيء من أهل الاجتهاد فيه وهذا من زيادتي ( أهل للشهادات ) كلها من عدالة وحرية وذكورة وغيرها مما يأتي لأن الخرص ولاية فلا يصح لها من ليس أهلا للشهادات واكتفى بالواحد لأن الخرص ينشأ عن اجتهاد فكان الحاكم ولخبر أبي داود وغيره بإسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة خارصا أول ما تطيب الثمرة ( و ) شرط تضمين ) من الإمام ونائبه أي تضمين الحق ( لمخرج ) من مالك أو نائبه
وخرج بالثمرة الزرع فلا خرص فيه لاستتار حبه لا يؤكل غالبا رطبا بخلاف الثمر ويبدو صلاحه ما قبله لأن الخرص لا يتأنى فيه إذ لا حق للمستحقين فيه ولا ينضبط المقدار لكثرة العاهات قبل بدو الصلاح وأفاد ذكر كل أنه لا يترك للمالك شيئا خلافا لقول قديم إنه يبقى له نخلة أو نخلات يأكلها أهله لخبر ورد فيخه وأجاب عنه الشافعي في الجديد بحمله على أنه يترك له ذلك من الزكاة لا من المخروص ليفرقه بنفسه على فقراء أقاره وجيرانه لطمعهم في ذلك منه قال الماوردي ولا دخل للخرص في نخيل البصرة لكثرتها ولإباحة أهلها اوكل منها للمجتاز وكلام الأصحاب يخالفه ( وقبول ) للتضمين كأن يقول له ضمنتك حق المستحقين من الرطب بكذا فيقبل ( فله ) أي للمالك حينئذ ( تصرف في الجميع ) أي جميع ما خرص بيعا وغيره لانقطاع التعلق عن العين فإن انتفى الخرص أو التضمين أو القبول لم ينفذ تصرفه في الجميع بل فيما عدا الواجب شائعا لبقاء الحق في العين لا معينا فلا يجوز له أكل شيء منه ( ولو ادعى تلفا ) له أو لبعضه ( فكوديع ) فإن ادعى تلفه مطلقا أو بسبب خفي كسرقة أو ظاهرا كبرد ونهب عرف دون عمومه صدق بيمينه أو عرف مع عمومه فكذلك إن أنهم وإن صدق بلا يمين فإن لم يعرف الظاهر طولب ببينة به لإمكانها ثم يصدق بيمينه في التلف به ولو ادعى تلفه بحريق في الجرين مثلا وعلمنا أنه لم يقع في الجرين حريق لم يبال بكلامه ( لكن اليمين ) هنا ( سنة ) بخلافها في الوديع فإنها واجبة وهذا مع حكم الإطلاق والتقييد بالاتهام من زيادتي ( أو ) ادعى ( حيف خارص ) فيما خرصه ( أو غلطه ) فيه ( بما يبعد لم يصدق ) إلا ببينة كما لو ادعى حيف حاكم أن كذب شاهد ( ويحط في الثانية ) القدر ( المحتمل ) بفتح الميم لاحتماله وهذا من زيادتي ( أو ) ادعى غلطه ( به ) أي بالمحتمل ( بعد تلف ) للمخروص ( صدق بيمينه ) ندبا ( إن اتهم ) وإلا صدق بلا يمين فإن لم يتلف أعيد كيله وعمل به ولو ادعى غلطه ولم يبين قدرا لم تسمع دعواه وقولي بعد تلف مع قولي بيمينه إن اتهم من زيادتي
____________________
(1/189)
( باب زكاة النقد ) ولو غير مضروب والأصل فيها ما ما يأتي آية والذي يكنزون الذهب والفضة فسرت بذلك ( يجب في عشرين مثقالا ذهبا و ) في ( مائتي درهم فضة فأكثر ) من ذلك ( بوزن مكة بعد حول ربع عشر ) لخبر أبي داود وغيره بإسناد صحيح أو حسن كما في المجموع ليس في أقل من عشرين دينارا وفي عشرين نصف دينار وخبر الشيخين ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة
وروى البخاري في خبر أنس السابق في زكاة الحيوان وفي الرقة ربع العشر والرقة والورق الفضة والهاء عوض من الواو الأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء على الأشهر أربعون درهما واعتبار الحول ووزن مكة رواهما أبو داود وغيره
والمعنى في ذلك أن للذهب والفضة معدان للنماء كالماشية في السائمة وبما ذكر علم أن نصاب الذهب عشرون دينار أو نصاب الفضة مائتا درهم فضة وأنه لا وقص في ذلك كالمعشرات التجزؤ بلا ضرر بخلاف الماشية وأنه لا زكاة فيما دون النصاب وإن تم في بعض الموازين ولا في مغشوش حتى يبلغ خالصه نصابا فيخرج زكاته خالصا أو مغشوشا خالصة قدرها لكن يتعين على الولي إخراج الخالص حفظا للنحاس ولا في سائر الجواهر كلؤلؤ وياقوت وفيروز لعدم ورود الزكاة فيها ولأنها معدة للاستعمال كالماشية العاملة ولا قبل الحول
والدرهم ستة دوانق والدانق سدس درهم وهو ثمان حبات وخمسا حبة فالدرهم خمسون حبة وخمسا حبة ومتى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ووزن نصاب الذهب بالأشرفي خمسة وعشرون وسبعان وتسع وقولي فأكثر من زيادتي ( ولو اختلط إناء منهما ) بأن سبكا معا وصيغ منهما الإناء ( وجهل ) أكثرهما ( زكى كلا ) منها بفرضه ( الأكثر ) إن احتاط فإذا كان وزنه ألفا من أحدهما ستمائة ومن الآخر أربعمائة زكى ستمائة ذهبا وستمائة فضة
ولا يجوز فرض كله ذهبا لأن أحد الجنسين لا يجزىء عن الآخر وإن كان أعلى منه كما مرت الإشارة إليه ( أو ميز ) بينهما بالنار أو بالماء كأن يضع فيه ألفا ذهبا ويعلم ارتفاعه ثم ألفا فضة ويعلمه ثم يضع فيه المخلوط فإلى أيهما كان ارتفاعه أقرب فالأكثر منه قال في البسيط ويحصل ذلك بسبك قدر يسير إذا تساوت أجزاؤه ( ويزكى ) مما ذكر ( محرم ) كآنية ( ومكروه ) كضبة قضة صغيرة لزينة حليا كان أو غيره وذلك المكروه من زيادتي ( لا حلى مباح ) كسوار لمرأة بقيدين زدتهما بقولي ( علمه ) المالك ( ولم ينو
____________________
(1/190)
كنزه ) فلا يزكى لأن زكاة الذهب والقضة تناط بالاستغناء عن الانتفاع بهما لا بجوهرهما إذ لا غرض في ذاتهما
ولأنه معد لاستعمال مباح كعوامل الماشية ( ولو انكسر إن قصد إصلاحه ) بقيد زدته بقولي ( وأمكن لا صوغ ) له بأن أمكن بإلحام لبقاء صورته وقصد إصلاحه فإن لم يقصد إصلاحه بل قصد جعله تبرا أو درهما أو كنزه أو لم يقصد شيئا على ما رجحه في الروضة والشرح الصغير أو أحوج انكساره إلى صوغ وجبت زكاته وينعقد حوله من حين انكساره لأنه غير مستعمل ولا معد لاستعمال وخرج بقولي علمه ما لو ورث حليا مباحا ولم يعلمه حتى مضى عام وجبت زكاته لأنه لم ينو إمساكه لاستعمال مباح قاله الروياني وذكر عن والده لاحتمال وجه فيه إقامة لنية مورثة مقام نيته وبقولي ولم ينو ما لو نواه فتجب زكاته أيضا ( ومما يحرم سوار ) بكسر السين أكثر من ضمها ( وخلخال ) بفتح الخاء ( للبس رجل وخنثى ) بأن قصد ذلك باتخاذهما فيهما محرمان بالقصد بخلاف اتخاذهما للبس غيرهما من امرأة وصبي أو لإعارتهما أو إجارتهما لمن له استعمالهما أو لا لقصد شيء أو يقصد كنزهما وإن وجبت الزكاة في الأخيرة كما علم مما مر ( وحرم عليهما أصبع ) من ذهب أو فضة فاليد بطريق الأولى ( وحلى ذهب وسن وخاتم منه ) أي من الذهب قال صلى الله عليه وسلم أحل الذهب والحرير لإناث أمتى وحرم على ذكورها
وصححه الترمذي وألحق بالذكور الخناثى احتياطا ( لا أنف وأنملة ) بتثليث الهمزة والميم ( وسن ) أي لا يحرم اتخاذها من ذهب على مقطوعها وإن أمكن اتخاذها من الفضة الجائزة لذلك بالأولى لأنه لا تصدأ غالبا ولا يفسد المنبت ولأن عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب بضم الكاف اسم لماء كانت الوقعة عنده في الجاهلية فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وقيس بالأنف السن وإن تعددت والأنملة ولو لكل أصبع والفرق بينهما وبين الأصبع واليد أنها تعلم بخلافهما فلا يجوز اتخاذهما من ذهب ولا فضة كما مر ( وخاتم فضة ) لأنه صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة رواه الشيخان وذكر حكم الخنثى فيما ذكر من زيادتي ( و ) يحل ( لرجل منها ) أي من الفضة ( حلية ) أي تحليه ( آلة حرب بلا سرف ) فيها ( كسيف ورمح ) وخف وأطراف سهام لأنها تغيظ الكفار
أما مع السرف فيها فتحرم لما فيه من زيادة الخيلاء ( لا ) حلية ( ما لا يلبسه كسرج ولجام ) وركاب لأنه غير ملبوس له كالآنية
وخرج بالفضة الذهب فلا يحل منه لمن ذكر شيء من ذلك لما فيه من زيادة الخيلاء وبالرجل في الثانية المرأة والخنثى فلا يحل لهما شيء من ذلك لما فيه من التشبيه بالرجال وهو حرام على المرأة وكعكسه وإن جاز لها المحاربة بآلة الحرب في الجملة وألحق بها الخنثى احتياطا وظاهر من حل تحلية ما ذكر أو تحريمه حل
____________________
(1/191)
استعماله وتحريمه محلى لكن إن تعينت الحرب على المرأة والخنثى ولم يجدا غيره حل استعماله ( ولا مرأة ) في غير آلة الحرب ( لبس ) أنواع ( حليهما ) أي الذهب والفضة كطوق وخاتم وسوار ونعل وكقلادة من دراهم ودنانير معراة قطعا ومثقوبة على الأصح في المجموع لدخولها في اسم الحلى ورد به تصحيح الرافعي تحريمها وإن اتبعه في الروضة وقد يقال بكراهتها خروجا من الخلاف فعلى التحريم والكراهة تجب زكاتها وعلى الإباحة لا تجب وإن زعم الأسنوي أنها تجب ( وما نسج بهما ) من الثياب كالحلى لأن ذلك من جنسه ( إلا إن بالغت في سرف ) في شيء من ذلك كخلخال وزنه مائة مثقال فلا يحل لها لأن المقتضى لإباحة الحلى لها التزين للرجال المحرك للشهوة الداعي لكثرة النسل ولا زينة في مثل ذلك بل تنفر منه النفس لاستبشاعه فإن أسرفت بلا مبالغة لم يحرم لكنه يكره فتجب فيه الزكاة وفارق ما سر في آلة الحرب حيث لم يغتفر فيه عدم المبالغة بأن الأصل في الذهب والفضة حلهما للمرأة بخلافهما لغيرها فاغتفر لها قليل السرف وكالمرأة الطفل في ذلك لكن لا يقيد بغير آلة الحرب فيما يظهر وخرج بالمرأة الرجل والخنثى فيحرم عليهما لبس حلى الذهب والفضة على ما رم
وكذا ما نسج بهما إلا إن فاجأتهما الحرب ولم يجدا غيره وتعينت على الخنثى ( ولكل ) من المرأة وغيرها
( تحلية مصحف بفضة ) إكرما له ( ولها ) دون غيرها تحليته ( بذهب ) لعموم خبر أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها وفي فتاوى الغزالي أم من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن ولا زكاة عليه
( تنبيه ) قال في المجموع نقلا عن جمع وحيث حرمنا الذهب المراد به إذا لم يصدأ فإن صدىء بحيث لا يبين لم يحرم
( باب زكاة المعدن والركاز والتجارة ) ( من استخرج ) من أهل الزكاة ( نصاب ذهب أو فضة ) فأكثر ( من معدن ) أي مكان خلقه فيه موات أو ملك له ويسمى به المستخرج أيضا كما في الترجمة ( لزمه ربع عشره ) لخبر وفي الرقة ربع العشر
ولخبر الحاكم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة ( حالا ) فلا يعتبر الحول لأنه إنما يعتبر للتمكن من تنمية المال والمستخرج من معدن نماء في نفسه واعتبر النصاب لأن ما دونه لا يحتمل المواساة كما في سائر الأموال الزكوية ( ويضم
____________________
(1/192)
بعض نيله لبعض إن اتحد معدن واتصل عمل أو قطعه لعذر ) كمرض وسفر وإصلاح آلة وإن طال الزمن عرفا أو زال الأول عن ملكه وقولي إن اتحد معدن من زيادتي ( وإلا ) بأن تعدد المعدن أو قطع العمل بلا عذر ( فلا يضم ) نيلا ( أو لثان في إكمال نصاب ) وإن قصر الزمن لعدم الاتحاد في الأول ولإعراضه في الثاني ( ويضم ثانيا لما ملكه ) من جنسه أو من عرض تجارة يقوم به ولو من غير المعدن كإرث في إكماله فإن كمل به النصاب زكى الثاني فلو استخرج تسعة عشر مثقالا بالأول ومثقالا في الثاني فلا زكاة في التسعة عشر وتجب في المثقال كما تجب فيه لو كان مالكا لتسعة عشر من غير المعدن وخرج بالفضة والذهب غيرهما كحديد ونحاس وياقوت وكحل فلا زكاة فيه وبقولي لثان غيره مما يملكه فيضم إليه نظير ما مر ووقت وجوب إخراج زكاة المعدن عقب تخليصه ونتقيته ومؤنة ذلك على المالك وتعبيري بما ملكه أعم من تعبيره بالأول ( وفي ركاز ) بمعنى مركوز ككتاب بمعنى مكتوب ( من ذلك ) أي من نصاب أو فضة فأكثر ولو بضمه إلى ما ملكه مما مر ( خمس ) رواه الشيخان وفارق وجوب ربع العشر في المعدن بعدم المؤنة أو خفتها ( حالا ) فلا يعتبر الحول لما مر في المعدن ( يصرف ) أي الخمس ( كمعدن ) أي زكاته ( مصرف الزكاة ) لأنه حق واجب في المستفاد من الأرض فأشبه الواجب في الثمار والزروع
وقولي كمعدن من زيادتي ( وهو ) أي الركاز ( دفين ) هو أولى من قوله موجود ( جاهلي فإن وجده ) من هو أهل للزكاة ( بموات أو ملك أحياه زكاة )
وفي معنى الموات القلاع والقبور الجاهلية ( أو وجد بمسجد أو شارع ) أو وجد دفين ( إسلامي ) بأن وجد عليه شيء من القرآن أو اسم ملك من ملوك الإسلام ( وعلم مالكه ) في الثالثة ( فله ) فيجب رده عليه وذكر هذا في وجدانه في مسجد أو شارع من زيادتي ( أو جهل ) أي المالك في الثلاثة ( فلقطة ) فيعرفه الواجد سنة ثم له أن يتملكه إن لم يظهر مالكه ( كما ) يكون لقطة ( لو جهل حال الدفين ) أي لم يعرف أنه جاهلي أو إسلامي بأن كان مما يضرب مثله في الجاهلية والإسلام
ومما لا أثر عليه كالتبر والحلى ( أو ) وجد ( بملك شخص فله ) أي للشخص ( إن ادعاه ) يأخذه بلا يمين كأمتعة الدار ( وإلا ) أي وإن لم يدعه ( فلمن ملك منه وهكذا ) حتى ينتهي الأمر ( إلى المحي ) للأرض فيكون له وإن لم يدعه لأنه بالإحياء ملك ما في الأرض وبالبيع لم يزل ملكه عنه فإنه مدفون منقول فإن كان المحي أو من تلقى الملك عنه مينا فورثته قائمون مقامه فإن قال بعضهم هو لمورثنا وأباه بعضهم سلم نصيب المدعي إليه وسلك بالباقي
____________________
(1/193)
ما ذكر فإن أيس من مالكه تصدق به الإمام أو من هو في يده ( ولو ادعاه اثنان ) وقد وجد في ملك غيرهما ( فلمن صدقه المالك ) فيسلمه له وهذا من زيادتي ( أو ) ادعاه ( بائع ومشتر أو مكر ومكتر أو معير ومستعير )
وقال كل منهما هو لي وأنا ذقته ( حلف ذو اليد ) من المدعين في الثلاث ليصدق كما لو تنازعا في متاع الدار بقيد زدته بقولي ( إن أمكن ) صدقه ولو على بعد فإن لم يمكن لكون مثل ذلك لا يمكن دفنه في مدة يده لم يصدق ولو وقع التنازع بعد عود الملك إلى البائع أو المكري أو المعير فإن قال كل منهما دفنته بعد عود الملك إلى صدق بيمينه إن أمكن ذلك وإن قال دفنته قبل خروجه من يدي صدق المشتري والمكتري والمستعير على الأصح لأن المالك سلم له حصول الكنز في يده فيده تنسخ اليد السابقة ( و ) الواجب ( فيما ملك بمعاوضة ) مقرونة ( بنية تجارة ) وإن لم يجددها في كل تصرف ( كشراء وإصداق ) وهبة بثواب واكتراء لا كإقالة ورد بعيب وهبة بلا ثواب واحتطاب لانتفاء المعاوضة ( ربع عشر قيمته ) أما أنه ربع عشر فكما في الذهب والفضة لأنه يقوم بهما وأما أنه من القيمة فلأنها متعلقة فلا يجوز إخراجه من عين العرض ( ما لم ينو القنية ) فإن نوى لها انقطع الحول فيحتاج إلى تجديد النية مقرونة بتصرف
والأصل في زكاة التجارة خبر الحاكم بإسنادين صحيحين على شرط الشيخين في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البر صدقته وهو يقال لأمتعة البزاز وللسلاح وليس فيه زكاة عين فصدقته زكاة تجارة وهي تقليب المال بمعاوضة لغرض الربح وكلامهم يشمل ما ملك باقتراض بنية التجارة فتكفي نيتها لكن في التتمة أنها لا تكفي لأن القرض ليس مقصوده التجارة بل الإرفاق وإنما تجب زكاة التجارة ( بشرط حول ونصاب ) كغيرها ( معتبرا ) أي النصاب ( بآخره ) أي بآخر الحول لا بطرفيه ولا بجمعيه لأن الاعتبار بالقيمة وتعسر مراعاتها كل وقت لاضطراب الأسعار انخفاضا وارتفاعا
واكتفى باعتبارها آخر الحول لأنه وقت الوجوب ( فلورد ) مال التجارة ( في أثنائه ) أي الحول ( إلى نقد ) كأن بيع به وكان مما ( يقوم به آخره ) أي آخر الحول ( وهو دون نصاب واشترى به عرض ابتدىء حوله ) أي العرض ( من ) حين شرائه لتحقق نقص النصاب بالنتضيض بخلافه قبله فإنه مظنون أما لو باعه بعرض أو بنقد لا يقوم به آخر الحول كأن باعه بدراهم والحال يقتضي التقويم بدنانير أو بنقد يقوم به وهو نصاب فحوله باق وقولي يقوم به إلى آخره من زيادتي ( ولو تم ) أي حول مال التجارة ( وقيمته دون نصاب ) بقيد زدته بقولي ( وليس معه ما يكمل به ) النصاب ( ابتدىء حول ) فإن كان معه ما يكمل به فإن ملكه من أول الحول زكاهما آخره كما لو كان معه مائة درهم فابتاع بخمسين منها عرضا
____________________
(1/194)
للتجارة وبقي في ملكه خمسون وبلغت قيمة العرض آخر الحول مائة وخمسين فيضم لما عنده وتجب زكاة الجميع وإن ملكه وإن ملكه في أثنائه كما لو ابتاع بالمائة ثم ملك خمسين زكى الجميع إذا تم حول الخمسين ( وإذا ملكه ) أي مال التجارة ( بعين نقد نصاب أو دونه وفي ملكه باقيه ) كأن اشتراه بعين عشرين مثقالا وبعين عشرة وفي ملكنه عشرة أخرى ( بنى على حوله ) أي حول النقد ( وإلا ) بأن اشتراه بنقد في الذمة وإن نقده في الثمن أو بعرضه قنية ولو سائمة أو بنقد دون نصاب وليس في ملكه باقية ( ف ) حوله ( من ) حين ( ملكه ) وفارقت الأولى ما لو اشتراه بعين النقد بأن النقد لا يتعين صرفه للشراء فيها بخلافه في تلك والتقييد بالعين مع قولي أو دونه وفي ملكه باقيه من زيادتي ( ويضم ربح ) حاصل في أثناء الحول ولو من عين العرض كولد وثمر ( لأصل في الحول إن لم ينض ) بكسر النون بقيد زدته بقولي ( بما تقوم به ) الآتي بيانه فلو اشترى عرضا بمائتي درهم صارت قيمته في الحول ما ولو قبل آخره بلحظة ثلاثمائة أو نص فيه بها وهي مما لا يقوم به زكاها آخره
أما إذا نض أي صار ناضا دراهم أو دنانير بما يقوم به وأمسكه إلى آخر الحول فلا يضم إلى الأصل بل يزكى الأصل بحوله ويفرد الربح بحول كأن اشترى عرضا بمائتي درهم وباعه بعد ستة أشهر بثلاثمائة وأمسكها إلى آخر الحول أو اشترى بها عرضا يساوي ثلاثمائة آخر الحول فيخرج زكاة مائتين فإذا مضت ستة أشهر زكى المائة ( وإذا ملكه ) أي مال التجارة ( بنقد ) ولو في ذمته أو غير نقد البلد الغالب أو دون نصاب ( قوم به ) لأنه أصل ما بيده وأقرب إليه من نقد البلد فلو لم يبلغ به نصابا لم تجب الزكاة وإن بلغ بغيره ( أو ) ملكه ( بغيره ) أي بغير نقد كعرض ونكاح وخلع ( فبغالب نقد البلد ) يقوم فلو حاتل الحول بمحل لا نقد فيه كبلد يتعامل فيه بفلوس أو نحوها اعتبر أقرب بلاد إليه وقولي أو بغيره أعم من قوله بعرض ( أو ) ملكه ( بهما ) أي بنقد وغيره ( قوم ما قابل النقد به والباقي بالغالب ) من نقد البلد ( فإن غلب نقدان ) على التساوي ( أي مال التجارة ( نصابا بأحدهما ) دون الآخر ( قوم ) ما لها في الثانية وما قابل غير النقد في الثالثة ( به ) لتحقق تمام النصاب بأحد النقدين وبهذا فارق ما مر من أنه لا زكاة فيما لو تم النصاب في ميزان دون آخر أو بنقد به دون نقد يقوم به ( أو ) بلغ نصابا ( بهما أي بكل منهما ( خير ) المالك كما في شاتي الجبران ودارهمه وهذا ماصححه في أصل الروضة ونقل الرافعي تصحيحه عن العراقيين والروياني وبه الفتوى كما في المهمات وخالف في المنهاج كأصله فصحح أنه يتعين الأنفع للمستحقين ونقل الرافعي تصحيحه عن مقتضى إيراد الإمام والبغوي وقولي فإن غالب نقدان إلى آخره من زيادتي في الثالثة
____________________
(1/195)
( وتجب فطرة رقيق تجارة مع زكاتها ) لاختلاف سببيهما ( ولو كان ) أي مال التجارة ( مما تجب الزكاة في عينه ) كسائمة وثمر ( وكمل ) بتثليث الميم ( نصاب إحدى الزكاتين ) من عين وتجارة دون نصاب الأخرى كأربعين شاة لا تبلغ قيمتها نصابا آخر الحول أو تسع وثلاثين فأقل قيمتها نصاب
( وجبت ) زكاة ما كمل نصابه ( أو ) كمل ( نصابهما فزكاة العين ) تقدم في الوجوب على زكاة التجارة لقوتها للاتفاق عليها بخلاف زكاة التجارة فعلم أنه لا يجتمع الزكاتان ولا خلاف فيه كما في المجموع فلو كان مع ما فيه زكاة عين ما لا زكاة في عينه كأن اشترى شجرا للتجارة فبدا قبل حوله صلاح ثمره وجب مع تقديم زكاة العين عن الثمر زكاة الشجر عند تمام حوله وقولي مما تجب الزكاة في عينه أعم من قول سائمة
( فلو سبق حول ) زكا ( التجارة حول زكاة العين ) كأن اشترى بماله بعد ستة أشهر نصاب سائمة أو اشترى به معلوفة للتجارة ثم أسامها بعد ستة أشهر ( زكاها ) أي التجارة أي مالها لتمام حولها ولئلا يبطل بعض حولها ( وافتتح ) من تمامه ( حولا لزكاة العين أبدا ) فتجب في بقية الأحوال
( وزكاة مال قراض على مالكه ) وإن ظهر فيه ربح لأنه ملكه إذ العامل إنما يملك حصته بالقسمة لا بالظهور كما أن العامل في الجعالة إنما يستحق الجعل بفراغه من العمل
( فإن أخرجها ) من غيره فذاك ( منه حسبت من الربح ) كالمؤن التي تلزم المال من أجرة الدلال والكيال وغيرهما
باب زكاة الفطر الأصل في وجوبها قبل الإجماع خبر ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين وخبر أبي سعيد كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت رواهما الشيخان
( تجب ) زكاة الفطر ( بأول ليلة وآخر ما قبله ) أي بإدراك آخر جزء من رمضان وهو من زيادتي وأول جزء من شوال لإضافتها إلى الفطر في الخبرين السابقين
( على حر ومبعض بقسطه ) من الحرية بقيد زدته بقولي ( حيث لا مهايأة ) بينه وبين مالك بعضه فإن كانت مهايأة
____________________
(1/196)
اختصت الفطرة بمن وقع زمن وجوبها في نوبته ومثله في ذلك الرقيق المشترك وخرج بالحر والمبعض الرقيق لأن غير المكاتب لا يملك شيئا وفطرته على سيده كما سيأتي والمكاتب ملكه ضعيف فلا فطرة عليه ولا على سيده عنه لنزوله منزلة الأجنبي
( عن مسلم يمونه ) من نفسه ومن غيره من زوجته وقريب ورقيق
( حينئذ ) أي حين وجوبها وإن طرأ مسقط للنفقة أو غيبة أو غصب سواء أكان المخرج عن غيره مسلما أم كافرا ووجوب فطرة زوجة الكافر عليه من زيادتي وصورته أن تسلم تحته ويدخل وقت الوجوب وهو متخلف فهي واجبة عليه عنها لأنها تجب ابتداء على المؤدى عنه ثم يتحملها عنه المؤدي وبما تقرر علم أن الفطرة لا تجب لمن حدث بعد الوجوب كولد ورقيق لعدم وجوده وقت الوجوب وأن الكافر لا تجب عليه فطرة نفسه لقوله في الخبر السابق من المسلمين ولأنها طهرة والكافر ليس من أهلها نعم وجوب فطرة المرتد ومن عليه مؤنته موقوف على عوده إلى الإسلام
( لا عن حليلة أبيه ) فلا يلزمه فطرتها وإن لزمه نفقتها للزوم الإعفاف الآتي في بابه ولأن النفقة لازمة للأب مع إعساره فتحملها الولد بخلاف الفطرة وتعبيري بما ذكر أعم من قوله ولا لابن فطرة زوجة أبيه
( ولا ) عن ( رقيق بيت مال ومسجد ورقيق موقوف ) ولو على معين وهذا من زيادتي
( وسن إخراجها قبل صلاة عيد ) بأن تخرج قبلها في يوم لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة وتعبيري بذاك أولى من قولي ويسن أن لا تؤخر عن صلاته الصادق بإخراجها مع الصلاة مع أنه غير مراد وتعبيرهم بالصلاة جرى على الغالب من فعلها أول النهار فإن أخرت سن الأداء أو النهار للتوسعة على المستحقين وأما تعجيلها قبل وقت وجوبها فسيأتي في الباب الآتي ( وحرم تأخيره عن يومه ) أي يوم العيد بلا عذر كغيبة ماله والمستقين لأن القصد إغناؤهم عن الطلب فيه
( ولا فطرة على معسر ) وقت الوجوب وإن أيسر بعده ( وهو من لم يفضل عن قوته وقوت ممونه يومه وليلته و ) عن ( ما يليق بهما من ملبس ومسكن وخادم يحتاجها ابتداءا وعن دينه ) ولو مؤجلا وإن رضي صاحبه بالتأخير ( ما يخرجه ) في الفطرة بخلاف من فضل عنه ذلك وخرج باللائق بهما مما ذكر غيره فلو كان نفيسا يمكن إبداله بلائق بهما ويخرج التفاوت لزمه ذلك كما ذكره الرافعي في الحج وبالابتداء ما لو ثبتت الفطرة في طمة انسان فإنه يباع فيها مسكنه وخادمه لا ملبسه لأنها حينئذ التحقت بالديون وقولي ما يليق بهما مع ذكر الملبس والتقييد بالحاجة في المسكن وذكر الابتداء والدين من زيادتي وقد بسطت الكلام على مسألة الدين في شرح الروض والمعتمد فيه ما قلنا وبه جزم النووي في نكته ونقله عن الأصحاب والمراد بحاحة الخادم أن يحتاجه لخدمته أو خدمة ممونه لا لعمله في أرضه أو ماشيته ذكره في
____________________
(1/197)
المجموع
( ولو كان الزوج معسرا ) حرا كان أو عبدا ( لزم سيد ) الزوجة ( الأمة فطرتها إلا الحرة ) فلا تلزمها ولا زوجها بانتفاء يساره والفرق كمال تسليم الحرة نفسها بخلاف الأمة لاستخدام السيد لها وقيل تجب على الحرة الموسرة وعليه لو أخرجتها ثم أيسر الزوج لم ترجع عليه وظاهر مما مر أن الكلام في زوجة على زوجها مؤنتها فلو كانت ناشزة لزمها فطرة نفسها
( ومن أيسر ببعض صاع لزمه ) إخراجه محافظة على الواجب بقدر الإمكان ويخالف الكفارة لأنها تتبعض ولأن لها بدلا بخلاف الفطرة فيهما
( أو ) أيسر ببعض ( صيعان قدم ) وجوبا ( نفسه ) لخبر مسلم ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلإهلك فإن فضل شيء فلذي قرابتك
( فزوجته ) نها نفقتها آكد لأنها معاوضة لا تسقط بمضي الزمان
( فولده الصغير ) لأن نفقته ثابتة بالنص والإجماع
( فأباه ) وإن علا ولو من قبل الأم
( فأمه ) كذلك عكس ما في النفقات لأن النفقة للحاجة والأم أحوج وأما الفطرة فللتطهير والشرف والأب أولى بهذا فإنه منسوب إليه ويشرف بشرفه وفيه كلام ذكرته في شرح الروض
( ف ) ولده ( الكبير ) ثم الرقيق لأن الحر أشرف منه وعلاقته لازمه بخلاف الملك فإن استوى جماعة في درجة التخير
( وهي ) أي فطرة الواحد ( صاع وهو ستمائة درهم وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم ) لما مر في زكاة النابت من أن رطل بغداد مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم والعبرة فيه بالكيل وإنما قدر بالوزن استظهارا كما مر نظيره ثم مع بيان أنه أربعة أمداد وأن المد رطل وثلث وسيأتي مقداره بالدراهم في النفقات فالصاع بالوزن خمسة أرطال وثلث وبالكيل المصري قد حان وقضيته اعتبار الوزن مع الكيل وأنه تحديد وهو المشهور لكن قال في الروضة إنه قد يشكل ضبط الصاع بالأرطال فإنه يختلف قدره وزنا باختلاف الحبوب والصواب ما قاله الدارمي أن الإعتماد على الكيل بالصاع النبوي دون الوزن فإن فقد أخرج قدرا يتيقن أنه لا ينقص عنه وعلى هذا فالتقدير بالوزن تقريب انتهى
( وجنسه ) أي الصاع ( قوت سليم ) لا معيب ( معشر ) أي ما يجب فيه العشر أو نصفه
( وأقط ) بفتح الهمزة وكسر القاف على الأشهر لبن يابس غير منزوع الزبد لخبر أبي سعيد السابق
( ونحوه ) أي الأقط من لبن وجبن لم ينزع زبدهما وهذا من زيادتي ولا يجزأ لحم ومخيض ومصل وسمن وجبن منزوع الزبد لانتفاء الاقتيات بها عادة ولا مملح من أقط عاب كثرة الملح جوهره بخلاف ظاهر الملح فيجزأ لكن لا يحسب الملح فيخرج قدرا يكون محض الأقط منه صاعا
( ويجب ) الصاع ( من قوت محل المؤدى عنه ) كثمن المبيع ولتشوف النفوس إليه
____________________
(1/198)
ويختلف ذلك باختلاف النواحي فأوحى الخبرين السابقين للتنويع لا للتخيير فلو كان المؤدي بمحل اخر اعتبر بقوت محل المؤدى عنه بناء على الأصح من أن الفطرة تجب أولا عليه ثم يتحملها عنه المؤدي فإن لم يعرف محله كعبد أبق فيحتمل كما قاله جماع استثناء هذة أو يخرج فطرته من قوت اخر محل عهد وصوله اليه لأن الأصل أنه فيه أو يخرج للحاكم لأنه له نقل الزكاة فإن لم يكن قوت المحل مجزئا اعتبر أقرب المحال اليه وإن كان بقربه محلان متساويان قربا تخير بينهما وتعبيري بالمحل أعم من تعبيره بالبلد
( فإن كان به ) أي بالمحل ( أقوات لا غالب فيها خير ) بينها ( والأفضل أعلاها ) اقتياتا وإن كان فيها غالب تعين والعبرة بغالب قوت السنة لا وقت الوجوب
( ويجزىء ) قوت ( أعلى عن ) قوت ( أدنى ) لأنه زيد فيه خير لا عكسه لنقصه عن الحق
( والعبرة ) في الأعلى والأدنى
( بزيادة الاقتيات ) لا بالقيمة
( فالبر ) لكونه أنفع اقتياتا ( خير من التمر والأرز ) والزبيب ( والشعير ) وذكره من زيادتي ( وهو خير من التمر والتمر ) خير ( من الزبيب ) لذلك وظاهر أن الشعير خير من الأرز وأن الأرز خير من التمر
( وله أن يخرج عن واحد من قوت ) واجب
( وعن اخر ) من قوت ( أعلى منه ) ويجوز أن يخرج لأحد جبرانين شاتين وللآخر عشرين درهما
( ولا يبعد الصاع ) بقيدين زدتهما بقولي ( من جنسين عن واحد ) وءن كان أحدهما أعلى كما لا يجزىء في كفارة اليمين أن يكسو خمسة ويطعم خمسة ويجوز تبعيضه من نوعين ومن جنسين عن اثنين كأن ملك واحد نصفين من عبدين فيجوز أن يخرج نصف صاع عن أحد النصفين من الواجب ونصفا عن الثاني من جنس أعلى منه
( والأصل أن يخرج من ماله زكاة موليه الغني ) لأنه يستقل بتمليكه بخلاف غير موليه كولد رشيد وأجنبي لا يجوز إخراجها عنه إلا بإذنه وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بقطرة ولده الصغير
( ولو اشترك موسران أو موسر ومعسر في رقيق لزم كل موسر قدر حصته ) لا من واجبه كما وقع له في الأصل وغيره بل من قوت محل الرقيق كما علم من مما مر وصرح به في المجموع تبعا للرافعي بناء على ما مر من أن الأصح أنها تجب ابتداء على المؤدى عنه ثم يتحملها عنه المؤدي وتعبيري بالرقيق وبقدر حصته أعم من تعبيره بالعبد ونصف صاع
____________________
(1/199)
باب من تلزمه زكاة المال وما تجب فيه مما اتصف بوصف كمغصوب وضال ( تلزم ) زكاة المال ( مسلما ) لقوله في الخبر السابق في زكاة الماشية فرض على المسلمين فلا تجب على كافر أصلي بالمعنى السابق في الصلاة ( حرا أو مبعضا ) ملك ببعضه الحر نصابا فلا تجب على رقيق ولو مكاتبا لأنه لا يملك شيئا أو يملك ملكا ضعيفا بخلاف من ملك ببعضه الحر نصابا لأنه تام الملك له ( وتوقف في مرتد ) لزمته في ردته كملكه إن عاد إلى الإسلام لزمه أداؤها لتبين بقاء ملكه وإلا فلا ( وتجب في مال محجور ) عليه لشمول الخبر المشار إليه آنفا لماله والمخاطب منه وليه ولا تجب في مال وقف لجنين إذ لا وثوق بوجوده وحياته
وقولي محجور أعم من قوله الصبي والمجنون لشموله السفيه ( و ) في ( مغصوب وضال ومجحود ) من عين أو دين ( وغائب ) وإن تعذر أخذه ( ومملوك بعقد قبل قبضه ) لأنها ملكت ملكا تاما ( و ) في ( دين لازم من نقد وعرض تجارة ) لعموم الأدلة بخلاف غير اللازم كمال كتابة لأن الملك غير تام فيه إذ للعبد إسقاطه متى شاء وبخلاف اللازم من ماشية ومعشر لأن شرط الزكاة في الماشية السوم وما في الذمة لا يسام وفي المعشر الزهو في ملكه ولم يوجد ( و ) في ( غنيمة قبل قسمة إن تملكها الغانمون ثم مضى حول وهي صنف زكوى وبلغ بدون الخمس نصابا أو بلغه نصيب كل ) منهم فإن لم يتملكها الغانمون أو لم يمض حول أو مضى والغنيمة أصناف أو صنف غير زكوي أو زكوي ولم يبلغ نصابا أو بلغه بالخمس فلا زكاة فيه لعدم الملك أو ضعفه في الأولى لسقوطه بالإعراض وعدم الحول في الثانية وعدم علم كل منهم ماذا يصيبه وكم نصيبه في الثالثة وعدم المال الزكوي في الرابعة وعدم بلوغه نصابا في الخامسة وعدم ثبوت الخلط في السادسة لأنها لا تثبت مع أهل الخمس إذ لا زكاة فيه لأنه لغير معين ( ولا يمنع دين ) ولو حجر به ( وجوبها ) ولو في المال الباطن لإطلاق الأدلة نعم لو عين الحاكم لكل من غرماء المفلس شيئا من ماله ومكنهم من أخذه فحال الحول قبل أخذه فلا زكاة عليه لضعف ملكه ( ولو اجتمع زكاة ودين آدمي في تركة ) بأن مات قبل أدائها وضاقت التركة عنهما ( قدمت ) على الدين تقديما لدين الله وفي خبر الصحيحين فدين الله أحق بالقضاء وكالزكاة سائر حقوق الله تعالى كحج وكفارة نعم الجزية ودين الآدمي مستويان مع أنها حق لله تعالى وخرج بدين الآدمي دين الله ككفارة وحج فالوجه كما قال السبكي أن يقال إن كان
____________________
(1/200)
النصاب موجودا قدمت الزكاة وإلا فيستويان وبالتركة ما لو اجتمعا على حي فإنه إن كان محجورا عليه قدم حق الآدمي جزما كما قاله الرافعي في باب كفارة اليمين وإلا قدمت جزما كما قاله الرافعي هنا
باب أداء زكاة المال هو أولى من تعبيره بفصل لعدم اندراجه في ترجمة الباب قبله ( يجب ) أي أداؤها ( فورا ) لأن حاجة المستحقين إليها ناجزة ( إذا تمكن ) من الأداء كسائر الواجبات ويحصل التمكن ( بحضور مال ) غائب سائر أو قار عسر الوصول له أو مال مغصوب أو مجحود أو دين مؤجل أو حال تعذر أخذه ( و ) حضور ( آخذ ) للزكاة من إمام أو ساع أو مستحق فهو أعم من تعبيره بالأصناف ( وبجفاف ) لثمر ( وتنقية ) لحب وتبر ومعدن ( وخلو مالك من مهم ) ديني أو دنيوي كصلاة وأكل وهذه الثلاثة من زيادتي ( وبقدرة على غائب قار ) بأن سهل الوصول له ( أو ) له استيفاء دين ( حال ) بأن كان على مليء حاضر بأذل أو على جاحد وبه حجة وقولي قار من زيادتي ( وبزوال حجر فلس ) لأن الحجر به مانع من التصرف فالأداء إنما يجب على المزكي إذا تمكن ( وتقررت أجرة قبضت ) فلو أجر دارا أربع سنين بمائة دينار وقبضها لم يلزمه كل سنة إلا إخراج حصة ما تقرر منها فإن الملك فيها ضعيف لتعرضه للزوال بتلف العين المؤجرة فعلم أنه يحرم عليه التأخير بعد التمكن وتقرر الأجرة نعم له التأخير لانتظار قريب أو جار أو أحوج أو أفضل إن لم يشتد ضرر الحاضرين لكن لو تلف المال حينئذ ضمن ( لا صداق ) فلا يشترط تقرره بتشطير أو موت أو وطء وفارق الأجرة بأنها مستحقة في مقابلة المنافع فبفواتها ينفسخ العقد كما مرت الإشارة إليه بخلاف الصداق ولهذا لا يسقط بموت الزوجة قبل الدخول وإن لم تسلم المنافع للزوج وتشطيره إنما يثبت بتصرف الزوج بطلاق ونحوه
أما زكاة الفطر فموسعة بليلة العيد ويومه كما مر في بابها ( فإن أخر ) أداءها بعد التمكن ( وتلف المال ) كله أو بعضه ( ضمن ) بأن يؤدي ما كان يؤديه قبل التلف لتقصيره بحبس الحق عن مستحقه وإن تلف قبل التمكن فلا ضمان لانتفاء تقصيره بخلاف ما لو أتلفه فإنه يضمن لتقصيره بإتلافه ( وله ) ولو بوكيله ( أداؤها ) عن المال الباطن وهو نقد وعرض وركاز والظاهر وهو ماشية وزرع وثمر ومعدن ( لمستحقها إلا إن طلبها إمام عن ) مال ( ظاهر ) فيجب أداؤها له وليس له طلبها عن الباطن إلا إذا علم أن المالك لا يزكى فعليه أن يقول له أدها وإلا فادفعها إلي
وذكر الاستثناء من زيادتي وألحقوا بزكاة
____________________
(1/201)
المال الباطن زكاة الفطر ( و ) له أداؤها بنفسه أو وكيله ( لإمام ) لأنه صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يبعثون السعاة لأخذ الزكوات ( وهو ) أي أداؤها له ( أفضل ) من تفريقها بنفسه أو وكيله لأنه أعرف بالمستحقين ( إن كان عادلا ) فيها وإلا فتفريقه بنفسه أو وكيله أفضل من الأداء له وتفريقه بنفسه أفضل من تفريقه بوكيله ( وتجب نية ) في الزكاة ( كهذا زكاة أو فرض صدقة ) أو صدقة مالي المفروضة
وتمثيلي بزكاة أولى من تمثيله بفرض زكاة مالي لأن نية الفرض كالمال ليست بشرط لأن الزكاة لا تقع إلا فرضا وبه فارق ما لو نوى صلاة الظهر ( ولا يكفي فرض مالي ) لأنه يكون كفارة ونذرا ( ولا صدقة مالي ) لأنها لا تكون نافلة ( ولا يجب ) في النية ( تعيين مال ) مزكى عند الإخراج فلو ملك من الدراهم نصابا حاضرا أو نصابا غائبا فأخرج خمسة دراهم بنية الزكاة مطلقا ثم بان تلف الغائب فله جعل المخرج عن الحاضر ( فإن عينه لم يقع ) أي المخرج عن غيره ) فلو كان نوى المخرج في المثال عن الغائب لم يكن له صرفه إلى الحاضر فإن نوى مع ذلك أنه إن بان المنوي تالفا فعن غيره فبان تالفا وقع عن غيره والمراد الغائب عن مجلسه لا عن البلد بناء على منع نقل الزكاة وهو المعتمد الآتي في كتاب قسم الزكاة ( وتلزم ) أي النية ( الولي عن محجورة ) فلو دفع بلا نية لم يقع الموقع وعليه الضمان وظاهر أن لولي السفيه مع ذلك أن يفرض النية له كغيره وتعبيري بالمحجور أعم من تعبيره بالصبي والمجنون ( وتكفي ) أي النية ( عند عزلها ) عن المال ( وبعده ) وهذا من زيادتي ( وعند دفعها إمام أو وكيل والأفضل ) لهما ( أن ينويا عند تفريق أيضا ) على المستحقين وذكر الأفضلية في حق الإمام من زيادتي وكذا قولي ( وله أن يوكل فيها ) أي في النية ( ولا تكفي نية إمام ) عن المزكي ( بلا إذن ) منه كغيره ( إلا عن ممتنع ) من أدائها فتكفي ( وتلزمه ) إقامة لها مقام نية المزكي وقولي بلا إذن من زيادتي
باب تعجيل الزكاة وما يذكر معه هو أولى من تعبيره بفصل لما مر في الباب قبله ( صح تعجيلها ) في مال حولي ( لعام فيما انعقد حوله ) بأن ملك نصابا أو ابتاع عرض تجارة ولو بدون نصاب كأن ابتاع
____________________
(1/202)
عرضا لها لا يساوي مائتين فعجل زكاتهما وحال الحول وهو يساويهما فيجزيه المعجل وإن لم يساو المال في صورة التجارة الأولى نصابا عند الابتياع بناء على ما مر من أن اعتبار النصاب فيهما بآخر الحول
وكلام الأصل يقتضي المنع في هذه الصورة وليس مرادا وخرج بالعام ما فوقه فلا يصح تعجيلها له لأن زكاته لم ينعقد حولها والتعجيل قبل انعقاد الحول لا يجوز كالتعجيل قبل كمال النصاب في الزكاة العينية فما عجل لعامين يجزي للأول فقط وأما خبر البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة عامين فأجيب عنه بانقطاعه وباحتمال أنه تسلف في عامين وصحح الأسنوي وغيره صحة تعجيلها لهما وعزوه للنص والأكثرين وعليه فهو مقيد بما إذا بقي بعد التعجيل نصاب كتعجيل شاتين من ثنتين وأربعين شاة وخرج بانعقاد الحول ما لا ينعقد كما لو ملك دون نصاب من غير عرض تجارة كأن ملك مائة درهم فعجل خمسة دراهم فلا يصح تعجيلها لفقد سبب وجوبها ( و ) صح تعجيلها ( لفطرة في رمضان ) ولو في أوله لأنها تجب بالفطر من رمضان فهو سبب آخر لها أما قبله فلا يصح لأنه تقديم على السببين ( لا ) تعجيلها ( لنابت ) من ثمر وحب ( قبل ) وقت ( وجوبها ) وهو بدو الصلاح واشتداد الحب كما مر إذ لا يعرف قدره تحقيقا ولا تخمينا أما بعده فيصح قبل الجفاف والتصفية ( وشرط ) لإجزاء المعجل ( كون المالك والمستحق أهلا ) لوجوب تلك الزكاة ولأخذها ( وقت وجوبها ) هو أعم من تعبيره بآخر الحول فلو كان أحدهما ميتا أو المستحق مرتدا أو المال تالفا وقت الوجوب أو بيع في الحول وليس مال تجارة لم يجز المعجل ولا يضر تلف المعجل ولا يرد ما لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين فتوالدت قبل الحول وبلغت ستا وثلاثين حيث لم تجز المعجلة وإن صارت بنت لبون مع وجود الشرط المذكور
بل يستردها ويعيدها أو يدفع غيرها وذلك لأنه لا يلزم من جود الشرط وجود المشروط ( ولا يضر غناه بها ) ولو مع غيرها لأنه إنما أعطى ليستغني فلا يكون ما هو المقصود مانعا من الإجزاء ويضر غناه بغيرها كزكاة واجبة أو معجلة أخذها بعد أخرى وقد استغنى بها ( وإذا لم يجز المعجل ) لانتفاء شرط مما ذكر ( استرده ) إن بقي ( أو بدله ) من مثل أو قيمة إن تلف ( والعبرة بقيمة وقت قبض ) لا وقت تلف لأن ما زاد حصل في ملك القابض فلا يضمنه ويستر ذلك ( بلا زيادة منفصلة ) كلبن وولد بخلاف المتصلة كسمن وكبر ( ولا أرش نقص صفة ) كمرض إن ( حدثا قبل سبب الرد ) لحدوثهما في ملك القابض فلا يضمنها نعم لو كان القابض غير مستحق حال القبض استردا وهو ظاهر وخرج بنقص الصفة نقص العين
____________________
(1/203)
كمن عجل بغيرين فتلف أحدهما فإنه يسترد الباقي وقيمة التالف وبحدوث الأمرين قبل السبب ما لو حدثا بعده أو ما معه فإنه يستردهما
وقولي صفة إلى آخره من زيادتي وإنما يسترد ( إن علم قابض بالتعجيل ) بشرط كأن شرط استرداد المانع بعرض أو بدونه كهذه زكاتي المعجلة للعلم بالتعجيل فيهما وقد بطل وعملا بالشرط في الأولى فإن لم يوجد شيء من ذلك لم يسترد بل تقع نفلا ( وحلف قابض ) أو وارثه ( في ) اختلافهما في ( مثبت استرداد ) وهو واحد مما ذكر فيصدق لأن الأصل عدمه ( والزكاة تتعلق بالمال ) الذي تجب فيه ( تعلق شركة ) بقدرها بدليل أنه لو امتنع من إخراجها أخذها الإمام منه قهرا كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من قسمته وإنما جاز إخراجها من غيره لبناء أمرها على المساهلة والإرفاق والواجب إن كان من غير جنس المال كشاة واجبة في الإبل ملك المستحقون بقدر قيمتها من الإبل أو من جنسه كشاة من أربعين شاة فهل الواجب شاة أو جزء من كل شاة وجهان أرجحهما الثاني كما يؤخذ من قولي ( فلو باعه ) أي ما تعلقت به الزكاة ( أو بعضه قبل إخراجها بطل في قدرها ) وإن أبقى في الثانية قدرها لأن حق المستحقين شائع فأي قدر باعه كان حقه وحقهم نعم لو استثنى قدر الزكاة كبعتك هذا إلا قدر الزكاة صح البيع كما جزم به الشيخان في بابه في زكاة الثمار لكن شرط الماوردي والروياني ذكره أهو عشر أو نصفه وظاهر أن محله فيمن جهله ( لا ) إن باع ( مال تجارة بلا محاباة ) فلا تبطل لأن متعلق الزكاة القيمة وهي لا تفوت بالبيع وقولي أو بعضه مع قولي لا مال إلى آخره من زيادتي
____________________
(1/204)
كتاب الصوم هو لغة الإمساك وشرعا إمساك عن المفطر على وجه مخصوص
والأصل في وجوبه قبل الإجماع مع ما يأتي آية كتب عليكم الصيام وخبر بني الإسلام على خمس ( يجب صوم رمضان بكمال شعبان ثلاثين ) يوما ( أو رؤية الهلال ) في حق من رآه وإن كان فاسقا ( أو ثبوتها ) في حق من لم يره ( بعدل شهادة ) لخبر البخاري صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين
ولقول ابن عمر أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بصيامه رواه أبو داود وصححه ابن حبان
ولما روى الترمذي غيره أن أعرابيا شهد عند النبي صلى الله عليه وسلم برؤيته فأمر الناس بصيامه
والمعنى في ثبوته بالواحد الاحتياط للصوم وخرج بعدل الشهادة غير العدل وعدل الرواية فلا يكفي فاسق وعبد وامرأة وصحح في المجموع أنه لا يشترط العدالة الباطنة وهي التي يرجع فيها إلى قول المزكين واستشكل بأن الصحيح أنها شهادة لا رواية ويجاب بأنه اغتفر فيه ذلك كما اغتفر فيه الاكتفاء بعدل للاحتياط وهي شهادة حسبة قالت طائفة منهم البغوي
ويجب الصوم أيضا على من أخبره موثوق به بالرؤية إذا اعتقد صدقة وإن لم يذكره عند القاضي ويكفي في الشهادة أشهد أني رأيت الهلال خلافا لابن أبي الدم ومحل ثبوت رمضان بعدل في الصوم وتوابعه كصلاة التراويح لا في غيرها كدين مؤجل به ووقوع طلاق وعتق معلقين به قال الأسنوي إلا أن يتعلق بالشاهد لاعترافه
قال وما صححوه من ثبوته بعدل خلاف مذهب الشافعي فإنه رجع عنه في الأم وقال لا يجوز فيه إلا شاهدان وأجيب بأن رجوعه إنما كان بالقياس لما لم يثبت عنده في ذلك خبر كما يدل له كلامه في مختصر المزني وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قبل شهادة كل من ابن عمر والأعرابي وحده ( وإذا صمنا بها ) أي برؤية عدل أو عدلين كما فهم بالأولى ( ثلاثين أفطرنا ) وإن لم نر الهلال بعدها ولم يكن غيم لأن الشهر يتم بمضي ثلاثين ولا يرد لزوم الإفطار بواحد لأن الشيء يثبت ضمنا بما لا يثبت به مقصودا ( وإن رؤي ) الهلال ) بمحل لزم حكمه محلا قريبا ) منه ( وهو ) يحصل ( باتحاد المطلع ) بخلاف البعيد عنه وهو يحصل باختلاف المطلع أو بالشك فيه كما صرح به في الروضة كأصلها إلا بمسافة القصر خلافا للرافعي قياسا على طلوع الفجر والشمس وغروبهما ولأن أمر الهلال لا تعلق له بمسافة القصر
لكن قال الإمام اعتبار المطالع يحوج إلى حساب وتحكيم المنجمين وقواعد الشرع تأبى ذلك بخلاف مسافة القصر
____________________
(1/205)
التي علق بها الشارع كثيرا من الأحكام والأمر كما قال الإمام وتعبيري بمحل هنا وفيما يأتي أعم من تعبيره بالبلد ( فلو سافر إلى ) محل ( بعيد من محل رؤية ) من صام به ( وافق أهله في الصوم آخرا فلو عيد ) قبل سفره ( ثم أدركهم ) بعده ( أمسك ) معهم وإن تم العدد ثلاثين لأنه صار منهم ( أو بعكسه ) بأن سافر من البعيد إلى محل الرؤية ( عيد ) معهم سواء أصام ثمانية وعشرين بأن كان رمضان عندهم ناقصا فوقع عيده معهم تاسع عشرين من صومه أم صام تسعة وعشرين بأن كان رمضان تاما عندهم ( وقضى يوما إن صام ثمانية وعشرين ) يوما لأن الشهر لا يكون كذلك فإن صام تسعة وعشرين ) يوما لأن الشهر لا يكون كذلك فإن صام تسعة وعشرين فلا قضاء لأن الشهر يكون كذلك ( ولا أثر لرؤيته ) أي الهلال ( نهارا ) فلو رؤي فيه يوم الثلاثين ولو قبل الزوال لم يفطر إن كان في ثلاثي رمضان ولا يمسك إن كان في ثلاثي شعبان فعن شقيق بن سلمة جاءنا كتاب عمر بخانقين إن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد شاهدان أنهما رأياه بالأمس رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح وخانقين بخاء معجمة ونون ثم قاف مكسورتين
بلدة بالعراق قريبة من بغداد وقولي إن صام إلى آخره من زيادتي
فصل في أركان الصوم ثلاثة وعبر عنها الأصل بالشروط فتسميتي لها أركانا كنظائره الآتية في غير الحج والغمرة من زيادتي أحدها ( نية لكل يوم ) كغيره من العبادات والتصريح باعتبارها كل يوم من زيادتي ( ويجب لفرضه ) ولو نذرا أو قضاء أو كفارة أو كان الناوي صبيا ( تبييتها ) ولو من أول الليل لخبر من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له رواه الدارقطني وغيره وصححوه وهو محمول على الفرض بقرينة خبر عائشة الآتي ( وتعيينه ) أي الفرض قال في المجموع وينبغي اشتراط التعيين في الصوم الراتب كعرفة وعاشوراء وأيام البيض وستة من شوال كرواتب الصلاة وأجيب بأن الصوم في الأيام المذكورة منصرف إليها بل لو نوى به غيرها حصلت أيضا كتحية المسجد لأن المقصود وجوب صوم فيها ( وتصح ) النية ( وإن أتى بمناف ) للصوم كأن جامع أو استقاء ( أو نام أو انقطع نحو حيض ) كنفاس ( بعدها ليلا وتم فيه )
____________________
(1/206)
في صورة الانقطاع ( أكثره ) أي نحو الحيض ( أو قدر العادة ) فلا يجب تجديدها لعدم منافاة شيء من ذلك لها ولأن الظاهر في صورة الانقطاع استمرار العادة فإن لم يتم لها ما ذكر لم يصح صومها لأنها لم تجزم بالنية ولم تبن على أصل وتعبيري بمناف أعم من تعبيره بالأكل والجماع ونحو من زيادتي ( وتصح ) النية ( لنفل قبل زوال )
فقد دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة ذات يوم فقال هل عندكم شيء
قالت لا
قال فإني إذا أصوم قالت ودخل علي يوما آخر
فقال أعندكم شيء
قلت نعم
قال إذا أفطر
وإن كنت فرضت الصوم
رواه الدارقطني والبيهقي وقال إسناده صحيح
وفي رواية للأول وقال إسنادها صحيح هل عندكم من غداء وهو بفتح الغين اسم لما يؤكل قبل الزوال والعشاء اسم لما يؤكل بعده ( إن لم يسبقها مناف ) للصوم كأكل وجماع وكفر وحيض ونفاس وجنون فلا يصح الصوم ( وكمالها ) أي النية في رمضان ( أي ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى ) بإضافة رمضان وذلك لتتميز عن أضدادها قال في الروضة كأصلها ولفظ الغد اشتهر في كلامهم في تفسير التعيين وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين وإنما وقع ذلك من نظرهم إلى التبييت وبما تقرر علم أنه لا تجب نية الغد ولا الأداء ولا الإضافة إلى الله تعالى ولا الفرضية ولا السنة وهو كذلك في غير نية الفرضية وفيها على ما صححه في المجموع تبعا للأكثرين لكن مقتضى كلام الأصل والروضة كأصلها أنها تجب كما في الصلاة وفرق في المجموع بينهما بأن صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا بخلاف الصلاة فإن المعادة نفل وفيه كلام ذكرته مع جوابه في شرح الروض ( ولو نوى ليلة الثلاثين صوم غد من رمضان ) سواء قال إن كان منه أم لا ( فكان منه ) وصامه ( صح ) ووقع عنه ( في آخره ) لأن الأصل بقاؤه ولا أثر لتردد يبقى بعد حكم القاضي بشهادة عدل للاستناد إلى ظن معتمد ( لا ) في ( أوله ) لانتفاء الأصل مع عدم جزمه بالنية ( إلا أن ظن أنه منه بقول من يثق به ) كعبد وامرأة ومراهق وفاسق فيصح ويقع عنه لجزمه بالنية وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بما ذكره قال في المجموع فلو نوى صوم غد نفلا إن كان من شعبان وإلا فمن رمضان ولا أمارة فبان من شعبان صح صومه نفلا لأن الأصل بقاؤه وإن بان من رمضان لم يصح فرضا ولا نفلا ( ولو اشتبه ) رمضان عليه ( صام بتحر فإن وقع فيه فأداء ) وهذا من زيادتي ( أو بعده فقضاء فيتم عدده ) إن نقص عنه ما صامه ( أو قبله وأدركه صامه وإلا قضاه ) وجوبا فيهما
____________________
(1/207)
( تنبيه ) لو وقع في رمضان السنة القابلة وقع عنها لا عن القضاء ( و ) ثانيها ( ترك جماع واستقاءة غير جاهل معذور ذاكرا ) للصوم ( مختارا ) فصوم من جامع أو تقايأ ذاكرا مختارا عالما بتحريمه أو جاهلا غير معذور باطل للإجماع في الأول ولخبر ابن حبان وغيره وصححوه من ذرعه القيء أي غلبه وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض في الثاني فلا يبطل بذلك ناسيا ولا مكرها ولا جاهلا معذورا بأن قرب عهده بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء ولا بغلبة القيء والاستقاءة مفطرة وإن علم لم يرجع شيء منها إلى جوفه بها فهي مفطرة لعينها لا لعود شيء من القيء والتقييد بغير الجاهل المعذور في الجماع والاستقاءة مع التقييد بالذاكر والمختار في الاستقاءة من زيادتي ( لا ) ترك ( قلع نخامة ومجها ) إلى الجوف ( بنفسها وقدر على مجها أفطر ) لتقصيره بخلاف ما إذا عجز عنه ( و ) ترك ( وصول عين ) لا ريح ولا طعم من ظاهر ( ومن منفذ مفتوح جوف من مر ) أي غير جاهل معذور ذاكرا مختارا وإن لم يكن في الجوف قوة تحيل الغذاء أو الدواء كحلق ودماغ باطن أذن وإحليل وبطن ومثانة بمثلثة وهي مجمع البول وقولي من مر من زيادتي على الأصل ( فلا يضر وصول دهن أو كحل بتشرب مسام ) جوفه كما لا يضر اغتساله بالماء وإن وجد له أثرا بباطنه بجامع أن الواصل إليه ليس من منفذ وإنما هو من المسام جمع سم بتثليث السين والفتح أفصح قال الجوهري ومسام الجسد ثقبه ( أو ) وصول ( ريق طاهر صرف من معدنه ) جوفه ولو بعد جمعه أو إخراج لسانه وعليه ريق إذ لا يمكن التحرز منه بخلاف وصوله متنجسا أو مختلطا بغيره أو بعد إخراجه لا على لسانه ( أو ) وصول ( ذباب أو بعوض أو غبار أو غربلة دقيق جوفه ) لعسر التحرز عنه أو لعدم تعمده وكذا لو وصلت عين جوفه ناسيا أو عاجزا عن ردها أو مكرها أو جاهلا معذورا كما علم من التقييد بمن مر ولو فتح فاه عمدا حتى دخل الغبار جوفه لم يفطر على الأصح وكذا لو خرجت مقعدة المبسور فأعادها ( لا سبق ماء إليه بمكروه كمبالغة مضمضة أو استنشاق ) ومرة رابعة فيضر للنهي عنه بخلافه إذا لم يبالغ أو بالغ لغسل نجاسة لأنه تولد من مأمور به بغير اختياره واقتصر الأصل على المبالغة فتعبيري بما ذكر أعم ( و ) ترك ( استمنائه ) أي من مر ( ولو بنحو لمس ) كقبلة ( بلا حائل ) لأنه يفطر بالإيلاج بلا إنزال فبالإنزال بنوع شهوة أولى بخلاف ما لو كان ذلك بحائل وتقييدي بمن مر المعبر عنه بالضمير مع التقييد بعدم الحائل من زيادتي ( لا بنظر وفكر ) ولو بشهوة لأنه إنزال بغير مباشرة كالاحتلام ولا بالإنزال من أحد فرجي المشكل
____________________
(1/208)
( وحرم نحو لمس ) كقبلة وعليها اقتصر الأصل ( إن حرك شهوة ) خوف الإنزال ( وإلا فتركه أولى ) إذ يسن للصائم ترك الشهوات وإنما لم يحرك لضعف احتمال أدائه إلى الإنزال ( وحل إفطار بتحر ) بورد وغيره كما في أوقات الصلوات لا بغير تحر ولو بظن لأن الأصل بقاء النهار ( واليقين ) كأن يعاين الغروب ( أحوط ) ليأمن الغلط ( و ) حل ( تسحر ولو بشك في بقاء ليل ) لأن الأصل بقاؤه فيصح الصوم مع الأكل بذلك إن لم يبن غلط ( فلو أفطر أو تسحر بتحر وبان غلطه بطل صومه ) إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه ( أو ) أفطر أو تسحر ( بلا تحر ولم يبن الحال صح في تصحره ) لا في إفطاره لأن الأصل بقاء الليل في الأولى والنهار في الثانية فإن بان الصواب فيهما صح صومهما أو الغلط فيهما لم يصح وقولي بلا تحر لشموله الشك والظن بلا تحر أعم من قوله بلا ظن في الأولى ( ولو طلع فجر وفي فيه طعام فلم يبلع شيئا منه ) بأن طرحه أو أمسكه بفيه صح صومه وإن سبق إلى جوفه منه شيء في الأولى لأنه لو جعله في فيه نهارا لم يفطر فبالأولى إذا جعله فيه ليلا أما إذا بلع شيئا منه فيفطر وقولي فلم يبلع شيئا منه أولى من قوله فلفظه لرفعه إيهام أنه لو أمسكه بفيه يفطر وليس كذلك ( أو كان ) طلوع الفجر ( مجامعا فنزع حالا صح صومه ) وإن أنزل لتولده من مباشرة مباحة فإن مكث لم يصح صومه وإن لم يعلم بطلوعه إلا بعد المكث فنزع حين علم ولم يبق من الليل إلا ما يسع الإيلاج لا النزع فعن ابن خيران منع الإيلاج وعن غيره جوازه ( و ) ثالثها ( صائم ) والتصريح به تبعا لجماعة من زيادتي ( وشرطه إسلام وعقل ونقاء ) عن نحو حيض ( كل اليوم ) فلا يصح صوم من اتصف بضد شيء منها في بعضه كالصلاة ( ولا يضر نومه ) أي نوم كل اليوم ( و ) لا ( إغماء أو سكر بعضه ) بخلاف إغماء أو سكر كله لأن الإغماء والسكر يخرجان الشخص عن أهلية الخطاب بخلاف النوم إذ يجب قضاء الصلاة الفائتة به دون الفائتة بالإغماء والسكر في الجملة وذكر السكر من زيادتي فمن شرب مسكرا ليلا وصحا في بعض النهار صح صومه ( وشرط الصوم ) ( الأيام ) أي وقوعه فيها ( غير ) يوم ( عيد ) أي عيد فطر وعيد أضحى للنهي عن صيامها في خبر الصحيحين ( و ) أيام ( تشريق ) ولو كان صومها لتمتع وهي ثلاثة بعد الأضحى للنهي عن صومها في خبر أبي داود بإسناد صحيح ( و ) يوم ( شك ) لقول عمار بن ياسر من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم
رواه الترمذي وغيره وصححوه وقال الأسنوي المنصوص المعروف الذي عليه
____________________
(1/209)
الأكثرون الكراهة لا التحريم ( بلا سبب ) يقتضي صومه أما بسبب يقتضيه كقضاء ونذر وورد فيصح صومه كنظيره من الصلاة في الأوقات المكروهة
ولخبر الصحيحين لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه كأن اعتاد صوم الدهر أو صوم يوم وإفطار يوم قيس بالورد الباقي بجامع السبب ( وهو ) أي يوم الشك ( يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برؤيته ) ولم يشهد بها أحد ( أو شهد بها عدد يرد ) في شهادته كصبيان أو نساء أو عبيد أو فسقة وظن صدقهم وإنما لم يصح صومه عن رمضان لأنه لم يتبين كونه منه نعم من اعتقد صدق من قال إنه رآه ممن ذكر يصح منه صومه بل يجب عليه وتقدم في الكلام على النية صحة نية ظان ذلك ووقوع الصوم عن رمضان إذا تبين كونه منه واعتبروا هنا العدد فيمن رأى بخلافه فيما مر احتياطا للعبادة فيهما أما إذا لم يتحدث الناس برؤيته ولم يشهد بها أحد أو شهد بها واحد ممن ذكر فليس اليوم يوم شك بل هو من شعبان
وإن أطبق الغيم لخبر فإن غم عليكم فرع إذا انتصف شعبان حرم الصوم بلا سبب إن لم يصله بما قبله على الصحيح في المجموع وغيره ( وسن تسحر وتأخيره وتعجيل فطر ) لخبر الصحيحين تسحروا فإن في السحور بركة ولا تزال الناس بخير ما عجلوا الفطر زاد الإمام أحمد وأخروا السحور ( إن تيقن ) بقاء الليل في الأوليين ودخوله في الثالثة وإلا فالأفضل ترك ذلك بل يحرم التعجيل إن لم يتحر كما علم مما مر وجعل التسحر سنة مستقلة مع تقييده بالتيقن من زيادتي ( و ) سن ( فطر بتمر فماء ) لخبر إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإنه طهور رواه الترمذي وحسنه وجعل الفطر بما ذكر سنة مستقلة من زيادتي ( و ) سن من حيث الصوم ( ترك فحش ) ككذب وغيبة وعليهما اقتصر الأصل لخبر البخاري من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ( و ) ترك ( شهوة ) لا تبطل الصوم كشم الرياحين والنظر إليها لما فيها من الترفه الذي لا يناسب حكمة الصوم ( و ) ترك ( نحو حجم ) كفصد لأن ذلك يضعفه ونحو من زيادتي ( و ) ترك ( ذوق ) لطعام أو غيره خوف وصوله حلقه وتقييد الأصل بذوق الطعام جرى على الغالب ( و ) ترك ( علك ) بفتح العين لأنه يجمع الريق فإن بلعه أفطر في وجه وإن ألقاه عطشه وهو مكروه كما في المجموع ( و ) سن ( أن يغتسل عن حدث أكبر ليلا ) ليكون على طهر من أول الصوم وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بالجنابة ( و ) أن ( يقول عقب ) هو
____________________
(1/210)
أولى من قوله عند ( فطره اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ) ( و ) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك رواه أبو داود بإسناد حسن لكنه مرسل ( و ) أن ( يكثر في رمضان صدقة وتلاوة ) لقرآن ( واعتكافا لا سيما ) في ( العشر الأخير ) منه للاتباع في ذلك رواه الشيخان وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره
فصل في شروط وجوب صوم رمضان وما يبيح صومه ( شرط وجوبه إسلام ) ولو فيما مضى وهو من زيادتي ( وتكليف ) كما في الصلاة فيهما ( وإطاقة ) له وصحة وإقامة أخذا مما يأتي فلا يجب على كافر بالمعنى السابق في الصلاة ولا على صبي ومجنون ومغمى عليه وسكران ولا على من لا يطيقه حسا أو شرعا لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أو حيض أو نحوه ولا على مريض ومسافر بقيد يعلم مما يأتي ووجوبه عليهما وعلى السكران والمغمى عليه والحائض ونحوها عند من عبر بوجوبه عليهم وجوب انعقاد سبب كما تقرر ذلك في الأصول لوجوب القضاء عليهم كما سيأتي ومن ألحق بهم المرتد في ذلك فقد سها فإن وجوبه عليه وجوب تكليف كما مرت الإشارة إليه ( ويباح تركه ) بنية الترخص ( لمرض يضر معه صوم ) ضررا يبيح التيمم وإن طرأ على الصوم لآية فمن كان منكم مريضا
ثم المرض إن كان مطبقا فله ترك النية أو متقطعا فإن كان يوجد وقت الشروع فله تركها وإلا فلا
فإن عاد واحتاج إلى الإفطار أفطر ( وسفر قصر ) فإن تضرر به فالفطر أفضل وإلا فالصوم أفضل كما مر في صلاة المسافر ( لا إن طرأ ) السفر على الصوم ( أوزالا ) أي المرض والسفر عن صائم فلا يباح تركه تعليبا لحكم الحضر في الأولى وزوال العذر في غيرها ( ويجب قضاء ما فات ولو بعذر ) كمرض وسفر للآية السابقة إذ تقديرها ( فأفطر فعدة من أيام أخر ) وكحيض ونحوه كما مر في بابه وردة وسكر وإغماء وترك نية ولو نسيانا بخلاف ما فات من الصلاة بالإغماء كما مر في بابها المشقة تكررها وبخلاف الأكل ناسيا لأن النية من باب المأمورات والأكل من باب المنهيات والنسيان إنما يؤثر في الثاني وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به ( لا بكفر أصلي ) أي لا يجب قضاء ما فات به بعد الإسلام ترغيبا فيه ( و ) لا ( صبا و ) لا ( جنون ) بقيد زدته بقولي ( في غير ردة وسكر ) لعدم موجب القضاء
أما ما فات به في زمن الردة أو السكر فيقضيه وتقدم في الصلاة نظير ذلك
____________________
(1/211)
مع زيادة ( كما لو بلغ ) الصبي نهارا ( صائما ) فإنه لا قضاء عليه ( ويجب إتمامه ) لأنه صار من أهل الوجوب ( أو ) بلغ فيه ( مفطرا أو أفاق ) فيه المجنون ( أو أسلم ) فيه الكافر فإنه لا قضاء عليهم لأن ما أدركوا منه لا يمكنهم صومه فصار كمن أدرك من أول وقت الصلاة قد ركعة ثم طرأ مانع ( وسن لهم ولمريض ومسافر زال عذرهما ) حالة كونهما ( مفطرين ) كأن ترك النية ليلا ( إمساك ) لبقية النهار ( في رمضان ) خروجا من الخلاف وإنما لم يلزمهم الإمساك لعدم التزامهم الصوم والإمساك تبع ولأن غير الكافر أفطر بعذر وذكر السنية من زيادتي ( ويلزم ) أي الإمساك في رمضان ( من أخطأ بفطره ) كأن أفطر بلا عذر أو نسي النية أو ظن بقاء الليل فبان خلافه أو أفطر يوم شك وبان أنه من رمضان لحرمة الوقت ولأن نسيان النية يشعر بترك الاهتمام بأمر العبادة فهو ضرب تقصير ولأن صوم يوم الشك كان واجبا على من أفطر فيه إلا أنه جهله وبه فارق المسافر فإنه يباح له الإفطار مع علمه
وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به وخرج برمضان غيره فلا إمساك فيه كنذر وقضاء لأن وجوب الصوم في رمضان بطريق الأصالة ولهذا لا يقبل غيره بخلاف أيام غيره ثم الممسك ليس في صوم شرعي وإن أثيب عليه فلو ارتكب فيه محظورا لم يلزمه سوى الإثم
فصل في فدية فوت الصوم الواجب ( من فاته ) من الأحرار ( صوم واجب ) ولو نذرا أو كفارة ( فمات قبل تمكنه من قضائه فلا تدارك ) للفائت ( ولا إثم ) بقيد زدته بقولي ( إن فات بعذر ) كمرض استمر إلى الموت فإن فات بلا عذر أثم ووجب تداركه بما سيأتي ( أو ) مات ( بعده ) سواء أفاته بعذر أم بغيره ( أخرج من تركته لكل يوم ) فات صومه
( مد ) وهو رطل وثلث كما مر وبالكيل المصري نصف قدح والأصل في ذلك خبر من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا رواه الترمذي وصحح وقفه على ابن عمر ( من جنس فطرة ) حملا على الغالب بجامع أن كلا منهما طعام واجب شرعا فلا يجزىء نحو دقيق وسويق ( أو صام عنه قريبه ) وإن لم يكن عاصيا ولا وارثا ( مطلقا ) عن التقييد بإذن ( أو أجنبي بإذن ) منه بأن أوصى به أو من قريبه بأجرة أو دونها كالحج ولخبر الصحيحين من مات وعليه صيام صام عنه وليه ولخبر
____________________
(1/212)
مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لامرأة قالت له إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها
قال صومي عن أمك بخلافه بلا إذن لأنه ليس في معنى ما ورد به الخبر وظاهر أنه لو مات مرتدا لم يصم عنه وقولي بإذن أعم من قوله بإذن الولي ( لا من مات وعليه صلاة أو اعتكاف ) فلا يفعل عنه ولا فدية له لعدم ورودهما نعم لو نذر أن يعتكف صائما اعتكف عنه وليه صائما قاله في التهذيب ( ويجب المد ) لكل يوم ( بلا قضاء على من أفطر ) فيه ( لعذر لا يرجى زواله ) ككبر ومرض لا يرجى برؤه لآية ( وعلى الذين يطيقونه ) المراد لا يطيقونه أو يطيقونه في الشباب ثم يعجزون عنه في الكبر
وروى البخاري أن ابن عباس وعائشة كانا يقرآن وعلى الذين يطوقونه ومعناه يكلفون الصوم فلا يطيقونه وقولي لعذر إلى آخره أعم من قوله لكبر ( وبقضاء على غير متحيرة أفطر ) إما لإنقاذ آدمي ) معصوم ( مشرف على هلاك ) بغرق أو غيره ولم يمكن تخليصه إلا بفطر ( أو لخوف ذات ولد ) حامل أو مرضع ( عليه ) ولو كان في المرضع من غيرها لأنه فطر ارتفق به شخصان وأخذ في الثانية بقسميها من الآية السابقة قال ابن عباس أنها لم تنسخ في حقهما رواه البيهقي عنه بخلاف ما لو خافتا على أنفسهما وحدهما أو مع ولديهما وبخلاف من أفطر متعديا أو لإنقاذ نحو مال مشرف على هلاك وبخلاف المتحيرة إذا أفطرت لشيء مما ذكر فلا تجب الفدية للشك في الأخيرة وقياسا على المريض المرجو برؤه في الأوليين ولأن ذلك ليس في معنى فطر ارتفق به شخصان في الثالثة ولا في معنى الآدمي في الرابعة والتقييد بالآدمي وبغير المتحيرة من زيادتي ( كمن أخر قضاء مع تمكنه ) منه ( حتى دخل ) رمضان ( آخر ) فإن عليه مع القضاء المد لأن ستة من الصحابة أفتوا بذلك ولا مخالف لهم ( ويتكرر ) المد ( بتكرر السنين ) لأن الحقوق المالية لا تتداخل بخلافه في الكبر ونحو لعدم التقصير ( فلو أخر القضاء المذكور ) أي قضاء رمضان مع تمكنه حتى دخل آخر ( فمات أخرج عنه من تركته لكل يوم مدان ) مد للفوات ومد للتأخير لأن كلا منهما موجب عند الانفراد فكذا عند الاجتماع هذا ( إن لم يصم عنه ) وإلا وجب مد واحد للتأخير وهذا من زيادتي
( والمصرف ) أي ومصرف الأمداد ( فقير ومسكين ) لأن المسكين ذكر في الآية والخبر والفقير أسوأ حالا منه ولا يجب الجمع بينهما ( وله صرف أمداد لواحد ( لأن كل يوم عبادة مستقلة فالأمداد بمنزلة الكفارات بخلاف صرف مد لإثنين لا يجوز ( يوجب مع قضاء كفارة ) يأتي بيانها في بابها ( على واطىء بإفساد صومه
____________________
(1/213)
يوما من رمضان ) وإن انفرد بالرؤية ( بوطء أثم به للصوم ) أي لأجله ( ولا شبهة ) لخبر الصحيحين عن أبي هريرة جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت
قال وما أهلكك قال واقعت امرأتي في رمضان
قال هل تجد ما تعتق رقبة قال لا
قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا
قال فهل نجد ما تطعم ستين مسكينا قال لا
قال ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال تصدق بهذا فقال علي أفقر منا يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إلينا منا
فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال اذهب فأطعمه أهلك وفي رواية للبخاري فأعتق رقبة فصم شهرين فأطعم ستين مسكينا بالأمر وفي رواية لأبي داود فأتى بعرق تمر قدر خمسة عشر صاعا
والعرق بفتح العين والراء مكتل ينسج من خوص النخل وتعبيري بالواطىء أعم من تعبيره بالزوج وإضافة الصوم إليه مع قولي ولا شبهة من زيادتي فمن أدرك الفجر مجامعا فاستدام عالما تلزمه الكفارة لأن جماعة وإن لم يفسد صومه هو في معنى ما يفسده فكأنه انعقد ثم فسد على أن السبكي اختار أنه انعقد ثم فسد ( فلا تجب على موطوء ) لأن المخاطب بها في الخبر المذكور هو الفاعل ( و ) لا على ( نحو ناس ) من مكره وجاهل ومأمور بالإمساك لأن وطأه لا يفسد صوما ولا على من وطىء بلا عذر ثم جن أو مات في اليوم لأنه بان أنه لم يفسد صوم يوم ( و ) لا على ( مفسد غير صوم ) كصلاة ( أو صوم غيره ) ولو في رمضان كأن وطىء مسافر أو نحوه امرأته ففسد صومها ( أو صومه في غير رمضان ) كنذر قضاء لأن النص ورد في صوم رمضان
كما مر وهو مخصوص بفضائل لا يشركه فيها غيره ( أو ) مفسد له ولو في رمضان ( بغير وطء ) كأكل واستمناء لأن النص ورد في الوطء وما عداه ليس في معناه ( و ) لا على ( من ظن ) وقت الوطء ( ليلا ) أي بقاءه أو دخوله ( أو شك فيه فبان نهارا أو أكل ناسيا وظن أنه أفطر به ثم وطىء ) عامدا أو كان صبيا لسقوط الكفارة بالشبهة في الجميع ولعدم الإثم فيما عدا ظن دخول الليل بلا تحر أو الشك فيه ( و ) لا على ( مسافر وطىء زنا أو لم ينو ترخصا ) لأنه لم يأثم به للصوم بل للزنا أو للصوم مع عدم نية الترخص ولأن الإفطار مباح له فيصير شبهة في درء الكفارة وذكرا لشك المفرع على قولي ولا شبهة من زيادتي
( وتتكرر ) الكفارة ( بتكرر الإفساد ) فلو وطىء في يومين لزمه كفارتان سواء أكفر عن الأول قبل الثاني أم لا لأن كل يوم عبادة مستقلة فلا تتداخل كفارتاهما كحجتين وطىء فيهما بخلاف من وطىء مرتين في يوم ليس عليه إلا كفارة للوطء الأول لأن الثاني لم يفسد صوما ( وحدوث سفر أو مرض ) أو ردة ( بعد وطء لا يسقطها ) أي الكفارة لأنه هتك حرمة الصوم بما فعل
____________________
(1/214)
باب صوم التطوع الأصل فيه خبر الصحيحين من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا ( سن صوم ) يوم ( عرفة ) وهو تاسع ذي الحجة بقيد زدته بقولي ( لغير مسافر وحاج ) بخلاف المسافر فإنه يسن له فطره وبخلاف الحاج فإنه إن عرف أنه يصل عرفة ليلا وكان مقيما سن صومه وإلا سن فطره وإن لم يضعفه الصوم عن الدعاء وأعمال الحج
والأحوط صوم الثامن مع عرفة ( و ) يوم ( عاشوراء ) وهو عاشر المحرم ( وتاسوعاء ) وهو تاسعه قال صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله وقال لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع
فمات قبله رواهما مسلم ويسن مع صومهما صوم الحادي عشر كما نص عليه ( وإثنين وخميس ) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صومهما
وقال تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم
رواهما الترمذي وغيره ( وأيام ) ليال ( بيض ) وهو الثالث عشر وتالياه لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بصيامها رواه ابن حبان وغيره والأحوط صوم الثاني عشر معها ووصفت الليالي بالبيض لأنها تبيض بطلوع القمر من أولها إلى آخرها
وسن صوم أيام السود وهي الثامن والعشرون وتالياه وقياس ما مر صوم السابع والعشرين معها ( وستة من شوال ) لخبر مسلم من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
وخبر النسائي صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام أي من شوال بشهرين فذلك صيام السنة أي كصيامها فرضا وإلا فلا يختص ذلك بما ذكر لأن الحسنة بعشر أمثالها ( واتصالها ) بيوم العيد ( أفضل ) مبادرة للعبادة وتعبيري باتصالها أولى من تعبيره بتتابعها لشموله الإتيان بها متتابعة وعقب العيد ( و ) سن صوم ( دهر غير عيد وتشريق إن لم يخف به ضررا أو فوت حق ) لأنه صلى الله عليه وسلم قال من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين رواه البيهقي ومعنى ضيقت عليه أي عنه فلم يدخلها أولا يكون له فيها موضع ( وإلا ) بأن خاف به ذلك ( كره ) وعليه حمل خبر مسلم لا صام من صام الأبد ( كإفراد ) صوم ( جمعة أو سبت أو أحد ) بالصوم فإنه يكره ( بلا سبب ) لخبر الشيخين لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله ويوما بعده وخبر لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه على شرط الشيخين ولأن اليهود
____________________
(1/215)
تعظم يوم السبت والنصارى يوم الأحد فلو جمعها أو اثنين منها لم يكره لأن المجموع لم يعظمه أحد أما إذا صامه بسبب كأن اعتاد صوم يوم وفطر يوم فوافق صومه يوما منها فلا كراهة كما في صوم يوم الشك
ولخبر مسلم لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم وقيس بالجمعة الباقي وقولي أو أحد بلا سبب من زيادتي ( و ) ك ( قطع نفل غير نسك ) حج أو عمرة ( بلا عذر ) فإنه يكره لقوله تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } أما بعذر كمساعدة ضيف في الأكل إذا عز عليه امتناع مضيفه منه أو عكسه فلا يكره لخبر الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر
رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وقيس بالصوم غيره من النفل
أما نفل النسك فيحرم قطعه كما يأتي في بابه لمخالفته غيره في لزوم الإتمام والكفارة بإفساده بجماع ( ولا يجب قضاؤه ) إن قطعه لأن أم هانىء كانت صائمة صوم تطوع فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين أن تفطر بلا قضاء وبين إن تتم صومها رواه أبو داود وقيس بالصوم غيره وذكر كراهة القطع مع قولي غير نسك بلا عذر من زيادتي والأصل اقتصر على جواز قطع الصوم والصلاة ( وحرم قطع فرض عيني ) ولو غير فوري كأن لم يتعد بتركه لتلبسه بفرض وخرج بالعيني فرض الكفاية فالأصح كما قال الغزالي وغيره أنه لا يحرم قطعه إلا الجهاد وصلاة الجنازة والحج والعمرة وقيل يحرم كالعيني وإنما لم يحرم قطع تعلم العلم على من أنس النجابة فيه من نفسه لأن كل مسئلة مطلوبة برأسها منقطعة عن غيرها ولا قطع صلاة الجماعة على قولنا إنها فرض كفاية لأنه وقع في صفة لا أصل والصفة يغتفر فيها ما لا يغتفر في الأصل
ولا يخفى بعد هذا القول وإن صححه التاج السبكي تبعا لما صححه ابن الرفعة في المطلب في باب الوديعة وأشار فيه في باب اللقيط إلى أن عدم حرمته بحث للإمام جرى عليه الغزالي والحاوي ومن تبعهما وبما تقرر علم أن تعبيري بفرض عيني أولى من تعبيره بقضاء فرع لا تصوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه لخبر الصحيحين لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه
____________________
(1/216)
= كتاب الاعتكاف =
هو لغة اللبث وشرعا اللبث بمسجد من شخص مخصوص بنية والأصل فيه قبل الإجماع آية { ولا تباشروهن } البقرة 187 وقوله تعالى { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين } والاتباع البقرة 125 رواه الشيخان
سن الاعتكاف كل وقت لإطلاق الأدلة وفي عشر رمضان الأخير أفضل منه في
____________________
(1/217)
غيره لمواظبته صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف فيه كما مر في خبر الشيخين وقالوا في حكمته لليلة أي لطلب ليلة القدر التي هي كما قال تعالى { خير من ألف شهر } القدر 3 أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر قال صلى الله عليه وسلم من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه الشيخان وهي في العشر المذكور
وميل الشافعي رحمه الله إلى انها ليلة حاد أو ثالث وعشرين منه دل للأول خبر الشيخان
____________________
(1/218)
للثاني خبر مسلم فكل ليلة منه عند الشافعي محتملة لها لكن أرجاها ليالي الوتر وأرجا من ليالي الوتر ما نقلناه عنه فمذهبه أنها تلزم ليلة بعينها وقال المزني وابن خزيمة وغيرهما إنها تنتقل كل سنة إلى ليلة جمعا بين الأخبار قال في الروضة وهو قوي واختاره في المجموع والفتاوى وكلام الشافعي في الجمع بين الأحاديث يقتضيه وعلامتها طلوع الشمس صبيحتها بيضاء ليس فيها كثير شعاع
وأركانه أربعة أحدها نية كغيره من العبادات وتجب نية فرضية في نذره ليتميز
____________________
(1/219)
عن النفل والتصريح بوجوبها من زيادتي وإن أطلقه أي الأعتكاف بأن لم يقدر له مدة كفته نيته وإن طال مكثه لكن لو خرج من المسجد بقيد زدته بقولي بلا عزم عود وعاد جدد ها لزوم سواء أخرج لتبرز أم لغيره لأن ما مضى عبادة تامة فإن عزم على العود كانت هذه العزيمة قائمة مقام النية ولو قيد بمدة كيوم أو شهر وخرج لغير تبرز وعاد جدد النية أيضا وإن لم يطل الزمن لقطعه الاعتكاف بخلاف خروجه للتبرز فإنه لا يجب تجديدها وإن طال الزمن لأنه لا بد منه فهو كالمستثني عند النية لا إن نذر مدة متتابعة فخرج لعذر لا يقطع التتابع وعاد فلا يلزم تجديد سواء أخرج لتبرز أم لغيره لشمول النية جميع المدة ولا يجوز اعتكاف المرأة والرقيق إلا بإذن الزوج والسيد
وثانيها مسجد للاتباع رواه الشيخان فلا يصح في غيره ولو هيىء للصلاة والجامع أولى من بقية المساجد لكثرة الجماعة فيه ولئلا يحتاج إلى الخروج للجمعة وخروجا من
____________________
(1/220)
خلاف من أوجبه بل لو نذر مدة متتابعة فيها يوم جمعة وكان ممن تلزمه الجمعة ولم يشرط الخروج لها وجب الجامع لأن خروجه لها يبطل تتابعه ولو عين الناذر في نذره مسجد مكة أو المدينة أو الأقصى تعين فلا يقوم غيرها مقامها لمزيد فضلها قال صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى رواه الشيخان ويقوم الأول وهو مسجد مكة مقام الأخيرين لمزيد فضله عليهما وتعلق النسك به و
____________________
(1/221)
يقوم الثاني وهو مسجد المدينة مقام الثالث لمزيد فضله عليه قال صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي رواه الإمام أحمد صححه ابن ماجه فعلم أنه لا يقوم الأخير إن مقام الأول ولا الثالث مقام الثاني وأنه لو عين مسجدا غير الثلاثة لم يتعين ولو عين زمن الاعتكاف في نذره تعين
وثالثها لبث قدر يسمى عكوفا إي إقامة ولو بلا سكون بحيث يكون زمنها فوق زمن
____________________
(1/222)
الطمأنينة في الركوع ونحوه فيكفي التردد فيه لا المرور بلا لبث ولو نذر اعتكافا مطلقا كفاه لحظة
و رابعها معتكف وشرطه إسلام وعقل وخلو عن حدث أكبر فلا يصح اعتكاف من اتصف بضد شيء منها لعدم صحة نية الكافر ومن لا عقل له وحرمة مكث من به حدث أكبر بالمسجد وتعبيري يخلو عن حدث أكبر أعم من قوله والنقاء من الحيض والجنابة وينقطع الاعتكاف كتتابعه بردة وسكر ونحو حيض تخلو مدة اعتكاف عنه غالبا بخلاف ما لا تخلو
____________________
(1/223)
عنه غالبا كشهر وجنابة مفطرة للصائم أو غير مفطرة ولم يبادر بطهره وإن طرأ شيء من ذلك خارج المسجد لتبرز أو نحوه لمنافاة كل منها العبادة البدنية لا بجنابة غير مفطرة إن بادر بطهره بخلاف ما إذا لم يبادر ولا جنون وإغماء للعذر وقولي لا غير مفطرة أعم من من قوله ولو جامع ناسيا فكجماع الصائم وقولي نحو مع إن بادر من زيادتي
ويجب خروج من به حدث أكبر من مسجد لأن مكثه به معصية إن تعذر طهره فيه بلا
____________________
(1/224)
مكث وإلا فلا يجب خروجه بل يجوز ويلزمه أن يبادر به كيلا يبطل تتابع اعتكافه وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بالحيض والجنابة والغسل وقولي بلا مكث من زيادتي ويحسب من الاعتكاف زمن إغماء كالنوم فقط أي دون غيره مما مر وإن لم يقطع الاعتكاف كجنون ونحو حيض لا تخلو المدة عنه غالبا لمنافاته له ولا يضر تزين بطيب ولبس ثياب وترجيل
____________________
(1/225)
شعر ( وفطر ) بل يصح اعتكاف الليل وحده بناء على أنه لا يشترط فيه الصوم وهو ما نص عليه الشافعي في الجديد لخبر ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه رواه الحاكم
وقال صحيح على شرط مسلم ( ولو نذر اعتكاف يوم هو فيه صائم لزمه ) الاعتكاف يوم صومه سواء أكان صائما عن رمضان أم غيره وليس له إفراد أحدهما عن الآخر ( أو أن يعتكف صائما أو عكسه ) أي أو أن يصوم معتكفا ( لزماه ) أي الاعتكاف والصوم لأنه التزمهما لأن الحال قيد في عاملها ومبنية لهيئة صاحبها بخلاف الصفة فإنها مخصصة لموصوفها ( و ) لزمه ( جمعهما ) لأنه قربة فلزم بالنذر كما لو نذر أن يصلي بسورة كذا وفارق ما لو نذر أن يعتكف مصليا أو عكسه حيث لا
____________________
(1/226)
يلزم جمعهما بأن الصوم يناسب الاعتكاف لاشتراكهما في الكف والصلاة أفعال مباشرة لا تناسب الاعتكاف ولو نذر القران بين حج وعمرة فله تفريقهما وهو أفضل
فصل في الاعتكاف المنذور ولو ( نذر مدة ) ولو غير معينة ( وشرط تتابعها ) كلله علي اعتكاف شهر أو شهر كذا
____________________
(1/227)
متتابعا ( لزمه ) تتابعها ( أداء ) مطلقا ( وقضاء ) في المعينة لالتزامه إياه لفظا فإن لم يشرطه لم يلزمه إلا في أداء المعينة وإن نواه لا يلزمه كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه ولو شرط التفريق خرج عن العهدة بالتتابع لأنه أفضل ( أو ) نذر ( يوما لم يجز تفريقه ) لأن المفهوم من لفظ اليوم المتصل نعم لو دخل في أثناء يوم واستمر إلى مثله من اليوم الثاني فعن الأكثرين الإجزاء وعن أبي إسحاق خلافه قال الشيخان وهو الوجه فعليه لا استثناء ( ولو شرط مع تتابع خروجا لعارض ) بقيود زدتها بقولي ( مباح ) كلقاء سلطان ( مقصود غير مناف ) للاعتكاف ( صح )
____________________
(1/228)
الشرط لأن الاعتكاف إنما يلزم بالالت فيجب بحسب ما التزم بخلاف غير العارض كأن قال إلا أن يبدو لي وبخلاف العارض المحرم كسرقة وغير المقصود كتنزه والمافي للاعتكاف كجماع فإنه لا يصح الشرط بل ينعقد نذره نعم إن كان المنافي لا يقطع التتابع لا تخلو عنه مدة الاعتكاف غالبا صح شرط الخروج له ( ولا يجب تدارك زمنه ) أي العارض المذكور ( إن عين مدة ) كهذا الشهر لأن النذر في الحقيقة لما عداه فإن لم يعينها كشهر وجب تداركه لتتم المدة ويكون فائدة الشرط تنزيل ذلك العارض منزلة قضاء الحاجة في أن التتابع لا ينقطع به قال في المجموع ولو نذر اعتكاف يوم فاعتكف ليلة أو بالعكس فإن عين زمنا وفاته كفي لأنه قضاء وإلا فلا
( وينقطع التتابع ) زيادة على ما مر ( بخروجه ) من المسجد ( بلا عذر ) من الأعذار الآتية بخلاف خروج
____________________
(1/229)
بعضه كرأس ويد ورجل لم يعتمد عليها ويدين ورجلين لم يعتمد عليهما كأن كان قاعدا ( لا ) بخروجه ( لتبرز ولو بدار له لم يفحش بعدها ) عن المسجد ( ولا له ) دار ( أخرى أقرب ) منها ( أو فحش ) بعدها ( ولم يجد بطريقه ) مكانا ( لائقا ) به فلا ينقطع التتابع به فلا يجب تبرزه في غير داره كسقاية المسجد ودار صديقه المجاورة له للمشقة في الأول والمنة في الثاني أما إذا كان له أخرى أقرب منها أو فحش بعدها ووجد بطريقه مكانا لائقا به فينقطع التتابع بذلك لاعتنائه بالأقرب في الأولى واحتمال أن يأتيه البول في رجوعه في الثانية فيبقى طول يومه في الذهاب والرجوع ولا يكلف في خروجه لذلك الإسراع بل يمشي على سجيته المعهودة وإذا فرغ منه واستنجى فله أن يتوضأ خارج المسجد لأنه يقع تابعا لذلك بخلاف ما لو خرج له مع إمكانه في المسجد فلا يجوز وضبط البغوي الفحش بأن يذهب أكثر الوقت في التردد إلى الدار وقولي ولا له أخرى أقرب مع ولم يجد بطريقه لائقا من زيادتي
____________________
(1/230)
( أو عاد مريضا ) أو زار قادما ( بطريقه ) للتبرز ( ما لم يعدل ) عن طريق ( و ) لم ( يطل وقوفه ) فإن طال أو عدل انقطع بذلك تتابعه ( ولا ) بخروجه ( لمرض ) ولو جنونا أو إغماء ( يحوج لخروج ) بأن يشق معه المقام في المسجد لحاجة فرش وخادم وتردد طبيب أو بأن يخاف منه تلويث المسجد كإسهال وإدرار بول بخلاف مرض لا يحوج إلى الخروج كصداع وحمى خفيفة فينقطع التتابع بالخروج له وفي معنى المرض الخوف من لص أو حريق ( أو ) بخروجه ( لنسيان ) لاعتكافه وإن طال زمنه ( أو لأذان ) مؤذن ( راتب إلى منارة للمسجد منفصلة )
____________________
(1/231)
عنه ( قريبة ) منه لأنها مبنية له معدودة من توابعه وقد ألف صعودها للأذان وألف الناس صوته بخلاف خروج غير الراتب له وخروج الراتب لغيره أو له لكن منارة ليست للمسجد أو له لكن بعيدة عنه أما المتصلة به بأن يكون بابها فيه فلا يضر صعود فيها ولو لغير الأذان لأنه لا يسمى خارجا سواء أخرجت عن صمت المسجد أم لا فهي وإن خرجت عن صمته في حكمه وقولي للمسجد مع قريبة من زيادتي ( أو لنحوها ) من الأعذار كأكل وشهادة تعينت وإكراه بغير حق وحد ثبت ببينة وهذا من زيادتي ( ويجب ) في اعتكاف منذور متتابع ( قضاء زمن خروج ) من المسجد ( لعذر ) لا يقطع التتابع كزمن حيض ونفاس وجنابة غير مفطرة بشرطها السابق لأنه غير معتكف فيه ( إلا زمن نحو تبرز ) مما يطلب الخروج له ولم يطل زمنه عادة كأكل وغسل جنابة وأذان مؤذن راتب فلا يجب قضاؤه لأنه مستثنى إذ لا بد منه ولأنه معتكف فيه بخلاف ما يذول زمنه كرمض وعدة وحيض ونفاس وتقدم أن الزمن المصروف إلى ما شرط من عارض في مدة معينة لا يجب تداركه ونحو من زيادتي
____________________
(1/232)
( كتاب الحج ) هو لغة القصد وشرعا قصد الكعبة للنسك الآتي بيانه ( والعمرة ) هي لغة الزيادة وشرعا قصد الكعبة للنسك الآتي بيانه وذكرها في الترجمة من زيادتي ( يجب كل ) منهما لقوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله أي ائتوا بها تأمين في العمر ( مرة ) واحدة بأصل الشرع لخبر مسلم عن أبي هريرة خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل يا نبي الله أكل عام فسكت حتى قالها ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ولخبر الدار قطني بأسناد صحيح عن سراقة قلت يا رسول الله عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فقال لا بل للأبد ( بتراخ بشرطه ) وهو أن يعزم على الفعل بعد وأن لا يتضيق بنذر أو خوف عضب أو قضاء نسك وقولي مرة اخره من زيادتي ( وشرط إسلام ) فقط ( لصحة ) مطلقا أي صحة كل منهما فلا يصح من كافر أصلي أو مرتد لعدم أهليته للعبادة ولا يشترط فيه تكليف ( فلولى مالي ) ولو بمأذونه إن لم يؤد نسكه أو أحرم به ( إحرام عن صغير ) ولو مميز وإن قيد الأصل بغيره لخبر مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لقى ركبا بالروحاء ففزعت إمرأة فأخذت بعضد صبي صغير فأخرجته من محفتها فقالت يا رسول الله هل لهذا حج فقال نعم ولك أجر ( و ) عن ( مجنون ) قياسا على الصغير وخرج بزيادتي مال غير ولي المال كالأخ والعم فلا يحرم عمن ذكر وصفة إحرامه عنه أن ينوي جعله محرما فيصير من أحرم عنه محرما بذلك ولا يشترط حضوره ومواجهته ويطوف الولي بغير المميز ويصلي عنه ركعتي الطواف ويسعى به ويحضره المواقف ولا يكفي حضوره بدونه ويناوله الأحجار فيرميها إن قدر وإلا رمى عنه من لا رمي عليه والمميز يطوف ويصلي ويسعى ويحضر المواقف ويرمي الأحجار بنفسه وخرج بمن ذكر المغمى عليه فلا يحرم عنه غيره لأنه ليس بزائل العقل وبرؤه مرجو على القرب ( و ) شرط إسلام ( مع تمييز ) ولو من صغير أو رقيق ( لمباشرة ) كما في سائر العبادات ( فلمميز إحرام بإذن وليه ) من أب ثم جد ثم وصي ثم حاكم أو قيمه لا كافر ولا غير مميز ولا مميز لم يأذن له وليه والتقييد بإذن الولي من زيادتي
____________________
(1/233)
( و ) شرط إسلام وتمييز ( مع بلوغ وحرية لوقوع عن فرض إسلام ) من حج أو عمرة ولو غير مستطيع وتعبيري بفرض إسلام أعم من تعبيره بحجة الإسلام ( فيجزىء ) ذلك ( من فقير ) لكمال حاله فهو كما لو تكلف مريض المشقة وحشر الجمعة ( لا ) من ( صغير ورقيق ) إن كملا بعده لخبر أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى رواه البيهقي بإسناد جيد كما في المجموع ولنقصت حالهما فإن كملا قبل الوقوف أو طواف العمرة أو في أثنائه أجزائهما وعاد السعي
( و ) شرطت المذكورات ( مع استطاعة لوجوب ) فلا يجب ذلك على كافر أصلي وجوب مطالبة به في الدنيا فإن أسلم وهو معسر بعد استطاعته في الكفر فلا أثر لها بخلاف المرتد فإن النسك يستقر في ذمته باستطاعته في الردة ولا على غير مميز كسائر العبادات ولا على صبي مميز لعدم بلوغه ولا على من فيه رق لأن منافعه مستحقة لسيده فليس مستطيعا ولا فرض على غير المستطيع لمفهوم الآية فالمراتب المذكورة أربع الصحة المطلقة وصحة المباشرة والوقوع عن فرض الإسلام والوجوب ( وهي ) أي الاستطاعة ( نوعان ) أحدهما ( استطاعة بنفسه وشروطها ) سبعة أحدها ( وجود مؤنته سفرا ) كزاد وأوعيته وأجرة خفارة ذهابا وإيابا وإن لم يكن له ببلده أهل وعشيرة ( إلا إن قصر سفره وكان يكتسب في يوم كفاية أيام ) فلا يشترط وجود ذلك بل يلزمه النسك لقلة المشقة حينئذ بخلاف ما إذا طال سفره أو قصر
وكان يكسب في اليوم ما لا يفي بأيام الحج لأنه قد ينقطع فيها عن كسبه لعارض وبتقدير أن لا ينقطع في الأول فالجمع بين تعب السفر والكسب تعظم فيه المشقة وقدر في المجموع أيام الحج بما بين زوال سابع ذي الحجة وزوال ثالث عشرة وهو في حق من لم ينفر النفر الأول ( و ) ثانيها ( وجود من بينه وبين مكة مرحلتان أو ) دونهما و ( ضعف عن مشى ) بأن يعجز عنه أو يناله به مشقة شديدة ( راحلة مع شق محمل ) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية
وقيل عكسه في حق رجل اشتد ضرره بالراحلة وفي حق امرأة وخنثى وإن لم يتضرر بها لأنه أستر وأحوط ( لا في ) حق ( رجل لم يشتد ضرره بها ) فلا يشترط وجود الشق وإطلاقي اشتراطه في المرأة والخنثى أولى من تقييده له بالمشقة ( و ) مع عديل يجلس ) في الشق الآخر لتعذر ركوب شق لا يعادله شيء فإن لم يجده لم يلزمه النسك قال جماعة إلا أن تكون العادة جارية في مثله بالمعادلة بالأثقال واستطاع ذلك فلا يبعد لزومه ولو لحقه مشقة شديدة في ركوب المحمل اعتبر في حقه الكنيسة وهو أعواد مرتفعة من جوانب المحمل عليها ستر يدفع الحر والبرد أما من قصر سفره وقوي على المشي فلا يعتبر في حقه الراحلة وما يتعلق بها
____________________
(1/234)
وأما القادر عليه في سفر القصر فيسن له ذلك وإن لم يلزمه ( وشرط كونه ) أي ما ذكر من مؤنة وغيرها ( فاضلا عن مؤنة عياله ) ذهابه وإيابه ( وغيرها مما ) ذكر ( في الفطرة ) من دين وما يليق به من ملبس ومسكن وخادم يحتاجها لزمانته ومنصبه لأن ذلك ناجز
والنسك على التراخي وعن كتب الفقيه إلا أن يكون له من تصنيف واحد نسختان فيبيع إحداهما وعن خيل الجندي وسلاحه المحتاج إليهما وهذان يجريان في الفطرة وما زدته ثم غير الدين من زيادتي هنا
( لا عن مال تجارة ) بل يلزمه صرفه في مؤنة نسكه كما يلزم صرفه في دينه وفارق السكن والخادم لأنهما يحتاج إليهما في الحال وهو إنما يتخذ ذخيرة للمستقبل وبما تقرر علم أن الحاجة للنكاح لا تمنع وجوب لكن الأفضل لخائف العنت تقديم النكاح ولغيره تقديم النسك
( و ) ثالثها ( أمن طريق ) ولو ظنا بحسب ما يليق به ( نفسا وبضعا ) والتصريح به من زيادتي ( ومالا ) ولو يسيرا فلو خاف سبعا أو عدوا أو رصديا وهو من يرصد أي يرقب من يمر ليأخذ منه شيئا ولا طريق له غيره لم يلزمه نسك
ويكره بذل المال لهم لأنه يحرضهم على التعرض للنساء سواء كانوا مسلمين أو كفارا لكن إن كانوا كفارا وأطاق الخائفون مقاومتهم سن لهم أن يخرجوا للنسك ويقاتلوهم لينالوا ثواب النسك والجهاد ( ويلزمه ركوب بحر تعين ) طريقا ( وغلبت سلامة ) في ركوبه كسلوك طريق البر عند غلبة السلامة وقولي تعين من زيادتي ( و ) رابعها ( وجود ماء وزاد بمحال يعتاد حملهما منها بثمن مثل ) وهو القدر اللائق به ( زمانا ومكانا ) فإن كانا لا يوجدان بها أو يوجدان بأكثر من ثمن المثل لم يجب النسك لعظم تحمل المؤنة ( و ) وجود ( علف دابة كل مرحلة ) لأن المؤنة تعظم بحمله لكثرته
وفي المجموع ينبغي اعتبار العادة فيه كالمياه
( و ) خامسها ( خروج نحو زوج امرأة ) كمحرمها وعبدها وممسوح ( أو نسوة ثقات ) ثنتين فأكثر ولو بلا محرم لإحداهن ( معها ) لتأمن على نفسها ولخبر الصحيحين لا تسافر المرأة يومين إلا مع زوجها أو محرم وفي رواية فيهما لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم
ويكفي في الجواز لفرضها امرأة واحدة وسفرها وحدها إن أمنت ونحو من زيادتي ( ولو ) كان خروج من ذكر ( بأجرة ) فإنه يشترط في لزوم النسك لها قدرتها على أجرته فيلزمها أجرته إذا لم يخرج إلا بها لأنها من أهبة سفرها وتعبيري بما ذكر أعم من قوله ويلزمها أجرة المحرم ( كقائد أعمى ) فإنه يشترط خروجه معه ولو بأجرة
( و ) سادسها ( ثبوت على مركوب ) ولو في محمل ( بلا ضرر شديد ) فمن لم يثبت عليه
____________________
(1/235)
أصلا أو يثبت بضرر شديد لمرض أو غيره لا يلزمه نسك بنفسه وتعبيري بمركوب أعم من تعبيره بالراحلة
( و ) سابعها وهو من زيادتي ( زمن يسع سيرا معهود لنسك ) كما نقله الرافعي عن الأئمة وإن اعترضه ابن الصلاح بأنه يشترط لاستقراره لا لوجوبه فقد صوب النووي ما قاله الرافعي وقال السبكي إن نص الشافعي أيضا يشهد له ( ولا يدفع مال المحجور ) عليه ( بسفه ) لتبذيره ( بل يصحبه ولي ) بنفسه أو نائبه لينفق عليه بالمعروف والظاهر أن أجرته كأجرة من يخرج مع المرأة ( و ) النوع الثاني ( استطاعة بغيره فتجب إنابة عن ميت ) غير مرتد ( عليه نسك من تركته ) كما يقضى منها دينه فلو لم يكن له تركة سن لوارثه أن يفعله عنه فلو فعله عنه أجنبي جاز ولو بلا إذن كما يقضى ديونه بلا إذن ذكر ذلك في المجموع ( و ) عن ( معضوب ) بضاد معجمة أي عاجز عن النسك بنفسه لكبر أو غيره كمشقة شديدة ( بينه وبين مكة مرحلتان ) فأكثر إما ( بأجرة مثل فضلت عما مر ) في النوع الأول ( غير مؤنة عياله سفرا ) لأنه إذا لم يفارقهم يمكنه تحصيل مؤنتهم فلو امتنع من الإنابة أو الاستئجار لم يجبره الحاكم عليه ولا ينيب ولا يستأجر عنه لأن مبنى النسك على التراخي ولأنه لا حق فيه للغير بخلاف الزكاة وخرج بسفرا مؤنة يوم الاستئجار فيعتبر كونها فضالة عما مر وقولي بأجرة مثل أي ولو أجرة ماش فيلزمه ذلك بقدرته عليها إذ لا مشقة عليه في مشي الأجير بخلاف مشي نفسه ( أو ) بوجود ( مطيع لنسك ) بعضا كان من أصل أو فرع أو أجنبيا بدأه بذلك أم لا فيجب سؤاله إذا توسم فيه الطاعة ( بشرطه ) من كونه غير معضوب موثوقا به أدى فرضه وكون بعضه غير ماش ولا معولا على الكسب أو السؤال إلا أن يكسب في يوم كفاية أيام وسفره دون مرحلتين ( لا ) بوجود ( مطيع بمال ) للأجرة فلا تجب الإنابة به لعظم المنة بخلاف المنة في بذل الطاعة بنسك بدليل أن الإنسان يستنكف عن الاستعانة بمال غيره ولا يستنكف عن الاستعانة ببدنه في الأشغال وقولي بينه وبين مكة مرحلتان مع قولي بشرطه من زيادتي وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بما ذكره
باب المواقيت للنسك زمانا ومكانا ( زمانيها لحج ) أي للإحرام به ( من ) أول ( شوال إلى فجر ) عيد
____________________
(1/236)
( نحر فلو أحرم ) به أو مطلقا ( حلال في غيره انعقد ) إحرامه بذلك ( عمرة ) لأن الإحرام شديد التعلق واللزوم فإذا لم يقبل الوقت ما أحرم به انصرف إلى ما يقبله وهو العمرة ويسقط بعملها عمرة الإسلام وسواء العالم بالحال والجاهل به
وخرج بزيادتي حلال ما لو أحرم بذلك محرم بعمرة في غيره فإن إحرامه يلغو إذ لا ينعقد حجا في غير أشهره ولا عمرة لأن العمرة لا تدخل على العمر ( و ) زمانيها ( لها ) أي للعمرة أي للإحرام بها ( الأبد ) لوروده في أوقات مختلفة في الصحيحين ( لا لحاج قبل نفر ) لأن بقاء حكم الإحرام كبقائه ولامتناع إدخال العمرة على الحج إن كان قبل تحلله ولعجزه عن التشاغل بعملها إن كان بعده وهذا من زيادتي ( ومكانيها ) أي المواقيت ( لها ) أي للعمرة ( لمن يحرم حل ) أي طرفه فيخرج إليه من أي جهة شاء ويحرم بها لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أرسل عائشة بعد قضاء الحج إلى التنعيم فاعتمرت منه والتنعيم أقرب أطراف الحل إلى مكة فلو لم يكن الخروج واجبا لما أمرها به لضيق الوقت برحيل الحاج ( وأفضله ) أي الحل بقاعه للإحرام بالعمرة ( الجعرانة ) بإسكان العين وتخفيف الراء على الأفصح للاتباع رواه الشيخان وهي في طريق الطائف على ستة فراسخ من مكة ( فالتنعيم ) لأمره صلى الله عليه وسلم عائشة بالاعتمار منه وهو المكان الذي عند المساجد المعروفة بمساجد عائشة بينه وبين مكة فرسخ ( فالحديبية ) بتخفيف الياء على الأفصح بئر بين طريقي جدة والمدينة في منعطف بين جبلين على ستة فراسخ من مكة وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم بعد إحرامه بالعمرة بذي الحليفة عام الحديبية هم بالدخول إلى مكة من الحديبية فصده المشركون عنها فقدم الشافعي ما فعله ثم ما أمر به ثم ما هم به فقول الغزالي إنه هم منهم بالإحرام من الحديبية مردود ( فإن لم يخرج ) إلى الحل ( وأتى بها ) أي بالعمرة ( أجزأته ) عن عمرته إذ لا مانع ( وعليه دم ) لإساءته بترك الإحرام من الميقات ( فإن خرج إليه ( بعد إحرامه فقط ) أي من غير شروعه في شيء من أعمالها ( فلا دم ) عليه لأنه قطع المسافة من الميقات محرما وأدى المناسك كلها بعده فكان كما لو أحرم بها منه
وتعبيري بذلك أولى من قوله سقط الدم لإيهامه أنه وجب ثم سقط وهو وجه مرجوح وقولي فقط من زيادتي ( و ) مكانيها ( لحج ) ولو بقران ( لمن بمكة ) من أهلها وغيرهم ( هي ) أي مكة ( ولنسك ) من حج أو عمرة ( لمتوجه من المدينة ذو الحليفة ) مكان على نحو عشر مراحل من مكة وستة أميال من المدينة وهو المعروف الآن بأبيار على ( ومن الشام ) ومصر والمغرب الجحفة ) قرية كبيرة بين مكة والمدينة قيل على نحو ثلاث مراحل من مكة
والمعروف المشاهد ما قاله الرافعي أنها على خمسين فرسخا منها وهي الآن خراب ( ومن تهامة اليمن يلملم ) ويقال له ألملم جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكة ( ومن نجد
____________________
(1/237)
اليمن والحجاز قرن ) بإسكان الراء مكان بينه وبين مكة مرحلتان ( ومن المشرق ) العراق وغيره ( ذات عرق ) على مرحلتين من مكة أيضا وذلك لخبر الشيخين عن ابن عباس قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم
وقال هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة وروى الشافعي في الأم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة وروى أبو داود وغيره بإسناد صحيح كما في المجموع عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق هذا إن لم ينب من ذكر عن غيره وإلا فميقاته ميقات منيبه أو ما قيد به من أبعد كما يعلم من كتاب الوصية ( والأفضل لمن فوق ميقات إحرام منه ) لا من دويرة أهله ( ومن أوله ) وهو الطرف الأبعد لا من وسطه أو آخره ليقطع الباقي محرما نعم يستثنى منه ذو الحليفة فالأفضل كما قال السبكي أن يحرم من المسجد الذي أحرم منه النبي صلى الله عليه وسلم والتصريح بالتقييد بمن فوق من زيادتي ( و ) مكانيها لنسك ( لمن لا ميقات بطريقه إن حاذاه ) بذال معجمة أي سامته بيمينه أو يساره ( محاذته ) في بركان أو بحر فإن أشكل عليه ذلك تحرى ( أو ) حاذى ( ميقاتين ) كأن كان طريقه بينهما ( محاذاة أقربهما إليه ) وإن كان الآخر أبعد إلى مكة إذ لو كان أمامه ميقات فإنه ميقاته وإن حاذى ميقاتا أبعد فكذا ما هو بقربه فإن استويا في القرب إليه أحرم من محاذاة أبعدهما من مكة وإن حاذى الأقرب إليها أولا وتعبيري بأقربهما إليه أولى من تعبيره بأحدهما أي إلى مكة لاحتياجه إلى التقييد بما إذا استوت مسافتهما إليه لأنهما إذا تفاوتت أحرم من محاذاة إليه وإن كان أقرب إلى مكة في الأصح ( وإلا ) أي وإن لم يحاذ ميقاتا ( ف ) مكانيها لنسك ( مرحلتان من مكة ) إذ لا ميقات أقل مسافة من هذا القدر ( و ) مكانيها لنسك ( لمن دون ميقات لم يجاوزه ) حالة كونه ( مريد نسك ) بأن لم يجاوزه وهو من مسكنه بين مكة والميقات أو جاوزه غير مريد نسك ( ثم أراد محله ) لقوله في الخبر السابق ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ وظاهر مما مر أن محل ذلك في مريد العمرة إذا لم يكن بالحرم ( ومن جاوز ميقاته ) سواء أكان ممن دون ميقات أو من غيره فهو أعم من قوله وإن بلغه ( مريد نسك بلا إحرام لزمه عود ) إليه أو إلى ميقات مثله مسافة محرما أو ليحرم منه ( إلا لعذر ) كضيق وقته عن العود إليه أو خوف طريق أو انقطاع عن رفقة أو مرض شاق فلا يلزمه العود
____________________
(1/238)
وتعبيري بذلك أعم من قوله لزمه العود ليحرم منه إلا إذا ضاق الوقت أو كان الطريق مخوفا ( فإن لم يعد ) إلى ذلك لعذر أو غيره وقد أحرم بعمرة مطلقا أو بحج في تلك السنة ( أو عاد ) إليه بعد ( تلبسه بعمل نسك ) ركنا كان كالوقوف أو سنة كطواف القدوم ( لزمه مع الإثم ) للمجاوزة ( دم ) لإساءته في الأولى بترك الإحرام من الميقات ولتأدي النسك في الثانية بإحرام ناقص ولا فرق في لزوم الدم للمجاوز بين كونه عالما بالحكم ذاكرا له وكونه ناسيا أو جاهلا به فلا إثم على الناسي والجاهل أما إذا عاد إليه قبل تلبسه بما ذكر فلا دم عليه مطلقا ولا إثم بالمجاوزة إن نوى العود
باب الإحرام أي الدخول في النسك بنيته ولو بلا تلبية ( الأفضل تعيين ) لنسك ليعرف ما دخل فيه ( بأن ينوي حجا أو عمرة أو كليهما ) فلو أحرم بحجتين أو عمرتين انعقدت واحدة فعلم أنه ينعقد مطلقا بألا يزيد في النية على الإحرام
روى مسلم عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليفعل ومن أراد بعمرة فليفعل
وروى الشافعي أنه صلى الله عليه وسلم خرج هو وأصحابه مهلين ينتظرون القضاء أي نزول الوحي فأمر من لا هدي معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن معه هدي أن يجعله حجا ( فإن أطلق ) إحرامه ( في أشهر حج صرفه بنية لما شاء ) من حج وعمرة وكليهما إن صلح الوقت لهما ( ثم ) بعد النية ( أتى بعمله ) أي ما شاء فلا يجزى العمل قبل النية فإن لم يصلح الوقت لهما بأن فات وقت الحج صرفه للعمرة قاله الروياني قال في المهمات ولو ضاق فالمتجه وهو مقتضى كلام الرافعي أن له صرفه لما شاء ويكون كمن أحرم بالحج حينئذ أما إذا أطلق في غير أشهر الحج فينعقد عمرة كما مر فلا يصرفه إلى حج في أشهر ( وله أن يحرم كإحرام زيد ) روى البخاري عن أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم قال له بم أهللت فقلت لبيت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم
قال قد أحسنت طف بالبيت سبعا وبالصفا والمروة وأحل
( فينعقد ) إحرامه ( مطلقا إن لم يصح إحرام زيد ) بأن لم يكن زيد محرما أو كان محرما فاسدا ولغت الإضافة إليه وإن علم عدم إحرامه بخلاف ما لو قال إن كان زيد محرما فقد أحرمت لا ينعقد لما فيه من تعليق أصل الإحرام ( وإلا ) بأن صح إحرام زيد ( فنعقد ) إحرامه ( كإحرامه ) معينا ومطلقا
ويتخير في المطلق كما يتخير ولا يلزمه الصرف إلى ما يصرفه
____________________
(1/239)
إليه زيد وإن عين زيد قبل إحرامه انعقد إحرامه مطلقا وتعبيري بالصحة وعدمها أولى مما عبر به ( فإن تعذر معرفة إحرامه ) بموت أو جنون أو غيره فتعبيري بذلك أعم من قوله فإن تعذر معرفة إحرامه بموته ( نوى قرانا ) كما لو شك في إحرام نفسه هل قرن أو أحرم بأحد النسكين ( ثم أتى بعمله ) أي القران ليتحقق الخروج عما شرع فيه ولا يبرأ من العمرة لاحتمال أنه أحرم بالحج ويمتنع إدخالها عليه ويغني عن نية القران نية الحج كما في الروضة كأصلها ( و ) سن ( نطق بنية فتلبية ) فيقول بقلبه ولسانه نويت الحج وأحرمت به لله تعالى لبيك اللهم لبيك إلى آخره
لخبر مسلم إذا توجهتم إلى منى فأهلوا بالحج والإهلال رفع الصوت بالتلبية ولا يسن ذكر ما أحرم به في غير التلبية الأولى لأن إخفاء العبادة أفضل وتعبيري بما ذكر أولى من قوله المحرم ينوي ويلبي ( لا في طواف ) ولو طواف قدوم ( وسعي ) بعده أي لا يسن فيهما تلبية لأن فيهما أذكارا خاصة وإنما قيد الأصل بطواف القدوم لذكره الخلاف فيه وذكر السعي من زيادتي
( و ) سن ( طهر ) أي غسل أو تيمم بشرطه ولو في حيض أو نحوه ( لإحرام ) للاتباع في الغسل رواه الترمذي وحسنه وقيس بالغسل التيمم هنا وفيما يأتي ( ولدخول مكة ) ولو حلالا ( وبذي طوى ) بفتح الطاء أفصح من ضمها وكسرها ( لماربها أفضل ) من طهره بغيرها للاتباع رواه الشيخان فإن لم يمر بها سن طهره من مثل مسافتها واستثنى الماوردي من خرج من مكة فأحرم بعمرة من مكان قريب كالتنعيم واغتسل للإحرام فلا يسن له الغسل لقرب عهده به قال ابن الرفعة ويظهر مثله في الحج وسن الطهر أيضا لدخول المدينة والحرم ( ولوقوف بعرفة ) عشية ( وبمزدلفة غداة نحر ولرمي ) أيام ( تشريق ) لأن هذه مواطن يجتمع لها الناس
فسن الطهر لها قطعا للروائح الكريهة بالغسل الملحق به التيمم وللقربة وخرج برمي التشريق يوم النحر فلا يسن له اكتفاء بطهر العيد وسن أن يتأهب للإحرام بحلق عانة وتنظيف إبط وقص شارب وتقليم ظفر وينبغي تقديمها على الطهر كما في الميت وذكر التيمم في غير الإحرام من زيادتي
( و ) سن ( تطييب بدن ولو بما له جرم ) ولو امرأة بعد الطهر ( لإحرام ) للاتباع روى الشيخان عن عائشة قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ( وحل ) تطيب لإحرام ( في ثوب واستدامته ) أي الطيب في بدن أو ثوب بعد الإحرام لما روى الشيخان عن عائشة قالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب أي بريقه في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم
وخرج باستدامته ما يعلم مما يأتي في باب ما حرم بالإحرام من أنه لو أخذ الطيب من بدنه أو ثوبه ثم رده إليه أو نزع ثوبه المطيب ثم لبسه لزمته فدية فلو لم تكن رائحته موجودة في ثوبه فإن كان بحيث لو ألقى عليه ماء ظهرت رائحته امتنع لبسه وإلا فلا
وذكر حل تطييب الثوب هو ما صححه في الروضة كأصلها ونقل في المجموع الاتفاق عليه ووقع في الأصل تصحيح أنه يسن كالبدن
____________________
(1/240)
( وسن خضب يدي امرأة له ) أي للإحرام إلى الكوعين بالحناء لأنهما قد ينكشفان ومسح وجهها بشيء منه لأنها تؤمر بكشفه فلتستر لون البشرة بلون الحناء أما بعد الإحرام فيكره ذلك لها لأنه زينة للمحرم والقصد أن يكون أشعث أغبر فإن فعلته فلا فدية وخرج بالمرأة الرجل والخنثى فلا يسن لهما الخضب بل يحرم ( ويجب تجرد رجل له ) أي للإحرام ( عن محيط ) بضم الميم وبحاء مهملة لينتفي عنه لبسه في الإحرام الذي هو محرم عليه كما سيأتي والتصريح بالوجوب من زيادتي وبه صرح الرافعي والنووي في مجموعه لكن صرح في مناسكه بسنه واستحسنه السبكي وغيره تبعا للمحب الطبري واعترضوا الأول بأن سبب الوجوب وهو الإحرام لم يحصل ولا يعصى بالنزع بعد الإحرام وأيد الثاني بشيئين ذكرتهما في شرح الروض مع الجواب عنهما
وأما الاعتراض فجوابه أن التجرد في الإحرام واجب ولا يتم إلا بالتجرد قبله فوجب كالسعي إلى الجمعة قبل وقتها على بعيد الدار وقولي محيط أعم من قوله مخيط الثياب لشموله الخف واللبد والمنسوخ ( وسن لبسه إزارا أو رداء أبيضين ) جديدين وإلا فمغسولين ( ونعلين ) لخبر ليحرم أحدكما في إزار ورداء ونعلين رواه أبو عوانة في صحيحه وخرج بالرجل المرأة والخنثى أذ لا نزع عليهما في غير الوجه
( و ) سن ( صلاة ركعتين ) في غير وقت الكراهة كما علم من محله ( لإحرام ) لكل من الرجل وغيره للاتباع رواه الشيخان مع خبر البسوا من ثيابكم البياض وتغني عن الركعتين فريضة ونافلة أخرى
ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص وقولي لإحرام من زيادتي ( والأفضل أن يحرم ) الشخص ( إذا توجه لطريقه ) راكبا أو ماشيا للاتباع في الأول رواه الشيخان ولخبر مسلم عن جابر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أهللنا أن نحرم إذا توجهنا فيه وفي الثاني نعم لو خطب إمام مكة بها يوم السابع فالأفضل له أن يخطب محرما فيتقدم إحرامه سيره بيوم قاله الماوردي ( وسن إكثار تلبية ورفع رجل ) صوته ( بها ) بحيث لا يضر بنفسه ( في دوام إحرامه ) فيهما للاتباع في الأول رواه مسلم وللأمر به في الثاني رواه الترمذي وقال حسن صحيح ( و ) ذلك ( عند تغاير أحوال ) كركوب ونزول وصعود وهبوط واختلاط رفقة وفراغ صلاة وإقبال ليل أو نهار أو وقت سحر ( آكد )
وخرج بدوام إحرامه ابتداؤه فلا يسن الرفع بل يسمع نفسه فقط ونقله في المجموع عن الجويني وأقره والتقييد بالرجل من زيادتي فلا يسن للمرأة والخنثى رفع صوتهما بأن يسمعا غيرهما بل يكره لهما رفعه وفرق بينه وبين أذانهما حيث حرم فيه ذلك بالإصغاء إلى الأذان واشتغال كل أحد بتلبيته عن سماع تلبية غيره وظاهر أن التلبية
____________________
(1/241)
كغيرها من الأذكار تكره في مواضع النجاسة تنزيها لذكر الله تعالى ( ولفظها لبيك اللهم لبيك إلى آخره ) أي لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك للاتباع رواه الشيخان وسن تكريرها ثلاثا ومعنى لبيك أنا مقيم على طاعتك وزاد الأزهري إقامة بعد إقامة وإجابة بعد إجابة وهو مثنى أريد به التكثير وسقطت نونه للإضافة ( و ) سن ( لمن رأى ما يعجبه أو يكرهه ) أن يقول ( لبيك إن العيش عيش الآخرة ) قال صلى الله عليه وسلم حين وقف بعرفات ورأى جمع المسلمين رواه الشافعي وغيره عن مجاهد مرسلا وقاله صلى الله عليه وسلم في أشد أحواله في حفر الخندق رواه الشافعي أيضا ومعناه أن الحياة المطلوبة الهنيئة الدائمة هي حياة الدار الآخرة وقولي أو يكرهه من زيادتي ( ثم ) بعد فراغه من تلبيته ( ويصلي ) ويسلم ( على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله ) تعالى ( الجنة ورضوانه ويستعيذ ) به ( من النار ) للاتباع رواه الشافعي وغيره قال في المجموع وضعفه الجمهور ويكون صوته بذلك أخفض من صوت التلبية بحيث يتميزان
باب صفة النسك ( الأفضل ) لمحرم بحج ولو قارنا ( دخول مكة قبل وقوف ) بعرفة اقتداء به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه ولكثرة ما يحصل له من السنن الآتية ( و ) الأفضل دخولها ( من ثنية كداء ) وإن لم تكن بطريقه خلافا لما نقله الرافعي عن الأصحاب واقتضاه كلام الأصل للاتباع رواه مسلم ولفظه كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من السفلى
والعليا تسمى ثنية كداء بالفتح والمد والتنوين والسفلى ثنية كدا بالضم والقصر والتنوين وهي عند جبل قعيقعان والثنية الطريق الضيق بين الجبلين واختصت العليا بالدخول والسفلى بالخروج لأن الداخل يقصد مكانا عالي المقدار والخارج عكسه وقضيته التسوية في ذلك بين المحرم وغيره ( وأن يقول عند لقاء الكعبة رافعا يديه واقفا اللهم زد هذا البيت ) أي الكعبة ( تشريفا إلى آخره ) أي وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمة ممن حجه أو اعتمره وتشريفا وتكريما وتعظيما وبرا للاتباع رواه الشافعي والبيهقي وقال إنه منقطع ( اللهم أنت السلام إلى آخره ) أي ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام قاله عمر رضي الله عنه رواه عنه البيهقي قال في المجموع وإسناده ليس بقوي ومعنى السلام الأول ذو السلامة من النقائص والثاني
____________________
(1/242)
والثالث السلامة من الآفات
وقولي عند لقاء أعم من قوله إذا أبصر وقولي رافعا يديه واقفا من زيادتي
( فيدخل ) هو أولى من قوله ثم يدخل ( المسجد ) الحرام ( من باب بني شيبة ) وإن لم يكن بطريقه للاتباع رواه البيهقي بإسناد صحيح
ولأن باب بني شيبة من جهة الكعبة والحجر الأسود وأن يخرج من باب بني سهم إذا خرج إلى بلده ويسمى اليوم بباب العمرة ( و ) أن ( يبدأ بطواف قدوم ) للاتباع رواها الشيخان والمعنى فيه أن الطواف تحية فيسن أن يبدأ به بقيد زدته بقولي ( إلا لعذر ) كإقامة جماعة وضيق وقت صلاة وتذكر فائتة فيقدم على الطواف ولو كان في أثنائه لأنه يفوت والطواف لا يفوت ولا يفوت بالجلوس ولا بالتأخير نعم يفوت بالوقوف بعرفة كما يعلم مما يأتي
وكما يسمى طواف القدوم يسمى طواف القادم وطواف الورود وطواف الوارد وطواف التحية ( ويختص به ) أي بطواف القدوم ( حلال ) هو من زيادتي ( وحاج دخل مكة قبل وقوف ) فلا يطلب من الداخل بعده ولا من المعتمر لدخول وقت الطواف المفروض عليهما فلا يصح قبل أدائه أن يتطوعا بطوافه قياسا على أصل النسك ( ومن قصد الحرم ) هو أعم من قوله مكة ( لا لنسك ) بل لنحو زيارة أو تجارة ( سن ) له ( إحرام به ) أي بنسك كتحية المسجد لداخله سواء تكرر دخوله كحطاب أم لا كرسول قال في المجموع ويكره تركه
فصلفيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن ( واجبات الطواف ) بأنواعه ثمانية أحدها وثانيها ( ستر ) لعورة ( وطهر ) عن حدث أصغر وأكبر وعن نجس كما في الصلاة ولخبر الطواف بالبيت صلاة ( فلو زالا ) بأن عرى أو أحدث أو تنجس ثوبه أو بدنه أو مطافه بنجس غير معفو عنه ( فيه ) أي في طوافه ( جدد ) الستر والطهر ( وبني ) على طوافه وإن تعمد ذلك بخلاف الصلاة إذ يحتمل فيه ما لا يحتمل فيها ككثير الفعل والكلام سواء أطال الفصل أم قصر لعدم اشتراط الولاء فيه كالوضوء لأن كلا منهما عبادة يجوز أن يتخللها ما ليس بخلاف الصلاة لكن يسن الاستئناف خروجا من خلاف من أوجبه ومحل اشتراط الستر والطهر مع القدرة
أما مع العجز ففي المهمات جواز الطواف بدونهما إلا طواف الركن فالقياس منعه للمتيمم والمتنجس وإنما فعلت الصلاة كذلك لحرمة الوقت وهو مفقود هنا لأن الطواف لا آخر لوقته انتهى
وفي جواز فعله فيما ذكر بدونهما مطلقا نظر
____________________
(1/243)
وقولي فلو زال إلى آخره أولى من قول الأصل فلو أحدث فيه توضأ وبني ( و ) ثالثها ( جعله البيت عن يساره ) بقيد زدته بقولي ( مارا تلقاء وجهه ) فيجب كونه خارجا بكل بدنه عنه حتى عن شاذر وأنه وحجره للاتباع مع خبر مسلم خذوا عني مناسككم فلو خالف شيئا من ذلك كأن استقبل البيت أو استدبره أو جعله عن يمينه أو عن يساره ورجع القهقري نحو الركن اليماني لم يصح طوافه لمنابذته ما ورد الشرع به والحجر بكسر الحاء
ويسمى حطيما المحوط بين الركنين الشاميين بجدار قصير بينه وبين كل من الركنين فتحة ( و ) رابعها ( بدؤه بالحجر الأسود محاذيا له أو لجزئه ) في مروره ( ببدنه ) للاتباع
ويسن كما قال النووي أن يتوجه البيت أول طوافه ويقف على جانب الحجر الذي لجهة الركن اليماني بحيث يصير كل الحجر عن يمينه ومنكبه الأيمن عند طرف الحجر ثم يمر متوجها له فإذا جاوزه انفتل وجعل البيت عن يساره وهذا مستثنى من وجوب جعل البيت عن يساره ( فلو بدأ بغيره ) كأن بدأ بالباب ( لم يحسب ) ما طافه فإذا انتهى إليه ابتدأ منه ولو أزيل الحجر والعياذ بالله تعالى وجب محاذاة محله ويسن حينئذ استلام محله وتقبيله والسجود عليه وقولي أو لجزئه من زيادتي
( و ) خامسها ( كونه سبعا ) ولو في الأوقات المنهى عن الصلاة فيها ماشيا أو راكبا أو زاحفا بعذر أو غيره فلو ترك من السبع شيئا وإن قل لم يجزه
( و ) سادسها كونه ( في المسجد ) وإن وسع أو كان الطواف على السطح ولو مرتفعا عن البيت أو حال حائل بين الطائف والبيت كالسقاية والسواري
( و ) سابعها ( نيته ) أي الطواف ( إن استقل ) بأن لم يشمله نسك كسائر العبادات
( و ) ثامنها ( عدم صرفه ) لغيره كطلب غريم كما في الصلاة فإن صرفه انقطع لا إن نام فيه على هيئة لا تنقض الوضوء وهذا والذي قبله من زيادتي ( وسننه أن يمشي في كله ) ولو امرأة إلا لعذر كمرض للاتباع رواه مسلم
ولأن المشي أشبه بالتواضع والأدب ويكره بلا عذر الزحف لا الركوب لكنه خلاف الأولى كما نقله في المجموع عن الجمهور وفي غيره عن الأصحاب وصححه ونصه في الأم على الكراهة يحمل على الكراهة غير الشديدة التي عبر عنها المتأخرون بخلاف الأولى ( و ) أن ( يستلم الحجر ) الأسود بيده ( أول طوافة و ) أن ( يقبله ويسجد عليه ) للاتباع رواه في الأولين الشيخان وفي الثالث البيهقي وإنما تسن الثلاثة للمرأة إذا خلا المطاف ليلا أو نهارا وإن خصه ابن الرفعة بالليل والخنثى كالمرأة ( فإن عجز ) عن الأخيرين أو الأخير ( استلم ) بلا تقبيل في الأولى وبه في الثانية ( بيده ) اليمنى فإن عجز فباليسرى
____________________
(1/244)
على الأقرب كما قاله الزركشي
( ف ) إن عجز عن استلامه بيده استلمه ( بنحو عود ) كخشبة وتعبيري بذلك أولى من اقتصاره على استلم
( ثم قبل ) ما استلمه به وهذا من زيادتي
( ف ) أن عجز عن استلامه بيده وبغيرها ( أشار ) إليه ( بيده ) اليمنى ( فبما فيها ) من زيادتي
ثم قبل ما أشار به لخبر البخاري أنه صلى الله عليه وسلم طاف على بعير فكلما أتى الركن أشار إليه بشيء عنده وكبر ولا يشير بالفم إلى التقبيل ويسن تثليث ما ذكر من الاستلام وما بعده في كل طوفة وتخفيف القبلة بحيث لا يظهر لها صوت ( و ) أن ( يستلم ) الركن ( اليماني ) ويقبل يده بعد استلامه بها للاتباع رواه الشيخان فإن عجز عن استلامه أشار إليه فعلم أنه لا يسن استلام غير ما ذكر ولا تقبيل غير الحجر من الأركان فإن خالف لم يكره بل نص الشافعي على أن التقبيل حسن ( و ) أن ( يقول ) عند استلامه ( أول طوافه باسم الله والله أكبر اللهم ) أطوف ( إيمانا بك إلى آخره ) أي وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم اتباعا للسلف والخلف ( و ) أن يقول ( قبالة الباب اللهم إن البيت بيتك إلى آخره ) أي والحرم حرمك والأمن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار ويشير إلى مقام إبراهيم ( وبين اليمانيين ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية ) للاتباع رواه أبو داود ووقع في المنهاج كالروضة اللهم بدل ربنا ( و ) أن ( يدعو بما شاء ومأثوره ) أي الدعاء فيه أي منقوله ( أفضل فقراءة ) فيه ( فغير مأثورة ) ويسن له الأسرار بذلك لأنه أجمع للخشوع ( و ) أن ( يراعى ذلك ) أي الاستلام وما بعده ( كل طوفة ) اغتناما للثواب لكنه في الأولى آكد وشمول ذلك لاستلام اليماني وما بعده من زيادتي ( و ) أن ( يرمل ذكر في ) الطوفات ( الثلاثة الأول من طواف بعده سعي ) بقيد زدته بقولي ( مطلوب ) بأن يكون بعد طواف قدوم أو ركن ولم يسع بعد الأول فلو سعى بعده لم يرمل في طواف إفاضه والرمل يسمى خببا ( بأن يسرع مشيه مقاربا خطاه ) ويمشي في البقية على هينته للاتباع رواه مسلم فإن طاف راكبا أو محمولا حرك الدابة ورمل به الحامل ولو ترك الرمل في الثلاثة الأول لا يقضيه في الأربع الباقية لأن هيئتها السيكنة فلا تغير ( و ) أن ( يقول فيه ) أي في الرمل ( اللهم اجعله ) أي ما أنا فيه من العمل ( حجا مبرورا ) أي لم يخالطه ذنب ( إلى آخره ) أي وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا للاتباع ويقول في الأربعة الباقية كما في التنبيه وغيره رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
قال الأسنوي والمناسب للمعتمر أن يقول عمرة مبرورة ويحتمل الإطلاق مراعاة للحديث يقصد المعنى اللغوي وهو القصد ( و ) أن ( يضطبع ) أي الذكر ( في
____________________
(1/245)
طواف فيه رمل ) للاتباع رواه أبو داود بإسناد صحيح كما في المجموع
( وفي سعي ) قياسا على الطواف بجامع قطع مسافة مأمور بتكريرها سبعا وذلك ( بأن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على ) منكبه ( الأيسر ) كدأب أهل الشطارة والاضطباع مأخوذ من الضبع بسكون الموحدة وهو العضد وخرج بالطواف والسعى ركعتا الطواف فلا يسن فيهما الاضطباع بل يكره ( و ) أن ( يقرب ) الذكر في طوافه ( من البيت ) تبركا ولأنه أيسر في الاستلام والتقبيل نعم إن تأذى أو آذى غيره بنحو زحمة فالبعد أولى ( فلو فات رمل بقرب ) لنحو زحمة ( وأمن لمس نساء ولم يرج فرجة ) يرمل فيها لو انتظر ( بعد ) للرمل لأنه يتعلق بنفس العبادة
والقرب يتعلق بمكانها فإن خاف لمس نساء فالقرب بلا رمل أولى من البعد مع الرمل تحرزا عن ملامستهن المؤدية إلى انتقاض الطهر ولو خاف مع القرب أيضا لمسهن فترك الرمل أولى وإذا تركه سن أن يتحرك في مشيه ويرى أنه لو أمكنه لرمل وكذا في العدو في السعي الآتي بيانه وإن رجا الفرجة المذكورة سن له انتظارها وخرج بالذكر الأنثى والخنثى فلا يسن لهما شيء من الثلاثة المذكورة بل يسن لهما في الأخيرة حاشية المطاف بحيث لا يختلطان بالرجال إلا عند خلو المطاف فيسن لهما القرب
وذكر حكم الخنثى مع قولي ولم يرج فرجة من زيادتي
( و ) أن ( يوالي كل ) من الذكر وغيره ( طوافه ) خروجا من الخلاف في وجوبه ( و ) أن ( يصلي بعده ركعتين و ) فعلهما ( خلف المقام أولى ) للاتباع رواه الشيخان وذكر الأولوية من زيادتي
وكذا قولي ( ف ) إن لم يفعلهما خلف المقام فعلهما ( في الحجر ففي المسجد ففي الحرم فحيث شاء ) متى شاء ولا يفوتان إلا بموته ويأتي فيهما ( بسورتي الكافرون والإخلاص ) للاتباع رواه مسلم ولما في قراءتهما من الإخلاص المناسب لما هنا لأن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ثم ( و ) أن ( يجهر ) بهما ( ليلا ) مع ما ألحق به من الفجر إلى طلوع الشمس ويسر فيما
____________________
(1/246)
عدا ذلك كالكسوف ويجزىء عن الركعتين فريضة ونافلة أخرى ( ولو حمل شخص ) حلال أو محرم طاف عن نفسه أو لم يطف ( محرما ) بقيد زدته بقولي ( لم يطف عن نفسه ودخل وقت طوافه وطاف به ) بقيد زدته في الأوليين بقولي ( ولم ينوه لنفسه أولهما ) بأن نواه للمحمول أو أطلق ( وقع ) الطواف ( للمحمول ) لأنه كراكب دابة وعملا بنية الحامل وإنما لم يقع للحامل المحرم إذا دخل وقت طوافه ونوى المحمول لأنه صرفه عن نفسه ( إلا إن أطلق وكان كالمحمول ( في كونه محرما لم يطف عن نفسه ودخل وقت طوافه ( ف ) يقع ( له ) لأنه الطائف ولم يصرفه عن نفسه فإن طاف المحمول عن نفسه أو لم يدخل وقت طوافه لم يقع له إن لم ينوه لنفسه وإلا فكما لو لمن يطف ودخل وقت طوافه وإن نواه الحامل لنفسه أو لهما وقع له وإن نواه محموله لنفسه أو لم يطف عنها عملا بنيته في الجميع ولأنه الطائف ولم يصرفه عن نفسه فيما إذا لم يطف ودخل وقت طوافه وإفادة حكم الإطلاق فيمن لم يطف من زيادتي
( وسن ) لكل بشرطه في الأنثى والخنثى ( أن يستلم الحجر بعد طوافه وصلاته ثم يخرج من باب الصفا ) وهو الباب الذي بين الركنين اليمانيين ( للسعي ) بين الصفا والمروة وللاتباع رواه مسلم ( وشرطه أن يبدأ بالصفا ) بالقصر طرف جبل أبي قبيس ( ويختم بالمروة ) والتصريح به من زيادتي فلو عكس لم تحسب المرة الأولى ( و ) أن ( يسعى سبعا ذهابه من كل ) منهما ( للآخر في المسعى مرة ) للاتباع
وقال صلى الله عليه وسلم ابدأ بما بدأ الله به رواه مسلم ورواه النسائي بلفظ فابدءوا بما بدأ الله به ( و ) أن يسعى ( بعد طواف ركن أو قدوم و ) أن ( لا يتخللهما ) أي السعي وطواف القدوم ( الوقوف ) بعرفة بأن يسعى قبله للاتباع مع خبر خذوا عني
____________________
(1/247)
مناسككم فإن تخللهما الوقوف امتنع السعي إلا بعد طواف الفرض فيمتنع أن يسعى بعد طواف نفل مع إمكانه بعد طواف فرض ( ولا تسن إعادة سعي ) لأنه لم يرد وتعبيري بذلك أولى مما ذكره
( وسن للذكر أن يرقى على الصفا والمروة قامة ) أي قدرها لأنه صلى الله عليه وسلم رقى على كل منهما حتى رأى البيت رواه مسلم وخرج بزيادتي الذكر الأنثى والخنثى فلا يسن لهما الرقي إلا أن خلا المحل عن الرجال غير المحارم فيما يظهر كما نبه عليه وعلى الخنثى الأسنوي والواجب على من لم يرق أن يلصق عقبه بأصل ما يذهب منه ورؤوس أصابع رجليه بما يذهب إليه من الصفا والمروة ( و ) أن ( يقول كل ) من الذكر والراقي وغيرهما ( الله أكبر ثلاثا ولله الحمد إلى آخره )
أي الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير
( ثم يدعو بما شاء ) دينا ودنيا ( و ) أن ( يثلث الذكر والدعاء ) للاتباع في ذلك رواه مسلم بزيادة بعض ألفاظ ونقص بعضها وتعبيري بكل إلى آخره أعم من قوله فإذا رقي إلى آخره ( و ) أن ( يمشي ) على هينته ( أول السعي وآخره و ) أن ( يعدو الذكر ) أي يسعى سعيا شديدا ( في الوسط ) للاتباع في ذلك رواه مسلم ( ومحلهما ) أي المشي والعدو ( معروف ) ثم يمشي حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر المعلق بركن المسجد على يساره قدر ستة أذرع فيعدو حتى يتوسط بين الميلين الأخضرين اللذين أحدهما في ركن المسجد والآخر متصل بجدار العباس رضي الله عنه فيمشي حتى ينتهي إلى المروة فإذا عاد منها إلى الصفا مشى في محل مشيه وسعى في محل سعيه أولا وخرج بزيادتي الذكر الأنثى والخنثى فلا يعدوان ويسن أن يقول
____________________
(1/248)
كل منهم في سعيه رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم وأن يوالي بين مرات السعي وبينه وبين الطواف ولا يشترط فيه الطهر ولا ستر ويجوز فعله راكبا ويكره للساعي أن يقف في سعيه لحديث أو غيره
فصل في الوقوف بعرفة مع ما يذكر معه ( سن للإمام أن يخطب ) ولو بنائبه ( بمكة سابع ) ذي ( الحجة ) بكسر الحاء أفصح من فتحها المسمى يوم الزينة لتزيينهم فيه هوادجهم ( بعد ) صلاة ( ظهر أو جمعة ) إن كان يومها ( خطبة ) فردة ( يأمر ) هم ( فيها بالغدو ) يوم الثامن المسمى يوم التروية لأنهم يتروون فيه الماء
____________________
(1/249)
( إلى منى )
ويسمى التاسع يوم عرفة والعاشر يوم النحر والحادي عشر يوم القر لاستقرارهم فيه بمنى والثاني عشر يوم النفر الأول والثالث عشر يوم النفر الثاني ( ويعلمهم ) فيها ( المناسك ) إلى الخطبة الآتية في مسجد إبراهيم ويأمر فيها أيضا المتمتعين والمكيين بطواف الوداع قبل خروجهم وبعد إحرامهم
وهذا الطواف مسنون وقولي أو جمعة من زيادتي ( و ) أن ( يخرج بهم من غد ) بقيد زدته بقولي ( بعد صبح ) أي صلاته نعم إن كان يوم جمعة خرج بهم قبل الفجر إن لزمتهم الجمعة ولم يمكنهم إقامتها بمنى كما عرف في بابها ( إلى منى ) فيصلون بها الظهر وما بعدها للاتباع رواه مسلم ( و ) أن ( يبيتوا بها و ) أن ( يقصدوا عرفة إذا أشرقت ) هو أولى من قوله طلعت ( الشمس ) بقيد زدته بقولي ( على ثبير ) وهو جبل كبير بمزدلفة على يمين الذاهب إلى عرفة مارين بطريق ضب وهو من مزدلفة ( و ) أن ( يقيموا بقربها بنمرة إلى الزوال )
وقولي ( ثم يذهب بهم إلى مسجد إبراهيم ) صلى الله عليه وسلم من زيادتي وصدره من عرفة وآخره من عرفة ويميز بينهما صخرات كبار فرشت هناك ( فيخطب ) بهم فيه ( خطبتين ) يبين لهم في أولاهما ما أمامهم من المناسك إلى خطبة يوم النحر ويحرضهم على إكثار الدعاء والتهليل في المواقف ويخففها ويجلس بعد فراغها بقدر سورة الإخلاص ثم يقوم إلى الثانية ويأخذ المؤذن في الأذان ويخففها بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الأذان ( ثم يجمع بهم ) بعد الخطبتين ( العصرين تقديما ) للاتباع رواه مسلم والتصريح بأنه جمع تقديم من زيادتي والجمع للسفر لا للنسك ويقصرهما أيضا المسافر بخلاف المكي
____________________
(1/250)
( و ) أن ( يقفوا بعرفة ) إلى الغروب للاتباع رواه مسلم قال في الروضة وبين هذا المسجد وموقف النبي صلى الله عليه وسلم بالصخرات نحو ميل ( و ) أن ( يكثروا الذكر ) من تهليل أو غيره ( والدعاء إلى الغروب ) روى الترمذي خبر أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
وزاد البيهقي اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وذكر الإكثار في الدعاء والذكر غير التهليل من زيادتي ( ثم ) بعد الغروب ( يقصدوا مزدلفة ويجمع بها المغرب والعشاء تأخيرا ) للاتباع رواه الشيخان نعم إن خشى فوت وقت الاختيار للعشاء جمع بهم في الطريق والجمع للسفر لا للنسك كما مر نظيره
ويذهبون بسكينة ووقار فمن وجد فرجة أسرع ( وواجب الوقوف ) بعرفة ( حضوره ) أي المحرم ( وهو أهل للعبادة ) ولو نائما أو مارا في طلب آبق أو نحوه ( بعرفة ) أي بجزء منها ( بين زوال وفجر ) يوم ( نحر ) للاتباع رواه مسلم وفي خبره وعرفة كلها موقف ولخبر الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة كما في المجموع
وليلة جمع هي ليلة المزدلفة وخرج بالأهل غيره كمغمى عليه وسكران ومجنون فلا يجزئهم لأنهم ليسوا أهلا للعبادة لكن يقع حجهم نفلا كما صرح به الشيخان في المجنون كحج الصبي غير المميز ولا ينافيه قول الشافعي في المغمى عليه فاته الحج لصحة حمله على فوات الحج الواجب ( ولو فارقها ) أي عرفة ( قبل غروب ولم يعد ) إليها ( سن ) له ( دم ) خروجا من خلاف من أوجبه لا إن عاد إليها ولو ليلا لأنه أتى بما يسن له وهو الجمع بين الليل والنهار في الموقف ( ولو وقفوا ) اليوم ( العاشر غلطا ولم يقلوا ) على خلاف العادة في الحج لظنهم أنه التاسع بأن غم عليهم هلال ذي الحجة فأكملوا ذا القعدة ثلاثين ثم بان أن الهلال أهل ليلة الثلاثين ( أجزأهم ) وقوفهم سواء أبان لهم ذلك في العاشر أم بعده فلا قضاء عليهم إذ لو كلفوا به لم يأمنوا وقوع مثل ذلك فيه
ولأن فيه مشقة عامة بخلاف ما إذا قلوا وليس من الغلط المراد لهم ما إذا وقع ذلك بسبب حساب كما ذكره الرافعي وخرج بالعاشر ما لو وقفوا الحادي عشر أو
____________________
(1/251)
الثامن غلطا فلا يجزيهم لندرة الغلط فيهما ولأن تأخير العبادة عن وقتها أقرب إلى الاحتساب من تقديمها عليه في الثاني
فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معهما ( يجب ) بعد الدفع من عرفة ( مبيت ) أي مكث ( لحظة ) ولو بلا نوم ( بمزدلفة ) للاتباع المعلوم من الأخبار الصحيحة والتصريح بالوجوب وبالاكتفاء بلحظة من زيادتي فالمعتبر الحصول فيها لحظة ( من نصف ثان ) من الليل لا لكونه يسمى مبيتا إذ الأمر بالمبيت لم يرد هنا بل لأنهم لا يصلونها حتى يمضي نحو ربع الليل ويجوز الدفع منها بعد نصفه وبقية المناسك كثيرة شاقة فسومح في التخفيف لأجلها ( فمن لم يكن بها فيه ) أي في النصف الثاني بأن لم يبت بها أو بات لكن نفر قبله أي النصف ( ولم يعد ) إليها ( فيه لزمه دم ) كما نص عليه في الأم وصححه في الروضة كأصلها لتركه الواجب وإن اقتضى كلام الأصل عدم لزومه نعم إن تركه كأن خاف أو انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت أو أفاض من عرفة إلى مكة وطاف للركن ففاته المبيت لم يلزمه شيء
( وسن أن يأخذوا منها حصى رمى ) يوم ( نحر ) قال الجمهور ليلا وقال البغوي بعد صلاة الصبح روى البيهقي وغيره بإسناد صحيح على شرط مسلم كما في المجموع عن الفضل بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له غداة يوم النحر التقط لي حصى قال فلقطت
____________________
(1/252)
له حصيات مثل حصى الخذف
والتصريح بسن أخذها مع التقييد برمي يوم النحر من زيادتي فالمأخوذ سبع حصيات لا سبعون ( و ) أن ( يقدم نساء وضعفه بعد نصف ) من الليل ( إلى منى ) ( ليرموا قبل الزحمة ولما في الصحيحين عن عائشة أن سودة أفاضت في النصف الأخير من مزدلفة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرها بالدم ولا النفر الذين كانوا معها وفيهما عن ابن عباس قال أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله ( و ) أن ( يبقى غيرهم حتى يصلوا الصبح بغلس ( بها للاتباع رواه الشيخان ويتأكد طلب التغليس هنا على بقية الأيام لخبر لشيخين وليتسع الوقت لما بين أيديهم من أعمال يوم النحر ( ثم يقصدوا منى ) وشعارهم مع من تقدم من النساء والضعفة التلبية قال القفال مع التكبير ( فإذا بلغوا المشعر الحرام ) وهو جبل في آخر مزدلفة يقال له قزح ( استقبلوا القبلة لأنها أشرف الجهات وهذا من زيادتي ( ووقفوا ) عنده ( وهو ) أي وقوفهم به ( أفضل ) من وقوفهم بغيره من مزدلفة ومن مرورهم به بلا وقوف وهذا من زيادتي ( وذكروا ) الله تعالى ( ودعوا إلى إسفار ) للاتباع رواه مسلم وقولي وذكروا من زيادتي كأن يقولوا الله أكبر ثلاثا لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
( ثم يسيروا ) بسكينة فإذا وجدوا فرجة أسرعوا وإذا بلغوا وادي محسر أسرع الماشي وحرك الراكب دابته وذلك قدر رمية حجر حتى يقطعوا عرض الوادي ( ويدخلوا منى بعد طلوع شمس فيرمي كل ) منهم حينئذ ( سبع حصيات إلى جمرة العقبة ) للاتباع رواه مسلم ( ويقطع التلبية عند ابتداء نحو رمي ) مما له دخل في التحلل لأخذه في أسباب التحلل
كما أن المعتمر يفعل ذلك عند ابتداء طوافه ونحو من زيادتي ( ويكبر ) بدل التلبية ( مع كل رمية ) للاتباع رواه مسلم وهذا الرمي تحية منى فلا يبدأ فيها بغيره ويبادر بالرمي كماأفادته إلغاء حتى إن السنة للراكب أن لا ينزل للرمي والسنة للرامي إلى الجمرة أو يستقبلها ( و ) مع ( حلق وعقبه ) لفعل السلف وهذا من زيادتي ( ويذبح من معه هدي ) تقربا ( ويحلق ) للآية الآتية وللاتباع رواه مسلم ( أو يقصر ) للآية ولأنه في معنى الحلق ( والحلق أفضل للذكر والتقصير ) أفضل ( لغيره ) من أنثى وخنثى قال تعالى { محلقين رؤوسكم ومقصرين } إذ العرب تبدأ بالأهم والأفضل وروى الشيخان خبر اللهم ارحم المحلقين فقالوا يا رسول الله والمقصرين فقال اللهم ارحم المحلقين قال في الرابعة والمقصرين
وروى أبو داود بإسناد حسن كما في المجموع ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير وفي المجموع عن جماعة يكره للمرأة الحلق ومثلها الخنثى وذكر حكمه من زيادتي
والمراد من
____________________
(1/253)
الحلق والتقصير إزالة الشعر في وقته وهي نسك لا استباحة محظور كما علم من الأفضلية هنا ومن عده ركنا فيما يأتي ويدل له الدعاء لفاعله بالرحمة في الخبر السابق فيثاب عليه ( تنبيه ) يستثنى من أفضلية الحلق ما لو اعتمر قبل الحج في وقت لو حلق فيه جاء يوم النحر ولو لم يسود رأسه من الشعر فالتقصير له أفضل ( وأقله ) أي كل من الحلق والتقصير ( ثلاث شعرات ) أي إزالتها ( من ) شعر ( رأس ) ولو مسترسلة عنه أو متفرقة لوجوب الفدية على المحرم بإزالتها المحرمة واكتفاء بمسمى الجمع المأخوذ من قوله تعالى محلقين رؤوسكم أي شعرها وقولي من رأس من زيادتي
( وسن لمن لا شعر برأسه إمرار موسى عليه ) تشبيها بالحالقين ( ويدخل مكة ويطوف للركن ) للاتباع رواه مسلم وكما يسمى طواف الركن يسمى طواف الإفاضة وطواف الزيارة وطواف الفرض وطواف الصدر بفتح الدال ( فيسعى إن لم يكن سعى ) بعد طواف القدوم كما مر وسيأتي أن السعي ركن وتعبيري بالفاء أولى من تعبيره بالواو ( فيعود إلى منى ) ليبيت بها ( وسن ترتيب أعمال ) يوم ( نحر ) بليلته من رمي وذبح وحلق أو تقصير وطواف ( كما ذكر ) ولا يجب
روى مسلم أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي
فقال إرم ولا حرج
وأتاه آخر فقال أني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي فقال ارم ولا حرج
وروى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء في ذلك اليوم قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج
( ويدخل وقتها لا الذبح ) للهدى تقربا ( بنصف ليلة نحر ) بقيد زدته بقولي ( لمن وقف قبله ) روى أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم كما في المجموع أنه صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة ليلة النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت وقيس بذلك الباقي منها ( ويبقى وقت الرمي الاختياري إلى آخر يومه ) أي النحر روى البخاري أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني رميت بعد ما أمسيت قال لا حرج والمساء من بعد الزوال
وخرج بزيادتي الاختياري وقت الجواز فيمتد إلى آخر أيام التشريق كما يعلم مما سيأتي وقد صرح الرافعي بأن وقت الفضيلة لرمي يوم النحر ينتهي بالزوال فيكون لرميه ثلاثة أوقات وقت فضيلة ووقت اختيار ووقت جواز ( ولا آخر لوقت الحلق ) أو التقصير ( والطواف ) المتبوع بالسعي إن لم يفعل لأن الأصل عدم التأقيت ( وسيأتي وقت الذبح ) للهدي تقربا وغيره في باب ما حرم بالإحرام ( وحل باثنين من رمي ) يوم ( نحر وحلق ) أو تقصير ( وطواف ) متبوع بسعي إن لم يفعل
____________________
(1/254)
من محرمات الإحرام ( غير نكاح ووطء ومقدماته ) من لبس وحلق أو تقصير وقلم وصيد وطيب ودهن وستر رأس الذكر ووجه غيره كما سيأتي بخلاف الثلاثة لخبر إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء وروى إذا رميتم وحلقتم ولخبر الصحيحين لا ينكح المحرم ولا ينكح فتعبيري بذلك أعم من قوله وحل به اللبس والحلق والقلم وكذا الصيد ( و ) حل ( بالثالث الباقي ) من المحرمات وهو الثلاثة المذكورة ومن فاته الرمي ولزمه بدله من دم أو صوم توقف التحلل على الإتيان ببدله هذا في تحلل الحج أما العمرة فلها تحلل واحد والحكمة في ذلك أن الحج يطول زمنه وتكثر أفعاله بخلاف العمرة فأبيح بعض محرماته في وقت وبعضها في آخر
فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق الثلاثة وهي التي عقب يوم العيد وفيما يذكر معه ( يجب مبيت بمنى ليالي ) أيام ( تشريق ) للاتباع المعلوم من الأخبار الصحيحة مع خبر خذوا عني مناسككم ( معظم ليل ) كما لو حلف لا يبيت بمكان لا يحنث إلا بمبيت معظم الليل وإنما اكتفى بلحظة من نصفه الثاني بمزدلفة كما مر لما تقدم ثم والتصريح بمبيت الليلة الثالثة وبالوجوب مع قولي معظم ليل من زيادتي
( و ) يجب ( رمي كل يوم ) من أيام التشريق ( بعد الزوال إلى الجمرات ) الثلاث وإن كان الرامي فيها والأولى منها تلي مسجد الخيف وهي الكبرى والثانية الوسطى والثالثة جمرة العقبة وليست من منى بل منى تنتهي إليها ( فإن نفر ) ولو انفصل من منى بعد الغروب أو عاد لشغل ( في ) اليوم ( الثاني بعد رميه ) وبات الليلتين قبله أو ترك مبيتها لعذر ( جاز وسقط مبيت ) الليلة ( الثالثة ورمى يومها ) قال تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } ويخطب الإمام بمنى بعد صلاة الظهر يوم النحر خطبة يعلمهم فيها رمي أيام التشريق وحكما لمبيت وغيرهما وثاني أيام التشريق بعد صلاة الظهر خطبة يعلمهم فيها جواز النفر فيه وغير ذلك ويودعهم ( وشرط للرمي ) أي لصحته ( ترتيب ) للجمرات بأن يرمي أولا إلى الجمرة التي تلي مسجد الخيف ثم إلى الوسطى ثم إلى جمرة العقبة للاتباع رواه البخاري ( وكونه سبعا ) من المرات لذلك فلو رمى سبع حصيات مرة واحدة أو حصاتين كذلك إحداهما بيمينه والأخرى بيساره
____________________
(1/255)
لم يحسب إلا واحدة ولو رمى حصاة واحدة سبع مرات كفى ولا يكفي وضع الحصاة في المرمى لأنه لا يسمى رميا ولأنه خلاف الوارد ( و ) كونه ( بيد ) لأنه الوارد وهذا من زيادتي فلا يكفي الرمي بغيرها كقوس ورجل ( و ) كونه ( بحجر ) لذكر الحصى في الأخبار وهو من الحجر فيجزي بأنواعه ولو مما يتخذ منه الفصوص كياقوت وعقيق وبلور لا غيره كلؤلؤ وإثمد وجص وجوهر منطبع كذهب وفضة وحديد ( وقصد المرمى ) من زيادتي فلو رمى إلى غيره كأن رمى في الهواء فسقط في المرمى لم يحسب ( وتحقق إصابته ) بالحجر وإن لم يبق فيه كأن تدحرج وخرج منه فلو شك في إصابته لم يحسب
( وسن أن يرمي بقدر حصى الخذف ) بمعجمتين لخبر مسلم عليكم بحصى الخذف وهو دون الأنملة طولا وعرضا بقدر الباقلا ( ومن عجز ) عن الرمي لعلة لا يرجى زوالها قبل فوات وقت الرمي ( أناب ) من يرمى عنه ولا يمنع زوالها بعده من الاعتداد به ولا يصح رميه عنه إلا بعد رميه عن نفسه وإلا وقع عنها وظاهر أن ما ذكر من اشتراط كونه سبعا إلى هنا يأتي في رمي يوم النحر ( ولو ترك رميا ) من رمي يوم النحر أو أيام التشريق عمدا أو سهوا وهذا أعم من قوله وإذا ترك رمي يوم ( تداركه في باقي تشريق ) أي أيامه ولياليه فهو أعم من تعبيره بباقي الأيام ( أداء ) بالنص في الرعاء وأهل السقاية وبالقياس في غيرهم وقولي أداء من زيادتي وإنما وقع أداء لأنه لو وقع قضاء لما دخله التدارك كالوقوف بعد فوته ويجب الترتيب بينه وبين رمي ما بعده فإن خالف في رمي الأيام وقع عن المتروك ويجوز رمي المتروك قبل الزوال وليلا كما علم فقول الأصل أول الفصل ويدخل رمي التشريق بزوال
الشمس ويخرج بغروبها اقتصار على وقت الاختيار ( وإلا ) أي وإن لم يتداركه ( لزمه دم ب ( ترك رمي ( ثلاث رميات ) فأكثر ولو في الأيام الأربعة لأن الرمي فيها كالشيء الواحد وإن كان رمى كل يوم عبادة برأسها وفي الرمية الأخيرة من اليوم الأخير مد طعام وفي الأخيرتين منه مدان وفي ترك مبيت ليالي التشريق كلها دم واحد وفي ليلة مد وفي ليلتين مدان إن لم ينفر قبل الثالثة إلا وجب دم لتركه جنس المبيت هذا كله في غير المعذورين
أما هم كأهل السقاية ورعاء الإبل أو غيرها فلهم ترك المبيت ليالي منى بلا دم ( ويجب على غير نحو حائض ) كنفساء ( طواف وداع ) ويسمى بالصدر أيضا ( بفراق مكة ) ولو مكيا أو غير حاج ومعتمر أو فارقها بسفر قصير كما في المجموع للاتباع رواه البخاري ولخبر مسلم لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت أي الطواف بالبيت كما رواه أبو داود وما ذكرته من وجوب طواف الوداع على غير الحاج والمعتمر هو ما رجحه في الروضة
____________________
(1/256)
وأصلها بناء على إنه ليس من المناسك والمعتمد ما بينته في شرح الروض أنه منها فلا يجب على من ذكر واعلم أنه لا وداع على من خرج لغير منزله بقصد الرجوع وكان سفره قصيرا لكن خرج للعمرة ولا على محرم خرج إلى منى وأن الحاج إذا أراد الانصراف من منى فعليه الوداع كما في المجموع أما نحو الحائض فلا طواف عليها لخبر الشيخين عن ابن عباس أنه قال أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض وقيس بها النفساء فلو طهرت قبل مفارقة مكة لزمها العود والطواف أو بعدها فلا ونحو من زيادتي ( ويجبر تركه ) ممن وجب عليه ( بدم ) لتركه نسكا واجبا واستثنى منه البلقيني تبعا للروياني المتحيرة ( فإن عاد ) بعد فراقه بلا طواف ( قبل مسافة قصر وطاف فلا دم ) عليه لأنه في حكم المقيم وكما لو جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه وقولي وطاف من زيادتي وقولي فلا دم أولى من قوله سقط الدم ( وإن مكث بعده ) أي بعد الطواف ولو ناسيا أو جاهلا بقيد زدته بقولي ( لا لصلاة أقيمت أو شغل سفر ) كشراء زاد وشد رحل ( أعاد ) الطواف بخلاف ما إذا مكث لشيء من ذلك ( وسن شرب ماء زمزم ) ولو لغير حاج ومعتمر للاتباع رواه الشيخان وأن يتضلع منه وأن يستقبل القبلة عند شربه ( وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ) ولو لغير حاج ومعتمر وإن أوهم كلام الأصل فيه وفيما قبله خلافه وذلك لخبر ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي وخبر لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا رواهما الشيخان وسن لمن قصد المدينة الشريفة لزيارته أن يكثر في طريقه من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم فإذا رأى حرم المدينة وأشجارها زاد في ذلك وسأل الله أن ينفعه بهذه الزيارة ويتقبلها منه ويغتسل قبل دخوله ويلبس أنظف ثيابه فإذا دخل المسجد قصد الروضة وهي بين قبره ومنبره كما مر وصلى تحية المسجد بجانب المنبر وشكر الله تعالى بعد فراغها على هذه النعمة ثم وقف مستدبر القبلة مستقبل رأس القبر الشريف ويبعد منه نحو أربعة أذرع ناظرا لأسفل ما يستقبله فارغ القلب من علق الدنيا ويسلم بلا رفع صوت وأقله السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يتأخر صوب يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر ثم يتأخر قدر ذراع فيسلم على عمر رضي الله عنهما ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه النبي صلى الله عليه وسلم ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه ثم يستقبل القبلة ويدعو بما شاء لنفسه وللمسلمين
وإذا أراد السفر ودع المسجد بركعتين وأتى القبر الشريف وأعاد نحو السلام الأول
____________________
(1/257)
فصل في أركان الحج والعمرة وبيان أوجه أدائهما مع ما يتعلق بذلك ( أركان الحج ) ستة ( إحرام ) به أي نية الدخول فيه لخبر إنما الأعمال بالنيات ( ووقوف ) بعرفة لخبر الحج عرفة ( وطواف ) لقوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق }
( وسعي ) لما روى الدارقطني وغيره بإسناد حسن كما في المجموع أنه صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة في المسعى وقال يا أيها الناس اسعوا فإن السعي قد كتب عليكم
( وحلق أو تقصير ) لتوقف التحلل عليه مع عدم جبره بدم كالطواف والمراد إزالة الشعر كما مر ( وترتيب المعظم ) بأن يقدم الإحرام على الجميع والوقوف على طواف الركن والحلق أو التقصير على السعي إن لم يفعل بعد طواف القدوم ودليله الاتباع مع خبر خذوا عني مناسككم وقد عده في الروضة كأصلها ركنا وفي المجموع شرطا والأول أنسب بما في الصلاة وقولي أو تقصير إلى آخره من زيادتي
( ولا تجبر ) أي الأركان أي لا دخل للجبر فيها وتقدم ما يجبر بدم ويسمى بعضا وغيرها يسمى هيئة ( وغير الوقوف ) من الستة ( أركان للعمرة ) لشمول الأدلة لها وظاهر أن الحلق أو التقصير يجب تأخيره فالترتيب فيها مطلق ويؤديان أي الحج والعمرة على ثلاثة أوجه لأنه أما أن يحرم بهما معا أو يبدأ بحج أو بعمرة
قالت عائشة رضي الله عنها خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة
رواه الشيخان أحدها أن يؤديا ( بأفراد بأن يحج ثم يعتمر ) بأن يحرم بعد فراغه من الحج بالعمرة ويأتي بعملها ( و ) ثانيها ( بتمتع بأن يعكس ) بأن يعتمر ولو من غير ميقات بلده ثم يحج سواء أحرم بالحج من مكة أم من ميقات أحرم بالعمرة منه أم من مثل مسافته أو من ميقات أقرب منه وإن أوهم كلام الأصل اشتراط كونه من مكة أو من ميقات عمرته وكون العمرة من ميقات بلده وسمي الآتي بذلك متمتعا لتمتعه بمحظورات الإحرام بين النسكين أو لتمتعه بسقوط العود للميقات عنه
( و ) ثالثها ( بقران بأن بحرم بهما ) معا في أشهر حج ( أو بعمرة ) ولو قبل أشهره ( ثم يحج ) في أشهره ( قبل شروع في طواف ثم يعمل عمله ) أي الحج فيهما فيحصلان أما الأول فلخبر عائشة السابق وأما الثاني فلما روى مسلم أن عائشة أحرمت بعمرة فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدها تبكي فقال ما شأنك
قالت حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلي بالحج
ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالبيت وبالصفا
____________________
(1/258)
والمروة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حللت من حجك وعمرتك جميعا
وخرج بزيادتي قبل الشروع ما إذا شرع في الطواف فلا يصح إحرامه بالحج لاتصال إحرام العمرة بمقصوده وهو أعظم أفعالها فيقع عنها ولا ينصرف بعد ذلك إلى غيرها
وتقييد الأصل الإحرام بهما بكونه من الميقات والإحرام بالعمرة بكونه في أشهر الحج اقتصار على الأفضل ( ويمتنع عكسه ) بأن يحرم بحج ولو في أشهره ثم بعمرة قبل طواف لأنه لا يستفيد به شيئا بخلاف إدخال الحج على العمرة فإنه يستفيد به الوقوف والرمي والمبيت ( وأفضلها ) أي هذه الأوجه ( إفراد ) بقيد زدته بقولي ( إن اعتمر عامه ) فلو أخرت عنه العمرة كان الإفراد مفضولا لأن تأخيرها عنه مكروه ( ثم تمتع ) أفضل من القرآن في أفضلية ما ذكر منشأ الخلاف اختلاف الرواة في إحرامه صلى الله عليه وسلم
روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ورويا أنه أحرم متمتعا ورجح الأول بأن رواته أكثر وبأن جابرا منهم أقدم صحبة وأشد عناية بضبط المناسك وبأنه صلى الله عليه وسلم اختاره أولا كما بينته مع فوائد في شرح الروض وأما ترجيح التمتع على القران فلأن أفعال النسكين فيه أكمل منها في القران ( وعلى ) كل من ( المتمتع والقارن دم ) قال تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر يوم النحر قالت وكن قارنات ( إن لم يكونا من حاضري الحرم ) لقوله تعالى في المتمتع ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وقيس به القارن فلا دم على حاضريه ( وهم من ) مساكنهم ( دون مرحلتين منه ) أي من الحرم لقربهم منه والقريب من الشيء يقال إنه حاضره قال تعالى { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } أي قريبة منه والمعنى في ذلك أنهم لم يربحوا ميقاتا كما أوضحته في شرح الروض فمن جاوز الميقات من الآفاقيين ولو غير مريد نسكا ثم بدا له فأحرم بالعمرة لعدم الاستيطان
وقول الروضة كأصلها في دون المرحلتين من جاوز الميقات مريد النسك ثم أحرم بعمرة لا يلزمه دم التمتع محمول على من استوطن ولا يضر التقييد بالمريد لأن غيره مفهوم بالموافقة ومن إطلاق المسجد الحرام على جميع الحرم كما هنا قوله تعالى { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } وعبر في المحرر بدل الحرم بمكة قال الأسنوي والفتوى قرب دخول مكة أو عقب
____________________
(1/259)
دخولها لزمه دم التمتع لأنه ليس من الحاضرين على ما فيه فقد نقله صاحب التقريب عن نص الإملاء ثم قال وأيده الشافعي بأن اعتبار ذلك من الحرم يؤدي إلى إدخال البعيد عن مكة وإخراج القريب لاختلاف المواقيت وعطفت على مدخول إن قولي ( واعتمر المتمتع في أشهر حج عامه ) فلو وقعت العمرة قبل أشهره أو فيها والحج في عام قابل فلا دم وكذا لو أحرم بها في غير أشهره وأتى بجميع أفعالها في أشهره ثم حج ( ولم يعد لإحرام الحج إلى ميقات ) ولو أقرب لمكة من ميقات عمرته أو إلى مثل مسافة ميقاتها فلو عاد إليه وأحرم بالحج فلا دم لانتفاء تمتعه وترفهه وكذا لو أحرم به من مكة أو دخلها القارن قبل يوم عرفة ثم عاد كل منهما إلى ميقات ( ووقت وجوب الدم عليه ) أي على المتمتع ( إحرامه بالحج ) لأنه حينئذ يصير متمتعا بالعمرة إلى الحج ووقت جواز بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج ولا يتأقت ذبحه كسائر دماء الجبرانات بوقت ( و ) لكن ( الأفضل ذبحه يوم نحر ) للاتباع وخروجا من خلاف من أوجبه فيه ( فإن عجز ) عنه حسا أو شرعا ( بحرم صام ) بدله وجوبا ( قبل ) يوم ( نحر ) من زيادتي ( ثلاثة أيام تسن قبل ) يوم ( عرفة ) لأنه يسن للحاج فطره ولا يجوز صوم شيء منها يوم النحر ولا في أيام التشريق كما مر ذلك في بابه ولا يجوز تقديمها على الإحرام بالحج لأنها عبادة بدنية فلا تقدم على وقتها ( وسبعة في وطنه ) قال تعالى { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } وأمر صلى الله عليه وسلم بذلك كما رواه الشيخان فلا يجوز صومها في الطريق فإن توطن مكة مثلا ولو بعد فراغه من الحج صام بها كما شمله كلامي دون كلامه ( ولو فاته الثلاثة ) في الحج ( لزمه أن يفرق في قضائها بينها وبين السبعة ) بقيد زدته بقولي ( بقدر تفريق الأداء ) وهو أربعة أيام مع مدة إمكان سيره إلى وطنه على العادة البالغة إن رجع إليه وذلك لأنه تفريق واجب في الأداء يتعلق بالفعل وهو النسك والرجوع فلا يسقط بالفوت كرتيب أفعال الصلاة ( وسن تتابع كل ) من الثلاثة والسبعة أداء وقضاء مبادرة للعبادة
____________________
(1/260)
( باب ما حرم بالإحرام ) الأصل فيه مع ما يأتي أخبار كخبر الصحيحين عن ابن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب فقال لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس
زاد البخاري ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين
وكخبر البيهقي بإسناد صحيح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس القميص والأقبية والسراويلات والخفين إلا أن لا يجد النعلين ( حرم به ) أي بالإحرام ( على رجل ستر بعض رأسه بما يعد ساترا ) من مخيط أو غيره كقلنسوة وخرقة وعصابة وطين ثخين بخلاف ما لا يعد ساترا كاستظلاله بمحمل وإن مسه وحمله قفة أو عدلا وانغماسه في ماء وتغطية رأسه بكفه أو كف غيره نعم إن قصد بمحل القفة ونحوها الستر حرم كما اقتضاه كلام الفوراني وغيره ( ولبس محيط ) بضم الميم وبمهملة أي لبسه على ما يعتاد فيه ولو بعضو ( بخياطة ) كقميص ( أو نسج ) كزرد ( أو عقد ) كجبة لبد ( في باقي بدنه ونحوه ) كلحيته بأن جعلها في خريطة لما مر بخلاف غير المخيط المذكور كإزار ورداء ويجوز أن يعقد إزاره ويشد خيطه عليه ليثبت وأن يجعله مثل الحجزة ويدخل فيها التكة إحكاما وأن يغرز طرف ردائه في طرف إزاره لا خل ردائه بنحو مسلة ولا ربط طرف بآخر بنحو وخيط ولا ربط شرج بعرى وقولي ونحوه من زيادتي ( و ) حرم به ( على إمرأة ) حرة أو غيرها ( ستر بعض وجهها ) بما يعد ساترا وعلى الحرة أن تستر منه ما لا يتأتى ستر جميع رأسها إلا به لا يقال لم لا عكس ذلك بأن تكشف من رأسها ما لا يتأتى كشف وجهها إلا به لأنا نقول الستر أحوط من الكشف ( ولبس قفاز ) وهو ما يعمل لليد ويخشى بقطن ويزر على الساعد لقيها البرد فلها لبس المخيط في الرأس وغيره وأن تسدل على وجهها ثوبا متجافيا عنه بخشبة أو نحوها فإن وقعت فأصاب الثوب وجهها بغير اختيارها ورفعته حالا فلا فدية أو عمدا أو استدامه وجبت وليس للخنثى ستر الوجه مع الرأس أو بدونه ولا كشفهما فلو سترهما لزمته الفدية لستره ما ليس له ستره لا إن ستر الوجه أو كشفهما وإن أثم فيهما وقد بسطت الكلام على ذلك في شرح الروض وعلى الولي منع الصبي من محرمات الإحرام وإذا وجبت فدية فهي على الولي نعم إن طيبه أجنبي فعليه ( إلا لحاجة ) فلا يحرم على من ذكر ستر أو لبس ما منع منه لعدم وجدان غيره أو
____________________
(1/261)
لمداواة أو حر أو برد ونحوها نعم لا يلبس القميص لفقد الرداء بل يرتدي به وتجب بما ذكر الفدية كما تجب به بلا حاجة نعم لا تجب فيما إذا لبس الرجل من المحيط لعدم وجدان غير سراويل لا يتأتى إلا تزار به أو خفين قطعا من أسفل الكعبين وقولي إلا لحاجة أعم من قوله إلا إذا لم يجد غيره في لبس غير القفاز ومن زيادتي في لبسه ( و ) حرم به ( على كل ) من الرجل وغيره ( تطييب ) منه ( لبدنه ) ولو باطنا بنحو أكل ( أو ملبوسه ) ولو نعلا وهو أعم من قوله أو ثوبه ( بما تقصد رائحته ) الطيبة ولو مع غيرها كمسك وعود وكافور لما مر أول الباب ففيه فدية وقولي بما إلى آخره من زيادتي وخرج بتطييبه تطييب غيره له بغير إذنه وقدرته على دفعه وما لو ألقت عليه الريح طيبا وشم ماء الورد وحمل الطيب في كيس مربوط وبما يعده ما لا تقصد رائحته وإن كانت طيبة كقر نفل وأترج وشيح وعصفر فلا يحرم عليه شيء من ذلك فلا فدية فيه لكن تلزمه المبادرة إلى إزالته في صورتي تطييب غيره وإلقاء الريح عند زوال عذره فإن أخر وجبت الفدية ويعتر مع ما ذكر عقل إلا السكران واختيار وعلم بالتحريم والإحرام كما تعتبر الثلاثة في سائر محرمات الإحرام ويعتبر مع العلم بالتحريم والإحرام هنا العلم بأن الممسوس طيب يعلق ( ولا يكره غسله ) أي كل من بدنه أو ملبوسه ( بنحو خطمى ) كسدر فلا يحرم وإنما يسن تركه لأنه لإزالة الأوساخ لا للتزيين والتنمية ونحو من زيادتي ( و ) حرم به على كل ( دهن شعر رأسه أو لحيته ) بدهن ولو غير مطيب كزيت وسمن ودهن لوز لما فيه من التزين لما في الخبر المحرم أشعث أغبر أي شأنه المأمور به ذلك ففي ذلك الفدية والظاهر كما قال المحب الطبري التحريم في بقية شعور الوجه كحاجب وشارب وعنفقة
وخرج بما ذكر سائر البدن ورأس أقرع وأصلع وذقن أمرد فلا يحرم دهنها بما لا طيب فيه لأنه لا يقصد به تزيينها بخلاف الرأس المحلوق يحرم دهنه بذلك لتأثيره في تحسين شعره الذي ينبت بعده ( و ) حرم به على كل ( إزالة شعره ) من رأسه وغيره ( أو ظفره ) من يد أو رجل قال تعالى { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } وقيس بما في الآية الباقي بجامع الترفه والمراد من ذلك الجنس الصادق بالواحدة فأكثر وببعضها إلا لعذر بكثيرة قمل أو بتداو لجراحة أو بتأذ كأن تأذى بشعر نبت بعينه أو غطاها أو بكسر ظفره فلا تحرم الإزالة بل ولا تلزمه الفدية في التأذي بما ذكر كما لا تلزم المغمى عليه والمجنون والصبي غير المميز
وفي إزالة شعرة واحدة أو ظفر واحد أو بعض شيء منهما مد من طعام وفي إثنين من كل منهما مدان لعسر تبعيض الدم فعدل إلى الطعام لأن الشرع عدل الحيوان به في جزاء الصيد وغيره والشعرة الواحدة بل بعضها هي النهاية في القلة والمد أقل ما وجب في
____________________
(1/262)
الكفارات فقوبلت به وذكر حكم الظفر في هذه وفي العذر من زيادتي هذا ( إن اختار دما ) فإن اختار الطعام ففي واحد منهما صاع وفي إثنين صاعان أو الصوم ففي واحد صوم يوم وفي إثنين صوم يومين والتقييد بهذا من زيادتي ( وفي ) إزالة ( ثلاثة ) فأكثر من كل منهما ولو بعذر ( ولاء ) من زيادتي بأن يتحد المكان والزمان عرفا ( فدية ) أما في الحلق بعذر فلآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه أي فحلق شعر رأسه ففدية وأما بغيره فبالأولى وقيس بالحلق غيره وسيأتي أن هذه الفدية مخيرة والشعر يصدق بالثلاث وقيس بها الأظفار ولا يعتبر جميعه بالإجماع ولو حلق شعر رأسه ولو مع شعر باقي بدنه ولاء لزمه فدية واحدة لأنه يعد فعلا واحدا والفدية على المحلوق ولو بلا إذن منه إن أطاق الامتناع منه لتفريطه فيما عليه حفظه ولإضافة الفعل إليه فيما إذا أذن للحالق أو سكت بدليل الحنث به ولأنهما وإن اشتركا في الحرمة في هذه فقد انفرد المحلوق بالترفة
ولا يشكل هذا بقولهم المباشر مقدم على الآمر لأن ذاك محله إذا لم يعد نفعه على الآمر بخلاف ما إذا عاد كما لو غصب شاة وأمر قصابا بذبحها لم يضمنها إلا الغاصب ( و ) حرم به على كل ( وطء ) بشروطه التي أشرت إليها فيما مر قال تعالى { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } أي فلا ترفثوا ولا تفسقوا والرفث مفسر بالجماع ( ومقدماته بشهوة ) كما في الاعتكاف وهذا من زيادتي وعليه دم لكنه يسقط عنه إن جامع عقبه لدخوله في بدنة الجماع وكالمقدمات استمناؤه بعضوه كيده لكن إنما يلزمه الدم إن أنزل ( ويفسد به ) أي بالوطء المذكور من غير الخنثى ( حج ) للنهي عنه في الآية والأصل في النهي اقتضاء الفساد ( قبل التحللين ) لا بينهما كسائر المحرمات ( و ) تفسد به ( عمرة ) بقيد زدته بقولي ( مفردة ) كالحج وغير المفردة تابعة للحج صحة وفسادا ( وتجب به ) أي بالوطء المفسد ( بدنة ) بصفة الأضحية وإن كان النسك نفلا ( على الرجل ) روى ذلك مالك في الموطأ عن جمع من الصحابة ولا مخالف لهم والبدنة المرادة الواحدة من الإبل ذكرا كان أو أنثى فإن عجز فبقرة فإن عجز فسبع شياه ثم يقوم البدنة ويتصدق بقيمتها طعاما ثم يصوم عن كل مد يوما وخرج بزيادتي على الرجل والمرأة فلا شيء عليهما غير الإثم ( و ) يجب به ( مضى في فاسدهما ) أي الحج والعمرة لقوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } وغير النسك من العبادات لا يتم فاسده للخروج منه بالفساد و يجب عليه ( إعادة فورا ) وإن كان نسكه نفلا لأنه وإن كان وقته موسعا تضيق عليه بالشروع فيه والنفل من ذلك يصير بالشروع فيه فرضا أي واجب الاتمام كالفرض بخلاف غيره
____________________
(1/263)
من النفل فإن كان الفاسد عمرة فإعادتها فورا ظاهر أو حجا فيتصور في سنة الفساد بأن يحصر بعد الجماع أو قبله ويتعذر المضي فيتحلل ثم يزول الحصر والوقت باق فإن لم يحصر أعاد من قابل وعبر الأصل وغيره هنا وفيما يأتي بالقضاء وهو محمول على معناه اللغوي لأنه وقع في وقته كالصلاة إذا فسدت وأعيدت في وقتها وتقع الإعادة عن الفاسد ويتأدى بها ما كان يتأدى بالأداء لولا الفساد من فرض الإسلام أو غيره ولو أفسدها بوطء لزمه بدنه إيضا لا إعادة عنها بل عن الأصل ويلزمه أن يحرم في الإعادة مما أحرم منه في الأداء من ميقات أو قبله فإن كان جاوز الميقات ولو غير مريد للنسك لزمه في الإعادة الإحرام منه نعم إن كان سلك فيها غير طريق الأداء أحرم من قدر مسافة الإحرام في الأداء إن لم يكن جاوز فيه الميقات غير محرم وإلا أحرم من قدر مسافة الميقات ولا يلزمه أن يحرم في مثل الزمن الذي أحرم فيه بالأداء ( و ) حرم به ( تعرض ) ولو بوضع يد بشراء أو وديعة أو غيرهما ( ل ) كل صيد ( مأكول برى وحشي ) قال تعالى { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما }
أي أخذه مستأنسا كان أو لا مملوكا أو لا بخلاف غير المأكول وإن كان بريا وحشيا فلا يحرم التعرض له بل منه ما فيه أذى كنمر ونسر فيسن قتله ومنه ما فيه نفع وضرر كفهد وصقر فلا يسن قتله لنفعه ولا يكره قتله لضره ومنه ما لا يظهر فيه نفع ولا ضرر كسرطان ورخمة فيكره قتله وبخلاف البحري وإن كان البحر في الحرم وهو ما لا يعيش إلا في البحر وما يعيش فيه وفي البر كالبري وبخلاف الإنسي وإن توحش لأن الأصل حله ولا معارض ( و ) لكل ( متولد منه ) أي من المأكول المذكور ( ومن غيره ) احتياطا ويصدق غيره عقلا بغير المأكول من بحري أو بري وحشي أو إنسى وبالمأكول من بحري أو إنسي كمتولد من ضبع وضفدع أو ذئب أو حمار إنسي وكمتولد من ضبع وحوت أو شاة بخلاف المتولد من حمار وفرس أهليين ومن ذئب وشاة ونحو ذلك لا يحرم التعرض له ( كحلال ) ولو كافرا تعرض لذلك وهما أو أحدهما أو الآلة كلا أو بعضا ( بحرم ) فإنه يحرم لخبر الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة إن هذا البلد حرام بحرمة الله تعالى لا يعضد شجره ولا ينفر صيده
وقيس بمكة باقي الحرم نعم لا يحرم عليه فيه التعرض لصيد مملوك لأنه صيد حل وتعبير بالتعرض له الشامل للتعرض لجزئه كشعره وبيضه أي غير مذر ولو بإعانته غيره أعم من تعبيري باصطياده وأما المذر فلا يحرم التعرض له ولا يضمن إلا أن يكون بيض نعام ( فإن تلف ) ما تعرض له من ذلك ( ضمنه ) بما يأتي
قال تعالى { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم }
وقيس بالمحرم الحلال المذكور بجامع حرمة التعرض و تعبيري بالتلف أعم من تعبيره بالإتلاف فيضمن كل من
____________________
(1/264)
المحرم والحلال في غير ما استثنى فيه ما تلف في يده ولو وديعة كالغاصب لحرمة إمساكه ولو أحرم من في ملكه صيد زال ملكه عنه ولزمه إرساله وإن تحلل ولا يمكن المحرم من صيده ويلزمه إرساله وما أخذه من الصيد بشراء لا يملكه لعدم صحة شرائه ويلزمه رده إلى مالكه ويقاس بالمحرم الحلال المذكور في عدم ملكه ما يصيده ثم لا فرق في الضمان بين العامل والخاطىء والجاهل والناسى للإحرام والمتعمد في الآية خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له نعم لو صال عليه صيد فقتله أو جن فقتل صيدا أو عم الجراد الطريق ولم يجد بدا من وطئه فوطئه فمات أو كسر بيضة فيها فرخ له روح فطار وسلم أو خلص صيدا من سبع مثلا وأخذه ليداويه أو يتعهده فمات في يده فلا ضمان ثم الصيد ضربان ماله مثل في الصورة تقريبا فيضمن به وما لا مثل له فيضمن بالقيمة إن لم يكن فيه نقل
ومن الأول ما فيه نقل بعضه عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضه عن السلف كما بينته في شرح الروض فيتبع ( ففي نعامة ) ذكر وأنثى ( بدنة ) كذلك لا بقرة ولا شياه ( و ) في ( واحد من بقر وحش وحماره بقرة و ) في ( ظبي تيس ) هذا من زيادتي ( و ) في ( ظبية عنز ) وهي أنثى المعز التي تم لها سنة ( و ) في ( غزال معز صغير ) ففي الذكر جدي وفي الأنثى عناق وقولي وظبية إلى آخره أولى من قوله وفي الغزال عنز لأن الغزال ولد الظبية إلى طلوع قرنيه ثم هو بعد ذلك ظبي أو ظبية ( و ) في ( أرنب ) ذكر أو أنثى ( عناق ) وهي أنثى المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنة ذكره النووي في تحريره وغيره ( و ) في ( يربوع ) وسيأتي تفسيره وتفسير الأرنب في الأطعمة ( ووبر ) باسكان الباء أي في كل منهما ( جفرة ) وهي أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها والذكر جفر سمي به لأنه جفر جنباه أي عظما لكن يجب كما قاله الشيخان أن يكون المراد بالجفرة هنا ما دون العناق إذ الأرنب خير من اليربوع وذكر الوبر من زيادتي وهو جمع وبرة وهي دويبة أصغر من السنور كحلاء اللون لا ذنب لها ذكره الجوهري ( و ) في ( حمام ) وهو ماعب وهدر كيمام ( شاة ) بحكم الصحابة وهذا من زيادتي ( وما لا نقل فيه ) من الصيد ( يحكم بمثله ) من النعم ( عدلان ) قال تعالى { يحكم به ذوا عدل منكم } ويعتبر كما في الروضة كأصلها كونهما فقيهين فطنين واعتبار ذلك على سبيل الوجوب لكن الفقه محمول على الفقه الخاص بما يحكم به هنا وما في المجموع من أن الفقه مستحب محمول على زيادته ويجزي فداء الذكر بالأنثى وعكسه والمعيب بالمعيب إن اتحد جنس العيب ( كقيمة ما لا مثل له منه ) أي مما لا نقل فيه كجراد وعصافير فإنه يحكم به عدلان عملا بالأصل في المتقومات وقد حكمت الصحابة بها في الجراد وكلام الأصل لا يفيد هذا إلا بعناية وخرج بزيادتي منه ما لا مثل له مما فيه نقل كالحمام فيتبع فيه النقل كما مر
____________________
(1/265)
( وحرم ) ولو على حلال ( تعرض ) بقطع أو قلع ( لنا بت حرمى مما لا يستنبت ) بالبناء للمفعول أي لا يستنبته الناس بأن ينبت بنفسه ( ومن شجر ) وإن استنبت لقوله في الخبر السابق ولا يعضد شجره أي لا يقطع ولا يختلى خلاه وهو بالقصر الحشيش الرطب أي لا ينزع بقلع ولا قطع وقيس بما ذكر في الخبر غيره مما ذكر وخرج بالنابت اليابس فيجوز التعرض له نعم الحشيش منه يحرم قلعه إن لم يمت لا قطعه وبالحرمى ثابت الحل فيجوز التعرض له ولو بعد غرسه في الحرم بخلاف عكسه عملا بالأصل فيهما وبما لا يستنبت من غير الشجر ما يستنبت منه كبر وشعير فلمالكه التعرض له وقولي ومن شجر أولى من قوله والمستنبت كيغره ( لا أخذه ) أي النابت المذكور قطعا أو قلعا ( ا ) لعلف ( بهائم و ) لا ( لدواء ) فلا يحرم للحاجة إليه كالإذخر الآتي بيانه وفي معنى الدواء ما يتغذى به كرجلة وبقلة ويمتنع أخذه لبيعه ولو لمن يعلف به دوابه ( ولا أخذ إذخر ) بذال معجمة لما في الخبر السابق قال العباس يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم فقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر
ومعنى كونه لبيوتهم أنهم يسقفونها به فوق الخشب والقين الحداد ( و ) لا أخذ ( مؤذ ) كشجر ذي شوك ويجوز أخذ ورق الشجر بلا خبط وأخذ ثمره وعود سمواك ونحوه وتعبيري بالمؤذي أولى من تعبيره بالشوك ( ويضمن ) أي النابت المذكور ( به ) أي بالتعرض له قياسا على الصيد بجامع المنع من الاتلاف لحرمة الحرم ( ففي شجرة كبيرة ) عرفا ( بقرة و ) في ( ما قاربت سبعها شاة ) رواه الشافعي عن ابن الزبير ومثله لا يقال إلا بتوقيف ولأن الشاة من البقرة سبعها سواء أخلفت الشجرة أم لا بخلاف نظيره في الحشيش كما يأتي قال في الروضة كأصلها والبدنة في معنى البقرة ثم إن شاء ذبح ذلك وتصدق به على مساكين الحرم أو أعطاهم بقيمته طعاما أو صام لكل مد يوما
وقولي وما قاربت سبعها أولى من قوله والصغيرة فإنها لو صغرت جدا فالواجب القيمة كما في الحشيش الرطب إن لم يخلف وإلا فلا ضمان كما في سن غير المثغور ( وحرم المدينة ووج ) بالرفع وهو من زيادتي واد بالطائف ( كحرم مكة في حرمة ) التعرض لصيدهما ونابتهما
روى الشيخان خبر إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لا بتيها لا يقطع شجرها زاد مسلم ولا يصاد صيدها وفي خبر أبي داود بإسناد صحيح لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها وروى أبو داود والترمذي خبر ألا إن صيد وج وعضاهه حرام محرم واللابتان الحرتان تثنية لابة وهي أرض ذات حجارة سود وهما شرقي المدينة وغربيها فحرمها ما بينهما عرضا وما بين جبليها عير وثور طولا ( فقط ) أي دون ضمانهما لأن محلهما ليس محلا للنسك وتعبيري بما ذكر أعم من قوله وصيد المدينة حرام ولا يضمن ( وفي ) جزاء صيد ( مثلي ذبح مثله وتصدق به على مساكين الحرم ) الشاملين لفقرائه
____________________
(1/266)
لأن كلا منهما يشمل الآخر عند الانفراد وذلك بأن يفرق لحمه وما يتبعه عليهم أو يملكهم جملته مذبوحا ( أو إعطاؤهم بقيمته ) أي بقدر قيمة مثله ( طعاما ) يجزىء في الفطرة وهذا أعم من قوله يقوم المثل دراهم ويشتري بها طعاما لهم ( أو صوم ) حيث كان ( لكل مد يوما ) قال تعالى { هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما }
ولم يعتبروا في الصوم كونه في الحرم لأنه لا غرض للمساكين فيه لكنه في الحرم أولى لشرفه ( و ) في جزاء صيد ( غير مثلي ) مما لا نقل فيه ( تصدق ) عليهم ( بقيمته ) أي بقدرها ( طعاما أو صوم ) لكل مد يوما كالمثلى أما ما فيه نقل فظاهر أنه كالمثلى كما أن المثلى قد يكون كغير المثلى كالحامل فإنها تضمن بحامل ولا تذبح بل تقوم ( فإن انكسر مد ) في القسمين ( صام يوما ) لأن الصوم لا يتبعض وهذا من زيادتي والعبرة في قيمة غير المثلى بمحل الإتلاف وزمانه قياسا على كل متلف متقوم وفي قيمة مثل المثلى بمكة زمن إرادة تقويمه لأنها محل ذبحه لو أريد قال في الروضة كأصلها وهل يعتبر في العدول إلى الطعام سعره بمحل الإتلاف أو بمكة احتمالان للإمام والظاهر منهما الثاني ( وفي فدية ) ارتكاب ( ما يحرم ) ويضمن أي ما من شأنه ذلك ( غير مفسد وصيد ونابت ) كحلق وقلم وتطيب وجماع ثان أو بين التحللين ( ذبح ) لما يجزىء أضحية ويفعل فيه ما مر وإطلاقي للذبح أولى من تقييده له بشاة ( أو تصدق بثلاثة آصع ) بالمد جمع صاع ( لستة مساكين ) لكل مسكين نصف صاع وأصل آصع أصوع أبدل من واوه همزة مضمومة وقدمت على الصاد ونقلت ضمتها إليها وقلبت هي ألفا ( أو صوم ثلاثة أيام ) قال تعالى { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه } فحلق { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } وروى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة أيؤذيك هوام رأسك قال نعم قال أنسك شاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم فرقا من الطعام على ستة مساكين والفرق بفتح الفاء والراء ثلاثة آصع وقيس بالحلق وبالمعذور غيرهما وتعبيري بما يحرم أعم من تعبيره بالحلق وخرج بزيادتي غير مفسد وصيد ونابت الثلاثة وتقدم حكمها
والحاصل أن دم المفسد كدم الإحصار دم ترتيب وتعديل بمعنى أن الشارع أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة وأن دم الصيد والنابت دم تخيير وتعديل وأن دم ما نحن فيه دم تخيير وتقدير بمعنى أن الشارع قدر ما يعدل إليه بما لا يزيد ولا ينقص ( ودم ترك مأمور ) كإحرام من الميقات ومبيت بمزدلفة ليلة النحر ( كدم تمتع ) في أنه إن عجز عنه صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لاشتراك موجبيهما في ترك مأمور إذ الموجب لدم التمتع ترك الإحرام من الميقات كما مر وهذا هو الأصح في الروضة كأصلها وغيره تبعا للأكثرين فهو دم ترتيب وتقدير وما في الأصل من أنه إذا عجز تصدق بقيمة الشاة
____________________
(1/267)
طعاما فإن عجز صام لكل مد يوما ضعيف والدم عليه دم ترتيب وتعديل ( وكذا ) أي وكدم التمتع ( دم فوات ) للحج وسيأتي في الباب الآتي وجوبه مع الإعادة ( ويذبحه في حجة الإعادة ) لا في عام الفوات كما أمر بذلك عمر رضي الله عنه رواه مالك وسيأتي بطوله في الباب الآتي ( ودم الجبران لا يختص ) ذبحه ( بزمن ) لأن الأصل عدم التخصيص ولم يرد ما يخالفه لكنه يسن أيام التضحية وينبغي كما قال السبكي وغيره وجوب المبادرة إليه إذا حرم السبب كما في الكفارة فيحمل ما أطلقوه هنا على الإجزاء
أما الجواز فأحالوه على ما قرروه في الكفارة وتعبيري بما ذكر أعم من قوله والدم الواجب بفعل حرام أو ترك واجب لشموله دم التمتع والقران وغيرهما كالحلق بعذر وترك الجمع بين الليل والنهار في الموقف ( ويختص ) ذبحه ( بالحرم ) حيث لا حصر قال تعالى هديا بالغ الكعبة فلو ذبح خارجه لم يعتد به ( و ) يختص ( صرفه كبدله ) من طعام ( بمساكينه ) أي الحرم القاطنين والطارئين والصرف إلى القاطنين أفضل وقولي وصرفه أعم من قوله وصرف لحمه وقولي كبد له من زيادتي وتجب النية عند الصرف ذكره في الروضة عن الروياني ( وأفضل بقعة ) من الحرم ( لذبح معتمر ) بقيد زدته بقولي ( غير قارن ) بأن كان مفردا أو مريد تمتع ( المروة و ) لذبح ( حاج ) بأن كان مريد إفراد أو قارنا أو متمتعا ولو عن دم تمتعه ( منى ) لأنهما محل تحللهما ( وكذا الهدي ) أي حكم الهدي الذي ساقه المعتمر المذكور والحاج تقربا ( مكانا ) في الاختصاص والأفضلية ( ووقته ) أي ذبح هذا الهدى ( وقت أضحية ) ما لم يعين غيره قياسا عليها فلو أخر ذبحه عن أيام التشريق فإن كان واجبا ذبحه قضاء وإلا فقد فات فإن ذبحه كانت شاة لحم ومعلوم أن الواجب يجب صرفه إلى مساكين الحرم وأنه لا بد في وقوع النفل موقعه من صرفه إليهم أما هدي الجبران فلا يختص بزمن كما مر وكذا إذا عين لهدي التقرب غير وقت الأضحية
( باب الإحصار ) يقال حصره وأحصره لكن الأشهر الأول في حصر العدو والثاني في حصر المرض ونحوه ( والفوات ) للحج وما يذكر معهما وفوات الحج بفوات وقوف عرفة ( لمحصر ) عن إتمام أركان حج أو عمرة بأن منعه عنه عدو مسلم أو كافر من جميع
____________________
(1/268)
الطرق ( تحلل ) بما يأتي قال تعالى { فإن أحصرتم } أي وأردتم التحلل { فما استيسر من الهدي }
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم تحلل بالحديبية لما صده المشركون وكان محرما بالعمرة فنحر ثم حلق وقال لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا وسواء أحصر الكل أم البعض منع من الرجوع أيضا أم لا ثم إن كان الوقت واسعا فالأفضل تأخير التحلل وإلا بأن كان في حج فالأفضل تعجيله نعم قال الماوردي إن تيقن زوال الحصر في الحج في مدة يمكن إدراكه بعدها أو في العمرة في مدة ثلاثة أيام امتنع التحلل ولو تمكن من المضي بقتال أو بذل مال لم يلزمه ذلك وإن قل إذ لا يجب احتمال الظلم في أداء النسك ( كنحو مريض ) من فاقد نفقة وضال طريق ونحوهما
إن ( شرطه ) أي التحلل بالعذر في إحرامه أي أنه يتحلل إذا مرض مثلا فله التحلل بسببه لما روى الشيخان عن عائشة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها أردت الحج فقالت والله ما أجدني إلا وجعة فقال حجي واشترطي وقولي أللهم محلي حيث حبستني
وقيس بالحج العمرة ولو قال إذا مرضت فأنا حلال صار حلالا بنفس المرض من غير تحلل فإن لم يشرطه فليس له تحلل بسبب ذلك لأنه لا يفيد زوال العذر بخلاف التحلل بالإحصار بل يصبر حتى يزول عذره فإن كان محرما بعمرة أتمها أو بحج وفاته تحلل بعمل عمرة ونحو من زيادتي ويحصل التحلل لمن ذكر ولم يمكنه عمل عمرة ( بذبح ) لما يجزىء أضحية ( حيث عذر ) بإحصار أو نحو مرض ( فحلق ) لما مرمع آية ولا تحلقوا رؤوسكم ( بنيته ) أي التحلل ( فيهما ) لاحتمالهما لغير التحلل ( وبشرط ذبح من نحو مريض ) فإن لم يشرطه تحلل بالنية والحلق فقط فإن أمكنه الوقوف أتى به قبل التحلل بذلك وذكر الترتيب بين الذبح والحلق مع قرن النية بهما ومع ذكر ما يتحلل به نحو المريض ومحل تحلله من زيادتي وإطلاقي للذبح أولى من تقييده له بشاة وما لزم المعذور من الدماء أو ساقه من الهدايا يذبحه حيث عذر أيضا ( فإن عجز ) عن الدم ( فطعام ) يجب حيث عذر ( بقيمته ) للدم مع الحلق والنية ( فإن ) عجز وجب ( صوم ) حيث شاء ( لكل مد يوما ) مع ذينك كما في الدم الواجب بالإفساد ( وله ) إذا انتقل إلى الصوم ( تحلل حالا ) بحلق بنية التحلل فيه فلا يتوقف التحلل على الصوم كما يتوقف على الإطعام لطول زمنه فتعظم المشقة في الصبر على الإحرام إلى فراغه ( ولو أحرم رقيق ) ولو مكاتبا ( أو زوجة بلا إذن ) فيما أحرم به ( فلمالك أمره ) من سيد أو زوج ( تحليله ) بأن يأمره بالتحلل لأن تقريرهما على إحرامهما يعطل عليه منافعهما التي يستحقها فلهما التحلل حينئذ فيحلق الرقيق وينوي التحلل وتتحلل الزوجة الحرة بما يتحلل به المحصر فعلم أن احرامهما بغير إذنه صحيح فإن لم يتحلالا فله استيفاء منفعته منهما والإثم عليهما وإن أحرما بإذنه فليس له تحليلهما وسواء في ذلك الحج والعمرة وإن فرضه الأصل في
____________________
(1/269)
الحج في إحرام الزوجة ولو أذن لهما في العمرة فحجا فله تحليلهما بخلاف عكسه وليس له تحليل رجعية ولا بائن بل له حبسهما للعدة والمبعض كالرقيق إلا أن تكون مهايأة ويقع نسكه نوبته فليس للسيد تحليله فإطلاقهم أنه كالرقيق جرى على الغالب ( ولا إعادة على محصر ) تحلل لعدم وروده ولأن الفوات نشأ عن الإحصار الذي لا صنع له فيه نعم إن سلك طريقا آخر مساويا للأول أو صابر إحرامه غير متوقع زوال الإحصار ففاته الوقوف فعليه الإعادة ( فإن كان ) نسكه ( فرضا ففي ذمته إن استقر ) عليه كحجة الإسلام بعد السنة الأولى من سني الإمكان وكالإعادة والنذر كما لو شرع في صلاة فرض ولم يتمها تبقى في ذمته ( وإلا ) أي وإن لم يستقر كحجة الإسلام في السنة الأولى من سني الامكان ( اعتبرت استطاعة بعد ) أي بعد زوال الحصر إن وجدت وجب وإلا فلا ( وعلى من فاته وقوف ) بعرفة ( تحلل ) لأن استدامته الإحرام كابتدائه وابتداؤه حينئذ لا يجوز وذكر وجوب التحلل من زيادتي ويحصل ( بعمل عمرة ) بأن يطوف ويسعى إن لم يكن سعى بعد طواف قدوم ويحلق فإن لم يمكنه عمل عمرة تحلل بما مر في الحصر ( و ) عليه ( دم ) وتقدم أنه كدم التمتع ( وإعادة ) فورا للحج الذي فاته بفوات الوقوف تطوعا كان أو فرضا كما في الإفساد والأصل في ذلك ما رواه مالك في موطئه بإسناد صحيح أن هبار بن الأسود جاء يوم النحر وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال يا أمير المؤمنين أخطأنا العد وكنا نظن أن هذا اليوم يوم عرفة
فقال له عمر اذهب إلى مكة فطف بالبيت أنت ومن معك واسعوا بين الصفا والمروة وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا أو قصروا ثم ارجعوا فإذا كان عام قابل فحجوا واهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع وأشتهر ذلك في الصحابة ولم ينكروه وإنما تجب الإعادة في فوات لم ينشأ عن حصر فإن نشأ عنه بأن أحصر فسلك طريقا آخر أطول أو أصعب من الأول أو صابر الإحرام متوقعا زوال الحصر ففاته وتحلل بعمل عمرة فلا إعادة عليه كما في الروضة كأصلها لأنه بذل ما في وسعه كمن أحصر مطلقا
____________________
(1/270)
كتاب البيع يطلق البيع على قسيم الشراء وهو تمليك بثمن على وجه مخصوص والشراء تمليك بذلك وعلى العقد المركب منهما وهو المراد بالترجمة وهو لغة مقابلة شيء بشيء
وشرعا مقابلة مال بمال على وجه مخصوص والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى { وأحل الله البيع }
وأخبار كخبر سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب فقال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور أي لا غش فيه ولا خيانة رواه الحاكم وصححه ( أركانه ) كما في المجموع ثلاثة وهي في الحقيقة ستة ( عاقد ) بائع ومشتر ( ومعقود عليه ) مثمن وثمن ( وصيغة ولو كناية ) وسماها الرافعي شروطا وكلام الأصل يميل إليه فإنه صرح بشرطية الصيغة التي هي الأصل وسكت عن الآخرين والصيغة ( إيجاب ) وهو ما يدل على التمليك السابق دلالة ظاهرة ( كبعتك وملكتك واشتر مني ) كذا بكذا ولو مع إن شئت وإن تقدم على الإيجاب ( وكجعلته لك بكذا ) ناويا البيع ( وقبول ) وهو ما يدل على التملك السابق
كذلك ( كاشتريت وتملكت وقبلت وإن تقدم ) على الإيجاب ( كبعني ) بكذا لأن البيع منوط بالرضا لخبر ابن حبان في صحيحه إنما البيع عن تراض والرضا خفي فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ فلا بيع بمعاطاة ويرد كل ما أخذه بها أو بدله إن تلف وقيل ينعقد بها في كل ما يعد فيه بيعا كخبز ولحم بخلاف غيره كالدواب والعقار
واختاره النووي والتصريح باشتر مني من زيادتي ويستثنى من صحته بالكناية بيع الوكيل المشروط عليه الإشهاد فيه فلا يصح بها لأن الشهود لا يطلعون على النية فإن توفرت القرائن عليه قال الغزالي فالظاهر انعقاده ولوكتب إلى غائب ببيع أو غيره صح ويشترط قبول المكتوب إليه عند وقوفه على الكتاب ويمتد خيار مجلسه ما دام في مجلس القبول ويمتد خيار الكاتب إلى انقطاع خيار المكتوب إليه فلو كتب إلى حاضر فوجهان المختار منهما تبعا للسبكي الصحة واعتبار الصيغة جار حتى في بيع متولي الطرفين كبيع ماله من طفله
وفي البيع الضمني لكن تقديرا كأن قال أعتق عبدك عني بكذا ففعل فإنه يعتق عن الطالب ويلزمه العوض
كما سيأتي في الكفارة فكأنه قال بعنيه وأعتقه عني وقد أجابه ( وشرط فيهما ) أي في الإيجاب والقبول ولو بكتابة أو إشارة أخرس كما سيأتي حكمهما في كتاب الطلاق ( أن لا يتخللهما كلام أجنبي ) عن العقد ممن يريد أن يتسم العقد ولو يسيرا لأن فيه إعراضا عن القبول بخلاف اليسير في الخلع ويفرق بأن فيه من جانب الزوج شائبة تعليق ومن جانب الزوجة شائبة جعالة وكل منهما محتمل للجهالة بخلاف البيع وهذا
____________________
(1/271)
بالنسبة لليسير من زيادتي ( و ) أن ( لا ) يتخللهما ( سكوت طويل ) وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول بخلاف اليسير وأن لا يتغير الأول قبل الثاني وأن يتلفظ بحيث يسمعه من بقربه وإن لم يسمعه صاحبه وبقاء الأهلية إلى وجود الشق الآخر وأن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب فلو قبل غيره في حياته أو بعد موته قبل قبوله لم ينعقد نعم لو قبل وكيله في حياته قال ابن الرفعة يظهر صحته بناء على الأصح من وقوع الملك ابتداء للموكل قلت والأقرب خلافه كما بينته في شرح البهجة وغيره وتعبيري بما ذكر أولى من قوله وأن لا يطول الفصل بين لفظيهما ( وأن يتوافقا ) أي الإيجاب والقبول ( معنى فلو أوجب بألف مكسرة فقبل بصحيحة ) أو عكسه المفهوم بالأولى أو قبل نصفه بخمسمائة ( لم يصح ) ولو قبل نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة صح عند المتولي إذ لا مخالفة بذكر مقتضى الإطلاق ونظر فيه الرافعي بأنه عدد الصفقة قال في المجموع
والأمر كما قال الرافعي لكن الظاهر الصحة وقضية كلامهم البطلان فيما لو قبل بألف وخمسمائة وهو ما جزم به الرافعي في بابي الوكالة والخلع وفي المجموع أنه الظاهر واستغربا ما نقلاه عن فتاوى القفال من الصحة ( وعدم تعليق ) لا يقتضيه العقد بخلاف ما يقتضيه كما مر ( و ) عدم ( تأقيت ) وهما من زيادتي فلو قال إن مات أبي فقد بعتك هذا بكذا أو بعته بكذا شهرا لم يصح ( و ) شرط ( في العاقد ) بائعا أو مشتريا ( إطلاق تصرف ) فلا يصح عقد صبي ومجنون ومن حجر عليه بسفه وتعبيري بإطلاق التصرف أولى من تعبيره بالرشد وإنما صح بيع العبد من نفسه لأن مقصوده العتق ( وعدم إكراه بغير حق ) فلا يصح عقد مكره في ماله بغير حق لعدم رضاه قال تعالى { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم }
ويصح بحق كأن توجه عليه بيع ماله لوفاء دين أو شراء مال أسلم إليه فيه فأكرهه الحاكم عليه ولو باع مال غيره بإكراهه له عليه صح كنظيره في الطلاق لأنه أبلغ في الإذن ( وإسلام من يشتري له ) ولو بوكالة ( مصحف أو نحوه ) ككتب حديث أو ككتب علم فيها آثار السلف ( أو مسلم أو مرتد لا يعتق عليه ) لما في ملك الكافر للمصحف ونحوه من الإهانة وللمسلم من الإذلال وقد قال الله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } ولبقاء علقة الإسلام في المرتد بخلاف من يعتق عليه كأبيه أو ابنه فيصح لانتفاء إذلاله بعدم استقرار ملكه وقولي أو نحوه مع حكم المرتد من زيادتي
وصرح به في المجموع بمسألة المرتد ( وعدم حرابة من يشتري له عدة حرب ) كسيف ورمح ونشاب وترس ودرع وخيل فلا
____________________
(1/272)
يصح شراؤه لحربي لأنه يستعين به على قتالنا بخلاف الذمي أي في دارنا فإنه في قبضتنا وبخلاف غير عدة الحربي ولو مما يتأتى منه كالحديد إذ لا يتعين جعله عدة حرب وتعبيري بها أعم من تعبيره بالسلاح وشراء البعض من ذلك كشراء الكل وسائر التملكات كالشراء ويصح بكراهة أكتراء الذمي مسلما على عمل يعمله بنفسه لكنه يؤمر بإزالة الملك عن منافعه وبلا كراهة ارتهانه ويكره للمسلم بيع المصحف وشراؤه ذكر ذلك في المجموع ( و ) شرط ( في المعقود عليه ) مثمنا أو ثمنا خمسة أمور أحدها ( طهر ) له ( أو إمكان ) لطهره ( بغسل فلا يصح بيع نجس ) ككلب وخمر وغيرهما مما هو نجس العين وإن أمكن طهره بالاستحالة كجلد ميتة لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وقال إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير
رواهما الشيخان والمعنى في المذكورات نجاسة عينها فألحق بها باقي نجس العين وتعبيري بالمعقود عليه أعم من تعبيره بالمبيع وقولي بغسل من زيادتي ( ولا ) بيع ( متنجس لا يمكن طهره ولو دهنا ) تنجس لأنه في معنى نجس العين ولا أثر لإمكان طهر الماء القليل بالمكاثرة لأنه كالخمر يمكن طهره بالتخلل ( و ) ثانيها ( نفع ) به شرعا ( ولو ماء وترابا بمعدنهما ) ولا يقدح فيه إمكان تحصيل مثلهما بلا تعب ولا مؤنة وسواء أكان النفع حالا أم مآلا كجحش صغير ( فلا يصح بيع حشرات لا تنفع ) وهي صغار دواب الأرض كحية وعقرب وفأرة وخنفساء
إذ لا نقع فيها يقابل بالمال وإن ذكر لها منافع في الخواص بخلاف ما ينفع منها كضب لمنفعة أكله وعلق لمنفعة امتصاص الدم ( و ) لا بيع ( سباع لا تنفع ) كأسد وذئب ونمر وما في اقتناء الملوك لها من الهيبة والسياسه ليس من المنافع المعتبرة بخلاف ما ينفع منها كضبع للأكل وفهد للصيد وفيل للقتال ( و ) لا بيع ( نحو حبتي بر ) كحبتي شعير لأن ذلك لا يعد مالا وإن عد بضمه إلى غيره ونحو من زيادتي ( وآلة لهو ) محرمة كطنبور ومزمار ( وإن تمول رضاضها ) أي مكسرها إذ لا نفع بها شرعا ولا يقدح فيه نفع متوقع برضاضها لأنها بهيئتها لا يقصد منها غير المعصية ويصح بيع إناء ذهب أو فضة ( و ) ثالثها ( قدرة تسلمه ) في بيع غير ضمني ليوثق بحصول العوض وتعبيري بذلك أولى مما عبر به ( فلا يصح بيع نحو ضال ) كآبق ومغصوب وبعير ند ( لمن لا يقدر على رده ) لعجزه عن تسلمه حالا بخلاف بيعه لقادر على ذلك نعم إن احتاج فيه إلى مؤنة ففي المطلب ينبغي المنع وتعبيري بذلك أولى من اقتصار الأصل على الضال والآبق والمغصوب ( ولا ) بيع ( جزء معين ينقص فصله قيمته ) أو قيمة الباقي كجزء إناء أو ثوب نفيس ينقص فصله ما ذكر
____________________
(1/273)
للعجز عن تسلم ذلك شرعا لأن التسلم فيه لا يمكن إلا بالكسر أو القطع وفيه نقص وتضييع مال بخلاف ما لا ينقص فصله ما ذكر كجزء غليظ كرباس وذراع معين من الأرض لانتفاء المحذور ووجهه في الثانية حصول التمييز في الأرض بين النصيبين بالعلامة من غير ضرر قال الرافعي ولك أن تقول قد تتضيق مرافق الأرض بالعلامة وتنقص القيمة فليكن الحكم في الأرض على التفصيل في الثوب
وأجيب بأن النقص فيها يمكن تداركه بخلافه في الثوب وبه يجاب عما اعترض به من صحة بيع أحد زوجي خف مع نقص القيمة بالتفريق وتعبيري بجزء أعم من تعبيره بنصف قال في المجموع وطريق من أراد شراء ذراع من ثوب حيث قلنا بمنعه أن يواطىء صاحبه على شرائه ثم يقطعه قبل الشراء ثم يشتريه فيصح بلا خلاف أما بيع الجزء الشائع من ذلك فيصح ويصير مشتركا ( و ) لا بيع ( مرهون على ما يأتي ) في بابه من شرط كون البيع بعد القبض وبغير إذن المرتهن للعجز عن تسلمه شرعا فقولي على ما يأتي أولى من قوله بغير إذن مرتهنه ( و ) لا بيع ( جان تعلق برقبته مال ) بقيد زدته ( قبل اختيار فداء ) لتعلق حق المجني عليه به كما في المرهون وأولى لأن الجناية تقدم على الرهن بخلاف ما إذا تعلق بها أو بجزئها قود لأنه يرجى سلامته بالعفو وبخلاف ما إذا تعلق المال بذمته كأن اشترى شيئا فيها بغير إذن سيده وأتلفه أو تعلق بكسبه كأن تزوج وتعلقت نفقة زوجته وكسوتها بكسبه لأن البيع إنما يرد على الرقبة ولا تعلق لرب الدين بها بخلاف ما بعد اختيار الفداء فيصح ولا يشكل بصحة الرجوع عن الاختيار لأن مانع الصحة زال بانتقال الحق لذمة السيد وإن لم يلزمها ما دام الجاني في ملكه وإذا صح البيع بعد اختيار الفداء لزمه المال الذي يفديه به فيجبر على أدائه فإن أداه فذاك وإلا فسخ البيع وبيع في الجناية
( و ) رابعها ( ولاية ) للعاقد عليه ( فلا يصح عقد فضولي ) وإن أجازه المالك لعدم ولايته على المعقود عليه ( ويصح بيع مال غيره ) ظاهرا ( إن بان ) بعد البيع أنه ( له ) كأن باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا لتبين أنه ملكه وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به
( و ) خامسها ( علم ) للعاقدين به عينا وقدرا وصفة على ما يأتي بيانه حذرا من الغرر لما روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر ( ويصح بيع صاع من صبرة وإن جهلت صيعانها ) لعلمها بقدر المبيع مع تساوي الأجزاء فلا غرر وينزل المبيع مع العلم بصيعانها على الإشاعة فإذا علم أنها عشرة آصع فالمبيع عشرها ولو تلف بعضها تلف بقدرة من المبيع ومع الجهل بها على صاع منها وللبائع تسليمه من أسفلها وإن لم يكن مرئيا لأن رؤية ظاهرها كرؤية كلها كما يأتي ولو لم يبق منها غيره تعين ( و ) بيع ( صبرة كذلك ) أي وإن جهلت صيعانها ( كل
____________________
(1/274)
صاع بدرهم ) بنصب كل ولا يضر في مجهولة الصيعان الجهل بجملة الثمن لأنه معلوم بالتفصيل وكذا لو قال بعتك هذه الأرض أو الدار أو هذا الثوب كل ذراع بدرهم ( و ) بيع صبرة ( مجهولة الصيعان بمائة درهم كل صاع بدرهم إن خرجت مائة ) وإلا فلا يصح لتعذر الجمع بين جملة الثمن وتفصيله ( لا بيع لأحد ثوبين ) مثلا مبهما ( ولا ) بيع ( بإحداهما ) وإن تساوت قيمتهما ( أو بملء ذا البيت برا أو بزنة ذي الحصاة ذهبا ) وملء البيت وزنة الحصاة مجهولان ( أو بألف دراهم ودنانير ) لجهل بعين المبيع في الأولى وبعين الثمن في الثانية وهي من زيادتي وبقدره في الباقي فإن عين البر كأن قال بعتك ملء ذا البيت من ذا البر صح لإمكان الأخذ قبل تلفه فلا غرر وقد بسطت الكلام عليه في غير هذا الكتاب ( ولو باع بنقد ) مثلا ( وثم نقد غالب تعين ) لأن الظاهر إرادتهما له نعم لو غلب المكسر وتفاوتت قيمته اشترط التعيين نقله الشيخان عن البيان وأقراه ( أو نقدان مثلا ) ولو صحيحا ومكسرا ( ولا غالب اشترط تعيين ) لفظا لأحدهما ليعلم بقيد زدته بقولي ( إن اختلفت قيمتهما ) فإن استوت لم يشترط تعيين ويسلم المشتري ما شاء منهما ( ولا بيع غائب ) بأن لم يره العاقدان أو أحدهما وإن وصف بصفة السلم للغرر ولأن الخبر ليس كالعيان ( وتكفي معاينة عوض ) عن العلم بقدره اكتفاء بالتخمين
المصحوب بها فلو قال بعتك بهذه الصبرة وهي مجهولة صح البيع لكن يكره لأنه قد يوقع في الندم ولا يكره شراء مجهول الذرع كما في التتمة
ويفرق بأن الصبرة لا تعرف تخمينا غالبا لتراكم بعضها على بعض بخلاف المذروع ( و ) تكفي ( رؤية قبل عقد فيما لا يغلب تغيره إلى وقته ) أي العقد وذلك بأن يغلب عدم تغيره كأرض وإناء وحديد أو يحتمل التغير وعدمه سواء كحيوان نظرا للغالب في الأولى ولأصل بقاء المرئي بحاله في الثانية بخلاف ما يغلب تغيره كأطعمة يسرع فسادها نظرا للغالب ويشترط كونه ذاكرا للأوصاف عند العقد كما قاله الماوردي وغيره وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به ( و ) تكفي ( رؤية بعض مبيع ) إن ( دل على باقيه كظاهر صبرة نحو بر ) كشعير ونحوه مما لا يختلف أجزاؤه غالبا بخلاف صبرة بطيخ ورمان وسفرجل ونحوها ونحو بر من زيادتي ( و ) مثل ( أنموذج ) ضم الهمزة والميم وفتح المعجمة ( لمتماثل ) أي متساوي الأجزاء كالحبوب ولا بد من إدخال الأنموذج في البيع وإن لم يخلطه بالباقي كما أوضحته في شرح الروض ( أو ) لم يدل على باقيه بل ( كان صوانا ) بكسر الصاد وضمها ( للباقي لبقائه كقشر رمان وبيض ) وخشكنان ( وقشرة سفلى لجوز أو لون ) فتكفي رؤيته لأن صلاح باطنه في إبقائه فيه وإن لم يدل
____________________
(1/275)
هو عليه بخلاف جوز القطن وجلد الكتاب ونحوهما فقولي لبقائه أولى من قوله خلقه وخرج بالسفلى وهي التي تكسر حالة الأكل العليا لأنها ليست من مصالح ما في باطنه نعم إن لم تنعقد السفلى كفت رؤية العليا لأن الجميع مأكول ويجوز بيع قصب السكر في قشره الأعلى كما نقله الماوردي وجزم به ابن الرفعة لأن قشره الأسفل كباطنه لأنه قد يمص معه فصار كأنه في قشر واحد ويتسامح في فقاع الكوز فلا يشترط رؤية شيء منه كما صححه في الروضة وغيره لأن بقاءه فيه من مصلحته ( وتعتبر رؤية ) لغير ما مر ( تليق ) به فيعتبر في الدار رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران والمستحم والبالوعة وفي البستان رؤية الأشجار والجدران ومسايل الماء وفي العبد والأمة رؤية ما عدا العورة وفي الدابة رؤية كلها لا رؤية لسانهم ولا أسنانهم وفي الثوب نشره ليرى الجميع ورؤية وجهي ما يختلف منه كديباج منقش وبساط بخلاف ما لا يختلف ككرباس فيكفي رؤية أحدهما وفي الكتب والورق البياض والمصحف رؤية جميع الأوراق
( وصح سلم أعمى ) وإن عمي قبل تمييزه أي أن يسلم أو يسلم إليه بقيد زدته بقولي ( بعوض في ذمته ) يعين في المجلس ويوكل من يقبض عنه أو يقبض له رأس مال السلم والمسلم فيه لأن السلم يعتمد الوصف لا الرؤية أما غيره مما يعتمد الرؤية كبيع وإجارة ورهن فلا يصح منه وإن قلنا بصحة بيع الغائب وسبيله أن يوكل فيه وله أن يشتري نفسه ويؤجرها لأنه لا يجهلها ولو كان رأى قبل العمى شيئا مما لا يتغير قبل عقده صح عقده عليه كالبصير
باب الربا بالقصر وألفه بدل من واو ويكتب بهما وبالياء وهو لغة الزيادة وشرعا عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما
والأصل في تحريمه قبل الإجماع آيات كآية وأحل الله البيع وأخبار كخبر مسلم لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده وهو ثلاثة أنواع ربا الفضل وهوا لبيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر وربا اليد وهو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما وربا النساء وهو البيع لأجل
والقصد بهذا الباب بيع الربوي وما يعتبر فيه زيادة على ما مر ( إنما يحرم ) الربا ( في نقد ) أي ذهب وفضة ولو غير مضروبين كحلي وتبر بخلاف العروض كفلوس
وإن راجت وذلك لعلة الثمنية الغالبة ويعبر عنها أيضا بجوهرية الأثمان غالبا وهي منتفية عن العروض ( و ) في ( ما قصد لطعم ) بضم الطاء مصدر طعم بكسر العين أي
____________________
(1/276)
أكل وذلك بأن يكون أظهر مقاصده الطعم وإن لم يؤكل إلا نادرا كالبلوط ( تقوتا أو تفكها أو تداويا ) كما تؤخذ الثلاثة من الخبر الآتي فإنه نص فيه على البر والشعير والمقصود منهما التقوت فألحق بهما ما في معناهما كالفول والأرز والذرة وعلى التمر والمقصود منه التفكه والتأدم فألحق به في معناه كالزبيب والتين وعلى الملح والمقصود منه الإصلاح فألحق به ما في معناه من الأدوية كالسقمونيا والزعفران
وخرج بقصد ما لا يقصد تناوله مما يؤكل كالجلود والعظم الرخو فلا ربا فيه والطعم ظاهر في إرادة مطعوم الآدميين وإن شاركهم فيه البهائم كثيرا فخرج ما اختص به الجن كالعظم أو البهائم كالحشيش والتبن والنوى فلا ربا في شيء من ذلك
هذا ما دلت عليه نصوص الشافعي وأصحابه وبه صرح جمع وقضيته أن ما اشترك فيه الآدميون والبهائم ربوي وإن كان أكل البهائم له أغلب فقول الماوردي بالنسبة لهذه الحكم فيما اشتركا فيه للأغلب محمول على ما قصد لطعم البهائم كعلف رطب قد تأكله الآدميون لحاجة كما مثل هو به والتفكه يشمل التأدم والتحلي بحلواء وإنما لم يذكروا الدواء فيما يتناوله الطعام في الإيمان لأنه لا يتناوله في العرف المبنية هي عليه ( فإذا بيع ربوي بجنسه ) كبر ببر وذهب بذهب ( شرط ) في صحة البيع ثلاثة أمور ( حلول وتقابض قبل تفرق ) ولو بعد إجازة للعقد ( ومماثلة يقينا ) خرج به ما لو باع ربويا بجنسه جزافا فلا يصح وإن خرجا سواء للجهل بالمماثلة حالة البيع والجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة نعم لو باع صبرة بر مثلا بأخرى مكايلة أو صبرة دراهم بأخرى موازنة صح إن تساويا وإلا فلا أو علما تماثلهما ثم تبايعا جزافا صح ولا يحتاج في قبضهما إلى كيل ولا وزن والمراد بالتقابض ما يعم القبض حتى لو كان العوض معينا كفى الاستقلال بالقبض ويكفي قبض مأذون العاقد وهما بالمجلس وكذا قبض وارثه بعد موته بالمجلس ولو تقابضا البعض صح فيه فقط
وتعتبر المماثلة ( بكيل في مكيل غالب عادة الحجاز في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبوزن في موزونه ) أي موزون غالبها لظهور أنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره فلو أحدث الناس خلافه فلا اعتبار به ( وفي غير ذلك ) بأن جهل حاله أو لم يكن في عهده أو كان ولم يكن بالحجاز أو استعمل الكيل والوزن فيه سواء أو لم يستعملا فيه يعتبر ( بوزن إن كان ) المبيع ( أكبر ) جرما ( من تمر ) كجوز وبيض إذ لم يعهد الكيل بالحجاز فيما هو أكبر جرما منه وهذا من زيادتي ( وإلا ) بأن كان مثله كاللوز أو دونه ( فبعادة بلد البيع ) حالة البيع وهذا أعم من قوله وما جهل يراعى فيه عادة بلد البيع فعلم أن المكيل لا يباع بعضه ببعض وزنا وأن الموزون لا يباع بعضه ببعض كيلا ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت وزنا ولا مع الاستواء في الوزن التفاوت كيلا والأصل في الشروط السابقة خبر مسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأجناس
____________________
(1/277)
فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد أي مقابضة قال الرافعي ومن لازمه الحلول أي غالبا ( و ) إذا بيع ربوي ( ب ) ربوي ( غير جنسه واتحدا علة ) كبر بشعير وذهب بفضة ( شرط حلول وتقابض ) قبل التفرق لا مماثلة ( كأدقة أصول مختلفة الجنس وخلولها وأدهانها ولحومها وألبانها ) وبيوضها فيجوز فيها التفاضل ويشترط فيها الحلول والتقابض
لأنها أجناس كأصولها فيجوز بيع دقيق البر بدقيق الشعير وخل التمر بخل العنب متفاضلين وخرج بمختلفة الجنس متحدته كأدقة أنواع البر فهي جنس واحد وبما تقرر علم أنه لو بيع طعام بغيره كنقد أو ثوب أو غير طعام بغير طعام وليسا نقدين لم يشترط شيء من الثلاثة
( وتعتبر المماثلة ) في التمر والحب واللحم ( في غير العرايا ) الآتي بيانها في باب الأصول والثمار ( بجفاف ) لها إذ به يحصل الكمال ( فلا يباع ) في غيرها من المذكورات ( رطب برطب ) بفتح الراءين ( ولا بجاف ) وإن لم يكن لها جفاف كقثاء وعنب لا يتزبب للجهل الآن بالمماثلة وقت الجفاف والأصل في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا يبس
فقالوا نعم
فهي عن ذلك رواه الترمذي وغيره وصححه فيه إشارة إلى أن المماثلة تعتبر عند الجفاف وألحق بالرطب فيما ذكر طري اللحم فلا يباع بطريه ولا بقديده من جنسه ويباع قديده بقديده بلا عظم ولا ملح يظهر في الوزن ولا يعتبر في الثمر والحب تناهي جفافهما بخلاف اللحم لأنه موزون يظهر أثره
ويستثنى مما ذكر الزيتون فإنه لا جفاف له ويجوز بيع بعضه ببعض كما جزم به الغزالي وغيره ( تنبيه ) نزع نوى التمر والزبيب يبطل كما لهما بخلاف مفلق المشمش ونحوه ويمتنع بيع ببر مبلول وإن جف ( ولا تكفي ) أي المماثلة ( فيما يتخذ من حب ) كدقيق وخبز فلا يباع بعضه ببعض ولا حبه به للجهل بالمماثلة بتفاوت الدقيق في النعومة والخبز في تأثير النار ويجوز بيع ذلك بالنخالة لأنها ليست ربوية ( إلا في دهن وكسب صرف ) أي خالص من دهنه كدهن سمسم وكسبه فتكفي المماثلة فيهما ( وتكفي ) أي المماثلة ( في العنب والرطب عصيرا أو خلا ) لأن ما ذكر حالات كمال فعلم أنه قد يكون للشيء حالتا كمال فأكثر فيجوز بيع كل من دهن السمسم وكسبه ببعضه وبيع كلمن عصير أو خل العنب أو الرطب ببعضه كما يجوز بيع كل من السمسم والزبيب والتمر ببعضه بخلاف خل الزبيب أو التمر لأن فيه ماء فيمتنع العلم بالمماثلة وكعصير العنب والرطب عصير سائر الفواكه كعصير الرمان وقصب السكر
والمعيار في الدهن والخل والعصير الكيل وتعبيري بما يتخد من حب أعم من تعبيره بالدقيق والسويق والخبز وذكر الكسب وعصير الرطب وخله من زيادتي
____________________
(1/278)
( وتعتبر ) أي المماثلة ( في لبن لبنا ) بحاله ( أو سمنا أو مخيضا صرفا ) أي خالصا من الماء ونحوه فيجوز بيع بعض اللبن ببعض كيلا سواء فيه الحليب وغيره ما لم يغل بالنار كما يعلم مما يأتي ولا يبالي بكون ما يحويه المكيال من الخاثر أكثر وزنا
ويجوز بيع بعض السمن ببعض وزنا إن كان جامدا وكيلا إن كان مائعا وهذا ما جزم به البغوي واستحسنه في الشرح الصغير قال الشيخان وهو توسط بين وجهين أطلقهما العراقيون المنصوص منهما الوزن
وبه جزم ابن المقري في الروض لكنه صحح في تمشيته التوسط وبيع بعض المخيض الصرف ببعض
أما المشوب بماء أو نحوه فلا يجوز بيعه بمثله ولا بخالص للجهل بالمماثلة ( فلا تكفي ) المماثلة ( في باقي أحواله كجبن ) وأقط ومصل وزبد لأنها لا تخلو عن مخالطة شيء فالجبن يخالطه الأنفحة والأقط يخالطه الملح والمصل يخالطه الدقيق والزبد لا يخلو عن قليل مخيض فلا تتحقق فيها المماثلة فلا يباع بعض كل منها ببعض ولا يباع الزبد بالسمن ولا اللبن بما يتخذ منه كسمن ومخيض
( ولا ) تكفي ( فيما أثرت فيه النار بنحو طبخ ) كقلي وشي وعقد كلحم ودبس وسكر فلا يباع بعضه ببعض للجهل بالمماثلة باختلاف تأثير النار قوة وضعفا وخرج بنحو الطبخ الماء المغلي فيباع بمثله صرح به الإمام وتعبيري بدلك أعم مما عبر به
( ولا يضر تأثير تمييز ) ولو بنار ( كعسل وسمن ) ميزا بها عن الشمع واللبن فيباع بعض كل منهما ببعض حينئذ لأن نار التمييز لطيفة أما قبل التمييز فلا يجوز ذلك للجهل بالمماثلة
( وإذا جمع عقد جنسا ربويا من الجانبين ) وليس تابعا بالإضافة إلى المقصود
( واختلف المبيع ) جنسا أو نوعا أو صفة منهما أو من أحدهما بأن اشتمل أحدهما على جنسين أو نوعين أو صفتين اشتمل الآخر عليهما أو على أحدهما فقط
( كمد عجوة ودرهم بمثلهما أو بمدين أو درهمين ) وكمد عجوة وثوب بمثلهما أو بمدين
____________________
(1/279)
( وكجيد ورديء ) متميزين ( بمثلهما أو بأحدهما ) وقيمة الرديء دون قيمة الجيد كما هو الغالب ( فباطل ) لخبر مسلم عن فضالة بن عبيد قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها خرز ودهب تباع بتسعة دنانير فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال الذهب بالذهب وزنا بوزن وفي رواية لا تباع حتى تفصل ولأن قضية اشتمال أحد طرفي العقد على مالين مختلفين توزيع ما في الآخر عليهما اعتبار بالقيمة كما في بيع شقص مشفوع وسيف بألف وقيمة الشقص مائة والسيف خمسون فإن الشفيع يأخذ الشقص بثلثي الثمن والتوزيع هما يؤدي إلى المفاضلة أو الجهل بالمماثلة ففي بيع مد ودرهم بمدين إن كانت قيمة المد الذي مع الدرهم أكثر أو أقل منه لزمت المفاضلة أو مثله لزم الجهل بالمماثلة فلو كانت قيمته درهمين فالمد ثلثا طرفه فيقابله ثلثا المدينة أو نصف درهم فالمد ثلث طرفه فيقابله ثلث المدينة فتلزم المفاضله أو مثله فالمماثلة مجهولة لأنها تعتمد التقويم وهو تخمين قد يخطىء وتعدد العقد هنا بتعدد البائع أو المشتري كاتحاده بخلاف تعدده بتفصيل العقد بأن جعل في بيع مد ودرهم بمثلهما المد في مقابلة المد أو الدرهم والدرهم في مقابلة الدرهم أو المد ولو لم يشتمل أحد جانبي العقد على شيء مما اشتمل عليه الآخر كبيع دينار ودرهم بصاع بر وصاع شعير أو بصاعي بر أو شعير وبيع دينار صحيح واخر مكثر بصاع تمر برمي وصاع معقلي أو بصاعين برمي أو معقلي جاز فلهذا زدت جنسا لئلا يرد ذلك وعبرت بالمبيع بدل تعبيره بالجنس
____________________
(1/280)
الظاهر تقديره بجنس الربوي لئلا يرد بيع نحو درهم وثوب بمثلهما فإنه يمتنع مع خروجه عن الضابط لأن جنس الربوي لم يختلف بخلاف جنس المبيع وقولي ربويا من الجانبين أي ولو كان الربوي ضمنا من جانب واحد كبيع سمسم بدهنه فيبطل لوجود الدهن في جانب حقيقة وفي اخر ضمنا بخلاف ما كان من الجانبين كبيع سمسم بسمسم فيصح أما إذا كان ربوي تابعا بالإضافة إلى المقصود كبيع دار فيها بئر ماء عذب بمثلها فيصح كما أوضحته في شرح الروض وغيره
واعلم أنه لا يضر اختلاط أحد النوعين بحبات يسيرة من الآخر بحيث لو ميز عنها لم يظهر في المكيال ولا أحد الجنسين بحبات من الآخر بحيث لا يقصد إخراجها
( كبيع نحو لحم بحيوان ) ولو غير جنسه أو غير مأكول كأن بيع لحم بقر ببقر أو إبل أو حمار فإنه باطل للنهي عن ذلك رواه الترمذي مسندا وأبو داود مرسلا وللنهي عن بيع الشاة باللحم رواه الحاكم والبيهقي وصحح إسناده وزدت نحو لإدخال الألية والطحال والقلب والكلية والرئة والكبد والشحم والسنام والجلد المأكول قبل دبغه إن كان مما يؤكل غالبا
باب فيما نهى عنه من البيوع وغيرها كالنجس
والنهي عنها قد يقتضي بطلانها وهو المراد هنا وقد لا يقتضيه وسيأتي ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل ) رواه البخاري ( وهو ضرابه ) أي طروقه للأنثى ( ويقال ماؤه ) وعليهما يقدر في الخبر مضاف ليصح النهي أي عن بدل عسب الفحل من أجرة ضرابه أو ثمن مائه أي بذل ذلك وأخذه ( فتحرم أجرته ) للضراب ( وثمن مائه ) عملا بالأصل في النهي من التحريم والمعنى فيه أن ماء الفحل ليس بمتقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه وضرابه
____________________
(1/281)
لتعلقه باختياره غير مقدور عليه للمالك
ولمالك الأنثى أن يعطي مالك الفحل شيئا هدية وإعارته للضراب محبوبة ( وعن ) بيع ( حبل الحبلة ) بفتح المهملة والموحدة رواه الشيخان ( وهو نتاج النتاج بأن يبيعه ) أي نتاج النتاج ( أو ) يبيع شيئا ( بثمن إليه ) أي إلى نتاج النتاج أي إلى أن تلد هذه الدابة ويلد ولدها فولد ولدها نتاج النتاج وهو بكسر النون مصدر بمعنى المفعول كما أن حبل في حبل الحبلة كذلك والحبلة جمع حابل كفاسق وفسقة ولا يقال حبل لغير الآدمي إلا مجازا
وعدم صحة البيع في ذلك على التفسير الأول لأنه بيع ما ليس بمملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه وعلى الثاني لأنه إلى أجل مجهول ( و ) عن بيع ( الملاقيح ) جمع ملقوحة وهي لغة جنين الناقة خاصة وشرعا أعم من ذلك كما يؤخذ من قولي ( وهي ما في البطون ) من الأجنة ( و ) عن بيع ( المضامين ) جمع مضمون كمجانين جمع مجنون أو مضمان كمفاتيح ومفتاح ( وهي ما في الأصلاب ) للفحول من الماء روى النهي عن بيعهما مالك مرسلا والبزار مسندا وعدم صحة بيعهما من حيث المعنى لما علم مما مر ( و ) عن بيع ( الملامسة ) رواه الشيخان ( بأن يلمس ) بضم الميم وكسرها ( ثوبا لم يره ) لكونه مطويا أو في ظلمة فهو أعم من قوله مطويا ( ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه ) اكتفاء بلمسه عن رؤيته ( أو يقول إذا لمسته فقد بعتكه ) اكتفاء بلمسه عن الصيغة أو يبيعه شيئا على أنه متى لمسه لزم البيع وانقطع خيار المجلس وغيره ( و ) عن بيع ( المنابذة ) بالمعجمة رواه الشيخان ( بأن يجعلا النبذ بيعا ) اكتفاء به عن الصيغة فيقول أحدهما أنبذ إليك ثوبي بعشرة فيأخذه الآخر أو يقول بعتك هذا بكذا على أني إذا نبذته إليك لزم البيع وانقطع الخيار وعدم الصحة فيه وفيما قبله لعدم الرؤية أو عدم الصيغة أو للشرط الفاسد
( و ) عن بيع ( الحصاة ) رواه مسلم ( بأن يقول بعتك من هذه الأثواب ما تقع ) هذه الحصاة ( عليه أو ) يقول ( بعتك ولك ) مثلا ( الخيار إلى رميها أو يجعلا ) أي المتبايعان ( الرمي بيعا ) وعدم الصحة فيه للجهل بالمبيع أو بزمن الخيار أو لعدم الصيغة ( و ) عن بيع ( العربون ) رواه أبو داود وغيره وهو بفتح العين والراء وبضم العين وإسكان الراء ويقال العربان بضم العين وإسكان الراء ( بأن يشتري سلعة ويعطيه نقدا ) مثلا ( ليكون من الثمن إن رضيها وإلا فهبة ) بالنصب وعدم صحته لاشتماله على شرط الرد والهبة إن لم يرض السلعة ( و ) عن ( تفريق ) ولو باقالة أو رد بعيب أو سفر ( لا بنحو وصية وعتق ) كوقف ( بين أمة ) إن رضيت
____________________
(1/282)
( وفرعها ) ولو مجنونا ( حتى يميز ) لخبر من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة حسنه الترمذي وصححه الحاكم على شرط مسلم والأب وإن علا كالأم فإن اجتمعا حرم التفريق بينه وبينها وحل بينه وبين الأب والجدة في هذا كالأب وإذا اجتمع الأب والجدة للأم فهما سواء فيباع الولد مع أيهما كان ولو كان أحدهما حرا أو مالك أحدهما غير مالك الآخر لم يحرم التفريق وكذا لو فرق بينهما بعد التمييز لكنه يكره أما سائر المحارم فلا يحرم التفريق بينه وبينهم
والجد للأم ألحقه المتولي بالجد للأب والماوردي بسائر المحارم وقولي لا بنحو وصية وعتق من زيادتي ( فإن فرق ) بينهما ( بنحو بيع ) كهبة وقسمة وقرض ( بطل ) العقد للعجز عن التسليم شرعا بالمنع من التفريق وتعبيري بنحو بيع أعم من تعبيره ببيع أو هبة ( و ) عن ( بيعتين في بيعة ) رواه الترمذي وغيره وقال حسن صحيح ( كبعتك ) هذا ( بألف نقدا أو بألفين لسنة فخذه بأيهما شئت أو شاء وعدم الصحة فيه للجهل بالعوض ( و ) عن ( بيع وشرط ) رواه عبد الحق في أحكامه ( كبيع بشرط بيع ) كبعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا ( أو قرض ) كبعتك عبدي بألف بشرط أن تقرضني مائة والمعنى في ذلك أنه جعل الألف ورفق العقد الثاني ثمنا واشتراط العقد الثاني فاسد فيبطل بعض الثمن وليس له قيمة معلومة حتى يفرض التوزيع عليه وعلى الباقي فيبطل البيع
( وكبيعه زرعا أو ثوبا بشرط أن يحصده ) بضم الصاد وكسرها ( أو يخيطه ) لاشتمال البيع على شرط عمل فيما لا يملكه المشتري بعد وذلك فاسد ( وصح بشرط خيار أو براءة من عيب أو قطع ثمر ) وسيأتي الكلام عليها في محالها ( و ) بشرط ( أجل ورهن وكفيل معلومين لعوض ) من مبيع أو ثمن ( في ذمته ) للحاجة إليها في معاملة من لا يرضى إلا بها وقال تعالى { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } أي معين { فاكتبوه } ولا بد من كون الرهن غير المبيع فإن شرط رهنه بالثمن بطل البيع لاشتماله على شرط رهن ما لم يملكه بعد والعلم في الرهن بالمشاهدة أو بالوصف بصفات السلم وفي الكفيل بالمشاهدة أو بالإسم والنسب ولا يكفي الوصف كموسر ثقة وبحث الرافعي أن الاكتفاء به أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله وسكت عليه النووي
وتعبيري بالعوض أعم من تعبيره بالثمن وخرج بقيد في ذمة المعين كما لو قال بعتك بهذه الدراهم على أن تسلمها لي وقت كذا أو ترهن بها كذا أو ترهن بها كذا أو يضمنك بها فلأن فإن العقد بهذا الشرط باطل لأنه رفق شرع لتحصيل الحق والمعين حاصل فشرط كل من الثلاثة معه واقع في غير ما شرع له وأما صحة ضمان العوض المعين فمشروط بقبضه فلا يصح التأجيل بنحو ألف سنة
وفي تعبيري بمعلومين تغليب العاقل على غيره فهو أولى من عكسه الذي عبر فيه بقوله معينات ( و ) بشرط ( إشهاد ) لقوله تعالى { وأشهدوا إذا تبايعتم } وإن لم يعين الشهود إذ لا يتفاوت الغرض فيهم لأن الحق كما سيأتي في محله ويشترط في الأجل أن لا يبعد
____________________
(1/283)
بقاء الدنيا إليه يثبت بأي عدول كانوا بخلاف الرهن والكفيل ( وبفوت رهن ) بموت المشروط رهنه أو بإعتاقه أو كتابته أو امتناع من رهنه أو نحوها وكفوته وعدم إقباضه وتعيبه قبل قبضه وظهور عيب قديم به ولو بعد قبضه ( أو إشهاد ) وهو من زيادتي ( أو كفالة خير ) من شرط له ذلك لفوت المشروط نعم لو عين في الإشهاد شهودا وماتوا أو امتنعوا فلا خيار لأن غيرهم يقوم مقامهم وتعبيري بالفوت أعم مما عبر به ( كشرط وصف يقصد ككون العبد كاتبا أو الدابة ) من آدمي وغيره ( حاملا أو ذات وغيره ( حاملا أو ذات لبن ) في صحة البيع والشرط وثبوت الخيار بالفوت ووجه الصحة أن هذا الشرط يتعلق بمصلحة العقد وخرج بقصد وصف لا يقصد كزنا وسرقة فلا خيار بفوته ( و ) صح ( بشرط مقتضاه كقبض ورد بعيب أو ) بشرط ( ما لا غرض فيه ك ) شرط ( أن لا يأكل إلا كذا ) كهريسة والشرط في الأولى صحيح لأنه تأكيد وتنبيه على ما اعتبره الشارع وفي الثانية ملغى لأنه لا يورث تنازعا غالبا ( أو ) بشرط ( إعتاقه ) أي الرقيق المبيع ( منجزا ) بقيد زدته بقولي ( مطلقا أو عن مشتر ) فيصح البيع والشرط لتشوف الشارع إلى العتق ( ولبائع ) كغيره فيما يظهر ( مطالبة ) للمشتري ( به ) وإن قلنا الحق فيه ليس له بل لله تعالى وهو الأصح كالملتزم بالنذر لأنه لزم باشتراطه وخرج بما ذكر بيعه بشرط الولاء ولو مع العتق لغير المشتري أو بشرط تدبيره أو كتابته أو إعتاقه معلقا أو منجزا عن غير مشتر من بائع أو أجنبي فلا يصح أما في الأولى فلمخالفته ما تقرر في الشرع من أن الولاء لمن أعتق وأما في الأخيرة فلأنه ليس في معنى ما ورد به خبر بريرة المشهور وأما في البقية فلأنه لم يحصل في واحد منها ما يتشوف إليه الشارع من العتق الناجز
ولا يصح بيعه لمن يعتق عليه بشرط إعتاقه لتعذر الوفاء به فإنه يعتق قبل إعتاقه كذا نقله الرافعي عن القاضي وأقره قال في المجموع وفيه نظر ويحتمل أن يصح ويكون ذلك توكيدا للمعنى ( ولا يصح بيع دابة ) من آدمي وغيره ( وحملها ) لجعله الحمل المجهول مبيعا بخلاف بيعها بشرط كونها حاملا لأنه جعل فيه الحاملية وصفا تابعا ( أو ) بيع ( أحدهما ) أما بيعها دون حملها فلأنه لا يجوز إفراده بالعقد فلا يستثنى كأعضاء الحيوان وأما عكسه فلما علم مما مر في بيع الملاقيح ( كبيع حامل بحر ) فلا يصح لأنه لا يدخل في البيع فكأنه استثنى واستشكل
____________________
(1/284)
بصحة بيع الدار المؤجرة فإنه صحيح مع أن المنفعة لا تدخل فكأنه استثناها ويجاب بأن الحمل أشد اتصالا من المنفعة بدليل جواز إفرادها بالعقد بخلافه فصح استثناؤها شرعا دونه ( ويدخل حمل دابة ) مملوك لمالكها ( في بيعها مطلقا ) عن ذكره معها ثبوتا ونفيا تبعا لها فإن لم يكن مملوكا لمالكها لم يصح البيع
فصل فيما نهى عنه من البيوع نهيا لا يقتضي بطلانها وما يذكر معها ( من المنهى ) عنه ( ما لا يبطل بالنهي ) عنه لمعنى اقترن به لا لذاته أو لازمه ( كبيع حاضر لباد ) بأن ( قدم ) البادي ( بما تعم حاجة ) أي حاجة أهل البلد ( إليه ) كالطعام وإن لم يظهر ببيعه سعة بالبلد لقلته أو لعموم وجوده ورخص السعر أو لكبر البلد ( ليبيعه حالا فيقول الحاضر اتركه لأبيعه تدريجا ) أي شيئا فشيئا ( بأغلى ) من بيعه حالا فيجيبه لذلك لخبر الصحيحين لا يبع حاضر لباد زاد مسلم دعو الناس يرزق الله بعضهم من بعض والمعنى في النهي عن ذلك ما يؤدي إليه من التضييق على الناس بخلاف ما لو بدأه البادي بذلك بأن قال له اتركه عندك لتبيعه تدريجا أو انتفى عموم الحاجة إليه كأن لم يحتج إليه إلا نادرا أو عمت وقصد البادي بيعه تدريجا فسأله الحاضر أن يفوضه إليه أو قصد بيعه حالا فقال له اتركه عندي لأبيعه كذلك فلا يحرم لأنه لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك منه لما فيه من الإضرار به والنهي في ذلك وفيما يأتي في بقية الفصل للتحريم فيأثم بارتكابه العالم به ويصح البيع لما مر قال في الروضة قال القفال والإثم على البلدي دون البدوي ولا خيار للمشتري انتهى
والبادي ساكن البادية والحاضر ساكن الحاضرة وهي المدن والقرى والريف وهو أرض فيها زرع وخصب وذلك خلاف البادية والنسبة إليها بدوي وإلى الحاضرة حضري والتعبير بالحاضر والبادي جرى على الغالب والمراد أي شخص كان ولا يتقيد ذلك بكون القادم غريبا ولا بكون المتاع عند الحاضر وإن قيد بهما الأصل ( وتلقي ركبان ) بأن ( اشترى ) شخص ( منهم بغير طلبهم ) هو من زيادتي ( متاعا قبل قدومهم ) البلد مثلا ( ومعرفتهم بالسعر ) المشعر ذلك بأنه اشترى بدون السعر المقتضي ذلك للغبن وإن لم يقصد التلقي كأن خرج لنحو صيد فرآهم واشترى منهم وما عبرت به أعم مما عبر به ( وخيروا ) فورا ( إن عرفوا الغبن ) لخبر الصحيحين لا تلقوا الركبان للبيع
وفي رواية للبخاري لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق فمن لقاها فصاحب السلعة بالخيار أما
____________________
(1/285)
كونه على الفور فقياسا على خيار العيب والمعنى في ذلك احتمال غبنهم سواء أخبر المشترى كاذبا أم لم يخبر فإن اشتراه منهم بطلبهم أو بغير طلبهم لكن بعد قدومهم أو قبله وبعد معرفتهم بالسعر أو قبلها واشتراه به أو بأكثر فلا تحريم لانتفاء التغرير ولا خيار لانتفاء المعنى السابق ولو لم يعرفوا الغبن حتى رخص السعر وعاد إلى ما باعوا به فهل يستمر الخيار وجهان منشؤهما اعتبار الابتداء أو الانتهاء
وكلام الشاشي يقتضي عدم استمراره والأوجه استمراره وهو ظاهر الخبر ومال إليه الأسنوي في شرح المنهاج والركبان جمع راكب والتعبير به جرى على الغالب والمراد القادم ولو واحدا أو ماشيا ( وسوم على سوام ) أي سوم غيره لخبر الصحيحين لا يسوم الرجل على سوم أخيه وهو خبر بمعنى النهي والمعنى فيه الإيذاء
وذكر الرجل والأخ ليس للتقييد بل الأول لأنه الغالب والثاني للرقة والعطف عليه وسرعة امتثاله فغيرهما مثلهما وإنما يحرم ذلك ( بعد تقرر ثمن ) بالتراضي به صريحا بأن يقول لمن أخذ شيئا ليشتريه بكذا رده حتى أبيعك خيرا منه بهذا الثمن أو بأقل منه أو مثله بأقل أو يقول لمالكه استرده لأشتريه منك بأكثر وخرج بالتقرر ما يطاف به على من يزيد فيه فلا يحرم ذلك ( وبيع على بيع ) أي بيع غيره زمن خيار بغير إذن له كأن يأمر المشتري بالفسخ ليبيعه مثل المبيع بأقل من ثمنه أو خيرا منه تمثل ثمنه أو أقل ( وشراء على شراء ) أي شراء غيره ( زمن خيار ) أي خيار مجلس أو شرط أو عيب فهو أعم من قوله قبل لزمه ( بغير إذن ) له من ذلك الغير كأن يأمر البائع بالفسخ ليشتريه بأكثر من ثمنه لخبر الصحيحين لا يبع بعضكم على بيع بعض
زاد النسائي حتى يبتاع أو يذر وفي معناه الشراء على الشراء والمعنى في ذلك الإيذاء فقولي زمن خيار إلى آخره قيد في المسألتين وخرج بزمن الخيار وهو من زيادتي في الثانية ما لو وقع ذلك في غيره وبزيادتي بغير إذن ما لو أذن البائع في البيع على بيعه أو المشتري في الشراء على شرائه فلا تحريم ( ونجش ) للنهي عنه رواه الشيخان ( بأن يزيد في ثمن ) للسلعة المعروضة للبيع لا للرغبة في شرائها بل ( ليغر ) غيره فيشتريها ولو كان التغرير بالزيادة ليساوي الثمن القيمة والمعنى في تحريمه الإيذاء ( ولا خيار ) للمشتري لتفريطه ( وبيع نحو رطب ) كعنب ( لمتخذه مسكرا ) بأن يعلم منه ذلك أو يظنه فإن شك فيه أو توهمه منه فالبيع له مكروه وإنما حرم أو كره لأنه سبب لمعصية محققة أو مظنونة أو لمعصية مشكوك فيها أو متوهمة وتعبيري بما ذكر أعم وأولى من قوله وبيع الرطب والعنب لعاصر الخمر
____________________
(1/286)
فصل في تفريق الصفقة وتعددها
وتفريقها ثلاثة أقسام لأنه إما في الابتداء أو في الدوام أو في اختلاف الأحكام وقد بينتها بهذا الترتيب فقلت لو ( باع ) في صفقة واحدة ( حلا وحرما ) كخل وخمر أو عبده وعبد غيره أو مشترك بغير إذن الغير والشريك ( صح ) البيع ( في الحل ) من الخل وعبده وحصته من المشترك وبطل في غيره إعطاء لكل منهما حكمه وقيل يبطل فيهما قال الربيع وإليه رجع الشافعي آخرا فلو أذن له شريكه في البيع صح بيع الجميع بخلاف ما لو أذن مالك العبد فإنه لا يصح بيع العبدين للجهل بما يخص كلا منهما عند العقد ( بحصته من المسمى باعتبار قيمتهما ) سواء أعلم الحال أم جهل
وأجاز البيع لأن الثمن في مقابلتهما ويقدر الخمر خلا والحر رقيقا فإذا كانت قيمتهما ثلاثمائة والمسمى مائة وخمسين وقيمة المملوك مائة فحصته من المسمى خمسون وخرج بباع ما لو استعار شيئا ليرهنه بدين فزاد عليه وما لو أجر الراهن المرهون مدة تزيد على محل الدين فيبطل في الجميع ويستثنى من الصحة ما لو فاضل في الربوي أو زاد في خيار الشرط أو في العرايا على القدر الجائز فيبطل في الجميع
وظاهر أن محل الصحة إذا كان الحرام معلوما ليتأتى التقسيط ( وخير ) فورا ( مشتر جهل ) الحال بين الفسخ والإجازة لتبعيض الصفقة عليه فإن علم الحال فلا خيار له كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه
أما البائع فلا خيار له وإن لم يجب له إلا الحصة لتعديه حيث باع مالا يملكه وطمع في ثمنه ( أو ) باع ( نحو عبديه فتلف أحدهما قبل قبضه ) انفسخ البيع فيه كما هو معلوم و ( لم ينفسخ في الآخر ) وإن لم يقبضه ( بل يتخير مشتر ) بين الفسخ والإجازة ( فإن أجاز فبالحصة ) من المسمى باعتبار قيمتهما لأن الثمن قد توزع عليهما في الابتداء
ونحو من زيادتي ( ولو جمع ) عقد ( عقدين لازمين أو جائزين ) وإن اختلف حكمهما ( كإجارة وبيع أو )
____________________
(1/287)
إجارة ( وسلم أو شركة وقراض صحا ووزع المسمى على قيمتها ) أي قيمة المؤجر من حيث الأجرة وقيمة المبيع أو المسلم فيه ولا يؤثر ما قد يعرض لاختلاف حكمهما باختلاف أسباب الفسخ والانفساخ المحوجين إلى التوزيع المستلزم للجهل عند العقد بما يخص كلا منهما من العوض لأنه لا محظور في ذلك ألا ترى أنه يجوز بيع ثوب وشقص من دار في صفقة وإن اختلفا في الشفعة واحتيج إلى التوزيع المستلزم لما ذكر وحذفت قوله مختلفي الحكم لأنه ليس بقيد لأن غيرهما كذلك في الحكم وقد مثلت له من زيادتي بالشركة والقراض وخرج بزيادتي لازمين أو جائزين ما لو كان أحدهما لازما والآخر جائزا كبيع وجعالة فإنه لا يصح لا يمكن الجمع بينهما وبيان اختلاف الأحكام فيما اختلفت أحكامه مما ذكر أن الإجارة تقتضي التأقيت والبيع والسلم يقتضيان عدمه والسلم يقتضي قبض رأس المال في المجلس بخلاف غيره ( ويتعدد ) أي العقد ( بتفصيل ثمن ) كبعتك ذا بكذا وذا بكذا فيقبل فيهما وله رد أحدهما بالعيب ( وبتعدد عاقد ) موجب أو قابل كبعناك ذا بكذا فيقبل منهما وله رد نصيب أحدهما بالعيب وكبعتكما ذا بكذا فيقبلان ولأحدهما رد نصيبه بالعيب ( ولو كان ) العاقد ( وكيلا ) بقيد زدته بقولي ( لا في رهن وشفعة ) فالعبرة في اتحاد الصفقة وتعددها في غيرها بالوكيل لتعلق أحكام العقد به كرؤية المبيع وثبوت خيار المجلس ولو خرج ما اشتراه من وكيل اثنين أو من وكيلي واحد معيبا فله رد نصيب أحدهما في الصورة الثانية دون الأولى ولو خرج ما اشتراه وكيل اثنين أو وكيلا واحد معيبا
فللموكل الواحد رد نصيب أحدهما وليس لأحد الموكلين رد نصيبه أما في الرهن والشفعة فالعبرة بالموكل لا بالوكيل اعتبارا باتحاد الدين والملك وعدمه فلو وكل إثنان واحدا في رهن عبدهما عند زيد بماله عليهما من الدين ثم قضى أحدهما دينه انفك نصيبه وتعبيري بالعاقد أعم من تعبيره بالبائع والمشتري
____________________
(1/288)
باب الخيار هو شامل الخيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب وستأتي الثلاثة ( يثبت خيار مجلس في كل بيع وإن استعقب عتقا ) كشراء بعضه بناء على الأصح من أن الملك في ز من خيار المتبايعين موقوف فلا يحكم بعتقه حتى يلزم العقد وذلك ( كربوي وسلم ) وتولية وتشريك وصلح معاوضة على غير منفعة أو دم عمد وهبة بثواب خلافا لظاهر ما في الأصل قال صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر
رواه الشيخان
ويقول قال في المجموع منصوب بأو بتقدير إلا أن أو إلى أن كان معطوفا لجزمه فقال أو يقل ( لا ) في ( بيع عبد منه و ) لا ( بيع ضمني ) لأن مقصودهما العتق ( و ) لا في ( قسمة غير ردو ) لا في ( حوالة ) وإن جعلا بيعا لعدم تبادرهما فيه وقولي لا بيع إلى آخره من زيادتي وخرج بما ذكر غير البيع كإبراء وصلح حطيطة ونكاح وهبة بلا ثواب وشفعة ومساقاة وصداق وشركة وقراض ورهن وكتابة وإجارة ولو في الذمة فلا خيار فيها لأنها لا تسمى بيعا
والخبر إنما ورد في البيع ولأن المنفعة في الإجارة تفوت بمضي الزمن فألزمنا العقد لئلا يتلف جزء من المعقود عليه لا في مقابلة العوض وخالف القفال وطائفة فقالوا بثبوت الخيار في الواردة على الذمة كالسلم
ووقع للنووي في تصحيحه تصحيح ثبوته في المقدرة بمدة ( وسقط خيار من اختار لزومه ) أي البيع منهما كأن يقولا اخترنا لزومه أو أمضيناه أو ألزمناه أو أجزناه فيسقط خيارهما أو من أحدهما كأن يقول اخترت لزومه فيسقط خياره ويبقى خيار الآخر ولو مشتريا نعم لو كان المبيع ممن يعتق عليه سقط خياره حينئذ أيضا للحكم بعتق المبيع ولو قال أحدهما للآخر اختر أو خيرتك سقط خياره لتضمنه الرضا للزوم وبقي خيار الآخر ولو اختار أحدهما لزوم البيع والآخر فسخه قدم الفسخ وإن تأخر عن الإجازة لأن إثبات الخيار إنما قصد به التمكن من الفسخ دون الإجارة لأصالتها
( و ) سقط خيار ( كل ) منهما ( بفرقة بدن ) منهما أو من أحدهما عن مجلس العقد للخبر السابق ( عرفا ) فما يعده الناس فرقة يلزمه به العقد ومالا فلا فإن كانا في دار صغيرة فالفرقة بأن يخرج أحدهما منها أو يصعد سطحها أو كبيرة فبأن ينتقل أحدهما من صحنها إلى صفتها أو بيت من بيوتها أو في صحراء أو سوق فبأن يولي أحدهما ظهره ويمشي قليلا ( طوعا ) من زيادتي فمن اختار أو فارق مكرها لم ينقطع خياره وإن لم يسد فمه في الثانية فإن لم يخرج معه الآخر فيها بطل خياره إلا أن منع من الخروج معه ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر بطل خياره كالهارب وإن لم يتمكن من أن يتبعه لتمكنه من الفسخ بالقول مع كون الهارب فارق مختارا وإذا ثبت خيار المجلس
____________________
(1/289)
( فيبقى ولو طال مكثهما أو تماشيا منازل ) وإن زادت المدة على ثلاثة أيام للخبر السابق ( ولو مات ) العاقد ( أو جن ) أو أغمي عليه في المجلس ( انتقل ) الخيار ( لوارثه أو وليه ) من حاكم أو غيره كخيار الشرط والعيب وفي معنى من ذكر موكل العاقد وسيده ويفعل الولي ما فيه المصلحة من الفسخ والإجازة فإن كانا في المجلس فظاهر أو غائبين عنه وبلغهما الخبر امتد الخيار لهما امتداد مجلس بلوغ الخبر ( وحلف نافي ) فرقة أو فسخ قبلها ) أي قبل الفرقة بأن جاء معا وادعى أحدهما فرقة وأنكرها الآخر ليفسخ أو اتفقا عليها وادعى أحدهما فسخا قبلها وأنكر الآخر فيصدق النافي لموافقته الأصل وذكر التحليف من زيادتي
فصل في خيار الشرط
( لهما ) أي للعاقدين وهذا أولى من قوله ولأحدهما ( شرط خيار
لهما أو لأحدهما سواء
____________________
(1/290)
أشرطا إيقاع أثره منهما أم من أحدهما أم من أجنبي كالعبد المبيع وسواء أشرطا ذلك من واحد أم من اثنين مثلا ولو على أن يوقعه أحدهما لأحد الشارطين والآخر للآخر وليس لشارطه للأجنبي خيار إلا أن يموت الأجنبي في زمن الخيار وليس لوكيل أحدهما شرطه للآخر ولا لأجنبي بغير إذن موكله وله شرطه لموكله ولنفسه ( في ) كل ( ما ) أي بيع ( فيه خيار مجلس إلا فيما يعتق ) فيه المبيع فلا يجوز شرطه ( لمشتر ) للمنافاة وهذا من زيادتي ( أو ) في ( ربوي وسلم ) فلا يجوز شرطه فيهما لأحد لاشتراط القبض فيهما في المجلس وما شرط فيه ذلك لا يحتمل الأجل فأولى أن لا يحتمل الخيار لأنه أعظم غررا منه لمنعه الملك ولزومه واستثنى النووي مع ذلك ما يخاف فساده مدة الخيار فلا يجوز شرطه لأحد وهو ظاهر واستثنى الجوري المصراة فقال لا يجوز اشتراط خيار الثلاث فيها للبائع لأنه يمنع الحلب وتركه مضر بالبهيمة حكاه عنه في المطلب وإنما يجوز شرطه ( مدة معلومة ) متصلة بالشرط متوالية ( ثلاثة ) من الأيام ( فأقل ) بخلاف ما لو أطلق أو قدر بمدة مجهولة أو زائدة على الثلاثة وذلك لخبر الصحيحين عن ابن عمر قال ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيع فقال له من بايعت فقل لا خلابة رواه البيهقي بإسناد حسن بلفظ إذا بايعت فقل لا خلابة ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال
وفي رواية للدارقطني عن عمر فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدة ثلاثة أيام
وخلابة بكسر المعجمة بالموحدة الغبن والخديعة قال في الروضة كأصلها اشتهر في الشرع أن قوله لا خلابة عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثة أيام والواقعة في الخبر الاشتراط من المشتري وقيس به الاشتراط من البائع ويصدق ذلك بالاشتراط منهما معا وبكل حال لا بد من اجتماعهما عليه كما عرف مما مر وتحسب المدة المشروطة ( من ) حين ( الشرط ) للخيار سواء أشرط في العقد أم في مجلسه فهذا أعم من قوله من العقد ولو شرط في العقد من الغد بطل العقد وإلا لأدى إلى جوازه بعد لزومه ولو شرط لأحد العاقدين يوم وللآخر يومان أو ثلاثة جاز
____________________
(1/291)
( والملك ) في المبيع مع توابعه من فوائده كنفوذ عتق وحل وطء ( فيها ) أي في مدة الخيار ( لمن انفرد بخيار ) من بائع ومشتر ( وإلا ) بأن كان الخيار لهما ( فموقوف فإن تم البيع بان أنه ) أي الملك فيما ذكر ( لمشتر من ) حين ( العقد وإلا فلبائع )
وكأنه لم يخرج عن ملكه ولا فرق فيه بين خيار الشرط وخيار المجلس وكونه لأحدهما بأن يختار الآخر لزوم العقد وحيث حكم بملك المبيع لأحدهما حكم بملك الثمن للآخر وحيث وقف وقف ملك الثمن وتعبيري بالملك لشموله ملك المبيع وتوابعه أولى من تعبيره بملك المبيع ( ويحصل الفسخ ) للعقد في مدة الخيار ( بنحو فسخت ) البيع كرفعته واسترجعت المبيع ( والإجارة ) فيها ( بنحو أجزت ) البيع كأمضيته أو لزمته ( والتصرف ) فيها ( كوطء وإعتاق وبيع وإجارة وتزويج ووقف ) للمبيع ( من بائع ) والخيار له أولهما ( فسخ ) للمبيع لإشعاره بعدم البقاء عليه
وصح ذلك عنه أيضا لكن لا يجوز وطؤه إلا إن كان الخيار له ( ومن مشتر ) والخيار له أولهما ( إجازة ) للشراء لإشعاره بالبقاء عليه والإعتاق نافذ منه إن كان الخيار له أو أذن له البائع وغير نافذ إن كان للبائع وموقوف إن كان لهما ولم يأذن له البائع
ووطؤه حلال إن كان الخيار له وإلا فحرام وقول الأسنوي أنه حلال إن أذن له البائع مبنى على أن مجرد الإذن في التصرف إجازة وهو بحث للنووي والمنقول خلافه والبقية صحيحة إن كان الخيار له أو أذن له البائع وإلا فلا وظاهر أن الوطء إنما يكون فسخا أو إجازة إذا كان الموطوء أنثى لا ذكرا ولا خنثى فإن بانت أنوثته ولو بإخباره تعلق الحكم بذلك الوطء وتعبيري بالتصرف مع تمثيلي بما ذكر أعم مما عبر به ( لا عرض ) للمبيع ( على بيع وأذن فيه ) في مدة الخيار فليسا فسخا ولا إجازة للبيع لعدم إشعارهما من البائع بعدم البقاء عليه ومن المشتري بالبقاء عليه لاحتمالهما في التردد في الفسخ في والإجازة وتعبيري بالإذن لشموله الإذن للمشتري ليبيع عن نفسه أعم من تعبيره بالتوكيل
فصل في خيار العيب وما يذكر معه
( لمشتر ) بقيد زدته بقولي ( جاهل ) بما يأتي ( خيار بتغرير فعلي وهو حرام ) للتدليس والضرر ( كتصرية ) لحيوان ولو غير مأكول وهي أن يترك حلبه قصدا مدة قبل بيعه ليوهم
____________________
(1/292)
المشتري كثرة اللبن والأصل في تحريمها خبر الصحيحين لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك أي بعد النهي فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر
وقيس بالإبل والغنم غيرهما بجامع التدليس وتصروا بوزن تزكوا من صرى الماء في الحوض جمعه فلو لم يقصد التصرية لنسيان أو نحوه ففي ثبوت الخيار وجهان في الشرحين والروضة أحدهما المنع وبه جزم الغزالي والحاوي الصغير لعدم التدليس وأصحهما عند القاضي والبغوي ثبوته لحصول الضرر ورجحه الأذرعي وقال أنه قضية نص الأم ( وتحمير وجه وتسويد شعر وتجعيده ) الدال على قوة البدن وهو ما فيه التواء وانقباض لا مفلفل السودان ( وحبس ماء قناة أو ) ماء ( رحى أرسل ) كل منهما ( عند البيع )
وتعبيري بالتغرير الفعلي مع تمثيلي له بما ذكر أعم مما عبر به ( لا لطخ ثوبه ) أي الرقيق ( بمداد ) تخييلا لكتابته فأخلف فلا خيار فيه إذ ليس فيه كبير غرر لتقصير المشتري بعدم امتحانه والسؤال عنه ( وبظهور عيب ) بقيد زدته بقولي ( باق ) بأن لم يزل قبل الفسخ ( ينقص ) بفتح الياء وضم القاف أفضح من ضم الياء وكسر القاف المشددة ( العين نقصا يفوت به غرض صحيح أو ) تنقص ( قيمتها وغلب في جنسها ) أي العين ( عدمه ) إذ الغالب في الأعيان السلامة وخرج بالقيد الأول ما لو زال العيب قبل الفسخ وبالثاني قطع أصبع زائدة وفلقة يسيرة من فخذ أو ساق لا يورث شيئا ولا يفوت غرضا فلا خيار بهما وبالثالث ما لا يغلب فيه ما ذكر كقلع سن في الكبر وثيوبة في أوانها في الأمة فلا خيار به وإن نقصت القيمة به وذلك ( كخصاء ) بالمد لحيوان لنقصه المفوت للغرض من الفحل فإنه يصلح لما لا يصلح له الخصي وإن زادت قيمته باعتبار آخر رقيقا كان الحيوان أو بهيمة فقولي كخصاء أعم من قوله كخصاء رقيق ( وجماح ) منه بالكسر أي امتناعه على راكبه ( وعض ) ورمح لنقص القيمة بذلك ( وزنا وسرقة وإباق ) من رقيق أي بكل منها وإن لم تتكرر تاب عنه أو لم يتب لذلك ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا خلافا للهروي في الصغير ( وبخر ) منه وهو الناشيء من تغير المعدة لما مر ذكرا كان أو أنثى
أما تغير الفم لقلح الأسنان فلا لزواله بالتنظيف ( وصنان ) منه إن خالف العادة بأن يكون مستحكما لما مر ذكرا كان أو أنثى أما الصنان لعارض عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ فلا ( وبول ) منه ( بفراش ) إن خالف العادة بأن اعتاده في غير أوانه لما مر ذكرا كان أو أنثى فقولي من زيادتي ( إن خالف العادة ) راجع للمسألتين سواء ( أحدث ) العيب ( قبل القبض ) للمبيع بأن قارن العقد أم حدث بعده قبل القبض لأن المبيع حينئذ من ضمان البائع ( أو ) حدث ( بعده ) أي القبض ( واستند لسبب متقدم ) على
____________________
(1/293)
القبض ( كقطعة ) أي المبيع العبد أو الأمة ( بجناية سابقة ) على القبض جهلها المشترى لأنه لتقدم سببه كالمتقدم فإن كان عالما به فلا خيار له ولا أرش ( ويضمنه ) أي المبيع ( البائع ) بجميع الثمن ( بقتله بردة ) مثلا ( سابقة ) على قبضه جهلها المشتري
لأن قتله لتقدم سببه كالمتقدم فينفسخ البيع فيه قبيل القتل فإن كان المشتري عالما بها فلا شيء له ( لا بموته بمرض سابق ) على قبض جهله المشتري فلا يضمنه البائع لأن المرض يزداد شيئا فشيئا إلى الموت فلم يحصل بالسابق وللمشتري أرش المرض وهو ما بين قيمة المبيع صحيحا ومريضا من الثمن فإن كان المشتري عالما به فلا شيء له
ويتفرع على مسألتي الردة والمرض مؤنة التجهيز فهي على البائع في تلك وعلى المشتري في هذه ( ولو باع ) حيوانا أو غيره ) ( بشرط براءته من العيوب ) في المبيع ( بريء عن عيب باطن بحيوان موجود ) فيه ( حال العقد جهله ) بخلاف غير العيب المذكور فلا يبرأ عن عيب في غير الحيوان ولا فيه لكن حدث بعد البيع وقبل القبض مطلقا لانصراف الشرط إلى ما كان موجودا عند العقد ولا عن عيب ظاهر في الحيوان علمه البائع أولا ولا عن عيب باطن في الحيوان علمه والأصل في ذلك ما رواه البيهقي وصححه أن ابن عمر باع عبدا له بثمانمائة درهم بالبراءة فقال له المشتري به داء لم تسمه لي فاختصما إلى عثمان فقضى على ابن عمر أن يحلف لقد باعه العبد وما به داء يعلمه فأبى أن يحلف وارتجع العبد فباعه بألف وخمسمائة دل قضاء عثمان على البراءة في صورة الحيوان المذكورة وقد وافق اجتهاده فيها اجتهاد الشافعي رضي الله عنه وقال الحيوان يتغذى في الصحة والسقم وتحول طباعه فقلما ينفك عن عيب خفي أو ظاهر أي فيحتاج البائع فيه إلى شرط البراءة ليثق بلزوم البيع فيما لاي علمه من الخفي دون ما يعلمه مطلقا في حيوان أو غيره لتلبيسه فيه وما لا يعلمه من الظاهر فيهما لندرة خفائه عليه أو من الخفي في غير الحيوان كالجوز واللوز إذ الغالب عدم تغيره بخلاف الحيوان والبيع مع الشرط المذكور صحيح مطلقا كما علم من باب المناهي لأنه شرط يؤكد العقد ويوافق ظاهر الحال وهو السلامة من العيوب ( ولو شرط البراءة عما يحدث ) منها قبل القبض ولو مع الموجود منها ( لم يصح ) الشرط لأنه إسقاط للشيء قبل ثبوته فلا يبرأ من ذلك ولو شرط البراءة عن عيب عينه فإن كان مما لا يعاين كزنا أو سرقة أو إباق بريء منه لأن ذكرهاإعلام بها وإن كان مما يعاين كبرص فإن أراه إياه فكذلك وإلا فلا يبرأ منه لتفاوت الأغراض باختلاف قدر محله ( ولو تلف بعد قبضه ) أي
____________________
(1/294)
المشتري ( مبيع ) بقيد زدته بقولي ( غير ربوي بيع بجنسه ) حسيا كان التلف أو شرعيا كأن أعتقه أو وقفه أو استولد الأمة ( ثم علم عيبا به فله أرش ) لتعذر الرد بفوات المبيع وسمي المأخوذ أرشا لتعلقه بالأرش وهو الخصومة فلو اشترى من يعتق عليه أو غيره بشرط العتق وأعتقه ثم علم بعيبه استحق الأرش كما رجحه السبكي من وجهين لا ترجيح فيهما في الروضة كأصلها
أما الربوي المذكور كحلي ذهب بيع بوزنه ذهبا فبان معيبا بعد تلفه فلا أرش فيه وإلا لنقص الثمن فيصير الباقي منه مقابلا بأكثر منه وذلك ربا ( وهو ) أي الأرش ( جزء من ثمنه ) أي المبيع ( بنسبته إليه ) أي نسبة الجزء إلى الثمن ( كنسبة ما نقص العيب من القيمة لو كان ) المبيع ( سليما إليها ) فلو كانت قيمته بلا عيب مائة وبه تسعين فنسبة النقص إلى القيمة عشر فالأرش عشر الثمن وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن لأن المبيع مضمون على البائع بالثمن فيكون جزؤه مضمونا عليه بجزء من الثمن فإن كان قبضه رد جزأه وإلا سقط عن المشتري طلبه ( ولو رده ) المشتري بعيب ( وقد تلف الثمن ) حسا أو شرعا كأن أعتقه أو تعلق به حق لازم كرهن وشفعة ( أخذ بدله ) من مثل أو قيمة
( ويعتبر أقل قيمتهما ) أي المبيع والثمن المتقومين ( من ) وقت ( بيع إلى ) وقت ( قبض ) لأن قيمتهما إن كانت وقت البيع أقل فالزيادة في
____________________
(1/295)
المبيع حدثت في ملك المشتري وفي الثمن حدثت في ملك البائع أو كانت وقت القبض أو بين الوقتين أقل فالنقص في المبيع من ضمان البائع وفي الثمن من ضمان المشتري فلا يدخل في التقويم وذكر ذلك في الثمن من زيادتي ( ولو ملكه ) أي المبيع ( غيره ) بعوض أو بدونه ( فعلم ) هو ( عيبا فلا أرش ) له لأنه قد يعود له ( فإن عاد ) برد بعيب أو غيره كإقالة وهبة وشراء ( فله رده ) لزوال المانع وكتمليكه رهنه وغصبه ونحوهما ( والرد ) بالعيب ولو بتصرية ( فوري ) فيبطل بالتأخير بلا عذر
وأما خبر مسلم من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فحمل على الغالب من أن التصرية لا تظهر إلا بثلاثة أيام لإحالة نقص اللبن قبل تمامها على اختلاف العلف أو المأوى أو غير ذلك ويعتبر الفور ( عادة فلا يضر نحو صلاة وأكل دخل وقتهما ) كقضاء حاجته وتكميل لذلك أو لليل وقيد ابن الرفعة كون الليل عذرا بكلفة السير فيه وأفهمه كلام المتولي ولا بأس بلبس ثوبه وإغلاق بابه ولا يكلف العدو في المشي والركض في الركوب ليرد وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به وظاهر أن الكلام في بيع الأعيان بخلاف ما في الذمة لأن المقبوض عنه لا يملك إلا بالرضا ولأنه غير معقود عليه ويعذر في تأخيره بجهله إن قرب عهده بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء وبجهل فوريته إن خفي عليه ( فيرده ) أي المشتري ( ولو بوكيله ) على البائع أو موكله أو وكيله أو وليه أو وارثه فتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به ( أو يرفع الأمر لحاكم ) ليفصله إن كان بالبلد ويرد عليه ( وهو آكد ) في الرد ( في حاضر ) بالبلد مما يرد عليه لأنه ربما أحوجه إلى الرفع
( وواجب في غائب ) عنها بأن يدعي رافع الأمر شراء ذلك الشيء من فلان الغائب بثمن معلوم قبضه ثم ظهر العيب وأنه فسخ البيع ويقيم البينة
____________________
(1/296)
بذلك ويحلفه أن الأمر جرى كذلك ويحكم بالرد على البائع الغائب ويبقى الثمن دينا عليه ويأخذ المبيع ويضعه عند عدل ويقضي الدين من مال الغائب فإن لم يجد له سوى المبيع باعه فيه ولا ينافي ذلك ما ذكره الشيخان في باب المبيع قبل القبض عن صاحب التتمة وأقراه أن للمشتري بعد فسخه بالعيب حبس البيع إلى استرجاع ثمنه من البائع لأن القاضي ليس بخصم فيؤمن بخلاف البائع ( وعليه ) أي المشتري ( إشهاد ) لعدلين أو عدل ( بفسخ في طريقه ) إلى المردود عليه أو حاكم ( أو ) حال ( توكيله أو عذره ) كمرض وغيبة عن بلد المردود عليه وخوف من عدو وقد عجز عن التوكيل في الثلاث وعن المضي إلى المردود عليه والرفع إلى الحاكم أيضا في الغيبة احتياطا ولأن الترك يؤذن بالإعراض وقولي أو توكيله أو عذر من زيادتي ( فإن عجز ) عن الإشهاد بالفسخ ( لم يلزمه تلفظ به ) أي بالفسخ إذ يبعد لزومه من غير سامع فيؤخره إلى أن يأتي به عند المردود عليه أو الحاكم ( و ) عليه ( ترك استعمال لا ) ترك ( ركوب ما عسر سوقه وقوده ) فلو علم العيب وهو راكب فاستدامه فكابتدائه بخلاف ما لو علم عيب الثوب في الطريق وهو لابسه لا يلزم نزعه لأنه غير معهود
وقال الأسنوي ويتعين تصويره في ذوي الهيئات ومثله النزول عن الدابة انتهى
( فلو استخدم رقيقا ) كقوله اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب ( أو ترك على دابة سرجا أو إكافا ) بكسر الهمزة أشهر من ضمها وهو ما تحت البرذعة وقيل نفسها وقيل ما فوقها ( فلا رد ولا أرش ) لإشعار ذلك بالرضا بالعيب بخلاف ترك نحو لجام ( ولو حدث عنده عيب ) واطلع على عيب قديم ( سقط الرد القهري ) لإضراره بالبائع ( ثم إن رضي به ) أي بالعيب ( البائع رده عليه ) المشتري بلا أرش للحادث ( أو قنع به ) بلا أرش للقديم ( وإلا ) أي وإن لم يرض به البائع ( فإن اتفقا ) بقيد زدته بقولي ( في غير الربوي ) السابق ( على فسخ أو إجازة مع أرش ) للحادث أو القديم بأن يغرم المشتري للبائع أرش الحادث ويفسخ أو يغرم البائع للمشتري أرش القديم ولا يفسخ فذاك ظاهر ( وإلا ) بأن طلب أحدهما الفسخ مع أرش الحادث والآخر الإجازة مع أرش القديم ( أجيب طالبها ) سواء أكان الطالب المشتري أم البائع لما فيه من تقرير العقد
أما الربوي فيتعين فيه الفسخ مع أرش الحادث ( وعليه ) أي المشتري ( إعلام بائع فورا بالحادث ) مع القديم ليختار ما تقدم من أخذ المبيع أو تركه أوإعطاء الأرش ( فإن أخر ) إعلامه ( بلا عذر فلا رد ) له به ( ولا أرش ) منه لإشعار
____________________
(1/297)
التأخير بالرضا به نعم لو كان الحادث قريب الزوال غالبا كرمد وحمى عذر على أحد قولين في انتظار زواله ليرد المبيع سالما من الحادث وهذاما جزم به في الأنوار وقد يؤخذ من كلام الشرح الصغير ترجيح المنع ولو زال الحادث قبل علمه بالقديم فله الرد أو بعد اخد أرش القديم أو قبله بعد القضاء بالأرش فلا رد ولو تراضيا بغير قضاء فله الرد ولو زال القديم قبل أخد أرشه لم يأخذه أو بعد أخذه رده ( ولو حدث عيب لا يعرف القديم بدونه ككسر بيض نعام وجوز وتقوير بطيخ ) بكسر الباء أشهر من فتحها ( مدود بعضه ) بكسر الواو ( رد ) ما ذكر بالعيب القديم ( ولا أرش ) عليه للحادث لأنه معذور فيه والتقييد في البيض بالنعام وفي المدود بالبعض من زيادتي
وخرج بالأول بيض غير النعام فلا رد لتبين بطلان البيع لوروده على غير متقوم وبالثاني المدود كله فكذلك فإن أمكن معرفة القديم بأقل مما أحدثه كتقوير بطيخ حامض يمكن معرفة حموضته بغرز شيء فيه وكتقوير كبير يستغنى عنه بصغير سقط الرد القهري كسائر العيوب الحادثة ( وليرد مع المصراة المأكولة صاع تمر ) بدل اللبن المحلوب ( وإن قل اللبن ) لخبر الصحيحين السابق وإن اشتراها بصاع أو أقل أو ردها بعيب آخر هذا ( إن لم يتفقا على ) رد ( غير الصاع ) من اللبن أو غيره سواء أتلف اللبن أم لا بخلاف ما إذا لم تحلب أو اتفقا على الرد وتعبيري بذلك أعم وأولى مما عبر به
والعبرة في التمر بالمتوسط من تمر البلد فإن فقد فقيمته بأقرب بلد التمر إليه
وقيل بالمدينة الشريفة وعلى نقله عن الماوردي اقتصر في الروضة كأصلها وعلى مقتضاه جريت في شرح البهجة الكبير والماوردي لم يرجح شيئا بل حكى الوجهين بلا ترجيح
قال السبكي وغيره والأول أصح أخذا من كلام الشافعي ثم العبرة بقيمته وقت الرد وخرج بالمأكولة غيرها كأمة وأتان فلا يرد معهما شيئا لأن لبن الأمة لا يعتاض عنه غالبا ولبن الأتان نجس أما رد غير المصراة بعد الحلب فكالمصراة على كلام ذكرته في شرح الروض ( فروع ) ( لا يرد ) قهرا ( بعيب بعض ما بيع صفقة ) وإن لم ينقص البعض برده فلو اشترى عبدين معيبين أو سليما ومعيبا صفقة فليس له رد أحدهما قهرا لما فيه من تفريق الصفقة وله ردهما لانتفاء ذلك فعلم أن له رد البعض فيما إذا تعددت الصفقة بتعدد البائع أو المشتري أو بتفصيل الثمن وأنه لا رد إن لم تتعدد فيما لا ينقص بالتبعيض كالحبوب وهو ما اقتضاه كلام ابن المقري وغيره من وجهين أطلقهما في الروضة كأصلها وأما نصه في الأم والبويطي على
____________________
(1/298)
جواز ذلك فمحمول على تراضي المتعاقدين به وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بعبدين ( ولو اختلفا في قدم عيب ) يمكن حدوثه ( حلف بائع ) فيصدق لموافقته للأصل من استمرار العقد وإنما حلف لاحتمال صدق المشتري نعم لو ادعى قدم عيبين فأقر البائع بقدم أحدهما وادعى حدوث الآخر فالمصدق المشتري بيمينه لأن الرد ثبت بإقرار البائع بأحدهما فلا يبطل بالشك ويحلف ( كجوابه ) على القاعدة الآتية في كتاب الدعوى والبينات فإن قال في جوابه ليس له الرد علي بالعيب الذي ذكره أو لا يلزمني قبوله أو ما أقبضته وبه هذا العيب أو ما أقبضته إلا سليما من العيب حلف على ذلك ليطابق الحلف الجواب ولا يكلف في الأولين التعرض لعدم العيب وقت القبض لجواز أن يكون المشتري علم الغيب ورضي به ولو نطق البائع بذلك كلف البينة عليه
ولا يكفي في الجواب والحلف ما علمت به هذا العيب عندي وله الحلف على البت اعتمادا على ظاهر السلامة إذا لم يعلم أو يظن خلافه وتصديقه فيما ذكر بالنسبة لمنع الرد لا لتغريم أرش فلو حلف ثم جرى فسخ بتحالف فطالب بأرش الحادث لم يجب إليه لأن يمينه وإن صلحت للدفع عنه لا تصلح لشغل ذمة المشتري بل للمشتري أن يحلف الآن أنه ليس بحادث كما في الوسيط تبعا للقاضي والإمام فإن لم يمكن حدوث العيب عند المشتري كشين الشجة المندملة والبيع أمس صدق المشتري بلا يمين ولو لم يمكن تقدمه كجرح طري والبيع والقبض من سنة صدق البائع بلا يمين ( وزيادة ) في المبيع أو الثمن ( متصلة كسمن ) وتعلم صنعة وكبر شجرة ( تتبعه ) في الرد إذ لا يمكن إفرادها ( كحمل قارن بيعا فإنه يتبع أمه في الرد وإن انفصل إن كان له الرد بأن تنقص أمه بالولادة أو كان جاهلا بالحمل وذلك بناء على أن الحمل يعلم ويقابل بقسط من الثمن فإن نقصت بها وكان عالما بالحمل لم يردها بل له الأرش كما علم مما مر وخرج بالمقارن الحادث في ملك المشتري فلا يتبع في الرد بل هو له يأخذه إذا انفصل ( و ) زيادة ( منفصلة كولد وأجرة ) وثمرة ( لا تمنع ردا ) بالعيب عملا بمقتضى العيب نعم ولد الأمة الذي لم يميز يمنع الرد لحرمة التفريق بينهما كما مر في باب المناهي ( كاستخدام ) للمبيع من مشتر أو غيره أو للثمن من بائع أو غيره ( ووطء ) بغير زنا منها قبل القبض أو بعده فإنهما لا يمنعان الرد ( وهي ) أي الزيادة المنفصلة ( لمن حدثت في ملكه ) من مشتر أو بائع وإن رد قبل القبض لأنها فرع ملكه ولأن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله وتعبيري بذلك أعم من قوله للمشتري ( وزوال بكارة ) للأمة المبيعة من مشتر أو غيره ولو بوثبة فهو أعم من قوله وافتضاض البكر ( عيب ) بها فإن حدث بعد قبضها ولم يستند لسبب متقدم جهله المشتري منع الرد أو
____________________
(1/299)
قبله فإن كان من المشتري فلا رد له بالعيب واستقر عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها فإن قبضها لزمه الثمن بكماله وإن تلفت قبل قبضها لزمه قدر النقص من الثمن أو إن كان من غيره وأجاز هو البيع فله الرد بالعيب ثم إن كان زوالها من البائع أو بآفة أو بزواج سابق فهدر أو من أجنبي فعليه الأرش إن زالت بلا وطء أو بوطء زنا منها وإلا لزمه مهر بكر مثلها بلا إفراد أرش ويكون للمشتري لكنه إن رد بالعيب سقط منه قدر الأرش للبائع وما ذكر من وجوب مهر بكر هنا لا يخالف ما في الغصب والديات من وجوب مهر ثبت وأرش بكارة لأن ملك المالك هنا ضعيف فلا يحتمل شيئين بخلافه ثم ولهذا لم يفرقوا ثم بين الحرة والأمة ولا ما في آخر البيوع المنهى عنها في المبيعة بيعا فاسدا من وجوب مهر بكر وأرش لوجود العقد المختلف في حصول الملك به ثم كما في النكاح الفاسد بخلافه فيما ذكر
باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده والتصرف في ماله تحت يد غيره مع ما يتعلق بهما ( المبيع قبل قبضه من ضمان بائع ) بمعنى انفساخ البيع أو إتلاف بائع وثبوت الخيار بتعيبه أو تعيب بائع أو أجنبي وبإتلاف أجنبي كما يأتي ( وإن أبرأه ) منه ( مشتر ) لأنه إبراء عما لم يجب ( فإن تلف ) بآفة ( أو أتلفه بائع انفسخ ) البيع لتعذر قبضه فيسقط الثمن عن المشتري وينتقل الملك في المبيع للبائع قبيل التلف وكالتلف وقوع درة في بحر وانفلات طير أو صيد متوحش وانقلاب العصير خمرا واختلاط متقوم بآخر ولم يتميز
أما غصب المبيع إو إباقة أو جحد البائع له فمثبت للخيار وأما غرق الأرض أو وقوع صخرة عليها لا يمكن رفعها فرجح الشيخان هنا أنه تعيب وفي الإجارة أنه تلف والفرق لائح ( وإتلاف مشتر ) له بغير حق ( قبض ) له ( وإن جهل ) أنه المبيع كأكل المالك طعامه المغصوب ضيفا للغاصب ولو جاهلا بأنه طعامه فإن الغاصب يبرأ بذلك أما إتلافه له بحق كصيال وقود وكردة والمشتري الإمام فليس بقبض وفي معنى إتلافه ما لو اشترى أمة فأحبلها أبوه وما لو اشترى السيد من مكاتبه أو الوارث من مورثه شيئا ثم عجز المكاتب أو مات المورث ( وخير ) مشتر ( بإتلاف أجنبي ) بين الإجارة والفسخ لفوات غرضه في العين ( فإن أجاز ) البيع ( غرمه ) البدل ( أو فسخ البائع ) إياه فلا ينفسخ البيع بإتلاف الأجنبي لقيام البدل مقام المبيع وهذا الخيار على التراخي كما اقتضاه كلام القفال لكن نظر فيه القاضي
وإتلاف أعجمي وغير مميز بأمر غيرهما كإتلافه ومحل الخيار في غير الربوي وفيما إذا كان
____________________
(1/300)
الأجنبي أهلا للالتزام ولم يكن إتلافه بحق وإلا فينفسخ البيع ( ولو تعيب ) المبيع بآفة قبل قبضه ( أو عيبه بائع فرضيه ) مشتر ) فيهما ( أو عيبه مشتر أخذه بالثمن ) ولا أرش لقدرته على الفسخ في الأولين وحصول العيب بفعله في الثالثة ( أو ) عيبه ( أجنبي ) أهل للالتزام بغير حق ( خير المشتري ) بين الإجازة والفسخ ( فإن أجاز ) البيع ( وقبض ) المبيع ( غرمه الأرش ) وإن فسخ غرمه البائع إياه وخرج بزيادتي وقبض ما لو أجاز ولم يقبض فلا تغريم لجواز تلفه فينفسخ البيع والمراد بالأرش في الرقيق ما يأتي في الديات وفي غيره ما نقص من قيمته ففي يد الرقيق نصف قيمته لا ما نقص منها ( ولا يصح تصرف ولو مع بائع بنحو بيع ورهن ) كهبة وكتابة وإجارة ( فيما لم يقبض وضمن بعقد ) كمبيع وثمن وصداق معينات للنهي عن بيع المبيع قبل قبضه في الصحيحين وغيرهما ولضعف الملك ومحل منع بيع المبيع أو الثمن من البائع أو المشتري إذا لم يكن بعين المقابل أو بمثله إن تلف أو كان في الذمة وإلا فهو إقالة بلفظ البيع فيصح ومحل منع رهنه منه إذا رهن بالمقابل وكان له حق الحبس وإلا جاز على الأصح المنصوص ( ويصح ) تصرف فيه ( بنحو إعتاق ووصية ) كإيلاد وتدبير وتزويج ووقف وقسمة وإباحة طعام للفقراء اشتراه جزافا لتشوف الشارع إلى العتق ولعدم توقفه على القدرة بدليل صحة إعتاق الآبق ويكون به المشتري قابضا وفي معناه البقية لكن لا يكون قابضا بالوصية ولا بالتدبير ولا بالتزويج ولا بالقسمة ولا بإباحة الطعام للفقراء إن لم يقبضوه ولا يجوز إعتاقه على مال ولا عن كفارة الغير
ولم يذكروا لذلك قاعدة وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بما ذكره ( وله تصرف فيما له بيد غيره مما لا يضمن بعقد كوديعة ) وقراض مرهون بعد انفكاكه وموروث كان للمورث تصرف فيه وباق بيد وليه بعد رشده ( ومأخوذ بسوم ) وهو ما يأخذه من يريد الشراء ليتأمله أيعجبه أم لا ومعاد مملوك بفسخ لتمام الملك في المذكورات ومحله في المملوك بفسخ بعد رد ثمنه لمشتريه وإلا فلا يصح بيعه لأن له حبسه إلى استرداد الثمن ولو اكترى صباغا أو قصارا لعمل في ثوب وسلمه فليس له تصرف فيه قبل العمل وكذا بعده إن لم يكن سلم الأجرة وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به ( وصح استبدال ولو في صلح عن دين غير مثمن ) بقيد زدته بقولي ( بغير دين ) كثمن في الذمة ودين ( قرض وإتلاف ) لخبر ابن عمر كنت أبيع الإبل بالدنانير وآخد مكانها الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء
رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم على شرط مسلم والثمن النقد فإن لم يكن أو كانا نقدين فهو ما اتصلت به الباء والمثمن مقابله أما الدين المثمن كالمسلم فيه فلا يصح استبداله بما لا يضمن
____________________
(1/301)
إقالة لعدم استقراره فإنه معرض بانقطاعه للانفساخ والفسخ
ولأن عينه تقصد بخلاف الثمن المذكور ونحوه وتعبيري بالمثمن وبدين الإتلاف أعم من تعبيره بالمسلم فيه وبقيمة المتلف ( كبيعه ) أي الدين غير المثمن ( لغير من هو ) ( عليه ) بغير دين ( كأن باع ) لعمرو ( مائة له على زيد بمائة ) فإنه صحيح كما رجحه في الروضة هنا وفي أصلها آخر الخلع كبيعه ممن هو عليه وهو الاستبدال السابق
ورجح في الأصل البطلان لعجزه عن تسليمه والأول محكي عن النص واختاره السبكي قال ابن الرفعة ويشترط كون المديون مليئا مقرا وأن يكون الدين حالا مستقرا
( وشرط ) لكل من الاستبدال وبيع الدين لغير من هو عليه ( في متفقي علة الربا ) كدراهم عن دنانير أو عكسه ( قبض ) للبدل في الأول وللعوضين في الثاني ( في المجلس ) حذرا من الربا فلا يشترط تعيين ذلك في العقد كما لو تصارفا في الذمة ( و ) شرط ( في غيرهما ) أي غير متفقي علة الربا كثوب عن دراهم ( تعيين ) لذلك ( فيه ) أي في المجلس ( فقط ) أي لا قبضه فيه كما لو باع ثوبا بدراهم في الذمة لا يشترط قبض الثوب في المجلس وهذا مقتضى كلام الأكثرين في بيع الدين لغير من هو عليه وبه صرح ابن الصباغ وإطلاق الشيخين كالبغوي اشتراط القبض فيه محمول على متفقي علة الربا وخرج بغير دين فيما ذكر الدين أي الثابت قبل كأن استبدل عن دينه دينا آخرا أو كان لهما دينان على ثالث فباع أحدهما الآخر دينه بدينه فلا يصح سواء اتحد الجنس أم لا للنهي عن بيع الكالىء بالكالىء رواه الحاكم
وقال على شرط مسلم وفسر ببيع الدين بالدين كما ورد التصريح به في رواية البيهقي والتصريح باشتراط التعيين في غير الصلح من زيادتي ولا يجوز استبدال المؤجل عن الحال ويجوز عكسه وكأن صاحب المؤجل عجله ( وقبض غير منقول ) من أرض وضياع وشجر وثمرة مبيعة عليها قبل أوان الجذاذ فتعبيري بذلك أعم من قوله وقبض العقار ( بتخليته لمشتر ) بأن يمكنه من البائع ويسلمه المفتاح ( وتفريغه من متاع غيره ) أي غير المشتري نظرا للعرف في ذلك لعدم ما يضبطه شرعا أو لغة فإن جمع الأمتعة التي في الدار المبيعة بمحل منها وخلى بين المشتري وبينها فما سوى المحل مقبوض فإن نقل الأمتعة منه إلى محل آخر صار قابضا للجملة وتعبيري بمتاع غيره أولى من تعبيره بأمتعة البائع ( و ) قبض ( منقول ) من سفينة أو حيوان أو غيرها ( بنقله ) مع تفريغ السفينة المشحونة بالأمتعة نظرا للعرف فيه
وروى الشيخان عن ابن عمر كنا نشتري الطعام جزافا فنهانا رسول لله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله وقيس بالطعام غيره هذا إن نقله ( لما ) أي لحيز ( لا يختص بائع به ) كشارع أو دار للمشتري ( أو ) يختص به لكن نقله ( بإذنه ) في النقل للقبض ( فيكون ) مع حصول القبض به ( معيرا له ) أي للحيز الذي أذن في النقل إليه للقبض
____________________
(1/302)
فإن لم يأذن إلا في النقل لم يحصل القبض المفيد للتصرف وإن حصل لضمان اليد ولا يكون معيرا للحيز وكنقلة بإذنه نقله إلى متاع مملوك له أو معار في حيز يختص البائع به قاله القاضي ويمكن دخوله في قولي ما لا يختص بائع به لصدقه بالمتاع فإن كان المنقول خفيفا فقبضه بتناوله باليد ووضع البائع المبيع بين يدي المشتري قبض نعم إن وضعه بغير أمره فخرج مستحقا لم يضمنه وقبض الجزء الشائع بقبض الجميع والزائد أمانة بيد القابض ( وشرط في غائب ) عن محل العقد مع إذن البائع في القبض إن كان له حق الحبس ( مضى زمن يمكن فيه قبضه ) بأن يمكن فيه المضي إليه والنقل في المنقول والتخلية والتفريغ في غيره لأن الحضور الذي كنا نوجبه لولا المشقة لا يتأتى إلا بهذا الزمن فلما أسقطناه لمعنى ليس موجودا في الزمن بقي اعتبار الزمن نعم إن كان المبيع بيد غير المشتري اشترط نقله أو تخليته أيضا وتعبيري بما ذكر أولى من قوله يمكن فيه المضي إليه فإن كان المبيع حاضرا منقولا أو غيره ولا أمتعة فيه لغير المشتري وهو بيده اعتبر في قبضه مضى زمن يمكن فيه النقل أو التخلية ولا يحتاج فيه إلى إذن البائع إلا إن كان له حق الحبس هذا كله فيما بيع بلا تقدير بكيل أو غيره فإن بيع بتقدير فسيأتي وشرط في المقبوض كونه مرئيا للقابض وإلا فكالبيع كما نقله الزركشي عن الإمام
( فروع ) ( له ) أي المشتري ( استقلال بقبض ) للمبيع ( إن كان الثمن مؤجلا ) وإن حل ( أو ) كان حالا كله أو بعضه و ( سلم الحال ) لمستحقه فإن لم يسلمه بأن لم يسلم شيئا منه أو سلم بعضه لم يستقل بقبضه فإن استقل به لزمه رده لأن البائع يستحق حبسه ولا ينفذ تصرفه فيه لكنه يدخل في ضمانه ليطالب به إن خرج مستحقا وليستقر ثمنه عليه وقولي أو سلم الحال أولى من قوله أو سلمه أي الثمن ( وشرط في قبض ما بيع مقدرا مع ما مر نحو ذرع ) بإعجام الذال من كيل ووزن وعد بأن بيع ذرعا إن كان يذرع أو وكيلا إن كان يكال أو وزنا إن كان يوزن أو عدا إن كان يعد والأصل في ذلك خبر مسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله دل على أنه لا يحصل فيه القبض إلا بالكيل مثاله بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم أو بعتكها بعشرة على أنها عشرة آصع ثم إن اتفقا على كيال مثلا فذاك وإلا نصب الحاكم أمينا يتولاه فلو قبض ما ذكر جزافا لم يصح القبض لكن يدخل المقبوض في ضمانه ( ولو كان له ) أي لبكر ( طعام ) مثلا ( مقدر على زيد ) كعشرة آصع ( ولعمرو عليه مثله فليكتل لنفسه ) من زيد ( ثم ) يكتل ( لعمرو ) ليكون القبض والإقباض صحيحين
( ويكفي استدامته في ) نحو ( المكيال ) هذا من زيادتي ( فلو قال ) بكر لعمرة ( اقبض منه ) أي من زيد ( مالي عليه لك ففعل فسد القبض )
____________________
(1/303)
بقيد زدته بقولي ( له ) لاتحاد القابض والمقبض وما قبضه مضمون عليه ولا يلزمه رده لدافعه بل يقبله المقبوض له للقابض وأما قبضه لبكر فصحيح تبرأ به ذمة زيد لإذنه في القبض منه ( ولكل ) من العاقدين بثمن معين أو في الذمة وهو حال ( حبس عوضه حتى يقبض مقابلة إن خاف فوته ) بهرب أو غيره وهذا أعم من قوله وللبائع حبس مبيعه حتى يقبض ثمنه لما في إجباره على تسليم عوضه قبل قبضه مقابلة حينئذ من الضرر الظاهر ( وإلا ) بأن لم يحف فوته ( فإن تنازعا ) في الابتداء بالتسليم فقال كل منهما لا أسلم عوضي حتى يسلمني عوضه ( أجبرا ) بإلزام الحاكم كلا منهما بإحضار عوضه إليه أو إلى عدل فإذا فعل سلم الثمن للبائع والمبيع للمشتري يبدأ بأيهما شاء هذا ( إن عين الثمن ) كالمبيع ( وإلا ) بأن كان في الذمة ( فبائع ) يجبر على الابتداء بالتسليم لرضاه يتعلق حقه بالذمة ( فإذا أسلم ) بإجبار أو بدونه ( أجبر مشتر ) على تسليمه ( إن حضر الثمن ) مجلس العقد ( وإلا فإن أعسر ) به ( فلبائع فسخ ) بالفلس وأخذ المبيع بشرط حجر الحاكم كما سيأتي في بابه ( أو أيسر فإن لم يكن ماله بمسافة قصر حجر عليه في أمواله ) كلها ( حتى يسلم ) الثمن لئلا يتصرف فيها بما يبطل حق البائع ( وإلا ) بأن كان ماله بمسافة قصر ( فلبائع فسخ )
وأخذ المبيع لتعذر تحصيل الثمن كالإفلاس به فلا يكلف الصبر إلا إحضار المال لتضرره بذلك ( فإن صبر ) إلى إحضاره ( فالحجر ) يضرب على المشتري في أمواله لما مر ومحل الحجر في هذا وما قبله إذا لم يكن محجورا عليه بفلس وإلا فلا حجر أما الثمن المؤجل فليس للبائع حبس المبيع به لرضاه بتأخيره ولو حل قبل التسليم فلا حبس له أيضا
باب التولية أصلها تقليد العمل ثم استعملت فيما يأتي ( والإشراك ) مصدر أشركه أي صيره شريكا ( والمرابحة ) من الربح وهو الزيادة ( والمحاطة ) من الحط وهو النقص وذكرها في الترجمة من زيادتي لو ( قال مشتر لغيره ) من عالم بثمن ما اشتراه أو جاهل به وعلم به قبل قبوله كما يعلم ذلك مما يأتي ( وليتك ) هذا ( العقد فقبل ) كقوله قبلته أو توليته ( فهو بيع بالثمن الأول ) أي بمثله في المثلى وبقيمته في العرض مع ذكره وبه مطلقا بأن انتقل إليه ( وإن لم يذكر ) أي الثمن في
____________________
(1/304)
عقد التولية فيشترط فيها ما عدا ذكره من شروط البيع حتى علم المتعاقدين
ويثبت لها جميع أحكامه حتى الشفعة في شقص مشفوع عفا عنه الشفيع في العقد الأول ( ولو حط عنه ) أي عن المولى ( كله ) أي كل الثمن ( بعد لزوم تولية أو بعضه ) ولو بعد التولية ( انحط عن المتولي ) لأن خاصة التولية التنزيل على الثمن الأول وخرج بزيادتي كله بعد لزوم تولية ما لو حط كله قبل لزومها سواء أحط قبلها أم بعدها وقبل لزومها فلا تصح التولية لأنها حينئذ بيع بلا ثمن سواء في ذلك الحط من البائع أو وارثه أو وكيله
ومن اقتصر على البائع جرى على الغالب ( وإشراك ) في المشتري ( ببعض مبين كتولية ) في شرطها وحكمها كقوله أشركتك فيه بالنصف فيلزمه نصف مثل الثمن فإن قال أشركتك في النصف كان له الربع إلا أن يقول بنصف الثمن فيتعين النصف كما صرح به النووي في نكته فلو لم يبين البعض كقوله أشركتك في شيء منه لم يصح للجهل بالمبيع ( فلو أطلق ) الإشراك ( صح ) العقد ( مناصفة ) بينهما كما لو أقر بشيء لزيد وعمرو وقضية كلام كثير أنه لا يشترط ذكر العقد لكن قال الإمام وغيره يشترط ذكره بأن يقول أشركتك في بيع هذا أو في هذا العقد ولا يكفي أشركتك في هذا ونقله صاحب الأنوار وأقره وعليه أشركتك في هذا كناية ( وصح بيع مرابحة كبعت ) أي كقول من اشترى شيئا بمائة لغيره بعتك ( بما اشتريت ) أي بمثله ( وربح درهم لكل ) أو في كل ( عشرة أو ربح ده يازده ) هو بالفارسية بمعنى ما قبله فكأنه قال بمائة وعشرة فيقبله المخاطب وده اسم لعشر ويازده اسم لأحد عشر
( و ) صح بيع ( محاطة ) وتسمى مواضعه ( كبعت ) أي كقول من ذكر لغيره بعتك ( بما اشتريت وحط ده يازده ) فيقبل ( ويحط من كل أحد عشر واحد ) كما أن الربح في المرابحة واحد من أحد عشر ( ويدخل في بعت بما اشتريت ثمنه ) الذي استقر عليه العقد ( فقط ) وذلك صادق بما فيه حط عما عقد به العقد أو زيادة عليه في زمن خيار المجلس أو الشرط ( و ) يدخل في بعت ( بما قام على ثمنه ومؤن استرباح ) أي طلب الربح فيه ( كأجرة كيال ) للثمن المكيل ( ودلال ) للثمن المنادي عليه إلى أن اشترى به المبيع ( وحارس وقصار وقيمة صبغ ) للمبيع في الثلاثة وكأجرة جمال وختان ومكان وتطيين دار وكعلف زائد على المعتاد للتسمين وكأجرة طبيب إن اشتراه مريضا وخرج بمؤن الاسترباح مؤن استيفاء الملك كمؤنة حيوان فلا تدخل ويقع ذلك في مقابلة الفوائد المستوفاة من المبيع ( لا أجرة عمله ) ولا أجرة ( عمل متطوع به ) فلا تدخل لأن عمله وما تطوع به غيره لم يقم عليه وإنما قام عليه ما بذله وطريقه أن يقول بعتكه
____________________
(1/305)
بكذا وأجرة عملي أو عمل المتطوع عني هي كذا وربح كذا وفي معنى أجرة عمله أجرة مستحقة بملك أو غيره كمكتري ( وليعلما ) أي المتبايعان وجوبا ( ثمنه ) أي المبيع في نحو بعت بما اشتريت ( أو ما قام به ) في بعت بما قام علي فلو جهله أحدهما لم يصح المبيع في نحو بعت بما اشتريت ( أو قام به ) في بعت بما قام علي فلو جهله أحدهما لم يصح البيع ( وليصدق بائع ) وجوبا ( في إخباره ) بقدر ما استقر عليه العقد أو ما قام به المبيع عليه وبصفته كصحة وتكسير وخلوص وغش وبقدر أجل وبشراء بعرض قيمته كذا وبعيب حادث وقديم وإن اقتصر الأصل على الحادث وبغبن وشراء من موليه وبأنه اشتراه بدين من مماطل أو معسر إن كان البائع كذلك لأن المشتري يعتمد أمانته فيما يخبر به من ذلك لاعتماد نظره فيخبر مصادقا بذلك
ولأن الأغراض تختلف بذلك لأن الأجل يقابله قسط من الثمن والعرض يشدد في البيع به فوق ما يشدد في البيع بالنقد والعيب الحادث تنقص القيمة به عما كان حين شرائه واختلاف الغرض بالقديم وبالبقية ظاهر فلو ترك الإخبار بشيء من ذلك فالبيع صحيح لكن للمشتري الخيار لتدليس البائع عليه بترك ما وجب عليه وستأتي الإشارة إلى ذلك وإطلاقي الإخبار أولى من تقييده بما قال ( فلو أخبر ) بأنه اشتراه ( بمائه ) وباعه ومرابحة أي بما اشتراه وربح درهم لكل عشرة كما مر ( فبان ) أنه اشتراه ( بأقل ) بحجة أو إقرار ( سقط الزائد وربحه ) لكذبه ( ولا خيار ) بذلك لهما أما البائع فلتدليسه وأما المشتري وهو ما اقتصر عليه الأصل فلأنه إذا رضي بالأكثر فبالأقل أولى
( أو ) أخبر بمائة ( فأخبر ) ثانيا ( بأزيد وزعم غلطا ) في إخباره أولا بالنقص ( فإن صدقه ) المشتري ( صح ) ( البيع ) كما لو غلط بالزيادة ولا تثبت له الزيادة وله الخيار لا للمشتري ( وإلا ) بأن كذبه المشتري ( فإن لم يبين ) أي البائع ( لغلطه ) وجها ( محتملا ) بفتح الميم ( لم يقبل قوله ولا بينته ) إن أقامها عليه لتكذيب قوله الأول لهما ( وإلا ) بأن بين لغلطه وجها محتملا كقوله راجعت جريدتي فغلطت من ثمن متاع إلى غيره أو جاءني كتاب مزور من وكيلي أن الثمن كذا ( سمعت ) أي بينته بأن الثمن أزيد وقيل لا تسمع لتكذيب قوله الأول لها قال في المطلب وهذا هو المشهور في المذهب والمنصوص عليه ( وله تحليف مشتر فيهما ) أي فيما إذا لم يبين وما إذا بين ( أنه لا يعرف ) ذلك لأنه قد يقر عند عرض اليمين عليه فإن حلف أمضى العقد على ما حلف عليه وإن نكل عن اليمين ردت على البائع بناء على أن اليمين المردودة كالإقرار وهو الأظهر فيحلف أن ثمنه الأزيد وللمشتري الخيار حينئذ بين إمضاء العقد بما حلف عليه وبين فسخه قال في الروضة وأصلها كذا أطلقوه ومقتضى قولنا في أن اليمين المردودة كالإقرار أن يعود فيه ما ذكرنا في حالة التصديق أي فلا خيار للمشتري قال في الأنوار وهو الحق قال وما ذكراه من إطلاقهم غير مسلم فإن المتولي والإمام والغزالي أوردوا أنه كالتصديق
____________________
(1/306)
باب بيع ( الأصول ) وهي الشجر والأرض ( و ) بيع ( الثمار ) جمع ثمر جمع ثمرة مع ما يأتي ( يدخل في بيع أرض أو ساحة أو بقعة أو عرصة ) مطلقا ( لا في رهنها ما فيها من بناء وشجر وأصول بقل يجز ) مرة بعد أخرى ( أو تؤخذ ثمرته مرة بعد أخرى ) ولو بقيت أصوله دون سنتين خلافا لما يوهمه كلام الأصل فالأول ( كقت ) بمثناة وهو علف البهائم ويسمى بالقرط والرطبة والفصفصة بكسر الفاءين بالمهملتين والقضب بمعجمة وقيل بمهملة ونعناع ( و ) الثاني نحو ( بنفسج ) ونرجس وقثاء وبطيخ وذلك لأن هذه المذكورات للثبات والدوام في الأرض فتتبعها في البيع بخلاف رهنها لا يدخل فيه شيء من ذلك والفرق أن البيع قوي ينقل الملك فيستتبع بخلاف الرهن ويؤخذ منه أن جميع ما ينقل الملك من نحو هبة ووقف كالبيع وأن ما لا ينقله من نحو إقرار وعارية كالرهن ومن التعليل السابق تقييد الشجر بالرطب فيخرج اليابس وبه صرح ابن الرفعة وغيره تفقها وهو قياس ما يأتي من أن الشجرة لا تتناول غصنا يابسا وعلى دخول أصل البقل في البيع فكل من الثمرة والجذة الظاهرتين عند البيع للبائع فليشترط عليه قطعها لأنها تزيد ويشتبه المبيع بغيره سواء أبلغ ما ظهر أوان الجذ أم لا قال في التتمة إلا القصب الفارسي فلا يكلف قطعه إلا أن يكون ما ظهر قدرا ينتفع به وسكت عليه الشيخان وللسبكي فيه نظر ذكرته مع الجواب عنه في شرح الروض وقولي أو عرصة من زيادتي وعلم مما تقرر أن ما يؤخذ دفعة واحدة كبروجزر وفجل لا يدخله فيما ذكر لأنه ليس للثبات والدوام فهو كالمنقولات في الدار ( وخير مشتر في بيع أرض فيها زرع لا يدخل ) فيها ( إن جهله وتضرر ) به لتأخير انتفاعه بالأرض فإن علمه أو لم يتضرر به كأن تركه البائع له وعليه القبول أو قال أفرغ الأرض وقصر زمن التفريغ بحيث لا يقابل بأجرة فلا خيار له لانتفاء ضرره
وقولي وتضرر مع التصريح بلا يدخل من زيادتي ( وصح قبضها مشغولة ) بالزرع فتدخل في ضمان المشتري بالتخلية لوجود التسليم في عين المبيع وفارق نظيره في الأمتعة المشحونة بها الدار المبيعة حيث تمنع من قبضها بأن تفريغ الدار متأت في الحال بخلاف الأرض ( ولا أجرة له مدة بقائه ) أي الزرع لأنه رضي بتلف المنفعة تلك المدة فأشبه ما لو ابتاع دارا مشحونة بأمتعة لا أجرة له مدة التفريغ ويبقى ذلك إلى أوان الحصاد أو القلع نعم إن شرط القلع فأخر وجبت الأجرة لتركه الوفاء الواجب عليه وبما ذكر علم ما صرح به الأصل أنه يصح بيع الأرض مشغولة بما ذكر كما لو
____________________
(1/307)
باع دارا مشحونة بأمتعة ( وبذر ) بذال معجمة ( كنابته ) فدخل في بيع الأرض بذر ما يدخل فيها دون بذر مالا يدخل فيها
وخير المشتري إن جهله وتضرر به وصح قبضها مشغولة به ولا أجرة له مدة بقائه ( ولو باع أرضا مع بذر أو زرع لا يفرد ببيع ) كبر لم يرد كأن يكون في سنبله ( بطل ) البيع ( في الجميع ) للجهل بأحد المقصودين وتعذر التوزيع نعم إن دخل فيها عند الإطلاق بأن كان دائم النبات صح البيع في الكل وكان ذكره تأكيدا كما قاله المتولي وغيره وإن فرضوه في البذر واستشكل فيما إذا لم يره قبل البيع ببيع الجارية مع حملها ويجاب بأن الحمل غير متحقق الوجود بخلاف ما هنا فاغتفر فيه ما لا يغتفر في الحمل ( ويدخل في بيعها ) أي الأرض ( حجارة ثابتة فيها ) مخلوقة كانت أو مبنية لأنها من أجزاءها وقولي ثابتة أعم من قوله مخلوقة ( لا مدفونة ) فيها كالكنوز فلا تدخل فيها كبيع دار فيها أمتعة ( وخير مشتر إن جهل ) الحال ( وضر قلعها ولم يتركها له بائع ) ضر تركها أولا ( أو ) تركها له و ( ضر تركها ) لوجود الضرر
وقولي ولم يتركها إلى آخره من زيادتي ( وإلا ) إن علم الحال أو جهله ولم يضر قلعها أو تركها له البائع ولم يضر تركها ( فلا ) خيار له لعلمه بالحال في الأولى وانتفاء الضرر في الباقي نعم إن علم بها وجهل ضرر قلعها أو ضرر تركها وكان لا يزول بالقلع فله الخيار كما صرح به الشيخان في الأولى والمتولي في الثانية ( وعلى بائع ) حينئذ ( تفريغ ) للأرض من الحجارة بأن يقلعها وينقلها منها ( وتسوية ) للحفر الحاصلة بالقلع قال في المطلب بأن يعيد التراب المزال بالقلع من فوق الحجارة مكانه أي وإن لم يستو وذكر التسوية فيما إذا علم المشتري أو لم يضر القلع من زيادتي ( وكذا ) عليه ( أجرة ) مثل ( مدة التفريغ ) الواقع ( بعد قبض ) لا قبله ( حيث خير مشتر ) لأن التفريغ المفوت للمنفعة مدته جناية من البائع وهي مضمونة عليه بعد القبض لا قبله قال البلقيني فلو باع البائع الأحجار بطريقه فهل يحل المشتري محل البائع أو تلزمه الأجرة مطلقا لأنه أجنبي عن البيع لم أقف فيه على نقل والأصح الثاني فإن لم يخير فلا أجرة له وإن طالت مدة التفريغ ولو بعد القبض وكلزوم الأجرة لزوم الأرش لو بقي في الأرض بعد التسوية عيب بها قاله الشيخان واستبعده السبكي وتعبيري بالتفريغ أولى من تعبيره بالنقل ( ويدخل في بيع بستان وقرية أرض وشجر وبناء فيهما ) لثباتها لا مزارع حولهما لأنها ليست منهما ( و ) يدخل في بيع ( دار هذه ) الثلاثة أي الأرض والشجر والبناء التي فيها حتى
____________________
(1/308)
حمامها ( ومثبت فيها للبقاء وتابع له ) أي للمثبت ( كأبواب منصوبة لا مقلوعة ( وحلقها ) بفتح الحاء وإغلاقها المثبتة ( وإجانات ) بكسر الهمزة وتشديد الجيم ما يغسل فيها ( ورف وسلم ) بفتح اللام ( مثبتات ) أي الإجانات والرف والسلم ( وحجري رحى ) الأعلى والأسفل المثبت و ( مفتاح غلق مثبت ) وبئر ماء نعم الماء الحاصل فيها لا يدخل بل لا يصح البيع إلا بشرط دخوله وإلا اختلط ماء المشتري بماء البائع وانفسخ البيع
وذكر دخول شجر القرية والدار مع تقييد الإجابات بالإثبات من زيادتي ( لا منقول كدلو وبكرة ) بفتح الكاف وإسكانها مفرد بكر بفتحها ( وسرير ) وحمام خشب فلا يدخل في بيع الدار لأن اسمها لا يتناولها ( و ) يدخل ( في ) بيع ( دابة نعلها ) لاتصاله بها إلا أن يكون من نحو فضة كبرة البعير ( لا ) في بيع ( رقيق ) عبد أو أمة ( ثبابه ) وإن كانت ساترة العورة فلا تدخل كما لا يدخل سرج الدابة في بيعها ( و ) يدخل ( في ) بيع ( شجرة ) بقيد زدته بقولي ( رطبة ) ولو مع الأرض بالتصريح أو تبعا ( أغصانها الرطبة وورقها ) ولو يابسا أو ورق توت مطلقا كان البيع أو بشرط قلع أو قطع أو إبقاء لأن ذلك يعد منها بخلاف أغصانها اليابسة لا تدخل في بيعها لأن العادة فيها القطع كالثمرة ( وكذا ) تدخل في ( عروقها ) ولو يابسة بقيد زدته بقولي ( إن لم يشترط قطع ) وإلا فلا تدخل عملا بالشرط ( لا مغرسها ) بكسر الراء أي موضع غرسها فلا يدخل في بيعها لأن اسمها لا يتناولها ( و ) لكن المشتري ( ينتفع به ما بقيت ) أي الشجرة تبعا لها ( ولو أطلق بيع ) شجرة ( يابسة لزم مشتريها قلعها ) للعادة فلو شرط قلعها أو قطعها
لزم الوفاء به أو بقاؤها بطل البيع
وبما تقرر علم أن بيع الشجرة اليابسة يدخل فيه أغصانها وورقها مطلقا وعروقها إن أطلق أو شرط القلع وأن المشتري لا ينتفع بمغرسها ( وثمرة شجر ) هو أعم من قوله نخل ( مبيع إن شرطت لأحدهما ) أي المتبايعين ( ف ) هي ( له ) عملا بالشرط ظهرت الثمرة أم لا ( وإلا ) بأن سكت عن شرطها لواحدة منهما ( فإن ظهر ) منها ( شيء ) بتأبر في ثمرة نخل أو بدونه في ثمرة لا نور لها كتوت أو لها نور وتناثر كمشمش ( فهي ) كلها ( لبائع ) كما في ظهوركلها المفهوم بالأولى ولعسر إفراد المشاركة ( وإلا ) بأن لم يكن ظهور بالوجه المذكور ( ف ) هي كلها ( لمشتر ) لما مر
ولخبر الصحيحين من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع وقيس بما فيه غيره ومفهومه أنها إذا لم تؤبر تكون الثمرة للمشتري إلا أن يشرطها البائع وكونها في الأول للبائع صادق بأن تشترط له أو يسكت عن ذلك وكونها في الثاني للمشتري وصادق بمثل ذلك وألحق تأبير بعضها تأبير كلها بتبعية غير المؤبر للمؤبر لما في تتبع ذلك من العسر والتأبير ويسمى التلقيح وتشقيق طلع الإناث وذر طلع الذكور
____________________
(1/309)
فيه ليجيء رطبها أجود مما لم يؤبر والمراد هنا تشقق الطلع مطلقا ليشمل ما تأبر بنفسه وطلع الذكور والعادة الاكتفاء بتأبير البعض والباقي يتشقق بنفسه وينبث ريح الذكور إليه وقد لا يؤبر شيء ويتشقق الكل وحكمه كالمؤبر اعتبارا بظهور المقصود ( وإنما تكون ) أي الثمرة كلها فيما ذكر ( لبائع إن اتحد حمل وبستان وجنس وعقد وإلا ) بأن تعدد الحمل في العام غالبا كتين وورد أو اختلف شيء من البقية بأن اشترى في عقد بساتين من نخل مثلا أو نخلا وعنبا في بستان واحد أو في عقدين نخلا مثلا والظاهر من ذلك في إحداهما وغيره في الأخر ( فلكل ) من الظاهر وغيره ( حكمه ) للبائع وغيره للمشتري لانقطاع التبعية واختلاف زمن الظهور باختلاف ذلك وانتفاء عسر الإفراد بخلاف اختلاف النوع نعم لو باع نخلة وبقي ثمر هاله ثم خرج طلع آخر فإنه للبائع كما صرح به الشيخان قالا لأنه من ثمرة العام
قلت وإلحاقا للنادر بالأعم الأغلب واعلم أنهما سويا بين العنب والتين في حكمه السابق نقلا عن التهذيب توقفا فيه ولي بهما أسوة في التوقف في العنب ولهذا لم يذكره الروياني وغيره مع التين وهوالموافق للواقع من أنه لا يحمل في العام مرتين ولعل العنب نوعان نوع يحمل مرة ونوع يحمل مرتين وذكر حكم ظهور البعض في غير النخل مع ذكر اتحاد الحمل والجنس من زيادتي ( وإذا بقيت ثمرة له ) أي للبائع بشرط أو غيره كما مر ( فإن شرط قطعها لزمها وإلا ) بأن شرط الإبقاء أو أطلق ( فله تركها إليه ) أي إلى القطع أي زمنه للعادة وإذا جاء زمن الجذاذ لم يمكن من أخذ الثمرة على التدريج ولا من تأخيرها إلى نهاية النضج ولو كانت من نوع يعتاد قطعه قبل النضج كلف القطع على العادة ولو تعذر سقي الثمرة لانقطاع الماء وعظم ضرر الشجر بإبقائها فليس له إبقاؤها وكذا لو أصابها آفة ولا فائدة في تركها على أحد قولين أطلقهما الشيخان وإليه ميل ابن الرفعة
( ولكل ) من المتبايعين في الإبقاء ( سقي ) إن ( لم يضر الآخر ) وهذا أعم من قوله إن انتفع به شجر وثمر ( وإن ضرهما حرم إلا برضاهما ) لأن الحق لهما لا يعدوهما ( أو ) ضر ( أحدهما وتنازعا ) أي المتبايعان في السقي ( فسخ ) العقد أي فسخه الحاكم لتعذر إمضائه إلا بإضرار بأحدهما فإن سامح المتضرر فلا فسخ كما فهم من قولي وتنازعا وصرح به الأصل إيضاحا لأنه متى سامح المتضرر فلا منازعة ( ولو امتص ثمر رطوبة شجر لزم البائع قطع ) للثمر ( أو سقي ) للشجر دفعا لضرر المشتري
____________________
(1/310)
فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما ( جاز بيع ثمر إن بدا صلاحه ) وسيأتي تفسيره ( مطلقا ) أي من غير شرط ( وبشرط قطعه أو إبقائه ) لخبر الشيخين واللفظ لمسلم لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه أي فيجوز بعد بدوه وهو صادق بكل من الأحوال الثلاثة والمعنى الفارق بينهما أمن العاهة بعدة غالباوقبله تسرع إليه لضعفه فيفوت متلفه الثمن وبه يشعر قوله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه ( وإلا ) أي وإن لم يبد صلاحه ( فإن بيع وحده ) ( أي دون أصله ( لم يجز ) للخبر المذكور ( إلا بشرط قطعه ) فيجوز إجماعا بشروطه السابقة في البيع من كونه مرئيا منتفعا به إلى غير ذلك ( وإن كان أصله لمشتر ) فيجب شرط القطع لعموم الخبر والمعنى ( لكن لا يلزمه وفاء ) به في هذه إذ لا معنى لتكليفه قطع ثمره عن أصله على أنه صحح في الروضة في باب المساقاة صحة بيعه له بلا شرط لأنهما يحتمعان في ملك شخص واحد فأشبه ما لو اشتراهما معا ولو باع ثمرة على شجرة مقطوعة لم يجب شرط القطع لأنها لا تبقى عليها فيصير كشرط القطع ( أو ) بيع الثمر ( مع أصله ) بغير تفصيل ( جاز لا بشرط قطعه ) لأنه تابع للأصل وهو غير متعرض للعاهة أما بيعه بشرط قطعه فلا يجوز لما فيه من الحجر عليه في ملكه
وفارق جواز بيعه لمالك أصله بشرط قطعه بوجود التبعية هنا لشمول العقد لهما وانتفائها ثم فإن فصل كبعتك الأصل بدينار والثمرة بنصفه لم يصح بيع الثمرة إلا بشرط القطع لانتفاء التبعية وتعبيري بالأصل أعم من تعبيره بالشجر لشموله بيع البطيخ نحوه وإن خالف الإمام والغزالي حيث قالا بوجوب شرط القطع مطلقا في البطيخ ونحوه لتعرض أصله للعاهة
( وجاز بيع زرع ) ولو بقلا ( بالأوجه السابقة ) في الثمرة وباشتراط القلع كما يعلم مما يأتي ( إن بدا صلاحه وإلا ف ) يجوز بيعه ( مع أرضه أو بشرط قطعه ) كنظيره في الثمر ( أو قلعه ) لا مطلقا ولو بشرط إبقاءه
وتعبيري بالأوجه السابقة وببدو الصلاح أعم مما عبر به وعدم اشتراط القطع أو القلع في بيع بقل بدا صلاحه صرح به ابن الرفعة ناقلا له عن القاضي والماوردي وظاهر نص الأم وحمل إطلاق من أطلق كالأصل اشتراط ذلك في بيع الزرع الأخضر على ما لم يبد صلاحه وقولي أو قلعه من زيادتي وظاهر مما مر في الثمر أنه لا يجوز بيع الزرع مع الأرض بشرط القطع أو القلع ومما مر في البيع أنه لا يصح بيع حب مستتر في سنبلة الذي ليس من مصالحه وأنه لا يضركم لا يزال إلا لأكل وأن ماله كمان يصح بيعه
____________________
(1/311)
في الكم الأسفل دون الأعلى ( وبدو صلاح ما مر ) من ثمر وغيره ( بلوغه صفة يطلب فيها غالبا ) وعلامته في الثمر المأكول والمتلون أخذه في حمرة أو سواد أو صفرة كبلح عناب ومشمش وإجاص بكسر الهمزة وتشديد الجيم وفي غير المتلون منه كالعنب الأبيض لينه وتمويهه وهو صفاؤه وجريان الماء فيه وفي نحو القثاء إن تجنى غالبا للأكل وفي الزرع اشتداده بأن يتهيأ لما هو المقصود منه وفي الورد انفتاحه فتعبيري بما ذكر المأخود من الروضة كأصلها أعم وأولى من قوله ويبدو صلح الثمر ظهور مبادي النضج والحلاوة فيما لا يتلون وفي غيره بأن يأخذ في الحمرة أو السواد ( وبدو صلاح بعضه ) وإن قل ( كظهوره ) فيصح بيع كله من غير شرط القطع أن اتحد بستان وجنس وعقد وإلا فلكل حكمه فيشترط القطع فيما لم يبد صلاحه دون ما بدا صلاحه وتعبيري بما ذكر لإفادته الشرط المذكور أولى مما عبر به ( وعلى بائع ما بدا صلاحه ) من ثمر وغيره وأبقى ( سقيه ما بقي ) قبل التخلية وبعدها قدر ما ينمو به ويسلم من التلف والفساد لأن السقي من تتمة التسليم الواجب كالكيل في المكيل فلو شرط على المشتري بطل البيع لأنه خلاف قضيته وبما تقرر علم أن ذلك محله عند استحقاق المشتري الإبقاء فلو بيع بشرط القطع لم يلزم البائع السقي بعد التخلية ( ويتصرف ) فيه ( مشتريه ويدخل في ضمانه بعد تخلية ) وإن لم يشرط قطعه لحصول قبضه بها
وأما خبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح فمحمول على الندب وبما ذكر علم ما صرح به الأصل أنه لو اشترى ثمرا أو زرعا قبل بدو صلاحه بشرط قطعه ولم يقطع حتى هلك كان أولى بكونه من ضمانه مما لم يشرط قطعه بعد بدو صلاحه لتفريطه بترك القطع المشروط أما قبل التخلية فلا يتصرف فيه المشتري وهو من ضمان البائع كنظائره ( فلو تلف بترك سقي ) من البائع قبل التخلية أو بعدها ( انفسخ ) البيع وهذا من زيادتي ( أو تعيب به خير مشتر ) بين الفسخ والإجازة إن كانت الجائحة من ضمانه لأن الشرع ألزم البائع التنمية بالسقي فالتلف والتعييب بتركه كالتلف والتعييب قبل القبض ( ولا يصح بيع ما ) هو أعم من قوله ثمر ( يغلب ) تلاحقه و ( اختلاط حادثه بموجوده ) وإن بدا صلاحه ( كتين وقثاء ) وبطيخ لعدم القدرة على تسليمه ( إلا بشرط قطعه ) عند خوف الاختلاط فيصح البيع لزوال المحذور ويصح فيما لا يغلب اختلاطه بيعه مطلقا وبشرط قطعه أو إبقاءه كما مر ( فإن وقع اختلاط فيه ) هو من زيادتي ( أو فيما لا يغلب ) اختلاطه ( قبل تخلية ) سواء أندر وعليه اقتصر الأصل أم تساوى الأمران أم جهل الحال ( خير مشتر ) دفعا لضرر عنه ( إن لم يسمح له ) به ( بائع ) بهبة أو إعراض وإلا فلا خيار له لزوال المحذور وكلام الأصل
____________________
(1/312)
كالروضة وأصلها يقتضي تخيير المشتري أولا حتى يجوز له المبادرة بالفسخ فإن بادر البائع وسمح سقط خياره قال في المطلب وهو مخالف لنص الشافعي والأصحاب على أن الخيار للبائع أولا رجحه السبكي وكلامي ظاهر في الأول ويحتمل الثاني بمعنى أن المشتري يخير إن سأل البائع ليسمح له فلم يسمح وخرج بزيادتي قبل التخلية ما لو وقع الاختلاط بعدها فلا يخير المشتري بل إن توافقا على قدر فذاك وإلا صدق صاحب اليد بيمينه في قدر حق الآخر وهل اليد بعد التخلية للبائع أو للمشتري أولهما فيه أوجه وقضية كلام الرافعي ترجيح الثاني ( ولا يصح بيع بر في سنبله ب ( بر ( صاف ) من التبن ( وهو المحاقلة ولا ) بيع ( رطب على نخل بتمر وهو المزابنة ) للنهي عنهما في الصحيحين ولعدم العلم بالمماثلة فيهما
ولأن المقصود من المبيع في الحاقلة مستور بما ليس من صلاحه وهي مأخوذ من الحقل جمع حقلة وهي الساحة التي يرزع فيها سميت بذلك لتعلقها بزرع في حقله والمزابنة من الزبن وهو الدفع لكثرة الغبن فيها فيريد المغبون دفعه والغابن خلافه فيتدافعان
وفائدة ذكر هذين الحكمين تسميتهما بما ذكر وإلا فقد علما مما مر ( ورخص في ) بيع ( العرايا ) جمع عرية وهي ما يفردها مالكها للأكل لأنها عريت عن حكم جميع البستان ( وهي بيع رطب أو عنب على شجر خرصا ولو لأغنياء بتمر أو زبيب كيلا ) لأنه صلى الله عليه وسلم أرخص فيها في الرطب رواه الشيخان وقيس به العنب بجامع أن كلا منهما زكوي يمكن خرصه ويدخر يابسه وظاهر الخبر التسوية بين الفقراء والأغنياء ومما ورد مما ظاهره تخصيص ذلك بالفقراء ضعيف وبتقدير صحته فما ذكر فيه حكمة المشروعية ثم قد يعم الحكم كما في الرمل والاضطباع وكالرطب البسر بعد بدو صلاحه لأن الحاجة إليه كهي إلى الرطب ذكره الماوردي والروياني قيل ومثله الحصرم ورد بأن الحصرم لم يبد به صلاح العنب وبأن الخرص لا يدخله لأنه لم يتناه كبره بخلاف البسر فيهما وقولي خرصا من زيادتي ودخل بقولي كيلا ما لو باع ذلك بتمر أو زبيب على شجر كيلا بخلاف ما لو باعه به خرصا فتقييد الأصل كغيره بالأرض جرى على الغالب وإن فهم بعضهم أنها قيد معتبر فرتب عليه المنع في ذلك مطلقا ولهذا لم يقيد بها في الروضة وأصلها ومحل الرخصة ( فيما دون خمسة أو سق ) بتقدير الجفاف بمثله روى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق شك داود بن الحصين أحد رواته فأخذ الشافعي بالأقل في أظهر قوليه وظاهر أن محل الرخصة فيها إذا لم يتعلق بها حق الزكاة بأن كان الموجودون خمسة أوسق أو خرص على المالك أما ما زاد على ما دونها فلا يجوز فيه ذلك ( فإن زاد ) على ما دونها ( في صفقات ) كل منها دون خمسة أوسق ( جاز ) سواء أتعددت الصفقة بتعدد العقد أم بتعدد المشتري أم البائع
____________________
(1/313)
( وشرط ) في صحة بيع العرايا ( تقابض ) في المجلس لأنه بيع مطعوم ( بتسليم تمر أو زبيب ) كيلا ( وتخلية في شجر ) ومعلوم أنه لا بد من المماثلة فإن تلف الرطب أو العنب فذاك وإن جفف وظهر تفاوت بينه وبين التمر أو الزبيب فإن كان قدر ما يقع بين الكيلين لم يضر وإن كان أكثر فالعقد باطل وخرج بالرطب والعنب سائر الثمار كالجوز واللوز والمشمش لأنها متفرقة مستورة بالأوراق فلا يتأتى الخرص فيها وقولي أو زبيب من زيادتي ولهذا عبرت بشجر بدل تعبيره بنخل
باب الاختلاف في كيفية العقد هذا أعم من تعبيره باختلاف المتبايعين وكذا تعبيري بالعقد والعوض فيما يأتي أعم من تعبيره بالبيع والثمن والمبيع له ( اختلف مالكا أمر عقد ) من مالكين أو نائبيهما أو وارثيهما أو أحدهما ونائب لآخر أو أحدهما ووارثه أو نائب أحدهما ووارث الآخر ( في صفة عقد معاوضة وقد صح كقدر عوض ) من نحو مبيع أو ثمن ومدعي المشتري مثلا في المبيع أكثر أو البائع مثلا في الثمن أكثر ( أو جنسه ) كذهب أو فضة والتصريح به من زيادتي ( أو صفته ) كصحاح ومكسرة ( أو أجل أو قدر ) كشهر أو شهرين ( ولا بينة ) لأحدهما ( أو ) لكل منهما بنية و ( تعارضتا ) بأن لم تؤرخا بتاريخين وهو من زيادتي ( تحالفا ) ( وخرج بزيادتي ( غالبا ) مسائل منها ما لو اختلفا في ذلك بعد القبض مع الإقالة أو التلف أو في عين نحو المبيع والثمن معا فلا تحالف بل يحلف مدعي النقص في الأولى بشقيها لأنه غارم وكل منهما على نفي دعوى صاحبه في الثانية على الأصل
وعدلت عن قوله إذا اتفقا على صحة البيع إلى قولي وقد صح لأن الشرط وجود الصحة لا الاتفاق عليها ففي الروضة كأصلها لو قال بعتك بألف فقال بل بخمسمائة وزق خمر حلف البائع على نفي سبب الفساد ثم يتحالفان ( فيحلف كل ) منهما ( يمينا ) واحدة ( تجمع نفيا ) لقول صاحبه ( وإثباتا ) لقوله فيقول البائع مثلا والله ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا
ويقول المشتري والله ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا
أما حلف كل منهما فلخبر مسلم اليمين على المدعى عليه وكل منهما مدعى عليه كما أنه مدع وأما أنه في يمين واحدة فلأن الدعوى واحدة ومنفي كل منهما في ضمن مثبته فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والإثبات ولأنها أقرب لفصل الخصومة
وظاهر أن الوارث إنما يحلف على نفي العلم ( ويبدأ ) في اليمين ( بنفي ) لأنه الأصل فيها ( وبائع ) مثلا لأن جانبه أقوى لأن المبيع يعود
____________________
(1/314)
إليه بعد الفسخ المترتب على التحالف ولأن ملكه على الثمن قد تم بالعقد وملك المشترى على المبيع لا يتم إلا بالقبض فمحل ذلك إذا كان المبيع معينا والثمن في الذمة ففي العكس يبدأ بالمشتري وفيما إذا كانا معينين أو في الدمة يستويان فيتخير الحاكم بأن يجتهد في البداءة بأيهما ( ندبا ) لا وجوبا لحصول المقصود بكل منهما وهذا من زيادتي ( ثم ) بعد تحالفهما ( إن أعرضا ) عن الخصومة ( أو تراضيا ) بما قاله أحدهما فظاهر بقاء العقد به في الثانية والإعراض عنهما في الأولى وهو من زيادتي ( وإلا فإن سمح أحدهما ) للآخر بما ادعاه ( أجبر الآخر ) وهذا من زيادتي ( وإلا فسخاه أو أحدهما أو الحاكم ) أي لكل منهم فسخه لأنه فسخ لاستدراك الظلامة فأشبه الفسخ بالعيب لكنهم اقتصروا في الكتابة على فسخ الحاكم وفصلوا فيه بين قبض ما ادعاه السيد من النجوم وعدم قبضه وسيأتي بيان ذلك في الكتابة ( ثم ) بعد الفسخ ( يرد مبيع ) مثلا ( بزيادة ) له ( متصلة وأرش عيب ) فيه إن تعيب وهو ما نقص من قيمته كما يضمن كله بها وذكر الزيادة المتصلة من زيادتي ( فإن تلف ) حسا أو شرعا كأن مات أو أوقفه أو باعه أو كاتبه ( رد مثله ) إن كان مثليا وهذا من زيادتي ( أو قيمته حين تلف ) حسا أو شرعا إن كان متقوما وإن رهنه فللبائع قيمته أو انتظار فكاكه أو آجره فله أخذه ولا ينزعه من يد المكتري حتى تنقضي المدة والمسمى للمشتري وعليه للبائع أجرة مثل ما بقي منها واعتبرت قيمة المتقوم حين تلفه لا حين قبضه ولا حين العقد لأن الفسخ برفع العقد من حينه لا من أصله وهو أولى بذلك من المستام والمعار لأنه ليس مقبوضا بعقد ( ولو ) ادعى ) أحدهما ( بيعا الآخر هبة ) كأن قال بعتكه بكذا فقال بل وهبتنيه ( حلف كل ) منهما ( على نفي دعوى الآخر ثم يرده ) لزوما ( مدعيها ) أي الهبة ( بزوائده ) المتصلة والمنفصلة إذ لا ملك له فيه ظاهرا وإنما لم يتحالفا لأنهما لم يتفقا على عقد كما علم ذلك من أول الباب وإنما ذكرها ليرتب عليه رد الزوائد فإنه قد يخفى ( أو ) ادعى أحدهما ( صحته ) أي البيع ( والآخر فساده ) كأن ادعى اشتماله على شرط فاسد ( حلف مدعيها ) أي الصحة فيصدق لأن الظاهر معه وخرج بزيادتي ( غالبا ) مسائل منها ما لو باع ذراعا من أرض معلومة الذرعان ثم ادعى إرادة ذراع معين ليفسد البيع وادعى المشتري شيوعه فيصدق البائع بيمينه وما لو اختلفا هل وقع الصلح على الإنكار أو الاعتراف فيصدق مدعي الإنكار لأنه الغالب ( ولو رد ) المشتري ( مبيعا معينا ) هو أولى من تعبيره بالعبد ( معيبا فأنكر البائع أنه المبيع حلف ) البائع فيصدق لأن الأصل مضى العقد على السلامة فإن كان المبيع في الذمة ولو
____________________
(1/315)
مسلما فيه بأن يقبض المشتري ولو مسلما المؤدي عما في الذمة ثم يأتي بمعيب فيقول البائع ولو مسلما إليه ليس هذا المقبوض فيحلف المشتري أن هذا هو المقبوض لأن الأصل بقاء شغل ذمة البائع ويجيء مثل ذلك في الثمن فيحلف المشتري في المعين والبائع فيما في الذمة وذكر التحليف من زيادتي
( باب في معاملة الرقيق عبدا كان أو أمة فتعبيري به فيما يأتي أولى من تعبيره بالعبد وإن قال ابن حزم لفظ العبد يتناول الأمة ( الرقيق ) تصرفاته ثلاثة أقسام ما لا ينفذ وإن أذن فيه السيد كالولايات والشهادات وما ينفذ بغير إذنه كالعبادات والطلاق والخلع وما يتوقف على إذنه كالبيع والإجارة وهو ما ذكرته بقولي ( لا يصح تصرفه في مالي ) هو أولى من اقتصاره على الشراء والاقتراض ( بغير إذن سيده ) فيه ( وإن سكت عليه ) لأنه محجور عليه لحق سيده ( فيرد ) أي المبيع أو نحوه سواء أكان بيد سيده ( لمالكه ) لأنه لم يخرج عن ملكه ولو أدى الثمن من مال سيده استرد أيضا ( فإن تلف في يده ) أي يد الرقيق ( ضمنه في ذمته ) لأنه ثبت برضا مستحقه ولم يأذن السيد فيه ( أو ) تلف في ( يد سيده ضمن المالك أيهما شاء ) لوضع يدهما عليه بغير حق ( و ) لكن ( الرقيق إنما يطالب بعد عتق ) له أو لبعضه لأنه لا مال له قبل ذلك ( وإن أذن له ) سيده ( في تجارة تصرف بحسب إذنه ) بفتح السين أي بقدره فإن أذن له في نوع أو وقت أو مكان لم يتجاوزه ويستفيد بالإذن فيها ما هو من توابعها كنشر وطي وحمل متاع إلى حانوت ورد بعيب ومخاصمة في عهدة ( وإن أبق ) فإنه يتصرف بحسب إذنه له ولا ينعزل بذلك لأنه معصية فلا توجب الحجر وله التصرف في البلدة التي أبق إليها إلا إن خص سيده الإذن بغيرها
وظاهر أن شرط صحة تصرف الرقيق بالإذن كونه بحيث يصح تصرفه لنفسه لو كان حرا ( وليس له ) بالإذن فيها ( نكاح ولا تبرع ولا تصرف في نفسه ) رقبة ومنفعة ولا في كسبه ( ولا إذن ) لرقيقه أو غيره ( في تجارة ) لأنها لا تتناول شيئا منها ولا ينفق على نفسه من مال التجارة وتعبيري بالتبرع والتصرف أعم من تعبيره بالتصدق والإجارة ( ولا يعامل سيده ) ببيع وشراء وإجارة وغيرها لأن تصرفه لسيده بخلاف المكاتب
وسيأتي في الإقرار صحة إقراره بديون معاملة وغيرها ( ومن
____________________
(1/316)
عرف رقه لم يعامله ) أي لم يجز أن يعامله ( حتى يعلم الإذن بسماع سيده أو بينه أو شيوع ) بين الناس حفظا لماله قال السبكي وينبغي جوازه بحبر عدل واحد لحصول الظن به وإن كان لا يكفي عند الحاكم كما لا يكفي سماعه من السيد ولا الشيوع وخرج بما ذكر قول الرقيق أنا مأذون لي فلا يكفي في جواز معاملته لأنه متهم ( ولو تلف في يد مأذون ) له ( ثمن سلعة باعها فاستحقت ) أي فخرجت مستحقة ( رجع عليه مشتر ببدله ) أي ثمنها لأنه المباشر للعقد فتتعلق به العهدة فقول الأصل ببدلها أي بدل ثمنها ( وله مطالبة السيد به كما يطالب بثمن ما اشتراه الرقيق ) وإن كان بيد الرقيق وفاء لأن العقد له فكأنه العاقد ( ولا يتعلق دين تجارته برقبته ) لأنه ثبت برضا مستحقه ( ولا بذمة سيده ) وإن أعتقه أو باعه لأنه المباشر للعقد ( بل ) يتعلق ( بمال تجارته ) أصلا وربحا ( وبكسبه ) باصطياد ونحوه بقيد زدته بقولي ( قبل حجر ) فيؤدي منهما لإقتضاء العرف والإذن ذلك ثم إن بقي بعد الأداء شيء من الدين يكون في ذمة الرقيق إلى أن يعتق فيطالب به ولا ينافي ما ذكر من أن ذلك لا يتعلق بذمة السيد مطالبته به إذ لا يلزم من المطالبة بشيء ثبوته في الذمة بدليل مطالبة القريب بنفقة قريبه والموسر بنفقة المضطر والمراد أنه يطالب ليؤدي مما في يد الرقيق لا من غيره ولو مما كسبه الرقيق بعد الحجر عليه
وفائدة مطالبة السيد بذلك إذا لم يكن في يد الرقيق وفاء احتمال أنه يؤديه لأن له به علقة في الجملة وإن لم يلزم ذمته فإن أداه برئت ذمة الرقيق وإلا فلا ( ولا يملك ) الرقيق ( ولو بتمليك ) من سيده أو غيره لأنه ليس أهلا للملك وإضافة الملك إليه في خبر الصحيحين من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع للإختصاص لا للملك وتعبيري بما ذكر أعم من قوله ولا يملك بتمليك سيده
____________________
(1/317)
كتاب السلم ويقال له السلف
والأصل فيه قبل الإجماع آية { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين } فسرها ابن عباس بالسلم وخبر الصحيحين من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ( هو بيع ) شيء ( موصوف في ذمة بلفظ سلم ) لأنه بلفظ البيع لا سلم على ما صححه الشيخان لكن نقل الأسنوي فيه اضطرابا وقال الفتوى على ترجيح أنه سلم وعزاه للنص وغيره واختاره السبكي وغيره والتحقيق أنه بيع نظرا للفظ سلم نظرا للمعنى فلا منافاة بين النص وغيره لكن الأحكام تابعة للمعنى الموافق للنص حتى يمتنع الاستبدال فيه كما مر وفاقا للجمهور خلافا لما في الروضة كأصلها
ويدل لذلك ما ذكروه في إجارة الذمة من أنها إجارة ويمتنع فيها الاستبدال نظرا للمعنى ثم محل الخلاف إذا لم يذكر بعده لفظ السلم وإلا وقع سلما كما جزم به الشيخان في تفريق الصفقة ( فلو أسلم في معين ) كأن قال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد فقبل ( لم ينعقد ) سلما لانتفاء الدينية ولا بيعا لاختلال اللفظ لأن لفظ السلم يقتضي الدينية وهذاجرى على القاعدة من ترجيح اعتبار اللفظ وقد يرجحون اعتبار المعنى إذا قوي كترجيحهم في الهبة بثواب معلوم انعقادها بيعا ( وشرط له مع شروط البيع ) غير الرؤية سبعة ( أمور أحدها ) وهو من زيادتي ( حلول رأس مال ) كالربا ( و ) ثانيها ( تسليمه ) بالمجلس قبل التفرق إذ لو تأخر لكان ذلك في معنى بيع الكالىء للكالىء إن كان رأس المال في الذمة ولأن السلم عقد غرر جوز للحاجة فلا يضم إليه غرر آخر ولو كان رأس المال منفعة فيشترط تسليمها بالمجلس ( وتسليمها ) بتسليم العين وإن كان المعتبر في السلم القبض الحقيقي كما سيأتي لأن ذلك هو الممكن في قبضه لأنها تابعة للعين ( فلو أطلق ) رأس المال في العقد كأسلمت إليك دينارا في ذمتي في كذا ( ثم ) عين و ( سلم فيه ) أي في المجلس ( صح ) لوجود الشرط ( كما لو أودعه ) فيه المسلم إليه ( بعد قبضه المسلم ) أو رده إليه عن دين فإنه يصح خلافا للروياني في الثانية لأن تصرف أحد العاقدين مع الآخر لا يستدعي لزوم الملك ( لا إن أحيل به ) من المسلم فلا يصح السلم ( وإن قبض فيه ) أي قبضه المحتال وهو المسلم إليه في المجلس لأن بالحوالة يتحول الحق إلى ذمة
____________________
(1/318)
المحال عليه فهو يؤديه عن جهة نفسه لا عن جهة المسلم نعم إن قبضه من المحال عليه أو من المسلم إليه بعد قبضه بإذنه وسلمه إليه في المجلس صح ولو أحيل على رأس المال من المسلم إليه وتفرقا فبل التسليم لم يصح السلم وإن جعلنا الحوالة قبضا لأن المعتبر هنا القبض الحقيقي ولهذا لا يكفي فيه الإبراء فإن أذن المسلم إليه للمسلم في التسليم إلى المحتال ففعل في المجلس صح وكان وكيلا عنه في القبض
وعلم مما ذكرته أولا ما صرح به الأصل من أن رؤية رأس المال تكفي عن معرفة قدره ( ومتى فسخ ) السلم بمقتضى له ( وهو ) أي رأس المال ( باق رد ) بعينه ( وإن عين في المجلس ) لا في العقد لأنه عين مال السلم فإن كان تالفا بدله من مثل أو قيمة
( و ) ثالثها ( بيان محل ) بفتح الحاء أي مكان ( التسليم ) للمسلم فيه ( إن أسلم في مؤجل بمحل لا يصلح له ) أي للتسليم ( أو لحمله ) أي المسلم فيه ( مؤنة ) لتفاوت الأغراض فيما يراد من الأمكنة في ذلك أما إذا أسلم في حال أو مؤجل لكن بمحل يصلح للتسليم ولا مؤنة لحمله فلا يشترط فيه ذلك ويتعين محل العقد للتسليم وإن عينا غيره تعين والمراد بمحل العقد تلك المحلة لا ذلك المحل بعينه ولو عينا محلا فخرج عن صلاحية التسليم تعين أقرب محل صالح على الأقيس في الروضة وقولي في مؤجل من زيادتي ( وصح ) السلم ( حالا ومؤجلا ) بأن يصرح بهما أما المؤجل فبالنص والإجماع وأما الحال فبالأولى لبعده عن الغرر ولا ينقص بالكتابة لأن الأجل فيها إنما وجب لعدم قدرة الرقيق والحلول ينافي ذلك والتأجيل يكون ( بأجل يعرفانه ) أي يعرفه العاقدان ( أو عدلان ) غيرهما أو عدد تواتر ولو من كفار ( كإلى عيد أو جمادى ويحمل على الأول ) الذي يليه في العيدين أو جماديين لتحقق الاسم به وخرج بذلك المجهول كإلى الحصاد أو في شهر كذا فلا يصح وقولي يعرفانه أو عدلان أولى من قوله ويشترط العلم بالأجل ( ومطلقه ) إي السلم بأن يطلق عن الحلول والتأجيل ( حال ) كالثمن في البيع المطلق ( وإن عينا شهورا ولو غير عربية ) كالفرس والروم ( صح ) لأنها معلومة مضبوطة ( ومطلقها هلالية ) لأنها عرف الشرع وذلك بأن يقع العقد أولها ( فإن انكسر شهر ) منها بأن وقع العقد في أثنائه ( حسب الباقي ) بعده ( بالأهلة وتمم الأول ثلاثين ) مما بعدها ولا يلغى المنكسر لئلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد نعم لو وقع العقد في اليوم الأخير من الشهر اكتفى بالأشهر بعده بالأهلة وإن نقص بعضها ولا يتمم اليوم مما بعدها وإن نقص آخرها لأنها مضت عربية كوامل ويتمم من الأخير إن كمل
( و ) رابعها ( قدرة على تسليم ) للمسلم فيه ( عند وجوبه ) وذلك في المسلم الحال بالعقد
____________________
(1/319)
وفي المؤجل بحلول الأجل فلو أسلم في منقطع عند الحلول كالرطب في الشتاء لم يصح وهذا الشرط في الحقيقة من شروط البيع وإنما صرح به هنا مع الاغتناء عنه بقولي مع شروط البيع ليرتب عليه ما يأتي ولأن المقصود بيان محل القدرة وهو حالة وجوب التسليم وهي تارة تقترن بالعقد لكون السلم حالا وتارة تتأخر عنه لكونه مؤجلا كما تقرر بخلاف البيع للمعين فإن المعتبر اقتران القدرة فيه بالعقد مطلقا وخرج بزيادتي ( بلا مشقة عظيمة ) ما لو ظن حصوله عند الوجوب لكن بمشقة عظيمة كقدر كبير من الباكورة فإنه لا يصح كما قال الشيخان إنه الأقرب إلى كلام الأكثر ( ولو ) كان المسلم فيه يوجد ( بمحل ) آخر فيصح إن ( اعتيد نقله ) منه ( لبيع ) فإن لم يعتد نقله له بأن نقل له نادرا أو لم ينقل له أصلا أو اعتيد نقله لغير البيع كالهدية لم يصح السلم فيه لعدم القدرة عليه ( فلو أسلم فيما يعز ) وجوده إما لقلته ( كصيد بمحل عزة ) أي بمحل وجوده فيه
( و ) إما لاستقصاء وصفه الذي لا بد منه في المسلم فيه مثل ( لؤلؤ كبار وياقوت و ) إما لندرة اجتماعه مع الصفات مثل ( أمة وأختها أو ولدها لم يصح ) لانتفاء الوثوق بتسليمه في الأولى ولندرة اجتماعه مع الصفات المشروطة ذكرها في الأخيرتين
وخرج بالكبار الصغار فيجوز السلم فيها كيلا ووزنا وهي ما تطلب للتداوي والكبار ما تطلب للتزين قال الماوردي ويجوز السلم في البلور بخلاف العقيق لاختلاف أحجاره ( أو ) أسلم ( فيما يعم فانقطع ) كله أو بعضه ( في محله ) بكسر الحاء أي وقت حلوله ( خير ) على التراخي بين فسخه والصبر حتى يوجد فيطالب به فإن أجاز ثم بدا له أن يفسخ مكن من الفسخ ولو أسقط حقه من الفسخ لم يسقط على الأصح في الروضة وعلم من تخييره أنه لا ينفسخ السلم بذلك بخلاف تلف المبيع لأن المسلم فيه يتعلق بالذمة ( لا قبل انقطاعه فيه ) أي في المحل وإن علمه قبله أي فلا خيار له قبله إذا لم يجيء وقت وجوب التسليم
( و ) خامسها ( علم بقدر ) له ( كيلا ) فيما يكال ( أو نحوه ) من وزن فيما يوزن وعد فيما يعد وذرع فيما يذرع للخبر السابق مع قياس ما ليس فيه على ما فيه ومعلوم أنه لو أسلم في مذروع معدود كبسط اعتبر مع الذرع العد ( وصح نحو جوز ) مما جرمه كجرمه فأقل أي سلمه ( بوزن ) وإن كان في نوع يكثر اختلافه بغلظ قشره ورقتها وخلافا للإمام وإن تبعه الرافعي وكذا النووي في غير شرح الوسيط ( و ) صح ( موزون ) أي سلمه ( بكيل ) بقيد زدته بقولي ( يعد ) أي الكيل ( فيه ضابطا ) لأن المقصود معرفة المقدار كدقيق وما صغر جرمه كجوز ولوز وإن كان في نوع يكثر اختلافه بما مر بخلاف ما لا يعد الكيل فيه ضابطا كفتات مسك وعنبر لأن للقدر اليسير منه مالية كثيرة والكيل لا يعد ضابطا فيه وكبطيخ وباذنجان ورمان ونحوها مما كبر جرمه فيتعين فيه الوزن فلا يكفي فيه الكيل لأنه يتجافى في الميكال ولا العد لكثرة التفاوت
____________________
(1/320)
فيه والجمع فيه بين العد والوزن لكل واحد مفسد لما يأتي بل لا يجوز السلم في البطيخة ونحوها لأنه يحتاج إلى ذكر جرمها مع وزنها فيورث عزة الوجود وقولي يعد فيه ضابطا أولى مما ذكره ( و ) صح ( مكيل ) أي سلمه ( بوزن ) لما مر ( لا بهما ) أي الكيل والوزن معا فلو أسلم في مائة صاع بر على أن وزنها كذا لم يصح لأن ذلك يعز وجوده ( ووجب في لبن ) بكسر الباء وهو الطوب غير المحرق ( عد وسن ) معه ( وزن ) فيقول مثلا ألف لبنة وزن كل واحدة كذا لأنه يضرب عن اختيار فلا يعز وجوده والأمر في وزنه على التقريب لكن يشترط أنه يذكر طوله وعرضه وثخانته وأنه من طين معروف وذكر سن الوزن من زيادتي ( وفسد ) السلم ولو حالا ( بتعيين نحو مكيال ) من ميزان وذراع وصنجة ( غير معتاد ) ككوز لأنه قد يتلف قبل قبض ما في الذمة فيؤدي إلى التنازع بخلاف ما لو قال بعتك ملء هذا الكوز من هذه الصبرة فإنه يصح لعدم الغرر فإن كان معتادا لم يفسد السلم ويلغو تعيينه كسائر الشروط التي لا غرض فيها ويقوم مثل المعين مقامه فلو شرطا أن لا يبدل بطل السلم ونحو من زيادتي
( و ) فسد أيضا بتعيين ( قدر من ثمر قرية قليل ) لأنه قد ينقطع فلا يحصل منه شيء لا من ثمر قرية كثير لأنه لا ينقطع غالبا وتعبيري بالقليل والكثير في الثمر أولى من تعبيره بهما في القرية إذا الثمر قد يكثر في الصغيرة دون الكبيرة
( و ) سادسها ( معرفة أوصاف ) للمسلم فيه أي معرفتها للعاقدين وعدلين ( يظهر بها اختلاف غرض وليس الأصل عدمها ) فإن فقدت لم يصح السلم لأن البيع لا يحتمل جهل المعقود عليه وهو عين فلأن لا يحتمله وهو دين أولى وخرج بالقيد الأول ما يتسامح بإهمال ذكره كالكحل والسمن في الرقيق وبالثاني وهو من زيادتي كون الرقيق قويا على العمل أو كاتبا مثلا فإنه وصف يظهر به اختلاف غرض مع أنه لا يجب التعرض له لأن الأصل عدمه
( و ) سابعها ( ذكرها في العقد بلغة يعرفانها ) أي يعرفها العاقدان ( وعدلان ) غيرهما ليرجع إليهما عند تنازع العاقدين فلو جهلاها أو أحدهما أو غيرهما لم يصح العقد وهذا بخلاف ما مر في الأجل من الاكتفاء بمعرفتهما أو معرفة عدلين غيرهما لأن الجهل ثم راجع إلى الأجل وهنا إلى المعقود عليه فجاز أن يحتمل ثم ما لا يحتمل هنا وليس المراد هنا وثم عدلين معينين إذ لو كان كذلك لم يجز لاحتمال أن يموتا أو أحدهما أو يغيبا في وقت المحل فيتعذر معرفتها بل المراد أن يوجد أبدا في الغالب ممن يعرفها عدلان أو أكثر وتعبيري بعدلين أولى من تعبيره بغير العاقدين ( لا ) ذكر ( جودة ورداءة ) فيما يسلم فيه فلا يشترط ذكر شيء منهما ( ومطلقه ) أي المسلم فيه بأن لم يقيد بشيء منهما ( جيد ) للعرف وينزل على أقل درجاته وكذا لو شرط شيء منهما حيث يجوز ولو شرط رديء نوع أو أردأ جاز لانضباطهما وطلب أردأ من المحضر عناد بخلاف ما لو شرط رديء عيب لعدم انضباطه أو أجوده لأن أقصاه غير
____________________
(1/321)
معلوم إذا تقرر ذلك ( فيصح ) السلم ( في منضبط وإن اختلط ) بعضه ببعض مقصود أو غيره ( كعتابي وخز ) من الثياب الأول مركب من قطن وحرير والثاني من أبريسم ووبر أو صوف وهما مقصود أركانهما
( وشهد ) بفتح الشين وضمها على الأشهر مركب من عسل وشمعة خلقة فهو شبيه بالتمر وفيه النوى ( وجبن وأقط ) كل منهما فيه مع اللبن المقصود الملح والأنفحة من مصالحه ( وخل تمر أو زبيب ) هو يحصل من اختلاطهما بالماء الذي هو قوامه فشهدوا ما بعده معطوفان على مجرور الكاف لا مجرور في ( لا فيما لا ينضبط مقصوده كهريسة ومعجون وغالية ) هي مركبة من مسك وعنبر وعود وكافور كذا في الروضة كأصلها
وفي تحرير النووي ذكر الدهن مع الأولين فقط ( وخف مركب ) لاشتماله على ظهارة وبطانة وحشو والعبارة لا تفي بذكر أقدارها وأوضاعها وخرج بزيادتي مركب المفرد فيصح السلم فيه إن كان جديدا أو اتخذ من غير جلد وإلا امتنع وهذا ما حرره السبكي وغيره لكنهم أطلقوا الصحة في غير الجلد ويشهد لما قلته صحته السلم في الثياب المخيطة الجديدة دون الملبوسة ( وترياق مخلوط ) فإن كان مفردا جاز السلم فيه وهو بتاء مثناة أو دال مهملة أو طاء كذلك مكسورات ومضمومات ففيه ست لغات ويقال دراق وطراق ( ورؤوس حيوان ) لأنها تجمع أجناسا مقصودة ولا تنضبط بالوصف ومعظمها العظم وهو غير مقصود ( ولا فيما تأثير ناره غير منضبط ) هو أولى مما عبر به فلا يصح السلم في خبز ومطبوخ ومشوي لاختلاف الغرض باختلاف تأثير النار فيه وتعذر الضبط بخلاف ما ينضبط تأثير ناره كالعسل المصفى بها والسكر والفانيد والدبس واللبا فيصح السلم فيها كما مال إلى ترجيحه النووي في الروضة وصرح بتصحيحه في تصحيح التنبيه في كل ما دخلته نار لطيفة ومثل بالمذكورات غير العسل لكن كلام الرافعي يميل إلى المنع كما في الربا وبه جزم صاحب الأنوار
واعتمده الأسنوي ويؤيد الأول صحة السلم في الآجر كما صححه الشيخان وعليه يفرق بين البابين بضيق باب الربا ( ولا ) في ( مختلف ) أجزاؤه ( كبرمة ) أي قدر ( وكوز وطس ) بفتح الطاء وكسرها ويقال فيه طست ( وقمقم ومنارة ) بفتح الميم ( وطنجير ) بكسر الطاء الدست وفتحها النووي وقال الحريري فتحها من لحن الناس ( معمولة ) كل منهم لتعذر ضبطها وخرج بمعمولة المصبوبة في قالب فيصح السلم فيها كما شمله الكلام الآتي ( وجلد ) لاختلاف الأجزاء في الرقة والغلظ نعم يصح السلم في قطع منه مدبوغة وزنا ( ويصح ) السلم ( فيما صب منها ) أي المذكورات أي من أصلها المذاب ( في قالب ) بفتح اللام أفصح من كسرها ( و ) يصح في
____________________
(1/322)
( أسطال ) مربعة أو مدورة فإطلاقي لها عن تقييدها بالمربعة مع تأخيرها عما صب منها في قالب أولى مما صنعه ويصح السلم في دراهم ودنانير بغيرهما لا بمثلهما ولا في أحدهما بالآخر حالا كان أو مؤجلا ( وشرط في ) السلم في ( رقيق ذكر نوعه كتركي ) أو حبشي فإن اختلف صنف النوع وجب ذكره كخطابي أو رومي
( و ) ذكر ( لونه ) إن اختلف كأبيض أو أسود ( مع وصفه ) كأن يصف بياضه بسمرة أو شقرة وسواده بصفاء أو كدورة فإن لم يختلف لون الرقيق كالزنج لم يجب ذكره ( و ) ذكر ( سنه ) كابن ست أو سبع أو محتلم ( و ) ذكر ( قده طولا أو غيره ) من قصر أو ربعة ( تقريبا ) في الوصف والسن والقد حتى لو شرط كونه ابن سبع سنين مثلا بلا زيادة ولا نقصان لم يجز لندوره ويعتمد قول الرقيق في الاحتلام وكذا في السن إن كان بالغا وإلا فقول سيده لمن ولد في الإسلام وإلا فقول النخاسين أي الدلالين بظنونهم وقولي أو غيره أولى من قوله وقصرا ( و ) ذكر ( ذكورته أو أنوثته ) وثيوبة أو بكارة ( لا ) ذكر ( كحل ) بفتح الكاف والحاء وهو أن يعلو جفون العينين سواد من غير اكتحال ( وسمن ) في الأمة ( ونحوهما ) كملاحة ودعج وهو شدة سواد العين مع سعتها وتكلثم وجه وهو استدارته لتسامح الناس بإهمالها
( و ) شرط ( في ماشية ) من إبل وبقر وغنم وخيل وبغال وحمير فهو أعم من قوله في الإبل والخيل والبغال والحمير ذكر ( تلك ) أي الأمور المذكورة في الرقيق من نوع كقوله من نعم بلد كذا أو نعم بني فلان ولون وذكورة أو أنوثة وسن كابن مخاض أو ابن لبون ( إلا وصفا ) للون ( وقدا ) فلا يشترط ذكرهما والتصريح بهذا الاستثناء من زيادتي ونقل الرافعي اتفاق الأصحاب عليه في الثانية لكن جزم ابن المقري فيها بالاشتراط وسبقه إليه الماوردي قال وليس للإخلال به وجه ويسن في غير الإبل ذكر الشبيه كمحجل وأغر ولطيم وهو ما سألت غرته في أحد شقي وجهه ولا يجوز السلم في أبلق لعدم انضباطه
( و ) شرط ( في طير ) وسمك ولحمهما ( نوع وجثة ) كبرا أو صغرا أي ذكر هذه الأمور وكذا ذكورة وأنوثة إن أمكن التمييز واختلف بهما الغرض وإن عرف السن ذكره أيضا ويذكر في الطير لونه إن لم يرد للأكل
وفي السمك أنه نهري أو بحري طري أو مالح ( وفي لحم غير صيد وطير ) قديد أو طري مملح أو غيره أن يذكر ( نوع ) كلحم بقر عراب أو جواميس أو لحم ضأن أو معز ( وذكر خصي رضيع معلوف جذع أو ضدها ) أي أنثى فحل فطيم راع ثني
ولا يكفي في المعلوف العلف مرة أو مرات بل لا بد أن ينتهي إلى مبلغ يؤثر في اللحم قاله الإمام وأقره الشيخان وقولي جذع من زيادتي ( من فخذ ) بإعجاب الذال ( أو غيرها ) ككتف
____________________
(1/323)
أو جنب من سمين أو هزيل كما في الروضة كأصلها عن العراقيين وتعبيري بغيرها أعم من قوله أو كتف أو جنب وخرج بزيادتي غير صيد وطير لحمهما فيذكر في لحم الصيد غير السمك ما ذكر في غيره إن أمكن وأنه صيد سهم أو أحبولة أو جارحة وأنها كلب أو فهد وفي لحم الطير والسمك ما مر وتعبيري بالنوع أولى مما عبر به
( ويقبل عظم للحم ( معتاد ) لأنه بمنزلة النوى من التمر فإن شرط نزعه جاز ولم يجب قبوله ويجب أيضا قبول جلد يؤكل عادة مع اللحم كجلد الجدي والسمك ولا يجب قبول الرأس والرجل من الطير والذنب من السمك إلا أن يكون عليه لحم فيجب قبوله نص عليه في الأم ونص في البويطي على أنه لا يجب قول رأس السمك ( و ) شرط ( في ثوب ) أن يذكر ( جنسه ) كقطن أو كتان ( ونوعه ) وهو من زيادتي وبلده الذي ينسج فيه إن اختلف به الغرض
وقد يغني ذكر النوع عنه وعن الجنس ( وطوله وعرضه وكذا غلظه وصفاقته ونعومته أو ضدها ) من دقة ورقة وخشونة والغلظ والدقة صفتان للغزل والصفاقة والرقة صفتان للنسج والأولى منهما انضمام بعض الخيوط إلى بعض والثانية عدم ذلك ( ومطلقة ) أي الثوب عن القصر وعدمه ( خام ) دون مقصور لأن القصر صفة زائدة ( وصح ) السلم ( في مقصور ) لأن القصر وصف مقصود ( و ) في ( مصبوغ قبل نسجه ) كالبرود لا مصبوغ بعده لأن الصبغ بعده يسد الفرج فلا تظهر معه الصفاقة بخلاف ما قبله
وصح في قميص وسراويل جديدين ولو مغسولين إن ضبطا طولا وعرضا وسعة وضيقا بخلاف الملبوس مغسولا كان أو غيره
لأنه لا ينضبط ( و ) شرط ( في تمر أو زبيب ) هو من زيادتي ( أو حب ) كبر وشعير أن يذكر ( نوعه كبرني أو معقلي ( ولونه ) كأحمر أو أبيض ( وبلده ) كمدني أو مكي ( وجرمه ) كبرا أو صغرا ( وعتقه ) بضم العين ( وحداثته )
ولا يجب تقدير مدة عتقه قال الماوردي ويبين أن الجفاف على النخل أو بعد الجذاذ وشرط في الرطب والعنب ما ذكر إلا العتق والحداثة ( وفي عسل ) أي عسل نحل وهو المراد عند الإطلاق أن يذكر ( مكانه ) كجبلي أو بلدي ويبين بلده كحجازي أو مصري ( زمانه ) كصيفي أو خريفي ( ولونه ) كأبيض أو أصفر لتفاوت الغرض بذلك قال الماوردي ويبين مرعاه وقوته أو رقته لأعتقه أو حداثته كما صرح به الأصل لأنه لا يختلف الغرض فيه بذلك بخلاف ما قبله
____________________
(1/324)
فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عن وقت أدائه ومكانه
( صح أن يؤدي عن مسلم فيه أجود أو أردأ منه ( صفة ويجب قبول الأجود ) لأن الامتناع منه عناد ولأن الجودة صفة لا يمكن فصلها فهي تابعة بخلاف ما لو أسلم إليه في خشبة عشر أذرع فجاء بها أحد عشر ذراعا أما الأردأ فلا يجب قبوله وإن كان أجود من وجه آخر لأنه ليس حقه مع تضرره به
وخرج بما ذكر أداء غير جنسه أو نوعه عنه كبر عن شعير وتمر معقلي عن تمر برني فلا يصح لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه كما مر ويجب تسليم البر ونحوه نقيا من مدر وتراب ونحوهما
فإن كان فيه قليل من ذلك وقد أسلم كيلا جاز أو وزنا فلا وما أسلم فيه كيلا لا يجوز قبضه وزنا وبالعكس ويجب تسليم التمر جافا والرطب غير مشدخ ( ولو عجل ) المسلم إليه مسلما فيه ( مؤجلا فلم يقبله ) المسلم ( لغرض صحيح ككونه ) هو أولى من قوله بأن كان ( حيوانا ) فيحتاج إلى علف أو كونه تمرا أو لحما يريد أكلهما عند المحل طريا ( أو ) كون الوقت ( وقت نهب ) فيخشى ضياعه ) ( لم يجبر ) على قبوله وإن كان للمؤدي غرض لما مر فإن لم يكن له غرض صحيح في عدم قبوله أجبر على قوله سوء أكان للمؤدي غرض صحيح في التعجيل كفك رهن أو ضمان أو مجرد براءة لذمته وعليه اقتصر الأصل كالروضة وأصلها أم لا كما اقتضاه كلام الروض وهو أوجه لأن عدم قبوله له تعنت فإن أصر على عدم قبوله أخذه الحاكم له ولو أحضر المسلم فيه الحال في مكان التسليم لغرض غير البراءة أجبر المسلم على قبوله أو لغرضها أجبر على القبول أو الإبراء
وقد يقال بالتخيير في المؤجل والحال المحضر في غير مكان التسليم أيضا وعليه جرى صاحب الأنوار في الثاني والذي يقتضيه كلام الروضة وأصلها الإجبار فيهما على القبول فقط وعليه يفرق بأن المسلم في مسألتنا استحق التسليم فيها لوجود زمانه ومكانه فامتناعه منه محض عناد فضيق عليه بطلب الإبراء بخلاف ذينك ( ولو ظفر ) المسلم ( به ) أي بالمسلم إليه ( بعد المحل ) بكسر الحاء ( في غير محل التسليم ) بفتحها أي مكانه المعين بالشرط أو العقد وطالبه بالمسلم فيه ( ولنقله ) من محل التسليم إلى محل الظفر ( مؤنة ) ولم يتحملها المسلم عن المسلم إليه ( لم يلزم أداء ) لتضرر المسلم إليه بذلك ( ولا يطالبه بقيمته ) ولو للحيلولة لامتناع الاعتياض عنه كما مر فله الفسخ واسترداد رأس المال كما لو انقطع المسلم فيه
أما إذا لم يكن لنقله مؤنة أو تحملها المسلم فيلزم المسلم إليه الأداء ( وإن امتنع ) المسلم ( من قبوله ثم ) أي في غير محل التسليم وقد أحضر فيه
____________________
(1/325)
وكان امتناعه ( لغرض ) صحيح كأن كان لنقله منه إلى محل التسليم مؤنة ولم يتحملها المسلم إليه أو كان الموضع مخوفا ( لم يجبر ) على قبوله لتضرره بذلك فإن لم يكن له غرض صحيح أجبر على قبوله إن كان للمؤدى غرض صحيح لتحصل براءة الذمة ولو اتفق كون رأس مال المسلم بصفة المسلم فيه فأحضره وجب قبوله وتعبيري بغرض أعم مما عبر به
فصل في القرض
يطلق اسما بمعنى الشيء المقرض ومصدرا بمعنى الإقراض ويسمى سلفا ( الإقراض ) هو تمليك الشيء على أن يرد مثله ( سنة ) لأن فيه إعانة على كشف كربة وأركانه أركان البيع كما يعلم مما يأتي ويحصل ( بإيجاب ) صريحا كان ( كأقرضتك هذا ) أو أسلفتكه أو ملكتكه بمثله ( أو ) كناية ( كخذه بمثله وقبول ) كالبيع نعم القرض الحكمي كالإنفاق على اللقيط المحتاج وإطعام الجائع وكسوة العاري لا تفتقر إلى إيجاب وقبول وأفاد قولي كأقرضتك أنه لا حصر لصيغ الإيجاب فيما ذكره بقوله وصيغته أقرضتك الخ ( وشرط مقرض ) بكسر الراء ( اختيار ) فلا يصح إقراض مكره كسائر عقوده وهذا من زيادتي ( وأهلية تبرع ) فيما يقرضه ( و ) ن في الإقراض تبرعا فلا يصح إقراض الولي مال محجوره بلا ضرورة لأنه ليس أهلا للتبرع فيه نعم للقاضي إقراض مال محجوره بلا ضرورة إن كان المقترض أمينا موسرا خلافا للسبكي لكثرة أشغاله وله إقراض مال المفلس أيضا حينئذ إذا رضي الغرماء بتأخير القسمة ليجتمع المال
وشرط المقترض اختيار وأهلية معاملة ( وإنما يقرض ما يسلم فيه ) معينا أو موصوفا لصحة ثبوته في الذمة بخلاف ما لا يسلم فيه لأن ما لا ينضبط أو يندر وجوده يتعذر أو يتعسر رد مثله نعم يجوز إقراض نصف عقار فأقل وإقراض الخبز وزنا لعموم الحاجة إليه وفي الكافي يجوز عددا ( إلا أمة تحل لمقترض ) فلا يجوز إقراضها له ولو غير مشتهاة وإن جاز السلم فيها لأنه عقد جائز يثبت فيه الرد والاسترداد وربما يطؤها المقترض ثم يردها فيشبه إعارة الإماء للوطء بخلاف من لا يحل له وطؤها لمحرمية أو تمجس أو نحوه فيجوز إقراضها نعم المتجه كما قال الأسنوي وغيره المنع في نحو أخت الزوجة وعمتها
وقد ذكرت حكم كون الخنثى مقترضا أو مقرضا بفتح الراء في شرح الروض واستثنى مع الأمة الرؤية لاختلافها بالحموضة ( وملك ) الشيء المقرض ( بقبضه ) وإن لم يتصرف فيه كالموهوب ( ولمقرض رجوع ) فيه إن ( لم يبطل به حق لازم ) وإن وجده مؤجرا أو معلقا عنقه بصفة أو خرج عن ملكه ثم عاد كما في أكثر نظائره ولأن له تغريم بدله عند الفوات فالمطالبة به أولى فإن بطل به حق لازم كأن
____________________
(1/326)
وجده مرهونا أو مكاتبا أو معلقا برقبته أرش جناية فلا رجوع فيه فإن وجد زائدا زيادة منفصلة رجع فيه دونها أو ناقصا رجع فيه مع الأرش أو أخذ مثله سليما وبما تقرر علم أن تعبيري بما ذكر أولى من قوله ما دام باقيا بحاله
( ويرد ) المقترض المثلي ( مثلا ) لأنه أقرب إلى الحق ( ولمتقوم مثلا صورة ) لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم اقترض بكرا ورد رباعيا وقال إن خياركم أحسنكم قضاء
( وأداؤه ) أي الشيء المقرض ( صفة ومكانا كمسلم فيه ) أي كأدائه وهذا من زيادتي فلا يجب قبول الرديء عن الجيد ولا قبول المثل في غير محل الإقراض إن كان له غرض صحيح كأن كان لنقله مؤنة ولم يتحملها المقترض أو كان الموضع مخوفا ولا يلزم المقترض الدفع في غير محل الإقراض إلا إذا لم يكن لنقله مؤنة أو له مؤنة ويتحملها المقرض ( لكن له مطالبته في غير محل الإقراض بقيمة ماله ) أي لنقله ( مؤنة ) ولم يتحملها المقرض لجواز الاعتياض عنه بخلاف نظيره في السلم وبخلاف ما لا مؤنة لنقله أوله مؤنة وتحملها المقرض وتعتبر قيمته ( بمحل الإقراض ) لأنه محل التملك ( وقت المطالبة ) لأنه وقت استحقاقها وهذا من زيادتي
وإذا أخذ قيمته فهي للفيصولة لا للحيلولة حتى لو اجتمعا بمحل الإقراض لم يكن للمقرض ردها وطلب المثل ولا للمقترض استردادها ودفع المثل ( وفسد ) أي الإقراض ( بشرط جر نفعا للمقرض كرد زيادة ) في القدر أو الصفة كرد صحيح عن مكسر ( وكأجل لغرض ) صحيح ( كزمن نهب ) بقيد زدته تبعا للشرحين والروضة بقولي ( والمقترض مليء ) لقول فضالة بن عبيد رضي الله عنه كل قرض جر منفعة فهو ربا والمعنى فيه أن موضوع القرض الإرفاق فإذا شرط فيه لنفسه حقا خرج عن موضوعه فمنع صحته وجعل شرط جر النفع للمقرض ضابطا للفساد مع جعل ما بعده أمثلة له أولى من اقتصاره على الأمثلة ( فلو رد أزيد ) قدرا أو صفة ( بلا شرط فحسن ) لما في خبر مسلم السابق إن خياركم أحسنكم قضاء ولا يكره للمقرض أخذ ذلك ( أو شرط ) أن يرد ( أنقص ) قدرا أو صفة كرد مكسر عن صحيح ( أو أن يقرضه غيره أو أجلا بلا غرض ) صحيح أو به والمقترض غير مليء ( لغا الشرط فقط ) أي لا العقد لأن ما جره من المنفعة ليس للمقرض بل للمقترض أو لهما والمقترض معسر والعقد عقد إرفاق فكأنه زاد في الإرفاق ووعده وعدا حسنا واستشكل ذلك بأن مثله يفسد الرهن كما سيأتي
ويجاب بقوة داعي القرض لأنه سنة بخلاف الرهن وتعبيري بأنقص أعم من قوله مكسرا عن صحيح ( وصح ) الإقراض ( بشرط رهن وكفيل وإشهاد ) لأنها توثيقات لا منافع زائدة فللمقرض إذا لم يوف المقترض بها الفسخ على قياس ما ذكر في اشتراطها في البيع وإن كان له الرجوع بلا شرط كما مر وذكر الإشهاد من زيادتي
____________________
(1/327)
كتاب الرهن هو لغة الثبوت ومنه الحالة الراهنة وشرعا جعل عين مال وثيقة بدين يستوفي منها عند تعذر وفائه والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى { فرهان مقبوضة }
قال القاضي معناه فارهنوا واقبضوا لأنه مصدر جعل جزاء للشرط بالفاء فجرى مجرى الأمر كقوله تعالى { فتحرير رقبة } وخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند يهودي يقال له أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لأهله
والوثائق بالحقوق ثلاثة شهادة ورهن وضمان كما مر قبيل الباب فالشهادة لخوف الجحد والآخر أن لخوف الإفلاس ( أركانه ) أربعة ( غاقد ومرهون ومرهون به وصيغة وشرط فيها ) أي في الصيغة ( ما ) مر فيها ( في البيع ) وقد مر بيانه في بابه وهذا من زيادتي ( فإن شرط فيه ) أي في الرهن ( مقتضاه كتقدم مرتهن به ) أي بالمرهون عند تزاحم الغرماء ( أو ) شرط فيه ( مصلحة له كإشهاد ) به ( أو ما لا غرض فيه ) كأن يأكل العبد بالمرهون كذا ( صح ) العقد ولغا الشرط الأخير ( لا ) إن شرط ( ما يضر أحدهما ) أي المرتهن والراهن ( كأن لا يباع ) عند المحل والتمثيل بهذا من زيادتي
( وكشرط منفعته ) أي المرهون ( للمرتهن أو ) شرط ( أن تحدث زوائده ) كثمر الشجرة ونتاج الشاة ( مرهونة ) فلا يصح الرهن في الثلاث لإخلال الشرط بالغرض منه في الأولى ولتغير قضية العقد في الثانية ولجهالة الزوائد وعدمها في الثالثة فإن قدرت المنفعة في الثانية والرهن مشروط في بيع فهو بيع وإجارة وهو جائز ( و ) شرط ( في العاقد ) من راهن ومرتهن ( ما ) مر ( في المقرض ) من الاختيار وهو من زيادتي وأهلية التبرع ( فلا ) يرهن مكره ولا يرتهن كسائر عقوده ولا ( يرهن ولي ) أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما أو أمينه ( مال محجوره ) من صبي ومجنون وسفيه فهو أعم من تعبيره بالصبي والمجنون ( ولا يرتهن له إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة ) فيجوز له الرهن والارتهان فيهما دون غيرهما مثالهما للضرورة أن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة ليوفى مما ينتظر من غلة أو حلول دين أو إنفاق متاع كاسد وأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه ومثالهما للغبطة أن يرهن ما يساوي مائة على ثمن ما اشتراه بمائة نسيئة وهو يساوي مائتين وأن يرتهن على ثمن ما يبيعه نسيئة بغبطة كما سيجيء في باب الحجر
وإذا رهن فلا يرهن إلا من أمين آمن
____________________
(1/328)
وبما تقرر علم أن تعبيري بما يتضمن أهلية التبرع أولى من تعبيرة بمطلق التصرف الذي فرع عليه قوله فلا يرهن الولي لأنهم صرحوا بأنه مطلق التصرف في مال محجوره غير أنه لا يتبرع به
وكالولي فيما ذكر المكاتب والعبد المأذون له إن أعطي مالا أو ربح ( و ) شرط ( في المرهون كونه عينا ) يصح بيعها فلا يصح رهن دين ولو ممن هو عليه لأنه غير مقدور على تسليمه ولا رهن منفعة كأن يرهن سكنى داره مدة لأن المنفعة تتلف فلا يحصل بها استيثاق ولا رهن عين لا يصح بيعها كوقف ومكاتب وأم ولد ( ولو ) كان ( مشاعا ) فيصح رهنه من الشريك وغيره ويقبض بتسليم كله كما في البيع فيكون بالتخلية في غير المنقول وبالنقل في المنقول ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك فأن أبى الإذن فإن رضي المرتهن بكونه في يد الشريك جاز وناب عنه في القبض وإن تنازعا نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما ( أو ) كان ( أمة دون ولدها ) الذي يحرم التفريق بينها وبينه ( أو عكسه ) أي كان المرهون ولدها دونها ( ويباعان ) معا حذرا من التفريق بينهما المنهى عنه ( عند الحاجة ) إلى توفية الدين من ثمن المرهون ( ويقوم المرهون ) منهما موصوفا بكونه حاضنا أو محضونا ( ثم ) يقوم ( مع الآخر فالزائد ) على قيمته ( قيمة الآخر ويوزع الثمن عليهما ) بتلك النسبة فإذا كانت قيمة المرهون مائة وقيمته مع الآخر مائة وخمسين فالنسبة بالأثلاث فيتعلق حق المرتهن بثلثي الثمن والتقويم في صورة العكس من زيادتي ( ورهن جان ومرتد كبيعهما ) وتقدم في البيع أنه لا يصح بيع الجاني المتعلق برقبته مال بخلاف المتعلق بها قود أو بذمته مال وفي الخيار أنه يصح بيع المرتد وإذا صح رهن الجاني لا يكون به مختارا للفداء بخلاف بيعه على وجه لأن محل الجناية باق في الرهن بخلافه في البيع ( ورهن مدبر ) أي معلق عتقه بموت سيده ( ومعلق عتقه بصفة لم يعلم الحلول ) للدين ( قبلها ) بأن علم حلوله بعدها أو معها أو احتمل الأمران فقط أو مع سبقه أو احتمل حلوله قبلها وبعدها أو معها ( باطل ) لفوات الغرض من الرهن في بعضها وللغرر في الباقي وإن كان الدين حالا في مسألة المدبر لأنها لا تسلم من الغرر بموت السيد فجأة فإن علم في مسألة المعلق بصفة الحلول قبلها أو كان الدين حالا صح رهنه
وكذا في الصور المذكورة إن شرط بيعه قبل وجود الصفة كما قاله ابن أبي عصرون في المرشد فيما يصدق الاحتمالات غير الأخير ومثله البقية بل أولى وبما تقرر أن تعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بصفة يمكن سبقها حلول الدين لاقتضاء تعبيره الصحة في صورتي العلم بالمقارنة واحتمال المقارنة والتأخر هذا وقد قال في الروضة القوي في الدليل صحة رهن المدبر ا هـ واستشكل الفرق بينه وبين المعلق عتقه بصفة بناء على أن التدبير تعليق عتق بصفة على الأصح فليصحح رهنها كما قاله البلقيني أو يمنع كما
____________________
(1/329)
مال إليه السبكي وقال إنه مقتضى إطلاق النصوص ا هـ ويمكن الفرق بأن العتق في المدبر آكد منه في المعلق بصفة بدليل أنهم اختلفوا في جواز بيعه دون المعلق بصفة وعلم بما تقرر عدم صحة رهن ما لا يباع كمكاتب وأم ولد وموقوف ( وصح رهن ما يسرع فساده إن أمكن تجفيفه ) كرطب وعنب يتجففان ( أو رهن بحال أو مؤجل يحل قبل فساده ولو احتمالا ) بأن لم يعلم أنه يحل قبل الفساد أو بعده لأن الأصل عدم فساده قبل الحلول واستشكلت صورة الاحتمال بما مر من عدم رهن المعلق عتقه بصفة يحتمل سبقها الحلول وتأخرها عنه ويمكن الفرق بقوة العتق وتشوف الشارع إليه ( أو ) يحل بعد فساده أو معه لكن ( شرط بيعه ) عند إشرافه على الفساد ( وجعل ثمنه رهنا ) مكانه واغتفر هنا شرط جعل ثمنه رهنا للحاجة فلا يشكل بما يأتي من أن الإذن في بيع المرهون بشرط جعل ثمنه رهنا لا يصح ( وجفف في الأولى ) بقيد زدته بقولي ( إن رهن بمؤجل لا يحل قبل فساده ) ومؤنة تجفيفه على مالكه المجفف له كما قاله ابن الرفعة ( وبيع ) وجوبا ( في غيرها عند خوفه ) أي فساده حفظا للوثيقة وعملا بالشرط ( ويكون في الأخيرة ويجعل في غيرها ثمنه رهنا ) مكانه
وذكر البيع فيما خرج بقيد الأولى مع قولي في الأخيرة ويجعل في غيرها من زيادتي وقولي ثمنه تنازعه يكون ويجعل وفهم مما ذكر أنه لو شرط منع بيعه قبل الفساد أو أطلق لم يصح لمنافاة الشرط لمقصود التوثيق في الأولى وأما في الثانية فلأنه لا يمكن استيفاء الحق من المرهون عند المحل والبيع قبله ليس من مقتضيات الرهن وهذا ما صرح الأصل بتصحيحه فيها وعزاه الرافعي في الشرح الكبير إلى تصحيح العراقيين ومقابله يصح ويباع عند تعرضه للفساد لأن الظاهر أنه لا يقصد إتلاف ماله وعزاه في الشرح الصغير إلى تصحيح الأكثرين
وقال الأسنوي إن الفتوى عليه ( ولا يضر طرو ما عرضه له ) أي الفساد قبل الحلول ( كبر ابتل ) وإن تعذر تجفيفه لأن الدوام أقوى من الابتداء بل يجبر الراهن عند تعذر تجفيفه على بيعه وجعل ثمنه رهنا مكانه ( وصح رهن معار بإذن ) من مالكه لأن المقصود التوثقة وهي حاصلة به ( وتعلق به ) لا بذمة المعير ( الدين فيشترط ذكر جنسه ) أي الدين ( وقدره وصفته ) كحلول وتأجيل وصحة وتكسير ( ومرتهن ) لاختلاف الأغراض بذلك وإذا عين شيئا من ذلك لم يجز مخالفته نعم لو عين قدرا فرهن بدونه جاز ( وبعد قبضه ) أي المرتهن المعار لا رجوع فيه لمالكه وإلا لم يكن لهذا الرهن معنى أما قبله فله الرجوع فيه لعدم لزومه ولا ضمان على الراهن لو
____________________
(1/330)
تلف المعار في يد المرتهن لأن الحق لم يسقط عن ذمته ولا على المرتهن لأنه أمين ( وبيع ) المعار ( بمراجعة مالكه في ) دين ( حال ) ابتداء أو بعد تأجيله ( ثم رجع ) أي المالك على الراهن ( بثمنه ) الذي بيع به سواء أبيع بقيمته أم بأكثر أم بأقل بقدر يتغابن الناس بمثله ( و ) شرط ( في المرهون به ) ليصح الرهن ( كونه دينا ) ولو منفعة فلا يصح الرهن بعين ولا بمنفعتها ولو مضمونة كمغصوبة ومعارة لأنها لا تستوفى من ثمن المرهون وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع وفارق صحة ضمانها لترد وإن اشتركا في التوثق بأن ضمانها لا يجر لو لم تتلف إلى ضرر بخلاف الرهن بها فيجر إلى ضرر دوام الحجر في المرهون ( معلوما ) للعاقدين قدرا وصفة هو من زيادتي فلا يصح الرهن بدين مجهول كضمانه ( ثابتا ) أي موجودا فلا يصح بما سيثبت بقرض أو غيره لأنه وثيقة حق فلا يقدم على الحق كالشهادة ( لازما ولو مآلا ) كالثمن بعد اللزوم أو قبله فلا يصح بنجوم كتابة لأن الرهن للتوثق والمكاتب له الفسخ متى شاء فيسقط به النجوم فلا معنى لتوثيقها ولا بجعل جعالة قبل الفراغ من العمل وإن شرع فيه لأن لهما فسخها فيسقط به الجعل وإن لزم الجاعل بفسخه وحده أجرة مثل العمل ( وصح مزج رهن بنحو بيع ) كقرض ( إن توسط طرف رهن وتأخر ) الطرف ( الآخر ) كقوله بعتك هذا بكذا أو أقرضتك كذا وارتهنت به عبدك فيقول الآخر ابتعت أو اقترضت ورهنت لأن شرط الرهن في ذلك جائز فمزجه أولى لأن التوثق فيه آكد لأنه قد لا يفي بالشرط
واغتفر تقدم أحد طرفيه على ثبوت الدين لحاجة التوثق قال القاضي في صورة البيع ويقدر وجوب الثمن وانعقاد الرهن عقبه كما لو قال أعتق عبدك عني على كذا فأعتقه عنه فإنه يقدر الملك له ثم يعتق عليه لاقتضاء العتق تقدم الملك وتعبيري بما ذكر أعم مما ذكره ( و ) صح ( زيادة رهن ) على رهن ( بدين ) واحد لأنه زيادة توثقة فهو كما لو رهنهما به معا ( لا عكسه ) أي زيادة دين على دين برهن واحد وإن وفى بهما فلا يصح كما لا يصح رهنه عند غير المرتهن وفارق ما قبله بأن هذا شغل مشغول وذاك شغل فارغ نعم يجوز بالعكس فيما لو جنى المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن ليكون رهنا بالدين والفداء وفيما لو أنفق المرتهن عليه بشرطه ليكون رهنا بالدين والنفقة ( ولا يلزم ) الراهن ( إلا بقبضه ) بما مر في باب المبيع قبل قبضه من ضمان بائع ( بإذن ) من الراهن ( أو إقباض ) منه من زيادتي
ومعلوم أن محل ذلك إذا لم يعرض مانع فلو أذن أو أقبض فجن أو أغمي عليه لم يجز قبضه واللزوم إنما هو في حق الراهن والقبض والإذن أو الإقباض إنما يكون ( ممن يصح عقده ) للرهن فلا يصح شيء منها من غير كصبي ومجنون ومحجور سفه ومكره ( وله ) أي للعاقد ( إنابة غيره ) فيه كالعقد ( لا ) إنابة ( مقبض ) من راهن أو نائبه لئلا يؤدي إلى اتحاد القابض والمقبض فلو
____________________
(1/331)
أذن الراهن لغيره في الإقباض امتنعت إنابته في القبض بخلاف ما لو أذن له في الرهن فقط فتعبيري بالمقبض أولى من تعبيره بالراهن ( و ) لا إنابة ( رقيقه ) أي المقبض ولو كان رقيقه مأذونا له لأن يده كيده ( إلا مكاتبه ) فتصح إنابته لاستقلاله باليد والتصرف كالأجنبي ومثله مبعض بينه وبين سيده مهايأة ووقعت الإنابة في نوبته ( ولا يلزم رهن ما بيد غيره منه ) كمودع ومغصوب ومعار ( إلا بمضي زمن إمكان قبضه ) أي المرهون ( وإذنه ) أي الراهن ( فيه ) أي في قبضه لأن اليد كانت عن غير جهة الرهن ولم يقع تعرض للقبض عنه
والمراد بمضي ذلك مضيه من الإذن ( ويبرأ به عن ضمان يد إيداعه لا ارتهانه ) لأن الإيداع ائتمان ينافي الضمان والارتهان توثق لا ينافيه فإنه لو تعدى في المرهون صار ضامنا مع بقاء الرهن بحاله ولو تعدى في الوديعة ارتفع كونها وديعة وفي معنى ارتهانه إقراضه وتزوجه وإجارته وتوكيله وإبراؤه عن ضمانه وتعبيري في هذه والتي قبلها بما ذكر أعم مما عبر به ( ويحصل رجوعه ) عن الرهن قبل قبضه ( بتصرف يزيل ملكا كهبة مقبوضة ) لزوال محل الرهن ( وبرهن كذلك ) أي مقبوض لتعلق حق الغير وتقييدهما بالقبض هو ما جزم به الشيخان وقضيته أن ذلك بدون قبض لا يكون رجوعا وهو موافق لتخريج الربيع لكن نقل السبكي وغيره عن النص والأصحاب أنه رجوع وصوبه الأذرعي وهو الموافق لنظيره في الوصية وعلى الأول يفرق بينهما بأن الوصية لم يوجد فيها قبول فلم يعتبر في الرجوع عنها القبض بخلاف الرهن ( وكتابة وتدبير وإحبال ) لأن مقصودها العتق وهو مناف للرهن ( لا بوطء وتزويج ) لعدم منافاتهما له ( وموت عاقد ) من راهن أو مرتهن ( وجنونه ) وإغمائه لأن مصيرة إلى اللزوم فلا يرتفع بذلك كالبيع في زمن الخيار فيقوم في الموت ورثة الراهن والمرتهن مقامها في الإقباض والقبض وفي غيره من ينظر في أمر المجنون والمغمى عليه ( وتخمر ) العصير كتخمره بعد قبضه المفهوم بالأولى ولأن حكم الرهن وإن ارتفع بالتخمر عاد بانقلاب الخمر خلا ( وإباق ) لرقيق إلحاقا له بالتخمر ( وليس لراهن مقبض رهن ) لئلا يزاحم المرتهن ( و ) لا ( وطء ) لخوف الإحبال فيمن تحبل وحسما للباب في غيرها ( و ) لا ( تصرف يزيل ملكا ) كوقف لأنه يزيل الرهن ( أو ينقصه كتزويج ) وكإجارة والدين حال أو يحل قبل انقضاء مدتها لأن ذلك ينقص القيمة ويقلل الرغبة فإن كان الدين يحل بعد مدة الإجارة أو مع فراغها جازت الإجارة ويجوز التصرف المذكور مع المرتهن ومع غيره بإذنه كما سيأتي
____________________
(1/332)
( ولا ينفذ ) بمعجمة شيء من هذه التصرفات لضرر المرتهن به ( إلا إعتاق موسر وإيلاده ) فينفذان تشبيها لهما بسراية إعتاق أحد الشريكين نصيبه إلى نصيب الآخر لقوة العتق حالا أو مآلا مع بقاء حق الوثيقة بغرم القيمة كما يأتي نعم لا ينفذ إعتاقه عن كفارة غيره والمراد بالموسر الموسر بقيمة المرهون فإن أيسر ببعضها نفذ فيما أيسر بقيمته ( ويغرم فيمته وقت إعتاقه وإحباله ) وتكون ( رهنا ) مكانه بغير عقد لقيامها مقامه
وقبل الغرم ينبغي أن يحكم بأنها مرهونة كالأرش في ذمة الجاني وخرج بالموسر المعسر فلا ينفذ منه إعتاق ولا إيلاد وذكر الغرم في الإيلاد من زيادتي ( والولد ) الحاصل من وطء الراهن ( حر ) نسيب ولا يغرم قيمته ولا حد ولا مهر عليه لكن يغرم أرش البكارة ويكون رهنا ( وإذا لم ينفذا ) أي الإعتاق والإيلاد ( فانفك ) الرهن من غير بيع ( نفذ الإيلاد ) لا الإعتاق لأن الإعتاق قول يقتضي العتق في الحال فإذا رد لغا والإيلاد فعل لا يمكن رده وإنما يمنع حكمه في الحال لحق الغير فإذا زال الحق ثبت حكمه فإن انفك ببيع لم ينفذ الإيلاد إلا أن ملك الأمة ( فلو ماتت بالولادة ) وهو معسر حال الإيلاد ثم أيسر ( عرم قيمتها ) وقت الإحبال وكانت ( رهنا ) مكانها لأنه تسبب في إهلاكها بالإحبال بغير استحقاق ( ولو علق ) عتق المرهون ( بصفة فوجدت قبل الفك ) للرهن ( فكإعتاق ) فينفذ العتق من الموسر ويترتب عليه ما مر فيه لأن التعليق مع وجود الصفة كالتنجيز ( وإلا ) بأن وجدت بعد الفك أو معه وهو من زيادتي ( نفذ ) العتق من موسر وغيره إذ لا يبطل بذلك حق المرتهن ( وله ) أي للراهن ( انتفاع ) بالمرهون ( لا ينقصه كركوب وسكنى ) لخبر البخاري الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ( لابناء وغرس ) لأنهما ينقصان قيمة الأرض نعم لو كان الدين مؤجلا وقال أنا أقلع عند الأجل فله ذلك وحكم البناء والغرس مع ما قبلهما وإن علم مما مر أعيد ليبنى عليه ما يأتي ( فإن فعل ) ذلك ( لم يقلع قبل الحلول ) لأجل ( بل ) يقلع ( بعده إن لم تف الأرض ) أي قيمتها ( بالدين وزادت به ) أي بقلع ذلك ولم يأذن الراهن في بيعه مع الأرض ولم يحجر عليه لتعلق حق المرتهن بأرض فارغة فإن وفت الأرض بالدين أو لم تزد بالقلع أو أذن الراهن فيما ذكر أو حجر عليه لم يقلع بل يباع مع الأرض ويوزع الثمن عليهما ويحسب النقص على البناء والغراس ( ثم إن أمكن بلا استرداد ) للمرهون ( انتفاع يريده ) الراهن منه كأن يكون عبدا يخيط وأراد منه الخياطة ( لم يسترد ) لأن اليد للمرتهن كما سيأتي وقولي يريده من زيادتي ( وإلا ) أي وإن لم يمكن الانتفاع بلا استرداد ( فيسترد ) كأن يكون دارا يسكنها أو دابة يركبها أو عبدا يخدمه ويرد الدابة والعبد إلى المرتهن ليلا وشرط استرداده الأمة أمن غشيانها
____________________
(1/333)
ككونه محرما لها أو ثقة وله أهل ( ويشهد ) عليه المرتهن بالاسترداد للانتفاع شاهدين في كل استرداده ( إن اتهمه ) فإن وثق به فلا حاجة إلى الإشهاد ( وله بإذن مرتهن ما منعناه ) من تصرف وانتفاع فيحل الوطء فإن لم يحبل فالرهن بحاله وإن أحبل أو أعتق أو باع نفذت وبطل الرهن ( لا بيعه بشرط تعجيل مؤجل ) من ثمنه وعليه اقتصر الأصل أو غيره ( أو ) بشرط ( رهن ثمنه ) وإن كان الدين حالا فلا يصح البيع لفساد الإذن بفساد الشرط ووجهوا فساد الشرط في الثانية بجهالة الثمن عند الإذن ( وله ) أي للمرتهن ( رجوع ) عن الإذن ( قبل تصرف راهن ) كما للموكل الرجوع قبل تصرف الوكيل وله الرجوع أيضا بعد تصرفه بهبة أو رهن بلا قبض ويوطء بلا إحبال ( فإن تصرف بعده ) أي بعد رجوعه ولو جاهلا به ( لغا ) تصرفه كتصرف وكيل عزله موكله
فصل فيما يترتب على لزوم الرهن ( إذا لزم ) الرهن ( فاليد ) في المرهون ( للمرتهن ) لأنها الركن الأعظم في التوثق وخرج بزيادتي ( غالبا ) ما لو رهن رقيقا مسلما أو مصحفا من كافر أو سلاحا من حربي فيوضع عند من له تملكه وما لو رهن أمة فإن كانت صغيرة لا تشتهى أو كان المرتهن محرما أو ثقة من امرأة أو ممسوح أو من أجنبي عنده حليلته أو محرمة أو امرأتان ثقتان وضعت عنده وإلا فعند محرم لها أو ثقة ممن مر والخنثى كالأمة لكن لا يوضع عند امرأة أجنبية وتقدم أن اليد تزال للانتفاع ( ولهما ) أي الراهن والمرتهن ( شرط وضعه ) أي المرهون ( عند ثالث أو اثنين ) مثلا لأن كلا منهما قد لا يثق بالآخر وكما يتولى الواحد الحفظ يتولى القبض أيضا كما اقتضاه كلام ابن الرفعة ( ولا ينفرد ) في صورتي الإثنين ( أحدهما بحفظه ) كنظيره في الوكالة والوصية فيجعلانه في حرز لهما فإن انفرد أحدهما بحفظه ضمن نصفه أو سلم أحدهما إلى الآخر ضمنا معا النصف ( إلا بإذن ) من العاقدين فيجوز الانفراد وتعبيري كالروضة وأصلها بثالث أولى من تعبيره بعدل فإن الفاسق كالعدل في ذلك لكن محله فيمن يتصرف لنفسه التصرف التام أما غيره كولي ووكيل وقيم ومأذون له وعامل قراض ومكاتب حيث يجوز لهم ذلك فلا بد من عدالة من يوضع المرهون عنده ذكره الأذرعي
____________________
(1/334)
( وينقل ممن هو ) أي المرهون ( بيده ) من مرتهن أو ثالث وإن لم يتغير حاله إلى آخر ( باتفاقهما ) عليه ( وإن تغير حاله ) بموته أو فسقه أو زيادة فسقه وعجز عن حفظه أو حدوث عداوة بينه وبين أحدهما ( وتشاحا ) فيه ( وضعه حاكم عند عدل ) يراه قطعا للنزاع وتعبيري بما ذكر أعم وأولى من قوله ولو مات العدل أو فسق جعلاه حيث يتفقان وإن تشاحا وضعه الحاكم عند عدل ( ويبيعه الراهن ) ولو بنائبه ( بإذن مرتهن ) ولو بنائبه ( للحاجة ) أي عندها بأن حل الدين ولم يوف وإنما احتيج إلى إذن المرتهن لأن له فيه حقا ( ويقدم ) أي المرتهن ( بثمنه ) على سائر الغرماء لأن حقه متعلق به وبالذمة وحقهم متعلق بالذمة فقط ( فإن أبى ) المرتهن ( الإذن قال له الحاكم ائذن ) في بيعه ( أو أبرىء ) دفعا لضرر الراهن ( أو ) أبى ( الراهن بيعه ألزمه الحاكم به ) أي ببيعه ( أو بوفاء ) بحبس أو غيره ( فإن أصر ) أحدهما على الإباء ( باعه الحاكم ) عليه وقضى الدين من ثمنه ( ولمرتهن بيعه ) في الدين ( بإذن راهن وحضرته ) بخلافه في غيبته لأنه يبيعه لغرض نفسه فيتهم في الاستعجال وترك النظر في الغيبة دون الحضور نعم إن كان الدين مؤجلا أو قال بعه بكذا صح البيع لانتفاء التهمة ( وللثالث بيعه ) عند المحل ( إن شرطاه وإن لم يراجع الراهن ) في البيع لأن الأصل دوام الإذن أما المرتهن فقال العراقيون يشترط مراجعته قطعا فربما أمهل أو أبرأ
وقال الإمام لا خلاف أنه لا يراجع لأن غرضه توفية الحق والمعتمد الأول لأن إذنه في البيع قبل القبض لا يصح بخلاف الراهن وينعزل الثالث بعزل الراهن لا المرتهن لأنه وكيله في البيع وإذن المرتهن شرط في صحته ويكون بيع الثالث له ( بثمن مثله حالا من نقد بلده ) كالوكيل فإن أخل بشيء منها لم يصح البيع لكن لا يضر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به الناس لأنهم يتسامحون فيه وفي معنى الثالث الراهن والمرتهن كما بحثه الأسنوي ولو رأى الحاكم بيعه بجنس الدين من غير نقد البلد جاز ( فإن زاد ) في الثمن ( راغب قبل لزومه ) أي البيع واستقرت الزيادة ( فليبعه ) بالزائد وإن لم يفسخ البيع الأول ويكون الثاني فسخا له ( وإلا ) أي وإن لم يبعه بعد تمكنه من بيعه ( انفسخ ) وهذا من زيادتي ولو رجع الراغب عن الزيادة بعد التمكن من بيعه اشترط بيع جديد
وقولي فليبعه أولى من قوله فليفسخ وليبعه فإنه قد يفسخ فيرجع الراغب فإن زيد بعد اللزوم فلا أثر للزيادة ( والثمن عنده من ضمان الراهن ) حتى يقبضه المرتهن لأنه ملكه والثالث أمينه فما تلف في يده يكون من ضمان المالك فإن ادعى الثالث تلفه صدق بيمينه أو تسليمه إلى المرتهن فأنكر صدق بيمينه فإذا حلف أخذ حقه من الراهن ورجع الراهن على الثالث وإن كان أذن له في التسليم
____________________
(1/335)
( فإن تلف ) الثمن ( في يده ثم استحق المرهون رجع المشتري عليه أو على الراهن والقرار عليه ) فيرجع الثالث الغارم عليه فإن كان الآذن له في البيع الحاكم لنحو غيبة الراهن أو موته رجع المشتري في مال الراهن ولا يكون الثالث طريقا في الضمان لأنه نائب الحاكم وهو لا يضمن ولو تلف الثمن في يده بتفريط فمقتضى تصوير الإمام قصر الضمان عليه قال السبكي وهو الأقرب وإن اقتضى إطلاق غيره خلافه وفي معنى الثالث فيما ذكر المرتهن ( وعليه ) أي الراهن المالك ( مؤنة مرهون ) كنفقة رقيق وكسوته وعلف دابة وأجرة سقي أشجار وجذاذ ثمار وتجفيفها ورد آبق ومكان حفظ فيجبره عليها لحق المرتهن ( ولا يمنع ) الراهن ( من مصلحته ) أي المرهون ( كفصد وحجم ) ومعالجة بأدوية عند الحاجة إليها حفظا لملكه ولا يجبر عليها ( وهو أمانة بيد المرتهن ) لخبر الراهن من راهنه أي من ضمانه رواه ابن حبان والحاكم
وقال على شرط الشيخين فلا يسقط بتلفه شيء من دينه كموت الكفيل بجامع التوثق ولا يضمنه المرتهن إلا إذا تعدى فيه أو امتنع من رده بعد البراءة من الدين ( وأصل فاسد كل عقد ) صدر ( من رشيد كصحيحه في ضمان ) وعدمه لأنه إن اقتضى صحيحه الضمان ففاسدة أولى أو عدمه ففاسدة كذلك لأن واضع اليد أثبتها بإذن المالك ولم يلتزم بالعقد ضمانا فالمقبوض بفاسد بيع أو إعارة مضمون وبفاسد رهن أو هبة غير مضمون وخرج بزيادتي من رشيد ما لو صدر من غيره ما لا يقتضي صحيحه الضمان فإنه مضمون ونبهت بزيادتي أصل تبعا للأصحاب على أنه قد يخرج عن ذلك مسائل فمن الأول ما لو قال قارضتك على أن الربح كله لي فهو قراض فاسد ولا يستحق العامل أجرة وما لو قال ساقيتك على أن الثمرة كلها لي فهو فاسد ولا يستحق العامل أجرة وما لو صدر عقد الذمة من غير الإمام فهو فاسد ولا جزية فيه على الذمي ومن الثاني الشركة فإنه يضمن كل من الشريكين عمل الآخر مع صحتها ويضمنه مع فسادها وما لو صدر الرهن أو الإجارة من متعد كغاصب فتلفت العين في يد المرتهن أو المستأجر فللمالك تضمينه وإن كان القرار على المتعدي مع أنه لا ضمان في صحيح الرهن والإجارة ( وشرط كونه ) أي المرهون ( مبيعا له عند محل ) بكسر الحاء أي وقت الحلول ( مفسد ) لرهن لتأقيته وللبيع لتعليقه ( وهو ) أي المرهون بهذا الشرط ( قبله ) أي قبل المحل ( أمانة ) لأنه مقبوض بحكم الرهن الفاسد وبعده مضمون لأنه مقبوض بحكم الشراء الفاسد وبعده مضمون لأنه مقبوض بحكم الشراء الفاسد فإن قال رهنتك وإذا لم أقض عند الحلول فهو مبيع منك فسد البيع قال السبكي لا الرهن فيما يظهر لأنه لم يشترط فيه شيئا
وكلام الروياني يقتضيه ( وحلف ) أي المرتهن فيصدق ( في دعوى تلف ) لم يذكر سببه كالمكتري فإن ذكر سببه
____________________
(1/336)
ففيه التفصيل الآتي في الوديعة والمراد أنه لا يضمن وإلا فالمتعدي كالغاصب يصدق بيمينه في ذلك ( لا ) في دعوى ( رد ) إلى الراهن لأنه قبضه لغرض نفسه كالمستعير ( ولو وطىء ) المرتهن المرهونة بشبهة أو بدونها ( لزمه مهر إن عذرت ) كأن أكرهها أو جهلت التحريم كأعجمية لا تعقل ( ثم إن كان ) وطؤه ( بلا شبهة ) منه ( حد ) لأنه زان ( ولا يقبل دعواه جهلا ) بتحريم الوطء ( والولد رقيق غير نسيب وإلا ) بأن كان وطؤه بشبهة منه كأن جهل تحريمه وأذن له فيه الراهن أو قرب إسلامه أو نشأ بعيدا عن العلماء ( فلا ) أي فلا يحد ويقبل دعواه الجهل بيمينه والولد حر نسيب لا حق به للشبهة ( وعليه قيمة الولد لمالكها ) لتفويته الرق عليه وقولي ولو وطىء إلى آخره أعم مما ذكره ( ولو أتلف مرهون فبدله ) ولو قبل قبضه ( رهن ) مكانه بغير عقد ويجعل بعد قبضه في يد من كان الأصل في يده من المرتهن أو الثالث وتعبيري بما ذكر أولى من قوله ولو أتلف المرهون وقبض بدله صار رهنا لما عرفت أنه يكون رهنا قبل قبضه وإن كان دينا كما رجحه في الروضة لأن الدين إنما يمتنع رهنه ابتداء ( والخصم فيه ) أي في البدل ( المالك ) راهنا كان أو معيرا للمرهون لأنه المالك للرقبة والمنفعة بخلاف المرتهن وإن تعلق حقه بما في الذمة وله إذا خاصم المالك حضور خصومته لتعلق حقه بالبدل وتعبيري في الموضعين بالمالك أولى من تعبيره بالراهن ( فلو وجب قصاص ) في المرهون المتلف ( واقتص ) أي المالك له أو عفا بلا مال ( فات الرهن ) فيما جنى عليه لفوات محله بلا بدل ( أو ) وجب ( مال ) بعفوه عن قصاص بمال أو كون الجناية خطأ أو شبه عمد أو عمدا يوجب ما لا لعدم المكافأة مثلا وتعبيري بذلك أعم من قوله فإن وجب مال بعفوه أو بجناية خطأ ( لم يصح عفوه عنه ) لحق المرتهن ( ولا ) يصح ( إبراء المرتهن الجاني ) لأنه ليس بمالك ولا يسقط بإبرائه حقه من الوثيقة ( وسرى رهن إلى زيادة ) في المرهون ( متصلة ) كسمن وكبر شجرة إذ لا يمكن انفصالها بخلاف المنفصلة كثمرة وولد وبيض لانتفاء ذلك ولأنه عقد لا يزيل الملك فلا يسري إليها كالإجارة
( ودخل في رهن حامل حملها ) بناء على أن الحمل يعلم فهو رهن بخلاف رهن الحائل لا يتبعها حملها الحادث فليس برهن بناء على ذلك ويتعذر بيعها حاملا لأن استثناء الحمل متعذر وتوزيع الثمن على الأم أو الحمل كذلك لأن الحمل لا تعرف قيمته قال الأسنوي كذا أطلقه الرافعي لكن نص في الأم على أن الراهن لو سأل أن تباع ويسلم الثمن كله للمرتهن كان له ذلك
____________________
(1/337)
( ولو جنى مرهون على أجنبي قدم به ) على المرتهن لأن حقه متعين في الرقبة بخلاف حق المرتهن لتعلقه بها وبالذمة ( فإن اقتص ) منه المستحق ( أو بيع له ) أي لحقه بأن أوجبت الجناية مالا أو عفا على مال ( فات الرهن ) فيما اقتص فيه أو بيع لفوات محله نعم إن وجبت قيمته كأن كان تحت يد غاصب لم يفت الرهن بل تكون قيمته رهنا مكانه فلو عاد المبيع إلى ملك الرهن لم يكن رهنا ( كما لو تلف ) المرهون بآفة سماوية ( أو جني على سيده فاقتص ) منه المستحق فيفوت الرهن لذلك ( لا إن وجد ) والجناية على غير أجنبي ( سبب ) وجوب ( مال ) كأن عفا عليه أو كان القتل خطأ فلا يفوت الرهن وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بعفا على مال ( وإن قتل مرهون مرهونا لسيده عند آخر فاقتص ) منه السيد ( فات الرهنان ) لفوات محلهما ( وإن وجب مال ) كأن قتل خطأ أو عفى على مال ( تعلق به ) أي بالمال ( حق مرتهن القتيل ) والمال متعلق برقبة القاتل ( فيباع ) بقيد زدته بقولي ( إن لم تزد قيمته على الواجب ) بالقتل ( وثمنه ) إن لم يزد على الواجب ( رهن ) وإلا فقدر الواجب منه لا أنه يصير نفسه رهنا لأن حق المرتهن في ماليته لا في عينه ولأنه قد يرغب فيه بزيادة فيتوثق مرتهن القاتل بها فإن زادت قيمة القاتل على الواجب بيع قدره وحكم ثمنه ما مر فإن تعذر بيع بعضه أو نقص به بيع الكل وصار الزائد رهنا عند مرتهن القاتل ولو اتفق الراهن والمرتهن على النقل فعل أو الراهن ومرتهن القتيل فنقل الشيخان عن الإمام أنه ليس لمرتهن القاتل طلب البيع ثم قالا ومقتضى التوجيه بتوقع زيادة راغب أن له ذلك ( فإن كانا ) أي القاتل والقتيل ( مرهونين بدين ) واحد عند شخص فأكثر ( أو بدينين عند شخص فإن اقتص سيد ) من القاتل ( فأتت الوثيقة وإلا ) بأن لم يقتص منه بل وجب مال متعلق برقبته ( نقصت ) أي الوثيقة ( في الأولى وتنقل في الثانية لغرض ) أي فائدة للمرتهن بأن يباع القاتل ويصير ثمنه رهنا مكان القتيل فإن لم يكن في نقلها غرض لم تنقل فلو كان أحد الدينين حالا والآخر مؤجلا أو كان أحدهما أطول أجلا من الآخر فللمرتهن التوثق بثمن القاتل لدين القتيل فإن كان حالا فالفائدة استيفاؤه من ثمن القاتل في الحال أو مؤجلا فقد توثق ويطالب بالحال وإن اتفق الدينان قدرا وحلولا وتأجيلا
وقيمة القتيل أكثر من قيمة القاتل أو مساوية لها لم تنقل الوثيقة لعدم الفائدة وإن كانت قيمة القاتل أكثر نقل منه قدر قيمة القتيل وذكر فوات الوثيقة في الصورتين مع الإطلاق عن التقييد في الأولى في النقص بشخص من زيادتي ( وينفك ) الرهن ( بفسخ مرتهن ) ولو بدون الراهن لأن الحق له وهو جائز من جهته
____________________
(1/338)
( وببراءة من الدين ) بأداء أو إبراء أو حوالة أو غيرها ( لا ) ببراءة من ( بعضه فلا ينفك شيء ) من المرهون كحق حبس المبيع وعتق المكاتب ولأنه وثيقة لجميع أجزاء الدين كالشهادة ( إلا إن تعدد عقد أو مستحق ) للدين ( أو مدين أو مالك معار رهن ) فينفك بعضه بالقسط كأن رهن بعض عبد بدين وباقيه بآخر ثم برىء من أحدهما أو رهن عبدا من اثنين بدينيهما عليه ثم برىء من دين أحدهما أو رهن إثنان من واحد بدينه عليهما ثم برىء أحدهما مما عليه أو رهن عبدا استعاره من اثنين ليرهنه ثم أدى نصف الدين وقصد فكاك نصف العبد أو أطلق ثم جعله عنه وذكر تعدد المستحق ومالك المعار من زيادتي
فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به
لو ( اختلفا ) أي الراهن والمرتهن ( في رهن تبرع ) أي أصله كأن قال رهنتني كذا فأنكر ( أو قدره ) أي الرهن بمعنى المرهون كأن قال رهنتني الأرض بشجرها فقال بل وحدها ( أو عينه ) كهذا العبد فقال بل الثوب ( أو قدر مرهون ) كألفين فقال بل بألف وهذان من زيادتي ( حلف راهن ) وإن كان المرهون بيد المرتهن لأن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن وخرج برهن التبرع الرهن المشروط في بيع بأن اختلفا في اشتراطه فيه أو اتفقا عليه واختلفا في شيء مما مر غير الأولى فيتحالفان فيه كسائر صور البيع إذا اختلفا فيه ( ولو ادعى أنهما رهناه عبدهما بمائة وأقبضاه وصدقه أحدهما فنصيبه رهن بخمسين ) مؤاخذة له بإقراره
( وحلف المكذب ) لما مر ( وتقبل شهادة المصدق عليه ) لخلوها عن التهمة فإن شهد معه آخر أو حلف المدعي ثبت رهن الجميع وقولي وأقبضاه من زيادتي ( ولو اختلفا في قبضه ) أي المرهون ( وهو بيد راهن أو ) بيد ( مرتهن وقال الراهن غصبته أو أقبضته عن جهة أخرى ) كإعارة وإجارة وإيداع ( حلف ) لأن الأصل عدم لزوم الرهن وعدم إذنه في القبض عن الرهن بخلاف ما لو كان بيد المرتهن ووافقه الراهن على إذنه له في قبضه عنه لكنه قال إنك لم تقبضه عنه أو رجعت عن الإذن فيحلف المرتهن ( ولو أقر )
____________________
(1/339)
الراهن ولو في مجلس الحكم بعد الدعوى عليه ( بقبضه ) أي بقبض المرتهن المرهون ( ثم قال إن لم يكن إقراري عن حقيقة فله تحليفه ) أي المرتهن أنه قبض المرهون ( وإن لم يذكر ) أي الراهن لإقراره ( تأويلا ) كقوله ظننت حصول القبض بالقول أو شهدت على رسم القبالة لأنا نعلم أن الوثائق في الغالب يشهد عليها قبل تحقيق ما فيها ( ولو اختلفا في جناية ) عبد ( مرهون أو قال الراهن جنى قبل قبض حلف منكر ) على نفي العلم بالجناية إلا أن ينكرها الراهن في الأولى فعلى البت لأن الأصل عدمها وبقاء الرهن في الأولى وصيانة لحق المرتهن في الثانية وإذا بيع للدين في الأولى فلا شيء للمقر له ولا يلزم تسليم الثمن إلى المرتهن المقر ( وإذا حلف ) أي المنكر ( في الثانية غرم الراهن ) للمجنى عليه ( الأقل من قيمته ) أي المرهون ( والأرش ) كما في جناية أم الولد لامتناع البيع ( ولو نكل ) المنكر فيهما ( حلف المجنى عليه ) لأن الحق له لا المقر لأنه لم يدع لنفسه شيئا ( ثم ) إذا حلف المجنى عليه ( بيع ) العبد ( للجناية ) لثبوتها باليمين المردودة ( إن استغرقت ) أي الجناية قيمته وإلا بيع منه بقدرها ولا يكون الباقي رهنا إن كانت الجناية قبل القبض لأن اليمين المردودة كالبينة أو كالإقرار بأنه كان جانيا في الابتداء فلا يصح رهن شيء منه وقولي ولو نكل إلى آخره من زيادتي في الأولى وإن استغرقت من زيادتي في الثانية ( ولو أذن ) أي المرتهن ( في بيع مرهون فبيع ثم ) بعد بيعه ( قال رجعت قبله وقال الراهن بعده حلف المرتهن ) لأن الأصل عدم رجوعه في الوقت الذي يدعيه والأصل عدم بيع الراهن في الوقت الذي يدعيه فيتعارضان ويبقى أن الأصل استمرار الرهن وذكر التحليف في هذه والتي بعدها من زيادتي ( كمن عليه دينان بأحدهما وثيقة ) كرهن ( فأدى أحدهما ونوى دينها ) أي الوثيقة فإنه يحلف فهو مصدق على المستحق القائل إنه أدى عن الدين الآخر سواء اختلفا في نية ذلك أم في لفظه لأن المؤدى أعرف بقصده وكيفية أدائه ( وإن أطلق ) بأن لم ينو شيئا ( جعله عما شاء ) منهما كما في زكاة المالين الحاضر والغائب فإن جعله عنهما قسط عليهما بالسوية بالقسط كما أوضحته في شرح الروض وتعبيري بما ذكر أعم من قوله ألفان بأحدهما رهن
____________________
(1/340)
فصل في تعلق الدين بالتركة ( من مات وعليه دين ) مستغرق أو غيره لله تعالى أو لآدمي ( تعلق بتركته كمرهون ) وإن انتقلت إلى الوارث مع وجود الدين كما يأتي لأن ذلك أحوط للميت وأقرب لبراءة ذمته ويستوي في حكم التصرف الدين المستغرق وغيره فلا ينفذ تصرف الوارث في شيء منها غير إعتاقه وإيلاده إن كان موسرا كالمرهون سواء أعلم الوارث الدين أم لا لأن ما تعلق بالحقوق لا يختلف بذلك نعم لو أدى بعض الورثة من الدين بقسط ما ورث انفك نصيبه كما في تعدد الراهن بخلاف ما لو رهن المورث عينا ثم مات فلا ينفك شيء منها إلا بأداء الجميع والفرق أن الرهن الوضعي أقوى من الشرعي ( ولا يمنع ) تعلق الدين بها ( إرثا ) إذ ليس في الإرث المفيد للملك أكثر من تعلق الدين بالموروث تعلق رهن أو أرش وذلك لا يمنع الملك في المرهون والعبد الجاني وتقديم الدين على الإرث لإخراجه من أصل التركة في قوله تعالى من بعد وصية يوصي بها أو دين لا يمنع ذلك ( فلا يتعلق ) أي الدين ( بزوائدها ) أي التركة ككسب ونتاج لأنها حدثت في ملك الوارث ( وللوارث إمساكها بالأقل من قيمتها والدين ) حتى لو كان الدين أكثر من التركة
وقال الوارث أنا آخذها بقيمتها وأراد الغرماء بيعها لتوقع زيادة راغب أجيب الوارث لأن الظاهر أنها لا تزيد على القيمة وهذه الصورة واردة على قول الأصل للوارث إمساكها وقضاء الدين من ماله ( ولو تصرف ولا دين فظهر دين ) بنحو رد مبيع بعيب تلف ثمنه ( ولم يسقط ) أي الدين بأداء أو إبراء أو نحوه ( فسخ ) التصرف فعلم أنه لم يبن فساده لأنه كان جائزا له ظاهرا وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به أما لو كان ثم دين خفي ثم ظهر بعد تصرفه فهو فاسد كما مرت الإشارة إليه
____________________
(1/341)
كتاب التفليس هو لغة النداء على المفلس وشهره بصفة الإفلاس المأخوذ من الفلوس التي هي أخس الأموال
وشرعا جعل الحاكم المديون مفلسا بمنعه من التصرف في ماله
والأصل فيه ما رواه الدارقطني وصحح إسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله في دين كان عليه وقسمه بين غرمائه فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ليس لكم إلا ذلك ( من عليه دين آدمي لازم حال زائد على ماله حجر عليه ) في ماله إن استقل ( أو على وليه ) في مال موليه إن لم يستقل ( وجوبا ) فلا حجر بدين لله تعالى غير فوري كنذر مطلق وكفارة لم يعص بسببها ولا بدين غير لازم كنجوم كتابة لتمكن المدين من إسقاطه ولا بمؤجل لأنه لا يطالب به ولا بدين مساو لماله أو ناقص عنه فلا يجب الحجر في شيء من ذلك نعم لو طلبه الغرماء في المساوي أو الناقص بعد الامتناع من الأداء وجب لكنه ليس بحجر فلس بل حجر غريب
والمراد بماله ماله العيني أو الديني الذي يتيسر الأداء منه بخلاف المنافع والمغصوب والغائب ونحوهما
وقولي آدمي لازم مع قولي أو على وليه وجوبا من زيادتي وإنما يحجر على من ذكر ( بطلبه ) ولو بوكيله لأن له فيه غرضا ظاهرا ( أو طلب غرمائه ) ولو بنوابهم كأوليائهم لأن الحجر لحقهم ( أو ) طلب ( بعضهم ودينه كذلك ) أي لازم إلى آخره فإن كان لغريمه ولي خاص ولم يطلب حجر عليه الحاكم ( وسن ) له ( إشهاد على حجره ) أي المفلس مع النداء عليه ليحذر الناس معاملته والتصريح بالسن من زيادتي ( ولا يحل ) دين ( مؤجل بحجر ) بحال بخلاف الموت لأن الذمة خربت بالموت دون الحجر ( وبه ) أي وبالحجر عليه بطلب أو بدونه ( يتعلق حق الغرماء بماله ) كالرهن عينا كان أو دينا أو منفعة فلا تزاحمهم فيه الديون الحادثة ( ولا يصح تصرفه فيه بما يضرهم كوقف وهبة ولا ) يصح ( بيعه ) ولو لغرمائه بدينهم بغير إذن القاضي لأن الحجر يثبت على العموم ومن الجائز أن يكون له غريم آخر وخرج بحق الغرماء حق الله تعالى المقيد بما مر كزكاة ونذر وكفارة فلا يتعلق بمال المفلس كما جزم به في الروضة كأصلها في الإيمان وبتصرفه فيه تصرفه في غيره كتصرفه بيعا وشراء في ذمته فيثبت المبيع والثمن فيهما وكنكاحه وطلاقه وخلعه إن صدر من زوج واقتصاصه وإسقاطه القصاص ورده بعيب أو إقالة إن كان بغبطة إذ لا
____________________
(1/342)
ضرر على الغرماء بذلك ( ويصح إقراره ) في حقهم ( بغبن أو جناية ) ولو بعد الحجر ( أو بدين أسند وجوبه لما قبل الحجر )
كما يصح في حقه وكإقرار المريض بدين يزاحم به الغرماء فإن أسند وجوبه لما بعد الحجر وقيده بمعاملة أو لم يقيده بها ولا بغيرها أو لم يسند وجوبه لما قبل الحجر ولا لما بعده لم يقبل إقراره في حقهم فلا يزاحمهم المقر له في الثلاث لتقصيره بمعاملته له في الأولى ولتنزيله على أقل المراتب وهو دين المعاملة في الثانية
ولأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن في الثالثة وقيدها في الروضة بما إذا تعذرت مراجعة المقر قال فإن أمكنت فينبغي أن يراجع لأنه يقبل إقراره انتهى ويتجه مثله في الثانية ( تنبيه ) أفتى ابن الصلاح بأنه لو أقر بدين وجب بعد الحجر واعترف بقدرته على وفائه قبل وبطل ثبوت إعساره أي لأن قدرته على وفائه شرعا تستلزم قدرته على وفاء بقية الديون ( ويتعدى الحجر لما حدث بعده بكسب كاصطياد ) وهذا أعم من قوله حدث بعده باصطياد ( ووصية وشراء ) نظرا لمقصود الحجر المقتضى شموله للحادث أيضا نعم إن وهب له بعضه أو أوصى له به وتم العقد فإنه يعتق عليه ولا تعلق للغرماء به ( ولبائع ) إن ( جهل ) الحال الفسخ والتعلق بماله كما سيأتي و ( أن يزاحم ) الغرماء بثمنه وإن وجد ماله بخلاف العالم لتقصيره
فصل فيما يفعل المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما ( يبادر قاض ببيع ماله ) بقدر الحاجة لئلا يطول زمن الحجر ولا يفرط في المبادرة لئلا يطمع فيه بثمن بخس ولو مركوبه ومسكنه وخادمة ) وإن احتاجها لمنصبه أو لغيره لأنه يسهل تحصيلها بأجرة فإن تعذر فعلى المسلمين والتصريح بذكر المركوب من زيادتي ( بحضرته ) بنفسه أو نائبه ( مع غرمائه ) بأنفسهم أو نوابهم لأنه أطيب للقلوب ولأنه يبين ما في ماله من العيب فلا يرد وهم قد يزيدون في الثمن ( في سوقه ) لأن طالبيه فيه أكثر ( وقسم ثمنه ) بين غرمائه ( ندبا ) في الجميع وهو من زيادتي فإن كان لنقل المال إلى السوق مؤنة ورأى القاضي استدعاء أهله إليه جاز قال الماوردي وابن الرفعة ولا بد في البيع من ثبوت كونه ملكه وحكى فيه السبكي وجهين ورجح الاكتفاء باليد ويؤيد الأول أن الشركاء لو طلبوا من الحاكم قسمة شيء بأيديهم لم يجبهم حتى يثبت ملكهم ( بثمن مثله حالا من نقد بلد محله ) أي
____________________
(1/343)
البيع لأنه أسرع إلى قضاء الحق ( وجوبا ) في ذلك وهو من زيادتي نعم أن رأى القاضي البيع بمثل ديون الغرماءأو رضوا مع المفلس بثمن مؤجل أو بغير نقد المحل جاز ( وليقدم ) في البيع ( ما يخاف فساده ) لئلا يضيع ( فما تعلق به حق ) كمرهون وهذا من زيادتي ( فحيوانا ) لحاجته إلى النفقة وكونه عرضة للهلاك ( فمنقولا فعقارا ) بفتح العين أشهر من ضمها لأن المنقول يخشى عليه السرقة ونحوها بخلاف العقار وقال السبكي الأحسن تقديم ما تعلق به حق ثم غيره ويقدم منهما ما يخاف فساده قال الأذرعي والظاهر أن الترتيب في غير ما يخاف فساده وغير الحيوان مندوب لا واجب ( ثم إن كان النقد ) الذي بيع به ( غير دينهم ) جنسا أو نوعا ( اشترى ) لهم ( إن لم يرضوا بالنقد ) لأنه واجبهم ( وإلا ) بأن رضوا به ( صرف لهم إلا في نحو سلم ) مما يمتنع الاعتياض فيه كمبيع في الذمة فلا يجوز صرفه لهم ونحو من زيادتي ( ولا يسلم ) القاضي ( مبيعا قبل قبض ثمنه ) احتياطا لأنه يتصرف عن غيره فإن خالف ضمن كذا في الروضة وأصلها
وينبغي كما قاله السبكي أن محله إذا فعله جاهلا أو معتقدا تحريمه فإن فعله باجتهاد أو تقليد صحيح فلا ضمان ( وما قبض قسمه بين الغرماء ) بنسبة ديونهم على التدريج لتبرأ منه ذمة المفلس ويصل إليه المستحق بل إن طلب الغرماء القسمة وجبت ( فإن عسر ) قسمه لقلته وكثرة الديون ( أخر ) قسمة ليجتمع ما يسهل قسمه فإن أبو التأخير بل طلبوا قسمه ففي النهاية يجيبهم ونقله السبكي عن العراقيين وقال الشيخان الظاهر خلافه ونقله غيرهما عن الماوردي وغيره قال السبكي بل الظاهر ما في النهاية لأن الحق لهم فلا يجوز التأخير عند الطلب إلا أن تظهر مصلحة في التأخير ولعل هذا مراد الشيخين ( ولا يكلفون ) عند القسمة ( إثبات أن ) هو أعم من قوله بينة بأن ( لا غريم غيرهم ) لأن الحجر يشتهر ولو كان ثم غريب لظهر وطلب حقه ( فلو قسم فظهر غريم أو حدث دين سبق سببه الحجر ) كأن استحق مبيع مفلس قبل حجره وثمنه المقبوض تالف ( شارك ) الغريم في الصورتين الغرماء ( بالحصة ) فلا تنقص القسمة لحصول المقصود بذلك مع وجود المسوغ ظاهرا وفارق نقضها فيما لو ظهر بعد قسمة التركة وارث بأن حق الوارث في عين المال بخلاف حق الغريم فإنه في قيمته فلو قسم مال المفلس وهو خمسة عشر على غريمين لأحدهماعشرون وللآخر عشرة وأخذ الأول عشرة والثاني خمسة ثم ظهر غريم له ثلاثون رجع على كل منهما بنصف ما أخذه هذا إذا أيسر الغرماء كلهم فلو أعسر بعضهم جعل كالمعدوم وشارك الغريم الباقين فإن أيسر رجعوا عليه بالحصة كما أوضحته في شرح الروض وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على ما مثلت به في الشرح
____________________
(1/344)
( ولو استحق مبيع قاض ) وثمنه المقبوض تالف ( قدم مشتر ) ببدل ثمنه إذ لو حاصص الغرماء به لأدى إلى رغبة الناس عن شراء مال المفلس أما غير التالف فيرد ( ويمون ) أي القاضي من مال المفلس ( ممونه ) من نفسه وزوجاته اللاتي نكحهن قبل الحجر ومماليكه كأمهات أولاده وأقاربه وإن حدثوا بعده وتعبيري بذلك أعم من قوله ينفق على من عليه نفقته ( حتى يمضي يوم قسم ماله بليلته ) التي بعده أو ليلة قسم ماله بيومها الذي بعدها ما لم يتعلق به حق آخر كرهن وجناية وذلك لخبر ابدأ بنفسك ثم بمن تعول وينفق عليهم يوما بيوم نفقة المعسرين ويكسوهم بالمعروف وإنما استمر ذلك إلى القسم لأنه موسر ما لم يزل ملكه وقولي بليلته من زيادتي ( إلا أن يغتني بكسب ) لائق به فلا يمونه منه ويصرف كسبه إلى ذلك إلا أن يفضل منه شيء فيرد إلى المال وإن نقص كمل منه فإن قصر ولم يكتسب فقضية كلامهم أنه يمونه من ماله
واختاره الأسنوي وقضية كلام المتولي خلافه واختاره السبكي ( ويترك ) من ماله ( لممونه دست ثوب لائق ) به من قميص وسراويل وعمامة وكذا ما يلبس تحتها فيما يظهر ومداس وخف وطيلسان ودراعة فوق القميص ويزاد في الشتاء جبة أو نحوها والمرأة مقنعة وغيرها مما يليق بها ولا يترك له فرش وبسط لكن يسامح باللبد والحصير القليل القيمة ولو كان يلبس قبل الإفلاس فوق ما يليق به رد إلى اللائق أو دونه تقتيرا لم يزد عليه ويترك للعالم كتبه قاله العبادي وابن الأستاذ وقال تفقها يترك للجندي المرتزق خيله وسلاحه المحتاج إليهما بخلاف المتطوع بالجهاد وكل ما يترك للمفلس إن لم يوجد في ماله اشترى له ( ويلزم بعد القسم إجارة أم ولده وموقوف ) هو أعم من قوله والأرض الموقوفة ( عليه لبقية دين ) لأن منفعة المال مال كالعين بدليل أنها تضمن بالغصب فليصرف بدل منفعتها للدين ويؤجران مرة بعد أخرى إلى البراءة قال الشيخان وقضيته إدامة الحجر إلى البراءة وهو كالمستبعد ( لا كسبه و ) لا ( إجارة نفسه ) فلا يلزمانه لبقية الدين قال تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } حكم بأنظاره ولم يأمره بالكسب نعم يلزمه الكسب لدين عصى بسببه كما نقله ابن الصلاح عن محمد بن الفضل القراوي ( وإن أنكر غرماؤه ) أي المدين ( إعساره فإن لم يعرف له مال حلف ) فيصدق لأن الأصل العدم ( وإلا ) بأن عرف له مال كان لزمه بشراء أو قرض ( لزمه بينة ) بإعساره ويحلف معها بطلب الخصم وتغني عن بينة الإعسار بينة تلف المال وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بلزوم الدين في معاملة مال إذ المعاملة ليست شرطا وشرط بينة إعساره كونها ( تخبر باطنه ) بطول جواره وكثرة مخالطته فإن الأموال تخفى فإن عرف القاضي أن الشاهد بهذه الصفة فذاك وإلا فله اعتماد قوله إنه بها ( وتشهد أنه معسر لا يملك إلا ما يبقى لممونه ) فتقيد النفي ولا تمحضه كقولها لا يملك شيئا لأنه كذب ( وإذا ثبت ) أي إعساره عند القاضي ( أمهل ) حتى يوسر فلا بحبس ولا يلزم للآية
____________________
(1/345)
السابقة بخلاف من لم يثبت إعساره نعم لا يحبس الوالد للولد ولا المكاتب للنجوم ولا من وقعت على عينه إجارة للدين إذا تعذر عمله في الحبس بل يقدم حق المكتري ( والعاجز عنها ) أي عن بينة إعساره ( يوكل القاضي ) به ( من يبحث عنه ) أي عن حاله ( فإذا ظن إعساره بقرائن إضاقة ) من أضاق الرجل أي ذهب ماله ( شهد به ) لئلا يتخلد في الحبس
فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه ( له فسخ معاوضة محضة لم تقع بعد حجر عليه ) بأن وقعت قبل الحجر أو بعده وجهله فيرجع إلى ما له ولو بلا قاض ( فورا ) كخيار العيب بجامع دفع الضرر إن وجد ماله في ملك غريمه ولو تخلل ملك غيره وإن صحح في الروضة خلافه وأوهمه كلام الأصل ( ولم يتعلق به حق لازم والعوض حال ) أصالة أو عرضا ولو بعد الحجر ( وتعذر حصوله بالإفلاس ) لخبر الصحيحين إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء وقياسا على خيار المسلم بانقطاع المسلم فيه وعلى المكتري بانهدام الدار بجامع تعذر استيفاء الحق ولو قبض بعض العوض فسخ فيما يقابل بعضه الآخر كما سيأتي وخرج بالمعاوضة الهبة ونحوها وبالمحضة غيرها كالنكاح والخلع والصلح عن دم لأنها ليست في معنى المنصوص عليه لانتفاء العوض في الهبة ونحوها ولتعذر استيفائه في البقية نعم للزوجة بإعسار زوجها بالمهر أو النفقة فسخ النكاح كماسيأتي في بابه لكن لا يختص ذلك بالحجر وخرج بالبقية ما لو وقعت المعاوضة بعد حجر علمه لتقصيره ولأن الإفلاس كالعيب فيفرق فيه بين العلم وعدمه وما لو تراخى عن العلم لتقصيره وما لو خرج المال عن ملكه حسا أو شرعا كتلف وبيع ووقف وما لو تعلق حق لازم لثالث كرهن مقبوض وجناية وكتابة لأنه كالخارج عن ملكه بخلاف تدبيره وإجارته ونحوهما لأنها لا تمنع البيع فيأخذه في الإجارة مسلوب المنفعة أو يضارب فإن خرج عن ملكه وعاد بمعاوضة ولم يقبض الثاني العوض أيضا فهل يقدم الأول أو الثاني أو يرجع كل منهما إلى النصف فيه أوجه لم يرجح الشيخان منها شيئا ورجح ابن الرفعة منها الثاني وبه جزم الماوردي وغيره لأن المال في حقه باق في سلطنة الغريم وفي حق الأول زال
____________________
(1/346)
ثم عاد وخرج ما لو كان العوض مؤجلا حال الرجوع وما لو لم يتعذر حصوله بالإفلاس كأن كان به رهن يفي به أو ضمان على مقر ولو بلا إذن أو أشتري شيئا بعين ولم يسلمها وهو ظاهر فيطالب في الأخيرة بالعين وكانقطاع جنس العوض أو هرب موسر أو امتناعه من دفعه لجواز الاستبدال عنه في الأولى وإمكان الاستيفاء بالسلطان في غيرها فإن فرض عجز فنادر لا عبرة به والتصريح بمحضة وبقولي ولم يتعلق به حق لازم بالشروط في مسألة الجهل من زيادتي ( وإن قدمه الغرماء بالعوض ) فله الفسخ في التقديم من المنة وقد يظهر غريم آخر فيزاحمه فيما يأخذه
ويحصل الفسخ ( بنحو فسخت العقد ) كنقضته أو رفعته والتصريح بهذا من زيادتي ( لا بوطء وتصرف ) كإعتاق وبيع ووقف كما في الهبة للفرع فتعبيري بتصرف أعم من اقتصاره على الإعتاق والبيع ( ولو تعيب ) مبيع مثلا ( بجناية بائع ) بقيد زدته بقولي ( بعد قبض أو ) بجناية ( أجنبي أخذه وضارب من ثمنه بنسبة نقص القيمة ) إليها الذي استحقه المفلس فلو كانت قيمته سليما مائة ومعيبا تسعين رجع بعشر الثمن ( وإلا ) بأن تعيب بآفة سماوية أو بجناية بائع قبل قبض أو بجناية مبيع أو مشتر كتزويجه له عبدا كان أو أمة ( أخذه ) ناقصا ( أو ضارب بثمنه ) كما في تعيب المبيع في يد البائع فإن المشتري يأخذه ناقصا أو يتركه ( وله أخذ بعضه ) سواء أتلف الباقي أم لا ( ويضارب بحصة الباقي فإن كان ) قد ( قبض بعض الثمن أخذ ) من ماله ( ما يقابل باقيه ) أي باقي الثمن ويكون ما قبضه في مقابله غير المأخوذ كما لو رهن عبدين بمائة وتلف أحدهما وقد قبض خمسين فالباقي مرهون بالباقي وقولي وإلا إلى آخره أعم مما ذكره ( والزيادة المتصلة ) كسمن وتعلم صنعة بلا معلم ( لبائع ) فيرجع فيها الأصل ( والمنفصلة ) كثمرة وولد حدثا بعد البيع ( لمشتر ) فلا يرجع فيها البائع من الأصل ( فإن كانت ) أي الزيادة المنفصلة ( ولد أمة لم يميز ) هو أولى من قوله فإن كان الولد صغيرا ( ولم يبذل ) بمعجمة ( البائع قيمته بيعا ) معا حذرا من التفريق الممنوع منه ( وأخذ حصة الأم ) من الثمن فإن بذلها أخذهما ( ولو وجد ) للمبيع ( حمل أو ثمر لم يظهر عند بيع أو رجوع ) بأن كان الحمل متصلا والثمر مستترا عند البيع دون الرجوع أو عكسه ( أخذه ) بناء في الحمل في الأولى على أنه يعلم في البقية في الأصل لأن ذلك يتبع في المبيع فكذا في الرجوع ويفرق بينه وبين نظيره في الرهن بأن الرهن ضعيف بخلاف الفسخ لنقله الملك وفي الرد بعيب ورجوع الوالد في هبته بأن سبب الفسخ هنا نشأ ممن أخذ منه بخلافه ثم والتصريح بحكم عدم ظهور الثمن عند الرجوع من زيادتي
____________________
(1/347)
( ولو غرس ) الأرض المبيعة له ( أو بنى ) فيها ( فإن اتفق هو وغرماؤه على قلعه ) أي الغراس أو البناء ( قلعوا ) لأن الحق لهم لا يعدوهم وليس للبائع أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس أو البناء ليتملكه مع الأرض وإذا قلع وجب تسوية الحفر من مال المفلس وإن حدث في الأرض نقص بالقلع وجب أرشه من ماله
قال الشيخ أبو حامد يضارب البائع به وفي المهذب والتهذيب والكفاية أنه يقدم به لأنه لتخليص ماله وهو الأوجه ( أو ) اتفقوا على ( عدمه ) أي القلع ( تملكه ) أي تملك البائع الغراس أو البناء ( بقيمته أو قلعه وغرم أرش نقصه ) لأن مال المفلس مبيع كله والضرر يندفع بكل منهما فأجيب البائع لما طلبه منهما بخلاف ما لو زرعها المشتري وأخذها البائع لا يتمكن من ذلك لأن للزرع أمدا ينتظر فسهل احتماله بخلاف الغلااس والبناء فإن اختلفوا عمل بالمصلحة وبما ذكر علم أنه ليس للبائع أخذ الأرض وإبقاء الغراس والبناء للمفلس ولو بلا أجرة وبه صرح الأصل لنقص قيمتهما بلا أرض فيحصل له الضرر والرجوع إنما شرع لدفع الضرر ولا يزال الضرر بالضرر ( ولو كان ) المبيع له ( مثليا كبر فخلطه بمثله أو بأردأ ) منه ( رجع ) البائع ( بقدره من المخلوط ) ويكون في الأردإ مسامحا ينقصه كنقص العيب ( أو ) خلطه ( بأجود ) منه ( فلا ) يرجع البائع في المخلوط حذرا من ضرر المفلس ويضارب بالثمن نعم إن كان الأجود قليلا جدا كقدر تفاوت الكيلين فالأوجه القطع بالرجوع كما قاله الإمام وأقره الشيخان
وتعبيري بالمثل أعم من تعبيره بالحنطة ( ولو طحنه ) أي الحب المبيع له ( أو قصره ) أي الثوب المبيع له ( أو صبغه بصبغة ) أتعلم العبد صنعة بمعلم ثم حجر عليه ( وزادت قيمته ) بالصنعة ( فالمفلس شريك بالزيادة ) سواء أبيع المبيع وعليه اقتصر الأصل في الأوليين أم أخذه البائع فلو كانت قيمته في الأوليين خمسة وبلغت بذلك ستة فللمفلس سدس الثمن في صورة البيع وسدس القيمة في صورة الأخذ وفارق نظيره في سمن الدابة بعلفه بأن الطحن أو القصارة منسوب إليه بخلاف السمن فهو محض صنع الله تعالى إذ العلف يوجد كثيرا ولا يحصل السمن ولو كانت قيمته في الثالثة أربعة دراهم والصبغ درهمين وصارت قيمة الثوب مصبوغا ستة دراهم أو خمسة أو ثمانية فللمفلس ثلث الثمن أو القيمة أو خمس ذلك أو نصفه والنقص في الثانية على الصبغ كما علم لأنه هالك في الثوب والثوب قائم بحاله وهل نقول كل الثوب للبائع وكل الصبغ للمفلس أو نقول يشتركان فيهما بحسب قيمتهما لتعذر التمييز وجهان رجح منهما ابن المقري الأول قال السبكي ويشهد للثاني نص الشافعي في نظير المسألة من الغصب فإن لم تزد قيمته بذلك فلا شيء للبائع وإن نقصت ولا للمفلس ( أو ) صبغه ( بصبغ اشتراه منه ) أيضا ( أو من آخر ) وصبغه به ثم حجر عليه ( فإن لم تزد قيمتهما على ) قيمة ( الثوب ) غير مصبوغ كأن صارت قيمته
____________________
(1/348)
ثلاثة أو أربعة ( فالصبغ مفقود ) يضارب بثمنه صاحبه وصاحب الثوب واجد له فيرجع فيه ولا شيء له وإن نقصت قيمته كما مر ( وإلا ) بأن زادت قيمتهما على قيمته ( أخذ البائع مبيعه ) من الثوب أو الصبغ سواء أساوت قيمتها بعد الصبغ قيمتهما قبله أم نقصت عنها أم زادت عليها كأن صارت قيمتهما ستة أو خمسة أو ثمانية ( لكن المفلس شريك ) لهما فيما إذا اشترى الصبغ من آخر ولبائع الثوب فيما إذا اشتراه منه ( بالزيادة على قيمتهما ) فله في الأخيرة ربع ثمن الثوب أو قيمته مصبوغا وذكر أخذ البائع المبيع في الثانية فيما لو اشترى الصبغ من آخر مع ذكر كون المفلس شريكا فيما لو اشترى الصبغ من بائع الثوب من زيادتي وهذا كله فيما إذا زادت القيمة بسبب الصنعة كما هو المتبادر من العبارة وتقدمت الإشارة إليه فإن زادت بارتفاع السوق فالزيادة لمن ارتفع سعر سلعته
( باب الحجر ) هو لغة المنع وشرعا من التصرفات المالية
والأصل فيه آية { وابتلوا اليتامى } وآية { فإن كان الذي عليه الحق سفيها } وفسر الشافعي السفيه بالمبذر والضعيف بالصبي وبالكبير المختل والذي لا يستطيع أن يمل بالمغلوب على عقله
والحجر نوعان نوع شرع لمصلحة الغير كالحجر على المفلس للغرماء والراهن للمرتهن في المرهون والمريض للورثه في ثلثي ماله والعبد لسيده والمكاتب لسيده ولله تعالى والمرتد للمسلمين ولها أبواب تقدم بعضها وبعضها يأتي
ونوع شرع لمصلحة المحجور عليه وهو الحجر ( بجنون وصبا وسفه فالجنون يسلب العبارة ) كعبارة المعاملة والدين كالبيع والإسلام ( والولاية ) كولاية النكاح والإيصاء والأيتام بخلاف الأفعال فيعتبر منها التملك باحتطاب ونحوه والإتلاف فينفذ منه الاستيلاء ويثبت النسب بزناه ويغرم ما أتلفه ويستمر سلبه ذلك ( إلى إفاقة ) منه فينفك بلا فك قاض بلا خلاف ( والصبا ) القائم بذكر أو أنثى ولو مميزا ( كذلك ) أي يسلب العبارة والولاية ( إلا ما استثنى ) من عبارة من مميز وإذن في دخول وإيصال هدية من مميز مأمون وقولي كذلك إلى آخره من زيادتي ويستمر سلبه لما ذكر ( إلى بلوغ ) فينفك بلا قاض لأنه حجر ثبت بلا قاض فلا يتوقف زوال على فك قاض كحجر الجنون وعبر الأصل ككثير ببلوغه رشيدا قال الشيخان وليس اختلافا محققا بل من عبر بالثاني أراد الإطلاق الكلي ومن عبر بالأول أراد حجر الصبا وهذا أولى لأن الصبا سبب مستقل حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبي انتهى ومن ثم عبرت بالأول والبلوغ يحصل إما ( بكمال خمس عشرة سنة ) قمرية تحديدية لخبر ابن عمر رضي الله عنه عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم يرني بلغت وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ورآني بلغت رواه ابن حبان وأصله في الصحيحين وابتداؤهما من انفصال جميع الولد ( أو إمناء ) لآية { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم } والحلم الإحتلام وهو لغة ما يراه النائم والمراد به بالحجر وكذا التبذير
____________________
(1/349)
وأحكامها متغايرة ومن بلغ مبذرا فحكم تصرفه هنا خروج المني في نوم أو يقظة بجماع أو غيره ( وإمكانه ) أي وقت إمكان الإمناء ( كمال تسع سنين ) قمرية بالاستقراء والظاهر أنها تقريبية كما في الحيض ( أو حيض ) في حق أنثى بالإجماع ( وحبل أنثى أمارة ) أي علامة على بلوغها بالإمناء فليس بلوغا لأنه مسبوق بالإنزال فيحكم بعد الوضع بالبلوغ قبله بستة أشهر وشيء وذكر كونه أمارة من زيادتي ولو أمنى الخنثى من ذكره وحاض من فرجه حكم ببلوغه وأن وجد أحدهما فلا عند الجمهور
وجعله الإمام بلوغا فإن ظهر خلافه غير قال الشيخان وهو الحق وقال المتولي إن تكرر فنعم وإلا فلا قال النووي وهو حسن غريب ( كنبت عانة كافر ) بقيد زدته بقولي ( خشنة ) فإنه أمارة على بلوغه لخبر عطية القرظي قال كنت من سبي بني قريظة فكانوا ينظرون من أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني في السبي
رواه ابن حبان والحاكم والترمذي وقال حسن صحيح وأفاد كونه أمارة أنه ليس بلوغا حقيقة ولهذا لم يحتلم وشهد عدلان بأن عمره دون خمس عشرة سنة لم يحكم ببلوغه بالإنبات قاله الماوردي وقضيته أنه أمارة للبلوغ بالسن
وحكى ابن الرفعة فيه وجهين أحدهما هذا وثانيهما أنه أمارة البلوغ بالإحتلام قال الأسنوي ويتجه أنه أمارة على البلوغ بأحدهما وإنما يكون أمارة في حق الخنثى إذا كان على فرجيه قاله الماوردي وخرج بالكافر المسلم لسهولة مراجعة آبائه وأقاربه المسلمين ولأنه متهم بالإنبات فربما تعجله بدواء دفعا للحجر وتشوفا للولاية بخلاف الكافر فإنه يفضي به إلى القتل أو ضرب الجزية وهذا جرى على الأصل والغالب وإلا فالأنثى والخنثى والطفل الذي تعذرت مراجعة أقاربه المسلمين بموت أو غيره حكمهم كذلك وألحق بالكافر من جهل إسلامه ووقت إمكان نبات العانة وقت إمكان الإحتلام
ويجوز النظر إلى منبت عانة من احتجنا إلى معرفة بلوغه بها للضرورة كما يعلم من كتاب النكاح وخرج بالعانة غيرها كشعر الإبط واللحية وثقل الصوت ونهود الثدي ( فإن بلغ رشيد أعطى ماله ) لزوال المانع ( والرشد ) ابتداء ( صلاح دين ومال ) حتى من
____________________
(1/350)
كافر كما فسر به آية { فإن آنستم منهم رشدا } بأن لا يفعل في الأول ( محرما يبطل عدالة ) من كبيرة أو إصرارا على صغيرة ولم تغلب طاعاته ( ولا يبذر ) في الثاني ( بأن يضيع مالا باحتمال غبن فاحش في معاملة ) وهو مالا يحتمل غالبا كما سيأتي في الوكالة بخلاف اليسير كبيع ما يساوي عشرة بتسعة ( أو رميه ) وإن قل ( في بحر ) أو نحوه ( أو صرفه ) وإن قل ( في محرم لا ) صرفه في ( خير ) كصدقة ( و ) لا في ( نحو ملابس ومطاعم ) كهدايا وشراء إماء كثيرة للتمتع وإن لم يلق بحاله لأن المال يتخذ لينتفع ويلتذ به وقضيته أنه ليس بحرام وهو كذلك نعم إن صرفه في ذلك بطريق الاقتراض له ولم يكن له ما يوفي به فحرام ونحو من زيادتي ( ويختبر رشده ) أي الصبي في الدين والمال ليعرف رشده وعدم رشده ( قبل بلوغه ) لآية { وابتلوا اليتامى } واليتيم إنما يقع على غير البالغ ( فوق مرة ) بحيث يظن رشده لامرة لأنه قد يصيب قيها اتفاقا
أما في الدين فبمشاهدة حاله في العبادات بقيامه بالواجبات واجتنابه المحظورات والشبهات وأما في المال فيختلف بمراتب الناس ( ف ) يختبر ( ولد تاجر بمماكسة ) أي مشاحة ( في معاملة ) ويسلم له المال ليماكس لا ليعقد ( ثم ) إذا أريد العقد ( يعقد وليه ) يختبر ولد ( زراع بزراعة ونفقة عليها ) أي لزراعة بأن ينفق على القوام بمصالح الزرع كالحرث والحصد والحفظ ( والمرأة بأمر غزل وصون نحو أطعمة ) كقماش ( عن نحو هرة ) كفأرة كل ذلك ونحوه على العادة في مثله ونحو الأولى من زيادتي ويختبر الخنثى بما يختبر به الذكر والأنثى ( فلو فسق بعد ) أي بعد بلوغه رشيدا ( فلا حجر ) عليه لأن الأولين لم يحجروا على الفسقة ( أو بذر ) بعد ذلك ( حجر عليه القاضي ) لا غيره وفارق ما قبله بأن التبذير يتحقق به تضييع المال بخلاف الفسق ( وهو وليه ) وتقييد الحجر بالقاضي من زيادتي ( أو جن ) بعد ذلك ( فوليه وليه في صغر ) وسيأتي بيانه والفرق أن التبذير لكونه سفها محل نظر واجتهاد فلا يعود الحجر عليه بغير قاض بخلاف الجنون ( كمن بلغ غير رشيد ) بجنون أو سفه باختلال صلاح الدين أو المال فإن وليه وليه في الصغر فيتصرف في ماله من كان يتصرف فيه قبل بلوغه لمفهوم آية { فإن آنستم منهم رشدا } والإيناس هو العلم ويسمى من بلغ سفيها ولم يحجر عليه بالسفيه المهمل وهو محجور عليه شرعا لا حسا والتصريح بأن وليه وليه في الصغر من زيادتي ( ولا يصح من محجور سفه ) شرعا أو حسا ( إقرار بنكاح ) كما لا يصح منه إنشاؤه وهذا
____________________
(1/351)
من زيادتي ( أو بدين أو إتلاف مال ) قبل الحجر أو بعده نعم يصح إقراره في الباطن فيغرم بعد فك الحجر إن كان صادقا فيه ( ولا ) يصح منه ( تصرف مالي ) غير ما يذكر في أبوابه ( كبيع ) ولو بغبطة أو بإذن الولي ( ولا يضمن ما قبضه من رشيد بإذنه ) أو باقباضه المفهوم بالأولى ( وتلف ) ولو بإتلافه له في غير أمانة ( قبل طلب ) وإن جهل حاله من عامله لتقصيره في البحث عن حاله بخلاف ما لو قبضه من غير رشيد أو من رشيد بغير إذنه وإقباضه أو تلف بعد طلبه والإمتناع من رده أو أتلفه في أمانة كوديعة نعم كالرشيد من سفه بعد رشده ولم يحجر عليه القاضي وسفيه أذن له وليه في قبض دين له على غيره والتقييد بالرشيد وبالإذن بقبل الطلب من زيادتي وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على الشراء والاقتراض
( ويصح إقراره ب ) موجب ( عقوبة ) كحد وقود وإن عفى عنه على مال لعدم تعلقه بالمال ولانتفاء التهمة ولزوم المال في العفو يتعلق باختيار غيره لا بإقرار فيقطع في السرقة ولا يلزمه المال كالعبد وتعبيري بالعقوبة أعم من تعبيره بالحد والقصاص ( و ) يصح ( نفيه نسبا ) لما ولدته حليلته بلعان في الزوجة وبحلفه في الأمة فتعبيري بذلك أعم من تقييده باللعان ويصح استلحاقه النسب وينفق على الولد المستلحق من بيت المال وسيعلم صحة نكاحه بإذن وليه وطلاقه وخلعه وظهاره وإيلائه من أبوابها
( و ) تصح ( عبادته بدنية ) كانت ( أو مالية واجبة لكن لا يدفع المال ) من زكاة وغيرها ( بلا إذن ) من وليه ( ولا تعيين ) منه للمدفوع إليه لأنه تصرف مالي
أما المالية المندوبة كصدقة التطوع فلا تصح منه وتقييدي المالية بالواجبة مع قولي بلا إذن ولا تعيين من زيادتي وتعبيري بدفع المال أعم من تعبيره بتفرقة الزكاة ( وإذا سافر لنسك واجب ) ولو بنذر أحرم به أو ليحرم به ( فقد مر ) حكمه في الحج وهو أن يصحب وليه بنفسه أو نائبه ما يكفيه في طريقه وتعبيري بنسك أعم من تعبيره بحج ( أو ) سافر لنسك ( تطوع وزادت مؤنة سفره ) لإتمام نسكه أو إتيانه به ( على نفقته المعهودة ) حضرا ( فلوليه منعه ) من الإتمام أو الإتيان ( إن لم يكن ) له ( في طريقه كسب قدر الزيادة ) للمؤنة وإلا فلا يمنعه ( وهو ) فيما إذا منعه وقد أحرم ( كمحصر ) فيتحلل بصوم وحلق لا بمال لأنه ممنوع منه كما مر في باب الإحصار ولو أحرم بتطوع ثم حجر عليه قبل إتمامه فهو كالواجب ذكره في الروضة وأصلها في الحج
____________________
(1/352)
فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله
( ولي صبي أب فأبوه ) وإن علا كولاية النكاح ويكتفي بعدالتهما الظاهرة لوفور شفقتهما ولا يشترط إسلامهما إلا أن يكون الولد مسلما إذ الكافر يلي ولده الكافر لكن إن ترافعوا إلينا لم نقرهم ونلي نحن أمرهم بخلاف ولاية النكاح لأن المقصود بولاية المال الأمانة وهي في المسلمين أقوى والمقصود بولاية النكاح الموالاة وهي في الكافر أقوى ( فوصي ) عمن تأخر موته منهما
وسيأتي في الوصية أن شرط الوصي العدالة الباطنة ( فقاض ) بنفسه أو أمينه لخبر السلطان ولي من لا ولي له رواه الترمذي وحسنه الحاكم وصححه والمراد قاضي بلد الصبي فإن كان ببلد وما له بآخر فولي ماله قاضي بلد المال بالنظر لتصرفه فيه بالحفظ والتعهد وفعل ما فيه المصلحة إذا أشرف على الهلاك كبيعه وإجارته أما بالنظر لاستنمائه فالولاية عليه لقاضي بلد الصبي كما أوضحته قبيل كتاب القسمة من شرح الروض ووقع للأسنوي عزو ما يخالف ذلك إلى الروضة وأصلها فاحذره وخرج بمن ذكر غيرهم كالأم والأقارب بلا وصاية فلا ولاية لكن للعصبة الإنفاق من مال الصبي في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن لهم عليه ولاية لأنه قليل فسومح به قاله في المجموع في إحرام الولي عن الصبي ومثله المجنون ومن بلغ سفيها ( ويتصرف ) له الولي ( بمصلحة ) حتما لقوله تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } فيشتري له العقار وهو أولى من التجارة إذا حصل من ريعه الكفاية ( ولو ) كان لصرفه ( نسيئة ) أي بأجل بحسب العرف ( وبعرض ) فمن مصالحه أن يكون فيه ربح وأن يكون معامل الولي ثقة ومن مصالح النسيئة أن يكون بزيادة أو لخوف عليه من نحو نهب وأن يكون المعامل مليئا ثقة ( وأخذ شفعة ) فيترك الأخذ عند عدم المصلحة فيه وإن عدمت في الترك أيضا وهذه لا يفيدها كلام الأصل ( ويشهد ) حتما ( في بيعه نسيئة ويرتهن ) كذلك بالثمن رهنا وافيا
وقال ابن الرفعة يرتهن إن رآه مصلحة كما في إقراض ماله وفرق غيره بينهما بما بينته في شرح الروض ويستثنى من وجوب الإرتهان مالو باع مال ولده من نفسه تسيئة ( ويبني عقاره ) هو أعم من تعبيره بدوره ( بطين وآجر ) أي طوب محرق لا بجبس بدل الطين لكثرة مؤنته ولا بلبن بدل الآجر لقلة بقائه وشرط ابن الصباغ في بنائه العقار أن يساوي ما صرف عليه ( ولا يبيعه ) أي عقاره إذ لاحظ له فيه ومثله آنية القنية كما في الكفاية عن البندنيجى ( إلا لحاجة ) كنفقة وكسوة بأن لم تف غلته بهما ( أو غبطة ظاهرة ) بأن يرغب فيه بأكثر من ثمن مثله وهو يجد مثله ببعض ذلك
____________________
(1/353)
الثمن أو خيرا منه بكله قال ابن الرفعة وما عدا العقار وآنية القنية أي ما عدا مال التجارة لا يباع أيضاإلا لحاجة أو غبطة لكن يجوز لحاجة يسيرة وربح قليل لائق بخلافهما ( ويزكي ماله ويمونه بمعروف ) حتما فيهما وتعبيري بالمؤنة أعم من تعبيره بالإنفاق ( فإن ادعى بعد كماله ) ببلوغ ورشد فهو أولى من قوله بعد بلوغه ( بيعا ) أو أخذا بشفعة ( بلا مصلحة على وصي أو أمين ) للقاضي ( حلف ) أي المدعي ( أو ) ادعى ذلك على ( أب أو أبيه حلفا ) فالمعتبر قولهما لأنهما غير متهمين بخلاف الوصي والأمين ودعواه على المشتري من الولي كهي على الولي أما القاضي فيقبل قوله بلا تحليف ولو بعد عزله كما اعتمده السبكي آخرا لأنه عند تصرفه نائب الشرع
( باب الصلح ) والتزاحم على الحقوق المشتركة وهو لغة قطع النزاع وشرعا عقد يحصل به ذلك وهو أنواع صلح بين المسلمين والمشركين وصلح بين الأمام والبغاة وصلح بين الزوجين عند الشقاق وصلح في المعاملة والدين وهو المراد والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى { والصلح خير } وخبر الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا رواه ابن حبان وصححه والكفار كالمسلمين وإنما خصهم الذكر لانقيادهم إلى الأحكام غالبا
ولفظه يتعدى للمتروك بمن وعن وللمأخوذ بعلى والباء ( شرطه ) أي الصلح ( بلفظه سبق خصومه ) لأن لفظه يقتضيه فلو قال من غير سبقها صالحني عن دارك بكذا لم يصح نعم هو كناية في البيع كما قاله الشيخان ( وهو ) أي الصلح قسمان أحدهما ( يجري بين متداعيين فإن كان على إقرار ) وفي معناه الحجة ( وجرى من عين مدعاة على غيرها ) عينا كان أو دينا أو منفعة أو انتفاء أو طلاقا أو غيرها فهو أعم من قوله على عين أو منفعة كأن ادعى عليه دارا أو حصة منها فأقر له بها وصالحه منها على معين من نحو عبد أو ثوب أو على دين أو ثوب موصوف بصفات السلم ( ف ) هو ( بيع ) للمدعاة من المدعي لغريمه ( أو إجارة ) لها بغيرها منه لغريمه أو لغيرها بها من غريمه له ( أو غيرهما ) كجعالة وإعارة وسلم وخلع كأن صالحته منها على أن يطلقها طلقة ( أو ) جرى على ( بعضها ) أي العين المدعاة ( فهبة للباقي ) منها لذي اليد فيصح بلفظ الصلح كصالحتك من الدار على
____________________
(1/354)
بعضها كما يصح بلفظ الهبة لا بلفظ البيع لعدم الثمن ( فتثبت أحكامها ) أي البيع والإجارة والهبة وغيرها مما ذكر لأنواع الصلح ( أو ) جرى ( من دين غير ) مثمن ( على غيره ) هو أولى من قوله على عين ( فقد مر ) حكمه في باب المبيع قبل قبضه وهو أنهما إن اتفقا في علة الربا اشترط قبض العوض في المجلس وإلا فلا لكن إن كان العوض دينا اشترط تعيينه في المجلس ( أو ) من دين ( على بعضه فابراء عن باقيه ) كصالحتك عن الألف الذي لي عليك على خمسمائة لصدق حد الإبراء عليه ويسمى هو والصلح على بعض العين صلح حطيطة وما عداهما غير صلح الإعارة صلح معاوضة ( وصح بلفظ نحو إبراء ) كحط وإسقاط ووضع كأبرأتك من خمسمائة من الألف الذي لي عليك أو حططتها أو أسقطتها أو وضعتها عنك وصالحتك على الباقي
ولا يشترط في ذلك القبول بخلاف العقد بلفظ الصلح ولا يصلح هذا بلفظ البيع كنظيره في الصلح عن العين ( أو ) جرى ( من حال على مؤجل مثله ) جنسا وقدرا وصفة ( أو عكس ) أي من مؤجل على حال مثله كذلك ( لغا ) الصلح فلا يلزم الأجل في الأول ولا الإسقاط في الثاني لأنهما وعد من الدائن والمدين ( وصح تعجيل ) للمؤجل لصدور الإيفاء والإستيفاء من أهلهما ( إلا إن ظن صحة ) للصلح فلا يصح التعجيل فيسترد ما دفعه كما نبه عليه ابن الرفعة وغيره وإن وقع فيه اضطراب وهذا من زيادتي ( أو ) صالح ( من عشرة حالة على خمسة مؤجلة برىء من خمسة وبقيت خمسة حالة ) لأن الحاق الأجل وعد لا يلزم بخلاف اسقاط بعض الدين ( أو عكس ) بأن صالح عن عشرة مؤجلة على خمسة حالة ( لغا ) الصلح لأنه ترك الخمسة في مقابلة حلول الباقي وهو لا يحل فلا يصح الترك ( أو كان ) الصلح ( على غير إقرار ) من انكار أو سكوت
____________________
(1/355)
وذكر السكوت من زيادتي ( لغا ) الصلح كأن ادعى عليه دار فأنكر أو سكت ثم تصالحا عليها أو على بعضها أو على غير ذلك كثوب أو دين لأنه في الصلح على غير المدعي به صلح محرم للحلال إن كان المدعي صادقا لتحريم المدعى به أو بعضه عليه أو محلل للحرام إن كان كاذبا بأخذه ما لا يستحقه ويلحق بذلك الصلح على المدعى به أو بعضه فقول المنهاج إن جرى على نفس المدعي صحيح وإن لم يكن في المحرر ولا غيره من كتب الشيخين والقول بأنه لا يستقيم لأن على والباء يدخلان على المأخوذ ومن وعن على المتروك مردود بأن ذلك جرى على الغالب وبأن المدعي المذكور مأخوذ ومتروك باعتبارين غايته أن إلغاء الصلح في ذلك للإنكار ولفساد الصيغة باتحاد العوضين وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على الصلح على المدعى به أو بعضه ( و ) قولي ( صالحني عما تدعيه ) هو أعم من قوله عن الدار التي تدعيها ( ليس إقرارا ) لأنه قد يريد به قطع الخصومة ( و ) القسم الثاني من الصلح ( يجري بين مدع وأجنبي فإن صالح ) الأجنبي ( عن عين وقال ) له ( وكلني الغريم ) في الصلح معك عنها ( وهو مقر لك ) بها ( أو هي
____________________
(1/356)
لك ) وصالح لموكله صح الصلح عن الموكل وصارت العين ملكا له إن كان الأجنبي صادقا في دعواه الوكالة وإلا فهو شراء فضولي وخرج بالعين الدين فلا يصح الصلح عنه بدين ثابت قبل ويصح بغيره ولو بلا إذن إن قال الأجنبي ما مر أو قال عند عدم الإذن وهو مبطل في عدم اقراره فصالحني عنه بكذا من مالي إذ لا يتعذر قضاء دين الغير بغير إذنه وبقوله وقال وكلني الغريم العين مع عدم قوله ذلك فلا يصح لتعذر تمليك الغير عينا بغير إذنه وبقوله وهو مقر لك أو وهي لك العين مع عدم قوله ذلك الصادق بقوله وهو مبطل في عدم إقراره فلا يصح لما مر في الصلح على غير إقرار ( وإن صالح ) الأجنبي ( عنها ) أي عن العين ( لنفسه ) بعين ما له أو بدين في ذمته ( صح ) الصلح له وإن لم تجر خصومة لأن الصلح ترتب على دعوى وجواب هذا ( إن قال وهو مقر ) لك أو وهي لك ( وإلا فشراء مغصوب ) فإن قدر ولو في ظنه على انتزاعه صح وإلا فلا هذا ( إن قال وهو مبطل ) في عدم إقراره ( وإلا ) بأن قال هو محق أو لا أعلم ماله أو لم يزد على صالحني بكذا ( لغا ) الصلح لعدم الإعتراف للمدعي بالملك وخرج بالعين الدين فلا يصح الصلح عنه بدين ثابت قبل ويصح بغيره إن قال وهو مقر لك أو وهو لك أو وهو مبطل بناء على ما مر من صحة بيع الدين لغير من عليه وتقييدي بالعين في الموضعين مع قولي وهي لك من زيادتي
____________________
(1/357)
فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة ( الطريق النافذ ) بمعجمة ويعبر عنه بالشارع وقيل بينه وبين الطريق اجتماع وافتراق لأنه يختص بالبنيان ولا يكون إلا نافذا والطريق يكون ببنيان وصحراء ونافذا وغير نافذ ويذكر ويؤنث ( لا يتصرف فيه ) بالبناء للمفعول ( ببناء ) كمصطبة أو غيرها ( أو غرس ) لشجرة وإن لم يضر ذلك لأن شغل المكان بذلك مانع من الطروق وقد تزدحم المارة فيصطكون به وتعبيري ببناء أعم من تعبيره ببناء دكة ( ولا بما يضر مارا ) في مروره لأنه حق له ( فلا يخرج فيه مسلم جناحا ) أي روشنا ( أو ساباطا ) أي سقيفة على حائطين والطريق بينهما ( إلا إذا لم يظلم ) الموضع ( ورفعه بحيث يمر تحته منتصب وعليه ) أي على رأسه ( حمولة ) بضم الحاء ( عالية و ) يمر تحته ( راكب ومحمل ) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية ( بكنيسة ) وتقدم بيانها في الحج ( على بعير إن كان ممر فرسان ) في الراكب ( وقوافل ) في المحمل لأن ذلك قد يتفق وقولي مسلم ولم يظلم
____________________
(1/358)
مع قولي وعليه حمولة عالية ومع التصريح براكب من زيادتي وخرج بالمسلم غيره فيمتنع عليه إخراج ذلك في شارعنا مطلقا وإن جاز له استطراقه لأنه كإعلاء بنائه على بنائنا أو أبلغ ( وغير النافذ الخالي عن نحو مسجد ) كرباط وبئر موقوفين على جهة عامة ( يحرم إخراج ) لشيء مما ذكر ( إليه ) وإن لم يضر ( لغير أهله ولبعضهم بلا إذن ) منهم في الأولى ومن باقيهم ممن بابه أبعد عن رأسه من محل المخرج أو مقابله في الثانية فلو أرادوا الرجوع بعد الإخراج بالإذن قال في المطلب فيشبه منع قلعه لأنه وضع بحق ومنع ابقائه بأجرة لأن الهواء لا أجرة له ويعتبر إذن المكتري إن تضرر كما في الكفاية وقولي بلا إذن أعم من قوله إلا برضا الباقين ( كفتح باب أبعد من رأسه ) من بابه القديم سواء أتطرق من القديم أم لا ( أو ) باب ( أقرب ) إلى رأسه ( مع تطرق من القديم ) فيحرم بغير إذن باقيهم ممن بابه أبعد من القديم في الأولى ومما يفتح كمقابله في الثانية لتضررهم ووجه التضرر في الثانية أن زيادة الباب تورث زيادة زحمة الناس ووقوف الدواب فيتضررون به بخلاف من بابه أقرب من القديم أو مقابله في الأولى على ما في الروضة أو أقرب مما يفتح في الثانية
وبخلاف ما إذا لم يتطرق من القديم لأنه نقص حقه ولو كان بابه آخر الدرب فأراد تقديمه وجعل الباقي دهليزا لداره جاز ( وجاز صلح بمال على فتحه ) لأنه انتفاع بالأرض ثم إن قدروا مدة فهو إجارة وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد فهو جزء شائع من الدرب وخرج بزيادتي الخالي عن نحو مسجد ما لو كان به ذلك فلا يجوز الإخراج ولا الفتح بقيده السابق عند الإضرار وإن أذن الباقون ولا الصلح بمال على إخراج أو فتح باب لأن الحق في الإستطراق لجميع المسلمين ( لا ) صلح بمال ( على إخراج ) لجناح أو ساباط ( في نافذ أو غيره ) وإن صالح عليه الإمام ولم يضر المار لأن الهواء لا يفرد بالعقد وإنما يتبع القرار
وما لا يضر في الطريق يستحق الإنسان فعله بلا عوض كالمرور وذكر غير النافذ مع التقييد بالمال في نافذ من زيادتي ( وأهله ) أي غير النافذ ( من نفذ بابه إليه ) لا من لاصقه جداره من غير نفوذ باب إليه ( وتخصيص شركة كل ) منهم ( بما بين بابه ورأس غير النافذ ) لأنه محل تردده ( ولغيرهم فتح باب إليه ) أي غير النافذ لاستضاءة وغيرها سواء أسمره أم لا لأن له رفع جميع الجدار فبعضه أولى
وقيل يمتنع فتحه لأن الباب يشعر بثبت حق الإستطراق قال في الروضة وهو أفقه وتعبيري بما ذكر أولى من قول الأصل وله فتحه إذا سمره ( لا ) فتحه ( لتطرق ) بغير إذنهم لتضررهم بمرور الفاتح أو بمرورهم عليه ولهم بعد الفتح بإذنهم الرجوع متى شاؤوا ولا غرم عليهم ( ولمالك فتح كوات ) بفتح الكاف أشهر من ضمها أي طاقات لاستضاءة وغيرها بل له
____________________
(1/359)
إزالة بعض الجدار وجعل شباك مكانه ( و ) فتح باب بين داريه وإن كانتا تفتحان إلى دربين أو درب وشارع لأنه تصرف مصادف للملك فهو كما لو أزال الحائط بينهما وجعلهما دارا واحدة وترك بابيهما بحالهما ( والجدار ) الكائن ( بين مالكين ) لبناءين ( إن اختص به أحدهما منع الآخر ما يضر ) الجدار ( كوضع خشب أو بناء عليه ) أو فتح كوة وغرز وتد فيه كغير الجدار
ولخبر الدار قطني والحاكم باسناد صحيح لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيب نفس منه وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به ( فلو رضي المالك ) بوضع خشب أو بناء عليه ( مجانا ) أي بلا عوض ( فاعارة ) له الرجوع فيها قبل الوضع عليه وبعده كسائر العواري ( فإن رجع بعد وضع ) لذلك ( أبقاه بأجرة أو رفعه بأرش ) لنقصه كما لو أعار أرضا للبناء قال الرافعي ولا تجيء الخصلة الثالثة فيمن أعار أرضا للبناء وهي التملك بالقيمة لأن الأرض أصل فاستتبع ( أو ) رضي بوضعه ( بعوض فإن أجر العلو ) من الجدار ( للوضع ) عليه ( فإجارة ) تصح بغير تقدير مدة وتتأبد للحاجة ( أو باعه لذلك ) أي للوضع عليه ( أو ) باع ( حق الوضع ) عليه ( فهو عقد مشوب ببيع وإجارة ) لأنه عقد على منفعة تتأبد فإذا وضع ( مستحق الوضع ( لم يرفعه مالك الجدار لا مجانا ولا مع اعطاء أرش لأنه مستحق الدوام وتعبيري فيما ذكر بالوضع أعم من تعبيره بالبناء ( ولو انهدم ) الجدار قبل وضع المستحق أو بعده ( فأعاده ) مالكه ( فللمستحق الوضع ) بتلك الآلة وبمثلها لأنه استحقه وهذا أعم من قوله فللمشتري إعادة البناء فإن لم يعده لم يطالب بشيء نعم أن انهدم بهدم طولب هادمه بقيمة حق الوضع للحيلولة مع الأرش إن كان المستحق وضع ( ومتى رضي ب ) وضع ( بناء عليه ) بعوض أو بغيره ( شرط بيان محله ) جهة وطولا وعرضا فهو أولى مماعبر به ( و ) بيان ( سمكه ) بفتح السين أي ارتفاعه ( وصفته ) ككونه مجوفا أولا مبنيا بحجر أو طوب ( وصفة سقف ) محمول ( عليه ) ككونه خشبا أو أزجا أي عقدا لأن الغرض يختلف بذلك
وظاهر أن رؤية الآلة تغني عن وصفها ( أو ) رضي ببناء ( على أرض ) له ( كفي الأول ) أي بيان محل البناء ولم يجب ذكر سمكه وصفته وصفة السقف لأن الأرض تحمل كل شيء ( وإن اشتركا فيه ) أي في الجدار بينهما ( منع كل ) منهما ( ما يضر ) الجدار كغرز وتد وفتح كوة ( بلا رضا ) كسائر الأملاك المشتركة ( فله ) أي لكل منهما ( كأجنبي أن يستند ويسند إليه ما لا
____________________
(1/360)
يضر ) لعدم المضايقة فيه فإن منع أحد الشريكين الآخر منه لم يمتنع على الأصح في الروضة ( ولا يلزم شريكا عمارة ) لتضرره بتكليفها
( ويمنع إعادة منهدم بنقضه ) المشترك بكسر النون وبضمها لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه ( لا ) إعادته ( بآلة بنفسه ) فلا يمنع منها لأن له غرضا في الوصول إلى حقه ولا يضر الإشتراك في الأس فإن له حقا في الحمل عليه ( والمعاد ) بآلة نفسه ( ملكه ) يضع عليه ما شاء وله نقضه وإن قال له الآخر لا تنقضه وأغرم لك حصتي من القيمة لم تلزمه إجابته كابتداء العمارة ( ولو أعاداه بنقضه فمشترك ) كما كان فلو شرطا زيادة لأحدهما لم يصح لأنه شرط عوض من غير معوض ( أو ) أعاده ( أحدهما ) بنقضه وبآلة نفسه ليكون للآخر فيما أعيد بها جزء ( وشرط له الآخر ) الآذن له في ذلك ( زيادة ) تكون في مقابلة عمله في نصيب الآخر في الأولى وفي مقابلة ذلك مع جزء من آلته في الثانية ( جاز ) فإن شرط له في الأولى سدس النقض كان له ثلثاه أو سدس العرصة فثلثاها أو سدسهما فثلثاهما وفي الثانية سدس العرصة في مقابلة عمله وثلث آلته كان له ثلثاهما قال الإمام في الأولى هذا فيما إذا شرط له سدس النقض في الحال فإن شرطه بعد البناء لم يصح فإن الأعيان لا تؤجل ولأن سدس الجدار قبل شخوصه معدوم ويأتي مثله في العرصة وثلث الآلة ( وله صلح بمال على إجراء ماء غير غسالة في ملك غيره ) أرضا أو سطحا ( أو إلقاء ثلج في أرضه ) أي أرض غيره كأن يصالحه على أن يجري ماء المطر من سطحه إلى سطح جاره لينزل الطريق أو أن يجري ماء النهر في أرض غيره ليصل ألى أرضه أو أن يلقي الثلج من سطحه إلى أرض غيره وهذا الصلح في معنى الإجارة يصح بلفظها ولا يضر الجهل بقدر ماء المطر لأنه لا يمكن معرفته لكن يشترط بيان موضع الإجراء وطوله وعرضه وعمقه ومعرفة قدر السطح الذي ينحدر منه الماء والسطح الذي ينحدر إليه مع معرفة قوته وضعفه وتقييدي بغير الغسالة في الأولى وبالأرض في الثانية من زيادتي فخرج بهما الصلح بمال على إجراء ماء الغسالة وإلقاء ماء الثلج على السطح فلا يصح لأن الحاجة لا تدعو إليه وفي الثانية ضرر ظاهر ( ولو تنازعا جدارا أو سقفا بين ملكيهما فإن علم أنه بني مع بناء أحدهما ) كأن دخل نصف لبنات كل منهما في الآخر أو كان السقف أزجا ( فله اليد ) لظهور أمارة الملك بذلك فيحلف ويحكم له بالجدار أو السقف إلا أن تقوم بينة بخلافه كما سيأتي وفي معنى العلم
____________________
(1/361)
بذلك ما لو بنى ما ذكر على خشبة طرفها في بناء أحدهما أو كان على تربيع بناء أحدهما سمكا وطولا دون الآخر ( وإلا ) أي إن لم يعلم ذلك بأن انفصل عن بنائهما أو اتصل به ولم يكن احداثه أو ببناء أحدهما وأمكن إحداثه عنهما أو كان له على الجدار خشب ( فلهما ) أي اليد لعدم المرجح ( فإن أقام أحدهما بينة ) أنه له ( أو حلف ) ونكل الآخر ( قضى له ) به ( وإلا ) بأن أن أقام كل منهما بينة أو حلف الآخر على النصف الذي يسلم إليه وإن كان ادعى الجميع أو نكل عن اليمين ( جعل بينهما ) بظاهر اليد فينتفع كل به مما يليه على العادة ويبقى الخشب الموجود على الجدار بحاله لاحتمال أنه وضع بحق
وتتضح مسألة الحلف بما ذكروه في الدعاوي والبينات أنه إن حلف من بدأ القاضي بتحليفه ونكل الآخر بعده حلف الأول اليمين المردودة ليقضي له بالجميع وإن نكل الأول ورغب الثاني في اليمين فقد اجتمع عليه يمين النفي للنصف الذي ادعاه صاحبه ويمين الإثبات للنصف الذي ادعاه هو فهل يكفيه الآن يمين واحدة يجمع فيها الإثبات والنفي أو لا بد من يمين للنفي وأخرى للإثبات وجهان اصحهما الأول فيحلف إن الجميع له لا حق لصاحبه فيه أو يقول لا حق له في النصف الذي يدعيه والنصف الآخر لي
( باب الحوالة ) هي بفتح الحاء أفصح من كسرها لغة التحول والإنتقال وشرعا عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة وتطلق على انتقاله من ذمة إلى أخرى والأصل فيها قبل الإجماع خبر الصحيحين مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم عل ملىء فليتبع بإسكان التاء أي فليحتل كما رواه البيهقي ( أركانها ) ستة ( محيل ومحتال ومحال عليه ودينان ) دين للمحتال على المحيل ودين للمحيل على المحال عليه ( وصيغة ) وكلها تؤخذ مما يأتي
( وشرط لها ) أي للحوالة أي لصحتها ( رضا الأولين ) أي المحيل والمحتال بلفظ أو ما في معناه مما يأتي في الضمان لأنهما العاقدان فهي بيع دين بدين جوز للحاجة لا رضا المحال عليه لأنه محل الحق فلصاحبه أن يستوفيه بغيره
( و ) شرط ( ثبوت الدينين ) ولو متقومين فلا تصح ممن لا دين عليه ولا على من لا دين عليه وإن رضي لعدم الاعتياض إذ ليس على المحيل شيء يجعل منه عوضا ولا على المحال عليه شيء يجعل عوضا عن حق المحتال وتصريحي باشتراط ثبوت الدينين المفيد للصورتين المذكورتين أولى من اقتصاره على الثانية وإن فهم منها الأولى بالأولى ( وصحة اعتياض عنهما ) اللازم لها لزومها ولو مآلا وهو ما اقتصر عليه الأصل ( كثمن ) بعد اللزوم أو
____________________
(1/362)
قبله فتصح الحوالة به وعليه لا بما لا يعتاض عنه ولا عليه كدين السلم ودين الجعالة قبل الفراغ
( وتصح ) الحوالة ( بنجم كتابة ) للزومه من جهة السيد والمحال عليه مع صحة الإعتياض عنه كما سيأتي بخلاف الحوالة عليه لأن للمكاتب إسقاطه متى شاء لعدم لزومه من جهته ( و ) شرط ( علم بالدينين ) الدين المحال به والمحال عليه ( قدرا ) كعشرة ( وصفة ) وجنسا كما فهم بالأولى كذهب وفضة وحلول وأجل وصحة وكسر وجودة ورداءة ( وتساويهما ) في الواقع وعند العاقدين ( كذلك ) أي قدرا وصفة وجنسا لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات وأنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة فاعتبر فيها الارتفاق والعلم بما ذكر كما في القرض فلا تصح مع الجهل بما يحال به أو عليه كأبل الدية ولا مع اختلافهما قدرا أو صفة أو جنسا ولا مع الجهل بتساويهما فعلم أنه لو كان لبكر على زيد خمسة ولزيد على عمرو عشرة فأحال زيد بكرا بخمسة منها صح ولو كان بأحد الدينين برهن أو ضامن لم يؤثر ولم ينتقل الدين بصفة التوثق بل يسقط التوثق ويفارق عدم سقوطه بانتقاله للوارث خليفة المورث فيما ثبت له من الحقوق بخلاف غيره ( ويبرأ بها ) أي بالحوالة ( محيل ) عن دين المحتال ( ويسقط دينه ) عن المحال عليه ( ويلزم دين محتال محالا عليه ) أي يصير نظيره في ذمته ( فإن تعذر أخذه ) منه بفلس أو غيره كجحد وموت ( لم يرجع على محيل ) كما لو أخذ عوضا عن الدين وتلف في يده ( وإن شرط يساره ) أي المحال عليه ( أو جهله ) فإنه لا يرجع على المحيل كمن اشترى شيئا هو مغبون فيه
ولا عبرة بالشرط المذكور لأنه مقصر بترك الفحص ولو شرط الرجوع عند التعذر بشيء مما ذكر لم تصح الحوالة ولو فسخ بيع بعيب أو غيره كإقالة وتحالف فهو أعم من قوله بعيب ( وقد أحال مشتر ) بائعا ( بثمن بطلت ) أي الحوالة لارتفاع الثمن بانفساخ البيع وفرقوا بينه وبين ما لو أحالها بصداقها ثم انفسخ النكاح حيث لا تبطل الحوالة بأن الصداق أثبت من غيره ( لا ) إن أحال ( بائع به ) على المشتري فلا تبطل الحوالة لتعلق الحق بثالث بخلافه في الأولى سواء أقبض المحتال المال أم لا فإن كان قبضه رجع المشتري على البائع وإلا فهل له الرجوع عليه في الحال أو لا يرجع ألا بعد القبض وجهان أصحهما الثاني ( ولو أحال البائع بثمن رقيق ) على المشتري ( فاتفق البيعان والمحتال على حريته ) مثلا ( أو ثبتت ببينة ) شهدت حسبة أو أقامها الرقيق أو من لم يصرح قبل ممن ذكر بالملك ( لم تصح الحوالة ) لعدم صحة البيع فيرد المحتال ما أخذه على المشتري ويبقى حقه كما كان ( فإن كذبهما المحتال ) في الحرية ( ولا بينة ) بها
____________________
(1/363)
( فلكل ) منهما ( تحليفه على نفي العلم ) بها ( وبقيت ) أي الحوالة فيأخذ المال من المشتري ويرجع المشتري على البائع المحيل لأنه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة وإن قال ظلمني المحتال بما أخذه ( ولو اختلفا ) أي المدين والدائن في أنه ( هل وكل أو أحال ) بأن قال المدين وكلتك لتقبض لي فقال الدائن بل أحلتني أو قال المدين أردت بأحلتك الوكالة فقال الدائن بل أردت الحوالة أو قال أحلتك فقال بل وكلتني أو قال الدائن أردت بأحلتك الوكالة فقال بل أردت الحوالة ( حلف منكر الحوالة ) فيصدق المدين في الأوليين والدائن في الأخريين لأن الأصل بقاء الحقين والأخيرة من الأخريين من زيادتي ( لا مع اتفاق ) منهما ( على لفظها ) أي الحوالة ( ولم يحتمل ) لفظها ( وكالة )
كقوله أحلتك بالمائة التي لك علي على عمرو فلا يحلف منكر الحوالة لأن هذا لا يحتمل إلا حقيقتها فيحلف مدعيها وهذه من زيادتي وحيث حلف المدين اندفعت الحوالة وبإنكار الدائن الوكالة انعزل فليس له قبض وإن كان قبض المال قبل الحلف برىء الدافع له لأنه وكيل أو محتال ووجب تسليمه للحالف وحقه عليه باق وحيث حلف الدائن اندفعت الحوالة ويأخذ حقه من المدين ويرجع به المدين على المحال عليه كما اختاره ابن كج وغيره
( باب الضمان ) وهو لغة الإلتزام وشرعا يقال لإلتزام دين ثابت في ذمة الغير أو إحضار عين مضمونة أو بدن من يستحق حضوره ويقال للعقد الذي يحصل به ذلك ويسمى الملتزم لذلك ضامنا وزعيما وكفيلا وغير ذلك كما بينته في شرح الروض وغيره والأصل في ذلك قبل الإجماع أخبار كخبر الزعيم غارم رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وخبر الحاكم بإسناد صحيح أنه صلى الله عليه وسلم تحمل عن رجل عشرة دنانير ( أركانه ) في ضمان الذمة خمسة ( مضمون عنه و ) مضمون ( له و ) مضمون ( فيه وصيغة وضامن وشرط فيه ) أي الضامن ( أهلية تبرع ) هو أولى من تعبيره بالرشد ( واختيار ) هو من زيادتي فيصح الضمان من سكران وسفيه لم يحجر عليه ومحجور فلس كشرائه في الذمة وإن لم يطالب إلا بعد فك الحجر لا من صبي ومجنون ومحجوز سفه ومريض مرض الموت عليه دين مستغرق ومكره ولو بإكراه سيده
( وصح ضمان رقيق ) مكاتب أو غيره ( بإذن سيده ) لا بغير
____________________
(1/364)
إذنه كنكاحه ( لإله ) من زيادتي أي لإضمانه لسيده لأن ما يؤدي منه ملكه ويؤخذ منه صحة ضمان المكاتب لسيده وكالرقيق المبعض إن لم تكن مهايأة أو كانت وضمن في نوبة السيد ( فإن عين للأداء جهة ) ككسبه ومال تجارة بيده فذاك ( وإلا ) بأن اقتصر على الإذن له في الضمان ( فمما يكسب بعد إذن ) في الضمان ( ومما بيد مأذون ) له في تجارة كما في المهر وإن اعتبر ثم كسبه بعد النكاح لا بعد الإذن فيه
والفرق أن مؤن النكاح إنما تجب بعده وما يضمن ثابت قبل الضمان فلو كان عليه ديون فإن حجر عليه القاضي لم يؤد مما بيده وإلا فلا يؤدي إلا مما فضل عنها ( و ) شرط ( في المضمون له ) وهو الدائن ( معرفته ) أي معرفة الضامن عينه لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا
وأفتى ابن الصلاح بأن معرفة وكيله كمعرفته وابن عبد السلام وغيره بخلافه وهو الأوجه ( لأرضاه ) لأن الضمان محض التزام لم يوضع على قواعد المعاقدات ( ولا ) رضا ( المضمون عنه ) وهو المدين ( و ) لا ( معرفته ) لجواز التبرع بأداء دين غيره بغير أذنه ومعرفته فيصح ضمان ميت لم يعرفه الضامن
( و ) شرط ( في المضمون فيه ) وهو الدين ولو منفعة ( ثبوته ) ولو باعتراف الضامن فلا يصح الضمان قبل ثبوته كنفقة الغد لأنه وثيقة له فلا يسبقه كالشهادة وبذلك علم شرط المضمون عنه وهو كونه مدينا ( وصح ضمان درك ) ويسمى ضمان عهدة ( بعد قبض ما يضمن كأن ضمن لمشتر الثمن أو لبائع المبيع إن خرج مقابله مستحقا أو معيبا ) ورد ( أو ناقصا لنقص صفة ) شرطت ( أو صنجة ) بفتح الصاد ورد وذلك للحاجة إليه وما وجه به القول ببطلانه من أنه ضمان ما لم يجب أجيب عنه بأنه إن خرج المقابل كما ذكر تبين وجوب رد المضمون
ولا يصح قبل قبض المضمون لأنه إنما يضمن ما دخل في ضمان البائع أو المشتري ومسألة ضمان المبيع مع نقص الصفة من زيادتي وقولي كأن أولى من قوله وهو أن لشموله ما لو ضمن بعض الثمن أو المبيع إن خرج مقابله مستحقا أو معيبا أو ناقصا لنقص ما ذكر ( و ) شرط فيه أيضا ( لزومه ولو مآلا كثمن ) بعد لزومه أو قبله فيصح ضمانه في مدة الخيار لأنه آيل إلى اللزوم بنفسه وشرط قبوله لأن يتبرع به فيخرج القود وحد القذف ونحوهما وخرج باللازم غيره كدين جعالة ونجم كتابة فلا يصح ضمانه ( وعلم ) للضامن ( به ) جنسا وقدرا وصفة وعينا فلا يصح ضمان مجهول بشيء منها لأنه إثبات مال في الذمة بعقد فأشبه البيع ونحوه سواء المستقر وغيره كدين السلم وثمن المبيع قبل قبض المبيع ( إلا في أبل دية ) فيصح ضمانها مع الجهل بصفتها لأنها معلومة السن والعدد ولأنه قد اغتفر ذلك في إثباتها في ذمة الجاني فيغتفر في الضمان ويرجع في صفتها إلى غالب إبل البلد ( كإبراء ) في أنه يشترط فيه العلم بالمبرأ منه فلا يصح من مجهول بناء
____________________
(1/365)
على أنه تمليك المدين ما في ذمته فيشترط علمهما به إلا في إبل الدية فيصح الإبراء منها مع الجهل بصفتها لما مر
( ولو ضمن ) كأن قال ضمنت ممالك على زيد ( من درهم إلى عشرة صح ) لإنتفاء الغرر بذكر الغاية ( في تسعة ) إدخالا للطرف الأول فقط لأنه مبدأ الإلتزام ( كإقرار ونحوه ) كإبراء ونذر فإن كلا منهما يصح في مثل ذلك في تسعة وقولي ونحوه من زيادتي ومسألة الإقرار ذكرها الأصل في بابه ( وتصح كفالة عين مضمونة ) بغصب أو غيره أي كفالة ردها إلى مالكها وهذه من زيادتي ( وبدن غائب ) ولو بمسافة قصر ( و ) بدن ( من يستحق حضوره مجلس حكم ) عند الإستعداء ( لحق لله ) تعالى مالي أو لحق لآدمي ولو عقوبة للحاجة إلى ذلك بخلاف عقوبة الله تعالى وذكر الضابط من زيادتي وإنما تصح كفالة بدن من ذكر ( بإذنه ) ولو بنائبه وإلا لفات مقصودها من إحضاره لأنه لا يلزمه الحضور مع الكفيل حينئذ ( ولو ) كان من ذكر ( صبيا ومجنونا ) بإذن وليهما لأنه قد يستحق إحضارهما لإقامة الشهادة على صورتهما في الإتلاف وغيره
ويطالب الكفيل وليهما بإحضارهما عند الحاجة إليه ( ومحبوسا ) وإن تعذر تحصيل الغرض في الحال كما يجوز للمعسر ضمان المال ( وميتا ) قبل دفنه ( ليشهد على صورته ) إذا تحمل الشهادة عليه كذلك ولم يعرف اسمه ونسبه قال في المطلب ويظهر اشتراط إذن الوارث إذا اشترطنا إذن المكفول وظاهر أن محله فيمن يعتبر إذنه وإلا فالمعتبر إذن وليه ( فإن كفل ) بفتح الفاء أفصح من كسرها ( بدن ما عليه مال شرط لزومه لا علم به ) لعدم لزومه للكفيل وكالبدن الجزء الشائع كثلثه والجزء الذي لا يعيش بدونه كرأسه
( ثم إن عين محل تسليم ) في الكفالة فذاك وإلا أي وإن لم يعينه ( فمحلها ) يتعين كما في السلم فيهما ( ويبرأ كفيل بتسليمه ) أي المكفول ( فيه ) أي في محل التسليم المذكور وإن لم يطالب به لقيامه بما لزمه ( بلا حائل ) كمتغلب يمنع المكفول له منه فمع وجود الحائل لا يبرأ الكفيل فإن أتى به في غير محل التسليم لم يلزم المستحق القبول إن كان له غرض في الإمتناع وإلا فالظاهر كما قال الشيخان لزوم القبول فإن امتنع رفعه إلى حاكم يقبض عليه فإن فقد أشهد شاهدين أنه سلمه ( كتسليمه نفسه عن ) جهة ( كفيل ) فإن الكفيل يبرأ به حيث لا حائل كما يبرأ الضامن بأداء الأصيل فلا يكفي مجرد حصوله ولا تسليمه نفسه مع وجود حائل والتقييد في هذه بعدم الحائل من زيادتي ولو سلمه أجنبي عن جهة الكفيل برىء إن كان بإذنه أو قبله الدائن
____________________
(1/366)
( فإن غاب لزمه إحضاره إن أمكن ) بأن عرف محله وأمن من الطريق ولا حائل ولو كان بمسافة القصر فإن لم يكن ذلك لم يلومه إحضاره لعجزه وتعبيري بأن أمكن أولى من تعبيره بما ذكره ( ويمهل مدته ) أي مدة إحضاره بأن يمهل مدة ذهابه وإيابه على العادة وظاهر أنه إن كان السفر طويلا أمهل مدة إقامة المسافر وهي ثلاثة أيام غير يومي الدخزل والخروج ( ثم إن ) مضت المدة المذكورة و ( لم يحضره حبس ) إلى أن يتعذر احضار المكفول بموت أو غيره أو يوفي الدين فإن وفاه ثم حضر المكفول قال الأسنوي فالمتجه أن له الإسترداد ( ولا يطالب كفيل بمال ) ولا عقوبة كما فهم بالأولى وإن فات التسليم بموت أو غيره لأنه لم يلتزمه وهذا أعم وأولى من قوله أذا مات ودفن لا يطالب الكفيل بالمال ( ولو شرط أنه يغرمه ) أي المال ولو مع قوله وأن فات التسليم للمكفول ( لم تصح ) الكفالة لأن ذلك خلاف مقتضاها ( و ) شرط ( في الصيغة ) للضمان والكفالة ( لفظ ) صريح أو كناية ( يشعر بإلتزام ) لأن الرضا لا يعرف إلا به وفي معناه الكتابة مع نية وإشارة أخرس مفهمة ( كضمنت دينك عليه ) أي على فلان ( أو تحملته أو تقلدته أو تكفلت ببدنه وأنا بالمال ) المعهود ( أو بإحضار الشخص ) المعهود ( ضامن أو كفيل ) أو زعيم وكلها صرائح بخلاف دين فلان إلي ونحوه
وأما ما لا يشعر بإلتزام نحو أؤدي المال أو أحضر الشخص وخلا عن قرينة فليس بضمان بل وعد ( ولا يصحان ) أي الضمان والكفالة ( بشرط براءة أصيل ) لمخالفته مقتضاهما والتصريح بالثانية من زيادتي ( ولا بتعليق ) نحو إذا جاء الغد فقد ضمنت ما على فلان أو كفلت بدنه ( ولا توقيت ) نحو أنا ضامن ما على فلان أو كفيل ببدنه إلى شهر فإذا مضى برئت وهذه بالنسبة للضمان من زيادتي ( ولو كفل ) بدن غيره ( وأجل احضارا ) له ( ب ) أجل ( معلوم صح ) للحاجة نحو أنا كفيل بفلان أحضره بعد شهر ( كضمان حالا مؤجلا به ) أي بأجل معلوم فإنه يصح ويثبت الأجل في حق الضامن ( وعكسه ) أي ضمان المؤجل حالا وذلك لأن الضمان تبرع فيحتمل فيه اختلاف الدينين في الصفة للحاجة ( ولا يلزم ) الضامن ( تعجيل ) للمضمون وإن إلتزمه حالا كما لو التزمه الأصيل ولو ضمن المؤجل إلى شهر مؤجلا إلى شهرين فهو كضمان الحال مؤجلا أو عكسه فكضمان المؤجل حالا ( ولمستحق ) للدين سواء أكان هو المضمون له أم وارثه ( مطالبة ضامن وأصيل ) بالدين بأن يطالبهما جميعا أو يطالب أيهما شاء بالجميع أو يطالب أحدهما ببعضه بباقيه أما الضامن فلخبر الزعيم غارم وأما الأصيل فلأن الدين باق عليه ( ولو برىء ) أي الأصيل من الدين بأداء أو إبراء أو غير ذلك فهو أعم من قوله ولو أبرأ الأصيل ( بريء ضامن ) منه لسقوطه
____________________
(1/367)
( ولا عكس في إبراء ) أي ولو برىء الضامن بإبراء لم يبرأ الأصيل لأنه اسقاط للوثيقة فلا يسقط به الدين كفك الرهن بخلاف ما لو برىء بغير إبراء كأداء ( ولو مات أحدهما ) والدين مؤجل ( حل عليه ) لأن ذمته خربت دون الحي فلا يحل عليه لأنه قد يرتفق بالأجل فإن كان الميت الأصيل فللضامن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته أو إبرائه هو لأن التركة قد تهلك فلا يجد مرجعا إذا غرم وإن كان الميت الضامن وأخذ المستحق الدين من تركته لم يكن لورثته الرجوع على المضمون عنه الإذن في الضمان قبل حلول الأجل
( ولضامن بإذن مطالبة أصيل بتخليصه بأداء إن طولب ) كما أنه يغرمه إن غرم بخلاف ما إذا لم يطالب لأنه لم يتوجه إليه خطاب ولم يغرم شيئا ولا يحبس الأصيل وإن حبس ولا يرسم عليه ( و ) له إذا غرم من غير سهم الغارمين ( رجوع عليه ) أي على الأصيل وإن لم يأذن في الأداء لأنه أذن له في سببه بخلاف ما لو أذن له في الأداء دون الضمان لا رجوع له لأن الأداء سببه الضمان ولم يأذن فيه نعم إن أذن في الأداء بشرط الرجوع رجع ولو ادعى على زيد وغائب ألفا وهما متضامنان بالإذن وأقام بذلك بينة وأخذ الألف من زيد فإن لم يكذب البينة رجع على الغائب بنصفها وإلا فلا لأنه مظلوم بزعمه فلا يرجع على غير ظالمه ويقوم مقام الإذن والضمان أداء الأب والجد دين محجورهما بنية الرجوع كما قاله القفال وغيره ( ولو صالح عن الدين ) المضمون ( بما دونه ) كأن صالح عن مائه ببعضها أو بثبوت قيمته دونها ( لم يرجع إلا بما غرم ) لأنه الذي بذله نعم لو ضمن ذمي لذمي دينا على مسلم ثم تصالحا على خمر لم يرجع وإن قلنا بالمرجوح وهو سقوط الدين لتعلقها بالمسلم ولا قيمة للخمر عنده وحوالة الضامن المضمون له كالإداء في ثبوت الرجوع وعدمه كما في الروضة وأصلها وخرج بصالح ما لو باعه الثوب بمائة أو بالمائة المضمونة فإنه يرجع بها لا بقيمة الثوب وتعبيري بما دونه أعم مما عبر به
( ومن أدى دين غيره بإذن ولا ضمان رجع ) وإن لم يشرط الرجوع للعرف بخلاف ما إذا أداه بلا أذن لأنه متبرع وفارق ما لو وضع طعامه في فم مضطر بلا إذن قهرا أو وهو مغمى عليه حيث يرجع عليه لأن عليه استنقاذ مهجته ( ثم إنما يرجع مؤد ) ولو ضامنا ( إذا أشهد بأداء ولو رجلا ليحلف معه ) لأن ذلك حجة وإن بان فسق الشاهد ( أو أدى بحضرة مدين ) ولو مع تكذيب الدائن لعلم المدين بالإداء وهو مقصر بترك الإشهاد ( أو ) في غيبته لكن ( صدقة دائن ) لسقوط الطلب باقراره الذي هو أقوى من البينة أما إذا أدى في غيبته بلا إشهاد ولم يصدقه الدائن فلا رجوع له وإن صدقه المدين لأنه لم ينتفع بأدائه لبقاء طلب الحق وذكر هذه والتي قبلها بالنسبة للمؤدي بلا ضمان من زيادتي ولو أذن المدين للمؤدي في ترك الإشهاد فتركه وصدق على الأداء رجع
____________________
(1/368)
( كتاب الشركة ) بكسر الشين وإسكان الراء وبفتح الشين مع كسر الراء وإسكانها وهي لغة الإختلاط وشرعا ثبوت الحق في شيء لإثنين فأكثر على جهة الشيوع هذا والأولى أن يقال هي عقد يقتضي ثبوت ذلك والأصل فيها قبل الإجماع خبر السائب بن يزيد أنه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث وخبر يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما رواهما أبو داود والحاكم وصحح إسنادهما ( هي ) أنواع أربعة ( شركة أبدان بأن يشتركا ) أي إثنان ( ليكون بينهما كسبهما ) ببدنهما متساويا كان أو متفاوتا مع اتفاق الحرفة كخياطين أو اختلافهما كخياط ورفاء ( و ) شركة ( مفاوضة ) بفتح الواو من تفاوضا في الحديث شرعا فيه جميعا وذلك بأن يشتركا ( ليكون بينهما كسبهما ) ببدنهما أو مالهما متساويا كان أو متفاوتا ( وعليهما ما يغرم ) بسبب غصب أو غيره
( و ) شركة ( وجوه ) بأن يشتركا ( ليكون بينهما ) بتساو أو تفاوت ( ربح ما يشتريانه ) بمؤجل أو حال ( لهما ) ثم يبيعانه وتعبيري بذلك أعم مما عبر به
( و ) شركة ( عنان ) بكسر العين على المشهور من عن الشيء ظهر أو من عنان الدابة ( وهي الصحيحة ) دون الثلاثة الباقية فباطلة لأنها شركة في غير مال كالشركة في احتطاب واصطياد ولكثرة الغرر فيها لاسيما شركة المفاوضة نعم إن نويا يالمفاوضة وفيهما مال شركة العنان صحت ( وأركانها ) أي شركة العنان خمسة ( عاقدان ومعقود عليه وعمل وصيغة وشرط فيها ) أي الصيغة ( لفظ ) صريح أو كناية ( يشعر بإذن ) وفي معناه ما مر في الضمان والمعنى بإذن لمن يتصرف من كل منهما أو من أحدهما ( في تجارة ) فلا يكفي فيه اشتركنا لقصور اللفظ عنه لإحتمال أن يكون إخبارا عن حصول الشركة وتعبيري بالتجارة أولى من تعبيره بالتصرف ( و ) شرط ( في العاقدين أهلية توكيل وتوكل ) لأن كلا منهما وكيل عن الآخر فإن كان أحدهما هو المتصرف اشترط فيه أهلية التوكل وفي الآخر أهلية التوكيل فقط حتى يجوز كونه أعمى كما قاله في المطلب ( وفي المعقود عليه كونه مثليا ) نقدا أو غيره ولو دراهم مغشوشة
____________________
(1/369)
استمر في البلد رواجها فلا تصح في متقوم غير ما يأتي إذ لا يتحقق فيه ما ذكر بقولي ( خلط ) بعضه ببعض ( قبل عقد بحيث لا يتميز ) ليتحقق معنى الشركة فلا يكفي الخلط بعد العقد ولو بمجلسه فيعاد العقد ولا خلط لا يمنع التمييز كخلط دراهم بدنانير أو مكسرة بصحاح وقولي قبل عقد من زيادتي ( أو ) كونه ( مشاعا ) ولو متقوما كأن ورثاه أو اشترياه أو باع أحدهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر كنصف بنصف أو ثلث بثلثين لأن المقصود بالخلط حاصل بل ذلك أبلغ من الخلط وظاهر أنه لا بد أن يكون الإذن بعد القبض فيما اشترياه والتقابض فيما بعده ( لا تساو ) للمالين قدرا فلا يشترط إذ لا محذور في تفاوتهما إذ الربح والخسر على قدرهما
( ولا علم بنسبة ) أي بقدرها بينهما أهو النصف أم غيره ( عند عقد ) إذ أمكن معرفتها بعد بمراحعة حساب أو غيره فلهما التصرف قبل العلم لأن الحق لا يعدوهما فإن لم يمكن معرفتهما بعد لم يصح العقد فالشرط العلم بالنسبة ولو بعد العقد فلو جهلا القدر وعلما النسبة كأن وضع أحدهما دراهم في كفة ميزان ووضع الآخر مقابلهما مثلهاوخلطا صحت
( و ) شرط ( في العمل مصلحة بحال ونقد بلد ) نظرا للعرف ( فلا يبيع بثمن مثل وثم راغب بأزيد ) ولا يبيع نسيئة ولا بغير نقد بلد البيع ولا يتصرف بغبن فاحش ( ولا يسافر به ولا يبضعه ) بضم أوله وسكون ثانيه أي يدفعه لمن يعمل فيه متبرعا ( بلا إذن ) في الجميع فإن سافر به أو أبضعه بلا إذن ضمن أو باع بشيء من البقية بلا إذن صح في نصيبه فقط وانفسخت الشركة في المبيع وصار مشتركا بين المشتري والشريك وتعبيري بمصلحة أولى من قوله بلا ضرر لإقتضائه جواز البيع بثمن المثل مع راغب بزيادة ومن قول المحرر بغبطة لإقتضائه المنع من شراء ما يتوقع ربحه إذ الغبطة إنما هي تصرف فيما فيه ربح عاجل له بال ( ولكل ) من الشريكين ( فسخها ) أي الشركة متى شاء كالوكالة ( وينعزلان ) عن التصرف ( بما ينعزل به الوكيل ) كموت أحدهما وجنونه وإغمائه وغيرها مما يأتي في الوكالة واستثنى في البحر إغماء لا يسقط به فرض صلاة فلا فسخ به لأنه خفيف قاله ابن الرفعة وتعبيري بما ذكر أعم وأولى من قوله وينعزلان بفسخهما وتنفسخ بموت أحدهما وبجنونه وإغمائه لا عازل فلا ينعزل ( بعزله للآخر ) فيتصرف في نصيب المعزول فإن أراد الآخر عزله فليعزله ( والربح والخسر بقدر المالين ) باعتبار القيمة لا الأجزاء ( وإن ) تفاوت الشريكان في العمل أو ( شرطا خلافه ) بأن شرطا التساوي فيهما مع التفاوت في المال أو عكسه أو شرطاهما بقدر العملين عملا بقضية الشركة ( وتفسد ) أي الشركة ( به ) أي بشرط خلافه لمخالفة ذلك موضوعها ( فلكل ) منهما ( على الآخر أجرة عمله له ) كما في القراض الفاسد نعم لو تساويا
____________________
(1/370)
في المال وشرطا الأقل للأكثر عملا لم يرجع بالزائد لأنه عمل متبرعا ( ونفذ التصرف ) منهما للإذن ( والشريك كمودع ) في أنه أمين فيصدق بيمينه في الرد إلى شريكه وفي الخسر والتلف ويأتي هنا في دعوى التلف ما يأتي ثم وسيأتي بيانه وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به ( وحلف ) الشريك فيصدق ( في ) قوله ( إشتريته ) لي أو للشركة ( أو أن ما بيدي لي أو للشركة ) لأنه أعلم بقصده في الأولى وعملا باليد في الثانية بقسميها ( لا في ) قوله ( اقتسمنا وصار ) ما بيدي ( لي ) مع قول الآخر لا بل هو مشترك فالمصدق المنكر لأن الأصل عدم القسمة وذكر التحليف من زيادتي
____________________
(1/371)
كتاب الوكالة هي بفتح الواو وكسرها لغة التفويض والحفظ وشرعا تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة ليفعله في حياته والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { فابعثوا حكما من أهله } الآية وخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم بعث السعاة لأخذ الزكاة والحاجة داعية إليها فهي جائزة بل قال القاضي وغيره إنها مندوب إليها لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } أركانها أربعة ( موكل ووكيل وموكل فيه وصيغة وشرط في الموكل صحة مباشرته الموكل فيه ) وهو التصرف المأذون فيه وإلا فلا يصح توكيله لأنه إذا لم يقدر على التصرف بنفسه فبنائبه أولى ( غالبا ) وهو ننظيره الآتي أولى مما عبر به وخرج به ما استثنى من الطرد كظافر بحقه فلا يوكل في كسر الباب وأخذ حقه وكوكيل قادر وعبد مأذون له وسفيه مأذون له في نكاح ومن العكس كالأعمى يوكل في تصرف وإن لم تصح مباشرته له بالضرورة وهذا مذكور في الأصل وكمحرم يوكل حلالا في النكاح بعد التحلل أو يطلق وكمحرم يوكله حلال في التوكيل فيه ( فيصح توكيل ولي ) عن نفسه أو موليه في حق موليه من صبي ومجنون وسفيه كأب وجد في التزويج والمال ووصي وقيم في المال
فعلم أنه لا يصح توكيل صبي ومجنون ومغمى عليه وأنه يصح توكيل السفيه بما يستقبل به من التصرف وأنه لا يصح توكيل المرأة في نكاح ولا المحرم فيه في غير ما مر لعدم صحة مباشرتهما له ولو أذنت لوليها بصيغة التوكيل كوكلتك في تزويجي صح كما في البيان عن النص وصوبه في الروضة وتعبيري بما ذكر أعم من قوله توكيل الولي في حق الطفل
( و ) شرط ( في الوكيل صحة مباشرته التصرف ) المأذون فيه ( لنفسه ) وإلا فلا يصح توكله لأنه إذا لم يقدر على التصرف لنفسه فلغيره أولى فلا يصح توكيل صبي ومجنون ومغمى عليه ولا توكل امرأة في نكاح ولا محرم ليعقده في إحرامه
وخرج بقولي ( غالبا ) ما استثنى كالمرأة فتتوكل في طلاق غيرها والسفيه والعبد وهو مذكور في الأصل فيتوكلان في قبول النكاح بغير إذن الولي والسيد لا في إيجابه والصبي المأمون فيتوكل في الإذن في دخول وإيصال هدية وإن لم تصح مباشرته له بلا إذن وهو مذكور في الأصل ( و ) شرط فيه ( تعيينه ) فلو قال لاثنين وكلت أحدكما في كذا لم يصح وهذا من زيادتي نعم لو قال وكلتك في بيع كذا مثلا وكل مسلم صح فيما يظهر وعليه العمل
____________________
(1/372)
( و ) شرط ( في الموكل فيه أن يملكه الموكل ) حين التوكيل ( فلا يصح ) التوكيل ( في بيع ما سيملكه وطلاق من سينكحها ) لأنه إذا لم يباشر ذلك بنفسه فكيف يستنيب غيره ( إلا تبعا ) من زيادتي فيصح التوكيل ببيع ما لا يملكه تبعا للمملوك كما نقل عن الشيخ أبي حامد وغيره وببيع عين يملكها وأن يشتري له بثمنها كذا على الأشهر في المطلب وقياس ذلك صحة توكيله بطلاق من سينكحها تبعا لمنكوحته
ونقل ابن الصلاح أنه يصح التوكيل ببيع ثمرة شجرة قبل إثمارها ويوجه بأنه مالك لأصلها ( وأن يقبل نيابة فيصح ) التوكيل ( في ) كل ( عقد ) كبيع وهبة ( و ) كل ( فسخ ) كإقالة ورد بعيب ( وقبض وإقباض ) لدين وعليه اقتصر الأصل أو لعين مضمونة وغير مضمونة على ما جزم به في الأنوار قال لكن إقباضها لغير مالكها بغير إذنه مضمن والقرار على الثاني وقال المتولي وغيره لا يصح التوكيل في إقباضها إذ ليس له دفعها لغير مالكها
وقضية كلام الجوري أنه يصح إن وكل أحدا من عياله للعرف ( وخصومة ) من دعوى وجواب رضي الخصم أم لا ( وتملك مباح ) كإحياء واصطياد لأن ذلك أحد أسباب الملك كالشراء فيملكه الموكل إذا قصده الوكيل له ( واستيفاء عقوبة ) لآدمي وعليه اقتصر الأصل أو لله كقود وحد قذف وحد زنا وشرب ولو في غيبة الموكل ( لا ) في ( إقرار ) أي لا يصح التوكيل فيه بأن يقول لغيره وكلتك لتقر عني لفلان بكذا فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا أو جعلته مقرا بكذا لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة لكن الموكل يكون مقرا بالتوكيل على الأصح في الروضة لإشعاره بثبوت الحق عليه ( و ) لا في ( التقاط ) كما في الاغتنام تغليبا لشائبة الولاية على شائبة الاكتساب وهذا من زيادتي ( و ) لا في ( عبادة ) كصلاة وطهارة حدث لأن مباشرها مقصود بعينه ابتلاء ( إلا في نسك ) من حج أو عمرة ويندرج فيه توابعه كركعتي الطواف ( ودفع نحو زكاة ) ككفارة ( وذبح نحو أضحية ) كعقيقة لما ذكر في أبوابها وتعبيري بالنسك أعم من تعبيره بالحج ونحو في الموضعين من زيادتي ( ولا ) في ( شهادة ) إلحاقا لها بالعبادة لاعتبار لفظها مع عدم توقفها على قبول وهذا غير تحملها الجائز باسترعاء أو نحو كما سيأتي بيانه ( و ) لا في ( نحو ظهار ) كقتل وقذف لأن حكمها يختص بمرتكبها ولأن المغلب في الظهار معنى اليمين لتعلقه بألفاظ وخصائص كاليمين وصورته أن يقول أنت على موكلي كظهر أمه أو جعلت موكلي مظاهرا منك ( و ) لا في نحو ( يمين ) كإيلاء ولعان ونذر وتدبير وتعليق طلاق وعتق إلحاقا لليمين بالعبادة لتعلق حكمها بتعظيم الله تعالى إن كانت بالله وفي معناها البقية ونحو من زيادتي
( وأن يكون ) الموكل فيه ( معلوما ولو بوجه ك ) وكلتك في ( بيع أموالي وعتق أرقائي ) وإن
____________________
(1/373)
لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة لقلة الغرر فيه ( لا ) في ( نحو كل أموري ) ككل قليل وكثير أو فوضت إليك كل شيء أو بيع بعض مالي لأن في ذلك غررا عظيما لا ضرورة إلى احتماله بخلاف ما لو قال أبرىء فلانا عن شيء من مالي فيصح ويبرئه عن أقل شيء منه صرح به المتولي وغيره وقضية كلامهم عدم الصحة في نحو كل أموري وإن كان تابعا لمعين وقد يفرق بينه وبين ما زدته فيما مر لأن التابع ثم معين بخلافه هنا لكن الأوفق بما مر من الصحة في قولي وكلتك في بيع كذا وكل مسلم صحة ذلك وهو الظاهر
( ويجب في ) توكيله في ( شراء عبد بيان نوعه ) كتركي وهندي وبيان صنفه إن اختلف النوع اختلافا ظاهرا ( و ) في شراء ( دار بيان محلة ) أي الحارة ( وسكة ) بكسر السين أي الزقاق تقليلا للغرر وبيان البلد يؤخذ من بيان المحلة ( لا ) بيان ( ثمن ) في المسألتين فلا يجب لأن غرض الموكل قد يتعلق بواحد من ذلك نفيسا كان أو خسيسا ثم محل بيان ما ذكر إذا لم يقصد التجارة وإلا فلا يجب بيان شيء من ذلك بل يكفي اشتر بهذا ما شئت من العروض أو ما رأيته مصلحة ( و ) شرط ( في الصيغة لفظ موكل ) ولو بنائبه ( يشعر برضاه ) وفي معناه ما مر في الضمان ( كوكلتك ) في كذا ( أو بع ) كذا كسائر العقود والأول إيجاب والثاني قائم مقامه أما الوكيل فلا يشترط قبوله لفظا أو نحوه إلحاقا للتوكيل بالإباحة أما قبوله معنى وهو عدم رد الوكالة فلا بد منه فلو رد فقال لا أقبل أو لا أفعل بطلت ولا يشترط في القبول هنا الفور ولا المجلس ( وصح تأقيتها ) أي الوكالة نحو وكلتك في كذا إلى رجب وهذا من زيادتي ( و ) صح ( تعليق ) لتصرف نحو وكلتك الآن في بيع كذا ولا تبعه حتى يجيء رجب لأنه إنما علق التصرف فليس له بيعه قبل مجيئه ( لا ) تعليق ( لها ) نحو إذا جاء رجب فقد وكلتك في كذا فلا يصح كسائر العقود لكن ينفذ تصرفه بعد وجود المعلق عليه للإذن فيه
( ولا ) تعليق ( لعزل ) لفساده كتعليق الوكالة ( ولو قال وكلتك ) في كذا ( ومتى عزلتك فأنت وكيلي صحت ) حالا لأن الإذن قد وجد منجزا ( فإن عزله لم يصر وكيلا ) لفساد التعليق ( ونفذ تصرفه ) لما مر وهذا من زيادتي
فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع بأجل وما يذكر معهما ( الوكيل بالبيع مطلقا ) أي توكيلا غير مقيد بشيء ( كالشريك ) فيما مر ( فلا يبيع بثمن مثل
____________________
(1/374)
وثم راغب بأزيد ) ولا يبيع نسيئة ولا بغير نقد بلد البيع نعم إن سافر بما وكل في بيعه إلى بلد بلا إذن وباعه فيها اعتبر نقد بلد حقه أن يبيع فيها به ( و ) لا ( بغبن فاحش ) بأن لا يحتمل غالبا بخلاف اليسير وهو ما يحتمل غالبا فيغتفر فبيع ما يساوي عشرة بتسعة محتمل وبثمانية غير محتمل وقولي كالشريك إلى آخره أولى مما عبر به ( فلو خالف ) فباع على أحد هذه الأنواع ( وسلم ) المبيع ( ضمن ) قيمته يوم التسليم ولو مثليا لتعديه بتسليمه ببيع فاسد فيسترده إن بقي وله بيعه بالإذن السابق ولا يضمن ثمنه وإن تلف المبيع غرم الموكل بدله من شاء من الوكيل والمشتري والقرار عليه ثم على ما فهم من أنه يلزمه البيع بنقد البلد لو كان بالبلد نقد إن لزمه البيع بأغلبهما فإن استويا في المعاملة باع بأنفعهما للموكل فإن استويا تخير بينهما فإن باع بهما قال الإمام فيه تردد للأصحاب والمذهب الجواز ( ولو وكله ليبيع مؤجلا صح ) وإن أطلق الأجل ( وحمل مطلق أجل على عرف ) في المبيع بين الناس فإن لم يكن عرف راعي الوكيل الأنفع للموكل ويشترط الإشهاد وحيث قدر الأجل اتبع الوكيل ما قدره الموكل فإن باع بحال أو نقص عن الأجل كأن باع إلى شهر ما قال الموكل بعه إلى شهرين صح البيع إن لم ينهه الموكل ولم يكن عليه فيه ضرر كنقص ثمن أو خوف أو مؤنة حفظ
وينبغي كما قال الأسنوي حمله على ما إذا لم يعين المشتري وإلا فلا يصح لظهور قصد المحاباة كما يؤخذ مما يأتي في تقدير الثمن فرع لو قال لوكيله بع هذا بكم شئت فله بيعه بغبن فاحش لا بنسيئة ولا بغير نقد البلد أو بما شئت أو بما تراه فله بيعه بغير نقد البلد لا بغبن وإلا بنسيئة أو بكيف شئت فله بيعه بنسيئة لا بغبن فاحش ولا بغير نقد البلد أو بما عزوهان فله بيعه بعرض وغبن لا بنسيئة
( ولا يبيع ) الوكيل بالبيع ( لنفسه وموليه ) وإن أذن له في ذلك لأنه متهم في ذلك بخلاف غيرهما كأبيه وولده الرشيد وتعبيري بموليه أعم من قوله وولده الصغير ( وله قبض ثمن ) بقيد زدته بقولي ( حال ثم يسلم المبيع ) المعين إن تسلمه لأنهما من مقتضيات البيع ( فإن سلم ) المبيع ( قبله ) أي قبل قبض الثمن ( ضمن ) قيمته وإن كان الثمن أكثر منها فإذا غرمها ثم قبض الثمن دفعه إلى الموكل واسترد ما غرم أما الثمن المؤجل فله فيه تسليم المبيع وليس له قبض الثمن إذا حل إلا بإذن جديد
( وليس لوكيل بشراء شراء معيب ) لاقتضاء الإطلاق عرفا السليم ( فإن اشتراه ) بثمن في الذمة أو بعين مال الموكل فهو أعم من قوله فإن اشتراه في الذمة ( جاهلا ) بعيبه ( وقع ) الشراء ( للموكل ) وإن لم يساو المبيع الثمن كما لو اشتراه بنفسه جاهلا ولتمكنه من التدارك بالرد بلا ضرر عليه فيه مع أن الوكيل لا ينسب إلى
____________________
(1/375)
مخالفة لجهله والضرر لا حق به ( ولكل ) منهما ( والشراء ) للمعيب بثمن ( في الذمة رده ) بالعيب أما الموكل فلأنه المالك وأما الوكيل فلأنه لو لم يكن له رد فربما لا يرضى به الموكل فيتعذر الرد لأنه فوري ويقع الشراء له فيتضرر به ( لا إن رضي ) به ( موكل أو اشترى بعين ماله فلا يرد وكيل ) بخلاف العكس في الأولى وهذا من زيادتي
وخرج بجهله لعيب ما لو علمه فإن اشتراه بعين مال الموكل لم يصح الشراء أو في الذمة وقع له لا للموكل وإن ساوى المبيع الثمن
( ولوكيل توكيل بلا إذن فيما لا يتأتى منه ) لكونه لا يليق به أو كونه عاجزا عنه عملا بالعرف لأن التفويض لمثل هذا لا يقصد منه عينه فلا يوكل العاجز إلا في القدر الذي عجز عنه ولا يوكل الوكيل فيما ذكر عن نفسه بل عن موكله ولو وكله فيما يطيقه فعجز عنه لمرض أو غيره لم يوكل فيه
وقضية التعليل المذكور امتناع التوكيل عند جهل الموكل بحاله وهو كما قال الأسنوي ظاهر أما ما يتأتى منه فلا يصح التوكيل فيه إلا لعياله على ما اقتضاه كلام الجوري ( وإذا وكل بإذنه فالثاني وكيل الموكل فلا يعزله الوكيل ) وإن فسق لأن الموكل أذن له في التوكيل لا في العزل سواء قال وكل عني أو أطلق ( فإن قال وكل عنك ) ففعل ( ف ) الثاني ( وكيل الوكيل ) لأنه مقتضى الإذن ( فينعزل بعزل ) من أحد الثلاثة ( وانعزال ) بما ينعزل به الوكيل وسيأتي بيانه في فصل الوكالة جائزة فتعبيري بذلك أعم من قوله بعزله وانعزاله ( وحيث جاز له ) أي للوكيل ( توكيل فليوكل ) وجوبا ( أمينا ) رعاية لمصلحة الموكل ( إلا إن عين له ) الموكل المالك ( غيره أي غير أمين فيتبع تعيينه لأن الحق له
فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها لو ( أمره ببيع لمعين ) من الناس ( أو به ) أي بمعين من الأموال والتصريح به من زيادتي ( أو فيه ) أي في معين من زمان أو مكان نحو بع لزيد بالدينار الذي بيده في يوم كذا في سوق كذا ( تعين ) ذلك وإن لم يتعلق به غرض عملا بالإذن فلو باع لوكيل المعين لم يصح كما في الروضة عن البيان وفي غيرها عن الأصحاب وقياسه عدم الصحة فيما لو قال بع من وكيل
____________________
(1/376)
زيد فباع من زيد وإنما يتعين المكان إذا لم يقدر الثمن أو نهاه عن غيره وإلا جاز البيع به في غيره كما نقله في الروضة عن جمع وأقره
( فلو أمره ) بالبيع ( بمائة لم يبع بأقل ) منها وإن قل ( ولا بأزيد ) منها ( إن نهاه ) عن الزيادة للمخالفة ( أو عين مشتريا ) لأنه ربما قصد إرفاقه والثانية من زيادتي فإن لم ينهه ولم يعين المشتري فله البيع بأزيد
لأنه حصل غرضه وزاد خيرا ولا مانع بل إن كان ثم راغب بزيادة لم يجز البيع بدونه كما مر فلو وجده في زمن الخيار لزمه الفسخ فإن لم يفعل انفسخ البيع ( أو ) أمره ( بشراء شاة موصوفة ) بما مر في التوكيل بشراء عبد ( بدينار فاشترى به شاتين بالصفة وساوته إحداهما ) وإن لم تساوه الأخرى ( وقع للموكل ) لأنه حصل غرضه وزاد خيرا وإن لم تساوه واحدة منهما لم يقع له وإن زادت قيمتهما على الدينار لفوات ما وكل فيه وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به ( ومتى خالفه في بيع ماله ) كأن أمره ببيع عبد فباع آخر ( أو ) في ( شراء بعينه ) كأن أمره بشراء ثوب بهذا الدينار فاشتراه بآخر أو أمره بالشراء في الذمة فاشترى بالعين ( لغا ) أي التصرف لأن الموكل لم يأذن فيه ولأنه في الأخيرة من الثانية قد يقصد شراء ما وكل فيه على وجه يسلم له وإن تلف المعين ( أو ) خالف في ( شراء في ذمة ) كأن أمره بشراء ثوب بخمسة فاشتراه بعشرة أو أمره بالشراء بعين هذا الدينار فاشترى في الذمة ( وقع ) الشراء ( للوكيل وإن سمي الموكل ) بقلبه أو لفظه ولغت التسمية للمخالفة في الإذن ولأنه في الثانية أمره بعقد ينفسخ بتلف المعين فأتى بما لا ينفسخ بتلفه ويطالب بغيره
ولو قال اشتر بهذا الدينار كذا لم يتعين الشراء بعينه بل يتخير بين الشراء بعينه وفي الذمة ( ولا يصح إيجاب يبعت موكلك ) وإن لم يخالف الإذن إذ لم يجر بين المتبايعين مخاطبة ( والوكيل ) ولو بجعل ( أمين ) فلا يضمن ما تلف في يده بلا تعد ويصدق بيمينه في دعوى التلف والرد على الموكل لأنه ائتمنه بخلاف دعوى الرد على غير الموكل كرسوله ( فإن تعدى ) كأن ركب الدابة أو لبس الثوب ( ضمن ) كسائر الأمناء ( ولا ينعزل ) بالتعدي لأن الوكالة إذن في التصرف والأمانة حكم يترتب عليها ولا يلزم من ارتفاعه بطلان الإذن بخلاف الوديعة لأنها محض ائتمان فإن باع وسلم المبيع زال الضمان عنه ولا يضمن الثمن ولو رد المبيع بعيب عليه عاد الضمان ( وأحكام عقده ) أي الوكيل ( كرؤية ) للمبيع ( ومفارقة مجلس وتقابض فيه تتعلق به ) لا بالموكل لأنه العاقد حقيقة حتى إن له الفسخ بالخيار وإن أجاز الموكل ( ولبائع مطالبته ) أي الوكيل كالموكل ( بثمن إن قبضه ) من الموكل سواء اشترى بعينه أم
____________________
(1/377)
في الذمة ( وإلا ) بأن لم يقبضه منه ( فلا ) يطالبه ( إن كان معينا ) لأنه ليس في يده ( وإلا ) بأن كان في الذمة ( طالبه ) به ( إن لم يعترف بوكالته ) بأن أنكرها أو قال لا أعرفها ( وإلا ) بأن اعترف بها ( طالب كلا ) منهما به
( والوكيل كضامن ) والموكل كأصيل فإذا غرم رجع بما غرمه على الموكل ( ولو تلف ثمن قبضه واستحق مبيع طالبه مشتر ) ببدل الثمن سواء اعترف المشتري بالوكالة أم لا ( والقرار عى الموكل ) فيرجع عليه الوكيل بما غرمه لأنه غره وبذلك علم ما صرح به الأصل أن للمشتري مطالبة الموكل ابتداء وإطلاقي تلف الثمن الذي بنصه أولى من تقييد الأصل له بكونه في يده
فصل في حكم الوكالة وارتفاعها وغيرهما ( الوكالة ) ولو بجعل ( جائزة ) أي غير لازمة من جانب الموكل والوكيل ( فترتفع حالا ) أي من غير توقف على علم الغائب منهما بسبب ارتفاعها ( بعزل أحدهما ) بأن يعزل الوكيل نفسه أو يعزله الموكل سواء كان بلفظ العزل أم لا كفسخت الوكالة أو أبطلتها أو رفعتها ( وبتعمده إنكارها بلا غرض ) له فيه بخلاف إنكاره لها نسيانا أو لغرض كإخفائها من ظالم وذكر إنكار الموكل من زيادتي ( وبزوال شرطه ) السابق أول الباب فينعزل بطرو رق وحجر بسفه أو فلس عما لا ينفذ ممن اتصف بها فتعبيري بذلك أعم من اقتصار الأصل على الموت والجنون والإغماء ( و ) بزوال ( ملك موكل ) عن محل التصرف أو منفعته كبيع ووقف لزوال الولاية وإيجار ما وكل في بيعه ومثله تزويجه ورهنه مع قبض لإشعارها بالندم على التصرف بخلاف نحو العرض على البيع وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بخروج محل التصرف عن ملك الموكل ( ولو اختلفا فيها ) أي في أصلها كأن قال وكلتني في كذا فأنكره أو صفتها كأن قال وكلتني في البيع نسيئة أو بالشراء بعشرين فقال بل نقدا أو بعشرة ( أو قال ) الوكيل ( قبل تسليمه ) للبيع أو بعده بحق ) وهو من زيادتي كأن سلمه وقد أذن له الموكل في تسليمه قبل قبض الثمن ( قبضت الثمن وتلف أو قال أتيت بالتصرف ) المأذون فيه من بيع أو غيره ( فأنكر
____________________
(1/378)
الموكل ) القبض أو الإتيان بالتصرف
( حلف ) الموكل فيصدق لأن الأصل عدم الإذن فيما قاله الوكيل في الأولى بقسميها وبقاء حقه في الثانية وعدم التصرف في الثالثة نعم لو قال فيها قضيت الدين مثلا وصدقه المستحق صدق الوكيل بيمينه أما لو كان التسليم بغير حق بأن كان الثمن حالا ولم يأذن له في التسليم قبل قبضه وقال بعد التسليم قبضت الثمن وتلف وأنكر الموكل فالمصدق الوكيل لأن الموكل يدعى خيانته بتسليمه المبيع قبل القبض والأصل عدمها ( ولو اشترى أمة بعشرين ) دينارا مثلا ( وزعم أن الموكل أمره ) بذلك ( فقال بل ) أذنت ( بعشرة وحلف ) على ذلك ( فإن اشتراها بعين مال الموكل وسماه في عقد ) بأن قال اشتريتها لفلان والمال له ( بطل ) الشراء لأنه شراء بمال الغير بغير إذنه ( أو ) سماه ( بعده ) بأن قال ذلك ( أو اشتراها في ذمة وسماه كما مر ) أي في العقد أو بعده ( وصدقه البائع ) فيما سماه في الصورتين ( فكذلك ) يبطل لاتفاقهما على أن الشراء للمسمى
وقد ثبت بيمينه أنه لم يأذن فيها بالثمن المذكور وكالتصديق الحجة ( وإلا ) بأن لم يسمه فيما ذكر بل نواه مطلقا أو سماه فيه والشراء في الذمة أو بعد العقد والشراء بعين مال الموكل وكذبه البائع أو سكت ( وقع ) الشراء ( للوكيل ) ظاهرا ولغت التسمية وسلم الثمن المعين للبائع وغرم بدله للموكل ( وحلف البائع على نفي العلم ) بالوكالة ويكون المال للموكل ( إن كذبه أو سكت وقد اشتراها بالعين وسماه بعد العقد )
وذكر حلف البائع في الثانية مع ذكر وقوع الشراء بالعين للوكيل فيما لو سماه بعد العقد مع سكوت البائع أو لم يسمه من زيادتي ( وسن لقاض حينئذ ) أي حين وقع الشراء للوكيل ( رفق بالبائع في هذه ) أي في مسألة حلفه ( و ) رفق ( بالموكل مطلقا ليبيعاها للوكيل ولو بتعليق ) كأن يقول له البائع إن لم يكن موكلك أمرك بشراء الأمة بعشرين فقد بعتكها بها
ويقول الموكل إن كنت أمرتك بشراء الأمة إلى آخره فيقبل هو لتحل له باطنا ويغتفر هذا التعليق في البيع بتقدير كذب الوكيل وصدقه للضرورة فإن لم يجب من رفق به إلى ما ذكر أو لم يسأله القاضي فإن كان الوكيل كاذبا لم يحل له تصرف في الأمة بوطء ولا غيره إن كان الشراء بعين مال الموكل لبطلانه باطنا وإن كان في الذمة حل ذلك لصحته باطنا أيضا وإن كان صادقا فهي للموكل باطنا وعليه للوكيل الثمن وهو لا يؤديه وقد ظفر الوكيل بغير جنس حقه وهو الأمة فله بيعها وأخذ حقه من ثمنها وذكر المتولي كما في الروضة وأصلها أن له ذلك أيضا فيما إذا كان كاذبا والشراء بعين مال الموكل لتعذر رجوعه على البائع بحلفه وذكر سن الرفق بالبائع من زيادتي
____________________
(1/379)
( ولو قال قضيت الدين فأنكر مستحقه حلف ) ( مستحقه فيصدق لأن الأصل عدم قضائه ولأن الموكل لو ادعى القضاء لم يصدق ولا يصدق الوكيل على الموكل في ذلك إلا بحجة لأنه وكله في الدفع إلى من لم يأتمنه فكان من حقه الإشهاد عليه كما علم من قولي فيما مر أو قال أتيت بالتصرف إلى آخره ومحله إذا لم يكن ذلك بحضرته وإلا صدق الوكيل لنسبة التقصير حيئنذ للموكل بتركه الإشهاد وهذا بخلاف ما لو وكله بقبض حقه من زيد فادعى زيد دفعه له وصدقه الموكل وأنكره الوكيل فإنه يصدق على موكله وسيأتي في الوصية أن قيم اليتيم ووصيه لا يقبل دعواهما دفع المال إليه بعد رشده
( ولمن لا يصدق في أداء ) كمستعير وغاصب ومدين ( تأخيره لإشهاد به ) أي بالأداء لأنه لا يكتفي فيه بيمينه بخلاف من يصدق فيه كوكيل ووديع ( ومن ادعى أنه وكيل بقبض ما على زيد لم يجب دفعه له إلا ببينة ) بوكالته لاحتمال إنكار الموكل لها ( و ) لكن ( يجوز ) دفعه ( إن صدقه ) في دعواه لأنه محق عنده ( أو ) ادعى ( أنه محتال به أو ) أنه ( وارث له ) أو وصي أو موصى له منه ( وصدقه وجب ) دفعه له لاعترافه بانتقال المال إليه ومثل ما على زيد في غير مسألة المحتال ما عنده لكنه لا يجوز له دفع العين لمدعي الوكالة بلا بينة وإن صدقه لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه ولهذا التفصيل حذفت عند وعين من كلام الأصل
____________________
(1/380)
كتاب الإقرار هو لغة الإثبات من قر الشيء أي ثبت وشرعا إخبار الشخص بحق عليه ويسمى اعترافا أيضا والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم } وفسرت شهادة المرء على نفسه بالإقرار وأخبار كخبر الصحيحين اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها والقياس جوازه لأنا إذا قبلنا الشهادة بالإقرار فلأن نقبل الإقرار أولى
( أركانه ) أربعة ( مقر ومقر له و ) مقر ( به وصيغة وشرط فيها ) أي في الصيغة ( لفظ يشعر بالتزام ) بحق وفي معناه ما مر في الضمان ( كقوله لزيد علي أو عندي كذا ) وخرج بزيادتي علي أو عندي ما لو حذفه فلا يكون إقرار إلا إن كان المقر به معينا كهذا الثوب فيكون إقرار ( وعلي أو في ذمتي للدين ) لأنه المفهوم من ذلك وهذا عند الإطلاق لما سيأتي أنه يقبل التفسير في علي بالوديعة ومثل علي قبلي كما في التهذيب ونص عليه في الأم ( ومعي أو عندي للعين ) فلو ادعى أنها وديعة وأنها تلفت أو أنه ردها صدق بيمينه وتعبيري بأو في الموضعين أولى من تعبيره بالواو فيهما ( وجواب لي عليك ألف أو أليس لي عليك ألف ببلى أو نعم أو صدقت أو أنا مقربه أو نحوها ) كأبرأتني منه أو قبضه ( إقرار ) لأنه المفهوم من ذلك ( كجواب اقض الألف لي عليك بنعم أو ) بقوله ( أقضي غدا أو أمهلني أو حتى أفتح الكيس أو أجد ) أي المفتاح مثلا ( أو نحوها ) كابعث من يأخذه أو اقعد حتى تأخذه فإنه إقرار ( لا ) جواب ذلك ( بزنه أو خذه أو اختم عليه أو اجعله في كيسك أو أنا مقر أو أقربه أو نحوها ) كهي صحاح أو رومية فليس إقرارا بالألف بل ما عدا الخامس والسادس ليس إقرارا أصلا لأنه يذكر للاستهزاء والخامس محتمل للإقرار لغير الألف كوحدانية الله سبحانه وتعالى والسادس للوعد بالإقرار به بعد بخلاف لا أنكر ما تدعيه فإنه إقرار وقولي وجواب إلى آخره أعم مما ذكره
____________________
(1/381)
( و ) شرط في ( المقر إطلاق تصرف واختيار ) ولو من كافر أو فاسق ( فلا يصح ) إقرار ( من صبي ومجنون ) ومغمى عليه ( ومكره ) بغير حق كسائر عقودهم ( فإن ادعى ) الصبي ( بلوغا بإمناء ) هو أعم من تعبيره باحتلام ( ممكن ) بأن استكمل تسع سنين كما مر في الحجر ( صدق ) في ذلك ( ولا يحلف ) عليه وإن فرض ذلك في خصومة ببطلان تصرفه مثلا لأن ذلك لا يعرف إلا منه ولأنه إن كان صادقا فلا حاجة إلى يمين وإلا فلا فائدة فيها لأن يمين الصبي غير منعقدة وإذا لم يحلف فبلغ مبلغا يقطع فيه ببلوغه قال الإمام فالظاهر أيضا أنه لا يحلف لانتهاء الخصومة وكالإمناء في ذلك الحيض ( أو ) ادعاه ( بسن كلف بينة ) عليه وإن كان غريبا لإمكانها ( والسفيه والمفلس مر حكمهما ) أي حكم إقرارهما في بابي الحجر والمفلس ( وقبل إقرار رقيق بموجب عقوبة ) بكسر الجيم كقتل وزنا وسرقة لبعده عن التهمة فيه فإن كل نفس مجبولة على حب الحياة والاحتراز عن الإيلام ويضمن مال السرقة في ذمته تالفا كان أو باقيا في يده أو يد سيده إذا لم يصدقه فيها ولو أقر بموجب قود وعفى عنه على مال تعلق برقبته ولو كذبه سيده ( و ) قبل إقراره ( بدين جناية ) وإن أوجبت عقوبة كجناية خطأ وإتلاف مال عمدا أو خطأ ( ويتعلق بذمته فقط ) أي دون رقبته ( إن لم يصدقه سيده ) في ذلك بأن كذبه أو سكت فهو أعم من تعبيره بكذبه فيتبع به إذا عتق وإذا صدقه تعلق برقبته فيباع فيه إلا أن يفديه السيد بأقل الأمرين من قيمته وقدر الدين
وإذا بيع وبقي شيء من الدين لا يتبع به إذا عتق وتعبيري بما ذكر من قوله لا توجب عقوبة ( وقبل ) الإقرار ( عليه ) أي على سيده ( بدين ) معاملة ( تجارة أذن له فيها ) ويؤدي من كسبه وما بيده كما مر في بابه وتعبيري بتجارة أولى من تعبيره بمعاملة وخرج بها إقراره بما لا يتعلق بها كالقرض فلا يقبل على السيد ولو أقر بعد حجر السيد عليه بدين معاملة أضافه إلى حال الإذن لم يقبل إضافة لعجزه عن الإنشاء فلو أطلق الإقرار بالدين لم ينزل على دين التجارة وهو ظاهر إن تعذر مراجعته كنظيره في إقرار المفلس وإن لم يكن مأذونا له في التجارة لم يقبل إقراره على سيده فيتعلق ما أقر به بذمته فيتبع به بعد عتقه صدقه السيد أو كذبه هذا كله في غير المكاتب
أما المكاتب فيصح إقراره مطلقا كالحر ( و ) قبل ( إقرار مريض ولو لوارث ) بدين وعين لأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكذوب ويتوب فيها العاصي فالظاهر أنه لا يقر إلا بتحقيق ( ولا يقدم ) فيما لو أقر في صحته بدين وفي مرضه لآخر بآخر أو أقر في أحدهما بدين وأقر وارثه بآخر ( إقرار صحة ) على إقرار مرض ( ولا ) إقرار ( مورث ) على إقرار وارث بل يتساويان كما لو أقر بهما في الصحة والمرض وإقرار وارثه كإقراره فكأنه
____________________
(1/382)
أقر بالدينين ( و ) شرط ( في المقر له أهلية استحقاق ) للمقر به لأن الإقرار بدونه كذب ( فلا يصح إقرار لدابة ) لأنها ليست أهلا لذلك ( فإن قال ) علي ( بسببها لفلان ) كذا ( صح ) حملا على أنه جنى عليها أو اكتراها واستعملها تعديا وتعبيري بفلان أعم من تعبيره بمالكها مع أنه لو لم يذكر شيئا منها صح وعمل ببيانه كصحة الإقرار ( كحمل هند وإن أسند لجهة لا تمكن في حقه ) كقوله أقر ضنيه أو باعني به شيئا ويلغو الإسناد المذكور وهذا ما صححه الرافعي في شرحيه وقواه السبكي
وما وقع في الأصل واستدرك في الروضة على الرافعي من أنه لغو فهمه من قول المحرر وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في صفة فهو لغو وهو كما قال صاحب الأنوار والأذرعي وغيرهما وهم بل الضمير في فهو للإسناد بقرينة كلام الشرحين وأما الإقرار فصحيح ( و ) شرط فيه أيضا ( عدم تكذيبه ) للمقر فلو كذبه في إقراره له بمال ترك في يد المقر لأن يده تشعر بالملك ظاهرا وسقط إقراره بمعاوضة الإنكار حتى لو رجع بعد التكذيب قبل رجوعه سواء أقال غلطت في الإقرار أم تعمدت الكذب
ولو رجع المقر له عن التكذيب لم يقبل فلا يعطي إلا بإقرار جديد وشرط أيضا كون المقر له معينا تعيينا يتوقع معه طلب كما أشرت إليه كالأصل بالتعبير بهند فلو قال علي مال لرجل من أهل البلد لم يصح بخلاف ما لو قال علي مال لأحد هؤلاء الثلاثة مثلا ( و ) شرط ( في المقر به أن لا يكون ) ملكا ( للمقر ) حين يقر ( فقوله داري أو ديني ) الذي لي عليك ( لعمرو لغو ) لأن الإضافة إليه تقتضي الملك له فينافي الإقرار لغيره إذ هو إخبار بحق سابق عليه ويحمل كلامه على الوعد بالهبة قال البغوي فإن أراد به الإقرار قبل منه ولو قال مسكني أو ملبوسي لزيد فهو إقرار لأنه قد يسكن ويلبس ملك غيره ( لا ) قوله ( هذا لفلان وكان ) ملكا ( لي إلى أن أقررت ) به فليس لغوا اعتبارا بأوله وكذا لو عكس فقال هذا ملكي هذا لفلان إذ غايته أنه إقرار بعد إنكار صرح به الإمام وغيره بخلاف داري التي هي ملكي لفلان ( وأن يكون بيده ولو مآلا ) ليسلم بالإقرار للمقر له حينئذ فلو لم يكن بيده حالا ثم صار بها عمل بمقتضى إقراره بأن يسلم للمقر له حينئذ ( فلو أقر بحرية شخص ) بيد غيره ( ثم اشتراه حكم بها ) فترفع يده عنه مؤاخذة له بإقراره السابق ( وكان اشتراؤه افتداء ) له ( من جهته ) لاعترافه بحريته المانعة من شرائه ( وبيعا من جهة البائع فله ) لا للمشتري ( الخيار ) أي خيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب فتعبيري بذلك أعم من تعبيره بالخيارين وسواء أقال في صيغة إقراره هو حر الأصل أم أعتقه هو أو غيره وإن أوهم الأصل تخصيص كون ذلك بيعا من جهة البائع بالشق الثاني
____________________
(1/383)
( وصح ) الإقرار ( بمجهول ) كشيء أو كذا فيطلب من المقر تفسيره ( فلو قال ) له ( علي شيء أو كذا قبل تفسيره بغير عيادة ) لمريض ( ورد سلام ونجس لا يقتنى ) كخنزير سواءا كان مالا وإن لم يتمول كفلس وحبة بر أم لا كقود وحق شفعة وحد قذف وزبل لصدق كل منها بالشيء مع كونه محترما فتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به أما تفسيره بشيء من الثلاثة المذكورة فلا يقبل لبعد فهمها في معرض الإقرار إذ لا مطالبة بها نعم يقبل تفسير الحق بالأولين منها وخرج بعلي عندي فيقبل تفسيره بنجس لا يقتني لا بما قبله ( ولو أقر بمال وإن وصفه بنحو عظم ) كقوله مال عظيم أو كبير أو كثير ( قبل تفسيره بما قل منه ) أي من المال وإن لم يتمول كحبة بر ويكون وصفه بالعظم ونحوه من حيث إثم غاصبه وكفر مستحله
قال الشافعي أصل ما أبني عليه الإقرار أن ألزم اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة ( وبمستولدة ) لأنها ينتفع بها وتؤجر وإن كانت لاتباع
وخرج بمنه تفسير ذلك بالنجس وإن حل اقتناؤه كجلد فلا يقبل إذ لا يصدق عليه اسم المال ( ولو قال ) له علي أو عندي ( شيء شيء أو كذا كذا لزمه شيء ) لأن الثاني تأكيد ( أو ) قال ( شيء وشيء أو كذا فشيئان ) يلزمانه لاقتضاء العطف المغايرة ( أو ) قال ( كذا درهم برفع ) بدلا أو عطف بيان ( أو نصب ) تمييزا ( أوجر ) لحنا ( أو سكون ) وقفا ( أو كذا كذا درهم بها ) أي بالأحوال الأربعة ( أو ) قال ( كذا وكذا درهم بلا نصب فدرهم ) يلزمه لأن كذا مبهم وقد فسره بدرهم في الأولى والثانية وتختص الثانية باحتمال التأكيد والدرهم في الثالثة لا يصلح للتمييز ( أو به ) أي بالنصب بأن قال كذا وكذا درهما ( فدرهمان ) يلزمانه لأن التمييز وصف في المعنى فيعود إلى الجميع ومسألة السكون من زيادتي ( أو ) قال ( ألف ودرهم قبل تفسير الألف بغير الدرهم ) كألف فلس لأن العطف للزيادة لا للتفسير نعم لو قال ألف ودرهم فضة كان الألف أيضا فضة للعادة قاله القاضي بخلاف ما لو قال له على ألف وقفيز حنطة فإن الألف مبهمة إذ لا يقال ألف حنطة ولو قال له علي ألف درهم برفعهما وتنوينهما أو تنوين الأول فقط فيما يظهر فله تفسير الألف بما لا تنقص قيمته عن درهم وكأنه قال مما قيمته الألف منه درهم ( أو ) قال ( خمسة وعشرون درهما فالكل دراهم ) لما مر أن التمييز وصف ( أو ) قال ( الدراهم التي أقررت بها ناقصة الوزن أو معشوشة فإن كانت دراهم البلد ) الذي أقر فيه ( كذلك )
____________________
(1/384)
أي ناقصة الوزن أو مغشوشة ( أو ) لم تكن كذلك بأن كانت تامة أو خالصة ( ووصله ) أي قوله المذكور بالإقرار ( قبل ) قوله فيهما وإن فصله عنه في الأولى حملا على نقد البلد فيها وكالاستثناء في الثانية ولو فسر الدراهم بغير سكة البلد أو بجنس رديء قبل ويخالف البيع لأن الغالب في المعاملة قصد ما يروج في البلد الإقرار إخبار بحق سابق ( أو ) قال له علي ( درهم في عشرة فإذا أراد معية ) أي معناها ( فأحد عشر ) درهما تلزمه لورود في بمعنى مع كما في قوله تعالى { ادخلوا في أمم } أي معهم
( أو ) أراد ( حسابا ) بقيد زدته بقولي ( عرفه فعشرة ) لأنها موجبة ( وإلا ) بأن أراد ظرفا أو حسابا لم يعرفه أو أطلق ( فدرهم ) يلزمه لأنه المتيقن
فصل في بيان أنواع الإقرار مع بيان صحة الاستثناء ( لو قال عندي سيف ) في ظرف ( أو خف في ظرف أو عبد عليه ثوب لم يلزمه الظرف والثوب ) أخذ باليقين ( أو عكسه ) بأن قال له عندي ظرف فيه سيف أو فيه خف أو ثوب على عبد وهو من زيادتي ( لزمه ) أي الظرف في الأوليين والثوب في الأخيرة ( فقط ) لذلك ( أو ) له عندي ( دابة بسرجها أو ثوب مطرز ) بتشديد الراء ( لزمه الكل ) لأن الباء بمعنى مع والطراز جزء من الثوب ( أو ) قال له ( في ميراث أبي ألف فإقرار أبيه بدين أو ) قال له في ( ميراثي من أبي ) ألف ( فوعد هبة ) إن لم يرد به إقرار لأنه أضاف الميراث إلى نفسه ثم جعل لغيره جزءا منه وذلك لا يكون إلا هبة بخلافه فيما قبلها ( أو ) قال له ( علي درهم درهم لزمه درهم ) ولو كرره ألف مرة ( أو ) درهم ( ودرهم فدرهمان ) يلزمانه لما مر في كذا وكذا وكذا ( أو ) درهم ( ودرهم ودرهم فثلاثة ) تلزمه ( إلا إن نوى بالثالث تأكيد الثاني فدرهمان ) يلزمانه فشمل المستثنى منه ما لو نوى بالثاني أو بالثالث استئنافا أن تأكيد الأول أو أطلق فيلزمه الثلاثة عملا بنيته في الأولى وبظاهر اللفظ في الثالثة ولامتناع التأكيد في الثانية لزيادة المؤكد على المؤكد بالعاطف وللفاصل في التأكيد بالثالث ( ومتى أقر بمبهم كثوب ) وشيء ( وطولب ببيانه ) ولم تمكن معرفته بغير مراجعته ( فأبى
____________________
(1/385)
حبس ) حتى يبين لامتناعه من أداء الواجب عليه فإن مات قبل البيان طولب به الوارث ووقف جميع التركة فإن أمكن معرفته بغير مراجعته كقوله له على زنة هذه الصنجة أو قدر ما باع به فلان فرسه لم يحبس ( ولو بين ) بما يقبل ( وكذبه المقر له ) في أنه حقه ( فليبين ) أي المقر له جنس حقه وقدره وصفته ( وليدع به ويحلف المقر على نفيه ) ثم إن كان ما بين به من جنس المدعى به كأن بين بمائة درهم وادعى المقر له بمائتي درهم فإن صدقه على إرادة المائة ثبتت وحلف المقر على نفي الزيادة وإن كذبه بأن قال له بل أردت مائتين حلف أنه لم يردهما وأنه لا يلزمه إلا مائة وإن لم يكن من جنسه كأن بين بمائة درهم فادعى بخمسين دينارا فإن صدقه على إرادة المائة أو كذبه في إرادتها بأن قال له إنما أردت الخمسين ووافقه على أن المائة عليه ثبتت لاتفاقهما عليها وإن لم يوافقه عليها فيهما بطل الإقرار بها وكان في الصور الأربع مدعيا للخمسين فيحلف المقر على نفيها في الأربع وعلى نفي إرادتها أيضا في صورتي التكذيب وذكر التحليف من زيادتي
( ولو أقر ) له ( بألف ) مرة ( وبألف ) مرة أخرى ( فألف ) تلزمه فقط لأن الإقرار إخبار وتعدده لا يقتضي تعدد المخبر به ( ولو اختلف قدر ) كأن أقر بألف ثم بخمسمائة أو عكس ( فالأكثر ) يلزمه فقط لجواز الإقرار ببعض الشيء بعد الإقرار بكله أو قبله ( فلو تعذر جمع ) بين الإقرارين كأن وصف القدرين بصفتين كصحاح ومكسرة أو أسندهما إلى جهتين كبيع وقرض أو قال قبضت يوم السبت عشرة ثم قال قبضت يوم الأحد عشرة ( لزماه ) أي القدران فلو قيد أحدهما وأطلق الآخر حمل المطلق على المقيد
( ولو قال له على ألف قضيته أو لا تلزم أو من ثمن نحو خمر ) مما لا قيمة له كزبل ( لزمه ) الألف عملا بأول كلامه بخلاف ما لو قال له من ثمن خمر على ألف لم يلزمه شيء كما في الروضة وأصلها وتعبيري بنحو خمر أعم من تعبيره بخمر أو كلب ( أو ) قال له علي ألف ( من ثمن عبد لم أقبضه قبل ) قوله لم أقبضه لأنه لا يرفع ما قبله سواء أقاله متصلا به أم منفصلا عنه ولا يلزمه تسليم الألف إلا بعد قبض العبد بخلاف قوله من ثمن عبد لا يقبل إلا متصلا ( أو علق ) الإقرار كقوله له على ألف إن شاء الله أو إن شاء زيد أو إذا جاء رأس الشهر ونوى التعليق قبل فراغ الصيغة كما يؤخذ مما يأتي في الاستثناء ( فلا شيء ) عليه لأنه لم يجزم بالإقرار وتعبيري بذلك أعم من قوله ولو قال إن شاء الله لم يلزمه شيء ( وحلف مقر ) فيصدق بيمينه
( في ) قوله له ( علي أو عندي أو معي ألف وفسره ) ولو منفصلا ( بوديعة فقال ) المقر له ( لي عليك ألف آخر ) دينا وهو الذي أردته بإقرارك فيحلف أنه
____________________
(1/386)
ليس له عليه ألف آخر وإنه لم يرد بإقراره إلا هذه ولا ينافيه ذكر على التي للوجوب لاحتمال إرادة الوجوب في حفظ الوديعة
( و ) حلف ( في دعواه تلفا أو ردا ) له كاثنين ( بعده ) أي بعد تفسيره المذكور لأن ذلك شأن الوديعة بخلافهما قبله لأن التألف والمردود لا يكونان عليه ولا عنده ولا معه والتقييد بالبعدية في عندي ومعي من زيادتي
( و ) حلف ( مقر له في قوله ) أي المقر له على ألف ( في ذمتي أو دينا ) وفسره بوديعة فقال لي عليك ألف آخر فيحلف أن له عليه ألفا آخر لأن العين لا تكون في الذمة ولا دينا ( ولو أقر ببيع أو هبة وقبض فيها فادعى ) هو أولى من قوله ثم ادعى ( فساده لم يقبل ) في دعواه فساده وإن قال أقررت لظني الصحة لأن الاسم عند الإطلاق يحمل على الصحيح ( وله تحليف المقر له ) أنه لم يكن فاسدا ( فإن نكل ) عن الحلف ( حلف المقر ) أنه كان فاسدا ( وبطل ) أي البيع أو الهبة لأن اليمين المردودة كالإقرار وكالبينة وكل منهما يفيد صدق المقر وقولي وبطل أولى من قوله وبرىء ( أو قال هذا لزيد بل لعمرو أو غصبته من زيد بل من عمرو سلم لزيد وغرم ) المقر ( بدله لعمرو ) لأنه حال بينه وبينه بالإقرار الأول وتعبيري بذلك أعم مما عبر به
ولو قال غصبته من زيد والملك فيه لعمرو سلم لزيد لأنه اعترف له باليد ولا يغرم لعمرو شيئا لجواز أن يكون الملك فيه لعمرو ويكون في يد زيد بإجارة أو غيرها وكيل ثم كما في الوسيط في باب الشك في الطلاق ومثلها الفاء
( وصح استثناء ) لوروده في الكتاب والسنة وكلام العرب إن ( نواه قبل فراغ الإقرار ) لأن الكلام إنما يعتبر بتمامه فلا يشترط من أوله ولا يكفي بعد الفراغ وإلا لزم رفع الإقرار بعد لزومه وهذا من زيادتي ( واتصل ) بالمستثنى منه عرفا فلا يضر سكتة تنفس وعي وتذكر وانقطاع صوت بخلاف الفصل بسكوت طويل وكلام أجنبي ولو يسيرا ( ولم يستغرق ) أي المستثني المستثنى منه فإن استغرقه نحو له على عشرة إلا عشرة لم يصح فيلزمه عشرة
( ولا يجمع ) مفرق ( في استغراق ) لا في المستثنى منه ولا في المستثني ولا فيهما وهذا من زيادتي فلو قال له علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما لزمه ثلاثة دراهم ولو قال ثلاثة إلا درهمين ودرهما لزمه درهم لأن المستثنى إذا لم يجمع مفرقه لم يلغ إلا ما يحصل به الاستغراق وهو درهم فيبقى الدرهمان مستثنين
ولو قال له على ثلاثة دراهم إلا درهما ودرهما ودرهما لزمه درهم لأن الاستغراق إنما حصل بالأخير
ولو قال له على ثلاثة دراهم إلا درهما درهما لزمه درهم لجواز الجمع هنا إذ لا استغراق ( وهو ) أي الاستثناء ( من إثبات نفي وعكسه ) أي من نفي إثبات كما ذكرهما في الطلاق
____________________
(1/387)
( فلو قال له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية لزمه تسعة ) لأن المعنى إلا تسعة لا تلزم إلا ثمانية تلزم فتلزم الثمانية والواحد الباقي من العشرة ومن طرق بيانه أيضا أن يجمع كل من المثبت والمنفي ويسقط المنفي منه والباقي هو المقربه فالعشرة والثمانية في المثال مثبتان ومجموعهما ثمانية عشر والتسعة منفية فإذا أسقطتها من الثمانية عشر بقي تسعة وهو المقربه
ولو قال ليس له علي شيء إلا خمسة لزمته وليس له علي عشرة إلا خمسة لم يلزمه شيء لأن عشرة إلا خمسة هو خمسة فكأنه قال ليس له علي خمسة ( وصح ) الاستثناء ( من غير جنسه ) أي المستثنى منه
ويسمى استثناء منقطعا ( كألف درهم إلا ثوبا إن بين بثوب قيمته دون ألف ) فإن بين بثوب قيمته ألف فالبيان لغو ويبطل الاستثناء لأنه بين ما أراده به فكأنه تلفظ به
( وصح ) الاستثناء ( من معين ) كغيره ( كهذه الدار له إلا هذا البيت أو هؤلاء العبيد له إلا واحدا وحلف في بيانه ) أي الواحد لأنه أعرف بمراده حتى لو ماتوا بقتل أو بدونه إلا واحدا وزعم أنه المستثنى صدق بيمينه أنه الذي أراد بالاستثناء لاحتمال ما ادعاه
فصل في الإقرار والنسب لو ( أقر ) من يصح إقراره ( بنسب فإن ألحقه بنفسه ) كأن قال هذا ابني ( شرط ) فيه ( إمكان ) بأن لا يكذبه الحس والشرع بأن يكون دونه في السن بزمن يمكن فيه كونه ابنه وبأن لا يكون معروف النسب بغيره ( وتصديق مستلحق ) بفتح الحاء ( أهل له ) أي للتصديق بأن يكون حيا غير صبي ومجنون لأن له حقا في نسبه فإن لم يصدقه بأن كذبه وعليه اقتصر الأصل أو سكت لم يثبت نسبه إلا ببينة
فإن لم تكن بينة حلفه فإن حلف سقطت دعواه وإن نكل حلف المدعي وثبت نسبه ولو تصادقا ثم رجعا لم يسقط النسب كما قاله الشيخ أبو حامد وصححه جمع
وقال ابن أبي هريرة يسقط وشرط أيضا أن لا يكون المستلحق منفيا بلعان عن فراش نكاح صحيح فإن كان كذلك لم يصح لغير النافي استلحاقه وخرج بالأهل غيره كصبي وميت ولو كبيرا فلا يشترط تصديقه بل لو بلغ الصبي بعد استلحاقه فكذب المستلحق له لم يبطل نسبه كما صرح به الأصل لأن النسب يحتاط له فلا يبطل بعد ثبوته وقضية ثبوت نسبه منه بما ذكر أنه يرثه وإن استلحقه ميتا وبه صرح الأصل ولا نظر إلى التهمة لأن الإرث فرع النسب وقد ثبت ( ولو استلحق اثنان أهلا ) للتصديق هو أولى من قوله بالغا ( لحق من صدقه ) منهما فإن لم يصدق واحدا منهما أو صدقهما عرض على القائف كما
____________________
(1/388)
سيأتي قبيل كتاب الاعتاق وخرج بالأهل غيره وسيأتي في اللقيط فرع لو استلحق شخص عبده غيره أو عتيقه لم يلحقه إن كان صغيرا أو مجنونا محافظة على حق الولاء للسيد وإلا لحقه إن صدقه ( وأمته إن كانت فراشا ) له أو لزوج ( فولدها لصاحبه ) أي الفراش وإن لم يستلحقه لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال الولد للفراش ( وإلا فإن قال هذا ولدي ) ولو مع قوله ولدته في ملكي ( ثبت نسبه ) بشرطه ( لا إيلاد ) منها لاحتمال أنه أحبلها بنكاح أو شبهة ثم ملكها ( أو ) قال هذا ولدي ( وعلقت به في ملكي ثبتا ) أي النسب والإيلاد لانقطاع الاحتمال ( وإن ألحقه ) أي النسب ( بغيره ) ممن يتعدى النسب منه إليه ( كهذا أخي أو عمي شرط ) فيه ( مع ما مر كون الملحق به رجلا ) من زيادتي كالأب والجد بخلاف المرأة لأن استلحاقها لا يقبل كما سيأتي فبالأولى استلحاق وارثها وكونه ( ميتا ) بخلاف الحي ولو مجنونا لاستحالة ثبوت نسب الأصل مع وجوده بإقرار غيره ( وإن نفاه ) الميت فيجوز إلحاقه به بعد نفيه له كما لو استلحقه هو بعد أن نفاه بلعان أو غيره
( وكون المقر لا ولاء عليه ) هذا من زيادتي فلو أقر من عليه ولاء بأب أو أخ لم يقبل لتضرر من له الولاء بذلك بخلاف ما لو ألحق النسب بنفسه كأن أقر بابن لأنه لا يمكن ثبوت نسبه منه ولم يقر إلا ببينة ونحو الأب والأخ يمكن ثبوت نسبه من جهة أبيه ( وكونه وارثا ) ولو عاما بخلاف غيره كقاتل ورقيق ( حائزا ) لتركة الملحق به واحدا كان أو أكثر كابنين أقرا بثالث فيثبت نسبه ويرث منهما ويرثان منه ( فلو أقر أحد حائزين بثالث دون الآخر ) بأن أنكر أو سكت ( لم يشارك المقر ) في حصته بقيد زدته بقولي ( ظاهرا ) لعدم ثبوت نسبه أما باطنا فيشاركه فيها فإن كان المقر صادقا فعليه أن يشاركه فيها بثلثها فقول الأصل إن المستلحق لا يرث ولا يشارك المقر في حصته محمول على ما ذكرته إذ لو أقر حائزا بأخ ورث وشاركه ظاهرا ( فإن مات الآخر ) الذي لم يقر ( ولم يرثه إلا المقر ثبت النسب ) لأن جميع الميراث صار له ( أو ) أقر ( ابن حائز بأخ ) مجهول ( فأنكر ) الأخ المجهول ( نسبه ) أي المقر ( لم يؤثر ) فيه إنكاره لأنه لو أثر فيه لبطل نسب المجهول الثابت بقول المقر فإنه لم يثبت بقول المقر إلا لكونه حائزا ولو بطل نسب المجهول لثبت نسب المقر وذلك دور حكمي ( ولو أقر بمن يحجبه كأخ أقر بابن ) للميت ( ثبت النسب ) للابن لأن الوارث الحائز في الظاهر قد استلحقه ( لا الإرث ) له للدور الحكمي وهو أن يلزم من إثبات الشيء نفيه وهنا يلزم من إرث الابن عدم إرثه فإنه لو ورث لحجب الأخ فيخرج عن كونه وارثا فلم يصح إقراره
____________________
(1/389)
كتاب العارية بتشديد الياء وقد تخفف وهي اسم لما يعار ولعقدها من عار إذا ذهب وجاء بسرعة وقيل من التعاور وهو التناوب
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { ويمنعون الماعون } فسره جمهور المفسرين بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض وخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم استعار فرسا من أبي طلحة فركبه والحاجة داعية إليها وهي مستحبة وقد تجب كإعارة الثوب لدفع حر أو برد وقد تحرم كإعارة الأمة من أجنبي وقد تكره كإعارة العبد المسلم من كافر كما سيأتي
( أركانها ) أربعة ( مستعير ومعار وصيغة ومعير وشرط فيه ما ) مر ( في مقرض ) من اختيار وهو من زيادتي وصحة تبرع لأن الإعارة تبرع بإباحة المنفعة فلا تصح من مكره وصبي ومجنون ومكاتب بغير إذن سيده ومحجور سفه وفلس ( وملكه المنفعة ) وإن لم يكن مالكا للعين لأن الإعارة إنما ترد على المنفعة دون العين ( كمكتر لا مستعير ) لأنه غير مالك للمنفعة وإنما أبيح له الانتفاع فلا يملك نقل الإباحة
كما أن الضيف لا يبيح لغيره ما قدم له فإن أعار بإذن المالك صح وهو باق على إعارته إن لم يسم الثاني
( و ) شرط ( في المستعير تعيين وإطلاق تصرف ) وهما من زيادتي فلا يصح لغير معين كأن قال أعرت أحدكما ولا لبهيمة ولا لصبي ومجنون وسفيه إلا بعقد وليهم إذا لم تكن العارية مضمنة كأن استعار من مستأجر ( وله ) أي للمستعير ( إنابة من استوفى له ) المنفعة لأن الانتفاع راجع إليه
( و ) شرط ( في المعار انتفاع ) به بأن يستفيد المستعير منفعته وهو الأكثر أو عينا منه كما لو استعار شاة مثلا ليأخذ درها ونسلها أو شجرة ليأخذ ثمرها فلا يعار ما لا ينتفع به كحمار زمن ( مباح ) فلا تصح إعارة ما يحرم الانتفاع به كآلة لهو وفرس وسلاح لحربي وكأمة مشتهاة لخدمة رجل غير نحوم محرم لها ممن يحرم نظره إليها لخوف الفتنة أما غير المشتهاة لصغر أو قبح فصحح في الروضة صحة إعارتها وفي الشرح الصغير منعها وقال الأسنوي المتجه الصحة في الصغيرة دون القبيحة ا هـ وكالقبيحة الكبيرة غير المشتهاة والخنثى يحتاط فيه معارا ومستعيرا وتعبيري بمباح أولى من قوله ويجوز إعارة جارية لخدمة امرأة أو محرم
وشرط فيه أن يكون الانتفاع به ( مع بقائه ) فلا يعار المطعوم ونحون لأن الانتفاع به إنما هو باستهلاكه فانتفى المعنى المقصود
____________________
(1/390)
من الإعارة
وبما ذكر علم أنه لا يشترط تعيين المعار فلو قال أعرني دابة فقال خذ ما شئت من دوابي صحت ( وتكره ) كراهة تنزيه ( استعارة وإعارة فرع أصله لخدمة و ) استعارة وإعارة ( كافر مسلما ) صيانة لهما عن الإذلال والأولى مع ذكر كراهة الاستعارة في الثانية من زيادتي فإن قصد باستعارة أصله للخدمة ترفعه فلا كراهة بل يستحب كما قال القاضي أبو الطيب وغيره وكذا لا تكره إعارة الأصل نفسه لفرعه ولا استعارة فرعه وإياه منه ( و ) شرط ( في الصيغة لفظ يشعر بالإذن في الانتفاع كأعرتك أو بطلبه كأعرني مع لفظ الآخر أو فعله ) وإن تأخر أحدهما عن الآخر كما في الإباحة وفي معنى اللفظ ما مر في الضمان ( و ) قوله ( أعرتكه ) أي فرسي مثلا ( لتعلفه ) بعلفك ( أو لتعيرني فرسك إجارة ) لا إعارة نظرا إلى المعنى ( فاسدة ) لجهالة المدة والعوض فيجب فيها أجرة المثل بعد القبض
ومضى زمن لمثله أجرة ولا تضمن العين كما يعلم ذلك من كتاب الإجارة وقضية التعليل أنه لو قال أعرتكه شهرا من الآن لتعلفه كل يوم بدرهم أو لتعيرني فرسك هذا شهرا من الآن كانت إجارة صحيحة ( ومؤنة رده ) أي المعار ( على مستعير ) من مالك أو من نحو مكتران رد عليه فإن رد على المالك فالمؤنة عليه كما ورد عليه المكتري وخرج بمؤنة رده مؤنته فتلزم المالك لأنها من حقوق الملك وخالف القاضي فقال إنها على المستعير ( فإن تلف ) كله أو بعضه عند المستعير ( لا باستعمال مأذون ) فيه ولو بلا تقصير ( ضمنه ) بدلا أو رشا لخبر على اليد ما أخذت حتى تؤديه رواه أبو داوود والحاكم وصححه على شرط البخاري ويضمن التالف بالقيمة وإن كان مثليا كخشب وحجر على ما جزم به في الأنوار واقتضاه كلام جمع وقال ابن أبي عصرون يضمن المثلى بالمثل وجرى عليه السبكي وهو الأوجه
أما تلفه بالاستعمال المأذون فيه فلا ضمان للأذن فيه ( لا مستعير من نحو مكتر ) كموصي له بمنفعة فلا ضمان عليه لأنه نائبه وهو لا يضمن فكذا هو بخلاف المستعير من مستأجر إجارة فاسدة لأن معيره ضامن كما جزم به البغوي وعلله بأنه فعل ما ليس له قال والقرار على المستعير ولا يقال حكم الفاسدة حكم الصحيحة في كل ما تقتضيه بل في سقوط الضمان بما تناوله الإذن فقط ونحو من زيادتي ( كتالف في شغل مالك ) تحت يد غيره كأن تسلم منه دابته ليروضها له أو ليقضي له عليها حاجة فإنه لا ضمان عليه لأنه نائبه ( وله ) أي للمستعير ( انتفاع مأذون ) فيه ( ومثله ) ودونه المفهوم بالأولى ( ضررا إلا إن نهاه )
____________________
(1/391)
المعير عن غير ما عينه فلا يفعله اتباعا لنهيه ( ف ) المستعير ( لزراعة بر ) بلا نهي ( يزرعه وشعيرا ) وفولا لا نحو ذرة لأن ضررهما في الأرض دون ضرر البر وضرر نحو الذرة فوقه ( لا عكسه ) أي والمستعير لزراعة شعير أو فول لا يزرع برا لما علم
( و ) المستعير ( لبناء أو غرس يزرع لا عكسه ) أي والمستعير لزراعة لا يبنى ولا يغرس لأن ضررهما أكثر ( و ) المستعير ( لبناء لا يغرس وعكسه ) أي والمستعير لغرس لا يبنى لاختلاف جنس الضرر إذ ضرر البناء في ظاهر الأرض أكثر وضرر الغراس في باطنها أكثر لانتشار عروقه ( وإن أطلق الزراعة ) أي الإذن فيها أو عممه فيها ( صح ) عقد الإعارة ( وزرع ) المستعير ( ما شاء ) لإطلاق اللفظ قال الشيخان في الأولى ولو قيل لا يزرع إلا أقل الأنواع ضررا لكان مذهبا
وقال الأذرعي يزرع ما اعتيد زرعه هناك ولو نادرا ومنع البلقيني بحث الشيخين لأن المطلقات إنما تنزل على الأقل إذا كانت بحيث لو صرح به لصح وهنا ليس كذلك لأنه لا يوقف على حد أقل الأنواع ضررا فيؤدي إلى النزاع
والعقود تصان عن ذلك ( لا ) إن أطلق ( إعارة ) شيء ( متعدد جهة ) كأرض تصلح للزراعة وغيرها فلا يصح العقد ( بل يعين ) جهة المنفعة من زرع أو غيره ( أو يعمم ) الانتفاع كقوله انتفع به كيف شئت أو افعل به ما بدا لك
وينتفع في الشق الثاني وهو من زيادتي بما شاء كما في الإجارة
وقيل بما هو العادة ثم وبه جزم به ابن المقري فإن لم تصلح إلا لجهة واحدة كبساط لا يصلح إلا للفراش لم يحتج في إعارته إلى تعيين جهة المنفعة وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بما ذكره
( تتمة ) لو استعار للبناء أو للغراس لم يكن له ذلك إلا مرة واحدة فلو قلع ما بناه أو غرسه لم يكن له إعادته إلا بإذن جديد إلا إذا صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى
فصل في بيان أن العارية غير لازمة وفيما للمعير وعليه بعد الرد في عارية الأرض وغير ذلك ( لكل ) من المعير والمستعير ( رجوع ) في العارية مطلقة كانت أو مؤقتة فهي جائزة من الطرفين فتنفسخ بما تنفسخ به الوكالة من موت أحدهما وغيره لكن ( بشرط في بعض ) من الصور ( كدفن ) لميت ( ف ) إنه ( إنما يرجع ) بعد الحفر ( قبل المواراة ) له ولو بعد الوضع في القبر
وإن اقتضى كلام الشرح الصغير خلافه ( أو بعد اندراس ) لأثره إلا عجب الذنب محافظة على
____________________
(1/392)
حرمته وصورته في الثانية إذا أذن في تكرار الدفن وإلا فقد انتهت العارية وإذا رجع قبل المواراة غرم لولي الميت مؤنة حفرة ولا يلزم المستعير الطم
وكطرح مال في سفينة باللجة فإنه إنما يرجع بعد أن تصل إلى الشط وبذلك علم أن تعبيري بما ذكر أعم وأولى مما ذكره ( وإن أعار لبناء أو غرس ولو إلى مدة ثم رجع ) بعد أن بنى المستعير أو غرس ( فإن شرط ) عليه ( قلعه ) أي البناء أو الغراس هو أعم من قوله شرط القلع مجانا ( لزمه ) قلعه عملا بالشرط كما في تسوية الأرض فإن امتنع قلعه المعير ( وإلا ) أي وإن لم يشرط القلع ( فإن اختاره ) المستعير ( قلع مجانا ولزمه تسوية الأرض ) لأنه قلع باختياره ولو امتنع منه لم يجبر عليه فيلزمه إذا قلع ردها إلى ما كانت عليه وظاهر أن محل ايجاب التسوية في الحفر الحاصلة بالقلع دون الحاصلة بالبناء أو الغرس لحدوثها بالاستعمال نبه عليه السبكي وغيره ( وإلا ) أي وإن لم يختر قلعه ( خير معير بين ) ثلاث خصال من ( تملكه ) بعقد ( بقيمته ) مستحق القلع حين التملك ( وقلعه ب ) ضمان ( أرش ) لنقصه وهو قد التفاوت بين قيمته قائما ومقلوعا ( وتبقيته بأجرة ) كنظائره من الشفعة وغيرها وفاقا للإمام الغزالي وصاحبي الحاوي الصغير والأنوار وغيرهم ولمقتضى كلام الروضة وأصلها في الصلح وغيره خلافا لما فيهما هنا من تخصيص التخيير بالأوليين ولما في المنهاج وأصله من تخصيصه بالأخيرتين
وإذا اختار ماله اختياره لزم المستعير موافقته فإن أبي كلف تفريغ الأرض مجانا ومحل ما ذكر إذا كان في القلع نقص وكان المعير غير شريك ولم يكن على الغراس ثمر لم يبد صلاحه وإلا فيتعين القلع في الأول والتبقية بأجرة المثل في الثاني وتأخير التخيير إلى بعد الجذاذ وكما في الزرع في الثالث لأن له أمدا ينتظر وفيما لو وقف البناء أو الغراس أو الأرض كلام ذكرته في شرح الروض ( فإن لم يختر ) أي المعير شيئا مما مر ( تركا حتى يختار أحدهما ) ما له اختياره لتنقطع الخصومة فليس المعير أن يقلع مجانا وإن لم يعطه المستعير أجرة لتقصيره بترك الاختيار وتعبيري بما ذكر أولى من قوله حتى يختارا
( ولمعير ) زمن الترك ( دخولها ) أي الأرض ( وانتفاع بها ) لأنها ملكه وله استظلال بالبناء والغراس ( ولمستعير دخولها لإصلاح ) بترميم بناء وسقي غراس وغيرهما صيانة لملكه عن الضياع نعم إن تعطل نفعها على مالكها بدخوله لم يمكن من دخولها إلا بأجرة أما دخوله لها لغير ذلك كتنزه فممتنع عليه ( ولكل ) منهما مجتمعين ومنفردين ( بيع ملكه ) ممن شاء كسائر أملاكه حتى لو باعا ملكيهما بثمن واحد صح للضرورة ووزع الثمن عليهما
ولا يؤثر في بيع المستعير تمكن المعير من تملكه ماله كتمكن الشفيع من تملك الشقص وللمشتري الخيار إن جهل وله حكم من باعه
____________________
(1/393)
من معير ومستعير فيما مر لهما ( وإذا رجع قبل إدراك زرع ) بقيد زدته بقولي ( لم يعتد قلعه ) قبل إدراكه ونقص ( لزمه تبقيته إليه ) أي إلى قلعه لأن له أمدا ينتظر بخلاف البناء والغراس ( بأجرة ) لأن الإباحة انقطعت بالرجوع فإن اعتيد قلعه قبل إدراكه أو لم ينقص أجير على قلعه ( ولو عين مدة ولم يدرك فيها التقصير ) من المستعير إما بتأخير الزراعة وعليه اقتصر الأصل أو بها كأن علا الأرض سيل أو ثلج أو نحوه مما لا يمكن معه الزرع ثم زرع بعد زواله وهو لا يدرك في المدة ( قلع ) أي المعير ( مجانا ) بخلاف ما إذا تأخر إدراكه لا لتقصيره بل لنحو حر أو برد أو مطر ( كما لو حمل نحو سيل ) كهواء ( بذرا ) بمعجمة ( إلى أرضه فنبت ) فيها فيقلعه مجانا لأنه لم يأذن فيه فعلم أنه باق على ملك مالكه ومحله إذا لم يعرض عنه وإلا فقد صار ملكا لمالك الأرض ويلزم مالك البذر إن قلع باختياره تسوية الحفر الحاصلة بالقلع دون الأجرة للمدة التي قبل القلع كما جزم به ابن الرفعة لعدم الفعل منه ونحو من زيادتي ( ولو قال من بيده عين ) كدابة وأرض ( أعرتني فقال ) له ( مالكها بل آجرتك أو غصبتني ) بقيد زدته بقولي ( ومضت مدة لها أجرة صدق ) أي المالك كما لو أكل الطعام غيره وقال كنت أبحته لي وأنكر المالك ولأنه إنما يؤذن في الانتفاع غالبا بمقابل في الأولى والأصل عدم الإذن في الثانية والتصديق يكون بيمينه إن بقيت العين فيحلف أنه ما أعاره وأنه آجره أو غصبه وله أجرة المثل فإن تلفت في الأولى بغير الاستعمال فمدعى الإعارة مقر بالقيمة لمنكر لها يدعى الأجرة فيعطي الأجرة بلا يمين إلا إذا زادت على القيمة فيحلف للزائد أما إذا لم تمض مدة لها أجرة والعين باقية فيصدق من بيده العين بيمينه في الأولى ولا معنى لهذا الاختلاف في الثانية أو العين تالفة في الأولى فهو مقر بالقيمة لمنكرها ( فإن تلفت ) العين قبل ردها ( في الثانية ) بغير الاستعمال وإن لم تمض مدة لها أجرة ( أخذ ) منه ( قيمة وقت تلف بلا يمين ) لأنه مقر له بها إذ المعار يضمن بقيمته وقت تلفه والمغصوب بأقصى قيمة من وقت غصبه إلى وقت تلفه كما سيأتي في بابه ( فإن كانت ) قيمته وقت تلفه ( دون أقصى قيمه حلف ) وجوبا ( للزائد ) أنه يستحقه لأن عريمه ينكره ويحلف للأجرة مطلقا إن مضت مدة لها أجرة
____________________
(1/394)
كتاب الغصب الأصل في تحريمه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل
وأخبار كخبر إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام رواه الشيخان ( وهو ) لغة أخذ الشيء ظلما
وقيل أخذه ظلما جهارا وشرعا ( استيلاء على حق غير ) ولو منفعة كإقامة من قعد بمسجد أو سوق أو غير مال ككلب نافع وزبل ( بلا حق ) كما عبر به في الروضة بدل قوله كالرافعي عدوانا فدخل فيه ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله فإنه غصب وإن لم يكن فيه إثم
وقول الرافعي إن الثابت في هذه حكم الغصب لا حقيقته ممنوع وهو ناظر إلى أن الغصب يقتضي الإثم مطلقا وليس مرادا وإن كان غالبا والغصب ( كركوبه دابة غيره وجلوسه عل فراشه ) وإن لم ينقلهما ولم يقصد الاستيلاء ( وإزعاجه ) له ( عن داره ) بأن أخرجه منها وإن لم يدخلها ولم يقصد الاستيلاء ( ودخوله لها ) وليس المالك فيها ( بقصد الاستيلاء ) عليها وإن كان ضعيفا ( فإن كان المالك فيها ولم يزعجه فغاصب لنصفها ) لاستيلائه مع المالك عليها هذا ( إن عد مستوليا ) على مالكها فإن لم يعد مستوليا عليه لضعفه فلا يكون غاصبا لشيء منها وكذا لو دخلها لا بقصد الاستيلاء كأن دخلها ينظر هل تصلح له أو ليتخذ مثلها ( ولو منع المالك بيتا منها ) دون باقيها ( فغاصب له فقط ) أي دون باقيها لقصده الاستيلاء عليه ( وعلى الغاصب رد ) للمغصوب وإن لم يكن متمولا سواء أكان مالا كحبة بر أم لا ككلب نافع وزبل وخمر محترمة لخبر على اليد ما أخذت حتى تؤديه ( وضمان متمول تلف ) بآفة أو إتلاف بخلاف غير المتمول كحبة بر وكلب وزبل فلا ضمان فيه وكذا لو كان التالف غير محترم كمرتد وصائل أو الغاصب غير أهل للضمان كحربي والتقييد بالمتمول هنا وفيما يأتي من زيادتي
واستطردوا هنا مسائل يقع فيها الضمان بلا غصب بمباشره أو سبب فتبعتهم كالأصل بقولي ( كما لو أتلفه ) أي أتلف شخص متمولا ( بيد مالكه أن فتح زقا مطروحا ) على أرض ( فخرج ما فيه بالفتح ) وتلف ( أو منصوبا فسقط به
____________________
(1/395)
وخرج ما فيه ) بذلك وتلف ( أو ) فتح ( بابا عن غير مميز كطير ) وعبد مجنون وهذا أعم وأولى من قوله ولو فتح قفصا عن طائر إلى آخره ( فذهب حالا ) وإن لم يهيجه فإنه يضمنه لأن الإتلاف فعله
وخروج ذلك المؤدي إلى ضياعه ناشىء عن فعله بخلاف ما لو كان المتلف غير متمول سواء أكان مالا كحبة برأم لا ككلب وزبل ومنه غير المحترم وما لو كان الفاعل غير أهل للضمان نظير ما مر وبخلاف ما لو كان في الزق المطروح أو المنصوب جامدا وخرج بتقريب نار إليه فالضمان على المقرب
وبخلاف ما لو سقط الزق بعروض ريح أو نحوه فخرج ما فيه وفرق بينه وبين ما لو طلعت عليه الشمس فأذابته وخرج حيث يضمنه الفاتح بأن طلوع الشمس محقق فقد يقصده الفاتح
ولا كذلك الريح وبخلاف ما لو مكث غير المميز ثم ذهب فلا يضمنه الفاتح لأن ضياعه لم ينشأ عن فعله لأن ذهابه بعد مكثه يشعر باختياره
( وضمن آخذ مغصوب ) من الغاصب وإن جهل الغصب وكانت يده أمينة تبعا لأصله والجهل وإن أسقط الإثم لا يسقط الضمان نعم لا ضمان على الحاكم ونائبه إذا أخذه لمصلحة ولا على من انتزعه ليرده على مالكه إن كان الغاصب حربيا أو عبدا للمغصوب منه ولا على من تزوج المغصوبة من الغاصب جاهلا بالحال ( والقرار عليه ) أي على آخذه ( إن تلف عنده ) كغاصب من غاصب فيطالب بكل ما يطالب به الأول ولا يرجع على الأول إن غرم عليه الأول إن غرم إلا إذا كانت القيمة في يد الأول أكثر فيطالب بالزائد الأول فقط ( إلا إن جهل ) الحال ( ويده ) في أصلها ( أمينة بلا اتهاب كوديعة ) وقراض ( فعكسه ) أي فالقرار على الغاصب لا عليه لأن يده نائبة عن يد الغاصب فإن غرم الغاصب لم يرجع عليه وإن غرم هو رجع على الغاصب ومثله ما لو صال المغصوب على شخص فأتلفه وخرج بزيادتي بلا اتهاب المتهب فالقرار عليه وإن كانت يده أمينة لأنه أخذ للتملك ( ومتى أتلف ) الآخذ من الغاصب ( فالقرار عليه وإن ) كانت يده أمينة أو ( حمله الغاصب عليه لا لغرضه ) أي الغاصب ( كأن قدم له طعاما ) مغصوبا ( فأكله ) لأن المباشرة مقدمة على السبب لكن إن قال له هو ملكي وغرم لم يرجع على المتلف لاعترافه أن ظالمه غيره
وقولي لا لغرضه أعم مما عبر به وخرج به ما لو كان لغرضه كأن أمره بذبح الشاة وقطع الثوب ففعل جاهلا فالقرار على الغاصب ( فلو قدمه ) الغاصب ( لمالكه فأكله برىء ) ولو كان المغصوب رقيقا فقال الغاصب لمالكه أعتقه فأعتقه جاهلا نفذ العتق وبرىء الغاصب
____________________
(1/396)
فصل في بيان حكم الغصب وما يضمن به المغصوب وغيره ( يضمن مغصوب متقوم تلف ) بإتلاف أو بدونه حيوانا كان أو غيره ولو مكاتبا ومستولدة ( بأقصى قيمة من ) حين ( غصب إلى ) حين ( تلف ) وإن زاد على دية الحر لتوجه الرد عليه حال الزيادة فيضمن الزائد والعبرة في ذلك بنقد مكان التلف إن لم ينقله وإلا فيتجه كما في الكفاية اعتبار نقد أكثر الأمكنة الآتي بيانها ( و ) يضمن ( أبعاضه بما نقص منه ) أي من الأقصى ( إلا إن تلفت ) بأن أتلفها الغاصب أو غيره ( من رقيق ولها ) أرش ( مقدر من حر ) كيد ورجل ( ف ) ضمن ( بأكثر الأمرين ) مما نقص والمقدر ففي يده أكثر الأمرين مما نقص ونصف قيمته لاجتماع الشبهين فلو نقص بقطعها ثلثا قيمته لزماه النصف بالقطع والسدس بالغصب نعم إن قطعها المالك ضمن الغاصب الزائد على النصف فقط وتعبيري بأقصى قيمه في الحيوان وبأكثر الأمرين في الرقيق أولى من تعبيره في الأول بالقيمة وفي الثاني بالقدر فإذا تلفت الأبعاض من الرقيق وليس مغصوبا وجب المقدر فقط كما سيأتي في آخر كتاب الديات
( و ) يضمن مغصوب ( مثلى ) تلف ( وهو ما حصره كيل أو وزن وجاز سلمه ) أي السلم فيه ( كماء ) لم يغل ( وتراب ونحاس ) بضم النون أشهر من كسرها كما مر ( ومسك وقطن ) وإن لم ينزع حبه ( ودقيق ) ونخالة كما قاله ابن الصلاح ( بمثله ) أي يضمن بمثله لآية { فمن اعتدى عليكم } ولأنه أقرب إلى التالف وما عدا ذلك متقوم كالمذروع والمعدود وما لا يجوز السلم فيه كمعجون وغالية ومعيب وأورد على التعريف البر المختلط بشعير فإنه لا يجوز السلم فيه مع أن الواجب فيه المثل لأنه أقرب إلى التالف فيخرج القدر المحقق منهما ويجاب بأن إيجاب رد مثله كونه مثليا كما في إيجاب رد مثل المتقوم في القرض وبأن امتناع السلم في جملته لا يوجب امتناعه في جزأيه الباقيين بحالهما ورد المثل إنما هو بالنظر إليهما والسلم فيهما جائز ويضمن المثلى بمثله ( في أي مكان حل به المثلى ) ولوتلف في مكان نقل إليه لأنه كان مطالبا برده في أي مكان حل به وإنما يضمن المثلى بمثله إذا بقي له قيمة فلو أتلف ماء بمفازة مثلا ثم اجتمعا عند نهر وجبت قيمته بالمفازة ولو صار المثلى متقوما أو مثليا كجعل الدقيق خبزا والسمسم شيرجا والشاة لحما ثم تلف ضمن بمثله إلا أن يكون الآخر أكثر قيمة فيضمن به في الثاني وبقيمته في الآخرين
والمالك في الثاني مخير بين المثلين أما لو صار المتقوم متقوما كإناء نحاس صيغ منه حلي فيجب فيه أقصى القيم كما يؤخذ مما مر
____________________
(1/397)
( فإن فقد ) المثل حسا أو شرعا كأن لم يوجد بمكان الغصب ولا حواليه أو وجد بأكثر من ثمن مثله ( ف ) يضمن ( بأقصى قيم المكان ) الذي حل به المثلى ( من ) حين ( غصب إلى ) حين ( فقد ) للمثل لأن وجود المثل كبقاء العين في لزوم تسليمه فلزمه ذلك كما في المتقوم ولا نظر إلى ما بعد الفقد كما لا نظر إلى ما بعد تلف المتقوم
وصورة المسألة إذا لم يكن المثل مفقودا عند التلف كما صوره المحرر وإلا ضمن بالأكثر من الغصب إلى التلف وتعبيري في هذا وفيما قبله أعم مما عبر به ( ولو نقل المغصوب ) ولو متقوما لمكان آخر ( طولب برده ) إلى مكانه ( وبأقصى قيمه ) من الغصب إلى المطالبة ( للحيلولة ) بينه وبين مالكه إن كان بمسافة بعيدة وإلا فلا يطالب إلا بالرد قاله الماوردي
قال الأذرعي وهذا قد يظهر فيما إذا لم يخف هرب الغاصب أو تواريه وإلا فالأوجه عدم التفرقة بين المسافتين ومعنى كون القيمة للحيلولة إنه إذا رد إليه المغصوب ردها إن بقيت وإلا فبدلها لأنه إنما أخذها للحيلولة
والصحيح أنه ملكها ملك قرض وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بما ذكره ( ولو تلف المثلى فله مطالبته بمثله في غير المكان ) الذي حل به المثلى ( إن لم يكن لنقله مؤنة ) كنقد يسير ( وأمن ) الطريق الذي حل به المثلى فيطالب للفيصولة سواء أنقل من مكان الغصب أم لا فلا يطالب بالمثل ولا للغاصب تكليفه قبول المثل لما في ذلك من الضرر وقولي وأمن من زيادتي وتعبيري بما ذكر أولى مما ذكره ومعنى كون القيمة للفيصولة أنه إذا غرمها ثم اجتمعا في المكان المذكور ليس للمالك ردها وطلب المثل ولا للآخر استرداد القيمة وبدل المثل ( ويضمن متقوم أتلف بلا غصب بقيمته وقت تلف ) لأنه بعده معدوم
وضمان الزائد في المغصوب إنما كان بالغصب ولم يوجد هنا ولو أتلف عبدا مغنيا لزمه تمام أو قيمتها أو أمة مغنية لم يلزمه ما زاد على قيمته بسبب الغناء على النص المختار في الروضة لأن استماعه منها محرم عند خوف الفتنة
وقضيته أن العبد الأمرد كذلك ( فإن تلف بسراية جناية فبالأقصى ) من الجنابة إلى التلف يضمن لأنا إذا اعتبرنا الأقصى في الغصب ففي نفس الإتلاف أولى ( ولا يراق مسكر على ذمي لم يظهره ) بنحو شرب أو بيع أو هبة لأنه مقرر على الانتفاع به فإن أظهره بشيء من ذلك ولو لمثله أريق عليه لتعديه وإطلاقي إظهاره موافق لما في الجزية فتقييد الأصل كالروضة وأصلها بالشرب والبيع جرى على الغالب ( ويرد ) المسكر المذكور ( عليه ) لإقراره عليه فإن تلف فلا ضمان لعدم المالية كما علم مما مر ( كمحترم ) أي
____________________
(1/398)
كما يجب رد مسكر محترم ( على مسلم ) إذا غصب منه لأن له إمساكه ليصير خلا بخلاف غير المحترم وفسر الشيخان هنا الخمرة المحترمة بما عصر لا بقصد الخمرية وفي الرهن بما عصر بقصد الخلية وتعبيري فيما ذكر بالمسكر أعم من تعبيره بالخمر ( ولا شيء في إبطال أصنام وآلات لهو ) كطنبور لأنها محرمة الاستعمال ولا حرمة لصنعتها ( وتفصيل ) في إبطالها ( بلا كسر ) لزوال الإثم بذلك ( فإن عجز ) عن تفصيلها ( أبطلها كف تيسر ) إبطالها بكسر أو غيره ولا يجوز إحراقها إذا لم يتعين طريقا لأن رضاضها متمول محترم فمن أحرقها لزمه قيمتها مكسورة بالحد المشروع ومن جاوزه بغير إحراق لزمه التفاوت بين قيمتها مكسورة بالحد المشروع وقيمتها منتهية إلى الحد الذي أتى به
ويشترك في جواز إزالة المنكر الرجل والمرأة والخنثى ولو أرقاء أو فسقة والصبي المميز ويثاب عليها كما يثاب البالغ وإنما تجب على قادر غير صبي ومجنون ( ويضمن في غصب منفعة ما يؤجر ) كدار ودابة بتقويتها وفواتها كأن يسكن الدار أو يركب الدابة أو لم يفعل ذلك لأن المنافع متقومة كالأعيان سواء أكان مع ذلك أرش نقص أم لا
ويضمن بأجرة مثله سليما قبل النقص ومعيبا بعده فإن تفاوتت الأجرة في المدة ضمنت كل مدة بما يقابلها أو كان للمغصوب صنائع وجب أجرة أعلاها إن لم يمكن جمعها وإلا فأجرة الجميع كخياطة وحراسة وتعليم قرآن ( إلا حرا فبتفويت ) تضمن منفعته بأن يقهره على عمل نعم إن قهر عليه مرتدا فلا أجرة له إن مات مرتدا أما فواتها كأن يحبس حرا فلا يضمنها به لأن الحر لا يدخل تحت اليد ( كبضع ونحو مسجد ) كشارع ورباط فتضمن منفعتها بالتفويت بأن يطأ البضع فيضمن بمهر المثل كما سيأتي وكأن يشغل المسجد ونحوه بأمتعة لا بالفوات كأن يحبس امرأة ويمنع الناس المسجد ونحوه بلا إشغال بأمتعة لأن ذلك لا يدخل تحت اليد
وخرج بما يؤجر ما لا يؤجر أي ما لا تصح إجارته لكونه غير مال ككلب وخنزير أو لكونه محرما كآلات لهو أو لغير ذلك كالحبوب فلا تضمن منفعته إذ لا أجرة له وقولي ونحو مسجد من زيادتي
فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان ما ينقص به المغصوب وما يذكر معها ( يحلف غاصب ) فيصدق ( في تلفه ) أي المغصوب إن ادعاه وأنكره المالك لأنه قد يكون
____________________
(1/399)
صادقا ويعجز عن البينة فلو لم نصدقه لتخلد الحبس عليه فيغرم بعد حلفه بدله من مثل أو قيمة لمالكه لأنه عجز عن الوصول إليه بيمين الغاصب
( و ) في ( قيمته ) بعد اتفاقهما على تلفه أو بعد حلف الغاصب عليه ( و ) في ( ثياب رقيق ) مغصوب كأن قال هي لي وقال المالك بل هي لي ( و ) في ( عيب خلقي ) به كأن قال كان أعمى أو أعرج خلقة وقال المالك بل حدث عندك وذلك لأن الأصل براءته من الزيادة في الأولى من هذه الثلاثة وعدم ما يدعيه المالك في الثالثة ولثبوت يده في الثانية على العبد وما عليه
وخرج بالخلقي الحادث كأن قال بعد تلف المغصوب كان أقطع أو سارقا وأنكر المالك فيصدق المالك بيمينه لأن الأصل السلامة من ذلك فإن قال ذلك بعد رده فالمصدق الغاصب لأن الأصل براءته من الزيادة ( ولو رده ناقص قيمة ) لرخص ( فلا شيء ) عليه لبقائه بحاله ( ولو غصب ثوبا قيمته عشرة فصارت برخص درهما ثم بلبس ) مثلا ( نصفه ) أي نصف درهم ( رده ) وأجرته ( مع خمسة ) وهي قسط التالف من أقصى قيمه وهو العشرة ( أو تلف ) بآفة أو إتلاف ( أحد خفين ) أي فردي خف ( مغصوبا ) وحده أو مع الباقي ( وقيمتهما عشرة وقيمة الباقي درهمان لزمه ثمانية ) خمسة قيمة التالف وثلاثة أرش التفريق الحاصل بذلك ( كما لو أتلفه ) أي أحدهما ( بيد مالكه ) والقيمة لهما وللباقي ما ذكر فيلزمه ثمانية ( ولو حدث ) بالمغصوب ( نقص يسري لتلف كان ) هو أولى من قوله بأن ( جعل البر هريسة ) أو الدقيق عصيدة ( فكتالف ) لإشرافه على التلف فيضمن بدله من مثل أو قيمة
وهل يملكه الغاصب إتماما للتشبيه بالتلف أو يبقى للمالك لئلا يقطع الظلم حقه وجهان رجح منهما ابن يونس الأول وهو مقتضى كلام الإمام وصححه السبكي وإن كان المختار عنده ما استحسنه في الشرح الصغير ونسبه الإمام إلى النص من أن المالك يتخير بين جعله كالتالف وبين أخذه مع أرش عيب سار أي شأنه السراية وهو أكثر من أرش عيب واقف ( ولو جنى ) رقيق ( معصوب فتعلق برقبته مال فداه الغاصب ) وجوبا لحصول الجناية في يده ( بالأقل من قيمته والمال ) الذي وجب بالجناية ( فإن تلف ) الجاني ( في يده ) أي الغاصب ( غرمه المالك ) أقصى قيمته
( وللمجنى عليه أخذ حقه مما أخذه المالك ) لأنه بدل الرقبة ( ثم يرجع ) المالك بما أخذه منه ( على الغاصب ) لأنه أخذ بجناية في يده وأفاد الترتيب بثم أنه لو طلب منه المالك الأرش قبل أن يأخذ منه المجنى عليه القيمة لم يجب إليه وبه صرح الإمام لاحتمال الإبراء نعم له مطالبته بالأداء كما يطالب به الضامن المضمون ذكره ابن الرفعة
وبما تقرر علم ما
____________________
(1/400)
صرح به الأصل أن للمجنى عليه أخذ حقه من الغاصب ( كما لو رد ) الجاني لمالكه ( فبيع في الجناية ) فيرجع المالك بما أخذه المجنى عليه على الغاصب لما مر ( ولو غصب أرضا فنقل ترابها ) بكشطه عن وجهها أو حفرها ( رده ) إن بقي ( أو مثله ) إن تلف ( كما كان ) قبل النقل من انبساط أو غيره ( بطلب ) من مالكها ( أو لغرضه ) أي الغاصب وإن منعه المالك من الرد كأن دخل الأرض نقص يرتفع بالرد أو نقل التراب إلى مكان وأراد تفريغه منه فإن لم يكن طلب ولا غرض لم يرد لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه ولا غرض فلو لم يكن له غرض سوى دفع الضمان بتعثر بالحفيرة أو بنقص الأرض ومنعه المالك من الطم فيهما وأبرأه من الضمان في الثانية امتنع عليه الطم واندفع عنه الضمان ولو رد التراب ومنعه المالك من بسطه لم يبسطه وإن كان في الأصل مبسوطا
وما ذكر من أنه يرد التراب إلى مكانه إذا لم يدخل الأرض نقص محله إذا لم يتيسر نقله إلى موات ونحوه في طريق الرد فإن تيسر قال الإمان لا يرده إلا بإذن ( وعليه أجرة مدة رد ) للتراب إلى مكانه وإن كان آتيا بواجب
كما تلزمه أجرة ما قبله ( مع أرش نقص ) في الأرض بعد الرد إن كان ( ولو غصب دهنا ) كزيت ( وأغلاه فنقصت عينه ) دون قيمته ( رده وغرم الذاهب ) بأن يرد مثله ولا ينجبر نقصه بزيادة قيمته لأن له مقدارا وهو المثل فأوجبناه كما لو خصي عبدا فزادت قيمته فإنه يضمن قيمته ( أو ) نقصت ( قيمته ) دون عينه ( لزمه أرش أوهما ) أي أو نقصت العين والقيمة معا ( غرم الذاهب )
ورد الباقي ( مع أرش نقصه ) إن نقصت قيمته كما لو كان صاعا
____________________
(1/401)
يساوي درهما فرجع بإغلائه إلى نصف صاع يساوي أقل من نصف درهم فإن لم تنقص قيمة الباقي فلا أرش وإن لم ينقص واحد منهما فلا شيء غير الرد
ولو غصب عصيرا فأغلاه فنقصت عينه دون قيمته لم يضمن مثل الذاهب لأن الذاهب منه مائية لا قيمة لها والذاهب من الدهن دهن متقوم ( ولا يجبر سمن ) طار ( نقص هزال ) حصل قبله كأن غصب بقرة سمينة فهزلت ثم سمنت عنده لأن السمن الثاني غير الأول ( ويجبر نسيان صيغة ) عنده ( تذكرها ) عنده قال ابن الرفعة أو عند المالك لأنه لا يعد متجددا عرفا ( لا تعلم ) صنعة ( أخرى ) فلا يجبر نسيان تلك لاختلاف الأغراض ( ولو غصب عصيرا فتخمر ثم تخلل رده ) للمالك لأنه عين ماله ( مع أرش ) لنقصه بأن كانت قيمته أنقص من قيمة العصير لحصوله في يده فإن لم ينقص عن قيمته فلا شيء عليه غير الرد فإن تخمر ولم يتخلل رد مثله من العصير ولزم الغاصب الإراقة قال الشيخان ولو جعلت المحترمة بيد المالك محترمة بيد الغاصب لكان جائزا أو ما قالاه متجه ( أو ) غصب ( خمرا فتخللت أو جلد فدبغه ردهما ) للمغصوب منه لأنهما فرع ما اختص به فيضمنهما الغاصب
فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها ( زيادة المغصوب إن كانت أثرا كقاصرة ) لثوب ( وطحن ) لبر ( فلا شيء لغاصب ) بسببها
____________________
(1/402)
لتعديه بها وبهذا فارق المفلس حيث يشارك البائع كما مر ( وأزالها إن أمكن ) زوالها كأن صاغ حليا أو ضرب النحاس إناء ( بطلب ) من المالك ( أو لغرضه ) أي الغاصب كأن يكون ضربه دراهم بغير إذن السلطان أو غير عياره فيخاف التغرير وقولي أو لغرضه من زيادتي
( ولزمه ) مع أجرة المثل ( أرش نقص ) لقيمته قبل الزيادة سواء أحصل النقص بها أم بإزالتها وظاهر أنه لو لم يكن له غرض في الإزالة سوى عدم لزوم الأرش ومنعه المالك منها وأبرأه منه امتنعت عليه وسقط عنه الأرش وخرج بما ذكر ما لو انتفى الطلب والغرض فيمتنع عليه الإزالة فإن أزال لزمه الأرش وما لو وجد أحدهما وكان النقص لما زاد على قيمته قبل الزيادة بسببها فلا يلزمه أرش النقص ( أو ) كانت زيادته ( عينا كبناء وغراس كلف القلع ) لها من الأرض وإعادتها كما كانت ( والأرش ) لنقصها إن نقصت مع أجرة المثل وقولي والأرش من زيادتي
( وإن صبغ ) الغاصب ( الثوب بصبغه وأمكن فصله كلفه ) أي الفصل كما في البناء والغرس وظاهر أن المالك إذا رضي بالبقاء في المسألتين لا يكلف الغاصب ذلك بل يجوز له ( وإلا ) أي وإن لم يمكن فصله ( فإن نقصت قيمته لزمه أرش ) للنقص لحصوله بفعله ( أو زادت ) قيمته بالصبغ ( اشتركا ) في الثوب بالنسبة فإذا كانت قيمته قبل الصبغ عشرة وبعده خمسة عشر فلصاحبه الثلثان وللغاصب الثلث وإن كانت قيمة صبغه قبل استعماله عشرة وإن صبغه تمويها فلا شيء له وليس المراد اشتراكهما على جهة الشيوع بل أحدهما بثوبه والآخر بصبغه كما ذكره جمع من الأصحاب
قال الأسنوي ومن فوائده أنه لو زادت قيمة أحدهما فاز به صاحبه
قال في الروضة كأصلها أطلق الجمهور المسألة وفي الشامل والتتمة إن نقص لانخفاض سعر الثياب فالنقص على الثوب أو سعر الصبغ أو بسبب الصنعة فعلى الصبغ وإن زاد سعر أحدهما بارتفاعه فالزيادة لصاحبه أو بسبب الصنعة فهي بينهما فيمكن تنزيل الإطلاق عليه انتهى
وحكى ابن الرفعة هذا التفصيل عن القاضيين حسين وأبي الطيب وغيره عن البندنيجي وسليم وخرج بصبغة صبغ غيره فإن كان صبغ الثالث فالحكم كذلك أو صبغ مالك الثوب فلا يأتي فيه الاشتراك وبزيادة قيمته ونقصها ما لو لم تزد قيمته ولم تنقص فلا شيء للغاصب ولا عليه ( ولو خلط مغصوبا بغيره وأمكن تمييزه ) منه كبر أبيض بأحمر أو بشعير ( لزمه ) تمييزه وإن شق عليه ( وإلا ) أي وإن لم يمكن تمييزه كزيت بزيت أو بشيرج ( فكتالف ) سواء أخلطه بمثله أم بأجود أم بأردأ فللمالك تغريمه ( وله ) أي للغاصب ( أن يعطيه منه ) أي من المخلوط ( إن
____________________
(1/403)
خلطه ) أي المغصوب ( بمثله أو بأجود دون الأردأ إلا أن يرضى به ولا أرش له وقولي وله إلى آخره من زيادتي
( ولو غصب خشبة ) مثلا ( وبنى عليها وأدرجها في سفينة ولم تعفن ولم يخف ) من إخراجها ( تلف معصوم ) من نفس أو مال أو غيرهما ( كلف إخراجها ) وردها إلى مالكها وأرش نقصا إن نقصت مع أجرة المثل فإن عفنت بحيث لو أخرجت منها لم يكن لها قيمة فهي كالتالفة أو خيف من إخراجها ما ذكر كأن كانت أسفل السفينة وهي في لجة البحر فيصبر المالك إلى أن يزول الخوف كأن تصل السفينة إلى الشط ويأخذ القيمة للحيلولة
وخرج بالمعصوم غير المعصوم كالحربي وماله والتقييد بلم تعفن في الصورتين وبلم يخف تلف معصوم في الأولى من زيادتي
( ولو وطىء ) الغاصب أمة ( مغصوبة حد ران منهما ) بأن كان عالما بالتحريم مختارا أو مدعيا جهله وبعد إسلامه ونشأ قريبا من العلماء ( ووجب مهر ) على الواطىء ولو زانيا ( إن لم تكن زانية ) وإلا فلا مهر إذ لا مهر لبغي وكالزانية مرتدة ماتت على ردتها ولو كانت بكرا لزمه أرش بكارة مع مهر ثيب ( ووطء مشتر منه أي من الغاصب ( كوطئه ) في الحد والمهر وأرش البكارة فيحد الزاني ويجب على الواطىء المهر إن لم تكن زانية وأرش البكارة ( وإن أحلبها ) أي الغاصب أو المشتري منه ( بزنا فالولد رقيق ) للسيد ( غير نسيب ) لأنه من زنا ( أو بغيره فحر نسيب ) للشبهة ( وعليه قيمته ) لتفويته رقه بظنه ( وقت انفصاله حيا ) للسيد لأن التقويم قبله غير ممكن
( ويرجع ) المشتري ( على الغاصب بها ) لأنه غره بالبيع له وخرج بزيادتي حيا ما لو انفصل ميتا فإن انفصل بلا جناية فلا قيمة عليه أو بجناية فعلى الجاني ضمانه وللمالك تضمين الغاصب والمشتري منه ويقال مثل ذلك في الرقيق المنفصل ميتا بجناية وفي ضمان الغاصب بلا جناية وجهان أحدهما وهو الأوجه نعم لثبوت اليد عليه تبعا لأمه ومثله المشتري منه ويضمنه بقيمته وقت انفصاله لو كان حيا ويضمنه الجاني بعشر قيمة أمه كما يضمن الجنين الحر بغرة عبد أو أمة كما يعلم ذلك مما يأتي في كتاب الجناية فتضمين المالك للغاصب وللمشتري منه بذلك وسيأتي ثم إن بدل الجنين المجنى عليه تحمله العاقلة وقولي ولو وطىء إلى آخره أولى مما عبر به ( و ) يرجع عليه أيضا ( بأرش نقص بنائه وغراسه ) إذا قلعهما المالك لأنه غره بالبيع ( لا بغرم ما تلف ) عنده ( أو تعيب ) من المغصوب ( عنده ) أي المشتري فلا يرجع به إذا أغرمه للمالك على الغاصب لأن الشراء عقد ضمان وإنما يرجع عليه بالثمن ( أو ) بغرم ( منفعة استوفاها ) كالسكني والركوب والوطء لأنه استوفى مقابله بخلاف غرم منفعة لم يستوفها لأنه
____________________
(1/404)
لم يتلفها ولا التزم ضمانها
( وكل ما لو غرمه ) المشتري ( رجع به ) على الغاصب كقيمة الولد وأجرة المنفعة الفائتة تحت يده ( لو غرمه الغاصب ) ابتداء ( لم يرجع به ) على المشتري ( وما لا فيرجع ) أي وكل ما لو غرمه المشتري لا يرجع به على الغاصب كأجرة منفعة استوفاها لو غرمه الغاصب ابتداء رجع به على المشتري نعم لو غرم قيمة العين وقت الغصب لكونها أكثر لم يرجع بالزائد على الأكثر من قيمته وقت قبض المشتري إلى التلف لأنه لم يدخل في ضمان المشتري ولذلك لا يطالب به ابتداء كذا استثنى هذا ولا يستثنى لأن المشتري لا يغرم الزائد فلا يصدق به الضابط المذكور ( و ) كل ( من انبنت ) بنون فموحدة فنون ( يده على غاصب فكمشتر ) في الضابط المذكور في الرجوع وعدمه
____________________
(1/405)
كتاب الشفعة بإسكان الفاء وحكى ضمها وهي لغة الضم وشرعا حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض
والأصل فيها خبر البخاري عن جابر رضي الله عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة وفي رواية له في أرض أو ربع أو حائط والمعنى فيه دفع ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق كالمصعد والمنور والبالوعة في الحصة الصائرة إليه والربع المنزل والحائط والبستان
( أركانها ) ثلاثة ( آخذ ومأخوذ منه ومأخوذ ) والصيغة إنما تجب في التملك كما سيأتي ( وشرط فيه ) أي في المأخوذ ( أن يكون أرضا بتابعها ) كشجر وتمر غير مؤبر وبناء وتوابعه من أبواب وغيرها ( غير نحو ممر ) كمجرى نهر ( لا غنى عنه ) فلا شفعة في بيت على سقف ولو مشتركا ولا في شجر أفرد بالبيع أو بيع مع مغرسه فقط ولا في شجر جاف شرط دخوله في بيع أرض لانتفاء التبعية ولا في نحو ممر دار لا غنى عنه فلو باع داره وله شريك في ممرها الذي لا غنى عنه فلا شفعة فيه حذرا من الإضرار بالمشتري بخلاف ما لو كان له عنه غنى بأن كان للدار ممر آخر وأمكنه إحداث ممر لها إلى شارع أو نحوه وتعبيري بغير إلى آخره أعم مما عبر به
( وإن يملك بعوض كمبيع ومهر وعرض خلع وصلح دم ) فلا شفعة فيما لم يملك وإن جرى سبب ملكه كالجعل قبل الفراغ من العمل ولا فيما ملك بغير عوض كإرث ووصية وهبة بلا ثواب وقيد الأصل الملك باللزوم وهو مضر أو لا حاجة إليه لثبوت الشفعة في مدة خيار المشتري كما سيأتي وعدم ثبوتها في مدة خيار البائع أو خيارهما كما سيأتي لعدم الملك الطارىء لا لعدم اللزوم
( وأن لا يبطل نفعه المقصود ) منه ( لو قسم ) بأن يكون بحيث ينتفع به بعد القسمة من الوجه الذي كان ينتفع به قبلها ( كطاحون وحمام ) بقيد زدته بقولي ( كبيرين ) وذلك لأن علة ثبوت الشفعة في المنقسم كما مر دفع ضرر مؤنة القسمة والحاجة إلى إفراد الحصة الصائرة للشريك بالمرافق وهذا الضرر حاصل قبل البيع ومن حق الراغب فيه من الشريكين أن يخلص صاحبه منه بالبيع له فلما باع لغيره سلطه الشرع على أخذه منه بخلاف ما
____________________
(1/406)
يبطل نفعه المقصود منه لو قسم كطاحون وحمام صغيرين وبذلك علم أن الشفعة تثبت لمالك عشر دار صغيرة إن باع شريكه بقيتها لا عكسه لأن الأول يجبر على القسمة دون الثاني ( و ) شرط في الآخذ كونه شريكا ) ولو مكاتبا أو غير عاقل كمسجد له شقص لم يوقف فباع شريكه يأخذ له الناظر بالشفعة فلا شفعة لغير شريك كجار ( و ) شرط في المأخوذ منه ( تأخر سبب ملكه عن سبب ملك الآخذ ) فلو باع أحد شريكين نصيبه بشرط الخيار له فباع الآخر نصيبه في زمن الخيار بيع بت فالشفعة للمشتري الأول أن لم يشفع بائعه لتقدم سبب ملكه على سبب ملك الثاني لا الثاني وإن تأخر عن ملكه ملك الأول لتأخر سبب ملكه عن سبب ملك الأول
وكذا لو باعا مرتبا بشرط الخيار لهما دون المشتري سواء أجازا معا أم أحدهما قبل الآخر بخلاف ما لو اشترى اثنان دارا أو بعضهما معا فلا شفعة لأحدهما على الآخر لعدم السبق
وبما تقرر علم أن تعبيري بسبب الملك أولى من تعبيره كغيره بالملك ( فلو ثبت ) هو أعم من قوله شرط في البيع ( خيار ) أي خيار مجلس أو شرط ( لبائع ) ولو مع المشتري ( لم تثبت ) أي الشفعة ( إلا بعد لزوم ) البيع لئلا ينقطع خيار البائع وليحصل الملك ( أو ) ثبت ( لمشتر فقط ) في المبيع ( ثبتت ) أي الشفعة إذ لا حق لغيره في الخيار ( ولا يرد ) المشتري المبيع ( بعيب ) به إن ( رضي به الشفيع ) لأن حق الشفيع سابق عليه لثبوته بالبيع ولأن غرض المشتري وصوله إلى الثمن وهو حاصل بأخذ الشفيع ( ولو كان لمشتر حصة ) في أرض كأن كانت بين ثلاثة أثلاثا فباع أحدهم نصيبه لأحد صاحبيه ( اشترك مع الشفيع ) في المبيع بقدر حصته لاستوائهما في الشركة فيأخذ الشفيع في المثال السدس لا جميع المبيع كما لو كان المشتري أجنبيا
( ولا يشترط في ثبوتها ) أي الشفعة وهو مراد الأصل كغيره بقوله ولا يشترط في التملك ( حكم ) بها من حاكم لثبوتها بالنص ( ولا حضور ثمن ) كالبيع ( ولا ) حضور ( مشتر ) ولا رضاه كالرد بعيب ( وشرط في تملك بها رؤية شفيع الشقص ) وعلمه بالثمن كم يعلم مما يأتي كالمشتري وليس للمشتري منعه من رؤيته
( و ) شرط فيه أيضا ( لفظ يشعر به ) أي بالتملك وفي معناه ما مر في الضمان ( كتملكت أو أخذت بالشفعة مع قبض مشتر الثمن ) كقبض البيع حتى لو امتنع المشتري من قبضه خلى الشفيع بينهما أو رفع الأمر إلى حاكم ( أو ) مع ( رضاه بذمة ) أي بكون الثمن في ذمة ( شفيع ولا ربا أو ) مع ( حكم له بها ) أي بالشفعة إذا حضر مجلسه وأثبت حقه فيها وطلبه
وخرج بزيادتي ولا ربا ما لو كان بالمبيع صفائح ذهب أو فضة والثمن من الآخر لم يكف الرضا بكون الثمن في الذمة بل يعتبر التقابض كما هو معلوم من باب الربا
____________________
(1/407)
وخرج بالثلاثة المذكورة الإشهاد بالشفعة فلا يملك به وإن لم يرجع فيه في الروضة شيئا وإذا تملكه بغير الأول من الثلاثة لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدي الثمن فإذا لم يحضر الثمن وقت التملك أمهل ثلاثة أيام فإن لم يحضر فيها فسخ القاضي تملكه
فصل فيما يؤخذ به الشقص المشفوع وفي الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما ( يأخذ ) أي الشفيع الشقص ( في ) عوض ( مثلي ) كنقد وحب ( بمثله ) إن تيسر وإلا فبقيمته ( و ) في ( متقوم ) كعبد وثوب ( بقيمته ) كما في الغصب وتعتبر قيمته ( وقت العقد ) من بيع ونكاح وخلع وغيرها لأنه وقت ثبوت الشفعة ولأن ما زاد زاد في ملك المأخوذ منه وبذلك علم أن المأخوذ به في النكاح والخلع مهر المثل ويجب في المتعة متعة مثلها لا مهر مثلها أنها الواجبة بالفراق والشقص عوض عنها ولو اختلفا في قدر القيمة صدق المأخوذ منه بيمينه قاله الروياني ( وخير ) أي الشفيع ( في ) عوض ( مؤجل بين تعجيل ) له ( مع أخذ حالا و ) بين ( صبر إلى المحل ) بكسر الحاء أي الحلول ( ثم أخذ ) وإن حل المؤجل بموت المأخوذ منه دفعا للضرر من الجانبين لأنه لو جوز له الأخذ بالمؤجل أضر بالمأخوذ منه لاختلاف الذمم وإن ألزم بالأخذ حالا بنظيره من الحال أضر بالشفيع لأن الأجل يقابله قسط من الثمن وعلم بذلك أن المأخوذ منه لو رضي بذمة الشفيع لم يخير وهو الأصح وتعبيري بما ذكر أعم من اقتصاره على الشراء والنكاح والخلع ( ولو بيع ) مثلا ( شقص وغيره ) كثوب ( أخذه ) أي الشقص ( بحصته ) أي بقدرها ( من الثمن ) باعتبار القيمة وقت البيع وقول الأصل من القيمة سبق قلم فلو كان الثمن مائتين وقيمة الشقص ثمانين وقيمة المضموم إليه عشرين أخذ الشقص بأربعة أخماس الثمن ولا خيار للمشتري بتفريق الصفقة عليه لدخوله عالما بالحال وبهذا فارق ما مر في البيع من امتناع إفراد المعيب بالرد ( ويمتنع أخذ بجهل ثمن ) كأن اشترى بجزاف وتلف الثمن أو كان غائبا ولم يعلم قدره فيهما فتعبيري بالجهل أعم مما عبر به ( فإن ادعى علم مشتر بقدره ولم يعينه لم تسمع ) دعواه لأنه لم يدع حقا له ( وحلف مشتر في جهله به ) أي بقدره وقد ادعى الشفيع قدرا ( و ) في ( قدره و ) في ( عدم الشركة و ) في عدم ( الشراء ) والتحليف في غير الأولى من زيادتي فيحلف في الأولى والثالثة على نفي علمه بذلك كما يعلم مما يأتي في الدعوى والبينات لأن الأصل عدم علمه بالقدر وعدم الشركة ولا
____________________
(1/408)
يحلف في الأولى أنه اشتراه بثمن مجهول لأنه قد يعلمه بعد الشراء ويحلف في الثانية أن هذا قدر الثمن لأنه أعلم بما باشره وفي الرابعة أنه ما اشتراه لأن الأصل عدمه ( فإن أقر البائع ) فيها ( بالبيع ) والمشفوع بيده أو بيد المشتري وقال إنه وديعة له أو عارية أي أو نحوهما ( ثبتت الشفعة ) لأن إقراره يتضمن ثبوت حق المشتري وحق الشفيع فلا يبطل حق الشفيع بإنكار المشتري كعكسه ( وسلم الثمن له ) أي للبائع ( إن لم يقر بقبضه ) من المشتري لأنه تلقى الملك منه ( وإلا ) بأن أقر بقبضه منه ( ترك بيد الشفيع ) كنظيره فيما مر في الإقرار
( وإذا استحق ) أي الثمن أي ظهر مستحقا بعد الأخذ بالشفعة ( فإن كان معينا ) كأن اشترى بهذه المائة ( بطل البيع والشفعة ) لعدم الملك ( وإلا ) بأن اشتراه بثمن في الذمة ودفع عما فيها فخرج المدفوع مستحقا ( أبدل ) المدفوع ( وبقيا ) أي البيع والشفعة
ولو خرج رديئا تخير البائع بين الرضا به والاستبدال فإن رضي به لم يلزم المشتري الرضا بمثله بل يأخذ من الشفيع الجيد كذا قاله البغوي
قال النووي وفيه احتمال ظاهر قال البلقيني ما قاله البغوي جار على قوله فيما إذا ظهر العبد الذي باع به البائع معيبا ورضي به أن على الشفيع قيمته سليما لأنه الذي اقتضاه العقد
وقال الإمام إنه غلط وإنما عليه قيمته معيبا حكاهما في الروضة قال فالتغليظ بالمثلى أولى قال والصواب في كلتا المسألتين ذكر وجهين وإلا صح منهما اعتبار ما ظهر وبهذا جزم ابن المقري في المعيب ( وإن دفع الشفيع مستحقا لم تبطل ) شفعته ( وإن علم ) أنه مستحق لأنه لم يقصر في الطلب والأخذ سواء أخذ بمعين أم لا فإن كان معينا في العقد احتاج تملكا جديدا وكخروج ما ذكر مستحقا خروجه نحاسا ( ولمشتر تصرف في الشقص ) لأنه ملكه ( ولشفيع فسخه بأخذ ) للشقص سواء كان فيه شفعة كبيع أم لا كوقف وهبة لأن حقه سابق على هذا التصرف ( و ) له ( أخذ بما فيه شفعة ) من التصرف كبيع لذلك ولأنه ربما كان العوض فيه أقل أو من جنس هو أيسر عليه ( ولو استحقها ) أي الشفعة ( جمع أخذوا بقدر الحصص ) لأن الشفعة من مرافق الملك فتتقدر بقدره ككسب الرقيق وهذا ما صححه الشيخان ككثير وقيل يأخذون بعدد الرؤوس واعتمده جمع من المتأخرين
وقال الأسنوي إن الأول خلاف مذهب الشافعي ( ولو باع أحد شريكين بعض ) هو أعم من قوله نصف ( حصته لرجل ثم باقيها لآخر فالشفعة في ) البعض ( الأول للشريك القديم ) لانفراده بالحق ( فإن عفا ) عنه ( شاركه المشتري الأولى في ) البعض ( الثاني ) لأنه صار شريكا مثله قبل البيع الثاني فإن لم يعف عنه بل أخذه لم يشاركه فيه لزوال ملكه ( ولو عفا
____________________
(1/409)
أحد شفيعين ) عن حقه أو بعضه ( سقط حقه ) كالقود ( وأخذ الآخر الكل أو تركه ) فلا يقتصر على حصته لئلا تتبعض الصفقة على المشتري ( أو حضر ) أحدهما وغاب الآخر ( أخر ) الأخذ ( إلى حضور الغائب ) لعذره في أن لا يأخذ ما يؤخذ منه ( وأخذ الكل فإذا حضر الغائب شاركه ) فيه لأن ألحق لهما فليس للحاضر الاقتصار على حصته لئلا تتبعض الصفقة على المشتري لو لم يأخذ الغائب وما استوفاه الحاضر من المنافع كالأجرة والثمرة لا يزاحمه فيه الغائب
( وتتعدد الشفعة بتعدد الصفقة أو الشقص ) وهو من زيادتي فلو اشترى اثنان من واحد شقصا أو اشتراه واحد من اثنين فللشفيع أخذ نصيب أحدهما وحده لانتفاء تبعيض الصفقة على المشتري أو واحد شقصين من دارين فللشفيع أخذ أحدهما لأنه لا يفضي إلي تبعيض شيء واحد في صفقة واحدة ( وطلبها ) إي الشفعة ( كرد بعيب ) في أنه فوري وما يتبعه لأنها حق ثبت لدفع الضرر فيبادر عادة ولو بوكيله بعد علمه بالبيع مثلا بالطلب أو يرفع الأمر إلى الحاكم فلا يضر نحو صلاة وأكل دخل وقتهما وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به ( لا في إشهاد ) على الطلب ( في طريقه أو ) حال ( توكيله ) فلا يلزمه الإشهاد والتصريح بهذا من زيادتي
ويفارق نظيره في الرد بالعيب بأن تسلط الشفيع على الأخذ بالشفعة أقوى من تسلط المشتري على الرد بالعيب وبأن الإشهاد ثم على الفسخ وهو المقصود وهنا على الطلب وهو وسيلة للمقصود ويغتفر في الوسائل لا يغتفر في المقاصد ( فيلزمه لعذر ) كمرض وغيبة عن بلد المشتري وقد عجز عن مضيه إليه والرفع إلى الحاكم ( توكيل ف ) إن عجز عنه لزمه ( إشهاد ) وله تأخير الطلب لانتظار إدراك الزرع وحصاده ( فإن ترك مقدوره منهما ) أي من التوكيل والإشهاد ( أو أخر لتكذيبه ثقة ) ولو عبدا أو امرأة ( أخبره بالبيع ) مثلا ( أو باع حصته ولو جاهلا بالشفعة أو ) باع ( بعضها عالما ) بالشفعة ( بطل حقه ) لتقصيره في الأوليين والرابعة
ولزوال سبب الشفعة في الثالثة وخرج بالثقة في الثانية غيره لأن خبره غير مقبول وبالعالم في الرابعة وهو من زيادتي الجاهل لعذره وكالثقة عدد التواتر ولو من فسقة أو كفار قال ابن الرفعة وكل ذلك في الظاهر أما في الباطن فالعبرة بما يقع في نفسه من صدق وضده ولو من فاسق كما قاله الماوردي ( وكذا ) يبطل حقه ( لو أخبر بالبيع بقدر فترك فبان بأكثر ) لأنه إذا لم يرغب فيه بالأقل فبالأكثر أولى ( لا ) إن بان ( بدونه أو لقي المشتري فسلم عليه أو بارك له في صفقته ) فلا يبطل حقه لأن الترك لخبر تبين كذبه بالزيادة في الأولى والسلام سنة قبل الكلام في الثانية وقد يدعو بالبركة ليأخذ صفقة مباركة في الثالثة وتعبيري بقدر وبدونه أعم من تعبيره بألف وبخمسمائة
____________________
(1/410)
كتاب القراض القراض مشتق من القرض وهو القطع سمي بذلك لأن المالك قطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها وقطعة من الربح ويسمى أيضا مضاربة كما صرح به الأصل ومقارضة والأصل فيه الإجماع والحاجة
واحتج له الماوردي بقوله تعالى { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم }
وبأنه صلى الله عليه وسلم ضارب لخديجة بمالها إلى الشأم وأنفذت معه عبدها ميسرة
والقراض أخذا مما يأتي توكيل مالك بجعل ماله ببلد آخر ليتجر فيه والربح مشترك بينهما وهذا أولى من قول الأصل القراض أن يدفع إليه مالا إلى آخره
( أركانه ) ستة ( مالك وعامل وعمل وربح وصيغة ومال وشرط فيه ) أي في المال ( كونه نقدا ) دراهم أو دنانير ( خالصا معلوما ) جنسا وقدرا وصفة معينا بيد عامل فلا يصح على عرض ولو فلوسا وتبرا وحليا ومنفعة لأن في القراض إغرارا إذ العمل فيه غير مضبوط والربح غير موثوق به وإنما جوز للحاجة فاختص بما يروج بكل حال وتسهل التجارة به ( و ) لا على نقد ( مغشوش ) ولو رائجا لانتفاء خلوصه نعم إن كان غشه مستهلكا جاز قاله الجرجاني ( و ) لا على ( مجهول ) جنسا أو قدرا أو صفة ولا على غير معين كأن قارضه على ما في الذمة من دين أو غيره نعم لو قارضه على نقد في ذمته ثم عينه في المجلس صح خلافا للبغوي وكأن قارضه على إحدى صرتين ولو متساويتين نعم لو علم في المجلس عينه صح بخلاف ما لو علم فيه جنسه وقدره وصفته لا يصح على الأشبه في المطلب ( ولا ) يصح ( بشرط كونه ) أي المال ( بيد غيره ) أي غير العامل كالمالك ليوفي منه ثمن ما اشتراه العامل لأنه قد لا يجده عند الحاجة
وتعبيري بغيره أعم من تعبيره بالمالك ( و ) شرط ( في المالك ما ) شرط ( في موكل وفي العامل ما ) شرط ( في وكيل ) لأن القراض توكيل وتوكل فيجوز أن يكون المالك أعمى دون العامل ولا يجوز أن يكون أحدهما سفيها ولا صبيا ولا مجنونا
ولوليهم أن يقارض لهم ( وأن يستقل ) أي العامل ( بالعمل ) ليتمكن من العمل متى شاء فلا يصح شرط عمل غيره معه لأن انقسام العمل يقتضي انقسام اليد
ويصح شرط إعانة مملوك المالك له في العمل ولا يد للمملوك لأنه مال فجعل
____________________
(1/411)
عمله تبعا للمال
ولأن ذلك لا يمنع استقلال العامل وشرطه أن يكون معلوما برؤية أو وصف وإن شرطت نفقته عليه جاز ( و ) شرط ( في العمل كونه تجارة وأن لا يضيقه ) أي العمل ( على العامل فلا يصح على شراء بر يطحنه ويخبزه ) أو غزل ينسجه ( ويبيعه ) لأن الطحن وما معه أعمال لا تسمى تجارة بل هي أعمال مضبوضة يستأجر عليها ولا يحتاج إلى القراض عليها المشتمل على جهالة العوضين للحاجة ( و ) لا على ( شراء ) متاع ( معين ) كقولة ولا تشتر إلا هذه السلعة ( و ) لا على شراء نوع ( نادر ) يعز وجوده كقوله ولا تشتر إلا الخيل البلق ( و ) لا على ( معاملة شخص ) معين كقوله ولا تبع إلا لزيد ولا تشتر إلا منه ( ولا إن أقت ) بمدة كسنة سواء أسكت أم منعه التصرف أم البيع بعدها أم الشراء لأن المتاع والمدة المعينين قد لا يربح فيهما والنادر قد لا يجده والشخص المعين قد لا يتأتى من جهته ربح في بيع أو شراء ( فإن منعه الشراء فقط بعد مدة ) كقوله ولا تشتر بعد سنة ( صح ) لحصول الاسترباح بالبيع الذي له فعله بعدها ومحله كما قال الإمام أن تكون المدة يتأتى فيها الشراء لغرض الربح بخلاف نحو ساعة وعلم من امتناع التأقيت امتناع التعليق لأن التأقيت أسهل منه بدليل احتماله في الإجارة والمساقاة ويمتنع أيضا تعليق التصرف بخلاف الوكالة لمنافاته غرض الربح وتعبيري بما ذكرته أولى من تعبيره بما ذكر
( و ) شرط ( في الربح كونه لهما و ) كونه ( معلوما ) لهما ( بجزئية ) كنصف وثلث ( فلا يصح ) القراض ( على أن لأحدهما ) معينا أو مبهما ( الربح ) أو أن لغيرهما منه شيئا لعدم كونه لهما والمشروط لمملوك أحدهما كالمشروط له فيصح معه في الثانية دون الأولى ( أو ) على أن لأحدهما ( شركة أو نصيبا فيه ) للجهل بحصة العامل ( أو ) على أن لأحدهما ( عشرة أو ربح صنف ) لعدم العلم بالجزئية ولأنه قد لا يربح غير العشرة أو غير ربح ذلك الصنف فيفوز أحدهما بجميع الربح ( أو ) على ( أن للمالك النصف ) مثلا لأن الربح فائدة رأس المال فهو للمالك إلا ما ينسب منه للعامل ولم ينسب له شيء منه بخلاف ما لو قال على أن للعامل النصف مثلا فيصح ويكون الباقي للمالك لأنه بين ما للعامل والباقي للمالك بحكم الأصل ( وصح في ) قوله ( قارضتك والربح بيننا وكان نصفين ) كما لو قال هذه الدار بين زيد وعمرو ( و ) شرط ( في الصيغة ما ) مر فيها ( في البيع ) بجامع أن كلا منهما عقد معاوضة ( كقارضتك ) أو عاملتك في كذا على أن الربح بيننا فيقبل العامل لفظا وتعبيري بما ذكر أولى من قوله يشترط إيجاب وقبول
____________________
(1/412)
فصل في أحكام القراض لو ( قارض العامل آخر ) ولو بإذن المالك ( ليشاركه في عمل وربح لم يصح ) لأن القراض على خلاف القياس وموضوعه أن يعقده المالك والعامل فلا يعدل إلا أن يعقده عاملان فإن قارضه بالإذن لينفرد بالربح والعمل صح كما لو قارضه المالك بنفسه أو بلا إذن فلا
( وتصرف الثاني بغير إذن المالك غصب ) فيضمن ما تصرف فيه ( فإن اشترى بعين مال القراض لم يصح ) شراؤه لأنه فضولي ( أو في ذمة ) له ( فالربح ) كله ( للأول ) من العاملين لأن الثاني وكيل عنه ( وعليه للثاني أجرته ) لأنه لم يعمل مجانا فإن عمل مجانا كأن قال له الأول وكل الربح لي فلا أجرة له وظاهر أخذا مما يأتي أن الثاني إذا اشترى في الذمة ونوى نفسه فالربح له ولا أجرة له على الأول
( ويجوز تعدد كل ) من المالك والعامل فللمالك أن يقارض اثنين متفاضلا ومتساويا في المشروط لهما من الربح كأن يشرط لأحدهما نصف الربح وللآخر الربع أو يشرط لهما النصف بالسوية سواء أشرط على كل منهما مراجعة الآخر أم لا
ولمالكين أن يقارضا واحدا ويكون الربح بعد نصيب العامل بينهما بحسب المال فإذا شرط للعامل نصف الربح ومال أحدهما مائتان ومال الآخر مائة اقتسما النصف الآخر أثلاثا فإن شرطا غير ما تقتضيه النسبة فسد العقد كما علم من قولي فيما مر كونه لهما لما فيه من شرط الربح لمن ليس بمالك ولا عامل ( وإذا فسد قراض صح تصرف العامل ) للإذن فيه ( والربح ) كله ( للمالك ) لأنه نماء ملكه ( وعليه ) له ( إن لم يقل والربح لي أجرته ) أي أجرة مثله أنه لم يعمل مجانا وقد فاته المسمى وكذا إذا علم الفساد كما يؤخذ من التعليل فإن قال ذلك فلا شيء عليه له لرضاه بالعمل مجانا وظاهر أنه إذا اشترى في الذمة ونوى نفسه فالربح له لأنه نماء ملكه ولا أجره له على المالك
( ويتصرف ) العامل ( ولو بعرض ) لأنه طريق الاسترباح ( بمصلحة ) لأن العامل في الحقيقة وكيل ( لا بغبن فاحش ) في بيع أو شراء والتقييد بفاحش من زيادتي ( ولا نسيئة ) في ذلك ( بلا إذن ) في الغبن
والنسيئة أما بالإذن فيجوز ويأتي في تقدير الأجل وإطلاقه في البيع ما مر في الوكيل ويجب الإشهاد في البيع نسيئة فإن تركه ضمن ووجه منع الشراء نسيئة أنه كما قال الرافعي قد يتلف رأس المال فتبقى العهدة متعلقة بالمالك
( ولكل ) من المالك والعامل
____________________
(1/413)
( رد بعيب إن فقدت مصلحة الإبقاء ) ولو مع فقد مصلحة الرد أو رضى الآخر بالعيب لأن لكل منهما حقا في المال فإن وجدت مصلحة الإبقاء امتنع الرد وتعبيري بذلك أعم وأولى من قوله رد بعيب تقتضيه مصلحة ( فإن اختلفا ) فيه فأراده أحدهما وأباه الآخر ( عمل بالمصلحة ) في ذلك لأن كلا منهما له حق فإن استوى الحال في الرد والإبقاء ففي الطلب يرجع إلى العامل
( ولا يعامل ) العامل ( المالك ) كأن يبيعه شيئا من مال القراض لأن المال له ( ولا يشتري بأكثر من مال القراض ) رأس مال وربحا ولا بغير جنسه لأن المالك لم يأذن فيه وتعبيري بذلك أولى من تعبيره برأس المال
( ولا ) يشتري ( زوج المالك ) ذكرا كان أو أنثى ( ولا من يعتق عليه ) لكونه بعضه أو أقر هو بحريته أو كان أمة مستولدة له وبيعت لكونها مرهونة ( بلا إذن ) منه في الثلاث أما بإذنه فيجوز ( فإن فعل ) ذلك بغير إذنه ( لم يصح ) الشراء في غير الأولى ولا في الزائد فيها لأنه لم يأذن فيه ولتضرره بانفساخ النكاح وتفويت المال في غيرها ( إلا إن اشترى في ذمته فيقع له ) أي للعامل وإن صرح بالسفارة فعلم أنه إذا اشتراه بعين مال القراض لا يصح وخرج بزوج المالك ومن يعتق عليه زوج العامل ومن يعتق عليه فله شراؤهما للقراض وإن ظهر ربح ولا ينفسخ نكاحه ولا يعتق عليه كالوكيل يشتري زوجه ومن يعتق عليه لموكله ( ولا يسافر بالمال بلا إذن ) لما فيه من الخطر والتعريض للتلف فلو سافر به ضمنه أما بالإذن فيجوز لكن لا يجوز في البحر إلا بنص عليه ( ولا يمون ) هو أعم من قوله ولا ينفق ( منه نفسه ) حضرا ولا سفرا لأن له نصيبا من الربح فلا يستحق شيئا آخر فلو شرط المؤنة في العقد فسد ( وعليه فعل ما يعتاد ) فعله ( كطي ثوب ووزن خفيف كذهب ) ومسك عملا بالعادة ( وله اكتراء لغيره ) أي غير ما عليه فعله من مال القراض ولو فعله بنفسه فلا أجرة له وما يلزمه فعله لو اكترى من فعله فالأجرة في ماله
( ويملك ) العامل ( حصته ) من الربح ( بقسمة ) لا بظهور لأنه لو ملكها بالظهور لكان شريكا في المال فيكون النقص الحادث بعد ذلك محسوبا عليهما وليس كذلك لكنه إنما يستقر ملكه بالقسمة إن نض رأس المال وفسخ العقد حتى لو حصل بعد القسمة فقط أن نقص جبر بالربح المقسوم ويملكها ويستقر ملكه أيضا بنضوض المال والفسخ بلا قسمة كما بينته في شرح الروض ( وللمالك ما حصل من مال قراض كثمر ونتاج وكسب ومهر ) وغيرها من سائر الزوائد العينية الحاصلة بغير تصرف العامل لأنه ليس من فوائد التجارة وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر
____________________
(1/414)
به ( ويجبر بالربح نقص ) حصل ( برخص أو عيب حدث ) لاقتضاء العرف ذلك والثانية من زيادتي ( أو ) ب ( تلف بعضه ) بآفة سماوية أو جناية وتعذر أخذ بدله ( بعد تصرف ) من العامل ببيع أو شراء قياسا على ما مر فإن تلف بذلك قبله فلا يجبر به بل يحسب من رأس المال لأن العقد لم يتأكد بالعمل فإن أخذ بدل ذلك استمر القراض فيه ولكل منهما المخاصمة إن كان في المال ربح وإلا فللما لك فقط وخرج بتلف بعضه تلف فإن القراض يرتفع سواء أكان التلف بآفة بإتلاف المالك أم العامل أم أجنبي لكن يستقر نصيب العامل من الربح في الثانية ويبقى القراض في البدل إن قبضة المالك وسلمه له أو أخذه في الرابعة وبحث الشيخان في الثالثة بعد نقلهما ما ذكر فيها عن الإمام أن العامل كالأجنبي وبه صرح المتولي وفرق الأول بأن للعامل الفسخ فجعل إتلافه فسخا كالمالك بخلاف الأجنبي
فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما ( لكل ) منهما ( فسخه ) متى شاء ( وينفسخ بما تنفسخ به الوكالة ) كموت أحدهما وجنونه وإغمائه لما مر أنه توكيل وتوكل وكذا باسترجاع المال بخلاف استرجاع الموكل ما وكل في بيعه ( ثم ) بعد الفسخ أو الانفساخ ( يلزم العامل استيفاء ) للدين لأنه ليس في قبضته ( ورد قدر رأس المال لمثله ) بأن ينضض على صفته وإن كان قد باعه بنقد على غير صفته أو لم يكن ربح لأنه في عهدته رد رأس المال كما أخذه هذا إن طلب المالك الاستيفاء أو التنضيض وإلا فلا يلزمه ذلك إلا أن يكون لمحجور عليه وحظه فيه وخرج برأس المال الزائد عليه فلا يلزمه تنضيضه كعرض اشترك فيه اثنان لا يكلف واحد منهما بيعه وتعبيري بما ذكر أعم وأولى مما عبر به
( ولو أخذ المالك بعضه قبل ) ظهور ( ربح وخسر رجع رأس المال للباقي ) بعد المأخوذ لأنه لم يترك في يده غيره فصار كما لو أعطاه له ابتداء ( أو ) أخذ بعضه ( بعد ) ظهور ( ربح فالمأخوذ ربح ورأس مال ) على النسبة الحاصلة له من مجموعهما فلا يجبر بالربح خسر يقع بعده ( مثاله المال مائة والربح عشرون وأخذ عشرين فسدسها ) وهو ثلاثة وثلث ( من الربح ) لأن الربح سدس المال ( فيستقر للعامل المشروط ) له ( منه ) وهو واحد وثلثان إن شرط له نصف الربح حتى لو عاد ما بيده إلى ثمانين لم يسقط ما استقر له فعلم أن باقي المأخوذ وهو ستة
____________________
(1/415)
عشر وثلثان من رأس المال فيعود إلى ثلاثة وثمانين وثلث هذا إن أخذ بغير رضا العامل أو برضاه
وصرحا بالإشاعة أو أطلقا فإن قصد الأخذ من رأس المال اختص به أو من الربح فكذلك لكن يملك العامل مما بيده قدر حصته على الإشاعة نبه على ذلك في المطلب ( أو ) أخذ بعضه ( بعد ) ظهور ( خسر فالخسر موزع على المأخوذ والباقي ) فلا يلزم جبر حصة المأخوذ لو ربح بعد ( مثاله المال مائة والخسر عشرون وأخذ عشرين فحصتها ) من الخسر ( ربع الخسر ) فكأنه أخذ خمسة وعشرين فيعود رأس المال إلى خمسة وسبعين
حتى لو بلغ ثمانين لم يأخذ المالك الجميع بل تقسم الخمسة بينهما نصفين إن شرطا المناصفة ( وحلف عامل في عدم ربح و ) في ( قدره ) فيصدق في ذلك لموافقته فيما نفاه للأصل ( و ) في ( شراء له ) أي للعامل وإن كان رابحا ( أو لقراض ) وإن كان خاسرا لأنه مأمون ( وفي ) قوله ( لم تنهني عن شراء كذا ) لأن الأصل عدم النهي ( و ) في ( قدر رأس المال ) لأن الأصل عدم دفع الزائد على ما قاله ( و ) في ( دعوى تلف ) لأنه مأمون فإن ذكر سببه فهو على التفصيل الآتي في الوديعة ولو تلف المال فادعى المالك أنه قرض والعامل وأنه قراض فالمصدق العامل بيمينه كما أفتى به ابن الصلاح تبعا للبغوي لأن الأصل عدم الضمان ولو أقاما بينتين ففي المقدم منهما وجهان في الروضة بلا ترجيح أوجههما تقديم بينة المالك لأن معها زيادة علم ( و ) في دعوى ( رد ) للمال على المالك لأن ائتمنه كالمودع بخلاف نظيره في المرتهن والمستأجر لأنهما قبضا العين لمنفعة نفسهما والعامل قبضها لمنفعة المالك وانتفاعه بالعمل
( ولو اختلفا في ) القدر ( المشروط له ) كأن قال شرطت لي النصف فقال المالك بل الثلث ( تحالفا ) كاختلاف البائعين في قدر الثمن ( وله ) أي للعامل بعد الفسخ ( أجرة ) لعمله وللمالك الربح كما يؤخذ ذلك من باب الاختلاف في كيفية العقد ولو اختلفا في جنس رأس المال صدق العامل بيمينه أو في أنه وكيل أو مقارض صدق المالك بيمينه ولا أجرة عليه للعامل
____________________
(1/416)
( كتاب المساقاة ) مأخوذ من السقي المحتاج إليه فيها غالبا لأنه أنفع أعمالها وأكثرها مؤنة والأصل فيها قبل الإجماع خبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر وفي رواية دفع إلى يهود خيبر نخلها وأرضها بشرط ما يخرج منها من ثمر أو زرع والمعنى فيها أن مالك الأشجار قد لا يحسن تعهدها أو لا يتفرغ له ومن يحسن ويتفرغ قد لا يملك أشجارا فيحتاج ذلك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل ولو اكترى المالك لزمته الأجرة في الحال وقد لا يحصل له شيء من الثمار ويتهاون العامل فدعت الحاجة إلى تجويزها وهي أخذا مما يأتي معاملة الشخص غيره على شجر ليتعهده بسقي وغيره والثمرة لهما ( أركانها ) ستة ( عاقدان ) مالك وعامل ( وعمل وثمر وصيغة ومورد وشرط فيه ) أي في المورد ( كونه نخلا أو عنبا مرئيا معينا بيد عامل مغروسا لم يبد صلاح ثمره ) سواء أظهر أم لا فلا تصح على غير نخل وعنب استقلالا كتين وتفاح ومشمش وصنوبر وبطيخ لأنه ينمو بغير تعهد أو يخلو عن العوض مع أنه ليس في معنى النخل ولا على غير مرئي ولا على مبهم كأحد البساتين كما في سائر عقود المعاوضة ولا على كونه بيد غير العامل كأن جعل بيده ويد المالك كما في القراض ولا على ودي يغرسه ويتعهده والثمرة بينهما كما لو سلمه بذرا ليزرعه ولأن الغرس ليس من عمل المساقاة فضمه إليه يفسدها ولا على ما بدا صلاح ثمره لفوات معظم الأعمال وقولي مرئيا معينا من زيادتي ( و ) شرط ( في العاقدين مما مر ) فيهما ( في القراض ) وتقدم بيانه ثم ( وشريك مالك كأجنبي ) فتصح مساقاته له إن شرط له زيادة على حصته كما يؤخذ مما يأتي ( و ) شرط ( في العمل أن لا يشرط على العاقد ما ليس عليه ) فلو شرط ذلك ( كأن شرط على العامل أن يبني جدارا ) لحديقة ( أو على المالك ) هو من زيادتي ( تنقية النهر ) لم يصح العقد لأنه شرط عقد في عقد ولأنه في الأول استئجار بعوض مجهول ( وأن يقدر ) أي العمل ( بزمن معلوم يثمر فيه الشجر غالبا ) كسنة أو أكثر كالإجارة فلا تصح مؤبدة ولا مطلقة ولا مؤقتة بإدراك الثمر للجهل بوقته فإنه يتقدم تارة ويتأخر أخرى ولا مؤقتة
____________________
(1/417)
بزمن لا يثمر في الشجر غالبا لخلو المساقاة عن العوض ولا أجرة للعامل إن علم أو ظن أنه لا يثمر في ذلك الزمن وإن استوى الاحتمالان أو جهل الحال فله أجرته لأنه عمل طامعا وإن كانت المساقاة باطلة
( و ) شرط ( في الثمر ما ) مر ( في الربح ) من كونه لهما وكونه لهما وكونه معلوما بالجزئية وتقدم بيان ذلك ثم ( ولمساقي في ذمته أن يساقي غيره ) بخلاف المساقي على عينه كما في الأجير وهذا من زيادتي ( و ) شرط ( في الصيغة ما ) مر فيها ( في البيع ) غير عدم التأقيت بقرينة ما مر آنفا وهذا من زيادتي ( كساقيتك ) أو عاملتك على هذا على أن الثمرة بيننا فيقبل العامل وقولي كساقيتك أعم مما عبر به ( لا تفصيل أعمال بناحية بها عرف غالب ) في العمل بقيد زدته بقولي ( عرفاه ) أي العاقدان فلا يشترط فإن لم يكن فيها عرف غالب أو كان ولم يعرفاه اشترط ( ويحمل المطلق عليه ) أي على العرف الغالب الذي عرفاه في ناحيته ( وعلى العامل ) عند الإطلاق ( ما يحتاجه الثمر ) لصلاحه وتنميته ( مما يتكرر ) من العمل ( كل سنة كسقي وتنقية نهر ) أي مجرى الماء من طين ونحوه ( وإصلاح أجاجين ) يقف فيها الماء حول الشجر ليشربه شبهت بإجانات الغسيل جمع إجانة ( وتلقيح ) للنخل ( وتنحية حشيش وقضبان مضرة ) بالشجر ( وتعريش ) للعنب ( جرت به عادة ) وهو أن ينصب أعوادا ويظللها ويرفعه عليها ( وحفظ الثمر ) على الشجرة وفي البيدر على السرقة والشمس والطيور بأن يجعل كل عنقود في وعاء يهيئه المالك كقوصرة ( وجذاذه ) أي قطعه ( وتجفيفه ) فإن كلا من الثلاثة على العامل وإن لم تجربه عادة وتقييد الروضة كأصلها تصحيح وجوب التخفيف على العامل بجريان العادة به أو شرطه ليس بجيد إذ النافي لوجوبه لاتسعه مخالفة العادة أو الشرط فمحل التصحيح إنما هو انتفائهما وظاهر أنه لو جرت عادة بأن شيئا من ذلك على المالك اتبعت ( وعلى المالك ما يقصد به حفظ الأصل ) أي أصل الثمر وهو الشجر ( ولا يتكرر كل سنة كبناء حيطان ) للبستان ( وحفر نهر ) له وإصلاح ما انهار من النهر لاقتضاء العرف ذلك وعليه أيضا الأعيان وإن تكررت كل سنة كطلع التلقيح ( ويملك العامل حصته ) من الثمر ( بالظهور ) له إن عقد قبل ظهوره وهذا من زيادتي وفارق القراض حيث لا يملك فيه الربح إلا بالقسمة أو ما ألحق بها كما مر بأن الربح وقاية لرأس المال والثمر ليس وقاية للشجر أما إذا عقد بعد ظهوره فيملكها بالعقد
____________________
(1/418)
فصل في بيان أن المساقاة لازمة وحكم هرب العامل والمزارعة والمخابرة ( هي ) أي المساقاة ( لازمة ) كالإجارة ( فلو هرب العامل ) أو عجز بمرض أو نحوه قبل الفراغ من العمل ولو قبل الشروع فيه ( وتبرع غيره ) من مالك أو غيره ( بالعمل ) بنفسه أو بماله فتعبيري بذلك أعم من قوله وأتمه المالك تبرعا ( بقي حق العامل ) لأن العقد لا ينفسخ بذلك كما لا ينفسخ بصريح الفسخ ( وإلا ) أي وإن لم يتبرع غيره ورفع الأمر إلى الحاكم ( اكترى الحاكم عليه من يعمل ) بعد ثبوت المساقاة وهرب العامل مثلا وتعذر إحضاره من ماله إن كان له مال وإلا اكترى بمؤجل إن تأتي نعم إن كانت المساقاة على العين فالذي جزم به صاحب المعين اليمني والنسائي واستظهره غيرهما أنه لا يكتري عليه لتمكن المالك من الفسخ ( ثم ) إن تعذر اكتراؤه ( اقترض ) عليه من المالك أو غيره ويوفي من نصيبه من الثمر ( ثم ) إن تعذر اقتراضه ( عمل المالك ) بنفسه وهذا مع ثم اقترض والإشهاد الآتي على العمل من زيادتي ( أو أنفق بإشهاد ) بذلك ( شرط فيه رجوعا ) بأجرة عمله أو بما أنفقه فإن لم يشهد كما ذكر فلا رجوع له وإن لم يمكنه الإشهاد لأنه عذر نادر فإن عجز عن العمل والإنفاق ولم تظهر الثمرة فله الفسخ وللعامل أجرة عمله وإن ظهرت فلا فسخ وهي لهما وقولي شرط فيه رجوعا أولى من قوله إن أراد الرجوع ( ولو مات المساقي في ذمته ) قبل تمام عمله ( وخلف تركة عمل وارثه ) إما ( منها ) بأن يكتري عليه لأنه حق واجب على مورثه ( أو من ماله أو بنفسه ) ويسلم له المشروط فلا يجبر على الإنفاق من التركة ولا يلزم المالك تمكينه من العمل بنفسه إلا إذا كان أمينا عارفا بالأعمال فإن لم تكن تركة فللوارث العمل ولا يلزمه وخرج بزيادتي في ذمته المساقي على عينه فتنفسخ بموته كالأجير المعين ولا تنفسخ المساقاة بموت المالك بل تستمر ويأخذ العامل نصيبه ( وبخيانة عامل ) فيها ( اكترى ) عليه ( من ماله مشرف ) إلى أن يتم العمل ( فإن لم يتحفظ به فعامل ) بكتري على الخائن من ماله نعم إن كانت المساقاة على العين فظاهر أنه لا يكتري عليه وهو قياس ما مر من اكتراء الحاكم عليه إذا هرب وقد نبه عليه الأذرعي وقولي من ماله من زيادتي في المشرف ( ولو استحق الثمر ) أي خرج مستحقا كأن أوصى به ( فله ) أي للعامل حيث جهل الحال ( على معامله أجرة ) لعمله كمن اكترى من يعمل فيما غصبه عملا
____________________
(1/419)
( ولا تصح مخابرة ولو تبعا ) للمساقاة ( وهي معاملة على أرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل ) للنهي عنها في خبر الصحيحين وتعبيري بالمعاملة تبعا للمحرر أولى من تعبير الأصل بالعمل ( ولا مزارعة وهي كذلك ) أي معاملة على أرض ببعض ما يخرج منها
( و ) لكن البذر من المالك ) للنهي عنها في خبر مسلم ( فلو كان بين الشجر ) نخلا كان أو عنبا فهو أولى من قوله بين النخيل ( بياض ) أي أرض لا زرع فيها ولا شجر وإن كثر البياض ( صحت ) المزارعة عليه ( مع المساقاة ) على الشجر تبعا للحاجة إلى ذلك وعليه يحمل خبر الصحيحين السابق أول الباب هذا إن ( اتحد عقد و ) اتحد ( عامل ) بأن يكون عامل المزارعة هو عامل المساقاة وإن تعدد لأن عدم الاتحاد في كل منهما يخرج المزارعة عن كونها تابعة ( وعسر ) هذا هو المراد بقول الروضة وأصلها وتعذر ( إفراد الشجر بالسقي ) فإن تيسر ذلك لم تجز المزارعة لعدم الحاجة ( وقدمت المساقاة ) على الزارعة لتحصل التبعية ( وإن تفاوت الجزءان المشروطان ) من الثمر والزرع كأن شرط للعامل نصف الثمر وربع الزرع فإن المزارعة تصح تبعا
ومتى فقد شرط من الشروط المذكورة لم تصح المزارعة وإنما لم تصح المخابرة تبعا كالمزارعة لعدم ورودها كذلك واختار النووي من جهة الدليل صحة كل منهما مطلقا تبعا لابن المنذر وغيره قال والأحاديث مؤولة على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة معينة ولآخر أخرى والمذهب ما تقرر ويجاب عن الدليل المجوز لهما بحمله في المزارعة على جوازها تبعا أو بالطريق الآتي وفي المخابرة على جوازها بالطريق الآتي وكالبياض فيما ذكر زرع لم يبد صلاحه كما اقتضاه كلام الروضة كأصلها ( فإن أفردت المزارعة فالمغل للمالك ) لأنه المالك للبذر ( وعليه للعامل أجرة عمله وآلاته ) الشاملة لدوابه لبطلان العقد وعمله لا يحبط سواء أسلم الزرع أم تلف بآفة أو غيرها أخذا من نظيره في القراض الفاسد وإن كان المنقول عن المتولي في نظيره من الشركة الفاسدة فيما إذا تلف الزرع بآفة أنه لا شيء للعامل لأنه لم يحصل للمالك شيء وصوبه النووي ويفرق بأن العامل هنا أشبه به في القراض من الشريك على أن الرافعي قال في كلام المتولي لا يخفى عدوله عن القياس الظاهر ( وطريق جعل الغلة لهما ) في إفراد المزارعة ( ولا أجرة كأن يكتريه ) أي المالك العامل ( بنصفي البذر ومنفعة الأرض ) شائعين ( أو بنصفه ) أي البذر ( ويعيره نصف الأرض ) شائعين ( ليزرع ) له ( باقيه ) أي البذر ( في باقيها ) أي الأرض فيكون لكل منهما نصف المغل شائعا لأن العامل استحق من منفعتها بقدر نصيبه من الزرع والمالك من منفعته
____________________
(1/420)
بقدر نصيبه من ذلك
وأفادت زيادتي كاف كأن أن طرق ذلك لا تنحصر فيما ذكر إذ منها أن يقرض المالك العامل نصف البذر ويؤجره نصف الأرض بنصف عمله ونصف منافع آلاته ومنها أن يعيره نصف الأرض والبذر منهما لكن البذر في هذا ليس كله من المالك وإن أفردت المخابرة فالمغل للعامل وعليه لمالك الأرض أجرة مثلها وطريق جعل الغلة لهما ولا أجرة كأن يكتري العامل نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ومنافع آلاته أو بنصف البذر ويتبرع بالعمل والمنافع
____________________
(1/421)
( كتاب الإجارة ) بكسر الهمزة أشهر من ضمها وفتحها من آجره بالمد يؤجره إيجار أو يقال أجره بالقصر يأجره بضم الجيم وكسرها أجرا وهي لغة اسم للأجرة وشرعا تمليك منفعة بعوض بشروط تأتي
والأصل فيها قبل الإجماع آية { فإن أرضعن لكم }
وجه الدلالة أن الإرضاع بلا عقد تبرع لا يوجب أجرة وأنما يوجبها ظاهرا العقد فتعين وخبر البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه استأجرا رجلا من بني الديل يقال له عبد الله بن الأريقط وخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة والمعنى فيها أن الحاجة داعية إليها إذ ليس لكل أحد مركوب ومسكن وخادم فجوزت لذلك كما جوز بيع الأعيان ( أركانها ) أربعة ( صيغة وأجرة ومنفعة وعاقد ) من مكر ومكتر ( وشرط فيه ) أي في العاقد ( ما ) مر فيه ( في البيع ) وتقدم بيانه ثم لكن لا يشترط هنا إسلام المكتري لمسلم كما قدمته ثم مع زيادة وتصح إجارة السفيه نفسه لما لا يقصد من عمله كالحج قاله الماوردي والروياني لأن له أن يتبرع به ولا يصح اكتراء العبد نفسه من سيده وإن صح شراؤه نفسه منه كما أفتى به النووي ( و ) شرط ( في الصيغة ما ) مر فيها ( فيه ) أي في البيع ( غير عدم التأقيت كأجرتك ) أو أكريتك ( هذا أو منافعه أو ملكتكها سنة بكذا ) فيقبل المكتري ( لا بعتكها ) أي منافعه سنة بكذا لأن لفظ البيع وضع لتمليك العين فلا يستعمل في المنفعة كما لا يستعمل لفظ الإجارة في البيع لكن ينبغي أن يكون كناية وكلفظ البيع لفظ الشراء وهو ظاهر
وسنة فيما ذكر ليس مفعولا فيه لأجر مثلا لأنه إنشاء وزمنه يسير بل لمقدر أي أجرتكه وانتفع به سنة كما قيل في قوله تعالى { فأماته الله مائة عام } أن التقدير وألبثه مائة عام وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به ( وترد ) الإجارة ( على عين كإجارة معين ) من عقار ورقيق ونحوهما ( كاكتريتك لكذا ) سنة وإجارة العقار لا تكون إلا على العين ( وعلى ذمة كإجارة موصوف ) من دابة ونحوها لحمل مثلا ( وإلزام ذمته عملا ) كخياطة وبناء ومورد الإجارة المنفعة لا العين على الأصح سواء أوردت على العين أم على الذمة
قال الشيخان والخلاف لفظي وأورد الإسنوي له فوائد
____________________
(1/422)
( و ) شرط ( في الأجرة ما ) مر ( في الثمن ) فيشترط كونها معلومة جنسا وقدرا وصفة إلا أن تكون معينة فتكفي رؤيتها
( فلا تصح ) إجارة دار أو دابة ( بعمارة وعلف ) بسكون اللام وفتحها وهو بالفتح ما يعلف به للجهل في ذلك فإن ذكر معلوما وأذن له خارج العقد في صرفه في العمارة أو العلف صحت قال ابن الرفعة ولم يخرجوه على اتحاد القابض والمقبض لوقوعه ضمنا
( ولا لسلخ ) لشاة ( بجلد ) لها ( و ) لا ( طحن ) لبر مثلا ( ببعض دقيق ) منه كثلثه للجهل بثخانة الجلد ومقدار الدقيق ولعدم القدرة على الأجرة حالا وفي معنى الدقيق النخالة
( وتصح ) إجارة امرأة مثلا ( ببعض دقيق حالا لإرضاع باقيه ) للعلم بالأجرة والعمل المكتري له إنما وقع في ملك غير المكتري تبعا بخلاف ما لو اكتراها ببعضه بعد الفطام لإرضاع باقيه للجهل بالأجرة إذ ذاك وبخلاف ما لو اكتراها لإرضاع كله ببعضه حالا أو بعد الفطام لوقوع العمل في ملك غير المكتري قصدا فيهما وللجهل بالأجرة في الثاني هكذا أفهم هذا المقام وقد بسطت الكلام عليه في شرح الروض وتعبيري بإرضاع باقيه أولى من تعبيره بإرضاع رقيقه
( وهي ) أي الأجرة ( في إجارة ذمة كرأس مال سلم ) لأنها سلم في المنافع فيجب قبضها في المجلس ولا يبرأ منها ولا يستبدل عنها ولا يحال بها ولا عليها ولا تؤجل وإن عقدت بغير لفظ السلم فتعبيري بذلك أعم من قوله ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في المجلس
( و ) هي ( في إجارة عين كثمن ) فلا يجب قبضها في المجلس مطلقا ويجوز إن كانت في الذمة الإبراء منها والاستبدال عنها والحوالة بها وعليها وتأجيلها وتعجل إن كانت كذلك وأطلقت وتملك بالعقد مطلقا
( لكن ملكها ) يكون ملكا ( مراعى ) بمعنى أنه كلما مضى زمن على السلامة بان أن المؤجر استقر ملكه من الأجرة على ما يقابل ذلك إن قبض المكتري العين أو عرضت عليه فامتنع
( فلا تستقر كلها إلا بمضي المدة ) سواء انتفع المكتري أم لا لتلف المنفعة تحت يده وقولي كثمن إلى أخره أولى مما عبر به
( ويستقر في ) إجارة ( فاسدة أجرة مثل بما يستقر به مسمى في صحيحه ) سواء أكانت مثل المسمى أم أقل أم أكثر وخرج بزيادتي ( غالبا ) التخلية في العقار والوضع بين يدي المكتري والعرض عليه وامتناعه من القبض إلى انقضاء المدة فلا تستقر بها الأجرة في الفاسدة ويستقر بها المسمى في الصحيحة
( و ) شرط ( في المنفعة كونها متقومة ) أي لها قيمة ( معلومة ) عينا وقدرا وصفة ( مقدورة التسلم ) حسا وشرعا ( واقعة للمكتري لا تتضمن استيفاء عين قصدا ) بأن لا يتضمنه العقد
( فلا يصح اكتراء شخص لما لا يتعب ) ككلمة لا تتعب وإن روجت السلعة إذ لا قيمة له
( و ) لا
____________________
(1/423)
اكتراء ( نقد ) أي دراهم أو دنانير ولو للتزين
( و ) لا ( كلب ) ولو لصيد لأن منافعهما لا تقابل بمال وبذله في مقابلتهما تبذير
( و ) لا ( مجهول ) كأحد العبدين وكثوب ( و ) لا ( آبق و ) لا ( مغصوب ) لغير من هو بيده ولا يقدر على نزعه عقب العقد
( و ) لا ( أعمى لحفظ ) أي حفظ ما يحتاج إلى نظر والإجارة على عينه
( و ) لا ( أرض لزراعة لا ماء لها دائم ولا غالب يكفيها ) كمطر معتاد وماء ثلج مجتمع يغلب حصوله ( ولا ) شخص ( لقلع سن صحيحة ) لغير قود ( ولا حائض ) أو نفساء ( مسلمة لخدمة مسجدو ) لا ( حرة ) منكوحة ( بغير إذن زوجها ) والإجارة عينية فيهما وذلك لعدم القدرة على تسلم المنفعة حسا وشرعا أو أحدهما بخلاف اكتراء أعمى لغير ما ذكر واكتراء أرض لها ماء دائم أو غالب يكفيها واكتراء شخص لقلع سن وجعة أو صحيحة لقود واكتراء حائض ذمية لخدمة مسجد إن أمنت التلويث واكتراء أمة ولو منكوحة بغير إذن زوجها أو حرة ولو منكوحة بإذنه لوجود الإذن في هذه ولعدم اشتغال الأمة بزوجها جميع الليل والنهار في التي قبلها والتقييد بالمسلمة وبالحرة من زيادتي
( ولا ) اكتراء ( لعبادة تجب فيها نية ) لها أو لمتعلقها ( ولم تقبل نيابة ) كالصلوات وإمامتها لأن المنفعة لم تقع في ذلك للمكتري بل للمكري
( ولا ) اكتراء ( مسلم ) ولو رقيقا ( لنحو جهاد ) مما لا ينضبط كالقضاء والتدريس والإعادة إلا في مسائل معينة لتعذر ضبط ذلك ولأنه في الجهاد إذا حضر الصف تعين عليه بخلاف عبادة لا يجب فيها نية وليست نحو جهاد كأذان وتجهيز ميت وتعليم قرآن فيصح الاكتراء لها نعم لا يصح الاكتراء لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قاله الماوردي ومثله زيارة سائر ما تسن زيارته وبخلاف عبادة تجب فيها نية وتقبل النيابة كحج وعمرة وزكاة وكفارة فيصح الاكتراء لها كما علم من أبوابها وقولي فيها نية أولى من قوله لها نية وقولي ولم تقبل نيابة أولى من قوله إلا حج وتفرقة زكاة ونحو من زيادتي
( ولا ) اكتراء ( بستان لثمره ) لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة قصدا بخلافها تبعا كما في الاكتراء للإرضاع وسيأتي وهذا خرج بقولي لا تتضمن استيفاء عين قصدا والتصريح بكل منهما من زيادتي
( وصح تأجيلها ) أي المنفعة ( في إجارة ذمة ) كألزمت ذمتك حمل كذا إلى مكة غرة شهر كذا كالسلم المؤجل
( لا ) في إجارة ( عين ) فلا يصح الاكتراء لمنفعة قابلة كإجارة دار سنة أولها من الغد كبيع العين على أن يسلمها غدا
( و ) لكن ( صح كراؤها لمالك منفعتها مدة تلي مدته ) لاتصال المدتين فدخل في ذلك ما لو أجرها لزيد مدة فأجرها زيد لعمرو تلك المدة فيصح إيجارها مدة تليها من عمر ولأنه
____________________
(1/424)
المالك لمنفعتها لا من زيد خلافا للقفال وكلام الأصل يوافقه فتعبيري بمالك المنفعة أولى من تعبيره بالمستأجر
( و ) صح ( كراء العقب ) أي النوب ( بأن يؤجر دابة لرجل ليركبها بعض الطريق ) أي والمؤجر يركبها البعض الآخر تناوبا ( أو ) يؤجرها ( رجلين ليركب كل ) منهما ( زمنا ) تناوبا ( ويبين البعضين ) في الصورتين إن لم تكن عادة ثم يقتسم المكتري والمكري في الأولى أو المكتريان في الثانية الركوب على الوجه المبين أو المعتاد كفرسخ وفرسخ ويوم ويوم وليس لأحدهما طلب الركوب ثلاثة والمشي ثلاثة للمشقة وصح ذلك مع اشتماله على إيجار زمن مستقبل لأن التأخير الواقع فيه من ضرورة القسمة فإن لم يبين البعضين ولا عادة كأن قال المكري اركبها زمنا ويركبها المكتري زمنا لم يصح ولو أجرها لاثنين وسكت عن التعاقب صح إن احتملت ركوبهما جميعا وإلا فيرجع للمهايأة قاله المتولي فإن تنازعا فيمن يركب أولا أقرع بينهما وكذا يصح إيجار الشخص نفسه ليحج عن غيره إجارة عين قبل وقت الحج إن لم يتأت الإتيان به من بلد العقد إلا بالسير قبله وكان بحيث يتهيأ للخروج عقبه وإيجار دار مشحونة بأمتعة يمكن نقلها في زمن يسير لا يقابل بأجرة
( وتقدر ) المنفعة ( بزمن كسكنى ) لدار مثلا ( وتعليم ) لقرآن مثلا ( سنة وبمحل عمل ) وهو المراد بقوله بعمل ( كركوب ) لدابة ( إلى مكة وتعليم معين ) من قرآن أو غيره كسورة طه
( وخياطة ذا الثوب ) فلو قال لتخيط لي ثوبا لم يصح بل يشترط أن يبين ما يريد من الثوب من قميص أو غيره وأن يبين نوع الخياطة أهي رومية أم فارسية إلا أن تطرد عادة بنوع فيحمل المطلق عليه ( لا بهما ) أي بالزمن ومحل العمل ( كاكتريتك لتخيطه النهار ) لأن العمل قد يتقدم وقد يتأخر نعم إن قصد التقدير بالمحل وذكر النهار للتعجيل فينبغي أن يصح ويصح أيضا فيما إذا كان الثوب صغيرا مما يفرغ عادة في دون النهار كما ذكره السبكي وغيره بل نص عليه الشافعي في البويطي وقال إنه أفضل من عدم ذكر الزمن
( ويبين في بناء ) أي في اكتراء شخص للبناء على محل أرضا كان أو غيرها ( محله وقدره ) طولا وعرضا وارتفاعا ( وصفته ) من كونه منضدا أو مجوفا أو مسما بحجر أو لبن أو آجر أو غيره
( إن قدر بمحل ) للعمل لاختلاف الغرض بذلك فإن قدر بزمن لم يحتج إلى بيان غير الصفة وذكر بعضهم ما يخالف ذلك فاحذره ولو اكترى محلا للبناء عليه اشترط بيان الأمور المذكورة أيضا إن كان على غير أرض كسقف وإلا فغير الارتفاع والصفة لأن الأرض تحمل كل شيء بخلاف غيرها وتعبيري بالصفة أعم من تعبيره بما يبنى به وظاهر أن محل ذلك فيما يبني به إذا لم يكن حاضرا وإلا فمشاهدته كافية عن وصفه
( و ) يبين ( في أرض صالحة لبناء وزراعة وغراس أحدها ) المكتري له منها لأن ضررها اللاحق للأرض مختلف ( ولو بدون ) بيان
____________________
(1/425)
( إفراده ) كأن يقول أجرتكها للزراعة فيصح ويزرع ما شاء لأن ضرر اختلاف الزرع يسير وتعبيري بما ذكر سالم مما أوهمه كلامه من اشتراط بيان إفراد البناء والغراس
( ولو قال لتنتفع بها ما شئت أو إن شئت فازرع أو اغرس صح ) ويصنع في الأولى ما شاء وفي الثانية ما شاء من زرع أو غرس لرضا المؤجر به
( وشرط في إجارة دابة لركوب ) إجارة عين أو ذمة ( معرفة الراكب وما يركب عليه ) من نحو محمل وقتب وسرج ( و ) الحالة أنه ( لم يطرد ) فيه ( عرف ) وفحش تفاوته ( وهو ) أي ما يركب عليه ( له ) أي للراكب ( و ) معرفة ( معاليق ) كسفرة وقدر وصحن وإبريق ( شرط حملها برؤية ) للثلاثة ( أو وصف تام ) لها ( مع وزن الأخيرين ) فإن اطرد فيما يركب عليه عرف أو لم يكن للراكب فلا حاجة إلى معرفته ويحمل في الأولى على العرف ويركبه المؤجر في الثانية على ما يلزمه مما يأتي وقولي ولم يطرد عرف مع اعتبار الوزن في الأخيرين من زيادتي
( فإن لم يشرط ) حمل المعاليق ( لم يستحق ) ببنائه مع شرط للمفعول أي حملها لاختلاف الناس فيه
( و ) شرط ( في إجارة ) دابة إجارة ( عين ) لركوب أو حمل مع قدرتها على ذلك ( رؤية الدابة ) كما في البيع
( و ) شرط ( في ) إجارتها إجارة ( ذمة لركوب ذكر جنس ) لها كإبل أو خيل
( ونوع ) كبخاتي أو عراب ( وذكروة أو أنوثة وصفة سير ) لها من كونها مهملجة أو بحرا أو قطوفا لأن الأغراض تختلف بذلك ووجهه في الثالثة أن الذكر أقوى والأنثى أسهل والأخيرة من زيادتي
( و ) شرط ( فيهما ) أي في إجارة العين والذمة ( له ) أي للركوب ( ذكر قدر سرى ) وهو السير ليلا وهذا من زيادتي
( أو ) قدر ( تأويب ) وهو السير نهارا ( حيث لم يطرد عرف ) فإن اطرد عرف حمل ذلك عليه فإن شرط خلافه اتبع
( و ) شرط في إجارة العين والذمة ( لحمل رؤية محمول ) إن حضر ( أو امتحانه بيد ) كذلك كأن كان بظرف أو حجر أو في ظلمة تخمينا لوزنه ( أو تقديره ) حضر أو غاب بكيل في مكيل ووزن في موزون أو مكيل والتقدير بالوزن في كل شيء أولى وأخصر
( وذكر جنس مكيل ) لاختلاف تأثيره في الدابة كما في الملح والذرة وخرج بزيادتي مكيل الموزون فلا يشترط ذكر جنسه فلو قال أجرتكها لتحمل عليها مائة رطل ولو بدون مما شئت صح ويكون رضا منه بأضر الأجناس ولو قال عشرة أقفزة مما شئت فالمفهوم من كلام أبي الفرج السرخسي أنه لا يغني عن ذكر الجنس لاختلاف الأجناس
____________________
(1/426)
في الثقل مع الاستواء في الكيل قال الرافعي لكن يجوز أن يجعل ذلك رضا بأثقل الأجناس كما جعل في الوزن رضا بأضر الأجناس قال في الروضة الصواب قول السرخسي والفرق ظاهر بأن اختلاف التأثير بعد الاستواء في الوزن يسير بخلاف الكيل وأين ثقل الملح من ثقل الذرة ( و ) شرط ( في ) إجارة ( ذمة لحمل نحو زجاج ) كخزف ( ذكر جنس دابة وصفتها ) صيانة له وفي معنى ذلك كما قال القاضي أن يكون بالطريق وحل أو طين أما لحمل غيره فلا يشترط ذلك بخلاف ما مر في إجارة الذمة للركوب لأن المقصود هنا تحصيل المتاع في الموضع المشروط فلا يختلف الغرض بحال حامله
( وتصح ) الإجارة ( لحضانة ولإرضاع ولا يتبع أحدهما الآخر ) في الإجارة لإفراد كل منهما بالعقد
( و ) تصح ( لهما ) معا ولا يقدر ذلك بالمحل بل بالزمن ويجب تعيين الرضيع بالرؤية لاختلاف الغرض باختلاف حاله وتعيين محل الإرضاع من بيت المكتري أو بيت المرضعة لاختلاف الغرض بذلك فهو في بيتها أسهل عليها وببيته أشد وثوقا به
( فإن انقطع اللبن ) في الإجارة لهما ( انفسخ ) العقد ( في الإرضاع ) دون الحضانة عملا بتفريق الصفقة ولأن كلا منهما مقصود فيسقط قسط الإرضاع من الأجرة
( والحضانة ) الكبرى ( تربية صبي ) أي جنسه الصادق بالذكر وغيره ( بما يصلحه ) كتعهده بغسل جسده وثيابه ودهنه وكحله وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحوها مما يحتاجه والإرضاع ويسمى الحضانة الصغرى أن تلقمه بعد وضعه في حجرها مثلا الثدي وتعصره عند الحاجة والمستحق بالإجارة المنفعة واللبن تبع
فصل فيما يجب بالمعنى الآتي على المكري والمكتري لعقار أو دابة ( عليه ) أي على المكري ( تسليم مفتاح دار ) معها ( لمكتر وعمارتها ) كبناء وتطيين سطح ووضع باب وميزاب وإصلاح منكسر
( وكنس ثلج سطحها ) ليتمكن من الانتفاع بها وسواء في وجوب تسليم المفتاح الابتداء والدوام حتى لو ضاع من المكتري وجب على المكري تجديده والمراد بالمفتاح مفتاح الغلق المثبت أما غيره فلا يجب تسليمه بل ولا قفله كسائر المنقولات قال ابن الرفعة وما قالوه في ثلج السطح محله في دار لا ينتفع ساكنها بسطحها
____________________
(1/427)
كما لو كانت جملونات وإلا فيظهر أنه كالعرصة وسيأتي حكمها وليس المراد بكون ما ذكر واجبا على المكري أنه يأثم بتركه أو أنه يجبر عليه بل إنه إن تركه ثبت للمكتري الخيار كما بينته بقولي
( فإن بادر ) وفعل ما عليه فذاك ( وإلا فلمكتر خيار ) إن نقصت المنفعة لتضرره بنقصها نعم إن كان الخلل مقارنا للعقد وعلم به فلا خيار له كما جزم به في أصل الروضة وذكر الخيار في غير العمارة من زيادتي
( وعليه ) أي على المكتري ( تنظيف عرصتها ) أي الدار ( من ثلج وكناسة ) أما الكناسة وهي ما يسقط من القشور والطعام ونحوهما فلحصولها بفعله وأما الثلج فللتسامح بنقله عرفا قال في الروضة فيه وليس المراد أنه يلزم المكتري نقله بل المراد أنه لا يلزم المؤجر وكذا التراب المجتمع بهبوب الرياح لا يلزم واحدا منهما انتهى
( وعلى مكر دابة لركوب ) في إجارة عين أو ذمة عند الإطلاق ( إكاف ) وهو ما تحت البرذعة كما مر مع ضبطه في خيار العيب
( وبرذعة ) بفتح الباء والذال معجمة ومهملة
( وحزام وثفر ) بمثلثة ( وبرة ) بضم الباء وتخفيف الراء حلقة تجعل في أنف البعير
( وخطام ) بكسر الخاء المعجمة أي زمام يجعل في الحلقة وذلك لأنه لا يتمكن من الركوب بدونها
( وعلى مكتر محمل ) وتقدم في الصلح ضبطه
( ومظلة ) يظلل بها على المحمل
( ووطاء وغطاء ) بكسر أولهما والوطاء ما يفرش في المحمل ليجلس عليه
( وتوابعها ) كالحبل الذي يشد به المحمل على الجمل أو أحد المحملين إلى الآخر وهما على الأرض
( ويتبع في نحو سرج وحبر وكحل ) كقتب وخيط وصبغ وطلع ( وعرف مطرد ) في محل الإجارة لأنه لا ضابط له في الشرع ولا في اللغة فمن اطرد في حقه من العاقدين شيء من ذلك فهو عليه فإن لم يكن عرف أو اختلف العرف في محل الإجارة وجب البيان ولا يخالف ما ذكر في السرج ما مر في البرذعة من أنها على المكري لأن العرف اطرد فيها فوجد أنها عليه فإن اضطرب العرف وجب البيان وتعبيري بما ذكر أعم من تعبيره بما ذكره
( وعلى مكر في إجارة ذمة ظرف محمول وتعهد دابة وإعانة راكب محتاج ) الإعانة ( في ركوبه ) لها ( ونزوله ) عنها ويراعى العرف في كيفية الإعانة فينيخ البعير للمرأة والضعيف بمرض أو شيخوخة ويقرب الدابة من مرتفع ليسهل عليه الركوب
( و ) عليه ( رفع حمل وحطه وشد محمل ) ولو بأن يشد أحد المحملين إلى الآخر وهما على الأرض
( وحله ) لاقتضاء العرف ذلك أما في إجارة العين فليس عليه شيء من ذلك
____________________
(1/428)
فصل في بيان غاية الزمن الذي تقدر المنفعة به تقريبا مع ما يذكر معها ( تصح الإجارة مدة تبقى فيها العين ) المؤجرة ( غالبا ) فيؤجر الرقيق والدار ثلاثين سنة والدابة عشر سنين والثوب سنة أو سنتين على ما يليق به والأرض مائة سنة أو أكثر
( وجاز إبدال مستوف ومستوفى به كمحمول ) من طعام وغيره فإن شرط عدم إبدال المحمول اتبع
( و ) مستوفى ( فيه ) كأن اكترى دابة لركوب في طريق إلى قرية ( بمثلها ) أي بمثل المستوفي والمستوفى به والمستوفى فيه أو بدون مثلها المفهوم بالأولى أما الأول فكما لو أكرى ما اكتراه لغيره وأما الثاني والثالث فلأنهما طريقان للاستيفاء كالراكب لا معقود عليهما والتقييد بالمثل في الثانية مع ذكر الثالثة من زيادتي فلا يبدل شيء من ذلك بما فوقه فلا يسكن غير حداد وقصار حدادا أو قصارا لزيادة الضرر بدقهما والاستيفاء يكون بالمعروف فيلبس الثوب نهارا وليلا إلى النوم فلا ينام فيه ليلا ويجوز النوم فيه نهارا وقت القيلولة نعم عليه نزع الأعلى في غير وقت التجمل
( لا ) إبدال ( مستوفى منه ) كدابة فلا يجوز لأنه إما معقود عليه أو متعين بالقبض ( إلا في إجارة ذمة فيجب ) إبداله ( لتلف أو تعيب ويجوز مع سلامة ) منهما ( برضا مكتر ) لأن الحق له والتصريح بوجوب الإبدال في التالف وجوازه في السالم مع تقييده برضا المكتري من زيادتي
( والمكتري أمين ) على العين المكتراه لأنه لا يمكن استيفاء حقه إلا بوضع اليد عليها وهذا أعم من قوله ويد المكتري على الدابة والثوب يد أمانة
( ولو بعد المدة ) أي مدة الإجارة إن قدرت بزمن أومدة إمكان الاستيفاء إن قدرت بمحمل عمل استصحابا لما كان كالوديع
( كأجير ) فإنه أمين ولو بعد المدة
( فلا ضمان ) على واحد منهما فلو اكترى دابة ولم ينتفع بها فتلفت أو اكتراه لخياطة ثوب أو صبغه فتلف لم يضمن سواء انفرد الأجير باليد أم لا كأن قعد المكتري معه حتى يعمل أو أحضره منزله ليعمل كعامل القراض
( إلا بتقصير كأن ترك الانتفاع بالدابة فتلفت بسبب ) كانهدام سقف اصطبلها عليها ( في وقت ولو انتفع بها ) فيه عادة ( سلمت وكأن ضربها أو نخعها ) باللجام ( فوق عادة ) فيهما ( أو أركبها أثقل منه أو أسكنه ) أي ما اكتراه ( حدادا أو قصارا ) دق وليس هو كذلك ( أو حملها ) أي الدابة ( مائة رطل شعير بدل
____________________
(1/429)
مائة ) رطل ( برأ وعكسه أو ) حملها ( عشرة أقفزة بر بدل ) عشرة أقفزة ( شعير ) فيضمن العين أي يصير ضامنا لها لتعديه
( لا عكسه ) بأن حملها عشرة أقفزة شعير بدل عشرة أقفزة بر لخفة الشعير مع استوائهما في الحجم وكأن أسرف الخباز في الوقود حتى احترق الخبز
( ولا أجرة لعمل ) كخلق رأس وخياطة ثوب ( بلا شرطها ) أي الأجرة وإن عرف بذلك العمل بها لعدم التزامها مع صرف العامل منفعته بخلاف داخل الحمام بلا إذن فإنه استوفى منفعة الحمام بسكونه وبخلاف عامل المساقاة إذا عمل ما ليس عليه بإذن المالك فإنه يستحق الأجرة للإذن في أصل العمل المقابل بعوض
( ولو اكترى ) دابة ( لحمل قدر ) كمائة رطل ( فحمل زائدا ) لا يتسامح به كمائة وعشرة ( لزمه أجرة مثله ) أي الزائد لتعديه بذلك وتعبيري في هذه والتي قبلها بما ذكر أعم مما عبر به
( وإن تلفت ) بذلك أو بغيره فهو أولى من قوله تلفت بذلك ( ضمنها إن لم يكن صاحبها معها ) لأنه صار غاصبا لها بتحميل الزائد
( وإلا ) بأن كان معها ( ضمن قسط الزائد إن تلفت بالحمل ) مؤاخذة له بقدر الجناية
( كما لو سلم ) المكتري ( ذلك للمكري فحمله جاهلا ) بالزائد بأن أخبره بأنه مائة كاذبا فتلفت الدابة به فإنه يضمن مع أجرة الزائد قسطه لأنه ملجأ إلى الحمل شرعا فلو حملها عالما بالزائد وقال له المكتري احمل هذا الزائد قال المتولي فكمستعير له وإن لم يقل له شيئا فحكمه كما في قولي ( ولو وزن المكري وحمل فلا أجرة للزائد ) لعدم الإذن في نقله ( ولا ضمان ) للدابة إن تلفت بذلك سواء أغلط المكري أم لا وسواء أجهل المكتري الزائد أم علمه وسكت لأنه لم يتعد ولا يد له ولو تلف الزائد ضمنه المكري
( ولو قطع ثوبا وخاطه قباء وقال بذا أمرتني فقال ) المالك ( بل ) أمرتك بقطعه ( قميصا حلف المالك ) فيصدق كما لو اختلفا في أصل الإذن فيحلف إنه ما أذن له في قطعه قباء
( ولا أجرة ) عليه إذا حلف
( وله ) على الخياط ( أرش ) لنقص الثوب لأن القطع بلا إذن موجب للضمان وفيه وجهان في الروضة كأصلها بلا ترجيح أحدهما أنه ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا وصححه ابن أبي عصرون وغيره لأنه أثبت بيمينه أنه لم يأذن في قطعه قباء
والثاني ما بين قيمته مقطوعا قميصا ومقطوعا قباء واختاره السبكي وقال لا يتجه غيره لأن أصل القطع مأذون فيه وعلى هذا لو لم يكن بينهما تفاوت أو كان مقطوعا قباء أكثر قيمة فلا شيء عليه
____________________
(1/430)
فصل فيما يقتضي الانفساخ والخيار في الإجارة وما لا يقتضيهما ( تنفسخ ) الإجارة ( بتلف مستوفى منه معين ) في العقد حسا كان التلف كدابة وأجير معينين ماتا ودار انهدمت أو شرعا كامرأة اكتريت لخدمة مسجد مدة فحاضت فيها ( في ) زمان ( مستقبل ) لفوات محل المنفعة فيه لا في ماض بعد القبض بعد إذا كان لمثله أجرة لاستقراره به فيستقر قسطه من المسمى باعتبار أجرة المثل فلو كانت مدة الإجارة سنة ومضى نصفها وأجرة مثله مثلا أجرة النصف الباقي وجب من المسمى ثلثاه وإن كان بالعكس فثلثه وخرج بالمستوفي منه غيره مما مر وبالمعين عما في الذمة فإن تلفهما لا يوجب انفساخا بل يبدلان كما مر ( و ) تنفسخ ( بحبس غير مكتر له ) أي للمعين ( مدة حبسه إن قدرت بمدة ) سواء أحبسه المكري أم غيره كغاصب لفوات المنفعة قبل القبض وذكر حكم غير المكري من زيادتي وقولي بتلف مستوفى منه معين مع قولي له مدة حبسه أعم مما عبر به في التلف والحبس ومن تقييده الحبس بمضي مدة الإجارة وخرج بالتقدير بالمدة التقدير بالمحل كأن أجر دابة لركوبها إلى مكان وحبست مدة إمكان السير إليه فلا تنفسخ إذ لم يتعذر استيفاء المنفعة
( لا بموت عاقد من حيث إنه عاقد ) للزومها كالبيع سواءا كانت إجارة عين أم ذمة وتعبيري بالحيثية أولى مما عبر به وخرج بها ما لو مات نحو البطن الأول أو الموصى له بمنفعة شيء مدة حياته بعد إيجاره والنظر في الأول لكل بطن في حصته مدة استحقاقه فتنفسخ بموته الإجارة لا لكونه موت عاقد بل لفوات شرط الواقف أو الموصي حينئذ فإنه لم يثبت له الحق إلا مدة حياته وكذا لو أجره الناظر ولوحا كما للبطن الثاني فمات البطن الأول لانتقال المنافع إليه والشخص لا يستحق لنفسه على نفسه شيئا وكذا لو أجر من يعتق بموته كمستولدته ثم مات لاستحقاقه العتق قبل إجارته
( ولا ببلوغ بغير سن ) أي باحتلام أو غيره كأن أجره مدة لا يبلغ فيها بالسن فبلغ فيها
____________________
(1/431)
بغيره لأن وليه بنى تصرفه فيه على المصلحة فلزم فلو كانت المدة يبلغ فيها بالسن لم تصح الإجارة فيما بعد البلوغ به نعم إن بلغ سفيها صحت فيه وتعبيري بما ذكر أعم مما عبر به
( ولا بزيادة أجرة ولا بظهور طالب بها ) أي بالزيادة عليها ولو كانت إجارة عين وقف لجريانها بالغبطة في وقتها كما لو باع مال موليه ثم زادت القيمة أو ظهر طالب بالزيادة عليها وهاتان ذكرهما الأصل في كتاب الوقف وإن صورهما بإجارة الموقوف
( ولا بإعتاق رقيق ) كما في البلوغ بغير السن
( ولا يرجع ) على سيده ( بأجرة ) لما بعد العتق لأنه تصرف فيه حالة ملكه فأشبه ما لو زوج أمته واستقر مهرها بالدخول ثم أعتقها لا ترجع عليه بشيء وخرج بإعتاقه عتقه كأن علق عتقه بصفة ثم آجره فوجدت الصفة فتنفسخ الإجارة لاستحقاقه العتق قبلها
( ولا خيار ) لأحد في هذه المنفيات لأن ما ذكر فيها لا يؤثر في المنفعة ولا في العقد نعم إن مات المكري في إجارة ذمة ولم يخلف وفاء وامتنع وارثه من الإيفاء فللمكتري الخيار وذكر هذا في غير الإعتاق من زيادتي
( ولا ) تنفسخ ( ببيع ) العين ( المؤجرة ) للمكتري أو لغيره ولو بغير إذن المكتري ولا يؤثر طر وملك الرقبة وإن تبعته المنافع لولا ملكها أولا كما لو ملك ثمرة غير مؤبرة ثم اشترى الشجرة لا يؤثر طر وملكها في ملك الثمرة وإن دخلت في الشراء لولا ملكها أولا
( ولا بعذر ) في غير المعقود عليه ( كتعذر وقود حمام ) على مكتريه بفتح الواو ما يوقد به وبضمها المصدر
( وسفر ) لمكتر دارا مثلا
( ومرض ) لمكتر دابة ليسافر عليها
( وهلاك زرع ) ولو بجائحة كشدة حر أو برد أو سيل لأن كلا منهما لا يؤثر في المعقود عليه ولهذا لا يحط للجائحة شيء من الأجرة كما صرح به الأصل
( وخير ) المكتري ( في إجارة عين بعيب ) يؤثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت الأجرة
( كانقطاع ماء أرض اكتريت لزراعة وعيب دابة ) مؤثر ( وغصب وإباق ) للشيء المكتري فإن بادر المكري إلى إزالة ذلك كسوق ماء إلى الأرض وانتزاع المغصوب ورد الآبق قبل مضي مدة لمثلها أجرة سقط خيار المكتري وتنفسخ الإجارة شيئا فشيئا في الأخيرتين إن قدرت بزمن وإلا فلا تنفسخ وقولي بعيب مع جعل المذكورات أمثلة له أولى من اقتصاره عليها وخرج بالتقييد بإجارة العين وهو من زيادتي في الأخيرتين إجارة الذمة فلا خيار فيها بذلك بل على المكري الإبدال كما مر فإن امتنع اكترى الحاكم عليه وبانقطاع ماء الأرض نحو غرقها بماء ولم يتوقع انحساره عنها مدة الإجارة فتنفسخ به كانهدام الدار والخيار فيما ذكر على التراخي لأن سببه تعذر قبض المنفعة وذلك يتكرر بتكرر الزمن
( ولو أكرى جمالا ) ولو في ذمة ( وسلمها وهرب ) فلا انفساخ ولا خيار بل إن شاء تبرع
____________________
(1/432)
بمؤنتها أو ( مونها القاضي من مال مكر ثم ) إن لم يجد له مالا ولا فضل فيها ( اقترض ) عليه القاضي ودفع ما اقترضه لثقة من المكتري أو غيره
( ثم ) إن تعذر الاقتراض أو لم يره القاضي ( باع منها قدر مؤنتها وله أن يأذن لمكتر في مؤنتها ) من ماله ( ليرجع ) للضرورة ويصدق بيمينه في قدرها عادة ويدخل في مؤنتها مؤنة من يتعهدها ولو هرب مكريها بها فإن كانت الإجارة في الذمة اكترى القاضي عليه من ماله فإن لم يجد له مالا اقترض عليه القاضي واكترى فإن تعذر الاكتراء عليه فللمكتري الفسخ وإن كانت إجارة عين فله الفسخ كما لو ندت الدابة وتعبيري بثم الثانية هو الموافق لما في الروضة وأصلها بخلاف تعبيره بالواو
____________________
(1/433)
كتاب إحياء الموات وما يذكر معه
والأصل فيه قبل الإجماع أخبار كخبر من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها رواه البخاري وخبر من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر ومأ أكلت العوافي أي طلاب الرزق منها فهو له صدقة رواه النسائي وغيره وصححه ابن حبان وهو سنة لذلك والموات أخذ مما يأتي أرض لم تعمر في الإسلام ولم تكن حريم عامر
( ما لم يعمر إن كان ببلادنا ملكه مسلم ) و لو غير مكلف ( بإحياء ولو بحرم ) أذن فيه الإمام أم لا بخلاف الكافر وإن أذن فيه الإمام لأنه كالاستعلاء وهو ممتنع عليه بدارنا كما سيأتي وللذمي والمستأمن الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد بدارنا وقولي ملكه أولى من قوله تملكه لإيهامه اشتراط التكليف وليس مرادا
( لا عرفة ومزدلفة ومنى ) لتعلق حق الوقوف بالأول والمبيت بالأخيرين قال الزركشي وينبغي إلحاق المحصب بذلك لأنه يسن للحجيج المبيت به
( أو ) كان ( ببلاد كفار ملكه كافر به ) أي بالإحياء لأنه من حقوقهم ولا ضرر علينا فيه
( وكذا ) يملكه ( مسلم ) بإحيائه ( إن لم يذبونا ) بكسر المعجمة وضمها أي يدفعونا ( عنه ) بخلاف ما يذبونا عنه أي وقد صولحوا على أن الأرض لهم
( وما عمر ) وإن كان الآن خرابا فهو ( لمالكه ) مسلما كان أو كافرا
( فإن جهل ) مالكه ( والعمارة إسلامية فمال ضائع ) الأمر فيه إلى رأي الإمام في حفظه أو بيعه وحفظ ثمنه أو اقتراضه على بيت المال إلى ظهور مالكه
( أو جاهلية فيملك بإحياء ) كالركاز نعم إن كان ببلادهم وذبونا عنه وقد صولحوا على أنه لهم فظاهر أنا لا نملكه بإحياء ( ولا يملك به ) أي بالإحياء ( حريم عامر ) لأنه مملوك لمالك العامر تبعا له
( وهو ) أي حريم العامر ( ما يحتاج إليه لتمام انتفاع ) بالعامر ( ف ) الحريم ( لقرية ) محياة ( ناد ) وهو مجتمع القوم للحديث ( ومرتكض ) لخيل أو نحوها فهو أعم من قوله ومرتكض الخيل
( ومناخ إبل ) بضم الميم أي الموضع الذي تناخ فيه
( ومطرح رماد ) وسرجين ( ونحوها ) كمراح غنم وملعب صبيان
( و ) الحريم ( لبئر استقاء ) محياة ( موضع نازح ) منها ( و ) موضع ( دولاب ) بضم الدال
____________________
(1/434)
أشهر من فتحها إن كان الاستقاء به وهو يطلق على ما يستقي بالنازح وما يستقي به بالدابة
( ونحوهما ) كالموضع الذي يصب فيه النازح الماء ومتردد الدابة إن كان الاستقاء بها والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج من مصب الماء ونحوه وقولي ونحوهما أعم مما عبر به
( و ) الحريم لبئر ( قناة ) محياة ( ما لو حفر فيه نقص ماؤها أو خيف انهيارها ) أي سقوطها ويختلف ذلك بصلابة الأرض ورخاوتها ولا يحتاج إلى موضع نازح ولا غيره مما مر في بئر الاستقاء
( و ) الحريم ( لدار ممر وفناء ) لجدرانها وهو من زيادتي
( ومطرح نحو رماد ) ككناسة وثلج وحذفت من حريم البئر والدار قوله في الموات لأنه لا يكون إلا فيه أي بجواره كما يؤخذ من قولي كالأصل
( ولا حريم لدار محفوفة بدور ) بأن أحييت كلها معا لأن ما يجعل حريما لها ليس بالأولى من جعله حريما لأخرى
( ويتصرف كل ) من الملاك ( في ملكه بعادة ) وإن أدى إلى ضرر جاره أو إتلاف ماله كمن حفر حريما الأخرى
( ويتصرف كل ) من الملاك ( في ملكه بعادة ) وإن أدى إلى ضرر جاره أو إتلاف ماله كمن حفر بئر ماء أوحش فاختل به جدار جاره أو تغير بما في الحش ماء بئره
( فإن جاوزها ) أي العادة فيما ذكر ( ضمن ) بما جاوز فيه كأن دق دقا عنيفا أزعج الأبنية أو حبس الماء في ملكه فانتشرت النداوة إلى جدار جاره
( وله أن يتخذه ) أي ملكه ولو بحوانيت بزازين ( حماما وإصطبلا ) وطاحونة ( وحانوت حداد إن أحكم جدرانه ) أي كل منها بما يليق بمقصوده لأن ذلك لا يضر الملك وإن ضر المالك بنحو رائحة كريهة
( ويختلف الإحياء ب ) حسب ( الغرض ) منه ( ف ) يعتبر ( في مسكن تحويط ) للبقعة بآجر أو لبن أو طين أو ألواح خشب أو قصب بحسب العادة
( ونصب باب وسقف بعض ) من البقعة ليتهيأ للسكنى
( وفي زريبة ) للدواب وغيرها كثمار وغلال ( الأولان ) أي التحويط ونصب الباب لا السقف عملا بالعادة ولا يكفي التحويط بنصب سعف أو أحجار من غير بناء وإطلاق الزريبة أولى من تقييده لها بالدواب
( وفي مزرعة ) بفتح الراء أفصح من ضمها وكسرها
( جمع نحو تراب ) كقصب وحجر وشوك ( وحولها ) لينفصل المحيا عن غيره ونحو من زيادتي
( وتسويتها ) بضم منخفض وكسح مستعل ويعتبر حرثها إن لم تزرع إلا به فإن لم يتيسر إلا بما يساق إليها فلا بد منه لتتهيأ للزراعة
( وتهيئة ماء ) لها بشق ساقية من نهر أو حفر بئر أو قناة ( إن لم يكفها مطر ) معتاد وإلا فلا حاجة إلى تهيئة ماء فلا تعتبر الزراعة لأنها استيفاء منفعة وهو خارج عن الإحياء
( وفي بستان تحويط ولو بجمع تراب ) حول أرضه ( وتهيئة ماء ) له بحسب ( عادة ) فيهما وهو في الثانية من زيادتي
( وغرس ) ليقع على
____________________
(1/435)
الأرض اسم البستان وبهذا فارق اعتبار الزرع في المزرعة ويكفي غرس بعضه كما صححه في البسيط قال الأذرعي والوجه اعتبار غرس يسمى به بستانا وكلام الأصل قد يقتضي اشتراط الجمع بين التحويط وجمع التراب وليس مرادا
( ومن شرع في إحياء ما يقدر عليه ) أي على إحيائه ولم يزد على كفايته ( أو نصب عليه علامة ) كنصب أحجار أو غرز خشب أو جمع تراب فتعبيري بالعلامة أولى من قوله أو علم على بقعة بنصب أحجار أو غرز خشب
( أو قطعه له إمام ) أو استولى عليه من موات بلاد الكفار
( فمتحجر ) لذلك القدر ( وهو أحق به ) أي مستحق له دون غيره لخبر أبي داود من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له أي اختصاصا لا ملكا
( و ) لكن ( لو أحياه آخر ملكه ) وإن كان ظالما لأنه حقق الملك كما لو اشترى على سوم غيره فعلم أن الأول لا يصح بيعه له أما ما لا يقدر على إحيائه أو زاد على كفايته فلغيره أن يحيي الزائد قاله المتولي وقال غيره لا يصح تحجره لأن ذلك القدر غير متعين قال في الروضة قول المتولي أقوى
( ولو طالت ) عرفا ( مدة تحجره ) بلا عذر ولم يحيي ( قال له الإمام أحي أو اترك ) ما حجرته لأن في ترك إحيائه إضرارا بالمسلمين
( فإن استمهل ) بعذر ( أمهل مدة قريبة ) ليستعد فيها للعمارة يقدرها الإمام برأيه فإذا مضت ولم يشتغل بالعمارة بطل حقه
( ولإمام ) ولو بنائبه ( أن يحمى لنحو نعم جزية ) كضالة ونعم صدقة وفيء وضعيف عن النجعة أي الأبعاد في الذهاب
( مواتا ) لرعيها فيه وذلك بأن يمنع الناس من رعيها ولم يضر بهم لأنه صلى الله عليه وسلم حمى النقيع بالنون لخيل المسلمين رواه ابن حبان وخرج بالإمام الآحاد وبنحو نعم جزية وهو أعم مما عبر به ما لو حمى لنفسه فلا يجوز لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وإن لم يقع وعليه يحمل خبر البخاري لا حمى إلا الله ولرسوله ولو وقع كان لمصالح المسلمين أيضا لأن ما كان مصلحة له كان مصلحة لهم وليس للإمام أن يحمي الماء المعد لشرب نحو نعم الجزية
( و ) له أن ( ينقض حماه لمصلحة ) أي عندها بأن ظهرت المصلحة فيه بعد ظهورها في الحمى وله نقض حمى غيره أيضا لمصلحة إلا حمى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يغير بحال
فصل في بيان حكم المنافع المشتركة ( منفعة الشارع ) الأصلية ( مرور ) فيه ( وكذا جلوس ) ووقوف ولو بغير إذن الإمام ( لنحو
____________________
(1/436)
حرفة ) كاستراحة وانتظار رفيق ( إن لم يضيق ) على المارة فيه عملا بما عليه الناس بلا إنكار ولا يؤخذ على ذلك عوض وفي ارتفاق الذمي بالشارع بجلوس ونحوه وجهان رجح منهما السبكي وغيره ثبوته
( وله ) أي للجالس فيه ( تظليل ) لمقعده ( بما لا يضر ) المارة مما ينقل معه من نحو ثوب وبارية بالتشديد وهي منسوج قصب كالحصير لجريان العادة به
( وقدم سابق ) إلى مقعد لخبر أبي داود السابق
( ثم ) إن لم يكن سابق كأن جاء اثنان إليه معا ( أقرع ) بينهما إذ لا مزية لأحدهما على الآخر نعم إن كان أحدهما مسلما فهو أحق به
( ومن سبق إلى محل منه لحرفة وفارقه ليعود ) إليه ( ولم تطل مفارقته بحيث انقطع ) عنه ( ألافه ) لمعاملة أو لنحوها ( فحقه باق ) لخبر مسلم من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به ولأن الغرض من تعين الموضع أن يعرف به فيعامل فإن فارقه لا ليعود بل لتركه الحرفة أو المحل أو فارقة ليعود وطالت مفارقته بحيث انقطع ألافه بطل حقه لإعراضه عنه وإن ترك فيه متاعة أو كان جلوسه فيه بإقطاع الإمام أو فارقه بعذر كسفر أو مرض والظاهر أن مفارقته لا بقصد عود ولا عدمه كمفارقته بقصد عود ولو جلس لاستراحة أو نحوها بطل حقه بمفارقته ومتى لم يبطل حقه فلغيره القعود فيه مدة غيبته ولو لمعاملة
( أو ) سبق إلى محل ( من مسجد لنحو إفتاء ) كإقراء قرآن أو حديث أو علم متعلق بالشرع أو سماع درس بين يدي مدرس ( فكمحترف ) فيما مر من التفصيل وتعبيري بنحو إفتاء إعم مما عبر به
( أو ) سبق إلى محل منه ( لصلاة وفارقه بعذر ) كقضاء حاجة أو تجديد وضوء أو إجابة داع ( ليعود ) إليه ( فحقه باق في تلك الصلاة ) وإن لم يترك متاعه فيه لخبر مسلم السابق نعم إن أقيمت الصلاة في غيبته واتصلت الصفوف فالوجه سد الصف مكانه لحاجة إتمام الصفوف ذكره الأذرعي وغيره أما بالنسبة إلى غير تلك الصلاة فلا حق له فيه وخرج بما ذكر ما لو فارقه بلا عذر أو به لا ليعود فيبطل حقه مطلقا وما لو لم يفارق المحل فهو أحق به حتى لو استمر إلى وقت صلاة أخرى فحقه باق لخبر أبي داود السابق وإنما لم يستمر حقه مع المفارقة كمقاعد الشوارع لأن غرض المعاملة يختلف باختلاف المقاعد
بخلاف الصلاة ببقاع المسجد
( أو ) سبق إلى محل ( من نحو رباط ) مسبل كخانقاه وفيه شرط من يدخله
( وخرج ) منه ( لحاجة ) ولم تطل غيبته كشراء طعام ودخول حمام ( فحقه باق ) وإن لم يترك فيه متاعه أو لم يأذن له الإمام لخبر مسلم السابق بخلاف ما لو خرج لغير حاجة أو لحاجة وطالت غيبته فيبطل حقه
____________________
(1/437)
فصل في بيان حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض ( المعدن ) بمعنى ما يستخرج منها نوعان ظاهر وباطن فالمعدن ( الظاهر ما خرج بلا علاج ) وإنما العلاج في تحصيله ( كنفط ) بكسر النون أفصح من فتحها ما يرمى به
( وكبريت ) بكسر أوله ( وقار ) أي زفت
( وموميا ) بضم أوله بمد ويقصر وهو شيء يلقيه البحر إلى الساحل فيجمد ويصير كالقار
( وبرام ) بكسر أوله حجر يعمل منه القدور
( و ) المعدن ( الباطن بخلافه ) أي بخلاف الظاهر فهو ما لا يخرج إلا بعلاج
( كذهب وفضة وحديد ) ولقطعة ذهب مثلا أظهرها السيل حكم المعدن الظاهر
( ولا يملك ظاهر ) بقيد زدته بقولي ( علمه ) أي من يحيي ( بإحياء ) كما عليه السلف والخلف
( ولا الباطن بحفر ) لأنه يشبه الموات وهو إنما يملك بالعمارة وحفر المعدن تخريب
( ولا يثبت في ظاهر اختصاص بتحجر ) بل هو مشترك بين الناس كالماء الجاري والكلأ والحطب
( ولا ) يثبت فيه ( إقطاع ) لخبر ورد فيه فليس للإمام إقطاع سمك بركة ولا حشيش أرض ولا حطبها بخلاف الباطن فيثبت فيه ما ذكر لاحتياجه إلى علاج
( فإن ضاقا ) أي المعدنان عن اثنين مثلا جاء ( قدم سابق ) إلى بقعتيهما ( إن علم وإلا ) أي وإن لم يعلم السابق ( أقرع ) بينهما فيقدم من خرجت قرعته وتقديم من ذكر يكون ( بقدر حاجته ) بأن يأخذ ما تقتضيه عادة أمثاله فإن طلب زيادة عليها أزعج لأن عكوفه عليه كالتحجر وذكر عدم الملك بالإحياء وعدم الاختصاص بالتحجر وحكم الضيق من زيادتي في الباطن وقولي وإلا أعم من قوله فلو جاء معا
( ومن أحيا مواتا فظهر به أحدهما ملكه ) لأنه من أجزاء الأرض وقد ملكها بالإحياء وخرج بظهوره مالو علمه قبل الإحياء فإنه إنما يملك المعدن الباطن دون الظاهر كما رجحه ابن الرفعة وغيره وأقر النووي عليه صاحب التنبيه أما بقعتهما فلا يملكها بإحيائها مع علمه بها لفساد قصده لأن المعدن لا يتخذ دارا ولا بستانا ولا مزرعة أو نحوها وقولي أحدهما أولى من تعبيره بالمعدن الباطن وبعضهم قرر كلام الأصل بما لا ينبغي فاحذره
( والماء المباح ) كالنهر والوادي والسيل ( يستوي الناس فيه ) بأن يأخذ كل منهم ما يشاء منه لخبر الناس شركاء في ثلاثة في الماء والكلأ والنار رواه ابن ماجه بإسناد جيد
( فإن أراد قوم سقي أرضهم منه )
____________________
(1/438)
أي من الماء المباح
( فضاق ) الماء عنهم وبعضهم أحيا أو لا
( سقي الأول ) فالأول فيحبس كل منهم الماء ( إلى ) أن يبلغ ( الكعبين ) لأنه صلى الله عليه وسلم قضى بذلك رواه أبو داود بإسناد حسن والحاكم وصححه على شرط الشيخين
( ويفرد كل من مرتفع ومنخفض بسقي ) بأن يسقى أحدهما حتى يبلغ الكعبين ثم يسد ثم يسقى الآخر وخرج بضاق ما إذا كان يفي الجميع فيسقي من شاء منهم متى شاء وتعبير بالأول أولى من تعبيره بالأعلى ومن عبر بالأقرب جرى على الغالب من أن من أحيا بقعة يحرص على قربها من الماء ما أمكن لما فيه من سهولة السقي وخفة المؤنة وقرب عروق الغراس من الماء ومن هنا يقدم الأقرب إلى النهر إن أحيوا دفعة أو جهل السابق ولا يبعد القول بالإقراع ذكره الأذرعي
( وما أخذ منه ) أي من الماء المباح بيد أو ظرف كإناء أو حوض مسدود فهو أعم من قوله في إناء ( ملك ) كالاحتطاب والاحتشاش ولورده إلى محله لم يصر شريكا به وخرج بأخذ الماء المباح الداخل في نهر حفره فإنه باق على إباحته لكن مالك النهر أحق به كالسيل يدخل في ملكه
( وحافر بئر بموات لارتفاقه ) بها ( أولى بمائها حتى يرتحل ) لخبر مسلم السابق فإذا ارتحل صار كغيره وإن عاد إليها كما لو حفرها بقصد ارتفاق المارة أو لا بقصد شيء فإنه فيها كغيره كما فهم ذلك من زيادتي ضمير لارتفاقه
( و ) حافرها بموات ( لتملك أو بملكه مالك لمائها ) لأنه نماء ملكه كالثمرة واللبن
( وعليه بذل ما فضل عنه ) أي عن حاجته مجانا وإن ملكه ( لحيوان ) محترم لم يجد صاحبه ماء مباحا وثم كلأ مباح يرعى ولم يحز الفاضل في إناء لحرمة الروح والمراد بالبذل تمكين صاحب الحيوان لا الاستسقاء له ودخل في حاجته حاجته لماشيته وزرعه نعم لا يشترط في وجوب بذل الفاضل لعطش آدمي محترم كونه فاضلا عنهما وخرج بالحيوان غيره كالزرع فلا يجب سقيه
( والقناة المشتركة ) بين جماعة ( يقسم ماؤها ) عند ضيقه بينهم ( مهايأة ) كأن يسقي كل منهم يوما أو بعضهم يوما وبعضهم أكثر بحسب حصته ولكل منهم الرجوع عن المهايأة متى شاء
( أو ب ) نصب ( خشبة بعرضه ) أي الماء ( مثقبة بقدر حصصهم ) من القناة فإن جهل فبقدرها من الأرض لأن الظاهر أن الشركة بحسب الملك ويجوز أن تكون الثقب متساوية مع تفاوت الحصص بأن يأخذ صاحب الثلث مثلا ثقبة والآخر ثقبتين ويسوق كل واحد نصيبه إلى أرضه
____________________
(1/439)
كتاب الوقف هو لغة الحبس وشرعا حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح والأصل فيه خبر مسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له بعد موته والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف
( أركانه ) أربعة ( موقوف وموقوف عليه وصيغة وواقف وشرط فيه ) أي في الواقف ( كونه مختارا ) والتصريح به من زيادتي ( أهل تبرع ) فيصح من كافر ولو لمسجد ومن مبعض لا من مكره ومكاتب ومحجور عليه بفلس أو غيره ولو بمباشرة وليه
( و ) شرط ( في الموقوف كونه عينا معينة ) ولو مغصوبة أو غير مرئية ( مملوكة ) للواقف نعم يصح وقف الإمام من بيت المال ( تنقل ) أي تقبل النقل من ملك شخص إلى ملك آخر
( وتفيد لا بفوتها نفعا مباحا مقصودا ) هما من زيادتي وسواء كان النفع في الحال أم لا كوقف عبد وجحش صغيرين وسواء أكان عقارا أم منقولا ( كمشاع ) ولو مسجدا وكمدبر ومعلق عتقه بصفة قال في الروضة كأصلها ويعتقان بوجود الصفة ويبطل الوقف بعتقهما بناء على أن الملك في الوقف لله تعالى أو للواقف
( وبناء وغراس ) وضعا ( بأرض بحق ) فلا يصح وقف منفعة لأنها ليست بعين ولا ما في الذمة ولا أحد عبديه لعدم تعينهما ولا مالا يملك للواقف كمكتري وموصي بمنفعته له وحر وكلب ولو معلما ولا مستولدة ومكاتب لأنهما لا يقبلان النقل ولا آلة لهو ولا دراهم للزينة لأن آلة اللهو محرمة والزينة غير مقصودة ولا مالا يفيد نفعا كزمن لا يرجى برؤه ولا مالا يفيد إلا بفوته كطعام وريحان غير مزروع لأن نفعه في فوته ومقصود الوقف الدوام بخلاف ما يدوم كمسك وعنبر وريحان مزروع
( و ) شرط ( في الموقوف عليه إن لم يتعين ) بأن كان جهة ( عدم كونه معصية فيصح ) الوقف ( على فقراء و ) على ( أغنياء ) وإن لم تظهر فيهم قربة نظرا إلى أن الوقف تمليك كالوصية ( لا ) على ( معصية كعمارة كنيسة ) للتعبد ولو ترميما لأنه إعانة على معصية وإن أقروا على
____________________
(1/440)
الترميم بخلاف كنيسة ينزلها المارة أو موقوفه على قوم يسكنونها ويستثنى من صحة الوقف على الجهة المذكورة ما صرح به المتولي من أنه لا يصح الوقف على الوحوش والطيور المباحة وأقره الشيخان وقال الغزالي يصح الوقف على حمام مكة
( و ) شرط فيه ( إن تعين ) ولو جماعة ( مع ما مر ) أي من عدم كونه معصية وهو من زيادتي
( إمكان تمليكه ) للموقوف من الواقف لأن الوقف تمليك للمنفعة
( فيصح ) الوقف ( على ذمي ) إلا أن يظهر فيه قصد المعصية كأن كان خادم كنيسة للتعبد ( لا ) على ( جنين وبهيمة ) نعم يصح الوقف على علفها وعليها إن قصد به مالكها لأنه وقف عليه
( و ) لا على ( نفسه ) أي الواقف لتعذر تمليك الإنسان ملكه لأنه حاصل ويمتنع تحصيل الحاصل
ومن الوقف على نفسه أن يشرط أن يأكل من ثماره أو ينتفع به وأما قول عثمان رضي الله عنه في وقفه بئر رومة دلوي فيها كدلاء المسلمين فليس على سبيل الشرط بل إخبار بأن للواقف أن ينتفع بوقفه العام كالصلاة بمسجد وقفه والشرب من بئر وقفها
( و ) لا على ( عبد لنفسه ) أي نفس العبد لتعذر تملكه
( فإن أطلق ) الوقف عليه ( ف ) هو وقف ( على سيده ) أي يحمل عليه ليصح أو لا يصح
واعلم أنه يصح الوقف على الأرقاء الموقوفين على خدمة الكعبة ونحوها لأن القصد الجهة فهو كالوقف على علف الدواب في سبيل الله ( و ) لا على ( مرتد وحربي ) لأنهما لا دوام لهما مع كفرهما والوقف صدقة دائمة
( و ) شرط ( في الصيغة لفظ يشعر بالمراد ) كالعتق بل أولى وفي معناه ما مر في الضمان ( صريحه كوقفت وسبلت وحبست ) كذا على كذا ( وتصدقت ) بكذا على كذا ( صدقه محرمة ) أو مؤبدة ( أو موقوفة أو لا تباع أو لا توهب وجعلته ) أي هذا المكان ( مسجدا ) لكثرة استعمال بعضها واشتهاره فيه وانصراف بعضها عن التمليك المحض الذي اشتهر استعماله فيه وقوله كغيره ولا توهب الواو محمول على التأكيد وإلا فأحد الوصفين كاف كما رجحه الروياني وغيره وجزم به ابن الرفعة ولهذا عبر بأو
( وكنايته كحرمت وأبدلت ) هذا للفقراء لأن كلا منهما لا يستعمل مستقلا وإنما يؤكد به كما مر فلم يكن صريحا بل كناية لاحتماله
( وكتصدقت ) به ( مع إضافته لجهة عامة ) كالفقراء بخلاف المضاف إلى معين ولو جماعة فإنه صريح في التمليك المحض فلا ينصرف إلى الوقف بنيته فلا يكون كناية فيه وألحق الماوردي باللفظ أيضا ما لو بنى مسجدا بنيته بموات قال الأسنوي وقياسه إجراؤه في نحو المسجد كمدرسة ورباط وكلام الرافعي في إحياء الموات في مسألة حفر البئر فيه يدل له
( وشرط له ) أي للوقف ( تأبيد ) فلا يصح توقيته كوقفته على زيد سنة
( وتنجيز ) فلا يصح تعليقه كوقفته على زيد إذا جاء رأس الشهر كما في البيع فيهما نعم يصح تعليقه بالموت
____________________
(1/441)
كوقفت داري بعد موتي على الفقراء قال الشيخان وكأنه وصية لقول القفال أنه لو عرضها للبيع كان رجوعا قال ابن الرفعة وينبغي صحته أيضا إذا ضاهى التحرير كجعلته مسجدا إذا جاء رمضان
( وإلزام ) فلا يصح بشرط خيار في إبقاء الوقف والرجوع فيه ببيع أو غيره ولا بشرط تغيير شيء من شروطه نظرا إلى أنه قربة كالعتق وعلم من جعلي الموقوف عليه ركنا ما صرح به الأصل من أن الوقف لا يصح بمجرد قوله وقفت كذا لعدم بيان المصرف فهو كبعت كذا من غير ذكر مشتر ولأنه لو قال وقفت على جماعة لم يصح لجهالة المصرف فكذا إذا لم يذكره وأولى وفارق ما لو قال أوصيت بثلث مالي فإنه يصح ويصرف للفقراء بأن غالب الوصايا للفقراء فيحمل الإطلاق عليه بخلاف الوقف
( لا قبول ) فلا يشترط
( ولو من معين ) نظرا إلى أنه قربة وما ذكر في المعين هو المنقول عن الأكثرين واختاره في الروضة في السرقة ونقله في شرح الوسيط عن نص الشافعي وقال الأذرعي وغيره إنه المذهب وقيل يشترط من المعين نظرا إلى أنه تمليك وهو ما رجحه الأصل
( فإن رد المعين بطل حقه ) سواء أشرطنا قبوله أم لا نعم لو وقف على وارثه الحائز شيئا يخرج من الثلث لزم ولم يبطل حقه برده كما نقله الشيخان في باب الوصايا عن الإمام
( ولا يصح منقطع أول كوقفته على من سيولد لي ) ثم الفقراء لانقطاع أوله وخرج بالأول منقطع الوسط كوقفته على أولادي ثم رجل أو ثم العبد لنفسه ثم الفقراء منقطع الآخر كوقفته على أولادي ثم أولادهم فإنهما يصحان
( ولو انقرضوا ) أي الموقوف عليهم ( في منقطع آخر فمصرفه الفقير الأقرب رحما ) لا إرثا ( للواقف حينئذ ) أي حين الانقراض لما فيه من صلة الرحم ومثله ما إذا لم تعرف أرباب الوقف وذكر اعتبار الفقير وقرب الرحم من زيادتي
فيقدم ابن البنت على ابن العم فإن فقدت أقاربه الفقراء أو كان الواقف الإمام ووقف من بيت المال صرف الريع إلى مصالح المسلمين
وقال جماعة إلى الفقراء والمساكين
ولو انقرض الأول في منقطع الوسط فمصرفه كذلك إلا إن كان الوسط لا يعرف أمد انقطاعه كرجل في المثال السابق فيه فمصرفه من ذكر بعده لا الفقير الأقرب للواقف
( ولو وقف على اثنين ) معينين ( ثم الفقراء فمات أحدهما فنصيبه للآخر ) لا للفقراء لأنه أقرب إلى غرض الواقف ولأن شرط لانتقال إليهم انقراضهما جميعا ولم يوجد والصرف إلى من ذكره الواقف أولى
( ولو شرط ) الواقف ( شيئا ) يقصد كشرط أن لا يؤجر أو أن يفضل أحد أو يسوي أو اختصاص نحو مسجد كمدرسة ورباط بطائفة كشافعية ( اتبع ) شرطه رعاية لغرضه وعملا بشرطه وتعبيري بذلك أعم مما عبر به
____________________
(1/442)
فصل في أحكام الوقف اللفظية ( الواو ) العاطفة ( للتسوية ) بين المتعاطفات ( كوقفت ) هذا ( على أولادي وأولاد أولادي وإن زاد ) على ذلك ( ما تناسلوا أو بطنا بعد بطن ) إذ المزيد للتعميم في النسل وقيل المزيد فيه بطنا بعد بطن للترتيب ونقل عن الأكثرين وصححه السبكي تبعا لابن يونس قال وعليه هو للترتيب بين البطنين فقط فينتقل بانقراض الثاني لمصرف آخر إن ذكره الواقف وإلا فمنقطع الآخر
( وثم والأعلى فالأعلى والأول فالأول ) والأقرب فالأقرب كل منهما ( للترتيب ) ثم إن ذكر معه في البطنين ما تناسلوا أو نحوه لم يختص الترتيب بهما والإ اختص وينتقل الوقف بانقراض الثاني لمصرف آخر إن ذكره وإلا فمنقطع الآخر
( ويدخل أولاد بنات في ذرية ونسل وعقب وأولاد أولاد ) لصدق الاسم بهم ( إلا إن قال على من ينتسب إلي منهم ) فلا يدخل أولاد البنات فيمن ذكر نظرا للقيد المذكور أي إن كان الواقف رجلا فإن كانت امرأة دخلوا فيه بجعل الانتساب فيها لغويا لا شرعيا فالتقييد فيها البيان الواقع لا للإخراج ( لا فروع أولاد ) فلا يدخلون ( فيهم ) أي في الأولاد إذ يصح أن يقال في فرع ولد الشخص ليس ولده نعم إن لم يكن إلا فروعهم استحقوا كمنقطع الآخر
( والمولى يشمل الأعلى ) وهو من له الولاء ( والأسفل ) وهو من عليه الولاء فلو اجتمعا اشتركا لتناول اسمه لهما وتعبيري بذلك أعم من تعبيره بالمعتق والمعتق
( والصفة والاستثناء يلحقان المتعاطفات ) أي كلا منها ( ب ) حرف ( مشرك ) كالواو والفاء وثم بقيد زدته بقولي ( لم يتخللها كلام طويل ) لأن الأصل اشتراكها في جميع المتعلقات سواء أتقدما عليها أم تأخرا أم توسطا كوقفت هذا على محتاجي أولادي وأحفادي وإخوتي أو على أولادي وأحفادي وإخوتي المحتاجين أو على أولادي المحتاجين وأحفادي أو على من ذكر إلا من يفسق منهم والحاجة هنا معتبرة بجواز أخذ الزكاة كما أفتى به القفال فإن تخلل المتعاطفات ما ذكر كوقفت على أولادي على أن من مات منهم وأعقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين والافنصيبه لمن في درجته فإذا انقرضوا صرف إلى إخوتي
المحتاجين أو إلى من يفسق منهم اختص ذلك بالمعطوف الأخير وتعبيري بالمتعاطفات أعم من تعبيره بالجمل وإلحاق الصفة المتوسطة بغيرها من زيادتي وهو المعتمد المنقول خلاف ما اختاره صاحب جمع الجوامع من
____________________
(1/443)
أنها تختص بما قبلها وقد بينت ذلك في حاشيتي على شرحه وغيرها وعلم من تعبيره بمشرك أن ذلك لا يتقيد بالواو وإن وقع التقييد بها في الأصل في الصفة المتأخرة والاستثناء تبعا للإمام في غير البرهان فقد صرح هو فيه بأن مذهب الشافعي العود إلى الجميع وإن كان العطف بثم وقد نقله عنه الزركشي ثم قال والمختار أنه لا يتقيد بالواو بل الضابط وجود عاطف جامع بالوضع كالواو والفاء وثم بخلاف بل ولكن وغيرهما وقد صرح بذلك ابن القشيري في الأصول وقال السبكي الظاهر أنه لا فرق بين العطف بالواو وثم
فصل في أحكام الوقف المعنوية ( الموقوف ملك الله ) تعالى أي ينفك عن اختصاص الآدمي كالعتق فلا يكون للواقف ولا للموقوف عليه
( وفوائده ) أي الحادثة بعد الوقف ( كأجرة وثمرة ) وأغصان خلافه ( وولد ومهر ) بوطء أو نكاح ( ملك للموقوف عليه ) يتصرف فيها تصرف الملاك لأن ذلك هو المقصود من الوقف فيستوفي منافعه بنفسه وبغيره وبإعارة وإجارة من ناظره فإن وقف عليه ليسكنه لم يسكنه غيره وقد يتوقف في منع إعارته ومعلوم أن ملكه للولد في غير الحر أما الحر فله قيمته على الواطىء ولا يطأ الموقوفة إلا زوج والمزوج لها الحاكم بإذن الموقوف عليه ولا يزوجها له ولا للواقف
( ويختص ) الموقوف عليه ( بجلد بهيمة ) موقوفة ( ماتت ) لأنه أولى به من غيره
( فإن اندبغ عاد وقفا ) هذا من زيادتي
( ولا تملك قيمة رقيق ) مثلا موقوف ( أتلف بل يشتري الحاكم بها مثله ثم ) إن تعذر اشترى ( بعضه ويقفه مكانه ) رعاية لغرض الواقف من استمرار الثواب ولو اشترى ببعض قيمته رقيقا ففي كون الفاضل للواقف أو للموقوف عليه وجهان قال في الروضة هما ضعيفان والمختار شراء شقص ورجحه البلقيني قال ولا يرد عليه ما لو أوصى أن يشتري بشيء ثلاث رقاب فوجدنا به رقبتين وفضل ما لا يمكن شراء رقبة به فإن الأصح صرفه للوارث لتعذر الرقبة المصرح بها ثم بخلاف ما هنا وذكر الحاكم من زيادتي وقدم في ذلك على الناظر والموقوف عليه لأن الوقف ملك لله تعالى كما مر وتعبيري بمثله إلى آخره أولى مما عبر به
( ولا يباع موقوف وإن خرب ) كشجرة جفت ومسجد انهدم وتعذرت إعادته وحصره الموقوفة البالية وجذوعه المنكسرة إدامة للوقف في عينه ولأنه يمكن الانتفاع به كصلاة
____________________
(1/444)
واعتكاف في أرض المسجد وطبخ جص أو آجر له بحصره وجذوعه وما ذكرته فيهما بصفتهما المذكورة هو ما اقتضاه كلام الجمهور وصرح به الجرجاني والبغوي والروياني وغيرهم وبه أفتيت وصحح الشيخان تبعا للإمام أنه يجوز بيعهما لئلا يضيعا ويشتري بثمنهما مثلهما والقول به يؤدي إلى موافقة القائلين بالاستبدال أما الحصر الموهوبة أو المشتراة للمسجد من غير وقف لها فتباع للحاجة وغلة وقفه عند تعذر إعادته حالا قال الماوردي تصرف للفقراء والمساكين والمتولي لأقرب المساجد إليه والروياني هو كمنقطع الآخر والإمام تحفظ لتوقع عوده وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به
فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته ( إن شرط واقف النظر ) لنفسه أو غيره ( اتبع ) شرطه كما علم مما مر لخبر البيهقي المسلمون عند شروطهم ( وإلا ) بأن لم يشرطه لأحد ( ف ) هو ( للقاضي ) بناء على أن الملك في الموقوف لله تعالى
( وشرط الناظر عدالة وكفاية ) أي قوة وهداية للتصرف فيما هو ناظر عليه لأن نظره ولاية على الغير فاعتبر فيه ذلك كالوصي والقيم ولو فسق الناظر ثم عاد عدلا عادت ولايته إن كانت له بشرط الواقف وإلا فلا كما أفتى به النووي وإن اقتضى كلام الإمام عدم عودها وذلك لقوته إذ ليس لأحد عزله ولا الاستبدال به والعارض مانع من تصرفه لا سالب لولايته
( ووظيفته عمارة وإجارة وحفظ أصل وغلة وجمعها وقسمتها ) على مستحقيها وذكر حفظ الأصل والغلة من زيادتي وهذا إذا أطلق النظر له أو فوض جميع هذه الأمور
( فإن فوض له بعضها لم يتعده ) كالوكيل ولو فوض لاثنين لم يستقل أحدهما بالتصرف ما لم ينص عليه
( ولواقف ناظر عزل من ولاه ) النظر عنه ( ونصب غيره ) مكانه كما في الوكيل بخلاف ما إذا لم يكن ناظرا كأن شرط النظر لغيره حال الوقف فليس له ذلك لأنه لا نظر له حينئذ ولو عزل هذا الغير نفسه لم ينصب بدله إلا الحاكم وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به
____________________
(1/445)
كتاب الهبة تقال لما يعم الصدقة والهدية ولما يقابلهما وقد استعملت الأول في تعريفها والثاني في أركانها وسيأتي ذلك والأصل فيها على الأول قبل الإجماع قوله تعالى { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } 1 وقوله { وآتى المال على حبه } 2 الآية وأخبار كخبر الترمذي الآتي في الكلام على الرجوع فيها وخبر الصحيحين لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة أي ظلفها
( هي ) أي الهبة بالمعنى الأول ( تمليك تطوع في حياة ) فخرج بالتمليك العارية والضيافة والوقف وبالتطوع غيره كالبيع والزكاة والنذر والكفاره فتعبيري به أولى من قوله بلا عوض وبزيادتي في حياة الوصية لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت
( فإن ملك لاحتياج أو لثواب آخرة ) هو أولى من قوله محتاجا لثواب الآخرة
( فصدقة ) أيضا ( أو نقله للمتهب إكراما ) له ( فهدية ) أيضا فكل من الصدقة والهدية هبة ولا عكس وكلها مسنونة وأفضلها الصدقة والهبة المرادة عند الإطلاق مقابل الصدقة والهدية ومنها قولي ( وأركانها ) أي الهبة بالمعنى الثاني المراد عند الإطلاق ثلاثة ( صيغة وعاقد وموهوب وشرط فيها ) أي في هذه الثلاثة ( ما ) مر في نظيرها ( في البيع ) ومنه عدم التعليق والتأقيت فذكره من زيادتي ( لكن تصح هبة نحو حبتي بر ) ولا يصح بيعه كما مر ( لا ) هبة ( موصوف ) في الذمة كما أشار إليه الرافعي في الصلح ويصح بيعه وهذا من زيادتي وخرج بهذه الهبة الهدية وصرح بها الأصل والصدقة فلا يعتبر فيهما صيغة بل يكفي فيهما بعث وقبض
( و ) شرط ( في الواهب أهلية تبرع ) هذا من زيادتي فلا تصح من مكاتب بغير إذن سيده ولا من ولي
( وهبة الدين ) المستقر ( للمدين إبراء ) فلا يحتاج إلى قبول اعتبارا بالمعنى
( ولغيره ) هبة ( صحيحة ) كما صححه جمع تبعا للنص وهو نظير ما مر في بيعه بل أولى وصحح الأصل بطلانها نظير ما مر له في بيعه وما تقرر هو في هبة غير المنافع أما هبتها ففيها وجهان أحدهما أنها ليست بتمليك بناء على أن ما وهبت منافعه عارية وهو ما جزم به الماوردي وغيره ورجحه الزركشي والثاني أنها تمليك بناء على أن ما وهبت منافعه أمانة وهو ما رجحه ابن
____________________
(1/446)
الرفعة والسبكي وغيرهما
( وتصح بعمري ورقبى ) فالعمري ( كأعمرتك هذا ) أي جعلته لك عمرك
( وإن زاد فإذا مت عادلي ) ولغا الشرط لخبر الصحيحين العمرى ميراث لأهلها ( و ) الرقبى ك ( أرقبتكه أو جعلته لك رقبي ) أي إن مت قبل عادلي وإن مت قبلك استقر لك ولغا الشرط لخبر أبي داود لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أرقب شيئا أو أعمره فهو لورثته أي لا تعمروا ولا ترقبوا طمعا في أن يعود إليكم فإن سبيله الميراث والرقبي من الرقوب فكل منهما يرقب موت الآخر
( وشرط في ملك موهوب ) بالهبة المطلقة ( قبض بإذن ) فيه من واهب ( أو إقباض منه ) وإن تراخى القبض عن العقد أو كان الموهوب بيد المتهب وتقدم بيان القبض إلا أنه لا يكفي هنا الإتلاف وإن أذن فيه الواهب ولا الوضع بين يديه بلا إذن لأنه غير مستحق القبض كقبض الوديعة فاعتبر تحقيقه بخلاف المبيع ( فلو مات أحدهما قبله ) أي قبل القبض ( خلفه وارثه ) فلا ينفسخ العقد بموت أحدهما لأنه يئول إلى اللزوم بخلاف الشركة والوكالة والتصريح بالإقباض من زيادتي ( وكره ) لمعط ( تفضيل في عطية بعضه ) من فرع أو أصل وإن بعد سواء الذكر وغيره لئلا يفضي ذلك إلى العقوق والشحناء وللنهي عنه والأمر بتركه في الفرع كما في الصحيحين قال في الروضة قال الدارمي فإن فضل الأصل فليفضل الأم ومحل كراهة التفضيل عند الاستواء في الحاجة أو عدمها كما قاله ابن الرفعة والتصريح بذكر الكراهة مع إفادة حكم التفضيل في الأصل من زيادتي
( ولأصل رجوع فيما أعطاه ) لفرعه لخبر لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده رواه الترمذي والحاكم وصححاه وقيس بالولد كل من له ولادة
( بزيادته المتصلة ) كسمن وتعلم صنعة وحمل قارن العطية وإن انفصل بناء على أن الحمل يعلم بخلاف المنفصلة كولد وكسب وكذا حمل حادث لحدوثه على ملك فرعه ولو نقص رجع فيه من غير أرش النقص وإنما يرجع فيما أعطاه لقرعه
( إن بقي في سلطنته فيمتنع ) الرجوع ( بزوالها ) سواء أزالت بزوال ملكه أم لا كأن حجر عليه بفلس أو تعلق أرش جناية من أعطيه برقبته أو كاتبه أو استولد الأمة وسواء أعاد الملك إليه أم لا لأن ملكه الآن غير مستفاد منه حتى يزيله بالرجوع فيه بخلاف ما لو كانت العطية عصيرا فتخمر ثم تخلل فإن له الرجوع لبقاء السلطنة وبذلك عرفت حكمة التعبير ببقاء السلطنة دون بقاء الملك
( لا بنحو رهنه وهبته قبل قبض ) فيهما كتعليق عتقه وتدبيره والوصية به وتزويجه وزراعته وإجارته لبقاء سلطنته
____________________
(1/447)
بخلافهما بعد القبض وخرج بالأصل غيره كالأخ والعم فلا رجوع له فيما أعطاه لظاهر الخبر السابق
( ويحصل ) الرجوع ( بنحو رجعت فيه أورددته إلى ملكي ) كنقضت الهبة وأبطلتها وفسختها ( لا بنحو بيع وإعتاق ووطء ) كهبة ووقف لكمال ملك الفرع بدليل نفوذ تصرفه فلا يزول ملكه إلا بنحو ما ذكر وتعبيري بنحو إلى آخره في المواضع الثلاثة أعم مما عبر به
( والهبة إن أطلقت ) بأن لم تقيد بثواب ولا بعدمه ( فلا ثواب ) فيها ( وإن كانت لأعلى ) من الواهب لأن اللفظ لا يقتضيه
( أوقيدت بثواب مجهول ) كثوب ( فباطلة ) لتعذر تصحيحها بيعا لجهالة العوض وهبة لذكر الثواب بناء على أنها لا تقتضيه
( أو ) قيدت ( بمعلوم فبيع ) نظرا إلى المعنى
( وظرف الهبة إن لم يتعد رده كقوصرة تمر ) بتشديد الراء وعاؤه الذي يكنز فيه من خوص ( هبة ) أيضا ( وإلا فلا ) يكون هبة عملا بالعادة
( و ) إذا لم يكن هبة ( حرم استعماله ) لأنه انتفاع بملك غيره بغير إذنه وهو حينئذ أمانة
( إلا في أكلها ) أي الهبة ( منه إن اعتيد ) فيجوز أكلها منه حينئذ ويكون عارية وتعبيري بالهبة أعم من تعبيره بالهدية
____________________
(1/448)
كتاب اللقطة هي بضم اللام وفتح القاف وإسكانها لغة الشيء الملقوط وشرعا ما وجد من حق محترم غير محرز لا يعرف الواجد مستحقه
والأصل فيها قبل الإجماع خبر الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن لقطة الذهب أو الورق فقال اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه وإلا فشأنك بها
وسأله عن ضالة الإبل فقال مالك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها
وسأله عن الشاة فقال خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب
وأركانها لقط وملقوط ولاقط وهي تعلم مما يأتي وفي اللقط معنى الأمانة والولاية من حيث إن الملتقط أمين فيما لقطه والشرع ولاه حفظه كالولي في مال الطفل وفيه معنى الاكتساب من حيث أن له التملك بعد التعريف والغالب منهما الثاني
( سن لقط لواثق بأمانته ) لما فيه من البربل يكره تركه
( و ) سن ( إشهاد به ) مع تعريف شيء من اللقطة كما في الوديعة فلا يجب إذ لم يؤمر به في خبر زيد ولا خبر أبي بن كعب وحملوا الأمر بالإشهاد في خبر أبي داود من التقط لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب على الندب جمعا بين الأخبار وقد يقال الأمر به في هذا الخبر زيادة ثقة فيؤخذ به وخرج بالواثق بأمانته غيره فلا يسن له لقط والتصريح بسن الإشهاد من زيادتي
( وكره ) اللقط ( لفاسق ) لئلا تدعوه نفسه إلى الخيانة ( فيصح ) اللقط ( منه كمرتد ) أي كما يصح من مرتد
( وكافر معصوم لا بدار حرب ) لا مسلم بها كاحتطابهم واصطيادهم
( وتنزع اللقطة ) منهم وتسلم ( لعدل ) لأنهم ليسوا من أهل الحفظ لعدم أمانتهم
( ويضم لهم مشرف في التعريف ) فإن تم التعريف تملكوا وذكر صحة لقط المرتد مع النزع منه ومن الكافر ومع ضم مشرف لهما من زيادتي وتعبيري بالكافر المعصوم أعم من تعبيره بالذمي
( و ) يصح ( من صبي ومجنون وينزعها ) أي اللقطة منهما ( وليهما ويعرفها ويتملكها لهما ) إن رآه ( حيث يقترض ) أي يجوز الاقتراض ( لهما ) لأن التملك في معنى الاقتراض فإن لم يرد حفظها أو سلمها للقاضي
( فإن قصر في نزعها ) منهما ( فتلفت ) ولو بإتلافهما ( ضمن ) ثم
____________________
(1/449)
يعرف التالف فإن لم يقصر فلا ضمان وذكر المجنون من زيادتي وكالصبي والمجنون السفيه إلا أنه يصح تعريفه دونهما ( لا من رقيق ) بقيد زدته بقولي ( بلا إذن ) أي لا يصح اللقطة منه بغير إذن سيده وإن التقطه له لأنه ليس أهلا للملك ولا للولاية ولأنه يعرض سيده للمطالبة ببدل اللقطة لوقوع الملك له فعلم أنه لا يعتد بتعريفه
( فلو أخذت منه كان ) الأخذ ( لقطا ) لآخذها سيدا كان أو أجنبيا فهو أعم من تعبيره بأخذ السيد ولو أقرها في يده سيده واستحفظه عليها ليعرفها وهو أمين جاز فإن لم يكن أمينا فهو متعد بالإقرار فكأنه أخذها منه وردها إليه
( ويصح ) اللقط ( من مكاتب كتابة صحيحة ) لأنه مستقل بالملك والتصرف بخلاف المكاتب كتابة فاسدة
( و ) من ( مبعض ) لأنه كالحر في الملك والتصرف والذمة
( ولقطته له ولسيده ) من غير مهايأة فيعرفانها ويتملكانها بحسب الرق والحرية كشخصين التقطا
( وفي مهايأة ) أي مناوبة ( لذي نوبة كباقي الأكساب ) كوصية وهبة وركاز
( والمؤن ) كأجرة طبيب وحجام وثمن دواء فالاكساب لمن حصلت في نوبته والمؤن على من وجد سببها في نوبته
( إلا أرش جناية ) منه فليس على من وجدت الجناية في نوبته وحده بل يشتركان فيه لأنه يتعلق بالرقبة وهي مشتركة والجناية عليه كالجناية منه كما بحثه الرزركشي وكلامي كالأصل يشملها
فصل في بيان حكم لقط الحيوان وغيره مع بيان تعريفهما ( الحيوان المملوك الممتنع من صغار السباع ) كذئب ونمر وفهد بقوة أو طيران ( كبعير وظبي وحمام يجوز لقطه ) من مفازة وعمران زمن أمن أو نهب لحفظ أو تملك لئلا يأخذه خائن فيضيع
( إلا من مفازة ) وهي المهلكة سميت بذلك على القلب تفاؤلا بالفوز ( آمنة ) فلا يجوز لقطه ( لتملك ) لأنه مصون بالامتناع من أكثر السباع مستغن بالرعي إلى أن يجده صاحبه لتطلبه له ولأن طروق الناس فيها لا يعم فمن أخذه للتملك ضمنه ويبرأ من الضمنان بدفعه إلى القاضي لا برده إلى موضعه وخرج بزيادتي آمنة ما لو لقطه من مفازة زمن نهب فيجوز لقطه للتملك كما شمله المستثنى منه لأنه حينئذ يضيع بامتداد اليد الخائنة إليه وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به
( وما لا يمتنع منها ) أي من صغار السباع ( كشاة ) وعجل ( يجوز لقطه مطلقا ) أي من مفازة وعمران زمن أمن أو نهب لحفظ أو تملك صيانة له عن الخونة والسباع
( فإن
____________________
(1/450)
لقطه لتملك ) من مفازة أو عمران ( عرفه ثم تملكه أو باعه ) بإذن الحاكم إن وجده ( وحفظ ثمنه ثم عرفه ثم تملك ثمنه ) وتعبيري بثم في الموضعين الأولين أولى من تعبيره بالواو
( أو تملك الملقوط من مفازة حالا وأكله غرم قيمته ) إن ظهر مالكه ولا يجب تعريفه في هذه الخصلة على الظاهر عند الإمام وذكر التملك فيها من زيادتي وخرج بالمفازة العمران فليس له فيه هذه الخصلة لسهولة البيع فيه بخلاف المفازة فقد لا يجد فيها من يشتري ويشق النقل إليه والخصلة الأولى من الثلاث عند استوائها في الأحظية أولى من الثانية والثانية أولى من الثالثة وزاد الماوردي خصلة رابعة وهي أن يتملكه في الحال ليستبقيه حيا لدر أو نسل قال لأنه لما استباح تملكه مع استهلاكه فأولى أن يستبيح تملكه مع استبقائه ولو كان الحيون غير مأكول كالجحش ففيه الخصلتان الأوليان ولا يجوز تملكه في الحال وإذا أمسك اللاقط الحيوان وتبرع بالإنفاق عليه فذاك وإن أراد الرجوع فلينفق بإذن الحاكم فإن لم يجده أشهد
( وله لقط رقيق ) عبدا كان أو أمة ( غير مميز أو ) مميز ( زمن نهب ) بخلاف زمن الأمن لأنه يستدل فيه على سيده فيصل إليه وله هنا الخصلتان الأوليان ومحل ذلك في الأمة إذا لقطها للحفظ أو للتملك ولم تحل له كمجوسية ومحرم بخلاف من تحل له لأن تملك اللقطة كالاقتراض كما مر وينفق على الرقيق مدة الحفظ من كسبه فإن لم يكن له كسب فعلى ما مر آنفا في غير الرقيق وإذا بيع ثم ظهر المالك وقال كنت أعتقته قبل قوله وحكم بفساد البيع وتعبيري بالرقيق أعم من تعبيره بالعبد وإن قيدت الأمة بما مر
( و ) له لقط ( غير مال ) ككلب ( لاختصاص أو حفظ ) وقولي أو زمن إلى آخره من زيادتي ( و ) له لقط ( غير حيوان ) كمأكول وثياب ونقود ( فإن تسارع فساده كهريسة ) ورطب لا يتتمر ( فله ) الخصلتان ( الأخيرتان ) وهما أن يبيعه بإذن الحاكم إن وجده ثم يعرفه ليتملك ثمنه أو يتملكه حالا ويأكله
( وإن وجده بعمران ) وجب التعريف للمأكول في العمران بعد أكله وفي المفازه قال الإمام الظاهر أنه لا يجب لأنه لا فائدة فيه وصححه في الشرح الصغير قال الأذرعي لكن الذي يفهمه إطلاق الجمهور أنه يجب أيضا قال ولعل مراد الإمام أنها لا تعرف بالصحراء لا مطلقا
( وإن بقي ) ما يتسارع فساده ( بعلاج كرطب يتتمر وبيعه أغبط باعه ) بإذن الحاكم إن وجده ( وإلا ) أي وإن لم يكن بيعه أغبط بأن كان تجفيفه أغبط أو استوى الأمران
( باع بعضه لعلاج باقيه إن لم يتبرع به ) أي بعلاجه أي لم يتبرع به الواجد أو غيره وخالف الحيوان حيث يباع كله لتكرر نفقته فيستوعبه والمراد بالعمران الشارع والمساجد ونحوها لأنها مع الموات محال اللقطة وقولي إن لم يتبرع
____________________
(1/451)
به من زيادتي في استواء الأمرين وإطلاقي للتبرع أولى من تقييده له بالواجد
( ومن أخذ لقطة لا لخيانة ) بأن لقطها لحفظ أو تملك أو اختصاص أو لم يقصد خيانة ولا غيرها أو قصد أحدهما ونسيه والثلاثة الأخيرة من زيادتي
( فأمين ما لم يتملك ) أو يختص بعد التعريف لإذن الشارع له في ذلك
( وإن قصدها ) أي الخيانة بعد أخذها فإنه أمين كالمودع وهذه من زيادتي في لقطها لغير حفظ
( ويجب تعريفها وإن لقطها لحفظ ) لئلا يكون كتمها مفوتا للحق على صاحبه وما ذكرته من وجوب تعريف ما لقط للحفظ هو ما اختاره في الروضة وصححه في شرح مسلم واقتصر في الأصل على نقل عدم وجوبه عن الأكثر قالوا لأن التعريف إنما يجب لتحقق شرط التملك فإن بدا له أن يتملكها أو يختص بها أو لقطها للتملك أو للاختصاص وجب تعريفها جزما ويمتنع التعريف على من غلب على ظنه أن سلطانا يأخذها بل تكون أمانة بيده أبدا كما في نكت النووي وغيرها وفيها أنه يمتنع الإشهاد عليها أيضا حينئذ
( أو ) أخذها ( لها ) أي للخيانة ( فضامن ) كما في الوديعة ( وليس له ) بعد ذلك ( تعريفها لتملك ) أو اختصاص لخيانته
( ولو دفع لقطة لقاض لزمه قبولها ) وإن لقطها لتملك حفظا لها على مالكها بخلاف الوديعة لا يلزمه قبولها لقدرته على ردها على مالكها وقد التزم الحفظ له وهذا من زيادتي في لقطها لغير حفظ
( ويعرف ) بفتح الياء اللاقط وجوبا على ما قاله ابن الرفعة وندبا على ما قاله الأذرعي وغيره
( جنسها ) أذهب هي أم فضة أم ثياب ( وصفتها ) أهروية أم مروية ( وقدرها ) بوزن أو عد أو كيل أو ذرع
( وعفاصها ) أي وعاءها من جلد أو خرقة أو غيرهما
( ووكاءها ) أي خيطها المشدودة به وذلك لخبر زيد السابق وقيس بما فيه غيره وليعرف صدق واصفها
( ثم يعرفها ) بالتشديد ( في نحو سوق ) كأبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعات في بلد اللقط أو قريته فإن كان بصحراء ففي مقصده ولا يكلف العدول إلى أقرب البلاد إلى موضعه من الصحراء وإن جازت به قافلة تتبعها وعرف ولا يعرف في المساجد قال الشاشي إلا في المسجد الحرام
( سنة ولو متفرقة على العادة ) إن كانت غير حقيرة ولو من الاختصاصات لخبر زيد السابق وقيس بما فيه غيره فيعرفها
( أو لا كل يوم ) مرتين ( طرفيه ) أسبوعا ( ثم ) كل يوم مرة ( طرفه ) أسبوعا أو أسبوعين
( ثم كل أسبوع ) مرة أو مرتين
( ثم كل شهر ) كذلك بحيث لا ينسى أنه تكرار لما مضى وشرط الإمام في الاكتفاء بالسنة المتفرقة أن يبين في التعريف زمن وجدان اللقطة
( ويذكر ) ندبا اللاقط ولو بنائبه ( بعض أوصافها ) في التعريف فلا يستوعبها لئلا يعتمدها
____________________
(1/452)
الكاذب فإن استوعبها ضمن لأنه قد يرفعه إلى من يلزم الدفع بالصفات
( ويعرف حقير ) بقيد زدته بقولي ( لا يعرض عنه غالبا ) متمولا كان أو مختصا ولا يتقدر بشيء بل هو ما يغلب على الظن أن فاقده لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبا ( إلى أن يظن إعراض فاقده عنه غالبا ) هو أولى مما عبر به ويختلف ذلك باختلاف المال أما ما يعرض عنه غالبا كبرة وزبيبة وزيل يسير فلا يعرف بل يستبد به واجده
( وعليه مؤنة تعريف إن قصد تملكا ) ولو بعد لقطه للحفظ أو مطلقا فهو أعم من قوله إن أخذ لتملك
( وإن لم يتملك ) لوجوب التعريف عليه وهذا في مطلق التصرف فغيره إن رأى وليه تملك اللقطة له لم يصرف مؤنة تعريفها من ماله بل يرفع الأمر للحاكم ليبيع جزءا منها وكالتملك الاختصاص كقصده لقطه للخيانة
( وإلا ) أي وإن لم يقصد التملك كأن لقط لحفظ وعليه اقتصر الأصل أو أطلق ولم يقصد تملكا أو اختصاصا
( ف ) مؤنة التعريف ( على بيت مال أو ) على ( مالك ) بأن يرتبها الحاكم في بيت المال أو يقترضها على المالك من اللاقط أو غيره أو يأمره بصرفها ليرجع على المالك أو يبيع بعضها إن رآه كما في هرب الجمال والأخيران من زيادتي وإنما لم تلزم اللاقط لأن الحفظ فيه للمالك فقط
( وإذا عرفها ) ولو لغير تملك ( لم يملكها إلا بلفظ ) أو ما في معناه ( كتملكت ) لأنه تملك مال ببدل فافتقر إلى ذلك كالتملك بشراء وبحث ابن الرفعة في لقطة لا تملك كخمر وكلب أنه لا بد فيها مما يدل على نقل الاختصاص وإطلاقي تعريفها يشمل ما يعرف سنة وما يعرف دونها بخلاف تقييد الأصل له بالسنة
( فإن تملك ) ها ( فظهر المالك ولم يرض ببدلها ) ولا تعلق بها حق لازم يمنع بيعها ( لزمه ردها ) له للخبر السابق
( بزيادتها المتصلة ) وكذا المنفصلة إن حدثت قبل التملك تبعا للقطة وهذه من زيادتي
( وبأرش نقص ) لعيب حدث بعد التملك كما يضمنها كلها بتلفها وللمالك الرجوع إلى بدلها سليمة ولو أراد اللاقط الرد بالأرش وأراد المالك الرجوع إلى البدل أجيب اللاقط
( فإن تلفت ) حسا أو شرعا بعد التملك ( غرم مثلها ) إن كانت مثلية ( أو قيمتها ) إن كانت متقومة ( وقت تملك ) لأنه وقت دخولها في ضمانه
( ولا تدفع ) اللقطة ( لمدع ) لها ( بلا وصف ولا حجة ) إلا أن يعلم اللاقط أنها له فيلزمه دفعها له
( وإن وصفها ) له ( وظن صدقه جاز ) دفعها له عملا بظنه بل يسن نعم إن تعدد الواصف لم تدفع لأحد إلا بحجة
( فإن دفع ) ها له بالوصف ( فثبتت لآخر ) بحجة ( حولت له ) عملا بالحجة
( فإن تلفت ) عند الواصف ( فله ) أي للمالك ( تضمين كل ) من اللاقط والمدفوع له
( والقرار على المدفوع له ) لحصول التلف عنده فيرجع اللاقط بما غرمه عليه إن لم يقر له
____________________
(1/453)
بالملك فإن أقر لم يرجع مؤاخذة له بإقراره أما إذا لم يظن صدقه فلا يجوز الدفع له ومحل تضمين اللاقط إذا دفع بنفسه لا إن ألزمه به الحاكم
( ولا يحل لقط حرم مكة إلا لحفظ ) فلا يحل إن لقط لتملك أو أطلق والثانية من زيادتي
( ويجب تعريف ) لما لقطه فيه للحفظ لخبر إن هذا البلد حرمه الله لا يلتقط لقطته إلا من عرفها وفي رواية للبخاري لا تحل لقطته إلا لمنشد أي لمعرف والمعنى على الدوام وإلا فسائر البلاد كذلك فلا تظهر فائدة التخصيص وتلزم اللاقط الإقامة للتعريف أو دفعها إلى الحاكم والسر في ذلك أن الله تعالى جعل الحرم مثابة للناس يعودون إليه فربما يعود مالكها أو نائبه وخرج بزيادتي مكة حرم المدينة فهو كسائر البلاد في حكم اللقطة
____________________
(1/454)
كتاب اللقيط ويمسى ملقوطا ومنبوذا ودعيا
والأصل فيه مع ما يأتي قوله تعالى { وافعلوا الخير } 1 وقوله { وتعاونوا على البر والتقوى } وأركان اللقط الشرعي لقط ولقيط ولا قط وكلها تعلم مما يأتي
( لقطه ) أي اللقيط ( فرض كفاية ) لقوله تعالى { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } 3 ولأنه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام غيره وفارق اللقطة حيث لا يجب لقطها بأن المغلب فيها الاكتساب والنفس تميل إليه فاستغنى بذلك عن الوجوب كالنكاح والوطء فيه
( ويجب إشهاد عليه ) أي على اللقط وإن كان اللاقط ظاهر العدالة خوفا من أن يسترقه وفارق الإشهاد عليه الإشهاد على لقط اللقطة بأن الغرض منها المال والإشهاد في التصرف المالي مستحب ومن اللقيط حفظ حريته ونسبه فوجب الإشهاد كما في النكاح وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ولا تعريف في اللقيط
( وعلى ما مع اللقيط ) تبعا له ولئلا يتملكه فلو ترك الإشهاد لم تثبت له ولاية الحضانة وجاز نزعه منه قاله في الوسيط وإنما يجب الإشهاد فيما ذكر على لاقط بنفسه أما من سلمه له الحاكم فالإشهاد مستحب قاله الماوردي وغيره
( واللقيط صغير أو مجنون منبوذ لا كافل له ) معلوم ولو مميزا لحاجته إلى التعهد وقولي وعلى ما إلى آخره من زيادتي ( واللاقط حر رشيد عدل ) ولو مستورا ( فلو لقطه غيره ) ممن به رق ولو مكاتبا أو كفر أو صبا أو جنون أو فسق أو سفه ( لم يصح ) فينزع اللقيط منه لأن حق الحضانة ولاية وليس من أهلها
( لكن لكافر لقط كافر ) لما بينهما من الموالاة
( فإن أذن لرقيقه غير المكاتب ) في لقطه ( أو أقره ) عليه ( فهو اللاقط ) ورقيقه نائب عنه في الأخذ والتربية إذ يده كيده بخلاف المكاتب لاستقلاله فلا يكون السيد هو اللاقط بل ولا هو أيضا كما علم مما مر فإن قال له السيد التقط لي فالسيد هو اللاقط والمبعض كالرقيق إلا إذا لقط في نوبته فلا يصح كما قاله الروياني والتقييد بغير المكاتب من زيادتي ( ولو ازدحم أهلان ) للقط على لقيط ( قبل أخذه ) بأن قال كل منهما أنا آخذه ( عين الحاكم من يراه ) ولومن غيرهما إذ لا حق لواحد
____________________
(1/455)
منهما قبل أخذه ( أو بعده ) أي بعد أخذه ( قدم سابق ) لسبقه باللقط لا يثبت السبق بالوقوف على رأسه بغير أخذه
( وإن لقطاه معا فغني ) يقدم ( على فقير ) لأنه قد يواسيه بماله
( وعدل ) باطنا ( على مستور ) احتياطا للقيط
( ثم ) إن استويا في الصفات وتشاحا ( أقرع ) بينهما إذ لا مرجح لأحدهما على الآخر ولو ترك أحدهما حقه قبل القرعة انفرد به الآخر وليس لمن خرجت القرعة له ترك حقه للآخر كما ليس للمنفرد نقل حقه إلى غيره ولا يقدم مسلم على كافر في كافر ولا رجل على امرأة
( وله ) أي للاقط ( نقله من بادية لقرية و ) نقله ( منهما ) أي من بادية وقرية أي من كل منهما ( لبلد ) لأنه أرفق به ( لا عكسه ) أي لانقله من قرية لبادية أو من بلد لقرية أو بادية لخشونة عيشهما وفوات العلم بالدين والصنعة فيهما نعم له نقله من بلد أو من قرية لبادية قريبة يسهل المراد منها على النص وقول الجمهور
( و ) له نقله ( من كل ) من بادية وقرية وبلد ( لمثله ) لانتفاء ذلك لا لما دونه وذكر حكم القرية جوازا ومنعا مع جواز نقل البلدي له من بادية لمثلها من زيادتي ومحل جواز نقله إذا أمن الطريق والمقصد وتواصلت الأخبار واختبرت أمانة اللاقط
( ومؤنته ) هو أعم من قوله ونفقته ( في ماله العام كوقف على اللقطاء ) أو الوصية لهم ( أو الخاص ) وهو ما اختص به
( كثياب عليه ) ملفوفة عليه أو ملبوسة له أو مغطى بها
( أو تحته ) مفروشة ( ودنانير كذلك ) أي عليه أو تحته ولو منثورة
( ودار هو فيها وحده ) وحصته منها إن كان معه فيها غيره لأن له يدا واختصاصا كالبالغ والأصل الحرية ما لم يعرف غيرها وقولي وحده من زيادتي ( لا مال مدفون ) ولو تحته أو كان فيه أو مع اللقيط رقعة مكتوب فيها أنه له كالمكلف نعم إن حكم بأن المكان له فهو له مع المكان
( و ) لا مال ( موضوع بقربه ) كالبعيد عنه بخلاف الموضوع بقرب المكلف لأن له رعاية
( ثم ) إن لم يعرف له مال عام ولا خاص ولو محكوما بكفره بأن وجد ببلد كفر ليس بها مسلم فمؤنته ( في بيت مال ) من سهم المصالح
( ثم ) إن لم يكن فيه مال أو كان ثم ما هو أهم ( يقترض عليه حاكم ) وهذا من زيادتي
( ثم ) إن عسر الاقتراض وجبت ( على موسرينا ) أي المسلمين ( قرضا ) بالقاف عليه إن كان حرا والإ فعلى سيده والمعنى على جهة القرض فالنصب بنزع الخافض والتقييد باليسار من زيادتي
( وللاقطه استقلال بحفظ ماله ) كحفظه ( وإنما يمونه منه بإذن حاكم ) لأن ولاية المال لا تثبت لغير أب وجد من الأقارب فالأجنبي أولى
( ثم ) إن لم يجده مانه ( بإشهاد ) وهذا من زيادتي فإن مانه بدون ذلك ضمن
____________________
(1/456)
فصل في الحكم بإسلام اللقيط وغيره بتبعية أو بكفرهما كذلك ( اللقيط مسلم ) تبعا للدار وما ألحق بها
( وإن استلحقه كافر ) هو أولى من قوله ذمي ( بلا بينة ) بنسبه هذا
( إن وجد بمحل ) ولو بدار كفر ( به مسلم ) يمكن كونه منه ولو أسيرا منتشرا أو تاجرا أو مجتازا تغليبا للإسلام ولأنه قد حكم بإسلامه فلا يغير بمجرد دعوى الاستلحاق
( و ) لكن ( لا يكفي اجتيازه بدار كفر ) بخلافه بدارنا لحرمتها ولو نفاه المسلم قبل في نفي نسبه لا نفي إسلامه أما إذا استلحقه الكافر ببينة أو وجدا للقيط بمحل منسوب للكفار ليس به مسلم فهو كافر
( ويحكم بإسلام غير لقيط صبي أو مجنون تبعا لأحد أصوله ) بأن يكون أحد أصوله ولو من قبل الأم مسلما وقت العلوق به أو بعده قبل بلوغ أو إفاقة وإن كان ميتا والأقرب منه حيا كافرا تغليبا للإسلام
( و ) تبعا ( لسابيه المسلم ) ولو غير مكلف ( إن لم يكن معه ) في السبي ( أحدهم ) أي أحد أصوله لأنه صار تحت ولايته فإن كان معه فيه أحدهم لم يتبع السابي لأن تبعية أحدهم أقوى ومعنى كون أحدهم معه كما في الروضة أن يكونا في جيش واحد وغنيمة واحدة لا أنهما في ملك رجل وخرج بالمسلم الكافر فلا يحكم بإسلام مسبيه وإن كان بدارنا لأن الدار لا تؤثر فيه ولا في أولاده فكيف تؤثر في مسبيه نعم هو على دين سابيه كما قاله الماوردي وغيره
ولو سباه مسلم وكافر فهو مسلم وخرج بالتبعية إسلامه استقلالا فلا يصح كسائر عقوده وفارق صحة عباداته بأنها يتنفل بها فتقع منه نفلا بخلاف الإسلام وإنما صح إسلام علي رضي الله عنه في صغره لأن الأحكام كما قال البيهقي إنما تعلقت بالبلوغ بعد الهجرة في عام الخندق أما قبلها فهي منوطة بالتمييز وكان على مميزا حين أسلم
( فإن كفر بعد كماله ) بالبلوغ أو الإفاقة ( فيهما ) أي في هاتين التبعيتين ( فمرتد ) لسبق الحكم بإسلامه وخرج بفيهما ما لو كمل في تبعية الدار وكفر فإنه كافر أصلي لا مرتد لبنائه على ظاهرها فإذا أعرب عن نفسه بالكفر تبينا خلاف ما ظنناه وهذا معنى قولهم تبعية الدار ضعيفة نعم إن تمحض المسلمون بالدار لم يقر على كفره قطعا قاله الماوردي وأقره ابن الرفعة وذكر حكم المجنون مطلقا مع ذكر حكم الصبي فيما لو كفر بعد بلوغه بالنسبة لتبعية السابي من زيادتي وتعبيري بأحد أصوله أولى من تعبيره بأحد أبويه
____________________
(1/457)
فصل في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه ( اللقيط حر ) وإن ادعى رقه لاقط أو غيره لأن غالب الناس أحرار
( إلا أن تقام برقه بينة متعرضة لسبب الملك ) كإرث وشراء فلا يكفي مطلق الملك لأنا لا نأمن أن يعتمد الشاهد ظاهر اليد وفارق غيره كثوب ودار بأن أمر الرق خطر فاحتيط فيه وبأن المال مملوك فلا تغير دعواه وصفه بخلاف اللقيط لأنه حر ظاهرا
( أو يقربه ) بعد كماله ( ولم يكذبه المقر له ) هو أولى من قوله فصدقه
( ولم يسبق إقراره ) بعد كماله ( بحرية ) فيحكم برقه في الصورتين وإن سبق منه تصرف يقتضيها كبيع ونكاح نعم إن وجد بدار حرب لا مسلم فيها ولا ذمي فرقيق كسائر صبيانهم ونسائهم قاله البلقيني وكلامهم يقتضيه أما إذا أقربه لمكذبه أو سبق أقراره بالحرية فلا يقبل إقراره بالرق وإن عاد المكذب وصدقه لأنه لما كذبه حكم بحريته بالأصل فلا يعود رقيقا
( ولا يقبل إقراره به ) أي بالرق ( في تصرف ماض مضر بغيره ) بخلافه في مستقبل وإن أضر بغيره وماض لا يضر بغيره
( فلو لزمه دين فأقر برق وبيده مال قضى منه ) ولا يجعل للمقر له بالرق إلا ما فضل عن الدين فإن بقي من الدين شيء اتبع به بعد عتقه أما التصرف الماضي المضر به فيقبل إقراره بالنسبة إليه ولو كان اللقيط امرأة متزوجة ولو ممن لا يحل له نكاح الأمة وأقرت بالرق لم ينفسخ نكاحها وتسلم لزوجها ليلا ونهارا ويسافر بها زوجها بغير إذن سيدها وولدها قبل إقرارها حر وبعده رقيق وتعتد بثلاثة أقراء للطلاق وشهرين وخمسة أيام للموت وحذفت من الأصل هنا حكم ما لو ادعى رق صغير بيده جهل لقطه لذكره له في الدعوى والبينات وسيأتي بيناه ثم مع زيادة
( ولو استلحق نحو صغير ) هو أعم من قوله ولو استلحق اللقيط ( رجل ) ولو كافرا أو عبدا أو غير لاقط
( لحقه ) بشروطه السابقة في الإقرار لأنه أقر له بحق فأشبه ما لو أقر له بمال له ولإمكان حصوله منه بنكاح أو وطء شبهة لكن لا يسلم للعبد باشتغاله بخدمة سيده ولا نفقة عليه إذ لا مال له أما المرأة إذا استلحقته فلا يلحقها خلية كانت أو لا إذ يمكنها إقامة البينة على ولادتها بالمشاهدة بخلاف الرجل
( أو ) استلحقه ( اثنان قدم ببينة ) لا بإسلام وحرية فلا يقدم أحد بشيء منهما لأن كل من اتصف بشيء منهما أو من ضدهما أهل لو انفرد فلا بد من مرجح
( ف ) إن لم تكن بينة أو تعارضت بينتان قدم ( بسبق استلحاق ) من أحدهما ( مع يد ) له ( من غير لقط ) لثبوت النسب منه معتضدا باليد فاليد عاضدة لا مرجحة لأنها لا تثبت النسب
____________________
(1/458)
بخلاف الملك أما يد اللقط فلا عبرة بها حتى لو استلحق اللاقط اللقيط ثم ادعاه آخر عرض على القائف كما يعلم مما يأتي ولو أقام اثنان بينتين مؤرختين بتاريخين فلا ترجيح وقولي بسبق إلى آخره من زيادتي
( ف ) إن لم يكن سبق بقيده السابق قدم ( بقائف ) وجد وسيأتي بيانه آخر كتاب الدعوى
( فإن عدم ) أي القائف أي لم يوجد بدون مسافة قصر ( أو ) وجد ولكن ( تحير أو نفاه عنهما أو ألحقه بهما انتسب بعد كماله لمن يميل طبعه إليه ) منهما أو من ثالث بحكم الجبلة لا بمجرد التشهي فإن امتنع من الانتساب عنادا حبس وعليهما المؤنة مدة الانتظار فإذا انتسب إلى حدهما رجع الآخر عليه بما مان إن مان بإذن الحاكم وإن انتسب إلى ثالث وصدقه لحقه ولو لم يمل طبعه إلى أحد وقف الأمر إلى انتسابه ثم بعد انتسابه متى ألحقه القائف بغيره بطل الانتساب لأن إلحاقه حجة أو حكم وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به
____________________
(1/459)
كتاب الجعالة بتثليث الجيم واقتصر جماعة على كسرها وآخرون على كسرها وفتحها وهي كالجعل والجعيلة لغة اسم لما يجعل للإنسان على فعل شيء وشرعا التزام عوض معلوم على عمل معين
والأصل فيها قبل الإجماع خبر الذي رقاه الصحابي بالفاتحة على قطيع من الغنم كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وهو الراقي كما رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والقطيع ثلاثون رأسا من الغنم وأيضا الحاجة قد تدعو إليها فجازت كالمضاربة والإجارة
( أركانها ) أربعة ( عمل وجعل وصيغة وعاقد وشرط فيه اختيار وإطلاق تصرف ملتزم ) ولو غير المالك فلا يصح التزام مكره وصبي ومجنون ومحجور سفه
( وعلم عامل ) ولو مبهما ( بالإلتزام ) فلو قال إن رده زيد فله كذا فرده غير عالم بذلك أو من رد آبقي فله كذا فرده من لم يعلم ذلك لم يستحق شيئا
( وأهلية عمل عامل معين ) فيصح ممن هو أهل لذلك ولو عبدا وصبيا ومجنونا ومحجور سفه ولو بلا إذن بخلاف صغير لا يقدر على العمل لأن منفعته معدومة كاستئجار أعمى للحفظ
( و ) شرط ( في العمل كلفة وعدم تعيينه ) فلا جعل فيما لا كلفة فيه كأن قال من دلني على مالي فله كذا فدله والمال بيد غيره ولا كلفة ولا فيما تعين عليه كأن قال من رد مالي فله كذا فرده من هو بيده وتعين عليه الرد لنحو غصب وإن كان فيه كلفة لأن ما لا كلفة فيه وما تعين عليه شرعا لا يقابلان بعوض وما لا يتعين شامل للواجب على الكفاية كمن حبس ظلما فبذل مالا لمن يتكلم في خلاصه بجاهه أو غيره فإنه جائز كما نقله النووي في فتاويه
( و ) عدم ( تأقيته ) لأن تأقيته قد يفوت الغرض فيفسده وسواء كان العمل الذي يصح العقد عليه معلوما أم مجهولا عسر علمه للحاجة كما في عمل القراض بل أولى فإن لم يعسر علمه اعتبر ضبطه إذ لا حاجة إلى احتمال الجهل ففي بناء حائط يذكر موضعه وطوله وعرضه وارتفاعه وما يبني به وفي الخياطة يعتبر وصفها ووصف الثوب وأكثر ما ذكر من زيادتي
( و ) شرط ( في الجعل ما ) مر ( في الثمن ) هو أولى مما ذكره فما لا يصح ثمنا لجهل أو
____________________
(1/460)
نجاسة أو غيرهما يفسد العقد كالبيع ولأنه مع الجهل لا حاجة إلى احتماله كالإجارة بخلافه في العمل والعامل ولأنه لا يكاد أحد يرغب في العمل مع جهله بالجعل فلا يحصل مقصود العقد ويستثنى من ذلك مسألة العلج وستأتي في الجهاد وما لو وصف الجعل بما يفيد العلم وإن لم يصح كونه ثمنا لأن البيع لازم فاحتيط له بخلاف الجعالة
( وللعامل في ) جعل ( فاسد يقصد أجرة ) كالإجارة الفاسدة بخلاف ما لا يقصد كالدم وتعبيري بما ذكر أعم وأولى مما عبر به
( و ) شرط ( في الصيغة لفظ ) أو ما في معناه مما مر في الضمان
( من طرف الملتزم يدل على إذنه في العمل بجعل ) لأنها معاوضة فافتقرت إلى صيغة تدل على المطلوب كالإجارة بخلاف طرف العامل لا يشترط له صيغة
( فلو عمل ) أحد ( بقول أجنبي قال زيد من رد عبدي فله كذا وكان كاذبا فلا شيء له ) لعدم الالتزام فإن كان صادقا فله على زيد ما التزمه إن كان المخبر ثقة وإلا فهو كما لو رد عبد زيد غير عالم بإذنه والتزامه وفي ذلك إشكال ذكرته مع جوابه في شرح الروض
( ولمن رده من أقرب ) من المكان المعين ( قسطه ) من الجعل فإن رده من أبعد منه فلا زيادة له لعدم التزامها أو من مثله من جهة أخرى فله كل الجعل كما صححه الخوارزمي لحصول الغرض ويؤيده جواز ذلك في إجارة ولم يطلع السبكي على ذلك فبحث أن الأولى عدم استحقاقه وكذا الأذرعي لكنه رجع عنه ومال إلى استحقاقه
( ولو رده اثنان ) مثلا معينين كانا أولا ( فلهما الجعل ) بالسوية ( إلا إن عين أحدهما ) فقط ( فله كله ) أي الجعل ( إن قصد الآخر اعانته ) فقط ( وإلا ) بأن قصد الآخر العمل لنفسه أو للملتزم أو لهما أو لنفسه والعامل أو للعامل والملتزم أو للجميع أو لم يقصد شيئا فقولي وإلا أعم من قوله وإن قصد العمل للمالك
( ف ) للمعين ( قسطه ) وهو في المثال نصف الجعل في الصور الثلاث الأول والأخيرة وثلاثة أرباعه في الرابعة والخامسة وثلثاه في السادسة
( ولا شيء للآخر ) حينئذ لعدم الالتزام له
( وقبل فراغ ) من العمل الصادق ذلك بما قبل الشروع فيه
( للملتزم تغيير ) بزيادة أو نقص في الجعل أو العمل كما في البيع في زمن الخيار وتعبيري هنا وفيما يأتي بالملتزم أعم من تعبيره بالمالك وحكم التغيير في العمل من زيادتي ( فإن كان ) التغيير ( بعد شروع ) في العمل ( أو ) قبله و ( عمل ) العامل ( جاهلا ) بذلك ( فله أجرة ) أي أجرة مثله لأن النداء الثاني فسخ للأول والفسخ من الملتزم في أثناء العمل يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل وألحق به فسخه بالتغيير قبل العمل المذكور فإن عمل في هذه عالما بذلك فله المسمى الثاني ويستثنى من الأول ما لو علم المسمى الثاني فقط فله منه قسط ما عمله بعد علمه فيما يظهر وإن أفهم كلام بعضهم أن له بذلك كل المسمى الثاني وقولي أو عمل
____________________
(1/461)
جاهلا من زيادتي
( ولكل ) منهما ( فسخ ) للجعالة لأنها عقد جائز من الطرفين كالقراض والشركة
( وللعامل أجرة ) أي أجرة مثله ( إن فسخ الملتزم ) ولو بإعتاق الرقيق ( بعد شروع ) في العمل كما في القراض واستشكل لزوم أجرة المثل بما لو مات الملتزم في أثناء المدة حيث تنفسخ ويجب القسط من المسمى وأي فرق بين الفسخ والانفساخ ويجاب بأن الملتزم ثم لم يتسبب في إسقاط المسمى والعامل ثم تمم العمل بعد الانفساخ ولم يمنعه الملتزم منه بخلافه هنا
( وإلا ) بأن فسخ أحدهما قبل الشروع أو العامل بعده
( فلا شيء ) له وإن وقع العمل مسلما كأن شرط له جعلا في مقابلة بناء حائط فبنى بعضه بحضرته لأنه لم يعمل شيئا في الأولى وفسخ ولم يحصل غرض الملتزم في الثانية نعم إن فسخ فيها لزيادة الملتزم في العمل فله الأجرة
( كما لو تلف مردوده ) هو أعم من قوله مات الآبق
( أو هرب قبل وصوله ) لمالكه فإنه لا شيء له لأنه لم يرده وكذا تلف سائر محال الأعمال نعم إن وقع العمل مسلما وظهر أثره على المحل استحق الأجرة كما أوضحته في شرح البهجة وغيره
( ولا يحبسه لاستيفاء ) للجعل لأنه إنما يستحقه بالتسليم ولا للمؤنة أيضا كما شمله كلامي بخلاف قول الأصل لقبض الجعل
( وحلف ملتزم أنكر شرط جعل أوردا ) فيصدق لأن الأصل عدمه فإن اختلفا بعد استحقاق في قدر جعل أو قدر مردود تحالفا وللعامل أجرة المثل كما علم من باب الاختلاف في كيفية العقد وكتاب القراض والله سبحانه وتعالى أعلم 2
____________________
(1/462)
كتاب الفرائض أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة بمعنى مفروضة أي مقدرة لما فيها من السهام المقدرة فغلبت على غيرها
والفرض لغة التقدير
وشرعا هنا نصيب مقدر شرعا للوارث
والأصل فيه قبل الإجماع آيات المواريث والأخبار كخبر الصحيحين ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر وعلم الفرائض يحتاج كما نقله القاضي عن الأصحاب إلى ثلاثة علوم علم الفتوى وعلم النسب وعلم الحساب ( يبدأ من تركة ميت ) وجوبا ( بما ) أي بحق ( تعلق بعين ) منها لا بحجر والعين التي تعلق بها حق ( كزكاة ) أي كمال وجبت فيه لأنه كالمرهون بها ( وجان ) لتعلق أرش الجناية برقبته
( ومرهون ) لتعلق دين المرتهن به ( وما ) أي ومبيع ( مات مشتريه مفلسا ) بثمنه ولم يتعلق به حق لازم ككتابة لتعلق حق فسخ البائع به سواء أحجر عليه قبل موته أم لا أما تعلق حق الغرماء بالأموال بالحجر فلا يبدأ فيه بحقهم بل بمؤن التجهيز كما نقله في الروضة عن الأصحاب في الفلس ( فبمؤن تجهيز ممونه ) من نفسه وغيره فهو أعم من قوله بمؤنة تجهيزه ( بمعروف ) بحسب يساره وإعساره ولا عبرة بما كان عليه في حياته من إسرافه وتقتيره وهذا من زيادتي ( فب ) قضاء ( دينه ) المطلق الذي لزمه لوجوبه عليه ( ف ) بتنفيذ ( وصيته ) وما ألحق بها كعتق علق بالموت وتبرع نجز في مرض الموت ( من ثلث باق ) وقدمت على الإرث لقوله تعالى { من بعد وصية يوصي بها أو دين } وتقديما لمصلحة الميت كما في الحياة ومن للابتداء فتدخل الوصايا بالثلث وببعضه ( والباقي ) من تركته من حيث التسلط عليه بالتصرف ( لورثته ) على ما يأتي بيانه
وللإرث أربعة أسباب لأنه إما ( بقرابة ) خاصة ( أو نكاح أو ولاء أو إسلام ) أي جهته فتصرف التركة أو
____________________
(2/3)
باقيها كما سيأتي لبيت المال إرثا للمسلمين عصوبة لخبر أبي داود وغيره أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه وهو صلى الله عليه وسلم لا يرث شيئا لنفسه بل يصرفه للمسلمين ولأنهم يعقلون عن الميت كالعصبة من القرابة ويجوز تخصيص طائفة منهم بذلك وصرفه لمن ولد أو أسلم أو عتق بعد موته أو لمن أوصى له لا لقاتله وقد أوضحت ذلك في شرح الروض وللإرث أيضا شروط ذكرها ابن الهائم في فصوله وبينتها في شرحيها وله موانع تأتي ( والمجمع على إرثه من الذكور ) بالاختصار ( عشرة ) وبالبسط خمسة عشر ( ابن وابنه وإن نزل وأب وأبوه وإن علا وأخ مطلقا ) أي لأبوين أو لأب أو لأم ( وعم وابنه وابن أخ لغير أم ) أي لأبوين أو لأب في الثلاثة وإن بعدوا ( وزوج وذو ولاء
و ) المجمع على إرثه ( من الإناث ) بالاختصار ( سبع ) وبالبسط عشر ( بنت وبنت ابن وإن نزل ) أي الابن ( وأم وجدة ) أم أب وأم أم وإن علتا ( وأخت ) مطلقا ( وزوجة وذات ولاء )
وتعبيري بذو ولاء وذات ولاء أعم من تعبيره بالمعتق والمعتقة ( فلو اجتمع الذكور فالوارث أب وابن وزوج ) لأن غيرهم محجوب بغير الزوج ومسألتهم من إثني عشر ثلاثة للزوج وإثنان للأب والباقي للابن ( أو ) اجتمع ( الإناث ف ) الوارث ( بنت وبنت ابن وأم وأخت لأبوين وزوجة ) وسقطت الجدة بالأم وذات الولاء بالأخت المذكورة كما سقط بها الأخت للأب وبالبنت الأخت للأم
ومسألتهن من أربعة وعشرين ثلاثة للزوجة وإثنا عشر للبنت وأربعة لكل من بنت الابن والأم والباقي للأخت ( أو ) اجتمع ( الممكن ) اجتماعه ( منهما ) أي من الصنفين ( ف ) الوارث ( أبوان ) أي أب وأم ( وابن وبنت وأحد زوجين ) أي الذكر إن كان الميت أنثى والأنثى إن كان الميت ذكرا
والمسألة الأولى أصلها من إثني عشر وتصح من ستة وثلاثين والثانية من أربعة وعشرين وتصح من اثنين وسبعين ( فلو لم يستغرقوا ) أي الورثة من الصنفين التركة ( صرفت كلها ) إن فقدوا كلهم ( أو باقيها ) إن وجد بعضهم وهو ذو فرض ( لبيت ) ال ( مال ) إرثا ( إن انتظم ) أمره بأن يكون الإمام عادلا ( وإلا ) أي وإن لم ينتظم ( رد ما فضل ) عن الورثة ( على ذوي فروض غير زوجين بنسبتها ) أي فروض من يرد عليه ففي بنت وأم يبقى بعد إخراج فرضيهما سهمان من ستة للأم ربعهما نصف سهم فتصح المسألة من إثني عشر إن اعتبر مخرج النصف ومن أربعة وعشرين إن اعتبر مخرج الربع وهو الموافق للقاعدة وترجع بالاختصار على التقديرين إلى أربعة للبنت ثلاثة وللأم واحد وفي بنت وأم وزوج يبقى بعد إخراج فروضهم سهم من إثني عشر ثلاثة أرباعه
____________________
(2/4)
للبنت وربعه للأم فتصح المسألة من ثمانية وأربعين وترجع بالاختصار إلى ستة عشر للزوج أربعة وللبنت تسعة وللأم ثلاثة وفي بنت وأم وزوجة يبقى بعد إخراج فروضهن خمسة من أربعة وعشرين للأم ربعها سهم وربع فتصح المسألة من ستة وتسعين
وترجع بالاختصار إلى اثنين وثلاثين للزوجة أربعة وللبنت أحد وعشرون وللأم سبعة ولو كان ذو الفرض واحدا كبنت رد عليها الباقي أو جماعة من صنف واحد كبنات فالباقي بينهن بالسوية والرد ضد العول الآتي لأنه زيادة في قدر السهام ونقص من عددها والعول نقص من قدرها وزيادة في عددها ( ثم ) إن لم يوجد أحد من ذوي الفروض الذين يرد عليهم ورث ( ذوو أرحام ) وهم بقية الأقارب ( وهم ) أحد عشر صنفا ( جد وجدة ساقطان ) كأبي أم وأم أبي أم وإن عليا وهذان صنف ( وأولاد بنات ) لصلب أو لابن من ذكور وإناث
( وبنات إخوة ) لأبوين أو لأب أو لأم ( وأولاد أخوات ) كذلك ( وبنو إخوة لأم وعم لأم ) أي أخو الأب لأمه ( وبنات أعمام ) لأبوين أو لأب أو لأم ( وعمات ) بالرفع ( وأخوال وخالات ومدلون بهم ) أي بما عد الأول إذا لم يبق في الأول من يدلي به
ومن انفرد منهم حاز جميع المال ذكرا كان أو أنثى وفي كيفية توريثهم مذهبان أحدهما وهو الأصح مذهب أهل التنزيل وهو أن ينزل كل منهم منزلة من يدلي به
والثاني مذهب أهل القرابة وهو تقديم الأقرب منهم إلى الميت ففي بنت بنت وبنت بنت ابن المال على الأول بينهما أرباعا وعلى الثاني لبنت البنت لقربها إلى الميت وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الكتاب هذا كله إذا وجد أحد من ذوي الأرحام وإلا فحكمه ما قاله الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه إذا جارت الملوك في مال المصالح وظفر به أحد يعرف المصارف أخذه وصرفه فيها كما يصرفه الإمام العادل وهو مأجور على ذلك قال والظاهر وجوبه
فصل في بيان الفروض وذويها ( الفروض ) بمعنى الأنصباء المقدرة ( في كتاب الله ) تعالى للورثة ستة بعول وبدونه ويعبر عنها بعبارات أخصرها الربع والثلث وضعف كل ونصفه
فأحد الفروض ( نصف ) وبدأت به كالجمهور لأنه أكبر كسر مفرد وهو لخمسة ( لزوج ليس لزوجته فرع وارث ) بالقرابة الخاصة قال تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد }
وولد الابن وإن نزل كالولد إجماعا أو لفظ الولد يشمله بناء على إعمال اللفظ في حقيقته ومجازه وعدم فرعها
____________________
(2/5)
المذكور بأن لا يكون لها فرع
أولها فرع غير وارث كرقيق أو وارث بعموم القرابة لا بخصوصها كفرع بنت وقولي
وارث هنا وفيما يأتي في الباب من زيادتي ( ولبنت وبنت ابن وأخت لغير أم ) أي لأبوين أو لأب ( منفردات ) عمن يأتي
قال تعالى في البنت { وإن كانت واحدة فلها النصف }
ويأتي في بنت الابن ما مر في ولد الابن
وقال في الأخت { وله أخت فلها نصف ما ترك }
والمراد الأخت لأبوين أو لأب دون الأخت لأم لأن لها السدس للآية الآتية وخرج بمنفردات ما لو اجتمعن مع معصبهن أو أخواتهن أو اجتمع بعضهن مع بعض كما سيأتي بيانه
( و ) ثانيها ( ربع ) وهو لإثنين ( لزوج لزوجته فرع وارث ) بالقرابة الخاصة ذكرا كان أو غيره سواء أكان منه أيضا أم لا
قال تعالى { فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن }
وجعل له في حالتيه ضعف ما للزوجة في حالتيها لأن فيه ذكوره وهي تقتضي التعصيب فكان معها كالابن مع البنت
( ولزوجة ) فأكثر ( ليس لزوجها ذلك ) أي فرع وارث بالقرابة الخاصة
قال تعالى { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد }
( و ) ثالثها ( ثمن ) وهو ( لها ) أي لزوجة فأكثر ( معه ) أي مع فرع زوجها الوارث سواء أكان منها أيضا أم لا
قال تعالى { فإن كان لكم ولد فلهن الثمن }
والزوجان يتوارثان ولو في عدة طلاق رجعي
( و ) رابعها ( ثلثان ) وهو لأربع ( لصنف تعدد ممن فرضه نصف ) أي لثنتين
فأكثر من البنات أو بنات الابن أو الأخوات لأبوين أو لأب إذا انفردن عمن يعصبهن أو يحجبهن حرمانا أو نقصانا
قال تعالى في البنات { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك }
وبنات الابن كالبنات كما مر والبنتان وبنتا الابن مقيستان على الأختين
وقال في الأختين فأكثر { فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك } نزلت في سبع أخوات لجابر حين مرض
وسأل عن إرثهن منه فدل على أن المراد الأختان فأكثر
( و ) خامسها ( ثلث ) وهو لإثنين ( لأم ليس لميتها فرع وارث ولا عدد من إخوة وأخوات )
قال تعالى { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس }
والمراد بهم إثنان فأكثر إجماعا قبل إظهار ابن عباس الخلاف وسيأتي أنه إذا كان مع الأم أب وأحد الزوجين ففرضها ثلث الباقي ( ولعدد ) إثنين فأكثر ( من ولدها ) أي الأم يستوي فيه الذكر وغيره
قال تعالى { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث }
والمراد أولاد الأم بدليل قراءة ابن مسعود وغيره
/ < وله أخ أو أخت من أم > / والقراءة الشاذة كالخبر على الصحيح
( وقد يفرض ) أي الثلث ( لجد مع إخوة ) على ما سيأتي بيانه في فصله
( و ) سادسها ( سدس ) وهو لسبعة ( لأب وجد لميتهما فرع وارث ) قال تعالى { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } وبه يكون
____________________
(2/6)
الثلث لثلاثة وإن لم يكن الثالث في كتاب الله
والجد كالأب لما مر في الولد
والمراد جد لم يدل بأنثى وإلا فلا يرث بخصوص القرابة لأنه من ذوي الأرحام كما مر
( ولأم لميتها ذلك ) أي فرع وارث ( أو عدد من إخوة وأخوات ) إثنان فأكثر لما مر ( ولجدة ) فأكثر لأم أو لأب لأنه صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس
رواه أبو داود وغيره
وقضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما رواه الحاكم
وقال صحيح على شرط الشيخين هذا إن ( لم تدل بذكر بين أنثيين )
فإن أدلت به كأم أبي أم لم ترث بخصوص القرابة لأنها من ذوي الأرحام كما مر
فالوارث من الجدات كل جدة أدلت بمحض الإناث أو الذكور أو الإناث إلى الذكور كأم أم الأم وأم أبي الأب وأم أم الأب
( ولبنت ابن فأكثر مع بنت أو بنت ابن أعلى ) منها لقضائه صلى الله عليه وسلم بذلك في بنت ابن مع بنت
رواه البخاري وقيس بما فيه غيره
وقولي فأكثر مع أو بنت ابن أعلى من زيادتي هنا ( ولأخت فأكثر لأب مع أخت لأبوين ) كما في بنت الابن فأكثر مع البنت ( ولواحد من ولد أم ) ذكر كان أو غيره لما مر فأصحاب الفروض ثلاثة عشر أربعة من الذكور والزوج والأب والجد والأخ للأم وتسعة من الإناث الأم والجدتان والزوجة والأخت للأم وذوات النصف الأربع وعلم من هنا
ومما يأتي أن المراد بهم من يرث بالفرص وإن كان يرث بالتعصيب أيضا
فصل في الحجب حرمانا بالشخص أو بالاستغراق والحجب لغة المنع وشرعا منع من قام به سبب الإرث بالكلية أو من أوفر حظية
ويسمى الأول حجب حرمان وهو قسمان حجب بالشخص أو بالاستغراق وحجب بالوصف
وسيأتي والثاني حجب نقصان وقد مر
( لا يحجب أبوان وزوجان وولد ) ذكرا كان أو غيره عن الإرث ( بأحد ) إجماعا وضابطهم كل من أدلى إلى الميت بنفسه إلا المعتق والمعتقة
( بل ) يحجب غيرهم فيحجب ( ابن ابن بابن ) سواء كان أباه أم عمه ( أو ابن ابن أقرب منه
و ) يحجب ( جد ) أبو أب وإن علا ( بمتوسط بينه وبين الميت ) كالأب وأبيه ( و ) يحجب ( أخ لأبوين بأب وابن وابنه ) وإن نزل إجماعا ( و ) يحجب أخ ( لأب بهؤلاء ) الثلاثة ( وأخ لأبوين ) وبأخت لأبوين معها بنت ابن كما
____________________
(2/7)
سيأتي
( و ) يحجب ( أخ لأم بأب وجد وفرع وارث ) وإن نزل ذكرا كان أو غيره
( و ) يحجب ( ابن أخ لأبوين بأب وجد ) أبيه وإن علا ( وابن وابنه )
وإن نزل ( وأخ لأبوين و ) أخ ( لأب ) لأنه أقرب منه
( و ) يحجب ابن أخ ( لأب بهؤلاء ) الستة ( وابن أخ لأبوين ) لأنه أقوى منه
ويحجب ابن ابن أخ لأبوين بابن أخ لأب لأنه أقرب منه
( و ) يحجب ( عم لأبوين بهؤلاء ) السبعة ( وابن أخ لأب ) لذلك ( و ) يحجب عم ( لأب بهؤلاء ) الثمانية ( وعم لأبوين ) لأنه أقوى منه ( و ) يحجب ( ابن عم لأبوين بهؤلاء ) التسعة ( وعم لأب ) لأنه أقرب منه ( و ) يحجب ابن عم ( ( و ) لأب بهؤلاء ) العشرة ( وابن عم لأبوين ) لأنه أقوى منه ويحجب ابن ابن عم لأبوين بابن عم لأب
( فإن قلت ) كل من العم لأبوين ولأب يطلق على عم الميت وعم أبيه وعم جده مع أن ابن عم الميت وإن نزل يحجب عم أبيه وابن عم أبيه وإن نزل يحجب عم جده
( قلت ) المراد بقرينة السياق عم الميت لا عم أبيه ولا عم جده ( و ) تحجب ( بنات ابن بابن أو بنتين إن لم يعصبن ) بنحو أخ أو ابن عم فإن عصبن به أخذن معه الباقي بعد ثلثي البنتين بالتعصيب ( و ) تحجب ( جدة لأم بأم ) لأنها تدلي بها
( و ) تحجب جدة ( لأب بأب ) لأنها تدلي به ( وأم ) بالإجماع ولأن إرثها بالأمومة والأم أقرب منها
( و ) تحجب ( بعدى كل جهة بقرباها ) كأم أم وأم أم أم وكأم أب وأم أم أب
( و ) تحجب ( بعدى جهة أب بقربى جهة أم ) كأم أم وأم أم أب كما أن أم الأب تحجب بالأم ( لا العكس ) أي لا تحجب بعدي جهة الأم بقربي جهة الأب كأم أب وأم أم أم بل يشتركان في السدس لأن الأب لا يحجب الجدة من جهة الأم فالجدة التي تدلي به أولى ( وأخت ) من كل الجهات ( كأخ ) فيما يحجب به فتحجب الأخت لأبوين بالأب والابن وابن الابن ولأب بهؤلاء وأخ لأبوين ولأم بأب وجد وفرع وارث نعم
الأخ لأبوين أو لأب لا تسقط بالفروض المستغرقة بخلاف الأخ كما يؤخذ مما يأتي
( و ) تحجب ( أخوات لأب بأختين لأبوين ) كما في بنات الابن مع البنات فإن كان معهن أخ عصبهن كما سيأتي
ويحجبن أيضا بأخت لأبوين معها بنت أو بنت ابن كما سيأتي
( و ) تحجب ( عصبة ) ممن يحجب ( باستغراق ذوي فروض ) للتركة كزوج وأم وأخ منها وعم فالعم محجوب بالاستغراق
( و ) يحجب ( من له ولاء ) ذكرا كان أو غيره ( بعصبة نسب ) لأنها أقوى منه ( والعصبة ) ويسمى بها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث كما قاله المطرزي وغيره ( من لا مقدر له من الورثة ) ويدخل فيه من يرث بالفرض والتعصيب كالأب والجد من جهة التعصيب
____________________
(2/8)
وتعبيري بالورثة أعم من تعبيره بالمجمع على توريثهم ( فيرث التركة ) إن لم يكن معه ذو فرض ولم ينتظم في صورة ذوي الأرحام بيت المال ( أو ما فضل عن الفرض ) إن كان معه ذو فرض
ولم ينتظم في تلك الصورة بيت المال وكان ذو الفرض فيها أحد الزوجين ويسقط عند الاستغراق إلا إذا انقلب إلى الفرض كالشقيق في المشتركة كما سيأتي
ويصدق قولي فيرث التركة بالعصبة بنفسه وبنفسه وغيره معا وما بعده بذلك وبالعصبة مع غيره وتعبيري هنا وفيما يأتي بالتركة أعم من تعبيره بالمال
فصل في كيفية إرث الأولاد وأولاد الابن انفرادا واجتماعا ( لابن فأكثر التركة ) إجماعا ( ولبنت فأكثر ما مر ) في الفروض من أن للبنت النصف وللأكثر الثلثين
وذكر هنا تتميما للأقسام وتوطئة لقولي ( ولو اجتمعا ) أي البنون والبنات
( ف ) التركة لهم ( للذكر مثل حظ الإنثيين ) قال تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين }
قيل وفضل الذكر بذلك لاختصاصه بلزوم ما لا يلزم الأنثى من الجهاد وغيره ( وولد الابن ) وإن نزل ( كالولد ) فيما ذكر إجماعا
( فلو اجتمعا والولد ذكر ) أو ذكر معه أنثى كما فهم بالأولى ( حجب ولد الابن ) إجماعا ( أو أنثى ) وإن تعددت ( فله ) أي الولد الابن ( ما زاد على فرضها ) من نصف أو ثلثين إن كانوا ذكورا أو ذكورا وإناثا بقرينة ما يأتي
( ويعصب الذكر ) في الثانية ( من في درجته ) كأخته وبنت عمه ( وكذا من فوقه ) كعمته وبنت عم أبيه ( إن لم يكن لها سدس ) وإلا فلا يعصبها
( فإن كان ) ولد الابن ( أنثى ) وإن تعددت ( فلها مع بنت سدس ) كما مر تكملة الثلثين
( ولا شيء لها مع أكثر منها ) كما مر بالإجماع ( وكذا كل طبقتين منهم ) أي من ولد الابن فولد ابن الابن مع ولد الابن كولد الابن مع الولد فيما تقرر وهكذا
فصل في كيفية إرث الأب والجد وإرث الأم في حالة ( الأب يرث بفرض مع ) وجود ( فرع ذكر وإرث )
وفرضه السدس كما مر ومعلوم أنه
____________________
(2/9)
كغيره ممن له فرض يرث به في العول وعدمه إذا لم يفضل أكثر منه كأن يكون معه بنتان وأم أو بنتان وأم وزوج
( و ) يرث ( بتعصيب مع فقد فرع وارث ) فإن كان معه وارث آخر كزوج أخذ الباقي بعده وإلا أخذ الجميع
( و ) يرث ( بهما ) أي بالفرض والتعصيب ( مع فرع أنثى وارث ) فله السدس فرضا والباقي بعد فرضيهما يأخذه بالتعصيب ( ولأم ) ثلث أو سدس كما مر في الفروض
ولها ( مع أب وأحد زوجين ثلث باق ) بعد الزوج أو الزوجة لا ثلث الجميع ليأخذ الأب مثلي ما تأخذه الأم
واستبقوا فيهما لفظ الثلث محافظة على الأدب في موافقة قوله تعالى { وورثه أبواه فلأمه الثلث }
وإلا فما تأخذه الأم في الأولى سدس وفي الثانية ربع والأولى من ستة والثانية من أربعة
وتلقبان بالغراوين لشهرتهما تشبيهما لهما بالكوكب الأغر وبالعمريتين لقضاء عمر رضي الله عنه فيهما بما ذكر وبالغريبتين لغرابتهما ( وجد لأب كأب ) في أحكامه
( إلا أنه لا يرد الأم لثلث باق ) في هاتين المسئلتين لأنه لا يساويها في الدرجة بخلاف الأب
( ولا يسقط ولد غير أم ) أي ولد أبوين أو أب بل يقاسمه كما سيأتي بخلاف الأب فإنه يسقطه كما مر
( ولا ) يسقط ( أم أب ) لأنها لم تدل به بخلافها في الأب وإن تساويا في أن كلا منهما يسقط أم نفسه
فصل في إرث الحواشي ( ولد أبوين ) ذكرا كان أو أنثى يرث ( كولد ) فللذكر الواحد فأكثر جميع التركة وللأنثى النصف وللأنثيين
فأكثر الثلثان وللذكر مثل حظ الأنثيين عند اجتماع الذكور والإناث ( وولد أب كولد أبوين ) في أحكامه
قال تعالى فيهما { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت } الآية
( إلا في المشركة ) بفتح الراء المشددة وقد تكسر وتسمى الحمارية والحجرية واليمية والمنبرية
( وهي زوج وأم وولدا أم وأخ لأبوين فيشارك الأخ ) لأبوين ولو مع من يساويه من الإخوة والأخوات ( ولدي الأم ) في فرضهما لاشتراكه معهما في ولادة الأم لهم
وأصل المسألة من ستة فإذا لم يكن مع الأخ من يساويه فثلثها منكسر عليهم
ولا وفق فيضرب عددهم في الستة فتصح من ثمانية عشر
والجدة فيها كالأم حكما
( ولو كان ) الأخ أخا ( لأب سقط ) لعدم ولادته من الأم المقتضية للمشاركة وأسقط من معه من أخواته المساويات له
ويسمى الأخ المشؤوم ولو كان بدل الأخ أخت لأبوين أو لأب فرض لها النصف أو أكثر فالثلثان وأعيلت
____________________
(2/10)
المسألة ولو كان بدله خنثى صحت المسألة من ثمانية عشر نظير ما مر ستة للزوج وإثنان للأم وأربعة لولدي الأم وإثنان للخنثى
وتوقف أربعة
فإن بان ذكرا رد على الزوج ثلاثة وعلى الأم واحد أو أنثى أخذها
( واجتماع الصنفين ) أي ولد الأبوين وولد الأب ( كاجتماع الولد ولد الابن ) فإن كان ولد الأبوين ذكرا أو ذكرا معه أنثى حجب ولد الأب أو أنثى
وإن تعددت فله ما زاد على فرضها فإن كان أنثى فلها مع شقيقة سدس ولا شيء لها مع أكثر ( إلا أن الأخت لا يعصبها إلا أخوها ) أي فلا يعصبها ابن أخيها بخلاف بنت الابن يعصبها من في درجتها ومن هو أنزل منها كما مر
فلو ترك شخص أختين لأبوين وأختا لأب وابن أخ لأب فللأختين الثلثان والباقي لابن الأخ ولا يعصب الأخت ( وأخت لغير أم ) أي لأبوين أو لأب ( مع بنت أو بنت ابن فأكثر عصبة ) كالأخ ( فتسقط أخت لأبوين ) اجتمعت ( مع بنت ) أو بنت ابن ( ولد أب )
روى البخاري أن ابن مسعود سئل عن بنت وبنت ابن وأخت فقال لأقضين فيها بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم للإبنة النصف ولابنة الابن السدس وما بقي فللأخت وتعبيري بولد الأب أعم من تعبيره بالأخوات ( وابن أخ لغير أم كأبيه ) اجتماعا وانفرادا
ففي الانفراد يستغرق التركة وفي الاجتماع يسقط ابن الأخ لأب بابن الأخ لأبوين
( لكن ) يخالفه في أنه ( لا يرد الأم ) من الثلث ( للسدس ولا يرث مع الجد ولا يعصب أخته ) بخلاف أبيه في الجميع كما مر ( ويسقط في المشركة ) بخلاف أبيه الشقيق كما مر ( وعم لغير أم ) أي لأبوين أو لأب ( كأخ كذلك ) أي لغير الأم اجتماعا وانفرادا
فمن انفرد منهما أخذ كل التركة وإذا اجتمعا سقط العم لأب بالعم لأبوين ( وكذا باقي عصبة نسب ) كبني العم وبني بنيه وبني بني الإخوة
فصل في الإرث بالولاء
( من لا عصبة بنسب فتركته أو الفاضل ) منها عن الفرض ( لمعتقه ) بالإجماع
( ف ) إن فقد المعتق فهو ( لعصبته بنفسه ) في النسب كابنه وأخيه بخلاف عصبته بغيره أو مع غيره كبنته وأخته مع معصبهما
وكأخته مع بنته لأنهما ليستا عصبة بنفسهما
وتعتبر أقرب عصبات المعتق وقت
____________________
(2/11)
موت العتيق فلو مات المعتق عن ابنين ثم مات أحدهما عن ابن ثم مات العتيق فولاؤه لابن المعتق دون ابن ابنه
وترتيبهم ( كترتيبهم في نسب ) فيقدم ابن المعتق ثم ابن ابنه وإن نزل ثم أبوه ثم جده وإن علا وهكذا
( لكن يقدم أخو معتق وابن أخيه على جده ) بخلافه في النسب فإن الجد يشارك الأخ ويسقط ابن الأخ كما مر
ولو كان للمعتق ابنا عم أحدهما أخ لأم قدم هنا لتمحض الإخوة للترجيح
وكذا يقدم العم وابنه على أبي الجد هنا بخلافه في النسب ( ف ) إن فقدت عصبة نسب المعتق فما ذكر ( لمعتق المعتق فعصبته كذلك ) أي كما في عصبة المعتق ثم معتق معتق المعتق وهكذا ثم بيت المال فلو اشترت بنت أباها فعتق عليها ثم اشترى الأب عبدا وأعتقه ثم مات الأب عنها وعن ابن ثم مات عتيقه عنهما فميراثه للابن دون البنت لأنه عصبة معتق من النسب بنفسه والبنت معتقه المعتق والأول أقوى وتسمى هذه مسألة القضاة لما قيل إنه أخطأ فيها أربعمائة قاض غير المتفقهة حيث جعلوا الميراث للبنت ( ولا ترث امرأة بولاء إلا عتيقها أو منتميا إليه بنسب ) كابنه
وإن نزل ( أو ولاء ) كعتيقه فإنها ترثه بالولاء ويشركها فيه الرجل ويزيد عليها بكونه عصبة معتق من نسب بنفسه كما علم أكثر ذلك مما مر
وسيأتي بيان انجرار الولاء في فصله
فصل في بيان ميراث الجد والإخوة
( لجد ) اجتمع ( مع ولد أبوين أو ) ولد ( أب بلاذي فرض الأكثر من ثلث ومقاسمة كأخ )
أما الثلث فلأن له مع الأم مثلي ما لها غالبا والأخوة لا ينقصونها عن السدس فلا ينقصونه عن مثليه
وأما المقاسمة فلأنه كالأخ في إدلائه بالأب وإنما أخذ الأكثر لأنه قد اجتمع فيه جهتا الفرض والتعصيب فأخذ بأكثرهما
فإذا كان معه أخوان وأخت فالثلث أكثر أو أخ وأخت فالمقاسمة أكثر وضابطه أن الإخوة والأخوات إن كانوا مثليه وذلك في ثلاث صور أخوان أربع أخوات أخ وأختان استوى له الثلث والمقاسمة ويعبر الفرضيون فيه بالثلث لأنه أسهل وإن كانوا دون مثليه وذلك في خمس صور أخ أخت أختان ثلاث أخوات أخ وأخت فالمقاسمة أكثر أو فوقهما فالثلث أكثر ولا تنحصر صوره ( و ) له مع من ذكر ( به ) أي بذي فرض ( الأكثر من سدس وثلث باق ) بعد فرض ( ومقاسمة ) بعده ففي بنتين وجد وأخوين وأخت السدس أكثر وفي زوجة وأم وجد وأخوين وأخت ثلث الباقي أكثر وفي بنت وجد وأخ وأخت المقاسمة
____________________
(2/12)
أكثر
ولمعرفة الأكثر من الثلاثة ضابط ذكرته في شرح الروض وغيره هذا إن بقي أكثر من السدس ( فإن لم يبق أكثر من سدس ) بأن لم يبق شيء كبنتين وأم وزوج مع جد وإخوة أو بقي سدس كبنتين وأم مع جد وإخوة أو بقي دونه كبنتين وزوج مع جد وإخوة ( أخذه ) أي السدس ( ولو عائلا ) كله أو بعضه كما علم لأنه ذو فرض فيرجع إليه عند الضرورة ( وسقطت الإخوة ) لاستغراق ذوي الفروض التركة ( وكذا ) للجد ما ذكر ( معهما ) أي مع ولد الأبوين وولد الأب ( ويعد ) حينئذ أي يحسب ( ولد الأبوين عليه ولد الأب في القسمة ) فإن كان ولد الأبوين ذكرا أي أو ذكرا أو أنثى أو أنثى معها بنت أو بنت ابن كما علما ( سقط ولد الأب ) لأنهم يقولون للجد كلانا إليك سواء فنرحمك بأخوتنا ونأخذ حصتهم كما يأخذ الأب ما نقصه إخوة الأم منها مثاله جد وأخ لأبوين وأخ وأخت لأب ( وإلا ) أي وإن لم يكن ولد الأبوين من ذكر ( فتأخذ الواحدة ) منهن مع ما خصها بالقسمة ( إلى النصف و ) تأخذ ( من فوقها ) مع ما خصهن بالقسمة ( إلى الثلثين ) إن وجد ذلك
ففي جد وشقيقتين وأخ لأب المسألة من ثلاثة أو من ستة للجد الثلث والباقي وهو الثلثان للشقيقتين وسقط الأخ للأب وفي جد وشقيقتين وأخت لأب المسألة من خمسة للجد إثنان يبقى للشقيقتين ثلاثة وهي دون الثلثين فيقتصران عليها ( ولا يفضل عنهما ) أي عن الثلثين ( شيء ) لأن للجد الثلث فأكثر كما عرف آنفا ( وقد يفضل عن النصف ) شيء ( فيكون لولد الأب ) كجد وأخت لأبوين وأخ وأختين لأب للجد الثلث وللأخت النصف والباقي لأولاد الأب وهو واحد من ستة على أربعة فتضرب الأربعة في الستة فتصح المسألة من أربعة وعشرين
ولا يفرض لأخت مع جد إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وجد وأخت لغير أم ) أي لأبوين أو لأب ( فللزوج نصف وللأم ثلث وللجد سدس وللأخت نصف فتعول ) المسألة من ستة إلى تسعة ( ثم يقسم الجد والأخت نصيبهما ) وهما أربعة ( أثلاثا ) له الثلثان ولها الثلث فيضرب مخرجه في تسعة فتصح المسألة من سبعة وعشرين للأم ستة وللزوج تسعة وللجد ثمانية وللأخت أربعة
وإنما فرض لها معه ولم يعصبها فيما بقي لنقصه بتعصيبها فيه عن السدس فرضه ولو كان بدل الأخت أخ سقط أو أختان فللأم السدس ولهما السدس الباقي وسميت أكدرية لتكديرها على زيد مذهبه لمخالفتها القواعد
وقيل لتكدر أقوال الصحابة فيها وقيل لأن سائلها كان اسمه أكدر وقيل غير ذلك كما ذكرته في شرح الفصول
____________________
(2/13)
فصل في موانع الإرث وما يذكر معها ( الكافران يتوارثان )
وإن اختلفت ملتهما كيهودي ونصراني أو مجوسي ووثني لأن الملل في البطلان كالملة الواحدة
قال تعالى { فماذا بعد الحق إلا الضلال }
وقال { لكم دينكم ولي دين } لا حربي وغيره كذمي ومعاهد لانقطاع الموالاة بينهما
وقولي وغيره أعم من قوله وذمي ( ولا مسلم وكافر ) وإن أسلم قبل قسمة التركة لذلك
ولخبر الصحيحين لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ( ولا متوارثان ماتا بنحو عرق ) كهدم وحريق ( ولم يعلم أسبقهما ) موتا سواء أعلم سبق أم لا لأن من شرط الإرث تحقيق حياة الوارث بعد موت المورث وهو هنا منتف
فلو علم أسبقهما ونسي وقف الميراث إلى البيان أو الصلح وتعبيري بنحو عرق أعم من تعبيره بغرق أو هدم أو غربة
( ولا يرث نحو مرتد ) كيهودي تنصر أحدا إذ ليس بينه وبين أحد موالاة في الدين لأنه ترك دينا يقر عليه ولا يقر على دينه الذي انتقل إليه ( ولا يورث ) لذلك
لكن لو قطع شخص طرف مسلم فارتد المقطوع ومات سراية وجب قود الطرف ويستوفيه من كان وارثه لولا الردة ومثله حد القذف ونحو من زيادتي
وكذا ( كزنديق ) وهو من لا يتدين بدين فلا يرث ولا يورث لذلك ( ومن به رق ) ولو مدبرا أو مكاتبا فلا يرث ولا يورث لنقصه ولأنه لو ورث لملك واللازم باطل ( إلا مبعضا فيورث ) ما ملكه بحريته لتمام ملكه عليه ولا شيء لسيده منه لاستيفاء حقه مما اكتسبه بالرقية واستثنى أيضا كافر له أمان جنى عليه حال حريته وأمانه ثم نقض الأمان فسبي واسترق وحصل الموت بالسراية حال رقه فإن قدر الدية لورثته
( ولا يرث قاتل ) من مقتوله ( وإن لم يضمن ) بقتله لخبر الترمذي وغيره بسند صحيح
ليس للقاتل شيء أي من الميراث ولتهمة استعجال قتله في بعض الصور وسدا للباب في الباقي ولأن الإرث للموالاة والقتل قطعها
وأما المقتول فقد يرث القاتل بأن يجرحه ويضربه ثم يموت هو قبله ومن الموانع الدور الحكمي وهو أن يلزم من توريث شخص عدم توريثه كأخ أقر بابن للميت فيثبت نسب الابن ولا يرث كما مر في الإقرار وأما استبهام تاريخ الموت المذكور فمنهم من عده مانعا ومنهم من منع لما يأتي
وقد قال ابن الهائم في شرح كفايته الموانع الحقيقية أربعة القتل والرق واختلاف الدين والدور الحكمي وما زاد عليها فتسميته مانعا
مجاز والأوجه ما قاله في غيره أنها ستة هذه الأربعة والردة واختلاف العهد وأن ما زاد عليها مجاز لأن انتفاء الإرث معه لا لأنه مانع بل لانتفاء الشرط كما في جهل التاريخ أو السبب
____________________
(2/14)
كما في انتفاء النسب
( ومن فقد ) بأن انقطع خبره ( وقف ماله حتى تقوم بينة بموته أو يحكم قاض به بمضي مدة ) من ولادته ( ولا يعيش فوقها ظنا فيعطي ماله من يرثه حينئد ) أي حين قيام البينة أو الحكم فإن مات قبل ذلك ولو بلحظة لم يرث منه شيئا لجواز موته فيها وهذا عند إطلاقهما الموت فإن أسنده إلى وقت سابق لكونه سبق بمدة فينبغي أن يعطي من يرثه ذلك الوقت وإن سبقهما ولعله مرادهم نبه على ذلك السبكي في الحكم ومثله البينة بل أولى
وتعبيري بحينئذ أعم من تعبير الأصل بوقت الحكم ( ولو مات من يرثه ) المفقود قبل قيام البينة والحكم بموته ( وقفت حصته ) حتى يتبين حاله ( وعمل في ) حق ( الحاضر بالأسوأ ) فمن يسقط منهم بحياة المفقود أو موته لا يعطى شيئا حتى يتبين حاله ومن ينقص حقه منهم بذلك يقدر في حقه ذلك ومن لا يختلف نصيبه بهما يعطاه ففي زوج وعم وأخ لأب مفقود يعطى الزوج نصفه ويؤخر العم وفي جد وأخ لأبوين وأخ لأب مفقود يقدر في حق الجد حياته فيأخذ الثلث وفي حق الأخ لأبوين موته فيأخذ النصف ويبقى السدس إن تبين موته فللجد أو حياته فللأخ
( ولو خلف حملا يرث ) لا محالة بعد انفصاله بأن كان منه ( أو قد يرث ) بأن كان من غيره كحمل أخيه لأبيه فإنه إن كان ذكرا ورث أو أنثى فلا
( عمل باليقين فيه وفي غيره ) قبل انفصاله
( فإن لم يكن وارث سواه ) أي الحمل ( أو كان ) ثم ( من ) أي وارث ( قد يحجبه ) الحمل ( أو ) كان ثم من لا يحجبه ( ولا مقدر له كولد وقف المتروك ) إلى انفصاله احتياطا ولأنه حصر للحمل
( أو له مقدر أعطيه عائلا إن أمكن عول كزوجة حامل وأبوين ) لها ثمن ولهما سدسان عائلات لاحتمال أن الحمل بنتان فتعول المسألة من أربعة وعشرين إلى سبعة وعشرين وتسمى المنبرية لأن عليا رضي الله عنه كان يخطب على منبر الكوفة قائلا الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعا ويجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآب والرجعى فسئل حينئذ عن هذه المسألة فقال ارتجالا صار ثمن المرأة تسعا ومضى في خطبته
( وإنما يرث ) الحمل ( إن انفصل حيا ) حياة مستقرة ( وعلم وجوده عند الموت ) بأن ولدته لأقل من أكثر مدة الحمل ولم تكن حليلة فإن كانت حليلة فبأن تلد لدون ستة أشهر وإلا فلا يرث إلا إن اعترف الورثة بوجوده عند الموت
( والمشكل ) وهو من له آلتا الرجال والنساء أو ثقبة تقوم مقامهما ( إن لم يختلف إرثه ) بذكورة وأنوثة ( كولد أم ) ومعتق ( أخذه وإلا ) أي وإن اختلف إرثه بهما ( عمل باليقين فيه وفي غيره ويوقف ما شك فيه ) حتى يتبين الحال أو يقع الصلح ففي زوج وأب وولد خنثى للزوج
____________________
(2/15)
الربع وللأب السدس وللخنثى النصف ويوقف الباقي بينه وبين الأب
( ومن جمع جهتي فرض وتعصيب كزوج هو ابن عم ورث بهما ) لأنهما سببان مختلفان فيستغرق المال
إن انفرد ( لا كبنت هي أخت لأب بأن يطأ ) شخص بشبهة أو مجوسي في نكاح ( بنته فتلد بنتا ) وتموت عنها ( ف ) ترث ( بالبنوة ) فقط لا بها وبالأخوة لأنهما قرابتان يورث بكل منهما بالفرض منفردين فيورث بأقواهما مجتمعين لا بهما كالأخت لأبوين لا ترث النصف بأخوة الأب والسدس بأخوة الأم
وقولي لأب مع التصريح بالتصوير من زيادتي ( أو ) جمع ( جهتي فرض ف ) يرث ( بأقواهما ) فقط والقوة ( بأن تحجب إحداهما الأخرى كبنت هي أخت لأم بأن يطأ ) من ذكر ( أمه فتلد بنتا ) فترث منه بالبنوة دون الإخوة ( أو ) بأن ( لا تحجب ) إحداهما دون الأخرى ( كأم خي أخت لأب بأن يطأ ) من ذكره ( بنته فتلد بنتا ) فترث والدتها منها بالأمومة دون الإخوة لأن الأم لا تحجب بخلاف الأخت
( أو ) بأن ( تكون ) إحداهما ( أقل حجبا ) من الأخرى ( كأم أم هي أخت ) لأب ( بأن يطأ ) من ذكر ( بنته الثانية فتلد ولدا ) فالأولى أم أمه وأخته لأبيه فترث منه بالجدودة دون الأخوة لأن الجدة أم الأم إنما تحجبها الأم والأخت يحجبها جمع كما مر
( ولو زاد أحد عاصبين ) في درجة ( بقرابة أخرى كابني عم أحدهما أخ لأم ) بأن يتعاقب أخوان على امرأة فتلد لكل منهما ابنا ولأحدهما ابن من غيرها فابناه ابنا عم الابن الآخر وأحدهما أخوة لأمه ( لم يقدم ) على الآخر
( ولو حجبته بنت عن فرضه ) لأن إخوة الأم إن لم تحجب فلها فرض وإلا صارت بالحجب كأنها لم تكن فلم يرجح بها على التقديرين
فصل في أصول المسائل وبيان ما يعود منها ( إن كانت الورثة عصبات قسم المتروك ) هو أعم من قوله قسم المال ( بينهم ) بالسوية ( إن تمحضوا ذكورا ) كثلاثة بنين ( أو إناثا ) كثلاث نسوة أعتقن رقيقا بالسوية بينهن ( فإن اجتمعا ) أي الصنفان من نسب ( قدر الذكر أنثيين ) ففي ابن وبنت يقسم المتروك على ثلاثة للابن اثنان وللبنت واحد ( وأصل المسألة عدد رؤوسهم ) بعد تقدير الذكر برأسين إذا كان معه
____________________
(2/16)
أنثى ( وإن كان فيها ذو فرض ) كنصف ( أو فرضين متماثلي المخرج ) كنصفين ( فأصلها منه ) أي من المخرج والمخرج أقل عدد يصح منه الكسر ( فمخرج النصف اثنان والثلث ) والثلثين ( ثلاثة والربع أربعة والسدس ستة والثمن ثمانية ) لأن أقل عدد له نصف صحيح اثنان وكذا البقية وكلها مأخوذة من أسماء الأعداد إلا النصف فإنه من التناصف فكأن المقتسمين تناصفا واقتسما بالسوية ولو أخذ من اسم العدد لقيل له ثني بالضم كما في غيره من ثلث وربع وغيرهما ( أو مختلفيه ) أي المخرج ( فإن تداخل مخرجاهما بأن فني الأكثر بالأقل مرتين فأكثر فأصلها ) أي المسألة ( أكثرها كسدس وثلث ) في مسألة أم وولديها وأخ لغير أم فهي من ستة ( أو توافقا بأن لم يفنهما إلا عدد ثالث فأصلها حاصل من ضرب وفق أحدهما في كامل الآخر كسدس وثمن ) في مسألة أم وزوجة وابن فأصلها أربعة وعشرون حاصل ضرب وفق أحدهما وهو نصف الستة أو الثمانية في الآخر
( والمتداخلان متوافقان ولا عكس ) أي ليس كل متوافقين متداخلين فالثلاثة والستة متداخلان ومتوافقان بالثلث والأربعة والستة متوافقان من غير تداخل والمراد بالتوافق هنا مطلق التوافق الصادق بالتماثل والتداخل والتوافق لا التوافق الذي هو قسيم التداخل كما أوضحته في شرحي الفصول وغيرهما
( أو تباينا بأن لم يفنهما إلا واحد ) ولا يسمى في علم الحساب عددا ( فأصلها حاصل ضرب أحدهما في الآخر كثلث وربع ) في مسألة أم وزوجة وأخ لغير أم فأصلها اثنا عشر حاصل ضرب ثلاثة في أربعة
( فالأصول ) عند المتقدمين وهي مخارج الفروض سبعة ( اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون ) وزاد بعض المتأخرين عليها أصلين آخرين في مسائل الجد والإخوة ثمانية عشر وستة وثلاثين فأولهما كأم وجد وخمسة إخوة لغير أم وإنما كانت من ثمانية عشر لأن أقل عدد له سدس صحيح وثلث ما يبقى هو هذا العدد والثاني كزوجة وأم وجد وسبعة أخوة لغير أم وإنما كانت من ستة وثلاثين لأن أقل عدد له ربع وسدس صحيحان وثلث ما يبقى هو هذا العدد والمتقدمون يجعلون ذلك تصحيحا لا تأصيلا
قال في الروضة وطريق المتأخرين هو المختار الأصح الجاري على القاعدة وقد بسطت الكلام على ذلك في منهج الوصول إلى تحرير الفصول ( وتعول منها ) ثلاثة ( الستة لعشرة وترا وشفعا ) فتعول أربع مرات إلى سبعة كزوج وأختين
____________________
(2/17)
لغير أم للزوج ثلاثة ولكل أخت اثنان فعلت بسدسها ونقص من كل واحد سبع ما نطق له به وإلى ثمانية كهؤلاء وأم لها السدس واحد فعالت بثلثها وكزوج وأخت لغير أم وأم وتسمى المباهلة من البهل وهو اللعن ولما قضى فيها عمر بذلك خالفه ابن عباس بعد موته فجعل للزوج النصف وللأم الثلث وللأخت ما بقي ولا عول فقيل له الناس على خلاف رأيك فقال فإن شاؤوا فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين
فمسيت المباهلة لذلك
وإلى تسعة كالمثل بهم أولا للعول إلى ثمانية وأخ لأم له السدس واحد فعالت بنصفها وإلى عشرة كهؤلاء وأخ آخر لأم فعالت بثلثيها وتسمى هذه الشريحية لأنها لما رفعت للقاضي شريح جعلها من عشرة وتسمى أم الفروخ بالخاء المعجمة وبالجيم لكثرة سهامها العائلة ولكثرة الإناث فيها
( والاثنا عشر لسبعة عشر وترا ) فتعول ثلاث مرات إلى ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين لغير أم للزوجة ثلاثة وللأم اثنان ولكل أخت أربعة وإلى خمسة عشر كهؤلاء وأخ لأم له السدس اثنان وإلى سبعة عشر كهؤلاء وأخ آخر لأم له اثنان
( والأربعة والعشرون ) وتعول عولة واحدة وترا بثمنها
( لسبعة وعشرين ) كبنتين وأبوين وزوجة للبنتين ستة عشر وللأبوين ثمانية وللزوجة ثلاثة وتقدم تسميتها منبرية وإنما أعالوا ليدخل النقص على الجميع كأرباب الديون والصايا إذ ضاق المال عن قدر حصصهم
فرع في تصحيح المسائل ومعرفة أنصباء الورثة من المصحح ( إن انقسمت سهامها ) أي المسألة ( من أصلها عليهم ) أي على الورثة ( فذاك ) ظاهر كزوج وثلاثة بنين هي من أربعة لكل منهم واحد ( أو انكسرت على صنف ) منهم سهامه ( فإن باينته ضرب في المسألة بعولها ) إن عالت ( عدده ) مثاله بلا عول زوج وأخوان لغير أم هي من اثنين للزوج واحد يبقى واحد لا تصح قسمته على الأخوين ولا موافقة فتضرب عددهما في أصل المسألة فتصح من أربعة ومثاله بالعول زوج وخمس أخوات لغير أم هي من ستة وتعول إلى سبعة وتصح بضرب خمسة في سبعة فتصح من خمسة وثلاثين ( وإلا ) بأن وافتقه ( فوفقه ) يضرب فيها ( فما بلغ صحت منه ) مثاله بلا عول أم وأربعة أعمام لغير أم هي من ثلاثة للأم واحد يبقى اثنان ويوافقان عدد الأعمام بالنصف فيضرب نصفه اثنان في ثلاثة فتصح من ستة ومثاله بالعول زوج وأبوان وست بنات هي بعولها من خمسة عشر وتصح من خمسة وأربعين
( أو ) انكسرت على ( صنفين ) سهامهما ( فمن وافقت سهامه ) منهما أو من أحدهما ( عدده رد ) العدد ( لوفقه ومن لا ) بان باينت سهامه عدده ( ترك ) العدد بحاله
وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بما ذكره
____________________
(2/18)
( ثم إن تماثل عدداهما ) برد كل منهما إلى وفقه أو ببقائه على حاله أو برد أحدهما وبقاء الآخر ( ضرب فيها ) أي في المسألة بعولها إن عالت ( أحدهما ) أي العددين المتماثلين ( أو تداخلا ) أي عدداهما ( فأكثرهما ) يضرب فيها ( أو توافقا فحاصل ضرب وفق أحدهما في الآخر ) يضرب فيها ( أو تباينا فحاصل ضرب أحدهما في الآخر ) يضرب فيها فما بلغ الضرب في كل منها صحت منه المسألة
وحاصل ذلك أن بين سهام الصنفين وعددهما توافقا وتباينا وتوافقا في أحدهما وتباينا في الآخر وإن بين عدديهما تمائلا وتداخلا وتوافقا وتباينا
والحاصل من ضرب ثلاثة في أربعة اثنا عشر فعليك بالتمثيل لها ولنمثل لبعضها فنقول أم وستة أخوة لأم وثنتا عشرة أختا لغير أم هي من ستة وتعول إلى سبعة للأخوة سهمان يوافقان عددهم بالنصف فترد إلى ثلاث وللأخوات أربعة نوافق عددهن بالرفع فترد إلى ثلاثة وتضرب إحدى الثلاثتين في سبعة تبلغ إحدى وعشرين ومنه تصح
ثلاثة بنات وثلاثة إخوة لغير أم هي من ثلاثة والعددان متماثلان يضرب أحدهما ثلاثة في ثلاثة تبلغ تسعة ومنه تصح ست بنات وثلاثة أخوة لغير أم يرد عدد البنات إلى ثلاثة ويضرب إحدى الثلاثتين في ثلاثة تبلغ تسعة ومنه تصح
( ويقاس بهذا ) المذكور كله ( الانكسار على ثلاثة ) من الأصناف كجدتين وثلاثة إخوة لأم وعمين أصلها ستة وتصح من ستة وثلاثين
( و ) على ( أربعة ) كزوجتين وأربع جدات وثلاثة إخوة لأم وعمين أصلها اثنا عشر وتصح من اثنين وسبعين ( ولا يزيد ) الانكسار في غير الولاء بالاستقراء على أربعة لأن الورثة في الفريضة لا يزيدون على خمسة أصناف كما علم مما مر في اجتماع من يرث من الذكور والإناث ومنها الأب والأم والزوج ولا تعدد فيهم ( فإذا أريد ) بعد تصحيح المسألة ( معرفة نصيب كل صنف من مبلغ المسألة ضرب نصيبه من أصلها فيما ضرب فيها فما بلغ ) الضرب ( فهو نصيبه يقسم على عدده ) ففي جدتين وثلاثن أخوات لغير أم وعم هي من ستة وتصح بضرب ستة فيها من ستة وثلاثين للجدتين واحد في ستة بستة لكل جدة ثلاثة وللأخوات أربعة في ستة بأربعة وعشرين لكل أخت ثمانية وللعم واحد في ستة بستة
فرع في المناسخات وهي نوع من تصحيح المسائل وهي لغة مفاعلة من النسخ وهو الإزلة أو النقل واصطلاحا أن يموت أحد الورثة قبل القسمة
لو ( مات ) شخص ( عن ورثة فمات أحدهم قبل القسمة فإن لم يرثه غير الباقين ) من ورثة الأول ( وارثهم منه ك ) ارثهم ( من الأول جعل ) الحال بالنظر إلى الحساب ( كأن الثاني لم يكن ) من ورثة الأول وقسم المتروك بين
____________________
(2/19)
الباقين ( كإخوة وأخوات ) لغير أم ( مات بعضهم عن الباقين ) منهم ( وإلا ) أي وإن ورثة غير الباقين كأن شركهم غيرهم أو ورثة الباقون ولم يكن إرثهم منه كإرثهم من الأول بأن اختلف قدر استحقاقهم ( فصحح مسألة كل ) منهما ( فإن انقسم نصيب الثاني ) من مسألة الأول ( على مسألته ) فذاك ظاهر كزوج وأختين لغير أم ماتت إحداهما عن الأخرى وعن بنت المسألة الأولى من ستة وتعول إلى سبعة والثانية من اثنين ونصيب ميتها من الأولى اثنان منقسم عليها ( وإلا ) أي وإن لم ينقسم نصيب الثاني من الأولى على مسألته
( فإن توافقا ضرب في الأولى وفق مسألته وإلا ) بأن تباينا ( فكلها ) فما بلغ صحتا منه ( ومن له شيء من ) المسألة ( الأولى أخذه مضروبا ) فيما ضرب فيها من وفق الثانية أو كلها ( ومن له شيء من الثانية أخذه مضروبا في نصيب الثاني ) من الأولى ( أو ) في ( وفقه ) إن كان بين مسألته ونصيبه وفق مثال الوفق جدتان وثلاث أخوات متفرقات ماتت الأخت للأم عن أخت لأم وهي الأخت لأبوين في الأولى وعن أختين لأبوين وعن أم أم وهي إحدى الجدتين في الأول المسألة الأولى من ستة وتصح من اثني عشر والثانية من ستة ونصيب ميتها من الأولى اثنان يوافقان مسألته بالنصف فيضرب نصفها في الأولى يبلغ ستة وثلاثين لكل حدة من الأولى سهم في ثلاثة بثلاثة وللوارثة في الثانية سهم منها في واحد بواحد وللأخت للأبوين في الأولى ستة منها في ثلاثة بثمانية عشر ولها من الثاني سهم في واحد بواحد وللأخت للأب في الأولى سهمان في ثلاثة بستة وللأختين للأبوين في الثانية أربعة منها في واحد بأربعة ومثال عدم الوفق زوجة وثلاث بنين وبنت ماتت البنت عن أم وثلاثة إخوة وهم الباقون من الأولى المسألة الأولى من ثمانية والثانية تصح من ثمانية عشر ونصيب ميتها من الأولى سهم لا يوافق مسألته فتضرب في الأولى تبلغ مائة وأربعة وأربعين للزوجة من الأولى سهم في ثمانية عشر بثمانية عشر ومن الثانية ثلاثة في واحد بثلاثة ولكل ابن من الأولى سهمان في ثمانية عشرة بستة وثلاثين ومن الثانية خمسة في واحد بخمسة وما صحت منه المسألتان صار كمسألة أولى فإذا مات ثالث عمل في مسألته ما عمل في مسألة الثاني وهكذا
____________________
(2/20)
كتاب الوصية الشاملة للإيصاء هي لغة الإيصال من وصى الشيء بكذا وصله به لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه وشرعا لا بمعنى الإيصاء تبرع بحق مضاف ولو تقديرا لما بعد الموت ليس بتدبير ولا تعليق عتق وإن التحقا بها حكما كالتبرع المنجز في مرض الموت
أو الملحق به والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { من بعد وصية يوصي بها أو دين } وأخبار كخبر الصحيحين ما حق امرىء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده
( أركانها ) لا بمعنى الإيصاء ( موصى له و ) موصى ( به وصيغة وموص وشرط فيه تكليف وحرية واختيار ) ولو كافرا حربيا أو غيره أو محجور سفه أو فلس لصحة عبارتهم واحتياجهم للثواب
( فلا تصح ) الوصية ( بدونها ) أي الصفات المذكورة فلا تصح من صبي ومجنون ومغمى عليه ورقيق ولو مكاتبا ومكره كسائر العقود ولعدم ملك الرقيق أو ضعفه والسكران كالمكلف وقيد الاختيار من زيادتي ( و ) شرط ( في الموصى له ) حالة كونه ( مطلقا ) أي سواء أكان جهة أم غيرها ( عدم معصية ) في الوصية له ( و ) حالة كونه ( غير جهة كونه معلوما أهلا للملك ) واشتراط الأولين في غير الجهة من زيادتي ( فلا تصح ) لكافر بمسلم لكونها معصية ولا ( لحمل سيحدث ) لعدم وجوده ( ولا لأحد هذين الرجلين ) للجهل به نعم إن قال أعطوا هذا لأحد هذين صح كما لو قال لوكيله بعه لأحد
هذين ( ولا لميت ) لأنه ليس أهلا للملك ( ولا لدابة ) لذلك ( إلا إن فسر ) الوصية لها ( بعلفها ) بسكون اللام وفتحها أي بالصرف فيه تصح لأن علفها على مالكها فهو المقصود بالوصية فيشترط قبوله ويتعين الصرف إلى جهة الدابة رعاية لغرض الموصي ولا يسلم علفها للمالك بل يصرفه الوصي فإن لم يكن فالقاضي ولو بنائبه
( ولا ) تصح ( لعمارة كنيسة ) من كافر أو غيره للتعبد فيها ولو كانت العمارة ترميما بخلاف كنيسة تنزلها المارة ولو كفارا أو موقوفة على قوم يسكنونها ولا تصح لأهل الحرب ولا لأهل الردة
____________________
(2/21)
( وتصح لعمارة مسجد ومصالحه ومطلقا وتحمل ) عند الإطلاق ( عليهما ) عملا بالعرف فإن قال أردت تمليكه فقيل تبطل الوصية وبحث الرافعي صحتها بأن للمسجد ملكا وعليه وقفا قال النووي هذا هو الأفقه الأرجح
( و ) تصح ( لكافر ) ولو حربيا ومرتدا ( وقاتل ) بحق أو بغيره كالصدقة عليهما والهبة لهما وصورتها في القاتل أن يوصي لرجل فيقتله ومنه قتل سيد الموصي له الموصي لأن الوصية لرقيق وصية لسيده كما سيأتي أما لو أوصى لمن يرتد أو يحارب أو يقتله أو يقتل غيره عدوانا فلا تصح لأنها معصية
( ولحمل أن انفصل حيا ) حياة مستقرة ( لدون ستة أشهر منها ) أي من الوصية للعلم بأنه كان موجودا عندها
( أو ) لأكثر منه و ( لأربع سنين فأقل ) منها ( ولم تكن المرأة فراشا ) لزوج أو سيد أمكن كون الحمل منه لأن الظاهر وجوده عندها لندرة وطء الشبهة
وفي تقدير الزنا إساءة ظن نعم لو لم تكن فراشا قط لم تصح الوصية كما نقل عن الأستاد أبي منصور فإن كانت فراشا له أو انفصل لأكثر من أربع سنين لم تصح الوصية لاحتمال حدوثه معها أو بعدها في الأولى ولعدم وجوده عندهافي الثانية
واعلم أن ثاني التوأمين تابع للأول مطلقا وأن ما ذكرته من إلحاق الستة بما فوقها هو ما في الأصل وغيره تبعا للنص لكن صوب الأسنوي إلحاقها بما دونها معللا له بأنه لا بد من تقدير لحظة الوطء كما ذكروه في محال أخر ويرد بأن اللحظة إنما اعتبرت جريا على الغالب من أن العلوق لا يقارن أول المدة وإلا فالعبرة بالمقارنة فالستة ملحقة على هذا بما فوقها كما لو قالوه هنا وعلى الأول بما دونها كما قالوه في المحال الأخر وبذلك علم أن كلا صحيح وأن التصويب سهو ( ووارث ) خاص حتى بعين قدر حصته ( إن أجاز باقي الورثة ) المطلقين التصرف وسواء أزاد على الثلث أم لا لخبر البيهقي بإسناد صالح لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة أما إذا لم يجيزوا فلا تنفذ الوصية فإن أوصى لوارث عام كأن كان وارثه بيت المال فالوصية بالثلث فأقل صحيحة دون ما زاد كما سيأتي مع زيادة ( والعبرة بإرثهم وقت الموت ) لجواز موتهم قبل موت الموصي فلا يكونون ورثة ( وبردهم وإجازتهم بعده ) لعدم تحقق استحقاقهم قبل موته
( ولا تصح ) الوصية ( لوارث بقدر حصته ) لأنه يستحقه بلا وصية وإنما صحت بعين هي قدر حصته كما مر لاختلاف الأغراض في الأعيان
( والوصية لرقيق وصية لسيده ) أي تحمل عليها لتصح ويقبلها الرقيق دون السيد لأن الخطاب معه ولا يفتقر إلى إذن السيد
وتعبيري بالرقيق أعم من تعبيره بالعبد ( فإن عتق قبل موته ) أي الموصي ( فله ) الوصية لأنه وقت القبول حر ( و ) شرط ( في الموصى به كونه مباحا
____________________
(2/22)
ينقل ) أي يقبل النقل من شخص إلى آخر ( فتصح ) الوصية ( بحمل إن انفصل حيا أو ) ميتا ( مضمونا ) بأن كان ولد أمة وجنى عليه ( وعلم وجوده عندها ) أي الوصية وخرج بزيادتي أو مضمونا ولد البهيمة إذا انفصل ميتا بجناية فإن الوصية تبطل وما يغرمه الجاني للوارث لأن ما وجب في ولدها بدل ما نقص منها وما وجب في ولد الأمة بدله ويصح القبول هنا وفيما مر قبل الوضع بناء على أن الحمل يعلم ( وبثمر وحمل ولو ) كان الحمل والثمر ( معدومين ) كما في الإجارة والمساقاة
( وبمبهم ) هو أعم من قوله وبأحد عبديه لأن الوصية تحتمل الجهالة ويعينه الوارث ( وبنجس يقتنى ككلب قابل للتعليم ) هو أولى من قوله معلم أوصى به لمن يحل له اقتناؤه
( وزبل وخمر محترمة ) لثبوت الاختصاص فيها بخلاف الكلب الذي لا يقبل التعليم والخنزير والخمرة غير المحترمة وخرج بالمباح نحو مزمار وصنم وبزيادتي ينقل ما لا ينقل كقود وحد قذف نعم إن أوصى بهما لمن هما عليه صحت
( ولو أوصى من له كلاب ) تقتنى ( بكلب ) منها ( أو ) أوصى بها ( وله متمول ) لم يوص بثلثه ( صحت ) أي الوصية وإن قل المتمول في الثانية لأنه خير منها إذ لا قيمة لها إما إذا أوصى من لا كلب يقتنى بكلب فلا تصح الوصية لأن الكلب يتعذر شراؤه ولا يلزم الوارث اتهابه ولو أوصى بكلابه وليس له غيرها أو أوصى بثلث المتمول دفع ثلثها عددا لا قيمة إذ لا قيمة لها
وتعبيري بمتمول أعم من تعبيره بمال
( أو ) أوصى ( من له طبل لهو ) وهو ما يضرب به المخنثون وسطه ضيق وطرفاه واسعان ( وطبل حل ) كطبل حرب يضرب به للتهويل وطبل حجيج يضرب للإعلان بالنزول والارتحال ( بطبل حمل على الثاني ) لأن الموصي يقصد الثواب وهو لا يحصل بالحرام ( وتلغو ) الوصية ( بالأول ) أي بطبل اللهو ( إلا إن صلح للثاني ) أي طبل الحل بهيئته أو مع تغيير يبقى معه اسم الطبل
وقولي للثاني أعم من قوله لحرب أو حجيج لتناوله طبل الباز ونحوه
( و ) شرط ( في الصيغة لفظ يشعر بها ) أي بالوصية وفي معناه ما مر في الضمان ( صريحه ) إيجابا ( كأوصيت له بكذا أو أعطوه له أو هوله ) أو وهبته له ( بعد موتي ) في الثلاثة
وقولي كأوصيت إلى آخره أعم مماعبر به ( وكنايته كهوله من مالي ) وإن أشعر كلام الأصل بأنه صريح ومعلوم أن الكناية تفتقر إلى النية أما قوله هو له فقط فإقرار لا وصية كما علم من بابه ( وتلزم ) أي الوصية ( بموت ) لكن ( مع قبول بعده ولو بتراخ في ) موصى له ( معين ) وإن تعدد فلا
____________________
(2/23)
يصح القبول قبل الموت لأن للموصي أن يرجع في وصيته ولا يشترط القبول في غير معين كالفقراء ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم ولا تجب التسوية بينهم وإنما لم يشترط الفور في القبول لأنه إنما يشترط في العقود التي يشترط فيها ارتباط القبول بالإيجاب وظاهر أنه لا حاجة للقبول فيما لو كان الموصى به اعتاقا كان قال اعتقوا عني فلانا بعد موتي بخلاف ما لو أوصى له برقبته فإنه يحتاج إلى ذلك لاقتضاء الصيغة له ( والرد ) للوصية ( بعد موت ) لا قبله ولا معه كالقبول ( فإن مات ) الموصى له ( بعد موت الموصي ) بأن مات قبله أو معه ( بطلت ) وصيته لأنها ليست بلازمة ولا آيلة إلى اللزوم ( أو بعده ) قبل القبول والرد ( خلفه وارثه ) فيهما فإن كان الوارث بيت المال فالقابل والراد هو الإمام وقولي لا بعده وخلفه أعم من تعبيره بما ذكره ( وملك الموصى له ) العين للموصى به الذي ليس بإعتاق بعد موت الموصي وقبل القبول ( موقوف إن قبل بأن أنه ملكه بالموت ) وإن رد بأن أنه للوارث ( وتتبعه ) في الوقف ( الفوائد ) الحاصلة من الموصى به كثمرة وكسب ( والمؤنة ) ولو فطرة ( ويطالب موصى له ) أي يطالبه الوارث أو الرقيق الموصى به أو القائم مقامهما من ولي ووصي ( بها ) أي المؤنة ( أن توقف في قبول ورد ) فإن أراد الخلاص رد أما أوصى بإعتاق رقيق فالملك فيه للوارث إلى إعتاقه فالمؤنة عليه وتعبيري بالفوائد والمؤنة أعم من تعبيره بما ذكره
فصل في الوصية بزائد على الثلث وفي حكم اجتماع تبرعات مخصوصة ( ينبغي أن لا يوصى بزائد على الثلث ) والأحسن أن ينقص منه شيئا لخبر الصحيحين الثلث والثلث كثير والزيادة عليه قال المتولي وغيره مكروهة والقاضي وغيره محرمة ( فتبطل ) أي الوصية بالزائد ( فيه أن رده وارث ) خاص مطلق التصرف لأنه حقه فإن لم يكن وارث خاص بطلت في الزائد لأن الحق للمسلمين ولا مجيز أو كان وهو غير مطلق التصرف فالظاهر أنه إن توقعت أهليته وقف الأمر إليها وإلا بطلت وعليه يحمل ما أفتى به السبكي من البطلان ( وإن أجاز ف ) ( إجازته تنفيذ للوصية بالزائد ( ويعتبر المال ) الموصى بثلثه مثلا ( وقت الموت ) لا وقت الوصية لأن الوصية تمليك بعد الموت فلا أوصى برقيق ولا رقيق له ملك عند الموت رقيقا تعلقت الوصية به ولو زاد ماله تعلقت الوصية به والمعتبر ثلث المال الفاضل عن
____________________
(2/24)
الدين ( ويعتبر من الثلث ) الذي يوصى به ( عتق علق بالموت ) ولو مع غيره ( وتبرع نجز في مرضه كوقف وهبة ) ولو اختلف الوارث والمتهب هل الهبة في الصحة أو المرض صدق المتهب بيمينه لأن العين في يده ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض اعتبر من الثلث أيضا أما المنجز في صحته فيحسب من رأس المال وكذا أم ولد نجد عتقها في مرض موته ( وإذا اجتمع تبرعات متعلقة بالموت وعجز الثلث ) عنها ( فإن تمحضت عقتا ) كأن قال إذا مت فأنتم أحرار أو فسالم وبكر وغانم أحرار ( أقرع ) بينهم فمن خرجت قرعته عتق منه ما يفي بالثلث ولا يعتق من كل شقص ( وإلا ) بإن تمحضت غير عتق كأن أوصى لزيد بمائة ولعمر وبخمسين ولبكر بخمسين ولم يرتب أو اجتمع العتق وغيره كأن أوصى بعتق سالم وقيمته مائة ولزيد بمائة ولم يرتب وثلث ماله فيهما مائة ( قسط الثلث ) على الجميع باعتبار القيمة أو المقدار في الأولى وعلى العتق وغيره باعتبارها فقط أو مع المقدار في الثانية ففي مثال الأولى يعطى زيد خمسين وكل من عمرو وبكر خمسة وعشرين وفي مثال الثانية يعتق من سالم نصفه ولزيد خمسون نعم لو دبر عبده وقيمته مائة وأوصى له بمائة وثلث ماله مائة قدم عتق المدبر على الوصية له ( ك ) تبرعات ( منجزة ) فإنه إن تمحض العتق كعتق عبيد أقرع حذرا من التشقيص في الجميع أو تمحض غيره كإبراء جمع أو اجتمعا كأن تصدق واحد من وكلاء ووقف آخر وعتق آخر قسط الثلث مثل ما مر هذا إذا لم تترتب المعلقة والمنجزة ( فإن ترتبتا ) كأن قال أعتقوا بعد موتي سالما ثم غانما أو أعطوا زيدا مائة ثم عمرا مائة أو أعتقوا سالما ثم أعطوا زيدا مائة أو أعتق ثم تصدق ثم وقف ( قدم الأول ) منها ( فالأول إلى ) تمام ( الثلث ) ويوقف ما بقي على إجازة الوارث ولو كان بعضها منجزوا بعضها معلقا بالموت قدم المنجز لأنه يفيد الملك حالا ولازم لا يمكن الرجوع فيه وذكر الترتيب في المعلقة بالموت من زيادتي ( ولو قال إن أعتقت غانما فسالم حر فأعتق غانما في مرض موته تعين ) لعتق بقيد زدته بقولي ( إن خرج وحده من الثلث ) وإلا إقراع لاحتمال أن تخرج القرعة بالحرية لسالم فيلزم إرقاق غانم فيفوت شرط عتق سالم فإن لم يخرج من الثلث عتق بقسطه أو خرج مع سالم أو بعضه منه عتقا في الأول وغانم وبعض سالم في الثاني ( ولو أوصى بحاضر هو ثلث ماله ) وباقية غائب ( لم يتسلط موصى له على شيء منه حالا ) لأن تسلطه متوقف على تسلط الوارث على مثلي ما تسلط عليه والوارث لا يتسلط على ثلثي الحاضر لاحتمال سلامة الغائب
فرع لو أوصى بالثلث وله عين ودين دفع للموصى له ثلث العين وكلما نض من الدين شيء دفع له ثلثه
____________________
(2/25)
فصل في بيان المرض المخوف والملحق به المقتضى كل منهما الحجر في التبرع الزائد على الثلث
لو ( تبرع في مرض مخوف ) أي يخاف منه الموت ( ومات ) فيه ولو بنحو غرق أو هدم ( لم ينفذ ) منه ( ما زاد على ثلث ) لأنه محجور عليه في الزائد بخلاف ما إذا برىء منه فإنه ينفذ لتبين عدم الحجر ( أو ) في مرض ( غير مخوف فمات ولم يحمل ) موته ( على فجأة ) كإسهال يوم أو يومين
( فكذا ) أي لم ينفذ ما زاد على الثلث لأنه حينئذ مخوف لاتصال الموت به
فإن حمل عليها كأن مات وبه جرب أو وجع ضرس أو عين نفذ
( وإن شك فيه ) أي في أنه مخوف ( لم يثبت إلا بطبيبين مقبولي الشهادة ) لأنه يتعلق به حق آدمي ولا يثبت بنسوة ولا برجل وامرأتين إلا أن يكون المرض علة باطنة بامرأة لا يطلع عليها الرجال غالبا فيثبت بمن ذكر ( ومن المخوف قولنج ) بضم القاف وفتح اللام وكسرها وهو أن تنعقد أخلاط الطعام في بعض الأمعاء فلا ينزل ويصعد بسببه البخار إلى الدماغ فيؤدي إلى الهلاك
( وذات جنب ) وسماها الشافعي رضي الله عنه ذات الخاصرة وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد تنفتح في الجنب
ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك ومن علاماتها ضيق النفس والسعال والحمى اللازمة ( ورعاف دائم ) بتثليث الراء لأنه يسقط القوة بخلاف غير الدائم ( وإسهال متتابع ) لأنه ينشف رطوبات البدن أو غير متتابع كإسهال يوم أو يومين ولكن خرج غير مستحيل بأن يتخبرق البطن فلا يمكنه الإمساك ( أو ) خرج ( بوجع ) ويسمى الزحير ( أو ) خرج ( بدم ) من عضو شريف ككبد بخلاف دم البواسير
واعتبار الإسهال في الثلاثة من زيادتي ( ودق ) بكسر الدال وهو داء يصيب القلب ولا تمتد معه الحياة غالبا
( وابتداء فالج ) وهو استرخاء أحد شقي البدن طولا وسببه غلبة الرطوبة والبلغم
فإذا هاج ربما أطفأ الحرارة الغريزية وأهلك بخلاف دوامه ويطلق الفالج أيضا على استرخاء أي عضو كان وهو المراد هنا
( وحمى مطبقة ) بكسر الباء أشهر من فتحها أي لازمة ( أو غيرها ) كالورد وهي التي تأتي كل يوم والغب هي التي تأتي يوما وتقلع يوما والثلث وهي التي تأتي يومين وتقلع يوما وحمى الأخوين وهي التي تأتي يومين وتقلع يومين
( إلا الربع )
وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين فليست مخوفة لأن المحموم بها يأخذ قوة في يومي الإقلاع والحمى اليسيرة ليست مخوفة بحال والربع والورد والغب والثلث بكسر أولها ( و ) منه ( أسر من اعتاد القتل )
____________________
(2/26)
للأسرى مسلما كان أو كافرا
فتعبيري بذلك أولى من تعبيره بأسر كفار ( والتحام قتال بين متكافئين ) أو قريبي التكافؤ سواء أكانا مسلمين أم كافرين أم مسلما وكافرا
( وتقديم لقتل ) هو أعم من قوله لقصاص أو رجم ( واضطراب ريح في ) حق ( راكب سفينة ) في بحر أو نهر عظيم ( وطلق ) بسبب ولادة و ( وبقاء مشيمة ) وهي التي تسميها النساء الخلاص لأن هذه الأحوال تستعقب الهلاك غالبا
فإن انفصلت المشيمة فلا خوف إن لم يحصل بالولادة جراحة أو ضربان شديد
فصل في أحكام لفظية للموصى به وللموصى له ( يتناول شاة وبعير ) من جنسهما ( غير سخلة ) في الأولى ( و ) غير ( فصيل ) في الثانية فيتناول كل منهما صغير الجثة وكبيرها والمعيب والسليم والذكر والأنثى والخنثى ضأنا ومعزا في الأولى
وبخاتي وعرابا في الثانية
لصدق اسمهما بذلك
والهاء في الشاة للوحدة أم السخلة وهي الذكر والأنثى من الضأن والمعز ما لم يبلغ سنة والفصيل وهو ولد الناقة إذ فصل عنها فلا يتناولهما الشاة والبعير لصغر سنهما
فلو وصف الشاة والبعير بما يعين الكبيرة أو الأنثى أو غيرها اعتبر وتعبيري بما ذكر في البعير أولى من تعبيره بتناول الناقة
ويتناول جمل وناقة بنحاتي بتشديد الياء وتخفيفها وعرابا لما مر ( لا أحدهما الآخر ) أي لا يتناول الجمل الناقة ولا العكس لأن الجمل للذكر والناقة للأنثى
( ولا ) تتناول ( بقرة ثور أو عكسه ) لأن البقرة للأنثى والثور للذكر ولا يخالفه قول النووي في تحريره إن البقرة تقع على الذكر والأنثى باتفاق أهل اللغة لأن وقوعها عليه لم يشتهر عرفا وإن أوقعها عليه الأصحاب في الزكاة ( ويتناول دابة ) في العرف ( فرسا وبغلا وحمارا ) لاشتهارها فيها عرفا
فلو قال دابة للكر والفر أو القتال اختصت بالفرس أو للحمل فبالبغل أو الحمار
فإن اعتيد الحمل على البراذين دخلت قال المتولي فإن اعتيد الحمل على الجمال أو البقر أعطي منها وقواه النووي وضعفه الرافعي وإن اعتيد القتال على الفيلة وقد قال دابة للقتال دخلت فيما يظهر ( و ) يتناول ( رقيق صغيرا وأنثى ومعيبا وكافرا وعكوسها ) أي كبيرا وذكرا وخنثى وسليما ومسلما لصدق اسمه بذلك
( ولو أوصى بشاة من غنمه ولا غنم له ) عند موته ( لغت ) وصيته إذ لا غنم له
____________________
(2/27)
( أو ) بشاة ( من ماله ) ولا غنم له عند موته ( اشتريت له ) شاة ولو معيبة فإن كان له غنم في الصورة الأولى أعطى شاة منها أو في الثانية جاز أن يعطي شاة على غير صفة غنمه
( تنبيه ) لو قال اشتروا له شاة مثلا لم يشتر له معيبة كما لو قال لوكيله اشتر لي شاة ( أو ) أوصى ( بأحد أرقائه فتلفوا ) حسا أو شرعا بقتل أو غيره ( قبل موته بطلت ) وصيته
وإن كان القتل مضمنا إذ لا رقيق له ( وإن بقي واحد تعين ) للوصية فليس للوارث أن يمسكه ويدفع قيمة ثالث وإن تلفوا بعد موته يضمن ولو قبل القبول صرف الوارث قيمة من شاء منهم وصورتها أن يوصي بأحد أرقائه الموجودين
فلو أوصى بأحد أرقائه فتلفوا إلا واحد لم يتعين حتى لو ملك غيره فللوارث أن يعطي من الحادث وقولي فتلفوا أعم من قوله فماتوا أو قتلوا ( أو بإعتاق رقاب فثلاث ) منها يعتقن لأنه أقل عدد يقع عليه اسم الجمع
( فإن عجز ثلثه عنهن لم يشتر شقص ) لأنه ليس برقبة بل يشتري نفيسة أو نفيستان ( فإن فضل عن ) شراء ( نفيسة أو نفيستين شيء فلورثته )
وتبطل الوصية فيه كمالو لم يوجد إلا ما يشترى به شقص
وقولي نفيسة من زيادتي ( أو ) أوصى ( بصرف ثلثه للعتق اشترى شقص )
أي يجوز شراؤه بلا خلاف سواء أقدر على التكميل أم لا
لكن التكميل أولى وفاقا للسبكي ( أو ) أوصى ( لحملها ) بكذا ( ف ) هو ( لمن انفصل ) منها ( حيا ) فلو أتت بحيين فلهما ذلك بالسوية ولا يفضل الذكر على الأنثى لإطلاق حملها عليهما أو أتت بحي وميت فللحي ذلك كله لأن الميت كالعدم
( ولو قال إن كان حملك ذكرا أو قال ) إن كان ( أنثى فله كذا فولدتهما ) أي ولدت ذكرا وأنثى ( لغت ) وصيته لأن حملها جميعه ليس بذكر ولا أنثى فإن ولدت في الأولى ذكرين
وفي الثانية أنثيين قسم بينهما ( أو ) قال إن كان ( ببطنك ذكر ) فله كذا ( فولدتهما ) أي ولدت ذكرا وأنثى ( فللذكر ) لأنه وجد ببطنها وزيادة الأنثى لا تضر ( أو ) ولدت ( ذكرين أعطاه ) أي الموصى به ( الوارث من شاء منهما ) كما لو أبهم الموصى به يرجع فيه إلى بيانه ولو قال إن ولدت ذكرا فله مائتان أو أنثى فلها مائة فولدت خنثى دفع إليه الأقل كما في الروضة كأصلها ( أو ) أوصى بشيء ( لجيرانه ف ( ) يصرف ذلك الشيء ( لأربعين دارا من كل جانب ) من جوانب داره الأربعة لخبر في ذلك رواه البيهقي وغيره
ويقسم الموصى به على عدد الدور لا على عدد سكانها
قال السبكي وينبغي أن يقسم حصة كل دار على عدد سكانها ولو كان للموصي داران صرف إلى جيران أكثرهما سكنى فإن استويا فإلى جيرانهما ( أو ) أوصى ( للعلماء ف ) يصرف ( لأصحاب علوم الشرع من تفسير ) وهو معرفة معاني
____________________
(2/28)
كتاب الله تعالى وما أريد به
( وحديث ) وهو علم يعرف به حال الراوي والمروي وصحيحه وسقيمه وعليله وليس من علمائه من اقتصر على مجرد السماع ( وفقه )
وتقدم تعريفه أول الكتاب وخرج بما ذكر العالم بغير ذلك كمقرىء ومتكلم ومعبر وطبيب وأديب وهو المشتغل بعلم الأدب كالنحو والصرف والعروض ( أو ) أوصى ( للفقراء دخل المساكين وعكسه ) لوقوع اسم كل منهما على الآخر عند الانفراد فما أوصى به لأحدهما يجوز دفعه للآخر ( أو ) أوصى ( لهما شرك ) بينهما ( نصفين ) كما في الزكاة بخلاف ما لو أوصى به لبني زيد وبني عمرو فإنه يقسم على عددهم ولا ينصف ( أو ) أوصى ( لجمع معين غير منحصر كالعلوية ) وهم المنسوبون لعلي رضي الله عنه ( صحت ويكفي ثلاثة من كل ) من العلماء والفقراء والمساكين والجمع المذكور لأنها أقل الجمع
( وله التفضيل ) بين آحاد الثلاثة فأكثر ولو عين فقراء بلدة ولا فقير بها لم تصح الوصية وذكر الاكتفاء بثلاثة في مسألة العلماء مع ذكر التفضيل فيها
وفي مسألة الجمع من زيادتي ( أو ) أوصى ( لزيد والفقراء ف ) هو ( كأحدهم ) في جواز إعطائه أقل متمول لأنه ألحقه بهم في الإضافة
( لكن لا يحرم ) كما يحرم أحدهم لعدم وجوب استيعابهم للنص عليه وإن كان غنيا ( أو ) أوصى بشيء ( لأقارب زيد ف ) هو ( لكل قريب ) مسلما كان أو كافرا فقيرا أو غنيا وارثا أو غيره ( من أولاد أقرب جد ينسب زيد أو وأمه له ويعد ) أي الجد ( قبيلة ) فلا يدخل أولاد جد فوقه ولا أولاد من في درجته
فلو أوصى لأقارب حسني لم يدخل أولاد من فوقه ولا أولاد حسيني بالتصغير
وإن كان كل منهما أولاد علي ( إلا أبوين وولدا ) لا يدخلون في الأقارب لأنهم لا يسمون أقارب عرفا ويدخل الأجداد والأحفاد كما صححاه في الشرحين والروضة
فتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بالأصل والفرع ويدخل في وصية العرب قريب الأم كما في وصية العجم وقد شمله المستثنى منه وهو ما صححه في الروضة كأصلها
وقيل لا يدخل لأن العرب لا يفتخرون بقرابة الأم وصححه الأصل ( أو ) أوصى ( لأقرب أقاربه ف ) هو ( لذرية ) وإن نزلت ولو من أولاد البنات ( قربى فقربى ) فيقدم ولد الولد على ولد ولد الولد ( فأبوه فأخوة ) ولو من أم ( فبنوتها ) من زيادتي أي بنوة الإخوة ( فجدودة ) من قبل الأب أو الأم القربى فالقربى نظرا في الذرية إلى قوة إرثها وعصوبتها في الجملة وفي الأخوة إلى قوة البنوة فيها في الجملة وتقدم أخوة الأبوين على أخوة الأب
ثم بعد من ذكر العمومة والخؤولة ثم بنوتهما لكن قال في الكفاية يقدم العم والعمة على أبي
____________________
(2/29)
الجد والخال والخالة على جد الأم وجدتها انتهى
وكالعم في ذلك ابنه كما في الولاء والتصريح بتقديم الأبوة على الأخوة من زيادتي
وتعبيري بأخوة وجدودة أعم من تعبيره بأخ وجد ( ولا يرجح بذكورة ووراثة ) فيستوي أب وأم وابن وبنت وأخ وأخت لاستوائهم في القرب ويقدم ولد بنت على ابن ابن ابن لأن الأول أقرب ( أو ) أوصى ( لأقارب نفسه ) أو لأقرب أقارب نفسه ( لم تدخل ورثته ) إذ لا يوصى لهم عادة فيختص بالوصية الباقون
فصل في أحكام معنوية للموصى به ما بيان ما يفعل عن الميت وما ينفعه ( تصح ) الوصية ( بمنافع ) كما تصح بالأعيان مؤبدة ومؤقتة ومطلقة والإطلاق يقتضي التأبيد ( فيدخل ) فيها ( كسب معتاد ) كاحتطاب واحتشاش واصطياد وأجرة حرفة بخلاف النادر كهبة ولقطة لأنه لا يقصد بالوصية ( ومهر ) بنكاح أو غيره لأنه من نماء الرقبة كالكسب وهذا ما صححه الأصل ونقله في الروضة كأصلها عن العراقيين والبغوي
قال الأسنوي وهو الراجح نقلا وقيل إنه ملك للورثة لأنه بدل منفعة البضع وهي لا يوصى بها فلا يستحق بدلها بالوصية
قال في الروضة كأصلها وهو الأشبه ( والولد ) الذي أتت به الموصي بمنفعتها أمة كانت أو غيرها وكانت حاملا به عند الوصية أو حملت به بعد موت الموصي ( كأمه ) في أن منفعته للموصى له ورقبته للمالك لأنه جزء منها
( وعلى مالك ) للرقبة ( مؤنة موصى بمنفعته ) ولو فطرة أو كانت الوصية مؤبدة لأنه ملكه وهو متمكن من دفع الضرر عنه بإعتاق أوغيره
وتعبيري بالمالك أعم من تعبيره بالوارث لشموله ما لو أوصى بمنفعته لشخص وبرقبته لأخر فإن مؤنته على الآخر
وتعبير بالمؤنة أعم من تعبيره بالنفقة ( وله إعتاقه ) لأنه مالك لرقبته لكن لا يعتقه عن الكفارة ولا يكاتبه لعجزه عن الكسب وإذا أعتقه تبقى الوصية بحالها
( و ) له ( بيعه لموصى له ) مطلقا ( وكذا لغيره إن أقت ) الموصي المنفعة ( ب ) مدة ( معلومة ) كما قيد بها ابن الرفعة وغيره بخلاف ما إذا أبدها صريحا أو ضمنا أو قيدها بمدة مجهولة لا يصح بيعه لغير الموصى له إذ لا فائدة له فيه ظاهرة
نعم إن اجتمعا على البيع من ثالث فالقياس الصحة وقولي بمعلومة من زيادتي ( وتعتبر قيمته كلها ) أي قيمته بمنفعته ( من الثلث إن أبد ) المنفعة لأنه حال بين الوارث وبينها فإذا كانت قيمته بمنفعته مائة وبدونها عشرة اعتبر من الثلث مائة ( وإلا ) بأن أقتها بمدة معلومة ( حسب منه ) أي من الثلث ( ما نقص ) منها في تقويمه مسلوب المنفعة تلك المدة فإذا كانت قيمته بمنفعته مائة وبدونها تلك المدة ثمانين فالوصية بعشرين ( وتصح ) الوصية ( بحج ) ولو نفلا بناء على دخول النيابة
____________________
(2/30)
فيه
( ويحج ) عنه ( من ميقاته ) عملا بتقييده إن قيده وحملا على المعهود شرعا إن أطلق ( إلا إن قيد بأبعد ) منه هو أولى من تعبيره ببلده ( ف ) يحج ( منه ) عملا بتقييده ومحله إذا وسعه الثلث وإلا فمن حيث أمكن
وهذا من زيادتي في حج الفرض ( وحجة الإسلام من رأس المال ) كغيرها من الديون ( إلا إن قيد بالثلث فمنه ) عملا بتقييده وفائدته مزاحمة الوصايا
فإن لم يف بالحج من الميقات ما يخصه كمل من رأس المال وكحجة الإسلام كل واجب بأصل الشرع كعمرة وزكاة
فإن كان نذرا فإن وقع في الصحة فكذلك أو في المرض فمن الثلث
( ولغيره ) من وارث وغيره ( أن يحج عنه فرضا ) من غير التركة ( بغير إذنه ) كقضاء الدين بخلاف حج النفل لا يفعله عنه بغير إذنه لعدم وجوبه
وقيل للوارث فعله بغير إذنه ولغيره فعله بإذن الوارث وكحج الفرض فيما ذكر عمرة الفرض وأداء الزكاة والدين
وقولي ولغيره أعم من قوله ولأجنبي وقولي فرضا من زيادتي ( ويؤدي وارث عنه ) من التركة وجوبا ومن ماله جوازا وإن كان ثم تركه ( كفارة مالية ) مرتبة ومخيرة بإعتاق وبغيره
وإن سهل التكفير بغير الإعتاق في المخيرة لأنه نائبه شرعا
( وكذا ) يؤديها ( غيره ) أي غير الوارث ( من ماله بغير إعتاق ) من طعام وكسوة كقضاء الدين بخلاف الإعتاق لاجتماع بعد العبادة عن النيابة وبعد الولاء للميت
ولا ينافي ذلك ما في الروضة كأصلها في الإيمان من تصحيح الوقوع عنه في المرتبة لأنهما بنياه على تعليل المنع في المخيرة بسهولة التكفير بغير إعتاق
( وينفعه ) أي الميت من وارث وغيره ( صدقة ودعاء ) بالإجماع وغيره
وأما قوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } فعام مخصوص بذلك
وقيل منسوخ وكما ينتفع الميت بذلك ينتفع به المتصدق والداعي
أما القراءة فقال النووي في شرح مسلم المشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل ثوابها إلى الميت
وقال بعض أصحابنا يصل وذهب جماعات من العلماء إلى أنه يصل إليه ثواب جميع العبادات من صلاة وصوم وقراءة وغيرها وما قاله من مشهور المذهب محمول على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو ثواب قراءته له أو نواه
ولم يدع بل قال السبكي الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه وبين ذلك وقد ذكرته في شرح الروض
فصل في الرجوع عن الوصية ( له ) أي للموصى ( رجوع ) عن وصيته وعن بعضها ( بنحو نقضت ) ها كأبطلتها ورجعت فيها
____________________
(2/31)
ورفعتها ورددتها
( و ) بنحو قوله ( هذا لوارثي ) مشيرا إلى الموصى به لأنه لا يكون لوارثه إلا إذا انقطع تعلق الموصى له عنه
( و ) بنحو ( بيع ورهن وكتابة ) لما وصى به ( ولو بلا قبول لظهور صرفه بذلك عن جهة الوصية
وتعبيري بنحو إلى آخره أعم مما عبر به ( وبوصية بذلك ) أي بنحو ما ذكر
( وتوكيل به وعرض عليه ) لأن كلا منها توصل إلى ما يحصل به الرجوع وذكر التوكيل والعرض في غير البيع من زيادتي ( وخلطه برامعينا ) وصى به ببر مثله أو أجود أو أردأ منه لأنه أخرجه بذلك عن إمكان التسليم
( و ) خلطه ( صبرة وصى بصاع منها بأجود ) منها لأنه أحدث زيادة لم تتناولها الوصية بخلاف ما لو خلطها بمثلها لأنه لا زيادة أو بأردأ منها لأنه كالتعصيب ( وطحنه برا ) وصى به ( وبذره له وعجنه دقيقا ) وصى به ( وغزله قطنا ) وصى به ( ونسجه غزلا ) وصى به ( وقطعه ثوبا ) وصى به ( قميصا وبنائه وغرسه ) بأرض وصى به لظهور كل منها في الصرف عن جهة الوصية بخلاف زرعه بها
وخرج بإضافتي ما ذكر إلى ضمير الموصي ما لو حصل ذلك بغير إذنه فليس رجوعا
فرع إنكار الموصي الوصية ليس رجوعا إن كان لغرض كما يؤخذ من كلام الرافعي وعليه يحمل إطلاقه في باب التدبير أنه ليس رجوعا ولو وصى بثلث ماله ثم تصرف في جميعه بما يزيل الملك لم يكن رجوعا لأن المعتبر ثلث ماله عند الموت لا عند الوصية ولو وصى لزيد بمعين ثم وصى به لعمرو فليس رجوعا بل يكون بينهما نصفين ولو وصى به لثالث كان بينهم أثلاثا وهكذا وهكذا
فصل في الإيصاء وهو إثبات تصرف مضاف لما بعد الموت يقال أوصيت لفلان بكذا وأوصيت إليه ووصيته إذا جعلته وصيا وقد أوصى ابن مسعود رضي الله عنه فكتب وصيتي إلى الله تعالى وإلى الزبير وابنه عبد الله رواه البيهقي بإسناد حسن ( أركانه ) أربعة ( موص ووصي وموصى فيه وصيغة وشرط في الموصي بقضاء حق ) كدين وتنفيذ وصية ورد وديعة وعارية ومظلمة ( ما مر ) في الموصي بمال أول الباب وقد مر بيانه
وهذا أولى من قوله ويصح الإيصاء في قضاء الدين وتنفيذ الوصية
من كل حر مكلف ( و ) شرط في الموصي ( بأمر نحو طفل ) كمجنون ومحجور سفه ( معه ) أي مع ما مر ( ولاية عليه
____________________
(2/32)
ابتداء ) من الشرع لا بتفويض فلا يصح الإيصاء ممن فقد شيئا من ذلك كصبي ومجنون ومكره ومن به رق وأم وعم ووصي لم يؤذن له فيه ونحو مع ابتداء من زيادتي
( و ) شرط ( في الوصي عند الموت عدالة ) ولو ظاهرة ( وكفاية ) في التصرف الموصى به ( وحرية وإسلام في مسلم وعدم عداوة ) منه للمولى عليه ( و ) عدم ( جهالة ) فلا يصح الإيصاء ممن فقد شيئا من ذلك كصبي ومجنون وفاسق ومجهول ومن به رق أو عداوة وكافر على مسلم ومن لا يكفي في التصرف لسفه أو هرم أو غير لعدم الأهلية في بعضهم وللتهمة في الباقي
ويصح الإيصاء إلى كافر معصوم عدل في دينه على كافر
وقولي عند الموت مع ذكر عدم العداوة والجهالة من زيادتي واعتبرت الشروط عندا لموت لا عند الإيصاء ولا بينهما لأنه وقت التسلط على القبول حتى لو أوصى إلى من خلا عن الشروط أو بعضها كصبي ورقيق ثم استكملها عند الموت صح
( ولا يضر عمى ) لأن الأعمى متمكن من التوكيل فيما لا يمكن منه ( و ) لا ( أنوثة ) لما في سنن أبي داود أن عمر أوصى إلى حفصة
( والأم أولى ) من غيرها إذا حصلت الشروط فيها عند الموت لوفور شفقتها وخروجا من خلاف الأصطخري
فإنه يرى أنها تلي بعد الأب والجد ( وينعزل ولي ) من أب وجد ووصي وقاض وقيمة ( بفسق لا إمام ) لتعلق المصالح الكلية بولايته
وتعبير بالولي أعم مما عبر به
( و ) شرط ( في الموصى فيه كونه تصرفا ماليا ) بقيد زدته بقولي ( مباحا فلا يصح ) الإيصاء ( في تزويج ) لأن غير الأب والجد لا يزوج الصغير والصغيرة ( و ) لا في ( معصية ) كبناء كنيسة لمنافاتها له لكونه قربة ( و ) شرط ( في الصيغة إيجاب بلفظ يشعر به ) أي بالإيصاء وفي معناه ما مر في الضمان ( كأوصيت ) إليك ( أو فوضت إليك أو جعلتك وصيا ولو )
كان الإيجاب ( مؤقتا ومعلقا ) كأوصيت إليك إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد فإذا بلغ أو قدم فهو الوصي لأنه يحتمل الجهالات والأخطار
( وقبول كوكالة ) فيكتفي بالعمل
وقولي كوكالة من زيادتي ويكون القبول ( بعد الموت ) متى شاء كما في الوصية بمال ( مع بيان ما يوصى فيه )
فلو اقتصر على أوصيت إليك مثلا لغا ( وسن إيصاء بأمر نحو طفل ) كمجنون ( وبقضاء نحو حق ) إن ( لم يعجز عنه حالا أو ) عجز و ( به شهود ) استباقا للخيرات فإن عجز عنه حالا ولا شهود به وجب الإيصاء مسارعة لبراءة ذمته وإطلاق الأصل سن الإيصاء بما ذكره منزل على هذا التفصيل
فإن لم يوص بها نصب القاضي من يقوم بها ونحو من زيادتي
وتعبيري بحق أعم مما عبر به
____________________
(2/33)
( ولا يصح ) أي الإيصاء من أب ( على نحو طفل والجد بصفة الولاية ) عليه لأن ولايته ثابتة شرعا
وخرج بزيادتي على نحو طفل نصب وصي في قضاء الحقوق فصحيح
( ولو أوصى اثنين ) ولو مرتبا وقبلا ( لم ينفرد واحد ) منهما بالتصرف ( إلا بإذنه ) له في الانفراد فله الانفراد عملا بالإذن
نعم له الانفراد برد الحقوق وتنفيذ وصية معينة وقضاء دين في التركة جنسه
وإن لم يأذن له لكن نازع الشيخان في جواز الإقدام عليه
( ولكل ) من الموصي والوصي ( رجوع ) عن الإيصاء متى شاء لأنه عقد جائز كالوكالة
قال في الروضة إلا أن يتعين الوصي أو يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من قاض وغيره فليس له الرجوع
( وصدق بيمينه ولي ) وصيا كان أو قيما أو غيره ( في إنفاق على موليه ) بقيد زدته بقولي ( لائق ) بالحال ( لا في دفع المال ) إليه بعد كماله فلا يصدق بل الصدق موليه بيمينه إذ لا تعسر إقامة البينة عليه بخلاف الإنفاق
وقولي بيمينه من زيادتي
وتعبيري بالولي وبموليه أعم من تعبيره بالوصي والطفل
____________________
(2/34)
كتاب الوديعة تقال على الإيداع وعلى العين المودعة من ودع الشيء يدع إذا سكن لأنها ساكنة عند الوديع وقيل من قولهم فلأن في دعة أي راحة لأنها في راحة الوديع ومراعاته
والأصل فيها قوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها }
وخبر أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك رواه الترمذي
وقال حسن غريب والحاكم
وقال على شرط مسلم ولأن بالناس حاجة بل ضرورة إليها ( أركانها ) أي الوديعة بمعنى الإيداع أربعة
( وديعة ) بمعنى العين المودعة ( وصيغة ومودع ووديع وشرط فيهما ) أي في المودع والوديع ( ما ) مر ( في موكل ووكيل ) لأن الإيداع استنابة في الحفظ
( فلو أودعه نحو صبي ) كمجنون ومحجور سفه ( ضمن ) ما أخذه منه لأنه وضع يده عليه بغير إذن معتبر
ولا يزول الضمان إلا بالرد إلى ولي أمره نعم إن أخذه منه حسبة خوفا على تلفه في يده أو أتلفه مودعه لم يضمنه
( وفي عكسه ) بأن أودع شخص نحو صبي ( إنما يضمن بإتلاف ) منه لأنه لم يسلطه على إتلافه فلا يضمنه بتلفه عنده إذ لا يلزم الحفظ
وظاهر أن ضمان المتلف إنما يكون في متمول ( و ) شرط ( في الوديعة كونها محترمة ) ولو نجسا ككلب ينفع ونحو حبة بر بخلاف غير المحترمة ككلب لا ينفع وآلة لهو وهذا من زيادتي
( و ) شرط ( في الصيغة ما ) مر ( في وكالة ) فيشترط اللفظ من جانب المودع وعدم الرد من جانب الوديع فيكفي قبضه
ولا يكفي الوضع بين يديه مع السكوت نعم لو قال الوديع أودعنيه مثلا فدفعه له ساكتا فيشبه أن يكفي ذلك كالعارية
وعليه فالشرط اللفظ من أحدهما نبه عليه الزركشي
والإيجاب إما صريح ( كأودعتك هذا أو استحفظتكه أو ) كناية مع النية ( كخذه فان عجز ) من يراد الإيداع عنده ( عن حفظها ) أي الوديعة ( حرم ) عليه ( أخذها ) لأنه يعرضها للتلف
( أو ) قدر عليه و ( لم يثق بأمانته ) فيها ( كره ) له أخذها خشية الخيانة فيها
قال ابن الرفعة إلا أن يعلم بحاله المالك فلا يحرم ولا يكره والإيداع صحيح والوديعة أمانة
وإن قلنا بالتحريم وأثر التحريم مقصور على الإثم ( وإلا ) بأن قدر على حفظها ووثق بأمانته فيها
____________________
(2/35)
( سن ) له أخذها بقيد زدته بقولي ( إن لم يتعين ) له أخذها لخبر مسلم والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه
فإن تعين بأن لم يكن ثم غيره وجب عليه أخذها لكن لا يجبر على إتلاف منفعته ومنفعة حرزه مجانا
( وترتفع ) الوديعة أي ينتهي حكمها ( بموت أحدهما وجنونه وإغمائه ) وحجر سفه عليه ( واسترداد ) من المودع ( ورد ) من الوديع كالوكالة ( وأصلها أمانة ) بمعنى أن الأمانة متأصلة فيها لا تبع كالرهن سواء أكانت بجعل أم لا لقوله تعالى { ما على المحسنين من سبيل } والوديع محسن في الجملة وقد تضمن بعوارض كأن ينقلها من محلة أو دار أخرى دونها حرزا
وإن لم ينهه المودع عن نقلها لأنه عرضها للتلف نعم إن نقلها يظن أنها ملكه ولم ينتفع بها لم يضمن
وخرج بما ذكر ما لو نقلها إلى مثل ذلك حرزا أو إلى أحرز أو نقلها من بيت إلى آخر في دار واحدة أو خان واحد ولم ينهه المودع فإنه لا ضمان وإن كان البيت الأول أحرز ( وكان يودعها ) غيره ولو قاضيا ( بلا إذن ) من المودع ( ولا عذر ) له لأن المودع لم يرض بذلك بخلاف ما لو أودعها غيره لعذر كمرض وسفر ( وله استعانة بمن يحملها لحرز ) أو يعلفها أو يسقيها المفهوم ذلك بالأولى لأن العادة جرت بذلك
( وعليه لعذر كإرادة سفر ) ومرض مخوف وحريق في البقعة وإشراف الحرز على الخراب ولم يجد غيره ( ردها لمالكها أو وكيله
ف ( إن فقدهما ردها ( لقاض ) وعليه أخذها
( ف ) إن فقده ردها ( لأمين ) ولا يكلف تأخير السفر
وتعبيري بالعذر أعم مما عبر به وعطفي الأمين في المرض المخوف بالفاء أولى من عطفه له بأو ( ويغني عن الأخيرين وصية ) بها ( إليهما فهو مخير عند فقد الأولين بين ردها للقاضي
والوصية بها إليه عند فقد القاضي بين ردها للأمين والوصية بها إليه
والمراد بالوصية بها الإعلام بها والأمر بردها مع وصفها بما تتميز به
أو الإشارة لعينها ومع ذلك يجب الإشهاد كما في الرافعي عن الغزالي
( فإن لم يفعل ) أي لم يردها ولم يوص بها لمن ذكر كما ذكر ( ضمن
إن تمكن ) من ردها أو الإيصاء بها سافر بها أم لا لأنه عرضها للفوات إذا الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسه وحرز السفر دون حرز الحضر بخلاف ما إذا لم يتمكن كأن مات فجأة أو قتل غيلة أو سافر بها لعجزه عن ذلك
ومحل ذلك في غير القاضي
أما القاضي إذا مات ولم يوجد مال اليتيم في تركته فلا يضمنه
وإن لم يوص به لأنه أمين الشرع بخلاف سائر الأمناء ولعموم ولايته قاله ابن الصلاح قال وإنما يضمن إذا فرط
قال السبكي وهذا تصريح منه بأن عدم إيصائه ليس تفريطا وإن مات عن مرض وهو الوجه
وقد أوضحته في شرح
____________________
(2/36)
الروض ( وكأن يدفنها بموضع ويسافر ولم يعلم بها أمينا يراقبها ) لأنه عرضها للضياع بخلاف ما إذا أعلم بها أمينا يراقبها
وإن لم يسكن الموضع لأن إعلامه بمنزلة إيداعه
فشرطه فقد القاضي وكلام الأصل يقتضي اشتراط السكنى
وليس مرادا ( وكأن لا يدفع متلفاتها كترك تهوية ثياب صوف أو ) ترك ( لبسها عند حاجتها ) لذلك وقد علمها لأن الدود يفسدها وكل من الهواء وعبوق رائحة الآدمي بها يدفعه ( أو ) ترك ( علف دابة ) بسكون اللام لأنه واجب عليه لأنه من الحفظ ( لا إن نهاه ) عن التهوية واللبس والعلف فلا يضمن كما لو قال أتلف الثياب والدابة ففعل لكنه يعصى في مسألة الدابة لحرمة الروح والتصريح بقولي لا إن نهاه من زيادتي في الأولين
( فإن أعطاه ) المالك ( علفا ) بفتح اللام ( علفها منه وإلا راجعه أو وكيله ) ليعلفها أو يستردها ( ف ) إن فقدهما راجع ( القاضي ) ليقترض على المالك أو يؤجرها ويصرف الأجرة في مؤنتها أو يبيع جزءا منها كما في علف اللقطة ( وكأن تلفت بمخالفة ) حفظ ( مأمور به كقوله لا ترقد على الصندوق ) الذي فيه الوديعة ( فرقد وانكسر به ) أي بثقله ( وتلف ما فيه به ) أي بانكساره لمخالفته المؤدية للتلف ( لا ) إن تلف ( بغيره ) كسرقة فلا يضمن لأن رقاده عليه زيادة في الحفظ والاحتياط
نعم إن كان الصندوق في صحراء فسرقت من جانبه ضمن إن سرقت من جانب لو لم يرقد على الصندوق لرقد فيه
( ولا إن نهاه عن قفلين ) كأن قال له لا تقفل عليه إلا قفلا واحدا ( فأقفلهما ) أو نهاه عن قفل فأقفل فلا يضمن لذلك
( ولو أعطاه دراهم بسوق وقال احفظها في البيت فأخر بلا عذر أو ) قال ( اربطها ) بكسر الباء أشهر من ضمها في ( كمك أو لم يبين كيفية حفظ فأمسكها ) بيده بلا ربط فيه ) أي في كمه ( فضاعت بنحو غفلة ) كنوم ( ضمن ) لتفريطه ( لا بأخذ غاصب ) لأن اليد أحرز بالنسبة إليه
( ولا يجعلها بجيبه ) بدلا عن الربط في كمه لأنه أحرز من الكم إلا إن كان الجيب واسعا غير مزرور فيضمن لسهولة تناولها باليد منه ( أو ) قال ( اجعلها بجيبك ضمن يربطها ) في كمه لتركه الأحرز أما إذا أمسكها مع الربط في الكم فلا يضمن لأنه بالغ في الحفظ أو امتثل قوله اربطها في كمك فإن جعل الخيط خارجا فضاعت بأخذ طراز ضمن أو باسترسال فلا وإن جعله داخلا انعكس الحكم
وهذا كله إذا لم يرجع إلى بيته وإلا فليحرزها فيه
____________________
(2/37)
( وكأن يضيعها كأن ) هو أولى من قوله بأن ( يضعها في غير حرز مثلها ) أو ينساها ( أو يدل عليها ) معينا محلها
( ظالما ) هو أعم من قوله سارقا أو من يصادر المالك ( أو يسلمها له ) أي لظالم ولو ( مكرها ويرجع ) هو إذا غرم ( عليه ) أي على الظالم لأن إقرار الضمان عليه لأنه المستولي على المال عدوانا
ولو أخذها الظالم قهرا فلا ضمان على الوديع
( وكأن ينتفع بها كلبس وركوب لا لعذر ) بخلاف ما إذا كان لعذر كلبسه لدفع دود وركوبه لجماح ( وكأن يأخذها ) من محلها ( لينتفع بها ) وإن لم ينتفع لتعديه بذلك نعم إن أخذها لذلك ظانا أنها ملكه ولم ينتفع بها لم يضمنها للعذر مع عدم الانتفاع ولو أخذ بعضها لينتفع به ثم يرده أو بدله ضمنه فقط
( لا إن نوى الأخذ ) لذلك ولم يأخذ لأنه لم يحدث فعلا بخلاف ما لو نواه فإنه يضمن ( وكأن يخلطها بمال ولم تتميز بسهولة عنه بنحو سكة ( ولو ) خلطها بمال ( للمودع ) بخلاف ما إذا تميزت بسهولة ولم تنقص بالخلط ( وكأن يجحدها أو يؤخر تخليتها ) أي التخلية بينها وبين مالكها ( بلا عذر بعد طلب مالكها ) لها بخلاف ما لو جحدها أو أخر تخليتها بلا طلب من مالكها
وإن كان الجحد وتأخير التخلية بحضرته لأن إخفاءها أبلغ في حفظها وبخلاف ما لو جحدها بعذر من دفع ظالم عن مالكها وما لو أخر التخلية بعذر كصلاة وخرج بتخليتها حملها إليه فلا يلزمه والتقييد بعدم العذر في الجحود من زيادتي
( ومتى خان لم يبرأ ) وإن رجع ( إلا بإيداع ) ثان من المالك كأن يقول استأمنتك عليها فيبرأ لرضا المالك بسقوط الضمان ( وحلف ) الوديع فيصدق ( في ) دعوى ( ردها على مؤتمنه ) وإن أشهد عليه بها عند الدفع لأنه ائتمنه وخرج بدعواه الرد على مؤتمنه ما لو ادعى ردها على وارث مؤتمنه أو ادعى وارثه الرد على المودع أو أودع عند سفره أمينا فادعى الأمين الرد على المالك فلا يصدق في ذلك بل عليه البينة
( و ) حلف ( في ) دعوى ( تلقيها مطلقا أو بسبب خفي كسرقة أو ) بسبب ( ظاهر كحريق ) وبرد ونهب ( عرف دون عمومه ) لاحتمال ما ادعاه ( فإن عرف عمومه أيضا ولم يتهم فلا ) يحلف بل يصدق بلا يمين لاحتمال ما ادعاه مع قرينة العموم وخرج بزيادتي
ولم يتهم ما لو اتهم فيحلف وجوبا بخلاف نظيره من الزكاة فإنه يحلف ندبا كما مر ثم عملا بالأصل في البابين ( وإن جهل ) السبب الظاهر ( طولب ببينة ) بوجوده ( ثم يحلف أنها تلفت به ) لاحتمال أنها لم تتلف به فإن نكل عن اليمين حلف المالك على نفي العلم بالتلف واستحق والتصديق المذكور يجري في كل أمين كوكيل
وشريك إلا المرتهن والمستأجر فيصدقان في التلف لا في الرد بل التصديق بالتلف يجري في غير الأمين لكنه يغرم البدل
____________________
(2/38)
كتاب قسم الفيء والغنيمة القسم بفتح القاف مصدر بمعنى القسمة والفيء مصدر فاء إذا رجع ثم استعمل في المال الراجع من الكفار إلينا والغنيمة فعيلة بمعنى مفعولة من الغنم وهو الربح والمشهور تغايرهما كما يؤخذ من العطف
وقيل كل منهما يطلق على الآخر إذا أفرد فإن جمع بينهما افترقا كالفقير والمسكين
وقيل الفيء يطلق على الغنيمة دون العكس والأصل في الباب آية { ما أفاء الله على رسوله }
ولم تحل الغنائم لأحد قبل الإسلام بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالا جمعوه فتأتي نار من السماء تأخذه ثم أحلت للنبي صلى الله عليه وسلم
وكانت في صدر الإسلام له خاصة لأنه كالمقاتلين كلهم نصرة وشجاعة بل أعظم ثم نسخ ذلك واستقر الأمر على ما يأتي ( الفيء نحو مال ) ككلب ينفع فهو أعم من قوله مال ( حصل ) لنا ( من كفار ) مما هو لهم ( بلا إيجاف ) أي إسراع خيل أو إبل أو بغال أو سفن أو رجالة أو نحوها فهو أولى من قوله إيجاف خيل وركاب لما عرف ولدفع إيراد أن المأخود من دارهم سرقة أو لقطة غنيمة لافيء
مع أن كلامه يقتضي أنه فيء فتأمل
لكن قد يرد ما أهداه الكافر لنا في غير الحرب فإنه ليس بفيء كما أنه ليس بغنيمة مع صدق تعريف الفيء عليه ( كجزية وعشر تجارة وما جلوا ) أي تفرقوا ( عنه ) ولو لغير خوف كضر أصابهم وإن أوهم كلام الأصل خلافه ( تركة مرتد وكافر معصوم ) هو أعم من قوله ذمي ( لا وارث له )
وكذا الفاضل عن وارث له غير حائز ( فيخمس ) خمسة أخماس
للآية السابقة وإن لم يكن فيها تخميس فإنه مذكور في آية الغنيمة فحمل المطلق على المقيد
وكان صلى الله عليه وسلم يقسم له أربعة أخماسه وخمس خمسه ولكل من الأربعة المذكورين معه في الآية خمس خمس
وأما بعده فيصرف ما كان له من خمس الخمس لمصالحنا ومن الأخماس الأربعة للمرتزقة كما تضمنه قولي ( وخمسه ) أي الفيء لخمسة ( لمصالحنا ) دون مصالحهم ( كثغور ) أي سدها
( وقضاة وعلماء ) بعلوم تتعلق بمصالحنا كتفسير وقراءة
والمراد بالقضاة غير قضاة العسكر أما قضاته وهم الذين يحكمون لأهل الفيء في مغزاهم فيرزقون من الأخماس الأربعة لا من خمس الخمس
كما قاله الماوردي وغيره ( يقدم )
____________________
(2/39)
وجوبا ( الأهم ) فالأهم ( ولبني هاشم و ) بني ( المطلب ) وهم المرادون بذي القربى في الآية لاقتصاره صلى الله عليه وسلم في القسم عليهم مع سؤال غيرهم من بني عميهم نوفل وعبد شمس له
ولقوله أما بنو هاشم وبنو المطلب فشيء واحد وشبك بين أصابعه
رواهما البخاري فيعطون ( ولو أغنياء ) للخبرين السابقين ولأنه صلى الله عليه وسلم أعطى العباس وكان غنيا ( ويفضل الذكر ) على الأنثى ( كالإرث ) فله سهمان ولها سهم لأنها عطية من الله تعالى تستحق بقرابة الأب كالإرث سواء الصغير والكبير والعبرة بالإنتساب إلى الآباء فلا يعطى أولاد البنات من بني هاشم والمطلب شيئا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعط الزبير وعثمان مع أن أم كل منهما كانت هاشمية ( ولليتامى ) للآية ( الفقراء ) لأن لفظ اليتيم يشعر بالحاجة ( منا ) لأنه مال أو نحوه أخذ من الكفار فاختص بنا كسهم المصالح ( واليتيم صغير ) ولو أنثى لخبر لا يتم بعد احتلام
رواه أبو داود وحسنه النووي لكن ضعفه غيره ( لا أب له ) وإن كان له جد واليتيم في البهائم من فقد أمه وفي الطيور من فقدأباه وأمه ومن فقد أمه فقط من الآدميين يقال له منقطع ( وللمساكين ) الصادقين بالفقراء ( ولابن السبيل ) أي الطريق ( الفقير منا ذ ) كورا كانوا أو إناثا للآية مع ما مر آنفا وسيأتي بيان الصنفين وبيان الفقير في الباب الآتي
ويجوز أن يجمع للمساكين بين الكفارة وسهمهم من الزكاة والخمس فيكون لهم ثلاثة أموال وإن اجتمع في أحدهم يتم ومسكنة أعطى باليتيم فقط لأنه وصف لازم والمسكنة زائلة وللإمام التسوية والتفضيل بينهم بحسب الحاجة وقولي منامع الفقير من زيادتي
( ويعم الإمام ) ولو بنائبه الأصناف ( الأربعة الأخيرة ) بالإعطاء وجوبا لعموم الآية
فلا يخص الحاضر بموضع حصول الفيء ولا من في كل ناحية منهم بالحاصل فيها نعم لو كان الحاصل لا يسد مسدا بالتعميم قدم الأحوج ولا يعم للضرورة ومن فقد من الأربعة صرف نصيبه للباقين منهم ( والأخماس الأربعة للمرتزقة ) وهم المرصدون للجهاد بتعيين الإمام لهم لعمل الأولين به بخلاف المتطوعة فلا يعطون من الفيء بل من الزكاة عكس المرتزقة كما سيأتي
ويشرك المرتزقة في ذلك قضاتهم كما مر وأئمتهم ومؤذنوهم وعمالهم ( فيعطى ) الإمام وجوبا ( كلا ) من المرتزقة وهؤلاء ( بقدر حاجة ممونه ) من نفسه وغيرها كزوجاته ليتفرغ للجهاد ويراعى في الحاجة الزمان والمكان والرخص والغلاء
وعادة الشخص مروءة وضدها
ويزاد إن زادت حاجته بزيادة ولد أو حدوث زوجة فأكثر ومن لا عبد له يعطى من العبيد ما يحتاجه للقتال معه أو لخدمته إن كان ممن يخدم ويعطي مؤنته ومن يقاتل فارسا ولا فرس له يعطى من الخيل ما يحتاجه للقتال ويعطى مؤنته بخلاف الزوجات يعطى لهن مطلقا لانحصارهن في أربع ثم يدفع إليه لزوجته وولده الملك فيه لهما حاصل من الفيء وقيل يملكه هوويصير إليهما من جهته
____________________
(2/40)
( فإن مات أعطى ) الإمام ( أصوله وزوجاته وبناته إلى أن يستغنوا ) بنحو نكاح أو إرث ( وبنيه إلى أن يستقلوا ) بكسب أو قدره على الغزو فمن أحب إثبات اسمه في الديوان أثبت وإلا قطع وذكر حكم الأصول من زيادتي
وتعبيري بزوجات وبالاستغناء فيهن وفي البنات أولى من تعبيره بالزوجة وبالنكاح فيها وبالاستقلال في البنات أولى من تعبيره بالزوجة وبالنكاح فيها وبالاستقلال في البنات كالبنين
( وسن أن يضع ديوانا ) بكسر الدال أشهر من فتحها وهو الدفتر الذي يثبت فيه أسماء المرتزقة وأول من وضعه عمر رضي الله عنه ( و ) أن ( ينصب لكل جمع ) منهم ( عريفا ) يجمعهم عند الحاجة إليهم والعريف فعيل بمعنى فاعل وهو الذي يعرف مناقب القوم ( و ) أن ( يقدم ) منهم ( إثباتا ) للاسم ( وإعطاء ) للمال أو نحوه ( قريشا ) لشرفهم بالنبي صلى الله عليه وسلم
ولخبر قدموا قريشا رواه الشافعي بلاغا وابن أبي شيبة بإسناد صحيح وسموا قريشا لتقرشهم وهو تجمعهم
وقيل لشدتهم وهم ولد النضر بن كنانة أحد أجداده صلى الله عليه وسلم
( و ) أن ( يقدم منهم بني هاشم ) جده الثاني ( و ) بني ( المطلب ) شقيق هاشم لتسويته صلى الله عليه وسلم بينهما في القسم كما مر ( ف ) بني ( عبد شمس ) شقيق هاشم أيضا ( ف ) بني ( نوفل ) أخي هاشم لأبيه عبد مناف بن قصي ( ف ) بني ( عبد العزى ) بن قصي لأنهم أصهاره صلى الله عليه وسلم
فإن زوجته خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ( فسائر البطون ) أي باقيها ( الأقرب ) فالأقرب ( إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) فيقدم منهم بعد بني عبد العزى بني عبد الدار بن قصي ثم بني زهرة بن كلاب ثم بني تيم
وهكذا ( ف ) بعد قريش ( الأنصار ) الأوس والخزرج لآثارهم الحميدة في الإسلام ( فسائر العرب ) أي باقيهم قال الرافعي كذا رتبوه وحمله السرخسي على من هم أبعد من الأنصار أما من هو أقرب منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقدم وفي الحاوي يقدم بعد الأنصار مضر فربيعة فولد عدنان فقحطان ( فالعجم ) لأن العرب أقرب منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيهما زيادة تطلب من شرح الروض
وذكر السن في المسائل المذكورة من زيادتي ( ولا يثبت في الديوان من لا يصلح للغزو ) كأعمى وزمن وفاقد يد وإنما يثبت الرجل المسلم المكلف الحر الصالح البصير للغزو فيجوز إثبات الأخرس والأصم والأعرج إن كان فارسا
( ومن مرض ) منهم بجنون أو غيره ( فكصحيح ) فيعطى بقدر حاجة ممونه حيا وميتا بتفصيله السابق
( وإن لم يرج برؤه ) لئلا يرغب الناس عن الجهاد ويشتغلوا بالكسب
وقولي فكصحيح أعم وأولى مما ذكره ( ويمحى ) اسم ( من لم يرج برؤه ) إن أعطى إذ لا فائدة في إبقاءه وهذا من زيادتي
( وما فضل عنهم ) أي عن المرتزقة أي عن حاجتهم ( وزع عليهم بقدر
____________________
(2/41)
مؤنتهم ) لأنه لهم فلو كان لواحد منهم نصف ولآخر ثلث أعطاهم من الفاضل بهذه النسبة ( وله ) أي للإمام
( صرف بعضه ) أي الفاضل ( في ثغور وسلاح وخيل ونحوها ) ( ولأنه ) معونة لهم
والغرض من هذا أن الإمام لا يبقى في بيت المال شيئا من الفيء ما وجد له مصرفا
فإن لم يجد ابتدأ بناء رباطات ومساجد على حسب رأيه
( و ) له ( وقف عقار فيء أو بيعه وقسم غلته ) في الوقف ( أو ثمنه ) في البيع بحسب ما يراه ( كذلك ) أي كقسم المنقول أربعة أخماسه للمرتزقة وخمسه للمصالح والأصناف الأربعة سواء وله أيضا قسمه المنقول كما شمله الكلام السابق أوائل الباب
لكن خمس الخمس الذي للمصالح لا سبيل إلى قسمته وما ذكرته من التخيير هو ما في الروضة كأصلها واقتصر الأصل على الوقف
فصل في الغنيمة وما يتبعها
( الغنيمة نحو مال ) هو أعم من قوله مال ( حصل ) لنا ( من الحربيين ) مما هو لهم ( بإيجاف ) أي إسراع لشيء مما مر
حتى ما حصل بسرقة أو التقاط كما مر
وكذا ما انهزموا عنه عند التقاء الصفين ولو قبل شهر السلاح أو أهداه الكافر لنا والحرب قائمة بخلاف المتروك بسبب حصولنا في دراهم وضرب معسكرنا فيهم
وتعبيري بالحربيين هنا وفيما يأتي أولى من تعبيره بالكفار ( فيقدم ) منها ( السلب لمن ركب غررا ) بقيد زدته بقولي ( منا )
حرا كان أو عبدا صبيا أو بالغا ذكرا أو أنثى وخنثى ( بإزالة منعة حربي ) بفتح النون أشهر من إسكانها أي قوته ( في الحرب ) كأن يقتله أو يعميه أو يقطع يديه أو رجليه أو يده ورجله أو يأسره
وإن من عليه الإمام أو أرقه وفداه بخلاف ما لو رماه من حصن أو صف أو قتله غافلا أو أسيرا أو بعد انهزام الحربيين فلا سلب له لانتفاء ركوب الغرر المذكور
والأصل في ذلك خبر من قتل قتيلان فله سلبه رواه الشيخان
( وهو ) أي السلب ( ما معه ) أي الحربي الذي أزيلت منعته من ثياب كخف ) وطيلسان ( وران ) براء ونون وهو خف بلا قدم ( ومن سوار ) وطوق ( ومنطقة ) وهي ما يشد بها الوسط ( وخاتم ونفقة ) معه بكيسها إلا المخلفة في رحله ( وجنيبة ) تقاد ( معه ) ولو بين يديه لأنها إنما تقاد معه ليركبها عند الحاجة بخلاف التي تحمل عليها أثقاله فلو تعددت الجنائب اختار واحدة منها لأن كلا منها جنيبة من أزال منعته ( وآلة حرب كدرع
____________________
(2/42)
ومركوب وآلته ) كسرج ولجام ومقود ومهماز
وقولي وآلته أعم من قوله وسرج ولجام ( لا حقيبة ) مشدودة على الفرس بما فيها من نقد وغيره لأنها ليست من لباسه ولا من حليه ولا مشدودة على بدنه
واختار السبكي أنه يأخذها بما فيها ( ثم ) بعد السلب ( تخرج المؤن ) أي مؤن نحوالحفظ ونقل المال إن لم يوجد متطوع به للحاجة إليه ( ثم يخمس الباقي ) من الغنيمة بعد السلب والمؤن ( وخمسة كخمس الفيء ) فيقسم بين أهله كما مر في الفيء لآية { واعلموا أنما غنمتم من شيء }
فيجعل ذلك خمسة أقسام متساوية ويؤخذ خمس رقاع ويكتب على واحدة لله أو للمصالح وعلى أربع للغانمين ثم تدرج في بنادق متساوية
ويخرج لكل خمس رقعة فما خرج لله أو المصالح جعل بين أهل الخمس على خمسة وهي التي تقدمت في الفيء ويقسم ما للغانمين قبل قسمة هذا الخمس
لكن بعد إفرازه بقرعة كما عرف ( والنفل ) بفتح الفاء أشهر من إسكانها ( وهو زيادة يدفعها الإمام باجتهاده ) في قدرها بقدر الفعل المقابل لها ( لمن ظهر منه ) في الحرب ( أمر محمود ) كمبارزة وحسن إقدام ( أو يشترطها ) باجتهاده ( لمن يفعل ما ينكي الحربيين ) كهجوم على قلعة ودلالة عليها وحفظ مكمن وتجسس حال يكون ( من مال المصالح الذي سيغنم في هذا القتال أو الحاصل عنده ) في بيت المال
فإن كان مما سيغنم فيذكر في النوع الثاني جزءا كربع وثلث وتحتمل فيه الجهالة للحاجة وإن كان من الحاصل عنده شرط كونه معلوما
والنوع الأول من النفل من زيادتي ( والأخماس الأربعة ) عقارها ومنقولها ( للغانمين ) أخذا من الآية حيث اقتصر فيها بعد الإضافة إليهم على إخراج الخمس ( وهم من حضر القتال ولو في أثنائه ) أو كان ممن لا يسهم له ( بنيته ) أي القتال ( وإن لم يقاتل أو ) حضر ( لا بنيته وقاتل كأجير لحفظ أمتعة وتاجر ومحترف ) لشهوده القتال في الأولى ولقتاله في الثانية وألحق بهما جاسوس وكمين ومن أخر منهم ليحرس العسكر من هجوم العدو ولا شيء لمن حضر بعد انقضائه ولو قيل حيازه المال ولا لمن حضره وانهزم غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة
ولم يعد قبل انقضائه فإن عاد استحق من المحوز بعد عوده فقط ومثله من حضر في الأثناء ولا لمخذل ومرجف وإن حضر بنية القتال ( ولو مات بعد انقضائه ولو قبل الحيازة ) لمال ( فحقة لوارثه ) لأن الغنيمة تستحق بالانقضاء وإن لم تكن حيازة بخلاف من مات قبل انقضائه لا شيء له لما مر
وفارق موت فرسه بأن الفارس متبوع والفرس تابع ( ولراجل سهم ولفارس ثلاثة ) سهمان للفرس وسهم له للاتباع
____________________
(2/43)
رواه الشيخان
( ولا يعطى ) وإن كان معه فرسان ( لا لفرس واحد فيه نفع ) لما روى الشافعي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعط الزبير إلا لفرس واحد وكان معه يوم حنين أفراس عربيا أو غيره كبرذون وهو من أبواه عجميان وهجين وهو من أبوه عربي وأمه عجمية
ومقرف بضم الميم وسكون القاف وكسر الراء وهو من أبوه عجمي وأمه عربية فلا يعطى لغير فرس كبعير وفيل وبغل وحمار لأنها لا تصلح للحرب صلاحية الخيل له بالكر والفر اللذين يحصل بهما النصرة نعم يرضخ لها ورضخ الفيل أمثر من رضخ البغل
ورضخ البغل أكثر من رضخ الحمار
ولا يعطى لفرس لا نفع فيه كمهزول وكسير وهرم وفارق الشيخ الهرم بأن الشيخ ينتفع برأيه ودعائه نعم يرضخ له ( ويرضخ منها ) أي من الأخماس الأربعة ( لعبد وصبي ومجنون وامرأة وخنثى حضروا ) القتال وفيهم نفع وإن لم يأذن السيد والولي والزوج ( ولكافر معصوم ) هو أعم من قوله ولذمي ( حضر بلا أجرة وبإذن الإمام ) للاتباع في غير المجنون والخنثى وقياسا فيهما
فإن حضر الكافر بغير إذن الإمام لم يرضخ لأنه متهم بموالاة أهل دينه بل يعزره إن رأى ذلك أو بإذنه بأجرة فله الأجرة فقط
والتصريح بحكم المجنون والخنثى من زيادتي ويرضح أيضا لأعمى وزمن وفاقد أطراف وتاجر ومحترف حضر او لم يقاتلا ( والرضخ دون سهم ) وإن كانوا فرسانا ( يجتهد لإمام في قدرة ) بقدر ما يرى ويفاوت بين أهله بقدر نفعهم فيرجع المقاتل ومن قتاله أكثر
والفارس على الراجل والمرأة التي تداوي الجرحى وتسقي العطاش على التي تحفظ الرحال
وإنما كان الرضخ من الأخماس الأربعة لأنه سهم من الغنيمة مستحق بالحضور إلا أنه ناقص فكان من الأخماس الأربعة المختصة بالغانمين الذين حضروا الوقعة
____________________
(2/44)
كتاب قسم الزكاة مع بيان حكم صدقة التطوع والأصل في الأول آية { إنما الصدقات للفقراء } وأضاف فيها الصدقات إلى الأصناف الأربعة بلام الملك وإلى الأربعة الأخيرة بفي الظرفية للإشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى وتقييده في الأخيرة حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها استرجع بخلافه في الأولى على ما يأتي ( هي ) أي الزكاة لثمانية ( لفقير ) وهو ( من لا مال له ولا كسب لائق ) به ( يقع ) جميعهما أو مجموعهما ( موقعا من كفايته ) مطعما وملبسا ومسكنا وغيرها مما لا بد له منه على ما يليق بحاله وحال ممونه
كمن يحتاج إلى عشرة ولا يملك أولا يكسب إلا درهمين أو ثلاثة وسواء أكان ما يملكه نصابا أم أقل أم أكثر ( ولو غير زمن ومتعفف ) عن المسألة لقوله تعالى { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } أي غير السائل ولظاهر الأخبار ( ولمسكين ) وهو ( من له ذلك ) أي مال أو كسب لائق به يقع موقعا من كفايته ( ولا يكفيه ) كمن يملك أو يكسب سبعة أو ثمانية ولا يكفيه إلا عشرة
والمراد أنه لا يكفيه العمر الغالب وقيل سنة وخرج بلائق كسب لا يليق به فهو كمن لا كسب له ( ويمنع فقر الشخص ومسكنته ) والتصريح بها من زيادتي ( كفايته بنفقة قريب أو زوج ) لأنه غير محتاج كمكتسب كل يوم قدر كفايته ( واشتغاله بنوافل ) والكسب يمنعه منها ( لا ) اشتغاله ( بعلم شرعي ) يتأتى منه تحصيله ( والكسب يمنعه ) منه لأنه فرض كفاية وقولي شرعي من زيادتي
( ولا مسكنه وخادمه وثياب وكتب ) له ( يحتاجها ) وذكر الخادم والكتب مع التقييد بالاحتياج من زيادتي
( و ) لا ( مال له غائب بمرحلتين أو مؤجل ) فيعطي ما يكفيه إلى أن يصل إلى ماله أو يحل الأجل لأنه الآن فقير أو مسكين ( ولعامل ) على الزكاة ( كساع ) يجبيها ( وكاتب ) يكتب ما أعطاه أرباب الأموال ( وقاسم وحاشر ) يجمعهم أو يجمع ذوي السهمان والأصل اقتصر على أولهما وقولي كساع أولى من قوله ساع إلى آخره لأن العامل لا ينحصر فيما ذكره إذ منه العريف والحاسب وأما أجرة الحافظ للأموال والراعي بعد قبض الإمام ففي جملة السهمان لا في سهم العامل والكيال والوزان والعداد إن ميزوا الزكاة من المال فأجرتهم
____________________
(2/45)
على المالك لا من سهم العامل أو ميزوا بين أنصباء المستحقين فهي من سهم العامل وما ذكر أولا محله إذا فرق الإمام الزكاة ولم يجعل للعامل جعلا من بيت المال فإن فرقها المالك أو جعل الإمام للعامل ذلك سقط سهم العامل كما سيأتي ( لا قاض ووال ) فلا حق لهما في الزكاة بل رزقهما في خمس الخمس المرصد للمصالح العامة
إن لم يتطوعا بالعمل لأن عملهما عام ( ولمؤلفة ) إن قسم الإمام واحتيج لهم وهم أربعة ( ضعيف إسلام أو شريف ) في قومه ( يتوقع ) بإعطائه ( إسلام غيره أو كاف ) لنا ( شر من يليه من كفار أو ما نعي زكاة ) وهذا في مؤلفة المسلمين كما يعلم مما يأتي وفي كلامي هنا إشارة إليه
أما مؤلفة الكفار وهم من يرجى إسلامه أو يخاف شره فلا يعطون من زكاة ولا غيرها لأن الله تعالى أعز الإسلام وأهله وأغنى عن التأليف وقولي أو كاف إلى آخره من زيادتي
( ولرقاب ) وهم ( مكاتبون ) كتابة صحيحة بقيد زدته بقولي ( لغير مزك ) فيعطون ولو بغير إذن ساداتهم أو قبل حلول النجوم ما يعينهم على العتق إن لم يكن معهم ما يفي بنجومهم أما مكاتب المزكي فلا يعطي من زكاته شيئا لعود الفائدة إليه مع كونه ملكه ( ولغارم ) وهو ثلاثة ( من تداين لنفسه في مباح ) طاعة كان أولا وإن صرفه في معصية وقد عرف قصد الإباحة ( أو ) في ( غيره ) أي المباح كخمر ( وتاب ) وظن صدقه في توبته وإن قصرت المدة ( أو صرفه في مباح )
فيعطي ( مع الحاجة ) بأن يحل الدين ولا يقدر على وفائه بخلاف ما لو تداين لمعصية وصرفه فيها ولم يتب
وما لو لم يحتج فلا يعطى
وقولي أو صرفه في مباح من زيادتي
( أو ) تداين ( لإصلاح ذات البين ) أي الحال بين القوم
كأن خاف فتنة بين قبيلتين تنازعتا في قتيل لم يظهر قاتله فتحمل الدية تسكينا للفتنة فيعطى ( ولو غنيا ) إذ لو اعتبر الفقر لقلت الرغبة في هذه المكرمة ( أو ) تداين ( لضمان ) فيعطى ( أن أعسر مع الأصيل ) وإن لم يكن متبرعا بالضمان ( أو ) أعسر ( وحده وكان متبرعا ) بالضمان
بخلاف ماإذا ضمن بالإذن والثالث من زيادتي ( ولسبيل الله ) وهو ( غاز متطوعا ) بالجهاد فيعطى ( ولو غنيا ) إعانة له على الغزو وبخلاف المرتزق الذي له حق في الفيء فلا يعطى من الزكاة
وإن لم يوجد ما يصرف له من الفيء وعلى أغنياء المسلمين إعانته حينئذ ( ولابن سبيل ) وهو ( منشىء سفر ) من بلد مال الزكاة ( أو مجتاز ) به في سفره ( إن احتاج ولا معصية ) بسفره سواء أكان طاعة كسفر حج وزيارة أم
____________________
(2/46)
مباحا كسفر تجارة وطلب آبق ونزهة
فإن كان معه ما يحتاجه في سفره ولو بوجدان مقرض أو كان سفر معصية لم يعط وألحق به سفر لا لغرض صحيح كسفر الهائم ( وشرط آخذ ) للزكاة من هذه الثمانية ( حرية ) هو من زيادتي فلا حق فيها لمن به رق غير مكاتب ( وإسلام ) فلا حق فيها لكافر لخبر الصحيحين صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم نعم الكيال والحمال والحافظ ونحوهم يجوز كونهم كفارا مستأجرين من سهم العامل لأن ذلك أجرة لا زكاة ( وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا ) فلا تحل لهما قال صلى الله عليه وسلم إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد رواه مسلم
وقال لا أحل لكم أهل البيت من الصدقات شيئا ولا غسالة الأيدي إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم أي بل يغنيكم
رواه الطبراني ( ولا مولى لهما ) فلا تحل له لخبر القوم منهم صححه الترمذي وغيره
فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها ( من علم الدافع ) لها من إمام وعليه اقتصر الأصل أو غيره ( حاله ) من استحقاق الزكاة وعدمه
( عمل بعلمه ) فيصرف لمن علم استحقاقه دون غيره وإن لم يطلبها منه وإن أفهم كلام الأصل اشتراط طلبها منه ( ومن لا ) يعلم الدافع حاله ( فإن ادعى ضعف إسلام صدق ) بلا يمين ولا بينة وإن اتهم لعسر إقامتها ( أو ) ادعى ( فقرا أو مسكنة فكذا ) يصدق بلا يمين ولا بينة وإن اتهم لذلك ( إلا إن ادعى عيالا أو ) ادعى ( تلف مال عرف ) أنه ( له فيكلف بينة ) لسهولتها ( كعامل ومكاتب وغارم وبقية المؤلفة ) فإنهم يكلفون بينة بالعمل والكتابة والغرم والشرف وكفاية الشر لذلك وذكر المؤلفة بأقسامها من زيادتي ( وصدق غاز وابن سبيل ) بلا يمين ولا بينة لما مر
( فإن تخلفا ) عما إخذا لأجله ( استرد ) منهما ما أخذاه لانتفاء صفة استحقاقهما فإن خرجا ورجعا وفضل شيء لم يسترد من الغازي إن قتر على نفسه أو كان يسيرا وإلا استرد ويسترد من ابن السبيل مطلقا ومثله المكاتب إذا عتق ما أخذه والغارم إذا برىء واستغنى بذلك
( والبينة ) هنا ( إخبار عدلين أو عدل وامرأتين ) فلا يحتاج إلى دعوى عند قاض وإنكار واستشهاد
وذكر العدل وامرأتين من زيادتي ( ويغني عنها ) أي البينة ( استفاضة ) بين الناس
____________________
(2/47)
لحصول الظن بها
( وتصديق دائن ) في الغارم ( وسيد ) في المكاتب ( ويعطي فقير ومسكين ) إذا لم يحسنا الكسب بحرفة ولا تجارة
( كفاية عمر غالب فيشتريان به ) أي بما أعطياه ( عقارا يستغلانه ) بأن يشتري كل منهما به عقارا يستغله ويستغني به عن الزكاة
وظاهر أن للإمام أن يشتري له ذلك كما في الغازي ومن يحسن الكسب بحرفة يعطي ما يشتري به آلاتها أو بتجارة يعطي ما يشتري به مما يحسن التجارة فيه ما يفي ربحه بكفايته غالبا فالبقلي يكتفي بخمسة دراهم والباقلاني بعشرة والفاكهي بعشرين والخباز بخمسين والبقال بمائة والعطار بألف والبزاز بألفين والصيرفي بخمسة آلاف والجوهري بعشرة آلاف والبقلى بموحدة من يبيع البقول
والباقلاني من يبيع الباقلا والبقال بموحدة الفامي بالفاء وهو من يبيع الحبوب
قيل أو الزيت
قال الزركشي ومن جعله بالنون فقد صحفه فإن ذاك يسمى النقلي لا النقال ( و ) يعطى ( مكاتب وغارم ) لغير إصلاح ذات البين بقرينة ما مر ( ما عجزا عنه ) من وفاء دينهما ويعطي ابن سبيل ما يوصله مقصده بكسر الصاد أو ماله إن كان له في طريقه مال فلا يعطى مؤنة إيابه إن لم يقصده وهو ظاهر ولا مؤنة إقامته الزائدة على مدة المسافر
( و ) يعطى ( غاز حاجته ) في غزوه نفقة له وكسوة له ولعياله وقيمة سلاح وقيمة فرس إن كان يقاتل فرسا ( ذهابا وإيابا وإقامة ) وإن طالت لأن اسمه لا يزول بذلك بخلاف ابن السبيل ( ويملكه ) فلا يسترد منه إلا ما فضل على ما مر
وللإمام أن يكترى له السلاح والفرس وأن يعيرهما له مما اشتراه ووقفه فإن له أن يشتريهما من هذا السهم ويقفهما في سبيل الله ( ويهيأ له مركوب ) غير الذي يقاتل عليه ( إن لم يطق المشي أو طال سفره ) بخلاف ما لو قصر وهو قوي
( وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يعتد مثله حملهما ) بنفسه بخلاف ما لو اعتاد مثله حملهما ويسترد ما هيىء له إذا رجع كما يشير إليه التعبير بيهيأ ( كابن سبيل ) فإنه يهيأ له ما مر في الغازي بشرطه
ويسترد منه إذا رجع
والمؤلفة يعطيها الإمام أو المالك ما يراه والعامل يعطي أجره مثله فإن زاد سهمه عليها رد الفاضل على بقية الأصناف وإن نقص كمل من مال الزكاة أو من مال المصالح ( ومن فيه صفتا استحقاق ) للزكاة كفقير غارم ( يأخذ بإحداهما ) لا بالأخرى أيضا لأن عطف بعض المستحقين على بعض في الآية يقتضي التغاير وتعبيري بيأخذ أولى من تعبيره بيعطي لأن الخيار في ذلك للآخذ لا للإمام أو المالك كما جزم به في الروضة وأصلها أما من فيه صفتا استحقاق الفيء أي وإحداهما الغزو كغاز هاشمي فيعطى بهما
____________________
(2/48)
فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعهما ( يجب تعميم الأصناف ) الثمانية في القسم ( إن أمكن )
بأن قسم الإمام ولو بنائبه ووجدوا لظاهر
الآية سواء في ذلك زكاة الفطر وزكاة المال
( وإلا ) أي وإن لم يكن بأن قسم المالك إذ لا عامل أو الإمام ووجد بعضهم كأن جعل عاملا بأجرة من بيت المال ( ف ) تعميم ( من وجد ) منهم لأن المعدوم لا سهم له فإن لم يوجد أحد منهم حفظت الزكاة حتى يوجدوا أو بعضهم
( وعلى الإمام تعميم الآحاد ) أي آحاد كل صنف من الزكوات الحاصلة عنده إذ لا يتعذر عليه ذلك ( وكذا المالك ) عليه التعميم ( إن انحصروا ) أي الآحاد ( بالبلد ) بأن سهل عادة ضبطهم ومعرفة عددهم ( ووفى ) بهم ( المال ) فإن أخل أحدهما بصنف ضمن لكن الإمام إنما يضمن من مال الصدقات لا من ماله والتصريح بوجوب تعميم الآحاد من زيادتي ( وإلا ) بأن لم ينحصروا أو انحصروا ولم يف بهم المال ( وجب إعطاء ثلاثة )
فأكثر من كل صنف لذكره في الآية بصيغة الجمع وهو المراد بفي سبيل الله وابن السبيل الذي هو للجنس ولا عامل في قسم المالك الذي الكلام فيه ويجوز حيث كان أن يكون واحدا إن حصلت به الكفاية كما يستغني عنه فيما مر
( وتجب التسوية بين الأصناف ) غير العامل ولو زادت حاجة بعضهم ولم يفضل شيء عن كفاية بعض آخر كما يعلم مما يأتي سواء أقسم الإمام أو المالك ( لا بين آحاد الصنف ) فيجوز تفضيل بعضهم على بعض
( إلا إن يقسم الإمام وتتساوى الحاجات ) فتجب التسوية لأن عليه التعميم فعليه التسوية بخلاف المالك إذ لم ينحصروا أو لم يف بهم المال وبهذا جزم الأصل ونقله في الروضة كأصلها عن التتمة لكن تعقبه فيها بأنه خلاف مقتضى إطلاق الجمهور استحباب التسوية ( ولا يجوز للمالك ) أي يحرم عليه ولا يجزيه ( نقل زكاة ) من بلد وجوبها مع وجود المستحقين فيه إلى بلد آخر فيه المستحقون ليصرفها إليهم لما في خبر الصحيحين صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم نعم لو وقع تشقيص كعشرين شاة ببلد وعشرين بآخر فله إخراج شاة بأحدهما مع الكراهة ولو حال الحول والمال ببادية فرقت الزكاة بأقرب البلاد إليه ( فإن عدمت ) في بلد وجوبها ( الأصناف أو فضل عنهم شيء وجب نقل ) لها أو الفاضل إلى مثلهم بأقرب بلد إليه ( وإن عدم بعضهم أو فضل عنه شيء ) بأن وجدوا كلهم وفضل عن كفاية بعضهم شيء وكذا إن وجد بعضهم وفضل عن كفاية بعضه شيء
____________________
(2/49)
( رد ) نصيب البعض أو الفاضل عنه أو عن بعضه ( على الباقين إن نقص نصيبهم )
عن كفايتهم فلا ينقل إلى غيرهم لانحصار الاستحقاق فيهم فإن لم ينقص نصيبهم نقل ذلك إلى ذلك الصنف بأقرب بلد
ومسئلتا الفضل مع تقييد الباقين بنقص نصيبهم من زيادتي وخرج بزيادتي للمالك الإمام فله ولو بنائبه نقلها مطلقا ولو امتنع المستحقون من أخذها قوتلوا ( وشرط العامل أهلية الشهادات ) أي مسلم مكلف عدل ذكر إلى غير ذلك مما ذكر في بابها ( وفقه زكاة ) بأن يعرف ما يؤخذ ومن يأخذ لأن ذلك ولاية شرعية فافتقرت لهذه الأمور كالقضاء هذا ( إن لم يعين له ما يؤخذ ومن يؤخذ ) وإلا فلا يشترط فقه ولا حرية وكذاذ كورة فيما يظهر
وقولي أهلية الشهادات أولى من اقتصاره على الحرية والعدالة وتقدم ما يؤخذ منه شرط أن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا ولا مولى لهما ولا مرتزقا
( وسن ) للإمام ( أن يعلم شهرا لأخذها ) أي الزكاة ليتهيأ أرباب الأموال لدفعها والمستحقون لأخذها وسن أن يكون المحرم لأنه أول السنة الشرعية وذلك فيما يعتبر فيه الحول المختلف في حق الناس بخلاف ما لا يعتبر فيه كالزروع والثمار فلا يسن فيه ذلك بل يبعث العامل وقت الوجوب وقته في المثالين اشتداد الحب
وإدراك الثمار
وذلك لا يختلف في الناحية الواحدة كثير اختلاف ثم بعث العامل لأخذ الزكوات واجب على الإمام والتصريح بالسن من زيادتي
( و ) أن ( يسم نعم زكاة وفيء ) للاتباع في بعضها رواه الشيخان
وقياس الباقي عليه وفيه فائدة تمييزها عن عيرها وأن يردها واجدها إن شردت أو ضلت ( في محل ) بقيدين زدتهما بقولي ( صلب ظاهر ) للناس ( لا يكثر شعره ) ليكون أظهر للرائي وأهون على النعم
والأولى في الغنم آذانها وفي الإبل والبقر أفخاذها ويكون وسم الغنم ألطف وفوقه البقر وفوقه الإبل أما نعم غير الزكاة والفيء فوسمه مباح لا مندوب ولا مكروه
قاله في المجموع والخيل والبغال والحمير والفيلة كالنعم في الوسم وكالإبل والبقر في محله ويبقى النظر في أيها ألطف وسما ( وحرم ) الوسم ( في الوجه ) للنهي عنه ولأنه صلى الله عليه وسلم مر عليه حمار
قد وسم في وجهه
فقال لعن الله الذي وسمه
رواهما مسلم والوسم في نعم الزكاة زكاة أو صدقة وطهرة أو لله وهو أبرك وأولى وفي نعم الجزية من الفيء جزية أو صغار وفي نعم بقية الفيء فيء
____________________
(2/50)
فصل في صدقة التطوع وهي المرادة عند الإطلاق غالبا كما في قولي ( الصدقة سنة ) مؤكدة لما ورد فيها من الكتاب والسنة
وقد يعرض لها ما يحرمها كأن يعلم من آخذهاأنه يصرفها في معصية ( وتحل لغني ) بمال أو كسب ولو لذي قربى لا للنبي صلى الله عليه وسلم
ففي الصحيحين تصدق الليلة على غني ويكره له التعرض لأخذها ويستحب له التنزه عنها بل يحرم عليه أخذها إن أظهر الفاقة أو سأل بل يحرم سؤاله أيضا ( وكافر ) ففي الصحيحين في كل كبد رطبة أجر ( ودفعها سرا وفي رمضان ولنحو قريب ) كزوجة وصديق ( فجار ) أقرب فأقرب ( أفضل ) من دفعها جهرا
وفي غير رمضان ولغير نحو قريب وغير جار لما ورد في ذلك من الكتاب والسنة
ونحو من زيادتي
وتعبيري في الجار بالفاء أولى من تعبيره فيه بالواو ليفيد أن الصدقة على نحو القريب وإن بعدت داره أي بعدا لا يمنع نقل الزكاة أفضل من الصدقة على الجار الأجنبي وسواء في الجار القريب ألزمت الدافع مؤنته أم لا كما صرح به في المجموع عن الأصحاب
أما الزكاة فإظهارها أفضل بالإجماع كما في المجموع وخصه الماوردي بالمال الظاهر أما الباطن فإخفاء زكاته أفضل ويسن الإكثار من الصدقة في رمضان وأمام الحاجات وعند كسوف ومرض وسفر وحج وجهاد وفي أزمنة وأمكنة فاضلة كعشر ذي الحجة وأيام العيد ومكة والمدينة ( وتحرم ) الصدقة ( بما يحتاجه ) من نفقة وغيرها ( لممونه ) من نفسه أو غيره وهو أعم من قوله لنفقة من تلزمه نفقته ( أو لدين لا يظن له وفاء ) لو تصدق به لأن الواجب مقدم على المسنون
فإن ظن وفاء من جهة أخرى فلا بأس بالتصدق به
قال في المجموع وقد يستحب خرج بالصدقة الضيافة فلا يشترط في جوازها كونها فاضلة عن مؤنة ممونه كما في المجموع خلافا لما في شرح مسلم
وما ذكرته من تحريم الصدقة بما يحتاجه لنفسه هو ما صححه في المجموع ونقله في الروضة عن كثيرين محله
فيمن لم يصبر أخذا من جواب المجموع عن حديث الأنصاري وامرأته اللذين نزل فيهما قوله تعالى { ويؤثرون على أنفسهم } الآية
فما صححه في الروضة من أنها لا تحرم محله فيمن صبر
وعلى الأول يحمل ما في التيمم من حرمه إيثار عطشان عطشانا آخر بالماء
وعلى الثاني يحمل ما في الأطعمة من أن للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرا آخر مسلما ( وتسن بما فضل عن حاجته ) لنفسه وممونه يومه وليلته وفصل كسوته ووفاء دينه ( إن صبر ) على الإضافة ( وإلا كره ) كما في المهذب وغيره
والتصريح بالكراهة من زيادتي وعلى
____________________
(2/51)
هذا التفصيل حملت الأخبار المختلفة الظاهر كخبر خير الصدقة ما كان عن ظهر غني أي غنى النفس وصبرها على الفقر
رواه أبو داود وصححه الحاكم وخبر إن أبا بكر تصدق بجميع ماله رواه الترمذي وصححه
أما الصدقة ببعض ما فضل عن حاجته فمسنون مطلقا إلا أن يكون قدرا يقارب الجميع فالأوجه جريان التفصيل السابق فيه والله أعلم
____________________
(2/52)
كتاب النكاح هو لغة الضم والوطء وشرعا عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو نحوه وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء على الصحيح وإنما حمل على الوطء في قوله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } لخبر حتى تذوقي عسيلته
والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } وأخبار كخبر تناكحوا تكثروا
رواه الشافعي بلاغا
( سن ) أي النكاح بمعنى التزوج ( لتائق له ) بتوقانه للوطء ( إن وجد أهبته ) من مهر وكسوة فصل التمكين ونفقة يومه تحصينا لدينه سواء أكان مشتغلا بالعبادة أم لا ( وإلا ) بأن فقد أهبته ( فتركه أولى وكسر ) إرشادا ( توقانه بصوم ) لخبر يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع لتوقانه والباءة بالمد مؤن النكاح فإن لم ينكسر بالصوم لا يكسره الكافور ونحوه بل يتزوج ( وكره ) النكاح ( لغيره ) أي غير التائق له لعلة أو غيرها ( إن فقدها ) أي أهبته ( أو ) وجدها ( وكان به علة كهرم ) وتعنين لانتفاء حاجته مع التزام فاقد الأهبة ما لا يقدر عليه وخطر القيام بواجبه فيمن عداه ( وإلا ) بأن وجدها ولا علة به ( فتخل لعبادة أفضل ) من النكاح إن كان متعبدا اهتماما بها ( فإن لم يتعبد فالنكاح أفضل ) من تركه لئلا تفضي به البطالة إلى الفواحش
وتعبيري بالتخلي للعبادة أولى من تعبيره بالعبادة لأنها عبارة الجمهور ولأنها التي تصلح للخلافية فيه بيننا وبين الحنفية إذ من المعلوم أن العبادة من النكاح قطعا
فرع نص في الأم وغيرها على أن المرأة التائقة يسن لها النكاح وفي معناها المحتاجة إلى النفقة والخائفة من اقتحام الفجرة ويوافقه ما في التنبيه من أن من جاز لها النكاح إن كانت محتاجة إليه استحب لها النكاح وإلا كره فما قيل إنه يستحب لها ذلك مطلقا مردود ( وسن بكر )
لخبر الصحيحين عن جابر هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ( إلا لعذر ) من زيادتي كضعف آلته عن الافتضاض أو احتياجه لمن يقوم على عياله ومنه ما اتفق لجابر فإنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما تقدم اعتذر له فقال إن أبي قتل يوم أحد ترك تسع بنات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن فقال صلى الله عليه وسلم أصبت ( دينة )
____________________
(2/53)
لا فاسقة ( جميلة ولود ) من زيادتي وذلك لخبر الصحيحين تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك أي افتقرتا إن لم تفعل وخبر تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة رواه أبو داود والحاكم وصح إسناده ويعرف كون البكر ولودا بأقاربها ( نسيبة )
أي طيبة الأصل لخبر تخير والنطفكم رواه الحاكم وصححه بل تكره بنت الزنا وبنت الفاسق قال الأذرعي ويشبه أن يلحق بهما اللقيطة ومن لا يعرف لها أب ( غير ذات قرابة قريبة )
بأن تكون أجنبية أو ذات قرابة بعيدة لضعف الشهوة في القريبة فيجيء الولد نحيفا والبعيدة أولى من الأجنبية
لكن ذكر صاحب البحر والبيان أن الشافعي نص على أنه يسن له أن لا يتزوج من عشيرته لأن الغالب حينئذ على الولد الحمق فيحمل نصه على عشيرته الأدنين ( و ) سن ( نظر كل ) من المرأة والرجل ( للآخر بعد قصده نكاحه قبل خطبته غير عورة ) في الصلاة وإن لم يؤذن له فيه أو خيف منه الفتنة للحاجة إليه فينظر الرجل من الحرة الوجه والكفين وممن بهارق ما عدا ما بين سرة وركبة كما صرح به ابن الرفعة في الأمة
وقال إنه مفهوم كلامهم وهما ينظرانه منه فتعبيري بما ذكر أخذا من كلام الرافعي وغيره أولى من تعبير الأصل كغيره بالوجه والكفين
واحتج لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة وقد خطب امرأة انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما أي أن تدوم بينكما المودة والألفة رواه الترمذي وحسنه والحاكم صححه وقيس بما فيه عكسه
وإنما اعتبر ذلك بعد القصد لأنه لا حاجة إليه قبله
ومراده بخطب في الخبر عزم على خطبتها لخبر أبي داود وغيره إذا ألقي في قلب امرىء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها وأما اعتباره قبل الخطبة فلأنه لو كان بعدها لربما أعرض عن منظوره فيؤذيه وإنما لم يشترط الإذن في النظر اكتفاء بإذن الشارع ولئلا يتزين المنظور إليه فيفوت غرض الناظر
فإن قلت لم فرقتم بين الحرة والأمة هنا مع التسوية بينهما في نظر الفحل للأجنبية على قول النووي
قلت لأن النظر هنا مأمور به وإن خيفت الفتنة فأنيط بغير العورة وهناك منهي عنه لخوف الفتنة فتعدى منه إلى ما يخاف منه الفتنة وإن لم يكن عورة بدليل حرمة النظر إلى وجه الحرة ويديها على ما يأتي
( وله ) أي لكل منهما ( تكريره ) أي النظر عند حاجته إليه لتتبين هيئة منظوره فلا يندم بعد نكاحه عليه
وذكر حكم نظرها إليه من زيادتي
( وحرم نظر نحو فحل كبير ) كمجبوب وخصي ( ولو مراهقا شيئا ) وإن أبين كشعر ( من ) امرأة ( كبيرة أجنبية ولو أمة ) وأمن الفتنة لأن النظر مظنة الفتنة ومحرك للشهوة
فاللائق بمحاسن الشرع سد الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة بها ومعنى حرمته في المراهق أنه
____________________
(2/54)
يحرم على وليه تمكينه منه كما يحرم عليها أن تتكشف له لظهوره على العورات بخلاف طفل لم يظهر عليها
قال تعالى { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء }
والمراد بالكبيرة غير صغيرة لا تشتهى ( وله بلا شهوة ) ولو مكاتبا على النص ( نظر سيدته وهما عفيفان ومحرمه خلا ما بين سرة وركبة ) قال تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن } الآية
والزينة مفسرة بما عدا ذلك ( كعكسه ) أي ما ذكر في هذه والتي قبلها فيحرم على المرأة الكبيرة ولو مراهقة نظر شيء من نحو فحل أجنبي كبير ولو عبدا
قال تعالى { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن }
ولها بلا شهوة أن تنظر من عبدها وهما عفيفان ومن محرمها خلا ما بين سرة وركبة لما عرف
وقولي نحو وبلا شهوة مع التقييد بالعفة
وذكر حكم نظر سيده العبد له من زيادتي
وما ذكرته من تحريم نظر الفحل إلى وجه المرأة وكفيها وعكسه عند أمن الفتة هو ما صححه الأصل والذي في الروضة كأصلها عن أكثر الأصحاب حله ( وحل بلا شهوة نظر لصغيرة ) لا تشتهي ( خلا فرج ) لأنها ليست في مظنة شهوة
أما الفرج فيحرم نظره وقطع القاضي بحله عملا بالعرف وعلى الأول استثنى ابن القطان الأم زمن الرضاع والتربية للضرورة أما فرج الصغير فيحل النظر إليه ما لم يميز كما صححه المتولي وجزم به غيره ونقله السبكي عن الأصحاب ( ونظر ممسوح ) وهو ذاهب الذكر والأنثيين بحيث لم يبق له شهوة ( لأجنبية وعكسه ) أي ونظر أجنبية لممسوح ( و ) نظر ( رجل لرجل و ) نظر ( امرأة لامرأة كنظر لمحرم ) فيحل بلا شهوة ما عدا ما بين سرة وركبة لما عرف ( وحرم نظر كافر لمسلمة ) لقوله تعالى { أو نسائهن } والكافرة ليست من نساء المؤمنات ولأنها ربما تحكيها للكافر فلا تدخل الحمام معها نعم
يجوز أن ترى منها ما يبدو عند المهنة على الأشبه في الروضة كأصلها
لكن الأوجه ما صرح به القاضي وغيره أنها معها كالأجنبي كما أوضحته في شرح الروض
وتعبيري بكافرة أعم من تعبيره بذمية وهذا كله في كافرة غير مملوكة للمسلمة ولا محرم لها أما هما فيجوز لهما النظر إليها كما علم من عموم ما مر
وأما نظر المسلمة للكافر فمقتضى كلامهم جوازه
قال الزركشي وفيه توقف ( و ) حرم ( نظر أمرد جميل ) ولا محرمية ولا ملك ولو بلا شهوة ( أو ) غير جميل ( بشهوة ) بأن ينظر إليه فيلتذ به
وتعبيري بذلك أولى مما عبر به ( لا نظر لحاجة كمعاملة ) ببيع أو غيره ( وشهادة ) تحملا وأداء ( وتعليم ) لما يجب أو يسن فينظر في المعاملة إلى الوجه فقط وفي الشهادة إلى ما يحتاج إليه من وجه وغيره وفي إرادة شراء رقيق ما عدا ما بين السرة والركبة كما مر في محله هذا كله
إن لم يخف فتنة
وإلا فإن لم يتعين ذلك لم ينظر وإلا نظر
____________________
(2/55)
وضبط نفسه والخلوة في جميع ذلك كله كالنظر ( وحيث ) أولى من قوله ومتى ( حرم نظر حرم مس ) لأنه أبلغ منه في اللذة
بدليل أنه لو مس فأنزل بطل صومه ولو نظر فأنزل لم يبطل فيحرم على الرجل ذلك فخذ الرجل بلا حائل وقد يحرم المس دون النظر كغمز الرجل ساق محرمة أو رجلها وعكسها بلا حاجة فيحرم مع جواز النظر إلى ذلك ( ويباحان لعلاج كفصد ) وحجم ( بشرطه ) وهو اتحاد الجنس أو فقده مع حضور نحو محرم وفقد مسلم في حق مسلم والمعالج كافر
فلا تعالج امرأة رجلا مع وجود رجل يعالج ولا عكسه ولا رجل امرأة ولا عكسه عند الفقد إلا بحضرة نحو محرم ولا كافر أو كافرة مسلما أو مسلمة مع وجود مسلم أو مسلمة يعالجان وقولي بشرطه من زيادتي ( ولحليل امرأة ) من زوج وسيد ( نظر كل بدنها ) حتى دبرها خلافا للدارمي في الدبر ( بلا مانع له ) أي للنظر لكل بدنها لأنها محل تمتعه لكن يكره نظر الفرج ( كعكسه ) فلها النظر إلى كل بدنة بلا مانع لكن يكره نظر الفرج وقولي بلا إلى آخره من زيادتي وخرج بعدم المانع ما لو اعتدت عن شبهة أو زوجت الأمة أو كوتبت أو كانت وثنية أو نحوها ممن يحرم التمتع بها فيحرم نظر ما بين سرة وركبة وتعبيري بالحليل أعم من تعبيره بالزوج
فرع المشكل يحتاط في نظره والنظر إليه فيجعل مع النساء رجلا ومع الرجال امرأة كما صححه في الروضة وأصلها
فصل في الخطبة بكسر الخاء وهي التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة ( تحل خطبة خلية عن نكاح وعدة ) تعريضا وتصريحا وتحرم خطبة المنكوحة كذلك إجماعا فيهما ( و ) يحل ( تعريض لمعتدة غير رجعية ) بأن تكون معتدة عن وفاة أو شبهة أو فراق بائن بطلاق أو فسخ أو انفساخ لعدم سلطنة الزوج عليها قال تعالى { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } وهي واردة في عدة الوفاة أما التصريح لها فحرام إجماعا وأما الرجعية فلا يحل التعريض لها كالتصريح لأنها في حكم الزوجة والتصريح ما يقطع بالرغبة في النكاح كأريد أن أنكحك أو إذا انقضت عدتك نكحتك والتعريض ما يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها نحو من يجد مثلك أو إذا حللت فآذنيني ( كجواب ) من زيادتي أي كما يحل جواب الخطبة المذكورة من المرأة أو ممن يلي نكاحها
____________________
(2/56)
فجواب الخطبة كالخطبة حلا وحرما وهذا كله في غير صاحب العدة أما هو فيحل له التصريح والتعريض إن حل له نكاحها وإلا فلا ( ويحرم على عالم خطبة على خطبة جائزة ممن صرح بإجابته إلا بأعراض )
بإذن أو غيره من الخاطب أو المجيب لخبر الشيخين واللفظ للبخاري لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب والمعنى فيه ما فيه من الإيذاء سواء أكان الأول مسلما أم كافرا محترما وذكر الأخ في الخبر جرى على الغالب ولأنه أسرع امتثالا وسكوت البكر غير المجبرة ملحق بالصريح
وقولي على عالم أي بالخطبة وبالإجابة وبصراحتها وبحرمة خطبة على خطبة من ذكر وخرج بما ذكر ما إذا لم تكن خطبة أو لم يجب الخاطب الأول أو أجيب تعريضا مطلقا أو تصريحا ولم يعلم الثاني بالخطبة أو علم بها ولم يعلم بالإجابة أو علم بها ولم يعلم كونها بالصريح أو علم كونها بالصريح ولم يعلم بالحرمة أو علم بها وحصل إعراض ممن ذكر أو كانت الخطبة محرمة كأن خطب في عدة غيره فلا تحرم خطبته إذ لا حق للأول في الأخيرة ولسقوط حقه في التي قبلها والأصل الإباحة في البقية ويعتبر في التحريم أن تكون الإجابة من المرأة إن كانت غير مجبرة ومن وليها المجبر إن كانت مجبرة ومنها مع الولي إن كان الخاطب غير كفء
ومن السيد إن كانت أمة غير مكاتبة ومنه مع الأمة إن كانت مكاتبة ومع المبعضة إن كانت غير مجبرة وإلا فمع وليها ومن السلطان إن كانت مجنونة بالغة ولا أب ولا جد وقولي على عالم مع جائزة من زيادتي
وتعبيري بإعراض أعم من تعبيره بإذن ( ويجب ) كما عبر به في الأذكار وغيره ( ذكر عيوب من أريد اجتماع عليه ) لمناكحة أو نحوها كمعاملة وأخذ علم ( لمريده ) ليحذر بذلا للنصيحة سواء استشير الذاكر فيه أم لا
فتعبيري بما ذكر أولى وأعم من قوله ومن استشير في خاطب ذكر مساويه بصدق ( فإن اندفع بدونه ) بأن لم يحتج إلى ذكرها أو احتيج إلى ذكر بعضها ( حرم ) ذكر شيء منها في الأول وشيء من البعض الآخر
في الثاني وهذا من زيادتي
( وسن خطبة ) بضم الخاء ( قبل خطبة ) بكسرها ( و ) أخرى ( قبل عقد ) لخبر أبي داود وغيره كل أمر ذي بال وفي رواية كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع أي عن البركة فيحمد الله الخاطب ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
ويوصي بتقوى الله تعالى ثم يقول جئتكم خاطبا كريمتكم أو فتاتكم ويخطب الولي كذلك
ثم يقول لست بمرغوب عنك أو نحو ذلك
وتحصل السنة بالخطبة قبل العقد من الولي أو الزوج أو أجنبي ( ولو أوجب ولي ) العقد ( فخطب زوج خطبة قصيرة ) عرفا ( فقبل صح ) العقد مع الخطبة الفاصلة بين الإيجاب والقبول لأنها مقدمة القبول فلا تقطع الولاء كالإقامة وطلب الماء والتيمم بين صلاتي الجمع ( لكنها لا تسن ) بل يسن تركها كما صرح به ابن
____________________
(2/57)
يونس لكن النووي في الروضة تابع الرافعي في أنها تسن وجعلا في النكاح أربع خطب خطبة من الخاطب وأخرى من المجيب للخطبة وخطبتان للعقد واحدة قبل الإيجاب وأخرى قبل القبول أما إذا طالت الخطبة التي قبل القبول أو فصل كلام أجنبي عن العقد بأن لم يتعلق به ولو يسيرا فلا يصح العقد لإشعاره بالإعراض
فصل في أركان النكاح وغيرها ( أركانه ) خمسة ( زوج وزوجة وولي وشاهدان وصيغة وشرط فيها ) أي في صيغته ( ما ) شرط ( في ) صيغة ( البيع ) وقد مر بيانه ومنه عدم التعليق والتأقيت فلو بشر بولد ولم يتيقن صدق المبشر فقال إن كان أنثى فقد زوجتكها فقبل أو نكح إلى شهر لم يصح كالبيع بل أولى لاختصاصه بمزيد احتياط وللنهي عن نكاح المتعة في خبر الصحيحين سمي بذلك لأن الغرض منه مجرد التمتع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح
وتعبيري بما ذكر أولى من اقتصاره على عدم التعليق والتأقيت ( ولفظ ) ما يشتق من ( تزويج أو أنكاح ولو بعجمية ) يفهم معناها العاقدان والشاهدان وإن أحسن العاقدان العربية اعتبارا بالمعنى فلا يصح بغير ذلك كلفظ بيع وتمليك وهبة لخبر مسلم
اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ( وصح ) النكاح ( بتقدم قبول ) على إيجاب لحصول المقصود ( وبزوجني ) من قبل الزوج ( وبتزوجها ) من قبل الولي
( مع ) قول الآخر عقبه ( زوجتك ) في الأول ( أو تزوجت ) ها في الثاني لوجود الاستدعاء الجازم الدال على الرضى ( لا بكناية ) بقيد زدته بقولي ( في الصيغة ) كأحللتك بنتي فلا يصح بها النكاح بخلاف البيع
إذ لا بد فيها من النية والشهود ركن في النكاح كما مر ولا اطلاع لهم على النية
أما الكناية في المعقود عليه كما لو قال زوجتك بنتي فقبل ونويا معينة فيصح النكاح بها ( ولا بقبلت ) في قبول لانتفاء التصريح فيه بأحد اللفظين ونيته لا تفيد فلا بد أن يقول قبلت نكاحها أو تزويجها أو النكاح أو التزويج أو رضيت نكاحها على ما حكاه ابن هبيرة عن إجماع الأئمة الأربعة وأيده الزركشي بنص في البويطي ( ولا ) يصح ( نكاح شغار ) للنهي عنه في خبر الصحيحين ( كزوجتكها ) هو أعم من قوله وهو زوجتكها أي بنتي ( على أن تزوجني بنتك وبضع كل ) منهما ( صداق الأخرى فيقبل ) ذلك
وهذا التفسير مأخوذ من آخر الخبر المحتمل لأن يكون من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون من تفسير ابن عمر الراوي أو من تفسير نافع الراوي عنه وهو ما صرح به البخاري فيرجع إليه
____________________
(2/58)
والمعنى البطلان به التشريك في البضع حيث جعل مورد النكاح امرأة وصداقا لأخرى فأشبه تزويج واحدة من اثنين وقيل غير ذلك ( وكذا ) لا يصح ( لو سميا معه ) أي مع البضع ( ما لا ) كأن قال وبضع كل واحدة وألف صداق الأخرى ( فإن لم يجعل البضع صداقا ) بأن سكت عن ذلك ( صح ) نكاح كل منهما لانتفاء التشريك المذكور ولأنه ليس فيه إلا شرط عقد في عقد وهو لا يفسد النكاح ولكل واحدة مهر المثل لفساد المسمى ( و ) شرط ( في الزوج حل واختيار وتعيين وعلم بحل المرأة له ) فلا يصح نكاح محرم ولو بوكيله لخبر مسلم لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا مكره وغير معين كالبيع ولا من جهل حلها له احتياطا لعقد النكاح ( وفي الزوجة حل وتعيين وخلو مما مر ) أي من نكاح وعدة فلا يصح نكاح محرمة للخبر السابق ولا إحدى امرأتين للإبهام ولا منكوحة ولا معتدة
من غيره لتعلق حق الغير بها واشتراط غير الحل فيها وفي الزوج من زيادتي
( وفي الولي اختيار ) وهو من زيادتي ( وفقد مانع ) من عدم ذكورة ومن إحرام ورق وصبا وغيرها مما يأتي في موانع الولاية فلا يصح النكاح من مكره وامرأة وخنثى ومحرم وصبي ومجنون وغيرهم ممن يأتي مع بعضها ثم ( وفي الشاهدين ما ) يأتي ( في الشهادات ) هو أعم مما ذكره ( وعدم تعين ) لهما أو لأحدهما ( للولاية ) وهو من زيادتي فلا يصح النكاح بحضرة من انتفى فيه شرط من ذلك كأن عقد بحضرة عبدين أو امرأتين أو فاسقتين أو أصمين أو أعميين أو خنثيين نعم إن بانا ذكرين صح ولا بحضرة متعين للولاية فلو وكل الأب أو الأخ المنفرد في النكاح وحضر مع آخر لم يصح وإن اجتمع فيه شروط الشهادة لأنه ولي عاقد فلا يكون شاهدا كالزوج ووكيله نائبه ولا يعتبر إحضار الشاهدين بل يكفي حضورهما كما شمله إطلاق المتن
ودليل اعتبارهما مع الولي خبر ابن حبان لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل
والمعنى في اشتراطهما الاحتياط للإبضاع وصيانة الأنكحة عن الجحود ( وصح ) النكاح ظاهرا وباطنا ( بابني الزوجين ) أي ابني كل منهما أو ابن أحدهما وابن الآخر ( وعدويهما ) إي كذلك لثبوت النكاح بهما في الجملة
( و ) صح ( ظاهرا ) التقييد به تبعا لسبكي وغيره من زيادتي ( بمستوري عدالة ) وهما المعروفان بها ظاهرا لا باطنا لأنه يجري بين أوساط الناس والعوالم ولو اعتبر فيه العدالة الباطنة لاحتاجوا إلى معرفتها ليحضروا من هو متصف بها فيطول الأمر عليهم ويشق ( لا ) بمستوري ( إسلام وحرية ) وهما من لا يعرف إسلامهما وحريتهما ولو مع ظهورهما بالدار وذلك بأن يكونا بموضع يختلط فيه المسلمون بالكفار والأحرار بالأرقاء ولا غالب أو يكونا ظاهري الإسلام والحرية بالدار بل لا بد من
____________________
(2/59)
معرفة حالهما فيهما باطنا لسهولة الوقوف على ذلك بخلاف العدالة والفسق وكمستوري الإسلام مستورا البلوغ ( ويتبين بطلانه ) أي النكاح ( بحجة فيه ) أي في النكاح من بينة أو علم حاكم فهو أعم وأولى من قوله ببينة ( أو بإقرار الزوجين في حقهما ) بما يمنع صحته كفسق الشاهد ووقوعه في الردة لوجود المانع وخرج بزيادتي في حقهما حق الله تعالى كأن طلقها ثلاثا ثم اتفقا على عدم شرط فلا يقبل إقرارهما للتهمة فلا تحل إلا بمحلل كما في الكافي للخوارزمي
قال ولو أقاما عليه بينة لم تسمع
قال السبكي وهو صحيح إذا أرادا نكاحا جديدا كما فرضه فلو أراد التخلص من المهر أو أرادت بعد الدخول مهر المثل أي وكان أكثر من المسمى فينبغي قبولها
وقلت وهو داخل في قولي في حقهما ( لا ) بإقرار ( الشاهدين بما يمنع صحته ) أي النكاح فلا يؤثر في إبطاله كما لا يؤثر فيه بعد الحكم بشهادتهما ولأن الحق ليس لهما فلا يقبل قولهما على الزوجين ( فإن أقر الزوج ) دون الزوجة ( به فسخ ) النكاح لاعترافه بما يتبين به بطلان نكاحه ( وعليه المهر إن دخل ) بها ( وإلا فنصفه ) إذ لا يقبل قوله عليها في المهر
وقولي فسخ هو المراد بقوله فرق بينهما فهي فرقة فسخ لا طلاق فلا تنقص عدد الطلاق كما لو أقرا بالرضاع
وتعبيري بما يمنع صحته أعم من تعبيره بالفسق ( أو ) أقرت ( الزوجة ) دون الزوج ( بخلل في ولي أو شاهد ) كفسق ( حلف ) فيصدق لأن العصمة بيده وهي تريد رفعها والأصل بقاؤها وهذه من زيادتي
فإن طلقت قبل دخول فلا مهر لإنكارها أو بعده فلها أقل الأمرين من المسمى
ومهر المثل وخرج بالخلل فيمن ذكر غيره كما لو قالت الزوجة وقع العقد بغير ولي ولا شهود
وقال الزوج بل بهما فتحلف هي كما نقله ابن الرفعة عن الذخائر والزركشي عن النص لأصل العقد ( وسن إشهاد على رضا من يعتبر رضاها ) بالنكاح بأن كانت غير مجبرة احتياطا ليؤمن إنكارها
وإنما لم يشترط لأن رضاها ليس من نفس النكاح المعبر فيه الإشهاد وإنما هو شرط فيه ورضاها الكافي في العقد يحصل بإذنها أو بينة أو بإخبار وليها مع تصديق الزوج أو عكسه وقضية التقييد بمن يعتبر رضاها أنه لا يسن الإشهاد على رضا المجبرة
وقال الأذرعي ينبغي أنه يسن أيضا خروجا من خلاف من يعتبر رضاها
فصل في عاقد النكاح وما يذكر معه ( لا تعقد امرأة نكاحا ) ولو بإذن إيجابا كان أو قبولا لا لنفسها ولا لغيرها إذ لا يليق
____________________
(2/60)
بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء وعدم ذكره أصلا وتقدم خبر لا نكاح إلا بولي
وروى ابن ماجه خبر لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها وأخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الشيخين ومثلها الخنثى لكن لو زوج أخته مثلا فبان رجلا صح ذكره ابن المسلم وخرج بلا تعقد ما لو وكلها رجل في أنها توكل آخر في تزويج موليته
أو قال وليها وكلي عني من يزوجك أو أطلق فوكلت وعقد الوكيل فإنه يصح ( ويقبل إقرار مكلفة به لمصدقها ) وإن كذبها وليها
لأن النكاح حق الزوجين فيثبت بتصادقهما كالبيع وغيره ولا بد من تفصيلها لإقرار فتقول زوجني منه وليي بحضور عدلين ورضاي إن كانت ممن يعتبر رضاها وهذا في إقرارها المبتدأ فلا يتنافي ما سيأتي في الدعاوى من أنه يكفي إقرارها المطلق فإن ذلك محله في إقرارها الواقع في جواب الدعوى ولو كان أحدهما رقيقا اشترط مع ذلك تصديق سيده ولو أقرت لرجل ووليها لآخر عمل بالأسبق فإن أقرا معا فلا نكاح ذكره البلقيني في تصحيحه
وقولي لمصدقها من زيادتي وكالمكلفة السكرانة ( و ) يقبل إقرار ( مجبر ) من أب أو جد أو سيد على موليته ( به ) أي بالنكاح لقدرته على إنشائه بخلاف غيره لتوقفه على رضاها ( ولأب ) وإن علا ( تزويج بكر بلا إذن ) منها ( بشرطه ) بأن يزوجها وليس بينهما عداوة ظاهرة بمهر مثلها من نقد البلد من كفء لها موسر به كبيرة كانت أو صغيرة عاقلة أو مجنونة لكمال شفقته
ولخبر الدارقطني الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها وقولي بشرطه من زيادتي ( وسن له استئذانها مكلفة ) تطييبا لخاطرها وعليه حمل خبر مسلم
والبكر يستأمرها أبوها بخلاف غيره فإنه يعتبر في تزويجه لها استئذانها كما سيأتي وقوله مكلفة من زيادتي ومثلها السكرانة ( وسكوتها ) بقيد زدته بقولي ( بعده ) أي بعد استئذانها ( إذن ) للأب وغيره ما لم تكن قريبة ظاهرة في المنع كصياح وضرب خد لخبر مسلم وإذنها سكوتها وهذا بالنسبة للتزويج
لا لقدر المهر وكونه من غير نقد البلد ( ولا يزوج ولي ) من أب أو غيره عاقلة
( ثيبا ) وهي من زالت بكارتها ( بوطء ) بقيد زدته بقولي
( في قبلها ) ولو حراما أو نائمة ( ولا غير أب ) وسيد من ذي ولاء وسلطان ومن بحاشية نسب كأخ وعم ( بكرا ) عاقلة ( إلا بإذنهما ) ولو بلفظ الوكالة ( بالغتين ) لخبر الدارقطني السابق
وخبر لا تنكحوا الأيامى حتى تستأمروهن رواه الترمذي وقال حسن صحيح أما من خلقت بلا بكارة أو زالت بكارتها بغير ما ذكر كسقطة وأصبع وحدة حيض ووطء في دبرها فهي في ذلك كالبكر لأنها لم تمارس الرجال بالوطء في محل البكارة وهي على غباوتها وحيائها وبما تقرر علم أنه لا تزوج صغيرة عاقلة ثيب إذ لا إذن لها وأن غير الأب لا يزوج صغيرة بحال لأنه إنما يزوج بالإذن ولا إذن للصغيرة
____________________
(2/61)
( وأحق الأولياء ) بالتزويج ( أب فأبوه ) وإن علا لأن لكل منهما ولادة وعصوبة فقدموا على من ليس لهم إلا عصوبة ويقدم الأقرب منهم فالأقرب ( فسائر العصبة المجمع على إرثهم ) من نسب وولاء ( كإرثهم ) أي كترتيب إرثهم فيقدم أخ لأبوين ثم لأب ثم ابن أخ لأبوين ثم لأب وإن سفل ثم عم ثم ابن عم كذلك نعم لو كان أحد العصبة أخا لأم أو كان معتقا واستويا عصوبة قدم ثم معتق ثم عصبته بحق الولاء كترتيب إرثهم وتقدم بيانه في بابه ( فالسلطان ) فيزوج من في محل ولايته بالولاية العامة ( ولا يزوج ابن ) أمه وإن علت ( ببنوة ) لأنه لا مشاركة بينه وبينها في النسب فلا يعتني بدفع العار عنه بل يزوجها بنحو بنوة عم كولاء وقضاء ولا تضره البنوة لأنها غير مقتضية لا مانعة ( ويزوج عتيقة امرأة حية ) فقد ولي عتيقتها نسبا ( من يزوجها ) بالولاية عليها تبعا لولايته على معتقتها فيزوجها أبو المعتقة ثم جدها بترتيب الأولياء ولا يزوجها ابن المعتقة
وما استثنى من طرد ذلك وهو ما لو كانت المعتقة ووليها كافرين والعتيقة مسلمة حيث لا يزوجها ومن عكسه ما لو كانت المعتقة مسلمة ووليها والعتيقة كافرين حيث يزوحها معلوم من اختلاف الدين الآتي في الفصل بعده
( وإن لم ترض ) المعتقة إذ لا ولاية لها ( فإذا ماتت زوج ) العتيقة ( من له الولاء ) من عصباتها فيقدم ابنها على أبيها ( ويزوج السلطان ) زيادة على ما مر
( إذا غاب ) الولي ( الأقرب ) نسبا أو ولاء ( مرحلتين أو أحرم أو عضل ) أي منع دون ثلاث مرات ( مكلفة دعت إلى كفء ) ولو بدون مهر مثل من تزويجها به نيابة عنه لبقائه على الولاية ولأن التزويج في الأخيرة حق عليه
فإذا امتنع منه وفاه الحاكم بخلاف ما إذا دعت إلى غير كفء لأن له حقا في الكفاءة ويؤخذ من التعليل أنها لو دعته إلى مجبوب أو عنين فامتنع الولي كان عاضلا وهو كذلك إذ لا حق له في التمتع وكذا لو دعته إلى كفء فقال لا أزوجك إلا ممن هو أكفأ منه ولا بد من ثبوت العضل عند الحاكم ليزوج كما في سائر الحقوق ومن خطبة الكفء لها ومن تعيينها له ولو بالنوع بأن خطبها أكفاء ودعت إلى أحدهم وخرج بالمرحلتين من غاب دونهما فلا يزوج السلطان إلا بإذنه نعم إن تعذر الوصول إليه لخوف
جاز له أن يزوج بغير إذنه
قاله الروياني أما لو عضل ثلاث مرات فأكثر فقد فسق فيزوج الأبعد لا السلطان كما سيأتي ( ولو عينت كفؤا فللمجبر تعيين ) كفء ( آخر ) لأنه أكمل نظرا منها
أما غير المجبر ولو أبا أو جدا بأن كانت ثيبا فليس له تزويجها من غير من عينته فتعبيري بالمجبر أولى من تعبيره بالأب
____________________
(2/62)